قوله : ( ويقبل المولى بمحض الفضل ) : يقبل التوبة من إنسان بمحض الفضل أي بالفضل الخالص المحض ، لماذا ؟ لأن الله عز وجل هو الذي منَّ عليه أولاً بالتوبة ،
فإن توفيق الله العبد للتوبة توبة قال الله تبارك وتعالى : { ثم تاب عليهم ليتوبوا } ( التوبة 118 ) ، يعني ثم وفقهم للتوبة ليتوبوا فالله عز وجل يمن عليك بمحض الفضل أن تتوب ثم يَمُنُّ عليك مرةً أخرى لقبول التوبة ولو شاء ألا يقبل لم يقبل ولكن من فضله ورحمته عز وجل أن من تاب إلى الله تاب الله عليه بل أشد من ذلك وأبلغ أنه يفرح بتوبة عبده ويحب توبته ، { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } ( البقرة 222 ) ، ويفرح بتوبة عبده فرحاً أشد من فرح الإنسان الذي أضل راحلته وعليها طعامه وشرابه ثم وجدها فإن فرحه لا يُوصَف ومع ذلك فإن الله يفرح بتوبة العبد المؤمن أشد من فرح هذا الرجل براحلته ،
******************
83 – ما لم يتب من كفره بضده ،
فَيَرْتَجِعْ عن شركه وصده ،
قال : ( من غير عبد كافر منفصل ما لم يتب من كفره بضده ) : الحقيقة أن هذا الاستثناء فيه شيءٌ من النظر ،
لأن قوله : ( من غير عبد كافر منفصل ما لم يتب ) : ينطبق على الفاسق أيضاَ ، فإن الفاسق لا يقبل الله منه حتى يتوب وإلا سيبقى على وصف الفسق ،
إلا إذا كان المؤلف يريد ( ويقبل المولى ) أي يقبل العبادات من غير الكافر فهذا له وجه لكنه لا يريد هذا الشيء ،
قال : ( ما لم يتب من كفره بضده ) : ما ضده الإسلام ؟
الكفر إذا تاب من كفره بضد الكفر فإنه تُقبل منه التوبة ،
وإنْ تاب من كفره بضد كفرٍ آخر فإنه لا يُقبل منه ،
مثل : إنْ تاب من نوعٍ من الكفر ورد على النوع الآخر ، فإنه لا يُقبل بل لا بد أن يكفر بجميعه ،
فلو كان الرجل منكراً لشيءٍ مما جاء به الرسول وتاب منه لكنه مشرك يعبد الصنم هل يُقبل منه ؟(71/147)
لا ، لا يُقبل منه حتى يؤمن بكل ما كفر به ،
ولو تاب المسلم من ذنب وهو مصر على آخر تُقبل توبته مما تاب منه ،
وقيل : لا تُقبل يعني ذهب بعض العلماء : إلى أن أضاف إلى الشروط الخمسة شرطاً سادساً وهو أن يقلع عن جميع الذنوب – ما هو عن الذنب الخاص – عن كل الذنوب [200] ،
وبناءاً على هذا القول : لو تاب من ذنبٍ وهو مصرٌ على آخر فإنها لا تُقبل توبته ،
مثاله : رجلٌ تاب من الزنا لكنه يشرب الخمر فعلى هذا الرأي لا تُقبل توبته من الزنا ،
لأنه لو كان صادقاً ما عصى الله لو كان صادقاً في التوبة والرجوع ما عصى الله في الذنب الآخر ،
ولو تاب من الربا لكنه يغش الناس لا تُقبل على هذا الرأي ،
ولكن الصحيح : أنها تُقبل [201] ،
ولكن يُقال : أما التائب التوبة المطلقة فهذا لا بد لتوبته من أن يكون مقلعاً من جميع الذنوب ،
وأما التوبة الخاصة المقيدة فإنها تصح من ذنبٍ مع الإصرار على غيره ،
إذن فالمدح بالتوبة لا يكون إلا لمن أقلع عن جميع الذنوب ،
وأما التقليد فيصح من ذنبٍ ولو مع الإصرار على آخر ،
فالذي تاب من الزنا لكنه يشرب الخمر يصح أن نصفه بالتائب على سبيل الإطلاق ؟
لا ، لكن نقول : تائب من الزنا فلا يصح أن نقول الوصف المطلق الذي يُمدح به التائب إنما يُمدح بقدر ما حصل له من توبة فقط نعم ،
الأسئلة
السؤال : عن الاستدلال بحديث : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) [202] ؟
الجواب : نقول : هذا مؤمن كامل الإيمان هذا المراد وإنما قيدناه بذلك للأدلة الأخرى الدالة على أنه لا يخرج من الإيمان ،
السؤال : لماذا خالف المعتزلة الخوارج حكم فاعل الكبيرة في الدنيا مع أن مصيره في الآخرة واحد ؟(71/148)
الجواب : لأن الكل أخذوا نصوص الوعيد الخوارج أخذوا بنصوص الوعيد وكذلك المعتزلة لكن في الدنيا قالوا أننا ما يمكن أن نبيح دم الفاسق ما يمكن أننا نبيح دمه ولا يمكن أن ندع الصلاة عليه فلهذا امتنعوا وامتناع المعتزلة عن تكفيره في الدنيا يشبه مصانعة ومجاراة الناس لأنهم لو قالوا استبيحوا دماء الناس وأموالهم إذا فعلوا كبيرة من الكبائر صاح عليهم الناس كلهم ،
عند الخوارج أن فاعل الكبيرة لا يغسل إذا مات ولا يُكَفَّن ولا يُصَلَّى عليه ولا يُدْفَنُ في مقابر المسلمين وإنما يدفن في الصحراء ،
وعند المعتزلة يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ،
السؤال : ما هو حد الكبيرة عند المعتزلة ؟
الجواب : لا أدري ما حدهم في الكبيرة هل هم يوافقون أهل السنة على أن كل وعيد وإن قل فإنه يوجب أن يكون الذنب كبيرة أو يخصون الكبائر بالفواحش مثل السبع الموبقات والزنا وشرب الخمر وهذه الأشياء ،
فصل
في ذكر من قيل بعدم قبول إسلامه
84 – ومن يمت ولم يتب من الخطا ،
فأمره مفوض لذي العطا ،
قوله : ( ولم يتب من الخطا ) مراده هنا أي من غير الشرك يعني إلا الشرك فإن الشرك لا يغفره الله ،
قوله : ( فأمره مفوض لذي العطا ) : وهو الله عز وجل ،
******************
85 – فإن يشأ يعفو وإن شاء انتقم ،
وإن يشأ أعطى وأجزل النعم ،
قوله : ( وإن يشأ أعطى وأجزل النعم ) : فوق الذنب ،
ودليل هذا : قول الله عز وجل : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء 48 ) ، وهذه قاضية على كل ذنب ما عدا الشرك ،
فإن قال قائل لو مات على الكفر دون الشرك مثل أن يكون قد جحد شيئاً من القرآن مثلاً هذا كافر فمات على ذلك هل يكون داخلاً تحت المشيئة ؟(71/149)
لا ، لأن المراد بالشرك ما كان مخرجاً عن الإسلام كل شيء يخرج عن الإسلام فإن الإنسان إذا مات عليه لا يغفر وما دون ذلك فإن الله يغفره إن شاء ،
******************
86 – وقيل في الدروز والزنادقة ،
وسائر الطوائف المنافقة ،
اتفق العلماء على أن كل من تاب من كفر فإنه يقبل منه ويرتفع عنه القتل ،
لعموم قول الله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } ( الزمر 53 ) ، وهذه الآية نزلت في التائبين فكل ذنب يتوب الإنسان منه فإن الله تعالى يتوب عليه ،
واختلف العلماء في هذه المسائل التي ذكر المؤلف الدروز والزنادقة …… الخ :
الدروز : فرقة أصلها التشيع لآل البيت ثم غلت غلواً فاحشاً حتى جعلوا المخلوق إلهاً والعياذ بالله وصاروا يعبدون المخلوق من دون الله ومذاهبهم معروفة [203] ،
يقول بعض العلماء : إن الدروز يجب قتلهم بكل حال ولو تابوا ، لماذا ؟
قالوا : لعظم ذنبهم فهم من أجل عظمة الذنب لا تقبل منهم التوبة ،
كذلك الزنديق ، والزنديق : ( هو المارق عن الدين كله ) ،
وقيل الزنديق : هو المنافق .
ولعل الزنديق أشد من المنافق ،
لأن المنافق ربما يتصنع للمسلمين ويظهر أنه مسلم كما هو الشأن في المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم [204] ،
قوله : ( وسائر الطوائف المنافقة ) : الدروز الزنادقة المنافقون ،
******************
87 – وكل داعٍ لابتداع يُقتلُ ،
كمن تكرر نكثه لا يُقبل ،
قوله : ( وكل داعٍ لابتداع ) : كل إنسان يدعو للبدعة والمراد البدعة المكفرة ،
قوله : ( يقتل ) : هذا مقول القول قال : ( يقتل ) : يعني ولو تاب فإنها لا تقبل توبته ،(71/150)
قوله : ( تكرر نكثه لا يُقبل ) : يعني تكررت ردته يرتد ثم يتوب ويرتد ثم يتوب ويرتد ثم يتوب وهكذا ،
قال : هذا لا تقبل توبته ،
لقوله تعالى : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } ( النساء 137 ) ، فقال : { لم يكن الله ليغفر لهم } ، وهذا يقتضي أنها لا تقبل توبتهم ،
******************
88 – لأنه لم يُبْدِ من إيمانه ،
إلا الذي أذاع من لسانه ،
قوله : ( لأنه ) : الضمير يعود على هؤلاء باعتبار الجنس ،
قوله : ( لم يبد من إيمانه أذاع من لسانه ) : أذاع يعني أظهر من لسانه المنافق ،
مثلاً : إذا قلنا إنه يجب قتله ، فقال : أنا مسلم أقول لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأصلي معكم وأزكي ، نقول : ولو كنتَ كذلك ، قال : أنا تائب ، نقول : ولو تبت نقتلك ، لأن قولك أنك تائب وتصلي وتزكي هو قولك بالأول ، لأنك تنافقنا فلم يبد من إيمانك إلا ما أذاعه لسانك وما أذعته اليوم كالذي أذعته بالأمس أنت تنافقنا فلا نقبل منك ،
ولكن الصحيح : أن المنافق تقبل توبته ،
لقول الله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيما } ( النساء 145 – 146 ) .
والآية هذه صريحة في أنها تقبل توبة المنافق ولكن الله شروطاً لا بد منها : { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله } ، حتى نعرف إصلاحهم ،
الثاني في عدم قبول توبة الآخرين يقولون : من تكرر نكثه فإننا لا نقبل توبته أيضاً للآية التي ذكرناها ،
ولأننا لو قبلنا إسلامه اليوم سوف يرتد غداً ،
لأن هذه عادته يؤمن ويكفر ويؤمن ويكفر ما نثق منه فنقتله ،(71/151)
ولكن أيضاً نقول : إن الآية الكريمة قال الله فيها : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً } ( النساء 137 ) ، فكانت نهايتهم ازدياد الكفر لم تكن نهايتهم التوبة وعلى هذا فإذا تابوا وعرفنا أن توبتهم صحيحة باستقامة أحوالهم ،
فالصحيح : أنها تقبل ،
الدروز والزنادقة قالوا : إنها لا تقبل لفداحة كفرهم كالمستهزئين بالله فلا تقبل ،
والصحيح : أن كل كافر بأي نوعٍ من أنواع الكفر تقبل توبته [205] ،
فإننا لا نعلم كفراً أعظم من كفر فرعون ومع هذا لما قال حين أدركه الغرق : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين } ( يونس 90 ) ، ماذا قيل له ؟ { الآن وقد عصيت } ( يونس 90 ) ، ولم يقل له : إن كفرك عظيم لا تنفع فيه التوبة ، بل قيل : { الآن وقد عصيت } ،
لأنه فات وقت التوبة الآن فإذا تاب الإنسان من أي ذنبٍ كان وعلمنا صدق توبته فإننا لا نقتله بل نحكم بإسلامه نعم ،
الداعي للبدعة لو رأى ولي الأمر أن يقتله لأنه ساع ٍ بالفساد في الأرض فله أن يقتله من باب التعزير حتى لو تاب ،
وقولنا : ( له أن يقتله من باب التعزير ) : يعني وليس واجباً عليه قد يرى ولي الأمر أن هذا الداعية للبدعة إذا تاب من بدعته ربما يكون داعية للسنة لأن التائب من البدعة حقيقة لابد أن ينقض ما كان من قبل وحينئذٍ إذا نقض ما كان عليه من قبل من البدع لا شك أننا نكسبه ويكون في ذلك مصلحة للسنة وأهل السنة ،
والخلاصة الآن : أن كل من كفر بأي سبب من أسباب الكفر إذا تاب وصلحت حاله فإننا نقبل توبته مهما كان ذنبه على كل حال ،
******************
89 – كملحد وساحر وساحرة ،
وهم على نياتهم في الآخرة ،(71/152)
ودليل تأثيره : أن السحرة لما سحروا أعين الناس بحبالهم وعِصِيِّهِمْ التي ألقوها كانت مؤثرة حتى في موسى قال الله تعالى : { يخيل لهم من سحرهم أنها تسعى } ( طه 66 ) ، مع أنها حبال وعصي ساكنة في الأرض ما تتحرك لكن يراها الرائي وكأنها تتحرك ،
فإذا قال قائل : هل هذا يدل على أن للسحر تأثيراً أو ليس له تأثير ؟
نقول : أما في قلب الحقائق فليس له تأثير ،
وأما في تصوير الشيء على غير هيئته فهذا له تأثير ،
فالعصي مثلاً : لا يمكن للساحر أن يقلبها إلى حية والحبال لا يمكن أن يقلبها إلى حية لكن يمكن أن يجعل الرائين يرونها وكأنها حيات ،
ويذكر قصة الله أعلم بها أن جماعة كانوا يجنون نخلة يخرفونها وقد وضعوها في إناء فجاء الساحر وقال : أتريدون أن أخوض في هذا الرُّطَب ولا يتأثر ؟ ومعروف أن الرطب إذا خاض فيه الإنسان يتأثر يفسد قالوا : ما تستطيع ؟ قال : أستطيع ، فَسَحَرَهُمْ وجعل يدور حول الإناء من خارج وهم يرونه وكأنه في وسط الإناء فجعلوا يتعجبون وكان الرجل الذي في النخلة لم يبلغه السحر فناداهم قال : إن الرجل يدور حول الإناء وليس في وسط الإناء فأرسل إليه سحرة فقال له : لا ، لا ، أبداً صحيح يخوض في وسط الإناء فالله أعلم هل هذا صحيح أم لا لكن سمعناه ونحن صغار ،
على كل حال : السحر يؤثر لكن لا في قلب الحقائق .
لأنه لا يقدر على قلب الحقائق إلا الخالق عز وجل .
فهو القادر على قلب الحقائق قَلَبَ عصا موسى حية تسعى وتأكل ،
السحر نوعان :
1. سحر يكفر به الساحر ،
2. وسحر لا يكفر به ،
فإن كان السحر بواسطة الاستعانة بالشياطين فهذا كفر ،
لقول الله تعالى : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } ( البقرة 102 ) ،
وإذا كان بالأدوية فإنه لا يكفر ،
لكن يجب أن يُقتل درءاً لمفسدته ،(71/153)
والأول كذلك يجب أن يُقتل لكفره ومفسدته فإن تاب قُتل لمفسدته ،
فقول المؤلف : ( وساحر وساحرة ) : فيه هذا التفصيل :
نقول : إذا كفر بسحره فإنها لا تُقبل توبته باعتبار أننا أقمنا عليه الحد نقتله ،
وإن لم يكفر بسحره أقمنا عليه الحد تطهيراً لا كفراً [206] ،
قوله : ( وهم على نياتهم في الآخرة ) : يعني نحن نحكم بالظاهر .
وأما السرائر ، فإلى من ؟
إلى الله عز وجل السرائر إلى الله عز وجل وهم على نياتهم في الآخرة ،
******************
90 – قلت إن دلت دلائل الهدى ،
كما جرى للعيلبوني اهتدى ،
قوله : ( قلت ) : هذه شرط ،
قوله : ( اهتدى ) : هذه جواب الشرط ،
قوله : ( قلت إن دلت دلائل الهدى ) : يعني يوجد قرائن تدل على صدق توبته فإنه يهتدي وإذا اهتدى قبلنا توبته ،
وأما قوله : ( كما جرى للعيلبوني اهتدى ) : فهذا رجل كان من الزنادقة [207] .
ولكن الله سبحانه وتعالى هداه ،
وأظنه في الأصل درزي فاهتدى يقول المؤلف فمثل هذا نقبل توبته ،
فما هي القرائن التي دلت على صدق توبة العيلبوني ؟
يقول :
******************
91 – فإنه أذاع من أسرارهم ،
ما كان فيه الهتك من أستارهم ،
92 – وكان للدين القويم ناصرا ،
فصار منا باطنا وظاهرا ،
فإذا دلت القرائن على أن هذا الزنديق أو هذا الملحد صار مؤمناً حقيقة فإننا نقبل توبته ونرفع عنه القتل ،
لأننا إذا كنا نعمل بالظاهر وقامت القرائن الظاهرة على صدق توبته وقبلنا توبته فقد عملنا بالظاهر ،
أما مع عدم القرينة ، فإننا لا نقبل توبته من الأشياء التي ذكر العلماء أنها لا تُقبل توبة من اتصف بها ،(71/154)
الاستهزاء بالله والاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم قال : فمن استهزأ بالله لم تُقبل توبته ،
لماذا ؟
لعظم ذنبه ، كيف يستهزأ برب العالمين ،
من استهزأ بالرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا تُقبل توبته لعظم ذنبه ،
ولكن الصحيح : أنها تُقبل توبة كل تائب :
لقوله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً } ( الزمر 53 ) ،
والدليل في المستهزئين خاصة أن الله : { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعفُ عن طائفة منكم نعذب طائفة } ( التوبة 66 ) ، فبيَّن أنه قد يعفوا عن طائفة منهم ويعذب الطائفة الأخرى ،
ولكن من سب الله أو استهزأ بالله قبلنا توبته ورفعنا عنه القتل ،
ومن سب الرسول صلى الله عليه وسلم فتاب قبلنا توبته وقتلناه [208] ،
كيف الذي يسب الله تقبل توبته ولا يُقتل والذي يسب الرسول تقبل توبته ويُقتل ؟
لأن الفرق :
أن الله عز وجل قد أخبرنا بأنه يعفو عن حقه يعفو عن حقه بالتوبة ولم يستثنِ شيئاً ،
وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فسبه حقٌ له ولا نعلم هل يسقطه أو لا ،
وإذا كنا لا نعلم هل يسقطه أو لا ،
فإن الأصل عدم الإسقاط ،
وعلى هذا فنقتله حداًّ لا كفراً ،
الخلاصة : من سب الله أو رسوله ثم تاب فالصحيح : قبول توبته ،
ثم إن كان في حق الله ارتفع عنه القتل ،
لأنه إنما يقتل لحق الله وقد عفا الله عنه ،
وإن كان في حق الرسول فهو مؤمن ولكن نقتله ثم نغسله ونكفنه ونصلي عليه ،
******************
93 – فكل زنديق وكل مارد ،
وجاحد وملحد ومنافق ،
94 – إذا استبان نصحه للدين ،
فإنه يُقبلُ عن يقين ،(71/155)
هذه قاعدة عامة قال : ( إذا استبان نصحه ) ولا يكفي مجرد التوبة ،
لأن الله قال في المنافقين : { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم بالله } ( النساء 146 ) ،
فجعل إضافات على التوبة ليس مجرد ما يقول المنافق : أنا مسلم ، نقبل ،
لأنه كان يقول : أنه مسلم ، من قبل ، لكن لا بد أن يكون هناك إصلاح وإخلاصٌ لله واعتصامٌ به يعني بمعنى أنه تكون هناك قرائن تبين أنه صادق والله أعلم ،
الأسئلة
السؤال : إذا كان الساحر يستعمل دواء لكي يضعف الرجل حتى لا يجامع زوجته هل يجوز نعطيه المال لكي يفك هذا السحر ؟
الجواب : على كل حال إذا علمنا فلا بأس ، لا بأس أن ينقض السحر لأن هذا نقض لا بأس نعطيه المال لأنه لن يطيع إلا بالمال ويخشى عليه أنكم إذا علمتم به سَحَرَكُمْ أيضاً فَكَّ السحر عن ذاك ووضعه عليكم ،
السؤال : نسمع كثيراً من الناس يسبون الله ويسبون رسول الله ويسبون الدين ولكن لا نستطيع أن نعمل شيئاً فماذا نعمل ؟
الجواب : بَلِّغوا من يستطيع فإذا بَلَّغْتُمْ من يستطيع فقد أبرأتم ذممكم فلا يمكن أن تقتله ولكن الذي يظهر لي أن القول بأنه يُلحق أولى لأن العلة واحدة ،
---
[1] - أخرجه مسلم ( 770 ) .
[2] - الرسالة التدمرية ص 102 ،
[3] - الرسالة التدمرية ص 103 – 106 ،
[4] - إيجاز البيان عن معاني القرآن للنيسابوري ( 1 / 159 ــ 161 ) والحدود الأنيقة للأنصاري ( ص 80 ) ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 13 / 143 – 144 ، 273 – 281 ) ( 17 / 387 ، 397 ، 416 – 429 ) ،(71/156)
[5] - قال مقيده غفر الله له : ( هذا الكلام ذكره الشيخ رحمه الله في شرحه الأول على العقيدة الواسطية ( 2 / 198 ) الذي شرحه في سنة 1408 هـ ، وقد شَرَحَ ( العقيدة السفارينية ) في سنة 1408 هـ ، ورجع عنه رحمه الله في شرحه الثاني على الأربعين النووية في الشريط الحادي عشر في الوجه الثاني من الشريط عند شرحه للحديث الثالث والعشرون عند قوله صلى الله عليه وسلم : ( والقرآن حجةٌ لك أو عليك ) فقال : ( وكونه في الكتاب المكنون هل معناه أن القرآن كله كتب في اللوح المحفوظ أو أن المكتوب ذكر القرآن وأنه سينزل وسيكون كذا وكذا ؟ الأول ، لكن يبقى النظر : كيف يُكتب قبل أن تخلق السماوات بخمسين ألف سنة وفيه العبارات الدالة على المضي مثل : قوله { وإذ غدوت من أهلك تبوئ للمؤمنين مقاعد للقتال } ، ومثل قوله : { قد سمع الله التي تجادلك } وهو حين كتابته قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة لم يسمع لأن المجادلة ما خلقت أصلاً حتى تسمع مجادلتها ؟ فالجواب أن الله قد علم ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ كما أنه قد علم المقادير وكتبها في اللوح المحفوظ وعند تقديرها يتكلم الله عز وجل بقوله : { كن فيكون } ، هكذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو مما تطمئن إليه النفس ، وكنت قبلاً أقول : إن الذي في اللوح المحفوظ ذكر القرآن ، لا القرآن ، بناءً على أنه يعرج بلفظ المضي قبل الوقوع ، وأن هذا كقوله تعالى – عن القرآن – : { وإنه لفي زبر الأولين } والذي في زبر الأولين ليس القرآن ، الذي في زبر الأولين ذكر القرآن والتنويه عنه ، ولكن بعد أن اطلعت على قول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى انشرح صدري إلى أنه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ ولا مانع من ذلك ، ولكن الله تعالى عند إنزاله إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتكلم به ويلقيه إلى جبريل ، هذا قول السلف وأهل السنة في القرآن ) ، وقد شرح الشيخ كتاب ( الأربعين النووية ) مرةً ثانية(71/157)
في دورته الصيفية الأخيرة في سنة 1421 هـ التي قبل وفاته ببضعة أشهر وشرحه موجودٌ منتشر وعدد أشرطته ( 19 شريطاً ) ، والصحيح : ما رجع إليه الشيخ رحمه الله وهو أن القرآن الكريم مكتوبٌ كله في اللوح المحفوظ ، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 12 / 126 و 127 ، 15 / 223 ) فاقتضى ذلك التنبيه والتنويه على ذلك ، والله أعلم ) .
[6] - شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم ( ص 661 ) ،
[7] - أخرجه مالك ( 468 ) والدارمي ( 2266 ) وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل برقم 122 ،
[8] - هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي ، المشهور بـ ( ابن قيم الجوزية ) ، نشأ في بيت علم ، فبرع في العلوم والفنون ، عني بالحديث متونه ورجاله ، والتفسير والأصول من المنطوق والمفهوم والفقه واللغة والنحو، وكان أديباً واعظاً خطيباً ، فصنف وناظر واجتهد وصار من الأئمة الكبار ، ففاق أقرانه واشتهر في الآفاق ، فكان واسع العلم عارف بالخلاف ومذاهب السلف ، وكان من أبرز تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ، حيث أنه لازمه إلى أن مات ، فأخذ عنه علماً جماً مع ما حواه من علوم فصار فريدً في بابه ، توفي رحمه الله سنة 751 هـ ،
البداية والنهاية لابن كثير ( 9 / 491 ) ، جلاء العينين للآلوسي ( ص 44 ) ، البدر الطالع للشوكاني ( 2 / 143 ) ، النجوم الزاهرة لابن تغري ( 10 / 249 ) ، بغية الوعاة للسيوطي ( 1 / 62 ) ، الرد الوافر لابن ناصر ( ص 124 ) ، المعجم المختص للذهبي ( ص 269 ) ، الدرر الكامنة لابن حجر ( 4 / 21 ) ، الفتح المبين للمراغي ( 2 / 161 ) ،
[9] - القصيدة النونية ( 1/ 262 ) شرح ابن عيسى ، وقد شرحها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، يسر الله لنا إخراجه ،
[10] - جامع الرسائل والمسائل ( 1 / 162 ) ،(71/158)
[11] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 303 – 308 ) ومنهاج السنة النبوية ( 1 / 303 – 304 ) ودرء تعارض العقل والنقل ( 1 / 38 – 41 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 50 ، 100 ) وشرح القصيدة النونية للشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى ( 2 / 28 وما بعدها ) ،
[12] - التعريفات للجرجاني ( ص 79 ، 83 ، 153 ) ، الحدود الأنيقة للأنصاري ( ص 71 ) ،
[13] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 383 ) ،
[14] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 132 ) ( 2 / 383 ) ،
[15] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 50 – 54 ، 100 ، 550 ، 618 ) ،
[16] - انظر كلام شيخ الإسلام في شبهة التجسيم في : بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 29 ، 50 ، 100 ، 505 وما بعدها ، 550 ، 618 ) ( 2 / 93 ، 493 – 499 ) والرسالة التدمرية ص 35 ، 120 ، 133 ومجموع الفتاوى ( 4 / 144 ) ( 5 / 176 ، 418 – 419 ، 428 – 434 ) ( 13 / 146 ) ) والرد على المنطقيين ص 224 وما بعدها والفتوى الحموية الكبرى ص 54 ،
[17] - مسألة الاستواء عند شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 13 / 294 – 313 ) ( 17 / 423 – 425 ) والفتوى الحموية الكبرى ص 54 والرسالة التدمرية ص 81 ،
[18] - مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 351 ) ،
[19] - شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم ( ص 369 ) ،
[20] - أخرجه البخاري ( 3190 ) ،(71/159)
[21] - أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية وأبو الشيخ في طبقات المحدثين ( 2 / 214 ) والسجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 123 والللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ( 3 / 664 ) والبيهقي في الأسماء والصفات ( 2 / 305 – 306 ) والرسالة التدمرية ص 43 ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 167 ) ( 5 / 40 – 41 – 149 – 365 – 390 ) ( 13 / 308 – 309 ) ( 16 / 472 – 473 ) وشرح حديث النزول ص 107 – 132 ودرء تعارض العقل والنقل ( 1 / 278 ) ( 6 / 265 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 2 / 37 ، 436 ) والصواعق المرسلة لابن القيم ( 3 / 923 ) ( 4 / 304 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 124 وقال الذهبي في مختصر العلو للعلي العظيم ص 139 : ( هذا ثابت عن مالك ) ،
[22] - لمزيد من الفائدة في مسألة العلو وما ورد فيها من آثار السلف انظر كتاب العلو للعلي العظيم للحافظ الذهبي ومختصره للشيخ العلامة الألباني رحمهما الله تعالى ،
[23] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 362 ، 555 – 556 ) والرسالة الوافية لأبي عمرو الداني ص 122- 129 – 130 ،
[24] - حديث أخرجه البخاري ( 1094 ) ومسلم ( 758 ) ،
[25] - شرح حديث النزول ص 232 ،
[26] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 53 ) ،
[27] - انظر كلام شيخ الإسلام في شبهة التجسيم في : بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 29 ، 50 ، 100 ، 505 وما بعدها ، 550 ، 618 ) ( 2 / 93 ) والرسالة التدمرية ص 35 ، 120 ، 133 ومجموع الفتاوى ( 4 / 144 ) ( 5 / 176 ، 418 – 419 ، 428 – 434 ) ( 13 / 146 ) ) والرد على المنطقيين ص 224 وما بعدها والفتوى الحموية الكبرى ص 54 ،
[28] - القصيدة النونية ( 1 / 233 ) شرح الهراس ،
[29] - ذكر هذا البيت الجويني في لمع الأدلة ص 95 والنسفي في تبصرة الأدلة ( 1 / 184 ) والرازي في أساس التقديس ص 202 والعز بن عبد السلام في الإشارة إلى الإيجاز ص 110 ،(71/160)
والقاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص 226 وزاد فيه : ( فالحمد للمهيمن الخلاق ) ، وفي المختصر في أصول الدين ( 1/ 216 ) له ضمن رسائل العدل والتوحيد ،
والإيجي في المواقف ص 297 ولكن فيه : ( قد استوى عمرو ) ،
ولم يتعقبه الجرجاني في شرحه له ( 3 / 150 ) ،
وابن القيم في الصواعق المرسلة ( 1 / 359 المختصر ) ولكن بلفظ : ( بشر قد استولى على العراق ) ، وكلهم ذكروه مجهول النسبة ،
ولكن ذكر الزبيدي في شرحه للإحياء ( 2 / 173 ) أنه منسوب إلى الأخطل ، وأرجع هذا القول إلى الجوهري ،
وفي الصحاح للجوهري ( 6 / 2385 ) لم ينسبه لأحد ! ،
وانظر لسان العرب لابن منظور ( 6 / 447 ) وجعله محقق ديوانه ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ( ص 557 ) ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 5 / 146 ) : (أنه لم يثبت أن لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى ; إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور :
ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة ; وذكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه ( الإفصاح ) قال : سئل الخليل هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟ فقال : هذا ما لا تعرفه العرب ; ولا هو جائز في لغتها وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله فحينئذ حمله على ما لا يعرف حمل باطل ) ،
[30] - ذكر هذا البيت الجويني في لمع الأدلة ص 95 والنسفي في تبصرة الأدلة ( 1 / 184 ) والرازي في أساس التقديس ص 202 والعز بن عبد السلام في الإشارة إلى الإيجاز ص 110 ،(71/161)
والقاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص 226 وزاد فيه : ( فالحمد للمهيمن الخلاق ) ،
وفي المختصر في أصول الدين ( 1/ 216 ) له ضمن رسائل العدل والتوحيد ،
والإيجي في المواقف ص 297 ولكن فيه : ( قد استوى عمرو ) ،
ولم يتعقبه الجرجاني في شرحه له ( 3 / 150 ) ،
وابن القيم في الصواعق المرسلة ( 1 / 359 المختصر ) ولكن بلفظ : ( بشر قد استولى على العراق ) ،
وكلهم ذكروه مجهول النسبة ،
ولكن ذكر الزبيدي في شرحه للإحياء ( 2 / 173 ) أنه منسوب إلى الأخطل ،
وأرجع هذا القول إلى الجوهري ،
وفي الصحاح للجوهري ( 6 / 2385 ) لم ينسبه لأحد ! ،
وانظر لسان العرب لابن منظور ( 6 / 447 ) وجعله محقق ديوانه ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ( ص 557 ) ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 5 / 146 ) : (أنه لم يثبت أن لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى ; إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور :
ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة ; وذكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه ( الإفصاح ) قال : سئل الخليل هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟ فقال : هذا ما لا تعرفه العرب ; ولا هو جائز في لغتها وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله فحينئذ حمله على ما لا يعرف حمل باطل ) ،
[31] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5/ 146 ) ، والصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 359 ــ المختصر ) ،
[32] - الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 359 ــ المختصر ) ،(71/162)
[33] - وأبطل تأويل هذا البيت بمعنى استولى أبو منصور عبد القاهر البغدادي في كتابه أصول الدين ( ص 112 ) ،
ونقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق ، عن ابن الأعرابي إمام اللغة أنه قال : ( أرادني أحمد بن أبي دؤاد أن أجد له في لغة العرب { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) بمعنى استولى ، فقلت : والله ما أصبت هذا ) ،
فتح الباري لابن حجر ( 13 / 417 ) ، وشرح أصول السنة لللالكائي ( 3 / 443 ) ، وذكر الخطيب في تاريخ بغداد ( 5 / 284 ) حادثة أخرى له ، أنظرها هناك ،
[34] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 519 ) ،
[35] - شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم ( ص 248 ) ،
[36] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 52 ، 397 ، 428 – 446 ) ( 2 / 163 ، 171 وما بعدها ) ومسألة القرآن لابن عقيل ص 93 ،
[37] - الرد على المنطقيين ص 226 ،
[38] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 46 – 49 ) ( 2 / 90 ) ،
[39] - التسعينية ( 1 / 127 ) والرسالة التدمرية ص 79 ،
[40] - أخرجه البخاري ( 968 ) ومسلم ( 897 ) ،
[41] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 597 ) ،
[42] - أصل السنة لابن أبي حاتم ( ص 24) ، البرهان للسكسكي ( ص 95) بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 106 ، 109 ، 241 – 245 ، 625 ) ،
[43] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 214 ، 215 ) ،
[44] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 198 ) ،
[45] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 461 ) ،(71/163)
[46] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 428 ) ( 3 / 193 ) ( 6 / 15 – 16 ) وجامع البيان للطبري ( 1 / 501 وما بعدها ) والمصنف لابن أبي شيبة ( 1 / 370 ) وأحكام القرآن للجصاص ( 1 / 88 ، 121 ) ( 2 / 365 ) والمبسوط للسرخسي ( 10 / 191 ) والمغرب للمطرزي ص 478 والمغني لابن قدامة ( 1 / 260 ) وتبيين الحقائق للزيلعي ( 1 / 101 ) والمصباح المنير للفيومي ص 649 ودرر الحكام لمنلا خسرو ( 1 / 61 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 1 / 302 ) وشرح منتهى الإرادات للبهوتي ( 1 / 168 ، 174) وكشاف القناع للبهوتي ( 1 / 302 ) والموسوعة الفقهية ( 19 / 144 ) ،
[47] - أخرجه البخاري ( 5873 ) دون قوله ( إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ) وأخرجه مسلم ( 2612 ) وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الحديث في مجموع الفتاوى ( 4 / 183 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 615 ) ،
[48] - كتاب الصفات للدارقطني تحقيق فضيلة الشيخ علي ناصر فقيهي ص 57 – 63 – 64 وكتاب السنة لعبدالله بن الإمام أحمد ( 1 / 268 ) ( 2 / 479 – 480 – 490 ) وكتاب السنة لابن أبي عاصم ( 1 / 229 – 230 ) وكتاب التوحيد لابن خزيمة ( 1 / 81 – 94 ) وكتاب الشريعة للآجري ص 314- 315 وكتاب التوحيد لابن مندة ( 1 / 222 ) وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي ( 2 / 60 ) وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبدالله الغنيمان ( 2 / 29 – 38 ، 61 – 65 ، 67 - 98 ) وشرح صحيح مسلم للنووي ( 16 / 402 – 404 ) وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 199 وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 14 / 374 ) وكتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة ص 357 – 358 ،
[49] - أخرجه البخاري ( 3074 ) ومسلم ( 2834 ) ،
[50] - المحكم لابن سيده ( 1 / 256 ) وانظر بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 46 – 49 ) ( 2 / 90 ) ،
[51] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 48 ) ،
[52] - أخرجه البخاري ( 6976 ) ومسلم ( 993 ) ،(71/164)
[53] - أخرجه مسلم ( 2759 ) ،
[54] - انظر تعريف الحقيقة والمجاز عند ابن عقيل في مسألة القرآن ص 95 ،
[55] - هو محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، والجكني نسبة إلى قبيلته التي تنحدر من جدها الأعلى ( جاكن ) الذي يرجع أصله إلى حمير ، وهو من شنقيط من موريتانيا ، من علماء هذا العصر وجهابذته ، كان عالماً في كل فنون العلم ، شهد لعلمه المؤالف والمخالف، استقر أمره في المدينة النبوية ، وتوفي في مكة سنة 1393 هـ رحمه الله ،
انظر علماء ومفكرون عرفتهم للمجذوب ( 1 / 171 ) والأعلام للزركلي ( 6 / 45 ) ،
[56] - هو كتاب ( منع جواز المجاز ) ،
[57] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 87 - 119 ) ( 20 / 400 – 497 ) ومختصر الصواعق المرسلة ( 2 / 271 ) لابن القيم ،
ومبحث طويل نفيس في المجاز ووجوده في اللغة والقرآن والرد على مثبتيه في كتابه الإيمان ص 84 – 114 ،
[58] - القصيدة النونية لابن القيم ( 2 / 320 ) شرح ابن عيسى
[59] - مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 273 – 304 – 318 ) ،
[60] - أخرجه البخاري ( 4407 ) ومسلم ( 993 ) ،
[61] - الرسالة التدمرية ص 73 ،
[62] - لسان العرب لابن منظور ( 1 / 286 ) ، مجمل اللغة لابن فارس ( 1 / 108 ) ،
[63] - وهو الحق الذي لا مرية فيه ، وانظر تخريج حديث الساق بعد قليل ،
[64] - روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بأسانيد ضعيفة لا يقوم بها الاعتضاد ، وعن بعض السلف بأسانيد لا تثبت ،
انظر ( المنهل الرقراق في تخريج ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير : { يوم يُكشف عن ساق } ) لسليم الهلالي ، ففيه " التفصيل الذي يروي الغليل ، ويكبت الشانىء العليل " ،
[65] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 394 ) والصواعق المرسلة لابن القيم ( 1 / 252 ) ،(71/165)
[66] - أخرجه البخاري ( 8 / 663 ـ الفتح ـ كتاب التفسير ـ باب : { يوم يُكشف عن ساق } ) ، ( 13 / 420 ـ الفتح ـ كتاب التوحيد ـ باب قول الله تعالى : { وجوه يومئذِ ناضرة } ) ، ومسلم ( 3 / 27 ــ في الإيمان ) ،
ويشهد له حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، الطويل أيضاً ، وفيه : ( فعند ذلك يكشف الله عن ساقه ، فيخر كل من بظهره طبق ، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر ) ، أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة ( 2 / 520 ) ، والطبراني في المعجم الكبير ( 9 / 416 ) ، والبيهقي في البعث والنشور ( ص 252 ) ،
صححه الذهبي في الأربعين في صفات رب العالمين ( ص 131 ) ، وابن حجر في المطالب العالية ( 4 / 367 ) ، والمنذري في الترغيب والترهيب ( 4 / 395 ) ، والبوصيري في إتحاف الخيرة ( 10/ 343 ) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ( 10 / 343 ) ، والألباني في تخريج الطحاوية ( ص 415 ) ،
ويشهد له أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : â tP?qt? ?#t±?3?? `t? 5-$y? ?قال : يكشف الله عز وجل عن ساقه ) ، أخرجه ابن أبي داود في كتاب البعث ( ص 79 ) ، وابن مندة في الرد على الجهمية ( ص 40 ) ، والإيمان ( 2/ 794 ) ، والطبري في تفسيره ( 29 / 26 ) بإسناد صحيح ،،(71/166)
[67] - هو أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي ، أبو الطيب المتنبي ، صاحب الأمثال في الشعر ، شيعي متخبط ، جعل نسبه علوي ثم ادعى النبوة ، وبه سمي المتنبي على الأصح ، وزعم أن قرآناً أنزل عليه ، وذكروا له بعض السور منه ، فحبس دهراً طويلاً ، وأشرف على القتل ، ثم استتيب ، وكتبوا عليه وثيقة أشهد عليه فيها بكذب ما ادعاه ، ثم أطلق ، وكان معجبا ً بنفسه مغروراً ، كثير السرقة والانتحال لأبيات غيره بأخذ ألفاظها ومعانيها ، وكان طامعاً في الثروة والسلطان من خلال مديحه للأمراء والسلاطين ، مات مقتولاً على يد قطاع طرق على الراجح سنة 354 هـ ، قتله بيت شعر له ، ذُكِّر به بعد أن فر :
الخيل والليل والبيداء تعرفني .
والحرب والضرب والقرطاس والقلم .
نشوار المحاضرة للتنوخي ( 4 / 245 ـ 251 ) و ( 8 / 198 ) ، وفيات الأعيان لابن خلكان (1/120) ، روضات الجنات للخونساري ( 1 / 230 ) ، أعيان الشيعة للعاملي ( 8 / 61 ) ، دائرة المعارف الإسلامية (1/ 363 ) ، المنصف للسارق والمسروق منه لابن وكيع ( 1 / 74 ) ،
[68] - ديوانه ( 1 / 302 ) ،
[69] - أخرجه البخاري ( 2583 ) .
[70] - أخرجه مسلم ( 2937 ) ،
[71] - الرسالة التدمرية ص 20 ،
[72] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 46 – 49 ) ( 2 / 90 ) ،
[73] - وعلى هذا أجمع سلف الأمة وأئمتها انظر الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 248
[74] - مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 398 ) ،
[75] - أخرجه العقيلي ( 1 / 70 – 71 ) والبزار ( كشف الأستار ) وهذا الحديث قال فيه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 3 / 93 ) برقم 1024 : ( ضعيف جداً ) .
[76] - أخرجه البخاري ( 4141 ) .
[77]- أخرجه مسلم ( 179 ) ،(71/167)
[78] - جامع البيان للطبري ( 13 / 94 ) ومعالم التنزيل للبغوي ( 7 / 429 ) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 17 / 87 ) ،
[79] - أخرجه البخاري ( 3256 ) ومسلم ( 169) وبغية المرتاد ص 514 – 518 ،
[80] - انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول .
[81] - نص على تواتر أحاديث النزول جماعة من أهل العلم منهم : شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول ص 69 والعلامة ابن القيم في الصواعق المرسلة ( 1 / 387 – 388 ) والحافظ الذهبي في العلو للعلي العظيم ص 79 والحافظ ابن عبدالبر في التمهيد ( 7 / 128 ) والشيخ العلامة محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الأدب المفرد ص 282 ،
[82] - أخرجه البخاري ( 1094 ) ومسلم ( 758 ) وأحمد ( 16303 ) ،
[83] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 393 – 394 ) ،
[84] - شرح حديث النزول ( ص 160 ) ،
[85] - شرح حديث النزول ص 232 ،
[86] - شرح حديث النزول ص 320 ،
[87] - أخرجه البخاري ( 7 ) ومسلم ( 1773 ) ،
[88] - شرح حديث النزول ص 395 ،
[89] - جامع الرسائل والمسائل ( 2 / 3 وما بعدها ) ،
[90] - أخرجه الترمذي ( 3524 ) وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 3 / 448 ) ،
[91] - غذاء الألباب للسفاريني ( 2 / 446 ) ،
[92] - شظف العيش : أي يبس العيش ، انظر المحيط في اللغة للصاحب ( 7 / 309 ) ،
[93] - جمهرة اللغة لابن دريد ( 2 / 338 ،339 ) ،
[94] - أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية وأبو الشيخ في طبقات المحدثين ( 2 / 214 ) والسجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 123 والللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ( 3 / 664 ) والحجة في بيان المحجة للأصبهاني ( 1 / 175 ) والبيهقي في الأسماء والصفات ( 2 / 305 – 306 ) والرسالة التدمرية ص 43 ، وقال الذهبي في مختصر العلو للعلي العظيم ص 139 : ( هذا ثابت عن مالك ) ،(71/168)
وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 167 ) ( 5 / 40 – 41 – 149 – 365 – 390 ) ( 13 / 308 – 309 ) ( 16 / 472 – 473 ) وشرح حديث النزول ص 107 – 132 ودرء تعارض العقل والنقل ( 1 / 278 ) ( 6 / 265 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 2 / 37 ، 436 ) ومجموعة الرسائل والمسائل ( 1 / 212 – 213 ) والصواعق المرسلة لابن القيم ( 3 / 923 ) ( 4 / 304 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 124 ،
[95] - مجاز القرآن لأبي عبيدة ( 1 / 379 ) ،
[96] - أخرج مسلم ( 2670 ) ،
[97] - لمزيد من الفائدة : انظر منهج دراسات لآيات الأسماء والصفات للشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي ،
[98] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 587 ) ،
[99] - تهذيب اللغة للأزهري ( 8 / 132 ) ،
[100] - الصحاح ، للجوهري ( 4 / 1320 ) ،
[101] - أخرجه النسائي ( 1369 ) وأبو داود ( 1052 ) وأحمد ( 15072 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 1 / 451 ) برقم 727 ،
[102] - القاموس المحيط ، للفيروز آبادي ( ص 930 ) ،
[103] - التسعينية ( 1 / 171 ) ،
[104] - وهو ما ذهب إليه ابن حزم أنه لا يثبت لله صفات انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل ( 2 / 283 – 286 ) ،
[105] - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي ( 3 / 558 ) ،
[106] - انظر تقسيم الصفات إلى ثبوتية وسلبية في القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين ص 31 – 32 والصفات الإلهية للشيخ محمد أمان ص 199 – 203 ،
[107] - أخرجه مسلم ( 179 ) ،
[108] - هم الذين يتتبعون الأثر ، تهذيب اللغة للأزهري ( 9 / 330 ) ، وانظر مفتاح السعادة لكبري زادة ( ص 749 ) ،
[109] - البعير يذكر ويؤنث ، البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث للأنباري ( ص 76 ) ، والمذكر والمؤنث لابن التستري ( ص 79 ) ،
[110] - هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من أشهر شعراء العرب في الجاهلية .(71/169)
وامرؤ القيس لقبه ، واسمه خندج ، وقيل : غيره ، مات نحو 80 ق هـ ، جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من فحول الجاهلية ،
طبقات فحول الشعراء لابن سلام ( 1 / 51 ) ، الشعر والشعراء لابن قتيبة ( 1 / 105 ) ، الأغاني لأبي الفرج ( 9 / 93 ) ، خزانة الأدب للبغدادي ( 1 / 160 ) و ( 3 / 609 ) ،
[111] - ديوانه ( ص 18 ) ،
[112] - أخرجه البخاري ( 3525 ) ومسلم ( 1459 ) ،
[113] - أخرجه البخاري ( 6137 ) ،
[114] - المغني لابن قدامة ( 6 / 330 ) والإنصاف للمرداوي ( 3 / 231 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 2 / 143 ) والفروع لابن مفلح ( 2 / 614 ) وحاشية الروض المربع لابن قاسم ( 3 / 316 ) ،
[115] - أخرجه الترمذي ( 3272 ) وأحمد ( 12989 ) وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وصححه العلامة الألباني في ظلال الجنة ( 531 ، 534 ) .
[116] - أخرجه البخاري ( 6866 ) ومسلم ( 134 ) .
[117] - ورد في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وصححه ( 4726 ) والدارمي ( 2800 ) وضعفه الأباني في ظلال الجنة ( 575 ) ، وانظر بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 570 ) .
[118] - أخرجه البخاري ( 127 ) .
[119] - أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه .
[120] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 273 ) ،
[121] - أخرجه أحمد ( 8500 ) وضعفه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 3 / 691 ) .
[122] - أخرجه مسلم ( 179 ) ،(71/170)
[123] - درء تعارض العقل والنقل ( 7 / 353 ، 406 – 461 ) ( 8 / 6 – 7 ، 21 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 16 / 328 – 358 ) ( 20 / 202 ، 225 – 226 ) والنبوات ( 1 / 249 ) والاستقامة ( 1 / 142 ) والتسعينية ( 1 / 195 وما بعدها ) وكتاب الإيمان ص 68 والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 274 وفتح الباري للحافظ ابن حجر ( 1 / 70 ، 77 ) ( 6 / 341 ) ( 13 / 349 – 354 ، 361 ) والبحر المحيط للزركشي ( 8 / 325 ) ،
[124] - قال الشيخ موفق الدين ابن قدامة : ( وأما التقليد في الفروع فهو جائز إجماعاً ) ، وخالف بعض المعتزلة – بعض معتزلة بغداد – ذلك فقالوا : أنه يلزم العامي النظر في الدليل في الفروع ، قال ابن قدامة : ( وهو باطل بإجماع الصحابة ،،،، ) ، انظر روضة الناظر ( 3 / 1018 ) والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب الكلوذاني ( 4 / 399 ) والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ( 4 / 197 ) والتلخيص في أصول الفقه لأبي المعالي الجويني ( 3 / 433 ) وتيسير التحرير لأمير بادشاه ( 4 / 246 ) والمسودة في أصول الفقه لأبي البركات ابن تيمية ص 458 والبحر المحيط للزركشي ( 8 / 332 ) والتقرير والتحبير في شرح التحرير لابن أمير الحاج ( 3 / 342 – 344 ) والموسوعة الفقهية ( 13 / 160 – 162 ) ،
[125] - وهو قول بعض الشافعية وبعض المتكلمين ، انظر التحبير شرح التحرير للمرداوي ( 8 / 4018 ) والفروع لابن مفلح ( 6 / 566 ) ،
[126] - وهو قول الإمام أحمد والقاضي أبا يعلى وابن عقيل وأبو المعالي الجويني وهو قول جمهور العلماء ،(71/171)
لمزيد من الفائدة في مسألة التقليد في العقيدة : انظر : العدة في أصول الفقه لأبي يعلى ( 4 / 1217 ) والتحبير شرح التحرير للمرداوي ( 8 / 4017 ) والبلبل في أصول الفقه للطوفي ص 183 والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب الكلوذاني ( 4 / 396 ) وروضة الناظر لابن قدامة ( 3 / 1017 ) والمسودة في أصول الفقه لأبي البركات ابن تيمية ص 457 وشرح تنقيح الفصول للقرافي ص 430 والتلخيص في أصول الفقه لأبي المعالي الجويني ( 3 / 427 ) والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ( 4 / 223 ) ونهاية السول للإسنوي ( 3 / 264 ) والمعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري ( 2 / 941 ) وتيسير التحرير لأمير بادشاه ( 4 / 243 ) والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ( 2 / 261 ) والمحصول في أصول الفقه للفخر الرازي ( 6 / 73 ) والبحر المحيط للزركشي ( 8 / 325 – 328 ) والأحكام السلطانية للماوردي ص 85 والفتاوى الكبرى ( 6 / 347 ) وحاشية العطار ( 2 / 433 ) ،
[127] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 335 ) ( 6 / 506 - 512 ) ومنهاج السنة النبوية ( 6 / 384 – 387 ) وبغية المرتاد ص 470 – 471 ،
[128] - حديث قدسي أخرجه البخاري ( 7098 ) ومسلم ( 2675 ) ،
[129] - أخرجه البخاري ( 1094 ) ومسلم ( 758 ) ،
[130] - الرد على البكري ص 287 ،
[131] - أخرجه البخاري ( 269 ) ومسلم ( 317 ) ،
[132] - جمهرة اللغة لابن دريد ( 2 / 338 ، 339 ) ،
[133] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 216 وما بعدها كتاب الروح لابن القيم ص 226 وشرح العقيدة الطحاوية ص 391 ،(71/172)
[134] - درء تعارض العقل والنقل ( 1 / 122 – 124 ، 308 ) ( 3 / 83 – 86 ، 163 – 164 ، 444 – 446 ) ( 5 / 203 – 203 ) ومنهاج السنة النبوية ( 1 / 360 ) ( 2 / 139 ، 142 ، 202 ) ( 5 / 443 – 444 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 178 – 179 ) والنبوات ( 1 / 298 – 328 ) ( 2 / 1099 – 1101 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 421 – 425 ) ( 17 / 242 – 260 ، 313 ، 443 ) وبغية المرتاد ص 307 ،
[135] - منهاج السنة النبوية ( 1 / 146 – 147 ، 298 ، 389 ، 436 ، 176 ) ودرء تعارض العقل والنقل ( 2 / 147 – 148 ، 342 – 399 ) ( 9 / 236 – 250 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 18 / 210 – 243 ) والصفدية ( 1 / 10 وما بعدها ) ومجموعة الرسائل والمسائل ( 3 / 441 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 129 وما بعدها وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ ابن عثيمين ص 134 ،
[136] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 524 ) ( 8 / 381 ) ( 9 / 278 ) ( 12 / 45 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 159 ) ،
[137] - هو محمد بن الهذيل بن عبيد الله البصري ، المعروف بالعلاف ، أبو الهذيل ، شيخ الكلام ، ورأس الاعتزال ، ومن المعتزلة فرقة ينسبون إليه ، يعرفون بالهذيلية يقولون بمقالاته ، ومن مقالاته أن المقتول بالسيف أو غيره لم ينته أجله ولا مات بأجله ، يقال : قارب مائة سنة ، وخرف وعمي ، مات سنة 226 هـ ، وقيل : 235هـ ، السير للذهبي ( 11 / 173 ) ، الوافي بالوفيات للصفدي ( 5 / 161 ) وفيه حادثة له منكرة ! طبقات المعتزلة للمرتضي ( ص 44 ) ،
[138] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 543 ، 561 ) ( 8 / 154 ) ( 9 / 278 ) ( 12 / 45 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 2 / 183 ) ،
[139] - القصيدة النونية لابن القيم ( 1 / 82 ) شرح ابن عيسى ،
[140] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 183 ) ،
[141] - أخرجه مسلم ( 471 ) ،(71/173)
[142] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 16 / 444 – 445 ) ،
[143] - وانظر في تفنيد هذا الاتهام عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، كتاب دفع الشبه الغوية لمراد شكري ( ص 11 ـ 68 ) وكتاب ابن تيمية المفترى عليه للهلالي ( ص 68 ـ 98 ) ،
[144] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 279 ) والروح لابن القيم ص 154 وما بعدها ، وشرح العقيدة الطحاوية ص 395 ،
[145] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 518 ) ،
[146] - النبوات ( 1 / 461 ) ،
[147] - انظر مسألة خلق أفعال العباد في كتاب خلق أفعال العباد للإمام البخاري ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 117 – 118 ، 459 – 460 ) وشفاء العليل لابن القيم ص 114 وشرح العقيدة الطحاوية ص 436 وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى ص 225 وشرح لمعة الاعتقاد للشيخ ابن عثيمين ،
[148] - جامع الرسائل والمسائل ( 1 / 122 وما بعدها ) ،
[149] - شرح حديث النزول ص 413 ،
[150] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 187 – 188 ) وجواب أهل العلم والإيمان ص 83 وشرح العقيدة الطحاوية ص 114 ،
[151] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 276 – 277 ،
[152] - أخرجه البخاري ( 1 ) ،
[153] - أخرجه الترمذي ( 1423 ) وقال : حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وأبو داود ( 4398 ) وابن ماجة ( 2041 ) وأحمد ( 943 ) والدارمي ( 2296 ) وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل برقم 297 ،
[154] - جمهرة الأمثال للعسكري ( 1 / 215 ) ، المستقصى في أمثال العرب للزمخشري ( 1 / 370 ) ، نكتة الأمثال للكلاعي ( ص 47 ) ،
[155] - أخرجه مسلم ( 2577 ) ،(71/174)
[156] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 91 – 93 ) والرد على المنطقيين ص 522 ومفتاح دار السعادة لابن القيم ( 2 / 14 62 ) ولوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 1 / 332 – 333 ) وكتاب الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى للشيخ الدكتور محمد بن ربيع بن هادي المدخلي حفظهما الله تعالى ص 112 ،
[157] - ذكر الشيخ رحمه الله تعالى قبل قليل أن المراتب أربعة ، وهنا ذكرها خمس .
[158] - أخرجه البخاري ( 4352 ) ،
[159] - أخرجه مسلم ( 867 ) ،
[160] - انظر رسالة الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبيان الأقوال في ذلك ص 41 ،
[161] - الرد على البكري ص 329 – 330 ،
[162] - شرح العقيدة الطحاوية بتحقيق العلامة الألباني ص 133 .
[163] - أخرجه البخاري ( 6982 ) وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الحديث في مجموع الفتاوى ( 2 / 273 ) ( 5 / 520 – 521 ) ( 6 / 551 ) ( 8 / 184 ، 516 ) ( 16 / 136 – 137 ) ( 18 / 21 0 – 211 – 219 ) وبيان تلبييس الجهمية ( 1 / 589 ) ،
[164] - أخرجه مسلم ( 2713 ) ،
[165] - انظر رد شيخ الإسلام ابن تيمية على من قال بقدم العالم في كتابه الرد على البكري ص 63 ،
[166] - انظر في الفلسفة والفلاسفة ، طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ( ص 16 ) ، بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 54 ) ، جامع العلوم لأحمد نكري ( ص 678ـ 679 ) ، دائرة معارف القرن العشرين لوجدي ( 7 / 404 ) ،
[167] - أخرجه أبو داود ( 4699 ) وابن ماجة ( 77 ) وأحمد ( 21101 ) وصححه العلامة الألباني في ظلال الجنة ( 145 ) ،
[168] - أخرجه مسلم ( 2816 ) .
[169] - أخرجه مسلم ( 483 ) ،
[170] - الرسالة التدمرية ص 207 وما بعدها ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس ( 5 / 62 – 63 ) ولسان العرب لابن منظور ( 11 / 55 – 56 ) والروضة الندية للشيخ زيد بن عبدالعزيز آل فياض ص 19 والقضاء والقدر لعمر الأشقر ص 25 ،(71/175)
[171] - أخرجه البخاري ( 1961 ) ومسلم ( 2557 ) ،
[172] - أخرجه ابن ماجة ( 90 ) وأحمد ( 21881 ) ، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1 / 286 ) برقم 154 .
[173] - أخرجه مسلم ( 901 ) ،
[174] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 207 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 1 / 126 وما بعدها ) ،
[175] - أخرجه أبو داود ( 4699 ) وابن ماجة ( 77 ) وأحمد ( 21101 ) وصححه العلامة الألباني في ظلال الجنة ( 145 ) ،
[176] - رحمه الله تعالى كتاب نفيس في هذا الباب ألا وهو ( كتاب الإيمان ) فارجع إليه إن شئت ،
[177] - المستصفى للغزالي 23 وأحكام القرآن لابن العربي ( 4 / 218 ) والبحر المحيط للزركشي ( 1 / 236 ) وشرح الكوكب المنير للفتوحي ص 107 – 110 ومجمع الأنهر لدامادا أفندي ( 1 / 9 – 10 ) وبريقة محمودية للخادمي ( 1 / 250 – 251 ) وحاشية العدوي ( 1 / 29 – 30 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 1 / 100 ) وحاشية العطار ( 1 / 123 – 124 ) وحاشية ابن عابدين ( 6 / 313 ) والموسوعة الفقهية ( 7 / 202 – 203 ) ( 23 / 110 – 111 ) ( 32 / 95 – 96 ) ،
[178] - أخرجه البخاري ( 1222 ) ومسلم ( 1486 ) ،
[179] - أخرجه ابن ماجة ( 90 ) وأحمد ( 21881 ) ، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1 / 286 ) برقم 154 .
[180] - أخرجه مسلم ( 8 ) ،
[181] - الفتاوى الكبرى ( 4 / 196 ) ،
[182] - أخرجه مسلم ( 2664 ) ،
[183] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 190 – 192 ) ( 10 / 574 – 579 ، 682 ) والتحفة العراقية ص 350 – 363 ،
[184] - أخرجه البخاري ( 1232 ) ومسلم ( 103 ) ،
[185] - لمزيد من الفائدة في الصبر وتعريفه وأقسامه وأحكامه والكلام عليه بتفصيل انظر كتاب عدة الصابرين لابن القيم رحمه الله تعالى ،(71/176)
[186] - مرتبة الصبر واجبة باتفاق العلماء انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 260 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 2 / 106 ) والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 265 والتحفة العراقية ص 353 ،
[187] - على قولين لأصحاب أحمد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية انظر مجموع الفتاوى ( 8 / 191 ) ( 10 / 40 / 41 ، 682 ) ( 11 / 260 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 2 106 ) والتحفة العراقية ص 356 ،
[188] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 265 ،
[189] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 400 ، 511 ) ( 14 / 266 – 269 ) ( 17 / 94 ) ،
[190] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 96 ) وجواب أهل العلم والإيمان ص 121 ،
[191] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 468 ) وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى ص 190 ،
[192] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 182 – 183 ) وكتاب الاستقامة ( 2 / 185 – 186 ) ،
[193] - بريقة محمودية للخادمي ( 1 / 27 )
[194] - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فالفسق تارة يكون بترك الفرائض وتارة بفعل المحرمات ) انظر كتاب الإيمان ص 237 ،
[195] - أخرجه البخاري ( 2615 ) ومسلم ( 89 ) ،
[196] - أ خرجه البخاري ( 2511 ) ومسلم ( 87 ) ،
[197] - المحلى لابن حزم ( 8 / 472 ) وبدائع الصنائع للكاساني ( 6 / 268 ) والفروق للقرافي ( 1 / 120 – 136 ) ( 4 / 65 – 66 ) والتقرير والتحبير في شرح التحرير لابن أمير الحاج ( 2 / 244 ) والأشباه والنظائر للسيوطي ص 385 – 386 والبحر الرائق لابن نجيم ( 7 / 89 – 90 ) ومغني المحتاج للشربيني الخطيب ( 6 / 344 – 346 ) ونهاية المحتاج للرملي ( 8 / 294 – 302 ) وسبل السلام للصنعاني ( 2 / 552 – 553 ) والموسوعة الفقهية ( 8 / 25 ) ( 27 / 17 – 19 ) ( 34 / 148 – 151 ) ،(71/177)
[198] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 651 ) ،
[199] - النونية ( 1/ 65 ) شرح ابن عيسى ،
[200] - وهو قول بعض الأصوليين كما قال ابن مفلح انظر الآداب الشرعية ( 1 / 57 – 58 ) الموسوعة الفقهية ( 14 / 123 – 124 ) ( 34 / 161 – 162 ) ،
[201] - أسنى المطالب لزكريا الأنصاري ( 4 / 359 ) ،
[202] - أخرجه البخاري ( 6400 ) ومسلم ( 57 ) ،
[203] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 429 ) ( 28 / 636 ) ( 35 / 161 – 163 ) ،
[204] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 471 – 472 ) ( 28 / 555 ) وبغية المرتاد ص 338 – 242 والرد على البكري ص 356 وكتاب الإيمان ص 203 وجامع الرسائل والمسائل ( 1 / 190 ) والمغني لابن قدامة ( 6 / 248 ) والإنصاف للمرداوي ( 10 / 326 – 335 ) والفتاوى الكبرى ( 3 / 519 ) وفتح القدير لابن الهمام ( 6 / 98 – 99 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 5 / 137 ) وحاشية ابن عابدين ( 4 / 241 – 244 ) والمنتقى شرح الموطأ للباجي ( 5 / 281 – 282 ) وتبصرة الحكام لابن فرحون ( 2 / 279 ) وشرح حدود عرفة ص 491 والتاج والإكليل للمواق ( 8 / 375 ) الغرر البهية لزكريا الأنصاري ( 3 / 444 ) وطرح التثريب للعراقي ( 7 / 181 – 182 ) ،(71/178)
[205] - الفتاوى الكبرى ( 1 / 114 ) ( 3 / 481 ، 519 ) ( 5 / 445 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 483 – 484 ) ( 7 / 215 – 216 ، 471 – 472 ) ( 15 / 408 ) ( 18 / 189 – 190 ) ( 28 / 434 – 435 ) ( 35 / 110 – 111 ) وبغية المرتاد ص 338 وكتاب الإيمان ص 203 وما بعدها وجامع الرسائل والمسائل ( 1 / 190 ) وإعلام الموقعين لابن القيم ( 3 / 104 – 107 ) والفروع لابن مفلح ( 6 / 167 – 171 ، 263 ) والآداب الشرعية لابن مفلح ( 1 / 58 – 59 ، 109 – 110 ) وغذاء الألباب للسفاريني ( 2 / 581 – 583 ) وطرح التثريب للعراقي ( 7 / 181 – 182 ) وأحكام القرآن للجصاص ( 1 / 35 – 36 ) ( 2 / 348 – 349 ، 403 – 405 ) ( 3 / 208 ) وأحكام القرآن لابن العربي ( 1 / 20 – 21 ) ( 2 / 545 – 546 ) والمغني لابن قدامة ( 6 / 248 – 251 ) ( 9 / 18 – 19 ) والإنصاف للمرداوي ( 9 / 441 – 444 ) ( 10 / 326 – 327 ، 333 – 335 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 6 / 177 – 178 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 4 / 650 ) ( 6 / 291 – 292 ) وفتح القدير لابن الهمام ( 69 – 71 ، 98 – 99 ) والتاج والإكليل لابن المواق ( 8 / 375 – 378 ) والغرر البهية لزكريا الأنصاري ( 3 / 444 ) ( 5 / 78 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 7 / 209 – 210 ) والموسوعة الفقهية ( 3 / 175 – 176 ) ( 13 / 186 ) ( 14 / 126 – 127 ) ( 16 / 301 ) ( 24 / 49 – 51 ) ،
[206] - لمزيد من الفائدة في حكم الساحر انظر المغني لابن قدامة ( 9 / 34 – 38 ) والفروع لابن مفلح ( 6 / 177 – 180 ) والإنصاف للمرداوي ( 9 / 440 – 441 ، 10 / 353 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 293 ) والسياسة الشرعية ص 154 – 157 وأحكام القرآن للجصاص ( 1 / 71 – 79 ) والتاج والإكليل للحطاب ( 8 / 376 ) والموسوعة الفقهية ( 24 / 266 – 269 ) ،(71/179)
[207] - هو حسن الصفدي العيلبوني الشاعر اللبيب الفائق ، وكان حسن المطارحة طيب العشرة ، يقال أنه درزي ثم تاب وله نونية طويلة في الرد عليهم وبيان ضلالاتهم ، انظر خلاصة الأثر للمحبي ( 2 / 79 ) .
[208] - المغني لابن قدامة ( 9 / 33 ) والفتاوى الكبرى ( 3 / 474 ، 489 ) ( 5 / 545 ) والصارم المسلول ص 308 – 315 وإعلام الموقعين لابن القيم ( 3 / 104 – 105 ) والإنصاف للمرداوي ( 10 / 332 – 335 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 6 / 167 – 169 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 293 ) وحاشية ابن عابدين ( 4 / 231 – 236 ) والتاج والإكليل للمواق ( 8 / 386 ) وحاشية الجمل ( 5 / 121 – 124 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 1 / 357 ) ( 7 / 223 – 226 ) وسبل السلام ( 2 / 384 – 385 ) والموسوعة الفقهية ( 13 / 231 ) ( 14 / 56 – 57 ) ( 22 / 184 – 185 ، 192 – 193 ، 210 – 211 ) ( 33 / 22 ) ،(71/180)
فصل
في الكلام على الإيمان واختلاف الناس فيه [1]
وتحقيق مذهب السلف في ذلك
95 – إيماننا قول وقصد وعمل ،
تزيد بالتقوى وتنقص بالزلل ،
الكلام على الإيمان في أمور :
أولاً : هل الإيمان هو الإسلام ؟ أو هما شيئان متباينان ؟ هذه مسألة ،
مسألة مهمة نقول : إذا ذُكِرَ الإسلام والإيمان في سياقٍ واحد فالإيمان غير الإسلام [2] ،
وإنْ أُفْرِدَ أحدهما عن الآخر صارا بمعنىً واحد فهما من باب إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ،
إذن لا تقل : الإيمان غير الإسلام ، ولا تقل : الإيمان هو الإسلام ،
إذا أطلقت أخطأت فلابد من التفصيل ،
التفصيل : هو إنْ ذكرا في سياقٍ واحد افترقا فالإسلام غير الإيمان ،
وإنْ أفرد أحدهما عن الآخر فالإسلام هو الإيمان ،
والدليل : حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة جبريل حين أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : أخبرني عن الإيمان فأخبره بما يخالف ما أخبره عن الإسلام لأنهما ذكرا في سياقٍ واحد فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإسلام هو الأعمال الظاهرة وجعل الإيمان الأعمال الباطنة فقال : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ) ، وقال في الإيمان : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ) [3] ،
وإنْ ذكر أحدهما منفرداً عن الآخر دخل هذا في هذا ،
مثاله : قوله تعالى : { ورضيت لكم الإسلام دينا } ( المائدة 5 ) ، الإسلام هنا يشمل الإسلام والإيمان ،
فإذا قال قائل : من قال : إن الإيمان دين [4] ؟
نقول : النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال : ( أتدرون من السائل ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) ،
ومما علمهم الإيمان ،(72/1)
إذن ، { ورضيت لكم الإسلام دينا } ، يشمل الإيمان والإسلام ،
لأنه أُفْرِدَ أحدهما عن الآخر نقول الإسلام هنا يشمل الإيمان لماذا ؟
لأنه أُفْرِدَ وحده وقال : { إن الدين عند الله الإسلام } ( المائدة 5 ) ، يدخل الإيمان ،
لأن الإيمان من الدين لا شك .
فأما إذا ذكرا في سياقٍ واحد فهما كما قلت : يُفَسَّرُ الإيمان بتفسير والإسلام بتفسير ،
فإن قال قائل : قال الله تعالى : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ( الحجرات 14 ) ، ما الجواب عن هذه الآية ؟
نقول : نعم ذكرا في سياقٍ واحد فَفَرَّقَ الله بينهما ،
وقد اختلف المفسرون : في هؤلاء الأعراب ، هل هم مؤمنون ضعيفوا الإيمان أم هم منافقون [5] ؟
فمن المفسرين من قال : إنهم منافقون ،
وقال : إن قوله : { ولكن قولوا أسلمنا } ، يعني الإسلام الظاهر فإن المنافقين مسلمون ظاهراً ،
ومنهم من قال : بل هم مسلمون حقيقةً لكن إيمانهم ليس تاماً لم يتعمق في قلوبهم ،
بدليل قوله : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ،
و ( لماَّ ) ، هذه تدل على قرب الشيء هكذا ، ( لماَّ ) تدل على قرب الشيء ،
كما قال تعالى : { بل لما يذوقوا عذاب } ( ص 8 ) ،
وكون الإيمان قريباً من دخول قلوبهم يدل على انتفاء النفاق عنهم ،
لأن المنافقين نفى الله عنهم الإيمان نهائياً فقال : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } ( البقرة 8 ) ، وهؤلاء لم ينفِ الله الإيمان عنهم بل قال : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ،
وهذا هو الأقرب هذا القول الثاني أقرب من القول الأول وإنْ كان الأول مُحْتَمَلاً ،
إذن هناك فرق بين الإسلام والإيمان ،
وقال الله تعالى : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } ( الذاريات 35 – 36 ) ،
هذه الآية استدل بها بعض العلماء من قال : إن الإيمان هو الإسلام مطلقاً ،(72/2)
لأن الله قال : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } ،
والحقيقة أن هذه الآية دليل عليهم وليست دليلاً لهم ،
هذه الآية استدل بها من يقول : إن الإسلام هو الإيمان مطلقاً ،
قال : لأن الله قال فيها : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } ،
وأقول : إن هذه الآية دليل عليهم وليست دليلاً لهم كيف ؟
قال : { غير بيت من المسلمين } ( الذاريات 35 – 36 ) ، والبيت هو بيت لوط ومن بينهم امرأته وامرأته ليست مؤمنة ولكن مسلمة ،
ولهذا قال الله تعالى : { ضرب الله مثلا للذين كفروا أمرأة نوح وأمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتهما } ( التحريم 10 ) ، أي أظهرتا الإسلام وهما كافرتان فامرأة لوط كانت كافرة هلكت مع قومها فالآية فيها أن البيت مسلم لكن ليس فيها أن من في البيت مسلمون أليس كذلك ؟
إذن ليس في الآية دليل على ما ذهبوا إليه ،
بل نقول : إن الآية تدل على أن الإيمان غير الإسلام لأن الله أخرج من كان فيها من المؤمنين وبيَّن أنه لم يوجد في هذه القرية كاملة ورسولهم يدعوهم لم يسلم منهم أحد ،
إليكم أيها الدعاة : الآن الواحد منا إذا دعا ولم يستجب الناس له مائة في المائة قال هؤلاء الناس ما فيهم خير ما عاد أدعوهم مرةً ثانية وهذا رسول بقي ولم يسلم من القرية بل لم يوجد من القرية بيتٌ مسلم إلا بيته ،
نوح عليه الصلاة والسلام كم بقي في قومه ؟
ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن معه إلا قليل وهو رسول يأتي بالآيات ،
أما نحن فالإنسان إذا دعا ثم دعا ولم يجد استجابةً مائة بالمائة استحسر وزعل ووقف وهذا خطأ ،
{ ادع إلى سبيل ربك } ( النحل 125 ) ، وأنت مأجور على كل حال ،
إذن الخلاصة أننا إذا سئلنا هل الإسلام هو الإيمان أو غيره ؟
إنْ قلنا : هو الإسلام أخطأنا ، وإنْ قلنا غيره أخطأنا ، وإن فَصَّلْنا أصبنا ،(72/3)
التفصيل : إنْ ذكرا جميعاً في سياقٍ واحد فهما مفترقان وإنْ أفرد أحدهما عن الآخر فهما مجتمعان أي بمعنى واحد ،
ثانياً : هل الإيمان تصديق القلب وإقرار والقلب واعترافه فقط ،
أو هو شامل للتصديق وملزوماته أو مستلزماته ؟ الثاني أم الأول ؟
الثاني ، الإيمان أصله هو التصديق [6] لا شك في القلب ،
أنت عندما تقول : آمنت بالله لا تحس إلا أنك أقررت به في قلبك ،
فالإيمان في القلب هذا هو الأصل ،
لكن الإيمان شرعاً أوسع من الإيمان لغةً وهذا من الغرائب ،
لأن القاعدة المطردة أن المصطلح الشرعي أضيق من المصطلح اللغوي ،
الزكاة في اللغة : النماء [7] ، وفي الاصطلاح : مالٌ خاص [8] ،
الطهارة في اللغة : النظافة [9] ، وفي الشرع : نظافة خاصة ،
الصلاة في اللغة : الدعاء [10] ، وفي الشرع : دعاءٌ خاص ،
الحج في اللغة : القصد [11]، وفي الشرع : قصدٌ خاص [12] ،
لكن الإيمان في اللغة : التصديق ولا يشمل الأعمال الظاهرة ،
وفي الشرع : يشمل التصديق والأعمال الظاهرة ،
إذن فالمصطلح الشرعي في باب الإيمان أوسع منه لغةً على خلاف المعهود ،
على كل حال الإيمان في الشرع يشمل التصديق والإقرار الحاصل بالقلب ويشمل ما يلزم منه من الأعمال الصالحة ،
والدليل على هذا : قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة أو وستون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبةٌ من الإيمان ) [13] ،
قول : ( لا إله إلا الله ) اعتقاد وقول باللسان ،
قوله : ( وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ، عمل بالجوارح ،
( والحياء شعبة من الإيمان ) هذا عمل قلبي ،
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ) [14] هذا اعتقادٌ قلبي ،
وفي القرآن : قال الله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ( البقرة 143 ) ،(72/4)
قال المفسرون : أي صلاتكم إلى بيت المقدس والصلاة عمل [15] ،
فصار الإيمان في الشرع يشمل اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح ،
ولهذا قال المؤلف : ( إيماننا قولٌ وقصدٌ وعمل ) ثلاثة أشياء :
قول : مثل : ( لا إله إلا الله ) ،
قصد : مثل : الاعتقاد : مثل أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر …… الخ ،
عمل : ( وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) [16] ،
فالإيمان إذن يشمل الأشياء الثلاثة كلها تسمى إيماناً ،
أما كون الاعتقاد إيماناً فواضح ،
لكن كون العمل إيماناً لأنه لم يحملني عليه إلا الإيمان الاعتقاد الذي في قلبي ،
لولا أني اعتقد أني أثاب أني اعتقد الثواب في إماطة الأذى عن الطريق ما أمطته لكان عملي عبثاً ،
لولا أني أُثاب على قولي ( لا إله إلا الله ) ما قلتها لأنه يكون عبثاً ،
فلما كان هذا العمل نتيجةً للاعتقاد التام في القلب صار إيماناً وهذا واضح ،
هل أحدٌ خالف أهل السنة والجماعة في هذا ؟
نعم ، خالفهم طائفتان متطرفتان ونحن لا نذكر إلا أصول الطوائف لأن التفرعات كثيرة : الطائفة الأولى : إن الإيمان هو اعتقاد القلب فقط فمن كان عنده اعتقادٌ تام فهو مؤمن كامل الإيمان وإنْ زنا وسرق وشرب الخمر ولم يزك ولم يحج ولم يصم فهو مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمان محمد وجبريل وميكائيل ولا يدخل النار مهما عمل من المعاصي وهؤلاء هم المرجئة ،
وقد عناهم ابن القيم في قوله في النونية :
والناس في الإيمان شيءٌ واحدٌ ،
كالمشط عند تماثل الأسنان [17] ،
المشط أسنانه سواء يكون الناس في الإيمان شيء واحد أفسق الناس وأطوع الناس كلهم واحد في الإيمان نسأل العافية غريب ،
هذا إذن العاصي الذي يشرب الخمر ويسرق ويزني ويكذب ويخون لكنه مؤمن بالله وينتسب للإسلام عندهم أنه مؤمن كامل الإيمان ،(72/5)
والله يقول : { أمن هو قائم آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه } ( الزمر 9 ) ، كمن ليس كذلك ؟ هل يستويان ؟
لا يستويان ،
لكن هم يقولون : أنهم يستوون ففاعل الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان ولا يستحق دخول النار ولا يستحق العقاب ،
هؤلاء يصلحون لأهل العصر يصلحون للفسقة من أهل العصر تنهاه عن الفسق يقول أنا مؤمن كامل الإيمان على رأي المرجئة ،
وأنا أقول : ثلاث جيمات افهموها ثلاث جيمات :
جهمية جبرية مرجئة ،
كلها وصف لموصوفٍ واحد ،
الجهمية هم باعتبار الصفات صفات الله عز وجل معطلةٌ منكرة ينكرون الصفات هم أيضاً ،
جبرية باعتبار أفعال العبد يقولون : إن الإنسان مجبر على عمله ما يقدر يتخلص فلو وجدنا شخصين ينزلان من السقف أحدهما ينزل بتؤدة درجةً درجة والثاني دفعناه من أعلى الدرجة وعجز أن يمسك نفسه يقولون الكل سواء كلهم مُجبرون [18] ،
الجيم الثالثة مرجئة الارجاء يقولون : الإيمان هو اعتراف الإنسان بقلبه [19] ،
ونحن نلزمهم أن نقول لهم : إن إبليس عندكم مؤمن كامل الإيمان ،
لأن إبليس مؤمن بالله أم غير مؤمن ؟
مؤمن بالله ويسأل الله يدعو الله يقول : ربي أَنْظِرْني ، نعم فهو عندهم مؤمن كامل الإيمان ،
موحد أم غير موحد ؟
موحد لأنه مؤمن بالربوبية ،
هؤلاء لا شك أن قولهم مُجانِبٌ للصواب ،
إذا قيل له : فيه آيات فيه أحاديث فيها وعيد : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } ( النساء 93 ) ، قال هذه للكافر : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } ، وهو كافر ،
ماذا نقول ؟
نقول : هذا تحريف ،
لأن الله عَلَّق هذه العقوبة على وصف وهو القتل وأنتم تركتم هذا الوصف جانباً وأتيتم بوصفٍ جديد وهو الكفر أين الكفر ؟
ما فيه كفر فألغوا الوصف الذي رُ تِّبَتْ عليه العقوبة وأتوا بوصفٍ جديد ،
ونظير هذا قول بعضهم : في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) [20] :(72/6)
قالوا : من جحدها فألغوا الوصف الموجود واعتبروا الوصف المفقود أين ذِكْرُ الجحد ؟
نعم غير موجود ثم نقول لهم : إذا جحد وجوب الصلاة ولو كان يصلي الصلوات الخمس كل يوم فهو كافر فأنتم الآن ألغيتم الوصف الموجود الذي رَ تَّبَ عليه الشارع الحكم وأتيتم بوصفٍ مفقود جديد من عندكم ،
ومثل هذه الأشياء يعني إذا تأملتها سبحان الله عرفت أن التعصب للقول سببٌ للضلال ،
وأن الإنسان ينبغي أن يستدل ثم يعتقد لا أنْ يعتقد ثم يستدل ،
لأنك إذا اعتقدت ثم استدللت تلوي أعناق النصوص لتوافق ما اعتقدت ،
لكن إذا استدللت أولاً ثم اعتقدت بنيت عقيدتك على الدليل ومشيت مع الدليل ،
وأنا أسأل الله أنْ يعفوا لإخواننا العلماء السابقين واللاحقين الذين يعتقدون أشياء ثم يحاولون لَيَّ أعناق النصوص إلى ما يعتقدون ،
وهذا لا شك أنه خطأ أنت الآن تؤمن أن الأحكام مردها إلى الله فإذا حكم الله أو رسوله بحكم لا تستحيي أنْ تطبقه ولا تخجل ولا تتهيب الحكم ليس إليك أنت منفذ حكم الله على هذا بالكفر قل كافر ولا تبالي حكم الله على هذا بالإيمان قل : مؤمن ، ولا تبالي أما أنْ تقول : والله سأتحكم أنا اعتقد أن هذا ليس بكافر أو هذا ليس بمؤمن ، هذا ليس إليك ،
وهذه مسألة أحب أنْ ينتبه لها طالب العلم أن يجعل الدليل متبوعاً لا تابعاً ، وأنْ يحذر من أنْ يلوي أعناق النصوص إلى رأيه ، فإن هذا على خطرٍ عظيم ،
ولهذا جاء في الحديث : ( من قال في القرآن برأيه فليتبوا مقعده من النار ) [21] ، اترك القرآن لما دلَّ عليه وخذ بما دلَّ عليه ، وكذلك السنة ،
الآن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل واعتقاد [22] ،
مذهب أهل السنة والجماعة :
أن الإيمان قولٌ وقصد وعمل ،
القول يكون باللسان والعمل بالجوارح والقصد بالقلب ،
وخالف السلف في هذا طائفتان :(72/7)
1- المرجئة الذي جعلوا الإيمان مقتصراً على القصد فقط ، وقالوا : متى اعترف الإنسان بقلبه بالله عز وجل فهو مؤمن سواءاً عمل أم لم يعمل [23] ،
2- والطائفة الثانية قالوا : إن الإيمان قول وعمل واعتقاد وأن هذه الأشياء جزء لا يتجزأ من الإيمان فمن اعتقد ولم يقل أو لم يعمل فإنه كافرٌ ،
بمعنى أنهم جعلوا القول والعمل جزءاً من الإيمان وشرطاً في وجوده حتى قالوا : إن فاعل الكبيرة خارجٌ من الإيمان ولو صلى وصام وزكى وحج فإنه إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان ،
ثم اختلف هؤلاء :
1. فقال بعضهم : يكفر ،
2. وقال بعضهم : يكون في منزلة بين المنزلتين ،
فيه أيضاً طوائف أخرى متفرعة ولكن هذه هي الأصل ،
منهم من يقول : الإيمان هو القول فقط ، فإذا قال الإنسان بلسانه : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فهو مؤمن لكنه مخلد في النار لأن من قال بلسانه ولم يعتقد بقلبه فهو منافق هؤلاء يسمونه مؤمناً ، ولكنهم يقولون : إنه مخلد في النار ،
وهذا لا شك أنه منافٍ لقول أهل السنة والجماعة وللقرآن أيضاً :
لقول الله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } ( البقرة 8 ) ، وأيضاً فإن الله سمى هؤلاء الذين يقولون بألسنتهم ما ليس بقلوبهم سماهم منافقين فكيف نسميهم مؤمنين ؟
فإذن أهل السنة والجماعة يقولون : الإيمان قول وعمل واعتقاد ،
ويستدلون لذلك بأدلة ذكرنا لكم منها ما تطمئن إليه النفس ،
وخالفهم فرقتان المخالفة الأصلية :
الفرقة الأولى : قالوا : الإيمان : هو اعتقاد القلب فقط والأعمال لا تدخل في الإيمان ،
وهؤلاء هم المرجئة وعلى رأسهم الجهمية الذين يقولون : إن الناس في الإيمان سواء وأن الإيمان هو اعتقاد القلب وأما الأعمال فإنها لا تدخل في الإيمان لا حقيقة ولا مجازاً ،(72/8)
والطائفة الثانية : قالوا : إن الأقوال والأعمال من الإيمان ولكنها شرط في وجوده بمعنى أنه إذا فُقِدَ منها شيء فُقِدَ الإيمان كله ،
فقالوا : من لم يزك فهو كافر ومن لم يصلي فهو كافر ومن لم يصم فهو كافر ومن لم يحج فهو كافر ومن عق والديه فهو كافر ،
وبعضهم قال : لا نسميه كافراً ولا نسميه مؤمناً ، ولكن نقول : هو في منزلة بين منزلتين ،
وهذا الأخير مذهب من يرون أنفسهم أذكياء العالم وهم المعتزلة ،
والذي قبله مذهب الخوارج فكان الخوارج أشجع منهم ،
الخوارج قالوا : نقول : كافر ولا نبالي ،
وهؤلاء قالوا لا نقول كافر ولا مسلم في منزلة بين المنزلتين فأحدثوا مرتبة لم ينزل الله بها سلطاناً وهي المنزلة بين منزلتين ،
فإن قال قائل : هل الأعمال شرطٌ في وجود الإيمان ؟
قلنا : منها ما هو شرط ومنها ما ليس بشرط ،
فقول ( لا إله إلا الله ) أو ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) شرطٌ في وجود الإيمان من لم يقل : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) فهو كافر ،
وإن آمن بالله ومن لم يصل والصلاة عمل فهو كافر [24] ،
وإن قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وإنْ آمن بالله ، لكن من لم يزك والزكاة من الأعمال من الإيمان فليس بكافر [25] ،
فصار الآن إنْ فقد الاعتقاد في القلب كفر الإنسان وإن وجد لكن تخلفت الأقوال أو الأعمال ،
ففيه تفصيل : إن دلت النصوص على أنه يكفر كفر وإلا فلا ،
فمن قال : أنا أؤمن بالله ولا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فَقَدَ قولاً ولكنه يكفر بذلك ،
ومن قال : آمنت بالله واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولكن لم يصلًّ فقد كفر على القول الراجح ،
ومن قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأؤمن بالله وأصلي ولكن لم يزك فليس بكافر ،
وعند الخوارج وعند المعتزلة في منزلة بين المنزلتين إلا إن كانوا يرون كفر مانع الزكاة ،(72/9)
ثم قال : ( تزيده التقوى وينقص بالزلل ) : يجب تسكين ( ينقص ) من أجل الوزن وزن البيت وإن كان يوجد ما يوجب جزمها لكنها تُسَكَّن ،
وعلى هذا فنقول : ( ينقص ) : مرفوع بضمة مقدَّرة على آخره منع من ظهورها إقامة الوزن إقامة وزن البيت ، الباء هنا ( تزيده التقوى ) أي تقوى الله تزيد في الإيمان ،
وهنا نبحث : هل الإيمان يزيد أو ينقص ؟
نقول : مذهب السلف يزيد وينقص [26] ،
وقال بعض العلماء من السلف : قل : يزيد ، ولا تقل : ينقص [27] ،
وقالت المرجئة : لا يزيد ولا ينقص ،
وقالت الخوارج والمعتزلة : لا يزيد ولا ينقص [28] ،
فالأقوال إذن أربعة :
1. أن تقول : يزيد وينقص ،
2. أن تقول : يزيد ولا ينقص ، يعني ولا تقل : ينقص وهذان لأهل السنة والجماعة ،
3. الثالث : لا يزيد ولا ينقص وهذا قول المرجئة
4. وقول الخوارج والمعتزلة أيضاً ، لأنهم يقولون : الإيمان إما أن يوجد كله وإما أن يعدم كله ،
فلنبدأ أولاً بالعقيدة هل العقيدة تزيد وتنقص ؟
الجواب : نعم تزيد وتنقص بلا شك [29] ،
وذلك لأن الاعتقاد مبنيٌ على العلم والعلم مبني على طرق العلم وطرق العلم تختلف ،
هذا دليل عقلي الاعتقاد يزيد وينقص لماذا ؟
لأن الاعتقاد مبنيٌ على العلم والعلم يزيد وينقص باعتبار طرقه فلزم من ذلك أن يزيد الاعتقاد أو ينقص ،
هذا عقلاً ،
أما شرعاً : فقد دل الشرع على أن الاعتقاد يزيد وينقص ،
{ وإذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } ( البقرة 260 ) ،
فصار الاعتقاد يزيد وينقص لدليلين أحدهما أثري والثاني نظري وإن شئت قل أحدهما سمعي والثاني عقلي
ونضرب مثلاً محسوساً لهذا : إذا أخبرك رجلٌ ثقة لهذا اعتقدت مُخْبَرَه ، إذا جاءك آخر أخبرك بهذا الخبر زاد اعتقادك ، ثالث يزيد ، رابع يزيد ، شاهدت أنت بنفسك أنه يزيد أليس كذلك ؟(72/10)
ولهذا قال المحدثون : إن المتواتر يفيد العلم اليقيني أو الضروري على خلافٍ في هذا ،
صار الاعتقاد يزيد وينقص أو لا ؟
نعم يزيد وينقص حتى أنت بنفسك الآن أحياناً يكون عندك صفاء ذهن وحضور نفس فتتعبد لله وكأنك تشاهد الجنة والنار أحياناً تستولي عليك الغفلة ولا يحصل عندك هذا الاعتقاد ،
ولهذا سئل النبي عليه الصلاة والسلام قالوا : يا رسول الله إذا كنا عندك وذكرت الجنة والنار فكأنما نشاهدها رأي عين فإذا ذهبنا إلى أهلينا وعافسنا الأولاد والنساء يعني غفلنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( يا حنظلة ساعةً وساعة ، ساعةً وساعة ) [30] ، وهذا أمر مشاهد ،
إذن الاعتقاد يزيد وينقص لأنه مبنيٌ على العلم والعلم يزيد وينقص بحسب الطرق الموصلة إليه ،
القول من الإيمان هل القول يزيد وينقص ؟
نعم الذي يذكر الله عشر مرات مثل الذي يذكر الله خمس مرات ؟ أيهما أَزْيَدْ ؟ العشر ،
إذن القول يزيد وينقص إذا زاد القول زاد الإيمان ،
وزيادة القول هل هي بالكمية أم بالكيفية ؟
تارةً يالكمية وتارةً بالكيفية وتارةً بهما ،
إنسان يقول : ( لا إله إلا الله ) موقناً بها قلبه تماماً مُسْتَلْزِماً لمقتضياتها هذا أَزْيَد ممن قالها مع الغَفْلَة والإنسان الذي قال - عشر مرات - : ( لا إله إلا الله ) أَزْيَد من الذي قال خمس مرات ،
فزيادة القول تكون بالكمية والكيفية [31] ،
إذن إذا زاد القول وقلنا : أنه من الإيمان لَزِم زيادة الإيمان وإذا نقص القول نقص الإيمان ،
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنساء : ( ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن ) قالوا : يا رسول ما نقصان دينها ؟ قال : ( أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ ) [32] ، والصيام والصلاة عمل فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقصه من الحائض نقصاً في الدين ،(72/11)
إذن هنا نَقَصَ الإيمان بنقص العمل [33] الذي يصلي أربع ركعات أكثر من الذي يصلي ركعتين فيكون إيمانه أَزْيَد ،
فصار الآن زيادة الإيمان ثابتة شرعاً وحساًّ وإن شئت سمعاً وعقلاً ،
قوله تعالى : { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون } ( التوبة 124 ) ،
من أي أنواع الزيادة ؟ زيادة القول أو العمل أو الاعتقاد ؟
كلها يزدادون إيماناً ويزدادون عملاً إذا الآية فيها أمرٌ بأعمال أو قولاً إذا كان فيها أمرٌ بأقوال ،
ما هو سبب زيادة الإيمان ؟
الآن تقرر عندنا أن الإيمان يزيد في الاعتقاد والقول والعمل ،
ما سبب زيادة الإيمان ؟
يقول المؤلف : ( يزيده التقوى ) : وهذا أحد أسباب زيادة الإيمان التقوى تقوى الله عز وجل أي تقوى ما يغضبه ،
والتقوى : هي ( اتخاذ وقاية من عذابه سبحانه وتعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي ) [34] ،
فكلما زاد الإنسان من فعل الطاعة زاد إيمانه وكلما تجنب النواهي مخلصاً لله زاد إيمانه ،
إذن فعل الطاعة تقرباً إلى الله يزيد في الإيمان وترك المعصية تقرباً إلى الله يزيد الإيمان هذا سبب ،
السبب الثاني : النظر في آيات الله فإن النظر في آيات الله الكونية أو الشرعية يزيد في الإيمان ،
قال الله تعالى : { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } ( يونس 101 ) ، هذه آيات كونية أم شرعية ؟ { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } هذه آيات كونية ،
القرآن قال الله تعالى فيه : { هدى للمتقين } ( البقرة 2 ) ، هذه آيات شرعية ،(72/12)
فالنظر في آيات الله الكونية : يجلس الإنسان ساعة يتفكر في خلق السماوات يتفكر في خلق الأرض هذه المخلوقات العظيمة الواسعة كيف هي منتظمة منذ الأزل ليس فيها ما يتناقض أو يتدافع ليس فيها من خراب ، { فارجع البصر هل ترى من فطور } ( الملك 3 ) ، فيتأمل يعرف أنها من خلق الله عز وجل ،
ثم يتأمل إنْ شاء في نفسه لو تأملًّت في نفسك لرأيت من آيات الله العجب العُجاب هذا الجسم الذي نحن فيه ، معامل كيماوية وأشياء يذكرونها في الاصطلاح لا أعرفها لكن معامل عظيمة في هذا الجسم مع أنك لا تحس بشيء لو أن بيضةً مرت على ذراعك لأحسست بتدحرجها أليس كذلك ؟
لكن هي الآن تمر بالأمعاء ولكن لا تحس ما ظنك لو كنت تحس بمرورها بأمعائك كما تحس بمرورها على الجلد لكان كل الليل تتحكك ما تستطيع أنْ تنام أليس كذلك لكن الله عز وجل بحكمته جعل الداخل ليس فيه إحساس ، ليس فيه إحساس من أجل أن لا يتألم الإنسان بمرور الطعام والشراب وغيرها ثم انظر الإحساس أيضاً في الجلود هل هو على حدٍ واحد ؟ لا فيه مناطق حساسة جداًّ أي شيء يمر عليها تتأثر وتحس ، فيه مناطق ما تحس هذا الإحساس باطن القدم هل يحس كباطن اليد ؟ لو تمشي الذَّرَّة على باطن القدم ما أحسست لأنه لو كان حساَّساً ما استطعت أنْ تمشي لكن الله جل وعلا جعله هكذا حساَّساً الشعور الآن الراحة الآن ما فيها شعر باطن القدم ما فيه شعر لو كان فيه شعر في باطن اليد لتلوث بالطعام ولتلوثت الأشياء ولما أتقنت الشيء بدقة ولهذا لو تلبس قفازين وتعمل عمل بيدك ما أتقنته تماماً وكذلك في القدم على كل حال نحن معرفتنا بهذه الأشياء سطحية لكن لو أنك أتيت إلى واحدٍ من الأطباء وقلت اشرح لي ما في الإنسان من الآيات لبهرك ولهذا قال الله تعالى : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } ( الذاريات 21 ) ،(72/13)
أقول : إن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية يزيد في الإيمان التفكر في الآيات الكونية يزيد في الإيمان وهو ظاهر لأنه محسوس ،
التفكر في الآيات الشرعية يزيد في الإيمان بلا شك لكن يحتاج إلى كونِ الإنسان بصيراً في أحكام الشرع حتى يعرف الحكمة في الأشياء التي شرعها الله وهذا يخفى على بعض الناس ولا سيما من أعرض عن ذكر الله فإنه لا يُفْتَحُ له باب المعرفة ،
يقول المعري [35] :
يدٌ بخمس مئينٍ عسجداً وُدِيَتْ ،
ما بالها قُطِعَتْ في ربع دينار ،
تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له ،
ونستعيذ بمولانا من النار [36] ،
كأن الناس هم المشرِّعون حتى ينتقدهم هذا الانتقاد ( خمس مئين عسجد ) العسجد هو الذهب يعني خمس مائة دينار دية اليد فإذا سرق ربع دينار قُطِعَتْ فكم كانت القيمة ؟ ربع دينار لماذا ؟ إذا قطعها إنسان يُلْزَم بخمس مائة دينار وإذا سرقت ربع دينار قُطِعَتْ ، هذا لا يعرف الحكمة فيه إلا من فتح الله عليه وأقبل بصدق على تَأَمُّلْ شريعة الله لا بانتقاد ،
أنا أقول لكم : إن الإنسان الذي يريد أن ينظر إلى الشريعة بانتقاد والله لن يفتح الله له باب المعرفة ،
أما الذي ينظر إليها باسترشاد يطلب الرشد فهذا يفتح الله عليه ويبين له من الأسرار ما يخفى على كثيرٍ من الناس ما هي الحكمة ؟
يقول الشاعر [37] مجيباً للمعري :
قل للمعريِّ عارٌ أيما عارِ ،
جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري ،
يدٌ بخمس مئينٍ عسجداً وُدِيَتْ ،
ما بالها قُطِعَتْ في ربع دينار [38] ،(72/14)
صيانة النفس أغلاها وأرخصها ،
حماية المال فافهم حكمة الباري [39] ،
يعني أنها تُودى بخمس دينار صيانةً للنفوس وتُقْطَع بربع دينار حماية للأموال وهذه حكمة عظيمة لأن من علم أنه سيُضَمَّن خمس مائة دينار إذا قطع اليد أو تُقْطَع يده أيضاً فإنه سوف يُحْجِم ومن علم أنها ستُقْطَع بربع دينار سوف يُحْجِم عن السرقة فهذه الحكمة ،
فأقول : إنه يجب علينا أن نتأمل الآيات الشرعية تَأَمُّلَ استرشاد لا تَأَمُّلَ انتقاد حتى يفتح الله لنا من الخير ومعرفة حكمة الله عز وجل ما يخفى على كثير من الناس ،
وإذا أردتَ ان تعرف هذا انظر أحياناً تقرأ الكتاب تقرأه قراءة منتقدٍ على مؤلفه فتجدك لا تستفيد منه كثيراً وأحياناً تراجع الكتاب تسترشد من مؤلفه فتجدك تنتفع كثيراً حتى لو رأيتَ ما يُنتقد تجد أن له تأويلاً يمكن تصحيحه فيه ،
إيماننا قول وقصد وعمل ،
تزيد بالتقوى وتنقص بالزلل ،
الإيمان عند أهل السنة والجماعة ثلاثة أشياء مركبٌ من ثلاثة أشياء :
القول والقصد والعمل ،
والقصد هنا بمعنى الاعتقاد وسبق لنا الخلاف في هذه المسألة بين أهل السنة وبين غيرهم ،
قال : ( تزيد بالتقوى وينقص بالزلل ) : استفدنا من هذا الشطر أن الإيمان يزيد وينقص ،
فهل هناك دليل على زيادته ونقصه ؟
نعم ،
قال الله تبارك وتعالى : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } ( الفتح 4 ) .
وقال تعالى : { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا } ( التوبة 124 ) .
وقال تعالى : { ويزداد الذين آمنوا إيمانا } ( المدثر 31 ) .
وهذا نص في كتاب الله عز وجل ،
والزيادة زيادة الإيمان تكون في القول وفي العمل وفي الاعتقاد وشرحناها ،(72/15)
وقلنا : إن الاعتقاد يختلف قوةً وضعفاً بحسب الوسائل الموصلة إليه وبَيَّنا وجه ذلك أن الاعتقاد مبنيٌ على العلم وأن العلم وأن العلم يختلف قوةً وضعفاً بحسب وسائله وطرقه ،
كذلك بَيَّنا أنه الزيادة تكون في العمل كميةً وكيفيةً ونوعاً ،
النوع الواجب أفضل من التطوع ،
لقول الله تعالى في الحديث القدسي : ( وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه ) [40] ، الصلاة أيضاً أفضل من الصدقة هذا بالجنس الأضحية في وقتها أفضل من الصدقة هذا في النوع ،
في الكمية من صلى عشر ركعات فإيمانه أزيد ممن صلى ركعتين في الكيفية من صلى صلاةً يطمئن فيها بخشوع وتأنِّ وتدبر لما يقول ليس كمن صلى صلاةً على غير هذا الوجه ،
أسباب زيادة الإيمان ذكرنا أن لها أسباباً منها
النظر في آيات الله الكونية والنظر في آيات الله الشرعية والطاعة ، الطاعة من أسباب زيادة الإيمان ،
قال المؤلف : ( وينقص بالزلل ) : يعني الإيمان ينقص بالزلل ،
فإن قيل : ما هو الدليل على نقصه ؟
فالجواب على ذلك : أن الدليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النساء : ( ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين ) [41] ، قال : ( عقل ودين ) هذا دليل ،
الدليل الثاني : دليل عقلي : وهو أنه إذا ثبتت الزيادة ثبت النقص لأنه لا تعقل زيادة إلا بوجود مزيد ومزيد عليه فإذا ثبتت الزيادة بالنص فقد ثبت النقص أيضاً أنه لا يُتصور زيادة إلا بنقص ،
فمثلاً : قلنا : أن هذا الرجل زاد إيمانه معنى ذلك أنه قال ناقصاً ،
فدليل النقص إذن مركبٌ من شيئين :
أولاً : النص على ذلك كما في قوله : ( من ناقصات عقلٍ ودين ) ،
الثاني : اللزوم أو التلازم ، فإنه لا يمكن وجود زيادة إلا بوجود نقص ،
ثم أعلم أن النقص أعني نقص الإيمان على قسمين :
1- نقصٌ لا حيلة للإنسان ،(72/16)
كنقص دين المرأة بترك الصلاة في أيام الحيض فإن هذا لا اختيار لها فيه بل لو قالت : دعوني أصلي حتى لا ينقص إيماني قلنا هذا حرامٌ عليك لو صليت لزاد نقص الإيمان أكثر ،
إذن هذا نقص لا حيلة للإنسان فيه فهل يُلام عليه ؟ الذي نقص دين أو لا ؟ لا يُلام عليه لأن هذا لا اختيار له فيه إطلاقاً فلا لوم عليه ،
2- الثاني : نقصٌ باختيار الإنسان ،
فهذا ينقسم إلى قسمين من حيث اللوم :
1. إن كان سببه المعصية أو ترك الواجب فإنه يُلام عليه ويأثم به ،
2. وإن كان نقصه بترك تطوع غير واجب فإنه لا يُلام عليه ، لا يُلام عليه لوماً يُؤَثم به ،
وإن كان قد يُقال : يا فلان اجتهد في العمل الصالح ،
ولهذا قيل لابن عمر في المنام : نعم الرجل لو كان يقوم من الليل وقال النبي عليه الصلاة والسلام لعبدالله بن عمرو بن العاص : يا عبدالله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل ،
وهذا لا شك أنه نوع لوم لكنه لومٌ لا إثم به بخلاف من ترك الواجب أو فعل المحرم فإنه يُلام لوماً يأثم به ،
إذن نقص الإيمان نقول : على قسمين :
القسم الأول : أن لا يكون للإنسان فيه اختيار فهذا لا لوم عليه فيه ،
ومثاله : ترك المرأة الصلاة أيام الحيض ،
ومثاله أيضاً : أن يموت الإنسان صغيراً فإن إيمانه ينقص عمن عُمِّر لأن من عُمِّر زاد إيمانه وزادت أعماله فهذا النقص لا حيلة له ولا يُلام عليه إطلاقاً ،
والقسم الثاني : ما كان للإنسان فيه اختيار فهذا إن كان واجباً فهو مُلامٌ آثم وإن كان غير واجب فقد يُلام ولكنه لومٌ لا إثم فيه ،
وقول المؤلف : ( ينقص بالزلل ) : الباء هنا للسببية والزلل مصدر زلَّ يزل زللاً وهو مثل الزَّلَق يعني الخروج عن الاعتدال هذا هو الزلل فإن خرج عن الإنسان عن واجبه نقص إيمانه ،
******************
96 – ونحن في إيماننا نستثني ،(72/17)
من غير شكٍّ فاستمع واستبن ،
قوله : ( نحن ) : الضمير يعود على أهل الأثر ،
لأن هذه العقيدة أو هذه المنظومة مبنيةٌ على مذهب أهل الأثر ،
يعني نحن أهل الأثر نستثني في إيماننا ،
والاستثناء في الإيمان : أن يعلق بالمشيئة فيقول : أنا مؤمن إن شاء الله [42] ،
فنحن نستثني في الإيمان ونرى أنه جائز بل نفصل في ذلك سنذكر إن شاء الله ،
وذهب بعض العلماء : إلى أن الاستثناء في الإيمان حرام ،
قالوا : لأنه ينبئ عن شك فإذا قلت أنا مؤمن كأنك شاك في الموضوع فيكون الاستثناء حراماً لأنك شككت هل أنت مؤمن أو غير مؤمن ،
وقال بعض العلماء : بل الاستثناء واجب يجب ،
لأن إذا قلت : أنا مؤمن ولم تقل إن شاء الله فإنك تكون قد زكَّيتَ نفسك وشهدت لها بأنك قمت بكل الواجبات وتزكية النفس حرام ،
وعلى هذا فيجب أن تقول : أنا مؤمن إن شاء الله لأن لا تزكي ولأنك لا تدري فلعلك الآن مؤمن ثم تكفر لا تدري والإيمان النافع هو الذي يوافي به الإنسان ربه ويكون في آخر الحياة ،
هذان قولان :
الأول : تحريم الاستثناء ،
والثاني : وجوب الاستثناء ،
والصحيح : أن الاستثناء ينقسم إلى :
1. واجب ،
2. ومحرم ،
3. وجائز ،
فإذا كان الإنسان مستثنياً في إيمانه خوفاً من التزكية فالاستثناء واجب ،
لأنه إذا جزم بأنه مؤمن فقد شهد لنفسه بأنه مؤمن والمؤمن له الجنة فيكون قد شهد لنفسه بأن له الجنة ولا بجوز للإنسان أن يشهد لأحدٍ أن له الجنة إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإذا كان يخشى من التزكية فالاستثناء واجب ،
وإذا كان الحامل للاستثناء التردد وعدم الجزم كان الاستثناء حراماً بل منافياً للإيمان فهذا محرم بل هو ردة يعني أنا مؤمن يعني إن شاء الله أني مؤمن ، متردد هل هو جازم أو غير جازم ،
ولهذا لو قال لك الرجل : سأزورك غداً إن شاء الله تقول له : لا تقل : ( إن شاء الله ) اجزم مع أنه مشروع أن يقول : ( إن شاء الله ) ،(72/18)
لكن الإنسان يعرف أنه إذا قال : ( إن شاء الله ) معناه : التردد ،
فإذا كان الحامل للاستثناء في الإيمان الشك والتردد فإنه يكون كفراً لوجوب الجزم بالإيمان ،
فقول المؤلف رحمه الله : ( ونحن في إيماننا نستثني من غير شكٍّ ) : فإن كان لِشك فهو حرام بل كفر ،
والثالث : إذا كان الاستثناء للتعليل أي أنا مؤمن بمشيئة الله فهذا جائز لأن هذا هو الحقيقة ،
والدليل لذلك : قوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } ( الفتح 27 ) ، فالتعليق هنا ليس للتردد لأن الله غير متردد وإنما هو لبيان العلة وهو أن دخولكم بمشيئة الله ،
ومن ذلك قول زائر القبور : وإنا إن شاء الله بكم لاحقون فإن الإنسان لا يشك بأنه سيلحق بالأموات لكنه أتى بالمشيئة بياناً للتعليل ، أي أن لحوقنا بكم يكون بمشيئة الله تعالى ،
فالاستثناء في الإيمان ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 – واجب ،
2 – جائز ،
3 – ومحرم ،
قوله : ( فاستمع ) : يعني استمع لما أقول ،
قوله : ( واستبن ) : يعني اطلب بيانها الخفي عليك وقد عرفنا أن الاستثناء ينقسم إلى ثلاثة أقسام ،
قوله ( استمع ) : لم يقل فاسمع لأن الاستماع والإنصات والسماع عن قصد والسماع يكون عن قصد وعن غير قصد ،
ونضرب لهذا مثلاً : لو مررتَ برجل يغني غناءً محرماً فلا إثم عليك لكن لو استمعتَ وأنصتَّ إليه لكنتَ آثماً ،
ويدل على هذا الفرق : قوله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } ( الأعراف 204 ) ، قال : { فاستمعوا له } ، ولم يقل : اسمعوه لأننا سمعناه من قبل لولا أننا سمعنا للقرآن لم يقل : { فاستمعوا له وأنصتوا } .
هل خالف أحدٌ في الاستثناء في الإيمان ؟
قلنا : إنهم خالفوا في ذلك على قولين :
القول الأول : وجوب الإستثناء ،
والثاني : تحريم الاستثناء ،
والصحيح : التفصيل ،
******************(72/19)
97 – نتابع الأخيار من أهل الأثر ،
ونقتفي الآثار لا أهل الأشر ،
قوله : ( الأخيار ) : الأخيار جمع خيِّر وهم السلف الصالح ،
لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذي يلونهم ثم الذبن يلونهم ) [43] ، فنحن نتابع الأخيار ،
قوله : ( من أهل الأثر ) : المراد بالأثر : ( ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) ،
وإن شئت فقل : المراد به ما هو أعم من ذلك وهو ( ما ثبت عن طريق الشرع ) ،
وضده أو مقابله العقل ،
الدليل العقلي : ( ما كان ثابتاً بالعقل ) ،
والأثري : ( ما كان ثابتاً بالأثر ) ،
وعلى رأسها : القرآن والسنة ثم ما روي عن الصحابة والتابعين ،
قوله : ( ونقتفي الآثار ) : الآثار جمع أثر وهي النصوص الواردة في الشرع ،
قوله : ( لا أهل الأشر ) : يعني لا نتبع أهل الأشر والبطر والفرح بما هم عليه من البدع وهو إشارةٌ إلى أن هذه المسألة قد اختلف فيها أهل الأثر وأهل الأشر ونحن نتبع في ذلك أهل الأثر ،
******************
98 – ولا تقل إيماننا مخلوق ،
ولا قديم هكذا مطلوق ،
هذا بحث أحدثه المتكلمون ولم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في عهد الصحابة وهو هل الإيمان مخلوق أم غير مخلوق ؟
وقد سبق لنا بحثٌ أهم منه وأكثر وقوعاً وهو :
الاستثناء في الإيمان ،
وبَيَّنا أن القول الراجح في الإيمان :
أن فيه تفصيلاً :
فإن كان الحامل على الاستثناء شكٌ أو تردد فهذا محرم بل كفر ،
وإن كان الحامل للاستثناء خوف تزكية النفس فهو واجب ،
وإن كان الحامل على الاستثناء بيان أن إيماني واقعٌ بمشيئة الله فهذا جائز ،
أما هل الإيمان مخلوق أو غير مخلوق ؟(72/20)
فهذا محدث حدث بعد أن حدث القول بخلق القرآن [44] ،
فصاروا يتحدثون يتساءلون : هل إيمانك مخلوق أو لا ؟ ماذا تقول ؟
إن قلت : مخلوق أخطأت ، وإن قلت : غير مخلوق أخطأت ،
ولهذا قال : ( ولا تقل إيماننا مخلوق ولا قديم ) قديم بمعنى غير مخلوق ،
لأن القديم عندهم : هو ( الشيء الأزلي الذي لم يُخلق من عدم ) ،
يعني لا تقل هذا ولا هذا ،
بل قل : آمنت بالله أو أنا مؤمن سواءٌ جعلته مخلوقاً أم غير مخلوق لماذا ؟
قال :
******************
99 – فإنه يشمل للصلاة ،
ونحوها من سائر الطاعات ،
100 – ففعلنا نحو الركوع محدث ،
وكل قرآنٍ قديم فابحثوا ،
الإيمان يقول المؤلف يشمل :
لشيءٍ محدث والمحدث مخلوق ،
ولشيءٍ غير محدث وغير المحدث غير مخلوق ،
مثال ذلك : الصلاة ، الصلاة فيها قول وفعل الأفعال التي فيها كلها مخلوقة كل الأفعال التي في الصلاة مخلوقة لأنها صفة حادث ،
وصفة الحادث حادث الأقوال فيها وفيها أمري بالمعروف ونهيي عن المنكر هذا مخلوق قراءتي القرآن ،
يقول : إن القرآن غير مخلوق وهو من الإيمان هكذا قال المؤلف ،
قال : لا تقل : إيمانك مخلوق ولا غير مخلوق لأنك ستقرأ القرآن فهل القرآن مخلوق ؟
لا ،
ولكن القول الراجح في هذه المسألة : أن إيماننا مخلوق إيماننا كله مخلوق ،
أما قراءة القرآن فإن القراءة التي هي فِعْلي مخلوقة والقرآن غير مخلوق ،
لكن القرآن ليس هو إيماني القرآن مما أنا مؤمن به القرآن ليس هو إيماني لكنه مما أنا مؤمن به وفرق بين إيماني وما أنا مؤمن به ،
وإلا نقول : عقيدتي أيضاً أنا أن الله عز وجل حي قيوم موجود ،
هذه العقيدة أليست مخلوقة ؟
نعم ، مخلوقة ،
لكن المعتقد غير مخلوق كلامي أنا بالقرآن مخلوق ،(72/21)
لكن ما أتكلم به غير مخلوق ،
ولهذا نقول : كلام المؤلف رحمه الله فيه نظر ،
بل إيماننا كله مخلوق والقرآن ليس من إيماننا ولكن قراءتي للقرآن من إيماني ،
لأن الإيمان عندنا معاشر أهل السنة قولٌ باللسان وعملٌ بالأركان واعتقادٌ في الجنان ،
وعلى هذا فمن قال : إيماني مخلوق قلنا : صدقت ،
هكذا نقول : ما آمنتُ به فيه التفصيل : منه مخلوق ومنه غير مخلوق :
فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخلوق وأنا مؤمن به والقرآن غير مخلوق الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر نرى المخلوق من هذه الأشياء ، الملائكة مخلوقون الكتب غير مخلوقة الإيمان بالرسل إيمان بالمخلوق اليوم الآخر مخلوق فصار المُؤْمَنُ بِهِ منه مخلوق ومنه غير مخلوق أما إيماني أنا فإنه مخلوق لأنه حادث أنا لم أكن شيئاً مذكوراً فكنتُ شيئاً مذكوراً وأحدثتُ الإيمان ،
وعلى هذا فالقول الصحيح : أنه يجوز أن يقول الإنسان : إيماني مخلوق لأنني مخلوق ،
فإذا أورد عليه مُورِد : أنت الآن تقرأ القرآن هل القرآن مخلوق ؟
أقول : لا لكن القرآن ليس إيماني القرآن مما أنا مؤمن به وليس إيماني ،
ففي كلام المؤلف رحمه الله نظر لكنه فَصَّلَ هذا التفصيل وعرفتم سبب التفصيل ،
قوله : ( وكل قرآنٍ قديمٌ فابحثوا ) : هذا أيضاً مما يؤخذ على المؤلف :
هل القرآن قديم أو حادث ؟
القرآن حادث يتكلم الله به حين إنزاله فيتلقاه جبريل فيأتي به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والدليل على هذا : أن الله يتحدث عن مسائل مضت بلفظ الماضي يقول عز وجل : { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } ( آل عمران 121 ) ، { غدوت } : يعني فيما مضى وهو إشارة إلى غزوة أُحُد ويقول جل وعلا : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما } ( المجادلة 1 ) ،
إذن هذه الآية نزلت بعد أن حصلت الشكوى لأن عبَّر عنها بلفظ الماضي ،(72/22)
فإن قال قائل : عبَّر عنها بلفظ الماضي لأنه متحقق الوقوع فهو كقوله : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } ( النحل 1 ) ؟
قلنا : هذا يأباه قوله : { والله يسمع تحاوركما } ، لأن { يسمع } : فعل مضارع لحكاية الحال يعني يسمع حين تحاورتما فأخبر الله عن شيءٍ مضى بصيغة المضارع الذي تُحْكى بها الحال ،
وحينئذٍ يتبين أن الله جل وعلا يتكلم في القرآن حين إنزاله ،
ويدل لذلك أيضاً : أنه تقع مسائل فيجيب الله عنها : { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات } ( المائدة 4 ) ، هل الله تكلم بهذا الجواب قبل أنْ يسألوا أبداً ؟
إذن فهو محدث وفي القرآن صريح ، â $tB NIg?I?ù't? `IiB 9??2I? `IiB NIgIn/? B^y??t?C ?wI) çnq?èyJtG??$# ? ( الأنبياء 2 ) [45] ، وقد أَوَّلَ من يقول : إن القرآن قديم أَوَّلَ قوله : â B^y??t?C ? : أي محدثٌ إنزاله وهذا تحريف لأن محدث اسم مفعول ونائب فاعله فيه يعود على الذِّكر لا على الإنزال فـ â $tB NIg?I?ù't? `IiB 9??2I? `IiB NIgIn/? B^y??t?C ? : أي هو أي الذِّكر فصرف الضمير إلى غير الذِّكر تحريف ،
فإن قال قائل : ألم يقل الله عز وجل : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } ( الواقعة 77 – 78 ) ، وقال : { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } ( البروج 21 – 22 ) ، وهذا يدل على أن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ لأنه قال : { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } ، وقال أيضاً : { في كتاب مكنون ، لا يمسه إلا المطهرون } ( الواقعة 78 – 79 ) ، وهذا يقتضي أن الله كتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يتكلم به وقبل أن ينزله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قلنا : هذه الآية : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } ، { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } لا تدل على أنه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ ،(72/23)
إذْ قد يكون المراد : ذكره والتحدث عنه وشأنه وعاقبته بدليل قوله تعالى : { وإنه لفي زبر الأولين } ( الشعراء 196 ) : أي القرآن ، اقرأ آية الشعراء : { وإنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين ، وإنه لفي زبر الأولين } ( البروج 192 – 196 ) ، وهل القرآن مكتوب في زُ بُرِ الأولين ؟ أو مُتَحَدَّثٌ عنه في زُبُرِ الأولين ؟
مُتَحَدَّثٌ عنه ، فيكون قوله : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } و { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } ، يعني التحدث عنه وذكر شأنه وحاله ولا يتعين أن تكون الآية دالةً على أنه يكون مكتوب ،
والدليل على أنه لا يتعين : ما ذكرته لكم في قوله : { وإنه لفي زبر الأولين } : أي ذكره والتحدث عنه لا أن القرآن نفسه مكتوب هناك ،
لأنه لو كان مكتوباً هناك لكان نازلاً قبل محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم بأعوام [46] ،
والخلاصة : أن القول بأن القرآن قديم قولٌ منكر [47] ،
بل نقول : القرآن مجيد كريم ونصفه بما وصفه الله به أما بأنه قديم فلا ، ليس بقديم ،
وهذا القول أعني أن يُوصف القرآن بالقدم هو نزعةٌ من نزعات الأشاعرة ،
الذين يقولون : إن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس وهو قديمٌ كقدم العلم ،
الأشاعرة يقولون : كلام الله هو المعنى القائم بالنفس والمعنى القائم بالنفس قديم ،
يعني لم يزل الله عز وجل مريداً للشيء عالماً به ،
فيقولون : إن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه ، وما يسمعه جبريل أو ما يسمعه موسى أو سمعه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعراج فهذا عبارةٌ عن أصواتٍ مخلوقة تعبِّر عن كلام الله يعني خلق الله أصواتاً في الجو تعبِّر عن ما في نفس الله من الكلام هذا كلام الله عندهم ،
وقد قال بعض العلماء علمائهم المنصفين قال : الحقيقة أن لا فرق بيننا وبين الجهمية لأننا متفقون على أن ما يُسمع ويُقرأ فهو مخلوق ،(72/24)
قلنا : تمام هذا حقيقة لكن الجهمية خيرٌ منكم في التعبير ،
لأن الجهمية يقولون : هذا كلام الله ،
وأنتم تقولون : هذا عبارةٌ عن كلام الله وليس كلام الله ،
فصاروا أحسن منكم في التعبير وإن كان كل منكم قال الخطأ وأَبْعَدَ عن الصواب ،
إذن كلام المؤلف في هذين البيتين فيه نظر ما هو النظر ؟
النظر الأول : قوله : ( إن إيماننا ليس بمخلوق ) : وجه النظر فيه :
إن إيماننا مخلوق كله لأنه صفاتنا إيماننا من صفاتنا ونحن مخلوقون فصفاتنا مخلوقة ،
لكن ما نؤمن به هو الذي ينقسم إلى :
1. مخلوق ،
2. وغير مخلوق ،
الوجه الثاني من الخطأ : أن القرآن قديم والقرآن كريم وليس بقديم فإن الله يتكلم به حين إنزاله ،
لأن الله قال : { وإنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك } ( الشعراء 192 – 194 ) ،
فظاهر السياق أنه من حين أن يتكلم الله به ينزل به جبريل إلى محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ،
وهذا هو الحق وهذا هو المعقول وينبغي لنا نحن في العقيدة أن لا نستوحش من شيءٍ دل عليه الكتاب والسنة لا تستوحش ولا تتهيب الوحشة كل الوحشة أن تحرف نصوص الكتاب والسنة من أجل عقيدةٍ تعتقدها وهي خطأ هذه هي الوحشة ،
أما شيءٌ دل عليه ظاهر الكتاب والسنة فلا بد لك من قوله ،
قوله : ( وكل قرآن قديم فابحثوا ) : ما معنى البحث ؟
البحث يعني التفتيش ، وأصله من بحث الأرض أي حرثها باليد فكأن المفتش للوصول إلى العلم كأنه يحرث الأرض ليستخرج ما كان خابئاً فيها ،
والبحث من أهم وسائل العلم ،
لكن بشرط أن يكون الغرض منه الوصول إلى الحق دون الانتصار للقول سواءٌ كان قولك أم قول متبوعك ،
إذا بحثت فلتكن نيتك سليمة يعني تنوي أنك تريد الوصول إلى الحق سواءٌ كان معك أو مع خصمك ،
أما الإنسان الذي يناقش من أجل أن ينتصر لقوله وإن كان يعتقد أنه حق فإنه لا يجوز بل اجعل مناقشتك من أجل الوصول إلى الحق سواءٌ كان معك أو مع غيرك ،(72/25)
ثم إنك إذا انقدت إلى الحق إذا كان مع خصمك تجد لذة وتجد تواضعاً ويهون عليك مخالفة نفسك ،
أما إذا تعصبت لقولك وسرت تحاول أن تنتصر لها ولو بالخطأ فإنه سيضيق صدرك لا شك سيضيق صدرك وسوف لا تتمكن في المستقبل من الرضوخ للحق ،
وهذه آفةٌ عظيمة وهي الاستكبار عن الحق ،
الواجب أن الإنسان ينظر إلى الصواب سواءٌ معه أو مع خصمه ،
ثم إن البحث إذا بحثنا مثلاً وأتى كل واحدٍ منا بحجته ولم يتبين لأحدنا صواب صاحبه فلدينا من نُحَكِّم ، نُحَكِّم من ؟
كتاب الله وسنة رسوله عن طريق الذي هو أعلم منا حتى يكون الاتفاق ويزول الخلاف والله أعلم ،
******************
101 – وَوَكَّلَ الله من الكرام ،
اثنين حافظين للأنام ،
التوكيل : ( إقامة الغير مُقامَ النفس ) هذا التوكيل ،
مثال ذلك : قلت : يا فلان هذه عشرة ريالات اشتري لي بها حاجة من السوق ،
فأنا مُوَكِّل وأنت وكيل أليس كذلك ؟
وهنا يبقى عندنا إشكال : في قوله : ( ووكل الله من الكرام ) ، فهل الله عز جل يُوَكِّل ؟ هل الله في حاجة إلى أن يُوَكِّل ؟
الجواب أن نقول : التوكيل المضاف إلى الله ليس كالتوكيل المضاف إلى الآدمي ،
التوكيل المضاف إلى الآدمي : قد يكون سببه : العجز كرجلٍ مريض لا يستطيع أن يصل إلى السوق فَوَكَّلَ شخصاً يشتري له حاجةً من السوق ،
أما التوكيل من الله : فهو لكمال سلطانه وأنه يدبر الخلائق فهم جنود فهم جنودٌ لله عز وجل وليسوا وكلاء يقومون مقامه من أجل عجزه عن تصريف خلقه بل هم يقومون بما وُكِلَ إليهم لكمال سلطان خالقهم عز وجل ،
وقد أضاف الله التوكيل إلى نفسه في قوله تعالى : { فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسا بها بكافرين } ( الأنعام 89 ) .
وحينئذِ نقول : إن الله وكيل ،(72/26)
لقوله تعالى : { وكفى بالله وكيلا } ( النساء 81 ) ، أي قائمٌ بشئون خلقه ومُوَكِّلْ أي مدبِّر لخلقه لكمال سلطانه ،
فالتوكيل هنا ليس لنقص المُوَكِّل ولكن لكمال سلطانه ،
يدبِّر ما شاء وهذا جندٌ له مُوَكَّل لكتابة الأعمال وهذا جندٌ من جنوده مُوَكَّل بالنار وهذا جندٌ من جنود مُوَكَّل بالجنة وهكذا ،
قوله : ( ووكل الله من الكرام ) : أي من الملائكة الكرام ،
ودليل ذلك : قوله تعالى : { كلا بل تكذبون بالدين ، وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين } ( الانفطار 9 – 11 ) .
وصفهم الله بالكرم لكمال أخلاقهم والكمال يُسمى كرماً ،
بدليل : قوله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذٍ حين بعثه إلى اليمن : ( إياك وكرائم أموالهم ) [48] ، أي كاملها في الصفات والحُسْنْ فهم كرماء لكمال صفاتهم وإلا فإنهم لا يُعطون الناس شيئاً لكن الكرم يكون من أجل البذل ويكون من أجل الكمال مع أن البذل من آثار الكمال ،
قوله : ( اثنين حافظين للأنام ) : يعني من الملائكة الكرام :
أحدهما : يكون عن اليمين ،
والثاني : عن الشمال ،
كما قال تعالى : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ( ق 17 – 18 ) : أيٌ قولٍ تلفظ به فلديك رقيبٌ عتيد حاضر لا يغيب عنك أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال ،
ولما دخل على الإمام أحمد رضي الله عنه أحد أصحابه وكان مريضاً وسمعه يئن ، يئن أنين المريض قال له يا أبا عبدالله إن طاووساً – وهو من كبار التابعين رحمه الله – يقول إن المَلَكَ يكتب حتى أنين المريض لما قال هذا لأبي عبدالله رحمه الله أمسك حتى عن الأنين خوفاً من أن يُكتب عليه ،
ولا شك أن أنين المريض إذا كان ينبئ عن تسخُّط فإنه يُكتب عليه أما إذا بمقتضى الحُمى فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ،
إذن هؤلاء الملائكة يحفظون الأنام أي يحفظون أعمالهم يكتبونها في سجلات تُقرأ يوم القيامة ،(72/27)
قال الله تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } ( الإسراء 13 ) ، يعني عمله ، { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } ، مفتوحاً غير مغلق لا يكلفه في النظر إليه ، { اقرأ كتابك } ( الإسراء 14 ) ، يعني يقال اقرأ كتابك كل شيءٍ مكتوب ، { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } .
قال بعض السلف : والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك ،
صحيح هذا الإنصاف ، إنسان يقدم لك دفتر الحساب يقول : أنت حاسب نفسك هذا هو الإنصاف ، هؤلاء الملائكة يكتبون ما عمله الإنسان من حسنات ويكتبون ما عمله من سيئات ، لا شك في هذا ،
وهل يكتبون ما صدر منه من لغو أي ما ليس بحسنة ولا سيئة [49] ؟
على قولين للعلماء :
1. فمنهم من قال : إنهم يكتبونه ، لكن لا يُحاسب الإنسان عليه ،
2. ومنهم قال : إنهم لا يكتبونه ، لأنه لغو ، وكتابة اللغو من اللغو ، وهؤلاء الملائكة كرام ، والكريم كامل الصفات وكامل الصفات لا يفعل ما هو لغو ،
ولكن لو قال قائل : هل في الكلام من لغو ؟
إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( من كان يؤمن بالله يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) وهو إذا صمت لا يُكتب عليه شيء وإن قال قال خيراً أو شراًّ ؟
ولكن الذي يظهر أنه هناك لغواً :
لقوله تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } ( الفرقان 72 ) ، وهذا يعم اللغو القولي واللغو الفعلي ،
فالظاهر أنه يوجد اللغو ولكن في كتابته أو عدم كتابته فيها شيءٌ من التوقف هل يكتبونه أو لا ،
إنْ نظرنا إلى عموم قوله تعالى : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد } ( ق 17 ) ، و { من قول } : نكرة في سياق النفي وهي نكرة مؤكدةٌ بـ { من } ( ق 17 – 18 ) .
قلنا : يُكتب كل شيء ولكن لا يلزم من الكتابة المحاسبة يُكتب ولا يُحاسب عليه لأنه لغو ،
وإنْ نظرنا إلى أن اللغو الذي لا يُحاسب عليه الإنسان كتابته لغو ،
قلنا : لا تُكتب ،(72/28)
ويمكن أن يُراد بالعموم في قوله : { من قول } ، يُراد به الخاص أي { من قول } يُثاب عليه أو يُعاقب { إلا لديه رقيب عتيد } ،
وعلى كل حال فالإنسان يجب أنْ يحتاط وأن يحترس وأن لا يقول كلمةً إلا وهو يعرف أنها له أو عليه ،
فإن كانت له فليحمد الله على ذلك وإن كانت عليه فلا يلومن إلا نفسه ليحرص الإنسان على هذا ،
قوله : ( اثنين حافظين للأنام ) : هذان الإثنان هل هما دائماً مع الإنسان ؟
نعم ،
لقوله : { إلا لديه رقيب عتيد } .
وقيل : إنهما يفارقانه إذا دخل الخلاء وإذا كان عند الجماع ،
فإن صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلى العين والرأس ،
وإن لم يصح فالأصل العموم { إلا لديه رقيب عتيد } ،
فإن قال قائل : هما يكتبان القول ويكتبان الفعل لأنهما أي القول والفعل ظاهران لكن هل يكتبان الهم ؟ وهو في القلب أو لا يكتبان الهم ؟
قلنا : ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من همَّ فلم يعملها كُتِبَتْ حسنة ومن همَّ بالسيئة ولم يعملها كُتِبَتْ حسنة والمعروف أن الذي يكتب الملائكة { وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين } ( الانفطار 10 – 11 ) ،
وعلى هذا فيكون عندهم اطلاعٌ على ما في القلب ولا غرابة في ذلك فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } ( ق 16 ) ، فهو عالمٌ بذلك فيجوز أن يُطْلِعَ الله هؤلاء الملائكة على ما علمه من حال الشخص ويكون علمهم بذلك بواسطة من علم الله عز وجل ويجوز أنْ يعلموا ذلك بما يحصل للقلب من حركة ،
لأن الهمَّ حركة القلب الهم حركة القلب يهمُّ بالشيء يتحرك فيعلمان ما يحصل بحركة القلب وإذا كان الشيطان يجري من آدم مجرى الدم ويصل إلى شِغافِ قلبه فلا غرو أن يعلم الملائكة بما يحدث للإنسان في قلبه ،
وعلى كل حال فسواءٌ كان الله عز وجل يطلعهما على ما في القلب فيكتباه أو هما يعلمان ذلك بحركة القلب فإنهما يكتبان همَّ القلب ،(72/29)
فصار الهمَّ والقول العمل كله يُكتب ،
ولكن هل يُحاسب الإنسان على مجرد ما يحصل في قلبه من الوهن أو لابد من حركة ؟
الجواب : ليست حركة ظاهرة ، حركة في القلب أي ميل وهمّ ،
أما مجرد ما يخطر على الإنسان أو يحدِّث به نفسه فإنه لا يكتب عليه ، لا يُكتب عليه ولا له أيضاً اللهم إلا أن يُكتب له لحُسْنِ نيته حيث فكَّر أن يعمل عملاً صالحاً ،
وهناك فرق بين حديث النفس والهمّ :
الهم : هو أن يتحرك ويتقدم يعمل ،
لكن حديث النفس فهو حديثٌ مجرد تفكير في الشيء خواطر في الشيء لا أثر له ،
ولهذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( إن تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) ،
قوله : ( الأنام ) : الأنام هم الخلق ،
******************
102 – فيكتبان كل أفعال الورى ،
كما أتى في النص في من غير امْتِرا ،
قوله : ( فيكتبان ) : أي الملكان ،
قوله : ( كل أفعال الورى ) : وهذا عام ،
قوله : ( أفعال الورى ) : ظاهره أنهما لا يكتبان القول ولا يكتبان الهمّ ،
وفي هذا نظرٌ ظاهر ،
فإن القرآن الكريم يقول في القول : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ( ق 18 ) ،
وأما الهمّ فكما سمعتم : ( من همّ بالحسنة فله عشر حسنات ومن لم يعملها فله حسنة ومن همّ بالسيئة فتركها لله فله حسنة ) [50] ، وعرفتم هل يعلمان ذلك أو يعلمهما الله عز وجل ،
ولعل المؤلف أخذ هذا أي قَصْرَهُ ما يُكتب على الفعل أخذه من قوله تعالى : { وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما تفعلون } ( الانفطار 10 – 12 ) ،
ولكن من المعلوم أنه إذا جاء { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ، أننا نضم هذه إلى هذه ويكون الذي يُكتب القول والفعل ثم نضم هذين الاثنين إلى الحديث ( من همّ بالحسنة …… ومن همّ بالسيئة ……… ) ، فيكون الذي يُكتب القول والفعل والهم ،(72/30)
قوله : ( كما أتى في النص من غير امْتِرا ) : أي النص ؟
{ وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما تفعلون } .
وقال تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى } ( الزخرف 80 ) : يعني نسمع ، { ورسلنا لديهم يكتبون } .
وهذا أيضاً نص في أن القول يُكتب { أم يحسبون أنا لا نسمع } ، وهذا قول : { ورسلنا لديهم يكتبون } .
فصار الذي يُكتب الآن ثلاثة ولا يوجد غيرها الهمّ والقول والفعل وشيءٌ يُحصى على المرء في كل لحظة من قولٍ وفعلٍ وهمّ سيكون كثيراً ،
ولذلك الآن لو أن أحداً سجّل ما نتكلم به في جلسةٍ واحدة من جلوسنا كم يأتي من صفحة ؟ يأتي صفحات كثيرة كيف وكلامنا لا يُحصى في اليوم والليلة ؟ نسأل الله أن يعفو عنا ،
الأسئلة
السؤال : بالنسبة للمحو ، محو ما تكتبه الملائكة يعني التوبة إذا تاب الإنسان ؟
الجواب : قال الله تعالى : { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } ( الفرقان 70 ) ، يُمحى ،
يقول شيخ الإسلام : الحسد : ( كراهة ما أنعم الله به على الغير سواءً تمنى زواله أم لم يتمنى ) [51] ،
وهذا هو الصحيح ،
فإذا كرهت أن يُنعم الله على شخصٍ بنعمة هذا هو الحسد ،
السؤال : ألا نستطيع أن القول إذا أُطْلِق في القرآن فإنه يشمل الفعل أو العمل وكذلك لقوله تعالى : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ( ق 18 ) ؟
الجواب : لو حاولت أن تقول : إن القول يُطلق على الفعل ،
كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمار بن ياسر : ( إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ) ،
هنا قول بمعنى الفعل ،
لكن يمنعنا من ذلك قوله : { ما يلفظ } واللفظ هو القول ،
إذا قيل : لفظت بالقول ،
واضح أنه ما يلفظ من لفظٍ لا يطلق اللفظ على الفعل أبداً ،
السؤال : ما معنى قولهم : لفظ أنفاسه ، لفظ يعني فعل ليس بقول ؟
الجواب : معنى لفظ أنفاسه أنه انتهت حياته ،(72/31)
أصلاً لما قيَّدْناها لفظ أنفاسه قيدناها بالنَّفَس علمنا أن هذا ليس قول اللسان ، لكن هنا { ما يلفظ من قول } قال لفظ مضافاً إلى القول تعين أنْ يكون هو قول اللسان ،
السؤال : ما تفسيرها ؟
الجواب : معناها أن الأقوال تُكتب ، لكن { يعلمون ما تفعلون } ( الانفطار 12 ) ، تُكتب الأفعال ويقال أيضاً بالقياس إذا كان القول يُكتب فالفعل من باب أولى ،
السؤال : لكن القاعدة : ( الاستثناء معيار العموم ) ؟
الجواب : أين الاستثناء ؟
السؤال : { إلا لديه رقيب عتيد } .
الجواب : { إلا لديه رقيب عتيد } هنا استثنى من الوقت يعني عنده إلا عنده رقيبٌ عتيد ثم الاستثناء لو قلنا : ما توهمت لكان استثناءً من القول ،
والاستثناء من القول لا يدل على عموم القول للفعل يدل على عموم الأقوال ،
فإذا قلنا : { والعصر ، إن الإنسان في خسر ، إلا الذين آمنوا ،،،،،،،،،، } ( العصر 1 – 3 ) ،
هل نقول : هذا استثناء من الحيوان أيضاً ؟
لا ، استثنى من الإنسان ،
فإذا قلنا : { ما بلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ( الزخرف 80 ) كان هذا استثناء من القول يعني في أي وقتٍ يكون القول فلديه هذا الرقيب العتيد واضح لكن الفعل دل عليه قوله : { يعلمون ما تفعلون } ،
الملائكة : عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور وسخَّرهم لما أراد منهم منهم العابدون ومنهم الموكلون ببني آدم وليسوا هم القوى المادية أو العقلية أو ما أشبه ذلك هم أجسام { جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة } ( فاطر 1 ) ، وهم مخلوقون من النور ، ونؤمن بكل من علمنا اسمه منهم وبصفة كل من علمنا بصفته وما وراء ذلك من علم الغيب فلا ندري عنه ، من جملة الملائكة من ذكرهم المؤلف ، الملكان الرقيب والعتيد ،
هل الرقيب هو العتيد أو غيره ؟ هل قال الله تعالى ( إلا لديه رقيبٌ وعتيد ) ؟(72/32)
لا ، إذن فالرقيب هو العتيد ، ملكان عن اليمين وعن الشمال ، يكتبان كل الأعمال السيئات والحسنات واللغو ويكتبان إرادات القلوب ،
إذا قلنا : أنها تُكتب اللغو ،
فهل يُكتب مع الحسنات أو مع السيئات ؟
يُكتب على أنه فعل هذا والحساب على الله أو نقول : إنه إلى السيئات أقرب لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) [52] ، فهذا يدل ظاهره على وجوب السكوت إذا لم يكن القول خيراً ،
السؤال : هل نقول : إن الله عز وجل جعل السيئات والحسنات كل واحدٍ منهما يكتب لوحده أو جعل الحسنات والسيئات يكتبان معاً ؟
الجواب : لا ، لا ، كل منهما يكتب لوحده ،
وإذا قلنا : أن اللغو سيئة فيكتبها مع السيئات ، وإذا لم نقل فيكتبها من شاء الله يأمر الله من شاء منهما هذه أمور غيبية لا نقدر أن نحدد من يكتب اللغو ،
سؤال : لو قال قائل : إن اللغو ليس مع الحسنات ولا مع السيئات ما كان للصالحين ميزة في قوله تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } ( الفرقان 72 ) ؟
الجواب : يمكن أن يقال : لهم ميزة بأنهم يُثابون على ذلك على تركهم اللغو فيكتب تركهم للغو في ميزان حسناتهم ،
السؤال : القائلين بأن الملائكة قوة عقلية ؟
الجواب : يقولون : بأن النفوس ثلاثة [53] :
1. أمَّارة بالسوء ،
2. ومطمئنة ،
3. ولوَّامة ،
فالنفوس المطمئنة هي الملائكة ،
والنفوس الأمَّارة بالسوء هي الشياطين فليس هناك شياطين ولا ملائكة فهي نفس الإنسان ليس هناك أحدٌ غيره ،
السؤال : بالنسبة لشيخ الإسلام جاء في أبياته :
وأقول في القرآن .
ما جاءت به آياته القديمة ؟ .(72/33)
الجواب : هذه أولاً هذه تحتاج إلى إثبات أنها لشيخ الإسلام ابن تيمية وعلى تقدير ثبوتها فإن هذا لعله في أول طلبه لأن القول بأنه قديم هو المشهور عند أكثر الناس فربما قال هذه في أول طلبه ،
لكن الظاهر أنها لا تصح أصلاً عن الشيخ ،
السؤال : ما حكم الفِرَق ؟
الجواب : حكم الفِرَق : الفِرَق هذه فيها كافر وفيها فاسق وفيها معذور يختلفون ما يمكن نحكم بحكمٍ واحد على الجميع ،
الكافر هو الذي علم الحق وأصر على خلافه وكذب به ،
والفاسق هو الذي دون ذلك يعني قريب لكن عنده شبهة ،
والمعذور هو الذي اجتهد ولكنه لم يصل اجتهاده إلا إلى هذا ،
وهناك أشياء ما يمكن فيها الاجتهاد : أشياء واضحة بينة لا يمكن أنْ نقول فيها بالاجتهاد هذا يكون المخالف لها معاند ،
يعني مثلاً : { ثم استوى على العرش } ( الأعراف 54 ) :
إذا قال : والله أنا ما أعرف إلا استوى بمعنى استولى ،
ماذا نقول لهذا الشخص ؟ هل نقول : إنه معاند ، أو نقول : إنه معذور ؟
معاند لا شك لأننا لو طالبناه أنْ يأتي لنا بدليل واحد من اللغة أو من القرآن أو من السنة على أنْ استوى إذا عُدِّ يَت بـ ( على ) بمعنى استولى ،
ما استطاع أن يأتي بدليل أبداً ليس عندهم إلا هذا الدليل الذي يقول فيه القائل :
قد استوى بشرٌ على العراق ،
من غير سيفٍ أو دمٍ مهراق [54] ،
من القائل ؟
هذا القائل مجهول كيف نقبل قول شخصٍ مجهول ؟
ونجعله دليلاً على الكتاب والسنة لكي نبطل دلالة الكتاب والسنة من أجل قول شخصٍ مجهول أنا لو أعارض قول رجلٍ من الناس بقول رجلٍ مجهول ما استقامت لي معارضة ولا قبلت مني المعارضة كيف أعارض القرآن بقول شخصٍ مجهول هذه واحدة ،
ثانياً : ( استوى بشرٌ على العراق ) ، لنا هنا أنْ نقول : استوى هنا بمعنى علا ،
لأن الاستيلاء الكامل علو ، أليس كذلك ؟(72/34)
الاستيلاء الكامل يعتبر علو وسيطرة فمعنى استوى عليه يعني علا عليه ،
ثالثاً : استوى على العرش ممكن الرجل استوى على البعير ممكن لكن العراق هل أن يستوي عليه بمعنى يعلو عليه علواً حسياً يعني يركب العراق ما يمكن حتى الطائرة لا يمكن ما هي الطائرة بالنسبة للعراق ؟
على كل حال الآن هذا الذي يعارض في الاستواء نقول هذا معاند ثم إنْ استلزم عناده هذا مقالة كفرٍ فهو كافر ،
السؤال : لماذا سميت المرجئة بهذا الاسم ؟
الجواب : سموا مرجئة إما لتغليبهم جانب الرجاء وإما لتأخيرهم العمل عن الإيمان أخَّروه عن الإيمان وقالوا : العمل ليس من الإيمان ،
السؤال : من شروط الحد أنه يكون جامعاً مانعاً ، بعض العلماء مثل : سهل بن عبدالله التستري أورد زيادة على تعريف أهل السنة من أن الإيمان ( قول وعمل وقصد ) أورد ( أن يكون على السنة ) [55] لأنه يقول : البدعة تشتمل على المعنى ما ذكروه ؟
الجواب : والكفر أيضاً الكفر يشمل حتى الكفر يشمل هذا الكفر قول وعمل واعتقاد ، المراد قول وعمل واعتقاد ( أي في تعريف الإيمان ) أي الذي هو إيمان بالله ،
السؤال : إذا قال رجل : أنا أقول : أن الإيمان فقط يدخل فيه الاعتقاد والقول وأعمل ولكن لا أعتقد أن العمل يدخل في مسمى الإيمان ، ماذا نقول فيه ؟
الجواب : يكون مخالفاً لأهل السنة ، يكون مبتدع ،
السؤال : ما نقول كافر ؟
الجواب : لا ما نقول أنه كافر ، لا ،
السؤال : لكن يقول : أنا أعمل ولكن مثلاً لا أعتقد وجوب الصلاة ،
الجواب : نعم لكن يعمل متقرباً بذلك إلى الله أما إذا كان لا ، غير متقرب معناه لا ينفعه عمله ،
السؤال : ما وجه من قال أن الإيمان يزيد ولا ينقص وما وجه الإجابة عليه ؟
الجواب : قال بعض العلماء : إنه يزيد ولا نقول : ينقص لأنه لم يَرِد ،(72/35)
ولكن نقول له : بل قد ورد : ( ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين ) وهذا يدخل فيه الإيمان لأن الإيمان من الدين وأيضاً لا تعقل زيادة إلا في مقابلة نقص فالأول دليل سمعي والثاني دليل عقلي ،
السؤال : هل يتردد الآن في إيمانه بين نقصٍ وزيادة أن هناك حالةٌ وسط ؟
الجواب : والله ، نعم يختلف أحياناً يصفو للإنسان الذهن ويزداد إيمانه حتى كإنما يشاهد الأمور الغيبية بعينه هذه الزيادة ما فيها شك ،
السؤال : هل يكون للإنسان مرحلة يكون فيها إيمانه فيها ثابت أم أنه دائماً إيمانه في تردد يزيد وينقص ،
الجواب : ينقص ويزيد ، ربما يعمل معصية تكفرها الصلاة فيكون نَقَصَ حين عمل المعصية ثم رُقِّيَ بالصلاة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) [56] ، ومع ذلك إذا تاب من الزنا رجع إليه إيمانه ،
السؤال : روي عن ابن عباس أنه قال أن القرآن أُنْزِلَ أول ما أُنْزِلَ جملةً واحدة ثم نزل بعد ذلك منجماً ، فعل يكون هذا فيه دليل على أن القرآن قديم ؟
الجواب : لا هذا غير صحيح ، لم يصح هذا يُروى عن ابن عباس لكن فيه نظر لا يصح ،
السؤال : على فرض صحته هل يكون القرآن قديم ؟
الجواب : أبداً لا يكون قديم لأن كتابته في اللوح المحفوظ حديثة حادثة هم عندهم القديم هو الذي لا يتصور حدوثه ، ونحن نقول : حتى لو كُتِبَ في اللوح المحفوظ فهو حادث ،
السؤال : الأشاعرة يقولون : القرآن عبارةٌ عن كلام الله ، هل عندهم استناد أم أنهم يقولونه من عند أنفسهم ؟
الجواب : لا أبداً عندهم استناد يدعونه عقلاً وهو وهمٌ وخيال يقولون ،
لأننا لو قلنا : إن الكلام حادث للزم من هذا قيام الحوادث بالله والحوادث لا تقوم إلا بحادث ،
وهذا ليس بصحيح ،
من يقول : إن الحوادث لا تقوم إلا بحادث قد يحدث الشيء من شخصٍ سابق على الحدوث ،
فمثلاً : أنا الآن أفعل أتحرك بيدي وجودي سابقٌ على هذه الحركة فأقوالهم كلها ضعيفة ،(72/36)
السؤال : قال الإمام أحمد : من قال القرآن مخلوق فقد كفر ومن قال غير مخلوق ابتدع ؟
الجواب : الإمام أحمد رحمه الله كان في زمنٍ قد طغت فيه أقوال الجهمية وكانوا يقولون القرآن مخلوق فإذا أبى عليهم العامة ،
قالوا : قولوا : إيماننا مخلوق ، والإيمان يشمل قراءة القرآن ،
والجهمية عند الإمام أحمد كفار الجهمية كفار [57] ،
وكما قلتُ لكم قبل هذا : أصل الكلام في هذا أصله محدث ما كان معروف عند السلف ،
لكن لما جاء القول بخلق القرآن صاروا يتحدثون بهذا الشي ء ،
أما إذا قال : القرآن مخلوق فهو كافر ومن جملته القرآن مخلوق ،
فالسلف يقولون : من قال : القرآن مخلوق فهو كافر وإما مبتدع ( أي قوله القرآن غير مخلوق ) فلأن السلف لم يتكلموا به ، لا تقل : مخلوق ، ولا تقل : غير مخلوق ،
السؤال : الأعمال فيها ما هو شرط في الإيمان وفيها ما ليس شرطاً في الإيمان وقلنا أن الزكاة ليست شرطاً في الإيمان ، فكيف استحل أبو بكر رضي الله عنه دماء من منع الزكاة ؟
الجواب : هناك فرق بين القتال وبين القتل ، الممتنع من الزكاة ولو كان مسلماً يُقاتل لأنها شعيرة من شعائر الإسلام كما أنه لو اجتمع أهل قريةٍ على ترك الأذان مثلاً ترك الأذان ليس بكفر لكن نقاتلهم ،
السؤال : هذا استحلال لدمائهم يا شيخ ،
الجواب : نستحل دماءهم لأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم أليس الله يقول : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهمافإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي } ( الحجرات 9 ) .
وهل تكفر إذا بغت على الأخرى ؟
ما تكفر لكن نقاتلهم من أجل أن يلتزموا أحكام الإسلام ،
فالمقاتلة أعم من القتل إذ قد تجوز المقاتلة ولا يجوز القتل ،
السؤال : قول المؤلف أن القرآن قديم أليس هذا مذهب الاقترانية ؟
الجواب : لا ، لا ، هذا مذهب الأشاعرة ، الاقترانية يقولون : حادث لكن فيه اقتران يعني الباء والسين والميم هذه كلها خرجت الله دفعةً واحدة ،(72/37)
السؤال : ما الفرق بين المحدث والمخلوق ؟
الجواب : لا فرق لأن كل مخلوق فهو محدث ،
السؤال : إذا قلنا بهذا فقد فتحنا الباب على الفلاسفة ،
الجواب : لا ، لا ، ما نفتحه لأن المحدث من الخالق ليس بمخلوق لأنه صفته ،
السؤال : يقولون في مقولتهم : العالم محدث وكل محدث متغير وكل العالم متغير ولا شك أن المتغير هو المخلوق ؟
الجواب : المتغير مخلوق إذا كان لهم أن يغيروه أما إذا يتغير بنفسه كفعل الله عز وجل الله يفعل ما يشاء { ويفعل الله ما يشاء } ( إبراهيم 27 ) .
الباب الرابع
في ذكر بعض السمعيات من ذكر البرزخ والقبور وأشراط الساعة والحشر والنشور
ذكر البرزخ والقبور والبعث والنشور ( كذا عندي في الكتاب )
103 – وكل ما صح من الأخبار ،
وجاء في التنزيل والآثار ،
الأشراط جمع شرط وهو في اللغة : العلامة ،
وفي الاصطلاح : ( ما يتوقف صحة الشيء على وجوده ) ، والمراد به هنا : العلامة ،
فقوله : ( أشراط الساعة ) : يعني علاماتها والساعة هي القيامة ،
وسميت ساعة : لأنها ساعة مشقة وإنذار وساعةٌ عظيمة وكل شيءٍ يكون عظيماً فإنه يسمى ساعة لأنها مفزعة ، قال الله تعالى : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها } ( محمد 18 ) .
وأشراط الساعة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1. قسمٌ مضى ،
2. وقسمٌ ما زال يأتي ،
3. وقسمٌ أكبر وهو الأشراط القريبة منها وهي الأشراط الكبار ،
فمن الأشياء التي مضت : بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن بعثته وجَعْلَهُ آخر الرسل تدل على أن الساعة قريبة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( بُعثتُ أنا والساعة كهاتين ) [58] ، وذكر السبابة والوسطى يعنى أنهما مُقترنان وليس بيننا إلا كما بين السبابة والوسطى ،(72/38)
وهناك أشراط ما زالت تقع مثل : كثرة المال كثرة الهرج يعني القتل وتقارب الزمان وغير ذلك ،
وقسمٌ ثالث لم يأتِ بعد مثل الأشراط الكبيرة : كنزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام والدجال ويأجوج ومأجوج وما أشبهها ،
فما موقفنا نحو هذه الأشراط ؟
يقول المؤلف : ( وكل ما صح من الأخبار ) : يعني الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ( جاء في التنزيل والآثار ) ،
هذه ثلاثة أشياء أو ثلاثة طرق تثبت بها أشراط الساعة :
الأول : ما صح من أخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وقيَّد المؤلف ذلك بقوله : ( ما صح ) : احترازاً مما لم يصح ،
واعلم أن العلماء أفرط بعضهم في سياق الأشراط وذكر ما لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أحاديث لا زمام لها ولا صحة لها ،
ولهذا يجب التحرز من الكتب المؤلفة في هذا مثل : ( الإشاعة في أشراط الساعة ) ، فإن فيه أشياء كثيرة غير صحيحة ،
فيجب التحرز من هذا لئلا نقع في نسبة شيءٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس كذلك ،
الثاني : قال : ( أو جاء في التنزيل ) : المراد به القرآن كما قال الله تعالى : { تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين } ( السجدة 2 ) .
قوله : ( أو جاء في الآثار ) : جمع أثر وهو : ( ما رُوي عن الصحابي ) ،
بشرط ألا يكون معروفاً بالأخذ عن بني إسرائيل ،
فإن كان معروفاً بالأخذ عن بني إسرائيل فإن أخباره تكون كأخبار بني إسرائيل لا تُصدَّق ولا تُكذَّب ،
هذه ثلاثة طرق لإثبات أشراط الساعة ،
******************
104 – من فتنة البرزخ والقبور ،
وما أتى في ذا من الأمور ،
ثم ذكر المؤلف أمثلة قال : ( من فتنة البرزخ والقبور ) الواقع أن هذا ليس من أشراط الساعة ،
لكنه من الأمور السمعيات التي تُتلقى من السمع ،(72/39)
قوله : ( فتنة البرزخ والقبور ) : البرزخ : ( الحاجز بين الشيئين ) [59] ،
والمراد به ما بين موت الإنسان إلى قيام الساعة [60] ،
وعطف القبور عليه من باب عطف الخاص على العام ،
لأن البرزخ أعم من القبور قد يموت الإنسان ويُلقى على وجه الأرض فتأكله السباع فهل كان في قبر ؟ لا ولكنه في برزخ فكل ميت فهو في برزخ وكل مقبور فهو في برزخ ،
فعطف القبور على البرزخ من باب عطف الخاص على العام ،
وفتنة البرزخ هي : الاختبار الذي يحصل للميت إذا دُفن ،
وذلك بأنه يأتيه ملكان فيقعدانه فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ،
فيقول المؤمن : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ، فينادي منادٍ من السماء : أن صدق عبدي فيُصدَّق ، ويسمعه هو ، فيزداد بذلك فرحاً أن شهد له شاهدٌ من السماء بأنه صادق ، ويعتبر هذا من نعيم القبر ، لأن الإنسان إذا صدِّق في قوله ازداد بذلك فرحاً وسروراً ،
وأما المنافق أو المرتاب فإنه يقول : هاه هاه ، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ، فينادي منادٍ من السماء أن : كذب عبدي فإنه يدري أنه لا إله إلا الله ويدري أن محمداً رسول الله ويدري أن الدين عند الله هو الإسلام ولكنه عاند وأصر ، فيُقال : كذب عبدي ، ثم إن الأول يُفسح له في قبره ويُفتح له باب إلى الجنة ويأتيه عمله الصالح فيجلس عنده يؤنسه ،
وأما الثاني والعياذ بالله فَيُضَيَّقُ عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويدخل بعضها في بعض من شدة الضيق ويُفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرِّها وسمومها ويأتيه عمله السيئ في أخبث صورة والعياذ بالله فيوبخه على ما فرَّط وأهمل من دين الله عز وجل ،
هذه الفتنة يجب علينا أن نؤمن بها ،
وقد ثبتت هذه الفتنة في الكتاب والسنة ،(72/40)
أما في الكتاب فعلى طريق الإشارة في قوله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } ( إبراهيم 27 ) .
وأما في السنة فالأحاديث في ذلك مشهورة معلومة ،
فيجب علينا أن نؤمن بها ،
وههنا مباحث في هذه المسألة :
أولاً : متى تكون هذه الفتنة هل هي بخروج الروح ؟ أم بتسليم الإنسان إلى عالم الآخرة ؟
الجواب : الثاني ،
أما مجرد خروج الروح فلا يحصل فتنة ولا يحصل شيء ،
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إذا دُفِنَ الميت أو قال العبد ) إذا دَفِن وقال : ( أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخيرٌ تقدمونها إليه ) [61] ،
وهذا يدل على أنها لا تصل إلى ذلك الخير ما دامت بأيديهم وعلى هذا فإذا مات ميت ووُضِعَ في الثلاجة للتحقق من موته وأسبابه فإنه لا يُفتن ولا يأتيه ملكان حتى يُدفن ،
البحث الثاني : هل هذا خاصٌ بالمقبور ؟ لقوله : ( إذا دُفن الميت ) ؟ أو ذُكر ذلك بناءاً على الأغلب وما قُيِّدَ بمفهوم أغلبي فلا مفهوم له ؟
الجواب : الثاني ،
وعلى هذا فإذا أُلقي الإنسان في البر أو أُلقي في البحر ومات هناك فإنه يأتيه الملكان ويُفتن ،
البحث الثالث : هل هذه الفتنة عامةٌ لكل أحد ؟ أو يخرج منها من يخرج بإذن الله ؟
الجواب : الثاني هذه الفتنة يخرج منها من يخرج :
أولاً : غير المكلف [62] ،
فإن كثيراً من أهل العلم قالوا : إن غير المكلف لا يُسأل لأنه غير مكلف سواءً أجاب بخطأ أو صواب فما دام التكليف رُفِعَ عنه في الدنيا فإنه يُرفع عنه في الآخرة ،
وقال بعض العلماء : بل يأتيه الملكان ويسألانه وهو إذا محكوماً بإيمانه سوف يجيب بالصواب [63] ،
ولا يبعد أن الله عز وجل يكلف هذا الصغير وأن الصغير يجيب بالصواب ،(72/41)
فها هو عيسى بن مريم كان في المهد ولما انتقدوا على أمه أشارت إليه فقال : { قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ، وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } ( مريم 30 – 33 ) ، كل هذا قاله وهو في المهد فهؤلاء الأطفال الذين يموتون أو المجانين وإن كانوا غير مكلفين فإن الله قادر على أن ينطقهم في القبر بما يشاء ،
ثانياً : الشهيد ،
يعني يستثنى من هذا الشهيد فالذي قُتل في سبيل الله لا يُسأل ،
كما جاء ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) [64] ،
فإن هذا الرجل الذي وقف أمام السيوف وسلَّم رقبته للعدو يدل فعله هذا أكبر دلالة على صحة إيمانه ،
وحينئذٍ لا يحتاج إلى سؤال ،
ثالثاً : مما يستثنى النبي ،
لأن النبي مسئول عنه أليس كذلك ، يقال ما دينك ؟ من نبيك ؟ ولأنه إذا كان الشهيد لا يُسأل فالنبي أعلى درجةً منه وإن كانت أمور الآخرة ليس فيها قياس لكننا نقول النبي عنده من اليقين أكثر من الشهيد لا شك ،
فلهذا نقول : إن النبي لا يُسأل ،
البحث الرابع : بأي لغةٍ يُسأل ؟
قال بعض العلماء : يُسأل بالسريانية ،
سبحان الله السريانية لغة النصارى ،
والظاهر والله أعلم أن هذا القول مأخوذٌ من النصارى لأجل أن يفتخروا ويقولوا لغتنا لغة السؤال في القبر لكل ميت ،
والذي يظهر أنه يُسأل بما يفهم ولو أننا أردنا أن نفضِّل لغةً على لغة لفضَّلنا العربية لأنها لغة أمة محمد الواجب على الأمة بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام الأمة كلها أن تكون لغتهم اللغة العربية ،
لكن على كل حال الذي يظهر لنا والعلم عند الله أن الإنسان يفهم إن كان من العرب فباللغة العربية إن كان من غير العرب فبلغته ،
البحث الخامس : من السائل ؟
السائل : ملكان لا شك ، لكن من هما ؟(72/42)
قيل : إن الملكين هما اللذان يكتبان على الإنسان عمله من خيرٍ وشر فهما صاحباه في الدنيا وهما سائلاه في القبر
وقيل : بل هما ملكان آخران ،
ونحن نتوقف في هذا والله أعلم ،
فالأحاديث في بعضها : ( يأتيه ملكان ) [65] ، وفي بعضها : ( يأتيه الملكان ) بـ ( أل ) ،
و ( أل ) هذه يحتمل أنها للمعهود الذهني أي الملكان المعروفان اللذان يكتبان أعمال العباد ،
ويحتمل أنها للجنس فتكون بمعنى مَلَكَيْن ،
ولكن جوابي أنا ، أنا أتوقف في هذا ،
أقول : : ( إنه يأتيه ملكان ) كما جاء في الحديث أو ( الملكان ) ولا أدري منهما ،
البحث السادس : ما اسم هذين الملكين ؟
ورد في بعض الآثار : أن اسمهما منكر ونكير [66] ،
وليس المنكر هنا المنكر الشرعي بل المنكر غير المعروف ،
كما قال ابراهيم للملائكة : { قوم منكرون } ( الذاريات 25 ) ، فهذا منكر لا يعرفه الميت ونكير بمعنى مُنكر فالاختلاف في اللفظ ،
وقيل : لا يسميان ،
وأن تسميتهما بمنكر ونكير ضعيف لم يصح به الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وعقيدتنا في هذا أن نقول : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم سماهما بذلك فنحن نعتقده ،
وإن لم يكن سماهما فنحن نطلق ونقول ملكان فقط ولا يسعنا أكثر من ذلك ،
البحث السابع : ورد في الحديث بل ثبت في الحديث : أنهما يقعدان الميت ،
وهنا إشكال : القبر لا يتسع لجلوس الميت كما هو معروف فكيف يقال : إنهما يقعدانه ؟ [67]
والجواب على ذلك أن نقول : أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا ،
أمور الآخرة وظيفتنا أن نقول سمعنا وصدقنا وآمنا ولا تكون كأحوال الدنيا وإذا كنا نرى في الدنيا أشياء في المنام لا تطابق في اليقظة فما بالك في الممات ؟(72/43)
في المنام يرى الإنسان الرؤيا فيها ذهاب ومجيء فيها أحياناً ركوب سيارة وأحياناً ركوب طائرة يرى أنه راكب طائرة يطير في الجو وأين هو ؟ على فراشه لم يتحرك حتى اللحاف ما انكشط منه شيء ومع ذلك الرجل سافر ورجع ويمكن رأى انه فتح محلاًّ وباع واشترى وتزوج وجاءه أولاد وهو على فراشه لم يتحرك والمدة أيضاً قصيرة لكن سبحان الله في المنام يرى الإنسان أشياء يقضيها في لحظة وهي تحتمل أياماًّ ،
فنقول : الأمور الأخروية لا تقاس بالأمور الدنيوية وأمور الموت لا تقاس بأمور اليقظة بل وأمور النوم لا تقاس اليقظة ،
قوله : ( وما أتى في ذا من الأمور ) : أي ما يتعلق فيه من القبر والبرزخ من الأمور العظيمة منها :
أنه بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب ،
وعلى هذا فيجب علينا أن نؤمن بأن الإنسان يُعذب أو يُنعم في قبره ،
نؤمن بأنه يُنعم أو يُعذب في قبره ،
وإثبات ذلك من الكتاب ومن السنة :
أما الكتاب : فقال عز وجل : { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } ( النحل 32 ) ، يقول : { سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } ،
وهذا يدل على أنه يأتيهم من نعيم الجنة في أول يوم يفارقون الدنيا ،
وأما العذاب فمن ذلك :
قوله تبارك وتعالى : { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق } ( الأنفال 50 ) ، { إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } ، في تلك الساعة ، { يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق } ،(72/44)
ومن ذلك أيضاً : قوله : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } ( الأنعام 93 ) ، { أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون } ، ( قال الشيخ في المناقشة هذه أصرح ما تكون من الآيات في إثبات عذاب القبر ) ، { اليوم } ، يعني يوم إخراج أنفسكم وهو يوم موتهم ، { تجزون عذاب الهون } ،
ومن ذلك : قوله تعالى في آل فرعون : { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } ( غافر 46 ) ، فقال : { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا } ، متى ؟ قبل قيام الساعة ، { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } ،
أما السنة فهي مستفيضةٌ مشهورة في إثبات عذاب القبر ونعيمه [68] ،
فهاتان مسألتان :
المسألة الأولى : أن الإنسان يُعذب في قبره أو يُنعم ؟ [69]
ثانياً : دليل ذلك في الكتاب وفي السنة ،
ثالثاً : هل العذاب على البدن أو على الروح أو عليهما معاً أو يختلف تارةً يكون عليهما معاً وتارةً يكون على الروح فقط ؟
والجواب عن ذلك أن نقول :
الأصل أن العذاب على الروح ولكنها تتصل أحياناً ويُرى في الجسم لو حُفر أثر العذاب فالأصل أنه على الروح ولكن الروح قد تتصل بالبدن فيتنعم ،
هذا ما ذهب إليه المحققون من أهل العلم : كشيخ الإسلام ابن تيمية [70] وتلميذه ابن القيم [71] وغيرهما [72] ،
رابعاً : هل العذاب عذاب القبر دائم أم منقطع ؟
والجواب : أما الكافر فعذابه دائمٌ مستمر وأما المؤمن فيحتمل أن ينقطع ويحتمل أن يستمر لأنه سيُعذب على حسب عمله وعمله قد يستوعب جميع الزمن وقد ينقص عنه ،
الخامس : هل يمكن أن نطَّلع على عذاب القبر ؟
نقول : الأصل لا ، الأصل أنه لا يمكن وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لولا أن تَدافَنوا لدعوتُ الله أن يريكم عذاب القبر ) [73] ،(72/45)
إذن فالأصل أنه غير معلوم لكن قد يُطْلِعُ الله عليه بعض الناس إما برؤيا صالحة وإما باليقظة كما أطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على القبرين الذين يُعذبان كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقبرين فقال : ( إنهما ليُعذبان وما يُعذبان في كبير فأما أحدهما فكان لا يستبرأ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) [74] ،
إذن فالأصل أن عذاب القبر غير معلوم ولكن قد يُعلم الله به من شاء من عباده ،
هذه خمسة مباحث في ما يتعلق بنعيم القبر وعذاب القبر ،
وكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك فإن الواجب علينا أن نؤمن به ،
الأسئلة
السؤال : إذا قلنا أن المكلف لا يُسأل في قبره فلو كُلِّفَ ثم زال تكليفه يعني كان بالغاً ثم أصيب بجنون ؟
الجواب : الظاهر أنه يُسأل لأنه أتى عليه زمن التكليف ،
السؤال : قال الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر 9 ) ، ولسان الحال الموجود الآن أن السنة حُفِظَت لنا كما حُفِظَ القرآن فهل هذا يدل على أن السنة مُنَزَّلَة مثل ما نزل القرآن ؟
الجواب : لا السنة لم تحفظ كما حُفِظَ القرآن ولهذا جاء فيها الوضع والضعف ،
السؤال : الصحيح لا زال موجود ،
الجواب : لا ليس على كل حال ، حتى الصحيح فيه أشياء حُذِفَت منه وفيه أشياء زِيدَتْ ،
السؤال : الأمة جميعها لا يخفى عليها دليل ؟
الجواب : صحيح ، لا يمكن أن يكون هناك دليل يخفى على جميع الأمة أبداً لأنه لو كان كذلك لكانت الشريعة نحن نقول : الشريعة محفوظة القرآن نفسه محفوظ والشريعة محفوظة لكن السنة حصل فيها ،
السؤال : النبي صلى الله عليه وسلم كانت توحى إليه السنة ؟(72/46)
الجواب : لا ، ليس بصحيح ، النبي قد توحى إليه السنة وقد لا توحى قد تكون بوحي [75] وقد لا تكون ألم نمثل لكم في هذا الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة هل تكفِّر ؟ قال : ( نعم تكفِّر كل شيء ) ، ولما ولىَّ لرجل دعاه وقال : ( إلا الدَّين ، أخبرني جبريل بذلك آنفاً ) [76] .
السؤال : قوله تعالى : { وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى } ( النجم 3 – 4 ) ؟
الجواب : لا ، لا ، يعني بذلك القرآن ولهذا قال : { إن هو إلا وحي يوحى ، علمه شديد القوى } ( النجم 4 – 5 ) ، يعني جبريل ،
السؤال : قلنا إذا كان الميت رُمِيَ في البحر فإنه يُسأل فما الذي أخرجه من القاعدة أن الدفن قيد أغلبي ؟
الجواب : الذي رُمِيَ في البحر معناه كالدفن تماماً ، هم الآن غير مسئولين عنه ،
السؤال : والذي في الثلاجة ؟
الجواب : لا ، الذي في الثلاجة سيغسلوه ويكفنوه ويصلوا عليه ولو بقي عشر سنين فما دام أنه في أيدي الناس فهو لم يُسلَّم للآخرة ،
- إذا استحال الجسم بإحراق أو بغير ذلك يكون السؤال على الروح ،
السؤال : بالنسبة للبحث الأخير في روايةٍ للبخاري : ( إذا قعد المؤمن في قبره …… ) [77] ، ما معنى : ( قعد ) ؟
الجواب : قعد مثل قعودي الآن ،
فصل
في ذكر الروح والكلام عليها
105 – وأن أرواح الورى لم تُعْدَمِ ،
مع كونها مخلوقةً فاستفهم ،
قوله : ( فاستفهم ) : يعني اطلب الفهم ،
قوله : ( وأن أرواح الورى لم تُعْدَمِ ) : يعني نؤمن بأن الورى أي الخلق لم تُعدم ،
قوله : ( لم ) : هنا بمعنى ( لن ) ،
يعني لن تُعدم في المستقبل ،
لأنها خلقها للبقاء في المستقبل لا للفناء كما خلق الجنة للبقاء لا للفناء وخلق النار للبقاء لا للفناء وخلق ما في الجنة من الحور والولدان للبقاء لا للفناء ،(72/47)
كذلك الأرواح خُلقت للبقاء لا للفناء فهي لا تُعدم ،
ولكن هل هي مخلوقة أو أزلية ؟
الجواب : مخلوقة وليست أزلية [78] ،
لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه : { الله خالق كل شيء } ( الزمر 62 ) ، وهي داخلةٌ في لفظ : { كل شيء } ، فكل من سوى الله وما سوى الله فهو مخلوق لا شك مخلوق من العدم فليست أزلية ،
ولكن يبقى البحث ما هي الروح ؟
الروح إن شئنا بلازمها الذي لا بد منه ، بأن نقول : الروح : ( ما به حياة الأبدان ) ونسكت فنفسرها باللازم المتحتم لأنها إذا فارقت البدن ذهبت عنه الحياة وما دامت في البدن فهو حي ،
فنقول : الروح : ( ما به حياة الأبدان ) ،
وإن أصرَّ أحد وقال : أنا أسألكم عن ماهية الروح ؟
فالجواب : أن العلماء اختلفوا فيها [79] :
فقيل : إنها البدن أو جزء منه أو صفةٌ من صفاته [80] ،
وبناءاً على هذا القول الباطل يكون خروجها من البدن هو عدمها ،
لأنه إذا كان جزء من البدن لأنه إذا مات البدن لزم أن تموت هي أيضاً ،
ولكن هذا القول باطل يبطله الكتاب والسنة والواقع ،
وقيل عن الروح : شيءٌ معلوم في الذهن لا يمكن تخيله ولا يمكن أن داخل العالم ولا خارج العالم ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم ولا فوق العالم ولا تحت العالم ولا مباين للعالم ولا محايث للعالم [81] ،
ما بقي شيء يعني وصفوها بما وصفوا الله به من السلوب التي لا يمكن أن يوجد معها شيء ،
وهذا أيضاً باطل ،
والصحيح : أن الروح كما قال الله عز وجل : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } ( الإسراء 85 ) ، الروح أمرها عجيب ولا يمكن الإحاطة بها ولا يمكن تحديد ماهيتها أبداً ، { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } ، صدق الله ،
لكن مع ذلك نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة من أوصافها فقد ثبت في السنة أنها تُرى ، أن الروح تُرى وهذا يقتضي أن تكون جسماً لأنه لا يُرى إلا الجسم ما هو الدليل على ذلك ؟(72/48)
الدليل : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على أبي سلمة رضي الله عنه وإذا بصره قد شَخَص ارتفع وانفتح فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الروح إذا قُبض اتبعه البصر ) [82] ، ينظر الإنسان إلى هذا الذي خرج منه عند الموت ويشخص بصره بقوة ،
فهذا يدل على أنها جسم وأنها تُرى [83] ،
كذلك أيضاً ، ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها إذا قُبضت قبضها ملك الموت وعنده الملائكة المساعدون له الذين نزلوا من السماء إذا كانت الروح صالحة وأسأل الله لي ولكم أن يجعل أرواحنا صالحة فإن معهم كَفَناً من الجنة وحَنوطاً من الجنة فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يضعوها في هذا الكفن وهذا الحنوط ثم يصعدون بها إلى السماء ويشيِّعها من كل سماءٍ مُقَرَّبوها إلى السماء التي فوقها ويقال ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقول الملائكة : هذه روح فلان بن فلان بأطيب ما يُسمى به في الدنيا حتى تصل إلى خالقها عز وجل ثم يقول سبحانه وتعالى : ردوه إلى الأرض فإني منها خلقته وفيها أعيده ومنها أخرجه تارةً أخرى فتُعاد روحه في جسده حتى يأتيه الملكان ويسألاه ثم بعد تذهب ذلك إلى الجنة [84] ، نسأل الله من فضله ،
هذا يدل أنها جسم أو لا ؟
وجه الدلالة : أنها تُكفن ويُصعد بها وتُطيب فهذا يدل على أنها جسم ،
ولكن هل هذا الجسم من جنس الأجسام المعهودة أو من أجسامٍ لا نعرفها ؟
نعم هي من أجسامٍ لا نعرفها لأنها ليست من مادة الجسم ، الجسم من طين من تراب والنسل من سُلالةٍ من ماءٍ مهين ،
لكن هي من جسمٍ غريب ليس من هذه المواد التي تُعرف في الدنيا أبداً ،
ولذلك قال الله فيها : { قل الروح من أمر ربي } ،
وأما ما وصفها بعض العلماء : بأنها ( جسمٌ نوراني لطيف يسري في الجسد سريان النار في الفحم والماء في اللبن ) فهذا لا نجزم به الله أعلم ،(72/49)
لكن نجزم بأنها جسمٌ يُرى وأن مادتها من غير مواد الأجسام ليست من تراب ولا من مني خُلقت قبل البدن والله أعلم أو خُلقت عند تكوِّن البدن كما فيه الخلاف [85] ،
المهم أننا لا نستطيع أن نحدِّد من أي ماهيةٍ هي ولا هل هي نورٌ مشع أو غير مشع ،
فإذا كانت من أمر الغيب فإننا نقتصر بها على أي شيء ؟
على ما ورد فقط ،
نقول : إذا مات الإنسان اتبع بصره روحه ينظر إليها ،
ونقول : أنها إذا قُبضت فإنها تُجعل في كَفَنَ ويُصعد بها إلى السماء ونقتصر على ذلك ولا نتعداه لأن هذا أمرٌ لا نحيط به ،
قوله : ( الورى ) : يعني بذلك الخلق مع كونها ،
قوله : ( مخلوقة ) : هذا رد لقول الفلاسفة الذين يقولون : أنها قديمة وأنها ليست حادثة ،
لأن عقيدتنا أنها مخلوقة ،
لقوله تعالى : { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } ( الزمر 62 ) .
******************
106 – فكل ما عن سيد الخلق ورد ،
من أمر هذا الباب حقٌّ لا يُرد ،
قوله : ( سيد الخلق ) : وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسيد ذو الشرف والجاه والخلق جميع الخلق ،
فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشرف الخلق على الإطلاق [86] ،
قال الناظم [87] :
وأشرف الخلق على الإطلاق ،
نبينا فمِل عن الشقاق ،
فهو عليه الصلاة والسلام سيد الخلق هكذا قال المؤلف وكثيرٌ من أهل العلم [88] :
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الخلق .
أما النبي صلى اله عليه وسلم فحدَّث عن نفسه وقال : ( أنا سيد ولد آدم ) [89] ،
والبشر هل هم أفضل من الملائكة أو لا ؟
في ذلك خلاف بين العلماء ،
وجمع شيخ الإسلام رحمه الله بين النصوص في هذا الأمر [90] ،
وقال : إن الملائكة أفضل باعتبار البداية لأنهم خُلقوا من نور والبشر من طين ،(72/50)
والبشر أفضل باعتبار النهاية لأنهم يُخلدون في الجنة ويرون من النعيم ما لا يحصل للملائكة بل الملائكة يدخلون عليهم من كل بابٍ ويهنئونهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب { سلام عليكم بما صبرتم } ( الرعد 24 ) ،
فالمهم أنه إذا كان البشر أفضل من الملائكة فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلق ،
قوله : ( فكل ما عن سيد الخلق ) : في هذا دليلٌ على أن المؤلف يرى جواز إطلاق السيادة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وهذا لا شك فيه باعتبار الخبر أن يُخبِر بأنه سيد الخلق أو سيد الأنبياء أو سيد الرسل وأما عند خطابه فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قالوا له : أنت سيدنا وابن سيدنا ، قال : ( قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان ) [91] ،
فحذرهم من الغلو إذا خاطبوه بمثل هذا الخطاب ،
وهناك فرق بين المخاطبة وبين الإخبار ، أن نخبر بأنه سيد الخلق وأنه عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق
لكن عندما نخاطبه فإنه يجب علينا التحرز من المغالاة .
لقوله : ( قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان ) ،
قوله : ( فكل ) : ( كل ) مبتدأ ،
قوله : ( حقٌ ) : خبر
قوله : ( سيد الخلق ) : هو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والسيد ذو الشرف والجاه ،
ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد ولد آدم كما أخبر عن نفسه وهو الصادق المصدوق قال : ( أنا سيد ولد آدم ) [92] ،
ولكن هل هو سيد الخلق ؟ أو سيد ولد آدم ؟ هذا ينبني على هل ولد آدم أشرف المخلوقات أو لا ؟
نستمع { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } ( الإسراء 70 ) ، ما قال : ( فضَّلناهم على من خلقنا ) ، { على كثير ممن خلقنا تفضيلا } ، وهناك مِنْ خَلْقِ الله من لم يُفضَّل عليهم بنو آدم ،
من ثَمَّ اختلف العلماء هل الملائكة أفضل أم بنو آدم ؟(72/51)
فقيل : الملائكة أفضل لأنهم خُلقوا من نور ولأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولأنهم { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } ( التحريم 6 ) ، ولم يفتتنوا بالدنيا ، فهم أفضل ،
وقال آخرون : بل بنو آدم أفضل لأن الله سخَّر الملائكة لهم في الدنيا والآخرة ولأنهم ابْتُلُوا بالفتن فصبروا ومن بُلِيَ بالفتن فصبر نال درجة الصبر بخلاف من لم يُفتن فدرجة الصبر عنده ضعيفة فبنو آدم أفضل ولأن في بني آدم الرسل والنبيون والصديقون والشهداء ،
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [93] : الملائكة أفضل باعتبار البداية ، لأنهم خُلقوا من نور واصطفاهم الله لنفسه وبنو آدم أفضل باعتبار النهاية لأنهم هم الذين يكونون في جوار الله في الجنة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فهم أفضل باعتبار النهاية بناءاً على هذا إذا قلنا بنو آدم أفضل من الملائكة فمحمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم سيد الخلق ،
وإذا قلنا : الملائكة أفضل يبقى النظر هل محمد أفضل أو لا ؟
يحتاج إلى إثبات وذلك لأن تفضيل الجنس على الجنس لا يمنع أن يكون فردٌ من أفراد الجنس هذا افضل من الجنس الثاني انتبهوا لهذه النقطة تفضيل الجنس على الجنس تفضيل مطلق على مطلق وتفضل الفرد على الفرد أو على الجنس تفضيل مُعَيَّنْ ولا يلزم إذا كان في هذا الجنس من فاق الجنس الأول لا يلزم أن يكون هذا الجنس أفضل من الآخر فالفضل المطلق غير الفضل المقيد ،
ولهذا لو قال قائل : يوجد لعثمان رضي الله عنه مناقب ليس لعلي ولعلي مناقب ليست لعثمان ولعمر مناقب ليست لأبي بكر ولأبي بكر مناقب ليست لعمر وهكذا فهل الفضل الخاص يلغي الفضل المطلق العام ؟
الجواب : لا ، لا يمكن ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه في آخر الزمان أيام الصبر للعامل فيهن أجر خمسين من الصحابة ،
هل نقول أن هذا العامل الذي في آخر الزمان أفضل من الصحابة أو أفضل من الخمسين ؟(72/52)
لا ، فضله خاص حيث عمل في هذا الزمان المظلم الذي لا يجد من لا ينصره بل يجد من يستهزأ به ويسخر به والصحابة كلهم يعملون بالحق فله أجر خمسين من الصحابة لما يعانيه من القيام بشرائع دينه وليس أفضل من الصحابة لا شك فهذه المسألة ،
قوله : ( فكل ما عن سيد الخلق ورد ) : لو قال المؤلف : ( فكل ما عن سيد بني آدم ورد ) لكان أسد وأسلم من الإيراد ،
قوله : ( هذا الباب ) : أي بابٍ هو ؟
يعني باب البرزخ فتنته وعذابه و ( الباب ) يعبِّر به العلماء عن المسألة يقال : ( في هذا الباب ) أي في هذه المسألة دائماً تجدون في كلام ابن القيم وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره
وكلام الإمام أحمد مثل قوله : ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) ،
قال الإمام أحمد : لا يثبت في هذا الباب شيء ،
ما معنى في هذا الباب ؟
أي باب التسمية على الوضوء فالعلماء يعبرون عن ( الباب ) بـ ( المسألة ) ،
فقول المؤلف : ( من أمر هذا الباب ) يعني : فتنة القبر وعذاب القبر ،
كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو حق ثابت يجب علينا أن نؤمن به سواءٌ أدركته عقولنا أم لم تدركه وسواءٌ أدركته حواسنا أم لم تدركه ،
يجب علينا أن نؤمن به ومن ذلك عذاب القبر يجب علينا أن نؤمن به وإنْ لم تدركه الحواس ،
فلو قال قائل : أنا نبشتُ القبر ولم أجد أثراً للتعذيب في جسد الميت وهو كافر ؟
قلنا : له هذا أمرٌ غيبي لو أراد الله تعالى أن يكون محسوساً لأبرزه مع أنه قد يُكشف عن العذاب في القبر كما كُشف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الرجلين اللذين يُعذبان بالنميمة وعدم التنزه من البول ووضع عليهما جريدة رطبة وقال : ( لعله يُخفف عنهما ما لم ييبسا ) [94] ،
وسُقت هذا الحديث مع وضوحه للتنبيه على مسألةٍ من أغرب مسائل الدنيا ليس مسائل العلم أغرب مسائل الدنيا ما هي ؟(72/53)
أن بعض الناس إذا دُفن الميت أتى بجريدةٍ خضراء وغرزها في القبر أو بشجرة خضراء وغرزها في القبر لماذا ؟
لعله يُخفف عنه ما لم ييبس إذن أسأتَ الظن بأخيك الآن فعلك هذا إساءة ظن بالميت
هل تعلم الغيب أنه يُعذب ؟ احتياطاً في التهمة ؟
هذه تهمة عظيمة ثم مع كونها إساءةً للميت هي بدعةٌ في دين الله لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يضع الجريدة على كل قبر إنما وضعها على من كُشفَ له أنهما يُعذبان ،
فهل كان الرسول كلما دفن ميتاً وضع عليه جريدة ؟
أبداً ، فهذه جمعت بين إساءة الظن بالميت بين البدعة في دين الله وهذا من الضلال من الضلال أن يُزين للإنسان سوء العمل ، { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء } ( فاطر 8 ) .
فالحاصل : أني رأيتُ أو قيل لي : أن بعض الناس يفعل هذا ،
وأنا أعرف أن فيه قولاً لبعض أصحابنا من فقهاء الحنابلة : أنه يستحب لكن هذا هل هو مُسلًّم ؟ ولكن بعض الناس سبحان الله العظيم يلتبس عليه الأمر ، وأما وضع الزهور على قبر الميت فليس مثل وضع الجريدة وقد يكون فيه تشبه بالنصارى وهذا أخبث ،
يقول : أن كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو حق سواءٌ أدركته العقول أو لم تدركه لأن هناك شيئاً وراء هذه المادة نحن لا ندرك في حياتنا إلا هذه المادة فقط أما ما وراء المادة فلا ندركه إطلاقاً ولهذا لا ندرك أرواحنا التي فينا لأنها لم تُخلق من تراب ولا من مني ولا من المواد التي نعرف ،
فمن ثَمَّ اختلف العقلاء أو على الأصح النُّظار في هذه الروح ما هي ؟ هل هي جسم أو صفة أو معنى أو ما هي ؟ وسبق الكلام على هذا ،
الأسئلة
السؤال : إذا عرفنا من حال الشخص في الحياة الدنيا يعني حاله غير مستقيم ونظن بأنه يُعذب في قبره هل يجوز لنا بما علًّلْنا أنه … ؟(72/54)
الجواب : أبداً ، لا يجوز بل قد يعفو الله عنه وأنت لا تدري ، { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء 48 ) .
السؤال : لما أعُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة قال له جبريل تقدم فقال له : ( أهنا يترك الخليل خليله ) فقال له : لو تقدمتُ لاحترقتُ ، فهل هذا يدل على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق ، الملائكة ؟
الجواب : لا ، هذا كما قلنا قبل قليل : الفضيلة الخاصة لا تستلزم الفضل المطلق ،
ومع ذلك اللفظ الذي ذكرتَهُ في حديث المعراج لم أعلم به ،
السؤال : بالنسبة لرؤية الرجل تعذيب مثلاً أخاه في القبر أو أحد أقاربه يُعذب في القبر ؟
الجواب : نحن قلنا : إذا كانت الرؤيا حق وذلك بأن يكون لها شاهد مثل أن يكون هذا الرجل معروفاً بمنع الزكاة مثلاً أو بالتقصير في واجب فهذه لها قرينة أما مجرد أن يرى صديقه أو قرينه يُعذب فهذا يحتمل أنه من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ،
وأما إذا خرجت الروح من البدن فإنها تتجمد فهذا خلاف الأصل ،
الأصل أنها تخرج كما هي وأنها تُقبض ويتوفاها مَلَكُ الموت وهي كما قلت ليست من جنس مادة الأجسام ، حتى نقول : أنها جسم ثقيل أو خفيف أو ما أشبه ذلك الله أعلم بها ،
الروح لا شك أنها هي الأصل الذي يحيا به البدن ،
والبدن لا يفعل شيئاً من الطاعات والمعاصي إلا والروح فيه فهي في الحقيقة هي البدن من حيث التصرف والتدبير والاتجاه والإرادة فصار العذاب عليها والنعيم عليها كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن أرواح المؤمنين في أجواف طير أو معلقة هي نفس الروح تسرح في الجنة حيث شاءت ، المهم ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على ذلك ،
السؤال : ما الفرق بين الروح والنفس ؟
الجواب : الروح ما به حياة البدن ،
والنفس قد يُراد بها الإرادة [95] ،
كما يقال : أمرته نفسه بكذا ، { إن النفس لأمارة بالسوء } ( يوسف 53 ) .(72/55)
والروح هي التي بها حياة البدن ،
والنفس قد تُطلق على ما يكون من الإرادات وغيرها [96] ،
ابن القيم له كتاب اسمه كتاب ( الروح ) أفاض في هذه المسائل وأكثر لكن فيه أشياء منامات يعني الإنسان قد يشك في صحتها ،
السؤال : تحضير الأرواح ؟
الجواب : لا أدري ، الذي أعرفه أنه الذي تُحضَّر الشياطين ، يقال واحد قرأ كتاب معروف لا نريد أن نسميه نخشى أن تذهبوا وتشتروه ، قرأ هذا الكتاب هذا الكتاب يحضِّر الجن ويفرِّقهم فقرأ الجملة التي تحضِّر الجن ولم يعرف الجملة التي تفرِّقهم فملئوا عليه الدار وتكلَّف كيف يفرِّق هؤلاء الجماعة حتى جاء الله له برجل يعرف وقال له إذا قرأت هذه وحضروا عندك فاقرأ هذه حتى يتفرقوا فإياك أن تقرب هذه الكتب لأنه أخشى أن تضع نفسك في مأزق ،
فصل
في أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ومجيئها
107 – وما أتى في النص من أشراط ،
فكله حقٌ بلا شَطاط ،
قوله : ( وما ) : مبتدأ ،
قوله : ( وما أتى ) : يعني هو الذي أتى ،
قوله : ( من ) : بيانٌ لـ ( ما ) ، بيانية ،
وجملة ( فكله حق ) خبر المبتدأ يعني كل ما أتى في النص من أشراط الساعة فكله حق ،
قوله : ( بلا شطاط ) : أي بلا شططٍ في اعتقاده ولا في المنازعة فيه بل يجب أن يكون مُسلَّماً ،
وأشراط الساعة : علاماتها الدالة على قربها .
وهي أنواع :
1 – منها ما مضى ،
2 – ومنها ما هو حاضر ،
3 – ومنها ما هو مستقبل ، والمراد به المستقبل يعني الأشراط الكبيرة العظمى ،
فلها أشراط وإنما قدم الله أشراطاً لعظمها وأهميتها فكان لها أشراطٌ هي مقدِّماتٌ أو مقدَّماتٌ بين يديها من أجل أن ينتبه الناس ويستعدوا لها ،
******************
108 – منها الإمام الخاتم الفصيح ،(72/56)
محمد المهدي والمسيح ،
قوله : ( منها ) : أي من أشراطها ،
قوله : (الإمام الخاتم الفصيح ) : أي من أشراط الساعة الإمام ، الإمام يعني الذي يؤم الناس لا في الصلاة ولكن في القيادة ، يكون إماماً لهم أعظم ، كالخليفة هذا الإمام يقول أنه ( الخاتم ) ،
الخاتم لمن ؟
الخاتم للأئمة لأنه لا إمام بعده فهو خاتم الأئمة واسمه يقول : ( محمد ) ، ولقبه ( المهدي ) يعني الذي هداه الله عز وجل ،
هذا المهدي يُبعث في آخر الزمان إذا مُلئت الأرض ظلماً وجوراً ونُسِّيَ فيها الحق وصار المظلوم لقمةً للظالم وانتشرت الفوضى فحينئذٍ يبعث الله هذا الرجل رجلاً إماماً مصلحاً للخلق مبيِّناً للحق ،
والأحاديث الواردة فيه تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
صحيح وحسن وضعيف بل منها ما هو موضوع :
وقد اختلف العلماء في إثباته :
1 – فمنهم من قال : إنه لا مهدي ،
وأن جميع الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة ولا تقوم بها حجة ،
وهذه مسألةٌ غيبيةٌ مهمة لا يُمكن أن تُترك لم تُبيَّن إلا بأحاديث ضعيفة أو تبلغ درجة الحُسْنِ بتعدد طرقها فلا عبرة بها ،
2 – ومنهم من قال : يجب أن نتبع الحق فإذا جاءت السنة الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الرجل ومنها ما يبلغ درجة الصحة [97] ،
فإن الواجب القول به أنه يخرج رجل في آخر الزمان عند فساد الأمة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور والله على كل شيءٍ قدير
ولكن هذا المهدي ليس مهديَّ الرافضة الذي ينتظرونه ،
فإنهم ينتظرون مهدياًّ يخرج من سرداب سامرَّاء يدَّعون أنه اختفى عن الحروب والفتن في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وما بعده التي حصلت في زمن علي وما بعده اختفى هو بهذا السرداب وأنه ما دام مغلوباً لا يستطيع أن ينفذ ما أراد فإنه مختفي ،
ولهذا تجد في أدعيتهم : ( فرج الله كربته وأزال غربته ) ،
( كربته ) لأنه مكروب بهذا السرداب ،
( غربته ) لأنه غريب بهذا السرداب .(72/57)
ويقال : إنهم كلما طلعت الشمس أرسلوا فارساً على فرس معه خبزٌ وماء وعسلٌ ولبن يقف عند باب السرداب يدعو مولاه المهدي لعله يخرج فيفطر على هذا الخبز والعسل والماء فإذا أفطر فالفرس مهيأ معه السيف ومعه الرمح يعتم ويركب وتُفتح له الدنيا باباً ، باباً حتى يملك مشارق الأرض ومغاربها هم ينتظرون ذلك ،
لكن هذا ليس بصحيح ،
وكيف يمكن لشخص أن يبقى بهذا السرداب لا يُعلم عنه لا يأتيه أكل ولا شرب ولا شيء كيف يبقى هذه المدة ؟
قالوا : نعم الله على كل شيءٍ قدير هذا الرجل ولي مُجاب الدعوة ما في الكون حبةٌ ولا ذرة تتحرك أو تسكن إلا بعد علمه وهو يعلم ما كان وما يكون وما سيكون لو كان كيف يكون كل شيء تُعرض عليه جميع المقدرات اليومية ثم إنْ وَقَّعَ عليها مشت وإن قال عليها ملاحظة ما مشت هكذا يقولون ،
فإذا فكرت في الأمر وجدتَ أن عقولاً كهذه تُعتبر لا شيء نعم وأن هذا داخلٌ في قوله تعالى : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } ( الكهف 103 – 105 ) .
فالمهم الذي تكلم عليه أهل السنة ليس هو مهدي الرافضة الذي ينتظرون بل المهدي خليفة يبعثه الله عز وجل ويُخلق في وقته ليس مختفياً فيخرج ويملأ الأرض عدلاً بعد أن كانت مُلئت ظلماً وجورا ،
قوله : ( محمد ) : يعني أن اسمه محمد ،
قوله : ( المهدي ) : لقبه فله اسمٌ ولقب الاسم محمد واللقب المهدي ،
وأصل مهدي في التصريف مهدوي على وزن مفعول ولكنه حصل فيها إعلال فعادت إلى هذا ،
قوله : ( والمسيح ) : يعني ومن أشراط الساعة الكبرى المسيح ابن مريم ، المسيح عيسى بن مريم من آيات الله عز وجل ومن أعظم كونه آية أنه الآن في السماء رفعه الله إليه حياًّ وإذا كان في آخر الزمان نزل ، ولكن ليت المؤلف ذكره محله ،(72/58)
الصحيح في المهدي : أنه ثابت لأن الأحاديث فيه مشهورة مستفيضة ،
لكنه ليس مهدي الرافضة نعم ، والله يبعثه في مكانه في مكة أو غيرها لا يهمنا ،
المهم أن الأرض بدل أن تكون مملوءةً ظلماً وجوراً تكون مملوءةً قِسطاً وعدلاً على يده ثم ذكر المؤلف المسيح عيسى بن مريم ،
******************
109 – وأنه يَقْتُلُ للدجالِ ،
بباب لُدِّ خَلِّ عن جِدالي ،
قوله : ( وأنه يقتل الدجال بباب لد ) : المسيح عيسى بن مريم من آيات الله عز وجل ابتداءً وانتهاءً ،
أما ابتداءً فلأن الله خلقه من أمٍّ بلا أب ،
وأما انتهاءً فإنه الآن في السماء حي وينزل من السماء عند قيام الساعة فيقتل المسيح الدجال يقتله عند باب اللد واللد قرية من قرى فلسطين ،
قوله : ( خل عن جدالي ) : إذن مسيحٌ قتل مسيحاً ، مسيح الهدى قتل مسيح الضلالة ،
******************
110 – وأمر يأجوج ومأجوج أثبت ،
فإنه حق كهدم الكعبة ،
قوله : ( وأمر يأجوج ومأجوج أثبت فإنه حق ) : هذا هو الشرط الرابع ،
لأن الأول : المهدى ،
والثاني : المسيح عيسى بن مريم ،
والثالث : الدجال ،
والرابع : يأجوج ومأجوج ،
لكن نزول عيسى بعد الدجال وكان عليه أن يُقَدِّمَ الدجال أولاً ثم عيسى بن مريم ،
لأن عيسى بن مريم يقتل الدجال صح بذلك الحديث ،
أما أمر يأجوج ومأجوج فيقول أثبته فإنه حق نعم نثبته لأنه حقٌ جاء في القرآن .
قال الله تبارك وتعالى : { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، واقترب الوعد الحق ،،،،،، } ( الأنبياء 96 – 97 ) .
ويأجوج ومأجوج بشر من بني آدم لا يخرجون عن صفاتهم ،(72/59)
ودليل ذلك : أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وآل وسلم أنه قال : ( يقول الله تعالى يوم القيامة : يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك ، فيقول : أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار ، قال : رب وما بعث النار ؟ ، قال : من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة ) قالوا : يا رسول الله أينا ذلك الواحد ، فقال : ( أبشروا فإنكم بين قبيلتين ما كانتا في شيءٍ إلا كثَّرتاه ) [98] ،
وهذا يدل على أنها من بني آدم فلهم ما لبني آدم وعليهم ما عليهم ،
وأما ما اشتهر عند العامة وبعض كتب الوعظ أنهم مختلفون في الخلقة فبعضهم طويل جداً جداً يأخذ السمكة من قاع البحر ويشويها بقرص الشمس نعم هكذا يقولون وبعضهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى لأن آذانهم كبيرة طويلة وبعضهم قصار جداً يترادفون على ربع الصاع ، ربع الصاع : المُد ، فيظنونه بئراً فيقول أعلاهم إذا نظر في هذا المُد وليس فيه ماء يقول إن بئركم هذا لا ماء فيه لأنهم قصار كل هذا لا أصل له ،
لكن سُمُّوا يأجوج ومأجوج : لأنهم من الأجيج ، أجيج النار والنار إذا اضطرمت اضطربت وتداخل لهبها بعضه في بعض ولا ينضبط هم لكثرتهم هكذا كثيرون جداً جداً [99] ،(72/60)
ولهذا يقول الله عز وجل لعيسى بن مريم : ( إني قد أخرجت عباداً لا يداني لأحدٍ بقتالهم ) [100] ، كثيرين جداً نعم فتجدهم مثل الذر كأنها نملٍ أو ذر هذا يأتي هكذا وذر هذا يأتي هكذا وذر هذا يأتي هكذا مثل لهب النار يتداخل بعضه مع بعض وعندهم طيش وعجلة وعدوان على الخلق بل وعلى الخالق لأنهم يجتمعون في قاعة كبيرة ويأخذون بنشابهم الذين يرمون به فيصوبونها نحو السماء ثم يطلقون السهام فترجع السهام مُخَضَّبَةً بدماء امتحاناً من الله فيقول بعضهم لبعض : غلبنا أهل السماء فهلم لنغلب أهل الأرض فيغزون الناس ويحصل فيهم فتنة عظيمة ثم يرسل الله عز وجل عليه بعد أن يدعو عيسى وقومه عليهم يرسل إليهم النَّغَث في رقابهم وهي دودة تأكل النخاع الشوكي فيصبحون موتى ميتة رجلٍ واحد فيملئون الأرض نَتَناً وَزَهْماً ورائحة كريهة فيرغب عيسى بن مريم إلى الله عز وجل أن يخلصه من شر هذه الأجساد المنتنة فيبعث الله طيوراً كأعناق الإبل تأخذ الواحد منهم ثم ترميه في البحر ،
فهؤلاء هم يأجوج ومأجوج وهم من أشراط الساعة الكبيرة القريبة من قيامها ،
فإن قال قائل : ما تقولون في قصة ذي القرنين ؟ حيث بلغ مشرق الشمس فوجدها تطلع على قومٍ قال الله : { لم نجعل لهم من دونها سترا ، كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ، ثم اتبع سببا ، حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا } ( الكهف 90 – 93 ) ، لأن لغتهم غريبة فـ { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } ( الكهف 94 ) ، وهذا يدل على أنهم كانوا موجودين فكيف يكونون موجودين من عهد ذي القرنين وخروجهم من أشراط الساعة ؟
نقول : إن الذي من أشراط الساعة ليس إيجادهم بل خروجهم على الناس وعبثهم في الأرض وفسادهم فيها ،(72/61)
أما وجودهم فهم موجودين إلى الآن من زمن ذي القرنين إلى الآن موجودون منفردين في محل فإذا أراد خروجهم سَلَّطَهُمْ وجعل لهم قدرة وقوة ينفذون من وراء هذه السدود نعم ،
أولاً : الدجال مشتق من الدجل وهو التكذيب والتمويه [101] ،
البحث الثاني : هل الدجال بشر من بني آدم أو من الشياطين أو من مواد أخرى ؟
الجواب : أنه بشر من بني آدم وأنه كله عيب حتى عينه التي يبصر بها هو أعور كما بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
إذن بشر أعور قبيح المنظر سيئ ،
ثالثا : ما فتنته ؟
ذُكر أنه يدَّعي أنه أول ما يظهر أنه نبي فإذا تابعه الناس على ما معه من التمويه ادَّعى أنه رب ويُؤيد على ذلك بما آتاه الله من الفتنة حيث يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت يأتي إلى القوم يدعوهم إلى أنه الرب فإن أجابوه قال للسماء : أمطري ، وقال للأرض : أنبتي ، فتمطر السماء وتنبت الأرض وتهتز رابية فترجع مواشيهم إليه أسبغ ما تكون ضروعاً تمتلأ ضروعها لبناً وتمتلأ جلودها لحماً وشحماً ويُخْصِبون ، ويأتي إلى القوم يدعوهم فينكرونه ويكذِّبونه ، فيأمر السماء فتقلع والأرض فتجدب فيصبحون مُمْحِلين ليس عندهم شيءٌ من المراعي وترجع إليهم مواشيهم كأهزل ما يكون هذه فتنة عظيمة ولا سيما لمن ؟ للبادية لأهل البادية فتنة عظيمة كبيرة ، ويأتي يبعث الله إليه شاباً فيواجهه ويدعوه إلى ما يدعوه إليه بأنه الرب ، فيقول له الشاب : كذبت ولكنك الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيضربه بالسيف ويقطع جزلتين ويمشي بين القطعتين تحقيقاً للانفصال فيأمره ثم يقول : قم فتلتجم الجزلتين ويقوم سوياًّ ، ولكن ما يقول ؟ يقول : أشهد أنك المسيح الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ازددت فيك إلا بصيرة ، فيقتله ثانية ويمشي ثم يحييه ، وإذا قال له : أنت المسيح الدجال وأراد أن يقتله عجز عنه فيظهر بذلك عجزه أمام الناس [102] ،(72/62)
البحث الرابع : كم يمكث في الأرض ؟
يمكث في الأرض أربعين يوماً اليوم الأول كسنة واليوم الثاني كشهر واليوم الثالث كجمعة واليوم الرابع كسائر الأيام ،
ولما حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك هل أوَّلوا الحديث ؟ وقالوا : اليوم الأول كسنة لشدته على الناس والشدة تكون أيامها طويلة وهذا هو معنى الحديث المعقول وليس معنى الحديث أن الشمس تتريث وتبقى لا تغيب إلا بعد سنة ، هل قالوا هكذا ؟
لو أن هذا كان عند المتأخرين لَسَهُلَ عليهم أن يقولوا ذلك ،
وقالوا : كنايةٌ عن شدة اليوم الأول وأنه لشدته كأنه سنة ،
لكن الذين عندهم صفاء القلوب وقبول ما جاءت به الشريعة قالوا : يا رسول الله كيف نصنع بصلاتنا ذلك اليوم ؟ أخذوا الأمر مُسَلَّماً بدون تأويل قالوا : كيف نصنع ؟ قال : اقدروا له قدره ،
انظر كيف التسليم التام للنص بينما نحن المتأخرون زمناً المتأخرون إيماناً لو جاءنا مثل هذا الحديث لكنتُ أحلف ولا أحنث أن نقول : إنه كناية عن الشدة كما يقال عندنا الآن والله يومك سنة لأنه ثقيلٌ علي إذا قعد عندي ساعة كأنه قعد عندي سنة إذا قعد عندي دقيقة كأنما قعد عندي ساعة أو اكثر ،
لكن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم التسليم التام والتصديق التام لكلام الله وكلام رسوله المهم أنه قال اقدروا له قدره
ونحن استفدنا من سؤال الصحابة رضي الله عنهم وجزاهم عنا خيراً استفدنا حلَّ مشكلةٍ حضرت الآن :
وهي أصحاب الدوائر القطبية الذين يبقى اليوم عندهم أسبوعاً أو شهراً أو ستة أشهر كيف يصنعون ؟
نقول : اقدروا له قدره أنتم الآن ليس عندكم ليل ولا نهار ستة أشهر ليل وستة أشهر نهار اقدروا الست أشهر ليل صلاة ستة أشهر وست اشهر النهار صلاة ستة أشهر ،
ولكن هل يقدرون الصلاة باعتبار توقيت مكة لأنها أم القرى ومركز الأرض كما ثبت ذلك جيولوجياً أنها هي مركز الأرض ؟(72/63)
أو نقول : اقتدوا بالزمن المعتدل خط الاستواء الذي فيه النهار 12 ساعة والليل 12 ساعة ؟
أو نقول : اقتدوا بأقرب البلاد إليكم مما فيه ليل ونهار معتاد ؟
هذه أقوالٌ ثلاثة وبكلٍ منها قال بعض العلماء ،
وأقرب ما يكون عندي الأخير أن يعتبروا بأقرب البلاد إليهم لأن الأعراض الأفقية أقرب إليهم من المكان البعيد عنهم ،
هذا إذن يمكث في الأرض كم ؟
أربعين يوماً اليوم الأول كسنة واليوم الثاني كشهر والثالث كأسبوع وسائر أيامه كأيامنا ،
ومن أشراط الساعة : بعث يأجوج ومأجوج ،
كما جاء في الحديث الصحيح في حديث النواس بن سمعان الطويل ، قال يقول الله تعالى لعيسى بن مريم : ( إني قد بعثت عباداً لا يداني بقتالهم فَحَرِّزْ عبادي إلى الطور ) [103] ، فيحرزهم إلى الطور ويبقون في الجبل حتى يلحقهم من المشقة ما شاء الله ثم يرغب عيسى ومن معه إلى الله عز وجل أن يهلك هؤلاء القوم فيرسل الله عليهم النَّغَثَ في أعناقهم أو في رقابهم ، النغث دودة كبيرة تقضي على المخ وعلى الشرايين العصبية فيصبحوا هلكى كنفسٍ واحدة ماتوا جميعاً حتى تُزْهِمَ الأرض من نتنهم فيبعث الله طيوراً كأعناق الإبل تحملهم إلى البحر أو يرسل الله عليهم أمطاراً تحملهم إلى البحر هؤلاء هم يأجوج ومأجوج وهم من علامات الساعة وهم بشر يأكلون ويشربون ويرتدون ويأتزرون ،
وما ذُكر من أوصافه في بعض الإسرائيليات فإننا لا نصدقه لأن الشرع ورد بخلافه حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( يقول الله : يا آدم – يعني يوم القيامة – فيقول لبيك وسعديك فيقول أخرج من ذريتك بعث النار فيقول يا رب وما بعث النار فيقول من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون ) [104] ، كل هؤلاء من بني آدم في النار ، نسأل الله السلامة ،(72/64)
فعظم ذلك على الصحابة وشقَّ عليهم فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام : ( أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيءٍ إلا كثرتاه ياجوج ومأجوج ) [105] ، فهم من بني آدم وأعراضهم من أعراض بني آدم لكنهم يخرجون إلى الخلق يفسدون في الأرض ،
قوله : ( فإنه حقٌ ) : يعني ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا من أمور الغيب التي لا مجال للعقل فيها ، ولهذا يجب أن نُسَلِّم تسليماً كاملاً ،
وأنا أقول لكم دائماً عن الأمور الغيبية : نحن فيها ظاهرية نأخذ بظاهر النص ولا نتعرض لشيء ولا نسأل عن شيء بل نقول : سمعنا وآمنا وصدَّقنا ونعرض عن كل شيء ،
قوله : ( كهدم الكعبة ) : يعني كما أن هدم الكعبة حق ،
ومن أشراط الساعة التي هي بيت الله والتي بناها إبراهيم عليه السلام وحماها الله عز وجل من الأعداء حتى من أصحاب الفيل الذين جاءوا بفيلهم وجنودهم من أجل هدم الكعبة فأرسل الله عليهم { طيرا أبابيل ، ترميهم بحجارة من سجيل ، فجعلهم كعصف مأكول } ( الفيل 3 – 5 ) .
لكن في آخر الزمان يُسَلِّطُ الله على هذه الكعبة رجلاً من الحبشة قصير أّفْحَج يعني رجليه فينقضها حجراً حجراً ومعه جنود يتناولون هذه الأحجار من رجلٍ لآخر إلى البحر يعني أنهم من مكة إلى جدة وهم صف يتناولون أحجارها ويلقونها في البحر ولا يُسلَّطُ عليهم أحد لأن الله عز وجل قد قضى بنهاية هذه الكعبة أما أصحاب الفيل فحماها الله منهم لأنه لم يقضِ أجلها بعد ولأن هناك رسولاً يُبعث من أم القرى يدعو الناس إلى حج هذا البيت فكان من حكمة الله عز وجل أن دافع الله عنه حتى بقي ولله الحمد
فإذا قال قائل : بأي شيء تتوقعون أن يُسَلِّطُ هذا الرجل الحبشي على بيت الله فينقضه حجراً حجراً ؟(72/65)
فالجواب : والله أعلم إذا عتا أهل مكة فيها وأهانوا حرمة البيت وذلك بالمعاصي من شركٍ وزناً ولواط وشرب خمر وغير ذلك حينئذٍ لا يبقى مكانٌ لهذا البيت المعظم بين هؤلاء الذين أهانوه أما ما دام معظماً فإن الله سيحميه لكن إذا أُسْقِطَتْ حرمته من أهل مكة حينئذِ لا يبقى له مكانٌ بين هؤلاء القوم ،
******************
111 – وإن منها آية الدخان ،
وأنه يُذهبُ بالقرآن ،
أما آية الدخان : فإن آية الدخان اختلف العلماء فيها هل هي آيةٌ مضت ؟ أو هي آيةٌ مقبلة ؟
1 – فمنهم من قال : إنها آيةٌ مضت ،
وهي قوله تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } ( الدخان 10 ) ، وأن المراد بذلك ما أصاب قريشاً من الجدب والقحط حتى أُصيبوا بالجَهْدِ العظيم وكان الإنسان منهم ينظر إلى السماء فيظن أنها دخان من شدة تأثير الجوع عليهم ،
2 – ومنهم من قال : بل هو أمرٌ مستقبل ،
وهو أن الله سبحانه وتعالى يبعث عند قيام الساعة دخاناً عظيماً يملأ الأجواء ويغشى الناس كلهم ،
وهذا هو الأقرب : أنه دخانٌ يرسله الله عز وجل عند قيام الساعة فيغشى الناس كلهم والله أعلم بكيفية هذا الدخان إنما نعرف أنه دخان لكن كيف يأتي الناس وكيف يأتي هذا أمره إلى الله عز وجل والمقصود من هذه الأشراط المقصود منها الإنذار ، إنذار الناس بقرب قيام الساعة حتى يستعدوا لها ويعملوا لها ،
قوله : ( وأنه يُذهبُ بالقرآن ) : هذا أيضاً من أشراط الساعة أنه يُذهب بالقرآن يُنزع من صدور الرجال ويُمحى من المصاحف في ليلةٍ واحدة يقوم الناس والحفاظ قد نسوا والمصاحف بيضاء ،
وهذا أحد المعنيين في قول السلف : منه بدأ وإليه يعود أي يرجع في آخر الزمان لا يبقى مصاحف ولا قرآنٌ في الصدور نسأل الله السلامة [106] ،(72/66)
فإذا قال قائل : كيف يكون ذلك يعني لِمَ يكون ذلك ما هي الحكمة ؟
فالجواب عن هذا : ما ذكرناه في الكعبة حين يعرض الناس عن كتاب الله لا يتلونه حق تلاوته ولا يصدقون أخباره ولا يعملون بأحكامه فيبقى هذا القرآن الكريم في قومٍ قد جَفَوْهُ تماماً فلا يليق أن يبقى بينهم ،
وعلى هذا يُحمل حديث حذيفة في قومٍ لا يعرفون من الإسلام إلا ( لا إله إلا الله ) قد اندرس الإسلام هذا يكون بعد نزع القرآن من الصدور والمصاحف لا يبقى شيءٌ يُعلم يُنزع ، نسأل الله العافية ، وهو من أشراط الساعة لأن نَزْعَهُ من الأمة دليلٌ على قرب انتهائها ،
******************
112 – طلوع شمس الأُفْقِ من دَبورِ ،
كذات جيادٍ على المشهور ،
قوله : ( طُلوع شمس الأُفْقِ ) : يعني الشمس ،
قوله : ( من دَبور ) : بفتح الدال أي من المغرب ،
والدَّبور هو المغرب والقَبول والصبا هي المشرق كما جاء في الحديث : ( نُصرت بالصبا وأُهلكت عادٌ بالدَّبور ) [107] ، يعني الريح الغربية ،
فالشمس الآن نشاهدها تطلع من المشرق وتغرب في المغرب منذ خلقها الله إلى اليوم لكنها في آخر الزمان تسجد تحت عرش الله عز وجل وتستأذن أن تخرج ولا يُؤذن لها فترجه من حيث جاءت وما هو تصوركم لو أصبحتم والشمس قد خرجت من المغرب ينزعج الناس ويعلمون أن هذا هو الحق المبين فيتوبون إلى الله يتوب العصاة ويؤمن الكفار ولكن الله قال : { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } ( الأنعام 158 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها ) [108] ،(72/67)
إذن خروجها من مغربها يعني نهاية الدنيا اختل سيرها خربت الأفلاك بإذن الله عز وجل لأن اتجاه الأفلاك كله للغرب فإذا انعكست القضية معناها أن نظام الكون قد تغير وآن انقضاؤه فيكون طلوع الشمس من المغرب من أشراط الساعة الكبار
وفي هذا الحديث دليلٌ على أن الشمس هي التي تدور الأرض وأن بدورانها على الأرض يحصل اختلاف الليل والنهار ،
لقوله تعالى : { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال } ( الكهف 17 ) ، أربعة أفعال كلها مسندة للشمس : { طلعت } ، الثاني : { تزاور } ، الثالث : { غربت } ، الرابع : { تقرضهم } .
وإذا أُضيفَ الفعل إلى فاعله فالأصل أنه واقعٌ منه حقيقةً ،
هذا الأصل ،
ولهذا نقول : إنه يجب علينا نؤمن بأن الشمس هي التي تدور على الأرض لأن هذا هو ظاهر القرآن وليس لنا إلا الظاهر ،
نعم لو ثبت بطريقٍ علميٍ لا إشكال فيه أن اختلاف الليل والنهار بدوران الأرض ،
فحينئذِ نقول به ونقول : إنه لا يعارض ظاهر القرآن لما سبق من أن لا تعارض بين قطعيين ولا بين قطعيٍ وظني ،
كيف لا يعارض ظاهر القرآن ؟
لاحتمال أن يكون المراد بقوله : { طلعت } ، في رؤية العين لا في حقيقة الواقع وهو حقيقة في رؤية العين هي التي تطلع هذا إذا ثبت قطعاً ثبوتاً يقينياً بأن الشمس لا تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار إنما هو بدوران الأرض فقط لكنه عندي قاصر العلم بمسألة الفَلَك أنه لم يثبت بعد ،
من يقول هذا ؟
قالوا : لأن الأرض جرمٌ صغير والكبير لا يدور على الصغير لأن الصغير يكون تابعاً لا متبوعاً قلنا ليست هي تابعة للأرض تدور من أُفُقٍ بعيد جداً والله تعالى سخَّرها لأجل مصلحة العباد ليست المسألة كبير وصغير حتى نقول : لا سلطان للأرض على الشمس ،
أبداً الكل مُسخَّر بأمر الله فسخَّر الله هذه الشمس العظيمة أن تدور على الأرض من أجل مصلحة الخلق ،(72/68)
فإذا قال قائل : ما تفسيركم لاختلاف الفصول من بردٍ إلى حر إلى وسط ؟
نقول : سهل تفسيره نفس الشمس لها حركة تقرب من الشمال وتقرب من الجنوب إذا قربت من الشمال توسطت على الرؤوس واشتدت حرارتها لأن الحرارة إذا كانت عمودية تكون أشد مما إذا كانت جانبية والمسألة واضحة ولله الحمد ،
لكن لو قال لنا : هؤلاء العلماء علماء الفلك إننا متيقنون هذا ،
قلنا : تيقنكم لكم ولا نقول إنكم كفرتم بذلك لأن المسألة مجرد ظاهر القرآن فإذا كنتم متيقنين لهذا فأنتم على يقينكم ، ولا نقول : أزيلوا هذا اليقين ،
لا نقول : هذا إذا كان المصلي في الصلاة الإمام وسبح كل الذين وراءه ،
هل يجوز أن يرجع إلى قولهم وهو يتيقن خلافه ؟
لا ، فأنتم كذلك ،
قوله : ( كذات أجياد على المشهور ) : هي التاسعة هي العلامة التاسعة من علامات الساعة ،
وإن شئت فقل : الشرط التاسع من أشراط الساعة ،
وأجياد مكان معروف في مكة بهذا الاسم إلى اليوم وهي الدابة من ذاك المحل على المشهور ثم تخرج على الناس ويكون لها رعبٌ شديد وتلاحق الناس ومن كان كافراً وسمته بسمة الكفر ومن كان مؤمناً وسمته بسمة الإيمان ،
وهذه هي الدابة المذكورة في قوله تعالى : { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } ( النمل 82 ) .
هذا ما ذهب إليه كثيرٌ من أهل العلم وهو المشهور كما قال المؤلف ،
وقال بعض العلماء : إن الدابة أمرٌ مبهم صحت بها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لم يبيِّن ،
وما ورد من صفتها وأنها تخرج من أجياد أو من الصفا أو من غيرها أحاديث ضعيفة ليست بالأحاديث التي تُبنى عليها العقيدة ،
وحَسْبُنا أن نؤمن بما قال به النبي عليه الصلاة والسلام الدابة فقط ،
وأما الصفات الواردة فيها : وليست بصحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لا يلزمنا اعتقادها لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ،(72/69)
******************
113 – وآخر الآيات حشر النار ،
كما أتى في محكم الأخبار ،
أما آخر شيء فيقول : ( وآخر الآيات حشر النار ) ،
قوله : ( حشر ) : مضاف ،
وقوله : ( النار ) : مضاف إليه ،
من باب إضافة المصدر إلى فاعله ،
يعني حشر النار الناس ،
وهذه نارٌ تخرج من عدن تسوق الناس إلى الشام إلى المحشر ،
وقد ورد أنها تمشي مع الناس وتسير بسيرهم تقيل بمقيلهم وتبيت بمبيتهم حتى ينجفل الناس كلهم إلى المحشر [109] ، وحينئذٍ يُنفخ بالصور فيُصعق { من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ( يوسف 53 ) .
فهذه آخر الآيات كما قال المؤلف رحمه الله تعالى ،
******************
114 – فكلها صحت بها الأخبار ،
وسَطَّرَتْ آثارها الأخيار ،
قوله : ( كلها ) : يعني كل هذه الأشراط العشرة ،
قوله : ( صحت بها ) : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
قوله : ( سَطَّرَتْ ) : يعني كتبت ،
وسُمِّي الكتاب تسطيراً لأنها تُكتب بأسطر ،
قوله : ( الأخيار ) : جمع خيِّر ،
وظهر من كلام المؤلف : أنه حتى الدابة التي تخرج من أجياد قد صحت بها الأخبار ،
ولكن الأمر خلاف ذلك اللهم إلا أن تكون صحت عنده فهذا قد يصح الحديث عن شخص ولا يصح عند آخرين ،
الأسئلة
السؤال : أين مكان السد ؟
الجواب : { حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا } ( الكهف 93 ) ، هذا في الشرق في شرق الدنيا لكن أين هو على التحديد ما وصلوا إليه ،
السؤال : يقال : إن يأجوج ومأجوج هم أهل الصين ؟
الجواب : يقال ، لكن ليس بثابت ،(72/70)
السؤال : إذا قلنا : عيسى حي ، فكيف نجمع بين هذا القول وبين قوله تعالى : { يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي } ( آل عمران 55 ) ؟
الجواب : نقول : اقرأ { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم في النهار } ( الأنعام 60 ) ، واقرأ : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } ( الزمر 42 ) ، فيكون عيسى بن مريم توفاه الله قبضه ، قبضه وهو حي كما صعد بمحمد عليه الصلاة والسلام وهو حي ،
السؤال : صحة حديث : ( لا تقوم الساعة حتى يسوق رجل من قحطان الناس بعصاه ) [110] ، وعلاقته بالمتن ؟
الجواب : القحطاني والسفياني في ثبوتهما نظر ،
السؤال : لماذا دَرَجَ المؤلف على تقسيم الأشراط إلى صغرى وكبرى ؟
الجواب : لأن هذا هو المعروف وهو الواقع ،
- العام يكون متقدم ويكون متأخر ،
- حديث الجساسة يخالف ما ورد في صفة الدجال في الصحيحين أنه رجلٌ قصير قَطْر جعد الرأس أشبه ما يكون بالقطن بن عبدالعزى رجل من قحطان والجساسة ليس على هذا السياق ،
- في حديث تميم الداري لم يروه على الوصف الذي ثبت في صحيح البخاري ،
السؤال : ما مدى صحة الأثر الذي فيه أن الناس يبايعون المهدي بين الركن والمقام ؟
الجواب : لا أظنه صحيحاً ، هذا الأثر لا أعرف عن صحته ، ولكن إذا بايعوه فلا مانع ، أنه يأتي إلى مكة لأنها أم القرى ويبايعونه هناك ،
السؤال : هل للمهدي أوصافٌ يُعرف بها ؟
الجواب : ذكروا أنه يشبه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من بني هاشم من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم لكن الذي شبه متواتر أنه سيخرج وأما صفته فإن ثبت فيها وجب الأخذ بها وإلا فلا ،
فصل
في أمر المعاد
115 – واجزم بأمر البعث والنشور ،
والحشر جزماً بعد نفخ الصور ،
قوله : ( البعث ) : أي الإخراج ،
قوله : ( والنشور ) : أي النشر والتفريق والتوزيع ،(72/71)
قوله : ( والحشر ) : أي الجمع [111] ،
وذلك أن الله سبحانه وتعالى يأمر إسرافيل وهو أحد الملائكة الموكلين بحمل العرش يأمره أن ينفخ في الصور ،
قوله : ( والصور ) : وُصف بأنه قرنٌ عظيم واسع [112] سعته كسعة السماء والأرض تُودع فيه الأرواح عند نفخه فينفخ فيه أولاً فإذا فزع الناس ثم صعقوا وهلكوا ،
قال الله تعالى : { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين } ( النمل 87 ) .
وقال تعالى : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ( الزمر 68 ) .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل النفخ ثلاث مرات ، نفخ الفزع نفخ الصعق ونفخ البعث أو هو مرتان فقط ؟ [113]
وأن نفخ الفزع والصعق واحدة يُنفخ أولاً فيفزع الناس ثم يَصعقون ويُنفخ ثانياً فيقومون من قبورهم لرب العالمين [114] ،
وهذا هو الأقرب ، هذا الأقرب والأمر في هذا قريب ،
حتى لو قال قائل : بأنه يُنفخ أولاً فيفزع الناس ثم يُنفخ فيموتون لم يكن متناقضاً ،
لكن الأقرب : أنهما نفختان فقط ،
******************
116 – كذا وقوف الخلق للحساب ،
والصحف والميزان للثواب ،
قوله : ( كذا وقوف الخلق ) : يعني المخلوقين ، فالخلق مصدرٌ أريد به اسم مفعول ، وقوفهم للحساب أي ليحاسبهم الله عز وجل ،
والحساب ينقسم إلى قسمين :
1. حسابٌ للمؤمن ،
2. وحسابٌ للكافر ،
أما الحساب للمؤمن فإن الله تعالى يخلو به وحده ويقرره بذنوبه حتى يقر ويعترف ثم يقول الله له قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فينجو ،(72/72)
وأما الحساب الآخر فهو حساب الكافرين وكيفية حسابهم ليس ككيفية حساب المؤمن كيفية حسابهم أنها تُحصى أعمالهم وتُبيَّن ثم يُخزون بها والعياذ بالله ويقال هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ،
المؤمن حسابه ستر وبينه وبين ربه ،
أما هؤلاء فحسابهم كشف يُفضحون به بين الناس نسأل الله أن يستر علينا وعليكم ،
ثم إن من الناس من ينجو من الحساب ولا يُحاسب ،
ومنهم سبعون ألفاً الثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسنادٍ جيد أن مع كل واحدٍ منهم سبعين ألفاً ، ثلاث حثيات من حثيات الله هذه لا تُحصى وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ،
نقول مرة ثانية : الحساب يتنوع نوعين :
1 – حساب المؤمن ،
2 – وحساب الكافر ،
ثانيا : هل هو عام حساب لكل أحد ؟
نقول : لا ، من الناس من يدخل الجنة بلا حسابٍ ولا عذاب كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
قوله : ( والصحف ) : الصحف يعني الصحف التي كُتبت فيها أعمال العبد وهي التي كتبتها الملائكة في الدنيا ،
قال تعالى : { كلا بل تكذبون بالدين ، وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين } ( الانفطار 9 – 11 ) .
وقال تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } ( الإسراء 13 – 14 ) .
فهذه الصحف قد كُتبت من قبل سُجِّلت فتُنشر يوم القيامة ،
ويقال للرجل : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } .
قال بعض السلف : والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك ،
هذه الصحف تُنشر وتتطاير ،
وينقسم فيها الناس إلى قسمين :
1. قسمٌ يأخذها باليمين ،
2. وقسمٌ يأخذها بالشمال ،
وفي آيةٍ ثالثة من وراء الظهر ،
فهل نجعل هذه صفةً ثالثة أو نجعلها صفةً في صفة الشمال ؟(72/73)
الثاني : هو الأقرب محتمل ، الآخذ كتابه بيمينه يفتخر ويقول للناس : { هاؤم اقرأوا كتابيه } ( الحاقة 19 ) ، اقرأوا انظروا للنتيجة ، { إني ظننت إني ملاق حسابيه ، ......... الخ } ( الحاقة 20 ) ، { وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ، فسوف يدعو ثبورا } ( الانشقاق 10 – 11 ) ، { فيقول يا ليتني لم ألاق كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه ، يا ليتها كانت القاضية ، ما أغنى عني ماله ، هلك عني سلطانيه } ( الحاقة 29 – 29 ) ، وهذا شيءٌ كأنما تشاهده في الدنيا إذا أُعطي الإنسان نتيجته في الاختبار إن كان ناجحاً يرفعها انظروا ، انظروا وإن كان بالعكس مزَّقها لكنه في الآخرة لا يستطيع أن يمزق الكتاب مزَّقها ثم يخرج مُنْسَلاًّ وإذا كان قد علم من نفسه أنه راسب ما يحضر أصلاً يكفيه غيره فهذا الذي في الآخرة له نموذج في الدنيا الآن الإنسان المؤمن يفرح ويقول للناس : { فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه } ، ويبيِّن السبب : { إني ظننت أني ملاق حسابيه } ( الحاقة 20 ) ، أي أيقنتُ ذلك ،
إذن ما هي الصحف ؟
هي الكتب التي كُتبت فيها أعمال العباد ،
كيف يأخذها الناس باليمين وبالشمال أو من وراء الظهر ؟
والذي من وراء الظهر هو الشمال ،
ولكنه والعياذ بالله تُخلع يده إلى الخلف كما جعل كتاب الله وراء ظهره جعل كتاب أعماله يوم القيامة وراء ظهره ،
حديث : ( سبعون الفاً يدخلون الجنة بلا حسابٍ ولا عذاب ) [115] من هم ؟ هل هم الصحابة ؟ هل عُيِّنوا بأشخاصهم أو بأوصافهم ؟
( هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون ) أربع صفات ،
ولو قلت : ( لا يرقون ) لخرج منهم الرسول ولما دخل معهم ،
وهي رواية باطلة ليست بصحيحة ،
وإن كانت في صحيح مسلم لكن ليست بصحيحة ،
لأن الذي يرقي محسن ،
فكيف يُعاقب وهو محسن إلى غيره ؟
وأيضاً لو قلنا : هذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام رقى غيره ،
هل نقول عن الرسول : لا يدخل في هؤلاء ؟(72/74)
( لا يتطيرون ) ، ما معناها ؟
( التشاؤم بمرئيٍّ أو مسموع ) ، هذا أعم ما قيل في التعريف ،
( التشاؤم بمرئيٍّ أو مسموع ) ، وإن شئت فقل : ( أو معلوم ) ،
( بمرئيٍّ ) : كالطيور ،
( أو بمسموع ) : كأن يسمع الإنسان صوتاً فيتشاءم ،
( أو معلوم ) : كأن يتشاءم الإنسان في زمن ،
مثلاً : يقول من تزوج في شوال فإنه لا يُوفَّق الذي يتزوج في شوال لا يُوفَّق يقوله أهل الجاهلية قالت عائشة رضي الله عنها : ولقد تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وبنى بي في شوال ، فأيكم أحظى عنده ؟
عائشة ،
لو قيل : الذي يتزوج في شوال يُوفَّق كان أحسن ،
يتشاءم العرب في صفر أيضاً ، يقولون : شهر صفر هذا لا يُوفَّق فيه الإنسان ونحن نجد أن الإنسان يُوفَّق في شهر صفر ،
هذا نقول : بمرئي أو بمسموع ؟ ،
بمعلوم لأن هذا ليس بمرئي ولا مسموع ،
في المكان بعض الناس يتشاءم في المكان نقول : لا شؤم ،
بعض الناس يتشاءم إذا أصبح وفتح دكانه وجاءه رجلٌ أعور قال : خلاص اليوم ليس فيه بيعٌ ولا شراء هذا ،
وموجود إلى عصرنا هذا يتشاءمون والعياذ بالله إذا جاءه رجل قبيح الوجه قال : اليوم هذا قبيح جَفِّلْ وهكذا هذا تشاؤم بمرئي ،
ولهذا من نعمة الإسلام أنه جعل الإنسان يستريح لو سمع شيئاً مكروها أو رأى شيئاً مكروهاً لا يتشاءم كان النبي عليه الصلاة والسلام يعجبه الفأل وهي الكلمة الطيبة التي تشجع الإنسان على الفعل ،
ولهذا اترك من نفسك هذا التشاؤم واجعل نفسك دائماً متفائلاً حتى تنشط على العمل وتُقْدِمْ ،
إذن ينجو من الحساب هؤلاء الذين ذكرهم النبي عليه الصلاة السلام وقد ورد أن مع كل واحدٍ منهم سبعين ألفاً ، الصحف أيضاً مما يجب الإيمان به مما يكون يوم القيامة ،
قوله : ( والميزان ) : أيضاً نؤمن بالميزان ،
والميزان ( ما يُعرف به وَزْنُ الشيء ) :
واختلفت الأمة هل هذا الميزان حسيٌّ أم معنوي ؟
فذهب المعتزلة إلى أنه معنوي ،(72/75)
وأن الميزان المذكور في القرآن والوزن المذكور في القرآن معناه إقامة العدل وليس ثمة شيءٌ محسوس يُوزن به ،
وعللوا ذلك : بأن الأعمال أوصافٌ ومعانٍ والأوصاف والمعاني لا تُوزن ،
الوزن إنما هو للأجسام ولا يمكن أن تُوصف الأوصاف والمعاني ،
فحكَّموا العقل وقدَّموه على الشرع ،
والنصوص تدل على أن هذا الميزان ميزانٌ حسي وحديث صاحب البطاقة [116] واضحٌ فيه [117] ،
وكذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه لما خرج ذات يومٍ في ريحٍ شديدة فَجَرَتْ الريح تكفِّؤه يميل منها لأنه ليس كبير الجسم ونحيف فضحك منه بعض الصحابة فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن ساقيه في الميزان أثقل من أُحُد ) [118] ،
وهذا يدل على أن الوزن في الميزان وزن حسي حقيقي ،
وأما قولهم : إن الأعمال أوصاف ومعاني فكيف تُوزن ؟
فنقول : إن الله على كل شيءٍ قدير قد يجعل الله المعاني أجساماً ،
فهاهو الموت معنىً من المعاني ، ويُؤتى به يوم القيامة على صورة كبش ، ويُوقف بين الجنة والنار ويُقال لأهل النار وأهل الجنة ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، فيُذبح بين الجنة والنار ، ويُقال لأهل الجنة : خلودٌ ولا موت ، ولأهل النار : خلودٌ ولا موت [119] ،
فالله عز وجل قادرٌ على أن يجعل الأوصاف والمعاني أجساماً ولا يجوز أن نرد الأدلة بمجرد ما تتحير فيه العقول إذا تحيرت العقول فاعلم أن النقول فوق عقلك ولا يمكن أن تأتي النصوص بما يحيله العقل أبداً ،
إذن فالصحيح أن الميزان حسيٌّ لا معنوي ،
ثم ما الذي يُوزن أهو العمل أو صاحب العمل أو كتاب العمل ؟
في هذا للعلماء ثلاثة أقوال :
1 – قيل : إن الذي يُوزن العمل [120] ،(72/76)
واستدل هؤلاء : بقوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة 7 – 8 ) ، وبقوله تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } ( الأنبياء 47 ) .
وبقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان خفيفتان على اللسان : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) [121] ، فقال : ( ثقيلتان في الميزان ) ،
وهذه نصوص واضحة في أن الذي يُوزن العمل ،
فيبقى عليه الإشكال الذي أورده المعتزلة وردُّوا به النصوص ،
وهو أن الأعمال أوصاف ومعان فكيف تُوزن ؟
نقول : إن الله قادرٌ على أن يجعلها أجساماً فتُوزن ،
2 – القول الثاني : أن الذي يُوزن صحائف العمل ،
وأن هذه الصحائف تثقل وتخف بحسب ما فيها من الأعمال ،
واستدلوا لهذا بحديث صاحب البطاقة ، الذي يُمدُّ له سجل من المعاصي ثم يُؤتى بطاقة صغيرة فيها كلمة الإخلاص ، فيقول هذا الرجل : وما تصنع هذه البطاقة بهذه السجلات فيُقال : إنك لا تُظلم ثم تثوضع البطاقة في كِفَّة والسجلات في كِفَّة فترجح البطاقة ،
وهذا يدل على أن الذي يُوزن الصحيفة صحيفة العمل ،
3 – القول الثالث : أن الذي يُوزن صاحب العمل ،
واستدلوا بقوله تعالى : { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } ( الكهف 105 ) ، قال : { فلا نقيم لهم } ولم يقل : ( لأعمالهم ) ولا ( لصحائف أعمالهم ) ،
واستدلوا بحديث ابن مسعود الذي ذكرناه آنفاً ،
فإذا قال قائل : لا شك أن الاستدلال بحديث ابن مسعود وحديث صاحب البطاقة لا يقاوم الأدلة الدالة من القرآن والسنة على أن الذي يُوزن هو العمل ،
ولهذا صرَّح شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية قال : ( فتُنْصَبُ الموازين فتُوزن بها أعمال العباد ) وهو الحق ،
لكن حديث البطاقة :(72/77)
قد يُقال : إن هذا خاصٌ به وبأمثاله من أجل أن يتبيَّن له فضل الله عليه ،
وقد يُقال : إنه لما وُزنت الصحيفة وثقلت بحسب العمل ،
فإن الوزن حقيقةً يكون للعمل ،
وأما حديث ابن مسعود والآية ،
فلا تدل على ذلك لأن معنى : { فلا نقيم لهم } : يعني لا نقيم لهم قيمة كما تقول فلان ليس له عندي وزن أي لا قيمة له ولا اعتبار ،
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن خفة الوزن لا تدل على قلة العمل أو على خفته وليس بذاك الصريح ،
فالمعتمد أن التي تُوزن هي الأعمال هو العمل نفسه [122] ،
ثم يبقى بحث : هل الميزان واحد تُوزن به الأعمال كلها أو أن لكل أمة ميزاناً لأن الأمم تتفاضل في الثواب أو أن لكل شخصٍ ميزاناً ؟
في هذا أيضاً أقوال للعلماء :
1. فمنهم من قال : لكل شخصٍ ميزان ،
2. ومنهم من قال : لكل أمةٍ ميزان ،
3. ومنهم من قال : الميزان واحد ،
ولنرجع إلى الأدلة ، الأدلة فيها :
أولاً : { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون } ( الأعراف 8 ) .
وهذا الدليل : لا يدل على تعدد ولا على إفراد لأنه قال : { والوزن } .
ولكن هناك أدلة تذكر الميزان ،
قال : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } ( الأنبياء 47 ) .
وفي حديث : ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان ) الميزان مفرد ،
{ ونضع الموازين } جمع ،
فهل نقول : بما يقتضيه الجمع ونقول : المراد بالميزان في قوله : ( ثقيلتان في الميزان ) الجنس ؟ أو نقول : إن الميزان واحد وجُمع باعتبار الموزون ؟
فالظاهر لي أن الموازين بحسب الأمم لأن الأمم تتفاضل في الأعمال ،
وإذا كانت تتفاضل في الأعمال لزم أن تكون موازين أعمالها مختلفة ، ولهذا حتى عند الناس في المحسوس ،
ونحن نقول : هذا سبيل التقريب لا على سبيل التحديد موازين الذهب غير موازين العلف موازين الذهب حساسة جداًّ وتضبط تماماً موازين الخشب ليست كذلك ،(72/78)
على كل حال الذي يظهر والعلم عند الله أن الموازين متعددة لكن باعتبار الأمم ،
ولهذا كان لهذه الأمة ولله الحمد ونحمد الله أن جعلنا منها ونسأل الله أن نموت عليها هذه الأمة تُوفِي سبعين أمة هي أكرمها عند الله عز وجل وهي أقلها زمناً وأكثرها أجراً هي زمنها من العصر إلى الغروب ويُؤتون أجرهم مرتين ،
إذن لا يمكن أن يكون وزنها كميزان الآخرين الذين مدتهم أطول وأجرهم أقل ،
فالذي يظهر لي أن الموازين متعددة بحسب الأمم ، ثم رجحان الحسنات ،
هل معناه أن ترتفع الكِفَّة أو أن تنزل ؟
ثقلت تنزل وحديث البطاقة : ( طاشت السجلات ) ارتفعت ،
فعلى هذا يكون الوزن كيفيته ككيفية الوزن في الدنيا وأما بعضه يقول معناه إذا ارتفعت فهذا هو الثقل ،
هذا غير صحيح هذا خلاف المحسوس نسأل الله أن يُثَقِّلَ موازيننا وموازينكم يوم القيامة ،
نحن الآن في باب السمعيات في أثناء الإيمان باليوم الآخر ،
******************
117 – كذا الصراط ثم حوض المصطفى ،
فيا هنا لمن نال به الشِّفا ،
قوله : ( كذا الصراط ) : أي كذا اجزم بالصراط ،
والصراط في الأصل : هو الطريق الواسع المستقيم ، الطريق الواسع المستقيم يُسمى صراطاً ،
وسُمي صراطاً لأن الناس يسلكونه بسرعة لكونه واسعاً ومستقيماً ،
ومنه ما يُسمى عندنا بالخط السريع واسع ومستقيم .
قال : وأصل ذلك من قولهم : ( زرط اللقمة ) ، إذا ابتلعها بسرعة .
فلا يُسمى الطريق صراطاً إلا إذا كان واسعاً مستقيماً .
ولهذا كان الصراط الذي يسأل المرء ربه هدايته كان مستقيماً { اهدنا الصراط المستقيم } ( الفاتحة 6 ) .
الصراط : جسمٌ يُوضع على جهنم ،
يصعد منه المؤمنون من أرض المحشر إلى الجنة ولا يصعده إلا المؤمنون ،
أما الكفار فقد سيقوا إلى جهنم وأُلْقوا فيها لكن المؤمنون هم الذين يصعدون هذا الصراط ،(72/79)
واختلف العلماء في هذا الصراط :
هل هو صراطٌ واسع يَسَعُ أُمَماً عظيمة أو صراطٌ ضيِّق ؟
على قولين في هذه المسألة :
1 - منهم من قال : أدق من الشعر وأَحَدُّ من السيف وأحرُّ من الجمر ،
فلما قيل : إن هذا لا يمكن العبور عليه ،
أجابوا : أن أمور الآخرة لا تُقاس بأمور الدنيا وأن الله على كل شيءٍ قدير وان الله جعله بهذه الصفة لمشقة العبور منه كمشقة الصراط في الدنيا على النفوس لأن الجنة حُفَّت[123] بالمكاره ،
2 - ومنهم من قال : بل إنه صراطٌ واسع فيه مزلة ومدحضة فهو واسع وعليه الشوك كالسعدان لكنها لا يعلم عظمها إلا الله سبحانه وتعالى [124] ،
وأياًّ كان فهو مخيفٌ غاية الخوف ،
ولهذا كان من دعاء الرسل وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام يومئذٍ : ( اللهم سلِّم سلِّم ) ، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم يعبره الناس على قَدْرِ أعمالهم في الدنيا [125] ،
منهم من يعبر كلمح البصر ومنهم من يعبر كالبرق ومنهم يعبر كالريح ومنهم يعبر كالخيل الجواد أو الجياد ومنهم من يعبر كركاب الإبل ومنهم يمشي ومنهم من يزحف ومنهم من يُكَرْدَسْ في النار ،
على حسب أعمالهم فالمتقدم للدين في الدنيا المنشرح به صدراً المسابق إليه يكون عبوره على الصراط بسرعة والمتباطيءُ في دينه يكون عبوره على الصراط ببطء والمسرف على نفسه بفعل المعاصي ربما يُلقى في جهنم ويُطَهَّر بما يصيبه من العذاب ثم يُخرج إما بشفاعة وإما بانتهاء عقوبته وإما بفضل الله ورحمته ،
إذن يجب أن نؤمن بأنه يُوضع على جهنم صراطٌ يمر الناس عليه على قدر أعمالهم ، صراطٌ خطرٌ مخيف يدعو الرسل عليهم الصلاة والسلام أن يُسَلِّمُهم الله تعالى منه ،
ثانياً : يمر الناس على هذا الصراط على قدر أعمالهم وهذا المرور حسب تَقَبِّلِهِم لدين الله في الدنيا ،(72/80)
ثالثاً : من الناس من يعبر الصراط ومنهم من يُكردس في النار ثم يخرج منها إلى أن يصلوا إلى الجنة فإذا وصلوا إلى الجنة لم يجدوها مفتوحة الأبواب أهل النار إذا وصلوا إلى النار فُتحت الأبواب ليسوءهم العذاب والعياذ بالله ،
لكن الجنة لا تكون مفتوحة الأبواب وإنما يُوقفون هناك على قنطرة وهي الجسر الصغير فَيُقتص لبعضهم من بعض اقتصاصاً غير الاقتصاص الأول الذي في عَرَصاتِ القيامة يُقتص من بعضهم لبعض اقتصاصاً يزيل ما في صدورهم من الغِلّ والحقد ،
لأن الاقتصاص في عَرَصاتِ القيامة اقتصاصٌ تُؤخذ به الحقوق وربما يبقى في النفوس ما يبقى لكن هذا الأخير اقتصاص للتطهير والتهذيب والتنقية حتى يدخلوها وما في صدورهم من غِلّ يعني وليس في صدورهم غِلّ ،
وبهذا نجمع بين النصوص الواردة بأن هناك قصاصين أو اقتصاصين ،
لأن هناك اقتصاصين الاقتصاص ،
الأول في العرصات ما المقصود به أخذ الحقوق هذا الاقتصاص المقصود به التنقية والتطهير من الغِلّ ،
فإن قال قائل : أفلا يحصل ذلك بأخذ الحقوق ؟
قلنا : لا ،
لو أن رجلاً اعتدى عليك في الدنيا ثم أخذت حقك منه هل يزول ما في قلبك عليه ؟
قد يزول وقد لا يزول لكن احتمال أنه لا يزول وارد لكن إذا هُذِّبوا ونُقُّوا بعد عبور الصراط دخلوا الجنة على أكمل حال ، { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين } ( الحجر 47 ) .
قوله : ( ثم حوض المصطفى ) : يعني نجزم بحوض المصطفى ،
والحوض : ( مُجْتَمَعُ الماء ) هذا الحوض [126] ،
والمصطفى مأخوذٌ من الصَفْوَة وأصله المصتفى لكن قُلبت التاء طاءاً لعلةٍ تصريفية ،
والمصطفى المراد هنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ،
وإن كان الرسل كلهم مصطفين كل الرسل قد اصطفاهم الله قال تعالى : { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار } ( ص 47 ) ، لكن المراد المصطفى هنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ،
نؤمن بهذا الحوض على الوجوه التالية :(72/81)
أولاً : نؤمن بوجود هذا الحوض وأنه سيكون حوضٌ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عرصات القيامة يشرب الناس منه لأن الناس في ذلك المكان في غاية ما يكونون من حاجةٍ للماء فيشربون منه ،
ثانياً : نؤمن بمادة هذا الحوض من أين يأتي هذا الحوض ؟
هذا الحوض يأتي من الكوثر والكوثر نهرٌ أعطاه الله تعالى نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم في الجنة ، كما قال تعالى : { إنا أعطيناك الكوثر } ( الكوثر 1 ) ، يصب منه ميزابان ولهذا تَرِدُهُ الأمَّة كلها وهو باقٍ لأنه يصب عليه هذان الميزابان ،
ثالثاً : كيف ماء هذا الحوض ؟
جاء في السنة : أنه أشدُّ بياضاً من اللبن وأنه أحلى من العسل وأنه أطيب من رائحة المسك [127] فهو طيبٌ في لونه طيبٌ في مذاقه طيبٌ في رائحته ،
فالعين تعشقه والفم والأنف وهذه منافذ الوجه عين وأنف وفم ، العين تلتذ به برؤيته هذا الحوض الصافي الأبيض أبيض من اللبن والأنف برائحته أطيب من ريح المسك والفم بمذاقه أحلى من العسل فما أحسن الطعم وما ألذ الشم أو الرائحة وما أحسن المنظر ،
رابعاً : هل يشرب الناس منه بِأَكُفِّهِم ؟
لا يشربون منهم بآنية كيزان ،
وهذه الآنية جاء في الحديث الصحيح : ( أنها عدد نجوم السماء ) [128] ، وجاء في لفظٍ آخر : ( أنها كنجوم السماء ) [129] ، أيهما أعم ؟ كنجوم السماء أعم لأنها كنجوم السماء عدداً وكنجوم جمالاً ولَمَعاناً فآنيته إذن كثيرة لا يحصيها إلا الله من يحصي نجوم السماء ؟
إلا الذي خلقها الله عز وجل كذلك لَمَعان نور يتلألأ هذه الآنية فعليه هذه الآنية الكثيرة العدد الجميلة المنظر آنيته كنجوم السماء ،
الخامس : من يَرِدُ هذا الحوض ؟
يَرِدُهُ المؤمنون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ،(72/82)
غير المؤمن لا يَرِدُهُ لا يرده المنافق ولا يرده الكافر الخالص بل أولئك يذهبون إلى النار تُمَثَّلُ لهم كأنها سراب فيردونها عِطَاشاً يركضون إليها إذا رأوا هذا السراب ، يقولون : إن شاء الله نَرْوى الآن نَرْوى إذا وصلوا إليها والعياذ بالله أُلْقُوا فيها لكن المؤمنون يردون هذا الحوض ويشربون منه أسأل الله أن يرويني وإياكم منه هذا الحوض يرده المؤمنون من أمة محمد يشربون منه ،
سادساً : أن من شرب منه فلن يظمأ بعده أبداً سبحان الله لا يظمأ أبداً ؟
أبداً لا يظمأ ،
لكن قد ورد في الحديث : أنهم يشربون بعد الصراط ، بعد أن يعبروا على الصراط ، فهل هناك تعارض ؟
لا ، لأنه قد ثبت : أن من شرب منه شربةً واحدة فلن يظمأ بعده أبداً .
فيكون شربهم بعد الصراط إما لظمأٍ يسير ليس فيه مشقة لأنهم عبروا النار وهي حارة أو لأنهم يشربون منه تَلَذُّذاً لا عطشاً ،
أين يكون الحوض ؟
في عرصات القيامة وكذلك بعد العبور على الصراط [130] ،
لكن الأهم هو الذي يكون في عرصات القيامة لأن الناس ينالهم عطش شدة عظيمة الشمس تدنو منهم مقدار ميل فيعطشون ويحتاجون إلى هذا ،
فإياك إياك أن تُحرم الورود على هذا الحوض ،
وقد وعد النبي عليه الصلاة والسلام الأنصار وعدهم الحوض إذا صبروا على جور السلطان ،
فقال : ( إنكم سترون بعدي أثرة – أي استئثاراً عليكم – فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) [131] ، الله أكبر وعد : ( فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) ، ،
فيُرجى لمن صبر على السلطان وعلى جوره ، أن ينال مثل هذا الوعد من النبي صلى الله عليه وسلم ،
لأننا قد ذكرنا قاعدة :
( أن الأحكام الشرعية والجزائية لا تتعلق بالشخص بعينه ولكن بوصفه ) [132]
الأحكام الشرعية والجزائية لا تتعلق بالشخص بعينه ولكن بوصفه ،
يعني ليس هناك حكم شرعي أو جزائي معلق بالشخص بعينه لأنه فلان بن فلان لا ولكنه بوصف بعمله والعمل وصف ،(72/83)
فهذه القاعدة هي مقتضى عدل الله عز وجل لأن الله ليس بينه وبين أحدهم محاباة حتى يمكن أن نقول : أن يحابي أحداً لشخصه ،
أنا مثلاً ربما أعطي شخصاً معيناً حكماً يختص به لشخصه لقرابته مني لصداقته إياي وما أشبه ذلك لكن الرب { لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد } ( الإخلاص 3 – 4 ) ، لا يعطي أحداً حكماً خاصاً لشخصه أبداً واسمحوا لنا أن نستطرد في هذه المسألة ،
فإذا قال قائل : بل قد ورد التخصيص بالحكم الشرعي لعين الشخص وهو أبو بردة بن نيار رضي الله عنه لما كان يوم عيد الأضحى أحب أن يذبح أضحيته مبكراً من أجل أن يأكل هو وأهل بيته فذبح أضحيته قبل الصلاة ، قبل صلاة العيد ، فلما جاء وصلى العيد وخطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة وقال : ( من ذبح قبل الصلاة فإنما لحمٌ قدمه لأهله وليس من النُسُكِ في شيء ) [133] ، أبو بردة رضي الله عنه مثل غيره من الصحابة صرحاء ما سكت وقال أذبح بدلها أو قال لا يلزمني أن أضحي هذا العام ، قال : يا رسول الله إني نسكت قبل أن أصلي ، يعني وأحببت أن آكل أنا وأهلي ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : ( شاتك شاة لحمٍ ) : أي مجزئة أو غير مجزئة ؟ غير مجزئة قال يا رسول الله إن عندنا عناقاً – أنثى من المعز صغيرة – هي أحب إلينا من شاتين أفتجزيء عني ؟ يعني أن أذبحها الآن قال : ( نعم ولن تجزيء عن أحدٍ بعدك ) [134] ،
هذا الحديث يدل على أن الحكم خُصِّص لأبي بردة بعينه لأنها لن تجزيء عن أحدٍ بعينه ،
فأخذ بذلك بعض العلماء وقال : إن هذا تخصيصٌ في الحكم الشرعي بعين الرجل ،
لكن أبى ذلك الحبر ابن تيمية [135] وقال : المراد بقوله : ( بعدك ) أي بعد حالك يعني لن تجزيء عن أحدٍ حاله ليست كحالك مثل ما تقول للرجل ما بعدك رجلٌ يوفي به بالعهد المعنى ما بعد وفائك وفاءٌ بالعهد لأنه وفاءٌ كامل وإلا سيوفي أحدٌ بعده في الزمن ،
وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الحق ،(72/84)
أنه لو جاءنا رجلٌ مثل أبي بردة وذبح شاته قبل الصلاة جاهلاً ثم قال لنا مثل ما قال أبو بردة للنبي عليه الصلاة والسلام : عندي عناق صغيرة أذبحها بعدها قلنا : نعم ، لأنه جاهل ،
فإذا قال قائل : أليس الله قد خص نبيه بخصائص : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } ( الأحزاب 50 ) ؟
قلنا : بلى ،
ولكن النبي عليه الصلاة والسلام خُص لأن اسمه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، أم لأنه رسول الله ؟ إذن خُص بوصف أم بعين ؟
خُص بوصف لولا أنه رسول لكان رجلاً من بني هاشم ،
فالقاعدة عندنا الآن القاعدة أن الأحكام الشرعية والجزائية لا تُخصص بالأشخاص بأعيانهم ولكن بأوصافهم ،
وهذا الاستطراد أوجبه قول الرسول عليه الصلاة والسلام للأنصار : ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) ،
فنقول : إنه يُرجى من صبر على جور الأئمة وأثرتهم أن يرد الحوض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نقول يُرجى ولا نقول يُجزم لأننا نخشى أن يأتي إنسان ويقول من يتصف بأوصاف الأنصار ؟ يعني حتى ولو صبر فليس كالأنصار ولكن نقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام علَّق الحكم بالصبر فيُرجى لمن صبر أن يكون كالأنصار ،
هذا الحوض هل خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ يعني هل يوجد يوم القيامة أحواض أخرى لغير الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
اختلف في ذلك أهل العلم :
1. فمنهم من قال : إنه لا حوض إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
لأنه هو الحوض الذي تواترت فيه الأدلة ،
ولأن رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام عامة لكل الخلق فيكون التابعون له أكثر فيحتاجون إلى ماء يُروي ظمأهم ،
2. وقال بعض العلماء : بل لكل نبيٍّ حوض ،
ولكن الأكبر والأعظم والأفضل والأكمل هو حوض الرسول عليه الصلاة والسلام ،
وقد جاء في هذا حديثٌ رواه الترمذي بإسنادٍ لا بأس به [136] ،(72/85)
وهذا القول هو الراجح أن لكل نبيٍّ حوضاً ،
ولكن الحوض الكبير الأعظم الأمثل الأكمل هو حوض النبي صلى الله عليه آله وسلم ،
أولاً : لهذا الحديث الذي أشرتُ إليه ،
وثانياً : أن هذا من كمال عدل الله عز وجل فإن من نهل من شرعه في الدنيا جزاؤه أن ينهل من أحواض الأنبياء يوم القيامة ،
لكن من أين تُستمد هذه الأحواض لغير الرسول ؟
الله أعلم أما حوض الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه يكون من الكوثر كما ذكرنا ،
هذا الحوض هل هو واسع أو ضيق ؟
جاء في الحديث الصحيح أن طوله شهر وعرضه شهرٌ فيكون واسعاً إذا كان طوله شهراً وعرضه شهراً فهو واسع ،
لكن أخذ بعض العلماء من ذلك أن الحوض مُدَوَّر من قوله : ( طوله شهر وعرضه شهر ) ، كيف أخذوا أنه مُدَوَّر ؟
قالوا : لأنه لو كان مربعاً لكان ما بين الزاويتين من الشهر أكثر إذا كان طوله شهر وعرضه شهر ،
فإذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( طوله شهر وعرضه شهر ) ، فإنه لا يتحقق هذا في جميع جهاته إلا إذا كان مُدَوَّراً ،
وعلى كل حال إذا كان هذا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا على العين والرأس وإنْ لم يكن مراده فإنه جرى لسان العرب أنهم يقولون : الحجرة طولها أربعة أذرع وعرضها أربعة أذرع مع أنها مربعة فالله أعلم ،
هذا ما يتعلق بالحوض ،
قوله : ( الشفا ) : المراد بالشفا يعني الرِّيْ لأن من شرب منه مرةً واحدة ،
******************
118 – عنه يُذادُ المفتري كما ورد ،
ومن نحى سبل السلامة لم يُرَد ،
قوله : ( يُذاد ) : أي يُطرد ،
قوله : ( المفتري ) : أي الكافر ،
قوله : ( كما ورد ) : أي كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :(72/86)
أنه يُذادُ عنه الكافرون حتى يُذاد عنه أناسٌ من أصحابه فيُطرَدون فيقول : ( يا رب ، أصحابي ) فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك [137] ، وهذا في الذين ارتدوا على أدبارهم بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام ،
قوله : ( ومن نحى ) : أي سلك ،
قوله : ( سبل السلامة ) : أي طرقها ،
وجمع المؤلف السُبُل مع أن سبيل الشرع واحدة كما قال الله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ( الأنعام 153 ) .
جمعها لوجهين :
الوجه الأول : ضرورة الشعر لأن الشعر يُضطَّرُ صاحبه إلى ما لا يجوز ،
كما قال صاحب مُلْحَةِ الأعراب [138] وهي في النحو قال :
وجائزٌ في صنعة الشعر الصَّلِف ،
أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف [139] ،
فوصف الشعر بأنه صَلِف لا يعطيك الحرية في انتقاء الكلمات بل لا بد أن تأتي بكلمة لا ينكسر بها البيت ،
الوجه الثاني : أنه لم يرد بالسبل الشريعة أو الملة إنما أراد بذلك سبل الخيرات وهي أنواع صلوات وزكوات وصيام وحج وبر وصِلَة حُسْن خلق وغير ذلك ،
فهي بهذا الاعتبار تكون سُبَلاً ،
قوله : ( سبل السلامة ) : أي السبل التي يحصل بها السلامة من العقوبات في الآخرة ،
قوله : ( لم يُرد ) : أي لا يرده أحدٌ عن الشرب ،
******************
119 – فكن مطيعاً واقْفُ أهل الطاعة ،
في الحوض والكوثر والشفاعة ،
قوله : ( فكن مطيعاً واقْفُ ) : أي اتبع ، والمراد بقفوهم اتباع آثارهم ، كن مطيعاً لأوامر الله ومن أوامر الله التصديق بما أخبر الله به ورسوله يعني فَصَدِّق بهذه الأشياء بثبوتها
قوله : ( الكوثر ) : الكوثر على وزن فوعل ،
وهو مأخوذٌ من الكثرة ،
لكن زِيدت الواو فيه للمبالغة ،(72/87)
والكوثر أُعْطِيَهُ النبي صلى الله عليه وسلم وليس لغيره من الأنبياء وقد ذكره الله عز وجل في قوله : { إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر } ( الكوثر 1 – 2 ) .
وسُمِّيَ كوثراً لكثرته وكثرة خيره وبركته وغير ذلك مما تدل عليه المبالغة في كلمة الكوثر ،
فيجب علينا أن نؤمن به ، يجب أن نؤمن أن للنبي عليه الصلاة والسلام نهراً في الجنة يُسَمَّى الكوثر ،
قوله : ( الشفاعة [140] ) : الشفاعة من الشِّفْع وهو ضد الفرد ، وإن شئتَ فقل : ضد الوتر ،
قال الله تعالى : { والشفع والوتر ، والليل إذا يسر } ( الفجر 3 – 4 ) .
والشفاعة في اللغة : ( ضم شيء إلى آخر ) ليشفعه بعد أن كان مفرداً ،
وأما في الاصطلاح فإنها : ( التوسط للغير بجلب منفعةٍ أو دفع مضرة ) ،
هذه الشفاعة التوسط للغير بجلب منفعةٍ أو دفع مضرة ،
مثال الأول : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة هذا توسطٌ في جلب خير ،
ومثال الثاني : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار أن يُخرج منها هذا دفع ضرر فالشفاعة إذن التوسط للغير بجلب منفعةٍ أو دفع مضرة ،
فلو أنك توسطت لنفسك أي ذهبت لمن قضى عليك بحبسٍ أو ضربٍ أو غرامة ودفعت عن نفسك فهل يُسمى شفاعة ؟
لا ، لأنه ليس للغير والشفاعة لا تكون إلا للغير ،
ثم إن الشفاعة تنقسم إلى أقسام :
1. شرعية
2. وشركية [141] ،
الشرعية هي : ما اجتمع فيها ثلاثة شروط :
الأول : رضا الله عن الشافع ،
والثاني : رضا الله عن المشفوع له ،
والثالث : إذن الله بالشفاعة ،
هذه ثلاثة شروط ،
دليل ذلك :
قوله تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } ( البقرة 255 ) ، فمن شفع بغير إذن الله فإنه لا تنفعه الشفاعة وليست شفاعةً شرعية ،
لا بد من إذن الله بالشفاعة رضاه عن المشفوع له ،
دليله : قوله تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } ( الأنبياء 28 ) .
أي لمن رضيه الله عز وجل ،(72/88)
ودليل رضا الله عن الشافع : قوله تبارك وتعالى : { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء الله ويرضى } ( النجم 26 ) ، { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } ( طه 109 ) .
فلا بد من الثلاثة شروط لتكون الشفاعة شرعية ،
النوع الثاني : شركية : وهي ما يعتقده المشركون في آلهتهم حيث يتقربون لهذه الآلهة بالقربى ويدَّعون أنهم يريدون بذلك أن تشفع لهم وليست بنافعةٍ لهم ،
لأن الله لا يمكن أن يأذن لها إن كانت هذه الأصنام ممن يكره الله ولا يمكن أن يأذن لها أي لهذه الآلهة إذا كان هؤلاء ممن لا يرتضيهم الله فالذين يعبدون عيسى ليشفع لهم لا يمكن أن يشفع عيسى لهم لماذا ؟
لأن الله لا يمكنه أن يشفع حسب خبره عز وجل لا يمكنه أن يأذن بالشفاعة حيث إن هؤلاء الذين يعبدون عيسى لا يرضاهم الله ، عيسى يرضاه الله لكن هؤلاء المشفوع لهم لا يرضاهم الله عز وجل ،
فلا يمكن أن تتحقق الشفاعة وهذه الشفاعة تكون شركية ،
ونحن نقول إنها شفاعة تَنَزُّلاً مع هؤلاء الذين يقولون : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } ( يونس 18 ) ، وإلا فهي في الحقيقة شرك لأنهم يعبدون هذه الأصنام ويدَّعون أنها تشفع لهم ،
الشفاعة الشرعية تنقسم إلى أقسام وإن شئت فقل إلى قسمين :
1. عامة ،
2. وخاصة ،
فالخاصة للرسول صلى الله عليه وسلم :
1. وهي الشفاعة العظمى في أهل الموقف أن يُقضى بينهم ،
2. والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ،
3. وشفاعةٌ ثالثة أخص وهي شفاعته لعمه أبي طالب حتى خُفف عنه العذاب ،
فهذه ثلاثة أنواع من الشفاعات خاصة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،
الأولى : الشفاعة العظمى ،
والثانية : الشفاعة في أهل الجنة ،
والثالثة : شفاعةٌ أخص وهي شفاعته في عمه أبي طالب ،(72/89)
أما الشفاعة العظمى : فهي أن الناس يوم القيامة يقفون في موقفٍ عظيم وأوصاف عظيمة في الكتاب والسنة معلومة لكثيرٍ منكم فيلحقهم من الغم والكرْب ما لا يطيقون فيقولون : ألا أحدٌ يشفع لنا عند الله يريحنا من هذا الموقف فيذهبون إلى آدم لأنه أبو البشر ويعتذر ثم إلى نوح ويعتذر ثم إلى إبراهيم ويعتذر ثم إلى موسى ويعتذر ثم إلى عيسى ولا يعتذر لكن يعلم أن للشفاعة من هو أولى بها منهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيذهب إلى الله عز وجل ويستأذن أن يشفع فيُؤذن له فيسجد تحت العرش ويفتح الله عليه من المحامد ما لم يكن يعرفه فيشفع إلى الله في أن يقضي بين الناس من أجل أن يريحهم من هذا الموقف فيقبل الله شفاعته ويأتي جل وعلا للقضاء بين أهل الموقف ،
هذه الشفاعة العظمى العامة لكل الخلق ،
وهي داخلةٌ في قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } ( الإسراء 79 ) ، لأن هذا المقام يحمده فيه كل الناس حيث أن الأنبياء قبله اعتذروا فصار الحمد له صلى الله عليه وسلم في هذا المقام العظيم ،
الشفاعة الثانية : أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وجدوا أبواب الجنة مغلقة لحكمةٍ يريدها الله عز وجل من الحكمة أنهم يقفون هناك فيُقتصُّ لبعضهم من بعض قِصاصٌ يُرادُ به زوال أثر ما كان في قلوبهم فيما بينهم فإذا هُذبوا ونُقوا أُذن لهم في دخول الجنة بعد أن يشفع الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يُفتح باب الجنة فيدخلوه الثالثة مما يختص بالرسول ،
شفاعةٌ أخص من ذلك : وهي شفاعته في عمه أبي طالب فإنه شفع إلى الله أن يخفف عنه فأذن الله له في ذلك وخُفف عن أبي طالب فكان في ضحضاح من نار وعليه نَعلان يغلي منهما دماغه وهو أهون أهل النار عذاباً ،
إذن الشفاعات بالتدرج شفاعة عامة وشفاعة أخص وشفاعة أخص :
1. العامة يشفع في أهل الموقف عامةً أن يُقضى بينهم ،(72/90)
2. والتي أخص منها يشفع لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة ،
3. والثالثة أخص من ذلك يشفع لعمه أبي طالب أن يُخفف الله عنه العذاب والله أعلم [142] ،
لماذا كانت شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب خاصةً بالرسول صلى الله عليه وسلم ؟ لماذا لا نقول أنه لو وُجد الآن رجل يذود عن الإسلام وهو كافر فإنه يُشفع ؟
الجواب : أن الشفاعة للمشرك لا تمكن لأن من شروط الشفاعة أن يرضى الله عن المشفوع له إلا في هذه المسألة فقط وهذه المسألة ليست شفاعةً كاملة ليست شفاعة أن يخرج أبو طالب من النار لا ، شفاعة أن يُخفف عنه ،
وهل لخروج هذا عن سائر الشفاعات هل له حكمة ، لأننا قررنا أن الأحكام الشرعية والأحكام الجزائية لا يمكن أن تُخصص لشخص بعينه إنما تُخصص للشخص بوصفه ، فهل لهذا من حكمة ؟
شكراً له على ما قدم من حماية الرسول عليه الصلاة والسلام والذب عنه فهو مصدِّق للرسول لكن فاته شيءٌ واحد وهو القبول والإذعان وإلا فهو مصدق يعلن هذا على الملأ أن الرسول عليه الصلاة والسلام صادق لكنه نسأل الله العافية لم يقبل ولم يذعن ،
الثالثة : في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ،
وهذا ثبتت به السنة أيضاً خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام ،
******************
120 – فإنها ثابتةٌ للمصطفى ،
كغيره من كل أرباب الوفا ،
قوله : ( المصطفى ) : المراد بالمصطفى هنا مصطفىً معين وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا فهناك أُناسٌ مُصْطَفَوْن غير الرسول ،
لكن المراد بالمصطفى هنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو عامٌ أريد به الخاص ،
قوله : ( كغيره ) : أي كغير الرسول صلى الله عليه وسلم ،
قوله : ( أرباب ) : أرباب جمع رب بمعنى صاحب ،
******************(72/91)
121 – من عالمٍ كالرُّسْلِ والأبرار ،
سوى التي خُصت بذي الأنوار ،
قوله : ( كالرُّسْلِ ) : الرسل أعلم العلماء من البشر ،
قوله : ( والأبرار ) : الأبرار جمع بَر وهو القائم بحق الله وحق العباد على الوجه الأكمل بقدر المستطاع ،
قوله : ( بذي الأنوار ) : أي بصاحب الأنوار يعني سوى الشفاعة التي خُصت بصاحب الأنوار وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي خُصت بصاحب الأنوار هي الثلاث التي ذكرتُ لكم الآن ،
الشفاعة العظمى والشفاعة لأن يدخل أهل الجنة الجنة والشفاعة لأبي طالب ماذا بقي ؟
بقي الشفاعة فيمن دخل النار أن يُخرج منها ، وفي من استحق النار ألا يدخلها ،
يعني شفاعتين الشفاعة فيمن دخل النار أن يُخرج منها وهذه الشفاعة عامة يعني لا تختص بالرسول صلى الله عليه وسلم كلٌّ يشفع كل من رضيه الله شفع لكن بإذن الله فيمن دخل النار أن يُخرج منها وهم أهل الكبائر من هذه الأمة ومن غير هذه الأمة يدخلون النار بكبائرهم لكن يأذن الله عز وجل لمن شاء من خلقه إكراماً له ورحمةً بالمشفوع له أن يشفع فيه ،
ولهذا كانت الشفاعة في الحقيقة :
تتضمن إكراماً للشافع بقبول شفاعته ،
وتتضمن رحمة المشفوع بإخراج من محنته ، فيأذن الله عز وجل لمن شاء من خلقه من الرسل عليهم الصلاة والسلام والأنبياء والعلماء الصالحين أن يشفعوا فيمن شاء الله أن يشفعوا فيه أن يخرج من النار فيخرجون من النار بعد أن كانوا حُمماً أي صاروا فحماً يخرجون من النار ،
وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج ينكرون هذه الشفاعة [143] ،
لأنهم يقولون : من دخل النار فإنه لا يخرج منها من دخلها فإنه لا يخرج منها لأنه لا يدخلها إلا صاحب كبيرة والكبيرة توجب الخلود في النار هذا رأي الخوارج والمعتزلة ،
والخوارج أشد من المعتزلة ،(72/92)
لأن الخوارج يرون أنه لا يخرج من النار وأنه كافر ،
والمعتزلة فيهم شبهٌ من المنافقين ،
يقولون : لا نقول : مؤمن ولا نقول كافر لكنه مخلدٌ في النار ،
فاتفق المعتزلة والخوارج على الجزاء الأخروي :
وهو الخلود في النار كلهم يتفقون على أنه خالدٌ في النار ،
واختلفوا في الحكم الدنيوي :
فالخوارج قالوا : هو كافر حلال الدم حلال المال
ولذلك قاتلوا المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم ،
والعجيب أنهم قاتلوا المؤمنين ولم يقاتلوا الكافرين لأن المؤمنين عندهم مرتدون والمرتد في زعمهم أعظم من الكافر الأصلي ،
لأن الكافر الأصلي يمكن إقراره بالجزية ،
والمرتد لا يمكن إقراره بالجزية ،
فلهذا قالوا : نقاتل هؤلاء المرتدين فمن زنا عندهم فإنه كافر يحل قتله ولو كان بِكْراً ومن عقَّ والديه حَلَّ قتله ومن اغتاب الناس وكان ذلك عندهم كبيرة حَلَّ قتله ،
وأظننا لو طبَّقنا هذا الرأي ما بقي إلا خمسة في المائة من الناس أو واحد في المائة ،
على كل حال هذا النوع من الشفاعة وهو الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها هذا معدوم عند المعتزلة والخوارج لأنه خالدٌ في النار ولا يمكن أن يخرج منها ،
لكن اختلفوا في الحكم الدنيوي :
فالمعتزلة قالوا : نحن أهل العدل نخرجه من الإسلام ولا ندخله في الكفر
والخوارج قالوا : نحن أهل الصراحة نخرجه من الإسلام وندخله في الكفر ،
لأنه ليس هناك إسلام وسط وكفر ، المنزلة بين المنزلتين هذه بدعة في دين الله منكرة ، { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ( التغابن 2 ) ، ولم يقل ( ومنكم في منزلة بين المنزلتين ) .
فالخوارج أصرح ، صرحاء قالوا : إما مؤمن وإما كافر ،
وكلا الطريقين ضلال والعياذ بالله ،
فالصواب ما عليه أهل السنة أن هذا الصنف من الناس يمكن أن يُشفع فيه ويُخرج من النار ،(72/93)
بقي من استحق النار أن لا يدخلها هذه أثبتها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية ولكنني إلى الآن لم أجد لها دليلاً فيمن استحق النار ألا يدخلها يعني عصاة من المؤمنين عندهم كبائر استحقوا النار ولكن شفع لهم فلم يدخلوها [144] لم أجد لها دليلاً صريحاً ربما يُستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من رجلٍ مسلمٍ يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفَّعهم الله فيه ) [145] ، لكن هذا في الدنيا وأنا أريد في يوم القيامة يشفع أحدٌ في قومٍ استحقوا النار قبل أن يدخلوها ليس هناك جواب على هذه المسألة ،
الشفاعة تنقسم إلى قسمين :
1 - شرعية ،
2 - وشركية ،
والشرعية تنقسم إلى قسمين :
1 - عامة ،
2 - وخاصة ،
فالعامة لجميع الخلق الصالحين والخاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
والخاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أنواع :
1 - الشفاعة العظمى ،
2 - والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ،
3 - والشفاعة في عمه أبي طالب ،
وأن الشفاعة العامة نوعان :
الأولى : فيمن دخل النار أن يُخرج منها ،
والثانية : فيمن استحقها أن لا يدخلها ،
الشفاعة الشركية هي ما ادَّعاه المشركون في آلهتهم حيث قالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله } ( الزمر 3 ) ، وهذه الشفاعة ليست مقبولة لأن من شرط الشفاعة أن يرضى الله عن الشافع وعن المشفوع له ،
إذ لا يمكنه إذنه تعالى بالشفاعة إلا بشرطين ،
فالشروط إذن ثلاثة :
1. رضاه عن الشافع ،
2. ورضاه عن المشفوع له ،
3. وإذنه بالشفاعة ،
الأسئلة
السؤال : بالنسبة للعاصي المؤمن هل يأخذ كتابه بيمينه أو بالشمال ؟
الجواب : يأخذه بيمينه ،
السؤال : يعني يُعذَّب في النار ثم يخرج منها ؟
الجواب : نعم ،
السؤال : ألا يقال إن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم من العلامات العشر ؟(72/94)
الجواب : لا ، ليس من العلامات القريبة ، لأن العلامات القريبة الكبار هي التي ذكرها المؤلف ،
السؤال : لأنها متوالية ؟
الجواب : لأنها متوالية ولأنها قريبة من النار ،
السؤال : علامة النار التي تخرج في اليمن وتضيء لها أعناق الإبل ببصرى ؟
الجواب : لا ، خرجت هذه في الحرة في المدينة وكما قال الرسول أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى ، قصتها مشهورة ذكرها صاحب البداية والنهاية وغيره ،
السؤال : أقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أن ابن صياد هو الدجال والعلماء قالوا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقره فدل على أنه الدجال ؟
الجواب : هذا الدجال قد يُراد به كل من دجَّل وموَّه وكذَّب ولهذا ذكر الرسول من علاماته أنه لا يدخل المدينة ولا مكة ، ابن صياد دخل المدينة ومكة ،
السؤال : لكن النبي عليه الصلاة والسلام شكَّ فيه ؟
الجواب : لكن شكَّ فيه ثم لما ذكر أنه لا يدخل علمنا نحن الآن أنه ليس هو فلهذا قال : ( إن يكنه فلن تُسَلَّطَ عليه وإن لم يكن فلا خير لك في قتله ) [146] ،
السؤال : ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( من نوقش الحساب عُذب ) [147] ؟
الجواب : معناه أن الإنسان إذا أراد الله عز وجل أن يناقشه في الحساب فلا بد أن يُعذب ويَهلك كيف ذلك ؟ لو حاسبك الله على نعمةٍ من نعمه لاستوعبت جميع أعمالك كل أعمالك تستوعبها لو حاسبك الله على النَّفَسْ الذي هو سهل سهلٌ صعب لوجدت أن جميع الأعمال تضمحل وراء هذه النعمة ولكن الله عز وجل يعفو ويصفح ،
السؤال : لو قلنا أن الدابة التي تخرج من أجياد تسم المؤمنين بسمة الإيمان وتسم الكفار بسمة الكفر فهذا دليل على أن الكفار سيدخلون مكة ؟
الجواب : لا هي لا تبدأ في مكة فقط ، تخرج إلى الأرض كلها ،(72/95)
بعض العلماء قال : إن الاستثناء هنا – في قوله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } ( القصص 88 ) [148] - الملائكة والوِلدان في الجنة والحور فإن هؤلاء لا يموتون ،
وبعضهم قال : يُستثنى فقط الوِلدان والحور ، والملائكة يموتون [149] ،
والأصل أن كل أحدٍ يموت إلا ما علمنا بالنص الصحيح أنه يبقى هذا الأصل ، الوِلدان قطعاً لا يموتون في الجنة وكذلك الحور ،
السؤال : هناك أثر يقول : أولاد نوح عليه السلام نسل من أحدهم العرب ومن الآخر الفرس والروم ومن الثالث أهل الصين وأن يأجوج ومأجوج من أهل الصين فهل هذا الأثر صحيح ؟
الجواب : هذا ذكره المؤرخون لكن ليس هناك حديثٌ عن الرسول صحيح لكن ذكروه ومشتهر عندهم ،
السؤال : بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله يستحقون النار ، أما يدخل هذا الحديث ……… ؟
الجواب : على كل حال نقول : حرروه ،
سئل الشيخ رحمه الله : عن حديث عائشة الذي في صحيح البخاري الذي فيه إرضاع سالم مولى حذيفة وهو كبير [150] ؟
الجواب : هذا أشكل عليه في القاعدة التي ذكرنا أنه لا يوجد حكمٌ شرعي يختص بالشخص لعينه وإنما يختص به لوصفه ،
أورد علينا قصة سالم مولى أبي حذيفة لما تبناه ولما أبطل الله التبني بقي هذا المولى في البيت يدخل ويخرج فشق عليه دخوله وخروجه فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ( أرضعيه تحرمي عليه ) [151] ،
وجه الإشكال أن هذا خاصٌ لسالم مولى أبي حذيفة ،
الجواب عن هذا الحديث :
أولاً : التسليم بأن رضاع الكبير مؤثر كرضاع الصغير وهذا مذهب الظاهرية [152] ،
الظاهرية يقولون : إن إرضاع الكبير مؤثر كإرضاع الصغير ،
لعموم قوله تعالى : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } ( النساء 23 ) .
ولحديث سالم مولى أبي حذيفة ،(72/96)
ويرون أيضاً أن الرضعة الواحدة محرمة وعلى هذا أرادت امرأةٌ من شخص أن يتردد عليها أو لا يتردد أن يكون ولداً لها تعطيه فنجالاً من حليبها ويكون ولداً لها ،
وهذا يفرِّج عنا كثيراً في ضيق المحرم في السفر فإذا أرادت امرأةٌ أن تحج أو أن تسافر وليس لها محرم تختار واحد من الشارع تقول : تعال تفضل ، وإذا عندها دَ لَّةٌ من حليبٍ من ثديها تصب له فنجالاً واحداً وإذا شربه صار ولداً لها وقال : هيا نذهب نأخذ تذكرة لي ولكِ ،
على كل حال هذا رأيهم ،
واستدلوا بالعموم : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } .
واستدلوا أيضا بحديث سالم وهو من أصح الأحاديث ،
أما الجمهور فأجابوا عنه بأحد أجوبةٍ ثلاثة :
وأقول بالجمهور يعني باعتبار العموم لا باعتبار كل فردٍ منهم ،
منهم من قال : إن هذا منسوخ والمنسوخ يبطل حكمه [153] ،
ومنهم من قال : إنه خاصٌ لسالم مولى أبي حذيفة [154] ،
ومنهم من قال : إنه ليس بمنسوخ ولا خاص ،
وأنه إذا وُجدت حالٌ كحال سالم فإن إرضاع الكبير يُحِّرم [155] ،
لكن ما هي الحال ؟ هل هي مطلق الحاجة أو الحاجة التي تنبني على التبني ؟
إذا قلنا بالثاني صار العمل بهذا القول مستحيلاً لماذا ؟
لأنه لا يمكن التبني الآن ،
فإذا قيل : إن ضرورة دخول الإنسان على هذا البيت وخروجه لا يمكن أن تكون مؤثرة إلا إذا كانت مبنيةً على تَبَنٍّ سابق ،
فهذا يعني أنه لا يمكن أن يُعمل بهذا الحديث ،
وشيخ الإسلام رحمه الله مرةً قال بهذا ، ومرةً قال بمطلق الحاجة [156] ،
ونحن نقول القول الأول :
أي قوله بهذا أن خاص بمن تُبُنِّيَ ثم احْتيجَ إلى دخوله هذا مقبول لأن هذا هو الذي ينطبق تماماً على القصة ،
وأما مطلق الحاجة ففيه نظر ،(72/97)
ووجه النظر : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إياكم والدخول على النساء ) وهذا تحذير قالوا : يا رسول الله أرأيت الحمو – يعني قريب الزوج كأخيه وعمه وما أشبه ذلك – وهذا يتكرر دخوله خصوصاً الأخ يتكرر دخوله ، فقال : ( الحمو الموت ) [157] : يعني احذروا منه أكثر من غيره فِرُّوا منه كما تفرون من الموت لو كانت الحاجة مبيحةً للإرضاع المحرم لكانت هذه حاجة ولقال النبي عليه الصلاة والسلام : الحمو ترضعه فتحرم عليه كما قال لامرأة أبي حذيفة : ( أرضعيه تحرمي عليه ) ، فلما لم يعدل الرسول عليه الصلاة والسلام إلى هذا الحل عُلم أنه لا يؤثر يعني مطلق الحاجة لا يؤثر ،
فنحن مع الشيخ في التعليل الأول : أنه إذا وُجدت حاجة سببها التبني فحينئذٍ يجوز الإرضاع وإذا لم يوجد فإنه لا يجوز الإرضاع ،
وعلى هذا فيكون العمل بهذا الحديث الآن ليس ممكناً ،
ويكون الآن نقول : لا بد من أن يكون الإرضاع في وقته ،
وعلى هذا التقدير هل يكون هناك خصوصية شخصية ؟
لا ، لأنه لو وُجد أحد مثل سالم لقلنا : لا بأس ترضعه المرأة ويحرم عليها ،
فصل
في الكلام على الجنة والنار
ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى النهاية نهاية البشر ،
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى كلمةٍ يقولها كثيرٌ من الناس ولكنهم لا يفهمون معناها يقولون في الميت إذا مات ( ثم دُفن إلى مثواه الأخير ) أو ( ثم نُقل إلى مثواه الأخير ) ،
وهذه الكلمة لو أخذنا بمدلولها لكانت كفراً لأن مضمونها إنكار البعث فإن المثوى الأخير هو الجنة أو النار ،
فإذا قيل لهذا الرجل إذا مات أو دُفن : ( انتقل إلى مثواه الأخير ) فمضمون هذا أنه لا بعث وأن الأمر انتهى ،
لكن كثيراً من الناس لا يفهمون المعنى في الواقع يأخذون العبارات تقليداً ولا يفكرون في المعاني ،
كما مر علينا في قول بعضهم ( اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه ) أن هذا منكر ، اعزم السؤال فإن الله لا مكره له ،(72/98)
أقول : بعد ما يحصل بعرصات القيامة يؤول الناس إلى المثوى الأخير حقيقةً ،
وهو ما ذكره المؤلف في قوله :
******************
122 – وكل إنسانٍ وكل جِنة ،
في دار نارٍ أو نعيم جنة ،
قوله : ( كل إنسان ) : يعني من بني آدم ،
قوله : ( وكل جِنَّة ) : يعني من الجن ،
والجن : ( عالمٌ غيبي مستترون عن الأعين ) ،
وقد يبدون أحياناً وقد يتصورون بشكل حيوانات ،
كما تشكل الجني في فراش الأنصاري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في شكل حية فإن شاباًّ من الأنصار كان حديث عهدٍ بعُرس فلما جاء إلى بيته وجد زوجته عند الباب ، فقال لها : ما شأنك لماذا أنتِ عند الباب ؟ قالت : ادخل ، فدخل فإذا حيةٌ مطوية على فراشه فأخذا الرُّمح فوخزها فماتت ثم مات هو في الحال فما يُدرى أيهما أسرع موتاً الرجل أم الحية ؟ لأن هذه الحية كانت جنية فقتلها فقتله أهلها [158] ، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيات التي تكون في البيوت حتى يحرِّج عليها ثلاثاً يعني يخاطبها ويقول : أنتِ مني في حرج أخرجي فإذا حرَّج عليها ثلاثاً وعادت قتلها لأنها إن كانت جنية فلن تأتيه وإن أتته فقد أهدرت دمها وإن كانت غير جنية فهي لا تفهم سوف تأتي وتُقتل ولا ضرر في قتلها ،
إذن الجن هم عالم غيبي مستترٌ عن الأعين ، وقد يبدون أحياناً في صور حيوان أو نحو ذلك ثم إن هذا العالم أصلهم من النار لأن أباهم الشيطان إبليس وقد خلقه الله من نار ،
ثم إن هذا العالم فيهم الصالحون وفيهم دون ذلك وفيهم المسلمون وفيهم الكافرون ،
وإن كان أصلهم إبليس كافراً ،
لكن فيهم المسلم فيهم الصالح فيهم طالب العلم فيهم العابد ،
قوله : ( في دار نار أو نعيم جنة ) : يعني هذا مآلهم إما النار وإما الجنة ولا ثالث لهما ،(72/99)
ودليل الأول : ( في دار نارٍ ) : قوله تعالى : { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار } ( الأعراف 38 ) .
وهذا نصٌ صريح في أن النار يدخلها أممٌ من الجن وأممٌ من الإنس ،
وهو محل إجماعٍ من العلماء أن كافر الجني في النار ككافر الإنسي [159] ،
ويدل لهذا : قوله تعالى في سورة الجن : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } ( الجن 14 – 15 ) ، دليل آخر ،
عجيب أن الكافر من الجن في النار بالنص والإجماع ولا خلاف في ذلك [160] ،
لكن المؤمن من الجن هل هو في الجنة ؟
في هذا خلاف بين العلماء :
1 - فمنهم من قال : إن المؤمن من الجن لا يدخل الجنة ، ولكن ينجو من النار ، وكفى بذلك راحة [161] ،
لأنهم قالوا : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون } ، قالوا : { فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا } ، ولم يدخلوا جزاءاً لهم ، { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } ، قالوا : هؤلاء { تحروا رشدا } : أي تحرواُّ سلوكاً طيباً ومعاملةً حسنة وهذا في الدنيا أما في الآخرة فسكتوا ،
2 - وقال بعض العلماء : بل إن مؤمنهم في الجنة كمؤمن الإنس [162] ،(72/100)
واستدلوا لذلك : بسورة الرحمن فإن الله تعالى يخاطب فيها الجن والإنس : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 13 ) ، ويقول : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 33 – 42 ) ، كل هذا للجن والإنس ، { ، ولمن خاف مقام ربه جنتان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 46 – 47 ) ، هذا لمن ؟ للجن والإنس السياق واحد والخطاب واحد ، { فبأي آلاء ربكما تكذبان ، ذواتا أفنان } ( الرحمن 47 – 48 ) ، إلى أن قال : { فيهن قاصرات الطرف لم يطمسهن إنس قبلهم ولا جان } ( الرحمن 56 ) ، فـ { لم يطمثهن } ، فيفسدوهن على الإنس ، { ولا جان } ، فيفسدوهن على الجن وهذا في الجنتيين الأخريين ، قال : { فيهن خيرات حسان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، حور مقصورات في الخيام ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 70 – 75 ) .
وهذا هو الصحيح المقطوع به أن المسلم من الجن يدخل الجنة ،
وهذا هو مقتضى حكمة الله وعدل الله عز وجل ،
ولكن يبقى النظر هل أُرسل من الجن رسول [163] ؟ نرى ،
1 - قيل : لا [164] ،
لقوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } ( يوسف 109 ) .
2 - وقيل : بل منهم رسول ،(72/101)
لقول الله تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } ( الأنعام 130 ) ، فهو يخاطب الجن والإنس ويقول : { ألم يأتكم رسل منكم } ، إنساً من الإنس وجناًّ من الجن ،
وأما قوله : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } ، فإن الذكور من الجن يُسمون رجالاً قال الله تعالى : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } ( الجن 6 ) ، الجن فيهم رجال كما في هذه الآية الكريمة ،
وعلى هذا فلا يتم الاستدلال بقوله : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } ، ويكون ظاهر قوله : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } ، أن من الجن رسل ،
وهذا موضع الخلاف بين العلماء ،
والذين قالوا : إنه ليس من الجن رسل ،
أجابوا عن قوله : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } :
قال : إن الخطاب باعتبار المجموع لا باعتبار الجميع ،
فهو كقوله تعالى في البحرين : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } ( الرحمن 22 ) ، واللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من المالح على ما هو المشهور ،
قالوا : أن حكمة الله تأبى ذلك ،
لأن الرسالة تشريف وتكريم وتعظيم والجن أصلهم من النار وأبوهم إبليس سيد المتكبرين وقائد الكافرين فليس من الحكمة أن يُكرم هؤلاء بالرسالة وإنما يتلقون التعاليم مما جاء من البشر كما قال تعالى : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يسمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ، قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } ( الأحقاف 29 – 31 ) .
فقالوا عن الجن : ليس منهم رسل لكن منهم نُذُر ،
كما قال تعالى : { ولوا قومهم منذرين } ( الرحمن 22 ) ، فيتلقى هؤلاء النًّذُر مما جاءت به الرسل وينذرون به قومهم ،(72/102)
وينبني على ذلك هل ما يُؤمر به الجن هو ما يُؤمر به الإنس يعني هل صلاتهم كصلاتنا وزكاتهم كزكاتنا وصيامهم كصيامنا وحجهم كحجنا ؟
في هذا أيضاً خلاف بين العلماء :
1 - فمنهم من قال : إذا كان تلقيهم لما يقومون به من الشرائع مما جاءت به الإنس وجب أن يكون مثل ما جاء إلى الإنس لأننا لا نرى فيما جاء به الإنس فصلاً خاصاً بالجن بل نجد أن الأحكام واحدة وعلى هذا فيكون ما أُمر به الإنس هو ما أُمر به الجن ولا فرق ،
2 - وقال بعض العلماء : بل إنهما يفترقان فليس ما أُمر به الجن مساوياً لما أُمر به الإنس في الحد والحقيقة ،
لأن جنس الجن ليس كجنس الإنس وإذا كان الإنس تختلف أحكامهم باختلاف أحوالهم ،
فالمريض يصلي قاعداً مثلاً والفقير لا زكاة عليه ومن لا يستطيع الحج لا حج عليه فكذلك الجني لا يُكلف إلا بما يناسب حاله ،
وتكون العمومات الدالة على ذلك مثل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ( البقرة 286 ) ، وما أشبهها تقيد عموم تكليفهم في شرائع الإنس ،
وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال :
إن اختلافهم عن الإنس في الحد والحقيقة يقتضي ألا يتساووا في التكليف لأن حكمة الله تعطي كل مكلفٍ ما يناسبه حتى في البشر [165] ،
وعلى كل حال نحن نقر بأن الجن مكلفون في الجملة ،
وأن كافرهم يدخل النار وأن مؤمنهم يدخل الجنة أيضاً ،
أما مسألة الرسالة وعدم الرسالة فقد تكون الأدلة متكافئة ،
وإن كان الراجح : أن الرسل من البشر ،
وأما هل هم مساوون للإنس في الأحكام الشرعية فهذا محل تَوَقُّف ،
إن نظرنا إلى عموم الأدلة ،
قلنا : هم مساوون للإنس ،
وإن نظرنا إلى الحكمة في التشريع وأن الشرع يختلف باختلاف المكلف ،
قلنا : لا بد أن يكون له شرعٌ خاصٌ بهم وهذا الشرع الخاص بهم ،
وإن كنا لا نجده في الكتاب ولا في السنة ،
لكن يُؤخذ من العمومات ،(72/103)
مثل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، { فاتقوا الله ما استطعتم } ( التغابن 16 ) .
فهم قد لا يستطيعون كل ما يستطيعه الإنس وقد لا يكون عندهم كل ما عند الإنس فتكون الأحكام خاصةً بهم ،
وهذا نقول : الله أعلم الأدلة في هذا متكافئة ،
وليس هناك دليل واضح على أن ما كُلفوا به متساوٍ لما كُلف به الإنس أو مخالف ،
والمهم أن المؤلف يقول ( في دار نار ) : هذا بالإجماع مستنده النص ،
قوله : ( أو نعيم جنة ) : فيه خلاف ،
والصحيح : أنهم يدخلون الجنة ،
قوله تعالى : { تحروا رشدا } ( الجن 14 ) ، السكوت عن دخول الجن الجنة لا ينافي دخولهم وليس بصريح ،
لو قال : لا يدخلون الجنة ،
لقلنا : هذا صريح لكن ذكر أنهم يتحرون الرَّشد ويريدون الرُّشْد وسكت عن ثوابهم في الآخرة ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الاستعانة بالجن جائزة بشرطين :
1 - ألا يكون الطريق الموصل إليها مُحَرَّماً ،
2 - وألا يستعين بهم على شيءٍ مُحَرَّم [166] ،
فإن كانت الطريقة مُحرمة بأن قالوا : لا نعينك حتى تسجد لنا مثلاً ،
وهذا لا يمكن أن يقع من مؤمن الجن ،
لأن مؤمن الجن لا يمكن أن يأمر بالشرك ،
لكن قد يكون مؤمناً أو يكون مسلماً وعنده فسق ،
فيقول مثلاً للمرأة : لا أعينك حتى تمكنيني من نفسك
أو يكون عنده فاحشة اللواط ويقول للشاب : لا أعينك حتى تمكنني من نفسك فهذا حرام لا يجوز ،
أو يستعين بهم على شيءٍ مُحرم بأن يقول : أحضروا لي مال فلان فيذهبون ويأتون بمال فلان إليه هذا حرام لأنه يستعين بهم على معصية على سرقة أموال الناس ،
لكن إذا استعان بهم على شيءٍ مباح وبطريقٍ مباح ،
فيقول شيخ الإسلام : إنه لا بأس بذلك إذا عرفت أنه يذكر الله ، ولا يأمر بالفحشاء ولا يأمر بالكفر ،(72/104)
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله وقائع في الفتاوى وكذلك في كتاب النبوات وكذلك في إيضاح الدلالة في عموم الرسالة [167] أنه في عهد عمر بن الخطاب كانت امرأة في المدينة لها رأين من الجن وأن عمر بن الخطاب تأخر وبحثوا عنه فجاءوا إلى هذه المرأة فأرسلت رأيها فأخبره وهو مستعمل حتى عندنا هنا في هذه البلاد وغير هذه البلاد مستعمل الجن مثلاً في إحضار الغائب المستور أو ما أشبه ذلك [168] ،
إذن كلام المؤلف صريح في أن الجن يدخلون الجنة وكذلك يدخلون الإنس ،
******************
123 – ومن عصى بذنبه لم يخلد ،
وإن دخلها يا بوار المعتدي ،
الجنة والنار داران هما مآل الخلق وليس بعدهما دار ،
لأن دور الإنسان أربع :
الأولى : في بطن أمه ،
والثانية : في الدنيا ،
والثالثة : في البرزخ ،
والرابعة : يوم القيامة وهذه الأخيرة لا دار بعدها [169] ،
والبحث في مسألة الجنة والنار من وجوهٍ متعددة :
البحث الأول : هل الجنة والنار موجودتان الآن ؟
والجواب : نعم موجودتان الآن ،
ودليل ذلك في القرآن والسنة :
أما القرآن : فقد قال الله تعالى : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } ( آل عمران 131 ) ، والإعداد بمعنى التهيئة فإنها مهيأة للكافرين ، وأما الجنة : فقال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } ( آل عمران 133 ) ، والإعداد معناه التهيئة ،(72/105)
وفي السنة : رأى النبي صلى الله عليه وسلم النار عُرضت عليه وهو يصلي صلاة الخسوف [170] ، ورأى فيها عمرو بن لحيٍّ يجر قُصْبَهُ في النار يعني يجر أمعاءه [171] ، ورأى فيها امرأة تُعذب في هِرَّةٍ لها حبستها حتى ماتت ، ورأى فيها صاحب المحجم الذي يسرق الحجاج بمحجمه وكان معه المحجن وهو العصا المحمية الرأس يمر بالحاج ويخطف متاعه إن لم يفطن له الحاج ذهب وإن فطن له قال : تعلق متاعك بمحجمي فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يُعذب بمحجمه في النار [172] ، أما الجنة فرآها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي صلاة الخسوف حتى همَّ أن يتناول منها قِطْفَ عنب ولكنه لم يفعل وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام [173] ، ورأى فيها قصراً لعمر بن الخطاب ولم يدخله لأنه تذكر غيرة عمر ولما حدَّث عمر بذلك بكى رضي الله عنه وقال : أعليك أغار يا رسول الله ؟ [174] ، يعني يقول : لو دخلته ما غرت لو غرت على غيرك ما غرت عليك ،
فالمهم إذن ثبت بالكتاب والسنة أن النار والجنة موجودتان الآن ،
وهو أيضاً محل إجماعٍ بين العلماء ،
ولكن متى خُلقتا هذا هو الذي نتوقف فيه ،
وهو محل إجماع ،
وأما النار فمحل إجماعٍ أنها مُؤبدة [175] ،
إلا خلافاً يسيراً ذهب إليه بعض العلماء وهو مرجوح بل لا وزن له ،
والصحيح : الذي لا شك فيه أن النار مؤبدة دائماً وأبداً ،
لقول الله تبارك وتعالى في آياتٍ ثلاثٍ في كتابه : { خالدين فيها أبدا } ، فقال جل وعلا في سورة النساء : { إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ، إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا } ( النساء 168 – 169 ) .
وتأبيد الخالد يدل على تأبيد على مكان الخلود ضرورة وإلا فكيف يكون خالداً في غير محل ؟
هذا مستحيل ،
وقال تعالى في سورة الأحزاب : { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ، خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا } ( الأحزاب 64 – 65 ) .(72/106)
وقال في سورة الجن : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا } ( الجن 23 ) .
وثبت في السنة : أنه يُؤتى يوم القيامة بالموت ، فيوقف في مكانٍ بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة يا أهل النار فيشرئبون ويطلعون ، فيقال لهم : هل تعرفون هذا ؟ فيقول : نعم هذا الموت ، فيُذبح ، ويقال : يا أهل الجنة خلودٌ ولا موت يا أهل النار خلودٌ ولا موت [176] ،
ولم يُحدد وهذا من السنة ،
والإجماع يكاد يكون منعقداً ،
إلا خلافاً يسيراً عن طائفةٍ من السلف والخلف لكنه مرجوح بل قلت : لا وزن له ،
فإن قالوا إن رحمة الله سبقت غضبه ؟
قلنا : لا قياس في مقابلة النص ما دام عندنا نص من القرآن صريح بالتأبيد فلا قياس ،
إذن البحث الثاني : هل الجنة والنار مؤبدتان لا تفنيان [177] ؟
الجواب : نعم ،
البحث الثالث : هل يدخل الإنس والجن الجنة والنار أو هذا خاصٌ بالأنس ؟
الجواب : أما النار فيدخلها الجن والإنس بالنص والإجماع [178] ،
قال الله تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس } ( الأعراف 179 ) : أي خلقنا كثيراً من الجن والإنس نسأل الله ألا يجعلنا منهم ،
وقال تعالى : { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار } ( الأعراف 38 ) .
وقال تعالى في سورة الجن : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسكون فمن اسلم فأولئم تحروا رشدا ، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } ( الجن 14 – 15 ) .
وأما دخول المؤمنين الجنة فهو بالنسبة للبشر بالنص والإجماع ،
وبالنسبة للجن محل خلاف ،
والصحيح : أنهم يدخلون الجنة ،
والدليل على ذلك : ما جاء في سورة الرحمن حيث يخاطب الله الجن والإنس ويقول جل وعلا : { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ، يطوفون بينها وبين حميم آن ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 41 – 45 ) .(72/107)
وهذا قلنا : أنه مجمع عليه دخول النار مجمع عليه ليس فيه إشكال ،
{ ولمن خاف مقام ربه جنتان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 46 – 47 ) ، والخطاب لمن ؟
للجن والإنس إلى أن قال في الجنتين الأوليين والأخريين : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 74 – 75 ) .
وعليه فالقول الراجح : أن مؤمني الجن يدخلون الجنة كمؤمني الإنس [179] ،
ولأن هذا من كمال عدل الله عز وجل من كمال عدله أن من عمل ابتغاء ما وُعد به من الثواب فلا بد أن يحقق له الثواب ،
ولأن هذا مقتضى قوله تعالى في الحديث القدسي : ( إن رحمتي سبقت غضبي ) [180] ،
والذين يقولون : إن كافر الجن يدخل النار ومؤمنهم لا يدخل الجنة يجعلون غضبه سبق رحمته ،
كيف نقول : إن هؤلاء إذا عملوا ما يقتضي الرحمة ؟
فإنهم لا يُعطون الرحمة وإذا عملوا ما يقتضي العذاب فإنهم يُعذبون أين سَبْقُ الرحمة للغضب ،
فإن قيل : ما تقولون : في قوله تعالى : { فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا } ( الجن 14 ) ، وفي قوله تعالى : { يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } ( الأحقاف 31 ) ، ولم يقولوا ويدخلكم الجنة ؟
فالجواب : أن السكوت عن الشيء لا يلزم منه انتفاء الشيء لأن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم فإذا لم يُذكر ثوابهم في هذه الآية فقد ذُكر في آيةٍ أخرى لا معارض لها لأن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم ،
وعلى هذا فنقول في هذا البحث : إن مؤمني الجن يدخلوا الجنة كمؤمني الإنس ولا فرق ،
قوله : ( ومن عصى بذنبه لم يخلد ) : ما المراد بالمعصية في كلام المؤلف هنا ؟
الكبائر ، المراد : الكبائر ،
قوله : ( وإن دخلها ) : في نسخة ( وإن يَرِدْها ) يعني وإن وردها دخولاً ،(72/108)
لكن النسخة الصحيحة ( وإن دخلها ) : يعني وإن دخل النار فإنه لا يُخلَّد لأنه لا يُخلَّد فيها إلا الكافرون ومن عصى بذنبه لم يخلد وإن دخلها ،
قوله : ( يا بوار المعتدي ) : هذا نداء يعني يا بوار المعتدي احضر لأن المعتدي أهلٌ للبوار والبوار هو الهلاك كما قال تعالى : { وأحلوا قومهم دار البوار } ( إبراهيم 28 ) : دار الهلاك ،
فمن المعتدي هنا ؟ هل المعتدي العاصي الذي يدخل ؟ أو المعتدي الذي يقول إن من دخل النار لا يخرج منها أو هما جميعا ؟
الظاهر أنهما جميعاً أو أن مراد المؤلف رحمه الله بالمعتدي المعتزلة والخوارج ،
لأن المعتزلة والخوارج قالوا : إن من دخل النار ولو من أجل الكبيرة فإنه لا يخرج منها ،
ولكن يختلفون في أحكام الدنيا ،
فالمعتزلة يقولون : في منزلة بين المنزلتين ،
والخوارج يقولون : كافر ،
وهم جميعاً اتفقوا أنهم في الآخرة أي العصاة مخلدون في النار ولهذا لا تنفع فيهم الشفاعة ،
والصحيح : ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة
كما مر علينا في أحاديث كثيرة في الشفاعة أن من دخلها من العصاة فإنه يخرج منها إما بالشفاعة وإما بفضل الله ورحمته لكن لا بد أن يخرج منها ،
البحث الرابع : لمن تكون الجنة والنار ؟
يقول المؤلف :
وكل إنسانٍ وكل جِنَّة ،
في دار نارٍ أو نعيم جنة ،
قوله : ( كل إنسان وكل جِنَّة ) : أي كل واحد من الجن في دار نار أو نعيم جنة ،
إذن كلام المؤلف صريح في أن الجن يدخلون الجنة وكذلك يدخلون النار وكذلك الإنس ،
******************
124 – هما مصير الخلق من كل الورى ،
فالنار دار من تعدى وافترى ،
قوله : ( هما ) : أي النار والجنة ،(72/109)
قوله : ( مصير الخلق من كل الورى ) : هما مصير الخلق ، ليس هناك داراً ثالثة ،
حتى أصحاب الأعراف الذين يوقفون في مكان بين الجنة والنار مآلهم إلى الجنة ولا بد لا يمكن لأحد من الورى إلا أن يكون إما في جنة أو في نار ،
هذا البيت كالاستثناء من قوله : ( هما مصير الخلق من كل الورى ) ، يعني يُستثنى من ذلك من عصى بذنبه فإنه لا يُخلد في النار ،
والمعصية : الخروج عن الطاعة ،
وتنقسم عند العلماء إلى قسمين :
1 - صغائر ،
2 - وكبائر ،
المعاصي تنقسم إلى قسمين :
1 - صغائر ،
2 - وكبائر ،
وما هو الضابط أو ما هو الحد أو ما هو العد ؟ يعني هل الكبائر معدودة أو الكبائر محدودة بضوابط أم ماذا ؟
قال بعض العلماء : إن الكبائر معدودة [181] ،
( اجتنبوا السبع الموبقات : الإشراك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وقتل المحصنات المؤمنات الغافلات والتولي يوم الزحف وأكل الربا وأكل مال اليتيم ) [182] ،
وقال بعض العلماء : بل إنها غير معدودة [183] ،
بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم عدَّ الإشراك بالله وهو كفر مخرج عن الملة فأراد بيان عظم هذه السبع ولكن هناك شيءٌ آخر [184] ،
إذن نرجع إلى القول : بأنها محدودة بضوابط ،
فما هذه الضوابط ؟
قال بعضهم : كل ذنبٍ ترتب عليه لعنة أو غضب أو وعيد في الآخرة أو حدٌّ في الدنيا [185] ،
يعني ما فيه حدٌّ في الدنيا أو وعيدٌ في الآخرة أو غضب أو لعنة يعني أربعة أوصاف ،
فالزنا مثلاً كبيرة لأن فيه حداًّ في الدنيا الإسبال كبيرة لأن فيه وعيداً في الآخرة قتل النفس كبيرة لأن فيه لعنةً وغضباً وهلم جراّ خذ هذا الضابط ،
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : الكبيرة ما ترتب عليه عقوبة خاصة [186] ،
يعني ما جعل الله أو رسوله عليه عقوبة خاصة أيُّ عقوبة دنيوية أو دينية أو أخروية ،(72/110)
وذلك لأن المعاصي : إما أن تقع منهياًّ عنها أو محرمة وما أشبه ذلك فهذه تكون صغيرة ، { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } ( النور 31 ) ، هذه صغيرة ،
لكن إذا ترتب على ذلك عقوبة خاصة كحدٍّ في الدنيا وعيد في الآخرة لعنة غضب نفي إيمان تبرؤٌ منه أي شيء يُذكر له عقوبة خاصة دينية أو دنيوية أو أخروية فإنها من كبائر الذنوب ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) [187] ،
هذا من الكبائر إذا لم تحب لأخيك ما تحب لنفسك ؟
الجواب : نعم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ،
وهذا الضابط ضابطٌ حسن وبه يمكن أن تميز بين الصغائر والكبائر ،
فما جاء مُرَتَّباً عليه عقوبة خاصة فهو كبيرة ،
وما جاء منهياً عنه أو ذُكر فيه التحريم أو لا ينبغي أو ما أشبه ذلك فهذه من صغائر الذنوب ،
نعود مرةً أخرى المعاصي تنقسم إلى قسمين :
1 - صغائر ،
2 - وكبائر ،
والفرق بينهما : من حيث الحقيقة والماهية هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ،
لأن النفس تطمئن إليه ،
أما من حيث الحكم ،
فالفرق بينهما :
أن الصغائر تكفرها الصلاة والصوم والوضوء والصدقة والتسبيح وما أشبه ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
أما الكبائر فلا بد فيها من توبة ولا تنمحي عن الإنسان إلا بتوبة هذا هو الأصل [188] ،
الفرق الثاني من حيث الحكم : الكبائر بمجرد فعلها يخرج الإنسان من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق أي أنه يكون فاسقاً بمجرد فعل الكبيرة ما لم يتب والصغائر لا يخرج من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق إلا بالإصرار عليها فإذا أصر عليها صار فاسقاً لا عدلاً ،
فصار الفرق بينهما من وجهين :
الوجه الأول : أن الصغائر تقع مكفرة بالأعمال الصالحة والكبائر لا بد فيها من توبة ،(72/111)
الفرق الثاني : الكبائر يخرج بها الإنسان من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق بمجرد الفعل والصغائر لا يخرج منها من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق إلا بالإصرار عليها ،
حلق اللحية صغيرة لكن إذا أصر عليها صار كبيرة ، شرب الدخان صغيرة ، فإذا أصر عليه صار كبيرة ،
هذا بقطع النظر عما يحدث في قلب الفاعل يقترن بها شيءٌ من الاستخفاف بأوامر الشرع والاستهانة بها وحينئذٍ تنقلب الصغيرة كبيرة ،
تنقلب الصغيرة كبيرة من الاستخفاف بأوامر الشرع ،
وربما تكون الكبيرة صغيرة من أجل أن يفعلها الإنسان مع الخجل من الله عز وجل ورؤيتها أمام عينه دائماً فهذا تنقلب إلى صغيرة وربما يكون فعله هذا أو شعوره هذا توبة ،
ذكرنا قبل قليل أن الكبائر لا بد لها من توبة ،
فهل معنى ذلك أن الإنسان لا بد أن يُعاقب عليها ؟
لا ، لكن إذا فعلها يستحق العقوبة ما لم يتب والصغائر ؟
لا ، قد تقع مكفرة بالأعمال الصالحة ،
أما الكبائر فنقول : يستحق العقوبة عليها إلا بتوبة ،
أما نفس العقوبة فإن الله تعالى يقول : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء 48 ) .
وعلى هذا ففاعل الكبيرة إذا لم يتب فهو على خطر لأنه يُقال له : ما الذي أعلمك أنك داخلٌ في المشيئة ؟
وإلا فإن بعض الناس إذا نهيته عن الكبيرة قال : يا أخي سبحان الله ما تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى أقرأ القرآن ، قال : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .
انظر كيف تمنيه نفسه ، هل قال : ويغفر ما دون ذلك مطلقاً أم قيدها بالمشيئة ؟
وما الذي أعلمك أنك ممن دخل في المشيئة ربما تكون ممن لا يشاء الله أن يغفر له فأنت على خطر ثم قد يُقال : إن قوله : { لمن يشاء } ، أن هذا المستثنى هو الذي فعل الكبيرة على وجه الحياء من الله تعالى والخجل وصارت الكبيرة دائماً في عينه حينئذٍ تنقلب صغيرة ويدخل في المشيئة ،
قد يُقال هذا وإن كان هذا خلاف ظاهر اللفظ ،(72/112)
والحاصل : نقول لهذا المفرِّط الذي منَّته نفسه ما لم يكن على علمٍ من حصوله نقول له : من قال لك : إنك داخلٌ في قوله : { لمن يشاء } ؟
قوله : ( هما مصير الخلق ) : ليس هناك دارٌ ثالثة حتى أصحاب الأعراف الذين يُوقفون في مكانٍ بين الجنة والنار مآلهم إلى الجنة ولا بد لا يمكن لأحد من الورى إلا أن يكون في جنة وإلا في نار ،
قوله : ( من كل الورى ) : يريد به الخصوص أي يريد به الإنس والجن ،
أما الملائكة فلا يدخلون النار ، الملائكة لا يدخلون النار ،
لكنهم في الجنة مُسخرُّون لأهل النار ، { يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } ( الرعد 23 – 24 ) .
وهناك ملائكة لا نعلم الله أعلم مصيرهم لكننا نعلم أنهم لن يدخلوا النار ،
قوله : ( فالنار دار من تعدى وافترى ) : النار دار من تعدى الحدود وافترى الكذب ،
فمن أشرك فهو متعدي ومفتري أيضاً ،
لأن إشراكه بالله يقتضي بأنه يقول بلسان حاله أو لسان مقاله إن مع الله إلهاً آخر ومن زعم أن لله ولداً فهو متعدٍ مفترٍ ،
وعلى هذا فيكون التعدي والافتراء متلازمين ،
لكن الافتراء يلزمه التعدي بكل حال ،
والتعدي لا يلزمه الافتراء بلسان المقال ولكن يلزمه الافتراء بلسان الحال ويتضح هذا بالنسبة للمفتري أن يقال : إن المفتري متعدي ولا شك ،
لأن الإنسان لو تقوَّل على بشر لقيل إنه متعدٍ عليه فكيف إذا تقوَّل على رب العالمين ؟!!
أما المعتدي فقد يعتدي بغير افتراء لكن لسان حاله يقول : إنه مفتري ،
******************
125 – وجنة النعيم للأبرار ،
مصونة عن سائر الكفار ،
جنة النعيم هي جنة الآخرة ونعيمها نعيمٌ في البدن ونعيمٌ في القلب ،(72/113)
الدنيا في الغالب لا يجتمع النعيمان قد يُنعَّم الإنسان في البدن ولا يُنعم في القلب وقد يُنعم في القلب ولا يُنعم في البدن قد يكون هذا الرجل غنياً عنده من الترف ما لا يعلمه إلا الله قد نعَّم بدنه تماماً ،
ولكن قلبه يغلي والعياذ بالله يغلي من الهم والغم والخوف على نعيمه والخوف على نفسه لو لم يكن من نعيم الدنيا إلا الإنسان إذا تذكر الموت أو تذكر الهرم تنغص ،
كما قال الشاعر :
لا طيب للعيش ما دامت منغصةً ،
لذَّاته بِادِّكارِ الموت والهرم [189] ،
هذا صحيح على أنه لا يمكن أن يتم النعيم من كل وجه في الدنيا ،
كما قال الحكيم الشاعر [190] :
فيومٌ علينا ويومٌ لنا ،
ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسر [191] ،
وقس هذا على نفسك إذا سُررت اليوم تنتظر الحزن غداً وإن حزنت اليوم تنتظر السرور غداً لكن نعيم الجنة جعلنا الله وإياكم ممن يتمتعون به ليس فيه حزن ،
ولهذا قال المؤلف : ( وجنة النعيم ) : نعيم القلب أو نعيم البدن ؟
كليهما ،
ولهذا قال الله تعالى في سورة الإنسان : { ولقاهم نضرة وسرورا } ( الإنسان 11 ) ، نضرة في الوجه وفي البدن وسرور في القلب ،
فاجتمع لهم النعيمان نعيم البدن بالنضرة الحسنة ونعيم القلب بالسرور نسأل الله لنا ولكم ذلك ،
سبق لنا الكلام على المباحث في الجنة وسبق لنا الكلام أيضاً على دخول العصاة في النار ،
وقلنا : إن أهل الكبائر من هذه الأمة يدخلون النار ولكن يخرجون منها بالشفاعة أو بغير الشفاعة ،
خلافاً لطائفتين مبتدعتين وهما الخوارج والمعتزلة لأنهما يقولان بخلود أصحاب الكبائر في النار ،
وخلافاً لطائفةٍ ثالثة :
المرجئة يقولون : إن أهل الكبائر لا يدخلون النار ،(72/114)
لأنهم يقولون : لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة ،
المرجئة يقولون : الأعمال لا تدخل في الإيمان إذا آمن الإنسان في قلبه فهو مؤمن ولا يستحق العقاب ،
فقيل لهم : ما تقولون في آيات الوعيد وأحاديث الوعيد ؟
قالوا : هذه في الكفار أما المؤمن فلا يمكن أن يدخل النار ،
هذا المذهب باطل ،
لأن فيه نصوصاً كثيرة تعلق الوعيد على فعل ما ليس بكفر ،
قطع الرحم ، كفر أو غير كفر ؟
ليس بكفر وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا يدخل الجنة قاطع ) [192] ،
على كل حال إذن ممكن أن نقول : إن الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها من الكبائر يخالف فيها ثلاث طوائف مبتدعة :
المرجئة لأنهم يقولون : إن أهل الكبائر لا يدخلون النار أصلاً ،
والخوارج والمعتزلة لأنهم يقولون : من دخل النار فهو خالدٌ فيها ،
******************
126 – واجزم أن النار كالجنة في ،
وجودها وأنها لم تتلف ،
وهذا أيضاً تكلمنا عليه في وجود الجنة والنار الآن ،
وبينا أن الجن والنار موجودتان الآن بدلالة الكتاب والسنة وهل هما يفنيان ؟
ذكرنا أن القول الراجح : أنهما لا يفنيان ،
وأن الجنة محل إجماعٍ من أهل السنة ،
وأن النار فيها خلافٌ ضعيفٌ ضعيفٌ ضعيف ،
والقائل به قليل فلا يعتد به ولا يُلتفت إليه ،
والصحيح الذي لا شك فيه والذي ندين الله به ونعتقده : بأن النار مؤبدة لن تتلف ،
ولهذا قال : ( واجزم بان النار كالجنة في وجودها وأنها لن تتلف ) ،
قوله : ( وأنها لم تتلف ) : ( لن ) هنا بمعنى ( لم ) يعني لن تتلف في المستقبل ،
هنا قاس النار على الجنة لأن النار مختلفٌ في بقائها بخلاف الجنة ،
******************
127 – فنسأل الله النعيم والنظر ،(72/115)
لربنا من غير ما شينٍ غبر ،
قوله : ( فنسأل الله النعيم ) : في الجنة ،
قوله : ( والنظر ) : لربنا عز وجل وهو أعلى نعيم الجنة [193] ،
فإن أهل الجنة لا يُعطون نعيماً أعظم ولا أسر من النظر لوجه الله ،
قوله : ( من غير ما شينٍ غبر ) : أي من غير سوءٍ ،
قوله : ( غبر ) : أي مضى ، أي نسأل الله النعيم والنظر من غير أن يتقدم ذلك عذاب بل ندخل الجنة بلا عذاب نسأل الله ذلك ،
******************
128 – فإنه يُنظر بالأبصار ،
كما أتى في النص والأخبار ،
قوله : ( فإنه ) : أي الله عز وجل ،
قوله : ( يُنظر بالأبصار ) : الأبصار جمع بصر يعني بالعين ،
رداًّ على من قال : إنه يُنظر بالقلب ،
وأن النصوص الواردة في النظر إلى الله يُراد بها النظر بالقلب أو النظر إلى ثوابه ،
وكلاهما معنيان باطلان ،
أما النظر بالقلب فإن هذا حاصلٌ لأهل الجنة قبل أن يدخلوا الجنة ،
فإن المؤمن يكاد يرى ربه بقلبه من شدة إيمانه به وبأسمائه وصفاته ،
وأنت لو وُصف لك شيءٌ في الدنيا وصف لك إنسانٌ ثقة بيتاً لتشتريه وصفاً دقيقاً فأنت الآن تراه بقلبك ،
المؤمنون المتقون يرون الله سبحانه وتعالى بقلوبهم قبل يوم القيامة ،
ولولا هذا اليقين ما حصل لهم دخول الجنة فهم يرون الله تعالى بقلوبهم من قبل أن يدخلوا الجنة ،
وحينئذِ لا نعيم لهم في هذا النظر لأنه قد تم لهم من قبل ،
وأما الذين قالوا : إنهم ينظرون إلى ثواب الله ،
فيقال : هذا تحريف للنصوص الصريحة الصحيحة ،
مثل : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس ليس دونها سحاب ) [194] ، وهذا واضح أن الذي يُرى الله نراه كالشمس ليس دونها سحاب ( ترونه كالقمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ) [195] ،(72/116)
قوله : ( كما أتى في النص ) : يعني القرآن يعني النص القرآني ،
قوله : ( والأخبار ) : جمع خبر وهي الأحاديث ،
فرؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة ثابتةٌ بالقرآن وإجماع السلف [196] ،
حتى إن بعض العلماء صرح بأن من أنكر رؤية الله في الآخرة فهو كافر ،
لأنه مكذبٌ للنصوص الصريحة الصحيحة ومخالفٌ لإجماع السلف ،
وقال بعض العلماء : من قال : إن الله لا يُرى في الآخرة ، فنسأل الله أن يحرمه رؤيته في الآخرة ،
وهل يستحق هذا أو لا ؟
نعم ، يستحق الذين ينكر أن الله يُرى في الآخرة نقول : الله يحرمك منها ،
واعتقد أننا لو قلنا : حرمك الله منها لاستشاط غضباً فإذا دُعي عليه بأن لا يرى ربه غضب ،
وهو يقول في عقيدته : يمتنع أن نرى ربنا ،
فنقول : إذا كنت تقول : إنه يمتنع ، فنسأل الله أن يحرمك إياها وهو جديرٌ بأن يُدعى له بذلك لأنه أنكرها فلو أنه استشاط غضباً وهمّ أن يقاتلنا ،
نقول له : قف ألست ترى أنه مستحيل ؟
نحن ما دعونا لك إلا بما تعتقد أنه مستحيل فنحن أعنّاك على رأيك وألزمناك بما ترى ،
إذن ما هو النص القرآني على ثبوت الرؤية ؟
نقول دلالة القرآن على الرؤية من وجوه :
أولاً : التصريح بالنظر ،
والثاني : نفي الإدراك ،
والثالث : حجب أعداء الله عن رؤية الله [197] ،
هذه ثلاثة أنواع من الأدلة :
الأول : التصريح بالنظر ،
والثاني : نفي الإدراك ،
والثالث : حجب الأعداء ،
أما التصريح بالنظر :
فمثل : قوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة } ( القيامة 22 – 23 ) ، ولم يقل : قلوبٌ يومئذٍ ناظرة ،
وإذا كانت الوجوه هي التي ترى ،
فما هي وسيلة الرؤية في الوجه ؟
العين إذن نراه بأعيننا ، { وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة } ، ولم يقل : قلوب ،(72/117)
وقال الله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } ( يونس 26 ) ، وفسر بالزيادة أعلم الخلق بالله وكتابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المراد بالزيادة : النظر إلى وجه الله ،
وهل تعلمون تفسيراً أصح وأوثق من تفسير الرسول ؟
فإذا قال : هي النظر إلى وجه الله ،
قلنا : صدقت وصدق الله صدق الله ورسوله ،
أما نفي الإدراك وهو النوع الثاني من الأدلة :
ففي قوله تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } ( الأنعام 103 ) .
فإن نفي الإدراك يدل على ثبوت أصل الرؤية ،
لأن نفي الإدراك مع عدم ثبوت الرؤية لغو من القول وفساد ،
لماذا تقول : { لا تدركه الأبصار } ، وهو لا يرى أصلاً ؟
هذا لا يمكن ،
فكونه يقول : { لا تدركه الأبصار } ، يعني أنها تراه ولكن لا تدركه ،
ولهذا استدل بهذه الآية أهل السنة على أن الله يُرى ،
وجه الدلالة : أن نفي الإدراك دليلٌ على أصل ثبوت الرؤية ،
لأن نفي الإدراك عما لم يثبت أصله لغو من القول لا حاجة له ،
وحينئذٍ فيكون في الآية دليل على ثبوت الرؤية ،
والعجب أن الذين ينفون الرؤية يستدلون بالآية على أنه لا يُرى [198] ،
يقولون : لأن الله يقول : { لا تدركه } .
قلنا لهم : الله يقول : { لا تدركه } .
ولكن لم يقل : لا تراه ،
وفرق بين الإدراك والرؤية ،
نحن الآن نعلم الله عز وجل لكن هل ندركه ؟ ندرك حقيقته ؟
لا ، ونحن نعلمه قولوا : لا يُعلم ،
إذن الله لا يُعلم ،
وعلى هذا فالآية صريحة في أن الله يُرى ،
وأنا أذكر لكم قاعدة في الاستدلال ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ،
وناهيك به فهماً وفقهاً قال أنا ملتزم بكل دليل صحيح استدل به مبطل على باطله أن أجعله دليلاً عليه لا له سواءً أثري أو نظري هذا قاله في كتابه ( موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ) ( درء تعارض العقل والنقل ) ،
يقول : أنا ملتزم لكل إنسان بدليل صحيح على قولٍ باطل أن أجعل دليله دليلاً عليه لا له أرأيت ؟(72/118)
لأن استدلاله بهذا الدليل لا شك أنه يُشم منه رائحة ما قال إلا أن الذي شمه في أنفه زُكام فيكون دليل على أن خلاف ما شمّ هو الصحيح أم لا ؟
الإنسان الذي في أنفه زُكام تأتيه بالطِّيب الطَّيِّب لكنه بارد يقول لك : هذه رائحته ليست بطيبة لأنه بارد والأنف مسدود وتأتيه بالبترول بالبنزين الذي رائحته تضرب إلى الدماغ ، تقول : ما هذا الطِّيب ؟ يقول : هذا طَّيِّب ، كم التولة ؟ فالإنسان الذي في أنفه زُكام لا يعرف الرائحة ،
لذلك إذا استدل بدليل على باطله وهو دليل صحيح بهذا الشرط أنه دليل صحيح أما دليل موضوع يأتي به ويجعله دليلاً له فهذا ليس فيه فائدة فهو دليلٌ عليه ،
هؤلاء استدلوا على نفي الرؤية في الآخرة بقوله : { لا تدركه الأبصار } .
قالوا : هذا دليلٌ عليه لأن نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية ولولا وجود أصل الرؤية لكان نفي الإدراك لغواً يُنزَّه عنه كلام الله ،
النوع الثالث من الأدلة على الرؤية : حجب الله عن أعدائه في قوله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } ( المطففين 15 ) .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : والله ما حجب أعداءه عنه في حال الغضب إلا ليراه أولياؤه في حال الرضا [199] ، وهذا صحيح أم غير صحيح ؟ صحيح لماذا ؟
لأنه لو كان الجميع محجوبين لم يكن لنفي الحجب عن الأعداء فائدة بل فيه مضرة حيث أوهم التخصيص ببعض مدلولاته ،
والحاصل : أن رؤية الله ثابتة بالنص على كم وجه ؟
ثلاثة أوجه :
1 - ثبوت الرؤية ،
2 - نفي الإدراك ،
3 - الحجب عن الأعداء ،
أما السنة : فقد تواترت بهذا [200] أي رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة أن المؤمنين يرونه ،
وعلى هذا قول الناظم [201] ينظم بعض ما تواتر :
مما تواتر حديث من كذب ،
ومن بنى بيتاً لله واحتسب ،(72/119)
ورؤيةٌ شفاعةٌ والحوضُ ،
ومسح خفين وهذي بعضُ [202] ،
الشاهد قوله : ( ورؤية ) ،
******************
129 – لأنه سبحانه لم يُحجب ،
إلا عن الكافر والمكذب ،
هذا تعليلٌ بتدليل يشير إلى قوله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } ( المطففين 15 ) ، فإذا حُجب هؤلاء فضدهم يرون الله ،
الأسئلة
السؤال : دعوة الجني إلى الإسلام إذا تمكن منها الإنسان ؟
الجواب : لكن هل يمكن هذا ؟ إذا كان هذا واقع فالواقع لا يمكن إنكاره ،
السؤال : هل يجب دعوته للإسلام ؟
الجواب : الظاهر أنه يجب عليه أن يدعوه للإسلام لأن الدعوة واجبة الرسول بُعث إلى الجن والإنس والعلماء ورثة الأنبياء ،
يقال أن للجن أعمار طويلة ،
يقولون أن أحد الجن وجدوه في شعاب مكة وسألوه عن عمره فقال أنه لما قتل قابيل هابيل وأنا قد بلغت الحلم فالله أعلم ،
الباب الخامس
في ذكر النبوة ومتعلقاتها
الدين الإسلامي مبنيٌّ على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،
فبشهادة أن لا إله إلا الله يكون الإخلاص وبشهادة أن محمداً رسول الله يكون الإتباع ،
انتهينا مما يتعلق بالرب عز وجل فيما قال المؤلف في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ماذا بقي ؟
شهادة أن محمداً رسول الله ،
وحينئذ لا بد أن نعرف النبوة والرسالة والحكمة من ذلك الحكمة من الرسالة والنبوة وما يتعلق بهذا ولهذا قال المؤلف : ( الباب الخامس في ذكر النبوة ومتعلقاتها ) ،
******************
130 – ومن عظيم منة السلام ،(72/120)
ولطفه بسائر الأنام ،
131 – أن أرشد الخلق إلى الوصول ،
مبيناً للحق بالرسول ،
من عظيم المنة بل أعظم منة أن أرسل الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين والمنة العطاء بلا طلب مكافئة ، العطاء بلا طلب مكافئة يُسمى منة ومن أَمَنُّ المعطين عليك الله ثم رسوله ،
ولهذا لما بين الرسول عليه الصلاة والسلام ما أنعم الله به على الأنصار في غزوة حنين ،
في غزوة حنين تتعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه غنموا أموالاً كثيرة جداًّ فصار يعطي المؤلفة قلوبهم تأليفاً لهم على الإسلام لأن الإنسان مهما كان يحب المال ، { وإنه لحب الخير لشديد } ( العاديات 8 ) ، حتى إنه مرةً من المرات جاءه أعرابي مسلماً لكن إسلامه ليس إلى ذاك يعني إسلامه ليس ثابتاً والأعرابي يحبون المواشي يحبون الغنم والإبل فأعطاه غنماً بين جبلين اللهم صلِّ وسلم على رسول الله لما أعطاه غنماً بين جبلين ، ما قيمتها عند الأعرابي كبيرة ذهب إلى قومه ، فقال : يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ، ما قال : أسلموا تدخلوا الجنة ، لماذا ؟ هو صاحب مال فانظر كيف مَلَكَ هذا المالُ قلبه، أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ،
وبهذا نعرف حكمة الله عز وجل أن جعل للمؤلفة قلوبهم نصيباً من الزكاة الواجبة يُعطون من الزكاة من أجل تأليف القلوب خلافاً لبعض الدعاة الآن يُعطون من صلف القول ما ينفر قلوبهم يعني لو رجعنا إلى الدين الإسلامي وكيف يدعو الناس إلى الإسلام وجدنا رحمةً وعطفاً ووجدنا الإسلام يقابل هؤلاء المخالفين مقابلة الطبيب الحاذق المشفق ، نعم ، لا مطالبة المنتصر الذي يريد أن ينتقم وهذه مسألة نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا بدعوة الخلق إلى الحق ،(72/121)
من تمام نعمة الله عز وجل ورحمته وحكمته أيضاً أنه أرسل إلى الخلق رسلاً لئلا يكون على الله حجة بعد الرسل ،
ولأن العقول لا يمكن أن تستقل بمعرفة ما يحبه الله ويرضاه حتى يقوم الإنسان بفعله ،
فلا بد من إرسال الرسل وضرورة الناس إلى الرسل أشد من ضرورتهم إلى الطعام والشراب والهواء ،
لأن بالرسل سعادة الدنيا والآخرة وإذا لم يُبعث الرسل بقي الناس جُهَّالاً ،
ولهذا كان من علامات الساعة أن يُقبض العلم قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور الرجال ولكن يقبضه بموت العلماء ) [203] ، فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤساء جُهَّالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ،
إذن لا بد من الرسالة حتى تقوم الحجة وتبين المحجة ويسلك الناس إلى ربهم طريق الهدى وهي من منة الله أَمَنُّ شيءٍ منَّ الله به علينا هو الرسالة والعلم ،
قوله : ( ولطفه بسائر الأنام ) : أي من لطفه جل وعلا ورأفته ورحمته ،
قوله : ( بسائر الأنام ) : أي بعموم الأنام والخلق ،
قوله : ( أن ) : ( أن ) هذه مصدرية وهي في محل المبتدأ ( ومن عظيم ) خبر مقدم ، أي من عظيم منة الرحمن أن أرشد الخلق إلى الوصول ،
قوله : ( مبيناً للحق بالرسول ) : المراد بـ ( الرسول ) هنا الجنس ،
وعلى هذا فـ ( أل ) لبيان الجنس وليست للعهد الذكري ولا الحضوري ولا الذهني ،
بل هي للجنس الدال على العموم وقد بَيَّنَ الله تعالى في كتابه أنه { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } ( فاطر 24 ) ، كل الأمم خلا فيها نذير كل رسول يُرسل إلى قومه إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُرسِل إلى الناس كافة وبلغت رسالته جميع الخلق إلى يوم القيامة وآيته العظمى هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا ولله الحمد إلى اليوم ،
******************
132 – وشرط من أُكْرِمَ بالنبوة ،(72/122)
حريةٌ ذكورةٌ كقوة ،
النبي لا بد أن يكون أهلاً للرسالة لقول الله تبارك وتعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ( الأنعام 124 ) ، فلا بد أن يكون المُعْطى للرسالة لا بد أن يكون مؤهلاً لها لأنه ليس كل إنسانٍ يصلح للرسالة والله عز وجل يؤتي فضله من يشاء وهذا كما أن العلم الموروث عن الرسالة لا يعطيه الله إلا من هو أهلٌ له نسأل الله أن يجعلنا منهم ،
الرسالة لا بد أن يكون صاحبها مؤهلاً لها ،
الدليل : قوله تعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ، لما قالوا : { لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل موسى } ( الأنعام 124 ) ، قال : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ، فأنتم لستم أهلاً للرسالة فلم تُعطوها لكن أُعْطِيَها من أهلٌ له ،
فلا بد من شروط بَيَّنَ منها شيئاً ،
قوله : ( شرط ) : مبتدأ ،
قوله : ( حرية ) : خبره ،
قوله : ( من أُكْرِم ) : أي من أكرمه الله وفضَّله بالنبوة أي بالرسالة ،
فالرسالة إذن إكرامٌ من الله تعالى للعبد ،
قال الله تعالى : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } ( الإسراء 55 ) .
وقال تعالى : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } ( البقرة 253 ) .
وقال تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر } ( الإسراء 70 ) .
ومن المعلوم أعلى أصناف بني آدم هم الرسل عليهم الصلاة والسلام ،
فالرسالة كرامة من الله عز وجل سواءٌ تمكن الرسول من بثِّ رسالته وانتفع به الخلق أم لم يتمكن فإن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى الأنبياء ورأى النبي ومعه الرَّهْط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ولكنهم مُكرَمون لكن لا شك أن مَنْ مَنَّ الله عليهم بكثرة الأتباع أكرم أو أعظم إكراماً ممن دون ذلك ،
قوله : ( بالنبوة ) : قلتُ أنها المراد بالرسالة [204] ،
قوله : ( حريةٌ ) : يعني شرطه أن يكون حراَّ لا رقيقاً ،(72/123)
والرقيق هو المملوك العبد الذي يُباع ويُشترى ،
فهذا لا يكون نبياًّ ولا رسولاً ،
وذلك لأن الرق وصفٌ نازل عن الحرية ،
الرقيق مملوك يملكه سيده يُباع ويُشترى ويُستخدم ،
فلا يمكن أن يكون هذا قائداً ،
لأنه هو نفسه مَقود مملوك ،
فكيف يكون قائداً ؟
إذن ، لا بد أن يكون حراَّ ،
واعلم أن هذه الشروط ، شروطٌ لما وقع لا لما سيقع ،
لماذا ؟
لأنه لا يمكن أن يقع الآن ، الآن ما فيه كلام ،
لكن الذين كانوا أنبياء لا بد فيهم من هذه الشروط :
1 - لا بد أن يكونوا أحراراً ،
2 - الثاني : الذكورة فالنساء ليس فيهن رسول ،
لأنهن لسن أهلاً لتحمل هذه القيادة العظيمة [205] وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ) [206] ، ولو بالانتخاب إذا انتخبوا امرأة فإنهم لن يفلحوا فكيف يمكن أن تكون امرأةٌ رسولاً ،
هذا تعليل عقلي ،
أما الدليل السمعي :
فلقوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر } ( النحل 43 ) ، لا ملائكة ولا إناثاً هذان شرطان ،
3 - الشرط الثالث : ( فقوة ) : يعني أن يكون عنده قدرة وقوة على إبلاغ الرسالة ،
فلا يمكن أن يكون أصمّ ولا يمكن أن يكون ابكم لا يتكلم أخرس ولا يمكن أن يكون منهك القوى البدنية بل لا بد أن يكون عنده قوة بدنية لأن إرسال من ليس ذا قوة عبثٌ يُنزه الله عنه ،
كيف يرسل من لا يستطيع أن يتكلم أو من هو أصمّ ؟
الأعمى قد نقول : إنه لا يمكن أن يرسل رسول أعمى ،
وقد نقول : إنه يمكن ،
لأن العمى وإن كان يضعف القوة على أداء الرسالة ،
لكنه لا يمنع أداء الرسالة ،
والكلام على ما يمنع أداء الرسالة ،
فلا بد أن يكون قوياًّ ، هل يُشترط أن يكون ذا سيادةٍ في قومه ؟
لا ، ليس بشرط ،
لكن في الغالب أن يكون ذا سيادةٍ في قومه لقول الله تعالى : { ولولا رهطك لرجمناك } ( هود 91 ) .(72/124)
وهذا هو الغالب وقد لا يكون ذا شرفٍ في قومه وسيادة لقول لوط عليه الصلاة والسلام : { قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلي ركن شديد } ( هود 80 ) : أي إلى قومٍ يمنعوني منكم ،
فالمهم أنه ليس بشرط ، ليس بشرط أن يكون ذا سيادةٍ وشرفٍ في قومه ،
لكن ذلك هو الأكثر ولا سيما في خاتم الأنبياء محمدٍ صلى الله عليه وسلم ،
فإنه كان أشرف قومه نسباً لأن الله اصطفى إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كِنانة واصطفى من كِنانة قريشاً واصطفى من قريشٍ بني هاشم واصطفاه النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم فهو كريم من كرام ، كرام الآباء والأجداد عليه الصلاة والسلام ،
لكن ليس هذا بشرط ،
فالشروط التي ذكرها المؤلف ثلاثة :
1 - الحرية ،
2 – والذكورة ،
3 - والقوة على إبلاغ الرسالة ،
يُشترط للرسالة ثلاثة شروط :
1 - الحرية ،
2 - والذكورة ،
3 - والقوة ،
هذه الشروط لا مجال للبحث فيها الآن ،
لأن الرسالة انتهت ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم النبيين [207] ،
ولكننا نبحث فيها لبيان أن الذي أُرسِلوا فيما سبق كانوا على هذا الوصف ،
******************
133 – ولا تًُنال رتبة النبوة ،
بالكسب والتهذيب والفتوة ،
يعني أن رتبة النبوة لا تُنال بعمل العبد ،
وهذا أيضاً كما قلنا فيما سبق : إنه لا مجال له الآن ،
لأن الرسالة خُتمت بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ،
وإنما ذكر المؤلف هذا لأن بعض المتكلمين قال : إن الإنسان إذا هيَّأَ نفسه للنبوة صار نُبُواًّ إذا هيَّأَ نفسه بالكسب [208] ،
يعني بالتخلق بالأخلاق الفاضلة والقيام بما يجب عليه من الحقوق التي لربه والتي للخلق والتهذيب تهذيب نفسه وتهذيب غيره ،
يعني بحيث يكون رجلاً مريداً للإصلاح ساعياً فيه ،(72/125)
قوله : ( الفتوة ) : الفتوة : الكرم والشجاعة قالوا : فإذا هيَّأَ نفسه بهذه الأمور صيَّره نبياًّ ،
وهذا ليس بصحيح ،
النبوة لا تُنال بالكسب يعني لا يمكن أن يصل الإنسان إليها بالكسب ،
خلافاً لبعض المتكلمين الذين قالوا : إنه يمكن أن يكون الإنسان مهذِّباً نفسه حتى يتهيأ للنبوة فيكون نبياًّ ،
ولكن لو قال قائل : ألستم تقولون : { الله أعلم حيث يضع رسالته } ( الأنعام 124 ) ؟
فنقول : بلى نقول ذلك ،
لأن الله يقول هكذا ، { الله أعلم حيث يجعل رسالته } .
ولكن هل هذا الذي كان أهلاً للرسالة هل كان كانت هذه الأهلية بعملٍ منه أو بفضلٍ من الله ؟
لأننا نجد أُناساً وصلوا إلى القمة في الكرم والشجاعة وحسن الأخلاق في الجاهلية مثل عبدالله بن جدعان وغيره ومع ذلك لم ينالوا النبوة وإنما نالها محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ،
ولهذا قال المؤلف :
******************
134 – لكنها فضلٌ من المولى الأَجَلَّ ،
لمن يشأ من خلقه إلى الأجل ،
أفاد المؤلف رحمه الله بهذا البيت أن النبوة فضلٌ من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده ،
ولهذا لما قال أعداء الرسل : { إن أنتم إلا بشر مثلنا } ( إبراهيم 10 ) ، { قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم } ( إبراهيم 11 ) : يعني ما نحن إلا بشرٌ مثلكم ، { ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله } ( إبراهيم 11 ) .
فالله سبحانه وتعالى هو الذي يمن بالنبوة على من يشاء من عباده ،
كما يمن بالعلم على من يشاء من عباده ،
مع أن العلم ربما يحصل بالكسب ،
لكن هو منة من الله كم من إنسان حاول أن يطلب العلم وحاول ولكن عجز ،
وأفادنا في قوله : ( لمن يشاء من خلقه إلى الأجل ) : أن من كان نُبُواًّ فلا يمكن أن تُسلب منه النبوة ،(72/126)
فالنبوة لها ابتداء وليس لها انتهاء إلا بالموت يعني لا يمكن أن يكون الإنسان رسولاً ثم تُسلب منه الرسالة ،
لكن يمكن أن يكون غير رسول ثم يُرسل كما هو الأصل ،
الأصل : أنه لا يُرسل إلا من كان قد بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ليكون تام العقل ،
وأما قوله تعالى عن عيسى حين أشارت أمه إليه فـ { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ، قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبينا ، وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا } ( مريم 30 – 32 ) .
فقال بعض العلماء : إن هذا خاصٌ بعيسى ،
وأما غيره فلا بد أن يبلغ اشده ويستوي ويكمل ،
أما عيسى فإنه آيةٌ من آيات الله في خلقه وتكوينه ورسالته ،
وقيل : المعنى آتاني الكتاب في علمه ،
فيكون التعبير بالماضي باعتبار علم الله ويكون الماضي هنا اسْتُعْمِلَ في المستقبل لتحقق وقوعه ،
وهذا هو الأقرب أن يكون { آتاني الكتاب } في علمه ،
******************
135 – ولم تزل فيما مضى الأنباء ،
من فضله تأتي لمن يشاء ،
قوله : ( الأنباء ) : فاعل ،
نقول : ( الأنباء ) بالرفع على اسم ( تزل ) لـ ( أن زال ) ،
و ( يزال ) تعمل عمل ( كان ) إذا سُبقت بنفيٍ أو شبهه ،
وهنا سُبقت بنفي وهو قوله : ( لم تزل ) ،
وعليه فـ ( الأنباء ) اسم ( تزل ) وخبرها قوله : ( تأتي لمن يشاء ) أي لم تزل الأنباء آتيةً لمن يشاء
قوله: ( فيما مضى ) : أي ما سبق هذه الأمة تأتي من فضله لمن يشاء ،
قوله : ( من فضله ) : على من ؟ على المُرسَل أو المُرسَل إليه ؟
بل عليهما جميعاً تأتي من فضل الله على المرسل وعلى المرسل إليه :
قوله : ( لمن يشاء ) : أي لمن يشاء من عباده ،(72/127)
وقد أخبر الله عز وجل أنه قد بعث في كل أمةٍ رسولاً ، { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } ( النحل 36 ) .
وقال تعالى : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } ( فاطر 24 ) .
وعليه فنقول : كل الأمم السابقة قد أرسل الله إليهم الرسول والنذير وأقام الحجة على جميع الخلق ولم يبق لأحدٍ حجةٌ على الله عز وجل ،
فإن قال قائل : وهل الأنبياء محصورون ؟
قلنا : ورد في ذلك حديثٌ يدل على حصرهم بأربعة وعشرين ألفاً والرسل دون ذلك [209] ،
لأن الأنبياء أكثر بكثير من الرسل والرسل أقل ،
وقد ذكر في القرآن منهم خمسةٌ وعشرون رسولاً ولكنهم أكثر من هذا يزيدون على ثلاث مائة إلا أن الله تعالى يقول : { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } ( غافر 78 ) .
إذن ما عقيدتنا بالنسبة للرسل ؟
عقيدتنا : أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير وما من أمةٍ إلا بعث الله إليها من يوجهها ويبين لها الحق .
من هو أول الأنبياء ؟ ومن هو أول الرسل ؟
أول الأنبياء : آدم فإنه كان نبياًّ مُكَلَّماً ،
كما رواه ابن حبان من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان آدم نبياًّ ؟ قال : ( نعم ، نبيٌّ مُكلم ) [210] ،
وأما أول الرسل فهو نوح ،
لقول الله تعالى : â ô?s)s9ur $uZù=y???r& %[nqçR tL?Id¨u??/I)ur $sYù=yèy_ur ?Iû $yJIgIG??h?è? noqç7?Y9$# |=»tG?6?9$#ur ( ? ( الحديد 26 ) ،
فإذا كانت النبوة والكتاب في ذرية نوح وإبراهيم دل هذا على أنه ليس قبل نوحٍ رسول ،
ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } ( النساء 163 ) .
ويدل لهذا ما ثبت في الصحيح : ( أن الناس يأتون يوم القيامة إلى نوحٍ ، ويقولون : أنت أول رسولٍ أرسله الله إلى أهل الأرض ) [211] ،
وبهذا نعرف أن من أقحم إدريس بين نوح وآدم فإنه غلط [212] ،(72/128)
لأننا نجد أن شجرة الأنبياء التي كُتبت يكتبون إدريس قبل نوح ،
وهذا غلط لا شك فيه فإن عقيدتنا أن نوحاً هو أول الرسل ،
آخر الرسل محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ،
لقول الله تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } ( الأحزاب 40 ) .
فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر ومن صدَّق مُدَّعي النبوة بعده فهو كافرٌ أيضاً ،
لأنه مكذبٌ لله ورسوله قال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب حين خلَّفه في أهله في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله تخرج وأقعد مع النساء والولدان ؟
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) [213] ، فرضي رضي الله عنه ،
وقد استدلت الرافضة بهذا الحديث على أن علياًّ أفضل الصحابة ،
ولكن لا دليل فيه لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أراد بقوله : ( أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ) ، حين خلفه في قومه أي في هذه المسألة فقط ،
أما الفضل الآخر فلا شك أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ،
******************
136 – حتى أتى بالخاتم الذي ختم ،
به وأعلانا على كل الأمم ،
قوله : ( وأعلانا ) : يعني جعلنا فوق كل الأمم ،
فنحن الآخرون السابقون يوم القيامة ونحن الشهداء على الخلق في أن الرسل بلغوا ما أُنْزِلَ إليهم من ربهم ، { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } ( البقرة 143 ) .
فهذه الأمة ولله الحمد هي أعلى الأمم ولها النصر التام على غيرها ،
ولكن بشرط : أن تكون عاملةً بشريعة الله التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :(72/129)
أما أن تكون منتسبة فقط ويكون الإسلام إسلام بطاقة وهوية بدون عمل فهذا لا يجدي شيئاً أكثر الناس قد كُتب في هويته وبطاقته الديانة مسلم وهو لا يعرف الإسلام يمكن لا يعرف كيف ويتوضأ ولا كيف يصلي ولم يسترشد من أحدٍ من الناس عن هذا الأمر ولم يهتم مسلم كما يقول الآخر إنه بوذي مثلاً أو إنه يهودي أو نصراني ،
******************
137 – وخَصَّه ُبذاك كالمقام ،
وبعثه لسائر الأنام ،
قوله : ( وخصَّه ) : أي خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
قوله : ( بذاك ) : أي بختمه للرسالة ،
أنه خاتم الأنبياء هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم [214] ،
عيسى بن مريم كان خاتم أنبياء بني إسرائيل ،
فهذا الختم مقيد في أنبياء بني إسرائيل أما محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم فختمه ختمٌ مطلق لا نبي بعده ،
ولهذا انظر إلى الحكمة في أن عيسى ينزل في آخر الزمان ويتبع محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ليتبيَّن أن الختم الذي خُتمت به رسالة بني إسرائيل ليس ختماً مطلقاً بل هو ختمٌ مقيد والرسول بعده هو محمد صلى الله عليه وسلم ،
ولذلك في آخر الزمان إذا نزل عيسى فإنه يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
فإن قال قائل : أليس قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا يقبل إلا الإسلام لا يقبل الجزية ، وهذا ليس هو الحكم الشرعي الموجود الآن ، فإن الحكم الشرعي الموجود الآن يقر النصارى على ما هم عليه ، يعني إذا كان بيننا وبينهم عهد فإننا لا نتعرض لديانتهم ؟
فالجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بذلك مقرِّراً له راضياً به فيكون ما يقضي به عيسى في آخر الزمان من شريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
قوله : ( بذاك ) : المشار إليه ما هو ؟ ختم النبوة به ،(72/130)
قوله : ( كالمقام ) : المقام يشير إلى قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } ( الإسراء 79 ) .
وقد مر علينا أن من المقام المحمود أن الشفاعة العظمى تنتهي إلى رسول صلى الله عليه وآله وسلم وأن الناس يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون فيستشفعون بآدم ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى حتى تنتهي إليه فهذا من المقام المحمود وليس كله ،
قوله : ( وبعثه لسائر الأنام ) : يعني وخًص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه بُعث إلى سائر الأنام وغيره من الأنبياء إلى من ؟ إلى قومه فقط ،
فإن قال قائل : أليس نوحٌ عليه الصلاة والسلام مرسَلاً إلى جميع الخلق في وقته ؟
قلنا : بلى هو مرسَل إلى جميع الخلق في وقته ،
لكن هناك قومياتٌ سوى هذه القومية فيكون نوحٌ مرسلاً إلى قومه ، { إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } ( نوح 1 ) .
والخليقة في ذلك الوقت لم تكثر حتى يتولد منها قوميات يكون نوح مرسلاً إلى قومه فقط بل كانت الأمة قليلة وأُرسلَ إليهم نوح فكان مرسلاً إلى قومه خاصة ،
قوله : ( لسائر ) : يقولون : أنها تطلق معنى ( الباقي ) وتطلق بمعنى ( جميع ) ،
فإن أخذت من ( السؤر ) صارت بمعنى ( الباقي ) ،
وإن أخذت من ( السور ) – و ( السور ) محيطٌ بكل ما كان داخله – صارت بمعنى ( الجميع ) ،
إذا كانت بمعنى الجميع ، فهل فيها إعلال ؟
الجواب : نعم ،
لأنها إذا كانت بمعنى الجميع وهي مشتقة من السور ،
لكن قلبت الواو همزة لعلة تصريفية ،
أما إذا قلنا : أنه من السؤر فالهمزة فيه أصلية ،
ونظير ذلك لفظ زائر ،
هل الهمزة أصلية أو منقلبة ؟
فيه تفصيل :
إن كانت من زأر الأسد فهي أصلية ،
تقول : زأر الأسد فهو زائر ،
وإن كانت من الزيارة : فهي منقلبة ،
تقول : زار يزور فهو ( زائر ) ،
وأصلها ( زاير ) ،
لكن قلبت همزة والله أعلم ,
قوله : ( الأنام ) : أي الخلق ،(72/131)
قال الله تعالى : { والأرض وضعها للأنام } ( الرحمن 10 ) ، أي للخلق ،
فهو مبعوثٌٌ لجميع الخلق المكلفين صلى الله عليه وآله وسلم ،
ودليل اختصاصه بذلك من وجهين :
الوجه الأول : من كونه خاتم الأنبياء ،
وهذا ثابتٌ بالقرآن فإذا كان خاتم الأنبياء والناس كلهم محتاجون للرسالة لزم من ذلك أن يكون رسولاً لجميع الخلق ،
الثاني : أنه في حديث جابر رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أُعطيتُ خمساً لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي نُصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحدٍ قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة ) [215] ،
فهذه من خصائصه أما غيره من الأنبياء فيبعث إلى قومه خاصة فمثلاً إذا كان في الأرض أقوام متعددة فإن الرسول يُبعث إلى قومه الذي هو في أرضهم أو هو في غير أرضهم لكنه يبعث إليهم خاصة ،
ولا يرد على هذا نوح عليه الصلاة والسلام ،
لأن القوم في عهد نوح هم قومه إذ كان الناس في ذلك الوقت قليلين لم يتفرقوا شعوباً وأقواماً فكان مبعوثاً إلى الخلق عموماً ،
لأن الخلق في ذلك الوقت ليس فيهم أقوام ،
ولهذا أُهلك المكذبون له وصار الذين بقوا ممن على السفينة هم آباء الخلق كلهم ،
كما قال تعالى : { وجعلنا ذريته } ( الصافات 77 ) : أي ذرية نوح { هم الباقين } .
وبهذا ينكف الإيراد الذي أورده بعض العلماء الذين قالوا : إن نوحاً أرسِل إلى جميع أهل الأرض ،
نقول : لأن جميع أهل الأرض هم قومه في ذلك الوقت ليس هناك أقوامٌ آخرون ،
لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هناك أقوامٌ آخرون هناك الفرس والروم والبربر وغيرهم وهو مبعوث إليهم جميعاً وهذه من نعمة الله عليه أي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى أرسله إلى جميع الخلق لأنه يلزم من ذلك أن كل من عمل بشريعته نال من أجره ،(72/132)
ولهذا رُفع له سوادٌ عظيم فظن أنهم أمته فقيل : هذا موسى وقومه ، ثم رُفع له سوادٌ عظيم أعظم من الأول ، فقيل له : هذه أمتك ، فأمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر الأمم وأجره أكثر أجر الأنبياء ، لأن كل واحدٍ من أمته يعمل بشريعته فيعمل بمثل أجره ،
وبهذا نعرف ضلال من إذا فعلوا طاعةً أهدوها للرسول صلى الله عليه وسلم ،
فإن إهداء القُرَبِ للرسول بدعة ضلالةٌ في الدين وسَفَهٌ في العقل ،
لماذا ؟
لأنك إذا أهديتَ إليه عبادةً فعلتها فمضمون ذلك أنك حرمت نفسك من أجرها فقط ، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فله أجرها من الأصل سواءٌ أهديتها إليه أم لم تهدها له أجرها واصلٌ إليه وأنت لم تؤمر بأن تهدي إليه العبادات لا أضحية ولا قراءة القرآن ولا غيرها أُمرت بأن تصلي وأن تسلم عليه تدعو له هكذا أُمرنا ، { يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } ( الأحزاب 56 ) .
لماذا كان هذا سفهاً في العقل وضلالاً في الدين ؟
لأن مضمونه أنك حرمت نفسك من أجر هذه العبادات ،
قال شيخ الإسلام : ولم يعهدُ أن أحداً من القرون المفضلة فعل ذلك كل القرون المفضلة ، الصحابة والتابعون وتابعوهم لم يهدوا للنبي عليه الصلاة والسلام ثواب قربة أبداً ، لأنهم أفقه وأعلم وأحكم من أن يهدوا النبي عليه الصلاة والسلام ثواباً ،
إذ أن أجرهم حاصلٌُ للرسول ( الدال على الخير كفاعله ) [216] ،
الأسئلة
السؤال : إذا قلنا معنى : ( لم نتلف ) ، أي لم تفنى ، ممكن يا شيخ ؟
الجواب : نعم ،
السؤال : قوله : ( والمكذب ) هل نستطيع أن نقول هو الذي ينكر الرؤية ؟
الجواب : ربما ، الله أعلم لا نستطيع أن نقول هذا ما جزم به المؤلف إلا على رأي من يرى تكفيرهم،
السؤال : الذين يخرجون من النار من أهل الجنة يقال لهم : الجهنميون هل هذا تعيير ونبز بالألقاب وهذا يتعب ضمائرهم فكيف ينبزهم أهل الجنة بالألقاب ؟(72/133)
الجواب : نقول أولاً أنهم يقال لهم ذلك تذكيراً لهم بنعمة الله وهم يفرحون بهذا ولو قُدِّر أنهم ساءهم ذلك يوماً من الدَّهر فسوف يُمحى لأنه ليس في الجنة ما يكدِّر أبداً ،
- أي إنسان يدعي شيئاً خلاف ظاهر القرآن والسنة فعليه الدليل ،
هناك من يقول : النار ناران :
1 - نارٌ تفنى ،
2 - ونارٌ تبقى ،
وهناك من يقول : النار ناران :
1 - نارٌ حارة ،
2 - ونارٌ باردة ،
أين هذا التقسيم ؟
لا نقبل إلا ما قام به الدليل ،
الفرق الضالة يقولون : النار والجنة تفنيان ،
الجهمية ومن لا يرى تسلسل الحوادث في المستقبل :
يقولون : الجنة والنار تفنيان ،
وفيه الرجل الذي تلطف وأشار إليه ابن القيم وهو العلاف تلطف في الموضوع ،
وقال : لا يمكن أن الله يذكر الخلود الأبدي ،
ونقول : أنها تفنى ولكن تفنى اللذات والحركات ،
قال له ابن القيم : ما ظنكم إذا جاء وقت فناء الحركات والإنسان على زوجته من الحور العين ، كيف يكون يجمد معها إلى أبد الآبدين ؟ وما ظنكم فيمن رفع اللقمة أو الفاكهة إلي فمه فجاء وقت فناء الحركة وهو قد أخذها ولم تصل للفم الآن لا يستطيع أن ينزلها ولا يستطيع أن يرفعها تبقى الفاكهة في يده دائماً وأبداً ؟ هكذا ،
شيء يضحك الناس وكل هذا سببه عدم العلم بالنقل ، اعتمدوا على عقول فاسدة فظنوا أنها صحيحة ،
السؤال : قول المؤلف : ( لقوة ) في النبوة هل يَرِدْ عليها نبي الله أيوب ؟
الجواب : لا ، لأن أيوب أُصيبَ بما أُصيبَ ثم برئ في النهاية فهذا من العوارض ،
السؤال : لكن المعروف أنه ظل مريضاً بقدر السنين التي كان فيها ؟ ،
الجواب : لا ، هذا لم يثبت لكن لا شك أنه الشيطان ( جملة غير واضحة ) ولكنه برئ في النهاية فهذا من العوارض ،
السؤال : بالنسبة لشرط الحرية في النبوة يوسف عليه السلام بِيعَ مملوكاً عند عزيز مصر فهل هذا يُشْكِلْ ؟
الجواب : لا يُشْكِلْ ، يوسف عليه السلام نُبِّئَ بعد السجن ،(72/134)
السؤال : حديث ( يأتي النبي وليس معه أحد ) [217] ، وحديث ( ما من نبي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا جعل الله حواريون ……… ) [218] ، ما المراد بذلك ؟
الجواب : المراد بذلك إما أنهم ذوو العزم أو يُستثنى من ذلك ما دل عليه الحديث الأول ،
السؤال : قول المؤلف ( حريةٌ ذكورةٌ كقوة ) ما معنى الكاف هنا ؟
الجواب : لو قال ( حريةٌ ذكورةٌ وقوة ) لكان أحسن ،
لكن قال : ( كقوة ) : إشارة إلى أن الحرية ،
والذكورة سبب اشتراطها : أنها ضعفٌ يعني كأنه جعل القوة تعليلاً لاشتراط الذكورة واشتراط الحرية ، والكاف هنا للتشبيه يعني ( كما تُشترط القوة ) ،
السؤال : في قوله تعالى عن يوسف عليه السلام : { وأوحينا إليه لتنبأنهم بأمرهم هذا } ( يوسف 15 ) ، يعني جاءه الوحي قبل السجن ؟
الجواب : الضمير يعود على أبيه يعقوب ،
السؤال : ذكرتم أن الخُّلة أبلغ من المحبة ( سؤال غير واضح ) ؟
الجواب : لا ، لا يمنع ، الإكرام إذا كان مطلقاً ، الإكرام المطلق يدخل فيه الاجتباء لا شك والرسل وصفهم الله بالاصطفاء ، { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار } ( ص 47 ) .
السؤال : اشتراط الذكورة ألا يُشكل عليه قوله تعالى : { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } ( القصص 7 ) ؟
الجواب : يَرِدْ على هذا قوله تعالى : { أوحى ربك إلى النحل } ( النحل 68 ) ، يقول العلماء : الوحي أقسام : منه وحي الإلهام [219] ، فإذا ذكر الله وحياً إلى من ليس برسول فهو وحي إلهام فمعنى : { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } ، يعني ألهمناها أن ترضعه وإذا خافت عليه أن تلقيه في اليم ليس هذا وحي الرسالة ،
السؤال : ( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ) [220] ، هل هذا أثر أم حديث ؟
الجواب : لا ، هذا حديث في البخاري لما أُخبِر أن الفرس ولَّوْا بنت ملكهم قال : ( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ) وهو حديث ثابت في البخاري ،(72/135)
وكنت أتوقع أن تورد علي أن قوماً ولَّوْا أمرهم نساءً وأفلحوا ، الإنجليز دائماً يُوَلُّون أمرهم امرأة ؟
ومع الأسف في تركيا الآن رئيسة الوزراء امرأة ،
فيقال الجواب على هذا : من أحد وجوهٍ ثلاثة :
1 - إما أن يُراد بقوله : ( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ) يعني أولئك القوم فقط يعني الفرس يعني هؤلاء لما ولَّوْا أمرهم فإنهم لن يفلحوا وعلى هذا فيكون خاصاً ، وإذا جعلناه خاصاً لم يكن إشكال ،
2 - الوجه الثاني : أن نقول : إن هؤلاء النساء لم يتولوا الأمر على وجه الإطلاق بل الذي يدبر المملكة غيرهن لكن لهن الرئاسة اسماً لا حقيقة ،
3 - الوجه الثالث : أن يُقال : هؤلاء القوم لو أنهم ولَّوْا رجلاً لكان أفلح لهم ، ويكون المراد بالنفي : ( لن يفلح قومٌ ) نفي الفلاح التام فيُقال : هؤلاء القوم لو أنهم ولَّوْا رجلاً لكان أفلح لهم ،
4 - فيه وجه رابع أن يقال هذا أعني قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( لن يفلح قومٌ ) هذا بناءاً على الأغلب والأكثر وإلا فقد يفلحوا ،
فهذه أربعة أوجه في الجواب عن هذا الحديث هذه الأربعة محتملة والله أعلم ،
السؤال : هل يجوز تولية المرأة علي شيءٍ من أمور المسلمين ؟
الجواب : لا نرى هذا ، نرى أنه لا يجوز ، لا سيما إذا قلنا لو أنهم ولَّوْا أمرهم رجلاً لكان أفلح ،
السؤال : هناك وجه خامس يا شيخ ،
الجواب : ما هو ؟
السؤال : أن هناك فلاحاً في الظاهر ولكن في السياسة الداخلية يكون فيه فساد كبير ،
الجواب : لا ، لا يصلح ،
السؤال : كلام عيسى في المهد هل هو مطلق أو مقيد فقط لتبرئة أمه ؟
الجواب : الظاهر حسب العادة أنه لم يتكلم إلا بما تكلم به في ذلك الوقت هذا الأصل ،
السؤال : ما الفرق بين النبي والرسول ؟
الجواب : الفرق بين النبي والرسول :(72/136)
هو ما ذهب إليه الجمهور من أن النبي من أوحي إليه بشرعٍ ولم يؤمر بتبليغه ولهذا يُسمى نبياً ولا يسمى رسولاً لأنه لم يؤمر ولكن لم يُنهى عن إبلاغه وبينهما فرق ، أن نقول : لم يؤمر بتبليغه وبين أن نقول : نهي عن تبليغه ،
وهذا نظير ما قال شيخ الإسلام رحمه الله فيمن لم ينكر على الولاة ولامه بعض الناس وقال لماذا لم تنكر المنكر ؟
قال شيخ الإسلام : هناك فرق بين السكوت على الإنكار وبين الأمر بالمنكر فالسكوت عن الإنكار مع عدم القدرة على الإنكار أو مع خوف منكرٍ أكبر[221] ،
يقول : لا يُلام عليه الإنسان بل قد يُحمد إذا ترك الإنكار خوفاً من مفسدةٍ أكبر ،
لكن لو أمر بالمنكر فإنه في هذه الحال يُذم على الأمر بالمنكر والرضا بالمنكر ،
السؤال : قوله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا } ( مريم 26 ) ، ما المقصود بهذا الصوم ؟
الجواب : الصوم يعني الإمساك عن الكلام ،
السؤال : هل يجوز للإنسان أن يمسك عن الكلام ؟
الجواب : هي قالت هكذا أما أنت فلا تمسك عن الكلام الواجب وأمسك عن الكلام الحرام والأوْلى أن تمسك عن الكلام اللغو ،
فالكلام بالنسبة لنا ثلاثة أقسام :
1 - واجب ،
2 - حرام ،
3 - ولغو ،
الواجب يجب أن نتكلم به ،
السؤال : هل يجوز أن يقول لي أنا صائم عن الكلام ؟
الجواب : نعم يجوز لكن لا يجوز أن يصوم صوماً مطلقاً ،
السؤال : ذكرتم حفظكم الله ورجحتم في قول عيسى وهو رضيع : { آتاني الكتاب } ( مريم 30 ) ، على تقدير بعلمه فلماذا لجأتم إلى هذا التقدير مع أن التقدير الأول لا مانع منه وهو أن يكون خاصاً به ؟
الجواب : إذا رجحنا التقدير الأول فمعنى هذا أننا نمنع من هذا ،
ونقول الأصل : عدم الخصوصية هذه من جهة ،
والأصل أن الله لن يرسل رسولاً إلا إذا كان أهلاً للرسالة يتحمل الدعوة ويتحمل الرد من الآخرين ،
هذا الذي يظهر لي ،
السؤال : بالنسبة لأبناء آدم عليه السلام ( جملة غير واضحة ) ؟(72/137)
الجواب : أبناء آدم ليس هناك شيءٌ يوجب الاختلاف فصاروا يقتدون بأبيهم بدون أي منازعة لكن لما اختلف الناس أرسل الله إليهم الرسل كما قال تعالى : { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } ( البقرة 213 ) ، لأنه ليس هناك مغريات ، الناس لا زالوا بدائيين ،
السؤال : هل المقام المحمود ما ذكره بعض العلماء من أن الله سبحانه وتعالى يُجلس الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش [222] ؟
الجواب : هذا إنْ صح فهو من المقام المحمود لا شك ، إذا صح فهو من المقام المحمود ،
السؤال : ألا يكون إدريس نبياً فلذلك نجعله قبل نوح ؟
الجواب : لا ، قال الله تعالى : { وجعلنا في ذريته الكتاب والنبوة } ( العنكبوت 27 ) ، وإدريس رسول ، كل من ذُكر في القرآن فهو رسول لكن الظاهر لنا والله أعلم أنه من بني إسرائيل لأن الله ذكر إدريس من بعد إسماعيل في سورة مريم [223] ،
السؤال : هل كان أكثر الأنبياء والمرسلين من بني إسرائيل ؟
الجواب : نعم اكثر الذين نعلم من بني إسرائيل لكن منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك فالعالم الذين في أمريكا والذي في أقصى شرق آسيا لا بد أن لهم رسلاً ولكننا لا نعرفهم ،
السؤال : قوله تعالى : { ولما بلغ أشده آتيناه ........... } ( يوسف 22 ) ، وقال في أنبياء آخرين : { ولما بلغ أشده واستوى } ( القصص 14 ) ، فقالوا أنه سبب ذكره تبارك وتعالى ليوسف : { واستوى } ، أنه لم يكن رسولاً وعمره أربعين سنة ما هو التوجيه ؟
السؤال : الظاهر أن هذا لا يعطي اختلافاً في الحكم لأن الغالب أن من بلغ أشده الغالب أنه يستوي ويكمل لا سيما أن يوسف عليه الصلاة السلام حصل منه تمرُّن في العمل في دين الملك وعرف الناس وسبر الناس فيكون مستوياً من قبل ،
- لو قدِّر أن المرأة أصبحت نبية فالنبي هو الذي يصلي في قومه فإذا جاءت الحيض فإنها لا تصلي إذن لا تصح إطلاقاً أن تكون نبياً ،
وهل تصح أن تكون عالماً ؟(72/138)
نعم من النساء من هم علماء ،
فصل
في بعض الخصائص النبوية
138 – ومعجز القرآن كالمعراج ،
حقاً بلا مينٍ ولا اعوجاج ،
قوله : ( ومعجز القرآن ) : يعني وخصه بمعجز القرآن ،
فالقرآن معجز ، { قل لئن اجتمعت الجن والإنس على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } ( الإسراء 88 ) .
الإنس والجن متفرقين أو متعاونين لا يمكن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ،
والدليل على ذلك من الواقع :
أن القرآن نزل في قومٍ هم أفصح العرب وبلغة هؤلاء القوم ومع ذلك عجزوا عن معارضته وهم بلا شك يودون بكل طاقاتهم أن يجدوا معارضة للقرآن الكريم حتى يقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم ما جئت به فإننا نستطيع مثله فأنت لست بنبي لكن عجزوا [224] ،
بل كان هذا القرآن يأخذ بألبابهم حتى يصغوا إليه قهراً ،
ذكروا في التاريخ أن رؤساءهم يأتون خفية إلى قرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليستمعوا القرآن يأتون خفية إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أجل يستمعوا القرآن لأنه يعجبهم ويبهرهم وقد قال الله تعالى : { لأنذركم به ومن بلغ } ( الأنعام 19 ) .
فدل ذلك على أن بلاغه تقوم به الحجة تحداهم الله عز وجل أن يأتيهم بمثله ، { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } ( البقرة 23 ) ، تحداهم بعشر سور عجزوا تحداهم بسورة عجزوا تحداهم بآية عجزوا ، { فليأتوا بحديث مثله } ( الطور 34 ) : أي حديث مثله ، { إن كانوا صادقين } ، عجزوا ،
ولهذا قال : { أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون } ( الطور 33 ) ، ليس عندهم علم إلا أنهم كفار لا يؤمنون ، { فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين } ، أتوا ؟ ما أتوا { أم لهم سلم يستمعون فيه } تحدي { فليأت مستمعهم بسلطان مبين } ( الطور 38 ) إن كانوا صادقين ، { فليأت مستمعهم بسلطان مبين } هذا لم يكن ،(72/139)
إذن فالقرآن أعجز الورى لأنه إذا أعجز الذين نزل بلغتهم وبوقتهم فمن بعدهم من باب أولى ومن سواهم من باب أولى ،
لكن هنا ملاحظة على قول المؤلف : ( ومعجز القرآن ) : لأنه معروف من إضافة الصفة إلى موصوفها ،
لأن المعنى : ( والقرآن معجز ) : وهو انه لا ينبغي أن نعبر عن آيات الأنبياء بالإعجاز ،
لأن الإعجاز ليس من خصائص الأنبياء فإن الساحر يعجز والبهلواني يعجز ،
فلما كان هذا اللفظ مشتركاً بين الحق والباطل كان الأولى نأتي بلفظٍ يتعين فيه الحق وهو ما نطق الله به وهو الآيات [225] ،
قال الله تعالى في القرآن : { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } ( العنكبوت 49 ) .
فنقول : آيات القرآن بدل معجزات القرآن ونسمي جميع ما يُسمى بمعجزات الأنبياء نسميه آيات الأنبياء ،
لأن الآيات بمعنى العلامات الدالة على صدقه ،
أما المعجزات فقد يعجز الساحر غيره ،
هل يستطيع أحد أن يجعل الحبال كأنها حيةٌ تسعى إلا السحرة ،
ويذكر من قصص السحرة أشياء عجيبة حدثنا قومٌ أن رجلاً كان يجني ثمر النخل من فوق وكان في القدر تمر رطب جني فقال رجلٌ من القوم الذي في الأسفل : أتُرَوْنَ أن أخوض على الرطب ولا يتأثر والإنسان إذا خضع للرطب يتأثر ، فقالوا له : لا تقدر ، فقال : اقدر ، فقالوا : لا تقدر ، قال : إن قدرت ؟ قالوا : إن قدرت نعطيك كذا وكذا ، فنزل على زعمه في وسط القدر وجعل يدور في القدر ثم خرج في مرأى العين فقال : أنتم رأيتموني أخوض في القدر ؟ قالوا : نعم ، قال : هل تأثر ؟ قالوا : لا ، لكن نريد أن نفعل ثانية ، قال : أفعل ، فنزل ثانيةً في القدر وجعل يدور هو ما نزل في القدر هو خرج لكن في مرأى العين جعل يدور فيه ، فقال الذي في النخلة : يا جماعة يا جماعة إنه كذاب إنه يدور على القدر وليس يدور في وسطه ، فنثر عليه ، فقال : لا ، صحيح يدور في وسط القدر ،
فالمهم أن السحرة يفعلون ما يعجز البشر عنه لكن بالسحر ،(72/140)
فلهذا نقول الأوْلى أن يعبر عن معجزات الأنبياء التي تُسمى معجزات بالآيات ،
في الكلام عن إعجاز القرآن مسائل :
المسألة الأولى : هل الأولى أن نعبر بمعجز القرآن أو بآيات القرآن ؟
بمعجز القرآن ،
وقلنا : إن المعجز يدخل فيه فعل الساحر والبهلواني وما أشبه ذلك ،
وأما آيات الأنبياء فهي آيات علامة على صدقه ،
قال بعض الناس : إن معجزات السحرة لا تشتبه بآيات الأنبياء لأن آيات الأنبياء مقرونة بالتحدي [226] ،
فنقول : هذا غير صحيح ،
لأن آيات الأنبياء تارةً تكون تحدياً وتارة تكون ابتداءاً بدون تحدي ،
فمجيء الصحابة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة الحديبية وقولهم : يا رسول الله ليس عندنا ماء فدعا بإناءٍ فوضع أصابعه عليه فجعل الماء يفور من بين أصابعه ،
هل في هذا تحدي ؟
أبداً ليس في هذا تحدي ما قالوا : ائتنا بآية ، شكوا إليه قلة الماء فجاءت هذه المعجزة ،
وآيات الرسول كثيراً ما تأتي بغير تحدي ،
لما جاءه رجل ادعوا الله أن يغيثنا فدعا فأُغيثوا من قبل أن ينزل من منبره وجاء في الجمعة الثانية وقال ادعوا الله أن يمسكها عنا فدعا فانفرجت السماء ،
هل في هذا تحدي ؟
لا ،
قال بعض الناس : إنها أي معجزات الأنبياء تشبه كرامات الأولياء ، فلذلك يجب أن ننكر إما آيات الأنبياء أو كرامات الأولياء وآيات الأنبياء لا يمكن إنكارها فلننكر كرامات الأولياء ،
فقالوا : لا يمكن أن يوجد للأولياء كرامات لا يمكن ،
والصواب : أن كرامات الأولياء ثابتة ، ثابتة فيمن قبلنا وفي هذه الأمة ،
فقصة مريم فيها كرامة من عدة أوجه :(72/141)
أجاءها المخاض إلى جذع النخلة فجاءت إلى جذع النخلة لأن المخاض اضطرها أن تأتي إلى جذع النخلة وهي حامل تُطْلَقْ فوضعت الولد وقيل لها : { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } ( مريم 25 ) ، وهي امرأة نفساء والمرأة النفساء عادتها أن تكون ضعيفة ثم قيل لها : { وهزي إليك بجذع النخلة } : يعني ذدون أن تصعدي إلى أعلاها والهز بجذع النخلة لا يتأتى صعب أي إذا كان الرجل قوياً وصعد إلى أعلاها تهتز لكن من الأسفل ما تهتز لكن هذه قيل : { وهزي إليك بجذع النخلة } ، فهزت فاهتزت النخلة هذه كرامة أو غير كرامة ؟ كرامة ، { تساقط عليك رطبا جنيا } : يعني مخروفاً بيسر والعادة أن الرطب إذا تساقط من فوق يفسد يتفضخ لكن بقي رطباً جنيا هذه كرامة لما جاءت تحمل ولد فيقيل لها معرضين لها بالزنا ، { يا اخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا } ( مريم 28 ) ، من أين جاءكِ البغي ؟ { فأشارت إليه } ( مريم 30 ) ، فكلمهم هذه كرامة أم لا ؟
إذن هي كرامة وهي في الحقيقة تشبه آيات الأنبياء ،
لكن الفرق بينهما : أن آيات الأنبياء تأتي من نبي ،
وكرامات الأولياء تأتي من ولي متبع للرسول ،
هذا الولي لا يقول إنه نبي أبداً ويمكن انه لا يزكي نفسه ولا يقول أنه ولي فتأتيه الكرامة ،
فبينهما فرق عظيم ،
فعلى كل حال الأولى أن يقال : وآيات القرآن بدل معجز القرآن ،
ولكن كيف كان القرآن آية ؟ أبلفظه أو معناه أو بصدق مخبره أم ماذا ؟
نقول بكل معنى الآية في اللفظ والأسلوب والمعنى وأنه مهما كررته لا يمكن أن تمل منه الفاتحة نكررها باليوم أدنى شيء سبعة عشر مرة وهل نملها ؟
أبداً تقراها سبعة عشرة مرة أو سبعين مرة ما كأنك قرأتها ولا مرة واحدة ،(72/142)
لكن هات لي قطعة أحسن قصيدة من قصائد العرب وكررها في اليوم مرتين فإنك تمل منها لكن القرآن ما تمل هذه من آيات الله أنك تكرر هذا القرآن مهما كررته لا تمل وربما إذا وفقك الله للتدبر أن يفتح الله عليك في المرة الثانية من المعاني واللطائف ما لم تجده في المرة الأولى ،
كذلك أيضاً في تأثيره على القلب وأذكر تماماً إذا قرأ الإنسان بتدبر والله يلين القلب ويوجه الإنسان إلى ربه ويجد طعماً عجيباً للإيمان ،
قال ابن عبد القوي رحمه الله في داليته المشهورة [227] :
وحافظ على درس القرآن فإنه ،
يلين قلباً قاسياً مثل جلمدِ [228] ،
هذه من آيات القرآن تليين القلب : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } ( الحديد 16 ) ، { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } ( الزمر 23 ) ، هذه من آيات القرآن ،
من آيات القرآن : الإصلاح التام إذا تمسكت به الأمة لا سبيل إلى إصلاح الأمة إلا إذا تمسكت بالقرآن ،
قال الله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } ( القلم 4 ) .
وقالت عائشة : ( كان خلقه القرآن ) [229] ،
صلاح الأمة بهذا القرآن تجد الأمة صالحة كلمة واحدة يدٌ واحدة جسدٌ واحد روح واحدٌ ،
{ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } ( آل عمران 103 ) .
هذا من آيات القرآن هذا من الأثر العظيم ومن ذلك أيضاً أن القرآن بمجرد ما يسمعه الإنسان يشعر بأنه قامت عليه الحجة ،
{ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } ( التوبة 6 ) .
فجعل الله لسماعه أثراً في قلب هذا المؤتمن كذلك الآثار العظيمة التي لم تكن لأي أمةٍ قامت بكتاب فتح المسلمون بالقرآن مشارق الأرض ومغاربها وهذا لم يوجد لأي كتابٍ آخر ،(72/143)
فإذن آيات القرآن كله آيات من كل وجه في لفظه ومعناه وأسلوبه وتأثيره وآثاره لا يوجد له نظير ، ولهذا قال المؤلف : ( ومعجز القرآن ) ،
قوله : ( كالمعراج ) : المعراج مفعال من العروج وهي آلة العروج ،
المعراج : ( آلة العروج ) ،
يعني الآلة التي يعرج بها الإنسان من أسفل إلى أعلى ، أسفل السلم معراج ومصعد ،
المعراج من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحصل لأحدٍ من الأنبياء قبله [230] ،
وأقول أيضا ً : ولن يحصل لأحدٍ من الأنبياء بعده هذا خطأ ،
ولن يحصل لأحدٍ بعده ، صحيح ؟
صحيح ، إلا روح المؤمن إذا قُبضت يُصعد بها إلى الله عز وجل سماءاً فسماء والملائكة شأنهم شأنٌ آخر ،
من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم المعراج ،
لأنه لم يحصل لأحدٍ من الأنبياء سواه ،
المعراج هو أنه عُرج به صلى الله عليه وآله وسلم من الأرض إلى السماء إلى السماء السابعة إلى أن بلغ مكاناً سمع فيه صريف الأقلام ، أقلام القضاء والقدر ، القلم إذا كُتب به سُمع له صوت فهو وصل إلى هذا الحد إلى سدرة المنتهى التي ينتهي إليها كل شيءٍ صعد إلى الأرض مكان ما بلغه فيما نعلم أحدٌ من البشر ،
وكان العروج وهو في مكة قبل الهجرة بثلاث سنوات أُسري به من مكة إلى المسجد الأقصى واجتمع بالأنبياء هناك ،(72/144)
لأن أنبياء بني إسرائيل كلهم أو غالبهم كانوا في جهة الشام أو مصر فجُمِعوا له هناك وصلى بهم إماماً إشارةً إلى أنه صلى الله عليه وآله وسلم هو إمامهم ورضوا كلهم رضوا بذلك لأن الله قد أخذ عليهم الميثاق ، { لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا } ( آل عمران 81 ) ، صلى بهم ثم صعد به جبريل سماءاً فسماء حتى وصل إلى السماء السابعة وهو يمر بمن يمر به من الملائكة وبمن يمر به من الأنبياء ومر على علية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكلهم إذا سلَّم عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرد عليه السلام ويرحب به ، آدم قال : مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ، وقال مثل ذلك إبراهيم : مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ، وبقية الأنبياء يقولون : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح [231] ،
فشهد له الأنبياء بالبنوة وبالأخُوَّة والصلاح مرتين ،
وكل هذا من إعلاء ذكره صلى الله عليه وآله وسلم وهو داخلٌ في قوله : { ورفعنا لك ذكرك } ( الشرح 4 ) ، في هذا المعراج فرض الله عليه أفضل الأعمال البدنية وهي الصلاة ولم يفرض عليه الزكاة ولا الصيام ولا الحج ، الصلاة فقط ،
ولهذا لا نعلم عبادةً فُرضت من الله إلى الرسول بدون واسطة إلا الصلاة وفرضها عليه خمسين صلاةً في اليوم والليلة وهذا يدل على أهميتها وفضلها وعناية الله بها وأنها جديرةٌ بأن يصرف الإنسان جميع وقته أو جُلَّه فيها لأن خمسين صلاةً كم تستوعب ؟(72/145)
وقتاً طويلاً لا سيما أننا لا ندري كم عدد الركعات فيها لكن هي خمسون صلاة ونزل نبينا وإمامنا وقائدنا وقدوتنا نزل مقتنعاً بذلك راضياً به مسلِّماً خمسين صلاة يصليها في اليوم والليلة هو وأمته حتى قيَّض الله له موسى وسأله ألهم الله موسى أن يسأله : ماذا فرض عليك ربك فأخبره فقال : إن أمتك لا تطيق ذلك إني جربت بني إسرائيل وعالجتهم أشد المعالجة [232] ،
وموسى عليه الصلاة والسلام لا شك أنه قاس هذه الأمة على بني إسرائيل لأنه لا يعلم الغيب وإلا فلا يصح قياس هذه الأمة على بني إسرائيل لأن هذه الأمة أطوع لله من بني إسرائيل هذه الأمة لما ابتلاها الله تعالى بالصيد وهم محرمون تنالهم أيديهم ورماحهم ، الصيد تناله أيديهم فيما يمشي ورماحهم فيما يطير والعادة أن الذي يطير لا يُنال إلا بالسهام والذي يمشي لا يُنال إلا بالرماح لكن ابتلاهم الله حرم عليهم الصيد ثم قيَّض أن الصيد الذي يطير يُؤخذ بالرمح ما يطير يضربه بالرمح ويأخذه والذي يمشي كالأرنب وما أشبهها باليد ، { ليعلم الله من يخافه بالغيب } ( المائدة 94 ) ، فماذا فعل الصحابة هل كفوا عن الصيد مع تيسُّرِه أو أخذوا به كفوا ما أخذوه وبنوا إسرائيل قيل لهم لا تصيدوا في يوم السبت سمكاً قالوا : لا بأس ما نصيد فطال عليهم الأمد وابتلاهم الله ، في يوم السبت تأتي الحيتان شُرَّعاًَ على وجه الماء شُرَّع شارع وفي غير يوم السبت ما تأتي فقرقت البطون على السمك وقالوا : كيف نبقى هكذا ما نأكل سمك ما يمكن ، قالوا : نحن أصحاب حِيَل نحتال على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ماذا نصنع قالوا نضع شبكةً يوم الجمعة وخذوا ما فيها يوم الأحد فوضعوا شبكةً يوم الجمعة فجاءت الحيتان على العادة دخلت الشبك وعالخروج فلما كان يوم الأحد أخذوها فتحيلوا على محارم الله لكن هل نفعهم هذا التحيل ؟ لا ، قلبهم الله تعالى قردة فأصبحوا قردة يتعاوون الذي كان بالأمس رجل يمشي على رجليه أصبح(72/146)
الآن قرداً يمشي على يديه ورجليه يعني هذه الحيلة أقرب ما يكون لبني آدم من هم ؟ القرود ، وأقرب ما يكون للحل هذه الحيلة التي فعلوها فصار الجزاء وفاقاً من جنس العمل فإذن لا يمكن أن تُقاس هذه الأمة السامعة المطيعة التي قال قائلهم لما استشارهم رسول الله عليه الصلاة والسلام في الغزو قال : والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى : { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون } ( مريم 25 ) ، ولكن قال الصحابة للرسول : والله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى ولكن اذهب فقاتل فنحن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، الله أكبر رضي الله عنهم لكن موسى لا يعلم الغيب ومن نعمة الله عز وجل أنه كان كذلك لا يعلم هذه الأمة حقيقةً فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجع فوضع عنه خمساً خمساً أو عشراً عشراً حتى وصلت إلى خمس فنادى منادٍ إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي هن خمسٌ بالفعل وخمسون بالميزان وهذا يدل على فضل الصلاة وعظمها ففرض الله عليه الصلاة ونزل إلى الأرض حتى وصل مكة بغَلَس وصلى بها الفجر نزل جبريل وصلى به في ذلك اليوم صلى به الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، هذا المعراج من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحصل لأحدٍ من الأنبياء سواه أبداً فهو من آيات الله العظيمة الدالة على كمال قدرة الله عز وجل وعلى الآيات الكبرى التي شاهدها الرسول عليه الصلاة والسلام ولو أننا استعرضنا المعراج وجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم في غاية ما يكون من الأدب ،
{ ما زاغ البصر وما طغى } ( النجم 17 ) ، نحن أنا دخلنا قصراً غريباً علينا كان واحد ينظر للسقف ينظر للجدار الأيمن ينظر للجدار الأيسر أمامه ربما ينظر للأرض كل شيء غريب ،(72/147)
لكن الرسول يقول : { ما زاغ البصر وما طغى } ، لم يتجاوز النظر الذي حًدد له في غاية ما يكون من الأدب و { ما زاغ } ، ما نظر شيئاً على خلاف الواقع ،
{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ( النجم 18 ) :
إعراب { الكبرى } فيها وجهان :
الوجه الأول : مفعول به فيكون التقدير : لقد رأى الكبرى من آيات ربه ،
والوجه الثاني : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ، فتكون صفة أيهما ؟
الظاهر : أن كونها صفة أبلغ لأنها إذا كانت مفعولاً به صار المعنى أنه رأى الكبرى التي لا أكبر منها ،
وإذا قلنا : أنها صفة صار المعنى رأى من آياته الكبرى الموجودة في ذلك الوقت وهي كثيرة ويؤيد هذا الوجه قوله تعالى في سورة الإسراء : { لنريه من آياتنا } ( الإسراء 1 ) : أي بعض آياتنا ،
سبق لنا أن الله عز وجل خص نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بخصائص :
منها المقام المحمود ،
ومنها أنه أرسله إلى الناس كافة ،
ومنها أنه أرسل عليه كتاباً معجزاً ،
ومنها أنه عرج به إلى مكانٍ لم يبلغه أحد ،
أورد علينا بعض الطلبة أن الأنبياء وجدهم النبي عليه الصلاة والسلام في السماوات ،
فكيف يصح أن نقول : إنه اختصه بالمعراج مع أن الأنبياء في السماوات ؟
والجواب على ذلك : من وجهين :
الأول : أن الأنبياء لم يُعرج بهم وهم أحياء ، من الدنيا إلى السماوات ، وإنما وجد أرواحهم في السماوات ،
والثاني : أنه حتى الذين في السماوات لم يصلوا إلى سدرة المنتهى لأن أعلاهم إبراهيم في السماء السابعة ولم يصلوا إلى سدرة المنتهى ،
وهذان الفرقان واضحان ،
وقد سبق الكلام على المعراج وما حصل فيه من الآيات العظيمة الكبيرة ،
ولو شئنا أن نتلو آيات المعراج ، { والنجم إذا هوى ، ما ضل صاحبكم وما غوى } ( النجم 1 – 2 ) ، أقسم بالنجم حين هويه ،
فقيل : المعنى حين غروبه لأنه يهوي في الأفق ،
وقيل : المعنى حين انطلاقه ليضرب مسترق السمع ،(72/148)
ويكون في هذا إشارة إلى حماية الوحي الذي نزل على محمد وهذا المعنى أصح ،
{ والنجم إذا هوى ، ما ضل صاحبكم وما غوى } ، { ضل } : خالف الحق عن جهل ، { غوى } : خالف الحق عن عمد ،
و { صاحبكم } من ؟
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وإنما عدل عن قوله : ( ما ضل محمد ) أو ( ما ضل النبي ) إلى قوله : { ما ضل صاحبكم } ، لإقامة الحجة عليهم وعلى بلاهتهم كأنما يقول : ما ضل هذا الرجل الذي تعرفونه وهو صاحبكم نشأ بينكم وعرفتم صدقه وأمانته والصاحب أعلم الناس بصاحبه قد يعلم الصاحب من صاحبه ما لا يعلمه القريب من قريبه فهذا صاحبكم كيف تقولون أنه ضل ؟ ،
{ وما ينطق عن الهوى } ( النجم 3 ) ، انتبه ولم يقل ما ينطق بالهوى ،
قال : { وما ينطق عن الهوى } : يعني لا ينطق نطقاً صادراً عن هوى وإنما ينطق نطقاً صادراً عن وحي أو عن اجتهاد أراد به المصلحة ،
الفرق بين ( ما ينطق بالهوى ) و { وما ينطق عن الهوى } :
{ وما ينطق عن الهوى } يعني ما ينطق بالهوى الذي يريد ،
لكن ( ما ينطق عن الهوى ) أي ما صدر نطقه عن هوى وإنما كان عن وحيٍ أو عن اجتهادٍ أراد به المصلحة لا لمجرد الهوى ،
ولهذا قال : { إن هو } ( النجم 4 ) : أي نطقه ، { إلا وحي يوحى } .
والمراد بالضمير في قوله : { إن هو } ، القرآن خاصة ،
لقوله : { علمه شديد القوى } ( النجم 5 ) ، وهو جبريل والذي علمه هو القرآن ،
{ ذو مرة } ( النجم 6 ) ، مرة يعني هيئةٍ حسنة فوصفه بالقوة والحُسْن والجمال والبهاء وإذا اجتمعت القوة الحسن والبهاء والجمال فذلك هو الكمال ،
ثم وصفه بوصفٍ ثالث وهو علو المنزلة فقال : { ذو مرة فاستوى ، وهو بالأفق الأعلى } ( النجم 6 – 7 ) ، استوى كمل يعني كان على خلقته ،(72/149)
{ وهو بالأفق الأعلى } ، فقد رآه النبي عليه الصلاة والسلام على خلقته التي خلقه الله عليها مرتين مرةً عند سدرة المنتهى فوق ومرةً في الأرض رآه بالأفق الأعلى وله ست مائة جناح قد سد الأفق من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه يعني غيمة واحدة سدت الأفق [233] ،
{ ثم دنا } ( النجم 8 ) ، من ؟
ذو المرة أي جبريل ،
{ فتدلى } : أي قَرُب والتدلي النزول من فوق ،
{ فكان قاب قوسين أو أدنى } ( النجم 9 ) : أي كان جبريل قاب قوسين أو أدنى من الرسول صلى الله عليه وسلم ،
{ فأوحى } ( النجم 10 ) جبريل ،
{ إلى عبده } أي إلى عبدالله ،
{ ما أوحى } ما الذي أوحاه ؟
القرآن وأبهمه تعظيماً له ،
{ فأوحى إلى عبده ما أوحى } ، لا يُقال : إن هذا تحصيل حاصل ( أوحى ما أوحى ) ،
فيُقال : هذا الإبهام للتعظيم ،
كقوله تعالى : { فغشيهم من اليم ما غشيهم } ( طه 78 ) .
معلوم أن ما غشيهم هو ما غشيهم لكن جاء بصورة للتعظيم يعني أوحى إلى عبده شيئاً عظيماً من الوحي ،
{ ما كذب الفؤاد ما رأى } ( النجم 11 ) ، الفؤاد ما كذب الذي رأى بل رآه على ما هو عليه صدقاً حقاً ،
{ أفتمارونه على ما يرى } ( النجم 12 ) ، أفتجادلونه على شيءٍ رآه بعينه وقلبه ،
{ ولقد رآه نزلة أخرى } ( النجم 13 ) : أي رأى جبريل مرةً أخرى في الأفق نازلاً ،
{ عند سدرة المنتهى } ( النجم 14 ) ، وهذه المرة الثانية التي رآه على خلقته التي خلقه الله عليها ،
{ عندها جنة المأوى } ( النجم 15 ) ، عند سدرة المنتهى جنة المأوى وهذا يدل على أن الجنة فوق السماوات عليا جعلنا الله وإياكم من أهلها ،
{ إذ يغشى السدرة ما يغشى } ( النجم 16 ) : يعني رآه حين يغشى السدرة ما يغشى وهنا أيضاً إبهام للتعظيم ما الذي غشيها ؟
غشيها من البهاء والحسن والجمال ما يبهر العقول هي في الأول شجرة كأنها سدرة لكن غشيها جمال عظيم يبهر العقول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ،(72/150)
{ ما زاغ البصر وما طغى } ( النجم 17 ) : يعني مال البصر ،
{ وما طغى } أي تجاوز الحد فهو لم يدر يميناً ولا شمالاً ولم يتقدم أماماً ولا فوقاً وذلك لكمال أدبه صلى الله عليه وآله وسلم ،
{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ( النجم 18 ) ، هذه آية المعراج وهذا خلاصة المعراج ،
والبحث فيه في مسائل :
أولاً : متى كان ؟
ومن أين كان ؟
وهل هو بالبدن أو بالروح ؟
وهل هو يقظة أو منام ؟
وهل تكرر أم لم يتكرر ؟
الأول : متى كان ؟
كان قبل الهجرة بثلاث سنوات هذا أرجح ما قيل ،
وقيل فيه أقوال أخرى ولكنه لم يُحرر ،
لأن الناس في الجاهلية ما كانوا يعتنون بهذه الأمور ،
ولهذا لم يكون لهم تاريخ كان الجيد منهم والمثقف الذي يؤرخ بعام الفيل وإلا فهم لا يعرفون التاريخ ،
ما أُرِّخَ التاريخ إلا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
إذن هو على الأرجح قبل الهجرة بثلاث سنوات ،
الثاني : من أين كان ؟
كان من المسجد الحرام من الحِجْر حِجْر الكعبة [234] ،
وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث : أنه كان من بيت أم هانئ ،
والجمع بينهما أن يقال : كان نائماً عند أم هانئ فأتاه آتٍ فأيقظه فقام إلى المسجد الحرام واضطجع عند الحجر فعُرج به من هناك من المسجد الحرام ،
الثالث : هل كان يقظة أو مناماً ؟
والصواب المقطوع به : أنه يقظة [235]،
لأن الله قال : { سبحان الذي أسرى بعبده } ( الإسراء 1 ) ، ولم يقل : بروح عبده ،
والعبد هو الجسم الذي فيه الروح فقد أُسرِيَ به بجسمه صلوات الله عليه يقظةً ،
ويدل لذلك أيضاً : أنه فلو كان مناماً لم تنكره قريش لأن المنام لا يُنكر الإنسان ،
مثلاً : لو قال : أنه رأى في المنام أنه ذهب إلى أقصى الشرق أو أقصى الغرب ورأى ما رأى هل يُكذَّب ؟
أبداً لا يُكَذَّب فلولا كان بجسمه ويقظةً لم تكذب به قريش لأن قريشاً لا تكذب المنامات ،
هل هو بجسمه أو بروحه [236] ؟
ذكرنا أنه بجسمه وأنه كان يقظان عليه الصلاة والسلام ،(72/151)
هل تكرر أو لا ؟
نقول : الصحيح إن لم نقل المقطوع به : أنه لم يتكرر وأنه ليس إلا مرةً واحدة ،
البحث السادس : هل الإسراء والمعراج في ليلةٍ واحدة أو الإسراء في ليلة والمعراج في ليلة ؟
الصواب : أنهما في ليلةٍِ واحدة [237] ،
لقوله تعالى : { لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير } ( الإسراء 1 ) ، والآيات التي ذكر الله أنه يريه إياها هي قوله : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ( النجم 18 ) .
فالصواب : أن الإسراء والمعراج كانا في ليلةٍ واحدة ،
وهنا ننبه على كتيب في المعراج تُنسب روايته إلى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما مطول ،
ولكن أكثره ليس بصحيح ولا تجوز قراءته ،
وقد كان الناس فيما سبق يقرؤونه ويجتمعون إلى قارئه ،
وفيه أشياء منكرة قطعاً فيجب الحذر من هذا الكتاب لأنه موضوع على ابن عباس رضي الله عنهما ولا يصح عنه ،
البحث السابع : بهل كان هذا المعراج ليلة سبعٍ وعشرين من رجب ؟
اشتهر عند الناس أنه ليلة سبعٍ وعشرين من رجب ،
وصار بعض الناس يحتفل به وبعض الدول تجعله عطلةً رسمية وهم يحكمون بغير ما أنزل الله ،
هذا التناقض عجيب تعظيماً للمعراج يجعلونه عطلة رسمية وإنكاراً للشريعة يحكمون بغير ما أنزل الله ،
ولكن أن الصواب : أن المعراج ليس في رجب ،
وأقرب ما قيل : أنه في ربيعٍِ الأول ،
لأن النبي عليه الصلاة والسلام وُلد في ربيعٍ الأول وأنزل عليه الوحي أول ما نزل في ربيع الأول ،
نزل عليه الوحي في رمضان ،
لكن أول ما بدئ به الوحي الرؤيا الصادقة من ربيع ،
كما قالت عائشة : كان أول ما بدئ به الوحي أنه كان الرؤيا الصالحة حتى تأتي مثل فلق الصبح [238] ،
وبقي على هذا ستة أشهر ، ربيع الأول والثاني وجمادى وجمادى الثاني ورجب وشعبان وفي رمضان أُنزل عليه القرآن ،(72/152)
وإذا قارنت بين هذا وبين قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ) [239] ، ونسبت ستة أشهر إلى ثلاث وعشرين سنة مدة الوحي صارت الستة بالنسبة إلى الثلاثة وعشرين جزءاًَ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة وُلد في ربيع ،
أول ما جاءه الوحي في ربيع ،
لكن ما أنزل عليه القرآن في رمضان ،
هاجر في ربيع ،
تُوفي في ربيع ،
فكل الحوادث الكبيرة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام كانت في ربيع ،
فأصح ما قيل : أن المعراج كان في ربيع وليس في رجب ،
لكن اشتهر أنه في رجب وصار عند الناس كأنه مجزومٌ به ،
كما اشتهر أن ولادته كانت في الثاني عشر وهذا لا أصل له ،
انتهى الكلام على المعراج ،
وأما ما فيه من الآيات فالإنسان إذا تدبر أحاديث المعراج وجد فيها العجب العجاب ،
قوله : ( بلا مينٍ والاعوجاج ) : ( المين ) : هو الكذب ،
( الاعوجاج ) : ( الانحراف عن الاستقامة ) ،
فهو حق لا كذب فيه وهو استقامة لا اعوجاج فيها ،
******************
139 – فكم حباه ربه وفَضَّلَه ،
وخَصَّهَ سبحانه وخَوَّلَه ،
قوله : ( فكم ) : ( كم ) هذه تكثيرية على ما يظهر يعني ما أكثر ما حباه الله وفضله ويجوز أن تكون استفهاماً يراد به التكثير والمعنى واحد ،
قوله : ( حباه ربه وفضله ) : الحباء بمعنى الإعطاء والتفضيل بمعنى الزيادة ،
قوله : ( وخصه سبحانه ) : يعني بأشياء لم تكن لغيره ،
قوله : ( وخوله ) : أي أعطاه ،
فعليه الحباء والتخويل بمعنى واحد ،
فالله خص نبيه عليه الصلاة والسلام بخصائص لم تكن لغيره وفضله بفضائله لم تكن لغيره وأعطاه من الهبات ما لم تكن لغيره فصلوات الله وسلامه عليه ،
فصل
في التنبيه على بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة جداً(72/153)
140 – ومعجزات خاتم الأنباء ،
كثيرة تجل عن إحصاء ،
قوله : ( ومعجزات خاتَم الأنباء ) : أي خاتم أنباء الأنبياء ،
قوله : ( الأنباء ) : يعني أنباء الأنبياء فهو خاتم النبيين لا خاتم الأنباء ،
لأن الأنباء جمع نبأ لكن مراد المؤلف خاتم أنباء الأنبياء ،
قوله : ( خاتَم ) : بالفتح كما في القرآن ،
وهو أبلغ من ( خاتِم ) لأن ( خاتَم ) بمعنى الطابع الذي لا ينفذ من وراءه شيء و ( الخاتَم ) بمعنى الآخِر فكان ( خاتَم ) بالفتح أبلغ من ( الخاتِم ) ،
قوله : ( ومعجزات ) : جمع معجزة ،
وهي في التعريف :
( أمرٌ خارقٌ للعادة ، يظهره الله سبحانه وتعالى على يد الرسول ، شهادةً بصدقه ) ،
يعني يشهد بصدقه بالفعل وهو إظهار هذه المعجزة ،
فقولنا : ( أمرٌ خارقٌ للعادة ) : خرج ما كان جارياً على سنن العادة فلا يُعتبر هذا معجزاً ولا كرامة لولي ،
فلو قال رجل : أنا من أولياء الله وإذا شئتم أن أثبت لكم أني ولي من أولياء الله فإن الشمس تطلع اليوم على ست ونصف وكان ذلك اليوم موعدها على ست ونصف فارقبوها فذهبوا يرقبونها على السطوح وعلى رؤوس الجبال فخرجت الشمس الساعة السادسة والنصف تماماً فقال شهدت الشمس لي بالولاية ،
هل هذا صحيح ؟
لا ، لأنه ليس خارقاً للعادة فلا يكون كرامة ،(72/154)
ولما ناظر شيخ البطائحية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة قال له شيخ البطائحية أنا وأنت أمام الواقع ندخل النار فأينا لم تحرقه النار فهو الذي على الحق ومن أحرقته النار فهو على الباطل فقال له شيخ الإسلام ابن تيمية : نعم ليس عندي مانع إذا كان الله عز وجل جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم تكون برداً وسلاماً على أمة محمد ليس عندي مانع ندخل النار ولكن بشرط أن نغتسل أنا وأنت قبل أن ندخل النار نغتسل ننظف أجسامنا قبل أن ندخل النار فنكس الرجل على عقبيه فقال شيخ الإسلام : أنا أعلم أن هذا الرجل قد طلى جسمه بمادة تمنع الاحتراق فأراد أن يعجزني بهذا فبُهت الذي ابتدع [240] ،
فهل يُعد هذا كرامة لو أن رجلاً من الناس دخل النار حقيقةً لتأييد الشرع هل يُعد هذا كرامة ؟
لا ،
إذن يظهره الله على يد الرسول تأييداً له أمر خارق للعادة يظهره الله على يد الرسول تأييداً له فإن أظهره الله على مدعي الرسالة تكذيباً له لا تصديقاً فليس بمعجزة ،
وقد ذكر ابن كثير في البداية النهاية وغيره من المؤرخين أن مسيلمة الكذاب نبي اليمامة كان يدعي أنه رسول وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال أريد أن أكون وأنت شركاء في الرسالة جاءه قومه يوماً من الأيام وقالوا : يا نبي الله – وهو كاذب – إن بئرنا غار ماءها ولم فيها إلا القليل من الماء الذي يروينا فقال أنا آتٍ إليكم فجاء إليهم وطلب ماءاً فتمضمض به ومَجَّهُ في البئر فصاروا ينتظرون أن تجيش بالماء كما صار ذلك في بئر غزوة الحديبية فلما مج الماء في هذا الماء الباقي غار بإذن الله [241] .
هذا خارق للعادة أو موافق للعادة ؟
خارق للعادة .
لكن تصديقاً أو تكذيباً ؟
تكذيباً ،
إذن هي خارق للعادة أجراها الله على يد على هذا الكاذب تكذيباً له ،(72/155)
وذكروا قصةً أخرى أيضا ً أتوه بصبيٍِ شعر رأسه متمزق فجاؤوا به إليه ليمسحه حتى يخرج بقية الشعر فلما مسحه زال بقية الشعر الموجود وصار أصلع مرة هذا أيضاً خارق للعادة لأن الإنسان لو مسح على رأس الصبي ما نبت الشعر ولا زال لكنه تكذيب أو تأييد ؟ تكذيب ،
ولهذا قلنا : أن المعجزة أمرٌ خارق للعادة يظهره الله على يد الرسول تِأييداً له وتصديقاً له ،
قال : ( ومعجزات خاتم الأنباء كثيرة ) : وأنا أرشدكم إلى فصلٍ نافع جداً في هذا الموضوع ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في آخر كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) [242] ذكر كلاماً حسناً جيداً جداً ،
وأظن ابن كثير نقله في البداية النهاية وابن كثير ذكر أيضاً آيات الرسول عليه الصلاة والسلام لما تكلم على آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في البداية والنهاية [243] ذكر آياتٍ كثيرة أرضية وسماوية وحيوانية أشياء كثيرة فمن أراد الزيادة من ذلك فليراجع ،
ولهذا قال المؤلف : ( تجل عن إحصاء ) : منها أي هذه المعجزات ،
*****************
141 – منها كلام الله معجز الورى ،
كذا انشقاق البدر من غير افترا ،
قوله : ( كلام الله معجز الورى ) : كلام الله عز وجل القرآن الذي أعجز الورى ،
وقد ذكرنا فيما سبق شيئاً من وجوه الإعجاز في القرآن :
منها : عجز الناس أن يأتوا بمثله ولا بسورة ولا بحديث مع أنهم أمراء الفصاحة والبلاغة ،
وهذا لا شك أنه من آيات الله عز وجل ،
لكن الغريب أن بعض العلماء قال : إنهم عجزوا بالصِّرفة لا بمقتضى الطبيعة ،
يعني أنهم قادرون من حيث طبيعتهم على أن معارضة القرآن لكن صُرفوا أي صرفهم الله عن معارضته ،
فيكون إعجاز القرآن على هذا القول لا لذات القرآن ولكن لأمرٍ خارج ، وهو صرفهم عن المعارضة ،
وهذا القول باطل لا شك ،(72/156)
ثم على تقدير التسليم يُعتبر هذا آية ،
لأن كون الله صرفهم عن معارضته يدل على أنه لا تُنكر معارضته شرعاً ،
لكن الذي نرى وهو الصواب أنهم عاجزون عن الإتيان بمثله طبعاً لا صرفاً ،
يعني لا يستطيعون أن يأتوا بمثله هذه واحدة ،
المهم أن القرآن من أعظم المعجزات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وأنا قلت لكم : من أعظم المعجزات تبعاً للمؤلف ،
وإلا فالصواب : أن نقول : الآيات ،
قوله : ( كذا انشقاق البدر ) : أيضاً من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام انشقاق البدر أي القمر ،
انشق القمر فرقتين حقيقة لا برأي العين ،
فكان أحدهما : على جبل الصفا ،
والثاني : على جبل المروة يُشاهد من هنا ومن هنا شاهده الناس ،
قال الله تعالى : { اقتربت الساعة وانشق القمر ، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } ( القمر 1 – 2 ) ، لما أراهم النبي عليه الصلاة والسلام هذه الآية وشاهدوها بأعينهم قالوا : سحرنا محمد ليس بصحيح أن القمر ينشق ،
والعجيب أن آخر هذه الأمة وافق المشركين في إنكار انشقاق القمر ،
قالوا : انشقاق القمر ليس بصحيح ولا يمكن أن ينشق القمر ،
لكن قوله تعالى : { اقتربت الساعة وانشق القمر } : أي ظهر نور الرسالة ،
سبحان الله تحريف أين قوله : { إن يروا آية يعرضوا } ؟
ثم ما المانع من أن ينشق القمر ؟
قالوا : لأن الأفلاك لا يمكن أن تتغير ،
قلنا : تباًّ لعقولكم أليس الله يقول : { إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت } ( الانفطار 1 – 2 ) ؟
هل هذا تغير للأفلاك أم لا ؟
نعم ، { إذا الشمس كورت ، وإذا النجوم انكدرت } ( التكوير 1 – 2 ) ، هذا تغير الأفلاك ،
كيف تقولون ما تتغير ؟
الذي جمع القمر حتى صار كتلةً واحدة قادرٌ على أنه يفرقه ويجعله كُتَلاً ،
ولهذا نأسف أن يقع مثل هذا من علماء أجلاء معاصرين ،
يقولون : لا يمكن انشقاق القمر لأن هذا تغير أفلاك وهذا لا يمكن ،(72/157)
الله المستعان الذي خلق الأفلاك لا يقدر على أن يمزقها ؟ ،
بلى يقدر على ذلك سبحانه وتعالى ،
فانشقاق القمر من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام ،
قال بعضهم منكراً انشقاق القمر بحجةٍ باردة تصلح لهذا الوقت لأن الناس محترين شوي قال : لو انشقاق القمر حقاً لعلم به الناس لعلم به أهل الهند أهل الغرب أهل الشمال أهل الجنوب ولكان نقله مما تتوافر الدواعي عليه ونُقِلَ في التواريخ ما نقل هذا في التواريخ ؟
نقول : تباً لكم أيًُّ تاريخٍ أصدق من كلام الله عز وجل القرآن ؟
وأي تاريخٍ أصدق مما جاء في الصحيحين ؟
في البخاري ومسلم وتلقته الأمة الإسلامية بالقبول ؟
قالوا : لماذا لم يذكره مؤرخو الهند ؟
فنقول : ألا يمكن أن يكون في تلك الليلة غيوم وأمطار حجبت رؤية القمر ؟ يمكن أو لا يمكن ؟
يمكن ،
الثاني : أن نقول : انشقاق القمر هل بقي مدةً طويلة حتى يتمكن الناس من رؤيته ؟
ربما تكون المدة يسيرة حتى شاهده الناس ثم تلاءم والناس في ذلك الوقت في الهند مثلاً نيام لأن الهند يسبق مكة في الزمن أليس كذلك ؟ فيقع هذا وهم نائمون ثم يلتئم قبل أن يستيقظوا ،
والمهم ليس علينا كون أهل الهند قالوه أو علماء الهند قالوه أو ما أشبه ذلك فلا يهم ،
ما دام موجوداً في كتاب الله عز وجل وفيما صح عن رسول الله فلا يهمنا أن يُنقل أو لا يُنقل ،
فالمهم أن انشقاق البدر من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ،
إذ لا نعلم أنه انشق لأحدٍ غيره عليه الصلاة والسلام وهو أعظم من بعض الآيات التي حصلت للأنبياء ،
حتى أن ابن كثير رحمه الله قال : ما من آيةٍ حصلت لنبي إلا وُجد مثلها للرسول عليه الصلاة والسلام أو أتباعه والآية لأتباع الرسول تُعتبر آيةً للرسول لأنها شهادةٌ بصدق ما هو عليه هذا المتبع ،(72/158)
كان موسى يضرب الحجر إما حجراً معيناً أو أي حجر فيتفجر أنهاراً عيوناً والحجر يمكن أن يتفجر كما قال تعالى : { وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء } ( البقرة 74 ) .
لكن الماء نبع من الإناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية جاءوا يشكون إلى الرسول قلة الماء فدعا بإناءٍ فيه ماءٌ يسير فوضع يده فيه فجعل الماء يفور من بين أصابعه كالعيون حتى ارتوى الناس كلهم وكانوا ألفاً وأربعمائة واحد هذا أعظم من أن يتفجر الحجر لأن الحجر جرت العادة بأنه يتفجر والإناء من أين يتفجر أين صلته بالأرض ؟
فلهذا نقول : آيات الرسول عظيمة كثيرة ،
وكما قال ابن كثير رحمه الله : ما من آيةٍ لنبي إلا حصل مثلها أو أعظم للرسول عليه الصلاة والسلام أو لأتباع الرسول ، إحياء الموتى حصل إما للرسول إن صحت الرواية وإما لأتباعه ،
صلة بن أشيم من التابعين العباد كان في سفر فماتت الفرس فرسه ماتت فبقي ليس له مركوب فدعا الله تعالى أن يحييها حتى توصله إلى بلده فأحياها الله وركب عليها ولما وصل إلى البلد وإلى البيت قال لابنه يا بني ألقِ السَّرج عن الفرس فإنه عارية فتعجب الولد كيف عارية ؟
فلما وضع السرج عنه سقط الفرس ميتاً لأنه دعا الله أن يحييه ليوصله إلى أهله سالماً فحصل هذا ، هذا إحياء للموتى وإحياءٌ موقت أيضاً كأنه عارية مؤقتة [244] ،
والأشياء هذه كثيرة في ( البداية والنهاية ) فتُراجع ،
******************
142 – وأفضل العالم من غير امترا ،
نبينا المبعوث في أم القرى ،
قوله : ( من غير امترا ) : أي من غير شك ،
فإن انشقاق القمر عندنا يقينٌ كرؤيتنا للقمر الآن ، لا نمتري في هذا نقول : إن الله على كل شئٍ قدير ، فالذي جمع القمر قادرٌ على تفريقه والله أعلم ،(72/159)
قوله : ( أفضل العالم ) : ظاهر كلام المؤلف أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات لن كل ما سوى الله فهو عالم ،
ولهذا قال الله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } ( الفاتحة 2 ) ، فليس هناك إلا ربٌّ ومربوب ، والعالمون كلهم مربوبون وإذا لم يكن إلا ربٌّ ومربوب ،
صار المراد بالعالمين من سوى الله فيشمل عالم الملائكة وعالم الجن وعالم الإنس وعالم الجمادات كل شيء ،
فما هو الدليل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل من هؤلاء كلهم ؟
نقول : إن مراد المؤلف : ( أفضل العالم ) : من البشر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كما قال عليه الصلاة والسلام : ( أنا سيد ولد آدم ) [245] ،
أما من سواهم فإننا نتوقف وإن كنا يغلب على ظننا أن الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق على الإطلاق [246] ،
وفي ذلك يقول الناظم [247] :
وأفضل الخلق على الإطلاق ،
نبينا فَمِلْ عن الشقاق ،
قوله : ( فمل ) : فعل أمر من مال يميل ،
قوله : (نبينا المبعوث في أم القرى ) : هذه صفة كاشفة وليست صفةً مقيدة ،
لأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يُبعث إلا في أم القرى ،
ومعنى : ( المبعوث ) : المرسل إلى الناس ،
والمراد بـ ( أم القرى ) مكة ،
وسميت أم القرى لأن القرى كلها تؤمها في الحج إليها والاعتمار إليها وتؤمها في الاتجاه إليها في الصلاة وغير الصلاة [248] ،
وقال بعض الناس : هي أم القرى لأنها مركز العالم ووسط العالم ،
وهذا أمرٌ جغرافي لا ندري عنه ،
لكن إن ثبت فلا مانع أن نقول به ،
وإن لم يثبت فهي أم القرى في الفضائل تؤمها أم القرى في الحج والعمرة والاتجاه ،
الأسئلة
السؤال : ذكرتم أن الولي لا بد أن يظهر له كرامة ؟(72/160)
الجواب : لا ليس بلازم الأولياء في الصحابة أكثر من الأولياء في التابعين والكرامات في التابعين أكثر منها في الصحابة ،
لما كانت حرب الأفغان في عنفوانها رأيت كتيباً عنوانه ( آيات الرحمن في جهاد الأفغان ) ذكر قصص كثيرة جداً منها ما يكون صحيحاً ومنها ما قد يكون غير صحيح لكن المبالغة في هذا فيها نظر ،
كرامات الأولياء : هي ( أمرٌ خارقٌ للعادة يظهره الله تعالى على يد الولي تكريماً له أو تأييداً لما معه من الحق ) ،
ومن هو الولي ؟
الولي ذكره الله بقوله : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس 62 ) .
فإذا جاء الإنسان وقال : أنا ولي وهذه كراماتي ، ننظر : هل هو صادق أو لا ؟ فإذا كان غير صادق قلنا : كذاب حتى لو وُجد منه ما يخرق العادة فهو من الشياطين ،
بمجرد ما يقول للناس : أنا ولي فإنه ليس بولي ، لماذا ؟
لأنه زكى نفسه فوقع في الحرام ،
وأنت تعرف الأولياء وأفريقيا وغيرها الذين يدعَّون أنهم أولياء إذا رأيته رأيت عِمَّةً خمسين متر وكماًّ يسع أضخم الرجال ومسواكاً يكون سوط حمارً بليد وربما يكون خاتم أيضاً ومسبحة تحمل ألف حبة وحركات في الشفتين همهمة ثم يقول للناس : أنا ولي ثم يقول : أنا من أولياء الله الذين سقط عنهم التكليف فيجوز لي أن أتزوج خمسين بنتاً بكراً ويحل لي من الأكل ما لا يحل لكم ثم يدعي دعاوىً كل يعرف أنها باطلة ثم يأتي بخوارق يقول لإنسان مثلاً ضاع منه شئ : آتيك بالذي ضاع منك ثم يأتي به ،
وهؤلاء كثيرون وإذا رأوا إنساناً سلفياً اجتمع إليه الشباب حاربوه أشد المحاربة حاربوه بكل وسيلة واتصلوا بالحكام حتى يمنعوه وهذا شئٌ أخبرني الثقات به ،
لماذا تحرص الحكومات على أن تمكن لهؤلاء الضلال دون متبعي السلف ؟
لأن متبعي السلف يعلمون أنهم إذا صدقوا الله سوف يملكون ما تحت أقدامهم ،(72/161)
وهؤلاء المشعوذون هم منهم في مأمن لأنهم لن يُنصروا هؤلاء المشعوذون فهم يقولون دعوهم ،
الأصل أن الخارق للعادة لا يأتي إلا لنصرة حق ٍأو لتأييد محق ،
لكن ربما أن الله سبحانه وتعالى يمن على شخصٍ ويكرمه لكن تجده بإحسان ،
نحن ذكر لنا بعض الناس فيما سبق لما كانوا يذهبون إلى البلاد الشاسعة عن طريق الإبل يقول : إننا في مرة من المرات ضعنا في مكانٍ يقال له : الدهناء كلها رمال في الصيف وأننا هلكنا إلا أن يشاء الله يقول : فنمت فأتاني آتٍ بإناءٍ فيه لبن فشربت حتى رويت وقلت : أنا نشيط ويقول : هذا الإناء كان مثل الإناء الذي كنت أسقي به جارةً لنا في البلد وكنت أعطيه هذه الجارة كل يوم إناء لبن والإناء الذي كنت أعطيه هذه الجارة هو الذي جاءني في المنام وشربت حتى رويت هذه كرامة لكن جزاء للإنسان وهو عادي رجل جماَّل ،
فصل
في ذكر فضيلة نبينا وأولي العزم وغيرهم من النبيين والمرسلين
143 – وبعده الأفضل أهل العزم ،
فالرسل ثم الأنبياء بالجزم ،
وليعلم أن الفضل أو التفاضل مراتب لا تُتلقى إلا من الوحي ،
لأن المراتب تختلف اختلافاً عظيماً وتتباين تبايناً كبيراً ،
ولا يمكن أن نرتب فضيلةً على أخرى إلا بدليل من الشرع ،
فإن لم يكن لنا دليلٌ من الشرع فليس لنا الحق في أن نتكلم هذه واحدة ،
ثانياً : الترتيب في الفضيلة بناءاً على ما يظهر لنا لا على ما هو الواقع عند الله عز وجل كيف ؟(72/162)
لأننا قد نرى شخصين يصليان أحدهما قد أجاد صلاته ظاهراً تماماً بحيث لا نراه يتحرك ولا يعبث ونراه قد خضع برأسه وصلى صلاةً كاملة باعتبار ما يظهر لنا وآخر نرى أنه يحصل منه بعض الحركة وما أشبه ذلك ،فنحن إذا فضلنا الأول نفضله بحسب ما يظهر لنا أما عند الله فقد يكون الثاني أفضل قد يكون هذا الثاني قام بقلبه من الإخلاص لله وتعظيم الله عز وجل ما لم يكن في قلب الأول ،
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في شارب الخمر الذي يكثر أن يُجاء به إلى رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال : ٍ( إنه يحب الله ) [249] ، وهو يكثر شرب الخمر ،
فلو أننا حكمنا بالظاهر لقلنا : هذا الذي يكثر شرب الخمر ليس في قلبه محبة لله ،
ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إنه يحب الله ) ،
ولهذا نحن حينما نفضل إنما نفضل بحسب ما يظهر لنا ،
أما ما ورد به النص فلا شك أننا نتبعه ،
لأن النص ورد من عند الله والله تعالى عليمٌ بما القلوب وبما في الظواهر ،
أولاً : هل هذه المسألة وهي التفاضل بين الأنبياء هل هي ثابتة شرعاً ؟
الجواب : نعم ثابتة ،
قال الله تبارك وتعالى : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض } ( البقرة 253 ) ، هذا في الرسل ،
وقال : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } ( الإسراء 55 ) ، فالله تعالى فضَّل الرسل بعضهم على بعض وفضّل النبيين بعضهم على بعض ،
وفضّل الناس بعضهم على بعض ، { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } ( النساء 32 ) ، فالله عز وجل فضل بعض الناس على بعض ، الرسل والأنبياء وغيرهم ،
والعقل يدل عليه أن البعض أفضل من البعض كيف ذلك ؟
لأن من قام بمهماتٍ عظيمة جليلة يقضي العقل أنه أفضل من دونها ،
فالتفاضل إذن ثابت [250] ،
فإن قال قائل : كيف نثبت ذلك وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء ؟(72/163)
فيقال : حاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينهى عما أثبته الله ولا يمكن أن ينهى عما أثبته الله أبداًٍ ،
كيف يخبر الله أنه فضل بعض النبيين على بعض ثم يقول الرسول : لا تفضلوا بين الأنبياء ؟
لا يمكن هذا ولكنه نهى عن التفضيل بين الأنبياء حيث يكون الحقد والعدوان ،
لو أن أحداً فضل محمداً على موسى بحضرة اليهود وصار ذلك سبباً للعداوة أو المحن أو البغضاء وهي حاصلة لكن سبباً للشر فإنه لا يُفضل درءاً لماذا ؟
درءاً للمفسدة ،
فالذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام من التفضيل ما كان موجباً للمفسدة ،
أما ما كان حكايةً للواقع فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن ينهى عنه وقد أثبته الله ،
إذن نحن حينما نتكلم على تفضيل الرسول عليه الصلاة والسلام على جميع الناس نتكلم به خبراً عما قال الله ،
ولكننا لا نتكلم حينما يكون في ذلك شرٌّ وفساد ،
قوله : ( وبعده الأفضل أهل العزم ) : بعد محمد عليه الصلاة والسلام ،
قوله : ( الأفضل أهل العزم ) : وهم أربعة لأن محمد عليه الصلاة والسلام جُعل لوحده ،
فقوله : ( وبعده الأفضل أهل العزم ) : يعني الأربعة الباقين ،
وهم إبراهيم وموسى وعيسى ونوح وهم مرتبون على هذا إبراهيم ثم موسى [251] ،
أما نوح وعيسى فاختلف العلماء أيهما أفضل ؟
1 - فقيل : إن عيسى أفضل لما أعطاه الله عزة وجل من الآيات ولكثرة أتباعه ،
2 - وقيل : إن نوحاً أفضل [252] ، لأنه أول الرسل وعانى من المشقة والتعب من قومه ما لم يُذكر لنا أنه حصل لعيسى ، لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن معه إلا قليل ،
فمن العلماء من قال : نوحٌ أفضل ،
ومنهم من قال : عيسى أفضل ،
ولكننا نقول : الفضل الذي عند الله لا نعلمه ،
أما ما تبين لنا من شأنهم في الدنيا فلكل واحدٍ مزية لم تحصل للآخر ،
وحينئذِ نتوقف ،
فإذا توقفنا فمن نقدم ذِكراً ؟
نوح لأنه الأول وعيسى ،
ومع ذلك فإن هذا التقديم لا يقتضي الترتيب ،(72/164)
لأن الواو لا تقتضي أو لا تستلزم الترتيب فالرسل ثم الأنبياء ،
الرسل : جمع رسول ،
والرسول : هو من أُرسل ، قيل : يا فلان اذهب إلى فلان أليس كذلك ؟ نعم تقول أرسلت فلاناً إلى فلان أي أمرته أن يبلِّغ فلاناً عني شيئاً ،
أما النبي : فإنه من النبأ ( وهو الذي أتاه الخبر لكن لم يُكلف بالتبليغ ) ،
وهذا الذي قررنا هو مذهب جمهور العلماء :
أن الرسول هو ( من أوحي إليه بشرع وأُمر أن يبلِّغ ) ،
وأما النبي فهو : ( من أوحي إليه بشرع دون أن يُكلف بالتبليغ ولكنه لم يُمنع من التبليغ ) ،
يعني نُبِّئَ إليه بشرع ولم يُقل له لا تبلغه فإذا بلَّغه كان متطوعاً ،
فالفرق بين النبي والرسول :
أن الرسول مُلزم بالتبليغ ، والنبي غير مُلزم لكن غير ممنوع من التبليغ يعمل هو بنفسه ويجدد الشرع ،
ولكنه لا يُلزم بالتبليغ ،
وهذا هو وجه كون الرسول أفضل من النبي [253] ،
لأن الرسول أُلزم بالتبليغ لأن الرسول أُلزم بزيادة تكليف أليس كذلك ؟
والتبليغ هذا ليس بالأمر الهين ،
لأن فيه معاناة الناس والتعب معهم ولا يخفى علينا جميعاً ما حصل للرسل من الأذية بل من الضرر أحياناً لكن النبي يتعبد بما أوحي إليه ولا يُكلف أن يبلغ به فمن اقتدى به وأخذ بما هو عليه فله ذلك ومن لا فلا ،
ولهذا كان الأنبياء في إسرائيل كثيرين كثيرين جداً لأن بني إسرائيل قومٌ عتاة يحتاجون إلى تجديد الوحي دائماً ،
إذن الرسل : جمع الرسول وهو : ( من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ) ،
والنبي : ( من أوحي إليه بالشرع ولم يُمنع من بتبليغه ) فلا أمر ولا مُنع له أن يبلغ ،
إذن مرتبة الرسل فوق مرتبة الأنبياء وهذا صحيح ،
قوله : ( بالجزم ) : أي قل ذلك بالجزم أو قلتُ ذلك بالجزم ،
فعلى الثاني يكون الكلام خبراً عن عقيدة المؤلف ،
وعلى الأول يكون أمراً باعتقاد هذا أن نعتقد هذا جزماً ،
فإذا قال قائل : كم عدد الرسل وهل جميع الرسل بُلغِّوا لنا ؟(72/165)
فالجواب : أن عدد الرسل ورد فيه أحاديث ليست بتلك القوة مما يُجزم به ،
ورد أن عددهم أربعة وعشرون ألفاً ،
ولكننا لا ندري هل يصح هذا الخبر أو لا ،
إنما الذي ذُكر في القرآن خمسةٌ وعشرون رسولاً ،
وكل من ذُكر في القرآن فهو رسول وإنْ ذُكر بوصف النبوة ،
وذلك لأن كل رسولٍ نبي ولا عكس [254] ،
والدليل على أن كل من ذُكر في القرآن رسول :
قول الله تبارك وتعالى : { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } ( غافر 78 ) .
فعُلم بهذا أن كل من قصَّ الله علينا نبأه فهو رسول وهو كذلك أما الذين لم يُقصوا علينا فهم كثيرون ولكننا نؤمن بهم إجمالاً ،
ومعنى : ( إجمالاً ) : أنه لا يلزمنا التعيين لأننا لا نعلم عنه ،
لكن نقول : آمنا بكل رسولٍ أرسله الله تعالى
فصل
فيما يجب للأنبياء عليهم السلام وما يجوز عليهم وما يستحيل في حقهم
144 – وأن كل واحدٍ منهم سلم ،
من كل ما نقص ومن كفر عُصم ،
قوله : ( وأن ) : الظاهر أن الصواب كسرها ،
وإن كان المعنى ( ونؤمن بأن ) لكن الأصل عدم التقدير ،
قوله : ( وإن كل واحدٍ منهم سلم ) : الضمير يعود على الرسل عليهم الصلاة والسلام كل واحدٍ منهم سلم ،
قوله : ( ما ) : زائدة ، والتقدير : ( من كل نقص ) ،
قوله : ( من كل ما نقص ) : ليس المراد نقص الخِلقة أو نقص البشرية ، لا ،
المراد من كل ما نقصٍ في الدين ،
لأنهم عليهم الصلاة والسلام هم أسبق الناس إلى الخيرات وأعظم الناس امتثالاً لأمر الله فهم سالمون من كل نقصٍ في الدين ،
وكذلك من فوات الدين بالكلية لقوله : ( ومن كفر عُصم ) ،
فليس من الرسل كافر ولم يكفر أحدٌ من الرسل ولم يتعمد أحدٌ من الرسل أن يفعل ما فيه نقص في الدين أبداً ،(72/166)
وإن فعلوا شيئاً فإما عن اجتهاد أو تأويل أو ما أشبه ذلك ثم يُبرء من إثمه بتوبة الله عليه ،
******************
145 – كذاك من إفكٍ ومن خيانة ،
لوصفهم بالصدق والأمانة ،
قوله : ( الإفك ) : يعني مبرؤون من الإفك وهو الكذب ،
ولهذا ما كذب نبيٌ قط ،
وأما ما جاء عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه كذب ثلاث كذبات في الله [255] ، فهي كذبات تورية والتورية ليست كذباً في الواقع [256] ،
لأن المعنى الباطن منها حقيقي مطابق للواقع ،
فقوله للملك الظالم : هذه أختي وهي زوجته هذا وإن كانت المرأة ليست أخته لكن هو أراد أنه أخته على وجهٍ صحيح أنها أخته في دين الله ،
وكذلك قوله : { بل فعله كبيركم } ( الأنبياء 63 ) ، أيضاً فيه تورية وإن كان الكبير لم يفعل لكن الذي كسَّر الأصنام هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا أنه ورَّى أي فعله كبيرهم الذي تزعمون أنه إله ،
قوله : ( من خيانة ) : كذلك أيضاً لا يمكن أن يخون لا بالقول ولا بالفعل ،
حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام مُنع من الإشارة بالعين والغمز بالعين ، لأن هذا نوعٌ من الخيانة ،
إذن سلموا من كل كذب وسلموا من كل خيانة ،
لأن الكذب والخيانة ينافيان الرسالة منافاةً كاملة ،
إذ لا ثقة بقول الخائن ولا ثقة بقول الكاذب ،
لاحتمال أن يكون ما قاله من الكذب الذي كان يكذبه والاحتمال أن يكون خان فأخبر الأمر على غير وجهه ولذلك هم مبرؤون من الكذب والخيانة ،
قوله : ( لوصفهم بالصدق ) : هذا ضد قوله : ( إفك ) ،
قوله : ( والأمانة ) : ضد قوله : ( خيانة ) ،
فهم موصوفون بالصدق عليهم الصلاة والسلام ،
لأن الله شهد لهم كذلك موصوفون بالأمانة أنهم أمناء على وحي الله عز وجل ،
وإذا كان جبريل عليه الصلاة والسلام موصوفاً بالأمانة وهو رسولٌ إليهم فهم كذلك من باب أولى ،(72/167)
أفادنا المؤلف رحمه الله أن الأنبياء أو الرسل معصومون مما ذكر ،
فهل هم معصومون من صغائر الإثم ؟
نقول : نعم ليسوا معصومين من صغائر الإثم ،
لكنهم معصومون من إرادة المخالفة ومن الإصرار على المعصية ،
معصومون من إرادة المخالفة [257] ،
لأن الذي يقع منهم يكون عن قصدٍ أخطئوا فيه الصواب ،
مثلاً : { عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } ( التوبة 43 ) ، هو أذن لهم اجتهاداً منه يظن أن المصلحة في ذلك ولكن المصلحة في غير هذا المصلحة أن يتأنى حتى يعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين .
{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم } ( التحريم 1 ) ، حرم ما أحل الله له طلباً لمرضاة زوجاته وتأليفاً لقلوبهم ولكنه لم يحرمه شرعاً يعني لم يحرمه حكماً شرعياً إنما حرمه امتناعاً يعني حرَّمه على نفسه ،
كما تقول : حرامٌ علي أن ألبس هذا الثوب حرامٌ علي أن أدخل هذا البيت حرامٌ علي أن أشتري هذه السيارة مثلاً ،
هذا ليس تحريماً شرعياً لكنه تحريم امتناع يعني أنني ألزم نفسي بأن امتنع من هذا الشيء كذلك وتخفي في نفسك ما الله مبديه ،
هل أخفى في نفسه عناداً ومخالفة ؟
لا ، لكنه أخفاه تحرياً للمصلحة ومع ذلك نُهي عن هذا ،
فالحاصل : أنهم عليهم الصلاة والسلام لا يُمنعون من وقوع صغائر الذنوب لكن لا يفعلونها كما يفعلها غيرهم تعمداً للمخالفة ولا يُقرون عليها أيضاً ، لا بد أن يُنبهوا عليها حتى يرجعوا إلى الصواب ،
******************
146 – وجائزٌ في حق كل الرسل ،
النوم والنكاح مثل الأكل ،
فهمنا الممتنع في حقهم انتقل المؤلف من الممتنع في حقهم إلى الجائز ،(72/168)
والجائز في حقهم هي الطبائع البشرية ، الطبائع البشرية يستوون فيها مع الناس ،
ولهذا قالوا للمكذبين : { إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده } ( إبراهيم 11 ) ، وقال خاتمهم محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون ) [258] ، هذه طبيعة بشرية يأكل كما نأكل يشرب كما نشرب يتقي البرد كما نتقيه يتقي الحر كما نتقيه يلبس الدروع في الحرب كما نلبسها ،
وهكذا فالطبائع البشرية جائزة في حق الرسل ،
ولهذا قال : ( وجائزٌ في حق كل الرسل النوم ) لكن قد يختصون بخصائص في النوم :
منها : اختصاص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه ،
فالإحساس الظاهري منه ينام كغيره والباطن لا ينام لا ينام فقلبه دائماً مشغول بذكر الله عز وجل وبغير ذلك مما أراد الله سبحانه وتعالى ولكنه لا ينام ،
قوله : ( والنكاح ) : جائز في حقه أن يتزوج ،
والزواج هنا شرعي أم زواج خِلقي ؟
الثاني ،
أما شرعاً : فإنهم مأمورون بذلك مشرِّعون للأمة ، { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } ( الرعد 38 ) .
قوله : ( مثل الأكل ) : الأكل أيضاً من الأمور الجائزة ،
فلا يُعاب على الرسول إذا أكل أو شرب أو التحف أو ما أشبه ذلك هذه من الأمور الجائزة ،
فكل الأمور البشرية جائزة عليهم ،
بقي الشيء الواجب ،
الشيء الواجب الدعوة إلى الله عز وجل إبلاغ الرسالة الذللأمة ،
يجب عليهم من ذلك ما لا يجب على غيرهم ،
فهم مُلزمون بالبلاغ بكل حال مُلزمون بالدعوة بكل حال مُلزمون بالجهاد من أُمر منهم بالجهاد ،
ووجوب هذه الأشياء عليهم أوكد من وجوبها على غيرهم ،
ولهذا نقول : الأمور المسنونة يجب على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغها ،
يجب أن يبلغها ويجب أن يفعلها ليقتدي به الناس وإن كانت أموراً مسنونة فإذا كان البلاغ لا يحصل إلا بفعلها وجب على الرسول أن يفعلها لوجوب البلاغ عليه ،(72/169)
ممتنع في حقهم دعوى الألوهية أو دعوى الربوبية ،
ولهذا لما قال الله تعالى لعيسى : { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم } ( 116 – 117 ) .
هل يجب عليهم الموت ؟ هل يجوز على النبي أن يموت ؟
يجوز شرعاً وواقعاً :
قال الله تعالى : { إنك ميت وإنهم ميتون } ( الزمر 30 ) .
وقال تعالى : { ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } ( الأنبياء 34 ) .
وقال تعالى : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ( آل عمران 144 ) ، { أفإن مات } : يعني ميتة طبيعية ، { أو قتل } ، فمات بسبب القتل ،
إذن هو ميت ،
فإذا قال إنسان : كيف تكون الرسل أمواتاً والشهداء وهم دونهم أحياء ، كما قال تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } ( آل عمران 169 ) ؟
نقول : هذه الحياة التي للشهداء يكون للأنبياء والرسل أعظم منها ،
لكنها حياةٌ برزخية لا حياة دنيا ولا حياة جسم ،
إنما هي حياةٌ برزخية الله أعلم بكيفيتها ،
ولكن الخرافيين يأبون إلا أن يقولوا : إنها حياةٌ حقيقية ،
فنقول لهم : إن قلتم ذلك فأنتم أشد الناس تقصيراً في حق النبي ،
لأن الواجب عليكم إذا كنتم تعتقدون هذا أن تذهبوا إليه بأكلٍ وشرب لأنه محتاج أليس كذلك ؟
لو أن شخصاً في القبو في خندق ونتركه مئات السنين هل نحن مقصرون في حقه أو قائمون بحقه ؟
مقصرون ،
فنقول : إذن يلزمكم كل يوم أن تذهبوا بفطور في الصباح وغداء بعد الظهر وعشاء في الليل وتجعلون عنده دورة من زمزم من أجل أن يشرب ،
وهذا هو ما فعله الرافضة فيما يعتقدونه المهدي الذي سيخرج في آخر الوقت إذا تسنى له الخروج ،(72/170)
يقول السفاريني في شرح العقيدة رحمه الله إنهم كانوا في صباح كل يوم يذهب واحدٌ منهم على فرس مسرج وبيده رمح ومعه ماء وعسل وخبز كل صباح حتى ترتفع الشمس وييأس من خروجه إلى الفطور ثم بعد ذلك يرجع وفي الصباح مثله كل يوم ، لماذا يأتي بهذا ؟ قال : لأجل إذا خرج من السرداب وجد الفطور جاهزاً والرمح جاهزاً فأفطر ثم ركب الفرس ودعا إلى الجهاد ،
عقول سخيفة نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العافية ويعافينا مما ابتلاهم به ويعافيهم مما ابتلاهم به ،
فالحاصل : أن حياة الأنبياء في قبورهم وحياة الرسل في قبورهم أكمل من الشهداء بلا شك لأنهم أفضل عند الله ،
ولكن هل هذه الحياة حياةٌ دنيوية أو برزخية لا نعلمها ؟
الثاني هو المتعين ،
وإلا لوجب علينا أن نأتي بالطعام والشراب إلى النبي عليه الصلاة والسلام كل يوم ،
- التورية للظالم حرام بالإجماع وللمظلوم جائزة [259] أظنها بالإجماع أظنها ولا أدري ،
ولمن ليس بظالم ولا مظلوم فيها خلاف :
1 - بعض العلماء يقول : حرام ،
لأن الإنسان يُتهم ويجر على نفسه التهمة ،
2 - وبعضهم يقول : ليست بحرام [260] ،
والراجح أنها حرام إلا لحاجة [261] ،
لأن الإنسان لو أجزنا له التورية كل ما شاء صار كل كلامه تورية وصار الناس لا يثقون به أبداً ،
الرسل عليهم الصلاة والسلام يمتازون عن غيرهم في الأمور المستحيلة والجائزة والواجبة ،
الأسئلة
السؤال : قوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } ( الحج 52 ) ، فما الدليل على أنه ( كلمة غير واضحة ) رسول ؟
الجواب : هذه الآية : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } ،
العلماء يقولون : إن هذا على تقدير : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبَّأنا من نبي ) ،
لأن الوصف يدل على العامل ،
فالرسول يدل على أن هناك إرسال ،
والنبي يدل على أن هناك إنباءٌ ،
فالوصف دالٌّ على العامل المحذوف الذي عَمِلَ فيه ،
وعلى هذا قول الشاعر [262] :(72/171)
علفَّتها تبناً وماءاً باردا [263]
ليس المعنى : وعلفَّتها ماءاً بارداً ،
الماء البارد لا يُعلف ،
لكن المعنى : وسقيتها ماءاً بارداً ،
السؤال : ثبت في السنة أن آدم عليه السلام كان نبياًّ وقد ذُكر في القرآن وأنتم قلتم حفظكم الله أن كل من ذُكر في القرآن رسول ؟
الجواب : هل ذُكر في القرآن بوصف نبي ؟
لا ، مريم مذكورة في القرآن وفرعون في القرآن قارون في القرآن ، ما من نبيِّ ذُكر في القرآن إلا وهو رسول ،
السؤال : يعني آدم نبي رسول ؟
الجواب : لا ، آدم يُرسل إلى من ؟
أولاده جاءوا من بعده ،
وأول الرسل في القرآن نوح ، { إنا أوحينا إليك كما أوحينا نوح والنبيين من بعده } ( 163 ) ، { ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما الكتاب والنبوة } ( الحديد 26 ) .
فالنبوة ما خرجت عن ذرية نوح عليه الصلاة والسلام ،
السؤال : هل إذا فضلنا بعض الرسل على بعض يكون بعضهم أكمل إيماناً من الآخر وهل منازلهم في السماء على حسب منازلهم في الفضيلة ؟
الجواب : نقول : التفضيل يقتضي أن بعضهم أفضل من بعض في الإيمان وفي الأعمال الصالحة أيضاً ،
ودليل ذلك : قوله تعالى : { إن أكرمكم عند الله } ( الحجرات 13 ) .
فدل هذا على أن الكرم عند الله بالتقوى ولا شك أنه قد جرى لبعض الأنبياء من المحن ما لم نجد لغيره أي محنةٍ قيلت أو حصلت لإنسان ،
مثل ما حصل لإبراهيم عليه السلام في إلقائه في النار ،
بناءاً على التوحيد وما يدعو إليه من التوحيد وفي ذبح ولده ،
هذه محنة عظيمة يعني يُلقى في النار يراها أمامه تضطرم ويصبر على ذلك على إخلاصه هذا شيء عظيم يُقال اذبح ولدك وقد بلغ معه السعي وليس عنده غيره فيمتثل ويستسلم والولد قد بلغ معه السعي ليس صغيراً لا يُلتفت له وليس كبيراً قد بان من أبيه يعني صار يافع صار يافعاً أكبر ما تتعلق به النفس بمثل هذه السن ثم يقال اذبح ولدك هذه محنة عظيمة من يصبر عليها ؟(72/172)
ثم إنه قد يفضل النبي غيره بكثرة أتباعه ،
لأن أتباعه كلما عملوا عملاً صالحاً فإنه له مثل أجورهم ،
أما المقام في السماوات فإن نوحاً لم يُذكر ، لم يُذكر في المعراج إطلاقاً ،
هارون في السماء الخامسة وموسى في السادسة ،
ومعلوم أن موسى أفضل من هارون ، يحيى وعيسى ابنا الخالة في سماءٍ واحدة ،
- أفضل البشر من حيث الجنس : الرسل ثم الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون ،
هذا من حيث الجنس ،
أما بالتعيين فأفضل البشر محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ،
الدليل قوله : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) [264] ، هذا دليل قولي ،
والدليل الفعلي : أنه صلى بالأنبياء إماماً لهم في ليلة الإسراء [265] ،
- هل الأفضل الرسول أم النبي ؟
الرسول يقولون : إنه خادم ، والنبي يقولون : إنه عالم ، والولي يقولون : إنه ولي موالي [266] ،
ويقول قائلهم [267] :
مقام النبوة في برزخٍ ،
فُوَيْقَ الرسول ودون الولي [268] ،
هذا القول كفر ،
ونقول لهم : إن الرسول جمع بين النبوة والولاية فهو أفضل الأولياء ،
والنبي جمع بين الولاية والنبوة ،
فهو في الدرجة الثانية بعد الرسالة ،
والولي فاتته النبوة والرسالة فليس له فضل إلا والولاية ،
لكن أولئك والعياذ بالله يرون أن من يزعمونهم الأولياء أشرف البشر [269] ،
ولهذا قد تصل بهم الحال إلى عبادتهم وهي اعتقاد أنهم يدبرون الكون تدبيراً كاملاً ،
مثل بعض مشائخ الصوفية الغالين وغيرهم أيضاً ،
السؤال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما يسلم علي امرئ إلا رد علي روحي لأرد عليه السلام ) [270] ؟
الجواب : هذه ليست كردِّها في الدنيا هذه حياة برزخية هذا ظاهر الحديث أنه تُرد روحه جسمه ،
السؤال : قوله تعالى : { بل رفعه الله إليه } ( النساء 158 ) ، هل هذا الرفع مستمر ؟
الجواب : نعم مستمر إلى آخر الزمان ،(72/173)
- قوله تعالى : { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي } ( آل عمران 55 ) .
فهل الوفاة هنا وفاة نوم أو وفاة موت ؟
هذا فيه خلاف ،
والأظهر : أنها وفاة نوم ، ءوأن الله تعالى حين رفعه أنامه حتى رفعه إلى السماء ثم صار حياً ،
هذا هو الظاهر ،
وفي آخر الزمان ينزل إلى الدنيا ،
السؤال : يونس عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى فيه : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر } ( الأنبياء 87 ) ، فهل يجوز مثل هذا الظن من الرسل ؟
نقول : ما معنى { نقدر } ؟ ما معناها ؟
{ ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله } ( الطلاق 7 ) : أي تضييق ، فظن أنه بخروجه هذا أنه يجد سعة عما كان عليه في الأول فظن ذلك ولكن الله تعالى أراه أنه في قبضته عز وجل وضيَّق عليه أكثر من ذي قبل ، في بطن الحوت ، { فلولا أنه كان من المسبحين ، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } ( الصافات 143 – 144 ) .
السؤال : بعض الصوفية يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد لا يخطئ ؟
الجواب : أنا أقدر أرد عليهم ولكن يرد عليهم الله : { عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } ( التوبة 43 ) .
هل فعل هذا اجتهاداً أو إرادةً لم لا خير فيه ؟ هل الرسول لما أذن لهؤلاء هل فعل ذلك اجتهاداً منه ؟ أو إرادة لما المصلحة في خلافه ؟
{ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } ( يوسف 110 ) ، فيها إشكال : { أنهم قد كذبوا } : يعني أُرسلوا بالكذب كُذب عليهم في الرسالة كُذبوا في الوعد بالنصر ما المعنى ؟
نقول : فيها قراءتان :
1 - { وظنوا أنهم قد كُذِّبوا } ،
وعلى هذا يكون الظن هنا بمعنى اليقين ،
مثل : { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } ( البقرة 46 ) .
2 - وعلى قراءة : { قد كذبوا } .
يكون المعنى : أن قومهم الذين اتبعوهم وصدَّقوهم قد كذبوهم فيما قالوا إننا مصدِّقون يعني أنهم نافقوا أمامهم ،(72/174)
هذا هو معنى الآية الكريمة وليس المعنى أن الله قد كذبهم في الوحي أو كذبهم في النصر ،
---
[1] - كتاب الإيمان لشيخ لإسلام ابن تيمية ص 396 ،
[2] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 94 ) ( 7 / 5 – 13 ، 154 – 157 ، 162 ، 238 ، 270 – 271 ، 329 – 330 ، 357 – 380 ، 409 – 415 ، 424 – 428 ، 472 ، 474 – 476 ، 551 – 553 ، 555 ، 575 – 576 ، 635 – 636 ) ( 8 / 315 – 316 ) ( 18 / 275 ) ،
[3] - أخرجه مسلم ( 8 ) ،
[4] - كتاب الإيمان ص 1 - 3 ، 195 ،
[5] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 238 ، 474 – 475 ) ( 35 / 128 ) وكتاب الإيمان ص 225 وما بعدها ،
[6] - كتاب الإيمان ص 274 وما بعدها وتهذيب اللغة للأزهري ( 15 / 510 ) ،
[7] - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية للنسفي ص 16 ،
[8] - الفروع لابن مفلح ( 2 / 316 ) والإنصاف للمرداوي ( 3 / 3 ) ،
[9] - بدائع الصنائع للكاساني ( 1 / 3 ) والمجموع شرح المهذب للنووي ( 1 / 123 ) وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد ( 1 / 155 ) والإنصاف للمرداوي ( 1 / 19 ) وشرح البهجة لزكريا الأنصاري ( 1 / 12 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 1 / 8 ) ومواهب الجليل للحطاب ( 1 / 43 ) والموسوعة الفقهية ( 29 / 91 ) ،
[10] - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية للنسفي ص 4 ،
[11] - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية للنسفي ص 27 ،
[12] - البحر الرائق لابن نجيم ( 1 / 330 وما بعدها ) ،
[13] - أخرجه مسلم ( 35 ) ،
[14] - أخرجه مسلم ( 8 ) ،
[15] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 10 / 439 ) ( 11 / 404 ) ( 35 / 37 ) يراجع برنامج جامع الفقه الإسلامي ،
[16] - فتح الباري لابن حجر ( 1 / 48 – 53 ) ،
[17] - النونية ( 1/ 71 ) شرح ابن عيسى ،
[18] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 16 / 498 – 499 ) والرد على المنطقيين ص 145 ،(72/175)
[19] - كتاب الإيمان ص 122 – 163 ، 178 وشرح العقيدة الطحاوية ص 331 وما بعدها وكتاب الإيمان ص 122 – 163 ولوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 1 / 426 ) ،
[20] - أخرجه مسلم ( 82 ) ،
[21] - أخرجه الترمذي ( 2951 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ،
[22] - اقتضاء الصراط المستقيم ( 1 / 376 ) وفتح الباري لابن رجب ( 1 / 5 ) ،
[23] - كتاب الإيمان ص 114 وما بعدها ،
[24] - الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين ( 2 / 26 - 34 ) ،
[25] - الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين ( 6 / 7 – 9 ) ،
[26] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 177 ، 222 – 223 ) ( 7 / 505 ، 647 ، 672 ) ( 11 / 138 ) ( 12 / 474 – 475 ) ( 13 / 50 – 51 ، 55 ) وكتاب الإيمان ص 210 ،
[27] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 546 ) وكتاب الإيمان ص 210 ،
[28] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 223 ، 510 ) ،
[29] - كتاب الإيمان ص 163 ، 222 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 563 ) ،
[30] - أخرجه مسلم ( 2750 ) ،
[31] - كتاب الإيمان ص 257 ،
[32] - أخرجه البخاري ( 298 ) .
[33] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 479 ) ،
[34] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 10 / 658 – 659 ) ،(72/176)
[35] - هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري اللغوي الشاعر ، صاحب التصانيف المشهورة ، والزندقة المأثورة ، أصيب بالعمى في أول عمره بسبب الجدري ، فكان أعمى البصر والبصيرة ، وألف كتاباً يعارض فيه القرآن ، والمعري نسبة إلى معرة النعمان ، وهي مدينة قديمة مشهورة بين حماة وحلب ، مات سنة 449 هـ ، دمية القصر للباخرزي ( 1 / 157 ) ، العبر للذهبي ( 3 / 218 ) ، البداية والنهاية لابن كثير ( 8 / 197 ) ، المنتظم لابن الجوزي ( 9 / 4619 ) ، انباه الرواة للقفطي ( 1 / 108 ) ، المشترك وضعاً للحموي ( ص 401 ) تاريخ معرة النعمان للجندي ( 1 / 309 ) .
[36] - البيت موجود في : اللزوميات له ( 1 / 369 ) .
[37] - في الواقع أن الأبيات لشخصين قد جمع بينها ، فأما البيتين الأولين فهما لمحمد بن عبد الستار بن محمد العمادي الكَرْدَرِيّ ، شمس الدين الحنفي ، ويعرف بشمس الأئمة ، قد برع في المذهب وأصوله ، وأقرأ في فنون عدة ، وانتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه ، فذاع صيته ، وانتشرت تصانيفه ، مات سنة 642 هـ . الجواهر المضية لابن أبي الوفاء ( 3 / 228 ) ، الوافي بالوفيات للصفدي ( 3 / 254 ) ، تاج التراجم لابن قطلوبغا ( ص 276 ) ، شذرات الذهب لابن العماد ( 7 / 376 ) وفيه ( العلماوي ) بدل ( العمادي ) وهو تصحيف .
وأما البيت الأخير فهو لعلم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي المقرئ ـ وهو غير السخاوي المحدث ـ شيخ القراء والأدباء ، شرح الشاطبية فكان سبب شهرتها في الآفاق ، مات سنة 643 هـ ، طبقات القراء لابن الجزري ( 1 / 568 ) ، السير للذهبي ( 23 / 122 ) ، خزانة الأدب للبغدادي ( 2 / 529 ) ، معجم الأدباء للحموي ( 15 / 65 ) .(72/177)
[38] - البيتين للكردري ، في أعلام الموقعين لابن القيم ( 2 / 73 ) ، والتبيان للطيبي ( ص 429 ) ، وتتمته :
هناك مظلومة غالت بقيمتها .
وههنا ظَلَمَتْ هانت على الباري .
ولقد أصاب ابن القيم رحمه الله لما ذكر نسبة التتمة للشافعي بصيغة التمريض ( رُوِيَ ) ، كيف وقد سبقت وفاة الشافعي وفاة المعري بنحو قرنين ونصف !
[39] - البيت للسخاوي ، موجود في الوافي بالوفيات ( 7 / 110 ) ، والغيث المسجم ( 1 / 82 ) كلاهما للصفدي ، مع اختلاف يسير بين لفظ البيت في المرجعين .
وممن رد على هذا البيت أيضاً : محي الدين يوسف بن يوسف ابن الزبلاق أو الزيلاق الشاعر ، ( ت 660 هـ ) ، ببيت مقارب لبيت السخاوي ، كما في التبيان للطيبي ( ص 429 ) ، وأعلام الموقعين لابن القيم ( 2/ 73 ) ، ونسبه القزويني في كتابه آثار البلاد ( ص 273 ) لمحمد بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف الرضي ، الشاعر الشيعي ( ت 406 هـ ) ، وليس هو في ديوانه .
انظر في ترجمة ابن الزبلاق : العبر للذهبي ( 5 / 262 ) ، وفوات الوفيات للكتبي ( 4 / 384 ) ، وكتاب الحوادث المنسوب لابن الفوطي ( ص 379 ) ، وشذرات الذهب لابن العماد ( 7 / 527 ) ، وفيه : " محمد بن يوسف" ! ، وانظر في ترجمة الموسوي : يتيمة الدهر للثعالبي ( 3 / 155 ) ، والمحمدون من الشعراء للقفطي ( ص 336 ) ، وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 17 / 285 ) ، وروضات الجنات للخونساري الشيعي ( 6 / 177 ) .
[40] - أخرجه البخاري ( 6137 ) ،
[41] - أخرجه البخاري ( 298 ) ومسلم ( 80 ) ،
[42] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 429 ، 666 ، 681 ) ( 18 / 287 – 279 ) وكتاب الإيمان ص 239 وما بعدها ، 397 وما بعدها والاستقامة ( 1 / 150 ) ،
[43] - أخرجه البخاري ( 2509 ) ومسلم ( 2533 ) ،(72/178)
[44] - هذه المسألة في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 78 ، 85 ) ( 7 / 510 ، 655 – 665 ) ( 8 / 422 ) ( 12 / 77 – 78 ) ،
[45] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 160 ) والتسعينية ( 2 / 427 ) ،
[46] - قال مقيده غفر الله له : ( هذا الكلام ذكره الشيخ رحمه الله في شرحه الأول على العقيدة الواسطية ( 2 / 198 ) الذي شرحه في سنة 1408 هـ ، وقد شَرَحَ ( العقيدة السفارينية ) في سنة 1408 هـ ، ورجع عنه رحمه الله في شرحه الثاني على الأربعين النووية في الشريط الحادي عشر في الوجه الثاني من الشريط عند شرحه للحديث الثالث والعشرون عند قوله صلى الله عليه وسلم : ( والقرآن حجةٌ لك أو عليك ) فقال : ( وكونه في الكتاب المكنون هل معناه أن القرآن كله كتب في اللوح المحفوظ أو أن المكتوب ذكر القرآن وأنه سينزل وسيكون كذا وكذا ؟ الأول ، لكن يبقى النظر : كيف يُكتب قبل أن تخلق السماوات بخمسين ألف سنة وفيه العبارات الدالة على المضي مثل : قوله { وإذ غدوت من أهلك تبوئ للمؤمنين مقاعد للقتال } ، ومثل قوله : { قد سمع الله التي تجادلك } وهو حين كتابته قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة لم يسمع لأن المجادلة ما خلقت أصلاً حتى تسمع مجادلتها ؟ فالجواب أن الله قد علم ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ كما أنه قد علم المقادير وكتبها في اللوح المحفوظ وعند تقديرها يتكلم الله عز وجل بقوله : { كن فيكون } ، هكذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو مما تطمئن إليه النفس ، وكنت قبلاً أقول : إن الذي في اللوح المحفوظ ذكر القرآن ، لا القرآن ، بناءً على أنه يعرج بلفظ المضي قبل الوقوع ، وأن هذا كقوله تعالى – عن القرآن – : { وإنه لفي زبر الأولين } والذي في زبر الأولين ليس القرآن ، الذي في زبر الأولين ذكر القرآن والتنويه عنه ، ولكن بعد أن اطلعت على قول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى انشرح صدري إلى أنه مكتوبٌ في اللوح(72/179)
المحفوظ ولا مانع من ذلك ، ولكن الله تعالى عند إنزاله إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتكلم به ويلقيه إلى جبريل ، هذا قول السلف وأهل السنة في القرآن ) ، وقد شرح الشيخ كتاب ( الأربعين النووية ) مرةً ثانية في دورته الصيفية الأخيرة في سنة 1421 هـ التي قبل وفاته ببضعة أشهر وشرحه موجودٌ منتشر وعدد أشرطته ( 19 شريطاً ) ، والصحيح : ما رجع إليه الشيخ رحمه الله وهو أن القرآن الكريم مكتوبٌ كله في اللوح المحفوظ ، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 12 / 126 و 127 ، 15 / 223 ) فاقتضى ذلك التنبيه والتنويه على ذلك ، والله أعلم ) .
[47] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 138 ، 211 ، 320 ) ( 17 / 55 – 56 ، 85 ) ،
[48] - أخرجه البخاري ( 1425 ) ومسلم ( 19 ) ،
[49] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 49 ) ،
[50] - أخرجه مسلم ( 130 ) ،
[51] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 10 / 111 – 112 – 120 - 121 ) ،
[52] - أخرجه البخاري ( 5672 ) ومسلم ( 47 ) ،
[53] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 9 / 249 ) ( 28 / 148 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 394 – 395 ،
[54] - ذكر هذا البيت الجويني في لمع الأدلة ص 95 والنسفي في تبصرة الأدلة ( 1 / 184 ) والرازي في أساس التقديس ص 202 والعز بن عبد السلام في الإشارة إلى الإيجاز ص 110 ،
والقاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص 226 وزاد فيه : ( فالحمد للمهيمن الخلاق ) ،
وفي المختصر في أصول الدين ( 1/ 216 ) له ضمن رسائل العدل والتوحيد ،
والإيجي في المواقف ص 297 ولكن فيه : ( قد استوى عمرو ) ،
ولم يتعقبه الجرجاني في شرحه له ( 3 / 150 ) ،
وابن القيم في الصواعق المرسلة ( 1 / 359 المختصر ) ولكن بلفظ : ( بشر قد استولى على العراق ) ،
وكلهم ذكروه مجهول النسبة ،(72/180)
ولكن ذكر الزبيدي في شرحه للإحياء ( 2 / 173 ) أنه منسوب إلى الأخطل ،
وأرجع هذا القول إلى الجوهري ،
وفي الصحاح للجوهري ( 6 / 2385 ) لم ينسبه لأحد ! ،
وانظر لسان العرب لابن منظور ( 6 / 447 ) وجعله محقق ديوانه ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ( ص 557 ) ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 5 / 146 ) : (أنه لم يثبت أن لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى ; إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور :
ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة ; وذكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه ( الإفصاح ) قال : سئل الخليل هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟ فقال : هذا ما لا تعرفه العرب ; ولا هو جائز في لغتها وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله فحينئذ حمله على ما لا يعرف حمل باطل ) ،
[55] - كتاب الإيمان ص 163 ،
[56] - أخرجه البخاري ( 2343 ) ومسلم ( 57 ) وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الحديث في كتاب الإيمان ص 30 ،
[57] - بغية المرتاد ص 350 – 353 ، 383 ،
[58] - أخرجه البخاري ( 6139 ) ومسلم ( 867 ) ،
[59] - القاموس المحيط للفيروز آبادي ص 318 ،
[60] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 262 ) ،
[61] - أخرجه البخاري ( 1252 ) ،
[62] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 257 ) ،
[63] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 277 – 278 ، 280 – 281 ) ،(72/181)
[64] - أخرجه النسائي ( 2053 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي ( 2 / 73 ) برقم 2052 ،
[65] - أخرجه مسلم ( 2870 ) .
[66] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 293 ) وشرح حديث النزول ص 269 وما بعدها ،
[67] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 524 – 525 ) ،
[68] - فتح الباري لابن حجر ( 3 / 233 ، 236 ، 240 ) ،
[69] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 262 ) ،
[70] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 262 – 270 ، 282 – 299 ) ،
[71] - الروح لابن القيم ص 96 .
[72] - ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى انظر فتح الباري ( 3 / 233 ، 235 ) ( 11 / 366 ) ،
[73] - أخرجه مسلم ( 2868 ) .
[74] - أخرجه البخاري ( 213 ) ومسلم ( 292 ) ،
[75] - كتاب الإيمان ص 37 ،
[76] - أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد ( 2 / 582 ) برقم 238 .
[77] - أخرجه البخاري ( 1303 ) ،
[78] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 221 – 226 ) ،
[79] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 468 ) ،
[80] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 227 ) ( 5 / 422 ) ( 17 / 340 – 342 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 55 ) والرسالة التدمرية ص 50 – 51 وكتاب الروح لابن القيم ص 272 وما بعدها وشرح العقيدة الطحاوية ص 391 وما بعدها ،
[81] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 348 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 55 ) والرسالة التدمرية ص 50 – 51 ،
[82] - أخرجه مسلم ( 920 ) ،
[83] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 32 – 33 ) ،(72/182)
[84] - أخرجه أبو داود ( 4753 ) وأحمد ( 18063 ) والحاكم في المستدرك ( 37 – 40 ) وصححه ابن القيم في تهذيب السنن ( 4 / 337 ) وقال الحاكم : ( صحيح على شرط الشيخين ) ووافقه الذهبي وقال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في أحكام الجنائز ص 159 : ( وهو كما قالا ) ،
[85] - انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على حقيقة الملائكة في بغية المرتاد ص 229 – 232 ،
[86] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1 / 105 ، 225 ، 284 ، 294 ، 312 ، 326 ، 332 ، 359 ) ( 2 / 106 – 375 ) ومنهاج السنة النبوية ( 2 / 417 ) ،
[87] - هو برهان الدين إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني المصري المالكي الصوفي الأشعري ، ونسبته إلى لقانه من قرى مصر ، من أبرز علماء الأشاعرة في عصره ، وصاحب نظم جوهرة التوحيد في عقيدة الأشاعرة المشهورة ، وقد ألف عليها ناظمها ثلاثة شروح ، صغير ووسط وكبير ، ثم توالت الشروحات عليها من قبل معتقديها ، مات سنة 1041هـ ، خلاصة الأثر للمحبي ( 1 / 6 ) ، هدية العارفين للبغدادي ( 1 / 30 ) ، شجرة النور الزكية لمخلوف ( 1 / 291 ) ، فهرس الفهارس والأثبات للكتاني ( 1 / 130 ) ، وفي المرجعين الأخيرين إسقاط إبراهيم الثاني ، انظر معجم المؤلفين لعمر كحالة ( 1 / 2 ) ،
[88] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1 / 105 ، 225 ، 284 ، 294 ، 312 ، 326 ، 332 ، 359 ) ( 2 / 106 – 375 ) ( 10 / 503 ) ( 15 / 57 ) ( 22 / 466 ) ومنهاج السنة النبوية ( 2 / 417 ) وبغية المرتاد ص 223 ،
[89] - أخرجه مسلم ( 2278 ) ،
[90] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 342 ، 343 ، 344 – 350 ، 356 ) ،
[91] - أخرجه أحمد ( 13117 ) ،
[92] - أخرجه مسلم ( 2278 ) ،
[93] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 342 ، 343 ، 344 – 350 ، 356 ) ،
[94] - أخرجه البخاري ( 213 ) ومسلم ( 292 ) ،(72/183)
[95] - انظر رسالة في العقل والنفس ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ( 2 / 26 ) ،
[96] - انظر بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 30 ) ،
[97] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 300 – 301 ، 477 ) وفتح الباري لابن حجر ( 6 / 493 – 494 ) ولوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 2 / 84 ) ولفضيلة الشيخ العلامة المحدث عبدالمحسن العباد حفظه الله تعالى رسالتان في موضوع المهدي إحداهما بعنوان ( الرد على من كذب الأحاديث الواردة في المهدي ) والثانية بعنوان ( عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر وهما مطبوعتان في كتاب واحد فننصح بالرجوع إليهما ،
[98] - فتح الباري لابن حجر ( 13 / 108 – 110 ) ،
[99] - فتح الباري لابن حجر ( 6 / 386 ) ( 13 / 106 – 107 ) ،
[100] - أخرجه مسلم ( 2937 ) ،
[101] - بغية المرتاد ص 485 ،
[102] - أخرجه البخاري ( 1783 ) ومسلم ( 2983 ) وانظر بغية المرتاد ص 514 ،
[103] - أخرجه مسلم ( 2937 ) .
[104] - أخرجه مسلم ( 2937 ) ،
[105] - أخرجه الترمذي ( 3169 ) وقال : حديث حسن صحيح ، وأحمد ( 19400 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 3 / 286 ) برقم 3169 ،
[106] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 174 – 175 ، 198 – 199 ) ( 6 / 528 – 529 ) ( 12 / 561 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 1 / 162 ) ،
[107] - أخرجه البخاري ( 988 ) ومسلم ( 900 ) ،
[108] - أخرجه أبو داود ( 2479 ) وأحمد ( 16463 ) والدارمي ( 2513 ) والبيهقي في السنن الكبرى ( 9 / 17 ) وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل برقم 1208 ،
[109] - أخرجه ابن ماجة ( 4055 ) وأحمد ( 27574 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ( 3 / 329 ) برقم 4127 ،
[110] - أخرجه البخاري ( 3329 ) ،
[111] - فتح الباري لابن حجر ( 3 / 4 ) ( 11 / 114 ، 393 ) ،
[112] - فتح الباري لابن حجر ( 8 / 289 ) ( 11 / 367 – 368 ) ،(72/184)
[113] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 16 / 35 ) واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن النفخ ثلاث مرات ،
[114] - دلت النصوص على أن الصعق يقع مرتين انظر كتاب الروح لابن القيم ص 72 ،
[115] - أخرجه البخاري ( 5420 ) ومسلم ( 220 ) ،
[116] - حديث البطاقة أخرجه الترمذي ( 2639 ) وابن ماجة ( 4300 ) وأحمد ( 6955 ) والحاكم ( 1 / 6 – 529 ) وقال : ( صحيح الإسناد على شرط مسلم ) .
وقال الشيخ العلامة محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني : ( وهو كما قالا ) ثم قال : ( وفي الحديث دليل على أن ميزان الأعمال له كفتان مشاهدتان وأن الأعمال وإن كانت أعراضاً فإنها توزن والله على كل شيء قدير وذلك من عقائد أهل السنة والجماعة والأحاديث متضافرة إن لم تكن متواترة ) انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1 / 262 – 263 ) برقم 135 .
وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 301 – 302 ) ،
[117] - شرح العقيدة الطحاوية ص 417 ،
[118] - أخرجه أحمد ( 922 ) ،
[119] - أخرجه البخاري ( 4453 ) ومسلم ( 2849 ) وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 312 ) ،
[120] - وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن أبي العز الطحاوي انظر مجموع الفتاوى ( 4 / 301 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 418 ،
[121] - أخرجه البخاري ( 6043 ) ومسلم ( 2694 ) ،
[122] - وقال بعض العلماء أنه يوزن الجميع صاحب العمل والعمل وصحائف العمل لأن النصوص وردت فيهم جميعاً فلا مانع من القول بها كلها وهو ما رجحه الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى في معارج القبول ( 2 / 848 – 849 ) ،
[123] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 375 ) ،
[124] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 495 ) ،
[125] - أخرجه البخاري ( 773 ) ومسلم ( 182 ) ،
[126] - فتح الباري لابن حجر ( 11 / 466 ) ،(72/185)
[127] - هذا الحديث أخرجه مسلم ( 2300 ) بلفظ ( عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ) وفي رواية أحمد ( 5877 ) : ( وأطيب من ريح المسك ) .
[128] - أخرجه البخاري ( 6209 ) ومسلم ( 2300 ) ،
[129] - أخرجه البخاري ( 6208 ) ومسلم ( 2292 ) ،
[130] - الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية للشيخ زيد بن عبدالعزيز آل فياض ص 339 والتنبيهات السنية على العقيدة الواسطية للشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد ص 234 – 235 ،
[131] - أخرجه البخاري ( 2992 ) ومسلم ( 1061 ) ،
[132] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 126 ) وإعلام الموقعين لابن القيم ( 1 / 150 ) ،
[133] - أخرجه البخاري ( 5226 ) ومسلم ( 1960 ) ،
[134] - أخرجه البخاري ( 912 ) ،
[135] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 126 – 127 ) ( 21 / 419 ) وجواب أهل العلم والإيمان ص 156 ،
[136] - أخرجه الترمذي ( 2443 ) وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 4 / 117 ) برقم 1589 ،
[137] - أخرجه البخاري ( 4463 ) ومسلم ( 2860 ) ،
[138] - هو أبو محمد القاسم بن علي بن محمد الحريري صاحب المقامات والملحة وشرحها ، كان إماماً في النحو واللغة ، مات سنة 516 هـ ، دول الإسلام للذهبي ( 2 / 23 ) المختصر في أخبار البشر للملك أبي الفداء ( 2 / 57 ) ، انباه الرواة للقفطي ( 3 / 25 ) ،
[139] - البيت موجود في : شرح الملحة ( ص 278 ) له ،
[140] - اقتضاء الصراط المستقيم ( 1 / 830 ) والرد على المنطقيين ص 526وما بعدها ،(72/186)
[141] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1 / 332 ) ( 14 / 386 – 397 ) وكتاب الإيمان ص 74 وما بعدها ،
[142] - معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي ( 2 / 886 – 894 ) وشرح العقيدة الواسطية ص 217 للشيخ محمد خليل هراس ،
[143] - الصفدية ( 2 / 290 ) ومختصر الاستغاثة ص 267 – 268 ،
[144] - العقيدة الواسطية ص 36 ، 37 ،
[145] - أخرجه مسلم ( 221 ) ،
[146] - أخرجه البخاري ( 1298 ) ومسلم ( 2931 ) ،
[147] - أخرجه البخاري ( 6171 ) ومسلم ( 2876 ) ،
[148] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 580 ) ،
[149] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 25 ، 428 ) ( 4 / 261 ) ( 11 / 350 – 351 ) ( 13 / 202 ) ،
[150] - أخرجه البخاري ( 4800 ) ومسلم ( 1453 ) ،
[151] - أخرجه مسلم ( 1453 ) .
[152] - المحلى لابن حزم ( 10 / 202 – 212 ) ،
[153] - وهو قول الزيلعي في تبيين الحقائق ( 2 / 182 ) وسبل السلام للصنعاني ( 2 / 312 – 313 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 6 / 371 – 376 ) ،
[154] - وهو قول البهوتي في كشاف القناع ( 5 / 445 ) والجصاص في أحكام القرآن ( 1 / 559 ) والباجي في المنتقى شرح الموطأ ( 4 / 154 ) والسبكي في الفتاوى ( 1 / 382 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 34 / 39 – 41 ، 44 ، 59 – 60 ، 63 ) والفتاوى الكبرى ( 3 / 162 ) وطرح التثريب للعراقي ( 7 / 135 – 136 ) ،
[155] - مختصر فتاوى ابن تيمية ص 450 وإعلام الموقعين لابن القيم (4 / 264 – 265 ) وزاد المعاد لابن القيم ( 5 / 552 ) وشرح النووي على صحيح مسلم ( 10 / 284 ) وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض ( 4 / 640 ) والتمهيد لابن عبدالبر ( 8 / 256 – 260 ) والموسوعة الفقهية ( 22 / 245 – 247 ) ،
[156] - جواب أهل العلم والإيمان ص 156 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 34 / 35 – 42 – 51 – 60 ) ،(72/187)
[157] - أخرجه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) ،
[158] - أخرجه مسلم ( 2236 ) ،
[159] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 306 – 307 ) والنبوات ( 2 / 1009 ) ،
[160] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 363 ،
[161] - وهو قول أبي حنيفة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 4 / 234 ) ،
[162] - وهو قول جمهور العلماء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 11 / 306 – 307 ) ،
[163] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 233 – 234 ) ،
[164] - وهو قول جمهور العلماء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى ( 11 / 307 ) والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 363 ،
[165] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 233 – 437 ) ،
[166] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ( 364 – 365 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 13 / 87 ) ،
[167] - وهي رسالة موجودة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ،
[168] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 63 ) ،
[169] - شرح العقيدة الطحاوية ص 395 – 396 ،
[170] - أخرجه البخاري ( 421 ) ومسلم ( 904 ) ،
[171] - أخرجه مسلم ( 2856 ) ،
[172] - أخرجه مسلم ( 904 – 1496 ) ،
[173] - أخرجه البخاري ( 712 ) ومسلم ( 901 ) ،
[174] - أخرجه البخاري ( 3070 ) ومسلم ( 2395 ) ،
[175] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 77 ) ( 7 / 332 ) ( 18 / 306 ) ،
[176] - أخرجه البخاري ( 4453 ) ومسلم ( 2849 ) .
[177] - عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني ص 81 ،
[178] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 306 – 307 ) ،
[179] - إيضاح الدلالة في عموم الرسالة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ( 2 / 124 ) ،
[180] - أخرجه البخاري ( 6986 ) ومسلم ( 2751 ) ،
[181] - الموسوعة الفقهية ( 34 / 152 ) ،(72/188)
[182] - أخرجه البخاري ( 2615 ) ومسلم ( 89 ) ،
[183] - الفواكه الدواني للنفراوي ( 1 / 78 ) ،
[184] - الموسوعة الفقهية ( 34 / 151 – 153 ) ،
[185] - المحلى لابن حزم ( 8 / 472 ) وبدائع الصنائع للكاساني ( 6 / 268 ) والبحر المحيط للزركشي ( 6 / 153 – 156 ) والفروق للقرافي ( 1 / 120 – 136 ) ( 4 / 65 – 66 ) والتقرير والتحبير في شرح التحرير لابن أمير الحاج ( 2 / 244 ) والأشباه والنظائر للسيوطي ص 385 – 386 والبحر الرائق لابن نجيم ( 7 / 89 – 90 ) ومغني المحتاج للشربيني الخطيب ( 6 / 344 – 346 ) ونهاية المحتاج للرملي ( 8 / 294 – 302 ) وسبل السلام للصنعاني ( 2 / 552 – 553 ) والموسوعة الفقهية ( 8 / 25 ) ( 27 / 17 – 19 ) ( 34 / 148 – 151 ) ،
[186] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 650 – 660 ) ،
[187] - أخرجه البخاري ( 13 ) ومسلم ( 45 ) ،
[188] - كشاف القناع للبهوتي ( 6 / 115 – 116 ) والفواكه الدواني للنفراوي ( 1 / 78 ) وطرح التثريب للعراقي ( 2 / 266 ) ( 8 / 39 ) وأسنى المطالب لزكريا الأنصاري ( 4 / 359 ) وبريقة محمودية للخادمي ( 3 / 139 ) ،
[189] - لم يعرف قائله ، والبيت ذكر في : أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (1/ 247) ، وشرح قطر الندى ( ص 131 ) ، وتلخيص الشواهد لابن هشام ( ص 241 ) ، كلهم لابن هشام ، وشرح ابن عقيل على الألفية ( 1 / 274 ) ، وشرح التحفة الوردية لابن الوردي ( ص 171 ) ، والمقاصد النحوية للعيني ( 2 / 20 ) ، وفتح الجليل للعدوي (ص 47 ) ، وتوضيح المقاصد للمرادي ( 1 / 298 ) ، وشرح الأشموني على الألفية ( 1 / 231 ) ، وهمع الهوامع ( 1 / 372 ) ، والمطالع السعيدة ( 1 / 203 ) كلاهما للسيوطي ، والدرر اللوامع للشنقيطي ( 2 / 69 ) ، وشرح الجرجاوي على شواهد ابن عقيل ( ص 47 ) .(72/189)
[190] - هو الصحابي النمر بن تولب العكلي ، أبو قيس رضي الله عنه ، ويقال الذهلي ، كان شاعراً جواداً في الجاهلية والإسلام ، ويسمى الكَيِّسَ ، لحسن شعره ، كتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً ، ويعد من المعمرين ، فلما هرم كان دأبه أن يقول : أصبحوا الراكب ، اغبقوا له ، اقروا الضيف ، انحروا له ، أعطوا السائل ، مات رضي الله عنه نحو 14 هـ . معجم الصحابة لابن قانع ( 3 / 165 ) ، معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني ( 5 / 2706 ) ، الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ( 4 / 92 ) ، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ( 5 / 336 ) ، الثقات لابن حبان ( 3 / 423 ) ، طبقات ابن سعد ( 7 / 28 ) ، تهذيب الكمال للمزي ( 30 / 19 ) ، التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة للحسيني ( 3 / 1782 ) ، خلاصة التذهيب للخزرجي ( 3 / 105 ) ، كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني ( ص 87 ) ، التذكرة الحمدونية لابن حمدون ( 3 / 255 ) ، الأسماء المبهمة للخطيب ( 314 ) ، سؤالات أبي حاتم للأصمعي في فحولة الشعراء ( ص 68 ) ، طبقات فحول الشعراء لابن سلام ( 1 / 164 ) ، اختيار الممتع للنهشلي ( 1 / 329 ) ، سر صناعة الإعراب لابن جني ( 1 / 423 ) ، كنى الشعراء لابن حبيب ( 2 / 317 _ ضمن نوادر المخطوطات ) ، الدرر اللوامع للشنقيطي ( 2 / 22 ) ، ويرى ابن حجر أن هناك شاعر آخر بنفس اسم الصحابي ، استناداً إلى ما ذكره ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ( ص 199 ) ، انظر الإصابة ( 6 / 470 ) ، تهذيب التهذيب ( 10 / 474 ) ، والتقريب ( ص 1008 ) ، وفي التهذيب ( الديلي ) بدل ( الذهلي ) ، وهو تصحيف ، ولم يتعقبه السهارنفوري في كتابه : " تصويب التقليب الواقع في تهذيب التهذيب"، وفي تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين ( 2 / 2 / 198 ) : ( نكل ) بدل ( عكل ) وهو تصحيف .(72/190)
[191] - البيت موجود في : ديوان الحماسة للبحتري ( ص 149 ) ،كتاب سيبويه ( 1 / 86 ) ، شرح أبيات سيبويه للشنتمري ( 1 / 90 ) ، المقاصد النحوية للعيني ( 1 / 565 ) ، المؤتلف والمختلف للآمدي ( ص 25 ) ، التمثيل والمحاضرة ( ص 56 ) ، وثمار القلوب ( 2 / 912 )كلاهما للثعالبي مع نسبته له في الأول ، أمالي ابن الحاجب ( 2 / 749 ) ، ما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز ( ص 166 ) ، شرح الإختيارات للتبريزي ( 3 / 1357 ) ، تلخيص الشواهد لابن هشام ( ص 193 ) ، همع الهوامع للسيوطي ( 1 / 327 ) ، العقد الفريد لابن عبدربه ( 3 / 59 ) ، ذخائر العقبى للطبري ( ص 307 ) ، المطالع السعيدة للسيوطي ( 1 / 184 ) ، شرح التحفة الوردية لابن الوردي ( ص 143 ) .
[192] - أخرجه البخاري ( 5638 ) ومسلم ( 2556 ) ،
[193] - التحفة العراقية ص 399 ،
[194] - أخرجه البخاري ( 773 ) ومسلم ( 182 ) ،
[195] - بغية المرتاد ص 530 ،
[196] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 488 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 349 – 366 ) ( 2 / 78 وما بعدها ) وبغية المرتاد ص 344 ، 470 وحادي الأرواح ص 373 وما بعدها لابن القيم وشرح العقيدة الطحاوية ص 193 ،
[197] - بغية المرتاد ص 471 وما بعدها ،
[198] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 553 ) ،
[199] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 486 – 502 ) وأحكام القرآن للشافعي ( 1 / 40 ) ،
[200] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 409 ) وبغية المرتاد ص 451 – 466 وحادي الأرواح لابن القيم ص 373 ،(72/191)
[201] - هو أبو عبدالله محمد التاودي بن محمد الطالب بن سودة المري الفاسي ، إمام فقهاء المغرب ، قد حاز الرياسة فيها ، وكان خاتمة شيوخ فاس ، مات سنة 1209 هـ وقد جاوز التسعين ، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمخلوف ( 1 / 372 ) ، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للناصري ( 8 / 96 ) ، فهرس الفهارس والأثبات للكتاني ( 1 / 256 ) ، وفي شجرة النور الزكية ( المزي ) بالزاي وهو تصحيف ،
[202] - النظم موجود في : نظم المتناثر من الحديث المتواتر لابن جعفر ( ص 18 ) نقلاً من كتاب التاودي " زاد المجد الساري " وهو حاشية على صحيح البخاري ، طبع قديماً في فاس ، معجم المطبوعات لسركيس ( 2 / 1643 ) ،
[203] - أخرجه البخاري ( 100 ) ومسلم ( 2673 ) ،
[204] - قال الحافظ ابن حجر ( فوصف الرسالة يستلزم وصف النبوة ) انظر فتح الباري ( 1 / 118 ) ( 12 / 314 ) ،
[205] - جامع البيان للطبري ( 11 / 28 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 396 ) ( 18 / 266 - 267 ) ،
[206] - أخرجه البخاري ( 4163 ) ،
[207] - بغية المرتاد ص 392 ،
[208] - الصفدية ( 1 / 229 ) ،
[209] - سلسة الأحاديث الصحيحة ( 6 / 363 – 369 ) للشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى ،
[210] - أخرجه أحمد ( 21036 ) ،
[211] - أخرجه البخاري ( 3162 ) ومسلم ( 194 ) ،
[212] - البداية والنهاية لابن كثير ( 1 / 92 وما بعدها ) وشرح مختصر خليل للخرشي ( 1 / 30 ) ويراجع تهذيب الأسماء واللغات للنووي وشرح القسطلاني على صحيح البخاري عند شرح حديث الشفاعة للأهمية ،
[213] - أخرجه البخاري ( 3503 ) ومسلم ( 2404 ) ،
[214] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 170 ) ،
[215] - أخرجه البخاري ( 328 ) ومسلم ( 521 ) ،(72/192)
[216] - أخرجه الترمذي ( 2670 ) وأحمد ( 21855 ) وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 4 / 216 ) برقم 1160 ،
[217] - أخرجه البخاري ( 5378 ) ومسلم ( 220 ) ،
[218] - أخرجه مسلم ( 50 ) ،
[219] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 529 ) ،
[220] - أخرجه البخاري ( 4163 ) ،
[221] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 14 / 472 ) ،
[222] - وهو قول مجاهد وغيره ، انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 10 / 201 ) ،
[223] - قال تعالى : { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا ، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ، واذكر في الكتاب ادريس إنه كان صديقا نبيا } ( مريم 54 – 56 ) .
[224] - فتح الباري لابن حجر ( 6 / 582 ) ( 9 / 7 ) ،
[225] - مجموعة الرسائل والمسائل ( 4 / 153 ) ،
[226] - وهو قول أبي بكر الباقلاني ، النبوات ( 1 / 225 ) ،
[227] - هو شمس الدين محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي المرداوي الحنبلي ، الفقيه ، المحدث ، النحوي ، الشاعر ، كان حسن الديانة كثير الإفادة ، برع في العربية واللغة ، ودرس ، وأفتى ، وصنف ، ومن تصانيفه " منظومة الآداب " ، ومن أشهر من شرحها العلامة السفاريني ، وهي القصيدة الدالية الطويلة في الفقه ، وممن قرأ عليه في العربية شيخ الإسلام ابن تيمية ، مات سنة 699هـ . المقصد الأرشد لابن مفلح ( 2 / 459 ) ، المنهج الأحمد للعليمي ( 4 / 357 ) ، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ( 2/ 342 ) ، برنامج الوادي آشي لابن جابر ( ص 123 ) ، درة الحجال للمكناسي ( 2 / 260 ) ، الوافي بالوفيات للصفدي ( 3 / 278 ) ، بغية الوعاة للسيوطي ( 1 / 161 ) ، العبر للذهبي ( 5 / 403 ) .(72/193)
[228] - البيت موجود في : الآداب الشرعية لابن مفلح ( 3 / 560 ) ، وهو غير موجود في ( منظومة الآداب ) للناظم بشرح السفاريني ( طبعة دار الكتب العلمية ، وطبعة ... ) ، فلعلها سقطت من الطابع أو من نسخة الشارح ، والله اعلم .
[229] - أخرجه أحمد ( 24080 ) ،
[230] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 27 / 394 ) ،
[231] - أخرجه البخاري ( 342 ) ومسلم ( 164 ) ،
[232] - أخرجه مسلم ( 162 ) ،
[233] - أخرجه البخاري ( 3060 – 3062 ) ،
[234] - أخرجه البخاري ( 3673 ) ومسلم ( 170 ) ،
[235] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 492) ( 27 / 388 ) ،
[236] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 6 ، 25 ، 31 ) ( 24 / 173 ) ( 27 / 388 ) والرد على البكري ص 329 ، 330 ،
[237] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 25 / 285 ) ،
[238] - أخرجه البخاري ( 4 ) ومسلم ( 160 ) .
[239] - أخرجه البخاري ( 6588 ) ومسلم ( 2263 ) ،
[240] - مجموعة الرسائل والمسائل ( 1 / 144 ) ،
[241] - البداية والنهاية ( 6 / 331 ) .
[242] - الجواب الصحيح ( 6 / 324 وما بعدها ) ،
[243] - البداية والنهاية ( 6 / 76 وما بعدها ) ،
[244] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 280 ) والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 315 ٍ،
[245] - أخرجه مسلم ( 2278 ) ،
[246] - منهاج السنة النبوية ( 2 / 417 ) والرد على البكري ص 329 – 330 ،(72/194)
[247] - هو برهان الدين إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني المصري المالكي الصوفي الأشعري ، ونسبته إلى لقانه من قرى مصر ، من أبرز علماء الأشاعرة في عصره ، وصاحب نظم جوهرة التوحيد في عقيدة الأشاعرة المشهورة ، وقد ألف عليها ناظمها ثلاثة شروح ، صغير ووسط وكبير ، ثم توالت الشروحات عليها من قبل معتقديها ، مات سنة 1041هـ ، خلاصة الأثر للمحبي ( 1 / 6 ) ، هدية العارفين للبغدادي ( 1 / 30 ) ، شجرة النور الزكية لمخلوف ( 1 / 291 ) ، فهرس الفهارس والأثبات للكتاني ( 1 / 130 ) ، وفي المرجعين الأخيرين إسقاط إبراهيم الثاني ، انظر معجم المؤلفين لعمر كحالة ( 1 / 2 ) ،
[248] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 17 ) ،
[249] - أخرجه البخاري ( 6398 ) ،
[250] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 188 – 189 ) ( 14 / 432 ) ،
[251] - قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ومحمد وإبراهيم أفضل الرسل ) النبوات ( 1 / 209 ) ،
[252] - وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى ( 27 / 101 ) ،
[253] - النبوات ( 2 / 714 – 717 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 158 ،
[254] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 10 ) ( 10 / 290 ) ( 11 / 226 ) ( 18 / 7 ) والنبوات ( 2 / 717 ) سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 6 / 363 – 369 ) للعلامة الألباني رحمه الله تعالى ،
[255] - أخرجه البخاري ( 3179 ) ومسلم ( 2371 ) ،
[256] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 19 / 158 – 159 ) ( 22 / 233 ) ( 30 / 394 ) ،
[257] - منهاج السنة النبوية ( 1 / 470 – 474 ) والجواب الصحيح ( 6 / 298 – 299 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 319 – 320 ) ( 10 / 392 – 393 ، 309 ) ( 15 / 148 – 150 ) والنبوات ( 2 / 873 ) وبغية المرتاد ص 496 – 501 والرد على البكري ص 151 ، 371 وأضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( 4 / 522 – 538 ) ،(72/195)
[258] - أخرجه البخاري ( 392 ) ومسلم ( 572 ) ،
[259] - الفروع لابن مفلح ( 6 / 476 ، 563 ) والآداب الشرعية لابن مفلح ( 1 / 20 – 22 ) والإنصاف للمرداوي ( 11 / 253 ) وشرح منتهى الإرادات للبهوتي ( 3 / 524 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 6 / 338 ) وغذاء الألباب للسفاريني ( 1 / 139 – 140 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 518 ) ونيل الأوطار ( 7 / 302 ) والموسوعة الفقهية ( 5 / 295 ) ،
[260] - أحكام القرآن للجصاص ( 3 / 285 ) وأدب الدنيا والدين للماوردي ص 265 – 266 ،
[261] - وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى ( 19 / 158 – 159 ) ( 22 / 233 ) ( 30 / 394 ) وإعلام الموقعين لابن القيم ( 3 / 183 ، 283 ) ،(72/196)
[262] - البيت لم يعرف قائله ، وكل من استشهد به من أهل العلم ذكروه بلا نسبة ، كالأنباري في الإنصاف ( 2 / 613 ) ، والسيوطي في كتابيه شرح الشواهد ( 2 / 929 ) ، وهمع الهوامع ( 3 / 159 ) ، والمرادي في توضيح المقاصد ( 2 / 101 ) و ( 3 / 237 ) ، والرضى في شرح الكافية ( 2 / 36 ) ، والمكودي في شرحه على الألفية ( ص 232 ) ، وابن هشام في كتابيه المغني ( 2 / 727 ) ، وشرح شذور الذهب ( ص 263 ) ، وابن منظور في اللسان ( 11 / 276 ) مادة ( قلد ) ، وابن الشجري في أماليه ( 3 / 83 ) ، وابن يعيش في شرح المفصل ( 2 / 9 ) ، وابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن ( ص 213 ) ، وابن جني في الخصائص ( 2 / 431 ) ، والتبريزي في شرح الاختيارات ( 1 / 228 ) ، والجوهري في الصحاح ( 2 / 527 ) مادة ( قلد ) ، وأبي علي الفارسي في إيضاح الشعر ( ص 573 ) ، وأبي حيان في ارتشاف الضرب ( 3 / 1491 ) ، والجرجاوي في شرحه على شواهد ابن عقيل ( ص 119 ) ، والأشموني في شرحه على الألفية ( 1 / 499) ، والطيبي في التبيان ( ص 407 ) ، والمرزوقي في شرح الحماسة ( 3 / 1147 ) ، والعلائي في الفصول المفيدة ( ص 202 ) ، وابن أبي الأصبع في تحرير التحبير ( ص 465 ) ، وذكر العيني في المقاصد النحوية ( 3 / 101 ) و ( 4 / 181 ) أنه مشهور عند القوم ، ولم ير أحداً عزاه إلى قائله ، وقال العدوي في فتح الجليل ( ص 119 ) : أنه لا يعرف قائله ، وكذلك الشنقيطي كما في الدرر اللوامع ( 6 / 80 ) ، وذكر عبدالقادر البغدادي في خزانة الأدب ( 1 / 499 ) أنه نسب إلى ذي الرمة ، ولكنه فتش عنه في ديوانه فلم يجده ، وجعله محقق ديوانه د . عبد القدوس ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ( 3 / 1862 ) ، وذكر الفراء في معاني القرآن ( 1 / 14 ) أنه لبعض بني أسد ، وتارة أنه لبعض بني دبير ، في ( 3 /124 ) .(72/197)
[263] - وعجزه : "حتى شتت همالةً عيناها " ، ويروى : ( غدت ) بدل : ( شتت ) ، كما في شرح المكودي ، وشرح شذور الذهب لابن هشام ، وشرح الجرجاوي ، ومعناهما واحد ، وأورد له البعض صدراً ، وجعلوا المذكور عجزاً هكذا :
لما حططت عنها الرحل واردا ،
علفتها تبنا وماءاً باردا ،
كما في الخزانة .
[264] - أخرجه ابن ماجة ( 4308 ) وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 4 / 99 ) برقم 1571 ) ،
[265] - أخرجه النسائي ( 450 ) ،
[266] - انظر نحو هذا الكلام والرد عليه في بغية المرتاد ص 496 والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 190- 191 ،(72/198)
[267] - هو الحلولي الإتحادي المتهم بالإلحاد والزندقة محمد بن علي الحاتمي المعروف بابن عربي النكرة الذي فاقت مقالاته مقالات الأديان والفرق الخارجة عن الإسلام مجتمعة ، حيث يرى أن الله إنسان كبير ، وأن الله مفتقر إلى خلقه ، وأن كل شيء هو رب وإله ، فيرى أن الطبيعة هي الله ، وأن الكون هو الرب ، وأن الهوى رب أيضاً ، وتمجيده لليهودية عباد العجل ، والنصارى عباد عيسى ، والمجوسية عباد النار ، والوثنية عباد الأصنام، وزعم أنه اجتمع بالأنبياء ، ويرى أنه يتلقى الوحي من الله تعالى ، وقوله بوحدة الأديان ، وأنه يعلم الغيب ، وأن الكعبة طافة به ، ويرى بإيمان فرعون وربوبيته ، ويعتقد بعقيدة التثليث التي اخترعها ، وهي : ( حق - رجل - امرأة ) ، ويرى أن أكمل صورة لله هي المرأة ، ويرى أن الأنوثة صفة الإله ، وكان يعمل بالسحر ، وكان باطني المذهب ، وكان لا يحرم فرجاً ، ولقد أعانه إبليس على جمع كفره وزندقته في كتابين سماهما بهتاناً وزوراً ( الفتوحات المكية ) ، وهو بالفتوحات الشيطانية أصدق ، و ( فصوص الحكم ) وهو بفصوص الظُّلم أحق ، الذي قال عنه الذهبي : ( فإن كان لا كفر فيه ، فما في الدنيا كفر ! ) ، ولقد أطبق العلماء – جزاهم الله عن الإسلام خيراً - على تكفيره ، بل وقال بعضهم بتخليده في النار إن كان مات على زندقته ، وقد تبشر المسلمون بهلاكه سنة 638 هـ ،
انظر نفح الطيب للتلمساني ( 2 / 161 ) وشذرات الذهب لابن العماد ( 7 / 332 ) وجامع كرامات الأولياء للنبهاني ( 1 / 198 ) وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 23 / 48 ) ، والعقد الثمين للفاسي ( 2 / 160 ) وطبقات الأولياء لابن الملقن ( ص 469 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 491 ) ، ( 10 / 162 ) ، وانظر كتاب تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي للبقاعي .(72/199)
[268] - نسبه له ابن تيمية في مجموعة الرسائل والمسائل ( 4 / 66 ) ، وهو في الطبقات الكبرى للشعراني الصوفي ( 2 / 62 ) بلا نسبة ، وفي الصفدية ( 1 / 252 ) ، والفرقان ( ص 197 ) كلاهما لابن تيمية أيضاً ، ويوجد بيت قريب منه في لطائف الأسرار لابن عربي ( ص 49 ) ، وفيه :
سماء النبوة في برزخ .
دون الولي وفوق الرسول .
ومثل معناه في كتابه الفتوحات المكية ( 2 / 249 ) يقول :
بين الولاية والرسالة برزخ .
فيه النبوة حكمها لا يجهل .
[269] - بغية المرتاد ص 227 – 228 ، 386 وانظر الصفدية ( 1 / 247 ) ،
[270] - أخرجه أبو داود ( 2041 ) وحسنه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن أبي داود ( 1 / 570 ) برقم 2041 وراجع جلاء الأفهام ص 108 تحقيق فضيلة الشيخ مشهور حسن سلمان حفظه الله تعالى .(72/200)
فصل
في ذكر الصحابة الكرام
الصحابة والصحب والصحابي والصاحب ، صاحب رسول الله كلهم لهم ميزة على غيرهم ،
فالصاحب في غير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو : من كثرت ملازمته ،
صاحبك من كثرت ملازمته لك هذا في حق غير صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
أما الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام فالصحابي : هو ( من اجتمع بالنبي صلى الله عليه صلى الله وآله وسلم مؤمناً به ولو حكماً ومات على ذلك ) [1] ،
فخرج بقولنا : ( من اجتمع ) : من أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وآمن ولكن لم يجتمع به .
مثل : أن يكون أقبل على المدينة ليبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمات الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يصل فهذا ليس بصحابي .
وإن كان قد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
لكنهم اصطلحوا على أن يسموه مخضرماً ومرتبته بين الصحابة الخُلَّص وبين التابعين الخُلَّص ،
لأنك إن نظرت إلى كونه أسلم في عهد الرسول ألحقته بالصحابة ،
وإن نظرت إلى أنه لم يجتمع به ألحقته بالتابعين ،
ولهذا كان في منزلة بين الصحابة وبين منزلة التابعين ويُسمى مخضرماً وما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يُعتبر منقطعا لأنه لم يجتمع بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،
وقولنا : ( مؤمناً به ) : خرج بذلك من اجتمع بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً بغيره ولما مات الرسول آمن بالرسول فهذا ليس بصحابي .
لأنه حين اجتماعه به ليس مؤمناً به ،
ولهذا نقول : ( مؤمناً به ) ،
ودخل في قولنا : ( من اجتمع بالرسول ) : من كان أعمى واجتمع بالرسول فإنه يكون صحابياً ،
وبهذا نعرف أن قولنا : ( من اجتمع به ) : أحسن من قول بعض العلماء : ( من رآه مؤمناً به ) ،
لأننا إذا قلنا : ( من رآه ) : خرج بذلك العمى ،
وقولنا : ( ولو حكماً ) : دخل فيه الصبي في المهد إذا اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام ،(73/1)
كما لو جيء بصبيٍّ من أبناء المسلمين إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ثم مات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يميز هذا الصبي فإن هذا مؤمنٌ بالرسول حقيقةً أو حكماً ؟
حكماً ، لماذا ؟
لأنه صبي لا عقل له لكنه مؤمنٌ لإيمان أبويه ،
وقولنا : ( ومات على ذلك ) : دخل فيه من ارتد ثم رجع إلى الإسلام ومات على الإسلام فإنه يكون صحابياً ،
فالردة لا تبطل الصحبة ،
إلا أن يموت على الردة كما أنها لا تبطل الأعمال الصالحة إلا أن يموت على الردة ،
لقوله تعالى : { ومن يرتدد منكم عند دينه فيمت وهو كافر فأولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والأخرة } ( البقرة 217 ) .
وخرج به من اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام مؤمناً به ثم ارتد ومات على الردة ،
فإنه لا يكون صحابياً ،
فاعرف القيود حتى يتبين لك من هو الصحابي ،
ثم الصحابة على مراتب كما سيأتي في هذا الباب على مراتب في الفضيلة والسبق إلى الإسلام سيذكرها المؤلف ،
معنى قولنا : ( ولو حكماً ) : أي أن من كان صبياً فهو صحابي حكماً لا حقيقةً ،
وعلى هذا فمحمد بن أبي بكر الذي وُلد في حجة الوداع يُعتبر صحابياً ،
ولو اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ثم لم يره بعد وآمن أيكون صحابياً ؟
لا يكون ،
لأنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ،
ونحن قلنا : ( من اجتمع بالنبي ) بوصفه نبياً لا بوصفه رجلاً سيُنبأ ،
فمن اجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً بالرسول وقال هذا هو النبي بشرت به التوراة والإنجيل فآمن بالرسول لكن بعد بعثة الرسول لم يره فإنه لا يُعتبر صحابياً ،
لأنه آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يكون نبياً ،
وقولنا : ( مات على ذلك ) : يشمل ما لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام ،
فإنه يبقى على وصف الصحبة أما لو ارتد ومات على الكفر ، فمعلوم أنه ليس بصحابي ،
لأن الردة تبطل الأعمال كلها إذا مات الإنسان عليها والعياذ بالله ،
وهكذا نقول في الأعمال كلها ،(73/2)
لو أن الإنسان ارتد ثم عاد للإسلام ومات على الإسلام ، فإن أعماله السابقة للردة تبقى صحيحة مقبولة إذا تمت فيها شروط القبول ،
فإذا حج الإنسان ثم ارتد بترك الصلاة مثلاً صار لا يصلي ثم عاد للإسلام هل نأمره بإعادة الحج ؟
لا ،
لأن الردة لا تبطل الأعمال ، إلا إذا مات وهو على الكفر ،
أما الصحبة في حق غير الرسول فإنها لا تكون إلا بملازمةٍ طويلة يستحق أن يكون بها صاحباً فمجرد أن يتفق شخص مع آخر في سفر ،
فإذا وصلا إلى المدينة تفرقا لا يُعد ذلك صحبة إلا مقيدة ،
فيقال : صحبته في السفر الفلاني ، صحبته في الحج ، وما أشبه ذلك ،
أولاً : هذه الأمة أفضل الأمم ولله الحمد بالقرآن والسنة :
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس } ( آل عمران 110 ) .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنكم توفون سبعين أمةً أنتم أكرمها على الله عز وجل ) [2] ، هذا الحديث أو معناه ،
فهذه الأمة ولله الحمد أفضل الأمم بالقرآن والسنة ،
ثم إن خير هذه الأمة الصحابة [3] ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [4] ،
ثم الصحابة المهاجرون أفضل من الأنصار ،
لأن المهاجرين جمعوا بين النصرة والهجرة هاجروا أوطانهم وأموالهم وأهليهم إلى الله ورسوله ونصروا الله ورسوله ،
قال الله تعالى في وصف المهاجرين : { وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ( الحشر 8 ) .
فنص على الهجرة ونص على النصرة ، فهم رضي الله عنهم أفضل من الأنصار ،
وهذا من حيث الجنس كل التفضيل الذي قلنا الآن من حيث الجنس ،
ثم بعد ذلك أفضل المهاجرين الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ،
ثم أفضل هؤلاء الأربعة كما قال المؤلف :
******************
147 – وليس في الأمة بالتحقيق ،(73/3)
في الفضل والمعروف كالصديق ،
قوله : ( في الأمة ) : أمة محمد صلى عليه الصلاة والسلام ،
قوله : ( بالتحقيق ) : أي بالقول المحقق الذي دلت عليه النصوص في الكتاب والسنة ليس فيها في الفضل والمعروف ( كالصديق ) ،
قوله : ( بالفضل ) : الفضل : بذل الخير والإحسان من العلم والمال وغير ذلك ،
قوله : ( والمعروف ) : ضد المنكر ،
فهو جامعٌ رضي الله عنه بين العدل الذي هو المعروف وبين الفضل الذي هو الإحسان ،
ويدل لذلك : أن الله تعالى لم يصف أحداً من الصحابة بأنه صاحب رسول الله إلا أبا بكر ،
قال تعالى : { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه إن الله معنا } ( التوبة 40 ) .
وهذه منقبة عظيمة لم ينلها إلا من هو أهلٌ لها وهو أبو بكر ، { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ( الأنعام 124 ) .
وأعلم حيث يجعل فضله فهذا الفضل العظيم لأبي بكر لم ينله أحد .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ ) ، ما قال : اتخذت فلان ولا فلان ، قال : ( لاتخذت أبا بكرٍ ولكن أخوة الإسلام ومودته ) .
وقال : ( لا يبقين في المسجد بابٌ ولا خوخة إلا سُدَّت إلا باب أبا بكر ) [5] .
وقال معلناً على المنبر : ( إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ) [6] ،
أفبعد هذا يقال إن غيره أفضل منه ؟
لا والله ،
أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر مع أن المنة حقيقةً لمن ؟
للرسول عليه الصلاة والسلام يعني كون أبي بكر يكون صاحباً للرسول ولم يطرده الرسول أو يعرض عنه أو يريه وجه غضب هذا منة للرسول في الواقع لكن من كرم الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المنة من أبي بكر عليه ،
كذلك أيضاً الصحبة المنة لمن ؟
للرسول عليه الصلاة والسلام والمنة الأولى للجميع لله عز وجل ،(73/4)
ولهذا لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام للأنصار يبين ما من الله به عليهم كلما ذكر لهم أن الله هداهم به وأغناهم به وألفهم به قالوا : الله ورسوله أمن .
إذن ليس في الأمة مثل أبي بكر رضي الله عنه في الفضل والمعروف الذي هو الإحسان والعدل وصحبة الرسول عليه الصلاة والسلام وكل شئ .
ليس فيها مثل أبي بكر .
حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم حث على الصدقة فانصرف الناس ليتصدقوا ، فقال عمر رضي الله عنه : الآن أسبق أبا بكر ،
انظر كيف يتسابقون فأتى بنصف ماله الله أكبر نصف ماله أتى به في الصدقة الواحد إذا أراد أن يخرج ربع العشر وهو واجب صار يحمر ويصفر ،
ويمكن يسأل العلماء لعل أحداً منهم يقول : هذا ليس فيه زكاة ،
أتى بنصف ماله فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام ماذا تركت لأهلك ؟ قال : شطر المال ، فأتى أبو بكر بكل ماله فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام : ماذا تركت لهم ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله ، الله أكبر كل المال ما بقي شئ ، فقال عمر : الآن لا أسابق أبا بكرٍ أبداً [7] ،
عرف أنه عاجز أن يسبقه وعمر هو الرجل الثاني في هذه الأمة ،
إذن لا يسبق أبا بكر أحدٌ من هذه الأمة ما دام الرجل الثاني عجز عن مسابقته أو عن سبقه فمن دونه من باب أولى ،
قوله : ( كالصديق ) : هذا لقب أبي بكر رضي الله عنه ،
وكنيته : ( أبو بكر ) ،
واسمه : ( عبدالله ) ،
وإنما سمي الصديق من الفِعِّيل من الصدق :
لكمال صدقه في المقال والفعال ،
ولتصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس ،(73/5)
ويقال : أول ما لُقب بهذا اللقب لما حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراء والمعراج ، اتخذت قريشٌ هذا فرصة ، وذهبت إلى أبي بكر وقالت : إن صاحبك يحدث بحديث المجانين يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس ورجع منه ونحن لا نصل إليه إلا في شهر ولا نرجع إلا في شهر ، فقال : إن كان ما قلتم حقاً فهو صادق ، انظر هذا الاحتراز ، لم يقل : هو صادق ، لأنه يحتمل أنهم كذبوا على الرسول ، إن كان ما حدثتموني به فهو صادق .
فسمي من ذلك اليوم الصديق ،
ولا شك أنه أصدق هذه الأمة في المقال والفعال والمقاصد وغيرها وأنه أقواها يقيناً وتصديقاً ،
فهو رضي الله عنه ليس في هذه الأمة مثله [8] ،
لو لم يكن من حسناته على هذه الأمة إلا استخلاف عمر بن الخطاب لكفى بذلك فخراً ،
لأنه لا أحد ينكر ما صار لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من السياسة الحكيمة والحكم العادل والفتوحات العظيمة وإذلال أهل الشرك ،
فلذلك يعتبر عمر حسنةً من حسنات أبي بكر على هذه الأمة جمعنا الله وإياكم وإياهم في دار النعيم المقيم ،
******************
148 – وبعده الفاروق من غير افتراء ،
وبعده عثمان فاترك المِرا ،
سبق لنا بيان فضل هذه الأمة ،
ثم بيان أن خير هذه الأمة القرون الثلاثة ،
ثم بيان أن خير هذه القرون الصحابة ،
ثم بيان أن خير الصحابة المهاجرون ،
ثم بيان أن خير المهاجرين الخلفاء الأربعة ،
ثم بيان أن خير الخلفاء أبو بكر رضي الله عنه ،
وذكرنا شيئاً من مناقبه وفضائله رضي الله عنه ،
ومن أراد التوسع في ذلك فليقرأ كتب التاريخ كـ ( البداية والنهاية ) لابن كثير وغيرها مما ألف على وجه الخصوص في أبي بكر رضي الله عنه ،(73/6)
قوله : ( وبعده الفاروق ) : بعد أبي بكر الفاروق ، والفاروق على وزن فاعول وهو من صيغ المبالغة مأخوذٌ من الفرق ،
وسُمي بذلك لأن الله تعالى فرَّق به بين الحق والباطل ،
فإن الله سبحانه وتعالى أعز الإسلام بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
وفرَّق الله تعالى به بين الحق والباطل في خلافته وقبل خلافته وجعل الله الحق على لسانه وقال فيه النبي عليه الصلاة والسلام ( إن يكن فيكم مُحدَّثون – أي ملهمون بالوحي – فعمر ) ،
وكان رضي الله عنه موفقاً للصواب حتى إنه يأتي الوحي أحياناً موافقاً لقوله واقتراحه فهو رضي الله عنه فاروق فرق الله به بين الحق والباطل ،
وكان رضي الله عنه بعد أبي بكر رضي الله عنه في الفضيلة وبعد أبي بكرٍ في الخلافة ،
وعلى هذا أجمع أهل السنة والجماعة على أن هذين الرجلين أبو بكر وعمر هما أفضل الأمة [9] ،
وأن أبا بكر أفضل من عمر ، عمر رضي الله عنه يلي أبا بكرٍ في الخلافة بتعيينٍ من أبي بكر فإنه عينه وتحمل أبو بكرٍ رضي الله عنه المسؤولية في هذه الأمة حياً وميتاً ،
لكنه رضي الله عنه أدى الأمانة وَوُفِّق فصار من فضائله على الأمة أن استخلف عمر ابن الخطاب ،
ولا يخفى على أحدٍ منصف فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا قرأ سيرته عمر رضي الله عنه تولى الخلافة بعد أبي بكر وقام بأعباء الخلافة خير قيام وكثرت الفتوحات على يده وصار له من الهيبة والعظمة ما خذل الله به أعداءه ومع ذلك كان متواضعاً يقبل الحق من أي شئ شخصِ كان وكان متواضعاً لا يأخذ من بيت المال إلا مثل ما يأخذه واحد من الناس ولا يعطي أحداً من أولاده إلا مثل ما يعطي واحداًَ من الناس بل ربما نَقَصَهُم وكان رضي الله عنه لم يتخذ لنفسه بوَّاباً ولا قصراً بل كان ينام في المسجد فيجمع الحصى ثم ينام عليها وِسادةً له وكان عليه رداءٌ مُرَقَّع وسيرته عجيبة لا تكاد تصدق بما يُنقل عنه ،(73/7)
ولهذا أعز الله به الإسلام بعد كونه خليفة وقبل كونه خليفة وكان له هيبةٌ عظيمة ،
يُذكر أن رجلاً من اليهود في الشام كان منزله إلى جنب بيت المال ، فعرض عليه معاوية أن يشتريه منه ، قال : بِعْ علي البيت ، من أجل أن يدخله بيت المال ، فأبى اليهودي ، فأعطاه ثمناً أكثر من ثمنه ، معاوية رضي الله عنه رأى أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ، فأدخله في بيت المال ، وقال : خذ إذا شئت القيمة أعطيناك ، ولكن اليهودي أبى ، فقدم المدينة ، فجاء إلى عمر يبحث عن عمر ، فقيل له : تجده الآن في المسجد فذهب إلى المسجد فوجد رجلاً كأنه فقير رداءٌ مرقع نائم على بطحاء فصدَّق أو كذَّب هل هذا الخليفة الذي يكون معاوية أميراً له ، أميراً من أمرائه ، وكان معاوية رضي الله عنه باعتبار أنه في الشام وأنهم يقدسون ملوكهم وأنهم يعظمونهم ويجعلون لهم القصور قد اتخذ لنفسه مثل هذا لا حباً في الدنيا ، ولكن إقامةً للسلطة مقام السلطة الأولى حتى يهابها الناس ، لأن معاوية لو فعل مثل ما فعل عمر في المدينة وهو في الشام لم يبال الناس به فجاء إلى عمر فقص عليه القصة ، فيقال : إنه أخذ عظماً من الأرض وكتب فيه ليس كسرى بأعدل مني ووضع خطاً وفوقه خط آخر كالصليب ، وقال لليهودي : اذهب أعطه لمعاوية ، فلما جاء به إلى معاوية ، معاوية قطعاً بينه وبين عمر إشارة وهي ما يُسمى في العرف الحاضر شفرة لما رأى هذا العظم يُقال إنه وضعه على رأسه ثم قال لليهودي : ماذا تريد ؟ أتريد أن أبني لك بيتك وأعيده من جديد أم تريد أن أعطيك عشرة أمثاله أم ماذا تريد ؟ قال : وهكذا يكون خلفاؤكم وهكذا يكون أمراؤكم مع خلفاؤكم ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن بيتي صدقة للمسلمين ،
سبحان الله انظر كيف العدل يعني يجعلوا الناس يستجيبون ولو كانوا كفاراً والظلم والاستئثار يجعل الناس لا يستجيبون ولو كانوا مسلمين ،(73/8)
فالحاصل : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع كونه ذا سلطةٍ عظيمة وهيبةٍ عظيمة إذا جاءه الإنسان وجده كأنه وجده كأنه عادي والقصة المشهورة ،
وإن كان الحديث فيه شئٌ من النظر لما خطب الناس حين تغالوا في المهور وقال : لا يزيد أحدٌ على مهر النبي عليه الصلاة والسلام لأزواجه أو بناته إلا جعلت الزائد في بيت المال ، فقامت امرأةٌ ، فقالت : مهلاً يا أمير المؤمنين ليس ذلك إليك ، إن الله تعالى يقول : { وإن أدتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } ( النساء 10 ) ، فأقر الله تعالى إيتاء القنطار للزوج ،
والقنطار : ألف مثقال للذهب ،
وقيل : إنه ملء جلد ثورٍِ صغير من الذهب .
كم يأتي ملء جلد الثور ؟
آلاف ،
فقال : امرأةٌ أفقه من عمر .
ثم ترك الناس ،
فالحديث هذا فيه صحته نظر لكنه مشهور عند الناس ،
وعمر رضي الله عنه يكون أكثر من ذلك تواضعاً ،
وعظ الناس يوماً من الأيام فقام إليه سلمان الفارسي وقال : يا أمير المؤمنين كيف تعطي عبدالله بن عمر ثوبين والناس لم تعطهم إلا على ثوبٍ واحد من بيت المال ؟ فقال له : قم يا عبدالله يعني رد عليه فقام فرد عليه ، فقال : إن الثوب الثاني ثوب عمر أعطاه إياه وليس زائداً على ما يعطي المسلمين ، وكان رضي الله عنه إذا أمر الناس بشيء أو نهاهم عن شئ جمع أهله وقال لهم : إن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم والطيور تنظر إلى اللحم نظر شرَه تريد أن تبتلعهم وإني قد أمرت بكذا أو نهيت عن كذا فلا أجد أحدكم يعني مخالفاً إلا أضعفت عليه العقوبة .
كل هذا من باب العدل والتخويف وإلا كان العدل أيضاًَ ألا يضعف العقوبة عليهم .
لكنه رضي الله عنه له غورٌ في الفقه قال : إن أقرباء السلطان يخالفون بسلطة قربهم منه فيتوصلون إلى المخالفة بقربهم من ولي الأمر فرأى رضي الله عنه أن هذه نوع مخالفة مع المخالفة الأصلية فيجمع عليهم بين عقوبتين ومآثره رضي الله عنه كثيرة .(73/9)
وكان آخر أمره أنه سأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه الشهادة في سبيله والموت في بلد رسوله فكان الناس يتعجبون المدينة بلد إسلام ليس فيها قتال كيف يكون يجتمع أنه شهيدٌ في سبيل الله ميتٌ في مدينة رسول الله فاستجاب الله دعوته ،
وقُتل شهيداً في بلد الرسول عليه الصلاة والسلام وهو لم يُقتل لعداءٍ شخصي لكنه لعداءٍ ديني ،
لأن القاتل له : أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة .
وكان رضي الله عنه عمر ينهى أن تكثر العلوج يعني هؤلاء الأرقاء من الفرس وغيرهم في المدينة ولكن كان أمر الله مفعولا .
هذا الخبيث لما قتل عمر رضي الله عنه في خنجرٍ له وجهان والإمساك بالوسط ، وكان قد سقى كل جانبٍ منه السم فلما طعن عمر وهو يصلي بالناس الفجر ، قال : أكلني الكلب ، فزع الناس فلحقوا هذا الرجل الخبيث الهارب فقتل أظن ثلاثة عشر نفراً فلما رأى أنه قد أُدرك وألقى عليه أحد الصحابة بساطاً غمّه فيه لما رأى أنه قد أدرك قتل نفسه .
فالحمد لله رب العالمين أنه قتل نفسه على هذا الوجه وهو لم يسجد لله سجدة .
فكان والعياذ بالله آخر أمره أن قتل نفسه .
والذي يظهر لنا أنه قتل نفسه على الكفر .
هذا آخر ما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
ومن أراد المزيد من ذلك فليقرأ ما كُتب عنه في ( البداية والنهاية ) وغيرها ،
قوله : ( وبعده عثمان فاترك المِرا ) : بعد من عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأفضل عثمان ،
قوله : ( فاترك المِرا ) : أي الجدال فإن هذا أمرٌ مفروغٌ منه ،
أن عثمان : هو الثالث في الخلافة والفضيلة ،
وإنما قال : ( فاترك المِرا ) : لكثرة الجدال فيه وفي علي بن أبي طالب أيهما أفضل ؟
حتى إن بعض علماء السنة قالوا : علي بن أبي طالب أفضل من عثمان ،
فجعلوه في المرتبة الثالثة في الفضيلة وعثمان في المرتبة الرابعة ،
ومنهم من قال : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم سكت ،
ومنهم من أخذ بما مشى عليه المؤلف :
وهو أن الأفضل عثمان ثم علي ،(73/10)
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( وهذا هو الذي استقر عليه أمر أهل السنة والجماعة أن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة ) [10] ،
عثمان رضي الله عنه تولى الخلافة لا بنصٍ من عمر وتعيين ولا باجتهادٍ من الرعية ،
فتوليه للخلافة أمرٌ غريب لم يكن معروفاً ،
لأن عمر لما طُعن وقيل له : استخلف على الأمة ، قال : إن استخلف فقد استخلف من هو خيرٌ مني يعني أبا بكر وإن لم استخلف فقد ترك من هو خيرٌ مني يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته أبو عبيدة عامر بن الجراح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنه أمين هذه الأمة ) [11] ،
سبحان الله لا ينظرون إلى شرف قبيلة ولا إلى سيادة ذي قوم ينظرون إلى المعاني الشرعية .
فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح ) .
قال عمر : لو كان حياً لاستخلفته [12] .
ولكنه مات قبل عمر ثم جعل الأمر شورى بين الستة الذين تُوفي عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ ،
فلما تُوفي جلس هؤلاء للتشاور واستقر الأمر على عثمان وكان أكثر أهل المدينة يختارون عثمان ،
فبويع عثمان بالخلافة مبايعة شرعية بايعه عليها علي بن أبي طالب وبقية أصحاب الشورى وغيرهم ،
وأجمعت الأمة على ذلك وصار الخليفة الثالث بإجماع المسلمين [13] ،
ولهذا قال الإمام أحمد : ( من طعن في خلافة واحدٍ من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله ) [14] ،
أما الرافضة فقد طعنت في خلافة الجميع إلا علي بن أبي طالب ،
فَضَلَّتْ بهذا عن الأمة وعن الحق بل وبما مشى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
فإنه بايع أبا بكر وعمر وعثمان اختياراً لا اضطراراً ،
والعجب أن غلاة الرافضة قالوا : إن علياً فاسق لماذا يرضى بالظلم ؟ فكونه رضي بالظلم وبايع هذه مداهنة والمداهنة في الحق ضلالٌ وفسق ،
فأتعجب كيف وصل بهم الحال إلى هذا السفه ؟(73/11)
والمنصف من يعرف منهم أنه على ضلال ،
هم يقولون : نحن شيعة .
وهؤلاء أهل السنة .
وأيهما أولى بالحق أهل السنة أو الشيعة المتعصبين لأشخاصٍ معينين ؟
كلٌّ يعرف أن أهل السنة هم الذين على الحق لأنهم على سنة ،
وكونهم يقولون : هؤلاء أهل السنة ونحن شيعة اعترافٌ منهم بأنهم ليسوا على سنة
وإذا كان كذلك فيقال : اتقوا الله ارجعوا إلى السنة ، ما دام تعترفون بأن هؤلاء أهل سنة وأنتم شيعة ،
ثم نقول : من أحق الناس تشيعاً لآل البيت من ؟
أهل السنة نحن نحب آل البيت المؤمنين منهم :
لكونهم مؤمنين ،
ولكونهم من قرابة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
ونفضلهم على غيرهم بهذا المعنى ، لكن لا نعطيهم الفضل المطلق ، بل ننزلهم منزلتهم ،
وهم أعني آل البيت يرضون بهذا غاية الرضا ،
وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو إمام أهل البيت كان رضي الله عنه يقول على منبر الكوفة يعلن : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ) [15] ، وأحياناً ( ثم عثمان ) وأحياناً يسكت ،
فعلى هذا نقول : إن عثمان رضي الله عنه يلي عمر بن الخطاب في الفضيلة فهو الثالث في الفضل في هذه الأمة وهو الثالث في الخلافة من هذه الأمة ،
ومن أنكر ذلك بالنسبة للخلافة فيقول الإمام احمد : إنه أضل من حمار أهله ،
وقال : إنه أضل من الحمار لأن الحمار من أبلد الحيوانات ،
ولهذا مثَّل الله اليهود بالحمار : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها } ( الجمعة 5 ) ، قال : {كمقل الحمار يحمل أسفارا } .
إذا حمَّلت على الحمار المغني والمجموع شرح المهذب والإنصاف وتفسير ابن كثير وفتح الباري ثم رجعت للحمار وقال ماذا قال في فتح الباري ماذا يقول ؟
يوفيك نهيقاً ،
فعلى كل حال الحمار أبلد الحيوانات وأدل الحيوانات بالنسبة لمكان مبيته ،(73/12)
وسألت مرةً الشيخ عبدالرزاق العفيفي رضي الله عنه وعافاه قال : إنما كان الحمار أدل ما يكون إلى مأواه ومبيته لأنه بليد لا يشغل مخه شئٌ من التفكير فيكون معتمداً على المظاهر الخارجية لأنه ذهنه لا يفكر في مخه ،
وهذه مناسبة غريبة لذلك تجد الإنسان الذي معه سائق لا يذهب بالسيارة إلا بسائق ولا يجيء إلا بسائق لا يعرف الأسواق ولا يعرف البيوت لو يتردد عليها عشر مرات والسائق يعرفها من أول من مرة لأنه قد وضع ذهنه لهذا الشيء الحمار ليس عنده إلا المأوى والمبيت والأكل والشرب وأما غيره فليس عنده تفكير ،
فالحاصل أن نقول الإمام أحمد يقول : ( من طعن في خلافة واحدٍ من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله ) [16] ،
قال ذلك لماذا ؟
لأن أبلد ما يكون من الحبوانات الحمار ،
******************
149 – وبعد فالفضل حقيقاً فاسمعِ ،
مني نظامي للبطين الأنزع ،
قوله : ( وبعد ) : أي بعد الثلاثة الخلفاء الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان بعد ذلك ،
قوله : ( فالفضل حقيقاً ) : أي حقيقةً
أو ( حقيقاً ) بمعنى جديراً ، كما في قوله تعالى : { حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق } ( الأعراف 105 ) ، فهي صالحة لهذا وهذا ،
قوله : ( فاسمع نظامي هذا ) : وأمر بسماع النظام للتأكيد والتنبيه ،
قوله : ( للبطِين ) : خبر قوله : ( فالفضل ) أي فالفضل كائنٌ للبطين الأنزع ،
البطين يعني واسع البطن ،
قوله : ( الأنزع ) : الذي انحسر شعره مقدم رأسه هذا الأنزع ،
والبطين ضده الضامر الذي بطنه ليس واسعاً ،
والأنزع ضده الأفرع الذي نزل شعر رأسه إلى جبهته ،
إذن وصف هذا المذكور بوصفين :
الأول : بأنه بطين .
والثاني : أنه أنزع .(73/13)
وهل أراد المؤلف رحمه الله الذم أو أراد التعريف ؟
الثاني قطعاً ،
أراد التعريف لأنه لا يريد أن يذم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا الوصف أراد أن يعرِّفه وكان رضي الله عنه بطيناً أي واسع البطن وقد عُلم بهذا الوصف ،
الأنزع أي كان منحسر شعر الرأس من الأمام ،
وهذا لا يدل على شئ إنما هو خِلقة ويكون عند الكبر كثيراً كما هو معروف مشاهد ،
******************
150 – مجدِّل الأبطال ماضي العزم ،
مفرِّج الأوجال وافي الحزم ،
قوله : ( مجدِّل الأبطال ) : التجديل معناه أنه يوقعهم صرعى والأبطال جمع بطل وهم الشجعان ،
قوله : ( ماضي العزم ) : يعني أنه ذو عزيمةٍ ماضية لا ينثني ، كم هذا من وصف ؟ أربعة ،
قوله : ( مفرج الأوجال ) : ( الأوجال ) : جمع : ( وجل ) : وهو الخوف .
يعني أنه يفرج الخوف من شجاعته رضي الله عنه ولا شك أنه من أشجع الناس .
قوله : ( وافي الحزم ) : يعني أنه ذو حزمٍ وافي أي كامل وهذه ستة أوصاف ،
******************
151 – مسدي الندي مبدي الهدى مردي العدى ،
مُجْلي الصدى يا ويل من فيه اعتدى ،
قوله : ( وافي الندى ) : وافيه أي كامله ،
قوله : ( مبدي الهدى ) : مظهر الهدى وهو العلم ،
وقد اشتهر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسعة علمه وذكائه ،
قوله : ( مردي العدى ) : مردي أي مهلك ،
كما قال تعالى : { وما يغني عنه ماله وما تردى } ( الليل 11 ) ، أي إذا هلك ،
و ( العدى ) جمع عدو ، هذه ثلاثة أوصاف بالإضافة إلى ما سبق تكون تسعة أوصاف ،
قوله : ( مجلي الصدى ) : مجلي أي مذهب والصدى في الأصل هو الوسخ الذي يكون على الحديد لطول مكثه أو لكونه حول الماء فهذا يجلوه ويزيله ،(73/14)
قوله : ( يا ويل ) : ( يا ) هذه للندبة ( ويل ) الهلاك ،
قوله : ( من فيه اعتدى ) : أي من اعتدى في عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه ،
ويريد بذلك الوعيد على من اعتدى في حق علي بن أبي طالب بإفراط أو تفريط ، كلاهما يا ويلهما ،
فالذين في حقه الإفراط هم الرافضة ،
والذين اعتدوا بحقه في التفريط هم الناصبة النواصب ،
لأنه هلك في علي بن أبي طالب طائفتان :
1 - طائفةٌ غلت ،
2 - وطائفةٌ فرّطت ،
الطائفة التي غلت غلوا فيه حتى جعلوه إلهاً حتى إنهم صرحوا بذلك ،
قال عبدالله بن سبأ وشيعته لعلي بن أبى طالب صراحةً ومقابلة ، قال له : أنت الله حقاً ،
وهو خبيث يهودي دخل في دين الإسلام ظاهراً ليفسده ،
كما قال شيخ الإسلام رحمه الله كما ظهر بولس في دين النصارى وتنصر ظاهراً من أجل أن يفسد دين النصارى هذا الخبيث عبدالله بن سبأ يهودي ماكر دخل في دين الإسلام على أنه مسلم [17] ،
لكن أتى إلى علي بن أبي طالب ، وقال له : أنت الله أين الإسلام فأمره رضي الله عنه لشدة ما جرى أمر بالأخدود فحُفرت ثم أمر بالحطب فجُمع في هذا الأخدود ، ثم أمر بعبدالله بن سبأ وشيعته أن يُلقوا في هذه النار بعد أن أضرم فيها النار فأُحرقوا ،
ويقال : أن عبدالله بن سبأ هرب وذهب إلى مصر وبث دعوته فيها ، ثم إلى العراق ، ثم إلى فارس انتشرت الدعوة ،
هؤلاء اعتدوا في علي بن أبي طالب بماذا ؟
بالإفراط وزيادة الحد ،
قسمٌ آخر قابلوهم لأن العادة أنه إذا وُجد غلوٌ في جانب وجد فيه تطرفٌ آخر من أجل ضد هذا الغلو فيه أناس بالعكس صاروا نواصب نصبوا العداوة لآل البيت وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجعلوا يسبونهم ويلعنونهم والعياذ بالله هؤلاء أيضاً اعتدوا في حق آل البيت فيا ويل الطرفين هؤلاء وهؤلاء ،
وأيهم أشد ضرراً على الإسلام المفرِّط أو المفرِط ؟
المفرِط أشد ضرراً على الإسلام ،(73/15)
لأن المفرط تعدى طوره كثيراً حتى جعل علي بن أبي طالب إلهاً وجعل من أئمة أهل البيت من يعلم الغيب ويدبِّر الكون ،
حتى سمعنا من أشرطتهم من يقول : إن جميع الكون تحت ظُفر فلان يدبره حيث يشاء تحت الظفر جعله وسخاً من أوساخ الأظفار ،
نسأل الله العافية ،
كل الكون هذا أشد وهذا في الحقيقة يصوغونه بصيغة عاطفية حتى في أداء شعائرهم التي يترنمون بها من الدعاء لآل البيت والدعوة لهم تجدهم يترنمون بصوتٍ حزين يشد العاطفة ،
أما الذين ينصبون العداوة لآل البيت فمن يطيعهم ؟!!
من يطيع من يسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟!!
كل الناس ينفرون مما ذهبوا إليه ،
لكن هؤلاء من حيث أنهم يخاطبون العاطفة صار ضررهم على الناس أكثر بكثير ،
ولهذا لو قارنت بين النواصب والروافض من حيث العدد لوجدت أن النواصب لا ينصبون إلى الروافض ،
فإن قال قائل : لماذا أطنب المؤلف رحمه الله في وصف علي بن أبي طالب دون الثلاثة الأولين وهم أفضل منه ؟
فالجواب : أنه أطنب في ذلك لسببين :
السبب الأول : الرد على النواصب ،
ما هو موقف النواصب ؟
السب لعلي بن أبي طالب فأراد أن يمدحه أو أن يصفه وهو يثني عليه بما هو أهله رداًّ على هؤلاء النواصب ،
ثانياً : الرد على الروافض ، كأنه قال علي بن أبي طالب مع هذه الأوصاف الكريمة والآداب العالية والشجاعة التامة لا يستحق أن يترقى إلى المكان الذي رقاَّه إليه هؤلاء الرافضة ،
فصار في إطنابه في مدحه صار فيه فائدتان :
الأولى : الرد على النواصب ،
والثانية : الرد على الروافض ،
يعني أننا أيها الروافض نقر بفضله وأنه فيه من الفضل كذا وكذا وكذا لكننا لا ننزِّله فوق منزلته كما فعلتم أنتم ،
فهذا هو السبب في أنه رحمه الله أطنب في ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
******************
152 – فحبه كحبهم حتماً وجب ،(73/16)
ومن تعدى أو قلى فقد كذب ،
قوله : ( فحبه ) : أي حب علي بن أبي طالب ،
قوله : ( كحبهم ) : أي كحب الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان ،
قوله : ( حتماً وجب ) : أي وجب حتماً ،
أي وجوباً حتماًَ مؤكَّداً ،
ونشهد الله عز وجل على محبتهم ونشهد الله على محبة إمامنا وإمامهم محمد ٌصلى الله عليه وسلم ،
فالمحبة أولاً وآخراً كلها ، لمن ؟
للرسول ،
ونحن لم نحب هؤلاء إلا بمحبة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
وإلا لكانوا من رجالات قريش وليس لهم فضل ،
لكن لمحبة الرسول لهم كنا نحبهم ،
ثم إن محبتنا للرسول أيضاً تابعة لمحبة الله ،
لأن المحبة الأولى والأخيرة والنهاية والبداية كلها لله عز وجل ،
خلافاً لمن كانوا الآن يحبون الرسول أكثر من محبة الله ،
إذا ذُكر الرسول عندهم بكوا وتهامنت الدموع ،
وإذا ذُكر الله فالوجه هو الوجه لا يتغير ولا بكاء ،
نسأل الله العافية والسلامة سبحان الله ،
الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان له هذا الشرف إلا لأنه رسول الله ولأن الله يحبه ،
وإلا لكان بشراً عادياً لا يُحب ولا يُكره إلا بما فيه من الخير أو الشر ،
لكننا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم لمحبتنا لله الذي أرسله ،
ونحب الخلفاء الراشدين لمحبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام ولمحبتنا للرسول وهم خلفاؤه ،
حب علي بن أبي طالب كحب الثلاثة السابقين واجبٌ حتماً يجب علينا أن نحبه ،
فإذا قال قائل : المحبة وصفٌ فطري نفسي لا يملكه الإنسان ولهذا يُذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( هذا قَسْمي فيما أملك فلا تملني فيما لا أملك ) يعني المحبة ، هل يمكن لإنسان أن يجعل في قلبه محبة إنسانٍ يبغضه ؟
لا ، لكن يمكن أن تنال المحبة بالكسب بأن تذكر صفات الكمال في هذا الرجل .
فإذا ذكرت أوصاف الكمال واعتقدتها ثبوتها فيه فإن النفوس تميل بلا شك إلى الكمال وتحبه ،(73/17)
ولهذا جاء في الحديث : ( أحبوا الله لما يغدوكم به من النعم ) ،
يعني على الأقل اذكر نعم الله عليك فأحبه لذلك ،
لأنك لو أن أحداً مَنَّ عليك بمنة هل تحبه ؟
( تهادوا تحابوا ) [18] ،
وهذا شيءٌ مجرب ،
فمعلومٌ أن الإنسان لا يمكن أن يقع في قلبه محبة إلا لسببٍ ظاهر يحمله على المحبة ،
فإذا الأمر كان كذلك ،
فاذكر ما كان للنبي عليه الصلاة والسلام وما للخلفاء الراشدين وما لغيرهم من عباد الله ،
اذكر ما لهم من الصفات الحميدة والخصال الطيبة ،
وحينئذٍ لا بد أن تحبهم ،
ولهذا أحياناً يجمع الإنسان في قلبه بين محبة شخصٍ وكراهته سبحان الله بين محبته وكراهته ،
المحبة والكراهة ضدان لا يجتمعان ؟!!!
فيقال : بل يجتمعان ،
يكون في الإنسان خير ويكون فيه شر ،
الإنسان يحبه لخيره ويكرهه لشره ،
ثم إذا كان منصفاً عمل بأقوى الجانبين إن غلب خيره على شره غلبت محبته على كراهته واغتفر شره بجانب الخير ،
ولهذا قال ابن رجب قولاً حكيماً صحيحاً يقول في أول قواعد الفقه : ( يأبى الله العصمة لكتابٍ غير كتابه والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ) [19] ،
فنحن إذا نظرنا إلى ما للصحابة رضي الله عنه من الفضائل والسَّبْق أحببناهم فنحن نحب الخلفاء الأربعة كلهم كما يجب علينا أن نحب بقية الصحابة لكن لكلٍ درجاتٌ مما عملوا ،
قوله : ( ومن تعدى ) : مثل الرافضة ،
قوله : ( أو قلى ) : كالنواصب ،
قوله : ( فقد كذب ) : نعم صدق فقد كذب واعتدى لا شك أن من تعدى في حق هؤلاء وتجاوز الحد فقد كذب ومن قلى وأبغض فقد كذب ،
إذن الرافضة مخطئون من الجانبين تعدوا في علي وقلوا في بقية الخلفاء ،
فجمعوا بين الشرَّين وبين الفسادين :
1 - غلو زائد في علي بن أبي طالب ،
2 - تفريطٌ زائد في حق الخلفاء الراشدين الثلاثة ،(73/18)
حتى إن بعضهم والعياذ بالله يلعن أبا بكر وعمر صراحةً ويقول إنهما ظالمان وإنهما ممن يذاد عن حوض الرسول يوم القيامة قاتلهم الله كيف يُذاد رجلان دُفِنا إلى جنب الرسول عليه الصلاة والسلام ولم تحصل هذه الفضيلة لأحدٍ سواهما أبداً ولهذا كانا رفيقيه في الدنيا ورفيقيه في القبر في البرزخ وسيكونان رفيقيه يوم القيامة رضي الله عنهما وأرضاهما ،
******************
153 – وبعد فالأفضل باقي العشرة ،
فأهل بدر ثم أهل الشجرة ،
قوله : ( وبعد ) : أي بعد الخلفاء الأربعة ،
قوله : ( فالأفضل باقي العشرة ) : وهم ستة ،
قوله : ( باقي العشرة ) : إذا أخذنا الخلفاء الأربعة ،
فالباقي كم ؟
ستة ،
هؤلاء العشرة هم المبشرون بالجنة أطلق عليهم هذا اللقب .
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرهم في نسق واحد في حديث واحد .
فقال : ( أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة ) [20] ،
وقد جُمِعوا في بيت [21] :
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة .
وعامر فهرٍ والزبير الممدح [22] .
خذ الخلفاء الأربعة .
وهؤلاء ستة في البيت سعيد وسعد وابن عوف وطلحة وعامر فهرٍ والزبير الممدح .
هؤلاء ستة مع الأربعة .
الجميع عشرة .
عدهم النبي عليه الصلاة والسلام في نسق واحد في حديث واحد قال : هؤلاء في الجنة .
سعيد بن زيد بن نفيل وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وعامر بن الجراح أبو عبيدة والزبير بن العوام هؤلاء ستة مع الأربعة كلهم بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة أخبر أنهم في الجنة وهذا بشرى لهم ،(73/19)
ويجب علينا أن نقول : أن هؤلاء أفضل الصحابة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في نسقٍ واحد في حديثٍ واحد ،
وهل اقتصرت شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بالجنة على هؤلاء ؟
لا ،
شهد لأناس كثيرين غير هؤلاء ،
عكاشة بن محصن شهد له بأنه يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب لأنه لما حدًّث النبي عليه الصلاة والسلام أن من أمته سبعين ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قام عكاشة وقال أدعو الله أن يجعلني منهم قال : ( أنت منهم ) [23] ،
وثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه قال له النبي عليه الصلاة والسلام : يحيا سعيداً ويقتل شهيداً ويدخل الجنة [24] .
وكذلك المرأة التي تصرع ، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن شئت دعوت الله لكِ وإن شئت صبرتِ ولك الجنة ) ، فقالت : أصبر [25] ،
وتتبع هذا إذا تتبعه الإنسان يتبين له أُناسٌ كثيرون ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ،
والشهادة بالجنة نوعان :
1 - شهادةٌ بوصف ،
2 - وشهادةٌ بشخص ،
فأما الشهادة بالوصف : فأن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة على سبيل العموم ،
وأما الشهادة بالشخص : فأن نشهد لشخص بعينه بأنه من أهل الجنة ،
وكلاهما أو وكلتاهما أي الشهادتان قد دل عليها الكتاب والسنة ،
فمثلاً : بيَّن الله تعالى في القرآن أن الجنة أعدت للمتقين فنشهد لكل متقي أنه في الجنة ،
لكن هل نشهد لفلان أنه في الجنة إذا رأيناه تقياً ؟
لا ، لاحتمال أنْ يرد عليه في آخر عمره أشياء تصرفه عن التقوى فلا نشهد بالجنة بالتعيين إلا لمن عينه الرسول صلى الله عليه وسلم ،
ولا نشهد بالوصف إلا لمن شهد له الله ورسوله والشهادة بالوصف لا تجوِّز الشهادة بالعين ،
فمثلاً نقول : كل مؤمن فإنه في الجنة كل تقي في الجنة ،
لكن هل نشهد بأن فلان المعين في الجنة ؟
لا ، كذلك أيضاً في الشهادة كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد ،
لكن لو رأينا رجلا مسلما قتل في المعركة هل نقول إنه شهيد ؟(73/20)
لا ، لأننا لو قلنا بأنه شهيد للزم من ذلك أن نشهد له بالجنة وهذا لا يجوز
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : من أجمعت الأمة أو كادت أن تجمع على الثناء عليه فإننا نشهد له بالجنة [26] ،
واستدل لذلك : بقوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } ( البقرة 143 ) .
فإنه قد مرت جنازة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، فأثنوا عليها خيرا ، فقال : ( وجبت ) ثم مرت أخرى فأثنوا عليها شرا ، فقال : ( وجبت ) فقالوا : يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال : مرت الجنازة الأولى فأثنيتم عليها خيراً ، فقلت : ( وجبت أي وجبت له الجنة والثانية أثنيتم عليها شراَّ ، فقلت : وجبت أي وجبت له النار أنتم شهداء الله في أرضه ) [27] ،
وعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله يجوز أن نشهد للإمام أحمد بأنه من أهل الجنة لاتفاق الناس أو جملتهم عليه وكذلك بقية الأئمة وأئمة الأتباع لأنهم ممن اتفق الناس أو جلهم على الثناء عليهم ،
قوله : ( فأهل بدر ) : بعد العشرة أهل بدر والعشرة من أهل بدر ،
يعني لا يمتنع أن يكون في الإنسان وصفان أهل بدر هم الذين قاتلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر ،
وكانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ،
وكان سببها : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بعيرٍ لقريش جاءت من الشام تريد مكة وهي لا بد أن تمر بالمدينة أو حولها فندب أصحابه إلى الخروج لهذه العير لأخذها فانتدب منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فقط على سبعين بعير وفرسين ، ثلاثمائة وبضعة عشر رجل على سبعين بعيراً إذا لا بد من تعاقب وفرسين فقط وكانوا لا يريدون الغزو ولا فكروا أن يكون هناك غزو إنما أرادوا عير قريش مع أبي سفيان وهي عيرٌ كبيرة يعني إبل محملة بالطعام والثياب وغيرها ولهذا كان معها أبو سفيان من كبراء قريش فلولا أنها عيرٌ كبيرة لم يكن معها هذا زعيم ،(73/21)
فإذا قال قائل : كيف يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج ليأخذ أموالهم ؟
نقول : إذا أخذ أموالهم فليست بشيء بالنسبة لإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم هؤلاء أخرجوا الرسول من ديارهم وأموالهم والرسول أراد أن يأخذ أموالهم فقط وهي من الأنفال التي نفلها الله عز وجل : { قل الأنفال وللرسول } ( الأنفال 1 ) ، لما سمع أبو سفيان بالخبر وأن الرسول خرج هو وأصحابه إليهم وكان رجلاً ذكياً عدل عن الطريق إلى سيف البحر وأرسل إلى أهل مكة يستصرخهم لا للقتال ولكن لإنقاذ العير فقط وظن أنهم سيرسلون فلان وفلان من عامة الناس لإنقاذ العير ويرجعون ولكن قريش أخذتهم الحمية وقالوا كيف محمد يتعرض لعيرنا بقيادة زعيمٍ من زعمائنا ؟ لابد أن نخرج نقضي عليه المهم تشاوروا في ما بينهم وفي النهاية أجمعوا على أن يخرجوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بكبرائهم ( خرج بطراً ورئاء الناس ) بحدِّهم وحديدهم وخيلهم ورجلهم وزعمائهم ومن دونهم فجاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فلما كانوا في أثناء الطريق تشاوروا في ما بينهم هل نمضي أو نرجع ؟ فكان أبو جهل يلمزهم في هذا يعني كيف تفكرون بالرجوع وقد خرجتم والله لا نرجع حتى نقدم بدراً ونقيم فيها ثلاثاً ننحر الجزور ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا انظر فخر بطر ولكن الحمد لله لم تنحر الجزور ولكن نُحِرَ هو لله الحمد قدموا بدراً وتلاقى الصفان وترائى الجمعان وحصل ما حصل وبُنيَ للرسول صلى الله عليه وسلم عريش يدخل فيه يدعو الله سبحانه وتعالى بالنصر ،
لأنه إذا استنفذنا قوتنا المادية والحسية لم يبقى لنا إلا الدعاء ، الدعاء مع القوة المادية والحسية وعدم استعمالها هذا خطأ ،(73/22)
لكن الدعاء عند العجز هذا واجب وإن جمعت بينهما فخير لكن قام يدعوا الله عز وجل ثم ماذا كان الأمر ؟ قال الله تعالى : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } ( الأنفال 11 ) ، فنفرت الملائكة ونزلت تقاتل تثبت المؤمنين وتلقي في قلوب الكفار الرعب فهربوا وقُتل منهم سبعون رجلا وأُسر سبعون رجلا وكان ممن قتل هذا الزعيم الذي يقول إننا لن نرجع حتى نقدم بدراً وآخر ما قال : وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً ، لكن العرب سمعت بهم فنزلت مرتبتهم عند العرب ،
وقد سبق لنا أن الخلفاء الأربعة هم أفضل الصحابة وأن أفضلهم أبو بكر رضي الله عنه وأن ترتيبهم في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة ،
أي أن علماء أهل السنة اختلفوا في أمر عثمان وعلي :
1 - فبعضهم رتب فضلهما على الخلافة ،
2 - وبعضهم قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
3 - وبعضهم ذكر عثمان ثم سكت ،
4 - وبعضهم توقف ،
وأن الذي استقر عليه أمر أهل السنة والجماعة : تقديم عثمان على علي رضي الله عنه ، وهذا هو ندين الله به ،
ومع ذلك فإننا نحب علي بن أبي طالب من وجه آخر ونقدمه من وجه آخر ،
وهو قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
ولكن الفضل لكن في خصيصةٍ واحد لا يعني الفضل المطلق بعد الأربعة الأفضل العشرة المبشرون بالجنة والمبشرون بالجنة أكثر من عشرة ،
لكن هؤلاء عشرةٌ ذكرهم النبي صلى عليه وآله وسلم في نسقٍ واحد بعد هؤلاء أهل بدر ،
وسبق ذكر قصة بدر وسببها ونتيجتها نتيجتها النتيجة العظيمة حتى سمى الله تعالى يومها يوم الفرقان ،
قوله : ( ثم من أهل الشجرة ) : بعد أهل بدر أهل الشجرة ،
( أل ) هنا للعهد الذهني أي الشجرة التي بايع تحتها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ،(73/23)
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في ذي القعدة ومعه نحو ألفٍ وأربعمائة رجل خرج قاصداً البيت للعمرة ومعه البُدْن قد ساقها عليه الصلاة والسلام تعظيماً لله عز وجل وللبيت الحرام فلما وصل إلى الحديبية وهي مكانٌ بعضها من الحل وبعضها من الحرم صده المشركون وقالوا : لا يمكن أن تدخل علينا مكة ، نؤخذ ضغطة لا يمكن ،
وهذا من حمية الجاهلية لأن قريشاً لا تمنع أي واحد من الحج أو من العمرة بل ترحب به لأنه يفيدها اقتصادياً لكن محمداً صلى الله عليه وآله يسلم وهو أولى الناس بالبيت هو ومن معه هو الذي يُصد ،
إذن حمية علم أم حمية جهل ؟
حمية جهل فمنعوه وجرت وبينهم وبينه مراسلات فبايع النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه تحت هذه الشجرة على ألا يفروا أبداً وأراد صلى الله عليه وسلم أن يناجز قريشاً ويدخل مكة عنوة ولكن الله عز وجل له حكمة بالغة ،
قتل الرسول ممنوع في كل قانون ،
الرسول الذين يكون بين متحاربين لا يمكن أن يُقتل حتى في الجاهلية ممنوع فقال إن كانوا قتلوه لأناجزنهم فبايع أصحابه وكان عليه الصلاة والسلام يبايعهم على ألا يفروا وقد قال الله في هذه البيعة المباركة ، { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } ( الفتح 10 ) .
فصرَّح أن مبايعتهم للرسول مبايعةٌ لله وأن الرسول نائبٌ عن الله في ذلك يد الله وهي الرسول فوق أيديهم لكن لما كانت يد رسوله كانت كيده على أحد القولين في الآية ،
فالرسول صلى الله عليه وسلم بايع وقد قال الله في هذه البيعة : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرةفعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا عظيما } ( الفتح 18 ) .
والفتح القريب هو الصلح الذي جرى بين الرسول صلي الله عليه وسلم وبين قريش ،
وقد يقول إنسان كيف كان فتحاً مع أن ظاهره أنه هضمٌ للمسلمين ؟(73/24)
قلنا : كانت فتحاً لأن الناس بدءوا يأتي بعضهم إلى بعض من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة لأجل العهد الذي بينهم فكان فتحاً مبيناً والشيء الذي خُشي عليه أن يكون ضغطاً على المسلمين زال ولله الحمد في قصة من ؟
أبي بصير رضي الله عنه ومن خرج إلى مكة ، لما جاء أبو بصير إلى المدينة فاراً من أهل مكة ألحقوا به رجلين ، تعصب ، وإلا لكانوا قالوا : رجلٌ ذهب دعوه يمشي فألحقوا به رجلين يطلبانه لما وصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإذا الرجلان قد وصلا إلى خلفه فقالا : يا محمد العهد أن من جاء منا إليك فإنك ترده إلينا فلما رده إليهم خرجوا من المدينة وجلسوا يتغدون الثلاثة أبو بصير ورجلا قريش وكان أبو بصير قوياً فقال لأحدهم أعطني سيفك إنه سيفٌ جيد وقام يمدحه قام يمدح هذا السيف قال نعم إنه جيد وكم قرعت به من رأس أكملوا فأعطاه السيف فسلَّه أبو بصير وجبَّ به رقبته والثاني هرب إلى المدينة فاراًّ ولحقه أبو بصير فجاء إلى الرسول مذعوراً وقال إن صاحبي قُتل يعني وأنا أخاف على نفسي فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ويل أمه يعنى أبا بصير مسعر حرب لو يجد من ينصره فعرف أن الرسول سوف لن ينصره وسيسلمه مرة ثانية فخرج من المدينة وجلس الصراط لعير قريش قعد الصراط لهم كلما جاءت عير هجم عليها وأخذ منها ما شاء الله فعلم بعض الصحابة الذين في مكة بخبره فخرجوا إليه فكانوا عصابة فأخافوا السبيل وأرسلت قريش إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت كلاما معناه خلصنا منه نحن ألغينا عهد الذي بيننا وبينك فيها فرجع أبو بصير ومن معه إلى المدينة واستتب الأمن [28] ولله الحمد وأما العهد الذي كانت مدته عشر سنين فإن قريشاً نقضته حيث أعانت حلفاءها على حلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحينئذ أنتقض العهد فلم يكن بينهم وبين الرسول عهد فغزاهم وبهذا صار هذا الصلح صار فتحاً مبيناً [29] ،(73/25)
{ لا يستوي منكم أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } ( الحديد 10 ) ، والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية ،
هؤلاء أهل الشجرة ، هذه الشجرة بقيت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى عهد أبي بكر وهي باقية فلما كان عمر سمع أن قوماً يترددون إليها إلى هذه الشجرة فحماية لحمى التوحيد أمر رضي الله عنه بقطعها أرأيتم لو بقيت ؟
لكانت ذات أنواط أو أشد لكان يعبدها الناس ،
والناس الآن أكثرهم همج لكن من بركات عمر بن الخطاب على هذه الأمة أن قطع دابر الشرك قطعها وأخفى موضعها حتى أخفيت الله الحمد ولم يعرف مكانها حتى الآن ،
******************
154 – وقيل : أهل أحد المقدِّمِة ،
والأول أولى للنصوص المحكمة ،
يعني بعد أهل بدر أهل أحد ،
قال بعض العلماء : أن أهل أحد مقدمون على أهل بيعة الرضوان ،
ومن المعلوم أن من الصحابة من كان من أهل بدر ومن العشرة ومن أهل بيعة الرضوان ومن أهل أحد يعني بعض الصحابة اجتمعت لهم الأوصاف الأربعة وبعضهم لا ،
إذا قلنا : إن أهل أحد مقدمون على أهل بيعة الرضوان ، أيهم أكثر ؟
أهل بيعة الرضوان لأن أهل بيعة الرضوان ألف وأربع مائة وأهل أحد نحو سبع مائة نفر لكن أصابهم من البلاء والتمحيص والقتل ما لم يكن في بيعة الرضوان ،
لهذا رجَّح بعض العلماء أهل أحد على أهل بيعة الرضوان ،
ولكن الذي يظهر القول الأول : أن أهل بيعة الرضوان أفضل ،(73/26)
لأن أهل بيعة الرضوان استحقوا الرضا ، { لقد رضي الله عن المؤمنين } ( الفتح 18 ) .
أما أهل أحد فاستحقوا العفو ،
وفرق بين هذا وهذا قال الله تعالى : { ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على العالمين } ( الحج 52 ) .
ففرق بين من استحق وصف العفو وبين من استحق وصف الرضوان أيهما أكمل ؟
الثاني أكمل ،
فالصحيح : أن أهل بيعة الرضوان الضربة أفضل من أهل أحد ،
مع أنه ربما يكون أهل أحد قد شملتهم بيعة الرضوان ،
أما أهل أحد فالقصة فيها معروفة ،
الغزوة سببها : أن قريشاً لما هزموا تلك الهزيمة النكراء في بدر ورجعوا إلى بلدهم تشاوروا في ما بينهم وقالوا : محمد استأصل شأفتنا وقتل خيارنا وسادتنا فلنخرج إليه حتى نأتيه في المدينة ونقضي عليه فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يريدون القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هل يخرج أو لا يخرج ، فالذين لم يشهدوا بدراً قالوا له : اخرج ماذا يريدون ؟
يريدون الشهادة الغزو ، والذين حضروا بدرًا قالوا يا رسول الله نبقى في المدينة فإذا جاءونا قضينا عليهم ،
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رجَّح رأي الذين قالوا بالخروج دخل بيته من أجل أن يتأهب للحرب ويلبس لامة الحرب والدرع وغير ذلك ،
فكأنهم تشاوروا في ما بينهم قالوا لعلنا أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج لأنه كان يميل بالأول إلى أنهم لا يخرجون فلما خرج عليهم وقد لبس لامة الحرب على رأسه واستعد للحرب قالوا : يا رسول الله لو تركنا هذا وبقينا على الرأي الأول أن نبقى في المدينة فإذا يعني قاتلناهم ،
فقال : ما كان ينبغي لنبي لبس لامة الحرب حتى يقضي الله بينه وبين عدوه فخرج ومعه ألف نفر سبعمائة مؤمنون خلص وثلاثمائة منافقون ،(73/27)
وكان المنافقون لا يريدون الغزو يقولون ابقوا هاهنا ولما كان في أثناء الطريق قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين محمد يطيع صغار السن ويعصينا لا يمكن أن نقاتل فرجع بثلث الجيش ، ثلث الجيش ليس بالأمر الهين في كسر قلوب الجيش لولا أن الله تعالى أعان المسلمين بالإيمان لانخذلوا إذا رجع من الجيش ثلثه هل يبقى على عزيمته الأولى ؟
أبداً ولهذا حرم الفرار من الزحف ولو واحداً من الناس يفر لأنه يكون سبباً لضعف النفوس ووهن القلوب والهزيمة ،
لكن هؤلاء صمموا حتى كانت الغزوة في أحد تفيد وكان في أول النهار النصر للمؤمنين إلا أن الله أراد بحكمته خلاف ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل خمسين رامياً وأمَّر عليهم عبدالله بن جبير جعلهم على ثغرٍ في الجبل وقال لا تبرحوا مكانكم أبداً سواءٌ لنا أو علينا فلما انكشف المشركون وانهزموا صار المسلمون يجمعون الغنائم قال الرماة بعضهم لبعض انكشف المشركون وولوا الأدبار فانزلوا أنزلوا خذوا من الغنائم اجمعوهاكما يجمعها الناس فذكَّرهم أميرهم عبدالله بن جبير بقول النبي عليه الصلاة والسلام ولكن { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } ( آل عمران 152 ) ، نزلوا إلا نفراً قليلاً لا يغنون شيئاً وإذا فرسان قريش النبيهين الشجعان رأوا المكان خالياً فكرُّوا على المسلمين من خلف الجبل ومنهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وهما فارسان من فرسان المسلمين والحمد لله فاختلط المشركون بالمسلمين من وراءهم وحصل ما حصل من الأذى والضرر والقتل وأصاب المسلمين محنٌ عظيمة لا على الرسول عليه الصلاة والسلام ولا على أبي بكر ولا عمر ولا غيرها ،(73/28)
حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أسد الله وأسد رسوله يُمَثَّلُ بعد أن قتل حتى قيل إن هند بنت عتبة أخذت من كبده فرت بطنه وأخذت كبده جعلت تأكله لكن عجزت أن تبلعه بإذن الله عز وجل والرسول عليه الصلاة والسلام شُجَّ وجهه وجعل الدم يسيل على وجهه وكسرت رباعيته وحصل له من التعب والمشقة ما لا يصبر عليه إلا أمثاله عليه الصلاة والسلام وقتل منهم سبعون نفراً وأصابهم غمٌّ بغم ولكن الله عز وجل سلاّهم بآيات كثيرة في سورة آل عمران نصفها أو أكثر كلها عن هذا الغزوة ،
وكانت النتيجة أن قتل منهم سبعون نفراً وقال الله تبارك وتعالى : { أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا } ( آل عمران 165 ) ، كيف هذه المصيبة ؟ قال تعالى : { قل هو من عند أنفسكم } ، أنتم السبب ، { إن الله على كل شيء قدير } ، هو قادر عز وجل على أن يكشف المشركين ولا ينالكم سوء لكن أنتم البلاء ، { قل هو من عند أنفسكم } ، يقول هذا : لمن ؟ لجندٍ معهم رسول الله عليه الصلاة والسلام { قل هو من عند أنفسكم } .
وما هي المعصية التي فعلوا ؟ معصية يسيرة ، فما ظنكم بنا الآن ؟
نعم هل عندنا شئٌ يمنعنا من النصر ؟
أقول : ليس عندنا شيء يوجب لنا النصر ، كثيرٌ من حكام المسلمين لا يرضون أن يحكموا بكتاب الله وسنة رسوله وكثيرٌ من حكام المسلمين يلاحقون المؤمنين بالله ورسوله ، { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } ( البروج 8 ) .
وكثيرٌ من أسواق المؤمنين تُشرب فيها الخمور وتُعاقر فيها النساء وكثيرٌ من حكام المسلمين لهم موالاةٌ ظاهرة مع أعداء الله فهل يمكن أن يكون النصر لهؤلاء ؟
أبداٌ قد يكون هؤلاء أحق بالخذلان من الكفار الخُلَّص لأن الكفار كفار لكن هؤلاء ينتمون إلى الإسلام وهم لا يؤمنون بالإسلام حقيقة ولذلك نبذوا الكتاب وراء ظهورهم إلا من شاء الله ،(73/29)
فأقول : إننا ما أصبنا بهذه المصائب التي نحن عليها اليوم إلا بسبب ذنوبنا وذكرت لكم سابقاً أن لذلك سببين :
الأول : الذنوب ،
الثاني : الامتحان لنصبر أو لا نصبر ،
لأنني قلت لكم الآن : إنه ولله الحمد فيه نهضة ،
لأنني قلت لكم : أنه الآن ولله الحمد فيه نهضة شبابية إسلامية فيمتحن هؤلاء هل يصبرون أو لا يصبرون ،
قال الله تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول } ( البقرة 214 ) : يعني معهم رسولهم ، { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } ، قال الله تعالى : { ألا إن نصر الله قريب } .
فالحاصل : هذه أحد غزوة أحد حصل فيها من البلاء والتمحيص ما لم يحصل في غيرها ،
ولهذا قال بعض العلماء : إنها أفضل من غزوة الحديبية ،
ولكن الصحيح : أن أهل الحديبية أفضل من أهل بدر ،
وذلك لأنه الله تعالى أحل عليهم رضوانه وأما هؤلاء فقال الله تعالى : { ولقد عفا عنكم } ( آل عمران 152 ) .
قوله : ( والأول أوْلى ) : هنا تسقط الهمزة همزة القطع مراعاة للوزن ،
قوله : ( للنصوص المحكمة ) : يعني للأدلة أدلة النصوص المحكمة يعني الواضحة البينة ،
لأن المحكم يقال بازاء المتشابه ،
قوله تعالى : { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } ( آل عمران 7 ) .
ويقال بإزاء المنسوخ فيقال هذا محكم وهذا منسوخ وأصل الإحكام هو الإتقان ،
******************
155 – وعائِشُ في العلم مع خديجة ،
في السَّبْقِ فافهم نُكْتَةَ النتيجة ،
156 – وليس في الأمة كالصحابة ،
في الفضل والمعروف والإصابة ،(73/30)
157 – فإنهم قد شاهدوا المختارا ،
وعاينوا الأسرار والأنوارا ،
158 – وجاهدوا في الله حتى بانا ،
دين الهدى وقد سَمَى الأديانا ،
159 – وقد أتى في محكم التنزيل ،
من فضلهم ما يشفي الغليل ،
عائشة وخديجة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ،
وقد اختلف العلماء أيهما أفضل [30] :
1 - فقيل : إن عائشة أفضل ،
2 - وقيل : إن خديجة أفضل ،
والصواب : أن يقال :
أما مرتبتهما عند الله فهذا ليس إلينا ، إلى من ؟ إلى الله عز وجل لا نتكلم في هذا ،
وأما المفاضلة بينهما بحسب ما ظهر لنا من أفعالهما وأحوالهما فهذا إلينا ،
لأنه أمرٌ ظاهر معروف ،
وأما باعتبار كونهما زوجين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مفاضلة ،
كل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يشتركن في هذه الفضيلة ،
في أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة ،
وأنهن أمهات المؤمنين ،
وأنه يجب علينا من احترامهن وتعظيمهن ما يليق بهن وبحالهن ،
فالجهات الآن ثلاث :
أولاً : من حيث كونهما زوجين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ،
ففي هذه الحال لا مفاضلة ،
لأن جميع أزواج الرسول يشتركن في هذا الفضل ،
ثانياً : من حيث المرتبة عند الله ،
فهذا لا مفاضلة أيضاً ،
لأن هذا مجهول لنا وكم من شخصين علمهما واحد لكن مرتبتهما عند الله بينهما كما بين السماء والأرض لأن الله لا ينظر إلى صورنا وأعمالنا وإنما ينظر إلى قلوبنا ،
بقي علينا الأعمال الظاهرة أيهما أفضل عائشة أم خديجة ؟
أصح ما قيل في ذلك : ما أشار إليه المؤلف رحمه الله :(73/31)
أن خديجة لها فضل السبق إلى الإسلام ولها فضل مناصرة النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره وأن النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها دائماً وأنه لم يتزوج عليها وأنها أم أكثر أولاده ولها مزايا ،
عائشة رضي الله عنها في كونها أحب النساء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعنايتها بالرسول صلى الله عليه وسلم وشدة محبتها له وما نشرت من العلم الكثير في الأمة تكون بذلك أميز من خديجة ،
فصارت هذه أفضل من وجه وهذه أفضل من وجه ،
وعلى هذا أشار بقوله : ( وعائشة في العلم مع خديجة في السبق ) ، هذه علم نشرته كثيراً في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
وتلك خديجة سبقت وناصرت الرسول وعاضدته رضي الله عنه وجزاها الله عنا خيراً ،
وعائشة في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لا أحد يشك في درجتها عند الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته لها بل وكونه صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها وفي حَجْرِِها وفي يومها وآخر ما طَعِمَ من الدنيا ريقها رضي الله عنها .
كل هذه فضائل وميزات لم تحصل لخديجة ولا لغيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولهذا قال : ( فافهم ) : بالنسبة للمحبة محبتنا لهن نحبهن كلهن على حدٍّ سواء من حيث كونهن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام ولهن عندنا من الاحترام والتعظيم ما يليق بحالهن ويزداد حبنا للواحدة منهن بحسب ما أسدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما وإلى الأمة ،
وهذا هو العدل والميزان الحق ،
وأما الميل مع العاطفة فهذا لا شك أنه خلاف الحق ، { فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } ( النساء 135 ) ، يعني إن أردتم العدل لا تتبعوا الهوى اتبعوا ما يقتضيه العقل نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الحق والعدل إنه على كل شئٍ قدير ،(73/32)
والقرآن لا شك أنه محكم متقن في ألفاظه ومعانيه وفي جميع ما يتعلق به أخباره صدق وأحكامه عدل لا تجد فيه تناقضاً ، { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } ( النساء 82 ) .
ولكن قد يشكل على أن الله تعالى سماه في موضعٍ متشابهاً فقال : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } ( الزمر 23 ) ، والتشابه ضد المحكم ، لأن المتشابه يوجب لمن نظر فيه الحيرة والتردد ، فلا يكون محكماً ؟
والجواب عن ذلك أن يقال :
التشابه الذي وُصف به القرآن ، ليس هو التشابه الذي هو خفاء المعنى بل التماثل والتساوي يعني أنه متماثِل يشبه بعضه بعضاً في كماله وجودته وإصلاحه للقلوب والأعمال ،
ولهذا لما أُريد بالمتشابه ( المشتبه فيه معناه ) قسَّم الله تعالى المتشابه إلى قسمين :
1 - محكم ،
2 - ومتشابه ،
فقال جل وعلا : { هو الذي أنزل عليك الكتاب هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } ( آل عمران 7 ) .
فحينئذٍ نقول : القرآن محكم بمعنى واضح بيِّن لا يشتبه على أحد ،
ومتشابه خفيُّ المعنى لا يعلمه إلا أولوا العلم الراسخون فيه ،
ولهذا قال : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } ، على قراءة الوصل ،
فصار القرآن نَصِفُهُ بأنه كله محكم وبأنه كله متشابه وبأن بعضه محكم وبعضه متشابه ،
ولكن المعنى يختلف في هذا التفسير ،
هل يمكن في القرآن آياتٌ متشابهة على جميع الناس لا يُعرفون معناها ؟
لا ، لا يوجد مثل هذا في القرآن ،
والدليل : قوله تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } ( النحل 89 ) ، { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا } ( النساء 174 ) .
لا يمكن إطلاقاً أن يوجد فيه آية أو كلمة لا يُفهم معناها لكن حقيقة الذي يخفى هو حقيقة مدلولات الآيات مثل ما اخبر الله عن نفسه وعن اليوم الآخر ، لا نعرف حقيقته ،(73/33)
إذا قال قائل : هذا القول الذي قلتم أنه لا يوجد شئٌ يخفى معناه على جميع الناس منقوضٌ بالحروف الهجائية التي ابتدئت بها السور فإن أحداً لا يعرف معناها ، إذا قال لك قائل : ما معنى { نون والقلم ما يسطرون } ( القلم 1 ) ، ما معنى : { نون } [31] ؟
نقول : ليس لها معنى أصلاً لأنها حروف هجائية غير مركبة والقرآن نزل بلسانٍ عربي واللسان العربي يقتضي أن هذه الحروف ليس لها معنى ولكن لها مغزى وهي ظهور إعجاز القرآن لهؤلاء القوم الذين ادعوا أنه مُفترىً على الله عز وجل وأنه قول البشر .
ويدل لهذا : أنه ما من سورة ابتدئت بهذه الحروف إلا وبعدها ذكر القرآن ،
******************
160 – وفي الأحاديث وفي الآثار ،
وفي كلام القوم والأشعار ،
قوله : ( وفي الأحاديث وفي الآثار ) : يعني ورد أيضاً في الأحاديث والآثار ، الأحاديث ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والآثار ما أضيف لغيره ،
هذا عند الإطلاق .
وإلا فقد يراد بالأثر : ( ما أضيف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ) .
لكن الغالب أنه يُقيد يقال : في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
قوله : ( وفي كلام القوم والأشعار ) : الظاهر أنه يريد بالقوم الصحابة وكذلك من بعدهم فإن في أشعارهم من الثناء على الصحابة وبيان فضلهم ومواقفهم ،
******************
161 – ما قد ربا من أن يحيط نظمي ،
عن بعضه فاقنع وخذ من علم ،
قوله : ( ما قد ربا من أن يحيط نظمي عن بعضه ) : ( ربا ) مكتوبة عندي بالياء ،
والصواب : أن تُكتب بالألف ،
لأن الألف المتطرفة في الثلاثي يُنظر إلى أصلها ،
إن كان أصلها الواو فإنها تُكتب بالألف وإن كان أصلها الياء فإنها تُكتب بالياء ،(73/34)
فمثلاًَ : ( دعا ) تُكتب بالألف لأنها أصلها الواو دعا يدعو ،
( ربا ) مكتوبة بالألف لأنها من ربا يربو ،
( رمى ) لأنها من رمى يرمي ،
( قضى ) بالياء لأنها من قضى يقضي ،
أما ما زاد على الأربعة الألف التي تكون رابعةً فأكثر يعني ما زاد على الثلاثة فتُكتب بالياء إلا ما استثني ،
قلنا مثلاً : ( ربا ) تُكتب بالألف .
لكن لو قلت : ( يستربي ) ، فإنها تًُكتب بالياء .
لأنها زائدة على الثلاثة دعا تُكتب بالألف .
لكن لو قلت : يُستدعى كتبتها بالياء .
فهذه هي القاعدة ،
قوله : ( عن بعضه ) : يعني معناها أن نظمه ربا من أن يحيط عن بعض ما قيل فيهم ،
فكيف بالكل ؟
يكون من باب أولى أن يعجز عنه ،
قوله : ( فاقنع وخذ من علمِ ) : رحمه الله وجزاه الله خيراً ،
ولْيُعْلَم أن المطالعة في سيرة الصحابة رضي الله عنهم تحتاج إلى حذر ،
وذلك لأنه ظهر أعداءٌ للصحابة من بعدهم من الخوارج والروافض ،
فيحتاج الإنسان إلى حذرٍ فيما يُنقل عن الصحابة رضي الله عنهم وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية [32] تلك العقيدة المباركة أشار إلى ما ورد عن الصحابة مما حصل من الفتن وأن ما وقع منهم يكون مغفوراًَ ومغموراً بجانب الفضائل ،
******************
162 – واحذر من الخوض الذي قد يُزري ،
بفضلهم مما جرى لو تدري ،
قوله : ( احذر ) : فعل أمر من الحذر وهو التخوف وعدم الإقدام والوقوف أمام الشر والفتنة بحيث لا يتجاوزها المرء ،
قوله : ( من الخوض ) : ( الخوض ) الكلام اللغو الذي لا فائدة منه ،(73/35)
ويُطلق على الكلام الذي يتأثم فيه الإنسان كما قال تعالى : { الذين هم في خوض يلعبون } ( الطور 12 ) ، فالكلام الذي لا فائدة منه في الصحابة أو الكلام الذي قد يتأثم فيه العبد يجب أن نحذره وألا نتكلم فيه ،
قوله : ( قد يزري بفضلهم ) : أي يحط من قدرهم ،
قوله : ( مما جرى ) : بينهم أي مما وقع بينهم
قوله : ( لو تدري ) : ( لو ) هذه للتمني يعني ليتك تدري ،
وذلك أنه جرى من الصحابة رضي الله عنهم من الأمور التي هي في الواقع من المتشابه لكن من المتشابه الواقع لا من المتشابه المُنزَّل ،
وجه كونها من المتشابه أنه قد يكون فيها مدخلٌ لكل ذي غرضٍ سيئ وأن الصحابة رضي الله عنهم تقاتلوا فيما بينهم وأراقوا الدماء من أجل الوصول إلى السلطة لا من أجل الوصول إلى الحق فهو من المتشابه الواقع ،
وطريقة أهل العلم والإيمان في المتشابه من المنزل أو من الواقع أن يرجعوا إلى المحكم الذي لا تشابه فيه ،
فما جرى من الصحابة رضي الله عنهم من الفتن كالذي بين علي وعائشة رضي الله عنهما والزبير [33]وبين علي ومعاوية [34] وأحداث كثيرة تُعلم من التاريخ استغلها المغرضون الحاقدون على الإسلام من أجل الطعن في الصحابة ، وحملوها على أنها صدرت عن نيةٍ سيئة كالرافضة الذين في قلوب كثيرٍ منهم غِلْ وحقد على الإسلام ولا سيما على عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أطاح بعروشهم وفلَّ جموعهم فكانوا يتخذون من هذه الوقائع سُلَّماً للقدح في الصحابة رضي الله عنهم حتى أنهم كانوا يلعنون من قام ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتقربون إلى الله تعالى بلعنه والعياذ بالله مع ما له من الفضيلة ،
لكن الراسخين في العلم وأهل الإيمان يقولون : إن هذا الأمر الذي وقع بينهم يجب أن يُحمل على نيةٍ حسنة ، لماذا ؟(73/36)
لما للصحابة من الفضل والمعروف والإحسان والجهاد في سبيل الله فما يقع منهم من المعاصي فهو مغمورٌ في جانب الحسنات والحَكَمُ العَدْلُ هو الذي يقارن بين الحسن والسيء ويجعل الحكم للأكثر ونحن إذا قارناَّ لما حصل بين الصحابة مما يُظنُّ إثماً وبين ما حصل منهم من الفضائل والكمالات وجدنا أن الثاني أكثر بكثير والواجب أن تنغمر السيئات في جانب الحسنات هذا هو العدل ،
وما أحسن كلمة قالها ابن رجب رحمه الله في مقدمة كتاب القواعد : ( المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ) [35] ،
ولهذا يقول المؤلف رحمه الله : ( فإنه عن اجتهادٍ قد صدر ) ،
******************
163 – فإنه عن اجتهادٍ قد صدر ،
فاسلم أذل الله من لهم هجر ،
قوله : ( فإنه ) : أي ما جرى بين الصحابة من الفتن والقتال ،
قوله : ( عن اجتهادٍِ قد صدر ) : والاجتهاد افتعال من جَهَدَ أي بذل الجهد وهو الطاقة في الحصول على المقصود ،
ولهذا يُسمى العالم الذي يتطلب الأحكام من أدلتها الشرعية يُسمى مجتهداً لأنه يبذل جهده وطاقته ووُسْعَه للوصول إلى الحق عن طريق الدليل ،
فالصحابة رضي الله عنهم حصل ما حصل بينهم عن اجتهاد ،
فمثلاً : معاوية وعائشة رضي الله عنها والزبير قاتلوا يظنون أن هذا هو الذي سبباً للعثور على قتلة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ليُقتص منه ، وعلي بن أبي طالب أخَّر البحث عن القاتل أو عن المتآمرين لأن الحال تقتضي ذلك الناس في فتنة ويصعب جداً أن نعثر على هؤلاء المدبرين ثم إذا عثرنا فإن قتلهم قد يؤدي إلى فتنةٍ أكبر لأن منهم رؤوس قبائل ،
فعليٌّ له رأي ،
ومعاوية وعائشة والزبير لهم رأيٌ آخر ،
كلها عن اجتهاد ،(73/37)
ثم إنه قد قيل : إن الفتنة كادت أن تنطفئ لولا رجالٌ من رجال معاوية صار في نفوسهم بعض الشيء وبادروا بالقتال فحصل الشر ،
وأياًّ كان التقدير فإنه يجب أن نحمل الإساءة على الإحسان وننظر بينهما ونقول : إذا قدَّرنا أن هؤلاء أخطئوا في هذه الفتنة الكبيرة فإن لهم من الحسنات ما يوجب محو هذا ،
والإنسان المجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر والخطأ مغفور ،
هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجرٌ ) [36] ،
وهؤلاء بين مجتهدٍ مصيب ومجتهد مخطئ فالمصيب له أجران والمخطئ له أجرٌ واحد ،
فإن قال قائل : أيهم أقرب إلى الصواب وأيهم أحق بالخلافة ؟
فالجواب : أن الأقرب للصواب والأحق للخلافة علي بن أبي طالب لا شك في هذا ،
ودليل ذلك : قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمار بن ياسر : ( إنه تقتله الفئة الباغية ) [37] ، ( الباغية ) يعني الخارجة على الإمام والذي قتل عمَّاراً هم أصحاب معاوية ،
وعلى هذا يكون علي بن أبي طالب أقرب إلى الصواب ويكون جيش معاوية هو الفئة الباغية ،
لكن مع هذا يجب علينا ألا نضمر حقداً ولا بغضاء لواحد من الصحابة وأن نحمل ما جرى منهم من الخطأ على أنه اجتهاد والله يغفر له ،
ثم إنه من العقل والإيمان ألا نجعل ما جرى بين الصحابة من هذه المسائل سبباً للأخذ والرد والخلاف لأن هذه أمةٌ قد خلت { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } ( البقرة 286 ) .
علينا أن نجتمع من الآن على طريق الحق الذي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وألا نداهن كما يدعو إليه بعض الناس اليوم من محاولة التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة
لأن محاولة التقريب بين المذهب الحق والمذهب الباطل ليس إلا مداهنة ، مداهنة في دين الله ،
وإن من الواجب على الجميع الرجوع إلى الكتاب والسنة وهَدْي السلف الصالح ،(73/38)
وأول ما يجب الكف عن مساوئ الصحابة رضي الله عنهم [38] واعتقاد أن من أخطأ منهم فإن خطأه منغمر في جانب صوابه وما حصل من فساد فإنه منغمر في جانب الإصلاح هذا الواجب علينا فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم ،
قوله : ( فاسلم ) : من أي شيء ؟ اسلم من الخوض والوقوع فيهم والعداوة والبغضاء لهم ،
قوله : ( أذل الله من لهم هجر ) : أي أوقعه الله في الذل والهوان وهذه الجملة الخبرية جملةٌ دعائية ، ويشير رحمه الله إلى الرافضة الذين هجروه ،
لا نقول : هجروهم لا يكلمونهم لأنهم أموات ،
لكن هجروا فضلهم ونشر فضلهم بل اعتدوا عليهم يعني ليت الصحابة سلموا منهم ليتهم سكتوا عن نشر فضائلهم ولكن لم يتهموهم ويرموهم بالباطل والكذب ويلعنونهم على رؤوس المنابر والعياذ بالله ويلعنوهم في كتبهم الصباحية في أذكار الصباح والمساء يكتبون ( اللهم ألعن صنمي قريش وجتبيهما وطاغوتيهما ) يعنون بذلك أبا بكر وعمر والعياذ بالله نسأل الله العافية نحن رأينا كتبهم هكذا في أذكار الصباح والمساء يعني يتقربون إلى الله بلعن أبي بكر وعمر نسأل الله العافية ،
ولكن أبعدهم الله لا يزدادون بذلك إلا بعداً من الله عز وجل ،
فنشكر المؤلف ونسأل الله أن يعفو عنه حيث دعا بالذل على من هجر الصحابة بعدم نشر فضائلهم بل زاد على ذلك أنه نشر ما اتهمهم به بل وكذب عليهم به من المساوئ ،
******************
164 – وبعدهم فالتابعون أحرى ،
بالفضل ثم تابِعوهُم طراّ ،
قوله : ( أحرى ) : أجدر بعد الصحابة التابعون ، التابعون لهم بإحسان وهم القرن الثاني من هذه الأمة ،
واعلم أن القرن يُعتبر بأكثره كما قال شيخ الإسلام رحمه الله [39] ،(73/39)
وليس معنى التابعين أنه لا يوجد أحدٌ من الصحابة لا ، فإذا كان القرن أكثره من التابعين أي ممن لم يشاهدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يُسمى قرن التابعين وإن كان يوجد العشرة والمائة وما أشبه ذلك من الصحابة وكذلك يقال في تابع التابعين فالقرن يُعتبر بأكثر أهله ،
التابعون هم أحرى الناس بالفضل بعد الصحابة رضي الله عنهم ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [40] ،
والتفضيل هنا تفضيلٌ للجملة على الجملة وليس لكل فردٍ على كل فرد ،
بمعنى أنه قد يوجد في تابع التابعين من هو أفضل من التابعين في العلم والعبادة والجهاد ،
كذلك أيضاً يوجد في التابعين من هو أفضل من الصحابة في العلم والجهاد ليس الصحابة عموماً ،
بل من بعض الصحابة الواحد من هؤلاء قد يفضل الواحد من هؤلاء ، إلا أن الصحابة يتميزون بخصيصةٍ ليست لغيرهم وهي الصحبة هذه لا يمكن أن ينالها أحد من التابعين لكن الفضل والعلم والجهاد ربما يوجد في التابعين من خيرٌ من بعض الصحابة كما يوجد في تابع التابعين من هو خيرٌ من التابعين ،
فالتفضيل إذن للجملة لا لكل فرد إلا ما ذكرت لكم من تميز الصحابة رضي الله عنهم بهذه الخصيصة وهي الصحبة ،
قوله : ( ثم تابعوهم طُراّ ) : تابع من ؟ تابع التابعين ،
قوله : ( طُراًّ ) : يحتمل بمعنى قطعاً وأن تكون بمعنى جميعاً وهو كذلك نحن نقطع بأن تابع التابعين بعد التابعين وأن التابعين بعد الصحابة ، نقطع بذلك ،
وسكت المؤلف عن بقية الطبقات يعني لم يذكر إلا ثلاث طبقات الصحابة والتابعون لهم وتابع التابعين وإنما اقتصر على ذلك بناءاً على ما في حديث عمران بن حصين وغيره من أن خير الناس الصحابة ثم التابعين ثم تابعوا التابعين ،
وعلى هذا فنقول : ما بعد هذه القرون الثلاثة حصلت الفتن وانتشرت البدع وتفرقت الأهواء وحصل الشر الكثير ورفعت المبتدعة رؤوسها ،(73/40)
واضطرب الناس أمناً وإيماناً وتكلم الناس في كل شيء حتى تكلموا في الله عز وجل ،
وصاروا في الله ما بين معطّلٍ لصفاته ومثبتٍ ممثل وقائمٍ بالقسط معتدل ،
واختلاف الناس في الله عز وجل وفي أسمائه وصفاته كان بعد الاختلاف في مسألة القدر ومسألة الإيمان والكفر ،
لأن مسألة القدر أدركت أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم ،
ومسألة الأسماء والإيمان والكفر بعدها وكذلك الإرجاء وما يتعلق به ،
ثم جاءت بدع الأسماء والصفات وانتشرت هذه انتشاراً عظيماً وصار الناس يتكلمون عليها أكثر من غيرها لأنها أشد خطراً من غيرها ،
وإلى هنا انتهى كلام المؤلف على الصحابة على ما يتعلق بفضلهم وبعدُ فإني أدعوكم إلى قراءة أخبار الصحابة رضي الله عنهم بعد قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يشد الإنسان نفسه مع السابقين السالفين ليزداد بذلك إيماناً ومحبةً لهم ومنهجاً طيباً ،
الأسئلة
السؤال : صغار الصحابة الذين كانوا في المدينة ولكن لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم كانوا داخل البيوت ، هل تعتبر لهم صُحبة أم لا ؟
الجواب : لا ، الذين لم يجتمعوا به لا تعتبر لهم صُحبة ،
السؤال : يعتبرون متبعين حكماً لأن آباؤهم متبعين لفعله ؟
الجواب : لا ، لا تعتبر ، لا بد أن يجتمعوا به ،
السؤال : صغار الصحابة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكونوا متحملين ؟
الجواب : تكون روايتهم مرسلة ،
السؤال : هل تُقبل ؟
الجواب : ومرسل الصحابي له حكم الاتصال ، هذا يُعلم من مصطلح الحديث ،
السؤال : من أعلى مرتبة الأخوة أو الصحبة يعني إذا قلت هذا صاحبي أو أخي ليست بأخوة نسب ؟
الجواب : المصاحب لك مؤمن ، إذن اجتمعت في حقه أخوة وصُحبة ،(73/41)
ومن لم يكن صاحباً فليس في حقه إلا الأخوة ولهذا لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ليت أناَّ نرى إخواننا ) قالوا : أو لسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : ( أنتم أصحابي ، إخواني قومٌ يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ) فقوله : ( أنتم أصحابي ) [41] : يعني أعلى من الأخوة ، وإذا كان أخوك فهو من الإيمان فإن صاحَبَك فهو أخوك وصاحبك ،
السؤال : بالنسبة لمصطلح الحديث : الذين قالوا أن مرسل التابعي الأصل فيه الضعف فمرسل الصحابي لا يقبل لأن الأصل فيه الضعف ؟
الجواب : ليس بصحيح ،
الصحيح : أن مرسل الصحابي مقبول وأن له حكم الاتصال ،
أما مرسل من بعد الصحابة فهو منقطع ،
إلا إذا عُلم أن هذا التابعي لا يروي إلا عن صحابي كسعيد بن المسيب فإنهم قالوا : إنه لا يروي إلا عن أبي هريرة وعلى هذا فيكون مرسله متصلاً ،
السؤال : المخضرم حديثه منقطع أو مرسل ؟
الجواب : منقطع ، المرسل منقطع ،
لأن كل مرسل أو معلق أو معضل أو منقطع بالمعنى الخاص فهو منقطع ما لم يتصل سنده ،
فيشمل الأربعة يشمل المنقطع والمعضل والمرسل والمعلق ،
السؤال : الصديق والزميل هل هما بمعنى الصاحب ؟
الجواب : لا الصديق غير الزميل قد يكون صديقك وليس زميلك وقد يكون زميلك وليس صديقك ، الزميل المشارك لك في مهنة من المهن ،
فمثلاً : قد تكون أنت وهو في فصلٍ واحد فيكون زميلك ، لكن هل هو صاحبك ؟
قد وقد ، الصديق صديق سواءً زميل أو غير زميل حتى لو مثلاً عمله يباين عملك فهو صديقك ،
لا يشترط في التحمل الإسلام ، الإسلام يشترط في الأداء ،
أما التحمل فلا يُشترط لأنه إذا أسلم لا يمكن أن يقول كذباً ,
السؤال : كيف نوفِّق بين قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ ) [42] ، وقول أبي هريرة : أوصاني خليلي …… ، [43] ؟
الجواب : الخلة من جانبين ، الخلة تكون من جانبين زيد خليلٌ لعمرو وعمرو خليلٌ لزيد ،(73/42)
الممنوع هو أن الرسول يتخذ خليلاً ،
أما أن يُتخذ هو خليلاً فلا بأس ،
بل هو الواجب علينا ، الواجب علينا أن نجعل الرسول عليه الصلاة والسلام هو خليلنا وأحب الناس إلينا ،
السؤال : أخذنا أحسن الله إليك أنه إذا كان الإنسان مسلماً ثم ارتد ثم أسلم ، فإن أعماله السابقة تُقبل ، والله سبحانه وتعالى يقول : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ( الزمر 65 ) ، فيشمل جميع الأعمال ؟
الجواب : هذا عام ظاهره سواءً رجعت أو لم ترجع ولكن الذي قال : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ، والذي قال : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } ( الأنعام 88 ) .
فالأول في حق الرسول وهذا في حق الناس هو الذي قال : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } ( البقرة 217 ) .
وعلى هذا فيكون المطلق مقيداً بما إذا مات عليه ، وربما يكون عوده إلى الإسلام بعد الردة خيراً كثير من الناس السفهاء عندنا الآن مسلمون هم مسلمون حقيقةً وحكماً ثم يرتدون بترك الصلاة والفجور وكل الأعمال السيئة ثم يهديهم الله فيكونون أحسن حالاً من قبل بكثير ،
السؤال : هل من مذهب أهل السنة الترضي عن الصحابة ؟
الجواب : نعم ، هذا من حقهم علينا ، وإلا فإن الله عز وجل وصف الذين من بعدهم بأنهم { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } ( الحشر 10 ) ، ولم يذكر الترضي لكن من حقوقهم علينا ومن الأدب ، ومن الاعتراف بالفضل أن نترضى عليهم وإلا فهو ليس بواجب ،
السؤال : قولهم علي كرم الله وجهه وقولهم الإمام علي هل هذه …… ؟
الجواب : هذه من شعار الرافضة ، نحن نقول عليٌ إمام لا شك وقوله متبوعٌ بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) [44] ، وعليٌ منهم ،
ونقول : أبو بكر إمام وعمر إمام وعثمان إمام بل نقول : من دون هؤلاء إمام ،
الإمام أحمد بن حنبل الإمام الشافعي الإمام أبو حنيفة ،(73/43)
ليست الإمامة خاصة بعلي بن أبي طالب إلا إذا كانوا يريدون بها إمامةً هم يدَّعونها وهي إمامة العصمة ،
فنحن لا نقرهم على ذلك لا في علي بن أبي طالب ولا غيره إلا الرسول صلى الله عليه وسلم [45] ،
أما قولهم : ( كرم الله وجهه ) فالتكريم أيها أبلغ التكريم أو الرضا ؟
الرضا ،
الدليل على هذا : ( أهل الجنة يقول الله لهم تمنوا علي فيقولون ألم تعطنا ألم تفعل ألم تفعل ويذكرون ما هو عليهم ثم يقول إنكم عليَّ أن أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ) [46] ،
فصار الرضوان أعظم من التكريم هؤلاء الذين أرادوا أن يكرموا علي بن أبي طالب عدلوا عن الأفضل إلى المفضول ،
نقول : إذا قلتم علي ( رضي الله عنه ) أفضل من إذا قلت ( كرم الله وجهه ) ،
لأن التكريم دون الرضا ،
والدليل : حديث أهل الجنة مع الله عز وجل أنهم يذكرون نعمه عليهم وإعطاءه ثم يقول : ( أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ) ،
لكن الإنسان الذي يريد الباطل بإذن الله يُحرم الحق لما أرادوا الباطل بهذا ،
وتخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك حُرموا الحق و عدلوا إلى المفضول مع وجود أفضل ،
فنحن نقول : إن أكرم شيء يناله العبد رضا الله ، { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان } ( التوبة 100 ) ، كرَّم الله وجوههم ، هذه الآية ؟ أم { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ( البينة 8 ) ؟
{ رضي الله عنهم ورضوا عنه } ، { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا } ( البينة 7 – 8 ) ، ماذا بعدها ؟
{ رضي الله عنهم ورضوا عنه } ، ختمها بهذا { ذلك لمن خشي ربه } .
يقولون : إنهم يصفونه بـ ( كرَّم الله وجهه ) لأنه لم يسجد لصنم ،(73/44)
فنقول : إذا كان الأمر كذلك فما أكثر الصحابة الذين لم يسجدوا لصنم ، كل الذين وُلدوا في الإسلام لم يسجدوا لصنم والذين في الجاهلية لا نعلم عنهم سجدوا للأصنام أم لم يسجدوا ،
السؤال : قوله ( مفرج الأوجال ) و ( مُجْلي الصدا ) أليس في هذا العموم غلو ؟
الجواب : الحقيقة أن فيه شيئاً من الغلو خصوصاً ( مفرج الأوجال ) ،
لكنه يقال في الاعتذار عن المؤلف رحمه الله : أن هذا وصفٌ إضافي بمعنى أنه عندما يخاف الناس يكون هو الذي يزيل الخوف عنهم لكن بأمر الله عز وجل ،
وإلا فإن التفريج المطلق لا يكون إلا لله عز وجل ،
أما ( مجلي الصدا ) فكذلك أيضاً يمكن أن نقول فيه شيء من المبالغة ،
لكنه رحمه الله كما قلت لكم إنما أطنب في وصفه بالمدح للسببين اللذين ذكرناهما أولاً الرد على الرافضة والثاني الرد على الناصبة ،
السؤال : هل صحيح أن شيخ الإسلام قال : ( أن علماء الرافضة كفار وعامتهم فساق ) ، هل ثبت عنه هذا القول ؟
الجواب : لا أدري ، لم أرَ هذا لكن القاعدة عن شيخ الإسلام كما عرفتموها أن الإنسان الذي لا يعلم الحق ولم يُبين له لا يكون كافراً ،
السؤال : سمعنا ورأينا من عوام الرافضة سبهم للصحابة على المنابر والطرقات وأنهم إذا أرادوا أن يسبوا امرأة قالوا : ( أنتِ عائشة ) سباًّ لها ؟
الجواب : إذا كان هؤلاء يسبون الصحابة على المنابر فالواجب منعهم وإذا لم نستطع يجب أن نبين الحق وألا نّسُبَّ من يغلون فيهم ،
لأن هؤلاء النواصب لما صار هؤلاء يسبون الصحابة قالوا : إذن نسب جماعتكم الذين تغلون فيهم ،
فنحن نتبع الحق نقول : أهل البيت لا شك أن المؤمنين منهم الذين يساويهم غيرهم في الإيمان هم أعني آل البيت هم أحق بالمحبة لقرابتهم بالنبي عليه الصلاة والسلام ونكتفي بالتبيين لأن العوام مشكل العامي الآن يرى أن عالمهم هو العالم وأن من سواه جاهل ،(73/45)
ولهذا تجد مثلا الرجل يثق بفتوى عالم من علماء المملكة إذا كان هو من أهل المملكة لكن لا يثق من نفس الفتوى إذا كانت من عالمٍ آخر ،
فهذه مشكلة في الحقيقة مسألة العوام من أشكل ما يكون عندي ،
لأن بعضهم قد يكون بلغه الحق ولو لم يكن من بيان الحق ،
إلا أنهم يقولون هؤلاء هم أهل سنة وهؤلاء شيعة أيهم أقرب للصواب الذين على سنة أو الذي يتشيع لآل البيت ؟
يعني حتى الفطرة تقتضي أنه لا يجوز اعتناق الشيعة مع وجود السنة لأن السنة هي الأصل ،
السؤال : المراد بعلي أبو ذو السبطين ؟
الجواب : السبطين الحسن والحسين فإن سبطا الرجل أولاد بناته أي يعني بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم ذو النورين عثمان يقال أنه أخذ بنتي رسول صلى الله عليه وسلم ،
السؤال : قول الله تعالى لأهل بدر : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) [47] ؟
الجواب : هذا مشكل لأن ظاهر العموم ( اعملوا ما شئتم ) يشمل الكفر ،
والجواب عن هذا بأحد وجهين :
الأول : أن يقال إنه لا يمكن أن يشاءوا الكفر لما حل في قلوبهم من الإيمان الراسخ الذي لا يمكن أن يدخل من خلاله الكفر فيكون هذا بشارةٌ لهم أنهم لن يكفروا ويبقى ما دون الكفر مكفر بهذه الغزوة ،
إذن معناه أن قوله ( ما شئتم ) لا يدخل فيه الكفر لأنه لا يمكن أن يشاءوا الكفر بسبب ما قدموه من هذه الحسنات العظيمة ويكون في هذا بشارةٌ لهم بأنهم لن يكفروا ،
ثانياً : أنه على فرض كفرهم سوف يُيسرون للتوبة حتى يُغفر لهم : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ( الأنفال 38 ) .
فيكون في هذا بشارتين :
إما أنه لن يكفروا أو بأنه لو قُدر بأنه لو كفروا فإنه سوف يعودون للإسلام ويُغفر لهم ما قد سلف ومن تتبع أحوالهم لم يجد منهم ارتد كل الذي في غزوة بدر ما ارتد منهم أحد ،
فيكون المعنى الأول أقرب وأصح أنهم لن يشاءوا الكفر ، ولو قلت لك أثبت لي معصية واحدةً وقعت من أهل بدر فلن تستطيع ،(73/46)
والفرض الذهني لا يعني الأمر الواقع قد يفرض الذهن أن الرسول قد يرتد حاشاه من ذلك ، أنت الآن هل عندك أن واحداً من أهل بدر زنا أو سرق أو شرب الخمر ،
لذلك أنا استثنيت قلت : متأول لم يفعل أحدٌ منهم معصية جهاراً يعلم أنها معصية إلا بتأويل ،
المهم الآن هل تستطيع أن تقدح في أحد من أهل بدر تقول أنه زنا ؟
لا تستطيع وأنا قلت لكم : لو فرضنا أنهم زنوا وسرقوا وشربوا الخمر ،
فهذه معاصي دون الكفر فتكون مُكفَّرة بهذه الحسنة العظيمة هي ما أشكل عليهم بمسألة الكفر ومسألة الكفر أخبرتكم بأن هذه بشرى بأنهم لن يشاءوا الكفر ،
لأن الله قال : ( اعملوا ما شئتم ) وهم لن يعملوا الكفر ،
وكيف يتصور الإنسان أنهم غزوا هذه الغزوة العظيمة التي فتح الله بها على المسلمين ثم يكفر ؟
هذا بعيد ،
لكن نقول : هو دليل على أنهم لن يكفروا أي لن يشاءوا الكفر ثم لو فُرض أنهم كفروا فرضاً ذهنياً ليس واقعياً ،
يقول ابن حجر وغيره من العلماء : لو أننا نزَّلنا الفروض الذهنية منزلة الواقع لما استدللنا بأي حديث ،
وكذلك نقول في الآيات : يعني لو فرضنا أن كل فرض يفرضه الذهن يَرِدْ على مسألة من المسائل على نص من النصوص ما استطعنا ، كل نص يمكن أن يحتمل نحن ليس لنا إلا الظاهر ،
السؤال : لماذا فضلنا بقية العشرة على أهل بدر ، ما هو الشيء الذي فضلنا به البقية على أهل بدر مع أن دخول الجنة لا يستلزم مغفرة الذنوب وأهل بدر غُفرت ذنوبهم ؟
الجواب : أولاً نقول : أنا أوكلك الآن تتبع هؤلاء العشرة هل تخلف أحدٌ منهم عن بدر فإذا وجدت أحداً تخلف وهو حي باقي فحينئذٍ يَرِد هذا الإشكال ولكنه في الواقع يمكن الإجابة عنه ،
السؤال : أهل الحديبية هل يُشهد لهم بالجنة ؟
الجواب : أما على سبيل الفردية فكل واحد نقول : هذا في الجنة فهذا لا يكون يقال الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم رضي الله عنهم لا يُشهد للواحد منهم ،
السؤال : نقول للشهيد : اِستشهد أو قُتل ؟(73/47)
الجواب : نقول : استشهد أو قُتل شهيداً ،
السؤال : هل ورد أن النبي إذا هُزم كر على الكفار مرة أخرى ؟
الجواب : نعم بعد أن رجعوا قيل أنه نزلوا في مكانٍ واستشار أصحابه أن يعودوا إليهم فخرجوا ولم يجدوهم ،
ولهذا قال الله تعالى : { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ، الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } ( آل عمران 172 – 174 ) ، معناه أنهم خرجوا يريدون قريشاً ولكن لم يجدوا قريشاً صاروا معه شيعاً هذا ليس بصحيح ،
السؤال : القول بأن أهل بدر معصومون من الكفر وبعض الذنوب ويغفر لهم صغائر الذنوب ؟
الجواب : هذا قولٌ ليس بصحيح لأن حتى غير أهل بدر فالصغائر تقع مُكفرة بفعل الحسنات ، الصغائر تقع مُكفرة بفعل الحسنات ،
السؤال : لو استدل مستدل بكتاب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لأهل مكة على أن فعل أهل بدر لو فعلوا الكفر فإنه يقع مغفوراً لهم هل يصح ؟
الجواب : نعم يصح لو فعله من أهل أحد لكان غُفر له ،
لأن حاطب بن أبي بلتعة ما ارتد عن الإسلام ،
السؤال : ألم يقصد موالاتهم ؟
الجواب : أبداً لم يقصد موالاتهم وإنما يقصد الخوف على أهله منهم ، هو صرَّح بهذا ،
السؤال : نسمع كثيراً جملة : ( لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ) ، فما معنى هذه الجملة ؟
الجواب : ( صرفاً ) يعني معناها أن يصرف عنه العذاب بدون مقابل ( ولا عدلاً ) بمقابل ،
السؤال : هل إذا اختلف الصحابة على قولين ، فهل نقول : ( إن القولين تعارضا فتساقطا ) أو هل لا بد أن نطلب ما يساعده الدليل ؟
الجواب : الغالب أن الحق لا يخرج عن أقوال الصحابة ،
وبناءاً على ذلك نقول : نبحث فيما يعضده الدليل لأنهم هم أقرب الناس إلى الصواب ،(73/48)
وصحيحٌ أنه إذا تعارض قولان للصحابة بدون مرجح صحيحٌ أنه يضعف القول لا شك لأنه عورض بمثله ،
وهذا قد يبدو للإنسان أن يقول : لا احتج به ما دام ضعيفاً عورض بمثله فلا احتج به ،
لكن الخير أن نقول : ما دام أنه عورض بمثله فإن الواجب أن نبحث لأنهما وإن تعارضا فإنهما أقرب إلى الصواب من غيرهما ،
ولكن نلاحظ أنه لا يمكن أن نعارض قول ابن عمر بقول رجلٍ من الصحابة بعيدٍ عن الفقه إلا إذا عضده الدليل ، إذا عضد المفضولَ الدليلُ فمعلومٌ أن الواجب اتباع الدليل ،
السؤال : ذكر الحافظ رحمة الله عليه في ( فتح الباري ) أن بعض أهل العلم قالوا : الذين ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة ، فما الدليل على ذلك ؟
الجواب : يعني على هذا القول : أن الذين لم يرتدوا ليسوا صحابة ؟
الظاهر أن الأمر بالعكس ،
لأن بعض العلماء يقول : إن الصحابي إذا ارتد بطلت صحبته .
وقد أشار إلى هذا في نخبة الفكر فقال : ( ولو تخللت ردة في الأصح ) .
يعني أن الصحابي : ( من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على ذلك ولو تخللت ردة بين إيمانه بالرسول صلى الله عليه وموته على الإسلام ) ،
السؤال : هل نقول أن هناك إجماعاً أن من ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فليس بصحابي ؟
الجواب : لا ، فيه خلاف ولهذا قال : ( ولو تخللت ردةٌ في الأصح ) ،
السؤال : هل يصح أن نقول إن القرآن متفاضل يفضل بعضه بعضاً ؟
الجواب : القرآن باعتبار المتكلم به لا يتفاضل ،
لأن المتكلم به واحد وهو الله عز وجل ،
وأما باعتبار مدلوله فلا شك أنه يتفاضل فـ { تبت يدا أبي لهب } ( المسد 1 ) ، ليست مثل : { قل هو الله أحد } ( الإخلاص 1 ) ، وأعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي ،
إذن يتفاضل من حيث ما يدل عليه ،
فصلٌ
في ذكر كرامات الأولياء وإثباتها
165 – وكل خارقٍ أتى عن صالح ،(73/49)
من تابع لشرعنا وناصح ،
انتقل المؤلف بعد هذا إلى ذكر كرامات الأولياء وإثباتها ،
الكرامات : جمع كرامة وهو ( ما يُقدم للضيف تكريماً له ) هذا هو الأصل ،
هذا هو الأصل أن الكرامة ما يُقدم للضيف ونحوه تكريماً له ،
ثم صارت الكرامة اسماً لكل خارقٍ للعادة يظهره الله سبحانه وتعالى على يدي وليٍّ من أوليائه تكريماً له أو إحقاقاًَ لحقٍّ قام به [48] ،
فهي إذن ( أمرٌ خارقٌ للعادة ، يجريه الله تعالى على يد وليٍّ من أوليائه ، إما تكريماً له ، وإما إظهاراً للحقٍّ الذي قام به ) ،
فقولنا : ( كل أمرٍ خارقٍ للعادة ) : يخرج ما كان جارياً على العادة فما كان جارياً على العادة لا يُعدُّ كرامة ،
مثل : أن يأكل الوليُّ طعاماً فيشبع ، هل إذا شبع من الخبز يُقال هذه كرامة ؟ لا ، لأن هذا على العادة أو يقول الولي مثلاً : بعد عشر دقائق ستظهر الشمس وهو باقٍ على طلوعها عشر دقائق فخرجت فقال : ألا أيها الناس اشهدوا على كرامتي أني قلت الشمس تطلع بعد عشر دقائق فطلعت ، هل هذه كرامة ؟ لا ، لأن هذه جارية على العادة هذه جرت على العادة ،
ولهذا قال العلماء : إن الكرامة أمرٌ خارق للعادة ،
القيد الثاني : ( يظهره الله على يد وليٍّ من أوليائه ) : وحينئذٍ نسأل من هو الولي ؟
الولي بيَّنه الله عز وجل في قوله : { ألا إن أولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس 62 – 63 ) .
من تحقق فيه هذان الوصفان الإيمان والتقوى فهو الولي ،
قال شيخ الإسلام رحمه الله: من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً [49] ، من الآية الكريمة أخذ هذا { الذين آمنوا وكانوا يتقون } .
الشرط الثالث : ( تكريماً له أو إظهاراً للحق الذي قام به ) : يعني قد يكون تكريماً للشخص كما وقع كثيراً من بعض الأولياء يعطش في البر فيسأل الله تعالى الماء فينشأ الله السحاب ويمطر ويشرب ،(73/50)
وكذلك أيضاً صلة بن أشيم أظنه دعا مات فرسه في أثناء السفر فدعا الله أن يحييه إلى أن يصل إلى بلده فأحيا الله له الفرس فركبه فلما وصل إلى بيته قال : يا بني ألق السرج عن الفرس فإنه عارية ، فألقى السرج فمات الفرس في الحال [50] ، هذه كرامة ،
وما يُذكر عن العلاء الحضرمي أنه خاض البحر بجنوده ،
وكذلك سعد بن أبي وقاص وغير ذلك المهم الكرامات كثيرة ،
ومن أراد أن يطلع على شيء منها فعليه بكتاب ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ،
قال العلماء رحمهم الله : وكل كرامةٍ لولي فإنها آيةٌ للنبي الذي اتبعه ، لأن هذه الكرامة شهادةٌ من الله أن هذا الولي على حق فإذا كان يتبع نبياًّ من الأنبياء فهي أيضاً تستلزم الشهادة بأن هذا النبي حق وإلا لما أُيد وليه بهذه الكرامة [51] ،
ويأتي إن شاء الله تعالى الفرق بين الكرامة وبين الآية النبوية وبين الإهانة والشعوذة ،
ومن معجزات الأنبياء أيضاً معجزات الأنبياء خوارق للعادة [52] ،
لكنها ليست على يدي الأولياء يعني على يد من هم أعظم وأكبر من هؤلاء وهم الأنبياء عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقف ويقول : اخرج ، فيخرج ، وعلى الميت فيقول : احيا ، فيحيى فهو يحيي الموتى ويخرج الموتى ،
هذه لا شك أنها معجزة خارق للعادة لكن على يد من ؟
على يد نبي فلا تسمى كرامةً اصطلاحاً وإلا فهي لا شك أنها كرامة لكنها اصطلاحاً لا تسمى كرامة لأن الكرامات تكون على يد الأولياء ، ماذا تسمى ؟
تسمى عند كثيرٍ من العلماء معجزة ،
والصحيح : أنها آية وليست معجزة ، هي معجزة لا شك [53] ،
ولكن تسميتها بآية أصح :
أولاًَ : لأن هذا هو الموافق للفظ القرآن لأن الله سمى هذه المعجزات التي تأتي بها الأنبياء آيات ولم يسمها معجزات ،
ثانياً : أن المعجزة قد لا تكون على آيةً على نبوة كما في الحال المشعوذين وغيرهم والسحرة ،(73/51)
لكن إذا قلنا : آية يعني علامة على صدق هذا النبي ،
ثالثاً : أن كلمة ( معجزة ) من الإعجاز لفظها بشع ،
لكن ( آية ) علامة هذه مُحببة للنفوس : كأنه علمٌ في رأسه نارُ ،
فلهذا كان التعبير بـ ( الآية ) أولى ،
وخرج بذلك أيضاً قولنا ( على يد ولي ) : ما يخرق العادة مما جرى على يد أولياء الشيطان من السحرة والمشعوذين وغيرهم لأن منهم من يأتي بالخارق الذي يخرج عن العادة لكن بواسطة الشياطين ،
يُذكر عنهم أشياء عجيبة أن الواحد منهم قبل أن تأتي الطائرات إذا كان يوم عرفة أحرم من بيته وذهب إلى مكة وهو من أقصى الشرق أو الغرب وحج مع الناس ، هذا خارق للعادة أم غير خارق ؟ خارق للعادة لكن الذي حمله هم الشياطين والشياطين قد تحمل الأشياء الثقيلة من البلاد البعيدة وتحضرها في ساعةٍ سريعة ،
ورأيتُ كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الاستغاثة قال :
( لو لم يكن من خطأ هؤلاء إلا أنهم يتجاوزون الميقات بلا إحرام ) [54] ،
نعم كيف ذلك ؟ هو يمر به الشيطان مع الجو ولا يحرم إذا حاذى الميقات يحرم في مكة فقلت سبحان الله الآن الناس في الطائرات الذي يريد في الحج والعمرة يلزمه أن يحرم من الجو إذا حاذى الميقات لو أنك حدَّثتَ الناس بهذا الحديث لقالوا : سبحان الله شيخ الإسلام وش جابه للطائرات ، نقول : هذه نفس الشيء ،
فالحاصل : أن ما يحصل من الأمور الخارقة للعادة على يد هؤلاء الذين نسميهم أولياء الشيطان هذا ليس بكرامة بل إهانة ،
فصار الخارق للعادة إما آية وإما كرامة وإما إهانة وإما فتنة ،
الفتنة ما يأتي من السحرة وشبههم لأنهم هم يرون ذلك إكراماً لهم ،(73/52)
الإهانة ما يُذكر عن مسيلمة الكذاب ، مسيلمة الكذاب في اليمامة ادَّعى أنه نبي في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ بذلك قومه وجعلوه نبياً وصار يعينه الشيطان في بعض الأمور يُقال إنهم جاءوا إليه يوماً من الأيام وقالوا يا أيها النبي إن عندنا بئراً قد غار ماؤها ولم يبق فيها إلا ماءٌ قليل فنريد أن نتبرك بك فذهب معهم وأخذ ماءاً يتمضمض به ويَمُجُّهُ في البئر ينتظر أن يرتفع ماؤها يقال إنه لما مجَّ الماء في البئر غار الماء الموجود فصار هذا ماذا ؟ خارق للعادة لا شك ، يعني العادة ليس أن الواحد يتمضمض في بئر ويذهب ماؤه هذا خارق للعادة لكنه إهانة ودليلٌ على كذبه ،
وقصةٌ أخرى يقال إنه جيءَ إليه بصبي غلام رأسه فيه قزع يعني بعضه نابت وبعضه ما نبت فقيل له يا أيها النبي امسح على رأس هذا الغلام لعل أن يخرج بقية الشعر فمسحه فزال الشعر الموجود هذا أيضاً إهانة لأنه لم تجرِ العادة أن الإنسان يمسح على الشعر فيتحاتّ ،
فعلى كل حال الخارق للعادة أربعة أنواع :
1 - أعلاها الآية ،
2 - ثم الكرامة ،
3 - ثم الإهانة ،
4 - ثم الفتنة [55] ،
ثم إن أهل العلم قالوا : كل كرامةٍ لولي فهي آية للنبي لأنه مثلاً إذا كان الولي متبعاً لنبيٍّ من الأنبياء [56] ،
ومعلومٌ أنه لا نبي بعد محمدٍ صلى الله وعلى آله وسلم ثم أوتيَ كرامة لتأييد ما هو عليه من الحق كان هذا آيةً للرسول الذي اتبعه ،
قوله : ( خارق ) : أي خارقٍ للعادة ،
قوله : ( من تابعٍ لشرعنا ) : خرج به التابع لغير شرعنا لأنه لا يمكن أن يُؤتى كرامة لأن من لم يتبع شرعنا فهو كافر فإن وُجِدَ على يده خارق فهو فتنة أو إهانة ، فتنة إن كان فيما يحب أو إهانة إن كان فيما يكره ،
قوله : ( وناصح ) : ناصح لمن ؟ بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام لمن تكون النصيحة ؟
فقال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [57] ، خمسة ،
******************(73/53)
166 – فإنها من الكرامات التي ،
بها نقول فاقفُ الأدلة ،
قوله : ( بها نقول ) : الفاعل مستتر وجوباً تقديره ( نحن ) ،
والمراد بذلك أهل السنة يعني أن أهل السنة يقولون بذلك بإثبات الكرامات للأولياء ،
قوله : ( للأدلة ) : اللام هنا للتعليل ،
والأدلة جمع دليل وهو في اللغة : المرشد ،
ومنه الدليل في الطريق ،
لكنه في الشرع : ( ما يثبت به الحكم ) فهو الدليل ،
إذن هناك أدلة تدل على كرامات الأولياء وهي كثيرة منها :
مثلاً : قصة أصحاب البقرة ، قومٌ تدارءوا حيث قُتل بينهم قتيل وكادت الفتنة أن تكون بين القبيلتين فأمرهم موسى أن يذبحوا بقرة وأن يضربوا القتيل بجزءٍ منها ففعلوا ذلك فلما ضربوا بهذا الجزء من البقرة حيا بإذن الله وقال بأن قاتله فلان ، كرامةٌ لهؤلاء القوم حيث ذهب عنهم النزاع وطفئت الفتنة ،
وربما نقول : هي كرامةٌ من وجه ومعجزةٌ أو وآية من وجهٍ آخر لأن موسى هو الذي أمر بذلك ،(73/54)
ومثالٌ آخر : مرَّ رجلٌ { على قرية وهي خاوية على عروشها } ( البقرة 259 ) ، هامدة فـ { قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها } ، فأكرمه الله عز وجل أماته الله مائة عام مائة سنة ثم بعثه وكان هذا الرجل معه حمار ومعه طعام ، الحمار مات والطعام لم يتغير بقي مائة سنة لم يتغير لا غيرته الشمس ولا الهواء ولا المطر ولا شيء وهو طعام وتعرفون الطعام يسرع إليه الفساد يمكن في يوم وليلة يفسد لكن هذا الطعام بقي مائة سنة ، الحمار لما بعث الله صاحبه وجد أن الحمار ميت عظام ، وجدها عظاماً تلوح ، فقال الله له : { وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما } ( البقرة 259 ) ، فجعل ينظر إلى عظام الحمار يتراكب بعضها على بعض وينشزها الله تعالى بالعصا ويكسوها اللحم حتى كَمُلَ الحمار { فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } .
هذه نعمة من الله عز وجل أن يُرِيَ الله العبد آية كونية أو شرعية تقوي إيمانه ، أليست هذه بنعمة ؟
يعني قد يضعف الإنسان أحياناً ، أحياناً يعتري الإنسان كسل وفتور وأشياء تَرِد على القلب لأن القلب يتقلب ،
فإذا مَنَّ الله على العبد آية يطمئنُّ بها قلبه لا شك أن هذه نعمة من الله عز وجل نعمة كبيرة ليس لها ثمن هذا الرجل كان يقول ويشك في إحياء الله الموتى لأنه أتى هذه القرية وقال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } ، يعني هذه قرية كيف إذن البشر ؟
فأراه الله الآية : { فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } ، ولا شك أن هذا كرامةٌ لهذا الرجل ، الحمار شاهده والله تعالى يحييه شيئاً فشيئاً ، الطعام شاهده وهو لم يتغير وقد بقي كم ؟(73/55)
مائة سنة ، ليست هيِّنة لم يتغير آمن أن الله قادرٌ على أن لا يغير الشيء مع طول المدة وقادرٌ على أن ينشئ الشيء مرةً أخرى ففيها طردٌ وعكس ، هذه الآية طرد وعكس ، إبقاء الشيء على ما هو عليه وإنشاء الشيء من جديد ، كل ذلك كرامة لهذا الرجل ،
من الأدلة قصة مريم ، مريم عليها الصلاة والسلام وهي ليست نبية أرسل الله تعالى إليها رسوله جبريل فنفخ فيها من روح الله عز وجل أي نفخ في فرجها روحاً فصار فالتقمها الرحم وصار إنساناً بشراً عيسى أجاءها المخاض إلى جذع النخلة يعني أدركها إلى جذع النخلة ، فـ { قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } ( مريم 23 ) ، هنا لم تتمنى الموت ولكنها تمنت أنها ماتت قبل أن تحصل هذه الفتنة لأنها تعرف أن بني إسرائيل سيتهمونها كما وقع والمسألة مسألة عرض ليست هيِّنة ، فـ { قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل لك ربك تحتك سريا } ( مريم 23 – 24 ) ، نهر من أين جاء النهر ؟ كرامة لها ، { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } ( مريم 25 ) الله أكبر امرأة أدركها المخاض والمرأة إذا أدركها المخاض تكون ماذا ؟ قوية أم ضعيفة ؟ ضعيفة جداً ، تهز بجذع النخلة لا برأس النخلة والهز بجذع النخلة لا يجعل النخلة تتحرك أصلاً ، أليس كذلك ؟ { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } ، الرطب قريب أو بعيد ؟ قطعاً بعيد لا تدركه هي ، لو أدركته لأخذته { تساقط عليك رطبا جنيا } ، بدأت تهز بالجذع ويتساقط الرطب { جنيا } : أي مخروفاً يسقط هذا الرطب اللين جداً من مكانٍ عالٍ على الأرض ويبقى كما هو كأنه مخروف باليد هذه آيةٌ أم لا ؟ آية خارق للعادة العادة أن الرطب إذا سقط من مثل هذا السقط تتفت وتمزق لكن هذا بقي كأنه مخروفٌ باليد ، { فكلي واشربي وقري عينا } ( مريم 26 ) ، كل هذا أيضاً من آيات الله عز وجل أن تقر عيناً في هذا المكان الخالي ،(73/56)
فالمهم أن الأدلة كثيرة في هذا أصحاب الكهف أيضاً أعطاهم الله كرامة ما هي كرامتهم ؟ أنهم خرجوا من قومهم المشركين مهاجرين إلى الله عز وجل فهيأ الله لهم كهفاً غاراً في الجبل موَجَّه توجيهاً تاماًّ إلى ما بين الشمال والشرق ، إذا طلعت الشمس تزاور عن كهفهم ذات اليمين إذا غربت تقرضهم ذات الشمال إذن اتجاهه إلى أين ؟ إلى الشمال الشرقي حتى لا تدخل الشمس عليهم فتؤذيهم أو تتلف أجسامهم ، بقوا ثلاث مائة سنة وتسع سنين وهم لم يحتاجوا لأكل ولا شرب ولا بول ولا غائط ولا شيء وهذا غير معتاد أليس كذلك ؟ ثم إن الله تعالى بحكمته ورحمته يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال لأنهم لو بقوا على جنبٍ واحد لتأثر هذا الجنب ولكن الله يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ،
وفي هذا : دليل على أن النائم لا يكون مستلقياً ولا منبطحاً على بطنه ، إنما هو على يمين أو على شمال ،
وفيه أيضاً : دليل على النائم لا يُنسب إليه فعل لأن الله قال : { ونقلبهم } ( الكهف 18 ) ، ولم يقل : ( يتقلبون ) ، إذن بقوا هذه المدة وهم لم يتغيروا ، شعورهم وأظفارهم بقيت على ما هي عليه أم طالت ؟ بقيت على ما هي عليه لأنهم لما استيقظوا ، { قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } ( الكهف 19 ) .
ولو أن الشعور والأظفار نمت كالعادة لعرفوا أنهم بقوا مدةً طويلة أليس كذلك ؟ لكن بقيت لم تنمُ فهل يعني ذلك أن النائم لا تنمو أظفاره وشعوره أم أن هذا من آيات الله لهؤلاء القوم ؟
الظاهر الثاني وكذلك أجسامهم لم تتغير بعرق ولا غيره ولم تأكل الأرضة ثيابهم ،
وكذلك ما حصل لأمير المؤمنين عمر حينما حصر سارية وهو أميرٌ على سرية فاطلع عليه عمر من بُعْد وأرسل إليه كلاماً قال : يا سارية الجبل ، فسمع سارية كلامه فانحاز إلى الجبل ،
هذه قصة مشهورة ،
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله جملةً صالحة من ذلك في كتابه : ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) [58] ،(73/57)
فالمهم أن المؤلف رحمه الله يقول ( للأدلة ) أي للأدلة التي دلت على ذلك ،
******************
167 – ومن نفاها من ذوي الضلال ،
فقد أتى في ذاك بالمحال ،
قوله : ( ومن نفاها فقد أتى في ذاك بالمحال ) : ( من ) شرطية و ( نفى ) فعل الشرط ، وجملة : ( فقد أتى في ذاك بالمحال ) جواب الشرط ،
يعني الذي ينفي الكرامات أتى بمحال أي بشيءٍ محال ،
وذلك أنه حاول إبطال ما تواترت الأدلة على ثبوته والمتواتر كما نعلم جميعاً يفيد العلم اليقيني الذي يستحيل ارتفاعه فمن نفى هذه الكرامات فقد أتى بشيءٍ محال لأنه حاول أن ينفي ما تواتر وفي المتواتر أمرٌ محال ،
قوله : ( من ذوي الضلال ) : أي من أصحاب الضلال ،
يشير إلى من رد الكرامات مثل المعتزلة وغيرهم ،
قالوا : لا يمكن كرامات ، لماذا لا يمكن ؟
قالوا : لأنك لو أثبتَّ الكرامات لاشتبه النبي بالولي والولي بالساحر [59] ،
فالمعتزلة ومن نحى نحوهم قالوا : إنه لا يمكن أن نثبت الكرامات لئلا يشتبه الولي بالنبي والساحر ،
فيقال لهم : أين الاشتباه ؟
الولي لا يقول إنه نبي لو قال : إنه نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن ولياً ،
لأنه لا يوجد إيمان ولا تقوى فلا يمكن الاشتباه ،
قد يكون هذا فيما مضى من الأمم يمكن لكن في هذه الأمة لا يمكن أبداً ،
لأن الولي لا يقول : إنه نبي كذلك أيضاًَ بالنسبة للساحر لا يمكن أن يشتبه ،
لأن الولي مؤمنٌ تقي والساحر كافرٌ شقي فكيف يشتبه هذا بهذا ؟
ثم الأدلة الكثيرة الموجودة إلى اليوم تثبت وجود الكرامات فهي موجودة إلى يومنا هذا ،
لكن الكرامات بعضها ظاهر وكبير وبعضها خفي ،(73/58)
مثلاً : لو أن رجلاً أراد أن يسافر إلى الرياض وكان أراد أن يسلك الطريق اليمنى في آخر لحظة اتجه إلى الطريق اليسرى وبعد ذلك اتضح أن في الطريق اليمنى قُطَّاع طريق ،
هل يعتبر هذا أمرٌ خارقٌ للعادة ؟
لا شك انه في الواقع أن العادة أن الإنسان إذا عزم على شيء ولم يكن هناك مانعٌ حسيٌّ ظاهر العادة أنه يتجه إليه ويسير معه لكن هذا صُرف بدون أي سببٍ ظاهر إلى الطريق الآخر وإذ به يُبلَّغ أن الطريق الذي كان ناوياً الاتجاه إليه فيه قُطاع طريق أنا اعتبر أن هذه من الكرامة ولكن ليست من الكرامة الكبيرة وإنما هي كرامة ولا شك أنها نعمة حتى الإنسان يعلم أن الله دفع عنه من النقم ما لم يكن في حسابه وعلى كل حال هي موجودة ،
ويقول شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية إنها موجودة في هذه الأمة إلى يوم القيامة ومنها الشاب الذي يعارض الدجال ويتحدى الدجال حينما يأتي الدجال ويقول إنه الرب ولكن هذا الشاب يعارض ويقول : أنت الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله فيقتله ويجعل جزءاً مه هنا وجزءاً منه هناك ويمر بين الجزئين ويقول : قم ، ثم يقوم ولكنه لا يزداد إلا تحدياً وفي النهاية يعجز عنه الدجال أن يقتله ، هذا يعتبر كرامة ، هذا كرامة بلا شك ،
فالحاصل أنها موجودة ،
ولهذا قال : ( لأنها شهيرةٌ ) ،
******************
168 – لأنها شهيرةٌ ولم تزل ،
في كل عصرٍ يا شقى أهل الزلل ،
قوله : ( لأنها ) : أي الكرامات ،
قوله : ( شهيرةٌ ) : أي مشهورة ، فعيلة بمعنى مفعولة كجريحة بمعنى مجروحة ،
قوله : ( ولم تزل في كل عصر ) : يعني أنها ما زالت ولا تزال موجودة في كل عصر ،
قوله : ( يا شقى أهل الزلل ) : ( يا ) هنا تحتمل أن تكون منادى والمعنى يا شقى أهل الزلل ،(73/59)
ويحتمل أن تكون للتعجب فمعنى يا شقى يعني ما أشقى أهل الزلل ،
ولا شك أن أهل الزلل أشقياء لا سيما من زلَّ عن عمد فإنه من أشقى عباد الله والعياذ بالله ،
وبهذا انتهى الكلام على كرامات الأولياء ،
الأسئلة
السؤال : قول ابن حزم : أن كل الصحابة في الجنة واستدل بقوله تعالى : { لا يستوي منكم من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } ( الحديد 10 ) ، فقال : أن كل الصحابة في الجنة قطعاً ؟
الجواب : هذا صحيح نشهد للصحابة لكن لا نشهد لكل واحدٍ بعينه ومر علينا هذا قلنا الشهادة على سبيل الإجمال وعلى سبيل التعيين فنحن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة لكن لا نشهد لكل واحد فهناك بين التعيين بالشخص والتعيين بالوصف ،
السؤال : من سب الصحابة هل نطلق عليه الكفر ؟
الجواب : نعم قال شيخ الإسلام رحمه الله : إذا سبَّ الصحابة جميعاً أو اعتقد أنهم ارتدوا بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام فلا شكَّ في كفره بل لا شكَّ في كفر من شكَّ في كفره ،
السؤال : الضابط في المتشابه والمحكم نجد بعض أهل العلم يأتي في المسألة ويحكم هذه المسألة بين الحديثين أن هذا المتشابه يُحمل على المحكم ويأتي عالم آخر ويقول لا يوجد تشابه ( كلمة غير واضحة ) ولكن ما هو الضابط لذلك ؟
الجواب : لو رجعت إلى كتاب تقريب التدمرية لعرفت الضابط ،
التشابه نوعان :
1 – حقيقي ،
2 – ونسبي [60] ،
حقيقي بمعنى أنه حقيقةً ، متشابه يخفى على كل إنسان ،
مثل : حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر وعن كل أمرٍ غيبي حتى روح الإنسان حقيقتها لا تُعرف لا ندري من أي مادةٍ هي هذا ،
نقول : تشابه مطلق ولا يمكن لأحد أن يدَّعي فيه العلم ،
والتشابه النسبي هذا واسع بابٌ واسع تجد هذه الآية تشتبه على فلان ولا تشتبه على فلان أو هذا الحديث يشتبه على فلان ولا يشتبه على فلان وهو بابٌ واسع ،(73/60)
الآن طلبة العلم إذا أورد عليهم الإنسان آيةً يسألهم فيها ،
فمنهم من يجيب بالصواب ،
ومنهم بالخطأ ،
ومنهم من يتوقف ،
فالتشابه المطلق هو الذي يخفى على جميع الناس وهذا إنما يكون في حقائق ما أخبر الله به نفسه وعن اليوم الآخر لأن هذا مشتبه لا يمكن لأحد أن يدَّعِيَ علمه ومن ادعى علمه فهو كاذب ،
والتشابه النسبي هذا كثير نجد بعض العلماء يعجز عن الجمع بين آيتين وبين حديث ويأتي آخر بكل سهولة ،
السؤال : بعض الناس يطلق على الرافضة كلمة الشيعة وهم يحبون هذا الكلمة ، فهل الأولى يسمون رافضة أم شيعة ؟
الجواب : أما العلماء ، علماء أهل السنة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما فإنهم لا يطلقون عليهم إلا اسم الرافضة ،
وذلك لأن اسم الشيعة أعم ، الشيعة يدخل فيها الزيدية مثلاً ،
والزيدية لا يُسمون رافضة يُسمون شيعة ولا يُسمون رافضة ،
والرافضة : اسمٌ لكل من رفض زيد بن علي بن الحسين رحمه الله ،
حين جاءوا فسألوه وقالوا : ما تقول في أبي بكرٍ وعمر ؟ فأثنى عليهما خيراً ،
وقال : هما وزيرا جدي ،
يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
فلما رأوا أن منهجه يخالف ما يريدون رفضوه وانفضوا عنه ،
وسُمُّوا من ذلك الحين رافضة ثم بدءوا والعياذ بالله يتشددون في أمرهم حتى بلغ بهم الحد إلى أن ألّهوا أئمتهم يعني يعتقدون الآن أن الذي يدبر الكون هم أئمتهم وأن الله سبحانه وتعالى متخلٍّ عن الكون نسأل الله العافية ،
ويقولون : ( إن من أصول عقيدتنا أن من أئمتنا من هو في منزلةٍ لا ينالها مَلَكٌ مقرب ولا نبي مرسل ) وهذا يعني تفضيل أئمتهم على الأنبياء والرسل فهم كفروا بالربوبية أولاً ،
وقالوا : الذي يدبر الكون هم الأئمة ثم كفروا بالرسل أيضاً ،
قالوا إن أئمتهم خيرٌ من الرسل لكن هم يُسمُّون أنفسهم شيعة ،
والحقيقة أننا نحن أحق بهذا الوصف منهم ،(73/61)
لأننا نؤمن بأن لآل بيت صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنون منهم بأن لهم علينا حقين :
الحق الأول : حق الإيمان والحق ،
الثاني : حق القرابة من النبي عليه الصلاة والسلام ،
نحبهم لقربهم من الرسول وأن الكافرين من أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام نحن بريئون منهم براءة الذئب من دم يوسف ونبغضهم ونتقرب إلى الله تعالى ببغضهم فمن الشيعة الآن ؟
ثم إن هؤلاء الذين يدَّعون أنهم نجد أن خالفوا إمام أهل البيت وهو علي بن أبي طالب في مسائل كثيرة كمسائل المتعة مثلاً والمسح على الخفين وتفضيل أبي بكر وعمر ،
والعجب أن علي بن أبي طالب سأله ابنه محمد بن الحنفية قال يا أبي أيُّ الناس خير بعد رسول الله عليه وسلم ؟ قال أبو بكر قاله في خلافته لا يخشى من أحد قال ثم من ؟ قال عمر قال ثم أنت ؟ قال ما أنا إلا رجلٌ من المسلمين وهذا كلام علي بن أبي طالب لكنهم يقولون لا ، أبداً أبو بكر وعمر ماتا على النفاق نسأل الله العافية حتى أنه من جرمهم والعياذ بالله قالوا إن أبا بكر رضي الله عنه قعد مع النبي صلى الله عليه وسلم في العريش في بدر لأن الرسول خاف أن يقلب عليه الصحابة فيُعتبر هذا منه اعتقالاً لأبي بكر وحبساً له نعوذ بالله جرأة عظيمة على الصحابة لا أحد يتجرؤها ،
السؤال : كرامات الولي هل تمتد إلى بعد مماته ؟
الجواب : يمكن أن تمتد آثارها لكن أن تظهر كرامة جديدة ويقال هذه من الولي هذه لا تجوز أبداً وهذا يُخشى أن تكون شركاً مثل لو أظهر الله كرامة أن نَبَعَ ماءٌ من هذا المكان وبقي ،
السؤال : الكرامات التي حصلت للمجاهدين الأفغان ؟
الجواب : والله على كل حال كرامات الأفغان كثيرة والسند فيها الله أعلم به ،(73/62)
لكن أنا أحدثكم عن شخصٍ في البوسنة ويسمى ( محمد دهيمان ) وأظنه كان في المنطقة الشرقية في الأول يقول إنهم دفنوا شاباً استشهد هناك يعني قُتل وبقي شهرين إلا عشرة أيام ثم تبيَّن أنهم دفنوه إلى غير القبلة فنبشوه فإذا الرجل لم يتغير إطلاقاً باقي كأنما قُتل اليوم هذه ،
لا شك أنها من الكرامات والشهداء قد لا تأكلهم الأرض لكن ليس كل شهيدٍ لا تأكله الأرض الذي نجزم بأن الأرض لا تأكله هم الأنبياء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) [61] ،
ولهذا حاول بعض الزنادقة أن يحفر قبر النبي عليه الصلاة والسلام ليأخذ جسده فأرى الله سبحانه وتعالى أحد الخلفاء في المنام صورة هذين الرجلين اللذين أرادا أن يستخرجا جسد النبي صلى الله عليه وسلم وفزع لهذا فسافر إلى المدينة لأن الأمر هام وأمر بأن يُدعى جميع أهل المدينة للوليمة التي صنعها ووقف عند الباب وجعل ينظر إلى كل من دخل ولم يرَ الرجليْن اللذين عُرِضا عليه في المنام فقال لأصحابه ادعوا أهل المدينة كلهم لا يبقى أحد قالوا ما بقي أحد قال لا ما يصير بقي أحد قالوا ما بقي إلا رجلان غريبان في المسجد ليس لهم شأن مع الناس ولا تدخل مع الناس قال : هاتوهم فلما جيء بهما فإذا هما الرجلان اللذان عرضا عليه في المنام سبحان الله فأمر بقتلهما ثم أمر أن يُحفر ما حول القبر إلى أن وصل إلى الجبل ثم صبَّهُم رصاصاً وحمى الله نبيه من كيد هؤلاء الأعداء ،
وإلا فهؤلاء يريدون أن يأخذوا جسد النبي عليه الصلاة والسلام إما أنهم مؤمنون بأن الأرض لم تأكله أو لغير ذلك من الأسباب أو إغاظةً للمسلمين لا ندري الله أعلم ،
السؤال : بالنسبة للكرامة نقل أحد علماء الإسلام عن أحد الصحابة بلا إسناد ؟
الجواب : هذه من جنس ما ذكره الإمام أحمد في التاريخ والسير أحياناً تُنقل بلا إسناد تشتهر وتُنقل مع الناس بلا إسناد ،
فصلٌ(73/63)
في المفاضلة بين الملائكة والبشر [62]
انتقل المؤلف رحمه الله إلى فصلٍ جديد ،
قال : ( فصلٌ في المفاضلة بين البشر والملائكة ) ،
وهذا الفصل ليت المؤلف لم يعقده يعني ليته لم يتكلم بهذه المسألة ،
وموضوعها : أيهم أفضل الملائكة أو البشر ؟ أيهم أفضل ؟
فيقال : أصل البحث في هذا لا داعي له ،
لأن الصحابة رضي الله عنهم وهم أحرص الناس على العلم والإيمان ما بحثوا هذا البحث ما قالوا : نحن أفضل أو الملائكة ؟ ما قالوا هذا ما قالوا البشر أفضل أم الملائكة ،
وشيءٌ سكت عنه الصحابة مما يتصل بالدين فالأجدر بنا أن نسكت عنه ،
وهذه قاعدة يجب عليك أن تفهمها : ( أن كل شيءٍ سكت عنه الصحابة من أمور الدين فاعلم أن الخوض فيه من فضول الكلام ولا حاجة إليه ) ،
لأنه لو كان من مهمات ديننا ومن أصول ديننا ومما يجب علينا أن ندين الله به لتبيَّن إما عن طريق القرآن أو عن طريق السنة أو الصحابة فإذا لم يوجد واحدٌ من هذه الثلاثة عُلم أنه ليس من الدين في شيء ،
وإذا بنيتَ نهجك على هذا استرحت من إشكالاتٍ كثيرة يوردها بعض المتعلمين اليوم فيما يتعلق بصفات الله عز وجل وفيما يتعلق باليوم الآخر من أمور الغيب التي لا مجال للعقل فيها ،
فيوردون أشياء هي في الحقيقة تدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثاً ، وصدق والله رسول الله كل إنسان يتنطع فهو هالك ولا بد لو لم يكن من هلاكه إلا مخالفته لطريق الصحابة ،
فنحن مثلاً نقول : ليت المؤلف لم يتكلم بهذا إذ لا فائدة لنا منه هذا من الناحية العقلية ،
من الناحية الأثرية أن ذلك لم يكن في أسلافنا من الصحابة أن يخوضوا في هذا الأمر لكن مع ذلك خاض الناس ،
واضطر بعض من يكره الخوض في هذا اضطر إلى أن يخوض فيه ويتكلم ، لماذا ؟
لئلا يترك المجال لمن لا يصلح أن يتكلم فيه وهذا كثير يا إخواني في العقائد وغير العقائد ،(73/64)
فمثلاً : وُجد من يتكلم في العقائد فيقول مثلاً هل الله جسم أو غير جسم ؟ ثم يقول ليس بجسم ثم يبني على ذلك جميع الصفات التي ينكرها بهذه الحجة ، هل الله في جهة أو ليس في جهة ؟ هل الله يُحد أو لا يُحد ؟ ما هذا الكلام ؟ هل الصحابة سألوا الرسول عن ذلك أو بحثوا فيه ؟ اسكت كما سكتوا فلا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسعهم اسكت ،
لكن لما اضطر علماء السنة إلى الكلام في هذا بناءاً على أن غيرهم تكلم قالوا : لم نكن ندع المجال والميدان لهؤلاء الضُلاَّل يتلاعبون به بل لا بد أن نخوض ثم نبيِّن الحق ،
فمثلاً في مسألة الجسم قالوا : ماذا تريدون بالجسم ؟
هل تريدون بالجسم أنه مُكوَّنٌ من أشياء يمكن فقدها مع بقاء الجسم ؟
أو لا يمكن بقاء الجسم مع فقدها أو ما أشبه ذلك ؟
إن أردتم هذا المعنى فنحن ننفي هذا المعنى عن الله ،
وإن أردتم بالجسم القائم بنفسه المتصف بالصفات اللائقة به الفعَّال لما يريد فإننا نثبت هذا المعنى لله عز وجل ،
أما لفظ الجسم فنبعده بعيداً لا ننفيه ولا نثبته ،
لكننا نستفصل في معناه أما نقول أن جسم أو غير جسم فليس لنا أن نتكلم لأن الله لم يقل عن نفسه أنه جسم أو غير جسم [63] ،
كذلك مسألة تفضيل الملائكة على البشر أو بالعكس هذه المسألة التي ينبغي للإنسان أن يدع الكلام فيها ما لم يُضطر والعلماء اضطُّروا إلى ذلك ،
******************
169 – وعندنا تفضيل أعيان البشر ،
على ملاك ربنا كما اشتهر ،
قوله : ( عندنا ) : الضمير هنا يعود على من ؟
على أهل السنة والجماعة ، تفضيل أعيان البشر على ملاك الله ،
قوله : ( أعيان ) : يعني لا الجنس يعني أننا نفضِّل الأعيان على الجنس على جنس الملائكة ،
فالرسل مثلاً هم أعيان البشر هم خلاصة البشر هم المُصْطَفَوْنَ من البشر هؤلاء أفضل من الملائكة ،(73/65)
لكن جنس البشر على جنس الملائكة لا نفضِّلهم نفضِّل الأعيان من البشر على جنس الملائكة ،
وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء ولكل قومٍ دليل ،
استدل من يقول : إن البشر أفضل من الملائكة :
بأن الله أمر الملائكة أن بالسجود لآدم وهو أبو البشر ،
ومعلومٌ أن السجود ذُلٌّ للمسجود له فيكون المسجود له أعز وأكرم من الساجد ،
واستدل من قال : إن الملائكة أفضل :
بقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : ( من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم ) [64] ،
وكلا الاستدلالين في القلب منه شيء ،
أما الأول فإنه لا يلزم إذا أكرم الله آدم بهذه المنقبة أن يكون البشر أفضل من الملائكة ،
وذلك للقاعدة العامة : وهي أن ( التميز في خصيصةٍ واحدة لا يقتضي التميز المطلق ) ، التميز بخصيصةٍ واحدة لا يلزم التميز المطلق ،
ولهذا نجد بعض الصحابة يميِّزه الرسول صلى الله عليه وسلم بميزة لا تكون لغيره ولا يقتضي أن يكون أفضل من غيره ،
وأما الثاني : ( من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم ) ، فالمراد خيرٍ من المراد الذين ذُكر الله عندهم ليس خيراً من كل البشر ،
ومعلومٌ أنه لا يلزم من كون الملائكة الذين عند الله الذين يذكر الله الذاكر فيهم أن كونهم خيراً من الملأ الذين ذُكر الله عندهم لا يستلزم الخيرية المطلقة ،
ولهذا نرى التوقف في هذا :
أولاً : التوقف عن البحث فيه إطلاقاً ،
والثاني : التوقف عن الحكم بتفضيل هؤلاء على هؤلاء ،(73/66)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : الملائكة أفضل باعتبار البداية والبشر أفضل باعتبار النهاية فباعتبار البداية الملائكة أفضل لأنهم خُلقوا من نور ولا يستكبرون عن الله ولا يستحسرون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون ولم تُركَّب فيهم الشهوة التي تعصف بهم بل هم عباد مكرمون قائمون بأمر الله فهم باعتبار البداية أفضل باعتبار النهاية وكون البشر محل رضا الله وأهل كرامته وما أشبه ذلك حتى الملائكة يدخلون عليهم في الجنة يُدخلون السرور عليهم يدخلون عليهم من كل باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فهذا يدل على أن البشر أفضل باعتبار النهاية ،
وهذا له وجهٌ حسن ،
لكن الذي أرى الإعراض عن كل هذا ،
وأن نقول : مسألة التفضيل :
أولاً : الجنس مختلف ولا تفاضل بين الجنسين المختلفين ،
والشيء الثاني : باعتبار المرتبة عند الله عز وجل وهذا ليس لنا به علم إطلاقاً ، علمه عند الله سبحانه وتعالى ،
قوله : ( ملاك ) : يعني ملائكة ، ملائكة الله ،
قوله : ( كما اشتهر ) : يعني كما مشهور عند العلماء ،
******************
170 – وقال : من قال سوى هذا افترا ،
وقد تعدى في المقال واجترى ،
قوله : ( وقال ) : الفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره ( هو ) فمن القائل ؟
القائل الإمام أحمد رحمه الله القائل هو الإمام أحمد ،
ومثل هذا التعبير عند العلماء غير صحيح ،
وذلك لأن لجهالة مرجع الضمير فيه فيكون الكلام غير معلوم ،
إذ أنه لا بد أن يُعلم مرجع الضمير :
1 - إما من سياق الكلام ،
2 - وإما من مذكورٍ سابق أو مذكور لاحق ،
ولكن يجب أن نعلم أن مقلدي الإمام إذا ذكروا الفعل دون مرجعٍ معلومٍ له فهو يرجع إلى الإمام ،
انظر في كتب الفقه مثلاً في ( الإنصاف ) وغيره إذا قال ( نص عليه ) لا يوجد مرجع سابق ،
لكن من هو ؟(73/67)
الإمام أحمد إذا قال ( إذا فعل كذا فعليه كذا وعنه لا يلزمه كذا ) عن من ؟ الإمام أحمد لأنه ليس له مرجع ،
لكن كون الكتب أُلِّفت في مذهبه يدل على أن الضمير الذي ليس له مرجعٌ معلوم يعود إلى الإمام ،
السفاريني رحمه الله من الحنابلة فإذا قال : ( وقال ) فالظاهر أن مرجعه إلى الإمام أحمد ،
على القاعدة المعروفة أن الضمير إذا لم يكن له مرجعٌ معلوم في كتب المقلدة فإنه يرجع إلى من ؟ يرجع إلى إمامهم ،
قوله : ( هذا ) : الضمير يعود على تفضيل أعيان البشر على ملاك الله ،
قوله : ( افترى ) : أي كذب ،
قوله : ( وقد تعدى في المقال واجترى ) : أي تعدى في قوله واجترى وكأن الإمام أحمد رحمه الله ينكر إنكاراً تاماًّ على من قال بهذا القول أي أن الملائكة أفضل من البشر ،
والخلاصة الآن العلماء اختلفوا في تفضيل الملائكة على البشر أو البشر على الملائكة على أقوال يمكن أن نجعلها أربعة :
1 - تفضيل البشر ،
2 - تفضيل الملائكة ،
3 - الوقف ،
4 - التفصيل ،
والتفصيل مذهب من ؟
شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : الملائكة أفضل باعتبار البداية والبشر أفضل باعتبار النهاية ،
أما الوقف فهو قول صاحبكم ،
أن نقول الله : أعلم وليس لنا أن نتكلم في هذا لأنه لم يكن من بحث الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله ،
ولا شك أن داعي السؤال عما يتعلق بالدين في الصحابة أقوى منه فينا ،
ولا شك أيضاً أن الإجابة عن الاستشكال في عهد الصحابة أقرب إلى الصواب بل هو الصواب من إجابتنا نحن لأنهم سيسألون من ؟ الرسول عليه الصلاة والسلام وسيجيبهم بالعلم اليقيني فإذا لم يكن سؤالٌ من الصحابة عما يتعلق بالدين ،
فاعلم أن السؤال عنه من باب التنطع في دين الله وإن شئت فاجعله بدعة كما قال الإمام مالك رحمه الله فيمن قال : { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) ، كيف استوى ؟ قال ما أُراك إلا مبتدعاً ،
الباب السادس
في ذكر الإمامة ومتعلقاتها(73/68)
وهذا الباب كنا نستهونه في أيام طلبنا كما كنا نستهون كتاب الجهاد .
كنا نقول أين الجهاد ؟
لا حاجة نبحث في الجهاد ومتى يكون واجباً على العين وعلى الكفاية وما حكم ما يلزم الجيش وما يلزم الإمام وما أشبه ذلك ثم لما حصل الجهاد في الوقت الأخير عرفنا أننا مفرِّطون وأنه ينبغي أن نكون أدركنا الجهاد تماماً ،
في مسألة الإمامة كنا نقول : لا حاجة في أن نبحث في الإمامة ، الحمد لله إمامنا ابن سعود وهؤلاء أئمتهم عندهم والحمد لله كل شيء ساكن ،
لكن تبيَّن أنه لا بد أن نعرف الحكم لا بد أن نعرف من هو الإمام ؟ من يستحق الإمامة ؟ لا بد أن نعرف ما حق الإمام على رعيته ؟ وما حق الرعية على الإمام ؟ لأنه كَثُرَ القيل والقال وخاض في ذلك من هو من الجاهلين فصاروا يتخبطون خبط عشواء فيما يلزم الإمام وفيما يلزم الرعية ،
وغالبهم يميل إلى تحميل الإمام ما لا يلزمه حمله وتبرئة الشعب مما يلزمهم القيام به هذا غالبهم ،
لأن بعض الناس مشغوف والعياذ بالله بنشر المساوئ من ولاة الأمور وكتم المحاسن فيكون معه جورٌ في الحكم وسوءٌ في التصرف ،
إذن لا بد أن الآن أن نعرف من هو الإمام وبما تثبت الإمامة وما حق الإمام على الرعية وما حق الرعية على الإمام وما طريق السلف في معاملة الأئمة الظلمة والمنحرفين حتى نمشي على طريقهم ونكون أمةً سلفية ،
وحتى نعلم في الواقع أننا لا نبرئ أنفسنا نحن من النقص ، أليس كذلك ؟
بل نحن ناقصون إذا قارنت بين أعمالنا وعقائدنا وبين ما كان عليه الصحابة وجدت أن الفرق بيننا وبينهم كالفرق بين زماننا وزمانهم وأن الفرق كبير ،
وإذا كان الأمر كذلك فكيف نريد أن يكون لنا ولاةٌ كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هذا ظلم هذا تأباه حكمة الله عز وجل ،
ولهذا جاء في الأثر : كما تكونون يُولىّ عليكم ،
كيف نريد أن يكون خلفاء الأمة الإسلامية كخلفاء الأمة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين ونحن على هذه الحال ؟(73/69)
كذب غش ظلم سوء عقيدة عدِّد ولا تخف ،
ويُذكر أن عبدالملك بن مروان شاور أن الناس قد ملُّوه وأن عندهم شيء من التمرد عليه فجمع وجهاء القوم وأعيانهم وتكلم فيهم وهو جيد في الكلام وقال لهم : أتريدون أن نكون لكم كأبي بكرٍ وعمر ؟ سيقولون : نعم ، قال : إن كنتم تريدون ذلك فكونوا لنا كالذين كانوا لأبي بكرٍ وعمر ، فأقام عليهم الحجة ،
وكذلك أيضاً رجل خارجي يُنقل عن علي رضي الله عنه أن رجلاً خارجياً قال له : يا علي ، لا يقول : يا أمير المؤمنين ، يقول : يا علي ، يا علي كيف دان الناس لأبي بكر وعمر ولم يدينوا لك ؟ قال : لأن أبا بكرٍ وعمر كان رجالهم أنا وأمثالي وكان رجالي أنت وأمثالك ، فأقام عليه الحجة ،
فالمهم أنه لا يمكن يا إخواني أن نطمع في أن يكون ولاة أمورنا كأبي بكرٍ وعمر وعثمان ، ونحن على الحال التي تشاهدون يعني لا أقول إن البيت الذي فيه ثلاثة أنفار يكون فيه أربعة آراء فالآراء أكثر من عدد الأنفار أو أكثر فكيف يكون هذا ؟ أين الوفاق فينا ؟
فالمهم أن هذا الباب الذي نحن مقبلون عليه بابٌ مهم يجب أن أعتني أنا أولاً ثم أنتم إن شاء الله ثانياً ،
******************
171 – ولا غنى لأمة الإسلام ،
في كل عصرٍ كان عن إمام ،
إمامةٌ في الدين وإمامةٌ في التدبير والتنظيم ،
فمن إمامة الدين الإمامة في الصلاة فإن الإمامة في الصلاة إمامته إمامة دين ومع ذلك فله نوعٌ من التدبير ،
حيث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بمتابعته ونهى عن سبقه والتخلف عنه فهذا نوع تدبير لأنه مثلاً ،
إذا كبَّر كبرنا وإذا ركع ركعنا وإذا سجد سجدنا وهلمَّ جراَّ ،(73/70)
وأما إمامة التدبير فتشمل الإمام الأعظم ومن دونه ، الإمام الأعظم هو الذي له الكلمة العليا في البلاد كالملوك ورؤساء الجمهوريات وما أشبه ذلك والإمام وما دونه كالوزراء والأمراء وما أشبه هذا والأمة الإسلامية كغيرها من الأمم بشر والبشر كائنٌ من الأحياء ،
وكل حيٍّ فلا بد له من رئيس حتى البهائم حتى الطيور في الجو لها رئيس تتبعه ولهذا كان الصيادون إذا مرت بهم جحافل من الطيور أو الضباع وما أشبه ذلك يصيرون أول ما يصيدون قائدهم فإذا صادوا القائد ارتبكت المجموعة فسهُل صيدهم لأن كل كائنٍ من البشر لا بد له من قائدٍ يقوده ،
ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسافرين إذا كانوا ثلاثة يعني فأكثر أن يُأمِّروا واحداً منهم لأنه لا بد من أمير ،
وإلا لاضطربت الأحوال وصار كل إنسان يقول أنا أمير نفسي وحينئذِ يتزعزع الأمن ويحل الخوف ،
ولهذا قال المؤلف رحمه الله :
ولا غنى لأمة الإسلام ،
في كل عصرٍ كان عن إمام ،
يعني لا يمكن أن تستغني أمة المسلمين في كل عصر من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا عن إمام أي عن قائدٍ يقودها ،
وحتى الأمم الكافرة لا بد لها من إمام ولذلك تجد الأمم الكافرة ربما ينقادون لأئمتهم أكثر مما ينقاد بعض المسلمين لأئمتهم لأنهم يعلمون أن الأمن الاستقرار إنما يكون في اتباع الأئمة والانقياد لهم والانصياع لأوامرهم ،
وهذه مسألة يغفل عنها كثيرٌ من المسلمين حدثنا بعض من يذهبون إلى بلاد الكفر أن رعاياهم يتبعون الأنظمة تماماً ويطبقونها تماماً أنظمة المرور وأنظمة الأمن وغير ذلك مع أنهم كفار لا يرجون بهذا ثواباً من الله عز وجل ، لكن يعلمون أن انتظام الأمة وحفظ أمنها لا يكون إلا بهذا باتباع أوامر الرؤساء ،(73/71)
فلذلك كانوا أشد تطبيقاً من المسلمين أو من بعض المسلمين لطاعة ولاة الأمور ، مع أننا نحن بامتثالنا لطاعة ولي الأمر نرجو الثواب من الله عز وجل وبالمخالفة نخاف العقاب ،
لأن مخالفة أي نظام من أنظمة الدولة بدون سببٍ شرعي والسبب الشرعي سببٌ واحدٌ وحيد وهو أن يأمروا بمعصية الله ما سوى ذلك تجب علينا طاعته من أجل حفظ الأمن ،
بعض الناس يتوهم أنه لا تجب طاعتهم إلا حيث أمروا بما أمر الله به وهذا وهمٌ باطل ،
لأنهم إذا أمروا بما أمر الله به فأمرهم هذا تأكيدٌ لأمر الله فقط ولو أمرني أي واحد بما أمرني الله به لكانت الطاعة مفروضةً علي لأنه أمر الله لكن طاعة ولاة الأمور في غير المعصية شيءٌ وراء ذلك ،
فيجب علينا أن نطيع ولاة الأمور في كل ما أمروا به ما لم يأمروا بمعصية ،
فإذن لا بد للأمة بل وغير الإسلامية لا بد لها من إمام يقودها يوجهها يأمرها ينهاها وإلا لضاعت وأصبحت الأمور فوضى ،
قال الشاعر [65] :
لا يصلح الناس فوضى لا سَراةَ لهم ،
ولا سَراةَ إذا جُهَّالُهُم سادوا [66] ،
فلا بد من قيادة ولا بد من أن تكون هذه القيادة حكيمة ،
قوله : ( عصر ) : عصر بمعنى وقت والوقت كما نعلم هو ظرف الحوادث والأحداث ،
ولهذا أقسم الله به في قوله تعالى : { والعصر إن الإنسان لفي خسر } ( العصر 1 – 2 ) .
لأن العصر هو ظرف الأحداث والحوادث كل عصر ،
لا بد للأمة الإسلامية من إمام [67] ، يذب عنها كل ذي جحود ويعتني بالغزو والحدود ،
******************
172 – يذب عنها كل ذي جحود ،
ويعتني بالغزو والحدود ،
قوله : ( يذب ) : يعني يطرد ،(73/72)
قوله : ( كل ذي جحود ) : أي كل ذي كفر ، هذه فائدة من فوائد الإمامة أن الإمام يذب أهل الكفر عن بلاد المسلمين يعني يرد ويطرد ويمنع كل ذي جحود من أن يعتدي على بلاد المسلمين ومن المعلوم أنه ليس يمنع بنفسه يمنع بجنوده ،
الفائدة الثانية : قوله : ( ويعتني بالغزو ) : يعني غزو الكفار ،
والشطر الأول : للمدافعة ،
والشطر الثاني : للمهاجمة يعتني بالغزو غزو الكفار ومقاتلتهم ،
لأن الواجب على المسلمين أن يقاتلوا الكفار فرض كفاية أن يقاتلوا الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله إذا نظرنا في واقعنا اليوم وإذا هذه ممحوة من القاموس مسألة غزو الكفار ممحو من القاموس أليس كذلك ؟ اللهم إلا ما يقع مدافعة ومع ذلك ما يقع مدافعة لا تكاد تجد من يساعد هؤلاء المدافعين إلا من أفراد الشعوب ،
أما الحكومات الإسلامية مع الأسف ونقولها بكل مرارة : فإنها لا تساعد على الأقل مساعدةً ظاهرة بالنسبة للدفاع عن المسلمين والأحداث لا يحتاج أن أفصلها لكم لأنها أمامكم منشورة مشهورة ،
فلا بد من مقاتلة الكفار : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } ( البقرة 193 ) ، لا بد من هذا فرض كفاية ،
ومعلومٌ أن فرض الكفاية يحتاج إلى شرط وهو القدرة بالنسبة للشعوب لا قدرة لهم بالنسبة للحكومات الله حسيبهم منهم من يقتدر ومنهم لا يقتدر وفي ظني أن كل واحدٍ منهم يقتدر بالنسبة للمضايقات الدبلوماسية لكن لا شيء ، هذا واحد ،
الثالث : قوله : ( والحدود ) : يعني يعتني بالحدود ،
والحدود جمع حد ،
والحد في اللغة : المنع ،
والمراد به هنا ( العقوبات المقدرة في فعل معصية ) [68] ، هذه الحدود ،
العقوبات التي قدَّرها الله ورسوله في فعل معصية ،
مثل : قطع يد السارق هذا حد متى ثبت في السرقة وتمت شروط القطع فإنه يجب هذا القطع حد متى تمت شروط القطع وجب تنفيذه وجوباً ،
فالحدود يجب تنفيذها وهي رحمةٌ من الله عز وجل لعباده إذ أنها كفارةٌ للفاعل وردعٌ لغيره ،(73/73)
الحدود فيها فائدتان :
1 - كفارةٌ للفاعل الذي أقيم عليه الحد ،
2 - وردعٌ لغيره ،
قد يقول قائل : لكن فيها إتلاف عضوٍ من الأعضاء وربما يكون هذا العضو عاملاً من أكبر العمل مثلاً ربما يكون الإنسان عنده صناعة قنبلة وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا بد منها فماذا نقول ؟
نقطعها نبترها حتى لا يجيء آخر فيسرق ،
ولهذا قال الله تعالى : { ولكم في القصاص حياة } ( البقرة 179 ) ، مع أن القصاص إضافة إزهاق نفسٍ إلى نفسٍ أخرى فالمقتول واحد وبالقصاص يكون اثنين لكن هذا فيه حياة كم من إنسانٍ يرتدع عن القتل إذا علم أنه إذا قتل قُتل ولهذا قال : { ولكم في القصاص حياة } .
ومن الحدود : حد الزنا .
وهو على حسب الجرم فالبكر حده مائة جلدة وتغريب سنة ،
يعني يُجلد مائة جلدة ويُطرد عن البلد لمدة سنة .
والثيب الزاني قد منَّ الله عليه بالنكاح حده الرجم يُرجم بالحجارة ، حجارة لا صغيرة ولا كبيرة حتى يموت .
وإذا مات هل يُصلى عليه ؟
نعم ، يُصلى عليه .
لأنه مسلم ويُدعى له بالمغفرة والرحمة .
ومن الحدود : حد القذف ، القذف : هو أن يرمي المُحصن بالزنا ،
المحصن يعني العفيف بأن يقول لشخصٍ عفيف ذكر أنثى إنه زان فهذا :
إما أن يقيم البيِّنة أربعة رجال يشهدون ،
وإلا فحدٌّ في ظهره ، { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } ( النور 4 ) .
وقد رتَّب الله على القتل ثلاثة أمور : { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } ، ثلاثة .
{ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم } ( النور 5 ) .
وهذا الاستثناء يعود على قوله : { وأولئك هم الفاسقون } : يعني إذا تابوا وأصلحوا زال عنهم الفسق .
وهل يعود إلى ما قبلها وهو عدم قبول الشهادة ؟
فيه خلاف :
فمنهم من يقول : إنه إذا تاب قُبلت شهادته [69] ،
ومنهم من يقول : لا [70] ،(73/74)
لأن الله تعالى قال : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } ، الأول : { فاجلدوهم ثمانين جلدة } .
إذا تاب لا يعود عليه بالاتفاق ،
فصارت هذه العقوبات الثلاث :
الاستتثناء لا يعود على آخرها بالاتفاق ، ولا يعود على أولها بالاتفاق ،
وهل يعود على الأوسط ؟
فيه خلاف ،
ومن الحدود : حد قطاع الطريق : { الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا } ( المائدة 33 ) ، يقفون على الطرق معهم السلاح ومن مر أخذوا ماله أو قتلوه وما أشبه ذلك ،
هؤلاء حدُّهم : { أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } ( المائدة 33 ) .
كم ذكرنا من الأنواع ؟
أربعة أنواع هذه كلها حدود لا إشكال فيها ،
واختلف العلماء في الخمر هل عقوبته حدٌّ أو تعزير [71] ؟
والصحيح : أنها تعزير [72] ،
ويدل لذلك ما يكاد يكون إجماعاً من الصحابة ،
حيث إنه لما كَثُرَ الناس في شرب الخمر جمع عمر رضي الله عنه الصحابة واستشارهم ماذا نصنع ؟ فقال عبدالرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين أخف الحدود ثمانون يعني فاجلد شارب الخمر هذا الجلد فأمر به عمر فارتفع إلى ثمانين جلدة [73] ،
وهذا يكاد يكون كالإجماع لأنه يقول : أخف الحدود ، يعني أن عقوبة الخمر ليست حداًّ ،
ويدل لذلك أيضاً : أنه لو كانت عقوبة الخمر حداًّ ما كان لعمر أن يغيرها ، { تلك حدود الله فلا تعتدوها } ( البقرة 229 ) ، ولهذا لو كثر في الناس الزنا نسأل الله العافية ،
هل نزيد المائة جلدة إلى مائتين مثلاً ؟
لا ، لا يمكن الحدود لا تُزاد ،
وهذا يدل على أن عقوبة شارب الخمر ليست من الحد ،
لكن المشهور عند أكثر العلماء : أنها حد ،
هذه خمسة ،
قتل المرتد هل هو حد أو لا ؟
قتل المرتد ليس حداًّ ،
لأن الحد لا يسقط بعد القدرة وقتل المرتد يسقط بعد القدرة إذا تاب ،
في الحدود إذا قدرنا على الفاعل لا يسقط الحد ولو تاب [74] ،(73/75)
أما الردة فإذا تاب منها ولو بعد القدرة عليه فإنه لا يُقتل يحرم قتله ،
إلا ما قيل في الساحر : إنه يُقتل حداًّ [75] ،
لحديث : ( حد الساحر ضربةٌ بالسيف ) [76] ،
القصاص هل هو حد أو لا ؟ ،
ليس بحد ، القصاص ليس بحد ،
ولذلك لو أن أولياء المقتول عَفَوْا يُقتص من القاتل ، إذن ليس بحد ،
وقد رأيت بعض المتأخرين المعاصرين يجعل الحدود سبعة أنواع ، ويُدخِل حد الردة والقصاص ،
وهذا خطأ وغلط ،
لأن الحد عقوبةٌ مقدرة من الشرع لا تسقط بإسقاط أحد [77] ،
حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما شفعوا إليه في المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتشحذه فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقطع يدها غضب وخطب الناس وقال لأسامة وقد شفع إليه : ( أتشفع في حدٍّ من حدود الله ؟ ) [78] ،
ولو أن القاتل لما طلب أولياء المقتول أن يُقتل وشفع أحدٌ فيه فهل يُنكر عليه ؟
لا يُنكر لأن الحق لهم ،
لو أن أولياء المقتول قالوا : لا بد أن نقتل القاتل وحكم القاضي بقتله فجاء رجلٌ طيب وعرف أن هذا القاتل رجل من الخيار لكن سوَّلت نفسه قتل أخيه فقتله ذهب إلى أولياء المقتول وشفع إليه فلا بأس ،
ولو كان حداًّ لحرمت الشفاعة إليه ،
إذن من مهمات الإمام إقامة الحدود ،
وهذا يعني أنه يجب على الإمام أن يقيم الحدود على أي إنسانٍ كائناً من كان ،
لو سرق أبو الحاكم أبو الإمام يأمر بقطع يده سبحان الله أبوه يا جماعة أين البر ؟
يقطع يده وهذا من البر هذا صحيح ،
لأن الحد كفارةٌ له يسقط عنه عقوبة الآخرة من عقوبة الدنيا هذا جواب ،
جواب آخر أن نقول : هذا الحق ليس حقاًّ للإمام هذا حقٌّ لله عز وجل رب الإمام ورب أب الإمام فإذا أمر بقطع يد أبيه لأنه سرق قلنا : جزاك الله خيراً ،
هذا محمدٌ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أقسم إقساماً أمام الناس قال : ( وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) [79] ،
******************(73/76)
173 – وفعل معروفٍ وترك نكر ،
ونصر مظلومٍ وقمع كفر ،
قوله : ( وفعل معروف ) : هذا الرابع من مسؤوليات الإمام ،
يعني ويعتني بفعل المعروف يعني أن يفعل هو المعروف أو يأمر بالمعروف أو الأمران ؟
كلاهما لكن الأول له ولغيره فعل المعروف كل إنسان مطالب به ،
لكن الأمر بالمعروف أول من يُطالب به الإمام ،
يجب عليه أن يأمر بالمعروف إما بنفسه وإما بنوابه وجوباً ،
الأمر بالمعروف من مهمات الإمام ومن مسؤولياته وإذا أُضيع لا قدَّر الله فإن الله سوف يسأله عنه يوم القيامة سؤالاً مباشراً ،
ولذلك كان من توفيق الله لهذه البلاد أن يسَّر الله فيها إقامة آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر من قِبَلِ الإمام ونسأل الله تعالى أن يوفِّق الإمام حتى يعطيهم جميع الصلاحيات التي يقوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
الأمر بالمعروف من مسؤوليات الإمام فلنسأل ما هو المعروف ؟ هل المعروف ما تعارف الناس عليه ؟ أو المعروف ما عرفه الشرع وأقره ؟
{ وعاشروهن بالمعروف } ( النساء 4 ) ، ماذا تقولون ؟ ما المراد بالمعروف ؟
ما تعارف الناس عليه ،
هنا لماذا لا نقول : ما تعارف الناس عليه ؟
لو قلنا بذلك لفسدت الدنيا وفسد الدين وصار لكل بلدٍ شرع ،
لأن أعراف الناس تختلف من الناس من يستبيحون أن يقيموا أسواق الدعارة ،
فهل يكون ذلك معروفاً لأنهم يتعارفون ذلك بينهم ؟،
لا ،
من الناس من تُباع عندهم جرار الخمر كما تُباع جرار البيبسي فهل هذا معروف ؟
لا ،
إذن المعروف ما عرفه الشرع وأقره ،
وإن شئت فقل وهو أدق ما شرعه الشرع ، ما شرعه لأن شرعه إياه اعترافٌ به ،
فكل المشروعات كل ما شرعه الله ورسوله فهو معروف ،
ثم الأمر به على حسب مرتبته فالأمر بالواجب واجب والأمر بالمستحب مستحب ،
الأمر بالمعروف يحتاج إلى شروط لا بد من تحققها ،(73/77)
وسيأتينا عن شاء الله في الفصل الذي بعده شروطها فنؤجل هذا إلى ما بعد ،
قوله : ( وترك نُكْرِ ) : ترك المنكر أيضاً المسؤولية على الإمام ،
وليعلم أن ترك المعروف وفعل المنكر إذا كان مستتراً عن الإمام فليس من مسئوليته ليس من مسئوليته ،
مسئوليته الظاهر لكن المنكرات في البيوت إذا لم يطلع عليها فإنها ليست من مسئوليته لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ،
من المنكرات التي يجب على الإمام أن يمنعها أن يظهر النصارى أو اليهود أو البوذيون أو غيرهم من أهل الكفر ما يكون شعاراً لهم في بلاد الإسلام ،
مثل : أن يعلق النصراني صليباً في صدره ممنوع في بلاد الإسلام يجب منعه ولكن بالتي هي أحسن ،
سمعت أن بعض الأخوة الناهين عن المنكر رأى فليبينياً قد تقلَّد قلادة ذهب وفي أسفلها الصليب فأمسك بالقلادة وبترها كادت تحز رقبته أو تقطعها هل هذا من الخير ؟
لا ، هذا إساءة للإسلام وغلط ،
والواجب أن مثل هذا يُنصح لو أنه قال لهذا الرجل : يا رجل أخفي هذا ، بلطف لحصل المقصود بدون عنف .
والله تعالى يحب الرفق في الأمر كله .
كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( رفيقٌ يحب الرفق في الأمر كله ) [80] .
إذن يجب على الإمام أن يمنع المنكرات فما كان مُعْلَنَاً فالأمر واضح أنه من مسئوليته وما كان مستوراً فإن علم به فعليه مسئوليته وإن لم يعلم فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ،
ما هو المنكر ؟ ما أنكره الناس ؟
لا ما أنكره الشرع ومنعه فهذا هو المنكر ،
أما ما أنكره الناس فهذا يُنظر فيه ،
إن كان مشروعاً فالواجب إظهاره ،
مثل : لو أنكر الناس الصلاة في النعال وكانوا ينكرون ذلك فهنا أنكروا معروفاً فهنا لا يُجابون على ذلك بل يُبيَّن الحق حتى يطمئن الناس إليهم ،
وأقول لهم ذلك حين كانت المساجد مفروشةً بالحصباء أو بالرمل ،
أما الآن فلا يمكن الصلاة بالنعال لما في ذلك من تلويثها وأكثر الناس لا يهتمون عند الدخول في المسجد ،(73/78)
ويمكن للإنسان أن يحصِّل السنة بأن يصلي في بيته بنعاله ،
وأما ما أنكره الناس مما ليس مشروعاً فإنه يُنكر لئلا يقع الإنسان في الشُّهرة ،
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس الشهرة حتى لا يُذكر المرء في المجالس ،
لأن الإنسان الذي يخالف عادات الناس سوف تلوكه ألسنتهم :
إما بالذم ،
وإما بالمدح ،
والغالب أنه يكون بالذم الغالب أن يكون بالذم ،
فلو قام طالب علم من طلبة العلم المحترمين وخرج إلى الناس ببنطلون وبُرنيطِه وكرافِتِّه ماذا يقولون الناس ؟ شهرة أو لا ؟
شهرة مع أنه في الأصل مباح إذا لم يكن تشبهاً للكفار ،
لكنه مخالف للعادة فيشتهر الإنسان به ويكون ملاكاً تلوكه الألسن ،
ولماذا نُهِيَ عن لباس الشهرة مع أنه قد يكون طيباً ؟
لئلا يُشتهر به الإنسان ويُذكر في المجالس ،
والناس في الواقع لا يجعلون بالاً لهذا الأمر وهو مسألة الشهرة تجد إنسان لا يبالي بأحد اشتهر أو لم يشتهر ،
هذا غلط لأنك عرَّضت لنفسك لماذا ؟ لأي شيء ؟ للكلام في المجالس فلان ماذا به ؟ انهبل ماذا جاءه ؟ وهَلُمَّ جراَّ ،
والإنسان في غنىً عن أن يتكلم الناس به ،
إذن ما هو المنكر ؟
ما أنكره الشرع ولم يقره ،
أما ما أنكره العرف فيُنظر فيه :
إن كان من الأمور المشروعة فلا بد أن يُرَوَّضَ الناس عليه وأن يُفعل أمامهم حتى يطمئنوا إليه ،
وما لم يكن كذلك فإنه من الشهرة التي نُهي عنها وعرفتم الحكمة في النهي عن الشهرة ،
هذه خمسة أشياء ،
السادس من مسؤولياته : نصر المظلوم يجب على الإمام وعلى غيره أيضاً ،
ولكن على الإمام بالدرجة الأولى ،
لأنه هو الذي يستطيع أن ينصر المظلوم وذلك برفع الظلم عنه إن كان قد وقع ودفعه عنه إن كان مُتوقعاً بأن يسمع إنسان يهدد شخصاًَ بأخذ ماله أو غيره فيمنع أو يكون إنسان فعلاً قد استولى على حقِّ غيره فيرفعه ،
فعلى الإمام مسؤولية نصر المظلوم ،
وغيره عليه أيضاً أن ينصر المظلوم ،(73/79)
لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) [81] ،
لكن غير الإمام قد لا يتسنى له ذلك قد يكون الظالم أكبر من الذي يريد أن يرفع الظلم ،
وحينئذِ لا يقدر لكن الإمام لا أحد فوقه من البشر فيجب عليه أن ينصر المظلوم ،
كيف ذلك ؟
يدفع المتوقع ويرفع الواقع ،
وبماذا يرفع الظلم ؟
إذا كان هذا الرجل قد اِسْتُوْلِيَ على أرضه مثلاً له أرض استولى عليها ظالم ، فيجب عليه أن يزيل هذا الاستيلاء ،
إنسان سُرق منه حاجة يجب على الإمام أن يرد هذه الحاجة إلى صاحبها ،
ولكن لا بد من شروط لا بد من ثبوتها ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعى قوم دماء رجالٍ وأموالهم ) [82] ,
هذا الباب في ذكر الإمامة ومتعلقاتها ، و نصب الإمام لا بد منه [83] ،
وقد صرَّح العلماء بأنه فرض كفاية وهذا واضح ،
قوله : ( وقمع كفر ) : قمع الكفر يعني إذا ظهر ،
وهذا غير الذب ذب الجحود ،
لأن ذب الجحود يعني دفعه ومنعه ،
أما هذا فقمعه بعد وقوعه ،
والكفر كما نعلم كفرٌ صريح بالسلاح وهذا له جهاد وكفرٌ باطن ، وهذا أيضاً يجب أن يُقمع ،
مثل : أن يكون هذا الرجل متظاهراً بالإسلام لكن له أفكاراً رديئةً ينشرها في الأمة ،
فهذا أيضاً يجب على ولي الأمر أن يقمعه ولا يجوز له أن يُمَكِّنَهُ من كفره الذي ينشره في الأمة وإن كان يتظاهر بالإسلام ،
وذلك لأنه إذا لم يقم بهذا انتشر الكفر واستشرى في الأمة من حيث لا يعلم ،
قد يقول قائل : إذا كان هذا الرجل له فكرٌ رديء ، يدعو إليه ، أفلا كنتم تقولون : إن الإسلام يعطي الحرية يعطي كل إنسان حريته فأفسحوا المجال لكل من عنده رأي أو فكر يتكلم بما شاء وإلا فقد كذبتم في دعواكم ؟
نقول : نعم نحن نقول إن الإسلام قد أعطى كل إنسانٍ حريته ،
لكن ما هي الحرية الصحيحة ؟
الحرية الصحيحة التحرر من قيود الشيطان ومن قيود النفس الأمارة بالسوء ،(73/80)
ولهذا كل من خالف الشرع فإنه رقيق وليس بحر ،
وإلى هذا يشير ابن القيم رحمه الله في بيتٍ أرى أن يُكتب بماء الذهب ،
وذلك أنه قال معنى البيت أنهم تحرروا من الرق الذي خُلقوا له وابتلوا برق النفس والشيطان ،
يعني أنهم تحرروا من الرق الذي خُلقوا له وهو الرق لمن ؟ ،
لله عز وجل ولكنهم ابتلوا برق النفس والشيطان ،
وهذا الذي يقول : أعطوني حريتي أقول ما شئت نقول : نحن إذا أعطيناك حريتك وقلت ما شئت من الكفر والفسوق والأخلاق الرديئة فإنك قد بُليت برق وهو رق النفس والشيطان ،
وعلى هذا نقول عن قمع الكفر ولو تظاهر الإنسان بالإسلام : إنه من واجبات الإمام ،
وعلى هذا يجب على الإمام أن يجعل له نظراء ينظرون في كل ما يُكتب في الصحف والمجلات وكل ما يُنشر في الإذاعات المسموعة والمرئية وكل ما يُذكر في الكتب والرسائل المؤلفة يجعل أمناء علماء لا يجعل علمهم بالانتساب أنهم منتسبون إلى كذا فلهم الحق في النظر بل يكونوا أمناء وعلماء بالشريعة ويمنع كل شيءٍ يدعو إلى الفسوق والمجون والكفر يجب على الإمام ،
ومعنى قولنا يجب ليس حروفاً تُكتب على ورق بل هي مسؤولية عظيمة يُسأل عنها الإمام بين يدي الله عز وجل ،
فعليه مسؤولية قمع الكفر بأنواعه وأشكاله ،
******************
174 – وأخذ مال الفيء والخراج ،
ونحوه والصرف في منهاج ،
الثامن : قوله : ( وأخذ مال الفيء [84] والخراج ) : يعني ويعتني أيضاً بأخذ مال الفيء والخراج ،
وهذان مادة بيت المال ،
وبيت المال هو عبارة عن الخزانة التي تودع فيها أموال المسلمين ،
فمنها : مال الفيء ، والفيء ما أفاء الله على المسلمين من أموال الكفار ،
وذلك أن المسلمين إذا غنموا غنيمة قُسمت إلى خمسة أقسام [85] :
أربعة أقسام للغانمين [86] ،
والقسم الخامس يُقسَّم أيضاً خمسة أقسام [87] ،(73/81)
ذكره الله بقوله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } ( الأنفال 41 ) .
هذا خمسة أقسام من خُمْس لله ورسوله ،
وهذا هو الفيء ،
إذن الفيء جزء من خمسة وعشرين جزءاً من الغنيمة هذا يُجعل لبيت المال للمصالح العامة ،
نقسِّم الغنيمة أولاً خمسة أقسام ،
ونأخذ منها أربعة أخماس للغانمين ،
ويبقى معنا خُمْس ، هذا الخُمْس أيضاً نقسمه خمسة أقسام :
خُمْس لله ورسوله فهذا إلى بيت المال ،
وأربعة أخماس لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ،
وذوو القربى :
قيل : إنهم هم قرابة الإمام ،
وقيل : هم قرابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،
والصحيح : الثاني [88] ،
وبناءاً على هذا التقسيم الذي سمعتم يكون مال الفيء بالنسبة للغنيمة جزءاً من خمسة وعشرين جزءاً خمس الخمس ،
المهم على كل حال الآن غنم المسلمون الغنيمة غنموا أموالاً كثيرة من الكفار يعني غزوا الكفار وغنموا غنيمة كثيرة نقسمها كم ؟
خمسة أسهم أربعة أسهم للغانمين يعني للمجاهدين الذين جاهدوا وباشروا القتال تُقسم بينهم :
للراجل وللفارس ثلاثة أسهم ،
وللراكب على بعير ونحوها سهمان هذا معروف ،
الُخْمس الخامس نقسمه أيضاً خمسة أقسام خمسة أسهم ،
خُمْس يكون فيئاً لبيت المال ،
وأربعة أخماس تُقسم كالآتي لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ،
وعلى هذا فنسبة الفيء لجميع الغنيمة كم ؟
واحدٌ من خمسة وعشرين ، هذا الفيء ،
الخَراج أيضاً ،
الثامن : أخذ مال الخراج فما هو الخراج ؟
الخراج هو أن المسلمين إذا غنموا أرضاً وتعرفون أن الغنائم :
إما عقارات وأراضي ،
وإما منقول غنموا أرضاً فتحوها بالسيف وجلى أهلها عنها تكون للمسلمين ،
هذه يُخيَّر الإمام بين قسمها على ما سبق كم ؟
خمسة أسهم ،
والخمس الخامس يقسم خمسة أسهم ،
وبين أن يقفها على المسلمين يجعلها وقف ويضرب عليها خَراجاً ،(73/82)
خراجاً يعني دراهم معينة ، كالأجرة .
كل مساحة معينة عليها شيءٌ معين من الدراهم ، هذا يُسمى الخراج ،
والخراج يعني الرزق : { أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين } ( المؤمنون 72 ) .
هذا الخراج يُؤخذ من كل من تكون هذه الأرض بيده سواءٌ انتقلت بميراث أو ببيع أو بغير ذلك ،
وهذه الطريقة اختارها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموفق للصواب ،
مثلاً : خيبر قُسمت أو جُعل عليها خراج ؟
قسمت ،
ولهذا في الصحيحين أن عمر قال : يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر ، ولم يكن لي مالٌ أنفس منه .. إلى آخر الحديث [89] .
لكن أرض الشام ومصر والعراق التي فُتحت في عهد عمر رأى رضي الله عنه ألا تُقسم بين الغانمين قال : إذا قسمناها ألا تُقسم بين غانمين انحصر نفعها بمن بالغانمين أربعة أخماس من نفعها تكون للغانمين ثم يموت فلان ويأتون ذريته الذين قد لا يكون فيهم خير ،
فرأى أنها تبقى بأيدي أهلها عامة ويُوضع عليها خراجاًَ مستمراً يؤخذ ممن هي بيده ،
الآن لو كان لي بيت وأجرته واحداً من الناس عشر سنوات كل سنة بمائة ريال هذه الأجرة نظيرها الخراج ،
الخراج يقال مثلاً : من أخذ من هذه الأرض مساحة كذا وكذا فعليه كذا وكذا من الدراهم تبقى الأرض بيده وكل سنة يُسلم الدراهم التي جُعلت عليه ،
أين تذهب الدراهم ؟ ،
لبيت المال ,
من المَعْنِيُّ ببيت المال ؟
الإمام ، ولهذا قال : ( وأخذ مال الفيء والخراج ) ،
فهذا من مسؤوليات الإمام ،
لكننا نسألكم الآن هل يوجد أرض خراجية يُستخرج منها ؟
الآن لا ، تغيرت البلاد ومن عليها ،
لكن فيما سبق موجود وتدر هذه الأراضي على بيت المال شيئاً كثيراً ،
لكن الآن إلى الله المشتكى ،
قوله : ( ونحوه ) : يعني أخذ مال الفيء والخراج ونحوه ،
( ونحوه ) هذه بمعنى مثل وهي كلمةٌ واسعة كثيرة ،
مثلاً : إذا مات ميت وليس له وارث أين يذهب ماله ؟
لبيت المال والمَعْنِيُّ بذلك الإمام ،(73/83)
الأموال المجهول صاحبها ضائعة ولم يُعرف لها صاحب أيضاَ تكون لبيت المال وهلم جراَّ ،
أموال كثيرة تدر على بيت المال ،
وبيت المال يُعنى به الإمام ويجب أن يصرفه في مصالح المسلمين ،
قوله : ( والصرف في منهاج ) : الصرف معطوفة على ( يعتني بالغزو ) يعني بصرفه في منهاج ،
يعني ويعتني أيضاً بالصرف في منهاج وما أثقل هذا الأخذ سهل على الإمام أو لا ؟
سهل أن يأخذ الخراج من الأراضي ويأخذ مال من مات ليس له وارث هذا سهل ،
لكن الشاق الأخير ( الصرف في منهاج ) يعني الصرف في طريق شرعية أن يصرف المال في طريقٍ شرعي ،
هذا من مسؤوليات الإمام يجب عليه أن يصرف مال المسلمين في الطريق الصحيح النافع للمسلمين ،
لا يكن جمَّاعاً منَّاعاً دفَّاعاً جمَّاع للمال منَّاع في بذله في الخير دفَّاع في بذله في الشر ،
هذا حرام ، ( إن أقواماً يتخوَّرون في مال الله بغير حق لهم النار يوم القيامة ) [90] ،
فالآن اسمع ما يجب على الإمام من المسؤوليات العظيمة ،
وأكبر مسؤولية عليه فيما أرى من هذه الأشياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
لأن هذا واجبٌ في الحرب والسِّلم والأمن والخوف والرخاء والشدة ،
وواجب في كل قرية وفي كل مدينة وفي كل طريق وواسع ،
فلذلك نقول : إن مسؤوليات الإمام عظيمة نسأل الله أن يعين الأئمة على ما فيه الخير ،
أما ما يجب علينا فسيذكره المؤلف إن شاء الله فيما بعد ،
ولم يذكره لأنه في الواقع يريد أن يبيِّن أن الإمامة أمرٌ لا بد منه ،
لكن نسأل هل هذه الإمامة شرطٌ في العبادات بمعنى أنها لا تصح العبادات إلا بإمام ؟
لا إلا عند الرافضة ،(73/84)
الرافضة يقولون : لا يمكن أبداً أن نصلي جماعةً إطلاقاً ، حتى يأتي الإمام المنتظر هذا الإمام الذي يدَّعون أنه اختفى في سردابٍ منذ مئات السنين اختفى في سرداب من زمان وكل صباح يهيئون فرساً عليه راكب معه رمح وخبز وعسل وماء كل صباح يجلس عند هذا السرداب ينتظر خروج الإمام فإذا خرج أفطر بالخبز والماء والعسل ثم أخذ الرمح وركب الفرس وسار في الأرض يملؤها عدلاً بعد أن ملئت جوراً يُسمى الإمام المنتظر يقولون لا يمكن أبداً أن نصلي جماعةً ولا جمعة إلا إذا جاء هذا الإمام المنتظر ،
لكن في ظني أنه بعد أن جاء زعيمهم [91] الذي أسس ولاية الفقيه غيَّر هذا الرأي وقال : لا يمكن هذا الإمام المنتظر أين الإمام المنتظر ؟ لا نصلي جمعة ولا جماعة إلى أن يأتي وصار يأمرهم أن يصلوا مع الجماعات والجمعات أيضاً وهذا طيب تحوُّل إلى حق والله المستعان ،
******************
175 – ونصبه بالنص والإجماع ،
وقهره فَحُلْ عن الخداع ،
قوله : ( ونصبه بالنص والإجماع ) : مصالح الأمة كما ينبغي ،
لأن الذي يغلب عليه العبادة والزهد وما أشبه ذلك لكن جبراً لمنزلته وقربه جعله يحضر مجالس الشورى الذين جعلهم عمر رضي الله عنه يختارون ما فيه الخير ،
إذن الأمر الأول ما هو ؟
بالنص إذا نصَّ عليه خليفةٌ من قبله [92] ،
فإنه يكون خليفة ولا تجوز منازعته ولا يحتاج إلى بيعة لأن بيعته يغني عنها بيعة الأول ،
إذ أن بيعة الأول معناها التزام الناس بتصرف الأول ،
وإذا تصرف الأول هذا التصرف وقال : إن الإمام من بعدي أو الخليفة من بعدي فلان فإنه يكون هو الخليفة بدون أن يكون هناك مبايعة ، هذا واحد ،
الثاني : الإجماع : يعني إجماع أهل الحل والعقد على بيعته ،
كما أجمع أصحاب الشورى الستة الذين وضعهم عمر على مبايعة عثمان بن عفان رضي الله عنه ،(73/85)
فإذا أجمع أهل الحل والعقد على شخص ونصبوه إماماً صار إماماً [93] ،
لكن هذا بشرط ألا يكون الخليفة الأول قد نصَّ على شخصٍ معين [94] ،
فإن كان نصَّ على شخصٍ معين فلا كلام ،
لكن لو مات ولم ينصَّ على أحد فإنه يجتمع أهل الحل والعقد فإذا أجمعوا على أن فلاناً هو الخليفة صار الخليفة ،
وهل يُشترط أن يبايعه كل فردٍ من الأمة ؟
الجواب : لا يشترط وهذا شيءٌ غير ممكن ،
ولهذا لم يُبايع أبا بكر ٍ رضي الله عنه إلا أهل الحل والعقد ما أرسل إلى كل مراهق وإلى كل عجوز وإلى كل شاب وإلى كل رجل أن يبايعه لا أرسل إلى مكة ولا إلى الطائف ولا إلى غيرها من البلاد بل ولا إلى أهل المدينة،
اكتفى بمبايعة من ؟
أهل الحل والعقد ،
ولهذا نعرف أن من قال من السفهاء الأغرار أنا لم أبايع ،
نقول من الذي قال أنه اشترط أن تبايع ؟
المبايعة ليست لكل واحدٍ من الناس المبايعة لأهل الحل والعقد ،
فإذا أجمعوا وبايعوا عليه صار إماماً ووجب على الجميع التزام أحكام الإمام في هذا الرجل الذي أجمع عليه أهل الحل والعقد هذه واحدة ،
مثل من ؟
مثل عثمان ،
عثمان رضي الله عنه بويع بإجماع أهل الشورى الذين نصبهم عمر رضي الله عنه ،
الثالث : القهر : يعني لو خرج رجل واستولى على الحكم وجب على الناس أن يدينوا له حتى ولو كان قهراً بلا رضىً منهم ، لأنه استولى على السلطة [95] ،
ووجه ذلك : أنه لو نوزع هذا الذي وصل إلى سُدَّة الحكم لحصل بذلك شرٌّ كثير حصل بهذا شرٌّ كثير ،
وهذا كما جرى في دولة بني أمية فإن منهم من استولى بالقهر والغلبة وصار خليفةً يُنادى باسم الخليفة ويُدان له بالطاعة امتثالاً لأمر الله عز وجل ،
هل بقي شيءٌ رابع ؟
يقولون لا ،
هذه هي الطرق التي يكون بها الإمام إماماً ثلاثة :
1 - النص ،
2 - والإجماع ،
3 - والقهر ،
وإذا قلنا إن الخلافة تثبت بواحدٍ من هذه الطرق الثلاث ،(73/86)
فيعني أنه لا يجوز الخروج على من كان إماماً بواحدٍ منها أبداً [96] ،
قوله : ( فَحُلْ عن الخداع ) : يعني لا تخادع ، ولا تخن ،
إذا ثبتت الإمامة بواحدةٍ من هذه الطرق فالإمامة ثابتة ،
******************
176 – وشرطه الإسلام والحرية ،
عدالةٌ سمعٌ مع الدَّرية ،
قوله : ( وشرطه إسلام وحرية ) : أي شرط الإمام الذي يكون خليفةً على المسلمين الإسلام [97] ،
وهذا لا بد منه لا يمكن أن يتولى على المسلمين غير مسلم أبداً ، بل لا بد أن يكون مسلماً ،
فلو استولى عليهم كافرٌ بالقهر وعندهم فيه من الله برهان أنه كافر بأن كان يعلن أنه يهودي أو نصراني مثلاً ، فإن ولايته عليهم لا تنفذ ولا تصح وعليهم أن ينابذوه ،
ولكن لا بد من شرطٍِ مهم وهو القدرة على إزالته ،
فإن كان لا تمكن إزالته إلا بإراقة الدماء وحلول الفوضى فليصبروا حتى يفتح الله لهم باباً لأن منابذة الحاكم بدون القدرة على إزالته لا يستفيد منها الناس إلا الشر والفساد والتنازع وكون كل طائفة تريد أن تكون السلطة حسب أهوائها ،
الشرط الثاني : الحرية يعني يُشترط أن يكون حرًّا [98] ،
أما الرقيق فلا ولاية له ،
لأن الرقيق قاصر والرقيق مملوك فكيف يكون مالكاً ،
يعني لو فُرض أن العبد كان مالكاً خليفة ماذا يكون موقفه مع سيده ؟
لا شيء لأن سيده مالكٌ له وإذا كان هو مملوكاً بمنزلة البعير يُباع ويُشترى ويُؤجَّر ،
كيف يكون هذا إماماًَ للمسلمين ؟
فلا بد من الحرية ،
لا بد من كمال الحرية أو يصح أن يكون المبعض إماماً ؟
لا بد من كمال الحرية ،
لأن هذا الجزء الرقيق منه يمنعه من كمال التصرف ،
الشرط الثالث : قوله : ( عدالة ) : العدالة هي العدل ، أي أن يكون عدلاً [99] ،
والعدالة في اللغة : الاستقامة ،
وفي الشرع : هي ( الاستقامة في الدين والمروءة ) [100] ،(73/87)
يعني أن يكون مؤدياً للفرائض مجتنباً للكبائر ذا مروءة من الكرم والشجاعة والحزم واليقظة وما أشبه ذلك ،
فإذا لم يكن مستقيماً في دينه فإنه لا يجوز أن يُولَّى ،
وهذا الشرط شرطٌ للابتداء أعني العدالة شرطٌ للابتداء ،
بمعنى أننا لا نوليه وهو غير عدلٍ إذا كان الأمر باختيارنا،
أما من ملك وصار خليفة فإن العدالة ليست شرطاً فيه ،
ولهذا أذعن المسلمون للخلفاء ذوي الفسق والفجور مع فسقهم وفجورهم وخلاعة بعضهم وانحراف بعضهم في الدين إلا أنه انحرافٌ لا يصل إلى الكفر أذعن المسلمون وأئمة المسلمين للولاة ،
إذن فالعدالة هنا شرطٌ للابتداء ،
يعني عندما نريد أن ننصِّب إماماً فلا بد أن يكون عدلاً أي مستقيماً في دينه ومستقيماً في مروءته ،
الشرط الرابع : قوله : ( سمعٌ ) : يعني يُشترط أن يكون سميعاً [101] ،
فإن كان أصم لا يسمع أبداً فإنه لا يصح أن يكون إماماً ،
وهذا أيضاً شرطٌ في الابتداء ،
فلو أنه صار إماماً ثم حدث له حادث فَأَصَمَّهُ فإن ولايته باقية ،
لكن حينما نريد أن ننصبه لا بد أن يكون سميعاً ،
وذلك لأن الأصم لا يمكن أن يتم به الحكم يعني ،
وإن تم في بعض الأمور لكن لا يكون تاماًّ كما ينبغي ،
حتى وإن كان له وزراء ومساعدون يساعدونه فإنه لا يكفي لا بد أن يكون سميعاً ،
وهل الشرط قوة السمع أو مطلق السمع ؟
مطلق السمع وإن لم يكن قوياً ،
المهم أن يسمع ولو كان سماعه بعد التصويت البالغ ،
العلة لأن غير السميع لا يتم به التصرف في الإمامة ،
الشرط الخامس : قوله : ( مع الدرية ) : يعني أن يكون ذا دراية ، ذا دراية يعني ذا فطنة ومعرفةٍ بالسياسة ومعرفةٍ بالأحوال [102] ،
حتى يدير الحكم على ما تقتضيه الشريعة وتقتضيه المصالح ، والمصالح لا تنكرها الشريعة ،
ضد ذي الدرية من ؟
المغفل الغبي إن جئنا إنسان نريد أن ننصبه إماماً للمسلمين وهو مغفل غبي يأتيه الصبي فيلعب بعقله ،
كيف هذا يتولى على المسلمين ؟(73/88)
لا بد أن يكون دراية أي علم بأحوال الناس وبمخادعة الناس وغير هذا مما تتطلبه الإمامة ،
******************
177 – وأن يكون من قريش عالماً ،
مكلفاً ذا خبرةٍ وحاكماً ،
قوله : ( وأن يكون من قريش ) [103] : أن يكون الخليفة من قريش ،
وهذا أيضاً شرطٌ في الابتداء ،
ومع ذلك قد اختلف العلماء في اشتراطه :
فمنهم من قال وهم الجمهور : لا بد أن يكون قريش [104] ،
فإن كان من غير قريش وإن كان عربياً فإنه لا يجوز أن يكون إماماً ،
ومعنى لا يجوز أي لا يجوز أن ننصبه إماماً ،
ووجه ذلك : أنه قد ورد في بعض الأحاديث ما يدل على أنه لا بد أن يكون من قريش ،
ولأن قريشاً أفضل العرب وفيهم أفضل الرسالة فكانوا أحق بالإمامة كما جعلهم الله أحق بالرسالة ،
الشرط السابع : قوله : ( عالماً ) [105] : يعني ذا علم ،
وهل المراد العلم بالشرع أو العلم بأحوال الخلافة وما تتطلبه الخلافة ؟
الثاني يعني لا يُشترط أن يكون عالماً بالشرع ،
إن كان عالماً بالشرع فلا شك أنه أكمل ، لكنه ليس بشرط [106] ،
أما العلم بما تتطلبه الإمامة فلا بد منه ،
إذ كيف يتصرف وهو لا يعلم هل هذا مناسب أو غير مناسب وهل هذا لا بد منه أو يُستغنى عنه أو ما أشبه ذلك ،
قوله : ( مكلفاً ) [107] : يعني بالغاً عاقلاً ،
فلا يجوز أن نجعل صبياَّ له عشر سنوات خليفةً على المسلمين ، لماذا ؟
لأن من دون البلوغ مُولىًّ عليه ،
فكيف يكون والياً على المسلمين حتى لو فُرض أنه مراهق وأنه ذكي فإنه لا يصح أن يتولى إمامة المسلمين لنقصه ،
وإن كان مجنوناً فمن باب أولى أن نجعل رجلاً مجنوناً خليفةً على المسلمين كل يضربهم ببلية ويأمرهم بِطامَّة لا بد أن يكون بالغاً عاقلاً ،
التاسع : قوله : ( ذا خبرة ) [108] : الخبرة هي العلم ببواطن الأمور ،(73/89)
وهي أخص من قوله فيما سبق ( عالماً ) يعني ذا خبرة في أساليب الحكم ومنها :
أن يكون ذا خبرة فيما يتعلق بالجهاد من السلاح وغير ذلك ،
وهذه الشروط كما قلتُ لكم شروطٌ في ماذا ؟
في الابتداء إلا الإسلام فإنه شرطٌ في الابتداء والدوام ،
قوله : ( وحاكماً ) [109] : هذا الشرط قد يقول القائل ما معنى الحاكم ؟
يعني له قوة شخصية حتى يحكم تماماً ،
لأن من الناس من يكون عنده علم وخبرة وعدالة ومن قريش وغير ذلك من الشروط ،
لكنه ليس بحاكم يُلعب به في الحكم فيكون حاكماً بلا حكم ما الفائدة منه ؟
لا بد أن يكون حاكماً أي ذا شخصيةٍ يستطيع بها تنفيذ حكمه ،
هذه الشروط الآن كم صارت ؟
عشرة شروط ،
واحدٌ منها شرطٌ للابتداء والاستمرار وهو الإسلام وأيضاً يُلحق به العقل ،
العقل لا بد منه لو أنه جُنّ لا بد من عزله يجب عزله و إقامة غيره ،
لكن إذا فسق بعد العدالة أو ضعف لكنه يستطيع تدبير الحكم فإنه لا تزول ولايته ،
هذه عشرة شروط ،
******************
178 – فكن مطيعاً أمره فيما أمر ،
ما لم يكن بمنكرٍ فيُحتذر ،
قوله : ( فكن ) : يعني أيها الإنسان ،
قوله : ( مطيعاً أمره ) : أمر من ؟ أمر الإمام ،
قوله : ( فيما أمر ) : يعني في كل ما أمر الإمام به لأن ( ما ) اسم موصول واسم الموصول يفيد العموم أي في جميع ما يأمر به ،
قوله : ( ما لم يكن بمنكر ) : فإن أمر بمنكر فلا طاعة له ،
والنصوص في هذا من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معلومة مستفيضة مشهورة ،
وتعليل ذلك : أنه لو عُصي الإمام لصار الناس فوضى ،
إذ لا فائدة في إمامٍ لا يُؤتمُّ به ، فلا بد من طاعة ولي الأمر لكن أقول : ما لم يكن بمنكر ،
والمنكر نوعان :
1 - إما فعل محرم ،
2 - وإما ترك واجب ،
فلو أمر بترك الواجب وقال لا تصلوا مع الجماعة فماذا نقول ؟(73/90)
لا سمعاً ولا طاعة ونصلي مع الجماعة ،
ولو أمر بمنكر بأن قال يا فلان في البلد نصارى كثيرون والنصارى لا يحرمون شرب الخمر افتح لهم معملاً من الخمر حتى يشربوا كما أنك تشرب البيبسي والكاكولا وأما أشبهها فدعهم يشربوا هل يطيعه ؟
لا يطيعه حتى ولو أمر ،
لأن هذا معصية لله عز وجل ،
وقد قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ( المائدة 59 ) ، ولم يعد الفعل لم يقل : ( وأطيعوا أولي الأمر ) ،
فدل ذلك على أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله ورسوله فإذا أمروا بالمعصية فلا سمع ولا طاعة ،
إن أكرهوا على المعصية مثل أن يقول احلق لحيتك وإلا حبسناك فماذا يقول ؟
تُباح المعصية للإكراه ،
لأن الله أباح الكفر للإكراه ،
لكن بشرط أن يكون القلب مطمئناً بالإيمان هذا أيضاً المعصية ،
إذا أمرك بها وأكرهك عليها فافعل بشرط أن يكون قلبك مطمئناً بأن هذا معصية لله ،
ولولا الإكراه ما فعلت وهذا من رحمة أرحم الراحمين سبحانه وتعالى أن الإنسان عند الإكراه يفعل ما أكره عليه ،
وهل إذا أكره على الفعل يفعله دفعاً للإكراه أو يفعله للإكراه ؟
قال بعض العلماء : لا بد أن ينوي أنه يفعله دفعاً للإكراه لا للإكراه ،
ولكن الصحيح : أنه ليس بشرط أنه يفعله دفعاً للإكراه ،
بل الشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان وبحكم الله عز وجل ،
لأنه كونه بذلك يريد بذلك دفع الإكراه لا يتسنى لكل أحد لا يتسنى إلا لطالب علمٍ يعرف ،
ثم إن طالب العلم قد يكون المقام لهوله وشدته منسياً له عن هذه الإرادة ،
فالصواب : أنه يفعله لماذا ؟
للإكراه لا اختياراً له لا لدفع الإكراه ،
الفرق يفعله لدفع الإكراه يعني لا يريد به إلا أن يدفع إكراه هذا الرجل لا يريد الفعل يفعله للإكراه يريد الفعل ، يريد الفعل لكنه مكره لا اختياراً للفعل ،
فالأول : ما نوى الفعل أصلاً إنما هو مدافع فقط يدافع الإكراه ،(73/91)
والثاني : نوى الفعل لكن من الإكراه وقلبه مطمئن ،
هناك مرتبة ثالثة : يفعل الفعل مع الاطمئنان إليه ،
فهذا له حكم الفاعل بدون إكراه ،
الثالث : قد يقول قائل إنه هذه مسألة فرضية ولا يمكن توجد ؟
لكن نقول قد توجد نقول الرجل هذا قد يكره المعصية التي أمر بها لكن يجعل الإكراه سبباً مبيحاً هو يريد المعصية لكنه قبل الإكراه لا يفعلها فيجعل الإكراه سبباً لاستباحتها ،
مثلاً : لو فرضنا أن رجلاً يحب الزنا والعياذ بالله ويريد لكن ما دام لم يُحرك فهو مجتنب له فإذا جاءه أحد يكرهه سواءٌ من المرأة نفسها أو من غيرها فَعَلَهُ حباًّ له وتعلل بأنه مكره وهذا أمرٌ يقع ،
ولذلك قال الفقهاء رحمهم الله : إن الرجل لو أكره على الزنا فزنا فإنه تجب إقامة الحد عليه ولو أكرهت المرأة لم تجب إقامة الحد عليها [110] ،
إذا أكره الرجل على الزنا فزنا أقيم الحد عليه وإذا أكرهت المرأة فزنت لا يقام الحد عليها لماذا ؟
قالوا : لأن الرجل لا يمكن أن يجامع إلا إذا انتشر ذكره ولا انتشار إلا بإرادة فكان هذا الرجل جاهز لكن يخشى من اللوم يعني يريد الزنا ويريد الوطء لكنه يخشى من اللوم فلما أكره قال هذا مرادي ففعل ،
على كل حال المكره إما أن يفعل ما أكره عليه لدفع الإكراه أو للإكراه مع كراهته للشيء أو للإكراه مع محبته للشيء ويكون هذا الإكراه سبب ضعيف لكنه له هوى ،
الأسئلة
السؤال : ( غير واضح ) ؟(73/92)
الجواب : هل أنت تعرف كتب الفقه ؟ أنا أسألك ؟ إن كنت لا تعرفها فكيف تسأل عما لا تعرف ؟ وإن كنت تعرفها فكتب الفقه عبارة عن مسائل مبينة على دلائل ، مسائل يكتبها العلماء مستنتجة من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة لكن ليست هي أسئلة يأتي الواحد يسأل في أمرٍ غيبي ليس فيه اجتهاد وأنا قلت لكم الأمور الغيبية أليس كذلك ؟ الأمور الغيبية فيما يتعلق بالله واليوم الآخر وما أشبه ذلك أما الأمور الاجتهادية فاسأل ، الذهن ليس له حد في الأمور الاجتهادية ،
السائل : يعني نقيد ذلك بالأمور الغيبية ؟
الجواب : ذكرناها وقيدناها مراراً وتكراراً ،
السؤال : من المعلوم أنه يحسن مخاطبة الناس بالتوحيد والصلاة وأمور الدين الواضحة فهل يحسن أيضاً مخاطبة من كان معهم في مثل هذا الأمر من حقوق ولي الأمر وما ينبغي له أم أنه يترك الأمر والمجال إذا أتى ؟
الجواب : لا ، هذه لا بد لها من شروط لأن كثيراً من الناس الآن لو إنسان يتكلم بما يجب عليه في ولي الأمر مما هو حقٌّ له وحقٌّ عليه اِتُّهِمْ ،
لأن الناس بعضهم غوغائي مع كل ناعق .
فلو قال : إن ولي الأمر يلزمه كذا ويلزم الرعية كذا وكذا ، اِتُّهِمْ .
وقالوا : هذا منحاز وهذا محابي وهذا مداهن وما أشبه ذلك ،
اليوم القول بالهوى أكثر من القول بالهدى وهذا فيه نوع من الفتنة لكن على الإنسان في مناسبة كما قيل عن عمر رضي الله عنه : إذا تكلم أسمع وإذا ضرب أوجع فأنت إذا تكلمت اجعل كلامك يكون رصيناً ،
السؤال : يتكلم ابتداءً أو بالمناسبة ؟
الجواب : لا في المناسبة لئلا تُتَّهم لكن إذن من المناسبة إذا كَثُرَ الخوض وكثر الكلام وما أشبه ذلك فمن المناسبة أن تتكلم ،
السؤال : هل يجوز للعالم أن يحدث قولاً جديداً في مسألة اختلف فيها الصحابة على عدة أقوال ؟
الجواب : مثل ماذا ؟
السؤال : ما يحضرني الآن ؟(73/93)
الجواب : نقول : إن هذا القول الذي يُحدثه إن كان داخلاً في الأقوال فلا بأس إذا كان خارجاً فلا ، داخلاً في الأقوال ،
افرض مثلاً اختلف الصحابة في مسألة أحدهما ينفي والثاني يثبت فجاء إنسان وفصَّل ، فصَّل في المسألة ،
مثلاً : القول بوجوب الوتر :
قال بعض العلماء : إن الوتر واجب [111] ،
وقال بعضهم : ليس بواجب [112] ،
وفصَّل قوم وقالوا : من كان له وردٌ من الليل يعني صلاةٌ من الليل يجب عليه الوتر [113] ،
لقوله : ( اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ) [114] ، ومن لم يكن فلا يجب عليه الوتر ،
فمثلاً : إذا اختلفوا على قولين فإنه لا يجوز إحداث قولٍ ثالث ،
إلا إذا كان القول الثالث لا يخرج عن القولين ،
السؤال : لو قال قائل : ما هي الحكمة لنا ونحن لسنا أئمة ولا مسؤولين أن ندرس مثل هذا ؟
الجواب : سأسألك هل الرجال يحيضون ؟
السؤال : لا ،
الجواب : لا يحيضون ، إذن ما الفائدة أن ندرس الحيض ؟
السؤال : لأنهم يلابسون من يحيض ،
الجواب : ما يخالف ما تزوجوا ؟
السؤال : أمهاتهم وأخواتهم ،
الجواب : ما لهم دخل فيهم ؟
السؤال : لا لهم دخل فيهم ،
الجواب : لا أبداً ،
السؤال : هذه واضحة ،
الجواب : حتى هذه أيضاً واضحة إذا عرفت أن الإمام عليه هذا الحق ولم يقم به أناصحه وأعرف حقه ولهذا الواقع أن علينا أن نعرف ما على الإمام وما على الرعية حتى يقوم الإنسان بما يجب عليه ،
السؤال : ( السؤال غير واضح ) ؟
الجواب : بأي شيء كل ما يشتهر به لكن لو كان الإنسان من غير هذا البلد وبقي على لباسه في بلده ، هل يكون هذا شهرة ؟ لا بل قد يكون في هذا ميزة نعرف أن هذا الرجل من البلد الفلاني ،
السؤال : إذا الإمام ضيَّع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهل يكون ( كلمة غير واضحة ) الرعية بهذا الأمر بهذا الأمر ؟
الجواب : نعم لا بد أن يقوموا به لكن ليس لهم حق التغيير لأنهم لا يستطيعون ذلك ،(73/94)
السؤال : هل يمكن أن يأتي زمان يخلو من إمام يقوم بمسؤولياته ؟
الجواب : أما الإمامة العامة فيمكن وهذا حصل من زمن الصحابة ، من زمن الصحابة خلت الأمة الإسلامية من إمام عام ،
فمثلاً : ابن الزبير في مكة وبنو أمية في الشام وجماعة آخرون في العراق يعني من زمان هذا ،
ولو قلنا : إنه لا تثبت الإمامة ولا تجب طاعة ولاة الأمور الذين في كل صُقْعٍ من الأرض ما بقي للناس الآن أئمة ،
فالإمامة العظمى واجبة بقدر الإمكان ،
لكن إذا لم يمكن كوقتنا الحاضر وما قبله بأزمانٍ كثيرة فكل من تولى على جهة فهو إمامهم ،
السؤال : بالنسبة لحد القذف إذا عفا عنه صاحبه فهل يسقط ؟
الجواب : هذه المسألة فيها خلاف :
فذهب جماعةٌ من العلماء ومنهم الظاهرية : إلى أنه حقٌّ لله [115] ،
وقالوا : إن القاذف يُقام عليه حدُّ القذف سواءٌ طالب المقذوف أم لم يطالب ،
وقالوا : إذا كان المقذوف لا يبالي بنفسه فنحن نبالي به لأنه مسلم ولا نريد أن يكون المسلمون محلاًّ للقذف ،
والآية عامة : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } ( النور 4 ) ، كقوله : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } ( النور 2 ) .
وبعضهم يقول : إنه حقٌّ للمقذوف [116] ،
ولا يُقام إلا بطلبه لاحتمال أن يكون المقذوف قد عرف من نفسه أنه ليس بمحصن ،
لأن من شرط إقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف محصناً ،
وقد يكون المقذوف عرف من نفسه أنه غير محصن أنه والعياذ بالله يزني ليس عفيفاً ،
وحينئذٍ تكون إقامة الحد على القاذف جنايةً وظلماً ،
السؤال : كيف نجمع بين ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : نقول : إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا لقيتموهم في طريقٍ فاضطروهم إلى أضيقه ) [117] ، ليس معناه أنني إذا وجدت اليهود والنصارى في الطريق أني أرصه على الجدار ،
بل المعنى ألا تتمايزوا للتوسعة عليهم ،(73/95)
ويدل لهذا المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يعاملون اليهود الذين في المدينة كما يفهمه بعض الناس من الحديث ،
فمعنى : ( فاضطروهم إلى أضيقه ) أنه إذا كان الطريق مثلاً فيه فسحة وفيه ضيق نجعلهم هم يمشون مع الضيق ،
مثلاً : التقى بالشارع جماعة من المسلمين وجماعة من اليهود أو النصارى العادة أن أحد الجماعات يُوسِّع للأخرى ،
نقول : لا توسعوا لهم دعوهم هم الذين يضطرون ويمشون على واحد واحد ،
هذا معنى الحديث ،
السؤال : بارك الله فيكم العقيدة السفارينية تكلم أحد طلاب العلم المعتبرين بأنها عقيدة غير عقيدة أهل السنة وأنه من المتكلمين فهل هذا حق ؟
الجواب : لا شك أن كل إنسان له أخطاء إلا من شاء الله ،
السفارينية فيها كلمات يعني تُنتقد ،
ولكن إذا كانت مسألة من آلاف المسائل منتقدة هل يقال : إن الرجل خرج عن أهل السنة والجماعة ؟ أو خرج عن السلفية ؟
وما ندري لعل هذا القائل هو الذي خرج عن السلفية ،
إذ أن السلف يغتفرون قليل الخطأ في كثير الصواب ويحكمون بالقسط ،
أما أن يحكم بالجور وإذا أخطأ إنسانٌ ما في مسألة وتبع فيها مذهباً مبتدعاً في هذه المسألة قيل هذا من هؤلاء هذا أشعري ولا يُؤخذ قوله هذا ليس من طريق السلف ،
السلف الصالح رضي الله عنهم ينظرون بين الحسنات والسيئات ويحكمون بالقسط ،
والعقيدة هي سلفية لكن فيها أخطاء لا شك فيها أخطاء ،
مثل : وصف القرآن بالقدم .
وفيها أيضاً بعض المسائل الأخرى نبهنا عليها في الشرح فيما سبق ،
السؤال : الخراج المضروب هل يمكن أن يُزاد أم هو ثابت ؟
الجواب : اختلف العلماء فيما وضعه عمر رضي الله عنه :
فمنهم من قال : لا يُزاد على ما وضعه عمر لأنه له سنةً متبعة ،
وأما ما وضعه الخلفاء بعده فإنه لا بأس أن يُزاد أو يُنقص عليه ،
والمرجع إلى رأي الإمام في هذه المسألة ،
قد تكون الأراضي مثلاً مرتفعة الأسعار فيزيد في الخراج وقد تكون بالعكس وينقص ،(73/96)
السؤال : بالنسبة لمن يدعو إلى منهج كفري على رؤوس العوام والإمام ما اتخذ معه أي موقف فهل يجب على أهل هذا البلد أن يتخذوا معه موقف معين أم يتركوا هذا للمصلحة للإمام مع أنهم … ؟
الجواب : لا ، يجب رد الباطل يجب ،
كل إنسانٍ يعلن نفاقه يجب أن يُرد عليه علناً ، ولا يمكن أن يُقر الخطأ لكن ليس لهم أن يقمعوا هذا بالقوة لأن هذا افتياتٌ على الإمام لأنه يحصل فيه من الفوضى والشر أكثر مما يحصل من الخير ،
السؤال : بالنسبة للبيت ( والصرفِ ) أو ( والصرفَ ) ؟
الجواب : ( والصرفِ ) ،
السؤال : في بعض النسخ مكتوب ( والصرفَ ) ؟
الجواب : لا ( والصرفِ ) معطوفة على ( ويعتني بالغزو ) يعني : ويعتني بصرفه في منهاج ، و ( وقهره ) معطوف بـ ( بالنص ) يعني نصبه بالنص والإجماع وقهره لكن في الحقيقة بالنسبة لقهره هو ما نُصب لكن انتصب ،
السؤال : في بعض البلاد مثلاً يعني التي يتسلط فيها أعداء الإسلام الملحدين ونحوهم ، يحاولون مثلاً إزالة من كان موجوداًَ من المسلمين مثلاً من الجيش فيفرضون عليهم يقولون مثلاً : إما أن تحلقوا اللحى وإما لا حق لكم في الجيش ولا مكان لكم في الجيش ، فيكون مثلاً الواحد يريد أن يبقى في مكانه يحافظ على الإسلام ويفعل هذا وقلبه مطمئن هل يجوز هذا ؟
الجواب : هذه المسألة مشكلة ،
يعني مثلاً يقول هذا الفاسق نسأل الله ألا يولي الفاسقين على المؤمنين يقول هذا الفاسق لازم تحلق لحيتك وإلا اخرج من الجيش ،
فهذا الرجل يقول : إن خرجت من الجيش حلَّ محلي فاسق أو مبتدعٌ خطر على الإسلام مع حلق اللحية ،
وإن حلقت اللحية وبقيت بذلك مصالح كثيرة لو لم يكن منها إلا دفع هذا المبتدع الفاسق الشرير أن يكون في هذا المقام الخطير لأنه أخطر ما يكون في الجيش ،
أنا أتردد فيها في الحقيقة أحياناً أقول : اخرج من الجيش لا خير في جيشٍ ينبني على معصية الله ،(73/97)
وأحياناً أقول هذا أمرٌ واقع فيجب أن نقدِّر الأمور بواقعها وأن نخفف بقدر الإمكان فهذا الرجل إذا حلق لحيته معصية لا شك وليست معصية بالإجماع أيضاً لاحظوا هذه ،
لأن من العلماء من يقول : إن حلق اللحية مكروه وليس بحرام أفهمتم ،
فيقول هذا الرجل : أنا إذا حلقت اللحية بقيت في مكاني أمرت بمعروف نهيت عن المنكر وربما تكون الدولة فيما بعد لأهل الخير لكن إذا تخلى أهل الخير جاءنا من يحلق اللحية ومن يفسد الجيش بعقيدته أو أخلاقه فما رأيكم في هذه المسألة ؟
أنا متأرجح أحياناً أقول : لا تكن في الجيش وأحياناً أقول في فكري كيف تمنعهم من الجيش وهؤلاء رجالٌ طيبون ؟ إذا منعتهم حلَّ محلهم من الفساق والفجار والمبتدعة والذين هم خطر على الإسلام ،
السؤال : نؤمر ( كلمة غير واضحة ) الموسيقية مثل تحية العَلَم ، وقد نؤمر أحياناً بقتال المسلمين فما رأيكم ؟
الجواب : أما تحية العَلَم فلا نسلِّم أنها شرك تحية العَلَم ليست بشرك هل سجد له ؟ هل ركع له ؟ هل ذبح له ؟ حتى التعظيم بالسلام هل هو شرك ؟ ليس بشرك ثم بإمكان الإنسان أن يقول كذا للعلم وهو يقول : قبحك الله ، نعم الكلام على النية ،
السؤال : لو خلع غطاء الرأس ألا يكون ( كلمة غير واضحة ) ؟
الجواب : ما يخالف أخلع غطاء الرأس لأن هذا ليس أهلاً بأن اتخذه زينةً عنده ، غطاء الرأس زينة ، { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } ( الأعراف 31 ) ، فهذا العلم ليس أهلاً لأن أكمِّل زينتي عنده أخلع غطاء الرأس ولو كان عندي سروال ثاني لخلعت السروال الأول إهانةً له ما دامت المسألة بالنية يا إخوان ما دامت المسألة بالنية أنا أقول : لا نفرِّط في المصالح ،
الآن مسألة الموسيقى مثلاً في بعض الجيوش لازم الموسيقى يعني بدل من أن يسبح الله في الصباح يأتي بمزمار الشيطان في الصباح ،(73/98)
الموسيقى الآن هل نقول اترك الجيش الذي فيه خير ومصلحة وأنت رجل من أهل الخير والصلاح من أجل هذه الموسيقى ؟
لا تتركها ابن عمر كان إذا سمع زمَّارة الراعي وضع إصبعه في أذنه اجعل عندك قطنة محكمة تماماً وَسُدَّ أذنيك هذه واحدة ،
الشيء الثاني : من علماء المسلمين من أجاز الموسيقى ،
وأنا لا أقول هذا إقراراً ،
لكن أقول هذا لئلا نذهب بعيداً ونجعل أشياء موضع خلاف المسلمين نجعلها من أكبر الكبائر نجعلها من التي لا تُغتفر أبداً ،
فالحاصل أني أقول : يجب أن ننظر المصالح والمفاسد أنا عندي لو بقي الجيش على استعمال الموسيقى وحلق اللحية وتحية العلم وقتال المسلمين لا شك أن هذه منكرات ،
لكن إذا تخلى أهل الخير عن هذا من يأتي ؟
يأتي أهل الشر الذين يفعلون هذا وزيادة ،
وقد سئل شيخ الإسلام عن شخص يريد أن يكون المكوس وفي المكوس ظلم يعني الجمارك ظلم فقال : إن كان فيها من أجل تخفيف الظلم فلا بأس [118] ،
انظر كيف نظر للمصلحة العامة ؟
هو سيمارس بعض الظلم لكن يريد أن يخفف ،
يُنظر للمصلحة العامة ،
إلا في مسألة خلق اللحية فأنا أتأرجح فيها،
أما مسألة الموسيقى فهي منفصلة عن البدن فلا يهم ،
الإنسان في الموسيقى يسد أذنيه وفي تحية العَلَم ومثل ما قلت لكم قبل قليل وتنزيل الطاقية وما أشبه ذلك أيضاً يمكن أن يقصد بذلك الإهانة وإن كان عند هؤلاء أن هذا إكراه ،
لكن المشكلة الذي يتعلق ببدنه وهي حلق اللحية ،
فهل نقول : إن هذا ذنبٌ مغتفر في جانب المصالح لأن الشريعة الإسلامية شريعة عدل ومقارنة بين المصالح والمفاسد ،(73/99)
أو نقول : هم أمروا بمعصية الله فلا طاعة لهم ولا خير في جيشٍ ينبني على معصية الله وكل جيشٍ ينبني على المعصية فمآله الخذلان لأن الله تعالى إذا خذل الصحابة في غزوة أحد مع أنهم ارتكبوا مخالفة واحدة مع التنازل قال : { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون } ( آل عمران 152 ) ، يعني حصل ما كنتم تكرهون ،
فالحاصل إني أنا والله متأرجح فإن أعنتموني على ترجيح أحد من هذين الاحتمالين فهذا طيب ،
ولكن ليكن عن تروي ليس الآن ، الآن نعرف أن أكثركم يقول : لا ، لا ، ما فيه حلق لحية ،
السؤال : الواحد يُتاح له أن يمارس الدعوة ويمارس كل نشاط دعوي ولا يُحرم ولا يكون عليه رقيب ويصلح الله به عباداً كثيرين وفي مناطق يكون عبدالمأمور يعني لا يعمل شيء وإنما هو نفسه قد يقع في محظورات أكبر وأكبر فهل الفتوى قد تتغير ( يوجد كلمات غير واضحة ) ؟
الجواب : ليس فيه شك هذا مُسَلَّم بارك الله فيك ،
فصلٌ
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامة هذه الأمة ورمز شرفها وفضلها ،
لقول الله تبارك وتعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ( آل عمران 110 ) .
حتى إن بعض العلماء ذكره من أركان الإسلام هو والجهاد [119] لأنه أمرٌ عظيم لا تقوم الأمة إلا به ولا يحصل الائتلاف إلا به ،
قال الله تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ( آل عمران 104 – 105 ) .
فدل ذلك على أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب الاختلاف وهو ظاهر لأننا إذا جعلنا هذا يعمل على ما شاء وهذا يعمل على ما شاء وهذا يعمل على ما شاء تفرقت الأمة ،
فإذا أُلزمت الأمة جميعاً على العمل بدين الله ائتلفت واتفقت ،(73/100)
وهذا هو السر في قوله : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } ، بعد قوله : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف } .
ولا بد هنا أن نعرف ما هو المعروف ؟ وما هو المنكر ؟
المعروف ما عرفه الشارع وأقره وأمر به فهو كل ما أمر الله به فهو معروف والمنكر ما نهى الله عنه ، كل ما نهى الله عنه فهو منكر ،
هل لأن الشرع نهى عنه وأنكره أو لأن الشرع أنكره والنفوس السليمة والفطر تنكره أيضاً ؟
الثاني يعني يُجمع بين هذا وهذا ،
فالشرع أنكره والنفوس السليمة والعقول المستقيمة كذلك تنكره ،
قال بعض العلماء : إن الله لم يأمر بشيءٍ فقال العقل : ليته لم يأمر به ولم ينهَ عن شيءٍ فقال : العقل ليته لم ينهَ عنه ،
يعني أن المأمورات موافقة ومطابقة للعقول الصريحة ، وكذلك المنهيات ،
لكن العقل لا يمكن أن يحيط بتفاصيل المصالح والمفاسد حتى يستقل بالأمر والنهي ولذلك لا بد من الشرع ، والإنسان إذا لم يقس الأمور بالشريعة ضلّ ،
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما حكمه ؟
حكمه فرض كفاية إن قام به من يكفي سقط عن الباقين وإن لم يقم به من يكفي تعين على الجميع [120] ،
لقول الله تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } .
و ( من ) هنا :
قيل : إنها للتبعيض يعني وليكن بعضكم ،
وقيل : إنها لبيان الجنس فتكون للعموم ، يعني كونوا أمةً تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله ،
وإذا تتبعت موارد الشريعة عرفت أنه فرض كفاية ،
لكن من رأى المنكر فَلْيَنْهَ عنه ومن رأى الإخلال بالمعروف فليأمر به ،
لكن هل إذا رأيتُ زيداً ينهى عن منكر ، أقول أنا إذن أيضاً أنهى عنه ؟
لا لأنه حصل فيه الكفاية ،
إلا إذا رأينا الذي أنكر عليه لم يمتثل فحينئذٍ يتعين أن يُساعد هذا الناهي ،
******************
179 – واعلم بأن الأمر والنهي معا ،(73/101)
فرضا كفايةٍ على من قد وعى ،ت
قوله : ( واعلم ) : إذا صُدِّرت الجملة بـ ( اعلم ) فهو دليلٌ على الاهتمام بها والعناية بها ،
ومن ذلك : قوله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } ( محمد 19 ) .
وقوله تعالى : { اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم } ( المائدة 98 ) .
{ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد } ( الحديد 20 ) .
فتصدير الجملة بكلمة ( اعلم ) يدل على أهميتها والعناية بها ،
المؤلف رحمه الله صدَّر هذا الحكم أي حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله : ( واعلم ) يعني أيها المخاطب بـ ( أن الأمر والنهي معا فرضا كفايةٍ ) ،
قوله : ( الأمر والنهي ) : الأمر بماذا ؟ الأمر بالمعروف ، والنهي عن ماذا ؟ النهي عن المنكر ،
قوله : ( معاً ) : أي جميعاً ،
قوله : ( فرضا كفاية ) : ( فرضا ) خبر ( أنَّ ) مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى ،
وقد قيل : إن مثل هذا التعبير غير صحيح وذلك لأن ( فرض ) مصدر والمصدر لا يُجمع ولا يُثنى حتى وإن وقع خبراً أو وقع وصفاً ،
قال ابن مالك رحمه الله :
ونعتوا بمصدرٍ كثيراً ،
فالتزموا الإفراد والتذكيرا [121] ،
لكن يسهِّل تثنيته أو جمعه يسهِّل ذلك بمعنى اسم المفعول ،
واسم المفعول يُجمع ويُثنى ويُفرد ،
فمعنى ( فرضا كفاية ) أي مفروضا كفايةٍ وعلى هذا سَهُلَ أن يُثنى وهو مصدر ،
قوله : ( فرضا كفاية ) : معناه معنى فرض الكفاية أنه يُقصد حصول الفعل بقطع النظر عن الفاعل ،
فإذا وُجد الفعل فلا يهمنا الفاعل أن يكون واحداً أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر ، المهم أن هذا الفعل يوجد ،
ومعلومٌ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُقصد إيجاده فقط بقطع النظر عن القائم به ،(73/102)
وحدَّه أهل العلم بقولهم فرض الكفاية : ( هو الذي من قام به من يكفي سقط عن الباقين ) [122] ،
واختلف العلماء رحمهم الله : أيهما أفضل فرض الكفاية أو فرض العين ؟ [123]
فقال بعضهم : فرض الكفاية أفضل ،
لأن الإنسان يقوم به عن نفسه وعن غيره ،
وأما فرض العين فلا يقوم به إلا عن نفسه ،
ولكن الصحيح : أن في ذلك تفصيلاً :
فأما من حيث التأكد ومحبة الله للفعل ففرض العين أفضل ،
ولذلك أوجبه الله على كل واحد ،
وأما من حيث أن القائم به أي فرض الكفاية قام عن الباقين فهو أفضل ،
لأنه أسقط به الفرض وعن غيره ،
قوله : ( على من قد وعى ) : أي على من كان واعياً أي عاقلاً ،
لم يذكر المؤلف رحمه الله إلا شرط العقل ،
ويمكن أن يقال : المراد بالوعي ما هو أعم من العقل ،
بل المراد العاقل العالم ،
وذلك لأن شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكثر مما ذكره رحمه الله ،
فمن الشروط :
أولاً : أن يكون الإنسان عالماً بأن هذا منكر يعني أنه قد أنكره الشرع ،
فلا يجوز أن يحكم بالذوق أو بالعاطفة أو ما أشبه ذلك لأن المرجع في هذا إلى الشرع ،
فلا بد أن تعلم أن هذا مما أنكره الشرع ،
فمثلاً : أول ما ظهرت مكبرات الصوت في المساجد أنكرها بعض الناس وقال لا يمكن هذا حرام هذا هو بوق اليهود تماماً فهل نحن إذا صلينا نتشبه باليهود في عباداتنا ؟
الجواب : لا لكن المشكل هل هذا من أبواق اليهود ليس هذا إلا نقل الصوت على وجهٍ أوسع فقط وكما أن الإنسان يضع نظارةً على عينه فتكبر الحروف هذا يضع أمامه لاقطة مكبر تكبر الصوت ولا فرق لا بد أن نعلم أن هذا محرم رأينا أيضاً من يقول : يحرم على الإنسان تحريماً باتاًّ قاطعاً ،
قد يقول أنه يُعلم بالضرورة من الدين قد يقول ،
وقد لا يقول : أن يستمع الإنسان إلى القرآن من الشريط المسجل لماذا ؟
قال : لأن الشريط المسجل ليس له أجر وأنت لا بد أن تستمع إلى إنسان يُؤجر فتُؤجر معه تعاليل عليلة هل هذا صحيح ؟(73/103)
ولذلك رأينا بعض الناس ينكرون هذا حتى على أهله إذا دخل البيت وسمع المرأة تستمع إلى القرآن ، قال : صكيه ،
إذن لا بد أن نعلم أن هذا شيءٌ أنكره الشرع ،
بقي علينا إذا كان هذا منكراً في رأينا لكنه ليس منكراً عند غيرنا ونحن نعلم أن هذا الرجل الذي تلبَّس بما رآه محرماً يرى أنه حلال فهل يلزمنا أن ننكر عليه ؟
الجواب : لا ، لا يلزمنا ما دامت المسألة فيها مساغٌ للاجتهاد فإنه لا يلزمنا ،
مثال ذلك : رأينا رجلاً يرمي في الليل رمي الجمرات ونحن نرى أنه لا يُرمى بالليل في أيام التشريق ورأينا رجلاً يرمي ونعرف أن هذا الرجل يرى هذا الرأي أي يرى أنه يجوز الرمي ليلاً فهل يجب علينا أن ننكر عليه ؟
لا المسألة فيها يعني فيها مجال للاجتهاد فلا ننكر عليه ،
رأينا رجلاً يشرب الدخان وهو يرى أنه حلال يجب أن ننكر عليه ؟
لا ، لا يجب ما دمنا نعلم أنه يقول حلال فلا يُنكر عليه ،
لأن هذا فيه مساغ للاجتهاد ،
لكن رأينا امرأةً كاشفةً وجهها وهي ترى أنه يجوز كشف الوجه للرجال الأجانب ، هل ننكر عليها ؟
لا ننكر هي تعتقد أن هذا هو الدين فلا ننكر عليها ،
لكن لنا أن نمنعها إذا كانت في بلدٍ محافظ وأهله يرون أنه لا بد من تغطية الوجه ،
يجب أن نمنعها ليس من جهة أنه في الشرع حرام عليها لا هي تعتقد أنه حلال ،
لكن هذا من جهة أن هذا يفسد علينا النساء فلنا أن نمنعها ،
ولهذا قال العلماء رحمهم الله : يجوز أن نقر أهل الذمة على شرب الخمر ما لم يعلنوه في أسواقنا فإن أعلنوه منعناهم للإعلان لا لأنه حرام لأنهم يعتقدون أنه حلال ،
وهذه المسألة يجب التفطن لها صحيح أننا لا ننكر على غيرنا اجتهاده ،
ما دامت المسألة فيها مساغ للاجتهاد ،
لكننا نمنع ما يكون ضرراً علينا أن يُظهر بين شعبنا مثلاً ،
إذن لا بد أن نعلم أن هذا منكر ،(73/104)
ولا بد أيضاً أن يكون الذي ننكر عليه يرى أنه منكر فإن كان لا يرى أنه منكر وهو مما يسوغ فيه الاجتهاد فإنه لا يلزمنا أن ننهى عنه ،
لأن الدين يُسْر والصحابة وهم أَجَلُّ منا قَدْراً وأحب للائتلاف والاجتماع منا لا ينكر بعضهم على بعضٍ في مسائل الاجتهاد ،
وإن كان الحاكم منهم الذي يتولى الحكم قد ينكر على غيره الاجتهاد خوفاً من أن يشيع في المجتمع ،
كما أنكر أظنه عبدالله بن الزبير على عبدالله بن عباس في مسألة المتعة [124] ،
لأن عبدالله بن عباس رضي الله عنه يرى جواز المتعة للضرورة [125] ،
ولكن القول الذي عليه أهل العلم عامةً أو أكثرهم : أنه لا يجوز للضرورة ولا لأن يمكن للإنسان أن يعقد النكاح ،
الشرط الثاني : أن نعلم أن هذا الفاعل فاعلٌ للمنكر وهو منكرٌ في حقه ،
لأنه قد يكون منكراً عندنا وعنده لكنه في حالٍ يُباح له أن يمارس هذا المحرم يُشترط أن نعلم أن هذا الفاعل للمنكر قد فعله وهو منكر في حقه ،
مثال ذلك : إنسان يأكل لحم ميتة لحم الميتة حرام عند الجميع لكن هذا الرجل مضطر إن لم يأكل مات ، هل ننكر عليه إذا أكل ؟
لا ،
إذن لا بد أن نعلم أن هذا الفاعل للمنكر قد فعله في حقه ،
وكذلك نقول : الأمر في المعروف والنهي عن المنكر ،
نقول في الأمر بالمعروف : لا بد أن نعلم أن هذا التارك للمعروف تركه وهو معروفٌ في حقه ،
ولهذا لما دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب جلس هل قال به قم فَصَلِّ ركعتين أو سأله أولاً هل صلى أو لا ؟ سأله أولاً قال ( أصليت ) قال : لا ، إذن لا آمر بالمعروف حتى أعرف أنه تركه في حال يُؤمر فيها ، لأني قد أقول : قم صل ، فيقول : صليت ،
افرض أني رأيت رجل دخل المسجد وغاب عني ثم رأيته قلت : صل ، قال : صليت ، يقال أني تسرعت أم لا ؟
يقال : تسرعت ، أسأل أولاً : هل صلى ؟ إذا قال : نعم ، انتهى الأمر ، إذا قال : لا ، قلنا : قم صل ركعتين ،(73/105)
فصار لا بد أن نعلم أن هذا منكر وأن فاعله يرى أنه منكر وأن نعلم أنه فعل المنكر وهو منكرٌ في حقه ،
وكذلك يقال في الواجب : لو أن رجلاً أكل لحم الإبل وقام يريد أن يصلي وضوءه من لحم الإبل معروف أو منكر ؟ وضوؤه من لحم الإبل معروف لكن هل آمره وأنا اعلم أنه لا يجب الوضوء منه ؟
لا آمره لأنه يقول أنا لا أرى الوجوب ،
إذن لا بد أن نعلم أن هذا التارك للمعروف يرى أنه معروف ،
أما إذا كان لا يرى أنه معروف ويقول : الأمر ليس للوجوب فلي أن آمره نعم لي أن آمره على سبيل الاستحباب ،
أقول : يا أخي أنت لا ترى أنه واجب لكن أليس الأحوط والأولى بك أن تتوضأ ،
الشرط الثالث : ألا يزول المنكر إلى أنكر منه ،
وفي هذا المقام تكون أربعة أحوال : إذا نهينا عن المنكر :
1. إما أن يزول بالكلية ،
2. أو يقل ،
3. أو ينتقل إلى مساوٍ ،
4. أو ينتقل إلى أشد ،
يتغير إلى مساوٍ أو يتغير على أشد ،
كم الأقسام ؟
أربعة :
الأول : أن يزول بالكلية يعني إذا نهينا عنه زال تركه ،
الثاني : أن يقل ،
الثالث : أن يتغير إلى مثله ،
الرابع : أن يتغير على أنكر منه ،
فالنهي عن هذا المنكر واجبٌ لأن إزالة المنكر ،
والتقليل منه واجب فيجب أن ننهى ،
الحال الثالثة : أن يتغير إلى مثله ،
مثل : نهينا زيداً عن السرقة من علي فذهب يسرق من خالد تغير المنكر الآن ،
لكن إلى مثله مساوي هل ننهاه ونحن نعلم أنه لا بد أن يفعل كذا ؟
لا ، ما ننهاه ،
فلو أن سلطاناً جائراً يريد أن يضرب ضريبة على التجار ضرب على هذا الرجل ، قلنا : ننهاه عن الضريبة لأنها حرام قال : طيب حرام أني آخذه من زيد ، قال : ما عليه خلُّوه يقعد نأخذ من علي ،
ماذا نقول ؟
لا ننهاه لأنه لا فائدة من النهي ،
لو قال قائل : ألا يمكن أن يكون تغير من حالٍ إلى حال سبباً لإقلاعه عنه ؟
قلنا : إن صح ذلك وجب النهي ،
أما إذا لم يصح فيقال ليس بواجب ،(73/106)
لكن هل يُخيَّر الإنسان بين أن ينهى أو يترك أو الأرجح النهي أو الأرجح الإمساك ؟
الظاهر : أنه يُنظر للمصلحة ،
الحال الرابعة : أن يزول أو أن يتغير إلى أنكر منه ،
فمثلاً : رجل رأيناه ينظر إلى النساء وعرفنا أنه أحمق ونعلم أننا لو نهيناه عن النظر للنساء ذهب يغمزهن أيهما أنكر ؟ الثاني ، هل ننهاه عن النظر ؟ لا ، لا ننهاه عن النظر ،
ويدل لذلك : قوله تبارك وتعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } ( الأنعام 108 ) .
وجه الدلالة : أن سب آلهة المشركين خير وواجب ،
فإذا كان يتضمن شراًّ أكبر من ترك سبهم قلنا : اترك سبهم ، وما هو الأمر الأكبر ؟
الأمر الأكبر أنهم يسبون المنزه عن كل عيب وهو الله عز وجل يسبونه عدواً بغير علم ونحن إذا سببنا آلهتهم سببناها حقاً بعلم سببناها عدلاً بعلم ليس عدوا بل هو عدل لكن لما كان هذا يتضمن شراًّ أكبر نهى الله عنه ،
مر شيخ الإسلام رحمه الله بجماعةٍ من التتار يشربون الخمر ويسكرون ومعه صاحبٌ له وكان شيخ الإسلام رحمه الله لا تأخذه في الله لومة لائم جعلنا الله وإياكم ممن يتبعون آثار الصالحين فقال له صاحبه لماذا لم تنههم ؟ قال هم الآن يشربون الخمر وضررهم على أنفسهم لكن لو نهيناهم وصاروا صاحين لذهبوا يفجرون بنساء المسلمين ويأخذون أموالهم أيهم أعظم ؟ الثاني أعظم دعهم يشربون الخمر ولا يعتدون على المسلمين ،
وهذا من فقهه رحمه الله وهو واضح عند التأمل ليس فيه إشكال ،
فتبين الآن أنه يُشترط ألا يتحول المنكر إلى ما هو أنكر منه ،
فإذا كان كذلك حَرُمَ النهي يحرم النهي لأن كونه ينتقل من مفسدة إلى أعظم هذا حرام فالشروط إذن العلم بأن هذا منكر العلم بحال الرجل أنه ارتكبه وهو منكر في حقه العلم بأنه ارتكب منكراً وهذا غير العلم بأنه ارتكب منكراً في حقه انتبهوا للتفريق أليس كذلك ؟ ،(73/107)
الرابع : إذن ألا يزول أو ألا يتغير إلى أنكر منه فإن تغير إلى أنكر منه فإنه لا يجوز أن يُنكر ،
قول العلماء أو بعض العلماء : لا إنكار في مسائل الاجتهاد [126] ، هل هي مبنية على ما ذكرنا من الشروط ؟
نعم ، مبينة على ذلك ،
لأن المسائل الاجتهادية ليس فيها إنكار ما دام يسوغ فيها الاجتهاد ،
أما ما لا يسوغ فيه الاجتهاد فإنه يُنكر على فاعله ،
ولو قال : أنا أداني اجتهادي إلى كذا وكذا ، يقال : لا محل للاجتهاد هنا النص في هذا صريح ؟
فلو قال قائل : في قوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } ( المائدة 3 ) ، قال : كل ميتة الظبي والأرنب ولا حرج هل ننكر عليه ؟
يقول : أنا مجتهد لأن الله قال : { حرمت عليكم الميتة } ، بعد أن قال : { أحلت لكم بهيمة الأنعام } ( الأنعام 1 ) ، فيكون معنى الآية حرمت عليكم الميتة من بهيمة الأنعام هل تلزمونني باجتهادكم أنتم ؟ معناه أنكم رسل هذا معناه أنكم رسل معصومون أنا عندي { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم وأنتم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد ، يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } ( الأنعام 1 – 2 ) ، إلى أن قال : { حرمت عليكم الميتة } : يعني من بهيمة الأنعام ،
المهم هل يسوغ فيها الاجتهاد أو لا ؟
لا لأن العلماء مجمعون على أن جميع الميتات حرام [127] ،
إذن ما لا يسوغ فيه الاجتهاد لو زعم فاعله أنه مجتهد قلنا لا قبول والذي أنكروا صفات الله عز وجل إما كليةً أو جزئية ننكر عليهم أو لا ؟
إذا قالوا : هذا اجتهادنا عقولنا ترفض هذا الشيء ، ماذا نقول ؟
إذا قال : عقولنا ترفض أن يكون لله عين أو يد أو وجه أو قدم ؟
نقول : هل المرجع في الأمور الغيبية إلى العقول أو إلى النقل ؟
إلى النقل المجرد شيء غيبي عنك ، كيف تُحَكِّم عقلك فيه ؟
ثم شيءٌ غيبي أيضاً لا يمكن إدراكه ولا يحيطون به علماً كيف تُحَكِّم عقلك فيه ؟
فهذا لا يسوغ ،(73/108)
فيه الاجتهاد ثم أين الاجتهاد في عهد الصحابة في هذا في عهد الصحابة رضي الله عنهم أو التابعين ،
فالمهم انتبهوا لهذه المسألة : أن قول بعض العلماء : ( لا إنكار في مسائل الاجتهاد ) ، ليس على إطلاقه المراد ما يمكن أن يُجتهد فيه وما لا يمكن ففيه الإنكار ،
ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا ،
******************
180 – وإن يكن ذا واحداً تعينا ،
عليه لكن شرطه أن يأمنا ،
قوله : ( لكن شرطه أن يأمنا ) : يُشترط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القدرة يُشترط القدرة وهذا شرطٌ في جميع العبادات كل العبادات يُشترط فيها القدرة كل العبادات شرطها القدرة [128] ،
والدليل : قوله تبارك وتعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ( التغابن 16 ) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم ) [129] .
وقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ( البقرة 286 ) .
وقوله تعالى : في المسألة الخاصة : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ( آل عمران 97 ) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة الخاصة لعمران بن حصين : ( صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب ) [130] ،
إذن الدليل على هذه المسألة من القرآن قواعد ،
وأمثلة القواعد : { فاتقوا الله ما استطعتم } .
{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .
الأمثلة : الحج : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } .
وفي السنة : ( صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب ) ،
هناك أيضاً أمثلة أخرى :
{ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } ( النور 61 ) .
{ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله } ( التوبة 91 ) .(73/109)
وذكر الله الهجرة وتوعد على من تركها :
{ إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } .
المهم هذه القاعدة ولها أمثلة في القرآن والسنة من جملة ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد من استطاعة فمن لم يستطع من لم يستطع أن يأمر وينهى سقط عنه إما رجل عاجز عن القول والإشارة ، وإما رجلٌ قيل له : إذا أمرت بمعروفٍ أو نهيتَ عن منكرٍ قصصنا لسانك أو سجناك فهذا عاجز تسقط عنه الواجبات ،
إذن الشروط صارت خمسة شرطٌ في كل عبادة وشروط خاصة في النهي عن المنكر والشرط العام هو القدرة ولهذا قال : ( شرطه أن يأمنا ) ،
******************
181 – فاصبر وزل باليد واللسان ،
لمنكرٍ واحذر من النقصان ،
قوله : ( فاصبر ) : الصبر : ( حبس النفس عن التسخط وعن الإحجام ) ،
لا تحجم ولا تتسخط ،
وهذا مأخوذٌ من قوله تعالى في سورة لقمان : { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك } ( لقمان 17 ) ، قال : { واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } ، فلا بد من صبر ،
وإنما أمر الله بالصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إشارةً إلى أن الآمر والناهي سوف يلقى الأذى ،
وربما يلقى الضرر فليصبر دائماً يقولون للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر : هذا متشدد ، هذا مطوع ،
يقولونه على سبيل السخرية ويتكلمون بكلامٍ كثير ،
فما موقف الآمر الناهي ؟
الصبر وليعلم أنه ما أوذي أذيةً في ذلك إلا كتب الله له بها أجراً وقرَّبه إلى العاقبة الحميدة ،
لأن الله تعالى : { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين } ( هود 49 ) ، وكلما اشتد الأذى قَرُبَ الفرج ،
لكن ما معنى قرب الفرج ؟(73/110)
هل معناه أن يُفرج عن الإنسان حساً ؟ أو أن يُفرج عنه معنىً وحساً ؟
الثاني أما التفريج حساً فظاهر بأن يزول عنه الكبت والمنع والأذى ،
وأما معنى وهو أهم فأن يشرح الله صدره ويعطيه الطمأنينة في قلبه ويصبر ويحتسب ويرى العذاب في ذات الله عذباً يرى العذاب عذباً ، { هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج } ( الفرقان 53 ) .
يقال : إن شيخ الإسلام رحمه الله لما حبسوه وأغلقوا عليه الباب قال : { فضرب لهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } ( الحديد 13 ) .
وقال : ما يصنع أعدائي بي ؟ إن حبسي خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة ،
أي حال يفعلونها بي فهي خيرٌ لي هذا أيضاً مما يفرج الله به على الإنسان إذا كبت وأوذي وعذب في ذات الله فهذا من أقوى التفريج عنه أن يشرح الله صدره لما وقع عليه وكأن شيئاً لم يكن ،
الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، نقول له : اصبر اصبر على الأذى الفرج قريب لا تيأس من رحمه الله أنت تقاتل بسيف الله أنت تدعو بدعوة الله احتسب لو شق عليك نفسياً أو جسمياً فاصبر اصبر ،
قوله : ( وزل ) : وأصلها أَزِلْ ،
هذه مرتبة ثانية غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه مسألة التغيير ،
التغيير ليس كالأمر والنهي ،
واضرب لكم مثلاً يتبين به الفرق : رأيتَ مع شخصٍ زُمَّارة تعرفون الزمارة من آلة اللهو يزمر بها ويرقص عليها فقلت يا فلان اتق الله هذا حرام ولا يحل ماذا نسمي هذا ؟ نهي عن منكر جئته مرةً أخرى فرأيتَ معه الزمارة فأخذتها وكسرتها هذا يسمى تغيير ،
إذن مقام المغيِّر أقوى من مقام الناهي أو الآمر ،(73/111)
رأيت رجلاً لا يصلي مع الجماعة مع وجوبها عليه فقلت له : يا أخي اتق الله أقم الصلاة صلِّ مع المسلمين هذا يسمى أمر بالمعروف ثم جئته مرة ثانية ووجدته لم يخرج من بيته فقرعت الباب عليه وإذا أبى كسرت الباب ثم جررته إلى المسجد هذا ماذا ؟ هذا تغيير هذا ليس كل واحد يطيقه الأول كل أحد يطيقه إلا ما ندر الثاني ما كل أحد يطيقه ،
ولهذا جاء التعبير النبوي : ( فإن لم يستطع ) .
ولم يأتِ حرفٌ واحد : ( مروا بالمعروف فإن لم تستطيعوا ) .
فدل ذلك على أن التغيير شيء والأمر شيءٌ آخر ،
قوله : ( باليد ) : واليد في وقتنا هذا لا تكون إلا من ذي سلطان وإنما كان الأمر كذلك لئلا يصبح الناس فوضى ،
على كل حال نحن نقول : إن التغيير شيء لا يكون إلا من ذي سلطان وهو حق ،
لأنه لو جُعل التغيير باليد لكل إنسان لأصبح من رأى ما يظنه منكراً منكراً عنده ثم أتلف أموال الناس من أجل أنها منكر يرى بعض الناس أن الراديو منكر فمر برجلٍ قد فتح الراديو على أخبار مكة وهو يرى أنه منكر وقلنا غيِّر باليد ماذا يصنع بالراديو يكسِّره هل له حق أن يكسره ؟
ليس له حق في وقتنا الحاضر أما في الوقت الذي مضى ما نعلم عنه ،(73/112)
لكن في وقتنا الحاضر لو جُعل التغيير باليد لغير ذي سلطان لأصبح الناس فوضى وتقاتل الناس فيما بينهم ولقد رأيتُ رجلاً منذ سنوات دخل المسجد إنسانٌ ومعه راديو فقام الرجل الحبيب الطيب الناهي عن المنكر أمام المصلين وقال والعياذ بالله يأتي أحدكم بالراديو مزمار الشيطان ويجعله معه في المسجد والذي جاء به حاج من الحجاج نحن كنا نشتغل في مطار جدة من الحجاج أتى بهذا الراديو وهو فيه تسجيل لعله يسمع أخباراً يسجلها تنفعه حاج يحب أخبار الحجاز وقام يتكلم كلاماً عظيماً الحجاج انبهروا هذا حرام هذا حرام فجاءوا يسألون يقولون : هل هذا حرام ؟ نحن ما أتينا للحج لنبحث عن الحرام فقلنا لهم : حلال اطمئنوا إن شاء الله ما فيه إلا العافية لكن إياكم أن تفتحوه على الأغاني والموسيقى هذا حرام أما الأخبار والقرى والحديث فهذا ليس فيه شيء طيب القرآن والحديث طيب والأخبار من الأمور المباحة ،
فأقول : بعض الناس يظن ما ليس منكراً منكراً فلو قلنا غيِّر باليد كسَّر هذا الراديو أو المسجل الذي يرى أنه منكر ،
ولهذا نقول : الإزالة باليد أو التغيير باليد في الوقت الحاضر لا يكون إلا من ذي سلطان والسلطان من أعطاه ولي الأمر صلاحيةً في ذلك ،
وعلى هذا رجال الحسبة الموجودون عندنا يكون لهم السلطة أليس كذلك ؟ وبعض المواضع بالنسبة للمكان في بعض الأحيان بالنسبة للزمان ،
قوله : ( فاصبر ) : أمر بالصبر لأن المقام يحتاج إلى الصبر ،
ولهذا قال الله تعالى : { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك } ( لقمان 17 ) .
فاصبر وزل باليد واللسان ،
لمنكرٍ واحذر من النقصان ،
هذه مراتب التغيير غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
وقد ذكرنا قبل أن هناك ثلاث مراتب :
1. الدعوة ،
2. والأمر ،
3. والتغيير ،(73/113)
فلا تلتبس عليكم أو فلا يلتبس عليكم بعضها مع بعض ،
1 – الدعوة ،
2 – والثاني : الأمر والنهي ،
3 – والثالث : التغيير ،
الدعوة أن يدعو الإنسان إلى الله عز وجل ترغيباً وترهيباً دون أن يوجه أمراً معيناً لشخصٍ معين ،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو شيءٌ موجه لشخص معين أو طائفة معينة أو ما أشبه ذلك لكن فيه أمر افعلوا اتركوا وأظنكم تعرفون الفرق ،
لو قام رجلٌ بعد صلاة الجمعة بعد صلاة الظهر أحسن لأن الخطبة بعد صلاة الجمعة فيها ما فيها لو قام رجل بعد صلاة الظهر يدعو الناس يرشدهم إلى الله يبين الحق يبين الباطل يحذر من هذا وهذا هل يقال هذا آمرٌ بمعروف ناهٍ عن منكر ؟
يقال : هذا داعٍ إلى الله .
ولو رأينا رجلاً يقول : يا فلان افعل كذا اتق الله ، يا فلان اترك كذا اتق الله ،
هذا آمر وناهي ،
التغيير أن يغير الإنسان المنكر بنفسه بأن يكون دعا صاحب المنكر إلى تركه ولكن أبى أو أمر تارك المعروف أن يفعله ولكن أبى هذا يغير يضرب ويحبس ويكسر آلة اللهو وما أشبه ذلك ،
هذا التغيير قيده الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يقيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
قال : ( والله لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد السفيه ، ولَتَأْطُرُنَّهُ على الحق أَطْراً ) [131] ،
لم يقل : إن استطعتم لكن قال : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ،،، ) [132] ،
إذن فالتغيير غير فنقول : التغيير فيه سلطة وقدرة ، الأب في بيته داعٍ آمر مغير لأن له سلطة ، رجل الحسبة في المجتمع داعي وآمر ومغير لكن ليس التغيير لكل أحد ليس كل أحد يستطيع قد يغير ويلحقه من الضرر ما لا يعلمه إلا الله وقد يلحق غيره أيضاً ممن لم يشاركه في التغيير كما هو الواقع ،
ولهذا نقول : غيِّر باليد فإن لم تستطع ،(73/114)
قال : ( واللسان ) : والمؤلف رحمه الله رتبها ترتيباً محلياً لا لفظياً يعني ما أتى بـ ( ثم ) الدالة على الترتيب أو بالفاء أو ما أشبه ذلك ،
لكن تقديم بعضها على بعض يدل على الترتيب ،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به ) [133] ، مع أن الله قال : { إن الصفا والمروة } ( البقرة 158 ) ، ولم يقل : ( إن الصفا ثم المروة ) ،
إذن الأول اليد الثاني اللسان ، اللسان ليس أن تقول يا فلان اتق الله أن تنتهره وأن تريه سلطة وقدرة واستعلاءً ، استعلاءً بالحق ،
قوله : ( النقصان ) : النقصان ما هو ؟ أن تغير بالقلب لأنه أضعف الإيمان أن تغير بالقلب كيف التغيير بالقلب ؟ هل الإنسان يمكن أن يغير بالقلب ؟
يمكن بالكراهة وعدم المخالطة هذا التغيير بالقلب ، الكراهة للمنكر وعدم مخالطة فاعليه ،
لقول الله تبارك وتعالى : { وقد نزل عليكم الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذن } ( النساء 140 ) ، إن قعدتم { مثلهم } .
فلو فرضنا مثلاً : أن قوماً يلعبون الشطرنج ومعهم رجلٌ صالح قال : يا قوم اتقوا الله هذا حرام لا يجوز ، قالوا : لن ندع هذا فهل يجوز أن يجلس معهم ؟ لا ، لكنهم قالوا له : إن خرجت فنفعل بك كذا وكذا فجلس .
هل يأثم ؟
لا ،
لماذا ؟
لأنه مكره على الجلوس ،
فإن قال أنا لم أُكْرَه على الجلوس لكن أخشى إن ذهبتُ أن يقع بيني وبينهم عداوة ماذا نقول ؟
نقول : وليكن إذا عاديتهم لله لا يضرك فإن قال : أخشى أن يقع بيني وبينهم قطيعة رحم ، نقول : لا يقع بينك وبينهم قطيعة رحم صِلْهُم أنت ، لأن صلة الرحم من قبلك ممكنة أو متعذرة ؟ ممكنة وأنت إذا وصلتهم وهم يقطعونك فكأنما تُسِفُّهُمْ الملّ كما جاء في الحديث ،
فالحاصل الآن أن التغيير له ثلاث مراتب ،
******************(73/115)
182 – ومن نهى عن ما له قد ارتكب ،
فقد أتى مما به يقضي العجب ،
قوله : ( ومن ) : شرطية ،
قوله : ( فقد ) : جواب الشرط ،
قوله : ( عن ما ) : لماذا لم تُكتب ( ما ) مع ( عن ) ؟ جعل ( ما ) وحدها و ( عن ) وحدها وهذا غلط ،
لأن الذي يقرؤها على حسب نسختي يحسبها ( عن مالِهِ ) يحسب أن ( ما ) و ( له ) هي ( ماله ) المهم أن يقال : ( ومن نهى عما له قد ارتكب ) ،
قوله : ( فقد أتى ما يقضى به العجب ) : يعني إذا نهى الإنسان عن شيءٍ يرتكبه ،
مثل : أن رأى رجلاً يتعامل بالربا قال له يا فلان اتق الله كيف تتعامل بالربا ، الربا من كبائر الذنوب وهو نفسه له محل يتعامل بالربا فيه هذا عجب هذا يُقضى به العجب ،
يقال كيف تنهى عن شيءٍ أن تفعله ؟
لو كان باطلاً ما فعلته وإن فعلته وأنت تعتقد أنه باطل فأنت سفيه ،
لقول الله في بني إسرائيل : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } ( البقرة 44 ) .
وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } ( الصف 2 – 3 ) ، فهذا من كبائر الذنوب ،
ولهذا يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار حتى تندلق أقتاب بطنه يعني أمعاءه فيدور عليها كما يدور الحمار على رحاه فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان مالك ؟ ألست تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه [134] ،
وهذا وعيدٌ شديد نسأل الله العافية فضيحة وعار ،
وكذلك يكون هو أول من يُسَعَّر به النار يوم القيامة .
نسأل الله العافية ،
فالمهم أن الإنسان الذي يأتي بشيءٍ ينهى عنه هذا أتى مما به يُقضى العجب أو مما به يُقضى العجب كيف تأمر بما لا تفعل أو تنهى عما تفعل ؟(73/116)
وإتيان المؤلف رحمه الله بهذا البيت أو بهذا الحكم بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفيد أن من فعل ذلك لا يسقط عنه الأمر والنهي ،
فلو قال هو مبتلىً بهذا الأمر يفعله ولنقل أنه اِبْتُلي بشرب المخدرات وشارب المخدرات لا يكاد يقلع وهو ينهى الناس عن شرب المخدرات ،
هل نقول : انه الناس أو ما دمت تفعل اسكت ؟
نقول : انه الناس ،
إذن لا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الإنسان مخالفاً ،
لأنه لو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع المخالفة ترك واجبين :
الأول : المعصية التي هو يفعلها ،
والثاني : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
نحن نقول : وإن كنت لا تفعل المعروف فأمر به وإن كنت تفعل المنكر فإن فعلك إياه لا يسقط عنك النهي عنه انه عنه
فإذا قال قائل : كيف أعرض نفسي للفضيحة أن أُلْقى في النار فتندلق أقتاب بطني ؟
نقول : إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تحذيراً من أن يكون كذلك يأمر ولا يفعل وينهى ويفعل وليس مراده أن يحذر من أن يأمر بما لا يفعل أو أن ينهى عما يفعل ،
لأن بعض الناس يقول إذن لماذا آمر بما أفعل وأنهى عما أفعل وهذه العقوبة ؟
نقول : لا الرسول ما أخبرنا بذلك لأجل أن نفعل أخبرنا بذلك لنحذر ،
******************
183 – فلو بدا بنفسه فذادها ،
عن غيِّها لكان قد أفادها ،
قوله : ( لو بدا بنفسه ) : انظر قال المؤلف :
فلو بدا بنفسه فذادها ،
عن غيِّها لكان قد أفادها ،(73/117)
ولم يقل : ( فلو اعتنى بنفسه ) يعني وترك الآخرين لأن البداية لها نهاية فيبدأ أولاً بنفسه ثم بغيره هذه الحكمة ، وهذا الترتيب الصحيح ، لكن لو أصر هو على فعل المعصية فلا يمنعنه ذلك من ترك النهي عنها ،
وبهذا انتهى الكلام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
وأتت الخاتمة نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة ،
الأسئلة
السؤال : وجدت كلاماً لشيخ الإسلام في هذا أنه إذا كانت الفتوى في بلد على أمرٍ معين فلا ينقل الناس عنه أو لا يُفتى بغيرها وكذلك وجدت قريباً من هذا الكلام للشيخ محمد بن إبراهيم ؟
الجواب : كلام شيخ الإسلام والشيخ محمد بن إبراهيم ما وقفت عليه .
لكن شيخنا عبدالرحمن بن سعدي يقول : إن العامة ليس لهم إلا ما قال علماؤهم المعتبرون ، فلو جاء عامي وقال : أنا سأقلد من قال : إن الدخان حرام ، قلنا : لا ، لا نوافقك كذلك إذا كانت الفتوى شائعة في بلد فإنه إذا كان في ذكر الخلاف مفسدة فالواجب تجنبه ما لم يكن الفتوى على خلاف النص ونحب إن شاء الله أن نطلع على ما ذكرت الذي قلت لنا : جزاك الله خير ، لأن هذا مهم .
لأنه أصبح الناس الآن الحقيقة في فوضى من الفتاوى الشاذة التي يطلقها بعض الشباب .
وهي أقوال شاذة ليس بأقوال ملزمة بإظهارها .
فتجد كثير من العامة الآن متبلبلين مساكين يأتون يسألون : ما تقولون في كذا ، وما تقولون في كذا ،
السؤال : من المعروف أن المسائل الخلاف أن أكثر مسائل الدين خلافية أما المسائل المتفق عليها و،،،،،، ؟
الجواب : اللهم صلِّ على محمد ، اللهم صلِّ على محمد ، هذا يوجع الراس أكثر الدين خلاف ؟!!!
السؤال : أكثر المسائل الفقهية خلافية ؟
الجواب : أنا أرجو منك مسألة واحدة قارن لي بين المتفق عليه والمختلف فيه ولك مدة شهر ،
السؤال : بعض الكتب درست الخلاف و ،،،،، ؟
الجواب : هذا إذن أسهل لك ما دام درستها تجيبه لنا أسهل ،
السؤال : بداية المجتهد درست الخلاف ،،،،،،، ؟(73/118)
الجواب : أنت قل الخلاف كثير أوافقك أما الخلاف أكثر ما أوافقك وهذه طعن في ديننا إذا قال : أكثر علمائكم مختلفون في أكثر المسائل أكثر ما عندهم الخلاف هل نطيعه ؟ نقول له : سمعاً وطاعة ؟ لا يمكن على كل حال لك مدة شهر ما دامت هذه قد بُحثت فالله ميسر أمرك كمِّل السؤال ،
السؤال : كيف يكون الإنكار مع أن مسائل الخلاف كثيرة جداً فهذا يؤدي إلى تضييق الإنكار خاصة إذا كانت المسائل المتفق عليها لا أحد يرتكبها ؟ المسائل المتفق في الغالب لا يرتكبونها ؟
الجواب : يعني لا يخالفونها ؟
السؤال : فلا يكون هناك داعي إلى الإنكار عليهم لأنهم لم يرتكبوها أصلاً أما المسائل المختلف فيها فهي التي يقع فيها الناس ؟
الجواب : ما تقول في صلاة الجماعة ؟
السؤال: أنا أقول إنها واجبة وفيها خلاف ،
الجواب : ما يخالف فيها خلاف لكن اتفق العلماء على أنها من أجلّ الطاعات وأفضل العبادات لا أحد يقول أنها مباحة أو أنها مكروهة مثلاً نأمر بها أو لا نأمر ؟
السؤال : نأمر ،
الجواب : إذن ليس بصحيح لكن بعض الناس يقول : أنه هناك شيء معروف ومشهور ونعرف أن الذي ارتكبه يعلم أنه حرام ،
مثل حلق اللحية الآن عندنا حلق اللحية معروف أنه حرام أليس كذلك ؟ فبعض الناس يقول لا ونجد في السوق الكثير من الناس حالقين لحاهم كيف ذلك وهم يعرفون أنه حرام ؟ وهم يعلمون أنهم خالفوا عمداً ؟
نقول : نعم أنت لا تأمر بالمعروف على وجه إيضاحه للناس لأنه معلوم لكن مُرْ بالمعروف نصيحةً لهم قل : يا أخي أنت تعلم أن هذا لا يجوز أن هذا خلاف السنة مثلاً ويكون نصيحة وليس أمراً بالمعروف ،
السؤال : سافرنا واستأجرنا سيارة واشترطنا على صاحب السيارة ألا يدخن وألا يسمعنا مثلاً أغاني وفي الطريق نقض هذا الشرط وفعل ما اشترطنا عليه ألا يفعل فهنا نستعمل اليد ( جملة غير واضحة ) في إنكار المنكر ؟(73/119)
الجواب : هذا شرط لكم أنتم شرطتموه تملكون أنتم تنفيذ هذا الشرط إن كنتم حول إمارة فاصبروا حتى تصلوا إلى الإمارة لكن إذا لم تكونوا حول إمارة فأنتم الأمراء هو سيقول سأشرب وسأفتح الأغاني وإذا شئتم انزلوا تقول ما ننزل نحن اشترطنا عليك نحن الآن لا يمكن أن ينفسخ العقد ولا يمكن أن تنزلنا ،
السؤال : إذا كنت في بلد ( جملة غير واضحة ) وهؤلاء الناس يفعلون المنكر ولا يأمرون بالمعروف ؟
الجواب : يفعلون المنكر ولا يأمرون به طيب هذا جزاهم الله خير ،
السؤال : لا ، يفعلونه ويأمرون به ولا يأمرون بالمعروف بل ربما الذي يأمر بالمعروف ينهونه فيصير الوضع في هذه الحال يعني شق على النفس أنني إذا رأيت منكر لا أغيِّره ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : نحن ذكرنا أنه لا بد من استطاعة ،
السؤال : لكن يستشري الفساد في البلاد ؟
الجواب : وهل إذا فعلت سيقف الفساد ؟ أنت مُرْ بالمعروف ادع إلى الله بالحكمة ، قل : هذا حرام ولا يجوز ربما تتكلم في مسجد فيه خمس مائة نفر يستفيدون لكن تأتي واحد تضربه لأنه فعل هذا المنكر فيذهب يشكوك على الولاية ثم الولاية تحبسك وتؤذيك وتؤذي الذين من ورائك مفاسد ،
السؤال : لا أتكلم على التغيير باليد مجرد الكلام ما يقبلوا الكلام من أي إنسان يتكلم إلا أهل الأمر ، وأهل الأمر لا يأمرون ؟
الجواب : نحن قلنا لكم بارك الله فيكم الأمر بالمعروف لا أحد يقول لا أقدر إلا إنسان قيل له إن أمرت فعلنا بك كذا وكذا بعينه فهذا يصبح مكره على ترك الواجب أو على فعل المحرم ،
السؤال : يعني لا يأثم هو إذا تركه ؟
الجواب : لا ، يأثم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إذا قيل له : انظر أنت إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر حبسناك قتلناك آذيناك آذينا أهلك أخذنا مالك فهذا لا يستطيع ،
السؤال : ( غير واضح ) ؟
الجواب : بالوقت الحاضر نحن ما خصصناه مطلقاً بالوقت الحاضر تصبح الأمور فوضى ،
السؤال : ( غير واضح ) ؟(73/120)
الجواب : نعم لكن إذا قلنا أنك لا تغير إلا إذا علمت ثم إنك إذا غيرت ترتب عليه مفسدة أكبر إذن هذه نحن في وقتنا الحاضر لو يغير الإنسان غير ذي سلطان لو يغير بيده ترتب عليه مفسدة أكبر إلا إنسان له ولاية خاصة على أهله لا بأس إذا أدخل أهلك آلة لهو اكسرها ،
السؤال : ( غير واضح ) ؟
الجواب : إن الله وسَّع علينا فلا نضيِّق على أنفسنا ،
قال : { من استطاع } ( آل عمران 97 ) .
وقال : { فاتقوا الله ما استطعتم } ( التغابن 16 ) .
وقال الله لنبيه : { فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد } ( آل عمران 20 ) .
وقال الله تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر } ( الغاشية 21 ) ، ثم قال : { إن إلينا إيابهم ، ثم إن علينا حسابهم } ( الغاشية 25 – 26 ) .
وقال لنبيه : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } ( الشعراء 3 ) : أي مهلكٌ نفسك لعدم إيمانهم ،
لا تهلك نفسك يا أخي ما دام الله وسَّع عليك وسِّع على نفسك لا إفراط ولا تفريط ،
الخاتمة [135]
هذه مسائل منطقية تتعلق بالمنطق والمؤلف رحمه الله أتى بها مُلجأً إليها [136] ،
وإلا فنحن في غنىً عن المنطق الصحابة ما درسوا المنطق ولا عرفوا المنطق والتابعون كذلك ،
والمنطق حدث أخيراً لا سيما بعد افتتاح بلاد الفرس والرومان حيث انتشرت كتب الفلاسفة ولا سيما أنها دُعِّمت بعملٍ من الخلافة ،
كما فعل المأمون الذي قال عنه شيخ الإسلام : لا أعتقد أن الله يغفل المأمون عما صنع بهذه الأمة أو كلمةً نحوها والعياذ بالله [137] ،
فقد جر الناس إلى سوء ودعاهم إلى ضلالة والله حسيبه قدم على ربه لكن علم المنطق كتب فيه العلماء وحذروا منه ،
وممن كتب في الرد على أهل المنطق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ،
شيخ الإسلام ابن تيمية كتب في الرد عليهم كتابين مطولاً ومختصراً ،
المطول : الرد على المنطقيين ،
والمختصر : نقض المنطق وهذا أحسن لطالب العلم ،
لأنه أوضح وأحسن ترتيباً ،(73/121)
ذكر في مقدمة الرد على المنطقيين قوله : ( كنت أظن دائماً أو قال اعتقد أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد ) [138] ،
الذكي لا يحتاج إليه والبليد لا ينتفع به ، إذن دراسته مضيعة وقت ،
وهذا الكلام من كلام شيخ الإسلام يدل على أن أقل أحواله الكراهة ،
والعلماء اختلفوا فيه [139] :
1 - فمنهم من حرمه ،
2 - ومنهم قال : ينبغي أن يُعلم ،
3 - ومنهم من فصَّل قال : الإنسان الذي عنده منعة لا يؤثر على عقيدته فإنه ينبغي أن يتعلمه ليحاج به قومه أي قوم المنطق ومن لم يكن كذلك فلا يتعلمه لأنه ضلالة ،
والصحيح : أنه لا يتعلمه مطلقاً ،
لأنه مضيعة وقت لكن إن اضطُّر إلى شيءٍ منه فليراجع ما اضطُّر إليه منه فقط ليكون تعلمه إياه كأكل الميتة متى يحل ؟
عند الضرورة ، وبقدر الضرورة ،
فإن كان هناك اضطرار أخذ من علم المنطق ما يضطر إليه فقط أما أن يدرسه ويضيع وقته فيه فلا ،
ولهذا ما الذي دخَّل علم المنطق على المسلمين ؟ دخَّل البلاء حتى أوصلهم إلى أن يقولوا على الله ما لا يعلمون وينكروا على الله ما وصف به نفسه ،
فالمسألة خطيرة والله عز وجل نزَّل الكتاب تِبْياناً لكل شيء لا يحتاج الناس لشيءٍ بعد كتاب الله وأمر عند التنازع أن يُرَدَّ إلى أين ؟ إلى الكتاب والسنة [140] ، { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } ( النساء 59 ) .
هذه خاتمة مبينة على علم المنطق وعلم المنطق علمٌ لا خير فيه ولكنه مضيعة وقت لأنه كما قال شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد ، البليد يبقى ساعاتٍ ليحلَّ سطراً واحداً مما كُتِبَ فيه ويعجز والذكي لا يحتاج إليه ولهذا لم يُعرف علم المنطق في صدر هذه الأمة ،
******************
184 – مدارك العلوم في العيان ،(73/122)
محصورةٌ في الحد والبرهان ،
بماذا ندرك الشيء ؟
يقول المؤلف : ندرك الشيء بأمرين :
1. حده ،
2. ودليله ،
الحد والدليل ،
الحد بقوله : ( في الحد ) ،
والثاني : ( البرهان ) يعني الدليل ،
كل المعلومات محصورة في الحد والدليل [141] ،
الحد به يكون التصور، والدليل يكون به النفي أو الإثبات ،
وأيهما أسبق ؟ الأسبق الحد ،
ولهذا يقال : ( الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره ) [142] ،
تصور أولاً ثم احكم بالإثبات أو بالنفي وهذا حق ،
لأنني مثلاً لا أستطيع الأمر بالمعروف واجب حتى أعرف ما المعروف وما معنى الأمر ، حينئذٍ أقول هو واجب ،
أما أن أقول الأمر بالمعروف وأنا لا أعرف ما معنى الأمر وما معنى المعروف فهذا سَبْقٌ للشيء عن أوانه ،
وقد عرفتم في شرحنا لنظم الورقات أن من العلماء ولا سيما الفقهاء من يَحُدُّونَ الشيء بحكمه وعلى هذا فيتضمن الحكمُ الحدَّ لكن هذا عند المناطقة ممنوع ،
كما قال :
وعندهم من جملة المردود ،
أن تُدخل الأحكام في المحدود ،
فيقولون : حدد ثم احكم ،
هذا ما ذهب إليه المؤلف : أن جميع الأشياء محصورة بالحد والبرهان [143] ،
وهذا في الأمور المعقولة قد يكون مقبولاً ، قد يكون مقبولاً في الأمور المعقولة أن نحد أولاً ثم نحكم ثانياً ،
لكن هناك أشياء لا تتوقف على العقل تُعرف بالحس ،
فإذا قلنا : إن مدارك العلوم محصورة بالحد والبرهان خرج عن هذا جميع المحسوسات كل المحسوسات تخرج وهذا لا شك أنه نقص لأننا نعلم بالحس أحياناً أكثر مما نعلم بالعقل ،
والحس يشترك به عامة الناس وخاصة الناس والعقل لا يشترك فيه إلا من كان ذا عقل وذكاء ،
ولهذا قال : ( وقال قومٌ ) : هذا القول الثاني ،
******************(73/123)
185 – وقال قومٌ عند أصحاب النظر ،
حسٌ وإخبار صحيح والنظرٌ ،
قوله : ( عند أصحاب النظر ) : أي من أصحاب النظر ،
قوله : ( حِسٌّ وإخبارٌ صحيحٌ والنظر ) : قال قومٌ من العلماء : إن مدارك العلوم ثلاثة :
1. الحس ،
2. والخبر الصحيح ،
3. والنظر وهو العقل ،
يعني أن الأشياء تُدرك بواحدٍ من الأمور الثلاثة :
الحس وهو ما يُدرك بإحدى الحواس الخمس ،
الحواس خمسة وهي : السمع والبصر والشم والذوق واللمس خمسة أشياء ،
هذه الحواس الخمس ما أُدرك بها فهو مُدركٌ بالمحسوس ،
فإذا أخذتُ عسلاً وشربته أدركت حلاوته بالذوق وإذا أخذت طيباً فشممته أدركته بالشم وإذا رأيت شبحاً فأدركت أنه إنسان فبالبصر وإذا سمعت صوتاً فأدركت أنه صوت فهو بالسمع وإذا وقعت يدي على شيءٍ لين فأدركته لينته أو ليونته على الأصح فهو باللمس ،
هذا لا شك أن كل إنسانٍ يدركه حتى الصبي بل حتى البهائم ،
البهائم إذا رأت الشيء الأخضر قربت منه على أنه علف وإذا شمت الشيء هربت منه على أنه سيء ولهذا تقدم لها أحياناً طعاماً له رائحة ونفس الطعام بدون رائحة تأكل الذي لا رائحة فيه يعني منتنة وتدع الذي فيه الرائحة المنتنة وتشاهد البقرة وهي من أبلد الأشياء تنفض العلف تنفضه بفمها وتأخذ الشيء الطيب كما تختار أنت التمرة الطيبة من التمر ،
فهذا الإدراك بالحس متفق عليه بين جميع المدركين من البهائم والآدميين ،
هل الإدراك بالحس أمرٌ يقيني أو أحياناً يقيني وأحياناً ظني ؟
الثاني هو المتأكِّد أحياناً تدرك الشيء على ما هو عليه وأحياناً تدركه ظناً ،
ولذلك يرى الإنسان الشبح البعيد فيظنه أحياناً رجلاً فإذا دنا منه فإذا هو شجرةٌ ملتفةٌ على بعضها أحياناً يرى حيواناً بعيداً فيظنه ذئباً فإذا دنا منه فإذا هو غزال فرق بين هذا وهذا أليس كذلك ؟(73/124)
أحياناً يرى الشيء متحركاً وهو ساكن أو ساكناً وهو متحرك ،
إذن الإدراك بهذه الأمور الحسية يكون بين يقين وظن ،
لكن كلامنا على الإدراك التام لا يكون علماً أحياناً تشم الشيء تظنه جيداً وإذا به ليس بجيد ، ويُذكر أن امرأةً كانت تتوقى ،،،، أن الشم أيضاً يخطئ هذا الرجل فضَّل الجاز على الورد ،
فعلى كل حال إن المدارك بالحس ليس معناه أنها يقينية بكل حال ،
قد تكون يقينية وقد تكون غير يقينية حسب القوة والقرب ،
والإدراك الثاني : الإخبار الصحيح : مما تُدرك به العلوم نحن لم نعلم عمن مضى من الأمم والرسل إلا عن طريق الخبر الصحيح ،
قال الله تعالى : { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله } ( إبراهيم 9 ) ، فمن الذي أعلمنا ؟ الله عز وجل وكذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذي دلَّنا أن هناك ثلاثةً من بني إسرائيل انطبق عليهم الغار وتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم ؟ النبي الأخبار الصحيحة ،
الثالث : النظر : النظر يعني العقل ، النظر العقل ،
ولهذا يقال : أدلةٌ نظرية وأدلةٌ أثرية ،
النظرية : هي ما يُدرك بالعقل لأن العقل ينظر الإنسان ثم يدرك ينظر الإنسان ثم يحكم ،
الأثرية : ما أُثِرَ من الكتاب والسنة هذا القول أصح ،
لكن أتعلمون أن هذا القول أخرج الحد ؟
كأنه يقول : لا ضرورة له لا ضرورة للحد ،
كل أحد يعرف الإنسان لو تقول : ما هو الإنسان ؟
كان عند القوم الأولين يقولون : لا بد أن تعرف من هو الإنسان ، ما هو الإنسان ؟
يقول لك : حيوان ناطق الإنسان حيوانٌ ناطق ،
هؤلاء يقولون : الإنسان هو الإنسان ، الإنسان هو الإنسان معروف هذا بالحس ،
أما أولئك فيقولون : الإنسان حيوانٌ ناطق ،
ويا ويلك لو قلت للعامي : أنت حيوانٌ ناطق ،
لو قلت للعامي : أنت حيوانٌ ناطق ، ماذا يقول ؟
يخاصمك ويقيم عليك الحجة ،(73/125)
لكنهم يقولون : حيوان لأن فيه حياةً ناطق لأن هذا هو الفصل المميز بينه وبين بقية الحيوانات ،
لأن كل الحيوانات تسمى بهيم لأنها لا تنطق ،
لكنها مع ذلك فيما بينها تنطق أو لا ؟
تنطق وتعرف حتى معنى الصوت تعرفه حتى أن الذكور لو احتاجت الإناث أو بالعكس فلها نغمة غير نغمتها التي تحتاج للطعام حتى إن الهرة إذا نادت أولادها لها نغمة غير النغمة الأخرى لأنها تنطق بكلامٍ يُفهم ولذلك تجدها إذا وجدت طعاماً ثم نادت أولادها بصوتٍ خاص اجتمعوا عليها الديك الآن الديك له مناطق يؤذن معروف يقطقط إذا رأى هِراًّ أو شيئاً يستنكره وهذا معناه احتجاج الثالث يدعو إذا رأى حبة بعض الديكة عندها إيثار عظيم لو كان جائعاً جداًّ إذا رأى حبة ينادي الدجاج ونداؤه للدجاج بنغمة خاصة إذن معناه أن كل شيءٍ له منطق لكن نحن لا نفهمه ،
بل قال الله عز وجل : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } ( الإسراء 44 ) .
المهم أن القول الثاني يقولون : لا حاجة للحد ،
لأن الأمور معروفة الآن ربما لو أنك حددت شيئاً على حسب قواعد المنطق ربما تجعله خفياً على الناس أيما أوضح أن تقول الإنسان هو البشر أو أن تقول الإنسان حيوان ناطق ؟
الأول أوضح وأبين ،
فالحاصل : أن هؤلاء يقولون : لا حاجة للحد ،
لأن الأمور معروفة إما بالحس أو بالإخبار الصحيح أو بالنظر ،
بدأ المؤلف بتعريف الحد ، تفريعاً على ماذا ؟ على القول الأول أو الثاني ؟ الأول ،
******************
186 – فالحد وهو أصل كل علم ،
وصفٌ محيطٌ كاشفٌ فافتهم ،
الحد وصفٌ محيط ،
هذا ما ننازعه فيه لكن قوله : ( وهو أصل كل علم ) هذا فيه نظر ،
من قال : أنه أصل كل علم ؟ بل من قال أن العلوم تفتقر إليه ؟(73/126)
لأن القول الثاني الذي ذكره يقول : الحد لا نفتقر إليه ، فكيف نقول : إنه أصل كل علم ؟
ولهذا تجد هؤلاء القوم الذين يرون هذا تجدهم يتعبون في صياغة الحد فيأتي بجملة ثم يأتي آخر فيقول : هذه غير جامع ،
ومعنى ( غير جامع ) : أنه يخرج منه بعض الأفراد ويأتي آخر فيقول الثاني غير مانع ومعنى غير مانع أنه يدخل فيه ما ليس منه فتجدهم يتعبون في صياغة الحدود مع أنها أمر واضح ،
نحن نقول : الحد لا شك أنه يبين في بعض الأحيان ويوضح لكن ليس لنا أن ندَّعي أنه أصل كل علم ، كل علم فأصله الحد ،
قوله : ( وصفٌ محيط كاشفٌ فافتهم ) : هذا الحد ،
قوله : ( محيط ) : هذا الجامع ،
قوله : ( كاشف ) : يعني مانع ، فلا بد أن يكون جامعاً مانعاً ،
هذا هو الحد ،
فإذا قلت لك : ما هي الطهارة ؟
الطهارة على الرأي الثاني أن يتنظف الإنسان مما ينبغي أن يتنظف عنه ، هذه الطهارة ،
يقولون : لا ، الطهارة هي ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث هذه الطهارة ارتفاع الحدث وما في معناه ليس معنى الحدث بل معنى ارتفاع الحدث يعني ارتفاع الحدث وما في معنى ارتفاع الحدث وزوال الخبث ،
هذا تعريف ،
فتجد أن هذا ربما لا يفهمه إلا ذاك عن ذياك ،
لكن إذا قلت : الطهارة التنظف مما ينبغي التنظف منه إن حدثاً كان وإن خبثاً ماذا يكون ؟
تعريف واضح لكن الأول جامعٌ مانع في الواقع لكن فيه صعوبة في صياغته وفي فهمه ،
******************
187 – وشرطه طردٌ وعكس وهو إن ،
أنبا عن الذوات فالتام استبن ،
قوله : ( وشرطه ) : أي شرط صحته ،
قوله : ( طردٌ وعكس ) : يعني يُشترط أن يكون مضطرداً منعكساً ،
مضطرداً يعني الجامع ،
منعكس يعني المانع ،
يعني يُشترط أن يكون مضطرداًَ تدخل فيه جميع الأفراد ،
منعكساً يخرج منه ما ليس منه ،
لو قيل لك : ما هو الإنسان فقلت : حيوان فقط ،(73/127)
أو قلت : الإنسان هو جثةٌ ذو روح نقول هكذا نترك الحيوان ومشكلتها الإنسان جثةٌ ذو روح صحيح الحد لماذا ؟
لا لأنه غير مانع لأنه يدخل فيه البعير ، البعير جثةٌ ذو روح ،
قال آخر : الإنسان جثةٌ ذو روحٍ طبيب ، غير جامع ، لماذا ؟
لأنه ليس كل إنسانٍ طبيباً يخرج منه بعض الناس ليس بطبيب ،
فيكون هذا غير جامع لم يجمع الناس كلهم ،
هذا غير منعكس أو غير مضطرد ؟
المضطرد الجامع والمنعكس المانع ،
هذا الآن غير مضطرد لماذا ؟
لأنه غير جامع فلا بد في الحد أن يكون مضطرداً منعكساً ،
لو قلنا : من هو عضو الهيئة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
نقول : هو رجلٌ يأمر الناس بالمعروف وينهي عن المنكر ،
ماذا تقولون في هذا ؟ صحيح أو لا ؟ هل هذا الحد صحيح أو غير صحيح ؟ رجل الحسبة رجلٌ يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر ؟
هذا غير صحيح الحد هذا غير صحيح لماذا ؟
لأنه غير مانع يدخل فيه من ليس من أعضاء الهيئة يدخل فيه كل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو من غير أعضاء الهيئة ،
إذا قلت : رجلٌ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بتكليفٍ من السلطان ،
فهذا صحيح هذا صحيح هذا جامع ومانع ،
رجل الهيئة رجلٌ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مكلفٌ من ذي السلطان عليه شماغ ؟ يصح أو لا ؟
لا ، لأنه غير جامع لأن بعضهم ليس عليه شماغ بعضهم عليه غترة مثلاً ،
إذن عرفنا الجامع والمانع ما هو الجامع ؟
الشامل لجميع المحدود ،
والمانع ما يمنع دخول غير المحدود فيه ،
نأتي للمعاني :
الطهارة : إزالة الخبث ، غير جامع ،
لأنه لا يدخل فيه الطهارة من الحدث ،
الطهارة هي ارتفاع الحدث الواجب رفعه وزوال الخبث غير جامع ،
لأنه يخرج بذلك الطهارة المسنونة ،
المهم أن الحد لا بد أن يكون جامعاً مانعاً ،
انظر هذه التعقيدات لو سلمنا من هذا وقلنا المحدودات معروفة سلمنا من هذا ،(73/128)
لكن مع ذلك يقولون : لا يمكن أن تدرك المعلوم إلا بمعرفة حده أولاً ثم الدليل البرهان الذي يقتضي إثباته أو نفيه [144] ،
الدليل هذا صحيح أنه لا بد من دليل يثبت الشيء أو ينفيه ، لكن كون أننا لا ندرك المعلومات إلا بهذا فيه نظر ،
ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة هو القول الثاني :
أن مدارك العلوم يعني التي يُدرك بها العلوم ثلاثة :
1. الحس ،
2. الإخبار الصحيح ،
3. العقل ،
يقولون : إن الحد ينقسم على خمسة أقسام ،
نرى كم ذكر المؤلف :
أولا : ( ما أنبا عن الذوات ) : أي عن حقيقة الذات ،
فإذا أنبا عن حقيقة الذات مع جنسٍ قريب فهو تام ،
مثال ذلك : الإنسان حيوانٌ ناطق هذا أنبأ عن حقيقة الإنسان أنه حيوان وأنه ناطق ،
الجنس قريب أو بعيد ؟ ما معنى الجنس ؟
كلمة : ( حيوان ) ، لو وضعت بدلها : ( جثة ) لَصَحَّ .
( جثة ناطقة ) : لكن الجثة أبعد عن الإنسانية من : ( حيوان )
لأن ( الجثة ) : تشمل الحيوان الذي فيه والذي ليس فيه روح .
فهي ( جنسٌ بعيد ) ، وحيوان : ( جنس قريب ) ،
فإذا كان الجنس قريباً مع ذكر الفصل فإن هذا يكون حداًّ تاماًّ ويسمونه : ( الحد الحقيقي ) ، حقيقيٌ تام ،
******************
188 – وإن تكن بالجنس ثم الخاصة ،
فذاك رسمٌ فافهم المحاصة ،
قوله : ( وإن يكن بالجنس ثم الخاصة فذاك رسمٌ ) : الأول عرفناه ،
الحقيقي التام هو الذي ينبئ عن الحقيقة مع ذكر جنسٍ قريب ،
مثل : الإنسان حيوانٌ ناطق فإن كان بالجنس والخاصة ،
الخاصة معناه يعني ما يختص به الإنسان ولكنه ليس فصلاً ،
مثل أن تقول : الإنسان حيوانٌ ضاحك ،
كلمة : ( ضاحك ) : لا تلازم الإنسان كما يلازمه ناطق ،
لكنها يقولون – وقد لا نسلِّم لهم – يقولون : إنها من خصائص الإنسان إنه لا يضحك الإنسان،
فهي من خصائصه لكن ليست من لوازمه ،(73/129)
النطق من لوازمه الأصل أنه ناطق ،
لكن ليس الضحك من لوازمه ،
لأنه الأصل أنه ضاحك أو غير ضاحك ؟
غير ضاحك لأن الضحك له سبب ،
فيكون هذا بالجنس ثم الخاصة هذا يسمونه رسم ليس حقيقياًّ هذا يسمونه حدٌّ بالرسم ،
إذن إذا كان ينبئ عن الذات فهو الحقيقي ،
ثم إن كان بجنسٍ قريب فهو التام ،
وإن كان بجنسٍ بعيد فهو الناقص ،
وما أنبأ عن الخصائص فهذا الرسم ،
الرسم يكون تاماًّ إن كان بجنسٍ قريب وناقصاً إن كان بجنسٍ بعيد ،
فالأقسام إذن أربعة :
1. حقيقيٌّ تام ،
2. وحقيقيٌّ ناقص ،
3. رسميٌّ تام ،
4. ورسميٌّ ناقص ،
هذا الحد الذي يقولون : إنه أصل كل علم هو الذي لخبط العلم ،
عندنا الحقيقي التام هو الذي ينبئ عن الذات مع الجنس القريب ،
مثاله : الإنسان حيوانٌ ناطق هذا حقيقيٌّ تام ،
الحقيقي الناقص هو أن يكون بجنسٍ بعيد مع بيان الحقيقة،
مثل : أن تقول الإنسان جثةٌ ناطقة ،
الرسمي هو الذي لا يُذكر معه الفصل وإنما يُذكر الخصائص ،
فإن كان مع جنس قريب فهو تام ،
وإن كان مع جنسٍ بعيد فهو ناقص ،
مثاله : الإنسان حيوانٌ ضاحك ، هذا رسمي تام ،
الإنسان جثةٌ ضاحك هذا ناقص ،
بقينا بالخامس : الحد بالأظهر ،
الحد بالأظهر يسمى حداًّ لفظياً ومعناه أن تفسر الكلمة بما هو أوضح منها عند المخاطب ،
القسم الخامس : اللفظي : وهو أن تأتي بكلمةٍ مرادفة تكون عند المخاطب أوضح ،
مثال ذلك : كنت تتكلم عن العيش عندنا بلغتنا العامية ، يقول : العيش ،
العيش عندنا هو القمح .
فإذا كنت تخاطب مثلاً واحد من سوريا أو من مصر أو من الأردن أو من العراق أو من بلدٍ آخر ، تقول : فلان اشترى مني عيش كثير اليوم .
ماذا سيفهم هذا ؟
خبز .
لا ، ليس كذلك .
نحن عندنا في وسط نجد ، العيش يعني البُر ،
فإذا قال لي المخاطب : ما العيش ؟
قلت : البر .
هذا تعريف للعيش أو لا ؟
هذا تعريف للعيش .
باللفظ أو بالمعنى ؟
تعريف للعيش باللفظ .(73/130)
يعني إذا جئت بمرادف هو أظهر ،
سألني سائل : قال : ما هو الهر ؟
فقلت : البَسْ ،
ماذا تقولون في هذا ؟
هذا تعريف لفظي أكثر ما يستعمل الناس في الهررة ، يقولون : إنها بس وبساس ،
فإذا جاءني الطفل ، وقال : يا بابا ما معنى هذا ؟
أقول له : بس .
يقول هذا تعريف أو غير تعريف ؟
تعريف ،
لفظي أو معنوي ؟
لفظي .
لأن المعنى ما تغير المعنى هو هو .
لكن أتينا بلفظٍ مرادفٍ أظهر .
فيكون هذا ماذا ؟
تعريفاً لفظياً ،
واعلم أن صواب العبارة في كلمة ( بِس ) ،
أن تقول : ( بَس ) كما في القاموس .
قال : البس : الهر ،
أو قال : القط .
والعامة تكسره ، يعني تقول : ( بِس ) ،
إذن صار الحد ينقسم إلى كم ؟
خمسة :
1. حقيقي تام ،
2. حقيقي ناقص ،
3. رسمي تام ،
4. رسمي ناقص ،
5. الخامس لفظي ،
تعريف لفظي وهو أن نفسره بكلمةٍ أظهر عند المخاطب ،
وشرطه طردٌ وعكس وهو إن ،
أنبا عن الذوات فالتام استبن ،
إذن المؤلف لم يستوعب الأقسام الخمسة ،
ما أتى إلا بقسمين فقط :
1. الحقيقي التام ،
2. والثاني : الرسم التام ،
الجنس يعني الجنس القريب ثم الخاصة ،
قوله : ( فافهم المحاصة ) : المحاصة معناها المقاسمة ، بمعنى أن يأخذ كل واحدٍ من الشريكين حصته ،
أي افهم المحاصة بين الرسمي وبين الحقيقي ،
وقد جاء به لتكميل البيت وإلا فلسنا في حاجةٍ إليه ،
******************
189 – وكل معلومٍ بحسٍّ وحِجا ،
فَنُكْرُهُ جهلٌ قبيحٌ في الهجى ،
قوله : ( فَنُكْرُهُ ) : أي إنكاره ،
كل شيءٍ معلوم بالحس أو العقل فإن إنكاره جهلٌ قبيح ويسمى مثل هذا الإنكار مكابرةً ،
وهذا يرد به على السوفسطائية ،(73/131)
وهم الذين ينكرون الحقائق [145] ويقولون : كل شيءٍ فهو شك ،
وقال بعضهم : جزمك بأن كل شيءٍ هو شك هو أيضاً شك ،
فإذا قلت : أنا أشك ، قلنا : وهذا شك ،
فإذا قلت : وأنا أشك بأني أشك ، قلنا : وأيضاً هذا شك ، وهَلُمَّ جراّ ،
ليس له عذر هؤلاء ينكرون حتى الحقائق حتى أنه يكلمك ويخاطبك ويقول : أنا لا أدري هل أنا أنت أو أنت أنا ، حقيقةً هذا موجود ،
ويقال : إذا أرادوا النوم جميعاً ربطوا في رجل كل واحدٍ خيطاً يخالف خيط الآخر من أجل إذا صحا لا يغلط لا يحسب نفسه رفيقه وشيء عجيب سبحان الله يذكرون عنهم أشياء عجيبة ،
نقول هؤلاء لا شك أنهم قالوا قولاً قبيحاً ،
لأن هذا يؤدي إلى أن يشكوا حتى في الله حتى في السماوات حتى في الأرضين حتى في كل شيء وهو كذلك هم يشكون في كل شيء ،
ثم إن بعضهم يقول ما دمت جزمت بالشك فأنا شاكٌّ به وحينئذٍ لا يمكن أن أصل إلى يقينٍ أبداً ،
وكذلك الذي ينكر ما ثبت بالعقل ، ما ثبت بالعقل ينكره ،
قيل له : كل حادث فلا بد له من محدث ،
قال لا أسلِّم بهذا ، ماذا نقول له ؟
نقول : هذا قبيح أن تنكر شيئاً معلوماً بالضرورة من العقل ويُعتبر هذا منه ماذا ؟
مكابرة ، ما موقفنا مع المكابر ؟
الإعراض عنه وتركه ، { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } ( يونس 96 – 97 ) ، نتركه إذا جاءه الأجل عرف لأنه مشكلة المكابر لا تستطيع إقناعه إطلاقاً إن أتيت بدليل أنكره إن أمكنه الإنكار أو حرَّفه إن لم يمكنه الإنكار فكيف تعمل مع هذا ؟
فصار الآن الذين ينكرون المحسوسات جُهَّالٌ وجهلهم قبيح ،
والذين ينكرون العقليات ليس الوهميات أيضاً جُهَّالٌ وجهلهم قبيح ،
وأنا قلت لكم : العقليات الصريحة دون الوهميات ،
وإنما قلنا ذلك لئلا يحتج علينا المعتزلة والأشاعرة والجهمية وغيرهم الذين سلكوا تحكيم العقل في الأمور الغيبية حتى في صفات الله ،(73/132)
قالوا : ما نقبل إلا ما أملت علينا عقولنا ،
نقول : هذه العقول التي زعمتموها هي عقول وهمية وخيالات لا أصل لها ،
لأن العقل الصريح لا يمكن أن يناقض النقل الصحيح أبداً ،
وهذه قاعدة مضطردة كل عقلٍ صريح فإنه لا يمكن أن يخالف النقل الصحيح في الكتاب والسنة ،
ومعنى قولنا : ( العقل الصريح ) : يعني الخالص من داءين عظيمين هما الشبهة والشهوة ،
ولا أعني شهوة الفرج ، الشهوة يعني الإرادة ، الشبهة ألا يكون عنده علم ، والشهوة ألا يكون له إرادةٌ صالحة ،
لأن كل الانحرافات عن الحق لا تخرج عن أحد هذين السببين :
وهما الشبهة والشهوة إما جهل وإما سوء إرادة ،
قوله : ( بالهجى ) : يعني بالتتبع أن إنكاره جهلٌ قبيح ،
******************
190 – فإن يقم بنفسه فجوهر ،
أو لا فذاك عَرَض مفتقر ،
يعني أن المعلومات لا تخلو من حالين :
1. إما شيءٌ قائمٌ بنفسه ،
2. وإما شيءٌ قائمٌ بغيره ،
كل الموجودات بل كل المعلومات إما قائمةٌ بنفسها وإما قائمةٌ بغيرها ،
فمن مصطلحاتهم :
أن القائم بنفسه يسمى جوهراً ،
وليس الجوهر الذي هو النوع من الزينة جوهر أي قائم بنفسه ، جسم الإنسان جوهر ، الشمس جوهر القمر جوهر وهلم جراّ ،
كل شيء قائم بنفسه نسميه جوهراً ،
فلو قال آدم مثلاً سأهبك جوهرةً فأخذ صدري ينشرح وأفرح بذلك ثم أعطاني حجراً قدر الأنملة ، هل وفى بالوعد ؟ نعم على كلام المؤلف وفى بالوعد لكن على العرف ، لا ،
قوله : ( فذاك عرض ) : سواءٌ كان لازماً أم طارئاً يسمونه عرضاً ،
وعلى هذا فالطول والقصر واللون والقوة والضعف وما أشبه ذلك تسمى عرض ،
فلان جوهر كونه طويلاً أو قصيراً عرض ، الباب جوهر كونه أحمر أو أبيض أو أسود هذا عَرَض وهلم جراّ ،
ما الفائدة من معرفتنا لهذه الأمور ؟
لا فائدة ،(73/133)
ولكن كما قلت لكم أولاً : أنه لما أدخل المتكلمون هذه المسائل وهذه البحوث في عقائدهم اضطر علماء السنة إلى أن يتدخلوا في الموضوع لئلا يبقى الميدان خالياً من أهل الحق ،
قوله : ( مفتقر ) : أي مفتقر لغيره لأنه لا يقوم بنفسه ،
وأنت بمجرد ما يقال لك : ( طول ) ، ( قصر ) ، تعرف أنه عرض قائم بغيره لا بد أن هناك شيء يسمى طويل وشيء آخر يسمى قصير ،
******************
191 – والجسم ما ألف من جزئين ،
فصاعدا فاترك حديث المين ،
الجسم : كل شيءٍ مؤلف من جزئين ،
والواقع أن كل شيءٍ وإن صَغُرْ مؤلف من جزئين حتى نصل إلى شيءٍ كرأس الإبرة وهو الفرد المطلق ،
والناس مختلفون في وجود الفرد المطلق هل يمكن أو لا ؟ أو إنه ما يمكن من شيءٍ إلا ويمكن أن يتجزأ ؟
فيقولون : الجسم : ( ما أُلِّفَ من جزئين ) [146] ،
واسأل الآن اسأل في وقتنا هذا علماء الذرة لأنهم هم الذين يعرفون هذه الأشياء وما يمكن أن يُشَطَّرْ وما لا يمكن أن يُشَطَّرْ ،
لكن على كل حال عند المناطقة أن الجسم كل شيءٍ مؤلف من جزئين فإنه جسم ،
بقي عندنا المعاني غير مؤلفة من جزئين ، الصفات غير مؤلفة من جزئين ،
لكن الله قادرٌ على أن يجعل هذه الأوصاف والمعاني أجساماً فالأعمال يوم القيامة تُجعل أجساماً وتوزن والموت يكون كبشاً ويُذبح بين الجنة والنار مع أن الموت معنا ،
فصار الجسم ما أُلِّفَ من جزئين ،
مع أن هذا أدى إلى إنكار الصفات قالوا : لأنك إذا أثبتَّ الصفات فالصفات لا تقوم إلا بجسم والجسم مؤلف من جزئين فيكون الرب عز وجل مؤلفاً من جزئين وهذا ممتنع ،
انظر كيف أدى علم الكلام إلى القول بالباطل من حيث لا يشعر ،
ونحن بيَّنا فيما سبق في هذه العقيدة أنه لا يجوز إطلاق لفظ الجسم نفياً ولا إثباتاً ،
لا نقول : الله جسم ولا ليس بجسم ،(73/134)
لأن ذلك لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا نفيه ولا إثباته ،
لكن يُستفصل في المعنى :
إن أردت بالجسم الشيء المركب من أعضاءٍ وأجزاء فهذا شيءٌ ممنوع [147] ،
وإن أردت بالجسم الشيء القائم بنفسه المتصف بما يليق به فهذا حق فإن الله تعالى قائمٌ بنفسه متصفٌ بما يليق به ،
قوله : ( حديث المين ) : يعني حديث الكذب ،
******************
192 – ومستحيل الذات غير ممكن ،
وضده ما جاز فاسمع زكني ،
هنا بدأ بالمستحيل والجائز ، وينبغي أن يضاف الواجب أيضاً ،
المستحيل : ما لا يمكن وجوده ،
والجائز : ما يمكن وجوده وعدمه ،
والواجب : ما لا يمكن عدمه ،
والموجودات إما من قبيل الجائز أو من قبيل الواجب أو من قبيل المستحيل ،
ولكن إلى أيِّ شيءٍ نرجع في استحالة الشيء وعدمه ؟ هل نرجع إلى عقولنا أم ماذا ؟
نرجع في هذا إلى الشرع إلى الكتاب والسنة فيما يتعلق بالشرعيات ،
وإلى الواقع وأهل الخبرة فيما يتعلق فيما سوى ذلك ، وإلا لأمكن لكل واحدٍ أن يقول : هذا مستحيل كما قال أهل التعطيل إن الله مستحيل أن يكون له وجه مستحيل أن يكون له يد مستحيل أن يكون له عين وما أشبه ذلك ، لكن الكلام على الواقع ،
فالمستحيل غير ممكن ،
والواجب غير ممكنٍ عدمه ،
والجائز ما أمكن وجوده وعدمه ،
فلنضرب لهذا أمثلة :
وجود إلهٍ مع الله مستحيل لا شك ،
عدم الله مستحيل ،
وجود الله واجب ،
وجود الآدمي جائز ، لأن الله تعالى جائز أن يخلق الآدمي وجائز ألا يخلقه ،
تعذيب الله سبحانه وتعالى للطائع هو جائز من حيث الوقوع يمكن ،
لكنه ممتنعٌ شرعاً وممتنع عقلاً من وجهٍ آخر ،
ممتنعٌ شرعاً لأن الله تعالى أخبر أنه لا يظلم أحداً وتعذيب الطائع ظلم قال الله تعالى : { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما } ( طه 112 ) ، إذن مستحيل شرعاً ،(73/135)
وهو مستحيل عقلاً بالنسبة لله عز وجل لأن الله منزهٌ عن الظلم لذاته ،
فإن قال قائل : إنه جاء في الحديث : ( إن الله لو عذَّب أهل سماواته وأرضه لعذَّبهم وهو غير ظالمٍ لهم ) [148] ، وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لن يدخل أحدٌ الجنة بعمله ) قالوا : ولا أنت ؟ ، قال : ( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ) [149] ؟
قلنا : لا إشكال ،
فأما الأول : فمعناه أن الله لو عذَّب أهل سماواته وأرضه لعذَّبهم وهم مستحقون للعذاب وهو غير ظالم ومتى يستحقون ؟ إذا خالفوا في ترك الطاعة أو فعل المعصية ،
وأما الثاني : فالباء في قوله ( بعمله ) للمعاوضة يعني لو رجعنا للتعويض ما دخل أحدٌ الجنة ،
لأن الإنسان لو حوسب على أدنى نعمةٍ من الله لهلك لكن برحمة الله تعالى ،
قوله : ( زُكَني ) : أو ( زَكَني ) وعندنا ثالث وهو الواجب ،
******************
193 – والضد والخلاف والنقيض ،
والمثل والغيران مستفيض ،
قوله : ( مستفيض ) : يعني العلم بهذه الأشياء مستفيض ، لكن لا حاجة لنا به وإن كان مستفيضاً ،
أولاً : ضد ، فما هو ضد الشيء ؟
ضد الشيء : هو ( الذي لا يمكن أن يجتمع معه لكن يمكن أن يُعدما جميعاً ) ،
يعني لا يجتمعان ويجوز أن يرتفعا هذا الضد ضد الشيء ما لا يجتمع معه لكن يجوز أن يرتفع معه
مثال ذلك : اللون الأبيض والأسود هذان ضدان لا يمكن أن يكون الشيء أبيض أسود لا يمكن لكنهما يرتفعان فيمكن أن يكون الشيء أحمر ،
فكل شيئين لا يجتمعان ولكنهما يرتفعان يعني يجوز ارتفاعهما فإنهما يسميان ضدين ،
الثاني : الخلاف [150] ، الخلافان : هما ( اللذان يجتمعان ويرتفعان ) ،
ولكن كل واحد غير الثاني يعني غيران يجتمعان ويرتفعان ،
مثاله : الحركة والبياض هذان خلافان ، خلافان ،
لأن كل واحد يخالف الآخر ،(73/136)
ولكنهما يجتمعان ويرتفعان ،
فقد يكون الشيء لا متحركاً ولا أبيض ،
يعني ساكناً أسود ،
وقد يكون متحركاً أسود ،
وقد يكون أبيض ساكن ،
إذن يجتمعان من كل وجه ويرتفعان من كل وجه ،
وحقيقتهما متماثلة أو غير متماثلة ؟
غير متماثلة ،
النقيض : نقيض الشيء : ( ما لا يجتمع معه لكن لا يرتفعان لكن لا بد من وجود أحدهما ) ،
فهما أي النقيضان : ( ما لا يجتمعان ولا يرتفعان ) ،
هذان النقضيان لا بد من وجود أحدهما ،
مثاله : الوجود والعدم ،
الوجود والعدم ، نقيضان أو لا ؟
نقيضان ،
لأن المعدوم غير موجود [151] والموجود غير معدوم ،
هل يمكن أن يجتمعا ؟
لا ،
هل يمكن أن يرتفعا ؟
لا ،
يعني لا يمكن أن يكون الشيء لا موجود ولا معدوم ،
لا بد أن تقول : إما موجود وإما معدوم ،
الحركة والسكون نقيضان ،
لماذا ؟
لا يجتمعان ولا يرتفعان ،
لأنه ما من شيء إلا متحرك أو ساكن ،
الخالق والمخلوق متباينان ،
لكن يختلفان في أن الخالق واجب الوجود [152] والمخلوق جائز الوجود ،
قوله : ( والمثل ) : وهما المثلان ، المثلان هما شيءٌ واحد ،
لا يصح أن نقول : هما متغايران [153] ،
كالجلوس والقعود مثلاً : الجلوس والقعود شيءٌ واحد ،
هذا إذا أريد بالقعود قعود الإنسان بجسمه ،
أما إذا أريد بالقعود التأخر ،
مثل : { وقيل اقعدوا مع القاعدين } ( التوبة 46 ) ، فهذا غير هذا ،
قوله : ( والغيران مستفيض ) : ( الغيران ) يعني : ( الذي أحدهما غير الآخر ) ،
وهذا يشمل كل ما سبق مما لا يجتمعان ،
قوله : ( مستفيض ) : يعني الغيران تشمل الضد والخلاف والنقيض [154] ،
وأما المثل فليس غير المثل بل هو المثل ،
قوله : ( مستفيض ) : يعني معلومٌ مشهور عند علماء المنطق ،
ولكن كما رأيتم الآن هل نحن نستفيد من هذا ؟
لا فائدة وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال : كنت أعلم دائماً أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد ،
******************(73/137)
194 – وكل هذا علمه مُحقَّق ،
فلم نُطِلْ فيه ولم ننمق ،
قوله : ( وكل هذا علمه مُحقَّق ) : عند من ؟ عند أهل المنطق ،
قوله : ( ولم ننمقُ ) : رَفَعَها مراعاةًَ للرَّوي ،
وإلا كان الواجب أن يقول : ( ولم ننمقِ ) أو ( ولم ننمقْ ) لكن لا بأس ،
لأن النَّظْم كما قال صاحب الملحة الحريري رحمه الله صلف يعسف الناس ولا يعسفونه ،
قال :
وجائزٌ في صنعة الشعر الصَّلِف ،
أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف [155] ،
يعني ما أطلنا فيه ولا نمَّقنا ولا حسَّناَّ وزيَّناَّ ،
ونقول : جزاك الله خيراً وغفر لك وليتك لم تأتي به أصلاً ،
ثم حمد الله عز وجل على إكمال هذه المنظومة فقال :
******************
195- والحمد لله على التوفيق ،
لمنهج الحق والتحقيق ،
لأن من وفقه الله عز وجل لمنهج الحق فقد أنعم عليه نعمةً كبيرة ،
لأن الهداية مع أن أكثر أهل الأرض على ضلال نعمة من الله ونجاة من الله سبحانه وتعالى ينجي بها العبد فيستحق عز وجل أن يُحمد عليها ،
قوله : ( على التحقيق ) : يعني أن هذا المنهج ، وهو منهج أهل السنة والجماعة ،
هو منهج التحقيق ،
وليس ما يدَّعيه أهل الكلام أهل الكلام إذا أراد أن يتكلم قال : ( قال أهل التحقيق ) ، ( أجمع أهل التحقيق ) ،
وهذا دعوى ،
فالتحقيق هو محاولة الوصول إلى الحق ولا نعلم أحداً يحاول الوصول إلى الحق وهو أقرب إلى الحق من أهل السنة والجماعة ،
******************(73/138)
196 – مُسَلِّماً لمقتضى الحديث ،
والنص في القديم والحديث ،
قوله : ( مسلِّماً ) : يعني حال كوني مسلِّماً ،
قوله : ( لمقتضى الحديث ) : أي لما يقتضيه حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
قوله : ( والنص ) : أي القرآن ،
قوله : ( في القديم ) : في الزمان القديم ،
قوله : ( والحديث ) : يعني الزمان الحديث ،
ولا يخفى ما في هذا البيت من الجناس اتفاق اللفظين مع اختلاف المعنى ،
لأن قوله : ( الحديث ) : يعني الحديث النبوي ،
وقوله : ( الحديث ) : يعني الجديد ضد القديم ،
******************
197 – لا أعتني بقول غير السلفِ ،
موافقاً أئمتي وسلفي ،
يعني لا أهتم بقول غير السلف حال كوني موافقاً ( أئمتي وسلفي ) ،
وهذا تحدثٌ بنعمة الله عز وجل عليه وليس من باب الفخر والعلو ،
******************
198 – ولست في قولي بِذا مقلِّداَ ،
إلا النبي المصطفى مبدي الهدى ،
يعني لا أقلد فيما ذهبت إليه إلا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ،
وفُهِمَ من كلامه أنه يجوز أن يسمى اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقليداً ،
وهذا مختلفٌ فيه :
فمنهم من يقول : لا تسمي نفسك مقلداً للرسول ولكن سمي نفسك متبعاً للرسول ،
ولا شك أن هذا هو الأوْلى ،
لأن الأصل في التقليد قبول قول القائل بدون دليل ،
وقبولنا لقول الرسول قبولٌ بدليل ،
ولهذا ينبغي أن نسمي ذلك اتباعاً .
كما قال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } ( آل عمران 31 ) .(73/139)
وقال : { فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } ( الأعراف 158 ) .
لكن لا بأس أن نتسامح ونقول من باب التَّجَوُّز : أن هذا تقليد ،
قوله : ( إلا النبي المصطفى ) : ويعني بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم ،
و ( المصطفى ) : اسم مفعول من الصفوة ، وأصله : ( المصتفى ) .
ولكن قُلِبَت التاء طاءاً لعلةٍ تصريفية ،
والمصطفى : يعني : الذي اصطفاه الله عز وجل وجعله من صفوة خلقه ،
قوله : ( مبدي الهدى ) : أي مظهره ،
قال الله تعالى : { وإنكم لتهدي إلى صراط مستقيم } ( الشورى 52 ) .
******************
199 – صلى الله عليه الله ما قطرٌ نزل ،
وما تعالى ذكره من الأزل ،
قوله : ( صلى عليه الله ) : الصلاة من الله يعني ثناءه عليه في الملأ الأعلى ،
قوله: ( ما قَطْرٌ نزل ) : يعني مدة نزول القَطْر ،
ومن يحصي نزول القطر ؟
لا يحصيه إلا الله عز وجل يعني صلى الله عليه صلواتٍ كثيرةً كثيرةً كثيرةً كقطرات المطر ،
قوله : ( وما تعالى ذكره من الأزل ) : يعني وأصلي عليه أيضاً ما تعالى ذكره من الأزل ،
قوله : ( من الأزل ) : يعني ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الماضي القديم ،
وفي نسخة : ( تعانى ) : وهي في الشرح ،
المهم أنه يصلي عليه جزاه الله خيراً بهذا القدر الكثير الذي لا يُحصى وهو صلى الله عليه وآله وسلم أهلٌ لذلك ،
******************
200 – وما انجلى بِهَدْيِهِ الديجور ،
وراقت الأوقات والدهور ،
قوله : ( الديجور ) : أي الظلام ،(73/140)
وما أكثر ما انجلى الظلام بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
ما أكثر المتبعين له اهتدوا بهديه واستناروا بنوره ،
قوله : ( وراقت الأوقات والدهور ) : أي صارت رائقة محبوبة ،
والمراد تكثير الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو صلى الله عليه وآله وسلم أهلٌ لذلك ، فصلوات الله وسلامه عليه ،
******************
201 – وآله وصحبه أهل الوفا ،
معادن التقوى وينبوع الصفا ،
قوله : ( وآله ) : عطفاً على قوله ( صلى الله عليه الله ) يعني وصلى الله على آله وصحبه ،
قوله : ( آله ) : إذا لم يقترن معها شيء فأصح الأقوال : أنهم أتباعه على دينه ،
قوله : ( وصحبه ) : وهم أصحابه ،
والصحابي : ( من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مؤمناً به ومات على ذلك ) [156] ،
ويشمل أي اجتماع سواءٌ كان طويلاً أو قصيراً فهذا هو الصحابي ،
قوله : ( أهل الوفا ) : يعني أصحاب الوفا ،
فإنه لا أحد من أتباع الأنبياء أوفى من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا هاجروا أوطانهم وتركوا أموالهم إلى الله ورسوله ونصروا الله ورسوله وجاهدوا في الله حتى فتح الله بهم قلوباً غلفاً وآذاناً صُماًّ وفتحوا البلاد وأنجوا العباد وصار لهم من المكانة ما ليس لغيرهم من أتباع الرسل ،
قوله : ( معادن التقوى ) : يعني أنهم معادن التقوى ،
والمعادن : جمع : ( معدن ) : وهو : ما يكون في الأرض من غير جنسها .
مما خبَّأتْه الأرض من أطايب العناصر .
كالذهب والفضة وما أشبه ذلك .
هؤلاء هم معادن التقوى أي تقوى الله عز وجل ،
******************
202 – وتابعٍ وتابعٍ للتابع ،(73/141)
خير الورى حقاًّ بنص الشارع ،
قوله : ( وينبوع ) : يعني الماء النابع من الأرض ،
قوله : ( والصفا ) : من الصَّفْوَة .
لأن الصحابة رضي الله عنهم هم صفوة هذه الأمة .
كما النبي عليه الصلاة والسلام : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [157] ،
قوله : ( وتابعٍ ) : للصحابة ،
قوله : ( وتابعٍ للتابع ) : تابع التابعين ، وهذه هي القرون المفضلة ،
ولهذا قال : ( خير الورى حقاًّ ) ،
قوله : ( حقاًّ ) : مفعول مطلق لعاملٍ محذوف ، التقدير : ( أُحِقُّ ذلك حقاًّ وأثبته إثباتاً ) ،
قوله : ( بنص الشارع ) : من الشارع ؟
محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،
ويُطلق على الله أيضاً ،
قال الله تعالى : { شرع لكم الدين ما وصى به نوحا } ( الشورى 13 ) .
وقال تعالى : { ثم جعلناك على شريعة من الأمر } ( الجاثية 18 ) .
والرسول صلى الله عليه وسلم شارع يشرع للناس ويبين لهم الطريق فقد نصَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن خير الناس قرنه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ،
******************
203 – ورحمة الله مع الرضوان ،
والبِر والتكريم والإحسان ،
قوله : ( ورحمة الله ) : مبتدأ ، وما عُطِفَ عليها و ( تُهدى ) خبر المبتدأ ،
قوله : ( رحمة الله مع الرضوان ) : أي مع رضاه عز وجل ،
ورضاه أخص من رحمته ،
لأن رحمته تنقسم على قسمين :
1. عامة لجميع الخلق ،
2. وخاصة للمؤمنين ،
أما الرضا : فإنه خاصٌ بالمؤمنين ،
ولا يمكن أن يرضى الله عن الكافرين ولا عن أعمالهم ،
فلذلك صار الرضوان أخص ،
قوله : ( والبر ) : البر الخير الكثير ،
قوله : ( والتكريم ) : يعني منا لهم نكرمهم ولكن كيف نكرمهم وهم أموات ؟(73/142)
إكرامنا إياهم وهم أموات بإكرام آرائهم وأقوالهم واحترامها وعدم الاعتراض عليها والدعاء لهم وسؤال العفو لهم إذا أخطئوا وما أشبه ذلك ،
قوله : ( والإحسان ) : الإحسان إليهم بالدعاء ،
وكان المؤمنون يقولون : { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } ( الحشر 10 ) .
******************
204 – تُهدى مع التبجيل والإنعام ،
مني لمثوى عصمة الإسلام ،
قوله : ( تُهدى ) : ممن ؟ من المؤلف ولذلك حذف الفاعل لأجل أن يكون عاماً المؤلف وغيره ،
قوله : ( التبجيل ) : التبجيل : ( غاية التكريم ) ،
قوله : ( والإنعام ) : يعني الإفضال والنعمة هي الفضل ،
قوله : ( مني ) : خص الآن ما عاد يمكن الآن القول بالعموم ،
قوله : ( لمثوى عصمة الإسلام ) : هي قبورهم فكأنه دعا رحمه الله لأهل عصمة الإسلام أن يضع الله في قبورهم الرحمة والرضوان والبر والتكريم والإحسان إلى آخره ،
قوله ( عصمة الإسلام ) : يعني الذين بهم عُصِمَ الإسلام ،
وهم العلماء الربانيون الذين علموا الحق وعملوا بالحق ودعوا إلى الحق ودافعوا إلى الحق هؤلاء هم الأئمة رحمة الله عليهم ،
******************
205 – أئمة الدين هُداة الأمة ،
أهل التُّقى من سائر الأئمة ،
قوله : ( هداة ) : جمع هادي ،
والمراد بالهداية هنا هداية الدلالة والإرشاد ،
لأنه لا أحد يهدي أحداً هداية توفيق إلا رب العالمين عز وجل ،
قوله : ( سائر ) : أي جميع ،
و ( سائر ) تطلق بمعنى ( جميع ) وتطلق بمعنى ( بعض ) ،
فأما إطلاقها بمعنى ( جميع ) فهي مشتقة من السور لأنه محيطٌ بالبيت ،(73/143)
وأما ( باقي ) فهي مشتقة من السؤر وهو بقية شراب الحيوان كسؤر الهرة وسؤر الإنسان وما أشبه ذلك ،
وهنا المراد المعنى الأول أو الثاني ؟
الأول ،
قوله : ( الأئمة ) : جمع إمام : وهو ( من تَمَيَّزَ بشيءٍ من متبوعٍ عليه ) ،
وليس كل عالمٍ إماماً ،
لكن العلماء الأجلاء الذين تميزوا بالتحقيق والتدقيق والتحرير حتى تبعهم الناس هؤلاء أئمة ،
لكن منهم أئمةٌ اشتهروا وانتشرت آراؤهم وكاد المسلمون يجمعون على أنهم أئمة ومنهم أئمةٌ دون ذلك ،
******************
206 – لا سيما أحمد والنعمان ،
ومالك محمد الصنوان ،
قوله : ( لا سيما ) : كلمة يؤتى بها لبيان أن ما بعدها أولى مما قبلها ، هذا هو معناها ،
قوله : ( أحمد ) : يعني به ابن حنبل ،
قوله : ( النعمان ) : يعني به أبا حنيفة ،
قوله : ( مالك ) : يعني به مالك بن أنس إمام دار الهجرة ،
قوله : ( محمد ) : يعني به الشافعي ،
قوله : ( الصنوان ) : لأنه رحمه الله كان مُطَّلِبِياًّ ،
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن عم الرجل صِنْوُ أبيه ) [158] ، فهو صنوانٌ للرسول عليه الصلاة والسلام ،
وتراجم هؤلاء الأئمة الأربعة معروفة مشهورة لا نطيل بذكرها ،
******************
207 – من لازمٍ لكل أربابه العمل ،
تقليد حَبْرٍ منهم فاسمع تخل ،
قوله : ( من ) : اسم موصول ،
قوله : ( لازم ) : خبر مقدم ،
قوله : ( تقليد ) : مبتدأ مؤخر ، يعني من تقليد حَبْرٍ منهم لازمٌ لكل أرباب العمل ،
إذن فالعبارة فيها تقديم وتأخير ، تقديم الخبر على المبتدأ ،(73/144)
يعني أنه يلزم لكل إنسانٍ يعمل أن يقلد واحداً من هؤلاء الأربعة ،
هذا معنى كلام المؤلف وهذا قولٌ ضعيف جداًّ ،
لأنه مقتضاه أنه لا يجوز العمل بقولٍ خارجٍ عن أقوال هؤلاء الأئمة الأربعة ،
والأمر ليس كذلك ولا يلزم اتباع أحدٍ ،
على كل حال إلا الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي يلزم اتباع قوله ،
على كل حال أما هؤلاء الأئمة الأربعة فإنه لا يلزمنا أن نأخذ بقولهم ولنا أن نخرج عن أقوالهم ،
ولكن لا شك أنهم إذا أطبقوا على شيء فإنه أقرب إلى الصواب فالخروج عنه يحتاج إلى تأني ،
واعرفوا هذه القاعدة :
أنك إذا رأيت الجمهور على قولٍ فلا تخرج عنه إلا بعد التأني والتريث والنظر في الأدلة والتدبر فيها ،
لماذا ؟
لأن قول الجمهور لا يُستهان به ،
قول الجمهور أقرب إلى الحق من قول الواحد ،
فلا تفرح أن تجد قولاً غريباً تخرج به أمام الناس ليصدق قول الناس عليك : ( خالف تُعرف ) ، وبعض الناس يقول : ( خالف تُذكر ) ،
لا ، كن مع الجماعة ، لكن إذا بان أن الحق في خلاف قول الجمهور فالواجب عليك اتباع الحق ، إذن في كلام المؤلف نظر ،
قوله : ( تُخَلْ ) : أي تُخَلَّى ،
******************
208 – ومن نحى لسبلهم من الورى ،
ما دارت الأفلاك أو نجمٌ سرى ،
قوله : ( من نحا ) : أي اتجه وأخذ ،
قوله : ( لسبلهم ) : لطرقهم ،
قوله : ( من الورى ) : من الخلق ،
قوله : ( ما دارت الأفلاك أو نجمٌ سرى ) : يعني مدة دوران الأفلاك وسريان النجم ، والنجم هنا عام يشمل كل نجم فما أكثر هذا الدعاء الذي ذكره المؤلف ما دام شاملاً لكل الأفلاك أو لكل دورةٍ من دورة الأفلاك وسريان النجم ،
******************
209 – هديةٌ مني لأرباب السلف ،(73/145)
مجانباً للخوض من أهل الخلف ،
قوله : ( هديةٌ مني ) : نقول : مقبولة ، أهداها لنا رحمه الله ،
قوله : ( لأرباب السلف ) : أي لأصحاب السلف ،
قوله : ( مجانباً للخوض من أهل الخلف ) : لأن هذه العقيدة مبنية على طريق السلف ،
وإن كان فيها بعض الشيء الذي نبَّهنا عليه أثناء مرورنا به ،
لكنها في الجملة سلفيةٌ محضة ،
******************
210 – خذها هُديتَ واقتفي نظامي ،
تَفُزْ بما أَمْلَيْتُ والسلام ،
المعنى واضح يعني أنك إذا أخذتها واتبعت نظامي أي منظومي فيها فإنك تفوز بما أمَّلْتَ أو بما أمَّلْتُ أنا ولكن الحسن بما أمَّلْتَ أنت ،
قوله : ( والسلام ) : نقول : هي هدية مقبولة وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ،
والحمد لله على التمام
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ونسأل الله تعالى أن يهدي إخواننا للحفظ وأن يدعوا الكسل والتكاسل فإنه لا خير في الكسل والتكاسل ،
الأسئلة
السؤال : كتاب ( التدمرية ) فيه ما يصعب على طالب العلم فهمه إذا أراد أن يدرس هذا الكتاب يعني يصعب عليه فيستعين بكتاب ( تسهيل المنطق ) قبل أن يدرس هذا الكتاب ، فما رأيكم ؟
الجواب : ليس بصحيح رأيي أنه ليس بصحيح ،
الحمد لله أنا فهمت ( العقيدة التدمرية ) ولا درست من المنطق ولا شيء أبداً ليس بصحيح لست في ضرورة ، ( العقيدة التدمرية ) صحيح فيها مقدمات صحيح يحتاج لأحدٍ يفهمه إياها ،
لكن ليس بلازم تقرأ علم كامل من أجل مسألة تشكل عليك ليس بصحيح ، بيَّنا رأينا لكم فيه أنه يجوز للضرورة وبقدر الضرورة فقط ،(73/146)
السؤال : قوله تعالى : { وقد نزل عليكم في الكتاب ،،،،،،،،،، } ( النساء 140 ) الآية كيف نستدل بها على المنكرات التي أقل من الكفر لأن يقول آيات يُكفر بها ويُستهزأ فمثلاً شرب الدخان كيف نستدل بها على عدم جواز بقاء الإنسان الذي يرى ،،،، ؟
الجواب : العلة العلة ، العلة هي البقاء معهم فإن كان على كفرٍ فهو كفر وإن كان على ما دون الكفر فهو دون الكفر ،
السؤال : الاستهزاء بالآيات يشمل الكفر ؟
الجواب : هذا كفر ،
السؤال : من الآية يا شيخ ؟
الجواب : كيف الآية ؟
السؤال : الآية نصت على أنه يُكفر بها ويُستهزأ ،
الجواب : هذا في الكفر والاستهزاء ، والمعاصي ؟
السؤال : ليس في الآية نص ،
الجواب : مثلها العلة واحدة العلة المشاركة والمخالطة فإن خالطهم على أمرٍ كفريٍّ فهو كفر وعلى أمرٍ دونه فهو دونه ،
السؤال : بعض المشايخ يحرمون الدخول في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عللوا لذلك أنه أصبح رجال الهيئة لا حول لهم ولا قوة يوم الخميس والجمعة يعطلون والساعة الواحدة في الليل إن كان هناك منكر فلا يستطيعون لأن الدوام انتهى فعللوا بهذه العلل فما هو رأيكم ؟
الجواب : أقول إن من العلل ما هو علةٌ بنفسه وهذه علةٌ عليلة هل الدخول في هذا الأمر القاصر خيرٌ أم تركه لمن لا يستحقه ؟
الأول يعني لا ينظر للواقع ينظر لما يحصل من نتيجة وعاقبة ،
لو أنا تركنا المسائل أو الجهات التي فيها منكر لو تركناها بحجةٍ أننا لا نريد أن نشارك في أمرٍ يكون فيه المنكر ثم شغل هذا المكان المعد لنا من ليس فيه خير فهل المنكر يزيد ؟
نعم إن لم يزد لم ينقص لكن إذا دخل أهل الخير فيه إن لم ينقص لم يزد بل نقول : إن لم يزل نقص فأرى أنه من الخطأ أن الإنسان يترك الانتظام في سلك الهيئة لهذه العلل هذه علةٌ عليلة ،(73/147)
ثم ليعلم أن الولايات عملها بحسب ما يسنه الإمام يعني من له ولاية سواءاً الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أو القضاء أو غيره يكون على الحد الذي حُدَّ له من قِبَلِ الإمام حتى إن القضاة قالوا يجوز أن يُولى القضاء في الأنكحة فقط في شرقي الرياض ،
انظر الآن لو تحاكم عند القاضي هذا شخصان فقط في شرقي الرياض في مسألة بيع ينفذ حكمه أو لا ؟
لا ينفذ حكمه ولو حكم هذا القاضي في غربي الرياض في مسألة بيع ؟ لم ينفذ ولو قيل أنت قاضٍ لمدة شهر ابتداءاً من ربيع الأول فحكم في أول يوم من ربيع الثاني ؟
لا ينفذ ،
ذفإذا قيل للهيئات : أنتم عملكم من السبت إلى الأربعاء خلاص يكون عملهم الخميس والجمعة تطوعاً كغيرهم من الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كغيرهم من الناس لأنهم لم يقل لهم لا تأمروا ولا تنهوا ،
والخلاصة أن هذه المسألة يعني فرعية أو فردية وإنما أقول على وجه العموم أن دخول الإنسان في الولايات أو إن شئت فقل في الجهات الحكومية أمرٌ مطلوب لا سيما إذا كان الإنسان يُؤَمِّل أن يكون فيه خير ونحن علمنا أن في سلك الجيش وفي سلك الطب وفي سلك الطيران شباب مستقيم نفع الله به نفعاً عظيماً واهتدى على أيديهم أناس بعملهم وفي غير عملهم فإذا انزاح هؤلاء عن المكان ماذا بقي ؟ بقي المكان فاسداً والإنسان كما قلت لكم ينظر للمصالح العامة ،
حتى إن شيخ الإسلام رحمه الله سئل مرة قيل له : رجل يشتغل في المكوس والمكوس حرام ليس فيها إشكال أكل المال بالباطل لكنه يخفف بقدر المستطاع أيجوز أن يدخل ؟ ،
قال نعم ،
لماذا ؟
لأنه يقلل المفسدة والضرر صحيح أنه سيمارس ضرراً لكن يقلل والعبرة بالعموم بالمنفعة العامة العبرة بالمنفعة العامة ،
السؤال : إذا كان يجالس مع قوماً دعاهم فلم يستجيبوا له فهل يجلس معهم لعلهم يستجيبوا له فيما بعد ؟(73/148)
الجواب : عندنا ضررٌ محقق ومنفعةٌ موهومة فأيهما نقدِّم ؟ اعتبار الضرر المحقق أو المنفعة الموهومة ؟
الضرر المحقق وكوني أبقى عندهم على المنكر رجاء أن ينتفعوا فيما بعد يرد عليه العكس أنك إذا قعدت معهم على المنكر أثمت ومن جهةٍ أخرى إذا أنكرت عليهم في المرة الثانية احتجوا بفعلك الأول قالوا ما الذي فرَّق بين اليوم والأمس لكن لو هجرتهم وقمت فقد يكون في هذا ردعٌ لهم وحياء وخجل انتهى الوقت ،
السؤال : قلنا أنه فائدة من علم المنطق ثم نحن ندرسه الآن فهل هذا للتمرين أم لأن المؤلف أتى به ؟
الجواب : ما دام المؤلف أتى لا بد ندرسه لئلا يقال درسنا العقيدة إلا آخرها ،
السؤال : إذن فيه فائدة من الدليل العقلي ؟
الجواب : فيها تمرين ليس فيه شك العقل فيه ، لكن هناك معلومات أهم منه ،
السؤال : هل يدخل علم المنطق في أصول الفقه ؟
الجواب : لا ، لا يدخل المنطق في أصول الفقه لكن الأصوليون بعضهم دخل علم المنطق ،
السؤال : هل له دخول في العقيدة ؟
الجواب : له دخول في العقيدة أيضاً سيأتينا إن شاء الله بعد أن نكمل كيف تدخل في العقيدة ،
- النهي عن المنكر واجب وفعل المنكر حرام ،
فإذا فعل المنكر فقد أتى المحرم وإذا لم يَنْهَ عنه فقد ترك الواجب لأنه ارتكب المحرم ،
فهذه هي هو الآن يريد أن يفعلها ليس يقول : أنا بين أمرين :
إما أن أنهى المنكر ،
وإما أن أفعل المنكر ،
لو كان هذا نظرنا في الموضوع لكن يقول هو سيفعل المنكر لا بد وسيقوم بالنهي عن المنكر ولا بد إذا ترك النهي ارتكب محظوراً آخر ،
لكن هل الرسول قال هذا لأجل أن يفعله الناس أو محذراً منه ؟
يعني بعض الناس يلتبس عليه والعياذ بالله يفعل الزنا ولا ينهى عنه حتى لا يقع في هذا العقاب وهذه الكبيرة ،
نقول : غلط هذا ،(73/149)
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما بيَّن ذلك للنهي عن ارتكاب هذا الشيء ولاحظ أن الذي ينهى المنكر وهو يرتكبه أنه كالمستهزئ بآيات الله كيف تنهى عنه وأنت ترتكبه لو كنت صادقاً في النهي عنه ما فعلته إلا إذا كان ليس لك عقل فهذا شيء ثاني ،
إذا كنت أن ترتكب المحرم وتترك الواجب لكن الرسول حذر من هذا إذا حذر من الزنا هل معناه نرتكب الزنا ؟
لكن الرسول حذر من هذا الشيء لئلا نرتكبه ليس لأن نرتكبه واضح تأمله ,
السؤال : قولنا : ( كل حادث لا بد له من محدث ) ، هل هذا مُسَلَّمْ ؟
الجواب : نعم ،
السؤال : يعني يطلق على الله أنه محدث ؟
الجواب : أعوذ بالله ليس بصحيح ، كل حادث لا بد له من محدث هذا صحيح ، { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } ( الطور 35 ) ، هذا صحيح وهو الله كل حادث لا بد له من محدث أليس النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( ولكن الله يحدث من أمره ما يشاء ) [159] ؟ يصح أن نخبر عن الله بأنه محدث كما نقول بأنه خالق لعلك تحوم حول شيءٍ آخر غير هذا وهو أن الناس لا يزالون يقولون : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقولون من خلق الله ؟
فحينئذٍ لا يمكن أن نتسلسل لأن عندهم القاعدة العقلية التسلسل في الآثار لا في المؤثر [160] ، المؤثر لا يمكن أن يتسلسل ،
ولهذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام من أُصيبَ بهذا أن ينتهي [161] ،
السؤال : لماذا لم يقل :
مُسَلِّماً لمقتضى النص والحديث في القديم والحديث
أليس ذلك أفضل ؟
الجواب : لا يصح البيت إذا زدت في الشطر الثاني رجح على الشطر الأول صار ، كأنك تقول لماذا يقدم الحديث على النص وهو القرآن ، القرآن أشرف ؟
نقول : يجوز تقديم غير الأشرف لمراعاة نسق الكلام ،
انظر إلى موسى وهارون أيهما أشرف ؟(73/150)
موسى ، وموسى يقدم في الذكر ، لكن في سورة طه قال : { برب هارون وموسى } ( طه 70 ) ، لأجل أن تتناسب هذه الآية مع الآية الأخرى ،
السؤال : النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من صلى علي واحدة صلى الله عليها بها عشرا ) [162] ، فهل قوله : ( ما قطرٌ نزل ) ، يعني كل قطرة تنزل له بها حسنة ؟
الجواب : لا ، يعني أنه مستحق أنه يُصلّى عليه بكثرة قطر الندى وإلا فلا أظنه أنه يحصل له الثواب ،
السؤال : أتى المؤلف ببعض قواعد المنطق في هذه الخاتمة ولم يبين رحمه الله كيفية استخدامها في علم العقيدة ولا فوائدها في العقيدة ؟
الجواب : أبداً لولا المنطق لسلمت العقيدة ، المنطق بلاء ،
السؤال : لكن لم يبين لماذا جاء بها ؟
الجواب : جاء بها الظاهر تبعاً لغيره لأن بعض الذين يؤلفون في العقائد يذكرون مثل هذه المسائل ،
السؤال : ذكروها لاستخدامها في العقيدة ؟
الجواب : يذكرونها لئلا تَرِد على أحد وتشكل عليه ،
- إذا قلت : الإنسان جسم ناطق ، هل هذا الحد تام أو لا ؟
لا ، لأن الجنس بعيد ( جسم ) ،،،
لأنك إذا قلت : جسم الإنسان يتصور كل الأشياء المجسمة ،
إذا قلت : حيوان خرج جميع الأشياء المجسمة إلا الحيوان ،
ولا يُعدل عن الجنس القريب إلا لحاجة لأن الحد يكون ناقصاً ،
- البر هو القمح هذا تعريف بالأظهر وهو الحد اللفظي .
انتهى نسخ هذا الشرح في الساعة الثامنة وست وأربعين دقيقة من ليلة السبت
بتاريخ 20 / 1 / 1422 هـ الموافق 13 / 4 / 2001 م .
فالحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
غفر الله لمؤلف هذا الكتاب وشارحه وناسخيه
ومن قام على إخراج هذا الشرح
والحمد لله رب العالمين
فهرس الموضوعات
المقدمة ................................................................................ 3 .(73/151)
متن العقيدة السفارينية ................................................................. 7 مقدمة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى .............................. 23 .
خطبة المتن ............................................................................. 36 .
أسئلة خطبة المتن ....................................................................... 75 .
فصل : في ترجيح مذهب السلف على الخلف ......................................... 79 .
الأسئلة .............................................................................. 122 .
الباب الأول : في معرفة الله ......................................................... 127 . .
فصل : في بحث أسمائه جل وعلا ..................................................... 132 .
الأسئلة ............................................................................. 144 .
فصل : في بحث صفاته جل وعلا ...................................................... 147
الأسئلة ............................................................................... 176
فصل : في مبحث القرآن العظيم وبيان اختلاف الناس فيه ومذهب السلف .............. 181
الأسئلة ............................................................................... 193
فصل : في الصفات التي يثبتها السلفيون ويجحدها غيرهم ............................... 195
الأسئلة ............................................................................... 259
فصل : في إيمان المقلد ................................................................. 269(73/152)
الباب الثاني : في الأفعال المخلوقة ..................................................... 274
الأسئلة والمناقشة ..................................................................... 303
فصل : في الكلام على الرزق ......................................................... 306
الأسئلة والمناقشة ..................................................................... 312
الباب الثالث : في الأحكام والإيمان ومتعلقات ذلك ................................... 313
الأسئلة ............................................................................... 319
فصل : في الكلام على القضاء والقدر غير ما تقدم ..................................... 320
الأسئلة والمناقشة ..................................................................... 325
فصل : في الكلام على الذنوب ومتعلقاتها ............................................. 327
الأسئلة ............................................................................... 333
فصل : في ذكر من قيل بعدم قبول إسلامه ............................................. 334
الأسئلة ............................................................................... 341
فصل : في الكلام على الإيمان واختلاف الناس فيه وتحقيق مذهب السلف في ذلك ....... 342
الأسئلة ............................................................................... 371
الباب الرابع : ذكر البرزخ والقبور والبعث النشور .................................... 378
الأسئلة ............................................................................... 386
فصل : في ذكر الروح والكلام عليها ................................................. 388(73/153)
الأسئلة ............................................................................... 395
فصل : في أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ومجيئها .......................... 397
الأسئلة ............................................................................... 410
فصل : في أمر المعاد .................................................................. 411
الأسئلة ............................................................................... 434
فصل : في الكلام على الجنة والنار .................................................... 438
الأسئلة ............................................................................... 459
الباب الخامس : في ذكر النبوة ومتعلقاتها .............................................. 460
الأسئلة ............................................................................... 473
فصل : في بعض الخصائص النبوية ..................................................... 479
فصل : في التنبيه على بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة جداًّ .............. 492
الأسئلة .............................................................................. 500
فصل : في ذكر فضيلة نبينا وأولي العزم وغيرهم من النبيين والمرسلين ................... 502
فصل : فيما يجب للأنبياء عليهم السلام وما يجوز عليهم وما يستحيل في حقهم ......... 505
الأسئلة ............................................................................... 511
فصل : في ذكر الصحابة الكرام ...................................................... 516
الأسئلة ............................................................................... 552(73/154)
فصل : في ذكر كرامات الأولياء وإثباتها .............................................. 560
الأسئلة ............................................................................... 568
فصل : في المفاضلة بين الملائكة والبشر ................................................ 572
الباب السادس : في ذكر الإمامة ومتعلقاتها ............................................ 577
الأسئلة ............................................................................... 603
فصل : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ........................................... 611
الأسئلة ............................................................................... 628
الخاتمة ................................................................................ 631
الأسئلة ............................................................................... 658
فهرس الموضوعات .................................................................... 663
---
[1] - انظر تعريف الصحابي في الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ( 1 / 158 ) وفتح الباري لابن حجر ( 6 / 490 ) ( 7 / 5 ) والنكت على نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ص 149 للشيخ علي حسن عبدالحميد الحلبي وكشف الأسرار لعبدالعزيز البخاري ( 2 / 384 ) والبحر المحيط للزركشي ( 6 / 190 – 196 ) والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج ( 2 / 261 – 262 ) وشرح الكوكب المنير ص 292 – 293 وكشاف القناع للبهوتي ( 1 / 16 – 17 ) وشرح مختصر خليل للخرشي ( 1 / 29 ) وحاشية البيجرمي على الخطيب ( 1 / 42 ) وغذاء الألباب للسفاريني ( 1 / 28 – 29 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 1 / 16 ) والموسوعة الفقهية ( 26 / 312 – 313 ) ،(73/155)
[2] - أخرجه الترمذي ( 3001 ) وابن ماجة ( 4288 ) وأحمد ( 19525 ) والدارمي ( 2760 ) وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ( 3 / 395 ) برقم 3480 ،
[3] - الصفدية ( 1 / 247 ) ،
[4] - أخرجه البخاري ( 2509 ) ومسلم ( 2533 ) ،
[5] - أخرجه البخاري ( 454 ) ومسلم ( 2382 ) .
[6] - أخرجه البخاري ( 454 ) ومسلم ( 2382 ) ،
[7] - أخرجه الترمذي ( 3675 ) وأبو داود ( 1678 ) وأحمد ( 267 ) والدارمي ( 1660 ) وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 3 / 507 ) برقم 3675 ،
[8] - الصفدية ( 1 / 247 ، 252 ) ،
[9] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 405 – 406 ) ( 13 / 237 ) والصفدية ( 1 / 247 ) ،
[10] - العقيدة الواسطية ص 46 ،
[11] - أخرجه البخاري ( 4119 ) ومسلم ( 2419 ) ،
[12] - أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة ( 1 / 926 – 927 ) برقم ( 1285 ) .
[13] - منهاج السنة النبوية ( 4 / 323 ) ،
[14] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 153 ) ( 4 / 439 ، 479 ) ،
[15] - أخرجه أحمد ( 838 ) وصححه العلامة الألباني في السنة لابن أبي عاصم ص 556 – 558 برقم 1201 – 1208 ،
[16] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 153 ) ( 4 / 439 ، 479 ) ،
[17] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 518 ) ، ( 28 / 474 ) ، ( 35 / 184 ) ،
[18] - أخرجه مالك ( 1685 ) وحسنه العلامة الألباني في إرواء الغليل برقم 1601 ،
[19] - قواعد ابن رجب ص 3 ،
[20] - أخرجه الترمذي ( 3747 ) وأبو داود ( 4649 ) وابن ماجة ( 133 ) وأحمد ( 1632 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 3 / 529 ) .(73/156)
[21] - قائل هذا البيت هو : عبد الله بن سليمان الأشعث ، أبو بكر بن أبي داود السجستاني الحافظ ، ابن صاحب السنن الإمام المشهور ، قد طاف به أبيه في صغره مشارق الأرض ومغاربها ، فسمع من علماء ذلك العصر ، فأصبح من جل المحدثين وفقهائهم ، له تصانيف عدة منها : المصاحف ، والبعث والنشور ، ومسند عائشة ، وله شعر مليح ، منه قصيدته في الاعتقاد " الحائية " ، وهي متواترة عنه ، عكف العلماء على شرحها ، كالآجري ، وابن البناء الحنبلي ، وآخرهم السفاريني في شرح له أسماه : " لوائح الأنوار السَّنية ولواقح الأفكار السُّنية شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية " ، وقد أُخِذَ على أبي بكر أشياء لا تقدح في حفظه وعلمه وفضله لعدم ثبوتها ، مات سنة 316 هـ . ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم ( 2 / 66 ) ، طبقات الحنابلة لأبي يعلى ( 2 / 51 ) ، تاريخ دمشق لابن عساكر ( 29 / 77 ) ، العلو ( ص 154 ) ، والسير ( 13 / 221 ) كلاهما للذهبي ، والفهرست لابن النديم ( ص 488 ) .
[22] - البيت موجود في : الكتاب اللطيف لابن شاهين ( ص 255 ) وهو من تلامذة المترجَم ، والمنهج الأحمد للعليمي ( 2 / 216 ) ، وطبقات الحنابلة لأبي يعلى ( 2 / 53 ) ، والسير للذهبي ( 13 / 235 ) .
[23] - أخرجه مسلم ( 218 ) ،
[24] - أخرجه الحاكم في المستدرك ( 3 / 260 ) برقم ( 5034 ) .
[25] - أخرجه البخاري ( 5328 ) ومسلم ( 2576 ) ،
[26] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 518 ) ، ( 18 / 313 ، 314 ) ،
[27] - أخرجه البخاري ( 1301 ) ومسلم ( 949 ) ،
[28] - أخرجه البخاري ( 2583 ) ،
[29] - هذه القصة أخرجها البخاري في صحيحه ( 2583 ) .
[30] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 393 – 394 ) ،
[31] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 420 ) ،
[32] - العقيدة الواسطية ص 48 ،(73/157)
[33] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 13 / 97 – 98 ، 359 ) ( 35 / 50 – 51 ) ،
[34] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 431 ، 437 ) ( 35 / 18 – 32 ، 58 – 79 ) ،
[35] - قواعد ابن رجب ص 3 ،
[36] - أخرجه البخاري ( 6919 ) ومسلم ( 1716 ) ،
[37] - أخرجه البخاري ( 436 ) ومسلم ( 2915 ) ،
[38] - أصول السنة لابن أبي زمنين ص 263 وعقيدة السلف للصابوني ص 107 وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس ص 236 – 237 ومعارج القبول للشيخ حافظ الحكمي ( 3 / 1126 ) ،
[39] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 10 / 357 ) ،
[40] - أخرجه البخاري ( 2509 ) ومسلم ( 2533 ) ،
[41] - أخرجه مسلم ( 249 ) ،
[42] - أخرجه البخاري ( 454 ) ومسلم ( 2382 ) ،
[43] - أخرجه البخاري ( 1124 ) ومسلم ( 721 ) ،
[44] - أخرجه الترمذي ( 2676 ) وابن ماجة ( 42 ) وأحمد ( 16692 ) والدارمي ( 95 ) وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل برقم 2455 ،
[45] - بغية المرتاد ص 496– 498 ،
[46] - أخرجه البخاري ( 6183 ) ومسلم ( 2829 ) ،
[47] - أخرجه البخاري ( 2845 ) ومسلم ( 2494 ) ،
[48] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 292 التحفة العراقية ص 335 ،
[49] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 224 ) ( 11 / 64 ) ( 25 / 316 ) ، والفتاوى الكبرى ( 1 / 206 ) ( 4 / 221 ) ،
[50] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 280 ) والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 315 ،
[51] - النبوات ( 2 / 823 – 824 ) ،
[52] - انظر مراتب خوارق العادة عند شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه النبوات ( 1 / 141 ، 160 ) وأنواع الخوارق في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 319 – 320 ، 323 – 329 ) والصفدية ( 1 / 183 ) ،(73/158)
[53] - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ( 5 / 412 – 421 ) والنبوات ( 2 / 828 – 829 ، 848 ) ،
[54] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 327 ،
[55] - أقسام أهل خوارق العادة عند شيخ الإسلام ابن تيمية في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 342 والتحفة العراقية ص 336 ،
[56] - النبوات ( 1 / 142 ) ،
[57] - أخرجه مسلم ( 55 ) ،
[58] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 309 ،
[59] - النبوات ( 1 / 129 – 130 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 498 ،
[60] - الرسالة التدمرية ص 102 – 103 ،
[61] - أخرجه النسائي ( 1374 ) وأبو داود ( 1047 ) وابن ماجة ( 1085 ) وأحمد ( 15729 ) والدارمي ( 1572 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ( 1 / 322 ) برقم 1094 ،(73/159)
[62] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 343 – 345 ، 352 – 392 ) ( 10 / 300 ) ( 11 / 95 ) وبغية المرتاد ص 223 والرد على البكري ص 329 – 330 وشرح العقيدة الطحاوية ص 301 والمحلى لابن حزم ( 1 / 33 ) والمبسوط للسرخسي ( 1 / 30 – 31 ) وبدائع الصنائع للكاساني ( 1 / 214 – 215 ) وقواعد الأحكام للعز بن عبدالسلام ( 2 / 232 – 233 ) والفروق للقرافي ( 2 / 224 – 226 ) وكشف الأسرار لعبدالعزيز البخاري ( 2 / 119 ) وتبيين الحقائق للزيلعي ( 1 / 126 – 127 ) وفتح القدير لابن الهمام ( 4 / 198 ) وحاشيتان قليوبي وعميرة ( 1 / 8 ) وفتاوى الرملي ( 4 / 381 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 4 / 353 ) والفواكه الدواني للنفراوي ( 1 / 14 ) وبريقة محمودية للخادمي ( 1 / 249 ) وحاشية العدوي ( 1 / 21 – 22 ) وحاشية البجيرمي على الخطيب ( 1 / 40 ، 185 ) وحاشية العطار ( 2 / 474 – 475 ) وحاشية ابن عابدين ( 1 / 527 – 528 ) ولوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 2 / 399 ) وفتح القدير للشوكاني ( 2 / 118 ) والجامع لأحكام القرآن القرطبي ( 6 / 277 ) وعالم الملائكة الأبرار للشيخ عمر الأشقر ص 84 وما بعدها ،
[63] - انظر كلام شيخ الإسلام في شبهة التجسيم في : بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 29 ، 50 ، 100 ، 505 وما بعدها ، 550 ، 618 ) ( 2 / 93 ) والرسالة التدمرية ص 35 ، 120 ، 133 ومجموع الفتاوى ( 4 / 144 ) ( 5 / 176 ، 418 – 419 ، 428 – 434 ) ( 13 / 146 ) ) والرد على المنطقيين ص 224 وما بعدها والفتوى الحموية الكبرى ص 54 ،
[64] - أخرجه البخاري ( 6970 ) ومسلم ( 2675 ) ،(73/160)
[65] - هو صلاءة بن عمرو بن مالك الأودي ، ويكنى أبا ربيعة ، ولقبه الأفوه ، لأنه كان حسن الكلام ، وقيل لأنه غليظ الشفتين واسع الفم ، وهو جاهلي قديم ، وذكر بعض المؤرخين أنه أدرك المسيح عليه السلام ، وهو قول ضعيف ، ويعد أول من ذكر في شعره الطير التي تتبع الجيش لتصيب من لحوم القتلى ، مات نحو 50 ق هـ ( 750 م ) ، الأغاني لأبي الفرج ( 12 / 198 ) ، سمط اللآلي للبكري ( 1 / 365 ) ، معاهد التنصيص للعباسي ( 4 / 104 ) ، أمالي ابن الشجري ( 3 / 137 ) ، شعراء النصرانية قبل الإسلام للويس شيخو ( ص 70 ) ، شمس العلوم للحميري ( 8 / 5279 ) ، سر صناعة الإعراب لابن جني ( 1 / 415 ) ، ألقاب الشعراء لابن حبيب (2 / 351 ـ ضمن نوادر المخطوطات ) .
[66] - البيت موجود في : الشعر والشعراء لابن قتيبة ( 1 / 223 ) ، ولباب الآداب لابن قنفذ ( ص 40 ) ، والتمثيل والمحاضرة للثعالبي ( ص 51 ) .
[67] - قال الحافظ ابن حجر : ( المراد بالإمام كل قائم بأمور الناس ) فتح الباري ( 6 / 116 ) ويطلق عليه الخليفة والحاكم انظر الفتح ( 13 / 111 – 119 ) ،
[68] - بدائع الصنائع للكاساني ( 7 / 33 ) وتبيين الحقائق للزيلعي ( 3 / 163 ) ونصب الراية للزيلعي ( 4 / 89 – 93 ) والعناية شرح الهداية للبابرتي ( 5 / 208 – 212 ) وفتح القدير لابن الهمام ( 5 / 208 – 213 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 5 / 2 – 3 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 6 / 78 ) ومجمع الأنهر لدامادا أفندي ( 1 / 584 ) وحاشية الجمل ( 5 / 136 ) وحاشية البجيرمي على الخطيب ( 4 / 167 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 158 ) وحاشية ابن عابدين ( 4 / 3 ) والموسوعة الفقهية ( 12 / 254 ) ( 17 / 129 – 130 ) ( 33 / 259 – 260 ) ،
[69] - وهو قول الشافعي وابن حزم الظاهري انظر الأم للشافعي ( 7 / 27 ، 94 ) والمحلى لابن حزم (8 / 529 – 530 ) ،(73/161)
[70] - وهو قول أبو حنيفة ومالك وأحمد انظر فتح القدير لابن الهمام ( 5 / 316 ) والمنتقى شرح الموطأ للباجي ( 5 / 207 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 616 ) ،
[71] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 14 / 118 ) ( 34 / 204 ، 214 ) ومنهاج السنة النبوية ( 6 / 82 – 83 ) والفروق للقرافي ( 1 / 215 – 216 ) ومشكل الآثار للطحاوي ( 3 / 237 – 240 ) شرح معاني الآثار للطحاوي ( 3 / 152 ) والأحكام السلطانية للماوردي ص 294 – 295 ، 313 والمحلى لابن حزم ( 12 / 83 – 86 ، 172 ، 364 – 367 ) وأحكام القرآن للجصاص ( 378 – 380 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 6 / 235 ) ومواهب الجليل للحطاب ( 1 / 90 ) وحاشيتا قليوبي وعميرة ( 4 / 205 ) وسبل السلام ( 2 / 455 ) ونيل الأوطار ( 7 / 169 ) ،
[72] - الفتاوى الكبرى ( 3 / 427 – 429 ) والسياسة الشرعية ص 139 – 142 ، 156 – 157 وإعلام الموقعين لابن القيم ( 2 / 83 – 84 ) والمحلى لابن حزم ( 12 / 364 – 367 ) والمغني لابن قدامة ( 9 / 173 ) وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد ( 2 / 249 – 250 ) والإنصاف للمرداوي ( 10 / 229 – 230 ) وسبل السلام للصنعاني ( 2 / 443 – 445 ، 455 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 7 / 169 - 170 ) والموسوعة الفقهية ( 15 / 245 – 246 ) والمبسوط للسرخسي ( 9 / 71 – 72 ) ،
[73] - أخرجه مسلم ( 1706 ) ،
[74] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 10 / 374 ) ( 12 / 498 ) ( 35 / 76 ) ،(73/162)
[75] - لمزيد من الفائدة في حكم الساحر انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 28 / 346 ) ( 29 / 384 ) والمغني لابن قدامة ( 9 / 34 – 38 ) والفروع لابن مفلح ( 6 / 177 – 180 ) والإنصاف للمرداوي ( 9 / 440 – 441 ، 10 / 353 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 293 ) والسياسة الشرعية ص 154 – 157 وأحكام القرآن للجصاص ( 1 / 71 – 79 ) والتاج والإكليل للمواق ( 8 / 376 ) والموسوعة الفقهية ( 24 / 266 – 269 ) ،
[76] - أخرجه الترمذي ( 1460 ) ،
[77] - الموسوعة الفقهية ( 12 / 254 – 256 ) ،
[78] - أخرجه البخاري ( 3288 ) ومسلم ( 1688 ) ،
[79] - أخرجه البخاري ( 3288 ) ومسلم ( 1688 ) .
[80] - أخرجه البخاري ( 6528 ) ومسلم ( 2165 ) .
[81] - أخرجه البخاري ( 2311 ) ومسلم ( 2584 ) .
[82] - أخرجه البخاري ( 4277 ) ومسلم ( 1711 ) ،
[83] - الدرر السنية في الأجوبة النجدية ( 9 / 7 – 11 ) ،
[84] - الرد على البكري ص 329 – 330 ،
[85] - المغني لابن قدامة ( 6 / 313 ) ،
[86] - المغني لابن قدامة ( 2 / 346 ) ،
[87] - شرح معاني الآثار للطحاوي ( 3 / 276 ) وأحكام القرآن للجصاص ( 3 / 91 وما بعدها ) والمحلى لابن حزم ( 5 / 392 ) ،
[88] - شرح معاني الآثار للطحاوي ( 3 / 281 – 282 ) وأحكام القرآن للجصاص ( 3 / 96 – 97 ، 292 ) وأحكام القرآن لابن العربي ( 2 / 402 ، 409 ) والمغني لابن قدامة ( 6 / 317 ) ،
[89] - أخرجه البخاري ( 2586 ) ومسلم ( 1633 ) .
[90] - أخرجه البخاري ( 2950 ) ،
[91] - وهو الخميني أسس ولاية الفقيه في كتابه ( ولاية الفقيه ) ،
[92] - المغني لابن قدامة ( 9 / 5 – 6 ) ،
[93] - الأحكام السلطانية للماوردي ص 6 والمغني لابن قدامة ( 9 / 5 – 6 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 6 / 62 ) والموسوعة الفقهية ( 6 / 221 – 222 ) ( 7 / 116 – 117 ) ( 9 / 280 ) ،
[94] - الأحكام السلطانية للماوردي ص 11 – 12 ،(73/163)
[95] - المغني لابن قدامة ( 9 / 5 – 6 ) ،
[96] - فتح الباري لابن حجر ( 2 / 187 ) ( 3 / 275 ) ( 6 / 284 ) ( 13 / 7 – 8 ، 11 ، 116 ، 203 ) ،
[97] - هذا هو الشرط الأول من شروط الإمامة الكبرى انظر حاشية ابن عابدين ( 1 / 548 – 549 ) والفواكه الدواني للنفراوي ( 1 / 106 ) ونهاية المحتاج للرملي ( 7 / 409 ) الموسوعة الفقهية ( 6 / 218 – 219 ) ،
[98] - الموسوعة الفقهية ( 6 / 218 – 219 ) ،
[99] - أحكام القرآن للجصاص ( 2 / 14 ) والأحكام السلطانية للماوردي ص 6 والمحلى لابن حزم ( 8 / 425 – 426 ) وقواعد الأحكام للعز بن عبدالسلام ( 1 / 79 ، 85 – 87 ، 107 ) ( 2 / 44 – 45 ، 89 ) والفروق للقرافي ( 4 / 34 – 35 ، 67 – 68 ) والفتاوى الكبرى ( 3 / 125 / 126 ) والاستقامة ( 1 / 364 ) والسياسة الشرعية ص 24 والموسوعة الفقهية ( 6 / 6 – 7 ) ،
[100] - الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ( 2 / 77 ) معالم القربة للقرشي ( 211 ) وكشف الأسرار لعبد العزيز البخاري ( 2 / 393 ) والموسوعة الفقهية ( 7 / 2 ) وشرح التلويح على التوضيح للتفتازاني ( 2 / 11 – 12 ) ،
[101] - الأحكام السلطانية للماوردي ص 6 – 7 ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 264 ) والموسوعة الفقهية ( 26 / 319 ) ،
[102] - الأحكام السلطانية للماوردي ص 6 – 7 والمحلى لابن حزم ( 8 / 425 ) والموسوعة الفقهية ( 6 / 190 ) ،
[103] - هذا هو الشرط السادس من شروط الإمامة الكبرى ،(73/164)
[104] - الأحكام السلطانية للماوردي ص 6 – 7 والمحلى لابن حزم ( 1 / 65 ) ( 8 / 420 – 421 ) وطرح التثريب للعراقي ( 8 / 77 – 80 ) والإنصاف للمرداوي ( 10 / 310 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 6 / 159 ) ومجمع الأنهر لدامادا أفندي ( 1 / 357 ) وغمز عيون البصائر للحموي ( 4 / 111 ، 147 ) وحاشية الجمل ( 5 / 119 – 120 ) وحاشية البجيرمي على الخطيب ( 4 / 235 ) وحاشية البجيرمي على المنهج ( 4 / 204 ) وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ( 4 / 130 ) وحاشية الصاوي على الشرح الصغير ( 4 / 424 – 427 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 264 ) وحاشية ابن عابدين ( 1 / 548 ) ومنح الجليل ( 8 / 263 – 264 ) والموسوعة الفقهية ( 6 / 219 )
[105] - غمز عيون البصائر للحموي ( 4 / 111 ) ،
[106] - كشاف القناع للبهوتي ( 6 / 159 ) وحاشيتان قليوبي وعميرة على شرح المحلي على المنهاج ( 4 / 174 ) ،
[107] - هذا هو الشرط الثامن من شروط الإمامة الكبرى أسنى المطالب لزكريا الأنصاري ( 4 / 108 ) ومغني المحتاج للشربيني الخطيب ( 5 / 410 – 417 ) ونهاية المحتاج للرملي ( 7 / 409 ) والفتاوى الهندية ( 3 / 317 ) والموسوعة الفقهية ( 8 / 196 – 197 ) ،
[108] - السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ص 24 ،
[109] - هذا هو الشرط العاشر من شروط الإمامة الكبرى انظر غمز عيون البصائر للحموي ( 4 / 147 ) ،
[110] - المغني لابن قدامة ( 9 / 57 ) الإنصاف للمرداوي ( 10 / 182 – 183 ) والفروع لابن مفلح ( 6 / 75 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 187 – 188 )
[111] - وهو قول أبو حنيفة وأحمد المبسوط للسرخسي ( 1 / 150 ) والمصنف لابن أبي شيبة ( 2 / 197 ) ،
[112] - وهو قول مالك والشافعي وأحمد التاج والإكليل للمواق ( 2 / 384 ) كتاب الأم للشافعي ( 1 / 86 ) والإنصاف للمرداوي ( 2 / 176 ) والمصنف لابن أبي شيبة ( 2 / 195 – 196 )(73/165)
[113] - المصنف لابن أبي شيبة ( 2 / 197 – 198 ) ( 8 / 410 – 411 ) وأحكام القرآن للجصاص ( 1 / 605 ) ،
[114] - أخرجه البخاري ( 953 ) ومسلم ( 751 ) ،
[115] - وهو قول أبو حنيفة الشافعي وابن حزم أسنى المطالب لزكريا الأنصاري ( 3 / 381 ) المحلى لابن حزم ( 12 / 253 – 257 ) ،
[116] - وهو قول مالك وأحمد المدونة لسحنون ( 4 / 513 – 514 ) والإنصاف للمرداوي ( 10 / 200 – 201 ) ،
[117] - أخرجه مسلم ( 2167 ) ،
[118] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 30 / 356 – 360 ) ،
[119] - الفصول في الأصول للجصاص ( 39 – 40 ) والجوهرة النيرة للعبادي ( 2 / 257 ) ،
[120] - أحكام القرآن لابن العربي ( 1 / 383 ) ،
[121] - شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم ( ص 495 ) ،
[122] - المبسوط للسرخسي ( 30 / 262 – 263 ) ،
[123] - المنثور في القواعد الفقهية للزركشي ( 1 / 339 – 340 ) ( 3 / 39 – 40 ) والبحر المحيط للزركشي ( 1 / 332 – 333 ، 390 ) والأشباه والنظائر للسيوطي ص 144 ، 410 – 411 وأسنى المطالب لزكريا الأنصاري ( 4 / 177 ، 182 ) وحاشيتا قليوبي وعميرة ( 4 / 214 ) وشرح الكوكب المنير ص 117 والموسوعة الفقهية ( 32 / 97 ) ،(73/166)
[124] - شرح معاني الآثار للطحاوي ( 3 / 24 ) والمحلى لابن حزم ( 9 / 128 – 129 ) والمنتقى شرح الموطأ للباجي ( 3 / 334 – 335 ) والمبسوط للسرخسي ( 5 / 152 – 153 ) وأحكام القرآن لابن العربي ( 1 / 499 ) والمغني لابن قدامة ( 7 / 136 – 137 ) وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد ( 2 / 176 ) والفتاوى الكبرى ( 3 / 261 ) ( 6 / 244 ، 251 ) وتبيين الحقائق للزيلعي ( 2 / 115 ) ونصب الراية للزيلعي ( 3 / 333 – 339 ) والعناية شرح الهداية للبابرتي ( 3 / 246 – 248 ) والمنثور في القواعد الفقهية للزركشي ( 2 / 135 – 136 ) والتلخيص الحبير لابن حجر ( 3 / 325 – 329 ) وفتح القدير لابن الهمام ( 3 / 247 – 249 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 3 / 115 – 116 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 5 / 97 ) وحاشية البيجرمي على شرح الخطيب ( 3 / 397 ) وحاشية البيجرمي على المنهج ( 3 / 379 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 5 / 128 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 6 / 159 – 165 ) وفتح العلي المالك لعليش ( 1 / 415 – 416 ) ومنح الجليل لعليش ( 3 / 304 ) ومصنف ابن أبي شيبة ( 3 / 390 ) ،
[125] - أخرجه البخاري ( 4826 ) ،
[126] - الفتاوى الكبرى ( 1 / 160 ) والفروع لابن مفلح ( 2 / 17 ) والبحر المحيط للزركشي ( 6 / 158 ) وشرح منتهى الإرادات للبهوتي ( 1 / 275 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 1 / 479 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 1 / 663 – 664 ) ، ( 5 / 263 ) وفتح المجيد للشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب ( 2 / 646 ) والموسوعة الفقهية ( 13 / 164 – 165 ) ،
[127] - المحلى لابن حزم ( 1 / 152 ) والمغني لابن قدامة ( 4 / 174 ) والمجموع شرح المهذب للنووي ( 9 / 81 ) والبحر المحيط للزركشي ( 1 / 338 ) ومواهب الجليل لعليش ( 3 / 208 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 5 / 169 ) ،
[128] - بدائع الصنائع للكاساني ( 1 / 266 ) ،(73/167)
[129] - أخرجه البخاري ( 6858 ) ومسلم ( 1337 ) ،
[130] - أخرجه البخاري ( 1066 ) ،
[131] - أخرجه أبو داود ( 4336 ) ،
[132] - أخرجه مسلم ( 49 ) ،
[133] - أخرجه مسلم ( 1218 ) ،
[134] - أخرجه البخاري ( 3094 ) ومسلم ( 2989 ) ،
[135] - لمزيد من الفائدة انظر الرسالة التدمرية لوشرحها ( التحفة المهدية ) للشيخ فالح ابن مهدي ونقض المنطق والرد على المنطقيين ،
[136] - الرد على المنطقيين ص 194 ،
[137] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 80 ) ،
[138] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 9 / 82 ) ،
[139] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 9 / 5 – 9 ، 172 ، 269 – 270 ) ونقض المنطق ص 155 ، 168 – 169 ،
[140] - كتاب الإيمان ص 34 ،
[141] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 9 / 255 ) ،
[142] - البحر الرائق لابن نجيم ( 1 / 232 ) وشرح الكوكب المنير لابن النجار ص 15 ومغني المحتاج للشربيني الخطيب ( 3 / 398 ) وغمز عيون البصائر للحموي ( 2 / 313 ) والفواكه الدواني للنفراوي ( 1 / 112 ) وحاشة الجمل ( 1 / 170 ) ( 2 / 4 ) ( 4 / 414 ) وحاشية البجيرمي على الخطيب ( 1 / 70 ، 312 ) ( 4 / 153 ) وحاشية البجيرمي على الخطيب ( 1 / 97 ، 374 ) ( 3 / 232 ) ( 4 / 56 ) والموسوعة الفقهية ( 1 / 62 ) ،
[143] - المستصفى للغزالي ص 10 – 11 ،
[144] - المستصفى للغزالي ص 10 ،
[145] - الفتاوى الكبرى ( 6 / 338 ، 365 ) والتسعينية ( 1 / 252 وما بعدها ) والمستصفى للغزالي ص 349 – 350 وكشف الأسرار لعبدالعزيز البخاري ( 2 / 362 ، 366 ) وشرح التلويح على التوضيح للتفتازاني ( 1 / 293 – 294 ) والبحر المحيط للزركشي ( 1 / 64 ) والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج ( 2 / 232 ) ودرر الحكام لعلي حيدر ( 2 / 651 ، 671 ) ،
[146] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 505 ) ،
[147] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 506 ) ،(73/168)
[148] - أخرجه أبو داود ( 4699 ) وابن ماجة ( 77 ) وأحمد ( 21079 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ( 1 / 42 ) برقم 76 وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الحديث في مجموع الفتاوى ( 1 / 217 ) ( 18 / 143 – 144 ) وكلام ابن القيم على هذا الحديث في شفاء العليل ص 217 وما بعدها ،
[149] - أخرجه البخاري ( 5349 ) ومسلم ( 2816 ) ،
[150] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 148 ) ،
[151] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 214 ) ،
[152] - بغية المرتاد ص 427 ،
[153] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 267 ) ،
[154] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 273 ) ،
[155] - البيت موجود في : شرح الملحة ( ص 278 ) له ،
[156] - الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ( 1 / 158 ) ،
[157] - أخرجه البخاري ( 2509 ) ومسلم ( 2533 ) ،
[158] - أخرجه مسلم ( 983 ) ،
[159] - أخرجه النسائي ( 1221 ) وأبو داود ( 924 ) وأحمد ( 3934 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي ( 1 / 394 ) برقم 1220 ،
[160] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 535 ) ( 6 / 231 – 232 ) ( 8 / 152 ، 380 – 381 ) ( 16 / 382 ) والرد على المنطقيين ص 232 والصفدية ( 1 / 11 ) ،
[161] - أخرجه البخاري ( 3102 ) ومسلم ( 134 ) ،
[162] - أخرجه مسلم ( 408 ) .(73/169)