فتاوى عطاء في الحج
مقارنة بأقوال العلماء
جمع
الفقير إلى عفو ربه
أبي أنس
ماجد إسلام البنكاني
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد .
فإن الله خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى: +وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". الذاريات(56)، وإنما تعبدهم بطاعته وطاعة رسوله @، فالنفوس أحوج إلى معرفة ما جاء به النبي @ واتباعه منها إلى الطعام والشراب، فحق على كل مسلم بذل جهده واستطاعته من معرفة ما جاء به وطاعته .
والعلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه وكيف يعامل غيره فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة .
وكثيراً ما يحتاج المسلم إلى سؤال أهل العلم فيما لا يعلمه أو ما يشكل عليه من أحكام الشريعة وقد قال الله تعالى: +فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"النحل(43)، والعلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر .
ومن أعظم العلوم معرفة هي معرفة أركان الإسلام فهي عماد الدين، ومن هذه الأركان فريضة الحج، والحج سبب لمغفرة الذنوب، خاصة إذا أتى المسلم بشروطه وانتفى عنه موانعه حصل له المقصود ونال به رضا الرحيم الودود .
ولا يخفى على مسلم أن مناسك الحج من أعظم الشعائر التي أمر الله عز وجل بتعظيمها وتطهير بقاعها لقاصديها.(1/1)
تهفو إليه القلوب المسلمة، وتلبي له الأفئدة المؤمنة الموحدة .. على اختلاف أجناسها وتعدد ألوانها واختلاف قبائلها وأنسابها قائلة: لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك ..إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك لك .. مستجيبة لذلك النداء الذي أذّن به أبونا إبراهيم عليه السلام فجاءت قوافل المؤمنين من كل فج عميق ليطوفوا بالبيت العتيق ..
أرى الناس أصنافا ومن كل بقعة ... إليك انتهوا من غربة وشتات
ولما كانت هذه العبادة الجليلة قد كثرت مسائلها والأقوال فيها، وقد بينها رسول الله @، كما في حديث جابر >، وقد اعتنى الأئمة عليهم رحمة الله بهذا الحديث شرحاً وبسطاً لما تضمنه هذا الحديث من أحكام، وأحكام المناسك أحكام دقيقة ولذا قال ابن تيمية: علم المناسك أدق ما في العبادات .
وأهل مكة هم أعلم الناس بهذه العبادة الجليلة كما قال ابن عيينة : "خذوا المناسك عن أهل مكة".(1)
ومن هؤلاء العلماء التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح، فقد كان أعلم الناس في زمانه بتلك العبادة، كما ثبت ذلك عن السلف الصالح رضوان الله عليهم . وسيأتي في ترجمته في الباب التالي .
__________
(1) شرح الزرقاني (2/373) .(1/2)
فهنيئاً لك أيها المسلم وأيتها المسلمة هذه الاستجابة لله تعالى، وإقدامكم على هذه الطاعة وقد تركت خلفك الأهل والأصحاب والأولاد والأحباب طمعاً بما عند خالقك الوهاب التواب، ورغبة في نيل عظيم الأجر والثواب، وأملاً في التخلص من الذنوب والأوزار كما أخبر بذلك النبي المختار $، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي $ يقول: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه"(1). ورواه الترمذي إلا أنه قال: "غفر له ما تقدم من ذنبه". وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله $ قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".(2)
ألا ما أعظمها من عبادة يمحو الله بها الخطيئات ويهدم ما قبلها من السيئات، ويرفع بها الدرجات!! وما أجَلّها من طاعة وفريضة ينبغي أن يحرص كل مسلم على أدائها بالكيفية التي شرعها الله عز وجل وكما أداها رسول الله @ الذي قال: "خذوا عني مناسككم".
وها أنا قد جمعت بفضل الله وتوفيقه فتاوى عطاء بن أبي رباح في الحج، وخرجت ما بها من استدلالات قرآنية وحديثية ودعمتها ببعض أقوال العلماء، وبيّنت ما فيها من شذوذ ومخالف للراجح من أقوال أهل العلم، جمعتها نصيحة للمسلمين، وعملاً بقول الله تعالى: +وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"الذاريات(55)، وقوله تعالى: +وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ".آل عمران (187)، وقوله تعالى: +وتعاونوا على البر والتقوى".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (152) ومسلم في كتاب الحج برقم (1350).
(2) أخرجه البخاري في كتاب العمرة برقم (1773) ومسلم في كتاب الحج برقم (3276).(1/3)
ولما في الحديث الصحيح عن النبي - @- أنه قال: "الدين النصيحة" ثلاثاً، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".(1) وروى الطبراني عن حذيفة، أن النبي - @- قال: "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يمس ويصبح ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم".
هذا وقد استفد من كتاب منسك عطاء للأخ عادل الزرقي كثيراً ، إضافة للكتب الباقية فجزاهم الله عنا خير الجزاء . و "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"(2).
وأخيراً الله أسأل أن يغفر ما زل به قلمي وتعثرت به كلماتي، والله المسؤول أن ينفعني بها والمسلمين، وأن يجعل السعي فيها خالصاً لوجهه الكريم، وسبباً للفوز لديه في جنات النعيم، إنه سميع مجيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
كما أسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح أعمالنا ، ويغفر ذنوبنا وأن يجعل حجنا حجاً مقبولا وسعياً مشكوراً إنه شكور غفور .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتب
ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
يوم الاثنين الموافق
11/ ذو الحجة/ 1428هـ
20/12/ 2007م
ffffff
ترجمة عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى ورضي عنه
هو: عطاء بن أبي رباح بن أسلم، الإمام شيخ الإسلام، مفتي الحرم أبو محمد القرشي مولاهم المكي الجمحي، يقال ولاؤه لبني جمح، كان من مولدي الجند باليمن، ونشأ بمكة ولد في أثناء خلافة عثمان في عام 27وتوفي برمضان عام 114،وكان رحمه الله من أعلم زمانه بالفتوى وبمناسك الحج بالإجماع .
__________
(1) رواه مسلم برقم (55)، باب بيان أن الدين النصيحة .
(2) السلسلة الصحيحة رقم ( 417 )، المشكاة رقم ( 3025 )، صحيح الترمذي رقم(1592) .(1/4)
حدث عن عائشة، وأم سلمة، وأم هانئ، وأبي هريرة، وابن عباس، وحكيم بن حزام، ورافع بن خديج، وزيد بن أرقم، وزيد بن خالد الجهني، وصفوان بن أمية، وابن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وجابر، ومعاوية، وأبي سعيد، وعدة من الصحابة، وأرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن أبي بكر، وعتاب بن أسيد، وعثمان بن عفان، والفضل بن عباس، وطائفة، وحدث أيضا عن عبيد بن عمير، ويوسف بن ماهك، وسالم بن شوال، وصفوان بن يعلى بن أمية ، ومجاهد، وعروة، وابن الحنفية، وعدة، حتى إنه ينزل إلى أبي الزبير المكي، وابن أبي مليكة، وعبد الكريم أبي أمية البصري وكان من أوعية العلم.
وأخذ عنه الأوزاعي وأبو حنيفة رضي الله عنهم جميعاً. وكان مفتي مكة . شهد له ابن عباس وابن عمر وغيرهما بالفتيا ، وحثوا أهل مكة على الأخذ عنه . مات بمكة . (1)
وقال عبدالله بن عمر { : أتجمعون لي يا أهل مكة المسائل وفيكم عطاء بن أبي رباح. (2)
وسأل رجلاً عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن مسألة في المناسك، فقال: ياأهل مكة! تسألون عن المناسك وفيكم عطاء بن أبي رباح؟ . (3)
وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لأهل مكة وهو شيخ عطاء: "تجتمعون عليّ وعندكم عطاء" . (4)
وعن أسلم المنقري قال: كنت جالساً مع أبي جعفر الباقر فمر عطاء، فقال أبو جعفر : ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء. (5)
__________
(1) تذكرة الحفاظ 1892؛ والأعلام للزركلي 5/29؛ والتهذيب 7/199 .
(2) الجرح (6/330)،المعرفة لليعقوبي(1/703)، الحلية(3/311)،تاريخ ابن عساكر (40/381).
(3) أخبار مكة للفاكهي (2/344)، والحلية (3/311) .
(4) تاريخ ابن عساكر (40/381)، والسير (5/81) .
(5) تاريخ ابن عساكر (40/383)، والمصنف لابن أبي شيبة(3/430)، وطبقات ابن سعد(2/445) و (5/320)، أخبار مكة للفاكهي (2/343).(1/5)
وقال قتادة: "عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك" . (1)
وقال الأوزاعي: "ذهب عطاء بالمناسك". (2)
وقال الإمام أحمد: "عطاء بن أبي رباح أعلم التابعين بالمناسك وإمام الناس فيها".(3)
وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أعلم التابعين بالمناسك، وإمام الناس فيها. مجموع الفتاوى ( 26/246و 256) .
وقال: "والشافعى > كان معظما لعطاء بن أبي رباح ويقول ليس في التابعين اتبع للحديث منه،وكذلك أبو حنيفة،قال: ما رأيت مثل عطاء". (4).
وقال ابن القيم رحمه الله: فكان فقيهَ أهل مكة عطاءُ بن أبي رَبَاح . (5)
وقال عنه أيضاً: وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح . (6)
وقال أبو بكر: قال ثنا ابن فضيل عن أسلم بن المنقري قال: كنت جالسا مع أبي جعفر فمر عطاء، فقال أبو جعفر: ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء. (7)
قال أحمد بن محمد الشافعي: كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس وبعد ابن عباس لعطاء بن أبي رباح . (8)
__________
(1) طبقات ابن سعد(5/320) و (التمهيد (2/31)، تاريخ دمشق (40/284)، والكامل لابن عدي (6/471).
(2) العلل لعبدالله عن أبيه (1140) .
(3) الفتاوى (26/257) .
(4) مجموع الفتاوى (7/208)
(5) إعلام الموقعين (1/17) ، فصل من صارت إليه الفتوى من التابعين .
(6) زاد المعاد (1/708) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج رقم (477) .
(8) الحلية (3/311) .(1/6)
قال الأصمعي(1): دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كل بطن وذلك بمكة وقت حجه في خلافته، فلما بصر به قام إليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه، وقال يا أبا محمد ما حاجتك ؟ قال: يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمار , واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس, واتق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين, وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسؤل عنهم, واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق بابك دونهم، فقال له: أجل، ثم نهض وقام فقبض عليه عبد الملك، وقال: يا أبا محمد إنما سألتنا حاجة لغيرك وقد قضيناها فما حاجتك أنت ؟ فقال ما لي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف، هذا وأبيك السؤدد . (2).
__________
(1) الإمام العلامة الحافظ حجة الأدب لسان العرب أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مظهر بن عبد شمس ابن أعيا بن سعد بن عبد بن غنم بن قتيبة بن ينعقد بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الأصمعي البصري اللغوي الإخباري أحد الأعلام يقال اسم أبيه عاصم ولقبه قريب، ولد سنة بضع وعشرين، وحدث عن ابن عون وسليمان التيمي وأبي عمرو بن العلاء وقرة بن خالد ومسعر بن كدام وعمر بن أبي زائدة وشعبة ونافع بن أبي نعيم وتلا عليه وبكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة وسلمة بن بلال وشبيب بن شيبة وعدد كثير لكنه قليل الرواية للمسندات .مات سنة ستة عشر ومائتين . سير أعلام النبلاء .(10/175-176)، مولد العلماء ووفياتهم (2/481) .
(2) سير أعلام النبلاء (5/78-85) .(1/7)
هذا نصح علماء الدين لمثل عبدالملك الذي كان أول معلن للاستبداد في الإسلام حتى قال على المنبر : من قال لي اتق الله ضربت عنقه، وأين ملوك زماننا من عبدالملك في سياسته وفتوحاته ألا إنهم أحق بالنصيحة منه ولكن أين الناصحون؟ .
وقال عنه الشيخ ابن عثيمين: عطاء بن أبي رباح عالم مكة رحمه الله . (1)
تمهيد
تعريف الحج لغة: هو القصد، قال الله تعالى: +ولله على الناس حج البيت".(2)
وفي الشرع: القصد إلى أماكن مخصوصة للقيام بأعمال مخصوصة. (3)
وقيل هو: قصد مكة لأداء ركن من أركان الإسلام .
__________
(1) الشرح الممتع (3/306) .
(2) سورة آل عمران (97).
قال الشيخ الألباني رحمه الله: هذه نصائح وفوائد أقدمها إلى إخواننا الحجاج بين يدي الحج :
أولا على الحاج أن يتقي ربه ويحرص طاقته أن لا يقع فيما حرم الله عليه لقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) وقوله $:"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" فإنه إن فعل ذلك كان حجه مبرورا ورسول الله $ يقول: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" فلا بد من التحذير مما ابتلي به بعضهم لجهلهم أوضلالهم : الإشراك بالله تعالى فقد رأينا كثيرا منهم يقعون في الشرك كالاستغاثة بغير الله والاستعانة بالأموات من الأنبياء أوالصالحين ودعائهم من دون الله والحلف بهم تعظيما لهم فيبطلون بذلك حجهم قال تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك. أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهومخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم (1200) و "الإرواء"(769 ).
ب تزين بعضهم بحلق اللحية فإنه فسق فيه مخالفات أربع مذكورة في الأصل.
ج تختم الرجال بالذهب فإنه حرام لا سيما ما كان منه من النوع الذي يسمى اليوم ب " خاتم الخطبة " فإن فيه أيضا تشبها بالنصارى. اهـ. مناسك الحج والعمرة .
(3) تفسير القرطبي (13/126) .(1/8)
وقيل هو: قصد مكان مخصوص لعمل مخصوص في زمن مخصوص .
مكان مخصوص: أي قصد مكة والمشاعر .
لعمل مخصوص: هي أعمال الحج من الطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار وغير ذلك . زمن مخصوص: أي في أشهر الحج.
والعمرة في اللغة: الزيارة .وأما في الاصطلاح: زيارة البيت لعمل مخصوص.
فضل وثواب الحج والعمرة
قال الله تعالى: +وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى".(1)
وعن أبي هريرة> قال سُئل النبي @ أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".(2)
المبرور: المقبول لأنه لم يخالطه شيء من الإثم ولم يقع فيه معصية.
وقد جاء من حديث جابر مرفوعاً: "إن بِرَّ الحج إطعام الطعام وطيب الكلام".
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة مبرورة، تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس ومغربها".(3)
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة".(4)
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه"(5).
ورواه الترمذي إلا أنه قال: "غفر له ما تقدم من ذنبه".
__________
(1) سورة البقرة آية (125).
(2) أخرجه البخاري في الإيمان برقم (26)، وفي كتاب الحج برقم (1447)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (244).
(3) رواه ابن حبان وأحمد في مسنده عن ماعز، وصححه الألباني، صحيح الجامع (1104)، صحيح الترغيب برقم (1103).
(4) رواه النسائي، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (1100).
(5) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (152) ومسلم في كتاب الحج برقم (1350).(1/9)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".(1)
الرفث : الجماع ، ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول وهو أسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة .
الحج المبرور من مكفرات الذنوب والخطايا .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".(3)
وعن الحسين بن علي { قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني جبان وإني ضعيف. قال: "هلم إلى جهاد لا شوكَةَ فيه الحج".(4)
وعن عائشة < قالت: قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور". أخرجه البخاري (3/381 فتح) .
نرى:نعتقد، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" ولفظه: قالت: قلت يا رسول الله! هل على النساء من جهاد؟ قال:"عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة".(5)
__________
(1) أخرجه البخاري (3/382 فتح)، ومسلم (1350).
(2) أخرجه البخاري في كتاب المحصر برقم(1819)و(1820) ومسلم في الحج برقم (3278).
(3) أخرجه البخاري في كتاب العمرة برقم (1773) ومسلم في كتاب الحج برقم (3276).
(4) رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1098).
(5) صححه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (1099).(1/10)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم".(2)
وقال رسول الله@:"أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة ويمحوا عنك بها سيئة وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول هؤلاء عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبا غسلها الله عنك وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك".(3)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم".(4)
وعن ابن عمر { عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم".(5)
__________
(1) صححه الألباني، المشكاة(2524،2525)،والصحيحة(1200)، والترغيب(1105).
(2) رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان.
(3) رواه الطبراني في "الكبير" عن ابن عمر، صحيح الجامع (1373).
(4) رواه البزار، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (1107).
(5) رواه ابن ماجة واللفظ له وابن حبان في "صحيحه" كلاهما من رواية عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1108).(1/11)
وعن ابن عمر { قال: سمعت النبي @ يقول: "ما ترفعُ إبلُ الحاجِّ رِجْلاً، ولا تضعُ يَداً، إلا كَتَبَ الله له بها حسنةً أو محا عنه سيئةً، أو رفعه بها درجةً".(1)
وعن عبادة بن الصامت،قال :قال رسول الله@ للأنصاري الثقفي:"فإن لك من الأجر إذا أممت البيت العتيق أن لا ترفع قدماً أو تضعها أنت ودابتك إلا كُتِبتْ لك حسنة ورُفِعَتْ لك درجة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل يقول لملائكته: يا ملائكتي! ما جاء بعبادي؟ قالوا: جاؤا يلتمسون رضوانك والجنة. فيقول الله عز وجل: فإني أشهِدُ نفسي وخَلقي أني قد غفرت لهم ولو كانت ذنوبهم عدد أيام الدهر وعدد رمل عالج، وأما رميك الجمار قال الله عز وجل: "فلا تعلم نفس ما أُخفِيَ لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون". وأما حلقُك رأسَك فإنه ليس من شعرك شعرةٌ تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة، وأما طوافك بالبيت إذا ودَّعتَ فإنك تخرُج من ذنوبك كيومَ ولدتك أمُّك".(2)
فضل من خرج حاجاً أو معتمراً فمات
قال الله تعالى: +ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً".(3)
__________
(1) أخرجه البيهقي في "الشعب" (3/479)، وابن حبان، وحسنه الألباني الترغيب (1106).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط" وحسنه الألباني في الترغيب (1113).
(3) سورة النساء آية (100).(1/12)
وعن ابن عباس { قال: بينما رجل واقف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ وقع عن راحلته فأقعصته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه بثوبه ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" وفي رواية: "إن رجلاً كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اغسلوه بماء وسدر".(1)
وفي رواية لمسلم: "فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغسلوه بماء وسدر وأن يكشفوا وجهه حسبته قال: ورأسه فإنه يبعث وهو يهل".
أقعصته أي: رمت به فكسرت عنقه وهو معنى وقصته.
وهو يهل أي: يرفع صوته بالتلبية.
فضل الأذكار في العشر الأول من ذي الحجة
قال الله تعالى: +ويذكروا اسم الله في أيام معلومات".(2)
قال ابن عباس والشافعي والجمهور: (هي أيام العشر).
قال ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف : استحباب الإكثار من الذكر فيها فقد دل عليه قول الله عز وجل : +ويذكروا اسم الله في أيام معلومات"، فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء. أ.هـ. (3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيءٍ"(4).
قال ابن بطال : هذا اللفظ يحتمل أمرين : أن لا يرجع بشيء من ماله وأن رجع هو ، وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن يرزقه الله الشهادة. (5).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1265، 1268) وفي كتاب جزاء الصيد برقم (1849)، وأخرجه مسلم في كتاب الحج برقم (2883، 2884).
(2) سورة الحج آية (28).
(3) لطائف المعارف (ص 280 - 283).
(4) رواه البخاري في كتاب العيدين برقم (969).
(5) فتح الباري (2/460).(1/13)
وفي الترمذي: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من الأيام العشرة".
وفي رواية أبي داود مثل هذه إلا أنه قال: "من هذه الأيام" يعني العشرة.
قال ابن عباس: (وكان ابن عمر وابو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما).
فضل النفقة في الحج والعمرة
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها في عمرتها: "إن لك
من الأجر على قدر نصبك ونفقتك".(1)
النصب: بالتحريك هو التعب.
وعن ابن عباس { أن رسول الله @ لقي ركباً بالروحاء فقال: "من القوم؟" قالوا: المسلمون فقالوا: من أنت؟ قال: "رسول الله" فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر". سبق تخريجه.
ركباً: جمع راكب. (الروحاء) مكان قرب المدينة.
الذي يكون سبباً في طاعة الله، أو أعان عليها حصل له من الأجر كما لو باشرها وفعلها.
وقال@ لعائشة: "إنما أجرُك في عمرتك على قدر نفقتك".(2)
فضل التلبية والمتابعة بين الحج والعمرة
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ملبي يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا عن يمينه وشماله".(3)
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1116).
(3) رواه الترمذي وابن خزيمة والحاكم، وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم" ورواه ابن ماجة، وصححه الألباني، الترغيب برقم (1134).(1/14)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة وما من مؤمن يظل يومه محرماً إلا غابت الشمس بذنوبه".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أهل مُهِلٌ قط إلا بُشِّرَ، ولا كَبَّر مكبِرٌّ قط إلا بُشِّرَ" قيل: يا رسول الله! بالجنة؟ قال: "نعم".(2)
(أهَلَّ): الملبي إذا رفع صوته بالتلبية.
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئلَ: أي الأعمال أفضل؟ قال: "العج والثج".(3)
"العج" بفتح العين المهملة وتشديد الجيم" هو رفع الصوت بالتلبية، وقيل بالتكبير. و "الثج" بالمثلثة: هو نحر البُدْن.
فضل الطواف بالبيت
واستلام الحجر الأسود والركن اليماني
عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أباه يقول لابن عمر: ما لي لا أراك تستَلِمُ إلا هذين الركنين: الحجر الأسود والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إن أفعل فقد سمعت رسول الله @ يقول: "إن استلامهما يحط الخطايا".قال:وسمعته يقول: "ومن طاف أسبوعاً يُحصيه وصلى ركعتين، كان كَعَدلِ رقبة".
قال: وسمعته يقول: "ما رفع رجل قدماً ولا وضعها إلا كتب له عشر حسنات، وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات".(4)
ورواه الترمذي ولفظه: إني سمعت رسول الله @ يقول: "إن مسحهما كفارة للخطايا".
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الألباني رحمه الله: "حسن صحيح"، الترغيب (1133).
(2) قال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1137).
(3) قال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (1138).
(4) رواه أحمد والترمذي والحاكم وقال: (صحيح الإسناد) وابن خزيمة في "صحيحه" وصححه الألباني، الترغيب برقم (1139).(1/15)
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" ولفظه وقال: إن أفعل فإني سمعت رسول الله @ يقول: "مسحُهما يحطُّ الخطايا". وسمعته يقول: "من طاف بالبيت لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلا كتبَ الله له حسنةً وحط عنه خطيئةً، وكتبَ له درجةً". وسمعته يقول: "من أحصى أسبوعاً كان كعتقِ رقبةٍ"..(1)
قال الألباني رحمه الله: وفيه إشارة إلى أن فضائل العبادات المقيدة بعدد مسمى لا بد فيها من التمسك بالعدد لا يزيد ولا ينقص فتنبه.
وعن ابن عباس { قال: قال رسول الله @ في الحَجَر: " والله ليَبعَثَنَّهُ الله يومَ القيامة له عينان يبصر بهما ولسانٌ ينطق به يشهد على من استلمهُ بحق".(2)
بحق: الباء للملابسة أي: متلبساً بها بحق وهو دين الإسلام واستلامه بحق هو طاعة الله واتباع سنة نبيه @ لا تعظيم الحجر نفسه، والشهادة عليه هي الشهادة على أدائه حق الله المتعلق به وليست (على) للضرر . أ.هـ. صحيح الترغيب (2/28)
وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله @ وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول: "الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب".(3)
وفي رواية للبيهقي قال: "إن الركن والمقام من ياقوت الجنة ولولا ما مسَّه من خطايا بني آدم لأضاء ما بين المشرق والمغرب وما مسَّهما من ذوي عاهةٍ ولا سقيم إلا شُفي".(4)
فضل من وقف بعرفة حاجاً
__________
(1) المصدر السابق نفسه. قوله: "أسبوعاً يحصيه أو أحصى أسبوعاً" أي: يحصر عدده فيجعله سبعاً لا زيادة ولا نقص.
(2) رواه الترمذي، وابن خزيمة وابن خبان في صحيحهما،وصححه الألباني، الترغيب(1144).
(3) رواه الترمذي وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1147).
(4) رواه البيهقي، وصححه الألباني في الصحيحه برقم (3355)، والترغيب برقم (1147).(1/16)
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي @ قال: "خير الدعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".(1)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فيستحب الإكثار من هذا الذكر والدعاء ويجتهد في ذلك فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء وهو معظم الحج ومقصوده والمعول عليه فينبغي أن يستفرغ الإنسان وسعه في الذكر والدعاء وفي قراءة القرآن وأن يدعوا بأنواع الأدعية ويأتي بأنواع الأذكار ويدعوا لنفسه ويذكر في كل مكان ويدعوا منفرداً ومع جماعة ويدعوا لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع المسلمين وليحذر كل الحذر من التقصير في ذلك كله فإن اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره ولا يتكلف السجع في الدعاء فإنه يشغل القلب ويذهب الانكسار والخضوع والافتقار والمسكنة والذلة والخشوع.أ.هـ. (2)
وقال رحمه الله: والسنة أن يخفض صوته بالدعاء ويكثر من الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الاعتقاد بالقلب ويلح في الدعاء، ويكرره ولا يستبطئ الإجابة ويفتح دعاءه ويختمه بالحمد لله تعالى والثناء عليه سبحانه وتعالى والصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليختمه بذلك وليحرص على أن يكون مستقبل الكعبة وعلى طهارة. أ.هـ. (3)
وعن أبي هريرة>،عن رسول الله @ قال: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً".(4)
__________
(1) صحيح الترمذي برقم (2837) وصحيح الجامع برقم (3269).
(2) الأذكار (ص 269 - 270).
(3) الأذكار ص 270
(4) رواه مسلم في الحج برقم (3275) ورواه النسائي برقم(3003).(1/17)
وعن عائشة <: إن رسول الله @ قال:"ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا يتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء".(1)
وزاد في رواية: "أشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم".(2)
فضل حلق الرأس
عن أبي هريرة >: أن رسول الله @ قال: "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين قال: "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين قال: "اللهم اغفر للمحلقين قالوا: يا رسول الله وللمقصرين قال: "وللمقصرين".(3)
وعن أم الحصين < أنها سمعت النبي @ في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة".(4)
وعن عبادة بن الصامت>:"وأما حلقك رأسك فإنه ليس من شعرك شعرةُ تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة".(5)
فضل الشرب من ماء زمزم وما جاء في فضله
عن ابن عباس { قال: قال رسول الله @: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء سقيم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي (برهوت) بقية بـ(حضرموت) كرجل الجراد تصبح تندفق وتمسي لا بلال فيها".(6)
(طعام الطعم) أي: يشبع الإنسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطعام. قاله ابن الأثير
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "زمزم طعام طعم وشفاء سقم".(7)
__________
(1) صحيح الترمذي برقم (2837) وصحيح الجامع برقم (3269).
(2) صحيح الترغيب (2/34).
(3) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (1728)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1202).
(4) رواه مسلم في كتاب الحج برقم (1302).
(5) صحيح الترغيب (1113).
(6) رواه الطبراني في "الكبير" ورواته ثقات، وحسنه الألباني في الترغيب (1161).
(7) رواه البزار بإسناد صحيح، وصححه الألباني في الترغيب (1162).(1/18)
وعن جابر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ماء زمزم لما شرب له ... ".(1)
فضل يوم النحر
قال الله تعالى : +ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى من القلوب".(2).
قال مجاهد في قوله: (ومن يعظم شعائر الله، قال: يريد استعظام البدن واستسمانها وذهب ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى وكثير من أهل العلم على أن يوم النحر هو أفضل أيام السنة والله أعلم.
صفة حج النبي@
عن جابر بن عبد الله { ، قال: "أهلّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلحة، وقدم علي من اليمن ومعه هدي، فقال: أهللت بما أهل به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت، وحاضت عائشة < فنسكت المناسك غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله تنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بحج، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج" . (3)
__________
(1) رواه أحمد وابن ماجة وإسناده حسن، وحسنه الألباني في الترغيب (1165).
(2) سورة الحج آية (32) .
(3) رواه البخاري برقم (1568)، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى وضوء بين الصفا والمروة، ومسلم برقم (1216)، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه.(1/19)
قال النووي رحمه الله: إنما قال هذا من أجل فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاص لهم في تلك السنة خاصة لمخالفة الجاهلية ولم يرد بذلك التمتع الذي فيه الخلاف وقال هذا تطييبا لقلوب أصحابه وكانت نفوسهم لا تسمح بفسخ الحج إلى العمرة كما صرح به في الأحاديث التي بعد هذا فقال لهم - صلى الله عليه وسلم - هذا الكلام ومعناه ما يمنعني من موافقتكم فيما أمرتكم به إلا سوقي الهدي ولولاه لوافقتكم ولو استقبلت هذا الرأي وهو في أشهر الحج من أول أمري لم أسق الهدى، وفي هذه الرواية حجة للبعض بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متمتعا . (1)
وقال جابر بن عبد الله { : "قدمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونحن نقول: لبيك اللهم لبيك بالحج، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلناها عمرة". (2)
وعن بن عباس { قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم ، فقالوا يا رسول الله أي الحل؟ قال: "حل كله". (3)
فحديث جابر بن عبدالله في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث الطوال في كتب السنة ومن الأحاديث التي جمعت أحكاماً وفوائد كثيرة، وهو خاص بسياق حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) شرح مسلم (8/144).
(2) رواه البخاري برقم (1495)، باب من لبى بالحج وسماه، ومسلم برقم (1216)، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه .
(3) رواه البخاري برقم (1489)، باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي ، ومسلم برقم(1240)، باب جواز العمرة في أشهر الحج .(1/20)
وهذا الحديث حديث عظيم جليل نفيس ساق فيه جابر بن عبد الله عليه رضوان الله تعالى صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رآها في صحبته لنبي الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، و قد ضبط فيه جابر حج النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والتحقيق الثابت بالأحاديث الصحيحة أن النبي @ لما حج بأصحابه أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدى وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ساق الهدى فلما لم يحل توقفوا فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى ولجعلتها عمرة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بين العمرة والحج فالذي تدل عليه السنة أن من لم يسق الهدى فالتمتع أفضل له، وأن من ساق الهدى فالقران أفضل له هذا إذا جمع بينهما في سفرة واحدة، وأما إذا سافر للحج سفرة وللعمرة سفرة فالإفراد أفضل له، وهذا متفق عليه بين الأئمة الأربعة، اتفقوا على أن الإفراد أفضل إذا سافر كل منهما سفرة والقران الذي فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بطواف واحد وبسعى واحد لم يقرن بطوافين وسعيين كما يظنه من يظنه من أصحاب أبى حنيفة كما أنه لم يفرد الحج كما يظنه من ظنه من أصحاب الشافعي ومالك ولا اعتمر بعد الحج لا هو ولا أحد من أصحابه إلا عائشة لأجل عمرتها التي حاضت فيها مع أنه قد صح أنه اعتمر أربع عمر إحداهن في حجة الوداع ولم يحل النبي من إحرامه كما ظنه بعض أصحاب أحمد . (1)
__________
(1) مجموع الفتاوى (20/373-374).(1/21)
وقال في موضع آخر: وقد تنازع العلماء في حج النبي@: هل تمتع فيه، أو أفرد أو قرن؟ وتنازعوا أي الثلاثة أفضل؟ فطائفة من أصحاب أحمد تظن أنه تمتع تمتعاً حل فيه من إحرامه. وطائفة أخرى تظن أنه أحرم بالعمرة، ولم يحرم بالحج حتى طاف وسعى للعمرة. وطائفة من أصحاب مالك والشافعي، تظن أنه أفرد الحج واعتمر عقيب ذلك. وطائفة من أصحاب أبي حنيفة تظن أنه قرن قراناً طاف فيه طوافين، وسعى فيه سعيين. وطائفة تظن أنه أحرم مطلقاً. وكل ذلك خطأ لم تروه الصحابة رضوان الله عليهم: بل عامة روايات الصحابة متفقة، ومن نسبهم إلى الاختلاف في ذلك فلعدم فهمه أحكامهم؛ فإن الصحابة نقلوا أن النبي@ تمتع بالعمرة إلى الحج، هكذا الذي نقله عامة الصحابة، ونقل غير واحد من هؤلاء وغيرهم أنه قرن بين العمرة والحج، وأنه أهل بهما جميعاً، كما نقلوا أنه اعتمر مع حجته، مع اتفاقهم على أنه لم يعتمر بعد الحج، بل لم يعتمر معه من أصحابه بعد الحج إلا عائشة؛ لأجل حيضتها. (1)
باب
طواف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام
لم يطف رسول الله@ ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً وهو طوافه الأول" يعني النبي@ ومن كان من أصحابه قارناً فهؤلاء لم يسعوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة، وأما من كان متمتعاً فإنه سعى سعيين سعياً لعمرته ثم سعياً آخر لحجه يوم النحر، وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة للشافعي وموافقيه في أن القارن ليس عليه إلا طواف واحد للإفاضة وسعي واحد، وممن قال بهذا ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وطاوس، وعطاء، والحسن البصري، ومجاهد، ومالك، وابن الماجشون، وأحمد، وإسحاق، وداود، وابن المنذر، وقالت طائفة: يلزمه طوافان وسعيان، وممن قاله الشعبي والنخعي وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة، وحكي ذلك عن علي، وابن مسعود، قال ابن المنذر لا يثبت هذا عن علي> .
__________
(1) مجموع الفتاوى (22/263) .(1/22)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أخبرت عائشة في الحديث الصحيح إن الذين قرنوا لم يطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، إلا الطواف الأول الذي طافه المتمتعون أولاً.
وأيضاً فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة في قضيتها، إنها لما طافت يوم النحر بالبيت، وبين الصفا والمروة، قال لها: "قد حللت" وقال لها: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك" وإنه لا يجب عليها قضاء تلك العمرة، ودل ذلك على أن القارن يجزيه طواف واحد بالبيت، وبين الصفا والمروة، كما يجزي المفرد، لا سيما وعائشة لم تطف إلا طواف قدوم، بل لم تطف إلا بعد التعريف، وسعت مع ذلك، فإذا كان طواف الإفاضة والسعي بعده يكفي القارن، فلأن يكفيه طواف القدوم مع طواف الإفاضة، وسعي واحد مع أحدهما، بطريق الأولى.
ومما يبين ذلك أن الصحابة الذين نقلوا حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم نقلوا أنه لما طاف الصحابة بالبيت، ثم ذكر الأحاديث بخصوص طواف وسعي النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: فهذه الأحاديث الثابتة الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين أنه لم يطف بالبيت، وبين الصفا والمروة، إلا طوافاً واحداً، فتبين بذلك أن الذي دلت عليه الأحاديث هو الذي قاله أئمة أهل الحديث كأحمد وغيره، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً، وأنه لم يطف إلا طوافاً واحداً بالبيت، وبين الصفا والمروة، لكنه ساق الهدي، فمن ساق الهدي فالقران أفضل له من التمتع، ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، والله أعلم .اهـ. (1)
باب
كان منزل النبي بمِنى بالخيف
__________
(1) مجموع الفتاوى (26/314) .(1/23)
قال عطاء: كان منزل النبي بمِنى بالخيف - عندما حج - صلى الله عليه وسلم - ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم، فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلواً فشرب منه، قال عطاء: كان منزل النبي $ بمِنى بالخيف. (1)
وعن عطاء، عن ابن عباس قال: ليس التحصيب(2) بشئ إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وعن عبد الله بن نمير، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان لا ينزل الأبطح، وقال: إنما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه انتظر عائشة. (3)
وعن ليث، أن عطاء، وطاوسا، ومجاهدا، وسعيد بن جبير، كانوا يحصبون. (4)
حصبوا: نزلوا للراحة في الحصباء وهي الأبطح. (5)
وكان نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان في دار أم هاني .
فعن وكيع عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس أنه نزل دار أم هاني في شهر رمضان . (6)
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/285) .
(2) عن أَنس - رضي الله عنه - " أنَّ النّبي $ صلى الظُّهر والْعصرَ والمغربَ والعشاءَ ثمَّ رقَدَ رقْدَة بالمحَصَّب ثمَّ ركب إلى البيت فطاف به " رواهُ البخاريُّ . والمحصب هو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى . كما في النهاية.
(3) عن هشام بن عروة، عن عائشة، قالت: نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه اسمح لخروجه إذا خرج . متفق عليه .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/24)
وقد اعتمر النبي @ بعد هجرته أربع عمر : عمرة الحديبية . وصل إلى الحديبية، والحديبية وراء الجبل الذي بالتنعيم عند مساجد عائشة عن يمينك وأنت داخل إلى مكة فصده المشركون عن البيت فصالحهم، وحل من إحرامه، وانصرف وعمرة القضية؛ اعتمر من العام القابل ، وعمرة الجعرانة؛ فإنه كان قد قاتل المشركين بحنين، وحنين من ناحية المشرق من ناحية الطائف، وأما بدر فهي بين المدينة وبين مكة وبين الغزوتين ست سنين، ولكن قرنتا في الذكر؛ لأن الله تعالى أنزل فيهما الملائكة لنصر النبي @ والمؤمنين في القتال، ثم ذهب فحاصر المشركين بالطائف، ثم رجع وقسم غنائم حنين بالجِعْرَانة، فلما قسم غنائم حنين اعتمر من الجعرانة داخلا إلى مكة لا خارجًا منها للإحرام . والعمرة الرابعة مع حجته، فإنه قرن بين العمرة والحج باتفاق أهل المعرفة بسنته، وباتفاق الصحابة على ذلك، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه تمتع تمتعًا حل فيه، بل كانوا يسمون القران تمتعًا، ولا نقل عن أحد من الصحابة أنه لما قرن طاف طوافين، وسعي سعيين . وعامة المنقول عن الصحابة في صفة حجته ليست بمختلفة، وإنما اشتبهت على من لم يعرف مرادهم، وجميع الصحابة الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج؛ كعائشة، وابن عمر، وجابر قالوا : إنه تمتع بالعمرة إلى الحج . فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة وابن عمر بإسناد أصح من إسناد الإفراد، ومرادهم بالتمتع القِران، كما ثبت ذلك في الصحاح أيضًا .(1/25)
قال ابن قيم الجوزية: اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة أربع عُمَرٍ، كلهن في ذي القعدة.(1)
الأولى: عمرة الحديبية.
والثانية: عمرة القضية في العام المقبل، دخل مكة فأقام بها ثلاثاً، ثم خرج بعد إكمال عمرته.
والثالثة: عمرته التي قرنها مع حجته، فإنه كان قارناً لبضعة عشر دليلاً.
والرابعة: عمرته من الجعرانة.(2)
والمقصود: أن عمره كلها كانت في أشهر الحج؛ مخالفةً لهدي المشركين فأنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج ويقولون: هي من أفجر الفجور؛ وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج أفضل منه في رجب بلا شك.
وأما المفاضلة بينه وبين الاعتمار في رمضان فموضع نظر فقد صح عنه أنه أمر أم معقل لما فاتها الحج معه أن تعتمر في رمضان وأخبرها أن عمرة في رمضان تعدل حجة وأيضا فقد اجتمع في عمرة رمضان أفضل الزمان وأفضل البقاع ولكن الله لم يكن ليختار لنبيه في عمره إلا أولي الأوقات وأحقها بها فكانت العمرة في أشهر الحج نظير وقوع الحج في أشهره وهذه الأشهر قد خصها الله تعالى بهذه العبادة وجعلها وقتا لها والعمرة حج أصغر فأولى الأزمنة بها أشهر الحج وذو العقدة أوسطها، وهذا مما نستخير الله فيه كان عنده فضل علم فليرشد إليه. (3)
وقال رحمه الله: فصل في دعائه - صلى الله عليه وسلم - في المشاعر .
فقد تضمنت حجته - صلى الله عليه وسلم - سِتَّ وقفات للدعاء.
__________
(1) عن قتادة قال: سألت أنساً - رضي الله عنه - : كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: أربع: عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة إذ قَسمَ غنيمةَ ـ أراه ـ حنين. قلت كم حج؟ قال: واحدة". رواه البخاري في العمرة برقم (1778)، ومسلم في الحج برقم (1253).
(2) الجعرانة: موضع بين مكة والطائف.
(3) زاد المعاد، فصل في هديه $ في حجه وعمره .(1/26)
الموقف الأول: على الصفا(1).
والثاني: على المروة(2).
والثالث: بعرفة(3).
والرابع: بمزدلفة(4).
والخامس: عند الجمرة الأولى(5).
والسادس: عند الجمرة الثانية(6).
باب
تحريم مكة
من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فأصبحت حراماً بحرمة الله إلى يوم القيامة.
__________
(1) قرب من الصفا فقرأ: "إن الصَّفا والمروة من شعائر الله" البقرة (159) أبدأ بما بدأ الله به، ثم رمى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القِبلة، فوحَّد الله وكبره، وقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك.
(2) وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا وصل الى المروة، رقى عليها، واستقبل البيت، وكبّر الله ووحّده، وفعل كما فعل على الصفا.
(3) عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". أخرجه مالك في الموطأ (1/422)، والترمذي (3579)، وصححه الألباني في الصحيحة (4/807).
(4) عندما أتى موقِفَه عند المشعر الحرام، فاستقبل القِبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع، والتكبير، والتهليل، والذكر، حتى أسفر جداً، وذلك قبل طلوع الشمس.
(5) تقدم على الجمرة أمامها حتى أسهل، فقام مستقبل القِبلة، ثم رفع يديه ودعا دعاءً طويلاً بقدر سورة البقرة. أخرجه البخاري (3/464) في الحج.
(6) وأتى الجمرة الوسطى، فرماها كذلك، ثم انحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فوقف مستقبل القِبلة رافعاً يديه يدعو قريباً من وقوفه الأولِ. نفس التخريج السابق.(1/27)
فعن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله @ الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به، إنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله @ فيها فقولوا له إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب"، فقيل لأبي شريح ما قال لك عمرو ، وقال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة .(1)
__________
(1) الحديث رواه البخاري برقم (104)، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب قاله بن عباس عن النبي$، ومسلم برقم (1353)، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام .(1/28)
وعن مجاهد، عن طاوس، عن بن عباس { ، قال: قال رسول الله @ يوم الفتح فتح مكة:"لا هجرة ولكن جهاد ونية،وإذا استنفرتم فانفروا"، وقال يوم الفتح فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها"، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: "إلا الإذخر". (1)
قال الشيخ ابن عثيمين: وفي هذا الخبر المؤكد دليل على أنه لا يمكن نسخ تحريم مكة، لأنه جعل الغاية يوم القيامة . (2)
وعن حجاج عن عطاء وابن الاسود قالا: لا بأس بما سقط من شجر الحرم.
وقال أبو بكر ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على تحريم قطع شجرها. (3)
__________
(1) رواه البخاري برقم(112)، باب كتابة العلم، ومسلم برقم(1353)، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مجموع الفتاوى (18/281): فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة وغيرها دار كفر وحرب وكان الإيمان بالمدينة فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبه لمن قدر عليها فلما فتحت مكة وصارت دار الإسلام ودخلت العرب في الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام فقال لا هجرة بعد الفتح وكون الأرض دار كفر ودار إيمان أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها بل هي صفة عارضة بحسب سكانها فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت وكل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت وكل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت فإن سكنها غير ما ذكرنا وتبدلت بغيرهم فهي دارهم .اهـ.
(2) الشرح الممتع (3/271) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/400)، دار المدينة .(1/29)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمذهب أكثر الفقهاء أن من أصاب حدّاً خارج الحرم، ثم لجأ إلى الحرم لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه، كما قال ابن عمر، وابن عباس. وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد، وغيرهما؛ لما ثبت في الصحيح أن النبي @ قال: "إن مكة حرّمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجراً، وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس" .
ومن ظن أن من دخل الحرم كان آمناً من عذاب الآخرة، مع ترك الفرائض من الصلاة وغيرها، ومع ارتكاب المحارم، فقد خالف إجماع المسلمين، فقد دخل البيت من الكفار والمنافقين والفاسقين من هو من أهل النار بإجماع المسلمين. والله أعلم .اهـ. (1)
قال القرطبي: خص الفقهاء الشجر المنهي عنه بما ينبته الله تعالى دون صنيع آدمي، فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه، فالجمهور على الجواز، وقال الشافعي في الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول، فقال مالك: لا جزاء فيه، وقال عطاء: يستغفر، وقال أبو حنيفة : يؤخذ بقيمته هدي ، وقال الشافعي في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة.
وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق ومنعه الجمهور لنهيه @ عن ذلك كما في حديثي الباب والقياس مصادم لهذا النص فهو فاسد الاعتبار وهو أيضا صحيح لقيام الفارق فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر قال ابن قدامة ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر صنيع الآدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا انتهى . (2)
__________
(1) مجموع الفتاوى (18/336) .
(2) نيل الأوطار (5/92-94).(1/30)
وقال ابن العربي: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، كذا نقله أبو ثور عنه، وأجاز أيضاً أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها، وبهذا قال عطاء، ومجاهد، وغيرهما... (1)
قال الصنعاني: الإذخر نبت معروف طيب الرائحة فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال إلا الإذخر متفق عليه. (2)
وقال أبو بكر ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على إباحة كل ما ينبته الناس في الحرم من البقول، والزروع، والرياحين وغيرها. (3)
باب
موضع البيت الحرام
قال عطاء : بعث الله رياحا فصفَّقَت الماء، فأبرزت في موضع البيت عن حَشَفَةٍ كأنها القبة، فهذا البيت منها فلذلك هي أمّ القرى.
وقال: أنزل الله ياقوته من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن .
وعن ابن جريج: قال عطاء: ثم وَتَدَها بالجبال كي لا تُكْفأ بمَيْدٍ، فكان أول جبل "أبو قبيس".(4)
__________
(1) نيل الأوطار (5/126).
(2) سبل السلام (2/197) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/400)، دار المدينة .
(4) تفسير الطبري (1/428) .(1/31)
وقال ابن كثير: عن ابن عباس { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ } .(1) قال، القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك، وقال عبد الرزاق أيضاً: أخبرنا هشام بن حسان عن سوار ختن عطاء، عن عطاء بن أبي رباح، قال: لما أهبط الله آدم من الجنة كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم يأنس إِليهم، فهابت الملائكة حتى شكت إِلى الله في دعائها وفي صلاتها، فخفضه الله تعالى إِلى الأرض، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش، حتى شكا ذلك إِلى الله في دعائه وفي صلاته، فوجه إِلى مكة فكان موضع قدميه قرية، وخطوه مفازة، حتى انتهى إِلى مكة وأنزل الله ياقوته من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن، فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة، حتى بعث الله إِبراهيم عليه السلام فبناه. (2)
باب
فضل البيت
عن وكيع عن غندر وشعبة عن الحكم عن عكرمة وعطاء وطاوس في قوله تعال: (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) قالوا: تهوي إليه قلوبهم يأتونه - يعني البيت .(3)
وعن عطاء قال في قوله عزوجل : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً ؤ¨$¨Z=دj9) ، يحجون ولا يقضون منه وطراً . (4)
باب
حدِّ البيت
__________
(1) سورة البقرة الآية (721) .
(2) تفسير ابن كثير (1/295).
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/445) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/445). قال أهل التفسير في قوله تعالى: { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ } أي: مرجعا يثوبون إليه, لحصول منافعهم الدينية والدنيوية, يترددون إليه, ولا يقضون منه وطرا، { و } جعله { أَمْنًا } يأمن به كل أحد, حتى الوحش, وحتى الجمادات كالأشجار. ولهذا كانوا في الجاهلية - على شركهم - يحترمونه أشد الاحترام, ويجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم, فلا يهيجه، فلما جاء الإسلام, زاده حرمة وتعظيما, وتشريفا وتكريما.(1/32)
عن عطاء قال : المسجد الحرام ما أحاطت به حدود الحرم . (1)
وعنه قال: البيت كله قبلة، وأفضله ميامنه . (2)
وعن عبد الجبار بن الورد المكي قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: المسجد الحرام الحرم كله. (3)
وعن ليث عن عطاء أنه كان يرى الحِجْر من البيت. (4)
باب
عدم تمكن الكافر من دخول مكة وتطهير البيت(5)
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت أهل الآفاق، أليس إنما يستقبلون الحرم كله، وتلا: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام)، قال: لم تعن المسجد فقط, ولكن يعني مكة والحرم, فقلت: أثبت أنه الحرم؟ قال: ما أشك).(6)
وعن جابر عن عطاء في قوله: (سواء العاكف فيه والباد) قال: العاكف فيه أهل مكة، والبادي الغرباء سواءٌ هم في حرمته . (7)
وعن عطاء بن أبي رباح في قول الله (طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) قال: أما والله ماهو بالطيب! ولكنه من الذنب. (8)
__________
(1) أخبار مكة للفاكهي (2/106).
(2) أخبار مكة للفاكهي (1/185) .
(3) أخبار مكة للأزرقي (2/62) .
(4) المصنف لعبد الرزاق (5/83) .
(5) قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } ولهذا بعث رسول الله$ عام تسع لما أمر الصديق على الحجيج عليا وأمره أن ينادي على سبيل النيابة عن رسول الله$ ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان . رواه البخاري برقم (362)، ومسلم برقم (1347) .
(6) أخبار مكة للفاكهي (5/40) .
(7) تفسير الطبري (17/138)، أخبار مكة للأزرقي (1/285)، شرح المعاني (4/51) .
(8) الزهد لابن المبارك (1176) .(1/33)
قال النووي: قال العلماء ولا يمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز ولا يمكنون من الاقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام قال الشافعي وموافقوه إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخوله بحال فإن دخله في خفية وجب إخراجه فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج مالم يتغير هذا مذهب الشافعي وجماهير الفقهاء، وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم وحجة الجماهير قول الله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا والله أعلم. (1)
باب
معنى قوله تعالى { لِلطَّائِفِينَ }
قال عطاء : قوله تعالى: { لِلطَّائِفِينَ } ظاهره الذين يطوفون به .
قال القرطبي : قوله تعالى: { لِلطَّائِفِينَ } ظاهره الذين يطوفون به؛ وهو قول عطاء. وقال سعيد بن جبير: معناه للغرباء الطارئين على مكة؛ وفيه بُعْد. { وَالْعَاكِفِينَ } المقيمين. وقال الشيخ السعدي أي: المصلين، قدم الطواف, لاختصاصه بالمسجد [الحرام]، ثم الاعتكاف, لأن من شرطه المسجد مطلقا، ثم الصلاة, مع أنها أفضل, لهذا المعنى. وأضاف الباري البيت إليه لفوائد، منها: أن ذلك يقتضي شدة اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره, لكونه بيت الله، فيبذلان جهدهما, ويستفرغان وسعهما في ذلك. ومنها: أن الإضافة تقتضي التشريف والإكرام، ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه. ومنها: أن هذه الإضافة هي السبب الجاذب للقلوب إليه. (2)
__________
(1) شرح مسلم (11/94) .
(2) تفسير السعدي .(1/34)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد أمر الله تعالى بتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود والعاكف فيه لا يشترط له الطهارة ولا تجب عليه الطهارة من الحدث الأصغر باتفاق المسلمين ولو اضطرت العاكفة الحائض إلى لبثها فيه للحاجة جاز ذلك وأما الركع السجود فهم المصلون والطهارة شرط للصلاة باتفاق المسلمين والحائض لا تصلي لا قضاء ولا أداء يبقى الطائف هل يلحق بالعاكف أو بالمصلي أو يكون قسما ثالثا بينها هذا محل اجتهاد. (1)
باب
معنى قوله تعالى : { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } .
قال عطاء: إِذا كان مصلياً فهو من الركع السجود .
قال ابن كثير: وأما قوله تعالى: { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } . (2) فقال وكيع عن أبي بكر الهذلي، عن عطاء عن ابن عباس: والركع السجود، قال: إِذا كان مصلياً فهو من الركع السجود، وكذا قال عطاء، وقتادة. قال ابن جرير رحمه الله: فمعنى الآية، وأمرنا إِبراهيم وإِسماعيل بتطهير بيتي للطائفين، والتطهير الذي أمرنا به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك. (3)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: و أما الركع السجود فهم المصلون. (4)
باب
في تراب الحرم والزرع يخرج به إلى الحل
مذهب عطاء كراهة إخراج تراب الحرم إلى الحل ولا شيء غيره. (5)
فعن وكيع عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس وابن عمر أنهما كرها أن يخرج من تراب الحرم إلى الحل ، أو يدخل من تراب الحل إلى الحرم. (6)
وفي رواية عن يزيد بن هارون عن محمد بن سالم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء أنهما كرها أن يخرج يعني تراب الحرم إلى الحل. (7)
__________
(1) مجموع الفتاوى (6/126) .
(2) سورة البقرة (521) .
(3) تفسير ابن كثير (1/295) .
(4) مجموع الفتاوى (26/126) .
(5) أنظر أخبار مكة للفاكهي (3/390) .
(6) أنظر أخبار مكة للفاكهي (3/390و391) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/35)
وعن عطاء قال: لا يؤخذ من الحرم قليل ولا كثير ولا شجرة ولا حشيش ولا شيء . (1)
باب
عدم جواز بيع أراضي مكة
مذهب عطاء في أراضي مكة هو عدم جواز بيعها، ولا إجارةُ بيوتها .
فعن حجاج، عن عطاء أنه كان يكره أجور بيوت مكة . (2)
وعن ابن جريج قال: كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم . (3)
وعن معمر قال: أخبرني من سمع عطاء يقول: (سواء العاكف فيه والباد)، قال: ينزلون حيث شاءوا . (4)
وعن حفص، عن ابن جريج، عن عطاء، قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبوابا حين ينزل الحج في عرصات الدور .
وعن مجاهد، وعطاء، وطاوس قال: كانوا يكرهون أن يبيعوا شيئاً من رباع مكة .
قال ابن قيم الجوزية: ذهب جمورُ الأئمة مِن السلف والخلف، إلى أنه لا يجوزُ بيعُ أراضي مكة، ولا إجارةُ بيوتها، هذا مذهبُ مجاهد، وعطاء في أهل مكة، ومالك في أهل المدينة، وأبي حنيفة في أهل العراق، وسفيان الثوري، والإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. (5)
باب
النهى عن حمل السلاح بمكة حاجة
مذهب عطاء عدم جواز أن يتقلد المحرم سيفه إلا إذا خاف .فعن ابن فضيل عن ليث عن عطاء قال: لا يدخل أحدكم مكة بسلاح في حج ولا عمرة.(6)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا بأس أن يتقلد المحرم سيفه إذا خاف. (7)
__________
(1) أنظر أخبار مكة للفاكهي (3/390) .
(2) أنظر المصنف لعبد الرزاق (5/146) .
(3) المصنف لعبد الرزاق (5/146) .
(4) أنظر المصنف لعبد الرزاق (5/147) .
(5) زاد المعاد .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/36)
قال النووي: نهى عن حمل السلاح بمكة حاجة قوله @ لا يحل لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة هذا النهي اذا لم تكن حاجة فإن كانت جاز هذا مذهبنا ومذهب الجماهير قال القاضي عياض هذا محمول ثم أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة فإن كانت جاز قال القاضي وهذا مذهب مالك والشافعي وعطاء قال وكرهه الحسن البصري تمسكا بظاهر هذه الحديث وحجة الجمهور دخول النبي @ عام عمرة القضاء بما شرطه من السلاح في القراب ودخوله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح متأهبا للقتال. (1)
وقال الشوكاني: حديث جابر عند مسلم قال قال @ لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح فيكون هذا النهي فيما عدا من حمله للحاجة والضرورة وإلى هذا ذهب الجماهير . (2)
باب
معنى { أرِنا مَناسِكَنا }
قال عطاء: - قوله تعالى - أرِنا مَناسِكَنا: أخرجها لنا، علمناها .
قال الطبري: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء: أرِنا مَناسِكَنا أخرجها لنا، علمناها. (3)
وقال القرطبي: واختلف العلماء في المراد بالمناسك هنا؛ فقيل: مناسك الحج ومعالمه؛ قاله قتادة والسُّدي. وقال مجاهد، وعطاء، وابن جُريج: المناسك المذابح؛ أي مواضع الذبح. وقيل: جميع المتعبَّدات. وكل ما يُتعبَّد به إلى الله تعالى يقال له مَنْسَك ومَنْسِك. والناسك العابد . (4)
باب
الحجر من البيت الحرام
قال عطاء: الحجر من البيت فمن لم يطف به لم يعتد بطوافه .
قال ابن قدامة: مسألة: ويكون الحجر داخلاً في طوافه.لأن الحجر من البيت.
__________
(1) شرح مسلم (9/131).
(2) نيل الأوطار (5/76) .
(3) تفسير الطبري (1/433) .
(4) تفسير القرطبي (2/126) .(1/37)
إنما كان كذلك لأن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت جميعه بقوله: { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } .(1) والحجر منه فمن لم يطف به لم يعتد بطوافه: وبهذا قال عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر: وقال أصحاب الرأي: إن كان بمكة قضى ما بقي وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم ونحوه قال الحسن. (2)
__________
(1) سورة الحج الآية (29) .
(2) المغني على مختصر الخرقي (3/262) .(1/38)
وقال الشنقيطي: وأصح أقوال أهل العلم فيما يظهر لنا والله أعلم: أنه لا بد من أن يكون خارجاً جميع بدنه، حال طوافه عن شاذروان الكعبة، لأنه منها، وكذلك لا بد أن يكون خارجاً جميع بدنه حال طوافه عن جدار الحجر، لأن أصله من البيت، ولكن لم تبنه قريش على قواعد إبراهيم، ولأجل ذلك لم يشرع استلام الركنين الشاميين، لأن أصلهما من وسط البيت، لأن قريشاً لم تبن ما كان عن شمالهما من البيت، وهو الحجر الذي عليه الجدار وأصله من البيت كما بينا، ومما يدل على ذلك ما رواه الشيخان في صحيحيهما، عن عائشة <. قال البخاري في صحيحه: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر، عن عائشة رضي الله عنها زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "ألم تري قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر، لفعلت" قال عبد الله: لئن كانت عائشة < سمعت هذا من رسول الله@، ما أرى رسول الله@، ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم. ثم قال: وبه تعلم أن قول من زعم من أهل العلم أن من سلك نفس الحجر في طوافه، ثم رجع إلى بلده، لزمه دم مع صحة طوافه غير صحيح لما رأيت من أن الحجر من البيت،وأن الطواف فيه ليس طوافاً بالبيت. والعلم عند الله تعالى.(1)
باب
في الحجر من أين هو؟(2)
__________
(1) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(2) عن ابن عباس، عن رسول الله$ : "كان الحجر الأسود أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا بني آدم". صحيح الجامع برقم (4449) .(1/39)
عن وكيع عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس قال: الحجر من حجارة الجنة، ولولا ما مسه من أنجاس أهل الجاهلية ما مسه من ذي عاهة إلا برأ . (1)
باب
في الملتزم أين هو من البيت ؟
عن عطاء، عن ابن عباس قال : الملتزم ما بين الركن والباب . (2)
وعن حنظلة قال: رأيت سالما وعطاء وطاوسا يلتزمون ما بين الركن والباب. (3)
وعن عطاء قال: لا يقام بشيء من البيت إلا بين الركن والمقام . (4)
وعن ابن جريج أنه قال لعطاء: أفتعلق أنت بالبيت؟ قال: لا، ولكن أضع يدي في قبل البيت، ولا أمسه، قلت: فخارج البيت، تعلَّق به؟ قال: لا .(5)
وعنه قال: قلت له - أي لعطاء - فتلتصق أنت بالبيت؟ قال: لا، قال: فإذا تعوَّذت بشيء منه، لم أبالِ بأية تعوَّذت، لم أبتغِ حينئذٍ شيئاً . (6)
باب
في قوله تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
عن عبد الوهاب عن حبيب المعلم، عن عطاء أنه سئل عن شعائر الله، فقال: حرمات الله، اجتناب سخط الله، وإتباع طاعته، فذلك من شعائر الله. (7)
باب
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/236) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/236) .
(4) أخبار مكة للفاكهي (1/169) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/236) .
(6) المصنف لعبد الرزاق (5/73)، أخبار مكة للفاكهي (1/166) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/275)، تفسير الطبري (6/54). قال ابن كثير: قول تعالى هذا { ومن يعظم شعائر الله } أي أوامره { فإنها من تقوى القلوب } ، ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم عن مقسم عن ابن عباس: تعظيمها استسمانها واستحسانها .(1/40)
الدعاء عند رؤية البيت(1)
عن عطاء إنه كان إذ رأى البيت يقول: أعوذ برب البيت من الدين، والفقر، ومن ضيق الصدر وعذاب القبر. (2)
باب
في النظر إلى البيت(3)
عن ابن جريج عن عطاء قال: النظر إلى البيت عبادة. (4)
وعن عثمان بن وساخ قال: بلغني عن عطاء أنه قال: النظر إلى البيت عبادة، والناظر إلى البيت بمنزلة الصائم القائم الدائم المخبت المجاهد في سبيل الله سبحانه . (5)
__________
(1) فإذا رأى الكعبة رفع يديه إن شاء لثبوته عن ابن عباس. قال الشيخ الألباني في مناسك الحج والعمرة(ص20): رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عنه، ورواه غيره مرفوعا وإسناده ضعيف كما هو مبين في "الضعيفة"، (ولم يثبت عن النبي $ هنا دعاء خاص فيدعو بما تيسر له وإن دعا بدعاء عمر: (اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام) فحسن لثبوته عنه >. رواه البيهقي (5/ 72) بسند حسن عن سعيد بن المسيب قال: سمعت من عمر كلمة ما بقي أحد من الناس سمعها غيري سمعته يقول إذا رأى البيت: فذكره. ورواه بإسناد آخر أيضا عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ذلك ورواه ابن أبي شيبة (4/ 97) عنهما(1054 ).
(2) حاشية الطحطاوي (1/468)، عن المُهَاجِرِ المَكّيّ قال: "سُئِلَ جَابِرُ بنُ عَبْدِالله عن الرّجُلِ يَرَى الْبَيْتَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَقال:ما كُنْتُ أَرَى أحَداً يَفْعَلُ هَذَا إلاّ الْيَهُودَ، قَدْ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله$ فلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ".
(3) لا نعلم دليلاً صحيحاً في فضل النظر إلى البيت، وهذا من العبادة والعبادة توقيفية فمن ادعى فعليه بالدليل. ولم أجد من قال بذلك من العلماء .
(4) الشعب للبيهقي (3/455) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة، أخبار مكة للأزرقي (2/9) .(1/41)
وعن ابن مجاهد وأبان بن عبدالله البجلي عن عطاء قال: النظر إلى البيت عبادة، وتكتب له بها حسنة، وتصلي عليه الملائكة ما دام ينظر إليه . (1)
وعن عطاء قال: إن نظرة إلى هذا البيت في غير طواف ولا صلاة تعدل عبادة سنة، قيامها وركوعها وسجودها . (2)
باب
تفضيل مكة والمدينة ومضاعفة أجر الصلاة فيهما. (3)
__________
(1) المصنف لعبد الرزاق (5/135)، والمصنف لابن أبي شيبة (3/343) .
(2) الدر المنثور (1/328) .
(3) عن أبي هريرة> ، أن رسول الله$ قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله$ قال: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألفَ صلاة". صححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم(1155)،الإرواء(4/146)و (1129).
وعن عائشة قالت: قال رسول الله : "أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء، أحق المساجد أن يزار وتشد إليه الرواحل: المسجد الحرام ومسجدي وصلاة في مسجدي أفضل من آلف صلاةٍ فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام". صححه الألباني، الترغيب (1175).
وعن أبي سعيد الخدري قال: دخلت على رسول الله$ في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله! أي المسجدين الذي أسس على التقوى، قال: فأخذ كفاً من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: "هو مسجدكم هذا" لمسجد المدينة. رواه مسلم في كتاب الحج برقم (1398).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي$ يزور قباء - أو يأتي قباء راكباً وماشياً. زاد في رواية: فيصلي فيه ركعتين. رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم (1194) ومسلم في كتاب الحج برقم (1399).
وفي رواية للبخاري: أن رسول الله $ كان يأتي مسجد قباء كل سبت راكباً وماشياً، وكان عبد الله يَفعَلُه. رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم (1193).
قال النووي : وأعلم أن مذهبنا أنه لا يختص هذا التفضيل بالصلاة في هذين المسجدين بالفريضة بل يعم الفرض والنفل جميعا وبه قال مطرف من أصحاب مالك وقال الطحاوي يختص بالفرض وهذا مخالف إطلاق هذه الأحاديث الصحيحة والله أعلم . ثم قال: وأعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده$ الذي كان في زمانه دون ما يزيد فيه بعده فينبغي أن يحرص المصلي على ذلك ويتفطن لما ذكرته . شرح النووي على صحيح مسلم (9/164-166) . وهذا القول مرجوح والصحيح والله أعلم هو أن المسجد النبوي يشمل كل التوسعات .(1/42)
عن عطاء: قوله: (المسجد الحرام): الحرم كله . (1)
وعن ابن جريج قال: قال عطاء: الحرم كله مسجد، وتلا : (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)، فقال: ولم يعن المسجد قط، ولكن يعني مكة الحرم، قال: قلت: له أثبت لك أنه الحرم؟ قال:ما أشك. (2)
وعن الربيع بن صبيح قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: بينما ابن الزبير يخطبنا إذ قال: قال رسول الله @: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد تفضل بمائة"، قال عطاء: فكأنه مائة ألف قال: قلت: يا أبا محمد! هذا الفضل الذي تذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: لا بل في الحرم، فإن الحرم كله مسجد . (3)
قال القاضي عياض إن موضع قبره @ أفضل بقاع الأرض وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض واختلفوا في أفضلها ما عدا موضع قبره @ فقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان إن مكة أفضل، وإليه مال الجمهور، وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل واستدل الأولون بحديث عبد الله بن عدي المذكور في الباب. (4)
وقال النووي: وفي هذه الأحاديث بيان فضله وفضل مسجده والصلاة فيه وفضيلة زيارته وأنه تجوز زيارته راكبا وماشيا وهكذا جميع المواضع الفاضلة تجوز زيارتها راكبا وماشيا.
وقوله: كل سبت فيه جواز تخصيص بعض الأيام بالزيارة، وهذا هو الصواب وقول الجمهور، وكراه ابن مسلمة المالكي ذلك، قالوا لعله لم تبلغه هذه الأحاديث، والله أعلم. (5)
__________
(1) المصنف لعبد الرزاق (10/356) .
(2) تفسير الطبري (14/191)، أخبار مكة للفاكهي (3/42) .
(3) الشعب للبيهقي (3/485) .
(4) نيل الأوطار (5/99) .
(5) شرح النووي (9/171) .(1/43)
وقال ابن حزم: ومكة أفضل بلاد الله تعالى نعني الحرم وحده وما وقع عليه اسم عرفات فقط، وبعدها مدينة النبي عليه السلام نعني حرمها وحده ثم بيت المقدس نعني المسجد وحده هذا قول جمهور العلماء .(1).
مسألة الفروق بين حرم مكة وحرم المدينة:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: الأول: أن حرم مكة ثابت بالنص, والإجماع. وحرم المدينة مخلف فيه. الثاني: أن صيد حرم مكة فيه الإثم والجزاء. وصيد حرم المدينة فيه الإثم, ولا جزاء فيه .
الثالث: أن الإثم المترتب على صيد حرم مكة أعظم من الإثم المترتب على صيد المدينة.
أن حرم مكة أوكد من حرم المدينة ؛ لأن مضاعف الحسنات في مكة أكثر من المدينة, وعظم السيئات في مكة أعظم من المدينة, فصار تحريم الصيد فيها أشد .
الرابع: أن من أدخلها أي: المدينة صيداً من خارج الحرم فله أمساكه, ولا يلزمه إزالة يده المشاهدة وعلى هذا تحمل قصة أبي عمير الذي كان معه طائر صغير يلعب به, يقال له: النغير , فمات هذا الطير , فحزن الصبي فكان النبي @ يقول لهذا الصبي من باب الممازحة: ((يا أبا عمير ما فعل النغير)) .
وهذا الحديث استدل به من يرى أنه لا يحرم صيد حرم المدينة ؛ لأن النبي @ أقر هذا الصبي .
الخامس: أن حرم مكة فيه قطع الأشجار بأي حال من الأحوال إلا عند الضرورة. وأما حرم المدينة فيجوز ما دعت الحاجة إليه, وآله الحرث, وما أشبه ذلك .
السادس : أن حشيش وشجر حرم مكة فيه الجزاء على المشهور من الذهب .
وأما حرم المدينة فلا جزاء فيه .
قال:(( وتستحب المجاوره بمكة وهي أفضل من المدينة )) . أي: مكة أفضل من المدينة بلا شك, وقد قال النبي @ حين أخرج منها: ((إنك لأحب البقاع إلى الله , ولولا أن قومي أخرجوني ما خرجت)). (2)
باب
التضعيف خاص بالمسجد الحرام
__________
(1) المحلى (7/279) .
(2) الشرح الممتع (3/276) .(1/44)
عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن الرجل يصلي على أبي قبيس بصلاة الإمام! فقال: ((صلاته جائزة, وليس له أجر التضعيف)). (1)
لقطة الحرم
عن أبي بكر بياع العباء قال: سألت عطاء، قلت: وجدت ديناراً بمكة، قال:
عرفِّه، قلت: أنا شاخص! قال: ادفعه إلى رب منزلك يعرفِّه . (2)
وعن الربيع بن صبيح قال: رأيت الحسن وطاوساً وعطاء ومجاهد في المسجد الحرام في حلقة فإذا بدينار في وسط الحلقة فما منهم أحد أخذه ولا أمر بأخذه وكلهم قام عن الحلقة وتركه. (3)
باب
دخول مكة
ثبت أن رسول الله $ بات بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة. (4)
وقد دخلها النبي $ ليلاً عام اعتمر من الجعرانة. (5)
عن عطاء قال: يدخل المحرم من حيث شاء . (6)
وعنه عن ابن عباس قال: ما أبالي لو دخلت من أسفل مكة .
وعنه قال باستحباب دخولها نهاراً . (7)
وعن ابن جريج أنه قال لعطاء: المرأة تقدم نهاراً؟ قال: ما أبالي إن كانت مستورة أن تقدم نهاراً. (8)
وعن عطاء أنه لم ير بأساً بمن دخل مكة ليلاً . (9)
وعن جرير عن عطاء بن السائب عن إبراهيم قال: كانوا يحبون أن يخرجوا من الكوفة ليلا وأن يدخلوا مكة نهارا .
وعن حميد قال: سألت طاوساً عن رجل دخل مكة ليلا، فقال: أو ليس تلك الغنيمة الباردة؟ فسألت القاسم وعطاء عن ذلك فلم يريا به بأسا .
__________
(1) أخبار مكة للفاكهي (2/134).
(2) غريب الحديث للحربي (2/509).
(3) الثقات لابن حبان (8/377) .
(4) رواه البخاري في الحج برقم (1769)، ومسلم في الحج برقم (1259).
(5) رواه النسائي، قال الشيخ الألباني صحيح، صحيح سنن النسائي برقم (199).
(6) السنن الكبرى للبيهقي (5/72) .
(7) المجموع (8/9) .
(8) كتاب الأم للشافعي (2/186) .
(9) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/421) .(1/45)
ويستحب للحاج والمعتمر أن يدخل مكة من أعلاها. (1)
أي يستحب أن يدخل الحاج أو المعتمر مكة من أعلاها، وهذا ثابت في الصحيحين من حديث عائشة <: أن رسول الله@ دخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها، وجاء مفسراً في حديث ابن عمر > في الصحيحين قال : دخل رسول الله@ من كَداء من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى، وكذلك ثبت عن عائشة > أنها قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كَداء وخرج من كُداء، فهذا موضع دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة فقد دخلها من أعلاها من جهة كَداء وهو ما يُعرف الآن بالحجون ومن جهة المعلاة التي هي مقبرة أهل مكة من هذا الطريق دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهناك ضابط لطيف ينبغي للإنسان أن يعرفه بين كَداء وكُدا فيقال : افتح وادخل واضمم واخرج ، يعني أنه إذا أردت أن تعرف من أين دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو دخل من كَداء بالفتح وخرج من كُدا بالضم .
مسألة: هل كان دخوله @ مكة من هذا الطريق لأمرٍ يختص به أي على سبيل التعبد والتقرب، أو حصل منه ذلك اتفاقاً لأنه هو الطريق المتيسر له؟
__________
(1) قال الشيخ الألباني: وليدخل من الناحية العليا التي فيها اليوم باب المعلاة فإنه $ دخلها من الثنية العليا (كداء) المشرفة على المقبرة ودخل المسجد من باب بني شيبة فإن هذا أقرب الطرق إلى الحجر الأسود. وله أن يدخلها من أي طريق شاء لقوله $: "كل فجاج مكة طريق ومنحر" . وفي حديث آخر: "مكة كلها طريق: يدخل من ههنا ويخرج من ههنا" فإذا دخلت المسجد فلا تنس أن تقدم رجلك اليمنى. وتقول: "اللهم صل على محمد وسلم اللهم افتح لي أبواب رحمتك" أو : "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ".مناسك الحج والعمرة .(1/46)
الجواب: انقسم العلماء في هذه المسألة إلى فريقين: منهم من يرى أن هذا حصل من النبي - صلى الله عليه وسلم - اتفاقاً لأن هذا الطريق هو الأيسر له ، فكل إنسان يدخل إلى الحرم من الطريق الأيسر له فمن كان من جنوب مكة دخل من جنوبها وإذا كان من شمالها دخل من شمالها بحسب ما يتفق له.
ومنهم من قال: إن النبي @ دخل من هذا الطريق لقصدٍ فيه أو لأمرٍ يختص به، فينبغي لكل داخل إلى مكة حتى وإن جاء من جنوبها أو من شرقها أو من غربها أن يدخل من الطريق الذي دخل منه النبي @ .
قال الشيخ ابن عثيمين: الأفضل أن يدخلها في أول النهار لأن النبي @ دخلها ضحى، ولكن إذا لم يتيسر له ذلك فليدخلها على الوجه الذي يتيسر له. من أعلاها، أي - يدخلها- من أعلى مكة من الحجون .
وقال: أنه يسن قصد الدخول من أعلاها، لأن النبي @ دخلها من أعلاها، ولكن الذي يظهر: أنه يسن إذا كان ذلك أرفق دخلوه. اهـ. (1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: دخولها نهاراً أحب إليّ، ولا بأس بدخولها ليلاً. (2)
باب
الاغتسال لدخول مكة
وهناك أمر آخر ينبغي للإنسان أن يعلمه وهو: أنه يستحب لداخل مكة أن يغتسل، فقد ثبت هذا في الصحيح عن ابن عمر >: أنه كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى (وهي آبار الزاهر) ثم يصلي به الصبح ويغتسل وكان يحدّث أن النبي @ كان يفعل ذلك)). (3)
عن عطاء أنه كان يغتسل عند الإحرام وإذا دخل مكة. (4)
وكان ابن عمر، وعروة يغتسلان بذي طوى واستحب ذلك الشافعي. (5)
وهذا الغسل هو أحد الأغسال الثابتة في الحج: فإن الثابت ثلاثة أغسال:
الأول: عند الإحرام. الثاني: عند دخول مكة. الثالث: بعرفة .
__________
(1) الشرح الممتع (3/280).
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/268)، دار المدينة .
(3) أنظر صحيح مسلم كتاب الحج برقم (1259).
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/423) .
(5) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/268)، دار المدينة .(1/47)
ولم يثبت غيرها على سبيل التقرب، أما إذا احتاج الإنسان إلى الغُسل فله أن يغتسل في أي وقت وفي أي مكان. ويدخل المسجد من باب بني شيبة لأن النبي @ دخل منه. وباب بني شيبة هو المسمَّى بباب السلام. فإذا رأى البيت رفع يديه .
رفع اليدين عند رؤية البيت ثابت في مصنف ابن أبي شيبة موقوفاً على ابن عباس بسند صحيح ولم يثبت مرفوعاً إلى النبي @، وهناك حديث: ((أنه لا ترفع الأيدي إلا في سبعةِ مواطن وذكر منها عند رؤية البيت)) لكنه ضعيف، لكن رفع اليدين عند رؤية البيت ثابت من فعل ابن عباس >. وحين نقول يرفع اليدين يعني يرفع يديه كرفعها للدعاء لا كما يفعله كثيرٌ من الناس أنه يُشير إلى البيت، فإن هذه الإشارة ثابتة فقط عند الحجر لمن لم يستطيع أن يستلمه.
عن سعيد بن المسيب قال: سمعت من عمر - >- كلمةً ما بقي أحدٌ من الناس سمعها غيري، سمعته يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، فهذا ثابت عن عمر >. ويستحب أن يقول عند دخول المسجد الذكر الوارد في عامة المساجد.
وقال أبو بكر ابن المنذر: روينا عن ابن عمر، وابن عباس، أنهما قالا: ترفع الأيدي، فذكر مثل هذا، وممن كان يرفع يديه إذا رأى البيت الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق. (1)
باب
مس الكعبة
عن ليث عن عطاء قال: لا تمسَّ الكعبة إلا على وضوء. (2)
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: مررت بالمسجد غير متوضئ، أستلم الركن؟ قال: لا، قلت: ولا شيئاً من الكعبة؟ قال: لا . (3)
باب
الصلاة على البيت
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/270)، دار المدينة .
(2) أخبار مكة للفاكهي (1/299) . لا أعلم لهذا أصلاً، ولم أجد من قال بذلك من العلماء.
(3) المصنف لعبد الرزاق (5/44)، أخبار مكة للفاكهي (1/103) .(1/48)
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أيصلي على ظهر البيت بعضُ من يظهر عليه؟ قال: ما أحبُّ ذلك، قلت: أرأيت لو أن الحَجَبة، حانت الصلاة وهم فوفقها ساعتئذ؟ قال: لا، أكرهها .(1)
باب
الصلاة حول البيت
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: إذا قل الناس في المسجد الحرام أحب إليك أن يصلوا خلف المقام أو يكونوا صفا واحدا حول الكعبة؟ قال: بل يكونوا صفا واحدا حول الكعبة، قال: وتلى (وترى الملائكة حافين من حول العرش). (2)
باب
الصلاة داخل البيت وفي الحِجْر
ثبت أن رسول الله $ قدم يوم الفتح فنزل بفناء الكعبة، وأرسل إلى عثمان بن طلحة فجاء بالمفتاح ففتح الباب، قال: ثم دخل النبي $ وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وأمر بالباب فأغلق، فلبثوا فيه مليا ثم فتح الباب، فقال عبدالله : فبادرت الناس فتلقيت رسول الله $ خارجا وبلال على إثره فقلت لبلال: هل صلى فيه رسول الله $؟ قال: نعم، قلت: أين؟ قال: بين العمودين تلقاء وجهه.
قال: ونسيت أن أسأله كم صلى. (3)
عن ابن جريج أن عطاء جاء يوماً وقد فاتته الظهر مع الإمام فدخل الكعبة وصلى في جوفها. (4)
وعنه عن عطاء أنه كره الفريضة داخل البيت. (5)
وعن عبد الملك العرزمي عن عطاء قال: قلت له: أصلي في نواحي البيت؟ قال: نعم في أي نواحيه شئت. (6)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: وأنا أصلي فيه، قال ابن جريج: قلت: أكنت مصلياً فيه مستقبلاً كلَّ القبلة؟ قال: نعم . (7)
__________
(1) المصنف لعبد الرزاق (5/85) .
(2) أخبار مكة للأزرقي (2/66) .
(3) الحديث عن نافع ، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، رواه البخاري في الصلاة برقم (504-505)، ومسلم في الحج برقم (1329).
(4) أخبار مكة للفاكهي (1/337)، أخبار مكة للأزرقي (1/274) .
(5) الثقات لابن حبان (8/49) .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/389) .
(7) المصنف لعبد الرزاق (5/79) .(1/49)
وعن عثمان بن الأسود قال: سألت عطاءً عن الصلاة المكتوبة في الحجر فنهاني. (1)
هذا وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: دخول البيت ليس من نسككم.
باب
الدعاء تحت ميزاب الكعبة(2)
عن عطاء قال: من قام تحت ميزاب الكعبة فدعا استجيب له، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه . (3)
باب
النوم في المسجد الحرام
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أتكره النوم في المسجد؟ قال: بل أحبُّه .(4)
وعنه قال: أقام عطاء بن أبي رباح ينام في المسجد الحرام أربعين سنة، يطوف ويصلي بالليل .(5)
...
باب
وجوب الحج(6) والعمرة
__________
(1) أخبار مكة للفاكهي (1/337) .
(2) قال شيخ الإسلام في منسكه (ص372): ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما يشرع، وإن قرأ القرآن سرا فلا بأس به، وليس فيه ذكر محدود عن النبي $ لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له، وكان النبي $ يختم طوافه بين الركنين بقوله: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة في الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) كما كان يختم سائر أدعيته بذلك، وليس في ذلك ذكر و(3) باتفاق الأئمة.
(3) أخبار مكة للأزرقي (1/318)، لا نعلم دليلاً صحيحاً في ذلك. بل ذكره الشيخ الألباني في مناسك الحج والعمرة (ص52) من بدع الطواف .
(4) أخبار مكة للفاكهي (2/114) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (2/116) .
(6) وفي سؤال للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: في أي سنة من الهجرة بدأ الحج والرواية الأصح؟ ج: اختلف العلماء في السنة التي فرض فيها الحج، فقيل في سنة خمس، وقيل في سنة ست، وقيل في سنة تسع، وقيل في سنة عشر، وأقربها إلى الصواب القولان الأخيران، وهو أنه فرض في سنة تسع وسنة عشر، والله أعلم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم (4624).(1/50)
مذهب عطاء أن الحج والعمرة واجبتان.
فعن مسلم بن خالد، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ؛ أَنَّه قال:ليس من خَلْق اللَّهِ تَعَالَى أحَدٌ إلا وعَلَيْهِ حَجَّةٌ وعُمْرَةٌ واجبِتَان.وقال:الحج والعمرة فريضتان. (1)
وعنه قال: العمرة واجبة ، وتجزئ منها المتعة .المصنف لابن أبي شيبة(3/24و25) .
أما وجوب الحج فبإجماع العلماء رحمهم الله تعالى وبدلالة الكتاب، والسنة، والحج فريضة فرضها الله عز وجل وركن من أركان الإسلام: والدليل على وجوب الحج من الكتاب: قوله تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) } .آل عمران.
والدليل على وجوبه من السنة:
1- ما في الصحيحين من حديث ابن عمر { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة إلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت .
2- ما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا ، فقام رجلٌ فقال : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : ذروني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا )) .
وقد أجمع المسلمون على وجوب الحج وفرضيته على من استطاع إليه سبيلا.
2- وجوب العمرة : أما العمرة ففي وجوبها في مذهب الإمام أحمد روايتان ، هما قولان للعلماء ، وهناك رواية ثالثة عندهم :
الرواية الأولى : أن العمرة واجبة : وهي المشهورة عندهم وهي المذهب وهي قول الشافعي في المشهور كما ذكر ذلك النووي .
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/224) .(1/51)
قال الشّافعي: وقاله غيره مِنْ مَكِّيِّيْنَا؛ وَهُو قولُ الأكثر منهم. (1)
وروى الواحدي في التفسير من طريق عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن ابن مسعود رفعه: "من لم يحج ولم يحج عنه لم يقبل له يوم القيامة عمل" .
وإسناده ضعيف جداً .
وروى اللالكائي عن يعقوب الأشعري عن ليث عن سعيد بن جبير قال: من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر، ومن أفطر يوما من رمضان متعمداً فقد
كفر،ومن ترك الحج متعمدا فقد كفر،ومن ترك الزكاة متعمدا فقد كفر(2)
وقال ابن المنذر: وأجمعوا على أن على المرء في عمره حجة واحدة حجة الإسلام، إلا أن ينذر المرء نذراً فيجب عليه الوفاء به. (3)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : والحج واجب وفرض بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين، ومنزلته من الدين أنه أحد أركان الإسلام.
باب
وجوب الحج على التراخي أم على الفور
مذهب عطاء أن الحج واجب على التراخي .
والصحيح أن الحج واجب على الفور، وإليكم أقوال العلماء في ذلك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية (ص115): والحج واجب على الفور عند أكثر العلماء .اهـ.
__________
(1) كتاب الأم (2/171) .
(2) شرح حديث جابر - رضي الله عنه - .
(3) كتاب الإجماع، وكتاب الإشراف لابن المنذر أيضاً (3/174)، دار المدينة .(1/52)
وقال الشنقيطي رحمه الله: قد علمت مما مر أن الحج واجب مرة في العمر، وهل ذلك الوجوب على سبيل الفور أو التراخي؟ اختلف أهل العلم في ذلك وسنبين هنا إن شاء الله أقوالهم، وحججهم، وما يرجحه الدليل عندنا من ذلك: فممن قال إن وجوبه على التراخي: الشافعي وأصحابه، قال النووي: وبه قال الأوزاعي، والثوري، ومحمد بن الحسن، ونقله الماوردي عن ابن عباس، وأنس، وجابر، وعطاء، وطاوس، وممن قال إنه على الفور: الإمام أحمد، وأبو يوسف، وجمهور أصحاب أبي حنيفة والمزني. قال النووي: ولا نص في ذلك لأبي حنيفة وقال صاحب تبيين الحقائق في الفقه الحنفي: إن القول بأنه على الفور قول أبي يوسف، وعن أبي حنيفة ما يدل عليه فإن ابن شجاع روى عنه أن الرجل إذا وجد ما يحج به وقد قصد التزوج، قال: يحج، ولا يتزوج، لأن الحج فريضة أوجبها الله على عبده، وهذا يدل على أنه على الفور انتهى. وأما مذهب مالك فعنه في المسألة قولان مشهوران، كلاهما شهره بعض علماء المالكية. أحدهما: أنه على الفور، والثاني: أنه على التراخي، ومحل الخلاف المذكور ما لم يحسن الفوات بسبب من أسباب الفوات،فإن خشيه وجب عندهم فوراً اتفاقاً. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:ولكن الصحيح أنه واجب على الفور.(2)
باب
البداءة بحجة الإسلام
عن عطاء أنه قال له رجل: إن عليّ نذراً بالحج ولم أحج حجة الإسلام فأيهما أبدأ؟ قال : ابدأ بحجة الإسلام . (3)
وعن ابن جريج عن عطاء أنه قال في رجل لم يحج فحج ينوي النافلة أو حج عن رجل أوحج عن نذره قال: هذه حجة الإسلام ثم يحج عن رجل بعد إن شاء عن نذره . (4)
__________
(1) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(2) الشرح الممتع (3/142) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/130) .
(4) السنن الكربى للبيهقي (4/339) .(1/53)
وفي سؤال للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: قد توفر لي شرط الاستطاعة، من أجل زيارة الأهل والزوجة التي سأتغيب عنها مدة سنتين إذا ما أديت فريضة الحج هذا العام، والمناسك ستتوسط العطلة الصيفية ولن يتيسر لي أداء الحج وزيارة الأهل معاً، فإما أن أحج وإما أن أزور الأهل فأؤجل الحج. أفتونا مشكورين، وجزاكم الله عنا كل خير .
هل يجوز لي تأجيل تأدية فريضة الحج لعام آخر أو عامين .
ج: يجب على المسلم المبادرة إلى تأدية فريضة الحج متى كان مستطيعاً؛ لأنه لا يدري ماذا يحدث له لو أخره، وقد قال الله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } (1) وروي عنه$ أنه قال: "تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" خرجه الإمام أحمد رحمه الله(2).
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. (3)
باب
من أنكر الحج
عن الحجاج عن عطاء فيقوله: [وَمَن كَفَرَ]، قال: من جحد بالحج، وكفر به.(4). وعن التميمي بن الصباح عن عطاء في قوله: [ وَمَن كَفَرَ ]، قال: من كذَّب به . (5)
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 97.
(2) مسند الإمام أحمد 1/314، والأصبهاني في الترغيب والترهيب 2/11 برقم (1046).
(3) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم (11133).
(4) تفسير ابن المنذر (757) وابن جرير (4/19) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (1/376) .(1/54)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فكل من لم يرَ حج البيت واجباً عليه مع الاستطاعة فهو كافر باتفاق المسلمين كما دل عليه القرآن واليهود والنصارى لا يرونه واجباً عليهم فهم من الكفار حتى أنه روي في حديث مرفوع إلى النبي @ من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا وهو محفوظ من قول عمر بن الخطاب وقد اتفق المسلمون على أن من جحد وجوب مباني الإسلام الخمس الشهادتين والصلوات الخمس والزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت فإنه كافر . (1)
باب
هل العمرة واجبة كوجوب الحج أم لا؟(2)
__________
(1) دقائق التفسير (1/336) .
(2) أجمع العلماء على أن من أحرم بالعمرة، وجب عليه إتمامها، ولا يجوز له قطعها وعدم إتمامها، لقوله تعالى: { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه } وقد اختلف فيه أهل العلم، فذهب بعضهم: إلى أنها واجبة في العمر كالحج، وذهب بعضهم: إلى أنها غير واجبة أصلاً، ولكنها سنة في العمر مرة واحدة، وممن قال: بأنها فرض في العمر مرة: الشافعي في الصحيح من مذهبه. قال النووي: وبه قال عمر وابن عباس، وابن عمر وجابر وطاوس، وعطاء، وابن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، ومسروق، وأبو بردة بن أبي موسى الحضرمي، وعبد الله بن شداد، والثوري، وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود.
وممن قال: بأنها سنة في العمر ليست بواجبة: مالك وأصحابه، وأبو حنيفة، وأبو ثور، وحكاه ابن المنذر وغيره، عن النخعي قاله النووي. وقال ابن قدامة في المغني: وتجب العمرة على من يجب عليه الحج في إحدى الروايتين. وروي ذلك عن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت، وابن عمر وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس ومجاهد والحسن، وابن سيرين، والشعبي. وبه قال الثوري، وإسحاق، والشافعي في أحد قوليه. والرواية الثانية ليست بواجبة، وروي ذلك عن == == ابن مسعود وبه قال مالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي اهـ. محل الغرض منه. وإذا علمت أقوال العلماء في العمرة: هل هي فرض في العمر، أو سنة؟ فدونك أدلتهم.(1/55)
اختلف العلماء في العمرة، هل هي واجبة أو سنة؟
مذهب عطاء بن أبي رباح بوجوب العمرة كوجوب الحج .
وعن ليث، عن عطاء، وطاوس، ومجاهد، قالوا: الحج والعمرة فريضتان .
وعن أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: ليس من خلق الله أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان .
وعن أبي بكر قال: حدثنا أبو خالد عن داود قال: سألت عطاء فقلت : العمرة فريضة؟ قال: نعم(1)
وقال: تجب العمرة على من يجب عليه الحج.
قال ابن قدامة : وتجب العمرة على من يجب عليه الحج في إحدى الروايتين، روى ذلك عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وابن عمر وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وبه قال الثوري، وإسحاق، والشافعي في أحد قوليه (والرواية الثانية) ليست واجبة وروي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال مالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، لما روى جابر أن النبي سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا وإن تعتمروا فهو أفضل" أخرجه الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح. وعن طلحة: أنه سمع رسول الله يقول: "الحج جهاد، والعمرة تطوع" رواه ابن ماجه. (2) ولأنه نسك غير موقت فلم يكن واجباً كالطواف المجرد. (3)
وسئل شيخ الإسلام عن العمرة هل هي واجبة ؟ وإن كان فما الدليل عليه ؟
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم (2761) .
(3) المغني على مختصر الخرقي (3/156) .(1/56)
فأجاب : والعمرة في وجوبها قولان للعلماء، هما قولان في مذهب الشافعي وأحمد، والمشهور عنهما وجوبها . والقول الآخر: لا تجب، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك . وهذا القول أرجح؛ فإن الله إنما أوجب الحج بقوله : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } آل عمران 97 ، لم يوجب العمرة، وإنما أوجب إتمامهما . فأوجب إتمامهما لمن شرع فيهما، وفي الابتداء إنما أوجب الحج . وهكذا سائر الأحاديث الصحيحة ليس فيها إلا إيجاب الحج؛ ولأن العمرة ليس فيها جنس غير ما في الحج، فإنها إحرام وإحلال، وطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، وهذا كله داخل في الحج ، وإذا كان كذلك فأفعال الحج لم يفرض الله منها شيئًا مرتين، فلم يفرض وقتين، ولا طوافين، ولا سعيين، ولا فرض الحج مرتين .(1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والذي يظهر أنها واجبة؛ لأن أصح حديث يحكم في النزاع في هذه المسألة، هو حديث عائشة <: حين قالت للنبي@: هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة"، فقوله: "عليهن" ظاهر في الوجوب؛ لأن "على" من صيغ الوجوب، كما ذكر ذلك أهل أصول الفقه . (2)
باب
هل العمرة واجبة على أهل مكة عمرة؟
قال عطاء: أن العمرة ليست بواجبة على أهل مكة . (3)
وعنه قال: ليس على أهل مكة عمرة إنما عمرتهم طوافهم بالبيت . (4)
وعن عبيدالله بن موسى عن عثمان عن عطاء قال: ليس على أهل مكة عمرة، إنما يعتمر من زار البيت ليطوف به وأهل مكة يطوفون متى شاءوا
__________
(1) مجموع الفتاوى .
(2) الشرح الممتع (3/138) .
(3) الفتح (3/597) .
(4) أنظر أخبار مكة للفاكهي (3/72) .(1/57)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: ليس على أهل مكة عمرة، قال ابن عباس: أنتم يا أهل مكة! لا عمرة لكم إنما عمرتكم الطواف بغسل فمن جعل بينه وبين الحرم بطن الوادي فلا يدخل مكة إلا بإحرام ، فقال فقلت لعطاء: يريد ابن عباس الوادي من الحل؟ قال: بطن الوادي من الحل. (1)
قال عبد الرزاق: أخبرني أبى قال: قلت للمثنى: إني أريد أن آتى المدينة، قال لا تفعل، سمعت عطاء سأله رجل فقال له: طواف سبع بالبيت خير لك من سفرك إلى المدينة.
وعن سفيان عن أسلم المنقري قال قلت لعطاء أخرج إلى المدينة أهل بعمرة من ميقات النبي@ قال طوافك بالبيت أحب ألي من سفرك إلى المدينة (2)
وعن مجاهد قال طوافك بالبيت أحب إلى من سفرك إلى المدينة . (3)
وعن عطاء قال الطواف بالبيت أحب ألي من الخروج إلى العمرة.اهـ. (4)
قال ابن قدامة : ليس على أهل مكة عمرة : نص عليه أحمد. وقال: كان ابن عباس يرى العمرة واجبة ويقول: وبهذا قال عطاء، وطاوس. قال عطاء: ليس أحد من خلق الله إلاَّ عليه حج وعمرة واجبان لا بد منهما لمن استطاع إليهما سبيلاً إلاَّ أهل مكة. فإن عليهم حجة وليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت، ووجه ذلك: أن ركن العمرة ومعظمها الطواف بالبيت وهم يفعلونه فأجزأ عنهم، وحمل القاضي كلام أحمد على أنه لا عمرة عليهم مع الحجة، لأنه يتقدم منهم فعلها في غير وقت الحج والأمر على ما قلناه.(5)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) المصنف لابن أبى شيبة .
(3) المصنف لابن أبى شيبة .
(4) المصنف لابن أبى شيبة .
(5) المغني على مختصر الخرقي (3/156) .(1/58)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالمنقول الصريح عمن أوجب العمرة من الصحابة والتابعين لم يوجبهما على أهل مكة، قال أحمد بن حنبل: كان ابن عباس يرى العمرة واجبة، ويقول: يا أهل مكة ليس عليكم عمرة، إنما عمرتكم طوافكم بالبيت، وقال عطاء بن أبي رباح أعلم التابعين بالمناسك وإمام الناس فيها: ليس أحد من خلق الله إلا عليه حجة وعمرة واجبتان، لا بد منهما لمن استطاع إليهما سبيلاً، إلا أهل مكة، فإن عليهم حجة، وليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت، وهم يفعلونه فأجزأ عنهم. وقال طاووس ليس على أهل مكة عمرة رواه ابن أبي شيبة. وكلام هؤلاء السلف وغيرهم يقتضى انهم كانوا لم يستحبوها لأهل مكة فضلا عن أن يوجبوها كما رواه أبو بكر بن أبى شيبة في كتابه الكبير المصنف ثنا ابن إدريس عن ابن جريج عن عطاء قال ليس على أهل مكة عمرة، قال ابن عباس انتم يا أهل مكة لا عمرة لكم إنما عمرتكم الطواف بالبيت فمن جعل بينه وبين الحرم بطن واد فلا يدخل مكة إلا بإحرام، قال فقلت لعطاء: أيريد ابن عباس واد من الحل؟ قال: بطن واد من الحل وقال حدثنا سفيان بن عيية عن عمرو بن دينار عن ابن كيسان سمعت ابن عباس يقول لا يضركم يا أهل مكة إن لا تعتمروا فان أبيتم فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن واد وقال حدثنا يحي بن سعيد القطان عن ابن جريج عن خلف بن مسلم عن سالم قال لو كنت من أهل مكة ما اعتمرت وقال حدثنا عبيد الله بن موسى عن عثمان عن عطاء قال ليس على أهل مكة عمرة إنما يعتمر من زار البيت ليطوف به وأهل مكة يطوفون متى شاءوا. وهذا نص احمد في غير موضع على أن أهل مكة لا عمرة عليهم مع قوله بوجوبها على غيرهم، ولهذا كان تحقيق مذهبه إذا أوجب العمرة إنها تجب إلا على أهل مكة. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فإن كثيراً من أهل العلم يقولون: إن العمرة لا تجب على أهل مكة، وهذا نص عليه الإمام أحمد رحمه الله .
__________
(1) مجموع الفتاوى ( 26/ 256-257) .(1/59)
ثم قال: فالعمرة واجبة ولكن هل هي واجبة على المكي؟ في هذا خلاف في مذهب الإمام أحمد رحمه الله فالإمام أحمد نص على أنها غير واجبة على المكي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل إن شيخ الإسلام يرى أن أهل مكة لا تشرع لهم العمرة مطلقاً، وأن خروج الإنسان من مكة ليعتمر ليس مشروعاً أصلاً، ولكن في القلب من هذا شيء؛ لأن الأصل أن دلالات الكتاب والسنة عامة، تشمل جميع الناس إلا بدليل يدل على خروج بعض الأفراد من الحكم العام . اهـ (1)
باب
الاستطاعة في الحج
قال عطاء: سبيلا كما قال الله { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } .
قال عطاء : من وجد شيئا يبلغه فقد وجد سبيلاً ،كما قال الله عز وجل { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } . (2)
وعنه قال : الزاد والراحلة . (3) وعن داود عن عطاء قال : زاد وراحلة . (4)
تتحقق الاستطاعة للحج: بأن يكون مكلفاً، والطريق آمناً، ويمتلك الزاد والراحلة . (5)
قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء:من وجد شيئا يبلغه فقد وجد سبيلاً، كما قال الله عزّ وجلّ: { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } .(6) اهـ. (7)
والاستطاعة: هي الزاد والراحلة .
__________
(1) الشرح الممتع (3/138-139) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/433)، وتفسير الطبري (4/17) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/433)، وتفسير الطبري (4/16) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) أنظر الموسوعة الفقهية لحسين العوايشة (4/240) .
(6) سورة آل عمران الآية (79)
(7) تفسير الطبري (4/8) .(1/60)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن قول الله عز وجل { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } فقيل: ما السبيل ؟ قال "الزاد والراحلة"،. (1)
وقال الحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق: الاستطاعة الزاد والراحلة. (2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع: فإن العبد إذا كان مستطيعاً للحج وجب عليه الحج.(3)
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: وأمَّا القدرَةُ عَلَى الْحجْ: فهِيَ مِلْكُ زادٍ ورَاحِلَةٍ فاضِلين عَن ضَرُورَاته وَحَوَائِجه الأَصْلِيَّةِ .فهَذَا الشرط اشتَرَكَتْ فيه كَمَا تَرَى ، إلاّ أَنهُ فسّر بكُلِّ واحدةٍ بما يُنَاسِبهَا شِرْعًا ... (4)
باب
من أحرم وكره والده ذلك
عن عمر بن ذر قال: كنت مع عطاء إذ أتاه رجل فقال: إني أحرمت بالحج وإن والدي كره ذلك، قال: اهدى هدياً وأقم، قال: قلت له: يا أبا محمد! كنا نسمع أن ذاك ما دام لم يهلَّ بالحج، قال فقال: يا أبا ذر! وما يدريك ما حق الوالد . (5)
باب
المرأة يلزمها حجة الإسلام إذا استطاعت
عن ابن جريج قال: سئل عطاء عن امرأة ليس معها ذو محرم ولا زوج معها ولكن معها ولائد وموليات يلين إنزالها وحفظها ورفعها! قال: نعم، فلتحج . (6)
__________
(1) قال ابن كثير : رواه الحاكم من حديث قتادة عن حماد بن سلمة، عن قتادة، ثم قال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه . تفسير ابن كثير (2/96) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/175)، دار المدينة .
(3) مجموع الفتاوى (20/85) .
(4) إرشاد أولي الأبصار والألباب لنيل الفقه بأيسر الطرق والأسباب (ص40).
(5) الزهد لهناد (974) .
(6) الأم للإمام الشافعي (2/117)، والبيهقي في السنن (5/226)، والمحلى لابن حزم (5/21) .(1/61)
وأجمعت الأمة على أن المرأة يلزمها حجة الإسلام إذا استطاعت لعموم قوله تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } . وقوله @ : "بني الإسلام على خمس" الحديث، واستطاعتها كاستطاعة الرجل، لكن اختلفوا في اشتراط المحرم لها، فأبو حنيفة يشترطه لوجوب الحج عليها إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، وحكى ذلك أيضاً عن الحسن البصري والنخعي، وقال عطاء، وسعيد بن جبير ، وابن سيرين، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، في المشهور عنه: لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها . (1)
وقال ابن سعدي: ومن الاستطاعة أن يكون للمرأة محرم إذا احتاج لسفر.(2)
باب
يجب على المرأة اصطحاب المحرم
يجب على المرأة أن تصحب معها محرم في سفرها للحج وإذا تعذر وجود المرحرم لا يجوز لها السفر وتكون بذلك غير مستطيعة للحج .
قال رسول الله @:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله تسافر يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها" . (3)
وفي رواية: "لا تسافرنّ امرأة إلا ومعها محرم ". (4)
__________
(1) شرح النووي .
(2) منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (ص117).
(3) رواه البخاري في تقصير الصلاة برقم (1087)، ومسلم في الحج برقم (1338).
(4) رواه البخاري برقم (3006)، ومسلم برقم (1341).(1/62)
قال النووي: واختلف أصحابنا في خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة فقال بعضهم يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الإسلام(1) وقال الجمهور لا يجوز إلا مع زوج أو محرم وهذا هو الصحيح للأحاديث الصحيحة وقد قال القاضي واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج الحج والعمرة إلا مع ذي محرم إلا الهجرة من دار الحرب فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منه إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم والفرق بينهما أن إقامتها في دار الكفر حرام إذا لم تستطع إظهار الدين وتخشى على دينها ونفسها وليس كذلك التأخر عن الحج فإنهم اختلفوا في الحج هل هو على الفور أم على التراخي قال القاضي عياض قال الباجى هذا عندي في الشابه. (2)
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية هل يجوز أن تحج المرأة بلا مَحْرم ؟ فأجاب : إن كانت من القواعد اللاتي لم يحضن، وقد يئست من النكاح، ولا محرم لها، فإنه يجوز في أحد قولي العلماء أن تحج مع من تأمنه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب مالك والشافعي . (3)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: أما في السفر فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم "لقول النبي @: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " متفق على صحته ولا فرق بين كون السفر من طريق الأرض أو الجو أو البحر والله ولي التوفيق . (4)
وفي سؤال للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: امرأة حجت من غير محرم مع رفقة صالحة من النساء حجة الفريضة، فهل سقطت عنها الفريضة أم لا؟
__________
(1) قال ابن المنذر: ظاهر الحديث أولى - أي: عدم جواز سفرها إلا مع محرم منها -، ولا يعلم مع هؤلاء حجة توجب ما قالوا . الإشراف (3/176) .
(2) شرح النووي (9/104).
(3) مجموع الفتاوى .
(4) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 2/ 266،267) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/63)
ج: إذا كان الواقع كما ذكر فحجها صحيح تسقط به فريضة الحج عنها، لكنها آثمة في سفرها من غير محرم، وعليها التوبة إلى الله والاستغفار.وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. (1)
باب
هل المرأة تحرم في الحج بغير إذن زوجها
عن عطاء قال: لا، ولا نعمت عين، ليس لها ذلك .
فعن عبد العزيز العمي قال: سئل مطر وأنا أسمع عن امرأة استأذنت زوجها في الحج فلم يأذن لها، فاستأذنته أن تزور فاذن لها، فضمت عليها ثيابا لها بيضا فصرخت بالحج قال: فأتوا الحسن فسألوه فقال الحسن: ليس لها ذاك، قال مطر: وسئل قتادة فقال: هي محرمة قال مطر: فانطلقت إلى مكة فسألت الحكم بن عتيبة فقال: هي محرمة، قال مطر: فأمرت رجلا فسأل عطاء بن أبي رباح فقال: لا، ولا نعمت عين ليس لها ذلك. (2)
قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: ليس له منعها من حجة الإسلام. (3)
قال أبو بكر ابن المنذر: وأصح مذهبيه المذهب الذي يوافق سائر العلماء، ولا أعلمهم يختلفون أن ليس له منعها من صوم، ولا صلاة. (4)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وليس للزوج منع زوجته من الحج الواجب مع ذي محرم، وعليها أن تحج وإن لم يأذن في ... ذلك؛ حتى أن كثيراً من العلماء أو أكثرهم يوجبون لها النفقة عليه مدةَ الحج .اهـ. (5)
هذا في حجة الإسلام أما في حج التطوع فلزوجها منعها منه.
وقال ابن المنذر: وأجمعوا على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع. (6)
__________
(1) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم (9552)
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/338) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/177)، دار المدينة .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/177)، دار المدينة .
(5) الاختيارات الفقهية (ص115) .
(6) الإجماع (ص61) .(1/64)
قال النووي رحمه الله: وأجمعوا على أن لزوجها أن يمنعها من حج التطوع وأما حج الفرض فقال جمهور العلماء ليس له منعها منه وللشافعي فيه قولان أحدهما لا يمنعها منه كما قال الجمهور. (1)
وفي سؤال للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
حكم خروج الزوجة إلى حج الفريضة بدون إذن زوجها؟
ج: حج الفريضة واجب إذا توفرت شروط الاستطاعة، وليس منها إذن الزوج، ولا يجوز له أن يمنعها، بل يشرع له أن يتعاون معها في أداء هذا الواجب.وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . (2)
باب
في المرأة تحج في عدتها
عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا بالمطلقات ثلاثا والمتوفى عنهن أزواجهن في عدتهن .
وعن وكيع عن أسامة عن القاسم وعن جرير بن حازم عن عطاء أن عائشة أحجت أم كلثوم في عدتها .
وعن يحيى بن يمان عن ابن جريج عن عطاء قال: لا تجهر المرأة بالتلبية. (3)
باب
لا ينعقد الإحرام بالحج إلاّ في أشهره
قال الله تعالى: +الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ".(4)
قال عطاء: لا ينعقد الإحرام بالحج إلاّ في أشهره، فإن أحرم في غيرها انعقد عمرة. (5) ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه يصحّ الإحرام بالحجّ قبل أشهر الحجّ، وينعقد حجّاً ، لكن مع الكراهة، وهو قول إبراهيم النّخعيّ ، وسفيان الثّوريّ، وإسحاق بن راهويه،واللّيث بن سعد، وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا ينعقد الإحرام بالحجّ قبل أشهره، فلو أحرم به قبل هلال شوّال لم ينعقد حجّاً، وانعقد عمرةً على الصّحيح عندهم وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد وأبو ثور. (6)
__________
(1) شرح النووي (8/213).
(2) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم (5866)
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(4) سورة البقرة آية (197) .
(5) وهو قول مجاهد وطاوس والأوزاعي، تفسير القرطبي سورة الحج .
(6) تفسير القرطبي، الموسوعة الفقهية (1/109) .(1/65)
وعن عبد الوهاب قال: سئل عطاء عن العمرة في غير أشهر الحج فيها هدي واجب؟ قال: ليس فيها وقد كانوا يهدون . (1)
قال النووي: في مذاهب العلماء في وقت الإحرام بالحج، لا ينعقد الإحرام بالحج إلاّ في أشهره عندنا، فإن أحرم في غيرها انعقد عمرة، وبه قال عطاء، وطاوس، ومجاهد، وأبو ثور، ونقله الماوردي عن عمر، وابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وأحمد. وقال الأوزاعي: يتحلل بعمرة. وقال ابن عباس: لا يحرم بالحج إلاّ في أشهره. وقال داود: لا ينعقد وقال النخعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد: يجوز قبل أشهر الحج لكن يكره، قالوا:فأما الأعمال فلا تجوز قبل أشهر الحج بلا خلاف،واحتج لها بقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } .(2) فأخبر سبحانه وتعالى أن الأهلة كلها مواقيت للناس والحج، ولأنها عبادة تدخلها النيابة، وتجب الكفارة في إفسادها، فلم تخص بوقت كالعمرة، ولأن الإحرام بالحج يصح في زمان لا يمكن إيقاع الأفعال فيه، وهو شوال فعلم أنه لا يختص بزمان.(3)
وقال الشنقيطي: اعلم أن جماعة من أهل العلم قالت: لا ينعقد الإحرام بالحج في غير أشهر الحج، وأكثر من قال بهذا يقولون: إنه إن أحرم بالحج في غير أشهره ينعقد إحرامه بعمرة لا حج، وهذا هو مذهب الشافعي. (4)
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/412) .
(2) سورة البقرة الآية (189) .
(3) المجموع شرح المهذب (7/91) .
(4) أضواء البيان تفسير سورة الحج .(1/66)
وفي معرض كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن النية قال: أما النية للحج والعمرة فلا خلاف بين أصحابنا وسائر المسلمين أن الحج لا يصح إلا بها إما من الحاج نفسه وإما من يحج به كما يحج و لي الصبي ولو عمل الرجل أعمال الحج من غير قصد لم يصح الحج كما لا تصح الصلاة و الصوم بغير نية و سواء قيل إن الحج ينعقد بمجرد النية أو لا ينعقد إلا بها و بشيء آخر من قول أو عمل من تلبية أو تقليد هدي على الخلاف المشهور بين العلماء في ذلك وسواء قلنا إن الإحرام ركن أم ليس بركن و هذا أمر لا يقبل الخلاف فإن العبادات المقصودة يمتنع أن تكون هي العبادات المأمور بها بدون النية، و أما انعقاد الإحرام بمجرد النية ففيه خلاف في المذهب و غيره . (1)
باب
من مات وعليه حج الإسلام أو قضاء أو نذر وجب قضاؤها من تركته
قال عطاء: من مات وعليه حج الإسلام أو قضاء أو نذر، وجب قضاؤها من تركته، أوصى بها أم لم يوص.
فعن ابن جريج عن عطاء قال له رجل: إن علي نذرا بالحج ولم يحج حجة الاسلام فأيهما أبدأ قال : ابدأ بحجة الاسلام . (2)
وعنه أيضاً فيمن لم يحج الفريضة قال: يحج عنه من جميع المال، والزكاة مثل ذلك أوصى أو لم يوصِ . (3)
وعن وكيع عن سفيان عن أسلم المنقري عن عطاء قال : يحج عن الميت وإن لم يوص . هو دين ودين الله أحق أن يقضى .
لأن الأب أصل والولد فرع فيجوز أن يقضي الفرع عن الأصل والأصل عن الفرع الحج كما في الدين. (4)
__________
(1) مجموع الفتاوى (26/ 22 - 29) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/339)، المحلى (5/45) .
(4) السنن الكبرى (5/179) .(1/67)
قال النووي: ذكرنا أن مذهبنا المشهور أنه إن من مات وعليه حج الإسلام أو قضاء أو نذر، وجب قضاؤها من تركته، أوصى بها أم لم يوص، قال ابن المنذر: وبه قال عطاء، وابن سيرين، وروى عن أبي هريرة وابن عباس، وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر، وقال النخعي وابن أبي ذؤيب: لا يحج أحد عن أحد. وقال مالك: إذا لم يوص به يتطوع عنه بغير الحج ويهدي عنه أو يتصدق أو يعتقه عنه. (1)
بَابُ
ما يُؤَدّى عَنِ الرَّجُلِ الْبَالِغ الحَج
عَنْ عَطَاء بنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنّ، رَجُلاً سَأَلَ ابْن عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أؤجِرُ نَفْسِي مِنْ هَؤلاَء الْقَوْمِ، فَأَنْسُكُ مَعَهُمُ المَنَاسِكَ هَلْ يجزىءُ عنيّ؟ فَقَالَ ابنُ عَبَّاس : نَعَمْ { أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } . (2)
قال الشافعي رَحِمَهُ الله تعالى: وَإِذَا وَصَلَ الرَّجُلُ المُسلم الحرُّ البَالِغُ إلَى أَنْ يَحُجَّ أجزأت عَنْهُ حَجّةُ الإسْلاَمِ، وَإِنْ كَانَ ممن لا مقدرة لَهُ بِذَاتِ يده فحجَّ ماشياً فَهُوَ محسنٌ بتكلفه شَيْئَاً لَهُ الرخصةُ فِي تَرْكِهِ، وَحَجّ فِي حينَ يكُونُ عَمَلُهُ مؤديًّا عَنْهُ؛ وكَذَلِكَ لَوْ آجر نَفْسَهُ مِنْ رَجُلٍ يخدمه وَحَجَّ. قال: وكذلك لو حجَّ وغيره يكفيه مؤنته؛ لأَنَّهُ حَاجٌّ فِي هَذِهِ الحَالاَتِ عَنْ نَفْسِهِ لاَ عَنْ غَيْرِهِ. (3)
باب
في الرجل يحج عن الرجل ولم يحج قط
عن ابن أبي ليلى عن عطاء، قال: سمع النبي@ رجلا يقول: لبيك عن شبرمة فقال: "إن كنت حججت قلت: عن شبرمة، وإلا قلت عن نفسك".(4)
فيه وجوب قضاء حجة الإسلام قبل أن يحج المرء عن سواه . (5)
باب
في الحج عن الرجل وتسميته في الإهلال
__________
(1) المجموع شرح المهذب (67) .
(2) سورة البقرة الآية (202).
(3) كتاب الأم (2/168) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/68)
عن عطاء قال: يكفيه مرة واحدة، يقول: لبيك عن فلان . (1)
باب
إذا نسي أن يسميه
عن عطاء قال: إذا حج الرجل عن الرجل فنسي أن يسميه فقد أجزأ عنه
الحج، فإن الله قد علم عمَّن حجَّ . (2)
باب
في الجوار بمكة
عن عباد بن العوام عن عبد الملك عن عطاء قال: أتيت أنا وعبيد بن عمير الليثي عائشة وهي مجاورة بثبير قال: وكان عليها نذر أن تجاور شهرا قال: وكان عبد الرحمن أخوها يمنعها من ذلك ويقول: جوار البيت وطواف به أحب إلي وأفضل قال: فلما مات عبد الرحمن خرجت. (3)
وعن حفص بن غياث عن حجاج عن عطاء قال: جاور عندنا جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري .
المجاورة: الاعتكاف في الحرم. (4)
باب
لا يدخل مكة بغير إحرام
عن عطاء قال: ليس لأحد أن يدخل مكة إلا بإحرام . (5)
وعن حفص، عن عبد الملك، عن عطاء قال: ليس لأحد أن يدخل مكة إلا بإحرام ، وكان يرخص للحطَّابين . (6)
المسألة فيها خلاف بين العلماء، والراجح والله تعالى أعلم هو جواز دخول مكة بغير إحرام .
فعن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري "أن رسول الله @ دخل مكة" وقال قتيبة "دخل يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء بغير إحرام" . (7)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/212) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/212) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/209)، تبع عطاء شيخه ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك، وثبت ابن عمر والزهري القول بخلافه وهو الراجح والله أعلم .
(6) شرح معاني الآثار 2/263) .
(7) رواه مسلم في صحيحه .(1/69)
قال الإمام النووي: وأما من لا يريد حجا ولا عمرة فلا يلزمه الإحرام لدخول مكة على الصحيح من مذهبنا سواء دخل لحاجة تتكرر كحطاب وحشاش وصياد ونحوهم أولا تتكرر كتجارة وزيارة ونحوهما، وللشافعي قول ضعيف أنه يجب الإحرام بحج أو عمرة إن دخل مكة أو غيره من الحرم لما يتكرر بشرط، وأما من مر مريد دخول الحرم بل لحاجة دونه ثم بدا له أن يحرم فيحرم من موضعه الذي بدا له فيه، فان جاوزه بلا إحرام ثم أحرم أثم ولزمه الدم، وان أحرم من الموضع الذي بدا له أجزأه ولا دم عليه ولا يكلف الرجوع إلى الميقات، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أحمد وإسحاق يلزمه الرجوع إلى الميقات .اهـ. (1)
وقال الشنقيطي: أظهر القولين عندي دليلاً: أن من أراد دخول مكة حرسها الله لغرض غير الحج والعمرة أنه لا يجب عليه الإحرام، ولو أحرم كان خيراً له، لأن أدلة هذا القول أقوى وأظهر . أضواء البيان.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن كان يريد الحج أو العمرة أو كان الحج أو العمرة فرضاً عليه، أي لم يؤدي الفريضة من قبل فإنه يلزمه أن يحرم. ثم قال: ولو كان المرور بالميقات موجباً للإحرام لبينه الرسول @ لدعاء الحاجة إلى بيانه، وعلم منه أن المرور بالميقات ليس سبباً للوجوب. (2)
باب
في الرجل عليه أن يحج بامرأته أم لا ؟
عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عطاء قال: ليس على الرجل أن يحج بامرأته إلا أن يشاء، قال الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير: هو عليه إن كانت لم تحج، قال مكحول: أحجاج نسائكم . (3)
باب
في الرجل يموت ولم يحج وهو موسر
عن عباد بن العوام عن يونس عن الحسن وعبد الملك عن عطاء انهما لم يكونا يريان بأسا بأكل المحرم ما أصاب الحلال،إذا كان لم يصده من أجله أو بالآلة.
__________
(1) شرح النووي (8/87).
(2) الشرح الممتع (3/166) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (1/396).(1/70)
وعن وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر وعطاء قالا : لا بأس أن يحمل المحرم امرأته ما لم يلزق جلده جلدها . (1)
وعن حجاج أن عطاء قال: إن كان عليه حج فعليه أن يصل إلى البيت لحج أو عمرة، وإن كان لم يحج فعليه الحج. (2)
باب
حج المرأة عن الرجل
ثبت عن النبي $ أنه أمر المرأة أن تحج عن أبيها. (3)
قال عطاء: يجوز حج المرأة عن الرجل، وحج الرجل عن المرأة. (4)
...
باب
الأيام المعلومات
عن عطاء قال: الأيام المعلومات: أيام العشر . (5)
باب
في أشهر الحج
قال عطاء: { الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ } ، فهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. (6)
وعن ابن جريج، عن عطاء قال: إذا دخل المحرم الحرم قبل أن يرى هلال شوال متمتعاً،وإن دخل الحرم بعد أن يرى هلال شوال فهو متمتع إذا مكث إلى الحج. (7)
وعن ليث(8) عن عطاء في رجل اعتمر في غير أشهر الحج فساق هديا تطوعاً فقدم مكة في أشهر الحج قال: إن لم يكن يريد الحج فلينحر هديه ثم ليرجع إن شاء فإن هو نحر الهدي وحل ثم بدا له أن يقيم حتى يحج فلينحر هديا آخر لتمتعه فإن لم يجد فليصم. (9)
وعن ليث، عن عطاء، وطاوس، ومجاهد قالوا : لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج.
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) أخرجه البخاري في الحج برقم (1513)، ومسلم في الحج برقم (1334).
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/392)، دار المدينة .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/229)، التمهيد(8/353) . عن ابن عباس <: الأيام المعلومات أيام العشر, وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/222)، تفسير الطبري (2/150)، المغني (5/110) .
(7) المحلى (5/165)، قال ابن حزم وهو قول الأوزاعي .
(8) هو ابن أبي سليم من الكوفة،قال عنه الفضيل بن عياض: أعلم أهل الكوفة بالمناسك.سؤالات أبي عبيد(144).
(9) تفسير الطبري (2/246).(1/71)
فأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة .
وعند الحنابلة: هي شهران وعشرة أيام: شوال وذو القِعدة وعشرة أيام ذي الحِجة فعندهم أن يوم النحر داخل في أشهر الحج لأن هو يوم الحج الأكبر وهو الذي فيه أكثر أعمال الحج من الرمي والطواف والحلق والذبح. وعند الشافعية هي: شوال وذو القعدة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، فعندهم ليس يوم النحر من أشهر الحج المذكورة. وعند المالكية أن أشهر الحج ثلاثة: شوال وذو القعدة وذو الحجة كاملة.
والصحيح والله تعالى أعلم: أن أشهر الحج هي شوال وذو القعدة وذو الحجة كامل لأن الله عز وجل قال: الحج أشهرٌ معلومات (وهذا جمع وأقل الجمع ثلاثة. وينبني على خلاف أشهر الحج هو تأخير طواف الإفاضة.والمشهور في مذهب الحنابلة أنه لو أحرم قبل أشهر الحج فإحرامه صحيح أن بقي على إحرامه.(1/72)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والإحرام بالحج قبل أشهره ليس مسنونا بل مكروه واذا فعله فهل يصير محرما بعمرة أو بحج فيه نزاع وأما اذا فعل ما يفعله غالب الناس وهو أن يجمع بين العمرة والحج فى سفرة واحدة ويقدم مكة في أشهر الحج وهن شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فهذا إن ساق الهدي فالقرآن أفضل له وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل فإنه قد ثبت بالنقول المستفيضة التى لم يختلف فى صحتها أهل العلم بالحديث أن النبى@ لما حج حجة الوداع هو وأصحابه أمرهم جميعهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر وكان النبي@ قد ساق الهدي هو وطائفة من أصحابه وقرن هو بين العمرة والحج فقال لبيك عمرة و حجة. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين: فالصواب ما ذهب إليه الإمام مالك - رحمه الله - من أن أشهر الحج ثلاثة، كما هو ظاهر القرآن، شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. (2)
باب
__________
(1) مجموع الفتاوى (26/99-107) وقد أخرج البيهقي وغيره من حديث عبيدالله بن عمر عن نافع عن عبدالله بن عمر أنه قال: الحج أشهر معلومات شوال, وذو القعدة، وعشر ذي الحجة. ورواه الطبري والدارقطني عن ورقاء عن عبدالله بن دينار به. كذلك رواه خصيف عن مقسم عن عبدالله بن عباس رواه البيهقي وغيره فأشهر الحج هي شوال, وذو القعدة, وعشر ذي الحجة, ومنهم من قال أن ذا الحجة كاملاً هو من أشهر الحج. ومن أحرم قبل دخول أشهر الحج وبقي إلى وقت الحج صح حجه إحرامه وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد. وقال الشافعي بانعقاد إحرامه عمره وهو قول عطاء وطاووس . شرح حديث جابر، لعبد العزيز الطريفي .
(2) الشرح الممتع (3/169) .(1/73)
الاعتمار في غير أشهر الحج(1) والهدي فيها
عن عبدالوهاب قال سئل عن عطاء عن العمرة في غير أشهر الحج، فيها هدي واجب؟ قال: ليس فيها هدي واجب، وقد كانوا يهدون، وقد أهدى النبي @ حين صده المشركون فهل كان أحرم بالعمرة؟ قال: نعم وصالحهم أن يأتيهم في العام المقبل، وقد رأيت معاوية ينحر جزورا في العمرة في غير أشهر الحج .
باب
أي النسك أفضل(2)
__________
(1) عن ابن عمر أن عمر قال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم أن يعتمر في غير أشهر الحج وأتم لعمرته رواه مالك. قال عروة بن الزبير: إنما كره عمر العمرة في أشهر الحج إرادة ألا يعطل البيت في غير أشهر الحج رواهما سعيد. شرح العمدة (2/528).
(2) قال الشيخ الألباني رحمه الله: على كل من أراد الحج ممن لم يسق الهدي أن ينوي حج التمتع لأمر النبي$ أصحابه به آخر الأمر ولغضبه على أصحابه الذين لم يبادروا إلى امتثال أمره بفسخ الحج إلى العمرة ولقوله: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" ولما قال له بعض الصحابة: أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ شبك النبي$ أصابعه واحدة في أخرى وقال: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لا بل لأبد أبد لا بل لأبد أبد" من أجل ذلك أمر$ السيدة فاطمة وأزواجه رضي الله عنهن جميعا بالتحلل بعد عمرة الحج ولذلك كان ابن عباس يقول: (من طاف بالبيت كما هو شأن عامة الحجاج اليوم فإنه من النادر أن يسوق أحدهم هديه من الحل كما فعل النبي $ فمن فعله فلا إنكار عليه أما من لم يسق الهدي وقرن أوأفرد فقد خالف فعله $ وأمره وإن رغم الناس كما قال ابن عباس. رواه مسلم(4/58) وأحمد (1/278و342 (أنظر "صحيح أبي داود" (1568و1571 فقد حل سنة نبيكم وإن رغمتم. فعلى كل من لم يسق الهدي أن يلبي بالعمرة في أشهر الحج الثلاثة فمن==
== لبى بالحج مفردا أوقارنا ثم بلغه أمر الرسول $ بالفسخ فينبغي أن يبادر إليه ولوبعد قدوم مكة وطوافه بين الصفا والمروة فيتحلل ثم يلبي بالحج يوم التروية يوم الثامن. ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ). مناسك الحج والعمرة .(1/74)
أولاً: التمتع. (1)
__________
(1) التمتع أن يقدم مكة ويحرم قبل موسم الحج فيعتمر ثم يحل ولا يحرم حتى يحل موسم الحج.
وسئل الشيخ السعدي رحمه الله: مَا الحِكمَةُ في إِيجَابِ الهَدْي عَلَى المتمتِّع والقَارِنِ دُونَ المفرِدِ بِالْحِجِّ ومَا تَجتَمِعُ فِيهِ الأَنسَاكُ وَتَفْتَرِق ؟ الجواب: اعلَمْ أَنَّ الدِّمَاءَ الوَاجِبَةَ لأَجْلِ النُّسُكِ وَمُتَعَلِّقَاته نَوعَانِ: أَحَدُهُمَا: دَمٌ يُجْبَر بِه النَّقصُ والخلَلُ، ويُسَمى دَمُ جبران. وهَذَا النَّوعُ سَببه الإِخلالُ بِتَركِ وَاجِبٍ أو فِعلِ مُحرَّمٍ.
والثَّانِي: دَم نُسُكٍ. وَهُوَ عِبَادَة مستقلَّةٌ بنفسِهِ من جُملَةِ عِبَادَاتِ اَلنُّسُك. فَدَمُ المتعَةِ والقرَانِ مِن هَذَا النَّوع، ولَيسَ مِنَ النَّوعِ الأَوَّلِ فيزُولُ الإِيرَادُ؛ لأنه مَعلُومٌ أَنه المتعَةَ والقرانَ لا نَقصَ فِيهما، بَل إمّا أَنْ يَكُونَ أكمل مِنَ الإفرَادِ كَما تَدلُّ عَلَيهِ الأَدلَّةُ الشَّرعيَّةُ وَهُوَ قَولُ جُمهورِ العُلَماءِ. وإِمَّا أَنْ لا يَكُونَ أَفضَلَ مِنَ الإفرَادِ فَعَلَى كُلِّ الأُمُورِ لا نَقصَ فِيهمَا يُجبَرُ بالدمِ، فتعيَّن أَنَّه دَمُ نُسُكٍ . فإِذا قيل: لِمَ لَمْ يُوجَبْ هَذَا اَلدَّم فِي اَلإِفْرَاد كما وَجَبَت بَقِيَّةُ الأفعَالِ المشترَكَةِ بين النّسكَيْنِ؟ قِيلَ: الحكمَةُ في شَرعِ هَذَا الدَّمِ في حَقِّهمَا أنَّهُ شُكرٌ لِنعمَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَيثُ حَصَلَ لِلعَبدِ نُسكانِ في سَفَرٍ واحدٍ وَزَمنٍ وَاحِد، ولهَذَا حَققَ هَذَا المقصُودَ، فاشتَرَطَ لوجُوبِ الدمِ: أن يحرم بالعُمرَةِ في شَهرِ اَلْحَجّ ليَكُونَ كزَمَنٍ وَاحِدٍ، وأن يَكُونَ مِن غَيرِ حَاضِرِي المسجِدِ اَلْحِرَام؛ لأن حَاضِرِيهِ لم يَحصُلْ لَهُم سَفَرٌ من بَلَدٍ بعيدٍ يُوجِبُ عَلَيهِم هَذَا اَلْهَدْي ؛ ولأَنه لَيسَ مِنَ اللائِقِ بالعَبدِ أن يقدم بيت للَّهِ بنسكين كَامِلَينِ ثُمَّ لا يُهدِي لأَهلِ هَذَا البَيتِ مَا يَكُونُ بعض شُكرِ هَذِهِ المهنَةِ، فَهَذَا مِن أسْرَارِ الفَرقِ بين المذكُورَاتِ. وأمَّا مَا تَجتَمِعُ فيه الأَنسَاكُ الثَّلاثَةُ ومَا تَفتَرِقُ ، فإِذَا عُرِفَ مَا بِه تَفْتَرِق وَاسْتُثْنِيَ بالقَاعِدَةِ الكُلِّيَّةِ عُلِمَ أنَّ اَلْبَاقِي مُشتَرَكٌ بينهَا .فأوَّلُ مما تَفتَرِقُ به: وجُوبُ الدَّمِ عَلَى المتمتِّعِ والقَارِنِ دُونَ المفردِ كمَا تَقدَّمَ. والثَّاني: أَنّ المفردَ لم يَحصُلْ لَهُ إِلا نُسُكٌ وَاحِدٌ، والعُمرَةُ إلَى الآن لَم يَأْتِ بهَا بخِلافِ المتمتِّعِ والقَارِنِ. والثَّالِث: أنَّ المتمتِّعَ عَلَيهِ طَوَافَانِ :
" ... طَوَافٌ لعُمرَتِه .
" ... وآخرُ لحجَّتِهِ .
والمفردُ والقَارِنُ إنما عَلَيهما طَوافٌ وَاحدٌ ، طوافٌ لِلْحَجِّ فقط في المفرِدِ ظَاهِر والقَارِنُ تَدخُلُ عمرَتُه بحجَّتِه ، وتَكُونُ اَلأَفْعَال وَاحِدةً ، ولِهَذَا يَتَرَتَّب عَلَيهِ ==
== الرَّابعُ : أنَّ المتمتِّعُ يُحِلُّ مِن عُمرَتِه حِلاًّ تَامَّا لا يمنَعُه مِنَ الحلِّ إلا سوق الهَدي ، والمفرِدُ والقَارِنُ يبقَيَانِ على إحرَامِهِمَا .
الخامِسُ : أَنَّ الحَائِضَ وَالنُّفَسَاء إِذَا قَدِمَتَا لِلْحَجِّ ولا يُمكِنُهُما الطُّهرُ إلا بعدَ فَوَاتِ الوُقُوف تَعيَّن عَلَيهِمَا الإِحْرَامُ بالإِفْرَادِ أَوِ القِرَانِ أو قَلبِ نِيَّةِ العُمرةِ قِرَانًا ، وتمتَنِعُ عَلَيهِمَا العُمرَةُ المفردَةُ لَتَعَذُّرهَا في هَذِهِ الحَالِ.
وكَذَلِكَ مَن لا يُمكِنُه أن يَأتيَ بالعُمرَةِ قَبْلَ فَوَاتِ ألوُقُوفِ .
وهَذَا الفرقُ الأَخِيرُ رَاجِعٌ لِعَدَمِ القُدرَةِ عَلَى هَذَا اَلنسك.
اَلسَّادِس : أَنَّ المفرِدَ بِالْحَجِّ يُشرَعُ لَهُ أن يَفسَخَ نيته ويَجعَلَهَا عُمرَةً ، والمتَمَتِّعُ والقَارِنُ لا يُشرَعُ لَهُمَا جَعلهَا إِفرَادًا إلاَّ في حَالِ التَّعذُّرِ للعُمرَةِ كَما تَقَدَّم .
السَّابعُ: أنَّ المفرِدَ والقَارِنَ يُشرَعُ لَهُمَا أَوَّل مَا يقدُمَانِ البَيتَ طَوَافُ قُدُومٍ ، والمتمتِّعُ يكفِيهِ طَوَافُ العُمرَةِ عَن طَوَاف القُدُومِ لاجتِمَاعِ عِبَادَتَينِ مِن جِنْسٍ وَاحِدٍ فتَدَاخَلَتَا . كَما أنَّ أفعَالَ القَارِنِ كُلَّهَا وَاحِدَةٌ لا يَحتَاج أَن يُفرِدَ حجَّتَهُ بِأَفْعَال وعُمْرَتَهُ بِأُخْرَى ، فالأَفعَالُ صَارَتْ لِلْحَجِّ ، واندَرَجَتِ العُمرَة فِيهِ، واللَّه أَعْلَمُ.اهـ.إرشاد أولي الأبصار والألباب لنيل الفقه بأيسر الطرق والأسباب(ص114).(1/75)
عن عطاء أنه أمر بالتمتع وقال: "ما رأيتهم يعدلون بالمتعة". (1)
وعنه أنه أمر بالمتعة في الحج. (2)
ثانياً: القران. يطوف له طوافاً واحداً .
فعن عائشة < أنه حاضت بسرف فتطهرت بعرفة فقال لها رسول الله @: "يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك". (3)
وعن جابر < أن رسول الله @ قرن الحج والعمرة فطاف لهما طوافاً واحداً. (4)
ثالثاً: الإفراد .
__________
(1) الاستذكار (4/60)، المصنف لابن أبي شيبة (3/229)، تاريخ دمشق (56/399) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/229)، التمهيد (8/353)، تاريخ دمشق (56/399) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله: باب/ وجوب التمتع في الحج. عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله $ لأربع خلون أو خمس من ذي الحجة وهو غضبان، فقلتُ: يا رسول الله! من أغضبك أدخله الله النار؟! فقال: "أما شعرت أني أمرتهم بأمر فهم يترددون، ولو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولا اشتريته حتى أحل كما حلُّوا". ... وإذا كان الأمر كذلك فما بال كثير من المسلمين اليوم وفيهم بعض الخاصة لا يتمتعون، وقد عرفوا ما لم يكن قد عرفه أولئك الأصحاب الكرام في أول الأمر، ومن ذلك قوله $ في بعض تلك الأحاديث: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، ألا يخشون أن تصبيهم دعوة عائشة رضي الله عنها؟!. السلسلة الصحيحة برقم(2593).
(3) رواه مسلم برقم (1211) .
(4) صحيح سنن الترمذي رقم (755)، وصحيح سنن ابن ماجة برقم (2409) .(1/76)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وجميع الصحابة الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج كعائشة، وابن عمر، وجابر، قالوا: أنه تمتع بالعمرة إلى الحج، فقد ثبت فى الصحيحين عن عائشة، وابن عمر، بإسناد أصح من إسناد الإفراد، ومرادهم بالتمتع القران كما ثبت فى الصحاح أيضاً، فإذا أراد الإحرام فإن كان قارنا قال لبيك عمرة وحجة، وإن كان متمتعا قال لبيك عمرة متمتعا بها الى الحج، وإن كان مفردا قال لبيك حجة أوقال اللهم إنى أوجبت عمرة وحجة أو أوجبت عمرة أتمتع بها إلى الحج، أو أوجبت حجا أو أريد الحج أو أريدهما، أو أريد التمتع بالعمرة الى الحج فمهما قال من ذلك أجزأه باتفاق الأئمة ليس فى ذلك عبارة مخصوصة و لا يجب شيء من هذه العبارات باتفاق الأئمة.اهـ. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: مسألة: إذا أحرم الإنسان بالحج، ووصل إلى مكة فإنه يسن له أن يجعل الحج عمرة ليصير متمتعاً، فلو جعل الحج عمرة ليتخلص بالعمرة منه، فإن ذلك لا يصح؛ لأن ذلك احتيال على إسقاط وجوب الحج عليه.
فإن قال قائل: ما الفرق بين من فسخ الحج ليصير متمتعاً ومن فسخ الحج بالعمرة ليتخلص منه؟. فالجواب: الفرق ظاهر: من فسخ الحج إلى عمرة ليتخلص بها منه، فهو متحيل على سقوط وجوب المضي في الحج، ومن فسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً، فإنه منتقل من الأدنى إلى الأعلى؛ لأن المتمتع أفضل من القارن والمفرد، وهذا هو الذي أمر به النبي @ أصحابه أن يفسخوا الحج ويجعلوه عمرة، ليصيروا متمتعين، لا ليتخلصوا بالعمرة من الحج. مثاله: رجل سافر إلى مكة في أشهر الحج وأحرم به، وكأنه تطاول المدة الباقية على الحج، ففسخ الحج إلى عمرة من أجل أن يطوف ويسعى ويقصر ويرجع إلى بلده.
فهذا لا يجوز؛ لأنه لما شرع في الحج وجب عليه إتمامه، فإذا حوله إلى عمرة ليتخلص منه، صار متحيلاً على إسقاط واجب عليه، وهذا لا يجوز.
__________
(1) مجموع الفتاوى (26/99-107) .(1/77)
مثال آخر: رجل ذهب ليحج وأحرم بالحج في أشهره، ثم قيل له: إن التمتع أفضل، فحول الحج ليصير متمتعاً، فهذا جائز، بل سنة؛ لأنه انتقل من مفضول إلى أفضل، ولم يتحيل على إسقاط واجب، ويدل لهذا أن رجلاً جاء إلى الرسول@ وقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة، أن أصلي في بيت المقدس، قال: "صلِّ هاهنا" يعني في مكة؛ - لأن مكة أفضل من بيت المقدس - فأعاد عليه، قال: "صلِّ هاهنا"، فأعاد عليه قال: "فشأنك إذن"
ونظير هذا رجل شرع في صلاة الظهر منفرداً، فحضرت جماعة فحولها إلى نفل ليدخل مع الجماعة، فهذا جائز.
مثال آخر: رجل دخل في صلاة الظهر ولما وصل إلى الركعة الثانية تذكر شيئاً لا يفوت فقال: أقلبها إلى نفل من أجل أن أتخلص به منها، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا تحيل على إسقاط واجب؛ لأنه إذا شرع في الفرض وجب عليه إتمامه، فالذي ينتقل عن شيء إلى آخر تخلصاً من الأول لوجوبه عليه فهذا لا يصح؛ لأن الواجبات لا تسقط بالتحيل عليها، كما أن المحرمات لا تحل بالتحيل عليها. وأما من انتقل من واجب لتكميل هذا الواجب، فإن ذلك جائز، ولا بأس به؛ لأنه تحول إلى أفضل.
مسألة: لو أنه تحلل من الحج وجعله عمرة، ليتمتع به إلى الحج، ثم بعد ذلك بدا له ألا يحج فهل نلزمه بالحج؟ عندنا الآن صورتان: الصورة الأولى: رجل أحرم بالعمرة من أول الأمر متمتعاً بها إلى الحج ثم بدا له ألا يحج، فهذا جائز ولا إشكال فيه؛ لأنه أحرم بالعمرة ناوياً الحج ولكن بدا له ألا يحج. لكن رجل أحرم بالحج ثم حوله إلى عمرة ليتمتع بها إلى الحج، فهل له أن يدع الحج أو لا؟ وبين الصورتين فرق. فهل نقول: ما دمت تحولت من الحج الذي لزمك بشروعك فيه فإنه يلزمك أن تحج هذا العام؟ يحتمل عندي وجهان:الأول: إلزامه بالحج إلا إذا تركه لعذر فهذا شيء آخر؛ لأننا إنما أجزنا له التحول ليحج.الثاني: لا يلزمه شيء؛ لأنه ما شرع في النسك. (1)
__________
(1) الشرح الممتع (3/194-195) .(1/78)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا نقول إن التمتع أفضل مطلقاً، ولا القران أفضل مطلقاً، ولا الإفراد أفضل، فيقول: من ساق الهدي فالأفضل له القران . (1)
باب
من سافر بعد إحلاله من العمرة وأحرم للحج في سفر جديد لا دم تمتع عليه
مذهب عطاء: أن من سافر بعد إحلاله من العمرة وأحرم للحج في سفر جديد ويكون سفر بمسافة القصر أنه لا دم تمتع عليه لزوال العلة .
قال مالك، وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وأبو حنيفة وأصحابه: إنه إن سافر بعد إحلاله من العمرة وأحرم للحج في سفر جديد أنه لا دم تمتع عليه لزوال العلة مع اختلافهم في قدر السفر المسقط للدم المذكور: فبعضهم يكتفي بسفر مسافة القصر، وهو مذهب أحمد، وهو مروي عن عطاء وإسحاق والمغيرة، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني. وبعضهم: يكتفي بالرجوع إلى الميقات، وهو مذهب الشافعي، وبعضهم يشترط الرجوع إلى محله الذي جاء منه، وعزاه في المغني لأبي حنيفة وأصحابه. وبعضهم: يشترط ذلك أو سفر مسافة بقدره: أعني قدر مسافة المحل الذي جاء منه وهو مذهب مالك وأصحابه، وهذا يدل على أن دم التمتع دم جبر لنقص السفر المذكور، بدليل أن السفر إن حصل عندهم سقط الدم لزوال علة وجوبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما من اعتمر قبل أشهر الحج، ثم رجع إلى مصره، ثم قدم ثانياً في أشهر الحج فتمتع بعمرة إلى الحج، فهذا أفضل ممن اقتصر على مجرد الحج في سفرته الثانية، إذا اعتمر معها عقيب الحج؛ لأن النبي @ اعتمر مع الحج تمتع هو قران كما بينوا، ولأن من تحصل له عمرة مفردة، وعمرة مع حجة، أفضل ممن لا يحصل له إلا عمرة وحجة، وعمرة تمتع أفضل من عمرة مكية عقيب الحج.
فهذا الذي اختاره عمر للناس هو الاختيار عند عامة الفقهاء: كالإمام أحمد، ومالك، والشافعي، وغيرهم ..اهـ. (2)
باب
__________
(1) نقله عنه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (3/184-185) .
(2) مجموع الفتاوى (26/248) .(1/79)
وجوب المتعة لمن لم يسق الهدي(1)
وعن ابن جريج، عن عطاء قال: من أهلَّ من خلق الله تعالى ممن له متعة بالحج خالصاً أو بحجة وعمرة فهي متعة سنة الله تعالى ورسوله. (2)
وعن ابن أبي نجيح, عن عطاء قال: كان ابن الزبير يقول: المتعة لمن أحصر. قال: وقال ابن عباس: هي لمن أحصر ومن خليت سبيله. (3)
وعن ابن جريج قال: قال عطاء: كان ابن الزبير يقول: إنما المتعة للحصر وليست لمن خلي سبيله. (4)
__________
(1) قال الشيخ الألباني في مناسك الحج والعمرة(ص6): على كل من أراد الحج ممن لم يسق الهدي أن ينوي حج التمتع لأمر النبي $ أصحابه به آخر الأمر ولغضبه على أصحابه الذين لم يبادروا إلى امتثال أمره بفسخ الحج إلى العمرة ولقوله: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" ولما قال له بعض الصحابة: أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ شبك النبي $ أصابعه واحدة في أخرى وقال: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لا بل لأبد أبد لا بل لأبد أبد. ثم قال: فعلى كل من لم يسق الهدي أن يلبي بالعمرة في أشهر الحج الثلاثة فمن لبى بالحج مفردا أوقارنا ثم بلغه أمر الرسول $ بالفسخ فينبغي أن يبادر إليه ولو بعد قدوم مكة وطوافه بين الصفا والمروة فيتحلل ثم يلبي بالحج يوم التروية يوم الثامن. (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج برقم (2870).
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج برقم (2871).(1/80)
وعن ليث, عن عطاء في رجل اعتمر في غير أشهر الحجّ, فساق هديا تطوّعا, فقدم مكة في أشهر الحجّ, قال: إن لم يكن يريد الحجّ, فلينحر هديه ثم ليرجع إن شاء, فإن هو نحر الهدي وحلّ, ثم بدا له أن يقيم حتى يحجّ,فلينحر هديا آخر لتمتعه,فإن لم يجد فليصم .(1)
وعن عطاء, قال: من كان أهله من دون المواقيت, فهو كأهل مكة لا يتمتع.وقال بعضهم: بل عنى بذلك أهل الحرم, ومن قرب منزله منه. (2)
باب
هل يجزي المتعة من العمرة
عن أبي خالد عن داود قال: قلت لعطاء: هل يجزي عنا مما افترض علينا منها - يعني العمرة - التمتع؟ قال: نعم .
وعن ليث، عن عطاء، وطاوس، ومجاهد، قالوا: العمرة واجبة وتجزي منها المتعة .
باب
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج برقم (2882)، وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: عَنَى بها: فإن أحصرتم أيها المؤمنون في حجكم فما استيسر من الهدي, فإذا أمنتم فمن تمتع ممن حلّ من إحرامه بالحجّ بسبب الإحصار بعمرة اعتمرها لفوته الحجّ في السنة القابلة في أشهر الحجّ إلى قضاء الحجة التي فاتته حين أحصر عنها, ثم دخل في عمرته فاستمتع بإحلاله من عمرته إلى أن يحجّ, فعليه ما استيسر من الهدي, وإن كان قد يكون متمتعا من أنشأ عمرة في أشهر الحجّ وقضاها ثم حلّ من عمرته وأقام حلالاً حتى يحجّ من عامه غير أن الذي هو أولى بالذي ذكره الله في قوله: فَمَنْ تَمَتّعَ بالعُمْرَةِ إلى الحَجّ هو ما وصفنا من أجل أن الله جل وعز أخبر عما على المحصر عن الحجّ والعمرة من الأحكام في إحصاره, فكان مما أخبر تعالى ذكره أنه عليه إذا أمن من إحصاره فتمتع بالعمرة إلى الحجّ ما استيسر من الهدي, فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام كان معلوما بذلك أنه معنيّ به اللازم له عند أمنه من إحصاره من العمل بسبب الإحلال الذي كان منه في حجه الذي أحصر فيه دون المتمتع الذي لم يتقدم عمرته ولا حجه إحصار مرض ولا خوف.
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج برقم (2960).(1/81)
تمتع المملوك
عن ابن جريج عن عطاء في المملوك يتمتع قال: "يذبح عنه مولاه شاة".(1)
وعنه قال: إذا أذنت لعبدك فتمتع فمات فاغرم عنه .(2)
باب
السفر الذي يقطع التمتع
عن عطاء قال: من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج من عامه فليس بمتمتع إنما المتمتع من أقام ولم يرجع . (3)
وعنه قال: من اعتمر في شوال أو في ذي القعدة وفي رواية في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحج فهو متمتع عليه ما المتمتع . (4)
وعنه قال: إذا خرج إلى ما يقصر فيه الصلاة ثم رجع فليس بمتمتع . (5)
باب
القارن عليه طواف واحد وهو والمتمتع سواء
قال عطاء: القارن ليس عليه إلا طواف واحد للإفاضة، وسعي واحد . (6)
عن عطاء قال: القارن والمتمتع هديهما وطوافهما واحد . (7)
وعنه قال: يطوف القارن طوافاً. (8)
وعن جهم بن واقد الأنصاري قال: سألت عطاء بن أبي رباح فقلت: قرنت الحج والعمرة فقال: تطوف طوافين بالبيت ويجزئك سعي واحد بين الصفا والمروة.(9)
وعن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقول : القارن والمتمتع والمفرد يجزيه طواف بالبيت، وسعي بين الصفا والمروة .
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/447) .
(2) الأم للإمام الشافعي (2/124).
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/156) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/156)، وتفسير الطبري (2/246) .
(5) المغني (5/354)، المحلى (5/164) .
(6) المغني (5/347و348) .
(7) المصنف لابن أبي شيبة (3/276) .
(8) المصنف لابن أبي شيبة (3/293) .
(9) المحلى (5/185) .(1/82)
قال النووي: لم يطف رسول الله@ ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً وهو طوافه الأول، يعني النبي@ ومن كان من أصحابه قارناً فهؤلاء لم يسعوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة. وأما من كان متمتعاً فإنه سعى سعيين سعياً لعمرته ثم سعياً آخر لحجه يوم النحر. وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة للشافعي وموافقيه في أن القارن ليس عليه إلا طواف واحد للإفاضة وسعي واحد، وممن قال بهذا ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وطاوس، وعطاء ، والحسن البصري، ومجاهد، ومالك، وابن الماجشون، وأحمد، وإسحاق، وداود، وابن المنذر، وقالت طائفة: يلزمه طوافان وسعيان، وممن قاله الشعبي، والنخعي، وجابر بن زيد، وعبد الرحمن بن الأسود، والثوري، والحسن بن صالح، وأبو حنيفة، وحكي ذلك عن علي، وابن مسعود، قال ابن المنذر: لا يثبت هذا عن علي>.(1)
وقال الشيخ ابن عثيمين: الصحيح أن المتمتع يلزمه سعي للحج، كما يلزمه سعي للعمرة . (2)
باب
من نذر المشي إلى بيت الله
عن عطاء في رجل جعل عليه المشي فمشى بعض الطريق وركب فقال: ينظر ما ركب ثم يقوَّم جزاءه، فإن بلغ بدنة اشتراها وأهداها، قال فإن لم تبلغ تصدق به على المساكين. (3)
وعن يحيى بن سعيد أنه قال: كان عليَّ مشي فأصابتني خاصرة فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا عليك هدي. (4)
وعن عطاء قال: أيما امرأة جعلت عليها المشي إلى البيت فلم تستطع فلتركب ولتهد بدنة. (5)
وعن حبيب المعلم قال: سئل عطاء عن رجل نذر أن يمشي حاجا فركب قال: يهدي بدنة فقيل له إن لم يجد؟ قال: فعليه صيام . (6)
__________
(1) شرح النووي (8/108) .
(2) الشرح الممتع (3/343) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/216) .
(4) الأم للشافعي (7/257) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/217) .
(6) أخبار مكة للفاكهي (1/351) .(1/83)
وعن حبيب عن عطاء فيمن جعل على نفسه المشي إلى البيت قال: يمشي من حيث نوى فإن لم ينو شيئاً فليركب فإذا دخل الحرم مشى إلى البيت. (1)
وعن عطاء في الناذر إن لم ينو مكانا فمن ميقاته. (2)
باب
من لم يسمِّ نسكه
في الأعجمي يحج ولا يسمي شيئاً
عن نافع أن امرأة أعجمية قدمت فقضت المناسك كلها، غير أنها لم تهل لشئ، فقال عطاء: لا يجزئها . (3)
وفي رواية عن مسعر عن عطاء قال: تجزئه النية. (4)
وقال طاوس : يجزئها ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يسروا ولا تعسروا ".(5)
وقول طاوس هو الراجح والله أعلم .
باب
من نسي نسكاً
عن عطاء قال: من نسي من النسك شيئاً حتى رجع إلى أهله فليهرق لذلك دماً . (6)
باب
فيمن أهلَّ بغير ما نوى
عن عطاء قال: بنيَّته . (7)
وقال الثوري، ومالك، وأحمد، وإسحاق: من حج ينوي بحجته تطوعاً وعليه حجة الإسلام لا يجزيه. قال ابن المنذر وبه نقول. (8)
قال الشيخ ابن عثيمين: - إذا -لم ينوي نسكه لم يصح، فالحج ينفرد عن العبادات الأخرى بأشياء كثيرة، منها: جواز تغيير النية، ومنها: لزوم إتمامه ولو كان نفلاً، وغيرها .
فيجوز للإنسان أن يحرم إحراماً مطلقاً، فيقول: لبيك اللهم لبيك، ولا يعين لا عمرة ولا حجاً، لكن يجوز أن يطوف حتى يعين، لأن الإحرام المطلق صالح للعمرة وحدها، وللحج وحده، ولهما جميعاً . (9)
باب
الحج على الجلالة
__________
(1) المحلى (5/307) .
(2) المغني (5/39) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (4/413)، المحلى (5/84)، وقول طاوس هو الأرجح والله أعلم .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/352) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (4/413)، المحلى (5/84)، وقول طاوس هو الأرجح والله أعلم .
(6) المغني (5/324) .
(7) المصنف لابن أبي شيبة (3/274) .
(8) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/186)، دار المدينة .
(9) الشرح الممتع (3/294) .(1/84)
عن ابن جريج قال: كان عطاء إذا سئل عن الجلالة قال: إذا كان أكثر علفها غير الجلَّة فلا بأس بها، تؤكل ويحج عليها . (1)
باب
من أهل بحجتين
عن يعقوب عن عطاء في الرجل يهلُّ بحجتين قال: هو متمتع . (2)
وعن عطاء قال: إذا أهلَّ لعامين حجَّ من عامه، واعتمر من عام قابل . (3)
وعنه قال: إذا أهل بحجتين فهو مهل بحج . (4)
وقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: لا يلزمه إلا حجة واحدة، وليس عليه في الأخرى شيء. (5)
قال أبو بكر ابن المنذر: أقول بقول الشافعي ومن وافقه. (6)
باب
جواز إدخال الحج على العمرة قبل الطواف
عن عطاء وطاوس أو أحدهما في رجل أهلَّ بالحج قالا : إن شاء جعل معها عمرة فكان قارناً وأهدى هادياً . (7)
وعن عطاء قال فيمن أدخل الحج على العمرة بعد أن افتتح الطواف لا يصير قارناً.(8)
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (5/147)، وأخبار مكة للفاكهي (1/403) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/386) .
(3) الفروع لابن مفلح (3/339) .
(4) الأم للشافعي (2/136) .
(5) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/199)، دار المدينة .
(6) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/199)، دار المدينة .
(7) مصنف ابن أبي شيبة (3/365) .
(8) المغني (5/371) .(1/85)
وقال النووي: مذهبنا جواز القران وجواز إدخال الحج على العمرة قبل الطواف وهو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء وسبق بيان المسئلة وفيه جواز التحلل بالاحصار وأما قوله أشهدكم فإنما قاله ليعلمه من أراد الاقتداء به فلهذا قال أشهدكم ولم يكتف بالنية مع أنها كافية في صحة الاحرام وقوله ما أمرهما إلا واحد يعنى في جواز التحلل منهما بالاحصار وفيه صحة القياس والعمل به وإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستعملونه فلهذا قاس الحج على العمرة لأن النبي @ إنما تحلل من الاحصار عام الحديبية من وحدها وفيه أن القارن يقتصر على طواف واحد وسعى واحد هو مذهبنا ومذهب الجمهور . (1)
وقد اتفق جمهور العلماء على جواز إدخال الحج على العمرة . (2)
وقال أبو بكر ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لمن أهل بعمرة في أشهر الحج أن يدخل عليها الحج مالم يفتتح الطواف بالبيت.
وقال: واختلفوا في إدخال العمرة على الحج، فقال مالك، وأبو ثور، وإسحاق: لا يدخل العمرة على الحج. قال أبو بكر: وبقول مالك نقول في هذه المسألة. (3)
باب
تكرار العمرة (4)
__________
(1) شرح النووي (8/222).
(2) تنوير الحوالك (1/250) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/300-301)، دار المدينة .
(4) سئل أبو العباس(ابن تيمية) : أيما أفضل لمن كان بمكة : الطواف بالبيت ؟ أو الخروج إلى الحل ليعتمر منه ويعود ؟ وهل يستحب لمن كان بمكة كثرة الاعتمار في رمضان أو في غيره، أو الطواف بدل ذلك ؟ وكذلك كثرة الاعتمار لغير المكي : هل هو مستحب ؟ وهل في اعتمار النبي @ من الجِعْرَانة وفي عمرة الحديبية مستند لمن يعتمر من مكة، كما في أمره لعائشة أن تعتمر من التنعيم ؟ وقول النبي @ عمرة في رمضان تعدل حجة هل هي عمرة الأفُقِي ؟ أو تتناول المكي الذي يخرج إلى الحل ليعتمر في رمضان ؟ .
فأجاب : أما من كان بمكة من مستوطن، ومجاور، وقادم، وغيرهم، فإن طوافه بالبيت أفضل له من العمرة، وسواء خرج في ذلك إلى أدني الحل، وهو التنعيم الذي أحدث فيه المساجد، التي تسمي [ مساجد عائشة ] أو أقصى الحل من أي جوانب الحرم، سواء كان من جهة الجِعْرَانة أو الحديبية، أو غير ذلك، وهذا المتفق عليه بين سلف الأمة، وما أعلم فيه مخالفًا من أئمة الإسلام في العمرة المكية وأما العمرة من الميقات بأن يذهب إلى الميقات فيحرم منه، أو يرجع إلى بلده، ثم ينشئ السفر منه للعمرة، فهذه ليست عمرة مكية بل هذه عمرة تامة، وليس الكلام هنا فيه وهذه فيها نزاع هل المقام بمكة أفضل منها ؟ أم الرجوع إلى بلده أو الميقات أفضل ؟ .مجموع الفتاوى (26/248).(1/86)
قال عطاء: لا بأس أن يعتمر الشخص في السنة مراراً. (1)
وعن وكيع، عن سفيان، عن حجاج قال: سألت عطاء عن العمرة في الشهر مرتين؟ قال: لا بأس. (2)
وعن حبيب المعلم قال: سئل عطاء عن العمرة في كل شهر ؟ قال: نعم . (3)
قال ابن قدامة: ولا بأس أن يعتمر في السنة مراراً .
روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وعائشة، وعطاء، وطاوس، وعكرمة، والشافعي، وكره العمرة في السنة مرتين: الحسن، وابن سيرين، ومالك. وقال النخعي: ما كانوا يعتمرون في السنة إلاَّ مرة، ولأن النبي لم يفعله. (4)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/377)، دار المدينة .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/129)، والمحلى لابن حزم (5/51)، والمغني (5/17).
(3) الأم للشافعي (2/135) .
(4) المغني على مختصر الخرقي (3/156) .(1/87)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فقد تنازع العلماء هل يكره أن يعتمر في السنة أكثر من عمرة واحدة فكره ذلك طائفة منهم الحسن وابن سيرين وهو مذهب مالك وقال إبراهيم النخعي ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة واحدة وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يكونوا يعتمرون إلا عمرة واحدة لم يعتمروا في عام مرتين فتكره الزيادة على ما فعلوه كالإحرام من فوق الميقات وغير ذلك ولأنه في كتاب النبي الذي كتبه لعمرو بن حزم أن العمرة هي الحج الأصغر وقد دل القرآن على ذلك بقوله تعالى يوم الحج الأكبر والحج لا يشرع العام إلا مرة واحدة، فكذلك العمرة ورخص في ذلك آخرون منهم من أهل مكة: عطاء، وطاووس، وعكرمة، وهو مذهب الشافعي، وأحمد، وهو المروي عن الصحابة كعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وعائشة، لأن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرتها التي كانت مع الحجة والعمرة التي اعتمرتها من التنعيم بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الحصبة التي تلي أيام منى وهي ليلة أربعة عشر من ذي الحجة، وهذا على قول الجمهور الذين يقولون لم ترفض عمرتها وإنما كانت قارنة، وأيضا ففي الصحيحين وغيرهما عن أبى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، وهذا مع إطلاقه وعمومه فإنه يقتضي الفرق بين العمرة والحج إذ لو كانت العمرة لا تفعل في السنة إلا مرة لكانت كالحج، فكأن يقال الحج إلى الحج، وأيضا فإنه أقوال الصحابة ... (1)
__________
(1) مجموع الفتاوى ( 26/ 255) .(1/88)
وقال الصنعاني: وفي قوله العمرة إلى العمرة دليل على تكرار العمرة وأنه لا كراهة في ذلك ولا تحديد بوقت، وقالت المالكية: يكره في السنة أكثر من عمرة واحدة، واستدلوا له بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - تحمل عندهم على الوجوب أو الندب وأجيب عنه بأنه علم من أحواله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يترك الشي وهو يستحب فعله ليرفع المشقة عن الأمة وقد ندب إلى ذلك بالقول ، وظاهر الحديث عموم الأوقات في شرعيتها وإليه ذهب الجمهور . (1)
وقال النووي: وأما العمرة فيجوز الإحرام بها وفعلها في جميع السنة ولا يكره في شيء منها لكن شرطها أن لا يكون في الحج ولا مقيما على شيء من أفعاله ولا يكره تكرار العمرة في السنة بل يستحب عندنا وعند الجمهور وكره تكرارها في السنة ابن سيرين ومالك ويجوز الإحرام بالحج مما فوق الميقات أبعد من مكة سواء دويرة أهله وغيرها وأيهما أفضل فيه قولان للشافعي أصحهما من الميقات أفضل للاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم. (2)
وقال الشيخ ابن عثيمين: ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى اتفاق السلف على أنه يكره تكرار العمرة . وقال الإمام أحمد: لا يعتمر إلا إذا حمم رأسه، أي: أسود من الشعر، وبناءً على هذا يكون ما يفعله العامة الآن من تكرار العمرة، ولا سيما في رمضان كل يوم وإن لم يكن بعضهم يعتمر في النهار عمرة وفي الليل عمرة خلاف ما عليه السلف. (3)
باب
لأي شيء سميت المتعة .
عن ابن جريج، عن عطاء يقول: إنما سميت المتعة لأنه يتمتع بأهله وثيابه . (4)
__________
(1) سبل السلام ج (2/178) .
(2) شرح النووي (8/126).
(3) الشرح الممتع (3/361).
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/89)
وعن ابن جريج, قال: كان عطاء يقول: المتعة لخلق الله أجمعين, الرجل, والمرأة, والحرّ, والعبد, هي لكل إنسان اعتمر في أشهر الحجّ ثم أقام ولم يبرح حتى يحجّ, ساق هديا مقلدا أو لم يسق إنما سميت المتعة من أجل أنه اعتمر في شهور الحجّ فتمتع بعمرة إلى الحجّ, ولم تسمّ المتعة من أجل أنه يحلّ بتمتع النساء. (1)
باب
دخول الكعبة ليس من مناسك الحج
وقد تقرر أن النبي @ لم يدخل البيت في عمرته كما في حديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب فتعين أن يكون دخله في حجته وبذلك جزم البيهقي، وقد أجاب البعض عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون @ قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه من غزوة الفتح وهو بعيد جدا، وفيه أيضا دليل على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج وهو مذهب الجمهور . (2)
باب
من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج
عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن غريب قدم مكة في غير أشهر الحج معتمراً ثم بدا له أن يحج في أشهر الحج أيكون متمتعاً؟ قال: لا يكون متمتعاً حتى يأتي من ميقاته في أشهر الحج، قلت: أرأي أم علم؟ قال: بل علم . (3)
باب
من رخص في زيارته كل يوم وكل ليلة
عن سفيان بن عيينة عن ابن طاوس، عن أبيه أن النبي@ كان يفيض كل ليلة.
وعن حجاج عن عطاء عن ابن عمر أنه كان يأتي البيت أيام التشريق ولم يكن أحد يفعله .
وعن وكيع بن الجراح عن مغيرة بن زياد عن عطاء قال : إن زرت البيت أيام التشريق كل يوم فهو أفضل .
باب
حيض المرأة بعد إحرامها للحج
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج برقم (2887)، هاتان روايتان عن عطاء في معنى المتعة، والراجح والله أعلم هو: إنما سميت المتعة من أجل أنه اعتمر في شهور الحجّ فتمتع بعمرة إلى الحجّ .
(2) نيل الأوطار (5/167).
(3) المحلى (7/160)، جامع بيان العلم (1429) .(1/90)
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء، قال: سألتهما في امرأة قدمت مكة معتمرة فحاضت فخشيت أن يفوتها الحج، قال: تحل بالحج وتقضي . (1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يجب أن تحرم بالحج لتكون قارنة، لأن النبي $ أمر بذلك عائشة حين حاضت بسرف قبل أن تدخل مكة، والأصل في الأمر الوجوب، ولأن الحج يجب على الفور، فلو لم تحرم به لفاتها هذا العام. (2)
باب
العمرة من التنعيم أو الجعرانة
عن عطاء أنه قال: من أراد العمرة ممن هو من أهلها أو غيره فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة، فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتاً . (3)
وعن عمرو بن دينار قال: والله لقد أدركت عطاء يعتمر من التنعيم فلما كبر وضعف ترك ذلك . (4)
وعنه في عمرة التنعيم، قال: هي عمرة تامَّة . (5)
وعن عبدالملك بن أبي سليمان قال: خرجت أنا وعطاء في رمضان فأحرمنا من الجعرانة. (6)
وقال الشيخ ابن عثيمين: وإذا كنت في جهة الشرائع وأنت داخل الحرم فالجعرانة، لأن النبي $ أحرم منها حيث جاء من الطائف من غزوة حنين . (7)
باب
من لم يستطع الوصول إلى البيت بسبب مرض أو عرج أو ذهاب نفقة له التحلل
قال عطاء: من يتعذر عليه الوصول إلى البيت بغير حصر العدو من مرض أو عرج أو ذهاب نفقة ونحوه أنه يتحلل .
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/406) .
(2) الشرح الممتع (3/195) .
(3) أخبار مكة للفاكهي(5/61)،وعقب ابن حجر بقوله:أي ميقاتاً من مواقيت الحج .الفتح(3/606) .
(4) أخبار مكة للفاكهي (5/60) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (5/60) .
(6) أخبار مكة للفاكهي (2/284) .
(7) الشرح الممتع (3/165) .(1/91)
قال ابن قدامة: مسألة: قال: (وإن منع من الوصول إلى البيت بمرض أو ذهاب نفقة بعث بهدي إن كان معه ليذبحه بمكة،وكان على إحرامه حتى يقدر على البيت. المشهور في المذهب: أن من يتعذر عليه الوصول إلى البيت بغير حصر العدو من مرض أو عرج أو ذهاب نفقة ونحوه: أنه لا يجوز له التحلل بذلك. روي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، ومروان، وبه قال مالك، والشافعي، وإسحاق، وعن أحمد رواية أخرى: له التحلل بذلك. روي نحوه عن ابن مسعود وهو قول عطاء، والنخعي، والثوري، وأصحاب الرأي، وأبي ثور، لأن النبي@ قال: "من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى". رواه النسائي، ولأنه محصر يدخل في عموم قوله تعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } . (1)، يحققه: أن لفظ "الإحصار" إنما هو للمرض ونحوه. يقال: أحصره المرض إحصاراً فهو محصر، وحصره العدو حصراً فهو محصور. فيكون اللفظ صريحاً في محل النزاع وحصر العدو مقيس عليه، ولأنه مصدود عن البيت. أشبه من صده عدو. (2)
وعن وكيع عن سفيان،عن ابن جريج، عن عطاء، قال: يهل من مكانه وعليه دم.
وهو الأرجح لأن الرسول@ أرسل عائشة رضي الله عنهما لتحرم من التنعيم لعمرتها مع أنها كانت في مكة .
وعن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم قالوا: القارن والمتمتع هديهما وطوافهما واحد .
باب
في تمتع المكي
عن عطاء قال: إذا تمتع المكي فلا هدي عليه . (3)
وعنه قال في المكي يمر بالميقات فيعتمر منه: إنه ليس بتمتع . (4)
وعن معمر عن عطاء قال: من كان أهله دون المواقيت فهو كأهل مكة يقول: لايتمتع . (5)
__________
(1) سورة البقرة الآية (196).
(2) المغني على مختصر الخرقي (3/211) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/405). .
(4) المحلى (5/162) .
(5) تفسير عبد الرزاق (215) .(1/92)
وأما من كان أهله دون المواقيت فإنه يحرم من داره ولا يذهب إلى المواقيت, ومن كان من أهل مكة فإنه يحرم من مكة, ولا يذهب إلى المواقيت، هذا في الحج خاصة، أما في العمرة فيخرج إلى الحل وهذا عليه عامة الفقهاء وهو قول الأئمة الأربعة وحكى الإجماع فيه المحب الطبري وابن قدامة وغيرهم .
وقد عارض هذا الإجماع بعضهم كالصنعاني بعموم قوله@ (حتى أهل مكة من مكة) ولعل تبويب البخاري على هذا الحديث بقوله (باب مهل أهل مكة للحج والعمرة) يشير إلى ذلك . (1)
وقال ابن قدامة: وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل وإذا أرادوا الحج فمن مكة أهل مكة ومن كان بها سواء كان مقيما بها أو غير مقيم لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتا له وكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج وإن أراد العمرة فمن الحل لا نعلم في هذا خلافا ولذلك [أمر النبي $ عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم] متفق عليه، وكانت بمكة يومئذ والأصل في هذا قول النبي $: [حتى أهل مكة يهلون منها] يعني للحج وقال أيضاً:[ومن كان أهله دون الميقات فمن حيث ينشيء حتى يأتي ذلك على أهل مكة] وهذا في الحج. (2)
بَابُ
إدخال إحرام على آخر
قال عطاء: إذا افْتَتَحَ الطَوَافَ بالبَيْتِ، فقد دَخَلَ في العَمَلِ الذي يخرجه مِنَ الإِحْرَامِ؛ فلا يجوز له أن يدخل في إحرامٍ، ولم يستكمل الخروج من إحرام قبله؛ فلا يدخل إحرام على إحرام ليس مقيماً عليه .
__________
(1) شرح حديث جابر للطريفي .
(2) تفسير عبد الرزاق (215) .(1/93)
قال الشافعي رحمه الله: وميقاتُ العُمْرَةِ والحَجِّ واحدٌ، ومَنْ قَرَن، أَجْزَأَتْ عنه حَجَّةِ الإسلامِ وعمرتَهُ، وعليه دَمُ القِرَانِ، ومَنْ أَهَلَّ بعمرةٍ، ثم بدا له أن يدخل عليها حَجَّةً فذلك له ما بينه وبَيْنَ أن يفتتح الطوافَ بالبَيْتِ، فإذا افْتَتَحَ الطَوَافَ بالبَيْتِ، فقد دَخَلَ في العَمَلِ الذي يخرجه مِنَ الإِحْرَامِ؛ فلا يجوز له أن يدخل في إحرامٍ، ولم يستكمل الخروج من إحرام قبله؛ فلا يدخل إحراماً على إحرامٍ ليس مقيماً عليه؛ وهذا قولُ عطاءٍ وغيره من أهْلِ العلْم.فإذا أخذ في الطواف، فَأَدْخَلَ عليه الحَجَّ لم يَكُنْ به محرِمَاً، ولم يَكُنْ عليه قضاؤهُ، ولا فديةَ لتركه. (1)
وقال الشافعي في كتاب الأم (2/193): وإذا أهل رجل بعمرة كان له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يدخل في الطواف بالبيت فإذا دخل فيه فليس له أن يدخل عليه الحج ولو فعل لم يلزمه حج لأنه يعمل في الخروج من عمرته في وقت ليس له إدخال الحج فيه على عمل العمرة ولو كان إهلاله بحج لم يكن له أن يدخل عليه العمرة ولو فعل لم يكن مهلا بعمرة ولا عليه فدية .
باب
من أحرم بعمرة في أشهر الحج له أن يدخل عليها الحج
اعلم رحمك الله أن من أحرم بعمرة في أشهر الحج له أن يدخل عليها الحج، فيكون قارناً، وعليه دم القران ما لم يفتتح الطواف بالبيت، وإن افتتح الطواف: ففي جواز إدخاله عليها حينئذ خلاف بين أهل العلم.
قال النووي: فجوزه مالك ومنعه عطاء، والشافعي، وأبو ثور . (2)
__________
(1) المجموع شرح المهذب (2/185) .
(2) أضواء البيان تفسير سورة الحج .(1/94)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن اعتمر في أشهر الحج، وحج من عامه، فهو متمتع في لغة الصحابة الذين نزل القرآن بلسانهم، والقارن يكون قارناً إذا أحرم بالعمرة والحج ابتداء، ويكون قارناً إذا أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف، باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وإذا لم يحل المتمتع من إحرامه لكونه قد ساق الهدي وأحرم بالحج انعقد إحرامه بالحج، ويسميه بعض الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم قارناً لعدم وجود التحلل، وبعضهم يقول لا يسمى قارناً لأن عليه عندهم سعياً آخر بعد طواف الفرض، بخلاف القارن.
وهذه المسألة فيها عن أحمد روايتان، فقد استحب السعي مرة ثانية على المتمتع، وقد نص في غير موضع على أن المتمتع يكفيه السعي الأول، كما ثبت في الصحيح من حديث عائشة وغيرها: "إن الصحابة الذين تمتعوا مع النبي @ لم يطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، إلا مرة واحدة، طوافهم الأول". ولهذا لما أوجب الله تعالى فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج ما استيسر من الهدي، كان واجباً على من أحرم بالحج بعد تحلله من العمرة التي أحرم بها في أشهر الحج، وعلى من قرن العمرة بالحج من حين إحرامه بالحج، أو في أثناء إحرامه في الحج .اهـ.
وقال في موضع آخر: فإن الحج الذي اتفق الأمة على جوازه أن يهل متمتعاً يحرم بعمرة ابتداء، ويهل قارناً وقد ساق الهدى، فأما إن أفرد أو قرن ولم يسق الهدى ففي حجه نزاع بين السلف والخلف.اهـ.
وقال في موضع آخر: فالتحقيق فى ذلك أنه يتنوع باختلاف حال الحاج فإن كان يسافر سفرة للعمرة وللحج سفرة أخري أو يسافر الى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة . (1)
...
__________
(1) مجموع الفتاوى (23/264) و (26/99-107) و (26/248) .(1/95)
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت(1) للناس والحج .
__________
(1) قال النووي: وأجمع العلماء على أن هذه المواقيت مشروعة ثم قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور هي واجبة لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم ولزمه دم وصح حجه وقال عطاء والنخعي لا شيء عليه، وقال سعيد بن جبير لا يصح حجه وفائدة المواقيت أن من أراد حجا أو عمرة حرم عليه مجاوزتها بغير إحرام ولزمه الدم كما ذكرنا، قال أصحابنا: فإن عاد إلى الميقات قبل التلبس بنسك سقط عنه الدم وفي المراد بهذا النسك خلاف منتشر . اهـ. شرح النووي (8/87).
وقال صاحب كتاب سبل السلام: حتى أهل مكة يحرمون من مكة بحج أو عمرة متفق عليه، فهذه المواقيت التي عينها@ لمن ذكره من أهل الآفاق وهي أيضا مواقيت لمن أتى عليها وإن لم يكن من أهل تلك الآفاق المعينة فإنه يلزمه الإحرام منها إذا أتى عليها قاصدا لإتيان مكة لأحد النسكين فيدخل في ذلك ما إذا ورد الشامي مثلا إلى ذي الحليفة فإنه يجب عليه الإحرام منها ولا يتركه حتى يصل الجحفة فإن أخر أساء ولزمه دم، هذا عند الجمهور .( 2/186) .
أما العمرة فليس لها ميقات زماني فكل السنة وقت للعمرة، والميقات الزماني يختص بالحج دون العمرة .
وأهل العلم يقسمون المواقيت إلى قسمين: مواقيت مكانية, ومواقيت زمانية. فالمواقيت الزمانية: هي أشهر الحج شوال, وذو القعدة, وذو الحجة,وقد جاء في ذلك أخبار,وهي المقصودة بقول الله عز وجل: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } . البقرة (197).(1/96)
المِيقاتُ:الوَقْتُ المضْروبُ للفعل والموضع. يقال:هذا مِيقاتُ أَهلِ الشأْم، للموضع الذي يُحْرِمُون منه.وفي الحديث؛ أَنه وَقَّتَ لأَهل المدينة ذا الحُلَيْفة؛ قال ابن الأَثير: وقد تكرر التَّوْقيت والميقاتُ، قال: فالتَّوْقِيتُ والتَّأْقِيتُ: أَن يُجْعَل للشيء وَقْتٌ يختص به،وهو بيانُ مقدار المُدَّة.وتقول: وقَّتَ الشيءَ يُوَقِّته، وَوَقَتَهُ يَقِتُه إِذا بَيَّنَ حَدَّه، ثم اتُّسِعَ فيه فأُطْلِقَ على المكان، فقيل للموضع: مِيقاتٌ.(1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المواقيت جمع ميقات وهو مأخوذ من الوقت، وهو زماني ومكاني،أي:قد يراد بالميقات الوقت الزمني، وقد يراد به المكاني، وهو هنا يراد به الزمان، والمكان (2)
والمواقيت المكانية على أقسام : فقد ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين وغيرهما من حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولنجدٍ قرن المنازل ، ولليمن يلملم ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دونهن فَمَهلُّه أهله ،حتى أهل مكة يهلون منه) .
فهذه المواقيت يجب الإحرام منها وألا يتعداها من كان ناوياً الحج والعمرة إلا بإحرام , ومن أحرم من داره وكانت داره قبل هذه المواقيت صح إحرامه إلا أنه خالف السنة، وقد جاء ذلك عن بعض الصحابة, بل قال بعض الفقهاء أن الإحرام من الدار قبل الميقات أفضل وهو قول أبي حنيفة .
ومن طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي أنه قال في قول الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله قال: أن تحرم من دويرة أهلك .
باب
مواقيت الإحرام
__________
(1) لسان العرب .
(2) الشرح الممتع (3/161) .(1/97)
ثبت أن رسول الله × وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرن . (1)
وثبت عن عمر بن الخطاب > وقت لأهل العراق ذات عرق. (2)
قال عطاء: انظروا هذه المواقيت التي وقتت لكم فخذوا برخصة الله فيها، فإنه عسى أن يصيب أحدكم ذنباً في إحرامه فيكون أعظم لوزره، فإن الذنب في الإحرام أعظم من ذلك. (3)
وعن ابن جريج قال: راجعت عطاء فقلت: إن النبي @ زعموا لم يوقت ذات عرق ولم يكن أهل المشرق حينئذ قال: كذلك سمعنا أنه وقت ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق، قال: ولم يكن عراق ولكن لأهل المشرق ولم يعزه إلى أحد دون النبي @ ولكنه يأبى إلا أن النبي صلى @ وقته . (4)
وعن ابنِ جُرَيْجٍ عن عطاءٍ أنه قال: مَنْ سَلَكَ بحراً أو بَرّاً مِنْ غير جهةِ المواقيتِ أَحْرَمَ إذا حاذى المواقيت.
وعن حجاج، عن عطاء عن جابر قال: وقت رسول الله @ لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن، يلملم وتهامة ولأهل نجد، قرن، ولأهل العراق، ذات عرق .
وعن ابن جريج، عن عطاء قال: وقت رسول الله @ لأهل العراق ذات عرق. لأن العراق بعد وفاة الرسول @ وميقات أهل العراق على كل حال ذات عرق ، والميقات مكان لا يتجاوزه المهل بالحج إلا محرما وهو حد أهل ذاك البلد أو من جاء من ذلك الطريق إن كانت بلده أبعد من البلد المحدد .
__________
(1) رواه البخاري في الحج برقم (1524)، ومسلم في الحج برقم (1181) من حديث ابن عباس.
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/177-178)، دار المدينة .
(3) المغني على مختصر الخرقي (3/184) .
(4) الأم للشافعي (2/138)، والسنن الكبرى (5/27)، ونصب الراية (3/14) .(1/98)
قال الشّافعي: وبهذا نأخذ، ومَنْ سَلَكَ كَدَاءَ مِنْ أهلِ نَجْدٍ والسَّرَاةِ أَهَلَّ بالحجِّ من قَرَنٍ، وذلك قبل أن يأتي ثِنَيْةَ كَدًى، وذلك أرفَعُ مِنْ قَرَنٍ في نجدٍ وأعلَى وادِي قَرَنٍ، وجماعُ ذلك ما قال عطاءٌ: أَنْ يُهِلَّ مَنْ جاء من غير جهة المواقيتِ، إذا حاذى المواقيت. (1)
وقال ابن قدامة: وروي عن عمر، وعلي { ، في قوله تعالى: { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ } .البقرة الآية (196)، إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، وأن النبي@ وأصحابه أحرموا من الميقات ولا يفعلون إلاَّ الأفضل، فإن قيل إنما فعل هذا لتبيين الجواز، قلنا قد حصل بيان الجواز بقوله كما في سائر المواقيت ثم لو كان كذلك لكان أصحاب النبي @ وخلفاؤه يحرمون من بيوتهم ولما تواطؤوا على ترك الأفضل واختيار الأدنى، وهم أهل التقوى والتفضل وأفضل الخلق ولهم من الحرص على الفضائل والدرجات ما لهم، وقد روى أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أيوب قال، قال رسول الله @ :"يستمتع أحدكم بحله ما استطاع فإنه لا يدري ما يعرض له في إحرامه".وروى الحسن "أن عمران بن حصين أحرم من مصره فبلغ ذلك عمر فغضب، وقال يتسامع الناس أن رجلاً من أصحاب رسول الله@ أحرم من مصره" (2)
__________
(1) كتاب الأم (2/180) .
(2) المغني على مختصر الخرقي (3/184) .(1/99)
وقال النووي: وقت @ لأهل الشام الجحفة في جميع الأحاديث الصحيحة ومعلوم أن الشام لم يكن فتح حينئذ، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة عنه@ أنه أخبر بفتح الشام واليمن والعراق وأنهم يأتون إليهم يبسون والمدينة خيرا لهم لو كانوا يعلمون، وأنه @ أخبر بأنه زويت له مشارق الأرض ومغاربها، وقال سيبلغ ملك أمتي مازوى لي منها وأنهم سيفتحون مصر وهي أرض يذكر فيها القيراط، وأن عيسى عليه السلام ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وكل هذه الأحاديث في الصحيح وفي الصحيح من هذا القبيل ما المطلوب ذكره والله أعلم.(1)
وقال في موضع آخر: في مذاهب العلماء في هذه المسألة، قد ذكرنا أن الأصح أن يحرم من الميقات، وبه قال عطاء، والحسن البصري، ومالك، وأحمد، وإسحق، وروي عن عمر بن الخطاب حكاه ابن المنذر عنهم كلهم، ورجح آخرون دويرة أهله وهو المشهور عن عمر وعلي، وبه قال أبو حنيفة، وحكاه ابن المنذر عن علقمة، والأسود، وعبد الرحمن، وأبي إسحاق ، يعنى السبيعي.ودليل الجميع سبق بيانه، قال ابن المنذر: وثبت أن ابن عمر أهل من إيليا وهو بيت المقدس. (2)
وقال الزرقاني: وحكى الأثرم عن أحمد أنه سئل أي سنة وقت النبيّ@ المواقيت؟ فقال: عام حج. وفي الحديثين حرمة مجاوزة هذه المواقيت لمريد الحج أو العمرة بلا إحرام، وبه قال الأئمة الأربعة، والجمهور، وقالوا عليه الدم لكن بدليل آخر. وذهب عطاء، والنخعي إلى عدم الوجوب. وقال سعيد بن جبير: لا يصح حجه. وقال الحسن: يجب عليه العود للميقات فإن لم يعد حتى تم حجه رجع للميقات وأهلَّ منه بعمرة. قال ابن عبد البر: وهذه الأقاويل الثلاثة شاذة ضعيفة فلو رجع للميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم عند الجمهور .اهـ. (3)
__________
(1) شرح النووي (8/82و87).
(2) المجموع شرح المهذب (9) .
(3) شرح الزرقاني (2/238) .(1/100)
قال الشيخ ابن عثيمين: لا يحرم للعمرة من الحرم، فإن فعل انعقد إحرامه، ولكن يلزمه دم، لتركه الواجب وهو الإحرام من الحل . (1)
باب
ميقات الآفاقي(2) بالحج بعد عمرته
عن عطاء قال: يحرم من مكة. (3)
قال صاحب الشرح الكبير (3/429): يستحب للمتمتع الذي حل وغيره من المحلين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجة من مكة، ومن حيث أحرم من الحرم جاز .
باب
الكافر أو الذمي يسلم بمكة، والصبي يبلغ، والعبد يعتق بها
أختلف في الكافر إذا جاوز الميقات، وأسلم قبل فوات الحج فأحرم من موضعه ولم يرجع إلى الميقات هل عليه دم أم لا؟.
قال عطاء: يحرمون من مكة ولا شيء عليهم.
وهذا هو الصحيح والله أعلم .
قال سفيان الثوري، أبو ثور، وأحمد، وإسحاق: يحرمون من مكة ولا شيء عليهم . (4)
ونقل أبو طالب: إذا خشي الفوات أحرم من مكة وعليه دم.
ونقل حنبل عنه: أن عطاء يقول: في الذمي يسلم بمكة يخرج إلى الميقات. قال أحمد: يحرم من مكة من موضع أسلم، فظاهر هذا أنه لم يوجب عليه دم لأنه لم يذكر الدم، فإن قلنا: لا دم عليه فوجهه: أنه حال مجاوزته الميقات لا يصح منه إحرام فلا يلزمه أحكام الدماء كالصبي والمجنون، وإذا قلنا: عليه دم، وهو اختيار أبي بكر، وهو أصح فوجهه: أنه جاوز الميقات مريداً للنسك وأحرم دونه فكان عليه دم كالمسلم بل هذا أولى، لأن المسلم جاوز مريداً ولم يفعل، وهذا جاوز الميقات، وفعل ولكن لم ينعقد. (5)
باب
في الرجل يكون أهله بينه وبين الوقت من أين يهل
__________
(1) الشرح الممتع (2/360) .
(2) الآفاقي: نسبة إلى الآفاق، وهو كل من لم يسكن مكة ويكون خارج الحرم .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/150) .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/182)، دار المدينة .
(5) المسائل الفقهية (1/256) .(1/101)
عن محمد بن فضيل، عن ليث، عن طاوس، وعطاء، ومجاهد، قالوا: إن كان أهله بين الوقت وبين مكة ، أهلَّ من أهله. (1)
وعن ابن جريج عن عطاء قال إن كان أهله دون الميقات أهل من حيث ينشي(2)
في الرجل ينسى أن يرمي جمرة أو جمرتين أو يترك حصاة أو حصاتين.
وعن جرير عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول : إذا ترك جمرة العقبة إلى الليل متعمدا فعليه دم وقال: يرمي من الغد. (3)
وعنه فيمن جاوز الميقات ثم أراد الإحرام فمن موضعه. (4)
وعن حفص بن غياث عن همام قال: سئل الحسن عن رجل قدم مكة معتمرا، ثم أراد أن يحج عن أمه، فقال: يخرج إلى وقته، وقال عطاء: يحرم من مكة. (5)
وعن ابن جريج, عن عطاء في قوله: ذَلِكَ لَمَنْ لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِري المَسْجِدِ الحَرَامِ قال: عرفة, ومرّ, وعرنة, وضَجنان, والرجيع, ونخلتان.وعنه عن عطاء: ذَلِكَ لَمَنْ لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِري المَسْجِدِ الحَرَامِ قال: عرفة ومرّ, وعرنة, وضجنان, والرجيع.
وعنه عن عطاء: أنه جعل أهل عرفة من أهل مكة في قوله: ذَلِكَ لَمَنْ لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِري المَسْجِدِ الحَرَامِ.
وقال مالك، الشافعي، ويعقوب، ومحمد: يحرم من مكانه الذي بدأ له أن يحرم منه ولا شيء عليه، روى ذلك عن عطاء، قال ابن المنذر: وبقول مالك والشافعي أقول. (6)
باب
من جاوز الميقات وهو يريد الإحرام ولم يحرم
أحد قولي عطاء: لاشيء على من ترك الميقات.
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (2/200) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/201) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(4) المجموع (7/210)، المغني (5/71)، وأراد عطاء من جاوزه لا يريد الإحرام ثم بدا له .
(5) الفروع (3/281)، قال المحب الطبري لا أعلم أحداً جعل مكة ميقاتاً لعمرة. الفتح (3/487).
(6) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/181- 182)، دار المدينة .(1/102)
والصحيح والله أعلم أن من مر على الميقات وهو يريد الحج أو العمرة ولم يحرم منه أن عليه دم.
قال الشافعي رحمه الله: إذا مر بذي الحليفة وهو يريد الحج أو العمرة فلم يحرم فعليه دم. (1)
وقال الشافعي، والثوري، وأبي ثور، ويعقوب، ومحمد: إن جاوز الميقات فأحرم ثم رجع إلى الميقات فلا شيء عليه، وإن لم يرجع إلى الميقات فعليه دم. (2)
وقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: عليه دم لتركه الميقات وما يلزم المفسد. وقال أبو بكر ابن المنذر: كما قال الشافعي نقول. (3)
وسئل الإمام أحمد عن رجل خرج لحاجة وهو لا يريد الحج فجاز ذا الحليفة ثم أراد الحج؟ قال: يرجع إلى ذي الحليفة فيحرم،(4)
باب
من السنة أن يغتسل إذا أراد الإحرام
عن عطاء أنه كان يغتسل عند الإحرام وإذا دخل مكة. (5)
وعنه قال: أن الوضوء يكفي منه . (6)
وعن الربيع عن عطاء أنه كان يغتسل عند الاحرام وإذا دخل مكة .
قال الصنعاني: عنْ زيد بن ثابت "أَنَّ النبي تجرَّد لإهلاله واغتسل" رواه الترمذي وحسّنهُ وغربه، وضعفه العقيلي، وأخرجه الدارقطني والبيهقي والطبراني، ورواه الحاكم، والبيهقي من طريق يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس قال: "اغتسل رسول الله@ ثم لبس ثيابه فلما أتى ذا الحليفة صلى ركعتين ثم قعد على بعيره فلما استوى به على البيداء أحرم بالحج" و يعقوب ابن عطاء بن أبي رباح ضعيف. وعن ابن عمر { قال: "من السنة أن يغتسل إذا أراد الإحرام وإذا أراد دخول مكة".(7)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/179)، دار المدينة .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/180)، دار المدينة .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/182)، دار المدينة .
(4) المسائل التي حلف عليها أحمد .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/423) .
(6) الاستذكار (4/5)، التمهيد (19/317) .
(7) سبل السلام شرح بلوغ المرام (1/943) .(1/103)
قال شيخ الإسلام: ويستحب أن يغتسل للإحرام ولو كانت نفساء أو حائضا وإن احتاج إلى التنظيف كتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ونحو ذلك فعل ذلك و هذا ليس من خصائص الإحرام وكذلك لم يكن له ذكر فيما نقله الصحابة لكنه مشروع بحسب الحاجة وهكذا يشرع لمصلي الجمعة والعيد على هذا الوجه. والتجرد من اللباس واجب في الإحرام وليس شرطا فيه فلو أحرم وعليه ثياب صح ذلك بسنة رسول الله@ و باتفاق أئمة أهل العلم وعليه أن ينزع اللباس المحظور . (1)
وروي مشروعية الاغتسال للإحرام عن إبراهيم وعطاء وسعيد بن جبير وطاووس ونقل ابن المنذر الإجماع على استحبابه وهو قول الأئمة الأربعة .
وقال: وأجمعوا على أن الاغتسال للإحرام غير واجب، وانفرد الحسن البصري وعطاء. (2)
وقال الشيخ ابن عثيمين: إذا أطلق الغسل فالمراد به: ما يشبه غسل الجنابة، فمثلاً إذا قلنا: يجب للجمعة الغسل، أي غسل كغسل الجنابة، يسن للإحرام غسل: أي كغسل الجنابة . (3)
باب
الاشتراط عند الإحرام
ثبت أن رسول الله × قال لضباعة بنت الزبير: "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني". (4)
وكان عطاء يرى الاشتراط عند الإحرام.
قال ابن المنذر: وممن روينا عنه أنه رأى الاشتراط عند الإحرام عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وهو مذهب عبيدة السلماني، والأسود بن يزيد، وعلقمة، وشريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وعطاء بن يسار، وأحمد، وأبو ثور، وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق، ثم وقف عنه بمصر . (5)
باب
استحباب تقديم الإحرام بالحج لمن لم يجد الهدي
__________
(1) مجموع الفتاوى (26/108-109) .
(2) الإجماع .
(3) الشرح الممتع (3/174) .
(4) رواه البخاري في النكاح برقم (5089)، ومسلم في الحج برقم (105),
(5) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/187)، دار المدينة .(1/104)
مذهب عطاء بن أبي رباح أن من كان لم يجد الهدي يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل السادس ليتسنى له الصوم أيام الحج وقبل عرفة والأيام هي السادس والسابع والثامن من ذي الحجة .
قال النووي: إذا تحلل المتمتع من العمرة استحب له أن لا يحرم بالحج إلاّ يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة، هذا إن كان واجد الهدي، وإن كان عادمه استحب له تقديم الإحرام بالحج قبل اليوم السادس، لأن فرضه الصوم، ولا يجوز إلاّ بعد الإحرام بالحج، وواجبه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، ويستحب أن لا يصوم يوم عرفة فيتعين ثلاثة أيام قبله. وهي السادس والسابع والثامن، هذا مذهبنا وثبت ذلك في "الصحيحين" عن ابن عمر من فعله، وبه قال بعض المالكية وآخرون، منهم عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق وابن المنذر وآخرون وقال مالك وآخرون: الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة، سواء كان واجداً للهدي أم لا، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وأبي ثور ونقله القاضي عن أكثر الصحابة والعلماء والخلاف في الاستحباب، فكلاهما جائز بالإجماع. (1)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما الأفضل لمن قدم في أشهر الحج ولم يسق الهدى: فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل له كما أمر النبي@ أصحابه في حجة الوداع، فإنه أمر كل من لم يسق الهدى بالتمتع، ومن ساق الهدى فالقران له أفضل، كما فعل النبي@، ومن اعتمر في سفرة، وحج في سفرة، أو اعتمر قبل أشهر الحج، وأقام حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل من التمتع والقران، باتفاق الأئمة الأربعة.اهـ. (2)
__________
(1) المجموع شرح المهذب (7/91) .
(2) مجموع الفتاوى (22/263) .(1/105)
وقال الشنقيطي: أن المحرم المتمتع إذا أحل من عمرته، يستحب له ألا يحرم بالحج، إلا يوم التروية لأن ذلك هو الذي فعله أصحاب النَّبي@، بأمره في حجة الوداع، ومحل هذا إن كان واجداً هدي التمتع، فإن كان عاجزاً عنه ويريد أن يصوم، استحب له تقديم الإحرام، ليصوم الأيام الثلاثة في إحرام الحج، وقد قدمنا أقوال من قال من أهل العلم: إنه ينبغي أن يكون آخرها يوم عرفة، وقول من كره صوم يوم عرفة واستحب انتهاءها قبل يوم عرفة. والله تعالى أعلم . أضواء البيان.
ولمن أراد الحج أو العمرة أن يقدم لبس الإحرام قبل الميقات دون النية .
وقال الشيخ الألباني: وله أن يلبس الإحرام قبل الميقات ولوفي بيته كما فعله رسول الله $ وأصحابه. وفي هذا تيسير على الذين يحجون بالطائرة ولا يمكنهم لبس الإحرام عند الميقات فيجوز لهم أن يصعدوا الطائرة في لباس الإحرام ولكنهم لا يحرمون إلا قبل الميقات بيسير حتى لا يفوتهم الميقات وهم غير محرمين- وأن يدهن ويتطيب في بدنه بأي طيب شاء له رائحة ولا لون له إلا النساء فطيبهن ما له لون ولا رائحة له وهذا كله قبل أن ينوي الإحرام عند الميقات وأما بعده فحرام
فإذا جاء ميقاته وجب عليه أن يحرم ولا يكون ذلك. (1)
أبواب التلبية
قال الله عزوجل: +الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ".(2)
كان ابن عمر يقول: الفرض التلبية. وبه قال عطاء، وعكرمة، وطاووس . (3)
قال أبو بكر بن المنذر: أحسن ما عقد به المرء الإحرام أن يعقد بقلبه ما يريد منه إما حجاً، وإما عمرة، وإما قراناً، ويلبي بلسانه فإذا فعل ذلك كان محرماً. (4)
باب
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) سورة البقرة آية (197) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/192)، دار المدينة .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/193)، دار المدينة .(1/106)
التلبية(1) في الحج(2)
__________
(1) "ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا يعني عن يمينه وشماله".صحيح الترغيب. وبخاصة كلما علا شرفا أو هبط واديا للحديث المتقدم قريبا: "كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطا من الثنية له جوار إلى الله تعالى بالتلبية".رواه البخاري. وفي حديث آخر :"كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي". وله أن يخلطها بالتلبية والتهليل لقول ابن مسعود - رضي الله عنه - : خرجت مع رسول الله $ فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتلبية أو تهليل. فإذا بلغ الحرم المكي ورأى بيوت مكة أمسك عن التلبية. رواه البخاري. ليتفرغ للاشتغال بغيرها مما يأتي.مناسك الحج للألباني.
(2) عن جابر بن عبد الله قدمنا مع رسول الله@، ونحن نقول: لبيك اللهم لبيك بالحج،فأمرنا رسول الله@ فجعلناها عمرة.رواه البخاري برقم(1495)،باب من لبى بالحج وسماه،ومسلم برقم (1216)، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة. التلبية مستحبة عند جمهور العلماء وليست واجبة خلافاً للمالكية،وليست شرطاً خلافاً للحنفية .
مسألة:متى يلبي الحاج؟هل يلبي بعد الصلاة؟ أو يلبي إذا استوى على راحلته؟ أو يلبي إذا علا البيداء؟ الجواب: اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال، وجمع ابن عباس بين هذه الأقوال فقال: من الناس من سمع النبي@ يلبي بعد الصلاة فنقل ذلك ولم يسمع تلبيته عندما استوى على راحلته، ومنهم من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي حينما استوت به راحلته فنقل ذلك ولم يسمعه يلبي بعد الصلاة، ومنهم من رآه يلبي لما علا البيداء من ذي الحليفة فنقل ذلك ولم يسمعه يلبي حينما استوت به راحلته،فالاختلاف نظراً لسماعهم لتلبية النبي@. صفة التلبية:لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. معنى التلبية :القول الأول : لبيك على صيغة التثنية مثل حنانيك ، أي إجابة بعد إجابة ، فكأن هذا إجابة لدعاء إبراهيم حين نادى فوعده الله عز وجل أنه سيبلغ صوته إلى الناس ، فإن الله عز وجل لما دعا الناس إلى الحج لبوا ، أي أجابوا داعي الله إلى الحج. القول الثاني: إنها مأخوذة من لبَّ بالمكان إذا أقام به، كأنه يقول: يارب أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة.القول الثالث: لبيك مأخوذة من (اللُب) وهو خالص الشيء: كأنه يقول: يارب لك إخلاصي ولك خالص عبادتي وطاعتي . ==
== القول الرابع: هي مأخوذة من لبب كذا إذا أخذ بتلابيبه كأنه يقول: جئتك يارب منقاداً لأمرك خاضعاً ذليلاً كما ينقاد من يؤخذ بتلابيب ثوبه .
ما يستفاد من التلبية :1- تُشعر الإنسان بالاستجابة لأمر الله عز وجل وبامتثال أمره. 2- تشعر بما لله من التوحيد وبالاعتراف بنعمة الله وبالشكر لله عز وجل وبالإخلاص له سبحانه 3- تحيي شعيرة التوحيد ، فقوله: لا شريك لك لبيك هو معنى لا إله إلا الله، فالرسول@ لما جاء إلى مكة يلبي بهذه التلبية يحي بها شعيرة التوحيد ، ويحي بها هذا الأمر العظيم الذي أخلَّ به أهلُ مكة كثيراً في عهد - صلى الله عليه وسلم - فجاء يقرر التوحيد في أكثر من موقف في حجه صلوات الله وسلامه عليه. 4- حمد الله وثناءه على كل حال، فقال: ((إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)) .ويستحب رفع الصوت بالتلبية والإكثار منها ورفع الصوت بها لغير النساء .ويدل على ذلك :1- قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : أفضل الحج العج والثج حديث حسن أخرجه الترمذي والدارامي، والعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج : إراقة دم الهدي .2- قول النبي@: أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومَنْ معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية. أخرجه أصحاب السنن وصححه الألباني .3- ما ثبت عن أنس >:أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يصرخون بالتلبية صراخاً.4- وجاء عن أصحاب النبي@: أنهم كانوا لا يبلغون الروحاء حتى تبح أصواتهم. وذلك من رفعهم أصواتهم بالتلبية. قال النووي: قوله قال عبد الله ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام لبيك اللهم لبيك فيه دليل على استحباب إدامة التلبية بعد الوقوف بعرفات وهو مذهب الجمهور. شرح النووي (9/37). وأخرج ابن أبي شيبة أن أصحاب رسول الله@ كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم وإلى هذا ذهب الجمهور . سبل السلام ج: 2/190
ويستحب الإكثار من التلبية: ويدل على ذلك: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما من ملبٍ يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من حجر و شجر حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا - بقدر ما يرى الرأي .فينبغي للإنسان أن يكثر من هذه التلبية كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه ، فكثير من الحجاج يغفلون عن هذا الأمر ويشتغلون بما لا يعنيهم ويتركون أمر التلبية جانباً. وهي آكد فيما إذا علا نشزاً أو هبط وادياً أو سمع ملبياً أو فعل محظوراً ناسياً أو لقي ركباً وفي أدبار الصلاة المكتوبة وبالأسحار وإقبال الليل والنهار . هذه ثمانية مواطن يستحب فيها رفع الصوت بالتلبية وفي ذلك حديث ذكره ابن عساكر في تخريجه لأحاديث المهذب وهو: أن$ كان يلبي إذا لقي راكباً أو علا أكمه أو هبط وادياً وفي أدبار الصلوات المكتوبة ومن آخر الليل، وفيه حديث في الصحيح: أن النبي$ قال: كأني أنظر إلى موسى هابطاً من الثنية له جُؤار إلى الله عز وجل بالتلبية. ولايجوز التلفظ بالنية في التلبية وغيرها: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يجب التلفظ ==
== بالنية فى الطهارة و الصلاة و الصيام باتفاق الأئمة بل متى لبى قاصدا للإحرام انعقد إحرامه باتفاق المسلمين و لا يجب عليه أن يتكلم قبل التلبية بشيء ولكن تنازع العلماء هل يستحب أن يتكلم بذلك كما تنازعوا هل يستحب التلفظ بالنية فى الصلاة والصواب المقطوع به أنه لا يستحب شيء من ذلك فإن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يشرع للمسلمين شيئا من ذلك و لا كان يتكلم قبل التكبير بشيء من ألفاظ النية لا هو و لا أصحابه بل لما أمر ضباعة بنت الزبير بالإشتراط قالت فكيف أقول قال قولي لبيك اللهم لبيك و محلي من الأرض حيث تحبسني رواه أهل السنن وصححه الترمذي ولفظ النسائي إني أريد الحج فكيف أقول قال قولي لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث تحبسنى فإن لك على ربك ما استثنيت وحديث الإشتراط في الصحيحين لكن المقصود بهذا اللفظ أنه أمرها بالإشتراط فى التلبية ولم يأمرها أن تقول قبل التلبية شيئاً لا اشتراطا و لا غيره وكان يقول فى تلبيته لبيك عمرة وحجا وكان يقول للواحد من أصحابه بم أهللت. مجموع الفتاوى(26/99-107). وقال في موضع آخر: وقال في المواقيت مهل أهل المدينة ذو الحليفة ومهل أهل الشام الجحفة ومهل أهل اليمن يلملم ومهل أهل نجد قرن المنازل ومهل أهل العراق ذات عرق ومن كان دونهن فمهله من أهله والإهلال هو التلبية فهذا هو الذي شرع النبي $ للمسلمين التكلم به فى ابتداء الحج والعمرة وإن كان مشروعا بعد ذلك كما تشرع تكبيرة الإحرام ويشرع التكبير بعد ذلك عند تغير الأحوال ولو أحرم إحراما مطلقا جاز فلو أحرم بالقصد للحج من حيث الجملة، ولا يعرف هذا التفصيل جاز ولو أهل ولبى كما يفعل الناس قاصدا للنسك ولم يسم شيئا بلفظه ولا قصد بقلبه لا تمتعا ولا إفرادا ولا قرانا صح حجه أيضا وفعل واحدا من الثلاثة فإن فعل ما أمر به النبى $ أصحابه كان حسنا وإن اشترط على ربه خوفا من العارض فقال وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني كان حسنا فإن النبي $ أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب أن تشترط على ربها لما كانت شاكية فخاف أن يصدها المرض عن البيت ولم يكن يأمر بذلك كل من حج.الفتاوى الكبرى (1/319) .(1/107)
ثبت أن رسول الله × كان يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. (1)
عن عطاء قال : التلبية فرض في الحج . وهي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة .
فعن ابن فضيل عن عبد الملك قال: سألت عطاء عن التبلية إذا أراد الرجل أن يحرم قال: إن شئت ففي دبر الصلاة وإن شئت فإذا سعت بك الناقة حيت تركب فتقول: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين). (2)
قال ابن عيينه: ما رأينا أحداً يقتدى به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب.
وعن الحسن وعطاء في المحرم يشترط قالا : له شرطه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك في الحج إنما كان يستفتح الإحرام بالتلبية، وشرع للمسلمين أن يلبوا في أول الحج، وقال@ لضباعة بنت الزبير: "حجي واشترطي، فقولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلى حيث حبستني" فأمرها أن تشترط بعد التلبية. ولم يشرع لأحد أن يقول قبل التلبية شيئاً. لا يقول: اللهم إني أريد العمرة والحج، ولا الحج والعمرة، ولا يقول: فيسره لي وتقبله مني، ولا يقول: نويتهما جميعاً، ولا يقول: أمرت لله، ولا غير ذلك من العبادات كلها. ولا يقول قبل التلبية شيئاً،بل جعل التلبية في الحج كالتكبير في الصلاة. (3)
__________
(1) رواه البخاري في الحج برقم (1549)، ومسلم في الحج برقم (1184) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة.
(3) مجموع الفتاوى(22/204).(1/108)
وقال صاحب عون المعبود: اعلم أن في حكم التلبية أربعة مذاهب: الأول أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء. وهو قول الشافعي وأحمد. والثاني واجبة ويجب بتركها دم. حكاه الماوردي عن بعض الشافعية، وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية، والخطابي عن مالك وأبي حنيفة. والثالث واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج. قال ابن المنذر قال أصحاب الرأي: إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام فهو محرم. الرابع أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها، حكاه ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية وأهل الظاهر قالوا هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة. وهو قول عطاء، أخرجه سعيد ابن منصور بإسناد صحيح عنه قال: التلبية فرض الحج. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وطاووس، وعكرمة، وحكى النووي عن داود أنه لابد من رفع الصوت بها وهذا زائد على أصل كونها ركناً. قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه. (1)
والنية تكون في القلب دون التلفظ بها، وذلك في سائر العبادات .
قال الشيخ الألباني: بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده بل لا بد من قول أوعمل يصير به محرما فإذا لبى قاصدا للإحرام انعقد إحرامه اتفاقا. ولا يقول بلسانه شيئا بين يدي التلبية مثل قولهم : اللهم إني أريد الحج أو العمرة فيسره لي وتقبله مني . . . لعدم وروده عن النبي $ وهذا مثل التلفظ بالنية في الطهارة والصلاة والصيام فكل ذلك من محدثات الأمور ومن المعلوم قوله $" . . . فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ".
__________
(1) عون المعبود (251) .(1/109)
ثم قال رحمه الله: ويؤمر الملبي بأن يرفع صوته بالتلبية لقوله $: "أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية".وقوله أفضل الحج العج والثج". ولذلك كان أصحاب النبي $ في حجته يصرخون بها صراخا ولذلك قال أبوحاز: إذا أحرموا لم يبلغوا ( الروحاء .رواه الضياء بسند صحيح
متفق عليه . أنظر "صحيح أبي داود" (1590 (و (العج): رفع الصوت بالتلبية
و(الثج): سيلان دماء الهدي والأضاحي حتى تبح أصواتهم. وقوله $: "كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطا من الثنية له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية" (1)
باب
لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلاَّ بمقدار ما تسمع رفيقتها
قال عطاء: ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلاَّ بمقدار ما تسمع رفيقتها.
وقال: لا تجهر المرأة بالتلبية بل تسمع نفسها.(2)
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها. وإنما عليها أن تسمع نفسها. وبهذا قال عطاء، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي. (3)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا يستحب رفع الصوت(4) بها للرجل، بحيث لا يجهد نفسه، والمرأة ترفع صوتها بحيث تسمع رفيقتها، ويستحب الإكثار منها عند اختلاف الأحوال، مثل أدبار الصلوات، ومثل ما إذا صعد نشزاً، أو هبط وادياً، أو سمع ملبياً أو أقبل الليل، والنهار، أو التقت الرفاق، وكذلك إذا فعل ما نهى عنه، وقد روى أنه من لبى حتى تغرب الشمس، فقد أمسى مغفوراً له. (5)
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) المغني (5/160) .
(3) المغني على مختصر الخرقي .(3/211) .
(4) ثبت أن رسول الله × قال: "أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال" . أخرجه ابن خزيمة برقم (2627)، وأبو داود برقم (1814)، والترمذي برقم (829). صحيح الجامع برقم (62)و(67).
(5) مجموع الفتاوى (26/98) .(1/110)
وقال الشنقيطي : وأما النساء فلا ينبغي لهن رفع الصوت بالتلبية كما عليه جماهير أهل العلم.قال مالك في موطئه: إنه سمع أهل العلم يقولون: ليس على النساء رفع الصوتِ بالتلبية، لِتُسمِع المرأة نَفْسَها، وعلل بعض أهل العلم خفض المرأة صوتها بالتلبية، بخوف الافتتان بصوتها. (1)
وقال الشيخ الألباني: والنساء في التلبية كالرجال لعموم الحديثين السابقين فيرفعن أصواتهن ما لم يخش الفتنة، ولأن عائشة كانت ترفع صوتها حتى يسمعها الرجال فقال أبو عطية: سمعت عائشة تقول: إني لأعلم كيف كانت تلبية رسول الله $ ثم سمعتها تلبي بعد ذلك: "لبيك اللهم لبيك . . ." إلخ. وقال القاسم بن محمد: خرج معاوية ليلة النفر فسمع صوت تلبية فقال: من هذا ؟ قيل: عائشة أم المؤمنين اعتمرت من التنعيم. فذكر ذلك لعائشة فقالت: لو سألني لأخبرته. (2)
وقال الشيخ ابن عثيمين: وهذا من الأحكام التي تخالف فيه المرأة الرجال وهي كثيرة، لأنها كما خالفته خلقة وفطرة خالفته حكماً، والله عز وجل حكيم، أحكامه الشرعية مناسبة لأحكامه الكونية، وإن جهرت نمعنها. (3)
باب
التلبية على غيرطهارة
عن عطاء قال: لبِّ على كل حال . (4)
باب
التلبية لغير المحرم
عن ابن جريج قال: كان عطاء يلبي وليس بمحرم. (5)
وعن الربيع أن عطاء كان لا يرى به بأساً . (6)
باب
حج الصبي والعبد المملوك والأعرابي
عن عطاء قال: يُقضى عن الصغير كلَّ شيء من أمر الحجِّ إلا الصلاة . (7)
__________
(1) المجموع شرح المهذب (7/91) .
(2) مناسك الحج والعمرة .
(3) الشرح الممتع (3/204) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/448) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/267) .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/268) .
(7) مسائل أبي داود عن أحمد (ص118)، والعيال لابن أبي الدنيا (650) .(1/111)
وعنه في مملوك أهلَّ بالحج ثم عتق قال: إن أُعتق بعرفة أجزأه، وإن أُعتق بجمع فكان في مهل فليرجع إلى عرفة ويجزيه. (1)
وقد ورد حديث عن ابن عباس أن امرأة رفعت صبياً فذكر الحديث.
في هذا الحديث من الفقه أمور منها الحج بالصبيان الصغار وقد اختلف العلماء في ذلك فأجازوه مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز من أصحابهما وغيرهم وأجازه الثوري وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأجازه الأوزاعي والليث بن سعد فيمن سلك سبيلهما من أهل الشام ومصر وكل من ذكرناه يستحب الحج بالصبيان ويأمر به ويستحسنه وعلى ذلك جمهور العلماء من كل قرن. (2)
وعن إسماعيل عن عطاء قال: الصبي والعبد عليهما الحج، والأعرابي يجزئه حجة، لأن الحج مكتوب عليه حيث كان . (3)
وعن ابن جريج أنه قال لعطاء: أرأيت إن حج العبد تطوعاً يأذن له سيده بحج لا أجر نفسه ولا حج به أهله يخدمهم؟ قال:سمعنا أنه إذا عتق حجَّ لا بدَّ. (4)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : لكن الصبي المميز تصح عباداته ويثاب عليها عند جمهور العلماء. وأما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء. ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات؛ بل لا يصلح هو عند عامة العقلاء لأمور الدنيا كالتجارة والصناعة. فلا يصلح أن يكون بزازاً ولا عطاراً ولا حداداً ولا نجاراً ولا تصح عقوده باتفاق العلماء. فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا نكاحه ولا طلاقه ولا إقراره ولا شهادته. ولا غير ذلك من أقواله، بل أقواله كلها لغو لا يتعلق بها حكم شرعي، ولا ثواب ولا عقاب بخلاف الصبي المميز فإن له أقوالاً معتبرة في مواضع بالنص والإجماع، وفي مواضع فيها نزاع. (5)
__________
(1) الأم للشافعي (2/111) .
(2) التمهيد لابن عبد البر (1 /103)
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/354) .
(4) الأم للشافعي(2/123).
(5) مجموع الفتاوى (11/187) .(1/112)
قال ابن بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعا عند الجمهور . (1)
ومعلوم أن الصبي إذا حج لا يجزئه عن حجة الإسلام فإذا بلغ عليه أن يحج حجة الإسلام. وقد نقل الإجماع على عدم أجزاء حج الصغير عن حجة الإسلام الترمذي،وابن المنذر، وغيرهما. (2)
وإذا حج الصبي ولا يعرف التلبية لبى عن وليه (3) وقال عياض لا خلاف بين
العلماء في جواز الحج بالصبيان وإنما منعه طائفة من أهل البدع لا يلتفت إليهم بل هو مردود بفعل النبي وأصحابه وإجماع الأمة وفيه انعقاد حج الصبي وصحته ووقوعه نفلا وإنه مثاب عليه في جتنب ما يجتنبه الكبير مما يمنعه الإحرام ويلزمه من الفدية والهدي ما يلزمه وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور. (4)
وقال الشيخ السعدي رحمه الله:
وأمَّا التَّكْلِيفُ: وَهُوَ الْبُلُوغ والعَقْل.
فتشتركُ فيهُ: الصَّلاةُ، وَالصِّيامُ، وَالْحَحْ .
لحديثِ: "رَفْع القَلَمُ عَن ثَلاثَةٍ: النَّائِمُ حَتَّيَ يسْتَيْقِظَ، وَالصَّغِيرِ حَتىَّ يبْلَغ، وَالْمَجْنُون حَتَّى يُفِيقَ". فمن لا عَقلَ لَهُ، أَوْ لَمْ يبْلُغ: فَلا صَلاةَ عَلَيْهِ، وَلا صِيَامَ، ولا حَجّ؛ لأَن هذِه أعمالٌ بدنية محضَة، أو مَعَهَا مال كَالْحَجِّ .
__________
(1) نيل الأوطار (5/20).
(2) شرح حديث جابر .
(3) فائدة: قرر الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي أن العبد إذا حج بعد بلوغه وقبل حريته أن حجته هي حجة الإسلام، ولا يلزمه إعادتها بعد حريته، كما قرر أن النائب في الحج لا يلزمه أن يكون من بلد المنوب عنه.المختارات الجلية(ص64)، ونقلها محمد الخضيري في تعليقه على كتاب منهج السالكين (ص117).
(4) شرح الزرقاني (2/523) .(1/113)
وَهَذَا مِنْ حكمَةِ الشَّارِع: أن مَنْ لا عَقلَ لَهُ بِالْكُليةِ، أَو لَهُ عَقلٌ قَاصِرٌ كَالصَّغير: إِِنه لا يجب عَليهُِ شيءٌ يَفعَلُهُ.ولما كَانَ الصَّغِيرُ لَه عَقْل صَحت عِبَادَاتهُ إِذَا كان مميزًا ؛ لَوُجُود العَقلِ الَّذِي يَنْوِي بهِ. واختص الحج وَالْعَمْرَة بصحَّتِه ممن دُونَ التَّميِيزِ وَيَنْوِي عَنْه وَليُّهُ.اهـ.(1)
والصبي إذا بلغ عشية عرفة يكون حجه هذا مجزأ عن الفريضة. قال عطاء: إذا بلغ الصبي عشية عرفه ووقف أجزأة عن الفريضة .
فقد روى ابن أبي عروبة في المناسك عن قتادة، وعطاء صحة ذلك.وهو قول الشافعي، وأحمد.
باب
إحرام الصبي
عن عطاء قال: يصنع بالصبي في الإحرام ما يصنع بالرجل ويبقي عليه الطيب ويطاف به المناسك ويلبي عنه ولا يصلي عنه وإن شاءوا قمصوه وإن شاءوا لم يقمصوه. (2)
وعن ابن جريج، عن عطاء قال: يجتنب الصبي في إحرامه ما يجتنب الكبير من الزينة والطيب. (3)
وعن عطاء قال: الصبي الرطب وغيره إذا فرض عليه أهله الحج فعليه ما على الكبير في المناسك يمنع الطيب ولا يصدر به حتى يكون آخر عهده بالبيت وإذا أراد أهله أن يتمتعوا به فهي له. (4)
باب
من قال : يلبى عن الصبي والأخرس
عن عطاء في الصبي يحرم، قال: يلبي عنه والده أو وليه . (5)
وعن هشيم عن حجاج عن عطاء قال : يلبى عن الأخرس والصبي . (6)
باب
إهلال المغمي عليه
عن عطاء قال: يهلُّ عنه . (7)
وعن مغيرة عن إبراهيم في الرجل يبلغ الوقت وهو مغمى عليه قال: يلبي عنه.
باب
استحباب التطيب عند إرادة الإحرام
__________
(1) إرشاد أولي الأبصار والألباب لنيل الفقه بأيسر الطرق والأسباب (ص40).
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/355) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/355) .
(4) مسائل أبي داود عن أحمد (ص117)، المغني (5/50) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/242) .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/338) .
(7) المصنف لابن أبي شيبة (3/353).(1/114)
ثبت عن عائشة < أنها قالت: طيبت رسول الله × لحرمه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. (1)
عن عطاء أنه كره التطيب قبل الإحرام. وبه قال مالك. (2)
وعن ابن جريج قال: كان عطاء يكره الطيب عند الإحرام، ويقول: إن كان به شيء فليغسله ولينقه، وكان يأخذ بشأن صاحب الجبة . (3)
بل الصواب ما قاله الجمهور أن الطيب مستحب للإحرام لقولها طيبته لحرمه وهذا ظاهر في أن الطيب للإحرام لا للنساء ويعضده قولها كأني أنظر إلى وبيص الطيب والتأويل الذي قاله مقبول لمخالفته الظاهر بلا دليل يحملنا عليه وأما قولها ولحله قبل أن يطوف فالمراد به طواف الإفاضة ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد رمي جمرة العقبة والحلق وقبل الطواف وهذا مذهب الشافعي والعلماء كافة إلا مالكا كرهه قبل طواف الإفاضة وهو محجوج بهذا الحديث. (4)
واستحب التطيب قبل الإحرام: سعد بن أبي وقاص، وابن الزبير، وابن عباس، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي . (5)
وقال الشيخ ابن عثيمين: أن النبي $ تطيب لإحرامه، قالت عائشة رضي الله عنها: "كنت أطيب النبي-$- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" . (6)
والطيب مستحب كل وقت، فهو كالسواك إذا أمكن منه الإنسان، لأن النبي $ قال:"حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب،وجعلت قرة عيني في الصلاة".(7)
باب
__________
(1) رواه البخاري في الحج برقم (1539)، ومسلم في الحج برقم (1183) .
(2) المغني (5/77)، التمهيد (2/254و 19/304)، كتاب الإشراف لابن المنذر (3/185)، دار المدينة.
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/208)، التمهيد (19/304و309) .
(4) شرح النووي(8/98-99).
(5) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/185)، دار المدينة .
(6) رواه البخاري ومسلم .
(7) الشرح الممتع (3/175) .(1/115)
متى تقطع التلبية(1)
ثبت أن الفضل بن العباس قال: ردفت رسول الله $ غداة جمع فلم أزل أسمعه يُلبي حتى رمى الجمرة. (2)
عن عطاء قال: يقطع إذا دخل القرية . (3)
وعن عبد الملك هو ابن أبي سليمان، قال: سئل عطاء متى يقطع المعتمر التلبية؟ فقال: قال ابن عمر: إذا دخل الحرم، وقال ابن عباس: حتى يمسح الحجر، قلت: يا أبا محمد! أيُّهما أحبُّ إليك؟ قال: قول ابن عباس . (4)
قال أحمد وإسحاق: حديث ابن العباس يدل على أنه يلبي حتى يفرغ من رمي جمرة العقبة، ثم يقطعها.
قال أبو بكر ابن المنذر: أقول بقول إسحاق، والفضل بن العباس الذي كان رديف النبي $ يومئذ، وهو أعلم بحاله من غيره، وقول النبي $، وفعله مقدم على كل من خالفه. (5)
واختلفوا في الوقت الذي يقطع فيه المعتمر التلبية، فقال ابن عباس، وعطاء، وعمرو، وابن مسعود، وطاووس، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، يقطع التلبية إذا افتتح الطواف، وهو قول أكثر أهل العلم.
__________
(1) عن عَبْدِالله بنِ عُمَرَ عن أبِيهِ قَالَ: "غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ الله @ مِن مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ مِنّا المُلَبّي وَمِنّا المُكَبّرُ". وعن ابنِ أبي لَيْلَى عن عَطَاءٍ عن ابنِ عَبّاسٍ عن النّبيّ @ قال: "يُلَبّي المُعْتَمِرُ حتى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ". وعن ابنُ جُرَيْجٍ عن عَطَاءٍ عن ابنِ عَبّاسٍ عن الْفَضْلِ بنِ عَبّاسٍ: "أَنّ رَسُولَ الله @ لَبّى حَتّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ". قال الشوكاني قوله: حتى رمى جمرة العقبة فيه دليل على أن التلبية تستمر إلى رمي العقبة وإليه ذهب الجمهور . نيل الأوطار (5/55) .
(2) أخرجه البخاري في الحج برقم (1670)، ومسلم في الحج برقم (1281).
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/259)، المغني (5/256) .
(4) السنن الكبرى للبيهقي (5/104) .
(5) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/323)، دار المدينة .(1/116)
قال أبو بكر ابن المنذر: وقد روينا عن النبي $ أنه كان يلبي في العمرة حتى يستلم الحجر، وفي الحج حتى يرمي الجمرة. وبه نقول. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين: والمتمتع يقطع التلبية إذا شرع بالطواف، والمفرد والقارن يقطعان التلبية عند رمي جمرة العقبة يوم العيد، لأنه صح عن النبي @ "أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة". ولأنه برميه جمرة العقبة فيما يحصل به التحلل وهو الرمي. (2)
باب
في رجل أراد أن يلبي فكبر
عن عبد الملك عن عطاء قال: يرجع. وعن ابن جريج عن عطاء قال: يجزيه.(3)
باب
فيمن قرن بين الحج والعمرة
عن جابر عن أبي جعفر وعطاء وطاوس قالوا : يطوف القارن طوافا .
قال النووي: أن القارن يقتصر على طواف واحد وسعى واحد هو مذهبنا ومذهب الجمهور. (4)
وقال الشوكاني: باب إكفاء القارن لنسكيه بطواف واحد وسعي واحد: عن ابن عمر قال: قال رسول الله $: "من قرن بين حجة وعمرته أجزأ لهما طواف واحد ". رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعا " رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وفيه دليل على وجوب السعي ووقوف التحلل عليه . (5)
باب
إذا أحرم بحجتين
عن يعقوب عن عطاء في الرجل يهل بحجتين قال: هو متمتع.
وعن ابن فضيل عن عبد الملك عن عطاء أنه سئل عن رجل قرن الحج والعمرة ، فقال: إن شاء ساق وإن شاء أجزأ عنه أن يبتاع من مكة شيئا .
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنه إن أراد أن يهلَّ بحج فأهل بعمرة، أو أراد أن يهلَّ بعمرة فلبى بحج: أن اللازم ما عقد عليه قلبه، لا ما نطق به لسانه. (6)
...
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/378)، دار المدينة .
(2) الشرح الممتع (3/308) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، وعن إبراهيم بن نافع عن طاوس قال: سمعته سئل عن رجل أراد أن يلبي فكبر قال: يجزيه .
(4) شرح النووي (8/222).
(5) نيل الأوطار (5/135) .
(6) الإجماع.(1/117)
محظورات الإحرام(1)
__________
(1) قوله : محظورات : هي صفةٌ لمحذوف تقديره الأشياء المحظورات .
والمحظور في اللغة : الممنوع أي ممنوعةٌ ومحرمةٌ على المحرم . وهي تسعة :
المحظور الأول: حلق الشعر: وهذا بإجماع العلماء أن المحرم يمنع منه، والأصل في
ذلك: 1- قوله تعالى:ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فهذا نص في حلق الشعر . 2- حديث كعب بن عجرة لما قال له الرسول@: لعلك تؤذيك هوام رأسك؟ قال:نعم يا رسول الله ، قال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاه)) فخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين هذه الثلاثة الأشياء. والنتف أو القص في معنى الحلق ، يعني لا فرق بين أن يحلق شعره أو أن يزيله بأي نوع من أنواع الإزالة بالنتف أو بالقص أو بغيره من الأشياء التي يزال بها الشعر .
المحظور الثاني : تقليم الظفر: نقل ابن قدامه في المغني الإجماع على أن المُحرم ممنوع من تقليم أظفاره، واستدل بعضهم بقوله تعالى: ثم ليقضوا تفثهم، قال ابن عباس التفث هو: حلق الرأس و تقليم الأظفار لأنه إذا كان مباحاً له يوم النحر دل على أنه ممنوع قبل ذلك فذكر هذا بعد أن ذكر الهدي وذكر ما ينحره الإنسان ثم قال: ثم ليقضوا تفثهم، وهذا هو رأي جمهور العلماء وفيه خلاف للظاهرية .
المحظور الثالث: لبس المخيط إلا أن لا يجد إزاراً فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه المراد بالمخيط : كل ما خيط على قدر البدن كله أو على قدر عضو منه ، فيدخل تحت هذا الثوب الذي نلبسه والقمص والسراويل والخفاف والشراريب والجوارب والقفازات وكذلك الطاقية لأنها على قدر العضو، والأصل في هذا ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر > : ((أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس القُمُص ولا العمائمَ ولا السراويلاتِ ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحدٌ لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس)) فالرسول - صلى الله عليه وسلم - نبه بهذا الحديث على ما يلبس أعلى البدن وهو القمص، أو أسفل البدن وهو السراويلات، أو ما يلبس في الرجل وهو الخف، أو ما يلبس على البدن كله وهو البرانس وكذلك العمائم على الرأس.
الرابع تغطية الرأس ، والأذنان منه. تغطية الرأس ممنوع منها المحرم بإجماع العلماء، والدليل على ذلك : 1- ما تقدم من حديث ابن عمر من النهي عن العمائم والبرانس .
2- قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الذي وقصته دابته : ((لا تخمروا رأسه ، فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياً)) فبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه على إحرامه وأنه ممنوع من تغطية الرأس . ==
== الخامس الطيب في بدنه وثيابه .الدليل على كون الطيب من محظورات الإحرام ، وعلى كونه مُحرّماً على المُحرم ، ما تقدم سابقاً معنا في الأحاديث الصحيحة منها : 1- قصة الرجل الذي وقصته دابته فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه : (( لا تمسوه طيباً )) . 2- حديث ابن عمر > عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس )) . 3- حديث صاحب الجبة حيث أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغسل ما به من الطيب ثلاثاً ، وقال له :
(( وانزع عنك الجبة )) .
السادس قتل الصيد، وهو ما كان وحشياً مباحاً ، وأما الأهلي فلا يحرم، وأما صيد البحر فإنه مباح.
الدليل على كون قتل الصيد من محظورات الإحرام : 1- قوله تعالى : يا أيها الذين أمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم . 2- قوله تعالى : حُرّم عليكم صيد البر ما دمتم حُرما .
( السابع ) عقد النكاح حرام ولا فدية فيه . لا يجوز للمُحرم أن يعقد لنفسه ، أي لا يجوز أن يقبل النكاح لنفسه ولا أن يقبله لغيره ولا يكون ولياً فيه ولا وكيلا ، وذلك لما ثبت في صحيح مسلم من حديث عثمان : (( أنه قال : قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : لا يَنْكِح المُحرم ولا يُنْكِح ولا يخطب )) فهذا الحديث واضح في المنع من النكاح للمُحرم ، وكذلك لا يجوز للمُحرمة أن تتزوج .
الثامن المباشرة لشهوة فيما دون الفرج ، فإن أنزل بها فعليه بدنه ، وإلا ففيها شاة وحجه صحيح .
المباشرة فيما دون الفرج : كالوطء في غير الفرج ، أو التقبيل ، أو اللمس بشهوة ، إذا فعل المُحرم ذلك.
التاسع: الوطء في الفرج فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ووجب المضي في فاسده والحج من قابل، ويجب على المجامع بدنه، وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة، ويُحرم من التنعيم ليطوف محرما، وإن وطئ في العمرة أفسدها، ولا يفسد النسك بغيره. الوطء في الفرج يعني : تغييب الحشفة في الفرج، أي تغييب رأس الذكر في الفرج، وهذا الذي يترتب عليه الأحكام الشرعية المعروفة ، وهذا هو أعظم المحظورات إذْ يترتب عليه إفساد الحج والعمرة ، وجميع المحظورات لا يفسد بها الحج ، والجماع منهي عنه بنص القران قال الله عز وجل: الحج أشهرٌ معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، قال ابن عباس >: الرفث هو: غشيان النساء والتقبيل والغمز . وهذه المحظورات من شرح كتاب الحج من عمدة الفقه لمحمد سعد اليوبي بتصرف .(1/118)
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الجماع، وقتل الصيد، والطيب، وبعض اللباس، وأخذ الشعر، وتقليم الأظفار .
وقال: وأجمعوا على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء من ذلك في حال الإحرام إلا الجماع. (1)
باب
معنى الرفث في الحج
قال الله تعالى: +الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ".(2)
عن ابن جريج قال: قال عطاء: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش.(3)
وعن عبد الله بن نمير عن عبدالملك عن عطاء قال: الرفث والفسوق المعاصي والجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه ويغضبك. (4)
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أيحل للمحرم أن يقول لامرأته إذا حللت أصبتك؟ قال: لا، ذاك الرفث، قال وقال: عطاء:الرفث ما دون الجماع. (5)
وقال عبدالله بن عمر وطاوس وعطاء وغيرهم: الرفث الإفحاش للمرأة بالكلام، لقوله: إذا أحللنا فعلنا بك كذا، من غير كناية، وقاله ابن عباس أيضا، وأنشد وهو محرم: وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا فقال له صاحبه حصين بن قيس: أترفث وأنت محرم فقال: إن الرفث ما قيل عند النساء. (6)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/200)، دار المدينة .
(2) سورة البقرة آية (197).
(3) تفسير الطبري (2/263) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/179) .
(5) تفسير الطبري (2/263) .
(6) تفسير القرطبي سورة الحج .(1/119)
قال النووي: قوله @ من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه، قال القاضي: هذا من قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق، والرفث اسم للفحش من القول، وقيل: هو الجماع، وهذا قول الجمهور في الآية، قال الله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، يقال: رفث ورفث بفتح الفاء وكسرها يرفث ويرفث وبرفث بضم الفاء وكسرها وفتحها، ويقال أيضا: أرفث بالألف. قال القاضى عياض رحمه الله: في هذا الحديث حجة لمن منع المهاجر قبل الفتح من المقام بمكة بعد الفتح، قال وهو قول الجمهور. (1)
قال ابن كثير: وقال عبد الله بن طاوس عن أبيه: سألت ابن عباس عن قول الله عز وجل: { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } . (2)؟ قال: الرفث التعريض بذكر الجماع، وهي العرابة في كلام العرب، وهو أدنى الرفث، وقال عطاء بن أبي رباح: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش وكذا قال عمرو بن دينار وقال عطاء: كانوا يكرهون العرابة، وهو التعريض وهو محرم. وقال طاوس: هو أن يقول للمرأة إذا حللت أصبتك، وكذا قال أبو العالية . (3)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالرفث اسم للجماع قولا وعملا والفسوق اسم للمعاصي كلها والجدال على هذه القراءة هو المراء في أمر الحج فإن الله قد أوضحه وبينه وقطع المراء فيه كما كانوا في الجاهلية يتمارون في أحكامه وعلى القراءة الأخرى قد يفسر بهذا المعنى أيضاً، وقد فسروها بأن لا يماري الحاج أحدا والتفسير الأول أصح فإن الله لم ينه المحرم ولا غيره عن الجدال مطلقا بل الجدال قد يكون واجبا أو مستحبا كما قال تعالى وجادلهم بالتي هي أحسن وقد يكون الجدال محرما في الحج وغيره كالجدال بغير علم وكالجدال في الحق بعد ما تبين. (4)
باب
معنى الفسوق في الحج
__________
(1) شرح النووي (9/119و122) .
(2) سورة البقرة الآية (197) .
(3) تفسير ابن كثير (1/401).
(4) مجموع الفتاوى (26/99-107) .(1/120)
قوله تعالى: { فَلا فُسُوقٌ ولا جدال } (1) قال: مقسم وغير واحد، عن ابن عباس هي المعاصي، وكذا قال عطاء، ومجاهد، وطاوس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، والحسن، وقتادة، وإبراهيم النخعي، والزهري، والربيع بن أنس ، وعطاء بن يسار، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حيان . (2)
وقال عطاء: الجدال هنا أن تماري مسلماً حتى تغضبه فينتهي إلى السباب، فأما مذاكرة العلم فلا نهي عنها. (3)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولفظ الفسوق يتناول ماحرمه الله تعالى ولا يختص بالسباب، وإن كان سباب المسلم فسوقا، فالفسوق يعم هذا وغيره، والرفث هو الجماع وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنس الرفث فلهذا ميز بينه وبين الفسوق، وأما سائر المحظورات كاللباس والطيب فإنه وإن كان يأثم بها فلا تفسد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين، وينبغي للمحرم أن لا يتكلم إلا بما يعنيه وكان شريح إذا أحرم كأنه الحية الصماء، ولا يكون الرجل محرما بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده بل لابد من قول أو عمل يصير به محرما هذا هو الصحيح من القولين. (4)
__________
(1) البقرة الآية (371-282) .
(2) تفسير ابن كثير (1/401) .
(3) وهو قول ابن مسعود وابن عباس، تفسير القرطبي سورة الحج.المغني (5/391)، والمجموع (7/367) المصنف لابن أبي شيبة (3/322)و(3/143) .
(4) مجموع الفتاوى (26/108) .(1/121)
وقال الشيخ الألباني: ولا بأس من المجادلة بالتي هي أحسن حين الحاجة فإن الجدال المحظور في الحج إنما هو الجدال بالباطل المنهي عنه في غير الحج أيضا كالفسق المنهي عنه في الحج أيضا فهو غير الجدال المأمور به في مثل قوله تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } . ومع ذلك فإنه ينبغي على الداعية أن يلاحظ أنه إذا تبين له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالف لتعصبه لمذهبه أو رأيه وأنه إذا صابره في الجدال فلربما ترتب عليه ما لا يجوز أنه من الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه لقوله $: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً. . "الحديث . (1)
باب
تحريم الطيب على المحرم
قال عطاء: أن من أصابه في إحرامه طيب ناسياً أو جاهلاً لا كفارة عليه. (2) فيلزم من ذلك أن من تطيب عالما غير ناسي، أو غير جاهل بالحكم فعليه الفدية. (3)
وعن أبي جعفر وعطاء قالا: لا بأس أن يشم المحرم طيب نبات الأرض.
وعن ابن جريج عن عطاء قال : إذا شم المحرم طيبا كفر. (4)
وعن عطاء إن جلس عند العطار فعليه فدية . (5)
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) المغني (5/391)، والمجموع (7/367) المصنف لابن أبي شيبة (3/322)و(3/143) .
(3) هذا وإن تكرر منه فعل المحظور فعليه فدية واحدة، قال الإمام أحمد: أن في الطيب واللبس والحلق فدية واحدة، وإن فعل ذلك واحداً بعد واحد، فعليه لكل واحد دم، وهو قول إسحاق. وقال عطاء وعمرو بن دينار: إذا حلق ثم احتاج إلى الطيب أو إلى قلنسوة أو إليهما، ففعل ذلك، فليس عليه إلا فدية.وقال الحسن: إن لبس القميص، وتعمم، وتطيب فعل ذلك جميعاً: فليس عليه إلا كفارة واحدة، ونحو ذلك عن مالك.
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/322) .
(5) المجموع (7/278) .(1/122)
وعن ابن جريج، عن عطاء أنه كره الطيب عند الاحرام وقال: إن كان به شئ منه فليغسله ولينفه . (1)
قال النووي بعد أن ذكر الإجماع على تحريم الطيب للمحرم: ومذهبنا أنه لا فرق بين أن يتبخر، أو يجعله في ثوبه، أو بدنه، وسواء كان الثوب مما ينغض الطيب، أم لم يكن.وقال: قوله@ للسائل عن العمرة.اغسل عنك أثر الصفرة" فيه: تحريم الطيب عن المحرم ابتداء ودواماً، لأنه إذا حرم دواماً فالابتداء أولى بالتحريم. وفيه: أن العمرة يحرم فيها من الطيب واللباس وغيرهما من المحرمات السبعة السابقة ما يحرم في الحج. وفيه أن من أصابه طيب ناسياً أو جاهلاً ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى إزالته. وفيه: أن من أصابه في إحرامه طيب ناسياً أو جاهلاً لا كفارة عليه وهذا مذهب الشافعي، وبه قال عطاء، والثوري، وإسحاق، وداود، وقال مالك، وأبو حنيفة، والمزني، وأحمد، في أصح الروايتين عنه عليه الفدية، لكن الصحيح من مذهب مالك أنه إنما تجب الفدية على المتطيب ناسياً أو جاهلاً إذا طال لبثه عليه والله أعلم. (2)
وقال ابن قيم الجوزية: المحرم ممنوعٌ من الطيب، لأن النبي @ نهى أن يُمَسَّ طيباً، مع شهادته له أنه يُبعث ملبِّيا ً.وهذا هو الأصل في منع المحرم من الطيب .
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر: "لا تلبسوا من الثياب شيئا مسه ورس أو زعفران". (3) وأمر الذي أحرم في جبة بعد ما تضمخ بالخلوق أن تُنزع عنه الجبة ويغسل عنه أثر الخلوق .
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) شرح النووي ( 8/60) .
(3) رواه البخاري برقم (1524(، باب مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَه، ومسلم برقم (2745)، باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر .(1/123)
فعلى هذه الأحاديث الثلاثة مدار منع المحرم من الطيب، وأصرحها هذه القصة، فإن النهي في الحديثين الأخيرين، إنما هو عن نوع خاص من، الطيب لا سيما الخلوق، فإن النهي عنه عام في الإحرام وغيره . اهـ. (1)
قال الشيخ ابن عثيمين: قوله: "وإن طيب بدنه أو ثوبه"، هذا هو المحظور الخامس من المحظورات وهو الطيب، وليس كل ما كان زكي الرائحة يكون طيباً، فالطيب ما أعد للتطيب به عادة، وعلى هذا فالتفاح والنعناع وما أشبه ذلك مما له رائحة زكية تميل إليها النفس لا يكون طيباً، إنما الطيب ما يستعمل للتطيب به كدهن العود والمسك والريحان والورد وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز للمحرم استعماله.
والدليل على ذلك: أن النبي@ قال: "لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران أو الورس" ، والزعفران طيب.لكن قد يقول قائل: الزعفران أخص من كونه طيباً؛ لأنه طيبٌ ولون، ونحن نقول إن الطيب بأي نوع كان يحرم على المحرم.
__________
(1) زاد المعاد ، فصل في سعيه وتحلله$ و في قصة الذي سقط عن راحلته فمات .(1/124)
وجوابه: أن النبي @ قال في الذي وقصته ناقته في عرفة: "لا تحنطوه"، وتحنيط الميت أطياب مجموعة تجعل في مواضع من جسمه، وهذا عام لكل طيب، وقال: "فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" ، وهذا دليل على أن المحرم لا يجوز استعماله للطيب.ويستدل بهذا الحديث على مسائل عديدة، وهو من آيات الله - عزّ وجل - أن تقع حادثة لواحد من الصحابة، تؤخذ منها أحكام عديدة، أحكام في الحياة، وأحكام في الموت، وهذا من بركته - صلى الله عليه وسلم - أن الله يبارك في علمه، وقد أخذ ابن القيم من هذا الحديث اثنتي عشرة مسألة، وفيه أكثر مما ذكر عند التأمل. وفيه دليل على حكمته - عزّ وجل - وأن قدره الذي يكون مصيبة، قد يكون نعمة ومنحة من ناحية أخرى، فهذا الذي وقصته راحلته أصيب بمصيبة لكن حصل منها من الفوائد ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجل .والحكمة من تحريم الطيب على المحرم، أن الطيب يعطي الإنسان نشوة، وربما يحرك شهوته ويلهب غريزته، ويحصل بذلك فتنة له، والله تعالى يقول: { فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } .(1)، ثم إنه قد ينسيه ما هو فيه من العبادة فلذلك نهي عنه.والطيب هنا يشمل الطيب في رأسه، وفي لحيته، وفي صدره، وفي ظهره، وفي أي مكان من بدنه، وفي ثوبه أيضاً.قوله: "أو ادهن بمطيَّب" أي: مسح على جلده بدهن فيه طيب، فإنه لا يجوز؛ لأن ذلك سوف يعلق به وتبقى رائحته.
هذا بشرط أن يكون هذا الذي ادهن به قد ظهر فيه رائحة الطيب.
بقي النظر إلى أن بعض الصابون له رائحة؟ هل هي طيب أم هي من الرائحة الزكية؟ الظاهر الثاني؛ ولهذا لا يعد الناس هذا الصابون طيباً، فلا تجد الرجل إذا أراد أن يتطيب يأتي بالصابون يمره على ثوبه، لكنها لما كانت تستعمل في الأيدي للتطهر بها من رائحة الطعام، جعلوا فيها هذه الرائحة الزكية، فالذي يظهر لي أن هذا الصابون الذي فيه رائحة طيبة لا يعد من الطيب المحرم .
__________
(1) سورة البقرة آية (197)(1/125)
قوله: "أو شم طيباً" أي: تقصَّد شم الطيب، فإنه يحرم عليه ذلك، ولكن هذه المسألة، وهي شم الطيب في تحريمها نظر؛ لأن الشم ليس استعمالاً.ولهذا قال بعض العلماء: إنه لا يحرم الشم، لكن إن تلذذ به فإنه يتجنبه خوفاً من المحذور الذي يكون بالتطيب، أما شمه ليختبره مثلاً هل هو طيب جيد، أو وسط، أو رديء، فهذا لا بأس به.وهذه المسألة لها ثلاث حالات: الحال الأولى: أن يشمه بلا قصد.الحال الثانية: أن يتقصد شمه، لكن لا للتلذذ به أو الترفه به، بل ليختبره، هل هو جيد أو رديء؟
الحال الثالثة: أن يقصد شمه للتلذذ به، فالقول بتحريم الثالثة وجيه، وهذه فيها خلاف: فقال بعض العلماء: إن شم الطيب ليس حراماً، ولا شيء فيه؛ لأنه لم يستعمله، والنبي@ قال: "ولا تحنطوه"، وقال: "لا تلبسوا ثوباً مسه زعفران ولا ورس"، والشم لا يؤثر في الثوب ولا البدن.
وأما القول بتحريم الثانية فغير وجيه، بل الشم جائز، أما الأولى فلا تحرم، قولاً واحداً، ومن ذلك ما يحصل للإنسان إذا كان يطوف فإنه يشم رائحة الطيب الذي في الكعبة، وقد رأينا بعض الناس يصبون الطيب صباً على جدار الكعبة، ومثل هذا لا بد أن يفوح له رائحة، ولكن لا يؤثر على المحرم.
ثم قال: مسألة: القهوة التي فيها زعفران، هل يجوز للمحرم أن يشربها؟
الجواب: إذا بقيت الرائحة لا يشربها المحرم، وإذا لم تبق وإنما مجرد لون فلا بأس؛ لأنه ليس فيها طيب.
قوله: "أو تبخر بعود ونحوه فدى"، أي: إذا تبخر بعود ونحوه مما يتبخر به للتطيب حرم عليه ذلك، ويفدي. (1)
__________
(1) الشرح الممتع (3/221-222) .(1/126)
قال الشوكاني: قوله ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران الورس بفتح الواو وسكون الراء بعدها مهملة نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به قال ابن العربي ليس الورس من الطيب ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملايمة الشم فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب وظاهر قوله مسه تحريم ما صبغ كله أو بعضه ولكنه لا بد عند الجمهور من أن يكون للمصبوغ رائحة فإن ذهبت جاز لبسه خلافا لمالك. (1)
ودل الحديث على تحريم لبس ما مسه الزعفران والورس، واختلف في العلة التي لأجلها النهي هل هي الزينة أو الرائحة فذهب الجمهور إلى أنها الرائحة فلو صار الثوب بحيث إذا أصابه الماء لم يظهر له رائحة جاز الإحرام فيه. (2)
باب
من لبس أو تطيب ناسياً لإحرامه أو جاهلاً تحريمه فلا فدية عليه
قال عطاء: من لبس أو تطيب ناسياً لإحرامه أو جاهلاً تحريمه فلا فدية.
قال ابن قدامة في المغني: المشهور أن المتطيب ناسياً، أو جاهلاً لا فدية عليه، وهو مذهب عطاء، والثوري، وإسحاق، وابن المنذر .
ثم قال: فكل ما صبغ بزعفران، أو ورس، أو غمس في ماء ورد، أو بخر بعود، فليس للمحرم لبسه ولا الجلوس عليه، ولا النوم عليه نص أحمد عليه، وذلك لأنه استعمال له، فأشبه لبسه، ومتى لبسه أو استعمله، فعليه الفدية. وبذلك قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن كان رطباً يلي بدنه أو يابساً ينفض فعليه الفدية، وإلاَّ فلا، لأنه ليس بمتطيب. ثم قال: وإن انقطعت رائحة الثوب، لطول الزمن عليه أو لكونه صبغ بغيره فغلب عليه بحيث لا يفوح له رائحة إذا رش فيه الماء، فلا بأس باستعماله لزوال الطيب منه، وبهذا قال سعيد بن المسيب، والحسن، والنخعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وروي ذلك عن عطاء، وطاوس، وذكره ذلك مالك، إلا أن يغسل، ويذهب لونه: لأن عين الزعفران ونحوه فيه .
__________
(1) نيل الأوطار (5/67) .
(2) سبل السلام (2/191) .(1/127)
ثم قال: فأما إن لم يكن له رائحة في الحال لكن كان بحيث إذا رش فيه الماء فاح ريحه: ففيه الفدية، لأنه متطيب بدليل أن رائحته تظهر عند رش الماء فيه. والماء لا رائحة له، وإنما هي من الصبغ الذي فيه. فأما إن فرش فوق الثوب ثوباً صفيقاً يمنع الرائحة والمباشرة: فلا فدية عليه بالجلوس، والنوم عليه، وإن كان الحائل بينهما ثياب بدنه ففيه الفدية، لأنه يمنع من استعمال الطيب في الثوب الذي عليه كمنعه من استعماله في بدنه. انتهى من المغني .
وقال النووي: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إذا لبس أو تطيب ناسياً لإحرامه أو جاهلاً تحريمه فلا فدية، وبه قال عطاء، والثوري، وإسحاق، وداود. وقال مالك، وأبو حنيفة، والمزني، وأحمد في أصح الروايتين عنه: عليه الفدية وقاسوه على قتل الصيد، ودليلنا ما ذكره المصنف، والفرق أن قتل الصيد إتلاف وأما: إذا وطىء ناسياً أو جاهلاً، فقد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه لا يفسد نسكه ولا كفارة. وقال مالك وأبو حنيفة: يفسد ويلزمه القضاء والكفارة ووافقنا داود في الناسي والمكره،وقد ذكر المصنف دليل المذهبين.(1)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد استقر بدلالة الكتاب والسنة أن من فعل المنهي عنه ناسيا أو مخطئا فلا إثم عليه ولا يكون عاصيا مخالفا فكذلك من فعل المحلوف ناسيا أو مخطئا فانه لا يكون حائنا مخالفا ليمينه ويدخل في ذلك من فعله متأولا أو مقلدا لمن أفتاه أو مقلدا لعالم ميت أو مجتهدا مصيبا أو مخطئا فحيث لم يتعمد المخالفة ولكن أعتقد أن هذا الذي فعله ليس فيه مخالفة لليمين فانه لا يكون حائنا.(2)
__________
(1) المجموع شرح المهذب (7/167) .
(2) مجموع الفتاوى (33/209) .(1/128)
وقال في الفتاوى الكبرى: اجتناب المحظور إذا فعله العبد ناسيا أو مخطئا فلا إثم عليه كما دل عليه الكتاب والسنة قال الله تعالى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } .(1) وقال تعالى: { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } .(2)قال الله تعالى قد فعلت، رواه مسلم في صحيحه، ولهذا كان أقوى الأقوال أن ما فعله العبد ناسيا أو مخطئا من محظورات الصلاة والصيام والحج لا يبطل العبادة كالكلام ناسيا والأكل ناسياً واللباس والطيب ناسياً وكذلك إذا فعل المحلوف عليه ناسياً، وفي هذه المسائل نزاع وتفصيل ليس هذا موضعه (3)
وقال أبو بكر ابن المنذر: لا شيء عليه إذا كان ناسياً أو جاهلاً استدلالاً لا بخبر يعلى بن أمية. (4)
باب
يحرم على المرأة المحرمة لبس القفازين والخلخال(5)
قال عطاء: يحرم على المرأة لبس القفازين في حال إحرامها، ويروى في ذلك حديث عن ابن عمر: "المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين". (6)
وعن عطاء قال: تلبس المحرمة ما شاءت من الثياب إلا البرقع والقفازين. (7)
وعن عبد الله بن إدريس عن يزيد عن مجاهد قال: تلبس ما شاءت إلا البرقع. وعن هشام عن الحسن وعطاء قال: تلبس القفازين والسروايل ولا تبرقع وتلثم، وتلبس ما شاءت من الثياب، إلا ثوبا ينفض عليها ورسا أو زعفرانا .(8)
__________
(1) سورة الأحزاب الآية ( 5) .
(2) سورة البقرة الآية (286)
(3) الفتاوى الكبرى (2/418) .
(4) الإشراف لابن المنذر (3/227)، دار المدينة .
(5) قال أبو بكر ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمرأة المحرمة لبس القميص، والدرع، والسراويلات، والخمر، والخفاف. الإشراف لابن المنذر (3/221) .
(6) صحيح الجامع حديث رقم(6680)، وورد ذلك في حديث طويل عند البخاري.
(7) المصنف لابن أبي شيبة (3/283) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/283)، التمهيد (15/108)، المحلى (5/68) .(1/129)
قال ابن قدامة: ولا تلبس القفازين ولا الخلخال وما أشبه.
القفازان: شيء يعمل لليدين تدخلهما فيهما من خرق تسترهما من الحر، مثل ما يعمل للبرد. فيحرم على المرأة لبسه في يديها في حال إحرامها، وهذا قول ابن عمر، وبه قال عطاء، وطاوس، ومجاهد، والنخعي، ومالك، وإسحاق. وكان سعد بن أبي وقاص يلبس بناته القفازين وهن محرمات. ورخص فيه علي، وعائشة، وعطاء، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة. وللشافعي كالمذهبين. واحتجوا بما روي عن النبي أنه قال: "إحرام المرأة في وجهها" وأنه عضو يجوز ستره بغير المخيط. (1)
وقال شيخ الإسلام: وأما المرأة فإنها عورة فلذلك جاز لها أن تلبس الثياب التي تستتر بها وتستظل بالمحمل لكن نهاها النبي@ أن تنتقب أو تلبس القفازين والقفازان غلاف يصنع لليد كما يفعله حملة البزاة ولو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالإتفاق وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضا ولا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعود ولا بيد ولا غير ذلك فإن النبي@ سوى بين وجهها ويديها وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه وأزواجه@كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة ولم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي@ أنه قال إحرام المرأة في وجهها وإنما هذا قول بعض السلف لكن النبي@ نهاها أن تنتقب أو تلبس القفاز كما نهى المحرم أن يلبس القميص والخف مع أنه يجوز له أن يستر يديه ورجليه باتفاق الأئمة والبرقع أقوى من النقاب فلهذا ينهى عنه باتفاقهم ولهذا كانت المحرمة لا تلبس ما يصنع لستر الوجه كالبرقع ونحوه فإنه كالنقاب . (2)
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/211) .
(2) مجموع الفتاوى (26/112-113) .(1/130)
وقال الشيخ الألباني: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منسكه" (ص365): (والقفازات غلاف يصنع لليد كما يفعله حملة البزاة ". والبزاة جمع باز. وهو نوع من الصقور يستخدم في الصيد البرنس ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين [فيلبس الخفين] وقال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" ويجوز للمرأة أن تستر وجهها بشيء كالخمار أو الجلباب تلقيه على رأسها وتسدله على وجهها وإن كان يمس الوجه على الصحيح ولكنها لا تشده عليها كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين: مسألة: هل يحرم عليها - أي المحرمة - شيء من اللباس؟ الجواب: نعم يحرم عليها: القفازان، والنقاب.
والنقاب: لباس الوجه، ولم يرد عن النبي $ أنه حرم على المحرمة تغطية وجهها، وإنما حرم عليها النقاب فقط، لأنه لباس الوجه وفرق بين النقاب وتغطية الوجه، وعلى هذا فلو أن المرأة غطت وجهها لقلنا: هذا لا بأس به، ولكن الأفضل أن تكشفه ما لم يكن حولها رجال فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم .
ثم قال: مسألة: هل يحرم عليها الجوارب؟ الجواب: لا فالجوارب حرام على الرجل.
هل يحرم على الرجل القفازان؟ نعم يحرم عليه القفازان، وبعضهم حكى في ذلك الإجماع، وقالوا: إن النبي $ منع المحرم من لبس ما يختص بالرجل، فكذلك لبس ما يختص باليد، وهي مصنوعة على هيئة أحد الأعضاء، لكن النبي $ لم يذكرها فيما يتجنبه المحرم، لأنه ليس من عادة الرجال أن يلبسوا القفازين، ولهذا لما كان من عادة النساء أن تلبس القفازين قال في المرأة: ولا تلبس القفازين. اهـ. (2)
باب
من أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه
قال أبو بكر ابن المنذر: قال عطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، وطاووس، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: فيمن أحرم وعليه قميص ينزعه ولا يشقه. (3)
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) الشرح الممتع (3/218) .
(3) الإشراف لابن المنذر (3/227)، دار المدينة .(1/131)
وعن عطاء في المحرم يغطي رأسه ناسياً لا شيء عليه، فإن لبس قميصاً ناسياً فلا شيء عليه وليستغفر الله تعالى، فإن تعمَّد ذلك فالكفارة. (1)
وقال عطاء: كنا قبل أن نسمع هذا الحديث(2) نقول فيمن أحرم وعليه قميص أو جبة فليخرقها عنه. فلما بلغنا هذا الحديث أخذنا به وتركنا ما كنا نفتي به قبل
ذلك . (3)
وكان عطاء يرخص في العصابة من الضرورة .
قال ابن قدامة: هذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن الشعبي والنخعي وأبي قلابة وأبي صالح ذكوان: أنه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حتى ينزع القميص منه.ولنا: ما روى يعلى بن أمية: "أن رجلاً أتى النبي فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي @ ساعة ثم سكت. فجاءه الوحي فقال له النبي@: أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. قال عطاء: كنا قبل أن نسمع هذا الحديث نقول فيمن أحرم وعليه قميص أو جبة فليخرقها عنه. فلما بلغنا هذا الحديث أخذنا به وتركنا ما كنا نفتي به قبل ذلك . (4)
__________
(1) المحلى (7/258) .
(2) عن يعلى بن أمية: "أن رجلاً أتى النبي فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي ساعة ثم سكت. فجاءه الوحي فقال له النبي: أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك". رواه البخاري برقم (4226)، باب غَسْلِ الْخَلُوقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الثِّيَاب، ومسلم برقم (2753)، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة لبسه وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه.
(3) المغني (5/109) .
(4) المغني على مختصر الخرقي (3/194) .(1/132)
قال ابن حجر: عن شعبة، عن قتادة، عن عطاء بن أبي رباح، أن رجلا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة فأمره النبي @ أن ينزعها، قال قتادة: قلت لعطاء إنما كنا نرى أن نشقها، فقال عطاء: إن الله لا يحب الفساد.فتح الباري.
وقال الشيخ ابن عثيمين: وهل إذا أراد خلع القميص يخلعه من أعلى، أو من أسفل إذا كان الجيب واسعاً، أو يشقه؟ ثلاثة احتمالات:
الجواب: من أسفل، وهذا لا يكون إلا إذا كان الجيب واسعاً؛ لأنه إذا خلعه من أعلى، فإنه يلزم من ذلك أن يغطي رأسه، والمحرم لا يغطي رأسه.
فلذلك قال بعض العلماء: إذا أراد خلع القميص الذي أحرم به، فإنه يخلعه من أسفل إن اتسع الجيب، وإلا شقه ولا يجوز أن يخلعه من فوق؛ لأنه إذا فعل فقد غطى رأسه.ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن شق القميص إفساد له، والنبي @ نهى عن "إضاعة المال" ؛ ولأن التغطية هنا غير مقصودة، فهي كما لو حمل عفشه على رأسه، وحَمْل العفش يكون أطول غالباً، وهذا لحظة من الزمن.
فالصواب: أنه يخلعه خلعاً عادياً، ولا يحتاج إلى أن يشقه، ولا أن ينزله من أسفل. (1)
باب
تحرم عقد النكاح، وإحرام أحد الزوجين أو الولي
ليس مانعا من عقد النكاح
مذهب عطاء: أن إحرام أحد الزوجين، أو الولي، ليس مانعاً من عقد النكاح.
عن ميمون بن مهران قال: كنت جالساً عند عطاء، فجاءه رجل فقال:هل يتزوج المحرم؟ فقال عطاء: ما حرَّم الله النكاح منذ أحله. (2)
المقصود بالنكاح هنا العقد دون الدخول فلا يكون دخول حتى يحل من إحرامه وإلا فسد حجه.
وعن شعبة قال:سألت الحكم وحمادا عن المحرم يتزوج ؟ قالا:لا بأس به. (3)
وعن ابن نمير عن مالك عن عطاء قال : يتزوج لا أرى به بأساً. (4)
__________
(1) الشرح الممتع (3/219) .
(2) طبقات ابن سعد (8/134) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/151) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/151) .(1/133)
قال الشنقيطي: وذهبت جماعة أخرى من أهل العلم: إلى أن إحرام أحد الزوجين، أو الولي، ليس مانعاً من عقد النكاح، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة، وهو مروي عن الحكم، والثوري، وعطاء، وعكرمة، وعزاه صاحب المغني، لابن عباس، والظاهر أن عزو هذا القول الأخير لابن عباس أصح من عزو النووي له القول الأول كما ذكرناه عنه آنفاً كما سترى: ما يدل على ذلك إن شاء الله تعالى . اهـ. (1)
وقال الشوكاني: قوله: "ويحرم عقد نكاح"، أي على الذكور والإناث، هذا هو المحظور السابع من محظورات الإحرام.
ودليله قول النبي@: "لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب".
وسواء كان المحرم الولي، أو الزوج، أو الزوجة، فالحكم يتعلق بهؤلاء الثلاثة.
أما الشاهدان فلا تأثير لإحرامهما، لكن يكره أن يحضرا عقده إذا كانا محرمين، فإن عقد النكاح في حق المحرم منهم حرام، فالأقسام كما يلي:
الأول: عقد مُحل على محرمة، فالنكاح حرام.
الثاني: عقد مُحرِم على مُحلة، فالنكاح حرام.
الثالث: عقد ولي مُحرِم لمُحلٍّ ومُحلة، فالنكاح حرام .
إذا تقرر هذا فالحق أنه يحرم أن يتزوج المحرم أو يزوج غيره كما ذهب إليه الجمهور، وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار، وظاهر النهي عدم الفرق بين من يزوج غيره بالولاية الخاصة أو العامة كالسلطان والقاضي، إذا تقرر هذا فالحق أنه يحرم أن يتزوج المحرم أو يزوج غيره كما ذهب إليه الجمهور، وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار، وظاهر النهي عدم الفرق بين من يزوج غيره بالولاية الخاصة أو العامة كالسلطان والقاضي. (2)
__________
(1) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(2) نيل الأوطار (5/82).(1/134)
وقال العلامة ابن عثيمين: مسألة: لو أنه عقد النكاح في حال الإحرام، ثم بعد الإحلال دخل الرجل بزوجته وأنجبت منه أولاداً؟
فلا بد من عقد جديد، ويكون وطؤه الأول وطئاً بشبهة، وأولاده أولاد شرعيون أي: ينسبون إليه شرعاً، كما أنهم منسوبون إليه قدراً .اهـ. (1)
وقال: مسألة إذا قال قائل: إذا عقد وهو لا يدري أن عقد النكاح في حال الإحرام حرام؟ الجواب: أنه لا إثم عليه، كما سيأتي إن شاء الله، و لا يصح، لأن العقود يعتبر فيها نفس الواقع . (2)
باب
إذا واقع (جامع) وهو محرم
عن عطاء عن ابن عباس قالا: يحرمان من المكان الذي أحدثا فيه.(3)
وعن ليث عن مجاهد وعطاء قالا : يحرمان من المكان الذي أحرما. (4)
وعن عطاء أنهما يقصيان حجهما ويتفرقان من الموضع الذي أصابا فيه ما أصابا حتى يحلا. (5)
وعن عبد الاعلى عن هشام عن الحسن وعطاء قالا في المحرم إن استكره امرأته : فعليه كفارتها فإن طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة .
وعن حماد بن سلمة عن حجاج عن عطاء في المحرمة يستكرهها زوجها حتى يواقع، قال: يحجها من ماله. (6)
وروى البيهقي بإسناده، عن عطاء: أن عمر بن الخطاب> قال في محرم بحجة أصاب امرأته: يعني وهي محرمة؟ قال: يقضيان حجهما وعليهما الحج من قابل من حيث كانا أحرما، ويفترقان حتى يتما حجهما، قال: وقال عطاء: وعليهما بدنة، إن أطاعته، أو استكرهها، فإنما عليهما بدنة واحدة. وهذا الأثر منقطع أيضاً، لأن عطاء لم يدرك عمر>.
__________
(1) الشرح الممتع (3/230) .
(2) الشرح الممتع (3/231) .
(3) أنظر مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/349) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/166) .
(5) المغني (5/166و207) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/135)
ثم قال: واعلم أنهم اختلفوا فيما إذا جامع ناسياً لإحرامه؟ ومذهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد: أن العمد والنسيان سواء بالنسبة إلى فساد الحج، وهو قول للشافعي، وهو قوله القديم. وقال في الجديد: إن وطىء ناسياً أو جاهلاً لا يفسد حجه ولا شيء عليه، أما إن قبل امرأته ناسياً لإحرامه، فليس عليه شيء عند الشافعي وأصحابه قولاً واحداً.
وقال ابن المنذر: وأجمعوا على أن من جامع عامداً في حجه قبل وقوفه بعرفة أن عليه حجَّ قابلٍ والهديَ، وانفرد عطاء وقتادة . (1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: أعلى شيء روى فيمن وطئ في حجه، حديث ابن عباس . (2)
وقال ابن قدامة في المغني: ينبغي أن يكون الأمر كذلك في المذهب الحنبلي. واعلم أن الجماع المفسد للحج هو التقاء الختانين الموجب للحد والغسل كما قدمناه في كلام مالك في الموطإ، والأظهر أن الإتيان في الدبر كالجماع في إفساد الحج، وكذلك الزنا أعاذنا الله وإخواننا المسلمين من فعل كل ما لا يرضي الله تعالى.
وقد قدمنا أن أظهر قولي أهل العلم عندنا أنه يفرق بين الزوجين اللذين أفسدا حجهما، وذلك التفريق بينهما في حجة القضاء. لا في جميع السنة.
__________
(1) الإجماع رقم (45).
(2) الإشراف لابن المنذر (3/201)، دار المدينة .(1/136)
وظاهر الآثار المتقدمة أن ذلك التفريق بينهما إنما يكون من الموضع الذي جامعها فيه، وعن مالك: يفترقان من حيث يحرمان، ولا ينتظر موضع الجماع، وهو رواية عن أحمد، وهو أظهر. وعن مالك وأحمد: أن التفريق المذكور واجب وهو قول أو وجه عند الشافعية، والثاني عندهم: أنه مستحب وهو وجه أيضاً عن الحنابلة، وممن قال بالتفريق بينهما: عمر بن الخطاب، وعثمان، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والثوري، وإسحاق، وابن المنذر. كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب ونقله ابن قدامة في المغني، عن عمر وابن عباس، وسعيد بن المسيب وعطاء، والنخعي والثوري، وأصحاب الرأي وغيرهم، وعن أبي حنيفة وعطاء: لا يفرق بينهما، ولا يفترقان قياساً على الجماع في نهار رمضان، فإنهما إذا قضيا اليوم الذي أفسداه لا يفرق بينهما. (1)
وقال العلامة ابن عثيمين: فصار الجماع قبل التحلل الأول يترتب عليه خمسة أمور: الأول: الإثم . الثاني: فساد النسك . الثالث: وجوب المضي فيه. الرابع: وجوب القضاء . الخامس: الفدية، وهي بدنة تذبح في القضاء. (2)
أما عقد النكاح بعد التحلل الأول فجائز .
قال العلامة ابن عثيمين: وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصحيح، أنه يجوز عقد النكاح بعد التحلل الأول ويصح . (3)
ثم قال: أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالرمي والحلق .
باب
إذا كرر الجماع
عن عطاء أنه سئل عن المحرم يواقع ثم يعود، قال: عليه هدي واحد .(4)
وهذا قول مالك، والشافعي، وإسحاق. أنه عليه كفارة واحدة. (5)
__________
(1) أضواء البيان .
(2) الشرح الممتع (3/232) .
(3) الشرح الممتع (3/335) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/195)، المغني (5/169)، المجموع (7/421) .
(5) الإشراف لابن المنذر (3/204)، دار المدينة .(1/137)
قال النووي: اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم عندي أنه إذا جامع مراراً قبل أن يكفر كفاه هدي واحد، وإن كان كفر لزمته بالجماع الثاني كفارة أخرى، كما أنه إن زنى مراراً قبل إقامة الحد عليه كفاه حد واحد إجماعاً، وإن زنى بعد إقامة الحد عليه لزمه حد آخر، وهذا هو مذهب الإمام أحمد، وممن قال بأنه يكفيه هدي واحد مطلقاً: مالك، وإسحاق، وعطاء.
والأصح في مذهب الشافعي: أنه يلزمه في الجماع الأول بدنة، وفي كل مرة بعد ذلك شاة. وعن أبي ثور: تلزمه بكل مرة بدنة، وهو رواية عن أحمد.
وعن أبي حنيفة: إن كان ذلك في مجلس واحد. فدم واحد وإلا فدمان. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين: إذا كرر الإنسان المحظور من جنس ولو أكثر من مرة ولم يفد فإنه يفدي مرة واحدة، لكن بشرط أن لا يؤخر الفدية لئلا تتكرر عليه بحيث يفعل المحظور مرة أخرى فيعاقب بنقيض قصده لئلا يتحيل على إسقاط الواجب .
مثال: أن يقلم مرتين، أو يلبس مخيطاً مرتين، أو يحلق مرتين، أو يباشر مرتين أو أكثر، وهو من جنس واحد، فإن عليه فدية واحدة إذا لم يفد، قياساً على ما إذا تعددت أحداث من جنس واحد فيكفيه وضوء واحد .اهـ. (2)
باب
__________
(1) المجموع .
(2) الشرح الممتع (3/254).(1/138)
إذا وطىء بعد جمرة العقبة عليه دم. (1)
__________
(1) قال ابن قدامة: ومن وطىء قبل رمي جمرة العقبة فقد فسد حجهما، وعليه بدنة إن كان استكرهها، ولا دم عليها.وهذه المسألة ثلاثة فصول: (الفصل الأول) أن الوطء قبل جمرة العقبة يفسد الحج، ولا فرق ما قبل الوقوف وبعده، وبهذا قال مالك والشافعي.وقال أصحاب الرأي: إن وطىء بعد الوقوف لم يفسد حجه لقول النبي "من أدرك عرفة فقد تم حجه" ولأنه أمن الفوات فأمن الفساد، كما بعد التحلل الأول.ولنا: إن رجلاً سأل ابن عباس وعبدالله بن عمرو فقال: وقعت بأهلي ونحن محرمان. فقالا له: أفسدت حجك" ولم يستفصلوا السائل. رواه الأثرم، ولأنه وطء صادف إحراماً تاماً فأفسده. كقبل الوقوف، ويخالف ما بعد التحلل الأول فإن الإحرام غير تام، والمراد من الخبر الأمن من الفوات، ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد، وبدليل العمرة يأمن فواتها ولا يأمن فسادها. قال أحمد: لا أعلم أحداً قال: إن حجه تام غير أن أبي حنيفة يقول: "الحج عرفات. فمن وقف بها فقد تم حجه" وإنما هذا مثل قول النبي$: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" أي أدرك فضل الصلاة ولم تفته. كذلك الحج.إذا ثبت هذا: فإنه يفسد حجهما جميعاً. لأن الجماع وجد منهما، وسواء في ذلك الناس والعامد والمستكرهة والمطاوعة والمستيقظة. عالماً كان الرجل أو جاهلاً، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يفسد حج الناسي. لأنه معذور، ولنا: إنه معنى يوجب القضاء فاستوت فيه الأحوال كلها كالفوات، ولا فرق بين ما بعد يوم النحر أو قبله. لأنه وطىء قبل التحلل الأول ففسد حجه، كما لو وطىء يوم النحر. أنه يلزمه بدنة، وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة إن وطىء قبل الوقوف فسد حجه وعليه شاة، وإن وطىء بعده لم يفسد حجه وعليه بدنة. لأن الوطء قبل الوقوف معنى يتعلق به وجوب القضاء. فلم يوجب بدنة كالفوات..ولنا: إنه قد روي عن عمر ابن عباس مثل قولنا، ولأنه وطء صادف إحراماً تاماً فأوجب البدنة كما بعد الوقوف، ولأن ما يفسد الحج الجناية به أعظم، فكفارته يجب أن تكون أغلظ، وأما الفوات فإنهم يوجبون به بدنة. فكيف يصح القياس عليه.إنه لا دم عليها في حال الإكراه، وهو قول عطاء، ومالكن والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وقال أصحاب الرأي: عليها دم آخر. لأنه قد فسد حجها. ==
== فوجبت البدنة كما لو طاوعت.ولنا:إنها كفارة تجب بالجماع،فلم تجب على المرأة في حال الإكراه،كما لو وطىء في الصوم، ولنا: إنه جماع أوجب الغسل. فأوجب بدنة كالوطء في الفرج، وفي فساد حجه بذلك روايتان:إحداهما: يفسد. اختارها الخرقي وأبو بكر، وهو قول عطاء والحسن والقاسم بن محمد ومالك وإسحاق لأنها عبادة يفسدها الوطء فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصيام. وإن وطئها بطل خيارها علمت بالخيار أو لم تعلم. نص عليه أحمد وهو قول من سمينا في صدر المسألة، وذكر القاضي وأصحابه: أن لها الخيار وإن أصيبت ما لم تعلم فإن أصابها بعد علمها فلا خيار لها، وهذا قول عطاء، والحكم، وحماد، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، لأنها إذا أمكنت من وطئها قبل علمها فلم يوجد منها ما يدل على الرضا فهو كما لو لم تصب.المغني على مختصر الخرقي(3/211و285)(6/510).(1/139)
قال عطاء: إذا رمى الجمرة فقد حل؛ وإذا وطىء بعد جمرة العقبة فعليه دم، وهذا يدل على أن الحل بدون الحلق .
قال ابن قدامة : لقول النبي : "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء" وترتيب الحل عليهما دليل على حصوله بهما، ولأنهما نسكان يتعقبهما الحل. فكان حاصلاً بهما كالطواف والسعي في العمرة، وعن أحمد: إذا رمى الجمرة فقد حل؛ وإذا وطىء بعد جمرة العقبة فعليه دم، ولم يذكر الحلق، وهذا يدل على أن الحل بدون الحلق، وهذا قول عطاء، ومالك، وأبي ثور، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لقوله في حديث أم سلمة: "إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء" وكذلك قال ابن عباس.
قال بعض أصحابنا: هذا يبني على الخلاف في الحلق، هل هو نسك أو لا؟ فإن قلنا نسك حصل الحل به، وإلا فلا. (1)
وقال الشنقيطي: واعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي: أن الحج الفاسد بالجماع يجب قضاؤه فوراً في العام القابل، خلافاً لمن قال: إنه على التراخي، ودليل ذلك الآثار التي ستراها إن شاء الله في الكلام على أدلة هذا المبحث.
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/285) .(1/140)
وأظهر قولي أهل العلم عندي أيضاً: أن الزوجين اللذين أفسدا حجهما يفرق بينهما، إذا أحرما بحجة القضاء ليلاً يفسدا حجة القضاء أيضاً بجماع آخر كما يدل عليه بعض الآثار المروية عن الصحابة، والأظهر أيضاً: أن الزوجة إن كانت مطاوعة له في الجماع يلزمها مثل ما يلزم الرجل من الهدي والمضي في الفاسد والقضاء في العام القابل، خلافاً لمن قال: يكفيهما هدي واحد. والأظهر أنه إن أكرهها: لا هدي عليها. وإذا علمت أقوال أهل العلم في جماع المحرم، ومباشرته بغير الجماع، فاعلم أن غاية ما دل عليه الدليل: أن ذلك لا يجوز في الإحرام لأن الله تعالى نص على ذلك في قوله تعالى { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } أما أقوالهم في فساد الحج وعدم فساده، وفيما يلزم في ذلك، فليس على شيء، من أقوالهم في ذلك دليل من كتاب ولا سنة، وإنما يحتجون بآثار مروية عن الصحابة. ولم أعلم بشيء مروي في ذلك عن النَّبي@ إلا حديثاً منقطعاً لا تقوم بمثله حجة . اهـ . (1)
باب
من أصاب امرأته بعد طواف الإفاضة.(2)
__________
(1) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(2) قال النووي: وقال أبو حنيفة: إن وطىء قبل طواف العمرة، فسد حجه وعمرته، ولزمه المضي في فاسدهما والقضاء، وعليه شاتان: شاة لإفساد الحج، وشاة لإفساد العمرة ويسقط عنه دم القران، فإن وطىء بعد طواف العمرة فسد حجه، وعليه قضاؤه وذبح شاة، ولا تفسد عمرته فتلزمه بدنة بسببها، ويسقط عنه دم القران. قال ابن المنذر، وممن قال يلزمه هدي واحد: عطاء وابن جريج ومالك والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور. وقال الحكم: يلزمه هديان ا هـ.المجموع .
وقال الشنقيطي: وقد قدمنا أن الأظهر عندنا: أن الزوجين المفسدين حجهما بالجماع تلزم كل واحد منهما بدنة، إن كانت مطاوعة له، وهو مذهب مالك. وبه قال النخعي، وهو أحد القولين للشافعي.إذا جامع المحرم بعمرة قبل طوافه: فسدت عمرته إجماعاً، وعليه المضي في فاسدها والقضاء والهدي، فإن كان جماعه بعد الطواف، وقبل السعي فعمرته فاسدة أيضاً عند الشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وهو مذهب مالك فعليه إتمامها، والقضاء والدم، وقال عطاء: عليه شاة، ولم يذكر القضاء. وقال أبو حنيفة: إن جامع المعتمر بعد أن طاف بالبيت أربعة أشواط لم تفسد عمرته، وعليه دم، وإن طاف ثلاثة أشواط، فسدت، وعليه إتمامها والقضاء ودم، وأما إن كان جماعه بعد الطواف والسعي، ولكنه قبل الحلق، فلم يقل بفساد عمرته إلا الشافعي.قال ابن المنذر: ولا أحفظ هذا عن غير الشافعي. وقال ابن عباس، والثوري، وأبو حنيفة: عليه دم، وقال مالك: عليه الهدي، وعن عطاء: أنه يستغفر الله، ولا شيء عليه، قال ابن المنذر: قول ابن عباس أعلا. أضواء البيان تفسير سورة الحج .(1/141)
قال عطاء: لو أن حاجًّا أفاض بعدما رمى جمرة العقبة فطاف بالبيت ولم يسع، فأصابها (يعني امرأته) لم يكن عليه شيء، لا حجّ ولا عمرة .
وعنه قال: عليه شاة، ولم يذكر قضاء . (1)
قال الطبري: ذكر من قال: الطواف بينهما تطوّع ولا شيء على من تركه، ومن كان يقرأ: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لاَ يَطّوَّفَ بِهِما. (2)
وعن ابن جريج، قال: قال عطاء: لو أن حاجًّا أفاض بعدما رمى جمرة العقبة فطاف بالبيت ولم يسع، فأصابها يعني امرأته لم يكن عليه شيء، لا حجّ ولا عمرة من أجل قول الله في مصحف ابن مسعود: "فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لاَ يَطّوَّفَ بِهِما" فعاودته بعد ذلك، فقلت: إنه قد ترك سنة النبيّ@، قال: ألا تسمعهُ يقول: فمن تطوع خيرا، فأبى أن يجعل عليه شيئا؟.(3)
باب
من باشر امرأته فيما دون الفرج بشهوة أو قبلها بشهوة عليه فدية الأذى
مذهب عطاء: أنه إن أنزل فسد حجه، وعليه بدنة .
فعن أبي بكر بن عياش عن هبيرة الضبي قال: خرجت إلى مكة ومعي امرأتي فحدثتها فأمذيت ، فسألت عطاء فقال: شاة . (4)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا يفسد الحج حتى يلتقي الختانان، فإذا التقى الختانان فسد الحج، ووجب الغرم . (5)
وعن جابر عن أبي جعفر عن علي قال: إذا قبل المحرم امرأته فعليه دم . (6)
وعن عباد بن العوام عن هشام عن عطاء قال: إذا قبل أو غمز فعليه دم. (7)
وعن ابن نمير عن عبد الملك عن عطاء قال : يستغفر الله . (8)
__________
(1) المجموع (7/426) .
(2) تفسير الطبري (2/26) .
(3) تفسير الطبري (2/26) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/130) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/138) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/138)، المغني (5/171)، المجموع (7/422) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/138)، المجموع (7/422) .(1/142)
وعن ابن جريج عن عطاء في اللمسة والجسة من وراء الثوب ليس فيها شئ ، وفي جسات ومسات دم . (1)
اللمسة والجسة ليس فيها شئ أي إن لم تكن شهوة، وإنما لسبب ضروري كأن يجس أو يلمس موضع إصابة إن وقعت وما شابه ذلك أو إن كان ذلك عن غير قصد وإنما هو تدافع الطوف، وإن كانت الجسات والمسات بشهوة عليه دم .
وعن الحسن وعطاء في رجل يلمس امرأته فينزل، قالا: عليه بدنة والحج من قابل.(2)
وعبدالملك عن عطاء في محرم باشر حتى أنزل، قال: أراه قد وجب عليه، فأوجب عليه ما وجب على المجامع.
قال الشنقيطي: ومذهب الشافعي رحمه الله: هو أنه إن باشر امرأته فيما دون الفرج بشهوة أو قبلها بشهوة، أن عليه فدية الأذى والاستمناء عنده كالمباشرة فيما دون الفرج، وصحح بعض الشافعية: أن عليه شاة، ولو ردد النظر إلى امرأته، حتى أمنى، فلا شيء عليه عند الشافعي، ومذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه إن وطىء فيما دون الفرج، ولم ينزل: فعليه دم، وإن أنزل: فعليه بدنة. وفي فساد حجه روايتان:
إحداهما: أنه إن أنزل فسد حجه، وعليه بدنة وبها جزم الخرقي.
وقال في المغني: في هذه الرواية اختارها الخرقي وأبو بكر، وهو قول عطاء والحسن، والقاسم بن محمد، ومالك، وإسحاق. والرواية الثانية: أنه إن أنزل فعليه بدنة، ولا يفسد حجه، وإن نظر إلى امرأته، فصرف بصره، فأمنى فعليه دم عند أحمد، وإن كرر النظر، حتى أمنى: فعليه بدنة عنده، وعن مالك: أنه إن كرر النظر، حتى أمنى فسد حجه، وهو مروي عن الحسن وعطاء.
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/139) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/139) .(1/143)
وقال النووي: وأما إذا نظر إلى امرأة بشهوة وكرر النظر حتى أنزل فلا يفسد حجه، ولا فدية بلا خلاف عندنا، وقال عطاء والحسن البصري ومالك يفسد حجه، وعليه القضاء وعن ابن عباس في الفدية روايتان، إحداهما: تجب بدنة، والثانية شاة، وبه قال سعيد بن جبير وأحمد وإسحاق، ودليلنا أنه إنزال من غير مباشرة فأشبه إذا فكر فأنزل من غير نظر. (1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: يجب عليه شاة لا غير. (2)
باب
إذا استكره المحرم امرأته، أو جامعها وهي نائمة
عن عطاء قال في المحرم إن استكره امرأته فعليه كفارتها، فإن طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة . (3)
وعنه قال في المحرمة يستكرهها زوجها حتى يواقع قال:يُحجها من ماله.(4)
وقيل لأحمد: هل على المرأة شيء إذا كانت كارهة؟ قال: المستكره لا، وبه قال إسحاق، وأبو ثور. قال أبو بكر بن المنذر: هذا أصح على النظر. (5)
قال النووي: وأظهر قولي أهل العلم عندي: أن المحرمة التي أكرهها زوجها على الوطء حتى أفسد حجها أو عمرتها بذلك، أن جميع التكاليف اللازمة لها بسبب حجة القضاء من نفقات سفرها في الحج، كالزاد والراحلة والهدي اللازم لها كله على الزوج، لأنه هو الذي تسبب لها في ذلك وإن كانت بانت منه، ونكحت غيره، وأنه إن كان عاجزاً لفقره صرفت ذلك من مالها، ثم رجعت عليه بذلك، إن أيسر، وهذا مذهب مالك وأصحابه وعطاء، ومن وافقهم، خلافاً لمن قال: إن جميع تكاليف حجة القضاء في مالها لا في مال الزوج، وهو قول بعض أهل العلم.
__________
(1) المجموع (7/186) .
(2) الإشراف لابن المنذر (3/207)، دار المدينة .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/185)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/167) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/186) .
(5) الإشراف لابن المنذر (3/206)، دار المدينة .(1/144)
وقال ابن قدامة في المغني: في مذهب أحمد في هذه المسألة ما نصه: وإذا كانت المرأة مكرهة على الجماع، فلا هدي عليها، ولا على الرجل أن يهدي عنها نص عليه أحمد لأنه جماع يوجب الكفارة، فلم يجب به حال الإكراه أكثر من كفارة واحدة كما في الصيام، وهذا قول إسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر.وعن أحمد رواية أخرى: أن عليه أن يهدي عنها، وهو قول عطاء، ومالك، لأن إفساد الحج وجد منه في حقها، فكان عليه لإفساده حجها هدي قياساً على حجه، وعنه ما يدل على أن الهدي عليها، لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليها، ويحتمل أنه أراد أن الهدي عليها، ويتحمله الزوج عنها، فلا يكون رواية ثالثة. انتهى منه. (1)
باب
في الرجل يقع على امرأته قبل أن يزور البيت
عن ليث عن عطاء عن ابن عباس وعن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في رجل وقع على امرأته قبل أن يزور البيت قال: عليه دم .
أي أنه يفعل ذلك مضطرا محتاجا لانه لا يجد أو لا يقدر على سواها .(2)
وعن وكيع عن داود عن أبي الضحى عن علقمة قال: إذا وقع قبل أن يزور فعليه بدنة. وعن سلام عن خصيف عن مجاهد وعطاء في الرجل يقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، ثم وقع على أهله قالا:عليه بدنة وتم حجه.
وعن عطاء قال : سئل ابن عباس عن رجل وقع على امرأته قبل أن يزور البيت، قال: إذا وقع قبل أن يزور فعليه الحج من قابل .
وعن وكيع عن مالك عن عطاء قال : جزور وقد تم حجه .
باب
في سقوط الشعر
عن عطاء قال: ليس في الشعرة ولا في الشعرتين شيء، فإن كنَّ شعرات ففيهم كفارة . (3)
وعن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في الشعرة مد، وفي الشعرتين مدان، وفي الثلاث فصاعدا دم . (4)
وعن عطاء قال: في ثلاث شعرات دم الناسي والمتعمد فيها سواء .
__________
(1) المجموع (7/186).
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) المجموع (7/389)، الاستذكار (4/160)،ى المحلى (5/234) .
(4) السنن الكبرى للبيهقي (5/62) .(1/145)
وعن عمر بن ذر قال: سألت عطاء عن المحرم يتوضأ فتقع الشعرات فقال: ليس عليه شيء . (1)
باب
الفدية(2) في حلق الشعر
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/217)، والكبرى للبيهقي (5/62)، المحلى (5/234)، المغني (5/382) .
(2) قال الشيخ ابن عثيمين: الفدية: ما يعطى فداءً لشيء، ومنه فدية الأسير في الحرب حيث يعطينا شيئاً ثم نفكه، وسميت فدية، لقوله تعالى: { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } ، ومحظورات الإحرام من حيث الفدية تنقسم إلى أربعة أقسام: الأول: مالا فدية فيه، وهو عقد النكاح. الثاني: ما فديتة مغلظة، وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول. الثالث: ما فديته الجزاء أو بدله، وهو قتل الصيد . الرابع: ما فديته فدية أذى، وهو بقية المحظورات. وهذه القسمة حاصرة تريح طالب العلم . وفدية الأذى: إطعام ستة مساكين لكل مسكين: نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام متتابعة، أو متفرقة، أو ذبح شاة، فتذبح ==
== وتوزع على الفقراء، مأخوذة من قوله تعالى: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } البقرة(196). ثم قال: أن الفدية في الإطعام محصورة في هذه الأصناف الثلاثة: البر، والتمر، والشعير، وهذا غير مراد، لأن المراد ما يطعمه الناس، من تمر، أو شعير، أو بر، أو رز، أو ذرة، أو دخن، أو غيره. اهـ. الشرح الممتع (3/238-239).(1/146)
قال عطاء عن قوله: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } البقرة (196)، فقال: إن كعب بن عجرة مرّ بالنبيّ @ وبرأسه من الصئبان والقمل كثير, فقال له النبيّ @: "هَلْ عِنْدَكَ شاةٌ"؟ فقال كعب: ما أجدها. فقال له النبيّ @: "إنْ شِئْتَ فأطْعِمْ سِتّةَ مَساكِين, وإنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ, ثُم احْلِقْ رأسَكَ".(1)
__________
(1) فأما المرض الذي أبيح معه العلاج بالطيب وحلق الرأس, فكل مرض كان صلاحه بحلقه كالبرسام الذي يكون من صلاح صاحبه حلق رأسه, وما أشبه ذلك, والجراحات التي تكون بجسد الإنسان التي يحتاج معها إلى العلاج بالدواء الذي فيه الطيب ونحو ذلك من القروح والعلل العارضة للأبدان. والصواب من القول في ذلك عندنا ما ثبت به الخبر عن رسول الله@ وتظاهرت به عنه الرواية أنه أمر كعب بن عجرة بحلق رأسه من الأذى الذي كان برأسه ويفتدي إن شاء بنسك شاة, أو صيام ثلاثة أيام, أو إطعام فرق من طعام بين ستة مساكين كل مسكين نصف صاع. وللمفتدي الخيار بين أيّ ذلك شاء لأن الله لم يحصره على واحدة منهن بعينها, فلا يجوز له أن يعدوها إلى غيرها, بل جعل إليه فعل أيّ الثلاث شاء. ومن أبى ما قلنا من ذلك قيل له: ما قلت في المكفر عن يمينه أمخير إذا كان موسرا في أن يكفر بأيّ الكفارات الثلاث شاء؟ فإن قال: لا, خرج من قول جميع الأمة, وإن قال بلى, سئل الفرق بينه وبين المفتدي من حلق رأسه وهو محرم من أذى به, ثم لن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الاَخر مثله. على أن ما قلنا في ذلك إجماع من الحجة, ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره .اهـ. شرح حديث جابر للطريفي.(1/147)
وعن ابن جريج, قال: قال لي عطاء وعمرو بن دينار في قوله: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } قالا: له أيتهنّ شاء .
وعن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: ما أذًى من رأسه؟ قال: القمل وغيره, والصداع, وما كان في رأسه.
وعن ابن جريح, قال: أخبرني عطاء أن النبي@ كان بالحديبية عام حبسوا بها, وقمل رأس رجل من أصحابه يقال له كعب بن عجرة, فقال له النبي@: "أتُؤْذِيكَ هَذِهِ الهَوَامّ؟" قال: نعم. قال: "فاحْلِقْ وَاجْزُزْ ثُمّ صُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ أوْ أطْعِمْ سِتّةَ مَساكِينَ مُدّيْنِ مُدّيْنِ". قال: قلت أسمى النبي@ مدّين مدّين؟ قال: نعم, كذلك بلغنا أن النبي@ سمى ذلك لكعب, ولم يسمّ النسك. قال: وأخبرني أن النبيّ@ أخبر كعبا بذلك بالحديبية قبل أن يؤذن للنبيّ@ وأصحابه بالحلق والنحر, لا يدري عطاء كم بين الحلق والنحر.
وعن ابن جريج, قال: قال عطاء: كل شيء في القرآن "أو أو", فلصاحبه أن يختار أيه شاء. (1)
وقال ابن جريج: قال لي عمرو بن دينار: كل شيء في القرآن أو أو, فلصاحبه أن يأخذ بما شاء. (2)
وعن ليث عن عطاء ومجاهد أنهما قالا: ما كان في القرآن "أو كذا أو كذا", فصاحبه بالخيار, أيّ ذلك شاء فعل. (3)
وعن ليث ومجاهد, عن ابن عباس, قال: كلّ شيء في القرآن "أو أو", فهو مخير فيه, فإن كان "فمن فمن", فالأولَ فالأولَ. (4)
وعن أيوب, قال: قال: حدثت عن عطاء, قال: كل شيء في القرآن "أو أو" فهو خيار. (5)
وعن حفص بن غياث عن عبد الملك وأشعث عن عطاء قال: الدم بمكة حلقه: لانه اشتكى من هوام رأسه أي من القمل .
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج برقم (2833) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج برقم (2833) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج برقم (2834) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج برقم (2835) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (2837) .(1/148)
وعن أبي الأحوص عن العلاء بن المسيب قال: قال رجل لعطاء أطرح القملة تدب علي؟ قال: نعم، قال: فالقمل؟ قال: يكره أن يعمل في ثيابك وأنت محرم، قال: قلت: القراد والقملة تدب علي قال: انبذ عنك ما ليس منك. وعن ابن علية عن عيينة بن عبد الرحمن قال: سئل عكرمة بن خالد المخزومي عن الرجل يرى القملة في ثوبه قال: يأخذها أخذا رفيقا ويضعها على الأرض ولا يقلع .
وعن وكيع عن هشام بن الغاز عن عطاء قال: يلقي المحرم عنه القملة إن شاء. من القملة من الصيد: أي لا إثم ولا حكومة في إلقائها أو قتلها فإن الصيد الذي فيه العقوبة هو ما يؤكل. (1)
القراد: نوع من الهوام الطفيلية تعيش على جسم الإبل والدواب.
وقال أبو بكر ابن المنذر: وقد أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من حلق رأسه، جزّه، وإتلافه بحلق، أونورة، أو غير ذلك إلا في حال العلة .
وقال: وأجمعوا على وجوب الفدية على من حلق وهو محرم في حال العلة. (2)
قال الشيخ ابن عثيمين: حلق الرأس محرم وفيه الفدية، وحلق بعضه محرم ولا فدية فيه. ثم اعلم أن العلماء في محظورات الإحرام إذا قالوا: دم، فلا يعنون أن الدم متعين، بل هو أحد أمور ثلاثة: 1- الدم . 2- إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع . 3- صيام ثلاثة أيام إلا الجماع في الحج قبل التحلل الأول، فإن فيه بدنة، وإلا جزاء الصيد فإن فيه مثله . (3)
باب
لو أخر الحلق إلى بعد أيام التشريق حلق ولا دم عليه
قال عطاء: لو أخر الحلق إلى بعد أيام التشريق حلق ولا دم عليه، سواء طال زمنه أم لا، وسواء رجع إلى بلد .
__________
(1) أنظر كتاب الأم للشافعي (2/229)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/213) .
(2) الإشراف لابن المنذر (3/212)، دار المدينة .
(3) الشرح الممتع (3/210) .(1/149)
قال القرطبي: حلق الرأس هل هو من مناسك الحج أو هو مما يتحلل به منه، ولا خلاف بين الجمهور في أنه من أعمال الحج وأن الحلق أفضل من التقصير لما ثبت من حديث ابن عمر أن رسول الله@ قال: اللهم ارحم المحلقين، وأجمع العلماء على أن النساء لا يحلقن وأن سنتهن التقصير، واختلفوا هل هو نسك يجب على الحاج والمعتمر أو لا، فقال مالك: الحلاق نسك للحاج وللمعتمر وهو أفضل من التقصير ويجب على كل من فاته الحج وأحصر بعدو أو مرض أو بعذر وهو قول جماعة الفقهاء إلا في المحصر بعدو فإن أبا حنيفة قال ليس عليه حلاق ولا تقصير، وبالجملة فمن جعل الحلاق أو التقصير نسكا أوجب في تركه الدم ومن لم يجعله من النسك لم يوجب فيه شيئا. (1)
وقال النووي: لو أخر الحلق إلى بعد أيام التشريق حلق ولا دم عليه. سواء طال زمنه أم لا، وسواء رجع إلى بلده أم لا، هذا مذهبنا، وبه قال عطاء، وأبو ثور، وأبو يوسف، وأحمد، وابن المنذر، وغيرهم. وقال أبو حنيفة: إذا خرجت أيام التشريق لزمه الحلق ودم. وقال سفيان الثوري، وإسحاق ، ومحمد: عليه الحلق ودم، دليلنا: الأصل لا دم. (2)
وقال ابن عثيمين: ولكن الذي يظهر أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة، لأنه نسك، وقد قال الله تعالى: الحج أشهر معلومات. البقرة(197)، لكن إن كان جاهلاً وجوب الحلق، أو التقصير، ثم علم فإننا نقول احلق، أو قصر، ولا شيء عليك فيما فعلت من محظورات. (3)
باب
في المحرمة كم تأخذ من شعرها
عن عباد عن الحجاج قال: سألت عطاء عن تقصير المرأة . فقال: تأخذ من جوانبها شيئا، إنما هو تحليل .
وعن ليث عن مجاهد وعطاء قالا: يتمان على حجهما وعلى كل واحد منهما دم، وإن كان واحدا أجزاهما وعليهما الحج من قابل ولا يتفرقان. (4)
كم عليهما هديا واحدا أو اثنين ؟
__________
(1) بداية المجتهد (1/269).
(2) المجموع شرح المهذب (7/324) .
(3) الشرح الممتع (3/337) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/150)
وعن الزبير بن عدي عن إبراهيم قال: على كل واحد منهما بدنة.
وعن حماد عن إبراهيم عن علقمة قال : يهريق كل واحد منهما دما .
وعن ابن جريج عن عطاء قال: بينهما بدنة ، وقال سفيان : شاة تجزي. (1)
وعن مجاهد وعطاء قالا:يهريق كل واحد منهما دما إن كان واحدا أجزاهما.
وعن غندر عن شعبة عن الحكم وحماد قالا : عليهما هديا هديا .
عليهما هديا هديا أي على الرجل هدي وعلى المرأة هدي. (2)
وقال ابن عثيمين: أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك سنتيمترات اثنان تقريباً.(3)
باب
في الرجل يقطع من شجر الحرم
عن حفص عن عبد الملك بن جريج عن عطاء في رجل يقطع من شجر الحرم، قال : في القضيب درهم وفي الدوحة [قرة]. (4)
باب
من كره للمحرمة أن تلبس الحلي وتتزين
عن ابن جريج عن عطاء قال: كان يكره للمحرمة أن تلبس الحلي المشهور قال: قلت فالعقد ؟ قال: إن كان عقدا مشهورا فلا. (5)
وفيه جواز لبس النساء المحرمات للحلي .
وعن وكيع عن سفيان عن عطاء أنه كره الحلي للمحرمة . (6)
وعن عبد الملك عن عطاء قال: كان يكره أن تلبس المحرمة الحلي. (7)
وقال أبو بكر ابن المنذر: رخص في لبس الحلي للمرأة المحرمة عائشة أم المؤمنين، وأحمد، وأصحاب الرأي. ثم قال: لا يجوز منع المحرم منه بغير حجة. (8)
باب
في الرجل يصيبه طيب الكعبة ما يصنع به
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) الشرح الممتع (3/335) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/282) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/282) . وكره ذلك الثوري، وأبو ثور .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/282) .
(8) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/263)، دار المدينة .(1/151)
عن عطاء أنه سئل عن ذلك فقال: ليس عليه أن يغسله . (1)
وعن حجاج قال: سألت عطاء عن الرجل يصيبه الطيب من الكعبة، فقال: لا يضره. (2)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الذين يضعون الطيب في الحجر الأسود: ونحن نرى أن الذين يضعون الطيب في الحجر الأسود قد أخطأوا؛ لأنهم سوف يحرمون الناس من استلام الحجر الأسود، أو يوقعونهم في محظور من محظورات الإحرام، وكلاهما عدوان على الطائفين.
فيقال لهم: إذا أبيتم إلا أن تطيبوا الكعبة، فلا تجعلوا الطيب في مشعر من مشاعر الطواف، اجعلوه في جوانب الكعبة، أما أن تجعلوه في مكان يحتاج المسلمون إلى مسحه وتقبيله، فهذا جناية عليهم؛ لأنهم إما أن يدعوا المسح مع القدرة عليه، وإما أن يقعوا في المحظور، فعلى طالب العلم أن ينبه هذا الذي احتسب بنيَّته، وأساء بفعله أنه عدوان على المسلمين؛ لأن من قبَّلَ الحجر أو مسحه وأصابه طيب،وقيل له: اغسله، يكون فيه أذى شديداً عليه،خصوصاً مع الزحام .اهـ. (3)
باب
من قال : إذا لبد أو عقص أو ضفر فعليه الحلق
عن ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عمر قال: من ضفر أو لبد أو عقص فليحلق وقال ابن عباس: ما نوى.
وعن هشام عن الحسن وعطاء قالا: إذا جمع ذلك في ساعة فعليه دم واحد، وإن فرق بين ذلك فلكل واحد من ذلك دم. (4)
باب
في تغطية الرأس
عن حبيب المعلم عن عطاء سئل عن محرم أصابه مطر فغطى رأسه فقال: فدية من صيام أو نسك.(5)
قال الشيخ ابن عثيمين: قوله: ومن غطى رأسه بملاصق فدى: والملاصق: مثل الطاقية، والغترة، والعمامة، وما أشبه ذلك.
ودليل هذا: أن النبي $ قال: في الذي وقصته راحلته في عرفة ((لا تخمروا رأسه)) أي لا تغطوه، وهذا في كل غطاء .
__________
(1) المحلى (5/79و294) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) الشرح الممتع (3/222) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/152)
وأما العمامة فجاء فيها نص خاص، فقد قال النبي $ حين سئل مال يلبس المحرم قال: ((لا يلبس القميص، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا الخفاف)). وهذا ذكر بعض أفراد العام في قوله ((ولا تخمروا رأسه)).
وقوله: ((بملاصق)): خرج به ما ليس بملاصق؛ لأن ما ليس بملاصق لا يعد تغطية، مثل الشمسية فيمسكا الإنسان وهو محرم يستظل بها عن الشمس أو يتلقى بها المطر، فإن هذا لا بأس به، ولا فدية فيه .
وهذا هو الصحيح أن غير الملاصق جائز ، وليس فيه فدية . (1)
باب
ما يباح للمحرم فعله في حال الإحرام
هناك بعض الأمور يباح للمحرم فعلها منها:
باب
المحرم يلبس القميص والسراويل إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد نعلين
عن هشام عن الحسن وعطاء أنهما لم يريا بأسا أن يرتدي المحرم بالقميص.(2)
وقال عطاء: للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد نعلين. (3)
وعن عبد الملك قال: سئل عطاء أتلبس المحرمة السراويل؟ قال: نعم. (4)
وعن هشام عن الحسن وعطاء قال: تلبس المحرمة السراويل. (5)
وعن ابن نمير عن عبد الملك عن عطاء قال: لا بأس أن يلبس المحرم سراويل إذا لم يجد إزارا ، فلا بأس أن يلبس خفين إذا لم يجد نعلين. (6)
قال أبو بكر ابن المنذر: لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد النعلين، وبهذا قال عطاء، وعكرمة، والثوري، وأحمد، والشافعي، وإسحاق. (7)
__________
(1) الشرح الممتع (3/211) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/435) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/439)، المغني (5/120) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/434) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/434) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/439) .
(7) أنظر الإشراف لابن المنذر (3/222)، دار المدينة .(1/153)
قال ابن قدامة: لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد نعلين، وبهذا قال عطاء، وعكرمة، والثوري، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وغيرهم، والأصل فيه ما روى ابن عباس قال: سمعت النبي يخطب بعرفات يقول: "من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل للمحرم" متفق عليه. وروى جابر عن النبي@ مثل ذلك. أخرجه مسلم، ولا فدية عليه في لبسهما عند ذلك في قول من سمينا إلاَّ مالكاً وأبو حنيفة قالا على من لبس السراويل الفدية لحديث ابن عمر الذي قدمناه، لأن ما وجبت الفدية يلبسه مع وجود الإزار وجبت مع عدمه كالقميص.
وخبر ابن عباس وهو صريح في الإباحة ظاهر في إسقاط الفدية لأنه أمر بلبسه ولم يذكر فدية. ولأنه يختص لبسه بحالة عدم غيره فلم تجب به فدية كالخفين المقطوعين وحديث ابن عمر مخصوص بحديث ابن عباس وجابر. فأما القميص فيمكنه أن يتزر به من غير لبس ويستتر بخلاف السراويل.
وإذا لبس الخفين لعدم النعلين لم يلزمه قطعهما في المشهور عن أحمد ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وبه قال عطاء، وعكرمة، وسعيد بن سالم القداح، وعن أحمد أنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين فإن لبسهما من غير قطع، افتدى، وهذا قول عروة بن الزبير، ومالك، والثوري ، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر، وأصحاب الرأي لما روى ابن عمر عن النبي أنه قال: "فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين" . متفق عليه وهو متضمن لزيادة على حديث ابن عباس وجابر والزيادة من الثقة مقبولة، قال الخطابي: العجب من أحمد في هذا فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه وقلت سنة لم تبلغه واحتج أحمد بحديث ابن عباس وجابر "من لم يجد نعلين فليلبس خفين" مع قول علي> قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما . (1)
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/211) .(1/154)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: كما أن قوله لما سئل ما يلبس المحرم من الثياب فقال لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين هكذا رواه ابن عمر، وذكر أن النبي خطب بذلك لما كان بالمدينة ولم يكن حينئذ قد شرعت رخصة البدل فلم يرخص لهم لا في لبس السراويل إذا لم يجدوا الإزار ولا في لبس الخف مطلقا ثم انه في عرفات بعد ذلك، قال السراويل لمن لم يجد الإزار والخفاف لمن لم يجد النعلين، هكذا رواه ابن عباس وحديثه في الصحيحين، ورواه جابر وحديثه في مسلم فأرخص لهم بعرفات في البدل فأجاز لهم لبس السراويل إذا لم يجدوا الإزار بلا فتق، وعليه جمهور العلماء فمن اشترط فتقه خالف النص وأجاز لهم حينئذ لبس الخفين إذا لم يجدوا النعلين بلا قطع فمن اشترط القطع فقد خالف النص فان السراويل المفتوق والخف المقطوع لا يدخل في مسمى السراويل والخف عند الإطلاق كما أن القميص إذا فتق وصار قطعا لم يسم سراويل وكذلك البرنس وغير ذلك فإنما أمر بالقطع أولا لأن رخصة البدل لم تكن شرعت فأمرهم بالقطع حينئذ لأن المقطوع يصير كالنعلين فانه ليس بخف ولهذا لا يجوز المسح عليه باتفاق المسلمين فلم يدخل في إذنه في المسح على الخفين ودل هذا على أن كل ما يلبس تحت الكعبين من مداس وجمجم وغيرهما كالخف المقطوع تحت الكعبين أولى بالجواز فتكون إباحته أصلية كما تباح النعلان لا أنه أبيح على طريق البدل وإنما المباح على طريق البدل هو الخف المطلق والسراويل . (1)
وقال الشوكاني: واجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين، وهو قول الجمهور.(2)
باب
جواز إدهان المحرم رأسه أو لحيته ما لم يكن طيبا
__________
(1) مجموع الفتاوى (21-191-194) .
(2) نيل الأوطار (5/67-68).(1/155)
مذهب عطاء : أن المحرم يدهن بالزيت والشبرج إذا احتاج إليه، ويتداوى بما أكل. وقال عطاء: يدهن المحرمُ قدميه، إذا تشقَّقَتْ بالوَدَكِ ما لم يكُنْ طِيباً.
وعن ابن جريج، عن عطاء؛ أنه سأله عن المُحْرِمِ يتشقَّقُ رَأْسُهُ أيدهن الشِّقَاقَ منه بِسَمْنٍ؟ قال: لا، ولا بَوَدك السَّمْنِ، إلا أن يفتدى، فقلتُ لهُ: إنه ليس بِطيبٍ قال: ولكنه يرجِّل رأسه، قال: فقلت له: فإنه يدهن قَدَمُه، إذا تشقَّقَتْ بالوَدكِ، ما لم يكن طِيباً، فقال: إنَّ القَدَمَ لَيْسَتْ كالشَّعْرِ؛ إن الشَّعْرَ يرجَّل.
قال عطاء: والِّلحْيَةُ في ذلك مِثْلُ الرَّأْسِ. (1)
وعن عطاء قال: إذا وضع المحرم علي شئ منه دهنا فيه طيب، فعليه الكفارة .
قال ابن قدامة: ولا يدهن بما فيه طيب وما لا طيب فيه.
وعن عطاء قال: يدهن المحرمُ قدميه، إذا تشقَّقَتْ بالوَدَكِ ما لم يكُنْ طِيباً.
وعن ابن جريج، عن عطاء؛ أنه سأله عن المُحْرِمِ يتشقَّقُ رَأْسُهُ أيدهن الشِّقَاقَ منه بِسَمْنٍ؟ قال: لا، ولا بَوَدك السَّمْنِ، إلا أن يفتدى، فقلتُ لهُ: إنه ليس بِطيبٍ قال: ولكنه يرجِّل رأسه، قال: فقلت له: فإنه يدهن قَدَمُه، إذا تشقَّقَتْ بالوَدكِ، ما لم يكن طِيباً، فقال: إنَّ القَدَمَ لَيْسَتْ كالشَّعْرِ؛ إن الشَّعْرَ يرجَّل. قال عطاء: والِّلحْيَةُ في ذلك مِثْلُ الرَّأْسِ. (2)
أما المطيب من الأدهان كدهن الورد والبنفسج والزنبق والخيري واللينوفر فليس في تحريم الأدهان به خلاف في المذهب. وهو قول الأوزاعي، وكره مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي الأدهان بدهن البنفسج.
__________
(1) كتاب الأم (2/196) .
(2) المجموع شرح المهذب (2/196) .(1/156)
وقال الشافعي: ليس بطيب. ولنا: إنه يتخذ للطيب وتقصد رائحته فكان طيباً كماء الورد. فأما ما لا طيب فيه كالزيت والشيرج والسمن والشحم ودهن البان الساذج،. فنقل الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المحرم يدهن بالزيت والشبرج. فقال: نعم يدهن به إذا احتاج إليه، ويتداوى المحرم بما أكل. قال ابن الأثرم جواز ذلك عن ابن عباس، وأبي ذر ، والأسود بن يزيد، وعطاء، والضحاك وغيرهم ونقل أبو داود عن أحمد أنه قال: الزيت الذي يؤكل لا يدهن المحرم به رأسه. فظاهر هذا: أنه لا يدهن رأسه بشيء من الأدهان. وهو قول عطاء ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي. لأنه يزيل الشعث ويسكن الشعر: فأما دهن سائر البدن فلا نعلم عن أحمد فيه منعاً. وقد ذكرنا إجماع أهل العلم على إباحته في اليدين. وإنما الكراهة في الرأس خاصة. لأنه محل الشعر. (1)
وقال : وإن دهن به رأسه أو لحيته، افتدى؛ لأنهما في موضِعِ الدُّهْنِ، وهما يرجَّلان، ويذهب شَعْثُهُمَا بالدُّهْنِ، فأيُّ ذهنِ أَذْهَبَ شَعْثَهُمَا ورجَّلهما [و] بقي فيهما طِيباً أو لم يبق فعلى المُدْهِنِ به فديةٌ.
ولو دهن رأسه بِعَسَلٍ أو لَبَنٍ، لم يفتد؛ لأنه لا طِيْبَ ولا دُهْن، إنما هو يقذر؛ لا يرجلُ، ولا يُهَنِّىءُ الرأْسَ.
وقال الشافعي: لا شيء عليه. وقال أبو بكر ابن المنذر: لا أعلم عليه شيئاً، لأني لا أعلم حجة توجب ذلك. (2)
باب
جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره
عن عطاء(3) بن أبي رباح أنه قال: لا بأس أن يستظل المحرم. (4)
وعن عطاء أنه رخَّص أن يستظل المحرم .
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/211) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/261)، دار المدينة .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/286) .
(4) الاستذكار (4/24)، التمهيد (15/111)، المحلى (5/212) .(1/157)
وعن عطاء في المحرم يجعل المكتل على رأسه، فقال: نعم لا بأس بذلك. (1)
قال الشوكاني: فيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره من محمل وغيره، وإلى ذلك ذهب الجمهور وقال مالك وأحمد لا يجوز. (2)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: وثمة أمور جائزة اعتاد بعض الحجاج أن يتحرجوا منها لفتاوى صدرت من بعضهم منافية للأصل المشار إليه آنفا رأيت التنبيه عليها :
ومنها: الاستظلال بالخيمة أو بثوب مرفوع لثبوت ذلك عنه $ ونحوه الاستظلال بالمحمل قديما وبالمظلة (الشمسية) والسيارة ولومن داخلها حديثا وإيجاب الفدية على ذلك تشدد لا دليل عليه بل النظر السليم لا يفرق بين الاستظلال بالخيمة الثابت في السنة والاستظلال بالمحمل وما في معناه وهو رواية عن الإمام أحمد كما في "منار السبيل" (1/246). فما تفعله بعض الطوائف من إزالة سقف السيارة تنطع في الدين لم يأذن به رب العالمين.
- و- شد المنطقة والحزام على الإزار وعقده عند الحاجة والتختم كما جاء في بعض الآثار . ومثله وضع ساعة اليد والنظارة ومحفظة النقود على العنق
كل هذه الأمور داخلة تحت الأصل المذكور مع تأيد بعضها بأحاديث مرفوعة وآثار موقوفة والله عز وجل يقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).اهـ. (3)
باب
الحجامة للمحرم
عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء وطاوس عن ابن عباس، أن رسول الله @ احتجم وهو محرم . (4)
وعن أبي الأحوص عن العلاء بن المسيب قال: قيل لعطاء يحتجم المحرم؟ فقال: نعم قد فعل ذلك رسول الله @، ولكن لا يحلق شعراً. (5)
__________
(1) الأم للشافعي (2/150)، المحلى (5/299)، المغني (5/152) .
(2) نيل الأوطار (5/74).
(3) مناسك الحج والعمرة .
(4) رواه البخاري في جزاء الصيد برقم (1835)، ومسلم في جواز الحجامة للمحرم برقم (1202) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/320) .(1/158)
وعن عطاء: إن حلق مواضع الحجامة فعليه كفارة. (1)
قال النووي: باب جواز الحجامة للمحرم، قوله أن النبي @ احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه.. وفي هذا الحديث دليل لجواز الحجامة للمحرم وقد أجمع العلماء على جوازها له في الرأس وغيره إذا كان له عذر في ذلك، وان قطع الشعر حينئذ لكن عليه الفدية لقطع الشعر فان لم يقطع فلا فدية عليه، ودليل المسألة، قوله تعالى: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } البقرة (196)، وهذا الحديث محمول على أن النبي @ كان له عذر في الحجامة في وسط الرأس لأن لا ينفك عن قطع شعر، أما إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فان تضمنت قلع شعر فهي حرام لتحريم قطع الشعر، وان لم تتضمن ذلك بأن كانت في موضع لا شعر فيه فهي جائزة عندنا وعند الجمهور ولا فدية فيها. (2)
وقال الشوكاني: إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك. (3)
وعن ابن عباس { ، أن النبي@ احتجم وهو محرم وذلك في حجة الوداع بمحل يقال له لحي جبل بين مكة والمدينة متفق عليه .
وقال الصنعاني: دل على جواز الحجامة للمحرم وهو إجماع في الرأس وغيره إذا كان لحاجة، فإن قلع من الشعر شيئا كان عليه فدية الحلق وإن لم يقلع فلا فدية عليه، وإن كانت الحجامة لغير عذر، فإن كانت في الرأس حرمت إن قطع معها شعر لحرمة قطع الشعر، وإن كانت في موضع لا شعر فيه فهي جائزة عند الجمهور ولا فدية . (4)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: وثمة أمور جائزة اعتاد بعض الحجاج أن يتحرجوا منها لفتاوى صدرت من بعضهم منافية للأصل المشار إليه آنفا رأيت التنبيه عليها :
__________
(1) المحلى (5/295)، (المجموع (7/378) .
(2) شرح النووي (8/122-123).
(3) نيل الأوطار (5/80).
(4) سبل السلام (2/195-196) .(1/159)
ومنها: الاحتجام ولو بحلق الشعر مكان الحجم لاحتجامه $ وسط رأسه وهو محرم ولا يمكن ذلك إلا مع حلق الشعر، وهو قول ابن تيمية أيضا وبه قالت الحنابلة لكنهم أوجبوا عليه الفدية ولا دليل لهم بل هو مردود باحتجامه $ فإنه لو فدى لنقله عنه الراوي فاقتصاره على ذكر احتجامه دون الفدية دليل على أنه لم تقع منه فدية فالصواب قول ابن تيمية رحمه الله تعالى. (1)
باب
المحرم يغطي وجهه
عن وكيع عن مغفل عن عطاء قال: يغطي المحرم وجهه إلى الحاجبين، ويخمر أذنيه إلى حاجبيه . (2)
وعن عطاء قال: يرفع المحرم ثوبه إذا كان مضطجعاً إلى عينه وتشد المحرمة ثوبها على وجهها . (3)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق، وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضاً، ولا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعودٍ ولا يدها ولا غير ذلك . (4)
باب
شم الريحان ونحوه للمحرم
عن عطاء قال: لا بأس أن يشمَّ المحرم الريحان والأذخر. (5)
وعن عطاء قال: لا بأس أن يشمَّ المحرم طيب نبات الأرض. (6)
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) الاستذكار (4/25)، مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/،285) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/284و285) .
(4) الاختيارات (ص280) ط الفاروق .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/321) . والأذخر نبت طيب الرائحة يستعمل من البيوت ويوضع على القبور أيضا . وممن قال: لا بأس أن يشم المحرم الريحان ابن عباس، والحسن البصري، ومجاهد، وإسحاق.
وقال مالك، وأصحاب الرأي: لا شيء عليه إن شم الريحان. أنظر كتاب الإشراف لابن المنذر (3/260)، دار المدينة .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/322) .(1/160)
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل، ويدهن. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يشم المحرم الريحان، وينظر في المرآة، ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن، وقال عطاء: يتختم ويلبس الهميان، وطاف ابن عمر رضي الله عنهما، وهو محرم، وقد حزم على بطنه بثوب، ولم تر عائشة < بالتبان بأساً للذين يرحلون هودجها .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: وثمة أمور جائزة اعتاد بعض الحجاج أن يتحرجوا منها لفتاوى صدرت من بعضهم منافية للأصل المشار إليه آنفا رأيت التنبيه عليها :
ومنها: شم الريحان وطرح الظفر إذا انكسر وفي ذلك آثار مذكورة في الأصل. (1)
باب
جواز غسل المحرم رأسه وجسده من الجنابة
عن عطاء قال: إذا حلَّ لك الحلق فاغسل رأسك بما شئت. (2)
وعن ليث عن عطاء سألته أغسل رأسي قبل أن أحلق إن شقَّ عليَّ الحلق قال: نعم وإن شئت غسلته بالخطمي. (3)
وعن نافع عن ابن عمر أنه كان يغسل رأسه بالخطمي قبل أن يحلقه .
قال أبو بكر ابن المنذر: كان عمر بن الخطاب يغتسل وهو محرم.
وقال: وقد أجمع أهل العلم على أن المحرم أن يغتسل من الجنابة. وبقول عمر نقول. (4)
قال النووي: واتفق العلماء على جواز غسل المحرم رأسه وجسده من الجنابة، بل هو واجب عليه، وأما غسله تبردا فمذهبنا ومذهب الجمهور جوازه بلا كراهة.(5)
باب
في الخاتم للمحرم
عن عن سفيان عن أبي إسحاق عن عطاء قال: لا بأس بالخاتم للمحرم . (6)
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/357) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/358) .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/258)، دار المدينة .
(5) شرح النووي (8/148) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/283)، والسنن للدارقطني (2/233) .(1/161)
وعن الفضل بن دكين عن إسماعيل بن عبد الملك قال: رأيت على سعيد بن جبير وعلى عطاء خاتماً وهو محرم. (1)
باب
إذا حلق المحرم رأس حلال أو قلم أظفاره فلا فدية عليه
قال عطاء: إذا حلق المحرم رأس حلال أو قلم أظفاره فلا فدية عليه. (2)
فعن هشام عن الحسن وعطاء قال: إذا انكسر ظفره من حيث انكسر، وليس عليه شئ فإن قلمه من قبل أن انكسر فعليه دم. (3)
وعن حجاج عن عطاء قال: ينزع الضرس يعني المحرم . (4)
وعن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم قالوا في المحرم: إذا نتف إبطه أو قلم أظفاره فإن عليه الفدية. (5)
قال ابن قدامة: قال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره(6)، وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم، وهو قول حماد، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن عطاء، وعنه لا فدية عليه، لأن الشرع لم يرد فيه بفدية، ولم يعتبر ابن المنذر في حكايته الإجماع قول داود الظَّاهري إن المحرم له أن يقص أظفاره، ولا شيء عليه لعدم النص، وفي اعتبار داود في الإجماع خلاف معروف، والأظهر عند الأصوليين اعتباره في الإجماع. والله تعالى أعلم. وقال: إذا حلق المحرم رأس حلال أو قلم أظفاره فلا فدية عليه، وبذلك قال عطاء، ومجاهد، وعمرو بن دينار، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وقال سعيد بن جبير في محرم قص شارب حلال: يتصدق بدرهم، وقال أبو حنيفة: يلزمه صدقة، لأنه أتلف شعر آدمي، فأشبه شعر المحرم، وقال: إنه شعر مباح الإتلاف فلم يجب بإتلافه شيء كشعر بهيمة الأنعام. (7)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/283) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/396)، دار المدينة .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/132)، المحلى (5/282) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/133) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(6) أنظر الإشراف لابن المنذر (3/216)، دار المدينة .
(7) المغني على مختصر الخرقي (3/347) .(1/162)
وقال الشنقيطي: وذهب الشافعي وأصحابه: إلى أن حلق ثلاث شعرات فصاعداً تلزم فيه فدية الأذى كاملة، واحتجوا بأن الثلاث: يقع عليها اسم الجمع المطلق، فكان حلقها كحلق الجميع، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، وقال القاضي: إنها المذهب، وبذلك قال الحسن، وعطاء، وابن عيينة وأبو ثور، كما نقله عنهم صاحب المغني. أما حلق الشعرة الواحدة، أو الشعرتين فللشافعية فيه أربعة أقوال: الأول: وهو أصحها عند محققيهم، وهو نص الشافعي في أكثر كتبه: أنه يجب في الشعرة الواحدة مد وفي الشعرتين مدان، ومذهب الإمام أحمد في هذه المسألة كمذهب الشافعي فشعر الرأس وشعر البدن حكمهما عنده سواء، وإن حلق شعر رأسه وبدنه: فعليه فدية واحدة. (1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: كان عطاء، ومجاهد، وعمرو بن دينار، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور يقولون: في محرم أخذ شارب حلال لا شيء عليه.
قال أبو بكر: وكذلك نقول . (2)
باب
هل للمحرم أن ينظر في المرآة
عن نافع عن ابن عمر أنه لم ير بأسا أن ينظر المحرم في المرآة . (3)
وعن حجاج وعن عطاء قالا:لا بأس به. (4)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا بأس أن ينظر فيها يميط عنه الأذى . (5)
وقال أبو بكر ابن المنذر: كان ابن عباس، وطاووس، والشافعي، وأحمد، وإسحاق يقولون: لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم، وكان أبو هريرة يفعل ذلك. (6)
باب
السواك للمحرم
ثبت عن رسول الله $ أنه قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء".(7)
__________
(1) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(2) الإشراف لابن المنذر (3/218)، دار المدينة .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/140)، المحلى (5/281) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/140) .
(6) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/263)، دار المدينة .
(7) رواه البخاري ومسلم .(1/163)
عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قال:كانوا يستحبون السواك للمحرم.(1)
وعن عطاء قال: لا بأس أن يستاك المحرم. (2)
قال أبو بكر ابن المنذر في تعليقه على هذا الحديث: دخل في ذلك المحرم والصائم في شهر رمضان وغيره، ولا أعلم أحداً منع المحرم من السواك. (3)
باب
هل للمحرم أن يصب الماء على رأسه ويدلكه
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول قال: إذا أصابت المحرم جنابة فليصب الماء على رأسه صباً ولا يعركه. (4)
وعن عبد الوهاب الثقفي عن حبيب عن عطاء في المحرم إذا اغتسل، قال: يشرب الماء رأسه ولا يدلكه . (5)
والصحيح والله أعلم هو جواز ذلك لثبوته عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: وثمة أمور جائزة اعتاد بعض الحجاج أن يتحرجوا منها لفتاوى صدرت من بعضهم منافية للأصل المشار إليه آنفا رأيت التنبيه عليها :
ومنها: الاغتسال لغير احتلام ولو بدلك الرأس، لثبوت ذلك عن النبي $ في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - ، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. (6)
باب
في الزعفران(7) والخشكنانج وغيره يكون في الطعام
عن ابن إدريس عن يزيد بن أبي زياد قال: أرسل مجاهد وسعيد بن جبير إلى عطاء يسألانه عن الطعام للمحرم فيه الزعفران فكرهه فقالا: يؤثره عن أحد؟ فقال: لا، فأكلا ولم ينظرا إلى قوله . (8)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/132) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/133) .
(3) الإشراف لابن المنذر (3/260)، دار المدينة .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/146) .
(6) مناسك الحج والعمرة .
(7) الزعفران إضافة لاستعمالاته العديدة فهو نوع من التوابل يضاف إلى الملح كما قد يضاف إلى الطعام.
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/166)، المحلى (5/296) .(1/164)
وعن ابن فضيل عن خصيف قال: سألت مجاهدا وعطاء عن الخشكنانج والخبيص الأصفر فكرهاه، قال: فسألت سعيد بن جبير فقال: تدهن بالزيت وأنت محرم؟ قال: قلت: لا، قال: فإن الخشكنانج قد طبخ بالنار. (1)
وعن ابن إدريس عن هشام عن الحسن أنه كان لا يرى بالخبيص الأصفر
والخشكنانج الأصفر بأسا إذا مسته النار. (2)
وعن حفص بن غياث عن طاوس وعطاء أنهما كانا لا يريان بأسا بالخبيص الأصفر للمحرم ، ويقولان: ما مسته النار فلا بأس به. (3)
قال ابن المنذر: وكان ابن عمر، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وطاوس، والنخعي: أنهم لم يكونوا يرون بأكله بأساً، وهذا مذهب أصحاب الرأي. (4)
باب
في الملح الأصفر للمحرم
عن عباد بن العوام عن حجاج عن عطاء وعن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم أنهما كانا لا يريان بأسا أن يأكل المحرم الملح الذي فيه الزعفران.
وعن ليث عن عطاء وطاوس أنهما كانا يكرهان الملح الأصفر للمحرم .
وعن يزيد بن هارون عن حجاج عن عطاء قال: لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب قد طبع بالزعفران، ثم غسل ليس له نفض ولا ردع.
باب
في الحداء للمحرم
عن ابن جريج عن عطاء قالا: لا بأس بالغناء والحداء والشعر للمحرم، ما لم يكن فحشاً. (5)
وعن جرير عن عطاء بن السائب قال: كان عمر يأمر رجلا فيحدو. (6)
باب
هل للمحرم أن يحك رأسه
عن وكيع عن عمر بن ذر عن عطاء قال: لا تحك وأنت محرم . (7)
وعن عبد الملك عن عطاء في المحرم يحك رأسه قال: نعم يحكه بأنامله . (8)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) أنظر مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/166)، المغني (5/149) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/166)، المغني (5/149) .
(4) الإشراف لابن المنذر (3/262)، دار المدينة .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/253) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/361) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/362) .(1/165)
وعن وكيع عن مسعر عن عطاء قال: يحكه حكا خفيفا . (1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: رخص في حك المحرم رأسه جابر، وعبيد بن عمير، وسعيد بن جبير، وكان ابن عمر يحك بأنامله. وقال ابن المنذر: هو مباح. (2)
قال الشيخ الألباني رحمه الله: وثمة أمور جائزة اعتاد بعض الحجاج أن يتحرجوا منها لفتاوى صدرت من بعضهم منافية للأصل المشار إليه آنفا رأيت التنبيه عليها :
ومنها: حك الرأس ولو سقط منه بعض الشعر لحديث أبي أيوب (3)
وقال الشيخ ابن عثيمين: لا يحرم على المحرم أن يحك رأسه، إلا إن حكه ليتساقط الشعر فهو حرام، لكن من حكه بدافع الحكة ثم سقط شيء بغير قصد، فإنه لا يضره، وقيل: لعائشة: إن قوماً يقولون بعدم حك الرأس؟ قالت: لو لم أستطع أن أحكه بيدي لحككته برجلي، وهذا منها رضي الله عنها من المبالغة في الحل، ورأيت كثيراً من الحجاج إذا أراد أن يحك رأسه نقر بأصبعه على رأسه خوفاً من أن يتساقط شعره كل هذا من التنطع. (4)
باب
الحنّاء والعصفر ليس بطيب
عن شريك عن ليث عن مجاهد وعطاء قال: لا بأس أن يتداوى المحرم بالحناء وكرها أن يختصب بها .(5)
وقال عطاء: العصفر(6) ليس طيب فلا فدية فيه .
وعن ابن جريج عن عطاء أنه كره المعصفر للمحرم . (7)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/362) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/266)، دار المدينة .
(3) مناسك الحج والعمرة .
(4) الشرح الممتع (3/210- 211) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/322) .
(6) عصفر : العُصْفُر نبات سُلافَتُه الجِرْيالُ، وهي معربة. ابن سيده: العُصْفُر هذا الذي يصبغ به، منه رِيفِيٌّ، ومنه بَرِّيٌّ، وكلاهما نبتٌ بأَرض العرب. وقد عَصْفَرْت الثوب فتَعَصْفَرَ. وأما العصفر: فليس عندهم بطيب،ولا بأس باستعماله،وشمه، ولا بما صبغ به.
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/143)، المحلى (5/69) .(1/166)
المعصفر: المصبوغ بالعصفر وهو أيضا صباغ أصفر برتقالي ويستعمل في الطعام كالتوابل يعطي لونا ورائحة طيبة. (1)
وعن عبد الملك عن عطاء كره أن يحرم الرجل في الثوبين المعصفرين. (2)
قال النووي أيضاً: الحناء ليس بطيب عندنا كما سبق: ولا فدية، وبه قال مالك، وأحمد، وداود. وقد قدمنا أن الخِضاب بالحناء: يوجب الفدية عند المالكية، ثم قال النووي: وقال أبو حنيفة: هو طيب يوجب الفدية، وإذا لبس ثوباً معصفراً: فلا فدية، والعصفر: ليس بطيب هذا مذهبنا، وبه قال أحمد وداود، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وجابر، وعبد الله بن جعفر، وعقيل بن أبي طالب، وعائشة، وأسماء، وعطاء، قال: وكرهه عمر بن الخطاب، وممن تبعه الثوري ومالك، ومحمد بن الحسن، وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: إن نفض على البدن وجبت الفدية، وإلا وجبت صدقة. انتهى محل الغرض منه.
وقال الشنقيطي: وحاصل مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة: أن النبات الذي تستطاب رائحته على ثلاثة أضرب:أحدها: ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه، كنبات الصحراء من الشيخ، والقيصوم، والخزامي والفواكه كلها من الأترج، والتفاح وغيره، وما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب، كالحناء والعصفر، وهذا النوع مباح شمه في مذهب الإمام أحمد، ولا فدية فيه ... (3)
وقال أبو بكر ابن المنذر: ليس على المحرمة في الخضاب شيء. (4)
باب
المحرم يعصب رأسه ويعصر القرحة والدمل
عن عطاء أنه سئل عن المحرم يصدع قال: يعصب رأسه إن شاء. (5)
وعنه قال: إن صدع المحرم عصب رأسه. (6)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/143) .
(3) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/263)، دار المدينة .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/184)، المغني (5/151) .
(6) مسائل أبي داود عن أحمد (ص112) .(1/167)
وعنه قال: لابأس أن يعصب على الجرح. (1)
وعن سفيان عن جابر عن عطاء قال: لا بأس به .
وعنه في المحرم تنكسر يده أيداويها؟ قال: ((نعم ويعصب عليها بخرقة)). (2)
وعن ابن جريج عن عطاء في المحرم يجعل المكتل على رأسه,فقال: ((نعم لا بأس بذلك, وسألته عن العصابة يعصب بها المحرم فقال: لا العصابة تكفت شعرا كثيرا)).(3)
وعن ابن جريج قال: يعصر المحرم القرحة والدمل . (4)
وعنه قال: المحرم يجس القرحة . (5)
وكان عطاء يرخص في العصابة من الضرورة، والصحيح: أنه لا تسقط الفدية عنه بالعذر، كما لو لبس قلنسوة من أجل البرد.
فإن حمل على رأسه مكتلاً أو طبقاً أو نحوه؛ فلا فدية عليه، وبهذا قال عطاء ومالك، وقال الشافعي: عليه الفدية لأنه ستره. (6)
وعن ليث عن عطاء وطاوس قالا : رأينا ابن عمر وهو محرم وقد شد حقويه بعمامة .
وعن محمد بن سوار عن سعيد بن أبي عروبة عن برد عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا بالطيلسان للمحرم ما لم يزرره عليه .
باب
لبس السلاح للمحرم
عن عطاء قال: لا بأس أن يتقلد سيفه إذا خاف . (7)
وعنه قال: لا يدخل أحدكم مكة بسلاح في حج ولا عمرة . (8)
وعنه: لا يدخل المحرم بسلاح . (9)
وقال أبو بكر ابن المنذر: كان عطاء، والشافعي يقولان: يتقلد إن احتاج إليه. وبقول عطاء أقول. (10)
باب
المحرم يضرب عبده
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/409)، وأمالي النسائي (165) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/409) .
(3) الأم للإمام الشافعي (2/150)، المغني (5/152) .
(4) مسائل أبي داود عن أحمد (ص112) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/132) .
(6) المغني على مختصر الخرقي (3/211) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/298)، المغني (5/128) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/298) .
(9) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/298) .
(10) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/264)، دار المدينة .(1/168)
عن أسلم المنقري قال: سألت عطاء عن محرم لطم عبده قال: ((يستغفر الله)).(1)
باب
المحرم يبدل ثيابه
عن عطاء أنه لم ير بأساً أن يبدل المحرم ثيابه أو ما سوى ذلك. (2)
باب
المحرم يغسل ثيابه
عن عبد الملك عن عطاء قيل: أيغسل المحرم ثيابه؟ قال: نعم .
وقال أبو بكر ابن المنذر: كان جابر بن عبدالله، وابن عمر، وابن عباس، وابن جريج، والثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور لايرون بأساً أن يغسل المحرم ثيابه، وحكى ذلك أبو ثور عن الكوفي. ثم قال: لا بأس به.(3)
باب
المحرم يدخل الحمام
عن حجاج عن عطاء أنه كره للمحرم أن يدخل الحمام . (4)
وعن عطاء قال : ((لا بأس بدخول المحرم الحمام)) . (5)
وقال أبو بكر ابن المنذر: ثبت أن ابن عباس قال: يدخل المحرم الحمام. وكان الثوري، الشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان وصاحباه لا يرون به بأساً.
ثم قال: قول ابن عباس وسائر أهل العلم أولى، ولا حجة لمن منع منه.(6)
باب
خمس يقتلن في الحل والحرم
قال عطاء: لا بأس بقتل السبع في الإحرام عدا عليه أم لم يعد . (7)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: كل عدو عدا عليك فاقتله وأنت محرم. (8)
__________
(1) التاريخ الكبير (2/24) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/346) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/265)، دار المدينة .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/346) .
(5) المحلى (5/280) .
(6) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/265)، دار المدينة .
(7) المجموع (7/357). عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله $، قال : ((خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور)) . رواه البخاري برقم (1732) ،باب ما يقتل المحرم من الدواب ، ومسلم برقم (1198) ، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/350)، أخبار مكة للأزرقي (2/149).(1/169)
وعنه، في المحرم يقتل الذئب والآسد قال: اقتله فإنه عدو . (1)
وعنه قال: يقتل المحرم الذئب إذا كابره ويقتل من السباع ما كابره . (2)
وعن حجاج عن عطاء قال: يقتل الغراب . (3)
وعن حبيب المعلم قال: سئل عطاء أيقتل السبع في الحرم؟ قال: نعم، قال: فالحدأة؟ قال: نعم. (4)
وعن إبراهيم قال سألت عطاء عن الوزع يقتل في الحرم، فقال: إذا آذاك فلا بأس به .
قال النووي: قال ابن المنذر، ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "خمس لا جناح على من قتلهن في الإحرام الغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور والحدأة" قال: فأخذ بظاهر هذا الحديث الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق غير أن أحمد لم يذكر الفأرة، قال: وكان مالك يقول: الكلب العقور ما عقر الناس وعدا عليهم كالأسد والنمر والفهد والذئب، قال: فأما ما لا يعدو من السباع ففيه الفدية، قال: وقال أصحاب الرأي: إن إبتدأه السبع فلا شيء عليه، وإن ابتدأ المحرم السبع فعليه قيمته إلا أن يكون قيمته أكثر من الدم فعليه دم، إلا الكلب والذئب فلا شىء عليه وإن إبتدأهما، قال: وأجمعوا على أنه لا شيء عليه في قتل الحية، قال: وأباح أكثرهم قتل الغراب في الإحرام، منهم أبو عمر ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال بعض أصحاب الحديث. إنما يباح الغراب الأبقع دون سائر الغربان.
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/412) .
(2) المصنف لعبد الرزاق (4/444) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/436) .
(4) أخبار مكة للفاكهي (4/4) .(1/170)
وأما الفأرة فأباح الجمهور قتلها ولا جزاء فيها ولا خلاف فيها بين العلماء إلا ما حكاه ابن المنذر عن النخعي أنه منع المحرم من قتلها، قال: وهذا لا معنى فيه لأنه خلاف السنة وقول العلماء، قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن السبع إذا بدر المحرم فقتله فلا شيء عليه، قال واختلفوا فيمن بدأ السبع، فقال مجاهد، والنخعي، والشعبي، والثوري، وأحمد، وإسحاق: لا يقتله، وقال عطاء وعمرو بن دينار والشافعي وأبو ثور لا بأس بقتله في الإحرام عدا عليه أم لم يعد، قال ابن المنذر: وبه أقول.
وقال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لا شيء على المحرم في قتل البعوض والبراغيث والبق، وكذا قال عطاء في البعوض والذباب. (1)
وقال شيخ الإسلام: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والعقرب والحدأة والفأرة والكلب العقور، فأمر النبي@ بقتل ذلك في الحل والحرم وسماهن فواسق لأنهن يفسقن أي يخرجن على الناس ويعتدين عليهم فلا يمكن الاحتراز منهن كما لا يحترز من السباع العادية فيكون عدوان . (2)
باب
الاكتحال للمحرم
عن عطاء قال: إذا اشتكى المحرم عينيه فليكحلهما بالصبر والحضض ولا يكتحل بكحل فيه طيب .
...
باب
البدء بالطواف(3)
أول ما يفعله الحاج أو المعتمر هو الطواف بالبيت(4)،
__________
(1) المجموع شرح المهذب (7/167) .
(2) مجموع الفتاوى (11/609) .
(3) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الطواف والسعي لا تشترط لهما النية، لأن الطواف والسعي جزء من عبادة مكونة من أجزاء فتكفي النية في أولها كالصلاة .اهـ. الشرح الممتع (3/376).
(4) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ظاهره أنه لا يصلي تحية المسجد وهو كذلك، فإن من دخل المسجد للطواف أغناه الطواف عن تحية المسجد، ومن دخله للصلاة أو الذكر أو القراءة أو ما أشبه ذلك فإنه يصلي ركعتين، كما لو دخل أي مسجد آخر .اهـ. الشرح الممتع (3/282).
ويروى حديث: "تحية البيت الطواف". قال الشيخ الألباني: لا أصل له. الضعيفة برقم(1012).
ثم قال: وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده. أنظر بدع الحج والعمرة في رسالتي مناسك الحج والعمرة رقم البدعة(37).(1/171)
فينبغي أن لا يلوي على شيء إذا دخل مكة، وليكن أول ما يبدأ به هو الطواف بالبيت كما فعل النبي @ كما في حديث عائشة <: أن رسول الله @ أول ما دخل مكة توضأ ثم طاف بالبيت، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون من بعده، فقال العلماء يستحب للإنسان أن يبدأ بالطواف قبل كل شيء قبل استئجار المحل وقبل أن ينظر في أي أمر من أموره .
عن ابن جريج قال: قال عطاء فيمن قدم معتمراَ فقدم المسجد لأن يطوف بالبيت(1): لا يمنع الطواف، ولا يصلي تطوعاً حنى يطوف، وإن وجد الناس في المكتوبة فليصلِّ معهم، ولا أحبُّ أن يصليَ بعدها شيئاً حتى يطوف بالبيت، وإن جاء قبل الصلاة فلا يجلس ولا ينتظرها وليطف، قال: فإن قطع الإمام طوافه فليتمَّ بعد . (2)
وعن عطاء في رجل بدأ بالصقا والمروة قبل البيت قال: يعيد. (3)
قال النووي: وأما قوله ثم يطوف بين الصفا والمروة ففيه دليل على وجوب الترتيب بين الطواف والسعي وأنه يشترط تقدم الطواف على السعي، فلو قدم السعي لم يصح السعي، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. (4)
__________
(1) قال الشيخ الألباني رحمه الله: واحذر ما استطعت أن تمر بين يدي أحد من المصلين في المسجد الحرام فضلا عن غيره من المساجد وغيرها لقوله $: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه ". فهذا نص عام يشمل كل مار ومصل ولم يصح حديث استثناء المار في المسجد الحرام وعليك أن تصلي فيه كغيره إلى سترة لعموم الأحاديث الواردة في ذلك وفيه آثار خاصة عن بعض الصحابة مذكورة في الأصل. مناسك الحج والعمرة.
(2) كتاب الأم للشافعي (2/186)، أخبار مكة للأزرقي (2/114) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/251) .
(4) شرح النووي (9/14-15).(1/172)
ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمراً، أو بطواف القدوم إن كان مفرداً أو قارناً، وهذا الطواف إما أن يكون طواف قدوم ويكون في حق القارن والمفرد ، أو يكون طواف العمرة فيمن أتى بعمرة منفردة أو في حق المتمتع، وقد ذكر النووي لهذا الطواف خمسة أسماء فقال: يسمى طواف القدوم، والقادم، والورود، والوارد، والتحية، فيضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر . (1)
باب
هل الطهارة شرط في الطواف؟
مذهب عطاء عدم الطواف إلا بوضوء.
فعن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا: لا تطوف بالبيت إلا وأنت على وضوء. (2)
وعن عطاء والحسن أنهما كرها أن يطوف الرجل على غير طهارة. (3)
__________
(1) الاضطباع: افتعال من الضبع، وهو عضد الإنسان، وأصل اضطبع: اضْتبع ولكن قُلبت التاء طاءً لأن التاء إذا جاءت بعد ضاد أو صاد ساكنة قُلبت طاءً، كما تقول اصطبر فأصلها اصْتبر. والمراد بالاضطباع: هو أن يجعل وسط الرداء تحت كتفه اليمنى ويجعل طرفيه على كتفه اليسرى فيخالف بين طرفيه، وهذا ثابت عن النبي @ .
ملحوظة : الاضطباع لا يكون إلا في طواف القدوم خاصة، ومن الخطأ الشائع نرى البعض يصلي وهو مضطبع أي مكشوف الكتف وهذا خطأ والأصل أن يغطي كتفه . ==
== قال العلامة ابن عثيمين: والحكمة من ذلك: الاقتداء بالنبي $ وإظهار القوة والنشاط، إذ هو أنشط للإنسان مما لو التحف بردائه .
وقوله: ثم يطوف مضطبعاً:يستفاد منه: أنه لا يفعل الاضطباع إلا إذا شرع في الطواف وهو كذلك، والعجب من جهل كثير من الناس اليوم أنهم يضطبعون من حين أن يحرموا ويستمروا إلى أن يحلوا، وهذا من الجهل، وعدم تنبيه العامة، وإلا فلو نُبه العامة على ذلك لعلموا به لأنهم يريدون الخير . اهـ. الشرح الممتع(3/282).
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/295) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/295) .(1/173)
وعن ليث أن عطاء كان يشدد في الطواف بالبيت على غير وضوء. (1)
وعن ابن جريج قال: قلت له: الغلام لم يبلغ، يطاف به، أيوضأ؟ قال: عليه ما على العاقل أن يبتغي أهله البركة في وضوئه. (2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال الإمام أحمد بن حنبل فى مناسك الحج لابنه عبدالله حدثنا سهل بن يوسف أنبأنا شعبة عن حماد ومنصور قال سألتهما عن الرجل يطوف بالبيت وهو غير متوضيء فلم يريا به بأساً، قال عبدالله: سألت أبي عن ذلك؟ فقال: أحب إلي أن لا يطوف بالبيت وهو غير متوضىء لأن الطواف بالبيت صلاة، وقد اختلفت الرواية عن أحمد فى اشتراط الطهارة فيه، ووجوبها كما هو أحد القولين فى مذهب أبي حنيفة لكن لا يختلف مذهب أبي حنيفة أنها ليست بشرط، ومن طاف في جورب ونحوه لئلا يطأ نجاسة من ذرق الحمام أو غطى يديه لئلا يمس امرأة ونحو ذلك فقد خالف السنة فإن النبي $ و أصحابه والتابعين ما زالوا يطوفون بالبيت وما زال الحمام بمكة لكن الاحتياط حسن ما لم يخالف السنة المعلومة فإذا أفضى إلى ذلك كان خطأ، ومعلوم أن الذي طاف على غير طهارة متعمداً آثم، وقد ذكر أحد القولين: هل عليه دم؟ أم يرجع فيطوف؟ وذكر النزاع في ذلك، وكلامه يبين في أن توقفه في الطائف على غير طهارة يتناول الحائض والجنب مع التعمد، ويبين أن أمر الناسي أهون بكثير، والعاجز عن الطهارة أعذر من الناسي.اهـ.(3)
__________
(1) أخبار مكة للفاكهي (1/293) .
(2) المصنف لعبد الرزاق (5/70)، مسائل أبي داود عن أحمد (ص117) .
(3) مجموع الفتاوى (26/160) .(1/174)
وذهب مالك والشافعي إلى اشتراط الوضوء في الطواف، وذهب أبو حنيفة إلى إسقاطه وسبب اختلافهم تردد الطواف بين أن يلحق حكمه بحكم الصلاة أو لا يلحق وذلك أنه ثبت أن رسول الله@ منع الحائض الطواف كما منعها الصلاة فأشبه الصلاة من هذه الجهة وقد جاء في بعض الآثار تسمية الطواف صلاة وحجة أبي حنيفة أنه ليس كل شيء منعه الحيض فالطهارة شرط في فعله إذا ارتفع الحيض كالصوم عند الجمهور؟ المسألة الرابعة ذهب الجمهور إلى أنه يجوز لغير المتوضىء أن يقرأ القرآن ويذكر الله . (1)
ونقل الشيخ ابن عثيمين عن شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه لا يشترط الوضوء للطواف. ثم قال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ناقش المسألة: وعليه فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر لكنها بلا شك أفضل وأكمل واتباعاً للنبي $ ... (2)
فائدة: كان أبو ثور يقول: إذا طاف في ثوب نجس وهو لا يعلم يجزئه.
قال أبو بكر ابن المنذر: قول أبي ثور صحيح. (3)
باب
الطواف راكباً أو محمولاً
عن عطاء أنه كره الطواف راكباً إلا من علة. (4)
وعنه أنه طاف راكباً. (5)
وعن حجاج قال: سألت عطاء عن مريض حمله رجلٌ فطاف به، لأيهما الطواف؟ فقال: للمحمول. (6)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإن لم يمكنه الطواف ماشيا فطاف راكبا أو محمولا أجزأه بالاتفاق، وكذلك ما يعجز عنه من واجبات الطواف مثل من كان به نجاسة لا يمكنه إزالتها كالمستحاضة، ومن به سلس البول فإنه يطوف ولا شيء عليه باتفاق الأئمة، وكذلك لو لم يمكنه الطواف إلا عريانا فطاف بالليل كما لو لم يمكنه الصلاة إلا عرياناً. (7)
__________
(1) بداية المجتهد (1/13) .
(2) المسائل الفقهية (1/235) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/285)، دار المدينة .
(4) تهذيب الآثار (1/72) .
(5) التمهيد (2/95) .
(6) أخبار مكة للفاكهي (1/281) .
(7) مجموع الفتاوى (26/124) .(1/175)
وقال أبو بكر ابن المنذر: ثبت أن رسول الله $ طاف على راحلته. (1)
ولا قول لأحد مع فعله $ . (2)
باب
الطواف بالنعال
عن جابر الجعفي قال: رأيت عطاء يطوف في نعاله . (3)
وعن إسرائيل عن جابر قال: رأيت طاوساً ومجاهدا وعطاء يطوفون في نعالهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأعلم أن القول الذي يتضمن مخالفة السنة خطأ كمن يخلع نعليه في الصلاة المكتوبة أو صلاة الجنازة خوفا من أن يكون فيهما نجاسة فإن هذا خطأ مخالف للسنة فإن النبي $ كان يصلي فى نعليه وقال ان اليهود لا يصلون فى نعالهم فخالفوهم و قال إذا أتى المسجد أحدكم فينظر فى نعليه فإن كان فيهما أذى فليدلكهما فى التراب فإن التراب لهما طهور، وكما يجوز إن يصلي فى نعليه فكذلك يجوز أن يطوف فى نعليه . (4)
باب
النقاب واللثام في الطواف
عن عكرمة بن عمار قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يكره للرجل أن يطوف بالبيت وهو متلثم . (5)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: الطواف صلاة، وكره فيه النقاب للمرأة. (6)
وعن إبراهيم بن نافع قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن المرأة تطوف بالبيت وتغطي أنفها أو فاها، فكره ذلك، وقال: إنها في صلاة . (7)
وعن عطاء قال:لا تطوف المرأة بالبيت وهي منتقبة، ولا تصلي وهي منتقبة(8)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (1632)، باب المريض يطوف راكباً، ومسلم في كتاب الحج برقم (1272)، باب جواز الطواف على بعير وغيره.
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/182)، دار المدينة .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/238)، أخبار مكة للفاكهي (1/281) .
(4) مجموع الفتاوى (26/124) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (1/234) .
(6) أخبار مكة للفاكهي (1/235) .
(7) أخبار مكة للفاكهي (1/235) .
(8) المصنف لابن أبي شيبة (2/130)، أخبار مكة للفاكهي (1/234) .(1/176)
وعن حبيب المعلم قال: سأل عطاء عن المرأة تنتقب وهي تطوف، قال لا، إن كانت حلالاً فلا بأس أن تستتر بالنهار أما الليل فلا، إن كانت محرمة فلا تنتقب ليلاً ولا نهاراً .(1)
وعن ابن جريج عن عطاء أنه كره أن تطوف المرأة بالكعبة وهي منتقبة حتى أخبرته صفية بنت شيبة أنها رأت عائشة تطوف بالبيت وهي منتقبة فرجع عن رأيه ذلك وأرخص فيه .
وعن قتادة عن عطاء أنه كان لا يرى به بأساً. (2)
باب
في الزحام على الحجر والطواف
ولا يزاحم على الحجر لقوله @:"يا عمر! إنك رجل قوي فلا تؤذ الضعيف وإذا أردت استلام الحجر؛ فإن خلا لك فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر". (3)
عن ابن جريج عن عطاء قال: إذا كان على الحجر زحام فلا تؤذين وابعد منه.
وعن حجاج عن عطاء عن ابن عباس قال: كان يكره أن يزاحم على الحجر تؤذي مسلما أو يؤذيك .
وعن جابر عن عطاء ومجاهد ومحمد بن علي وسالم والقاسم أنهم لم يكونوا يزاحمون على الحجر وكانوا يقيمون ساعة مستقبلة. (4)
وعن وكيع عن المختار أبي عمرو عن جابر بن زيد قال:لا يزاحم على الحجر.
باب
الطواف داخل الحجر
عن عطاء في رجل طاف فكان من طوافه دخولاً في الحجْر قال: لا يعتدُّ بما كان من دخول الحجر. (5)
وعنه قال: إن طاف بعض سبعه في الحجر فليطف بالبيت من وراء الحجر ما طاف بالحجر إن أحصاه. (6)
كان ابن عباس يقول: الحجر من البيت. وقال أبو بكر ابن المنذر: لا يجزيه الطواف الذي سلك فيه الحجر. (7)
__________
(1) أخبار مكة للفاكهي (1/235) .
(2) أخبار مكة للفاكهي (1/235) .
(3) رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (_3/252، التمهيد (10/50)، المغني (5/231) .
(6) المصنف لعبدالرزاق (5/57)، أخبار مكة للفاكهي (1/274) .
(7) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/278)، دار المدينة .(1/177)
وقال الشيخ ابن عثيمين: فإذا طاف على جدار الحجر لم يصح، وإن طاف من دون جدار الحجر من الداخل، لم يصح من باب أولى. (1)
باب
في الرمل واستلام الحجر الأسود وتقبيل اليد(2)
عن ابن عباس أنه قال: رمل رسول الله $ في عمره كلها، وفي حجته، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والخلفاء. (3)
__________
(1) الشرح الممتع (3/296) .
(2) ولاستلام الحجر ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يستلمه ويقبله ويسجد عليه، وهذا اتباع واقتداء بسنة رسول الله$ وقد ثبت هذا في أحاديث كثيرة منها: حديث الزبير بن عربي قال: سأل رجلٌ ابن عمر عن استلام الحجر فقال: رأيت رسول الله $ يستلمه ويقبله، قال: أرايت إن زُحمت؟ أرايت إن غُلبت؟ قال له ابن عمر: دع أرايت في اليمن، رأيت رسول الله $ ستلمه ويقبله. حديث عمر الثابت في الصحيحين أنه قبّل الحجر وقال: والله إني لأقبلك وإني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي$ يقبِّلُك ما قبلتك. المرتبة الثانية: أن لا يستطيع الإنسان تقبيله لكنه يستطيع أن يستلمه بشيء، فإذا لم يستطيع أن يقبّل الحجر فإنه يمس الحجر ==
== إما بيده أو بشيء معه ثم يُقبّل ما استلمه به:ويدل على هذا: حديث ابن عمر في صحيح مسلم عن نافع قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبّل يده، وقال: ما تركته منذُ رأيت رسول الله $ يفعله .حديث أبي الطفيل الثابت في صحيح مسلم: أن رسول الله $ قبّل الركن بمحجن ثم قبّل المحجن .المرتبة الثالثة: أن يُشير إليه إشارة ولا يُقبل ما أشار به إليه، وهذا ثابت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال:طاف رسول الله $ على بعير كلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده وكبّر . عند استلام الحجر، قال الحافظ في التلخيص: روى البيهقي والطبراني في الأوسط والدعاء من حديث ابن عمر: أنه كان إذا استلم الحجر قال: بسم الله، والله أكبر. وسنده صحيح .
(3) أخرجه أحمد في المسند (1/225).(1/178)
وقال أبو بكر ابن المنذر: وبه نقول. (1)
ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويقبله، والمراد باستلام الحجر هو: مسه ومسحه باليد، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأولى. (2)
عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله@ رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا،
ومشى سائر ذلك. إلا أن وكيعا لم يقل: سائر ذلك. (3)
وعن ابن جريج عن عطاء أن النبي $ رمل في عمرة وأبو بكر وعثمان والخلفاء كذلك، وقال عطاء: رمل النبي $ في حجته. وعن ابن عباس أن النبي$ لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه. رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه الحاكم. (4)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: ليس في طواف النحر رملان. (5)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/273)، دار المدينة .
(2) قال الشيخ ابن عثيمين: من أحرم من قرن المنازل، أو يلملم، أو ذاق عرق، أو الجحفة، أو من ذي الحليفة فإنه يرمل. وكذلك من دون ذلك ولكنه بعيد عن مكة فإنه يرمل، حتى لو كان من أهل مكة، ودخل مكة وأحرم من مكان بعيد فإنه يرمل في طواف القدوم ثلاثة أشواط، ثم يمشي أربعة، وذلك لفعل النبي $. الشرح الممتع (3/286) .
ثم قال رحمه الله: فإن لم يتيسر له الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى لازدحام المكان وتيسر له في الأشواط الثلاثة الأخيرة لخفة الزحام فلا يقضى، لأن الرمل سنة في الأشواط الثلاثة، وقد فات محلها، ولأنه إذا رمل في الأشواط الأخيرة خالف السنة، إذ السنة الأشواط الأخيرة المشي دون الرمل. الشرح الممتع (3/288) .
(3) المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج . قال الشيخ ابن عثيمين: والرمل: ليس هو هز الكتفين كما يفعله الجهال. بل الرمل هو: المشي بقوة ونشاط، بحيث يسرع، لكن لا يمد خطوه،والغالب أن الإنسان يسرع ويمد خطاه لأجل أن يتقدم بعيداً، لكن في الطواف نقول: أسرع بدون أن تمد الخطا بل قارب الخطا. الشرح الممتع (3/287) .
(4) سبل السلام (2/215).
(5) المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/274)، السنن الكبرى (5/84) .(1/179)
وعن عطاء أن النبي @ بدأ بالحجر الأسود، ورمل من الحجر إلى الحجر.
وعن فطر عن الحسن بن مسلم بن يناق قال: كنت أرمل الثلاثة من الحجر إلى الحجر، فأبى أشياخنا وقالوا: مشي ما بين الركنين، منهم سعيد بن جبير وطاوس ومجاهد وعطاء .
وعن عطاء قال: لا يرمل بين الركنين . (1).
وعن يونس عن الحسن وعطاء قالا: ليس على أهل مكة رمل ولا على من أهلَّ منها، إلا أن يجيئ أحد من أهل مكة خارج. (2)
وعن عباد بن العوام، عن حجاج، عن أبي جعفر قال: إن شاء رمل وإن شاء لم يرمل، قال: وكان عطاء يراه واسعا إن شاء لم يرمل، وكان الرمل أحب إليه. (3)
فائدة في ثواب استلام الحجر: قال @: "ليبعثن الله الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به، ويشهد على من استلمه بحق". (4)
وعن ابن عمر:"مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً".(5)
وعن عطاء قال: إذا استلمت الحجر فقبل يديك ولا تصوب بالقبلة.
وعن عبيدالله عن نافع قال: رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده وقبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله @ يفعله .
وعن عطاء قال: رأيت ابن عمر وأبا هريرة إذا استلموا الركن يعني الحجر قبلوا أيديهم قال:قلت لعطاء: وابن عباس؟ قال: وابن عباس، حسبت كثيرا قال: وقال عطاء: لم أمسح الركن إن لم أقبل يدي، قال: وقال عمرو بن دينار: الجفا من مسح الركن ولم يقبل يده.(6)
__________
(1) المجموع (8/82)، المغني (5/218) .
(2) المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/277)، المحلى (5/86) . كتاب الإشراف لابن المنذر (3/368)، دار المدينة .
(3) المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/277)، التمهيد (2/70-77)، المجموع (8/82) .
(4) رواه الترمذي والبيهقي . صحيح الجامع (5346).
(5) رواه الترمذي وابن خزيمة، صحيح الجامع رقم (2194) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/180)
وعن عابس بن ربيعة قال: "رأيت عمر بن الخطاب > يُقبل الحجر (يعني الأسود) ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله @ يقبلك ما قبلتك".(1)
قوله ولولا أني رأيت رسول الله @ الخ، فيه استحباب تقبيل الحجر الأسود وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وسائر العلماء، وحكى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي وأحمد أنه يستحب بعد تقبيل الحجر السجود عليه بالجبهة وبه قال الجمهور. (2)
قال النووي: قوله أن رسول الله@ كان لا يستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني يحتج به الجمهور في أنه يقتصر بالاستلام في الحجر الأسود عليه دون الركن الذي هو فيه.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (1597)، باب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَد، ومسلم في كتاب الحج برقم (1270)، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف.
(2) نيل الأوطار (5/113).(1/181)
وقال: قوله: قبّل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله $ يقبلك ما قبلتك وفي الرواية الأخرى وإني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع . هذا الحديث فيه فوائد منها استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف بعد استلامه وكذا يستحب السجود على الحجر أيضا بأن يضع جبهته عليه فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عليه هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وحكاه أبن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي وأحمد قال وبه أقول، قال: وقد روينا فيه عن النبي $ وانفرد مالك عن العلماء فقال السجود عليه بدعة، واعترف القاضي عياض المالكي بشذوذ مالك في هذه المسألة عن العلماء، وأما الركن اليماني فيستلمه ولا يقبله بل يقبل اليد بعد استلامه هذا مذهبنا وبه قال جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة، وقال أبو حنيفة لا يستلمه، وقال مالك وأحمد يستلمه ولا يقبل اليد بعده، وعن مالك رواية أنه يقبله، وعن أحمد رواية أنه يقبله والله أعلم. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ثبت عن النبي $ أنه كان يقبله، محبة له لكونه حجراً، أو تعظيماً لله عز وجل.
الجواب: الثاني بلا شك لا محبة له من حيث كونه حجراً، ولا يتبرك به أيضاً، كما يصنعه الجهال فيمسح يده بالحجر الأسود، ثم يمسح بها بدنه، أو يمسح الحجر الأسود، ثم يمسح على صبيانه الصغار تبركاً به، فإن هذا من البدع، وهو نوع من الشرك. (2)
وإذا لم يستطع استلام الحجر وتقبيله لشدة الزحام فلا حرج أن يشير إليه وهو ماش.
عن ابن فضيل عن عبد الملك قال: رأيت سعيد بن جبير حين استفتح الطواف استقبل الحجر ولم يتركه، ورفع يديه وكبر، فسألت عطاء فقال: كبر ولا ترفع يديك بالتكبير .
__________
(1) شرح النووي (9/16و28).
(2) الشرح الممتع (3/284) .(1/182)
قال الشيخ ابن عثيمين: أنه عند الإشارة يستقبله، ولأن هذه الإشارة تقوم مقام الاستلام والتقبيل، والاستلام والتقبيل يكون الإنسان مستقبلاً له بالضرورة. لكن إذا شق أيضاً مع كثرة الزحام، فلا حرج أن يشير وهو ماش.
إذاً الحجر له سنتان: سنة فعلية، وسنة قولية. (1)
باب
في الرجل ينسى أن يرمل
عن هشام عن عطاء قال: إن نسي أن يرمل ثلاثة أشواط رمل فيما بقي، وإن لم يبق إلا شوط واحد رمل فيه ولا شئ عليه فإن لم يرمل في شئ منهن فلا شئ عليه . (2)
وعن عطاء، في الرجل ينسى الرمل قال: ليس عليه شئ. (3)
وقال أبو بكر ابن المنذر: لا شيء عليه. (4)
باب
استلام الركن اليماني
وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل .
عن عبيدالله بن أبي ذر قال: رأيت مجاهدا وسعيد بن جبير وعطاء إذا استلموا الركن قبلوا أيديهم. (5)
وعنه، ثبت أن رسول الله @ كان يستلم الركن اليماني، والركن الأسود ولا يستلم الآخرين. (6)
وقال أبو بكر ابن المنذر: وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وبه نقول. (7)
قال النووي: وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين واتفق الجماهير على أنه لا يمسح الركنين الآخرين واستحبه بعض السلف وممن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا علي وابن الزبير وجابر ابن عبدالله وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء جابر بن زيد } .
ويستلم الحجر والركن اليماني في كل مرة.
__________
(1) الشرح الممتع (3/285).
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/277)، المحلى (5/85) .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/274)، دار المدينة .
(5) رواه مسلم.
(6) رواه البخاري في الحج برقم (1609)، ومسلم في الحج برقم (1267).
(7) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/272)، دار المدينة .(1/183)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : وأما الركن اليماني فلا يقبل على القول الصحيح، وأما سائر جوانب البيت، والركنان الشاميان، ومقام إبراهيم فلا يقبل، ولا يتمسح به باتفاق المسلمين المتبعين للسنة المتواترة عن النبي@ فإذا لم يكن التمسح بذلك، وتقبيله مستحبًا، فأولي ألا يقبل ولا يتمسح بما هو دون ذلك . (1)
قال الشيخ ابن عثيمين:لأن النبي $ كان يستلمهما في كل مرة من طوافه(2)
وفيما نعلم بأنه لا يوجد ذكر معين عند استلام الركن اليماني .
قال الشيخ ابن عثيمين: لا يقول شيئاً فيستلم بلا قول، ولا تكبير ولا غيره، لأن ذلك لم يرد عن النبي $ . (3)
وفي الشوط الآخر يستلم الركن اليماني، ولا يستلم الحجر.
قال الشيخ ابن عثيمين: يستلم الركن اليماني، ولا يستلم الحجر الأسود. (4)
باب
المشي في الطواف
عن عطاء قال: لا بأس أن يمشي الرجل مشيه الذي هو مشيه في الطواف ما لم يؤذِ أحداً .(5)
باب
عدم جواز استلام النساء للحجر
عن ابن جريج عن عطاء أن أزواج النبي @ كن يطفن مع الرجال، قال عطاء: وقالت امرأة لعائشة: تعالي إلى الحجر فاستلميه قالت: الفدى عنك.(6)
وعن المثنى قال: رأيت عطاءً وأرادت امرأة أن تستلم الحجر، فصاح بها، وقال: غطِّ يدكِ، ليس للنساء أن يستلمن.(7)
باب
التزام الملتزم
بعض العلماء جوز التزام الملتزم في الطواف وأن يضع صدره ووجهه . (8)
__________
(1) المجموع (8/31) .
(2) الشرح الممتع (3/289) .
(3) الشرح الممتع (3/290) .
(4) الشرح الممتع (3/289) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (1/215) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(7) أخبار مكة للفاكهي (1/123)، أخبار مكة للأزرقي (1/337) .
(8) أنظر الصحيحة برقم (2138).(1/184)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وإن أحب أن يأتي الملتزم وهو مابين الحجر الأسود والباب فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته فعل ذلك، وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع، فإن الالتزام لا فرق بين أن يكون حال الوداع أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً . مناسك الحج لابن تيمية .
وقال الشيخ الألباني: وله أن يلتزم ما بين الركن والباب فيضع صدره ووجهه وذراعيه عليه . روي ذلك عن النبي $ من طريقين يرتقي الحديث بهما إلى مرتبة الحسن ويزداد قوة بثبوت العمل به عن جمع من الصحابة منهم ابن عباس - رضي الله عنه - وقال: "هذا الملتزم بين الركن والباب" وصح من فعل عروة بن الزبير أيضا وكل ذلك مخرج في "الأحاديث الصحيحة"(2138 (
وقال الشيخ ابن عثيمين:...فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية وضيق.(1)
باب
إذا حضرت جنازة وهو في أثناء الطواف عليه إتمام الطواف
قال عطاء: إذا حضرت جنازة وهو في أثناء الطواف عليه إتمام الطواف أولى.(2) وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أفأقطع طوافي إلى الجنازة أصلي عليها ثم أرجع؟ قال: لا .(3)
قال النووي: فرع إذا حضرت جنازة وهو في أثناء الطواف فمذهبنا أن إتمام الطواف أولى، وبه قال عطاء، وعمرو بن دينار، ومالك وابن المنذر. وقال الحسن بن صالح، وأبو حنيفة: يخرج لها. وقال أبو ثور: لا يخرج، فإن خرج استأنف. (4)
باب
يقطع الطواف للصلاة المكتوبة ويبني من حيث قطع
__________
(1) الشرح الممتع (3/358) .
(2) أنظر أخبار مكة للفاكهي (1/295).
(3) أخبار مكة للفاكهي (1/294) .
(4) المجموع شرح المهذب (7/186) .(1/185)
قال أبو بكر ابن المنذر: واختلفوا فيمن طاف بعض سبعة، ثم قطع عليه للصلاة المكتوبة، فقال أكثر أهل العلم ممن نحفظ عنه يبني من حيث قطع عليه إذا فرغ من صلاته، روينا هذا القول عن ابن عمر، وبه قال عطاء، وطاوس، ومجاهد، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. ولا يعلم أحد خالف ذلك إلا الحسن البصري فإنه قال: يستأنف. وبقول ابن عمر نقول. (1)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/283)، دار المدينة .(1/186)
وقال الشنقيطي: أظهر قَوْلَيْ العلماء عندي أنه إن أقيمت الصلاة وهو في أثناء الطواف أنه يصلي مع الناس ولا يستمر في طوافه مقدماً إتمام الطواف على الصلاة، وممن قال بذلك: ابن عمر، وسالم، وعطاء، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأَحمد، وأصحابهم، وأبو ثور. وروي ذلك عنهم في السعي أيضاً ولكن عند المالكية لا يجوز قطع الطواف إلا للصلاة المكتوبة خاصة، إذا أقيمت، وهو في أثناء الطواف، ويبني عندهم إن قطعه للصلاة خاصة، ويندب عندهم إكمال الشوط إن قطعه في أثناء شوط، وإن قطعه لغيرها كصلاة الجنازة، أو تحصيل نفقة لا بد منها لم يبن على ما مضى منه، بل يستأنف الطواف عندهم، لأنه لا يجوز عندهم قطعه لذلك ابتداء، كما ذكرناه قريباً، وقيل: يمضي في طوافه، ولا يقطعه للصلاة واحتج من قال بهذا، بأن الطواف صلاة، فلا تقطع الصلاة، ورد عليه بحديث "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" ومن قال من أهل العلم: إن الطواف يجوز قطعه للصلاة على الجنازة والحاجة الضرورية: كالشافعية والحنابلة، قالوا: يبني على ما أتى به من أشواط الطواف، فإن كان قطعه للطواف عند انتهاء شوط من أشواطه، بنى على الأشواط المتقدمة، وجاء ببقية الأشواط، وإن كان قطعه له في أثناء الشوط، فأظهر قَولَيْ أهل العلم عندي: أنه يبتدىء من الموضع الذي وصل إليه، ويعتد ببعض الشوط الذي فعله قبل قطع الطواف، خلافاً لمن قال: إنه يبتدىء الشوط الذي قطع الطواف في أَثنائه، ولا يعتد ببعضه الذي فعله: وهو قول الحسن، وأحد وجهين عند بعض الشافعية، وهو مندوب عند المالكية إن قطعه للفريضة كما تقدم وكذلك لو أحدث في أثناء الطواف عند من يقول: إنه يتوضأ، ويبني على ما مضى من طوافه، وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أَحمد.اهـ. (1)
بَابُ
الاِسْتِرَاحَةِ فِي الطَّوَاف
__________
(1) أضواء البيان تفسير سورة الحج .(1/187)
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أستريح في الطواف فأجلس؟ قال: نعم. (1)
وعنه عن عطاء؛ أنه كان لاَ يَرَى بَأْسَاً بالاِسْتِرَاحَةِ في الطوافِ، وذَكَرَ الاِسْتِراحة جَالِسَاً. (2)
قال الشافعي رحمه الله: لاَ بَأْسَ بالاِسْتِرَاحَةِ في الطواف. (3)
باب
لكل طواف ركعتان(4)
قال عطاء في الذي يطوف عدة طوافات في المرة الواحدة: يجمع بين الأسابيع. فإذا فرغ منها ركع لكل أسبوع ركعتين. (5)
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/364)، المغني (5/249) .
(2) أنظر المصنف لابن أبي شيبة (3/364)، المغني (5/249) .
(3) كتاب الأم (2/225) .
(4) ثبت في حديث جابر قال : ثم نفذ النبي $ إلى المقام فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، ويصلي ركعتين يقرأ في الأولى: قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية: قل هو الله أحد .
قال الشيخ الألباني: فإذا انتهى من الشوط السابع غطى كتفه الأيمن وانطلق إلى مقام إبراهيم وقرأ: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى). وجعل المقام بينه وبين الكعبة وصلى عنده ركعتين ==
== وقرأ فيهما (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) وينبغي أن لا يمر بين يدي المصلي هناك ولا يدع أحدا يمر بين يديه وهو يصلي لعموم الأحاديث الناهية عن ذلك وعدم ثبوت استثناء المسجد الحرام منها بله مكة كلها ثم إذا فرغ من الصلاة ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه فقد قال$: "ماء زمزم لما شرب له"وقال: " إنها مباركة وهي طعام طعم [ وشفاء سقم]" وقال: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام الطعم وشفاء السقم" ثم يرجع إلى الحجر الأسود فيكبر ويستلم على التفصيل المتقدم السعي بين الصفا والمروة. متفق عليه من حديث عائشة والبخاري من حديث جابر والزيادة له . مناسك الحج والعمرة .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/238)، أخبار مكة للفاكهي (1/281) .(1/188)
وعن عطاء في رجل طاف بالبيت ونسي أن يصلي ركعتين حتى مضى قال: يصليهما إذا ذكر, وليس عليه شيء, ولا بأس بها في الحِجر. (1)
وعنه قال: تجزيك الفريضة من ركعتي الطواف قبل المغرب. (2)
وعنه قال: تجزئ ركعتي الفجر من ركعتين على سبع. (3)
وعنه قال : بلغني أن الصلاة مكتوبة تجزئ من ركعتين على السبع . (4)
وعنه قال: أيما صلاة مكتوبة أقيمت مع فراغك من سبعك فإن المكتوبة تجزيء من ركعتي السبع . (5)
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أيجزئ سبعي لا أصلي حتى آتي البيت فأصليها؟ قال: نعم, إن شئت, قلت: أرأيت لو قدمت ركعتي السبع قبله هل تجزئ ذلك عن الركعتي بعده؟ قال: سبحان الله! ما أدري, قال: قلت: لا حتى أركعهما بعده؟ قال: نعم . (6)
قال ابن قدامة: ولا بأس أن تجمع بين الأسابيع. فإذا فرغ منها ركع لكل أسبوع ركعتين فعل ذلك عائشة والمسور بن مخرمة، وبه قال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير، وإسحاق، وكرهه ابن عمر والحسن والزهري ومالك وأبو حنيفة. لأن النبي لم يفعله. ولأن تأخير الركعتين عن طوافهما يخل بالموالاة بينهما. (7)
والمستحب أن يقرأ في الأولى من ركعتي الطواف { قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وفي الثانية { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } كما هو ثابت في حديث جابر. وجمهور أهل العلم على أن ركعتي الطواف، لا يشترط في صحة صلاتهما أن تكون خلف المقام، بل لو صلاهما في أي موضع غيره صح ذلك. ولو طاف في وقت نهى. (8)
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/317) .
(2) أخبار مكة للفاكهي (1/268) .
(3) المصنف لعبدالرزاق (5/59) .
(4) المصنف لعبدالرزاق (5/75)، أخبار مكة للفاكهي (1/270) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (1/268)، المغني (5/233)، المجموع (8/87) .
(6) المصنف لعبدالرزاق (5/59)، أخبار مكة للفاكهي (1/270) .
(7) المغني على مختصر الخرقي (3/262) .
(8) أضواء البيان تفسير سورة الحج .(1/189)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإذا قضى الطواف صلى ركعتين للطواف وإن صلاهما عند مقام إبراهيم فهو أحسن، ويستحب أن يقرأ فيهما بـ (قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد)، ثم إذا صلاهما استحب له أن يستلم الحجر ثم يخرج إلى الطواف بين الصفا و المروة و لو أخر ذلك إلى بعد طواف الإفاضة جاز، فإن الحج فيه ثلاثة أطوفة طواف عند الدخول وهو يسمى طواف القدوم والدخول والورود والطواف الثاني هو بعد التعريف ويقال له طواف الإفاضة والزيارة وهو طواف الفرض الذي لابد منه، كما قال تعالى : (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق)، والطواف الثالث هو لمن أراد الخروج من مكة وهو طواف الوداع وإذا سعى عقيب واحد منها أجزأه فإذا خرج للسعي خرج من باب الصفا وكان النبي @ يرقى على الصفا ... (1)
__________
(1) مجموع الفتاوى ج (26 ص: 127) .(1/190)
وقال الشنقيطي: أجمع العلماء على مشروعية صلاة ركعتين بعد الطواف، ولكنهم اختلفوا في ركعتي الطواف، هل حكمهما الوجوب أو السنية؟ فقال بعض أهل العلم: إن ركعتي الطواف واجبتان، واستدلوا لوجوبهما بصيغة الأمر في قوله { وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } على قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، قالوا: والنبي @ لما طاف: قرأ هذه الآية الكريمة، وصلى ركعتين خلف المقام، ممتثلاً بذلك الأمر في قوله { وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } . وقد قال @ "خذوا عني مناسككم" والأمر في قوله { وَاتَّخِذُواْ } على القراءة المذكورة يقتضي الوجوب كما بيناه مراراً في هذا الكتاب المبارك. وقال جمهور العلماء: إن ركعتي الطواف من السنن، لا من الواجبات، واستدلوا لعدم وجوبهما بحديث طلحة بن عبيد الله الثابت في الصحيح. قال: جاء رجل إلى رسول الله @، من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته، ولا يفقه ما يقول، فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله @ "خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع" الحديث. قالوا: وفي هذا الحديث الصحيح التصريح بأنه لا يجب شيء من الصلاة، غير الخمس المكتوبة، وقد يجاب عن هذا الاستدلال: بأن الأمر بصلاة ركعتي الطواف، خلف المقام وارد بعد قوله@"لا. إلا أن تطوع" والعلم عند الله تعالى.(1)
وقال الشيخ ابن عثيمين: بعد الفراغ من الطواف يصلي ركعتين خلف المقام، لفعل النبي $، وينبغي إذا تقدم أن يقرأ قول الله تعالى: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } البقرة(125) كما قرأها النبي $ لأجل أن يشعر بفائدة عظيمة وهو أن فعله للعبادة امتثالاً لأمر الله عز وجل حتى تتحقق بذلك الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى والذل لأوامره .
__________
(1) أضواء البيان تفسير سورة الحج .(1/191)
ثم قال: أنه لا يشترط فيهما الدنو من المقام، وأن السنة تحصل بهما، وإن كان مكانهما بعيداً عن المقام، وهو كذلك. ولكن كلما قرب من المقام كان أفضل، إلا أنه إذا دار الأمر بين أن يصلي قريباً من المقام مع كثرة حركته لرد المارين بين يديه أو مع التشويش فيمن يأتي ويذهب، وبين أن يصلي بعيداً عن المقام ولكن بطمأنينة فأيهما أفضل؟
الجواب: الثاني أفضل، لأن ما يتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة مما يتعلق بمكانها، كما سبق وعلى هذا فلو تأخر الإنسان إلى ما حول المسعى، وصلاهما فقد أتى بالسنة. (1)
باب
من عليه ركوع طواف فصلى المكتوبة تجزأه
قال عطاء: إذا صلى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عن ركعتي الطواف.
وهذا قول ابن عباس، وجابر بن زيد، والحسن، وسعيد بن جبير، وإسحاق. (2)
باب
من لم يركع للطواف حتى رجع إلى بلده
قال أبو بكر ابن المنذر: واختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى خرج من الحرم أو رجع إلى بلده، فقال عطاء، والحسن، البصري، والشافعي، وأصحاب الرأي: يركعهما حيث ذكر من حل أو حرم.
ثم قال أبو بكر: أقول كما قال عطاء، وليس ذلك بأكثر من صلاة المكتوبة التي ليس على من تركها إلا قضاها حيث كان، والله أعلم.(3)
باب
في الرجل إذا طاف بالبيت أسبوعاً يصلي أكثر من ركعتين أم لا؟
عن ابن جريج عن عطاء قال: طاف النبي @ أسبوعا وصلى ركعتين، وكذلك فعل في عمرة، قال: فإن طاف رجل فلا أحب أن يزيد على ركعتين، فإن زاد فلا بأس به وإن وجد الكعبة مفتوحة فلا يدخلها حتى يطوف بين الصفا والمروة . (4)
وعن عطاء قال: إن طاف رجل فلا أحبُّ أن يزيد على ركعتين، فإن زاد فلا بأس به . (5)
__________
(1) الشرح الممتع (3/300و301) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/289)، دار المدينة .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/289)، دار المدينة .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/210)، أخبار مكة للفاكهي (2/115) .(1/192)
وعنه قال: لا أحبُّ أن يزيد من طاف ذلك السُّبع على ركعتين فإن زاد عليهما فلا بأس. (1)
باب
في الصلاة والطواف بالبيت في أوقات النهي بعد العصر وبعد الصبح (2)
مذهب عطاء: جواز صلاة ركعتي الطواف في أوقات النهي بلا كراهة.(3)
فعنه أنه كان يطوف بعد العصر أو الصبح ويصلي بأثر فراغه ركعتين في ذلك الوقت. (4)
وعن ليث أن عطاء كان يطوف بالبيت بعد العصر ويصلي في دبر صلاته.(5)
وعن عكرمة بن عمار عن عطاء أنه كان لا يرى بأساً في كلِّ وقت، وأمر رجلاً أن يطوف ويصلي ركعتين . (6)
وعن ليث أن الحسن وعطاء ومجاهدا كانوا يطوفون بالبيت بعد العصر ويصلون في دبر صلاتهم.
وعن ليث عن عطاء قال: رأيت ابن عمر وابن عباس طافا بعد العصر وصليا.
وعن يعلى بن عبيد عن الأجلح عن عطاء قال: رأيت ابن عمر وابن الزبير طافا بالبيت بعد صلاة الفجر ثم صليا ركعتين قبل طلوع الشمس .
فيه جواز الطواف والصلاة بالبيت في أي ساعات الليل والنهار وإنما نهي بعضهم عن الصلاة بالبيت بعد الصبح وبعد العصر فهو لنهي رسول الله @ عن الصلاة في هذين الوقتين لان الشيطان يقارن الشمس في طلوعها وغروبها.
__________
(1) أخبار مكة للأزرقي (2/114) .
(2) عن جبير بن مطعم أن النبي $ قال: "يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أيَّة ساعة شاء من ليل أو نهار".رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والنسائي، صحيح الجامع برقم (7900) .
(3) عن جبير بن مطعم أن النبي $ قال:"يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أيَّة ساعة شاء من ليل أو نهار".رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والنسائي، صحيح الجامع(7900) .
(4) التمهيد (13/45) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/180) .
(6) أخبار مكة للفاكهي (1/261) .(1/193)
قال الشنقيطي: فائدة: قال البيهقي: يحتمل أن يكون المراد بهذه الصلاة، صلاة الطواف خاصة: وهو الأشبه بالآثار، ويحتمل جميع الصلوات. انتهى كلام ابن حجر في التلخيص الحبير . وهذا الذي ذكرنا عن الشافعي وأصحابه من جواز صلاة ركعتي الطواف في أوقات النهي بلا كراهة، حكاه ابن المنذر، عن ابن عمر، وابن عباس، والحسن، والحسين بن علي، وابن الزبير، وطاوس، وعطاء، والقاسم بن محمد، وعروة، ومجاهد، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور. انتهى بواسطة نقل النووي في شرح المهذب. (1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: فممن طاف بعد العصر وصلى ركعتين ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، والحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب، وعطاء، وطاؤس، ومجاهد، والقاسم بن محمد. (2)
باب
الرعاء يرملوا بليل
كان عطاء يرخص للرعاء أن يرموا بليل .
فعن ابن جريج عن عطاء أن النبي @ رخص للرعاء أن يرموا ليلا .
وعن حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب عن عطاء أن عمر رخص للرعاء أن يبيتوا في منى قال : فذكرت ذلك لإبراهيم وللزهري فقالا : الرعاء يرمون ليلا ولا يبيتون . قال الزرقاني: وعن مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل) ما فاتهم رميه نهاراً (يقول في الزمان الأول) أي زمن الصحابة وبهم القدوة، وبهذا قال محمد بن المواز وهو كما قال بعضهم وفاق للمذهب لأنه إذا أرخص لهم في تأخير اليوم الثاني فرميهم بالليل أولى. (3)
باب
في الطواف أفضل أم العمرة
عن أسلم المنقري قال قلت لعطاء أخرج إلى المدينة أهل بعمرة من ميقات النبي $ قال طوافك بالبيت أحب ألي من سفرك إلى المدينة.(4)
__________
(1) أضواء البيان .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/287)، دار المدينة .
(3) شرح الزرقاني (2/371) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/445)، وعبدالرزاق (5/134)، المحلى (7/290) .(1/194)
وعن عطاء قال الطواف بالبيت أحب ألي من الخروج إلى العمرة.(1)
وعنه قال: لأن أطوفَ بالبيت سبعاً أحبُّ إلي مِن أنْ أذهب إلى التنعيم فأعتمر
منه .(2)
وعنه أنه كره العمرة بعد الحج، وقال: الطواف بالبيت والصلاة أفضل. (3)
وسأله رجل فقال له: طواف سبع بالبيت خير لك من سفرك إلى المدينة(4)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإذا كان قد تبين بما ذكرناه من السنة واتفاق سلف الأمة أنه لا يستحب، بل تكره الموالاة بين العمرة لمن يحرم من الميقات، فمن المعلوم أن الذي يوالي بين العمر من مكة في شهر رمضان أو غيره أولى بالكراهة، فإنه يتفق في ذلك محذوران: أحدهما: كون الاعتمار من مكة، وقد اتفقوا على كراهة اختيار ذلك، بدل الطواف. والثاني: الموالاة بين العمر، وهذا اتفقوا على عدم استحبابه؛ بل ينبغي كراهته مطلقاً فيما أعلم لمن لم يعتض عنه بالطواف،وهو الأقيس، فكيف بمن قدر على أن يعتاض عنه بالطواف؟!بخلاف كثرة الطواف،فإنه مستحب مأمور به،لا سيما للقادمين.(5)
باب
الصلاة أفضل لأهل مكة والطواف أفضل للغرباء.
عن عطاء قال: الصلاة لأهل البلد أفضل، والطواف للغرباء. (6)
وعن عطاء قال: الطواف للغرباء أحبُّ إليَّ من الصلاة. (7)
وعن عطاء قال: إذا أقام الغريب بمكة أربعين يوماً كانت الصلاة أفضل له من الطواف(8)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/446) .
(2) أخبار مكة للفاكهي (2/285).
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/158) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/445)، وعبدالرزاق (5/134)، المحلى (7/290) .
(5) مجموع الفتاوى (26/264) .
(6) مسائل أبي داود عن أحمد (ص132)، المغني (5/464)، المجموع (8/79) .
(7) الآثار لأبي يوسف (573) .
(8) مصنف عبدالرزاق (5/71) .(1/195)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن جمهور العلماء على أن طوافهم بالبيت أفضل لهم من الصلاة بالمسجد الحرام، مع فضيلة الصلاة بالمسجد الحرام. (1)
وقال الشنقيطي: اختلف العلماء في صلاة النافلة في المسجد الحرام، والطواف بالبيت أيهما أفضل؟ فقال بعض أهل العلم: الطواف أفضل، وبه قال بعض علماء الشافعية، واستدلوا بأن الله قدم الطواف على الصلاة في قوله { وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } وقوله { وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } وقال بعض أهل العلم: الصلاة أفضل لأهل مكة والطواف أفضل للغرباء. وممن قال به: ابن عباس، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومجاهد، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب.اهـ. (2)
باب
الطواف بالصبي والمريض
لعطاء قول: بجواز الطواف بالصبي، وآخر: يستأجر له من يطوف به.
والراجح هو الأول والله أعلم .
قال النووي: قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه يطاف بالصبي ويجزئه، قال : وأجمعوا على أنه يطاف بالمريض ويجزئه إلا عطاء فعنه قولان أحدهما: هذا والثاني:يستأجر من يطوف عنه. (3)
وقال أبو بكر ابن المنذر: إذا طاف رجل برجل ونوى كل واحد منهما طوافه
أجزأهما. (4)
باب
المرأة كالرجل، إلا أنها إذا قدمت مكة نهاراً، استحب لها تأخير الطواف إلى الليل لا تخالط الرجال وليس عليها رمل ولا اضطباع
قال عطاء: كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين. قالت: انطلقي عنك، وأبت، وليس في حقها رمل، ولا اضطباع .
__________
(1) مجموع الفتاوى (26/264) .
(2) أضواء البيان .
(3) المجموع شرح المهذب (7/324)، وانظر الإشراف لابن المنذر (3/284) .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/285)، دار المدينة .(1/196)
قال ابن حجر: قال عطاء وبلغني أن النبي @ أمر أم سلمة أن تطوف راكبة في خدرها من وراء المصلين في جوف المسجد . (1)
وعن عبد الملك عن عطاء قال : ليس على النساء رمل بالبيت ولا بين الصفا والمروة. (2)
وقال أبو بكر ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن لا رمل على النساء حول البيت، ولا سعي بين الصفا والمروة، إنما تمشي المرأة حيث يرمل الرجال، وحيث يسعى الرجال. (3)
__________
(1) فتح الباري .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/151)، الأم (2/176)، المحلى (5/85) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/274)، دار المدينة .(1/197)
وقال صاحب الكافي: والمرأة كالرجل، إلا أنها إذا قدمت مكة نهاراً، استحب لها تأخير الطواف إلى الليل، لأنه أستر لها، إلا أنها تخاف الحيض، فتبادر الطواف، لئلا يفوتها التمتع، ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر، بل تشير بيدها إليه، قال عطاء: كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين. قالت: انطلقي عنك، وأبت، وليس في حقها رمل، ولا اضطباع، لأنه يستحب لها التستر، ولأن الرمل شرع في الأصل لإظهار الجد والقوة، ولا يقصد ذلك من المرأة، ولذلك لا يسن الرمل في حق المكي، ومن جرى مجراهم، وقال ابن عباس، وابن عمر: ليس على أهل مكة رمل. وكان ابن عمر إذا أحرم من مكة لم يرمل. (1)
__________
(1) الكافي (1/365). عن بن عباس، قال: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم".رواه البخاري برقم(1525)، باب كيف كان بدء الرمل، ومسلم برقم(1266)، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة وفي الطواف الأول من الحج..قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (17/481) : فكان المقصود بالرمل إذ ذاك من جنس المقصود بالجهاد فظن بعض المتقدمين أنه ليس من النسك لأنه فعل لقصد وزال لكن ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما حجوا رملوا من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود فكملوا الرمل بين الركنين وهذا قدر زائد على ما فعلوه في عمرة القضية وفعل ذلك في حجة الوداع مع الأمن العام فإنه لم يحج معه إلا مؤمن فدل ذلك على أن الرمل صار من سنة الحج فإنه فعل أولا لمقصود الجهاد ثم شرع نسكا كما روى في سعي هاجر وفي رمي الجمار وفي ذبح الكبش أنه فعل أولا لمقصود ثم شرعه الله نسكا وعبادة لكن هذا يكون إذا شرع الله ذلك وأمر به . اهـ.(1/198)
باب
قوله { رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }
عند الركن اليماني(1)
ويقول بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار. هذا وارد في سنن أبي داود أن النبي @ كان يقول ذلك، وقد ورد هذا اللفظ أيضاً في القرآن بعد سياق أحكام الحج، ويدعو في سائره بما أحب، أي ويدعو في سائر الطواف بما أحب، فليس هناك شيء يخص الطواف من الأدعية غير هذا الدعاء الوارد عن النبي @، ولم يثبت عن النبي @ شيء من ذلك لا من قوله ولا من فعله ولا من تعليمه ، بل للإنسان أن يدعو وأن يقرأ القرآن وأن يُسبح الله وأن يحمده وأن يهلله وأن يقول ما شاء من الذكر وهو أقرب إلى خشوع القلب وإلى حضوره لأن الإنسان حينما يقرأ من كتاب أو يسمع مُطوفاً يطوفه فإنه ربما لا يعقل معنى ما يقول ويحصل أيضاً فيه إساءة للآخرين من الضجيج الذي يحصل حول الطواف فكل إنسان يرفع صوته على الآخر فيتشوش الطائف ولا يعرف ماذا يقول .
قال عطاء: من وضع يده على الركن اليماني ثم دعا استجيب له .(2)
__________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمناسبة في ذلك أن هذا الجانب من الكعبة هو آخر الشوط، وكان النبي $ يختم دعاءه غالباً بهذا الدعاء . أنظر الشرح الممتع (3/291) .
(2) التمهيد (2/95) .(1/199)
قال القرطبي: قوله تعالى: { رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } . قال ابن عباس: إن عند الرُّكْن مَلَكاً قائماً منذ خلق الله السموات والأرض يقول آمين، فقولوا: "رَبَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". وسئل عطاء بن أبي رَبَاح عن الركن اليماني وهو يطوف بالبيت، فقال عطاء: حدّثني أبو هريرة، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "وُكّل به سبعون مَلكاً، فمن قال اللَّهُم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، قالوا آمين"الحديث.(1)
باب
الشك في عدد الطواف
عن عطاء قال: إذا شكَّ الرجل في الطواف فلم يدر طاف أم لم يطف فليستقبل. (2)
وقال في الذي يشك في الطواف: يأخذ بقول صاحبه الذي لا يشك. (3)
وعن شكر قال: سألت عطاء عن رجل طاف طواف الواجب فلم يدر كم طاف! قال عطاء: يعيد طوافه. (4)
وعن عبد الملك عن عطاء قال: إذا شك الرجل في الطواف فلم يدر طاف أم لم يطف فليستقبل. (5)
__________
(1) تتمة الحديث ومن فاوض الركن الأسود فإنما يفاوض يد الرحمن، خرّجه ابن ماجه في السُّنن. ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع حديث رقم (6127) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/192) .
(3) المجموع (8/31) .
(4) التاريخ الكبير (4/263) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/200)
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: شككت في الطواف, اثنان أو ثلاثة؟ قال: أوفِ على أحرز ذلك, قلت: فطفت أنا ورجل واختلفنا ؟ قال: دينه! قلت: أفعلى أحرز ذلك أم على أقل الذي في أيدينا؟ قال: بل على أحرز ذلك في أنفسكما، قلت: فطفت للذي كان معي كله سبع؟ قال: فاستقبل سبعاً جديداً, قلت: طفت سبعاً ثم جاءني الثبت أني طفت ثمانية أطواف؟ قال: فطفت سبعا آخر, واجعله ستة أطواف، قال: فطفت سبعاً وصليت, ثم جاءني الثبت أني طفت ستة؟ قال: "فطفت سبعاً آخر واجعله ثمانية أطواف". (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين: أنه يعمل بغلبة الظن كالصلاة، وعلى هذا فيجعلها ستة، ويأتي بالسابع. أما بعد الفراغ من الطواف والانصراف، عن مكان الطواف، فإن الشك لا يؤثر، ولا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر .
ثم قال: فإن تيقن أنه ترك شوطاً، فحينئذ يعمل باليقين، ويرجع ويأتي بالشوط، لكن في الغالب أن هذا لا يقع، والغالب أن الإنسان بعد أن يتم الطواف وينصرف ويصلي ركعتين أنه لا يتيقن أنه نقص، لكن إذا فرضنا ذلك وجب عليه أن يرجع ويأتي بالشوط السابع .اهـ. (2)
وقال أبو بكر ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من شك في طوافه بنى على اليقين. (3)
باب
قطع الطواف للحاجة
عن عطاء قال: إذا عرضت لرجل حاجة من غائط أو بول فليذهب فليقض حاجته ثم ليتوضأ ثم ليجئ فليبنِ على ما بقي من طوافه .(4)
__________
(1) المصنف لعبد الرزاق (9810-9812) .
(2) الشرح الممتع (3/292) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/281)، دار المدينة .
(4) أخبار مكة للفاكهي (1/175) .(1/201)
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: كيف تصنع أنت؟ قال: إذا رأيته قد خرج(1), وأنا عند الركن لم أطف، قلت: فخرج وقد خلفت الركن؟ قال: إن ظننت أني مكمل ذلك الطواف ذهبت فطفت, وإلا قصرت، قلت: فقطعت بي الصلاة سبعي, فسلمت وانصرفت, فأردت أن أركع قبل أن أتم سبعي؟ قال: لا, أوفِ سبعك إلا أن تمنع الطواف, فتصلي إن شئت حين تترك, قلت له: كم أجلس بعد تسليم الإمام إذا قطع بي؟ قال: لا شيء, ولا تجلس تحدِّث, قلت له: أفأقطع طوافي إلى الجنازة أصلي عليها ثم أرجع؟ قال: لا.(2) ولو اختلف الطائفان في عدد الطواف، قال عطاء بن أبي رباح والفضيل بن عياض: يأخذ بقول صاحبه الذي لا يشك. وقال مالك: أرجو أن يكون فيه سبعة. قال الشافعي: فمذهبه أنه لا يجزئه إلا علم نفسه لا يقبل قول غيره. قال ابن المنذر وبه أقول، والله أعلم. (3)
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن من شك في عدد طوافه بنى على اليقين، وقال: وأجمعوا فيمن طاف بعض سبعة ثم قطع عليه بالصلاة المكتوبة أنه يبتني من حيث قطع عليه إذا فرغ من صلاته، وانفرد الحسن البصري، فقال: يستأنف. (4)
باب
من أين يبدأ من قطع طوافه
عن همام أنه قال: سئل عطاء عن رجل قطع طوافه وقد بلغ الحِجْر أيقضي من حيث قطع عليه أو يستفتح من الركن؟ قال: إن شاء قضاه من حيث قطع عليه، وإن استفتح من الركن فهذا أحبُّ إلي . (5)
باب
في الرجل يطوف ستة أو ثمانية أشواط
عن ابن جريج عن عطاء سئل عن رجل طاف ستاً وصلى ركعتين، قال: يطوف طوافاً آخر ويصلي ركعتين . (6)
__________
(1) أي إمام المسجد الحرام .
(2) المصنف لعبد الرزاق (5/53)، أخبار مكة للفاكهي (1/295) .
(3) المجموع شرح المهذب (7/324)، الإجماع برقم (171) .
(4) المجموع شرح المهذب (7/324)، الإجماع برقم (172) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (1/294) .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/241) .(1/202)
وعن ليث عن عطاء وطاوس قالا في الرجل طاف ثمانية أشواط، قال: إن ذكرها قبل أن يصلي ركعتين طاف ستة أطواف، وصلى أربع ركعات، وإذا ذكر بعد ما يصلي ركعتين طاف ستة أطواف ثم صلى ركعتين ، وإن شاء لم يعتدَّ بذلك . (1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: وكان عطاء، وأحمد بن حنبل، وإسحاق يقولون: لا يجزئ إلا سبع طواف. ثم قال: كما قال عطاء أقول. (2)
الطواف عن المريض
عن عطاء قال: يطاف بالمريض .(3)
وعنه قال: يستأجر الميض من يطوف عنه. (4)
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن المريض يطاف به، ويجزىء عنه. وانفرد عطاء، فقال: يستأجر من يطوف عنه. (5)
باب
الطواف عن الصحيح
عن يزيد مولى عطاء بن أبي رباح قال: كان عطاء يأمرني أن أطوف عنه، وهو جالس في المسجد . (6)
وعن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن أبيه قال: إنه اشترى غلاماً يطوف
عنه، وهو جالس في المسجد الحرام . (7)
وعن أبي رواد عن عطاء أنه يقول لبعض أو بعض مواليه: اذهب فطف عني سبعاً . (8)
وعن إبراهيم بن مهاجر عن عطاء قال: إذا لم يستطع الرجل أن يطوف، وطابت نفس غلامه أو أجيره أن يطوف عنه، فقد أجزأه .(9)
وعن حوشب بن عقيل عن عطاء قال: لا يطوف أحد عن أحد إلا أن يحجَّ عنه فيطوف للحج. (10)
باب
من ترك بعض الطواف فهو كما لو ترك جميعه
قال عطاء: من ترك بعض الطواف كما لو ترك جميع الطواف .
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/440) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/280)، دار المدينة .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/241)، المجموع (8/84) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/241)، المجموع (8/84) .
(5) الإجماع برقم (174) .
(6) كتاب الأم للشافعي (2/122)، أخبار مكة للفاكهي (1/290) .
(7) أخبار مكة للفاكهي (1/290) .
(8) أخبار مكة للفاكهي (1/290) .
(9) أخبار مكة للفاكهي (1/290) .
(10) أخبار مكة للفاكهي (1/290) .(1/203)
قال ابن قدامة : فإن ترك بعض الطواف فهو كما لو ترك جميعه فيما ذكرنا، سواء ترك شوطاً أو أقل أو أكثر، وهذا قول عطاء، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وقال أصحاب الرأي: من طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة أو طواف العمرة وسعى بين الصفا والمروة، ثم رجع إلى الكوفة: إن سعيه يجزئه وعليه دم لما ترك من الطواف بالبيت. (1)
ويطوف سبعة أشواط: قال الشيخ ابن عثيمين: أي يدور حول الكعبة، كما فعل النبي $ وتكون كاملة لا تقل، فلو نقص خطوة واحدة من أوله أو آخره لم يصح، كما لو نقص شيئاً من الصلاة الرباعية، أو الثلاثية، أو الثنائية فإنها لا تصح .اهـ.(2)
باب
إذا قدمت المرأة معتمرة وهي حائض
عن عطاء في امرأة قدمت معتمرة وهي حائض قال: تهلُّ بالحج على عمرتها وتمضي إلى عرفات وهي قارن . (3)
قال شيخ الإسلام: ولو قدمت المرأة حائضا لم تطف بالبيت لكن تقف بعرفة و تفعل سائر المناسك كلها مع الحيض إلا الطواف فإنها تنتظر حتى تطهر إن أمكنها ذلك ثم تطوف و إن اضطرت إلى الطواف فطافت أجزأها ذلك على الصحيح من قولي العلماء . (4)
باب
المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف
عن ليث عن عطاء قال: إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها. (5)
وعن حجاج عن عطاء قال: تستقبل الطواف أحب إلي، وإن فعلت فلا بأس به. (6)
وقد ذكر عن ابن عمر وعطاء وغيرهما التسهيل في هذا . ومما نقل عن عطاء في ذلك أن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف، فإنها تتم طوافها، وهذا صريح عن عطاء أن الطهارة من الحيض ليست شرطًا.
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/285) .
(2) الشرح الممتع (3/286) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/338) .
(4) مجموع الفتاوى ج: 26 ص: 127
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/200) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/200). تستقبل الطواف: تعيده كأنها لم تطف الأشواط التي طافتها .(1/204)
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن المرأة إذا جاءها الحيض في وقت الطواف ما الذي تصنع؟ فأجاب: الحمد لله الحائض تقضى المناسك كلها إلا الطواف بالبيت فإنها تجتهد أن لا تطوف بالبيت إلا طاهرة فان عجزت عن ذلك ولم يمكنها التخلف عن الركب حتى تطهر وتطوف فإنها إذا طافت طواف الزيارة وهي حائض أجزاها في أحد قولي العلماء ثم قال أبو حنيفة وغيره يجزئها لو لم يكن لها عذر لكن أوجب عليها بدنة وأما احمد فأوجب على من ترك الطهارة ناسيا دما وهي شاة أما هذه العاجزة عن الطواف وهي طاهرة فإن أخرجت دما فهو أحوط وإلا فلا يتبين أن عليها شيئا فان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وقال النبي@ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وهذه لا تستطيع إلا هذا والصلاة أعظم من الطواف، ولو عجز المصلي عن شرائطها من الطهارة أو ستر العورة(1) أو استقبال القبلة صلى على حسب حاله فالطواف أولى بذلك كما لو كانت مستحاضة ولا يمكنها أن تطوف إلا مع النجاسة نجاسة الدم فإنها تصلى وتطوف على هذه الحالة باتفاق المسلمين إذا توضأت وتطهرت وفعلت ما تقدر عليه وينبغي للحائض إذا طافت أن تغسل وتستفثر أي تستحفظ كما تفعله عند الإحرام وقد أسقط النبي عن الحائض طواف الوداع واسقط عن أهل السقاية والرعاة المبيت بمنى لأجل الحاجة ولم يوجب عليهم دما فإنهم معذورون في ذلك بخلاف غير وكذلك من جز عن الرمي بنفسه لمرض أو نحوه فانه يستنيب من يرمى عنه ولا شيء عليه وليس من ترك الواجب للعجز كمن تركه لغير ذلك والله أعلم. (2)
__________
(1) قوله لا يطوف بالبيت عريان فيه دليل على أنه يجب ستر العورة في حال الطواف وقد اختلف هل الستر شرط لصحة الطواف أو لا فذهب الجمهور إلى أنه شرط وذهبت الحنفية والهادوية إلى أنه ليس بشرط فمن طاف عريانا ثم الحنفية أعاد ما دام بمكة فإن خرج لزمه دم. نيل الأوطار(5/119).
(2) مجموع الفتاوى (26/244-245) .(1/205)
وقال الشيخ ابن عثيمين: مسألة: لو حاضت أثناء الطواف، فلا تتم الطواف، بل تخرج من الطواف، وتحرم بالحج إن خافت فواته؛ لأنه لا يمكن تكميل الطواف مع الحيض.
مسألة: لو أحدثت حدثاً أصغر في أثناء الطواف؟.
ففيها قولان:القول الأول: أن طوافها يبطل، ويجب عليها أن تتوضأ، وتستأنف الطواف؛ لأن الطهارة شرط للطواف.القول الثاني: تكمل الطواف وليس عليها شيء، وهذا القول هو الصحيح، أنه لا يشترط للطواف الطهارة من الحدث الأصغر؛ لعدم وجود نص صحيح صريح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.(1)
باب
من ترك طواف الزيارة رجع من بلده حراماً حتى يطوف بالبيت
قال عطاء: من ترك طواف الزيارة فإنه لا يحل من إحرامه حتى يفعله، فإن رجع إلى بلده قبله لم ينفك إحرامه ورجع متى أمكنه محرماً لا يجزئه غير ذلك.
__________
(1) الشرح الممتع (3/196) .(1/206)
قال ابن قدامة: ومن ترك طواف الزيارة رجع من بلده حراماً حتى يطوف بالبيت، وجملة ذلك: أن طواف الزيارة ركن الحج لا يتم إلا به، ولا يحل من إحرامه حتى يفعله: فإن رجع إلى بلده قبله لم ينفك إحرامه ورجع متى أمكنه محرماً لا يجزئه غير ذلك، وبذلك قال عطاء، والثوري، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، وقال الحسن: يحج من العام المقبل وحكي نحو ذلك عن عطاء قولاً ثانياً. وقال: يأتي عاماً قابلاً من حج أو عمرة، فإن ترك بعض الطواف فهو كما لو ترك جميعه فيما ذكرنا، سواء ترك شوطاً أو أقل أو أكثر، وهذا قول عطاء ومالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وقال أصحاب الرأي: من طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة أو طواف العمرة وسعى بين الصفا والمروة، ثم رجع إلى الكوفة إن سعيه يجزئه وعليه دم لما ترك من الطواف بالبيت، وإن ما أتى به لا يجزئه إذا كان بمكة، فلا يجزئه إذا خرج منها، كما لو طاف دون الأربعة أشواط. (1)
قال الشيخ ابن عثيمين: لا يجوز تأخيره - أي طواف الزيارة - عن شهر ذي الحجة، إلا إذا كان هناك عذر، كمرض لا يستطيع معه الطواف لا ما شياً، ولا محمولاً، أو امرأة نفست قبل أن تطوف طواف إلا الإفاضة لمدة شهر أو أكثر . أما إذا كان لغير عذر، فإنه لا يحل أن يؤخره، بل يجب أن يبادر به قبل أن ينتهي شهر ذي الحجة. (2)
باب
في الطواف حول المقام
عن ليث قال: رآني عطاء وطاوس ومجاهد وأنا أطوف حول المقام فنهوني .
وعن حجاج عن عطاء قال قال: لب على كل حال . (3)
باب
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/285)، قوله فأحلوا حين طافوا بالبيت فيه دليل المذهب الجمهور لا يحل حتى يطوف ويسعى قال ابن بطال لا أعلم خلافا بين أئمة الفتوى لا يحل حتى يطوف ويسعى إلا ما شذ به ابن عباس فقال يحل من العمرة بالطواف ووافقه ابن راهويه.نيل الأوطار (5/129).
(2) الشرح الممتع (3/342) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/207)
في الماشي كيف يدفع ؟
عن ابن جريج عن عطاء قال قلت له : كيف يدفع الماشي ؟ قال: كيف تيسر، إنما هو تبرك بمس موضع كان يمسه الرسول @ بيده ويمسك به إذا أراد الخطبة . (1)
باب
في الاقران بين الاسباع من رخص فيه
ثبت أن رسول الله $ طاف بالبيت سبعاً وصلى ركعتين. (2)
وعن ليث، عن طاوس، عن عائشة أنها كانت لا ترى بأسا أن يطوف الرجل ثلاثة أسباع أو خمسة ، ثم يصلي . (3)
وعن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة أنها كانت تقرن بين الأسابيع. (4)
وعن ليث، عن عطاء، عن عائشة < قالت: لا بأس أن يطوف الرجل ثلاثة أسباع أو خمسة، ثم يصلي الركعتين. (5)
وعن ابن جريج قال: كان عطاء لا يرى بذلك بأساً ويفتي بذلك. (6)
وعن عطاء أن طاوسا والمسور بن مخرمة كانا يقرنان بين الاسابيع، وكان عطاء لا يرى بذلك بأساً ثلاثة أسباع: أي ثلاثة أطواف كل طواف سبعة أشواط ولكل طواف يصلي ركعتين والمقصود هنا أن يجمع الركعات كلها حتى ينتهي من الطواف فيصليها معاً .(7)
وعن وكيع بن الجراح، عن النهاس بن فهم، عن عطاء أنه كان يستحب أن لا يخرج من طوافه إلا على وتر .
وعن هشام، عن عطاء أنه كان يحب أن ينصرف على وتر من طوافه، وكان الحسن يقول: عشرة أحب إلي من تسعة، وثمانية أحب إلي من سبعة.
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) رواه البخاري في الحج برقم (1623)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قال أبو بكر بن المنذر: وأجمع أهل العلم على أن فاعل ذلك مصيب. الإشراف لابن المنذر (3/282).
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(6) المصنف لعبد الرزاق (5/64)، ابن أبي شيبة (3/347) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/347)، أخبارمكة للفاكهي (1/216) .(1/208)
وعن عطاء، أن عبد الرحمن بن أبي بكر طاف في إمارة سعيد فخرج إلى الصلاة، فقال عبد الرحمن: انتظر انصرف على قصر، فانصرف على ثلاثة أطواف، ثم لم يعد لذلك السبع.
باب
في قراءة القرآن في الطواف بالبيت(1)
ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف، وبذلك قال عطاء ومجاهد والثوري وابن المبارك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وعن أحمد: أنه يكره. وروى ذلك عن عروة والحسن ومالك. (2)
وكره مالك قراءة القرآن، وكرهه أحمد لأنه لم يرد عن النبي @ ذلك ولا عن أصحابه، واستحبه ابن المبارك والشافعي وغيرهم. (3)
وعن حجاج قال: سألت عطاء عن القراءة في الطواف حول البيت، فلم ير به بأسا.(4)
وعن ليث عن مجاهد قال: كان يكره القراءة في المشي في الطواف، ولكن يذكر الله ويحمده ويكبره. (5)
وعن هشام عن الحسن وعطاء قال: القراءة في الطواف محدث. (6)
قال الشيخ الألباني: وليس للطواف ذكر خاص فله أن يقرأ من القرآن أو الذكر ما شاء لقوله $: "الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه النطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير" وفي رواية: "فأقلوا فيه الكلام". رواه الترمذي وغيره والرواية الأخرى للطبراني وهو حديث صحيح كما حققته في "الإرواء" (21). قال شيخ الإسلام: وليس فيه ذكر محدود عن النبي $ لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له .(7)
باب
__________
(1) عن عباد بن يحيى البكاء قال: سمع: ابن عمر رجلا يقرأ وهو يطوف بالبيت فنهاه .مصنف ابن أبي شيبة .
(2) المغني على مختصر الخرقي (3/262) .
(3) شرح حديث جابر لعبدالعزيز الطريفي .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/388)، المجموع (8/83) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج(3/388)، وعبدالرزاق(5:495)، أخبار مكة للفاكهي (1/224) .
(7) مناسك الحج والعمرة للألباني .(1/209)
في تكرار الطوف بالبيت ويثني ثم يثلث
عن حجاج عن عطاء قال: كان لا يرى بأسا إذا طاف الرجل بالبيت أن يثني ثم يثلث قبل أن يسعى بين الصفا والمروة . (1)
قال الشيخ الألباني: ويكثر من الطواف والصلاة في أي وقت شاء من ليل أو نهار ولقوله $ في الركنين الأسود واليماني: (مسحهما يحط الخطايا ومن طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع قدما إلا كتب الله له حسنة وحط عنه خطيئة وكتب له درجة ومن أحصى أسبوعا كان كعتق رقبة. وقوله: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. (2)
باب
في الشرب في الطواف
عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم كانوا لا يرون بأسا أن يشرب الرجل وهو يطوف بالبيت . (3)
وعن محمد بن عبد الله عن عطاء عن ابن عباس قال: لا بأس بالشرب في الطواف . (4)
وقال أبو بكر ابن المنذر: ورخص في الشرب في الطواف عطاء، وطاووس، وأحمد، وإسحاق. ولا أعلم أحداً منع منه الطائف. وبه نقول. (5)
باب
الموعظة في الطواف
عن ابن جريج قال: رأيت عطاء يطوف بالبيت، فقال لقائده: امسكوا واحفظوا عني خمساً: القدر خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى ليس للعبد فيه مشيئة ولا تفويض، وأهل قبلتنا مؤمنون حرام دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وقتال الفئة الباغية بالأيدي والنعال، لا بالسلاح والشهادة على الخوارج بالضلالة . (6)
باب
البزاق بالحجر
عن عطاء قال: إذا تنخم رجل في الحجر فلا بأس إذا غيَّبه . (7)
باب
النذر بالطواف على أربع
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/415) .
(2) مناسك الحج والعمرة.
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/324)، المصنف لعبدالرزاق (5/497)، أخبار مكة للفاكهي (1/287) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/280)، دار المدينة .
(6) حلية العلماء (3/312) .
(7) المصنف لعبدالرزاق (5/123) .(1/210)
عن عطاء في امرأة نذرت أن تطوف بالبيت على أربع قوائم! قال: لتطف لكل قائمة أسبوعاً . (1)
باب
استلام الحجر بعد الطواف وقبل السعي
ثبت أن رسول الله $ حين صلى ركعتين للطواف عاد إلى الحجر فاستلمه. (2)
وعن عطاء قال: من شاء حين يخرج إلى الصفا استلم الركن، ومن شاء ترك، وقال: إن استلم أحبُّ إليَّ، وإن لم يفعل فلا بأس . (3)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: إن شئت فارجع إلى الحجر بعد الركعتين، وإن شئت فلا ترجع إليه . (4)
قال الشيخ ابن عثيمين: بعد الصلاة يعود ويستلم الحجر، كما ثبت ذلك عن النبي $ . والظاهر أن استلام الحجر لمن أراد أن يسعى، وأما من طاف طوافاً مجرداً لم يرد أن يسعى فإنه لا يسن استلامه، وهذا الاستلام للحجر كالتوديع لمن قام من مجلس فإنه إذا أتى إلى المجلس سلم وإذا غادر المجلس سلم. وعليه فلا يسن تقبيله في هذه المرة ولا الإشارة إليه، بل إن تيسر أن يستلمه فعل وإلا انصرف من مكانه إلى المسعى .
باب
لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل
عن عطاء قال: كان ابن عباس يقول: لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل، قلت لعطاء: من أين يقول ذلك؟ قال: من قول الله عز وجل: { ثم محلها إلى البيت العتيق } .
__________
(1) أخبار مكة للفاكهي (1/237) .
(2) رواه مسلم في الحج برقم (1218) .
(3) أخبار مكة للفاكهي (1/220)، وللأزرقي (1/115و2/114) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/367) .(1/211)
قال النووي: وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل إتمام الطواف ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا بد أيضا من السعى بعده ثم الحلق أو التقصير . ثم قال: قلت فان ذلك بعد المعرف فقال كان ابن عباس يقول هو بعد المعرف وقبله كان يأخذ ذلك من أمر النبي @ حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع هذا الذي ذكره ابن عباس هو مذهبه وهو خلاف مذهب الجمهور من السلف والخلف فان الذي عليه العلماء كافة سوى ابن عباس أن الحاج لا يتحلل بمجرد طواف القدوم بل لا يتحلل حتى يقف بعرفات ويرمى ويحلق ويطوف طواف الزيارة فحينئذ يحصل التحللان ويحصل الأول باثنين من هذه الثلاثة التى هي رمى جمرة العقبة والحلق والطواف.
وقال في موضع آخر: فإن الذي عليه العلماء كافة سوى ابن عباس أن الحاج لا يتحلل بمجرد طواف القدوم، بل لا يتحلل حتى يقف بعرفات ويرمي ويحلق ويطوف طواف الزيارة، فحينئذ يحصل التحللان ويحصل الأول باثنين من هذه الثلاثة التي هي رمي جمرة العقبة والحلق والطواف، وأما احتجاج ابن عباس بالآية فلا دلالة فيها لأن قوله تعالى: { محلها إلى البيت العتيق } معناه لا تنحر إلا في الحرم وليس فيه تعرض للتحلل من الإحرام، لأنه لو كان المراد به التحلل من الإحرام لكان ينبغي أن يتحلل بمجرد وصول الهدي إلى الحرم قبل أن يطوف، وأما احتجاجه بأن النبي@ أمرهم في حجة الوداع بأن يحلوا فلا دلالة فيه لأن النبي@ أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة في تلك السنة فلايكون دليلاً في تحلل من هو ملتبس بإحرام الحج والله أعلم. قال القاضي: قال المازري وتأول بعض شيوخنا قول ابن عباس في هذه المسألة على من فاته الحج أنه يتحلل بالطواف والسعي، قال: وهذا تأويل بعيد لأنه قال بعده: وكان ابن عباس يقول لا يطوف بالبيت حاج ولا غيره إلا حل والله أعلم.(1)
باب
في الرجل يطوف البيت من أي باب يخرج إلى الصفا
__________
(1) شرح النووي (8/108و230) و (9/8) .(1/212)
عن ابن جريج، عن عطاء أن النبي @ خرج إلى الصفا من باب بني مخزوم.
عن حميد، عن بكر قال: كان ابن عمر إذا قدم فطاف بالبيت وصلى ركعتين خرج إلى الصفا من باب الذي يلي السقاية. (1)
وعن حجاج، عن عطاء قال: إذا صليت فاخرج من أي الأبواب شئت، يعني إلى الصفا. (2)
...
باب
حكم السعي بين الصفا والمروة
قال الله تعالى: +إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ ".(3)
وثبت عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، أنها قالت: طاف رسول الله $، وطاف المسلمون، تعني بين الصفا والمروة، فكانت سنة. (4)
عن يحيى بن سعيد، أن داود بن أبي عصام قَدِمَ فترك الصفا والمروة، فقال عطاء: أهرِق دماً، وقال طاوس: أدخل معتمرا . (5)
وعن ابن جريج، عن عطاء، أنه كان لا يرى على من لم يسع بين الصفا والمروة شيئا، قلت: قد ترك شيئا من سنة رسول الله @، وكان يفتي في العلانية بدم. (6)
وعن ابن جريج, قال: قال عطاء: لو أن حاجّا أفاض بعدما رمى جمرة العقبة فطاف بالبيت ولم يسع, فأصابها يعني امرأته لم يكن عليه شيء, لا حجّ ولا عمرة من أجل قول الله في مصحف ابن مسعود: "فَمَنْ حَجّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لاَ يَطّوّفَ بِهِما" فعاودته بعد ذلك, فقلت: إنه قد ترك سنة النبيّ @, قال: ألا تسمعهُ يقول: فمن تطوع خيرا, فأبى أن يجعل عليه شيئا؟ . (7)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/192) .
(3) سورة البقرة آية (158) .
(4) رواه مسلم في الحج برقم (1277).
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/281) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/281) .
(7) تفسير الطبري (2/49)، المحلى (5/87) .(1/213)
قال النووي: باب بيان أن السعى بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به: مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن السعى بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج لا يصح الا به ولا يجبر بدم ولا غيره، وممن قال بهذا مالك والشافعي وأحمد واسحاق وأبو ثور وقال بعض السلف هو تطوع وقال أبو حنيفة هو واجب فإن تركه عصى وجبره. (1)
وجاء في مسند أحمد من رواية حبيبة بنت أبي تجراة قالت: رأيت رسول الله @ يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم يسعى وهو يقول اسعوا فان الله كتب عليكم السعي. وأخرج أحمد أيضاً من رواية صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي@ بين الصفا والمروة يقول: "كتب عليكم السعي فاسعوا" واستدل به من قال بأن السعي فرض وهم الجمهور، وعند الحنفية أنه واجب يجبر بالدم، وبه قال الثوري في الناسي خلاف العامد، وبه قال عطاء، وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شيء، وبه قال أنس فيما نقله عنه ابن المنذر واختلف عن أحمد، وقال الطحاوي: أجمع العلماء على أنه لو حج ولم يطف بالصفا والمروة أن حجه قد تم وعليه دم، لكن الذي حكاه الحافظ ابن حجر وغيره عن الجمهور أنه ركن لا يجبر بالدم ولا يتم الحج بدونه. (2)
وقال الشوكاني: قوله: "فَإِنَّ اللَّهُ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ" استدل به من قال: بأن السعي فرض وهم الجمهور، وعند الحنفية أنه واجب يجبر بالدم، وحكاه في البحر عن العترة، وبه قال الثوري في الناسي خلاف العامد، وبه قال عطاء، وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شيء، وبه قال أنس فيما نقله عنه ابن المنذر. (3)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المتمتع يلزمه سعي للحج، كما يلزمه سعي للعمرة . (4)
باب
الطهارة للسعي
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (9/20) .
(2) عون المعبود (5/356).
(3) نيل الأوطار .
(4) الشرح الممتع (3/343) .(1/214)
عن عطاء أنه كان لايرى بأساً بالسعي بين الصفا والمروة على غير طهارة.(1)
وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي . (2)
قال الشيخ ابن عثيمين: وتسن فيه الطهارة، أي من الحدث والنجس أيضاً، فلو سعى محدثاً، أو سعى وهو جنب، أو سعت المرأة وهي حائض فإن ذلك مجزئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة. (3)
باب
البداءة بالصفا والختم بالمروة شرط
ثبت عن النبي $ أنه قال: نبدأ بما بدأ الله به. (4)
قال عطاء: إن جهل فبدأ بالمروة أجزأ عنه.
وعن عطاء قال: من بدأ بالمروة قبل الصفا لم يضره ذلك. (5)
وعنه يلغي الشوط الأول. (6)
وعنه فيمن جهل لا يضره. (7)
وقد ذهب الجمهور إلى أن البداءة بالصفا والختم بالمروة شرط . (8)
__________
(1) التمهيد (19/262)، المغني (5/246) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/295)، دار المدينة .
(3) الشرح الممتع (3/306) .
(4) رواه مسلم في الحج برقم (1218).
(5) الاستذكار (4/220)، المجموع (8/83) .
(6) التمهيد (2/88) .
(7) التمهيد (2/88) .
(8) نيل الأوطار (5/127).(1/215)
والقول في صفته وأما صفته فإن جمهور العلماء على أن من سنة السعي بين الصفا والمروة أن ينحدر الراقي على الصفا من الدعاء فيمشي على جبلته حتى يبلغ بطن المسيل فيرمل فيه حتى يقطعه إلى ما يلي المروة فإذا قطع ذلك وجاوزه مشى على سجيته حتى يأتي المروة فيرقى عليها حتى يبدو له البيت ثم يقول عليها نحوا مما قاله من الدعاء والتكبير على الصفا وإن وقف أسفل المروة أجزأه ثم جميعهم ثم ينزل عن المروة فيمشي على سجيته حتى ينتهي إلى بطن المسيل فإذا انتهى إليه رمل حتى يقطعه إلى الجانب الذي يلي الصفا يفعل ذلك سبع مرات يبدأ في كل ذلك بالصفا ويختم بالمروة فإن بدأ بالمروة قبل الصفا ألغي ذلك الشوط لقول رسول الله @ نبدأ بما بدأ الله به نبدأ بالصفا يريد قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله وقال عطاء إن جهل فبدأ بالمروة أجزأ عنه، وأجمعوا على أنه ليس في وقت السعي قول محدود فإنه موضع دعاء، وأما ترتيبه فإن جمهور العلماء اتفقوا على أن السعي إنما يكون بعد الطواف، وأن من سعى قبل أن يطوف بالبيت يرجع فيطوف، وإن خرج عن مكة فإن جهل ذلك حتى أصاب النساء في العمرة أو في الحج كان عليه حج قابل والهدي أو عمرة أخرى.(1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عليه من أهل العلم أن من فرغ من طوافه ومن صلاته بدأ عند خروجه من المسجد بالصفا وأنه ختم بالمروة وأن من فعل ذلك فهو مصيب للسنة. واختلفوا فيمن بدأ بالمروة قبل الصفا.(2)
باب
الرقي على الصفا والمروة واستقبال البيت
__________
(1) بداية المجتهد (1/252) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/293-294)، دار المدينة .(1/216)
عن ابن جريج قال: سأل إنسان عطاءً: أيجزئ عن الذي يسعى بين الصفا والمروة لا يرقى على واحدٍ منهما، وأن يقوم بالأرض قائماً؟ قال: أي لعمري، وماله؟ قال: وكان عطاء يقول: يستقبل البيت بين الصفا والمروة، لا بدَّ من استقباله . (1)
قال الشيخ ابن عثيمين: يرقى الصفا، حتى يرى الكعبة فيستقبلها. (2)
باب
من أين يقوم من الصفا والمروة
عن ابن جريج عن عطاء قال: كان النبي @ يشتد في الصفا والمروة يقوم عند المروة البيضاء. (3)
باب
من أخر السعي عن الطواف
عن عطاء أنه كان لايرى بأساً لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي. (4)
__________
(1) أخبار مكة للأزرقي (2/116)، أخبار مكة للفاكهي (2/227-228) .
قال الشيخ الألباني: ثم يعود أدراجه ليسعى بين الصفا والمروة فإذا دنا من الصفا قرأ قوله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) . ويقول : " نبدأ بما بدأ الله به"ثم يبدأ بالصفا فيرتقي عليه حتى يرى الكعبة. ليس من السهل الآن رؤية البيت إلا في بعض الأماكن من الصفا فإنه يراه من خلال الأعمدة التي بني عليها الطابق الثاني من المسجد فمن تيسر له ذلك فقد أصاب السنة وإلا فليجتهد ولا حرج. فيستقبل الكعبة فيوحد الله ويكبره فيقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ( ثلاثا) لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده لا شريك== == له أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، يقول ذلك ثلاث مرات . ويدعو .مناسك الحج والعمرة .
(2) الشرح الممتع (3/303) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(4) المغني (5/240) .(1/217)
قال أبو بكر ابن المنذر: قال الإمام أحمد: لا بأس أن يؤخر السعي كي يستريح، أو إلى العشي. وكان عطاء، والحسن لا يريان بأساً لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي، وفعله القاسم، وسعيد بن جبير . (1)
باب
من سعى قبل الطواف
يذكر عن عطاء أنه أجاز تقديم السعي على الطواف في العمرة. (2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فلو بدأ بالسعي قبل الطواف وجب عليه إعادته بعد الطواف، لأنه وقع في غير محله .
والصحيح والله أعلم هو الجواز للناسي والجاهل.
قال الشيخ ابن عثيمين: وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز مع النسيان أو الجهل، لا مع العلم والذكر . (3)
باب
الاستراحة في السعي
عن ابن جريج عن عطاء قال : كان لا يرى بأسا أن يستريح الرجل في سعيه ، إذا طاف بين الصفا والمروة من حضر . (4)
وعن وكيع عن شريك عن عبد الكريم الجزري عن عطاء قال : لا بأس أن يستريح الرجل بين الصفا والمروة . (5)
وعن عطاء لو أقيمت الصلاة قطع السعي وصلى، ثم بنى عليه . (6)
باب
الركوب للسعي
عن هشام عن عطاء أنه كان يكره ركوب الرجال والنساء بين الصفا والمروة إلا من عذر.(7)
وعن يزيد الشيباني قال: رأيت مجاهداً وعطاء يسعيان بين الصفا والمروة على دابتين . (8)
قال الشافعي: يجزيه من فعل ذلك. (9)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/293)، دار المدينة . وانظر المغني (3/390).
(2) الشرح الممتع (3/306) .
(3) الشرح الممتع (3/306) .
(4) 3 ) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/364) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/364) .
(6) المجموع (8/107) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/171) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/171)، المجموع (8/104) .
(9) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/295)، دار المدينة .(1/218)
وعن ابن جريج قال: قال لي عطاء: من طاف بين الصفا والمروة راكباً فليجعل المروة البيضاء في ظهره ويستقبل البيت وليدع الطريق طريق المروة وليأخذ من دار عبدالله بن عبد الملك وهي بين دار منارة المنقوشة وبين المروة البيضاء في طريق طلحة بن داود حتى يجعل المروة في ظهره . (1)
باب
السعي للحائض
عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : إذا طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة ، فلتسع بين الصفا والمروة .
وعن حفص بن غياث عن حجاج قال: سألت عطاء عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قال : تسعى بين الصفا والمروة . (2)
وعن هشام عن الحسن وعطاء قالا : تسعى بين الصفا والمروة . (3)
__________
(1) أخبار مكة للأزرقي (2/118)، أخبار مكة للفاكهي (2/234) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/300) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/300) .(1/219)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبى @ إلا عائشة وحدها لأنها كانت قد حاضت فلم يمكنها الطواف لأن النبى @ قال تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت فأمرها أن تهل بالحج وتدع أفعال العمرة لأنها كانت متمتعة ثم أنها طلبت من النبى @ أن يعمرها فأرسلها مع أخيها عبدالرحمن فاعتمرت من التنعيم والتنعيم هو أقرب الحل الى مكة وبه اليوم المساجد التى تسمى مساجد عائشة ولم تكن هذه على عهد النبى @ وإنما بنيت بعد ذلك علامة على المكان الذي أحرمت منه عائشة وليس دخول هذه المساجد ولا الصلاة فيها لمن اجتاز بها محرما لا فرضا ولا سنة بل قصد ذلك واعتقاد أنه يستحب بدعة مكروهة لكن من خرج من مكة ليعتمر فإنه إذا دخل واحدا منها وصلى فيه لأجل الإحرام فلا بأس بذلك ولم يكن على عهد النبى @ و خلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر لا فى رمضان ولا في غير رمضان و الذين حجوا مع النبى @ ليس فيهم من اعتمر بعد الحج من مكة إلا عائشة كما ذكر، ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين و الذين استحبوا الإفراد من الصحابة إنما استحبوا أن يحج في سفرة و يعتمر فى أخرى ولم يستحبوا أن يحج ويعتمر عقب ذلك عمرة مكية بل هذا لم يكونوا يفعلونه قط اللهم إلا أن يكون شيئا نادراً، وقد تنازع السلف فى هذا هل يكون متمتعا عليه دم أم لا وهل تجزئه هذه العمرة عن عمرة الإسلام أم لا وقد اعتمر النبى@ بعد هجرته أربع عمر عمرة الحديبية وصل إلى الحديبية والحديبية وراء الجبل الذي بالتنعيم عند مساجد عائشة عن يمينك وأنت داخل الى مكة فصده المشركون عن البيت فصالحهم وحل من إحرامه وانصرف وعمرة القضية اعتمر من العام القابل وعمرة الجعرانة فإنه كان قد قاتل المشركين بحنين وحنين من ناحية المشرق من ناحية الطائف وأما بدر فهي بين المدينة وبين مكة وبين الغزوتين ست سنين ولكن قرنتا فى الذكر لأن الله تعالى أنزل فيها الملائكة لنصر(1/220)
النبى@ والمؤمنين فى القتال ثم ذهب فحاصر المشركين بالطائف ثم رجع و قسم غنائم حنين بالجعرانة فلما قسم غنائم حنين اعتمر من الجعرانة داخلا الى مكة لا خارجا منها للإحرام والعمرة الرابعة مع حجته فإنه قرن بين العمرة والحج باتفاق أهل المعرفة بسنته وباتفاق الصحابة على ذلك ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه تمتع تمتعا حل فيه بل كانوا يسمون القران تمتعا ولا نقل عن أحد من الصحابة أنه لما قرن طاف طوافين وسعى سعيين وعامة المنقول عن الصحابة فى صفة حجته ليست بمختلفة وإنما اشتبهت على من لم يعرف مرادهم.(1)
باب
ليس على النساء سعي ولا رمل
عن نافعٍ، عن ابن عمر؛ أنه قال: لَيْسَ على النساءِ سَعْيٌ بالبيتِ، ولا بين الصفا والمروة.
وعن عطاء قال: لَيْسَ على النساءِ رمل بالبيتِ، ولا بين الصفا والمروة. (2)
وعن ابن جريج، أنه سأل عطاءً: أَتَسْعَى النِّسَاءُ؟ فأنكَرَهُ نكرةً شديدةً. (3)
وعن مجاهد؛ أنه قال: رَأَتْ عائشةُ رضي الله عنها النساءَ يَسْعَينَ بالبيتِ، فقالَتْ: "أمَا لَكُنَّ فِيْنَا أُسْوَةٌ؟ لَيْسَ عَلَيْكُنَّ سَعْي.
وجاء في كتاب الأم للإمام الشافعي رحمه الله: بَابُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ سَعْي .قال الشّافعي: لا رَمَلَ على النساء، ولا سَعْي بين الصفا والمروة، ولا اضْطِبَاع، وإن حُمِلْنَ، لم يكن عَلَى مَنْ حَمَلَهنَّ رَمَلٌ بِهنَّ، وكذلك الصغيرةُ منهنَّ تَحْمِلُهَا الواحِدَةُ، والكبيرة تُحْمَلُ في مِحَفَّةٍ، أو تركَبُ دَابَّةً؛ وذلك أنهنَّ مأموراتٌ بالاِستتارِ، والاِضْطِبَاعُ، والرَمَلُ: مفارِقَانِ للاِسْتِتَارِ. (4)
وقال ابن المنذر: وأجمعوا ألّا رَمَلَ على النساء حول البيت، ولا في السعي بين الصفا والمروة. (5)
__________
(1) مجموع الفتاوى (26/99-107) ، والفتاوى الكبرى (1/319) ..
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/151) .
(3) كتاب الأم (2/176) .
(4) كتاب الأم (2/228) .
(5) الإجماع رقم (169) .(1/221)
وقال الشيخ الألباني: فائدة: جاء في "المغني" لابن قدامة المقدسي (3/394) ما نصه: وطواف النساء وسعيهن مشي كله قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة وليس عليهن اضبطاع. وذلك لأن الأصل فيهما إظهار الجلد ولا يقصد ذلك في حق النساء لأن النساء يقصد فيهن الستر وفي الرمل والاضبطاع تعرض للكشف "وفي "مجموع" للنووي (8/75) ما يدل على أن المسألة خلافية عند الشافعية فقد قال : إن فيها وجهين :الأول وهو الصحيح وبه قطع الجمهور : أنها لا تسعى بل تمشي جميع المسافة ليلا ونهارا . والوجه الثاني : أنها إن سعت في الليل حال خلو المسعى استحب لها السعي في موضع السعي كالرجل ".
قلت: ولعل هذا هو الأقرب فإن أصل مشروعية السعي إنما سعي هاجر أم إسماعيل تستغيث لابنها العطشان كما في حديث ابن عباس: "فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ردعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا؟ فلم ترى أحدا ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي $: "فذلك سعي الناس بينهما" . أخرجه البخاري في " كتاب الأنبياء ".(1)
باب
من قال : ليس على الصفا والمروة دعاء موقت
عن ابن جريج عن عطاء قال: لم أسمع أن على الصفا والمروة دعاء موقتاً . (2)
وعن الأعمش عن إبراهيم قال: ليس على الصفا والمروة دعاء موقت فادع بما شئت. (3)
باب
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/310و6/83) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/310و6/83) .
قال الشيخ الألباني: ويجوز أن يطوف بينهما راكبا والمشي أعجب إلى النبي $. وإن دعا في السعي بقوله: "رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم " فلا بأس لثبوته عن جمع من السلف.مناسك الحج والعمرة .(1/222)
في الرجل يسعى بين الصفا والمروة أربعة عشر مرة .
عن وكيع عن منصور بن عبد الرحمن عن عطاء قال: سألت عن رجل سعى بين الصفا والمروة أربعة عشر مرة قال: يعيد . (1)
وعن وكيع عن مسعر عن عطاء قال : يجزئه . (2)
باب
الصلاة تقام والرجل يسعى بين الصفا والمروة
قال عطاء: للطائف بين الصفا والمروة إذا أقيمت الصلاة أن يدخل فيصلي فإذا فرغ بنى من حيث قطع، وهذا قول ابن عمر، وسالم بن عبدالله، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. قال ابن المنذر: بقول ابن عمر أقول. (3)
باب
الجماع بعد العمرة وقبل التقصير
عن عطاء قال: يستغفر الله، ولا شيء عليه. (4)
باب
التحلل بعد السعي
عن عطاء قال فيمن ساق هدياً وسعى أنه يحل له التقصير من شعر رأسه خاصة، ولا يمس من أظفاره وشاربه شيئاً . (5)
باب
هل يسعى المجاور لمكة
عن حبيب قال: سئل عطاء عن المجاور إذا أهل من مكة هل يسعى الأشواط الثلاثة؟ قال: إنهم يسعون،فأما ابن عباس فإنه قال:إنما ذلك على أهل الآفاق(6)
...
باب
التعجيل إلى منى قبل التروية
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/403) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/403) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/295)، دار المدينة .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/138)، المجموع (7/353) .
(5) المغني (5/241).
قال الشيخ الألباني: فإذا انتهى من الشوط السابع على المروة قص شعر رأسه، أو حلق إذا كان بين عمرته وحجه فتره كافية يطول الشعر خلالها . راجع الفتح (3 /444)، وبذلك تنتهي العمرة وحل له ما حرم عليه الإحرام ويمكث هكذا حلالا إلى يوم التروية، ومن كان أحرم بغير عمرة الحج . ولم يكن ساق الهدي من الحل فعليه أن يتحلل اتباعا لأمر النبي $ واتقاء لغضبه وأما من ساق الهدي فيظل في إحرامه ولا يتحلل إلا بعد الرمي يوم النحر الإهلال بالحج يوم التروية. مناسك الحج والعمرة .
(6) المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/274)، المحلى (5/85) .(1/223)
عن حجاج قال: سألت عطاء عن التعجل إلى منى قبل التروية بيوم، فلم ير بذلك بأسا.
وعن مجاهد وعطاء قالا: لا يحرم بالحج يوم التروية حتى يتوجه إلى منى. (1)
قال الشيخ الألباني: إياك أن تدع البيات في منى ليلة عرفة فإنه واجب فعله رسول الله $ وأمر به في قوله: "خذوا عني مناسككم. "(2)
قال أبو بكر ابن المنذر: الخروج إلى منى في كل وقت مباح. (3)
باب
يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى(4)
ثبت أن رسول الله $ صلى بمنى الظهر يوم التروية والعصر، وليلة عرفة المغرب والعشاء، ويوم عرفة الصبح. (5)
وعن ابن جريج قال: قال عطاء: من شاء صلى بمكة الظهر ومن شاء صلى بمنى . (6)
وعن ابن جريج قال: سألت عطاء عن الخطبة يوم التروية إذا وافق يوم جمعة؟ فأخبرني قال: أدركت يوم الجمعة موافقة يوم التروية بمكة، فكلُّ ذلك قد أدركت الناس يصنعونه، قد أدركتهم يجمِّع إمامهم ويخطب مرة، ومرة لا يجمِّع بمكة ولا يخطب .(7)
قال الشوكاني: وأحاديث الباب تدل على أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور. (8)
باب
الإهلال بالحج والخروج من مكة
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/369) .
(2) مناسك الحج والعمرة .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/308)، دار المدينة .
(4) يوم التروية: هو الثامن من ذي الحجة أي قبل الوقوف بعرفة بيوم واحد، وإنما سمي كذلك لانهم كانوا يملاون فيه قربهم بالماء استعدادا لصعود عرفة والوقوف بها إذا لا ماء بعرفة .
(5) رواه البخاري في الحج برقم (1653)، ومسلم في الحج برقم (1290) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/315) .
(7) أخبار مكة للفاكهي (3/:190)، المغني (5/262) .
(8) نيل الأوطار (5/132).(1/224)
عن ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عطاء قال: قدم ابن عمر فطاف ثم سعى ثم رحل فمكث أربعاً أو خمساً، ثم أهلَّ بالحج في العشر، ثم جاء مرة أخرى فأقام حلالاً حتى إذا كان يوم التروية أهلَّ بالحج حين انبعث به بعيره منطلقا إلى منى، قال عطاء: وهو أحبُّ إلينا. (1)
وعن عطاء قال: لا يحرم بالحج يوم التروية حتى يتوجه إلى منى . (2)
وعنه قال: إن شاء المكيُّ ألا يحرم بالحجِّ إلا يوم منى فعل، قال: وكذلك إن كان أهله دون الميقات إن شاء أهلَّ من أهله وإن شاء من الحرم . (3)
وعنه قال: إذا أحرم عشية التروية فلا يطف بالبيت حتى يروح إلى منى.(4)
وعن ابن جريج قال: أمر أبو جراب، وهو أمير مكة عطاءٌ أن يحرم في الهلال، فكان بين أظهرنا وهو حلال ويعلن التلبية . (5)
واستحب عطاء للخارج عن مكة إلى منى وعرفة أن يودع البيت بطواف سبع. واستحب ذلك: مجاهد، وسعيد بن جبير، والشافعي، وأحمد، وإسحاق . وقال الثوري: لا يخرج أحد من الحرم حتى يودع البيت.
قال أبو بكر ابن المنذر: هذا حسن وليس بواجب. (6)
باب
لمَ سميت عرفة
عن يعلى بن عبيد عن عبد الملك عن عطاء قال: إنما سميت عرفات لأن جبريل كان يُري إبراهيم المناسك فيقول: عرفت ؟ ثم يريه فيقول: عرفت؟ فسميت عرفات. (7)
باب
الغدو إلى عرفة
عن عطاء قال: إن النبي @ غدا على عرفة فرأيت الأئمة يصلُّون الصبح ثم يغدون بعدها بساعة، قال: فلا أظنّهم إلا يتحرون بذلك فعل نبيهم. (8)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/368) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/431) .
(3) التمهيد (21/90) .
(4) الاستذكار (4/78)، التمهيد (21/89)، المغني (5/261) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (2/335و3/178) .
(6) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/308)، دار المدينة .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/190)، المغني (5/262) .
(8) أخبار مكة للفاكهي (5/8) .(1/225)
وعنه قال: رأيت الأئمة أئمة الموسم يتحرون بغدوهم إلى عرفات طلوع
الشمس ولا أراهم تحروا به إلا فعل نبيهم . (1)
باب
قدوم الرجل عشية عرفة يذهب إلى عرفات
عن عطاء في الرجل يقدم مفرداً فيجد الناس وقوفاً بعرفة قال: يقف معهم، فإذا كان النحر، طاف طوافاً واحداً وسعى بين الصفا والمروة، فأجزأه طواف القدوم من طواف الزيارة، وعليه طواف يوم النفر حين يودع البيت. (2)
باب
في الرجل يقدم مكة معتمرا يوم عرفة
عن عطاء قال: لا بأس به . (3)
باب
الوقوف بعرفة
ثبت أن رسول الله $ قال: "وقفت هاهنا بعرفة وعرفة كلها موقف،
وادفعوا عن بطن عُرنة".(4)
عن عطاء قال: كانت عائشة تمكث بمكة ليلة عرفة مساء يوم التروية عامة الليل . وفيه وجوب إتباع الامير في صلاته .
وعن ابن جريج عن عطاء قال: رأيت الأئمة أئمة الموسم يتحرون بغدوهم إلى عرفات طلوع الشمس، ولا أراهم تحروا به إلا فعل نبيهم@ .
وسئل عطاء عن الوقوف بعرفة؟ فقال: ما فوق عرنة. (5)
باب
في الرجل يقدم عرفة معتمراً فيحل أيقع على النساء
عن عطاء قال: لا بأس به. (6)
باب
الصلاة بعرفة وهل المكي يقصر الصلاة أم لا
قال عطاء: لا يرفع الصوت بالقراءة يوم عرفة، إلا أن يوافق يوم جمعة فيرفع صوته . (7) وقال: ليس على أهل مكة أن يقصروا الصلاة . (8)
وعن عثمان بن الأسود عن مجاهد وعطاء قالا:ليس على أهل مكة قصر صلاة في الحج.(9)
وقال عطاء : أهل مكة يتمون صلاتهم في عرفة، ومزدلفة، ومنى .
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/316) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/402) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/434) .
(4) رواه مسلم في الحج برقم (1218).
(5) أخبار مكة للفاكهي (5/36) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/434) .
(7) المحلى (5/316)، الاستذكار (4/329) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (2/202) .
(9) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/226)
قال ابن قدامة: فأما قصر الصلاة فلا يجوز لأهل مكة. وبهذا قال عطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، والثوري، ويحيى القطان، والشافعي، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، وقال القاسم بن محمد، وسالم، ومالك، والأوزاعي: لهم القصر لأن لهم الجمع فكان لهم القصر كغيرهم. (1)
وقال الشنقيطي: وممن قال بأن أهل مكة يتمون صلاتهم في عرفة، ومزدلفة، ومنى: الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وعطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، والثوري، ويحيى القطان، وابن المنذر، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني، وعزا النووي هذا القول للجمهور . (2)
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ما نصه: فلما أتمها يعني الخطبة، يوم عرفة، أمر بلالاً، فأذن، ثم أقام فصلى الظهر ركعتين، أسر فيهما بالقراءة، وكان يوم الجمعة. فدل على أن المسافر لا يصلي جمعة، ثم أقام، فصلى العصر ركعتين أيضاً، ومعه أهل مكة وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع، ومن قال إنه قال لهم "أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر" فقد غلط عليه غلطاً بيناً، ووهم وهماً قبيحاً، وإنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة، حيث كانوا في ديارهم مقيمين، ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن أهل مكة يقصرون، ويجمعون بعرفة، كما فعلوا مع النَّبي@، وفي هذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيام معلومة، ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة ألبتة، وإنما التأثير لما جعله الله سبباً، وهو السفر. هذا مقتضى السنة ولا وجه لما ذهب إليه الملحدون. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
باب
في التطوع بين الظهر والعصر بعرفة
عن جابر قال: صلى رسول الله @ الظهر والعصر بعرفة، ولم يسبح بينهما . (3)
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي .(3/285) .
(2) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/313) .(1/227)
وعن ليث عن مجاهد قال: صل بين الظهر والعصر بعرفة إن شئت.
وعن ابن جريج عن عطاء قال:من صلى الصلاتين بعرفة لم يتطوع بينهما(1)
باب
من وقف بعرفة بعد الزوال فوقوفه تام
قال عطاء: من صدر يوم عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم وحجة تامة.
وعن الحسن وعطاء قالا: في العبد يعتق بعد ما ينفر الناس من عرفات أو قال يحتلم الغلام أو تحيض الجارية أو يجمع فرجعوا إلى عرفات فوقفوا قبل طلوع الفجر، فقد أجزأت عنهم حجة الإسلام. (2)
وقال جمهور العلماء: من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تام وإن دفع قبل الغروب إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم عليه، وعمدة الجمهور حديث عروة بن مضرس وهو حديث مجمع على صحته، قال أتيت رسول الله @ بجمع فقلت له هل لي من حج فقال من صلى هذه ووقف هذا الموقف حتى نفيض أو أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه، وأجمعوا على أن المراد بقوله في هذا الحديث نهارا أنه بعد الزوال ومن اشترط الليل احتج بوقوفه بعرفة @ حين غربت الشمس لكن للجمهور أن يقولوا إن وقوفه بعرفة إلى المغيب قد نبأ حديث عروة بن مضرس أنه على جهة الأفضل إذ كان مخيرا بين ذلك. (3)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) بداية المجتهد (1/254) .(1/228)
وقال الخطابي: في هذا الحديث من الفقه أن من وقف بعرفات وقفة بعد الزوال من يوم عرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج وقال أصحاب مالك: النهار تبع الليل في الوقوف فمن لم يقف بعرفة حتى تغرب الشمس فقد فاته الحج وعليه حج من قابل. وروي عن الحسن أنه قال عليه هدي من الإبل وحجة تامة، وقال أكثر الفقهاء: من صدر يوم عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم وحجة تامة، كذلك قال عطاء، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وهو قول الشافعي، وأحمد بن حنبل. وقال مالك، والشافعي: فمن دفع من عرفة قبل غروب الشمس ثم رجع إليها قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا رجع بعد غروب الشمس ووقف لم يسقط عنه الدم. انتهى. (1)
وقال الشنقيطي: والحاصل: أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج إجماعاً، وأن من جمع بين الليل والنهار من بعد الزوال فوقوفه تام إجماعاً، وأن من اقتصر على الليل دون النهار فوقوفه تام ولا دم عليه عند الجمهور، خلافاً للمالكية القائلين بلزوم الدم، وأن من اقتصر على النهار دون الليل، لم يصح وقوفه عند المالكية، وعند جمهور العلماء: حجه صحيح. منهم الشافعي، وأبو حنيفة، وعطاء، والثوري، وأبو ثور، وهو الصحيح من مذهب أحمد.اهـ. (2)
باب
وقوف المغمى عليه بعرفة
قال عطاء بصحة وقوف المغمي عليه بعرفة، وقال: يجزئه. (3)
وقال الشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق: لا يجزيه، وقد فاته الحج.
قال أبو بكر ابن المنذر: وبه نقول. (4)
__________
(1) عون المعبود (5/425) .
(2) أضواء البيان .
(3) المغني (5/275) .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/314)، دار المدينة .(1/229)
قال الشنقيطي في أضواء البيان: اعلم أن العلماء اختلفوا في صحة وقوف المغمى عليه بعرفة، قال النووي في شرح المهذب: ذكرنا أن الأصح عندنا أنه لا يصح وقوف المغمى عليه، وحكاه ابن المنذر عن الشافعي وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، قال: وبه أقول، وقال مالك وأبو حنيفة: يصح، وقال: ليس في وقوف المغمى عليه نص من كتاب ولا سنة، يدل على صحته أو عدمها. وأظهر القولين عندي: قول من قال: بصحته لما قدمنا، من أنه لا يشترط له نية تخصه، وإذا سلمنا صحته بدون النية، كما قدمنا أنه هو الصواب فلا مانع من صحته من المغمى عليه، كما يصح من النائم، واحتج من خالف في ذلك، بأن المغمى عليه ليس من أهل العبادة، حتى يصح وقوفه، وممن قال بعدم صحته: الحسن، وممن قال بصحته: عطاء، والله تعالى أعلم.
باب
الفطر للحاج يوم عرفة
عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: دعى رسول الله @ بلبن يوم عرفة من رحل أم الفضل فشرب منه وهو بالموقف. (1)
وعن عطاء عن ابن عباس أن النبي@ شرب يوم عرفة .
قال عطاء في صوم يوم عرفة: أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف. (2)
وقال يحيى الأنصاري: يجب الفطر يوم عرفة. وكان عثمان بن أبي العاصي وابن الزبير وعائشة يصومون يوم عرفة، قال ابن المنذر: الفطر يوم عرفة بعرفات أحب إلي، اتباعا لرسول الله @، والصوم بغير عرفة أحب إلي، لقول رسول الله @ وقد سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية). (3)
وعن عطاء أنه قال: من أفطر يوم عرفة ليتقوى على الدعاء فإن له مثل أجر الصائم. (4)
__________
(1) أخرجه البخاري في الحج برقم (1658).
(2) تفسير القرطبي تفسير سورة الحج .
(3) تفسير القرطبي تفسير سورة الحج .
(4) تفسير القرطبي تفسير سورة الحج، والإشراف لابن المنذر(3/316)، دار المدينة .(1/230)
قال عطاء: كل من أفطره ليتقوّى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم . (1)
وعنه قال: صيام يوم عرفة كصيام ألفُ يوم . (2)
وعن ابن جريج قال: سألت عطاء قلت: أتصوم يوم عرفة؟ قال: أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف. (3)
قال الزرقاني: "نهى@ عن صوم يوم عرفة بعرفة" وأخذ بظاهره قوم منهم يحيى بن سعيد الأنصاري فقال: يجب فطره للحاج، والجمهور على استحبابه، حتى قال عطاء: كل من أفطره ليتقوّى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم.
وقال أبو بكر ابن المنذر: الفطر يوم عرفة بعرفات أحب إلي إتباعاً لرسول الله $، والصوم بغير عرفة أحب إليّ لقول النبي $ وقد سئل عن صوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية".(4). اهـ.(5)
باب
التبرد بعرفة
عن عطاء أنه كان يستنقع في حياض عرفة. (6)
باب
التفرغ عشية عرفة
عن عمرو بن الورد قال:قال لي عطاء: إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة فافعل. (7)
باب
من قال: إذا وقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك
عن حفص بن غياث، عن ابن أبي ليلى وابن جريج، عن عطاء أن النبي@ قال: "من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، ومن فاتته عرفة فقد فاته الحج" .
وفيه أن الحج عرفة فمن فاته الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر فاته الحج فاعتمر وكان عليه حج من قابل .
__________
(1) المصنف لعبدالرزاق (4/284)، الجامع للقرطبي (2/421)، شرح الزرقاني (2/516) .
(2) أخبار مكة للفاكهي (5/28)، التمهيد (21/158) .
(3) المصنف لعبدالرزاق (4/284)، الاستذكار (4/235)، التمهيد (21/158) .
(4) أخرجه مسلم برقم (1162)، وابو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي.
(5) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/316)، دار المدينة .
(6) أي يدخلها ويتبرد بماءها (النهاية) .
(7) الزهد لأحمد (2219)، الحلية(3/314) .(1/231)
وعن عطاء أنه قال: إذا وقف الرجل بعرفات قبل طلوع الفجر ليلة النحر فقد أدرك الحج وإن لم يدرك الناس بجمع . (1)
وعن أيوب عن نافع قال: من وقف بعرفة بليل قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، ومن لا، فقد فاته، فليطف بالبيت وليسع بين الصفا والمروة ويحلق رأسه ويحل ويحج من العام المقبل ويهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع .
وعن هشام عن الحسن وعطاء أنهما قالا: إذا وقف الرجل بعرفات قبل طلوع الفجر ليلة النحر فقد أدرك الحج وإن لم يدرك الناس بجمع .
وبرمي جمرة العقبة يتحلل تحلله الأول على الصحيح ويحل له الطيب وكل شيء حرم عليه إلا النساء، وهو قول مالك ورواية عن أحمد، وقال به عطاء وأبو ثور وغيرهم. (2)
وقال رسول الله@ من شهد صلاتنا هذه يعني صلاة الفجر يعني بالمزدلفة أي في مزدلفة حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى ثفته رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن خزيمة فيه دلالة على أنه لا يتم الحجة إلا بشهود صلاة الفجر بمزدلفة والوقوف بها حتى يدفع الإمام وقد وقف بعرفة قبل ذلك في ليل أو نهار، ودل على إجزاء الوقوف بعرفة في نهار يوم عرفة إذا كان من بعد الزوال أو في ليلة الأضحى وأنه إذا فعل ذلك فقد قضى تفثه وهو قضاء المناسك وقيل إذهاب الشعر ومفهوم الشرط أن من لم يفعل ذلك لم يتم حجه فأما الوقوف بعرفة فإنه مجمع عليه، وأما بمزدلفة فذهب الجمهور إلى أنه يتم الحج وإن فاته ويلزم فيه دم . سبل السلام (2/208-209).
باب
في المحرم يموت يغطى رأسه
عن عبد الملك عن عطاء أنه سئل عن المحرم يغطى رأسه إذا مات وإذا كفن؟ قال: قد غطى ابن عمر وكشف غيره. (3)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: قال رسول الله@ خمروا وجوهكم ولا تشبهوا باليهود.
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/226)، وهو قول الحسن البصري .
(2) شرح حديث جابر > للطريفي .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/232)
وعن جابر عن أبي جعفر قال في المحرم يغطي رأسه ولا يكشف.
وعن وكيع عن مالك بن مغول عن عطاء قال : لا تقربوه طيبا. (1)
باب
في الرجل ينصرف قبل الإمام في عرفة
عن ابن جريج قال قلت لعطاء:هل يبرح موقفا بعرفة قبل الإمام؟ قال: لا.(2)
وعن عطاء عليه دم إذا دفع قبل الإمام، وحجُّه صحيح . (3)
وعن يحيى بن سعيد عن عطاء، قال: سمعته يقول: من رهق عن جمع فلم ينزلها أهرق لذلك دما . (4)
وقال عطاء، والثوري، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم من أهل العلم: إن أفاض منها قبل غروب الشمس عليه دم. قال أبو بكر ابن المنذر: وبقول عطاء، ومن وافقه أقول. (5)
باب
في الرجل ينفر من عرفات [ من ] غير طريق منى)
عن عطاء (ثمّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النّاسُ) من حيث تُفيض جماعة الناس. (6)
وعن عطاء أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ غير طريق منى إذا أفاض من عرفات طريق ضب. (7)
وعن ابن جريج قال: سلك عطاء من عرفة طريق ضَب، فقيل له في ذلك! فقال: لا بأس بذلك، إنما هي الطريق . (8)
باب
حدّ مزدلفة
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/217) .
(3) المغني (8/142)، المجموع (8/142) .
(4) شرح حديث جابر >، للطريفي .
(5) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/313)، دار المدينة .
(6) تفسير الطبري (2/292) .
(7) المغني (8/142)، المجموع (8/142) .
(8) أخبار مكة للفاكهي (4/325)، أخبار مكة للأزرقي (2/193) .(1/233)
عن ابن جريج قال قلت لعطاء: أين المزدلفة؟ قال: إذا أفضت من مأزِمي عرفة, فذلك إلى محسّر، قال: وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة, ولكنّ مفاضاهما، قال: قف بينهما إن شئت, وأحبّ إليّ أن تقف دون قُزَح, هلمّ قال عطاء: وأحبُّ إليَّ أن تقف دون قزح، وهلمَّ إلى منى، قال عطاء: فإذا أفضيت من مأزمي عرفه فانزل في كلِّ ذلك عن يمين وشمال، وأين شئت، قال قلت: فأنزل في الجرف إلى الجبل الذي يأتي يميني حين أفيض إذا أقبلت من المأزمين؟ قال: نعم، إن شئت، قال: وأحبُّ إليَّ أن تنزل دون قزح هلمَّ إلينا, وحذوه، قال: قلت: فأحبُّ إليك أن أنزل على قارعة الطريق؟ قال: سواء إذا خفضت عن قزح هلمَّ إلينا، وهو يكره أن ينزل الإنسان على الطريق, قال: تضيِّق على الناس! قال: وإن نزلت فوق قزح إلى مفضى مأزمي عرفة فلا بأس إن شاء الله، قال: وقلت له: أرأيت قولك ((أن أنزل أسفل من قزح أحب إلي)) من أجل سيء تقول ذلك؟ قال: من أجل طريق الناس, إنما ينزل الناس فوق قزح, فتضيِّق على الناس طريقهم, فتؤذي بذلك المسلمين , قال: قلت: هل بك إلى ذلك؟ فأبى إلا ذلك، قال: قلت: أفرأيت إن اعتزلت الناس وذهبت في الجرف الذي عن يمين المقبل من عرفة لست أقرب أحداً؟ قال: لا أكره ذلك، قلت : وذلك أحب إليك أم أنزل أسفل من قزح في الناس؟ قال: سواء ذلك كله إذا اعتزلت ما يؤذي الناس من التضييق عليهم في طريقهم، قال: قلت: إنما ظننت إنك تقول: نزل النبي @ أسفل قزح فأحببت أن ينزل الناس أسفل من قزح؟ قال: لا والله, ما في ذلك, ما لشيء منها عندي آثره على شيء. قال: قلت: أين تنزل أنت؟ قال: أقول عند بيوت ابن الزبير الأولى عند حائط المزدلفة, في بطحاء هناك. قال ابن جريج: وأخبرني عطاء عن ابن عباس > أنه كان يقول: ارفعوا عن محسِّر, وارفعوا عن عرفات. قال: قلت له: رفع ماذا؟ قال: ما أقوله: ارفعوا عن محسِّر ففي المنزل بجمع , أي لا تنزلوا محسراً.(1/234)
قال: قلت: فأين محسِّر؟ أين يبلغ من جمع؟ وأين يبلغ الناس منازلهم من محسِّر؟ قال: لم أرَ الناس يخلِّفون بمنازلهم القرنَ الذي يلي حائط محسِّر الذي هو أقرب قرنٍ في الأرض من محسِّر عن يمين الذاهب من مكة ,عن يمين الطريق .
قال: ومحسِّر إلى ذلك القرن, يبلغه محسِّر, وينقطع إليه، قال: فأحسب أنها كديَّة محسِّر، حتى ذلك القرن، قال: فلا أحبُّ أن ينزل أحدٌ أسفل من ذلك القرن تلك الليلة , يعني ليلة جمع (1)
وعن حبيب المعلم قال: قيل لعطاء يعني في الموقف بجمع قال: مافوق بطن محسِّر، قيل إلى قزح؟ وما وراء ذلك هو المشعر الحرام . (2)
باب
إذا أخطأ الناس يوم النحر
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: رجل حجَّ أول ما حجَّ فأخطأ الناس بيوم النحر أيجزئ عنه؟ قال: نعم، أي لعمري إنها لتجزيء عنه . (3)
وعن عطاء يجزيهم إن وقفوا قبل وبعد . (4)
باب
الدفع للماشي
عن ابن جريج عن عطاء قال: قلت له كيف يدفع الماشي؟ قال: كيف تيسر . (5)
وعنه قال: قلت لعطاء: يقف الانسان عشية عرفة بعدما يدفع الامام حتى يذهب زحام الناس ؟ قال : لا بأس به . (6)
باب
في المشعر الحرام وحكم الوقوف والمبيت في مزدلفة(7) والصلاة فيها
__________
(1) تفسير الطبري (2/288)، أخبار مكة للفاكهي (4/316-318)، أخبار مكة للأزرقي (2/193) .
(2) أخبار مكة للفاكهي (4/321) .
(3) المغني (8/142)، السنن الكبرى للبيهقي (5/176) .
(4) الاستذكار لابن عبد البر (4/286) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/451) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(7) قال الشيخ الألباني: وعليك البيات أيضا في المزدلفة حتى تصلي الصبح فإن فاتك البيات فلا يفوتك أداء الصلاة فيها فإنه واجب منه بل هو ركن من أركان الحج على القول الأرجح عند المحققين من العلماء إلا للنساء والضعفة.فإنه يجوز لهم الانصراف بعد نصف الليل.مناسك الحج والعمرة.(1/235)
ثبت أن رسول الله $ صلى الفجر بالمزدلفة حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. (1)
وقال: "وقفت هاهنا وجمع كلها موقف".(2)
وكان ابن عمر يقف على قزح. (3)
وعن عطاء في قوله: (المشعر الحرام ) قال: هو قزح هو المزدلفة كلها .
وعن ابن جريج عن عطاء في رجل مرَّ كما هو، ولم يبت بجمع جهِلَ
ذلك؟ فقال: عليه دمٌ . (4)
وعن يحيى بن سعيد عن عطاء، قال: سمعته يقول: من رهق عن جمع فلم ينزلها أهرق لذلك دما. (5)
وعن عطاء قال: إن لم ينزل بجمع فعليه دم، وإن نزل بها ثم ارتحل بليل فلا شيء عليه. (6)
قال ابن قدامة: والمبيت بمزدلفة واجب، من تركه فعليه دم. هذا قول عطاء، والزهري، وقتادة، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. وقال علقمة، والنخعي، والشعبي: من فاته جمع فاته الحج. لقول الله تعالى: { فَإِذَا أَفَضْتُم مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } وقول النبي "من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه".(7)
__________
(1) أخرجه مسلم في الحج برقم (1218) .
(2) أخرجه مسلم في الحج برقم (1218) .
(3) قزح: بضم أوله وفتح ثانيه وهاء مهملة، وهو القرن الذي يقف الإمام عنده بالمزدلفة عن يمين الإمام. معجم البلدان .
(4) أخبار مكة للفاكهي (5/48) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/391)، التمهيد (3/529).
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/226) .
(7) الاستذكار (4/285)، التمهيد (9/272) .(1/236)
وقال القرطبي: وأما المبيت بالمزدلفة فليس رُكْناً في الحج عند الجمهور. واختلفوا فيما يجب على من لم يبِتْ بالمزدلفة ليلة النحر ولم يقف بجَمْع؛ فقال مالك: مَن لم يبت بها فعليه دم، ومن قام بها أكثر ليله فلا شيء عليه؛ لأن المبيت بها ليلة النحر سُنّة مؤكّدة عند مالك وأصحابه، لا فرض؛ ونحوه قول عطاء والزهريّ وقتادة وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي فيمن لم يبِت. وقال الشافعيّ: إن خرج منها بعد نصف الليل فلا شيء عليه، وإن خرج قبل نصف الليل فلم يعد إلى المزدلفة افتدى، والفِذية شاة. وقال عكرمة والشعبيّ والنخعيّ والحسن البصري: الوقوف بالمزدلفة فرض، ومن فاته جَمْع ولم يقف فقد فاته الحجّ، ويجعل إحرامه عُمرة. (1)
وقال النووي: وحكى عن عطاء والأوزاعي أن المبيت بالمزدلفة في هذه الليلة ليس بركن ولا واجب ولا سنة ولا فضيلة فيه، بل هو منزل كسائر المنازل إن شاء تركه وإن شاء لم يتركه ولا فضيلة فيه وهذا قول باطل . (2)
وقال ابن قيم الجوزية: فصل في صلاته@ في المزدلفة ووقوفه بالمَشْعَرِ الحرام. فلما طلع الفجرُ، صلاَّها في أول الوقت لا قبلَه قطعاً بأذان وإقامة يومَ النحر، وهو يومُ العيد، وهو يومُ الحجِّ الأكبر، وهو يومُ الأذان ببراءة اللَّه ورسولِه مِن كُلِّ مشرك.
__________
(1) تفسير القرطبي (2/413) .
(2) شرح مسلم .(1/237)
ثم ركِبَ حتى أتى موقِفَه عند المَشْعَرِ الحَرَامِ، فاستقبل القِبْلة، وأخذ فى الدُّعاء والتضرُّع، والتكبير، والتهليلِ، والذِّكرِ، حتى أسفر جدّاً، وذلك قبلَ طُلوع الشمس. وهنالك سأله عُرْوَةُ بنُ مُضَرِّس الطائي، فقال: يا رسُولَ اللَّهِ ؛ إنِّى جِئْتُ مِنْ جَبَلَىْ طىِّءٍ، أكْلَلْتُ رَاحِلتى، وأتْعَبْتُ نَفْسِى، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْه، فَهَلْ لِى مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه@: ((مَنْ شَهِدَ صَلاتَنَا هذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وقَفَ بعَرَفَةَ قَبْلَ ذلِكَ ليلاً أوْ نَهاراً، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّه، وقَضى تَفَثَه)).(1/238)
وبهذا احتج مَن ذهب إلى أن الوقوفَ بمُزدلفَة والمبيتَ بها، ركن كعرفة، وهو مذهبُ اثنين مِن الصحابة، ابنِ عباس، وابن الزُّبير { ،وإليه ذهب إبراهيمُ النَّخَعى، والشَّعبى، وعلقمة، والحسنُ البصري، وهو مذهب الأوزاعى، وحماد بن أبى سليمان، وداود الظاهري، وأبى عُبيد القاسم بن سلاَّم، واختاره المحمَّدان: ابنُ جرير، وابن خُزيمة، وهو أحد الوجوه للشافعية، ولهم ثلاثُ حجج، هذه إحداها، والثانية:قوله تعالى: { فاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ } البقرة198. والثالثة: فعلُ رسول اللَّه@ الذي خرج مخرجَ البيانِ لهذا الذِّكر المأمور به. واحتجَّ مَن لم يره رُكناً بأمرين، أحدهما: أن النبى@ مدَّ وقتَ الوقوف بعرفة إلى طلوع الفجر، وهذا يقتضى أن مَن وقف بعرفة قبل طلوع الفجر بأيسر زمان، صح حَجُّه، ولو كان الوقوفُ بمزدلفة رُكناً لم يصحَّ حَجُّه.الثانى: أنه لو كان ركناً، لاشترك فيه الرجالُ والنساءُ، فلما قَدَّمَ رسولُ اللَّه@ النساء بالليل، عُلِمَ أنه ليس برُكن، وفى الدليلين نظر، فإن النبى@ إنما قدَّمهن بعد المبيت بمزدلفة، وذكر اللَّه تعالى بها لصلاة عشاء الآخرة، والواجبُ هو ذلك. وأما توقيتُ الوقوف بعرفة إلى الفجر، فلا يُنافى أن يكونَ المبيت بمزدلفة رُكناً، وتكونُ تلك الليلة وقتاً لهما كوقت المجموعتين من الصلواتِ، وتضييق الوقت لأحدهما لا يُخرجه عن أن يكون وقتاً لهما حال القدرة. (1)
__________
(1) زاد المعاد (2/149).(1/239)
وقال الشنقيطي: فقد اختلف العلماء في حكمه، أي المبيت بمزدلفة إلى ثلاثة مذاهب:الأول: أن المبيت بمزدلفة واجب يجبر بدم. الثاني: أنه ركن لا يتم الحج بدونه. الثالث: أنه سنة وليس بواجب، والقول: بأنه واجب يجبر بدم: هو قول أكثر أهل العلم منهم: مالك، وأحمد، وأبو حنيفة، والشافعي في المشهور عنه، وعطاء، والزهري، وقتادة، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور. قال النووي في شرح المهذب: قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا: أنه ليس بركن، فلو تركه صح حجه. قال القاضي أبو الطيب، وأصحابنا: وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف. انتهى منه. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ولكن القول الوسط أحسن الأقوال أنه واجب يجبر بدم . ثم قال: والخلاصة على المذهب: أنه إذا دفع قبل منتصف الليل فعليه دم . وإذا دفع بعد منتصف الليل فلا شيء عليه .
وإذا وصل إلى مزدلفة بعد الفجر فعليه دم، وإذا وصل بعد منتصف الليل فلا شيء عليه. (2) وقال رحمه الله: مسألة: هل يشرع أن يحيي تلك الليلة بالقراءة والذكر والصلاة أم السنة النوم؟
الجواب: السنة النوم، لأن الرسول $ اضطجع حتى طلع الصبح. (3)
باب
الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة والأذان لهما
قال عطاء يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء للمسافر، فلو جمع بينهما في وقت المغرب أو في غير المزدلفة جاز . (4)
__________
(1) أضواء البيان .
(2) الشرح الممتع (3/322و324) .
(3) الشرح الممتع (3/325) .
(4) عن سالم بن عبد الله، عن بن عمر رضي الله عنهما ، قال : جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ، ولم يسبح بينهما، ولا على إثر كل واحدة منهما. رواه البخاري برقم (1589)، باب من جمع بينهما ولم يتطوع، ومسلم برقم (1218) ، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - .(1/240)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: أرأيت إن صلاها في الطريق؟ قال: لا بأس، قال قلت: أرأيت إن صلى المغرب في الطريق والعشاء بجمع؟قال:لا بأس.(1)
وعن جرير عن ليث، عن عطاء، قال: إذا صليت في رحلك فإن شئت فاجمع بينهما، وإن شئت فصل كل واحدة منهما لوقتها .
وقال عطاء: المبيت بمزدلفة واجب يجبر بدم، ومن صلى المغرب قبل أن يأتي مزدلفة ولم يجمع خالف السنة وصحت صلاته .
وعن الفضل بن دكين، عن مسعر، عن عبد الكريم، قال: صليت خلف سالم المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ، فلقيت نافعا فقلت له : هكذا كان يصنع عبد الله ؟ قال : هكذا ، فلقيت عطاء فقلت : قد كنت أقول لهم لا صلاة إلا بإقامة.
وعن معتمر بن سليمان، عن ليث، عن عطاء، وطاوس،قالا: إن شاء رجع.
قال ابن قدامة: فإن صلى المغرب قبل أن يأتي مزدلفة ولم يجمع خالف السنة وصحت صلاته. وبه قال عطاء، وعروة ، والقاسم بن محمد، وسعيد بن جبير، ومالك، والشافعي، وإسحاق ، وأبو ثور، وأبو يوسف، وابن المنذر، وقال أبو حنيفة والثوري: لا يجزئه لأن النبي@ جمع بين الصلاتين. فكان نسكاً وقد قال: "خذوا عني مناسككم".(2)
قال النووي: أجمع العلماء على جواز الجمع بينهما بمزدلفة في وقت العشاء للمسافر، فلو جمع بينهما في وقت المغرب أو في غير المزدلفة جاز هذا مذهبنا، وبه قال عطاء، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد، وسعيد بن جبير، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، وأبو ثور ، وابن المنذر.
وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة ومحمد وداود وبعض أصحاب مالك: لا يجوز أن يصليهما قبل المزدلفة ولا قبل وقت العشاء، والخلاف مبني على أن جمعهم بالنسك أم بالسفر؟ فعندنا بالسفر، وعند أبي حنيفة بالنسك. (3)
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/262)، أخبار مكة للفاكهي (3/262)، المجموع(8/163)، المغني (5/281) .
(2) المغني على مختصر الخرقي (3/285) .
(3) المجموع شرح المهذب (7/324) .(1/241)
وقال القرطبي: ثبت أن رسول الله@ صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً. وأجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن السُّنة أن يَجْمع الحاج بجَمْع بين المغرب والعشاء. واختلفوا فيمن صلاّها قبل أن يأتي جَمْعاً؛ فقال مالك: مَن وقف مع الإمام ودَفع بدفعه فلا يصلّي حتى يأتي المزدلفة فيجمع بينها؛ واستدل على ذلك بقوله@ لأسامة بن زيد: "الصلاة أمامك". قال ابن حبيب: من صلّى قبل أن يأتي المزدلفة دون عذر يعيد متى ما عَلم، بمنزلة من قد صلى قبل الزوال؛ لقوله عليه السلام: "الصلاة أمامك" وبه قال أبو حنيفة. وقال أشهب: لا إعادة عليه، إلا أن يصلّيهما قبل مغيب الشَّفَق فيعيد العشاء وحدها؛ وبه قال الشافعي، وهو الذي نصره القاضي أبو الحسن، واحتج له بأن هاتين صلاتان سُنّ الجمع بينهما، فلم يكن ذلك شرطاً في صحتهما، وإنما كان على معنى الاستحباب؛ كالجمع بين الظهر والعصر بعرفة. واختار ابن المنذر هذا القول، وحكاه عن عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق وأبي ثور ويعقوب. وحكى عن الشافعي أنه قال:لا يصلّي حتى يأتي المزدلفة،فإن أدركه نصف الليل قبل أن يأتي المزدلفة صلاهما.(1)
باب
في تزود الحصى من جمع
عن عطاء قال: خذه من حيث شئت، من جمع أو من حيث شئت من غيرها. (2)
وقال عطاء: يأخذ الجمار من حيث شاء . وهذا قول مالك، وأحمد.
وقال أبو بكر ابن المنذر: وبه أقول. (3)
__________
(1) تفسير القرطبي (2/413) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/203)، أخبار مكة للفاكهي (4/298)، المجموع (8/180)، المغني (5/288) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/324)، دار المدينة .(1/242)
قال ابن قدامة: مسألة: قال: ويأخذ حصى الجمار من طريقه أو من مزدلفة. إنما استحب ذلك لئلا يشتغل عند قدومه بشيء قبل الرمي، فإن الرمية تحية له، كما أن الطواف تحية المسجد فلا يبدأ بشيء قبله وكان ابن عمر يأخذ الحصى من جمع، وفعله سعيد بن جبير وقال: كانوا يتزودون الحصى من جمع، واستحبه الشافعي، وعن أحمد قال: خذ الحصى من حيث شئت وهو قول عطاء وابن المنذر. وهو أصح إن شاء الله تعالى. لأن ابن عباس قال: قال رسول الله@ غداة العقبة وهو على ناقته: "لقط لي حصى". فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف. فجعل يقبضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا، ثم قال: "أيها الناس، إياكم والغلو في الدين. فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" رواه ابن ماجة. وكان ذلك بمنى. ولا خلاف في أنه يجزئه أخذه من حيث كان والتقاط الحصى أولى من تكسيره لهذا الخبر، ولأنه لا يؤمن في التكسير أن يطير إلى وجهه شيء يؤذيه. (1)
قال النووي : قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب أخذ حصاة الجمار من مزدلفة، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وإسحاق، قال: قال عطاء، ومالك، وأحمد: يأخذ من حيث شاء، قال ابن المنذر: ولا أعلم خلافاً بينهم أنه من حيث أخذ أجزأه، لكن أحب لقطه وأكره كسره لأنه قد يؤدي ..... (2)
باب
حجم حصى الجمار
ثبت عن النبي $ أنه رمى الجمرة بمثل حصى الخذف. (3)
عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن حصى رمي الجمار، قال: كان يقال حصى بين الحصاتين، قال: قلت ماهو؟ قال: حصى الذي يخذف . (4)
وعن عطاء قال: حصى الخذف مثل طرف الأصبع . (5)
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/285) .
(2) المجموع شرح المهذب (7/324) .
(3) رواه مسلم في الحج برقم (1299).
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/248)، المجموع (8/180) .
(5) السنن الكبرى للبيهقي (5/128) .(1/243)
قال الشنقيطي: ولا يجوز الرمي بالخشب، والعنبر، واللؤلؤ، والجواهر، والذهب، والفضة، والأقرب أيضاً أن الحصاة إن وقعت فيه شقوق البناء المنتصب في وسط الجمرة، وسكنت فيها أنها لا تجزىء، لأنها وقعت في هواء المرمى، لا في نفس المرمى خلافاً لمن قال: إنها تجزئه.اهـ.
باب
تقديم الضعفة وجواز رمي جمرة القبة من نصف الليل
عن عائشة < قالت ثم استأذنت سودة النبي @ ليلة جمع وكانت ثقيلة ثبطة فأذن لها".(1)
وعنها < قالت ثم نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي @ سودة أن تدفع قبل حطمة الناس وكانت امرأة بطيئة فأذن لها فدفعت قبل حطمة الناس وأقمنا حتى أصبحنا نحن ثم دفعنا بدفعه فلأن أكون استأذنت رسول الله @ كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به".(2)
وعن عطاء عن ابن عباس قال : كنت ممن قدم رسول الله @ في ضعفة أهله .
وعن عطاء عن عائشة أنها كانت تقدم ضعفة أهلها من جمع بليل، قال عطاء: ولم أزل أفعله.(3)
وعن هشام عن عطاء قال: رخص للمريض والحبلى ومن كانت به علة، أن يفيضوا من جمع بليل . (4)
وعن طلحة بن عمرو عن عطاء قال: الرحيل من جمع إذا غاب القمر. (5)
وعن هشام عن عطاء قال: رخص للمريض والحبلى ومن كانت به علة أن يفيضوا من جمع بليل، ولا يرموا الجمار حتى تطلع الشمس. (6)
وعن يحيى بن سعيد عن عطاء، قال: سمعته يقول: من رهق عن جمع فلم ينزلها أهرق لذلك دما. (7)
__________
(1) رواه البخاري برقم (1596) .
(2) رواه البخاري برقم (1597)، ومسلم برقم (1290) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/234)، المغني (5/286) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/234)، السنن للدارقطني (2/273) .
(5) الاستذكار (4/291)، المغني (5/295) .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/234)، المغني (7/269) .
(7) المصنف لابن أبي شيبة (3/391) .(1/244)
وقال عطاء جواز تقديم رمي الجمرة من نصف الليل. أي يكون ابتداء النصف الأخير من ليلة النحر. قوله: "الجمرة" يعني جمرة العقبة. "ضحى" : أي قبل الزوال .
وعن أم حبيبة قالت: قد كن نفعله على عهد النبي @.
وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن الشوال قال: قال عبدالله: إنما جمع منزل ترتحل منه إذا شئت .
قال ابن حجر: واستدل بهذا الحديث على جواز الرمي قبل طلوع الشمس ثم من خص التعجيل بالضعفة وعند من لم يخصص عدا في ذلك الحنفية فقالوا لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز وإن رماها قبل الفجر أعادها وبهذا قال أحمد وإسحاق والجمهور وزاد إسحاق ولا يرميها قبل طلوع الشمس وبه قال النخعي ومجاهد والثوري وأبو ثور ورأى جواز ذلك قبل طلوع الفجر عطاء وطاوس والشعبي والشافعي واحتج الجمهور بحديث بن عمر الماضي قبل هذا واحتج إسحاق بحديث بن عباس ان النبي @ قال لغلمان بني عبد المطلب لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وابن حبان من طريق الحسن العرني. (1)
وقال النووي: مذهبنا جواز رمي جمرة العقبة بعد نصف ليلة النحر، والأفضل فعله بعد ارتفاع الشمس، وبه قال عطاء، وأحمد، وهو مذهب أسماء بنت أبي بكر } ، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد . (2)
وقال ابن المنذر: السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي @ ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة، ومن رماها حينئذ فلا إعادة عليه إذ لا أعلم أحداً قال لا يجزئه انتهى. (3)
__________
(1) فتح الباري (3/ 528).
(2) المجموع شرح المهذب (7/324) .
(3) عون المعبود (5/444) .(1/245)
وقال الشوكاني: قوله: "يَوْمَ النَّحْرِ ضُحَىً" لا خلاف أن هذا الوقت هو الأحسن لرميها، واختلف فيمن رماها قبل الفجر فقال الشافعي: يجوز تقديمه من نصف الليل، وبه قال عطاء، وطاوس، والشعبي، وقالت الحنفية وأحمد وإسحاق والجمهور: أنه لا يرمى جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس،ومن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز، وإن رماها قبل الفجر أعاد، وحكى المهدي في البحر عن العترة والشافعي أن وقت الرمي من ضحى يوم النحر، واستدل القائلون بأن وقت الرمي من وقت الضحى بحديث الباب وبحديث ابن عباس الآتي، قالوا:وإذا كان من رخص له النبي@ منعه أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى. (1)
وقال الشنقيطي: اعلم أن العلماء اختلفوا في الوقت الذي يجوز فيه رمي جمرة العقبة من الضعفة وغيرهم، مع إجماعهم على أن من رماها بعد طلوع الشمس أجزأه ذلك، فذهبت جماعة من أهل العلم، إلى أن أول الوقت الذي يجزىء فيه رمي جمرة العقبة هو ابتداء النصف الأخير من ليلة النحر، وممن قال بهذا: الشافعي، وأحمد، وعطاء، وابن أبي ليلى، وعكرمة بن خالد كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني، وقال النووي في شرح المهذب: وبه قال عطاء، وأحمد، وهو مذهب أسماء بنت أبي بكر، وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد، وذهبت جماعة من أهل العلم: إلى أن أول وقته يبتدىء من بعد طلوع الشمس، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن أول وقته للضعف من طلوع الفجر ولغيرهم من بعد طلوع الشمس، وهو اختيار ابن القيم، وإذا علمت أقوال أهل العلم في المسألة، فهذه تفاصيل أدلتهم . (2)
__________
(1) نيل الأوطار (5/161).
(2) أضواء البيان تفسير سورة الحج .(1/246)
أما الذين قالوا: إن رمي جمرة العقبة يجوز في النصف الأخير من ليلة النحر فقد استدلوا بما رواه أبو داود في سننه: حدثنا هارون بن عبد الله، ثنا ابن أبي فُدْيك، عن الضحاك يعني ابن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: أرسل النَّبي@ بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت، فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله $ يعني عندها انتهى منه . (1)
وقال ابن قدامة: ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء.وممن كان يقدم ضعفة أهله عبد الرحمن بن عوف وعائشة، وبه قال عطاء، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً، ولأن فيه رفقاً بهم ودفعاً لمشقة الزحام عنهم وافتداء بفعل نبيهم. (2)
باب
حدود منى
عن عطاء قال: حدُّ منى رأس العقبة مما يلي منى إلى المنحر .(3)
وعنه قال: سألت عطاء: أين منى؟ فقال: ما بين العقبة إلى محسِّر، فما أحبُّ أن ينزل أحد إلا فيما بين العقبة إلى محسِّر . (4)
قال أبو بكر ابن المنذر: وقال عطاء: منى العقبة إلى محسّر، وبه قال الشافعي وقال: ليس العقبة من منى ولا بطن المحسّر. وكذلك أقول.(5)
باب
المبيت بمنى واجب
عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: لا يبيتن أحد من وراء العقبة ليلا بمنى أيام التشريق .
وعن يزيد بن هارون عن حجاج عن عطاء عن ابن عمر أنه كره أن ينام أيام منى بمكة. (6)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: سئل عن الرجل يبيت ليالي منى بمكة، قال: يتصدق بدرهم أو نحوه . (7)
__________
(1) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(2) المغني على مختصر الخرقي (3/285) .
(3) أخبار مكة للفاكهي (4/246)، التمهيد (21/234) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/246)، المغني (5/259) .
(5) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/372)، دار المدينة .
(6) أخبار مكة للفاكهي (4/259)، أخبار مكة للأزرقي (2/172) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/297)، المحلى (5/196) .(1/247)
وعن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: لا بأس أن يبيت الرجل بمكة ليالي منى إذا كان في ضيعة . (1)
وعنه قال: أخبرني عطاء أن النبي @ رخَّص لأهل بيته أن يبيتوا بمكة ليالي منى من أجل شغلهم فيها،قلت: أترى لآل جبير رخصة؟قال:لا إنما ذلك لمن أرخص له النبي @. (2)
قال الشنقيطي: اعلم أن العلماء اختلفوا في المبيت في منى، ليالي أيام التشريق هل هو و(3) أو مستحب، مع إجماعهم على أنه مشروع؟ فذهب مالك، وأصحابه: إلى أنه واجب، ولو بات ليلة واحدة منها أو جل ليلة، وهو خارج عن منى لزمه دم لأثر ابن عباس السابق. وروى مالك في الموطأ، عن نافع أنه قال: زعموا أن عمر بن الخطاب >: كان يبعث رجالاً يُدْخلون الناس من وراء العقبة.
وروى مالك في الموطأ أيضاً، عن نافع عن عبدالله بن عمر { :أن عمر بن الخطاب قال:لا يَبِيتَنَّ أحد من الحاج ليالي منًى من وراء العقبة.اهـ. (3)
وهو دليل على وجوب المبيت ليالي أيام التشريق بمنى كما أنه دليل على أن ما وراء جمرة العقبة، مما يلي مكة، ليس من منى، وهو معروف.
وقال الشوكاني: قوله فمكث بها ليالي أيام التشريق هذا من جملة ما استدل به الجمهور على أن المبيت بمنى واجب وأنه من جملة مناسك الحج ومن أدلتهم على ذلك حديث ابن عباس المذكور في إذنه @ للعباس، ومنها ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم وعن عاصم بن عدي أن رسول الله @ رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى. (4)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الصحيح أن المبيت بمنى واجب.
ثم قال: لو ترك ليلة من الليالي فإنه ليس عليه دم بل عليه إطعام مسكين إن ترك ليلة، وإطعام مسكينين ليلتين ،وعليه إن ترك ثلاث ليالي. (5)
باب
مسجد الخيف
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج(3/298)،المحلى(5/196)، الضيعة هنا هي التجارة والحرفة.
(2) أخبار مكة للأزرقي (2/59) .
(3) أضواء البيان .
(4) نيل الأوطار (5/161).
(5) الشرح الممتع (3/351) .(1/248)
عن ابن جريج عن عطاء قال: قلت لعطاء: أين مصلَّى النبي @ من مسجد الخيف وهو مسجد منى؟ قال: لا أدري . (1)
وعنه قال: قلت لعطاء: رجلٌ من التجار شُغِل في أيام الحجِّ في بيعه، فلم يستطع الصلاة فيه حتى نفر؟ قال: لا، ولكن صلوا فيه ما استطعتم.(2)
وعن ابن جريج عن عطاء أن الوليد أخَّر الصلاة بالخيف، فقلت لعطاء وكيف صنعت، قال: أومأت، قال داود: خطب يومئذ بعد النحر بيوم حتى جعل الرجل يليح بثوبه فوق الجبل فما ترى الشمس فيقول: إنكم في صلاة . (3)
باب
الجمعة بمنى
عن عبد الملك عن عطاء قال: رأيت الناس يجمِّعون بمنى ويدعون . (4)
وعن عطاء أنه سئل: هل على أهل منى جمعة؟ قال: إنما هم سفر.(5)
باب
قصر الصلاة بمنى وإتمامها
عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: إن عطاء كان يقصر بمنى . (6)
وعنه عن عطاء قال: الصلوات بمنى ركعتان أيام التشريق . (7)
وعن عبيدالله بن عمر عن عطاء قال في أهل مكة إذا خرجوا إلى منى: يتمُّون . (8)
وعن عثمان بن الأسود عن عطاء قال: ليس على أهل مكة قصر صلاة في الحج . (9)
وقال أبو بكر ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من خرج في غير أيام الحج إلى منى أنه لا يقصر الصلاة. (10)
باب
الذكر أيام التشريق ومعنى قوله: { وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيَّامٍ مَعْدُوداتٍ }
__________
(1) أخبار مكة للفاكهي (4/269)، المغني (5/259) .
(2) أخبار مكة للفاكهي (4/271) .
(3) الجهاد لابن المبارك (260) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/252) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/252) .
(6) أخبار مكة للفاكهي (4/256) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/257) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/206و3/213) .
(9) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/206و3/213)، المغني (5/265) .
(10) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/372)، دار المدينة .(1/249)
عن عطاء في قول الله عزوجل: { وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيَّامٍ مَعْدُوداتٍ } قال: هي أيام التشريق . (1)
وعنه أنه قال في هذه الآية: كَذِكْركُمْ آباءَكُمْ قال: هو قول الصبيّ: يا أباه.
وعن عبد الملك, عن عطاء, قال: كالصبيّ يلهج بأبيه وأمه.
وعن عطاء في قول الله عز وجل: { وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيَّامٍ مَعْدُوداتٍ } قال: هي أيام التشريق .
قال شيخ الإسلام: وأيام منى عيدنا أهل الإسلام وهى أيام أكل وشرب، وقد قال تعالى: { وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيَّامٍ مَعْدُوداتٍ } وهى أيام التشريق في المشهور عندنا وقول الشافعي وغيره. (2)
باب
الخروج من منى للطواف
عن عطاء قال: إن زرت البيت أيام التشريق كلَّ يوم فهو أفضل. (3)
باب
الوضوء للرمي
عن جابر عن عطاء أنه كره أن يرمي الجمار على غير وضوء . (4)
وعن محمد بن مسلم عمّن سمع عطاء يكره أن يرمي الجمار على غير وضوء، فإن فعل أجزأه . (5)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا ترمِ الجمار إلا على طهور، فإن فعل أجزأ عنه . (6)
باب
في غسل حصى الجمار
عن ابن جريج قال سألت عطاء فقال: لا تغسله.(7)
__________
(1) تفسير الطبري (2/303) .
(2) مجموع الفتاوى (24/228) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/288) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/403) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/403) .
(6) الاستذكار (4/353) .
(7) المصنف لابن أبي شيبة (3/397)، أخبار مكة للفاكهي (4/298) .(1/250)
قال الشنقيطي: والأقرب: أنه لا يلزم غسل الحصى لعدم الدليل على ذلك، وأنه لو رمى بحصاة نجسة أجزأه ذلك لصدق اسم الرمي عليه، وعدم نص على اشتراط طهارة الحصى مع كراهة ذلك عند بعض أهل العلم، وقول بعضهم: بعدم الإجزاء والأقرب أنه لو رمى بحصاة قد رمى بها أنها تجزئه، لصدق اسم الرمي عليها، وعدم النص على منع ذلك، ولا على عدم إجزائه ولكن الأحوط في الجميع الخروج من الخلاف، كما قال بعضهم: وأن الأورع الذي يخرج من خلافهم ولو ضعيفاً فاستبن .اهـ. (1)
وذكره الشيخ الألباني من بدع الرمي. (2)
وقال الشيخ ابن عثيمين: والصحيح: أن غسله بدعة، لأن النبي $ لم يغسله . (3)
باب
متى تقطع التلبية
عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس أن النبي @ لبى في العمرة حتى استلم الحجر. وعن عطاء عن ابن عباس رفعه: "إنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر" .
وعن حجاج وعبد الملك عن عطاء قال: كان ابن عباس يلبي في العمرة حتى يستلم الحجر، وكان ابن عمر يقطع إذا دخل الحرم .
وقال عطاء: يقطع إذا دخل القرية .
وعن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس قال: لبى رسول الله @ حتى رمى جمرة العقبة.
وقال عطاء: المحرم يلبي أبداً حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر . (4)
وعنه قال: يلبي حتى يغدو الناس من منى إلى عرفات . (5)
وعن محمد بن شريك عن عطاء قال : كان علي يقطع التلبية إذا رمى جمرة العقبة .
قال ابن قدامة: مسألة: قال: ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي .
__________
(1) أضواء البيان .
(2) مناسك الحج والعمرة للشيخ رحمه الله(ص57) .
(3) الشرح الممتع (3/329) .
(4) الاستذكار (4/73)ن التمهيد (13/80)، المغني (5/297) .
(5) التمهيد (13/77).(1/251)
وممن قال يلبي حتى يرمي الجمرة: ابن مسعود وابن عباس وميمونة، وبه قال عطاء، وطاوس ، وسعيد بن جبير، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، وروى عن سعد بن أبي وقاص، وعائشة: يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف وعن علي وأم سلمة: أنهما كانا يلبيان حتى تزول الشمس يوم عرفة. وهذا قريب من قول سعيد وعائشة، وكان الحسن يقول: يلبي حتى يصلي الغداة يوم عرفة. وقال مالك: يقطع التلبية إذا راح إلى المسجد. (1)
وقال الشنقيطي: فهذه النصوص الصحيحة، تدل على عدم قطع التلبية بعرفة، والأظهر أنه يقطعها عند الشروع في رمي العقبة، وأن رواية مسلم حتى رمى جمرة العقبة يراد به الشروع في رميها لا الانتهاء منه.
ومن القرائن الدالة على ذلك: ما ثبت في الروايات الصحيحة من التكبير مع كل حصاة فظرف الرمي لا يستغرق غير التكبير، مع الحصاة لتتابع رمي الحصيات. (2)
فائدة: سئل الشيخ السعدي مَا الحِكمَةُ في انقِطَاعِ التَّلبِيَةِ برَمي جَمرةِ العَقَبَةِ وبالحِلِّ مِنَ المحظورَاتِ كُلّها بفِعلِ الرَّمْيِ والحَلقِ وَالطَّوَاف وبالحِلِّ النَّاقِصِ بفِعلِ اثنَينِ مِنهَا مَعَ أنَّهُ قَد بَقي مِن مَنَاسِكِ اَلْحَجّ الرَّمي والمبِيتُ بِمِنَى ؟ فقال: مِنَ الحِكمَةِ في ذَلِكَ: أَنَّه إذَا شُرِعَ في اَلرَّمْي فَقَد شُرِعَ في أَولِ الإِحلالِ مِن إحرَامِه، والتَّلبِيَةُ شِعَارُ الدُّخُولِ في النُّسُكِ، واستَمَرَّتْ في تَضَاعِيفِهِ، فَلَما رَمَى الجمرَةَ وآن حِلَّه مِنْ نُسُكِه زَالَ حُكمُهَا؛ لأنّ مَا كَانَتْ شِعَارًا له قَد شَرَعَ في الخُرُوجِ مِنهُ واشتَغَلَ بمكمِّلاتِ نُسُكِهِ عن التَّلبِيَةِ . (3)
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/285) .
(2) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(3) إرشاد أولي الأبصار والألباب لنيل الفقه بأيسر الطرق والأسباب (ص114).(1/252)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ويقطع التلبية عند البدء في الرمي، لأنه إذا بدأ شرع له ذكر أخر، وهو التكبير. (1)
باب
الترتيب في رمي الجمرات. (2)
قال عطاء: الترتيب في رمي الجمرات سنة، فإن نكس الرمي أعاده وإن لم يعد أجزأه، وهو قول الحسن وأبو حنيفة، واحتجوا بأدلة لا تنهض .
__________
(1) الشرح الممتع (3/334) .
(2) قال الشنقيطي في أضواء البيان: اعلم أنه يجب الترتيب في رمي الجمار، أيام التشريق فيبدأ بالجمرة الأولى، التي تلي مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات، مثل حصى الخذف، يكبر مع كل حصاة، ثم يقف، فيدعو طويلاً، ثم ينصرف إلى الجمرة الوسطى، فيرميها كالتي قبلها، ثم يقف، فيدعو طويلاً، ثم ينصرف إلى جمرة العقبة، فيرميها كذلك، ولا يقف عندها، بل ينصرف إذا رمى وهذا الترتيب على النحو الذي ذكرنا هو الذي فعله النَّبي$، وأمر بأخذ المناسك عنه. فعلينا أن نأخذ عنه من مناسكنا الترتيب المذكور. ثم قال:روى البخاري هذا الحديث في ثلاثة أبواب متوالية، وهو نص صحيح صريح في الترتيب المذكور، وقد قال$ "لتأخذوا عني مناسككم" فإن لم يرتب الجمرات، بأن بدأ بجمرة العقبة لم يجزئه الرمي منكساً لأنه خالف هدي النَّبي $ وفي الحديث "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وتنكيس الرمي عمل ليس من أمرنا، فيكون مردوداً، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وجمهور أهل العلم، وقال أبو حنيفة: الترتيب المذكور سنة، فإن نكس الرمي أعاده وإن لم يعد أجزأه، وهو قول الحسن وعطاء، واحتجوا بأدلة لا تنهض. وعلى الصحيح الذي هو قول الجمهور: إن الترتيب شرط لو بدأ بجمرة العقبة، ثم الوسطى، ثم الأولى أو بدأ بالوسطى، ورمى الثلاث لم يجزه إلا الأولى، لعدم الترتيب في الوسطى والأخيرة، فعليه أن يرمي الوسطى، ثم الأخيرة، ولو رمى جمرة العقبة. ثم الأولى، ثم الوسطى أعاد جمرة العقبة وحدها هذا هو الظاهر .اهـ.(1/253)
وعن عطاء فيمن رمى الجمرة الوسطى قبل الأولى قال: يرمي التي ترك، وأجزأه . (1)
باب
رمي جمرة العقبة (2) من بطن الوادي
ثبت عن عبدالرحمن بن زيد أنه كان مع ابن مسعود حين رمى جمرة العقبة، فاستبطن الوادي حتى إذا حاذى بالشجرة اعترضها، فرمى بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم قال: من هاهنا والذي لا إله إلا غيره، قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
قال أبو بكر ابن المنذر: من حيث رماها يجزئ، واستعمال ما فعل ابن مسعود أحب إليّ. (3)
قال عطاء: الأفضل في موقف من أراد رمي جمرة العقبة أن يقف في بطن الوادي، وتكون منى عن يمينه، ومكة عن يساره.
قال النووي في شرح المهذب: وبهذا قال جمهور العلماء، منهم ابن مسعود، وجابر، والقاسم بن محمد، وسالم، وعطاء، ونافع، والثوري، ومالك وأحمد، قال ابن المنذر: وروينا أن عمر> خاف الزحام فرماها من فوقها.اهـ.
وقال الشنقيطي: اعلم أن الأفضل في موقف من أراد رمي جمرة العقبة أن يقف في بطن الوادي، وتكون منى عن يمينه، ومكة عن يساره كما دلت الأحاديث الصحيحة، على أن النَّبي@ فعل كذلك .
__________
(1) قال الشيخ الألباني رحمه الله: باب/ هل يرمي الحاج الجمار ماشياً؟ عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي $: "كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهباً وراجعاً". السلسلة الصحيحة برقم(2072).
(2) فائدة: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله $: "إذا رميتم الجمرة، فقد حلَّ كلَّ شيء إلا النساء". السلسلة الصحيحة برقم (239) . قال الشيخ الألباني تحت الحديث: فائدة: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن الحاج يحلُّ له بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من محظورات الإحرام إلا الوطء للنساء، فإنه لا يحل له بالإجماع .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/326)، دار المدينة .(1/254)
وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: والصواب أن الرامي يستقبل الجمرة وقت الرمي؛ لفعل النبي@، فيجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه في جمرة العقبة والوسطى، والبيت عن يمينه ومنى عن يساره في الجمرة الصغرى .اهـ. (1)
باب
التكبير عند الرمي
ثبت أن رسول الله $ كبر مع كل حصاة رماها. (2)
وبه قال ابن عمر، ومالك، والشافعي. (3)
عن ابن جريج عن عطاء قال: لا يُرمى يوم النحر إلا العقبة، قال: وترمي كلَّ جمرة منهنَّ بعد، وترمي كل جمرة منهن بسبع حصيات مع كل إرسال حصاة تكبير، قلت لعطاء: أكبِّر بيدي كلما رميت بحصاة كما أكبِّر بيدي في الصلاة؟ قال: لا ارمِ وكبِّر، ولا تكبِّر بيديك، ولا ترفعهما . (4)
وعن عطاء قال: ارمِ الجمار وكبر، ولا ترمِ ثم تكبِّر. (5)
باب
من ترك الرمي من غير عذر فعليه دم. (6)
قال عطاء: من ترك جمرة واحدة عليه دم. (7)
وعنه قال: من نسي جمرة واحدة أو الجمار كلها حتى يذهب أيام التشريق فدم واحد يجزيه. (8)
__________
(1) المختارات الجلية (ص66)، منهج السالكين (ص126) .
(2) ثبت التكبير في حديث جابر المشهور الطويل .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/326)، دار المدينة .
(4) أخبار مكة للفاكهي (4/297) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (4/296) .
(6) قال الشنقيطي في أضواء البيان: اعلم أن الرمي في أيام التشريق واجب، يجبر بدم عند جماهير العلماء على اختلاف بينهم في تعدد الدماء فيه، وعدم تعددها، ولا خلاف بينهم في أنه ليس بركن لأن الحج يتم قبله، ويتحلل صاحبه التحلل الأصغر والأكبر، فيحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام، فحجه تام إجماعاً قبل رمي أيام التشريق، ولكن رميها واجب يجبر بدم، لأن النَّبي$ رمى فيها، وقال "لتأخذوا عني مناسككم"..
(7) المغني (5/380) .
(8) السنن الكبرى للبيهقي (5/152) .(1/255)
وعنه قال فيمن ترك حصاة: إن كان موسراً أراق دماً، وإلا فليصم ثلاثة أيام. (1)
__________
(1) المجموع (8/271) . وكتاب الإشراف لابن المنذر (3/335)، دار المدينة .
قال الشيخ الألباني: ويجوز للمعذور في الرمي ما يأتي :أن لا يبيت في منى لحديث ابن عمر :"استأذن العباس رسول الله$ أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له". رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في (الإرواء) (1079) وقد نبهت فيه على أن عزوه في الأصل لحديث ابن عباس وهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية :فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث. قلت: وعليه جماهير العلماء خلافا لما ذهب إليه ابن حزم في (المحلى) (7/185) واستدل لهم النووي بمفهوم قوله تعالى: { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } فقال في (المجموع) (8/283): (واليوم اسم للنهار دون الليل) وبما ثبت عن عمر وابنه عبد الله قالا: من أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس. ولفظ (الموطأ) عن ابن عمر: (لا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد). وأخرجه عن مالك الإمام محمد في (موطئه) (ص233 التعليق الممجد) وقال: (وبهذا نأخذ وهو قول ==
== أبي حنيفة والعامة. وأن يجمع رمي يومين في واحد لحديث عاصم بن عدي قال :رخص رسول الله $ لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد النحر فيرمونه في أحدهما). وأن يرمى في الليل بقوله $:الراعي يرمي بالليل ويرعى بالنهار). ويشرع له أن يزور الكعبة ويطوف بها كل ليلة من ليالي منى لأن النبي $ فعل ذلك .
ويجب على الحاج في أيام منى أن يحافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة والأفضل أن يصلي في مسجد الخيف إن تيسر له لقوله $:" صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا". فإذا فرغ من الرمي في اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق فقد انتهى من مناسك الحج فينفر إلى مكة ويقيم فيها .اهـ. مناسك الحج والعمرة .(1/256)
قال ابن قدامة: ومن ترك الرمي من غير عذر فعليه دم، قال أحمد: أعجب إليَّ إذا ترك الأيام كلها كان عليه دم، وفي ترك جمرة واحدة دم أيضاً، نص عليه أحمد، وبهذا قال عطاء، والشافعي، وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك أن عليه في جمرة أو الجمرات كلها بدنة. قال الحسن: من نسي جمرة واحدة يتصدق على مسكين. (1)
وقال النووي: وقال الحكم وحماد والأوزاعي ومالك والماجشون عليه دم في الحصاة الواحدة وقال عطاء فيمن ترك حصاة: إن كان موسراً أراق دماً، وإلا فليصم ثلاثة أيام. (2)
وقال ابن حجر في تلخيص الحبير حديث ابن عباس موقوفاً عليه ومرفوعاً "من ترك نسكاً فعليه دم" أما الموقوف، فرواه مالك في الموطأ. والشافعي عنه عن أيوب عن سعيد بن جبير عنه بلفظ: "من نسي نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً" وأما المرفوع فرواه ابن حزم، من طريق علي بن الجعد، عن ابن عيينة، عن أيوب به وأعله بالراوي، عن علي بن الجعد أحمد بن علي بن سهل المروزي فقال: إنه مجهول، وكذا الراوي عنه علي بن أحمد المقدسي قال: هما مجهولان. انتهى من التلخيص. (3)
وقال الشنقيطي: اعلم أن العلماء اختلفوا في القدر الذي يوجب تركه الدم، من رمي الجمار، فذهب مالك، وأصحابه إلى أن من أخر رمي حصاة واحدة من واحدة من الجمار إلى ليل ذلك اليوم، لزمه الدم، وما فوق الحصاة أحرى بذلك، وسواء عندهم في ذلك من جمرة العقبة، يوم النحر، ورمي الثلاث أيام التشريق.
فاعلم أن دليلهم في إجماعهم على أن من ترك الرمي كله وجب عليه دم، هو ما جاء عن ابن عباس { أنه قال: من نسي من نسكه شيئاً، أو تركه، فليهرق دماً، وهذا صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت. (4)
__________
(1) المغني على (3/285) .
(2) المجموع (8/211) .
(3) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(4) أضواء البيان تفسير سورة الحج .(1/257)
وقال أبو بكر ابن المنذر: إذا أخر رمي الجمرة يوم النحر متعمداً إلى الليل فعليه دم. (1)
باب
المشي والركوب لرمي الجمار
عن ابن جريج عن عطاء قال: أدركت الناس يمشون إليها مقبلين ومدبرين . (2)
وعنه وكان عطاء لم يكن يوجب المشي إليها، وكان يقول: ولم يركب وهو صحيح(3)
وعن إبراهيم بن نافع عن عطاء عن جابر أنه كان لا يركب إلى الجمار إلا من ضرورة. (4)
وعن هارون بن أبي إبراهيم عن عطاء قال: رأيت ابن عمر واقفا عند الجمرة على حمار. وفيه أن الركوب لرمي الجمار هو لمن به عذر من مرض أو ضرورة. (5)
وعن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: رمي الجمار ركوب يومين ومشي يومين . (6)
وعن حجاج قال: سمعت عطاء عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يرمي الجمرة وهو راكب .
وقال أبو بكر ابن المنذر: يرميها راكباً أو راجلاً كيفما شاء. (7)
باب
في جمرة العقبة من أين ترمى؟.(8)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/333)، دار المدينة .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/233) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/232)، أخبار مكة للفاكهي (4/291) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/199) .
(5) أنظر مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/232)، أخبار مكة للفاكهي (4/291).
(6) أنظر مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/233)،والسنن الكبرى للبيهقي(5/131) .
(7) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/325)، دار المدينة .
(8) قال الشنقيطي: اعلم أن جماعة من أهل العلم قالوا: يستحب رمي جمرة العقبة راكباً إن أمكن، ورمي أيام التشريق ماشياً في الذهاب والإياب إلا اليوم الأخير،فيرمي فيه راكباً، وينفر عقب الرمي وقال بعضهم:يرميه كله راكباً.وأظهر الأقوال في المسألة:هو الاقتداء بالنَّبي$وهو قد رمى جمرة العقبة راكباً ورمى أيام التشريق ماشياً ذهاباً وإياباً والله تعالى أعلم.(1/258)
عن الحسن وعطاء قال: كان أحب إليهما أن يرميا من بطن الوادي.(1)
استبطن الوادي: نزل إلى بطن الوادي أي إلى أدنى مكان فيه .
وعن ابن جريج قال: قال عطاء: أحبُّ إليَّ أن أرمي الجمرة أسفل المسيل، ولم يوجبه، قال: ثم أرجعُ من أسفل المسيل، كما كان النبي @ يصنع قال: فإن دهمك الناسُ فارمها من حيث شئت، قلت لعطاء: فمن أين أرمي السُّفلتين؟ قال: أعلاهما، كما يصنع من أقبل من أسفل منى، قال: فإنْ كثر عليك الناس، فلا جناح عليك من أي نواحيها رميتها، قال عطاء: ولا يضرُّك من أي الطرق سلكت إلى الجمرة . (2)
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: كيف أرمي الجمرتين القصوتين؟ قال: ارميهما علوا ثم انفر عنهما. (3)
وعن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن الاسود قال:إذا جاوز الشجرة رمى جمرة العقبة من تحت غصن من أغصانها.(4)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) أخبار مكة للفاكهي (4/296)، وللأزرقي (2/178) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/199) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/259)
قال الشيخ الألباني: ويقطع التلبية مع آخر حصاة. رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وقال: هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد بقوله:"حتى رمي جمرة العقبة"أي أتم رميها.فتح الباري (3/426). ولا يرميها إلا بعد طلوع الشمس ولو كان من النساء أو الضعفة الذين أبيح لهم الانطلاق من المزدلفة بعد نصف الليل فهذا شيء والرمي شيء آخر. وله أن يرميها بعد الزوال ولو إلى الليل إذا وجد حرجا في رميها قبل الزوال كما ثبت في الحديث. واعلم أن رمي الجمرة لأهل الموسم بمنزلة صلاة العيد لغيرهم ولهذا استحب أحمد أن تكون صلاة أهل الأمصار وقت النحر بمنى ولهذا خطب النبي $ يوم النحر بعد الجمرة كما كان يخطب في المدينة بعد صلاة العيد فاستحباب بعضهم صلاة العيد في منى أخذا بالعموميات اللفظية أو القياسية غلط وغفلة عن السنة فإن النبي $ وخلفاؤه لم يصلوا بمنى عيدا قط كما في فتاوى ابن تيمية(26/180 (.قلت: وفي هذا الأمر توسعة للحجاج وقضاء على القسم الأكبر من مشكلة تكدس الذبائح في المنحر واضطرار أولي الأمر هناك إلى دفنها في الأرض .
فإذا انتهى من رمي الجمرة حل له كل شيء إلا النساء ولو لم ينحر أو يحلق فيلبس ثيابه ويتطيب، لكن عليه أن يطوف طواف الإفاضة في اليوم نفسه إذا أراد أن يستمر في تمتعه المذكور وإلا فإنه إذا أمسى ولم يطف عاد محرما كما كان قبل الرمي فعليه أن ينزع ثيابه ويلبس ثوبي الإحرام لقوله $: "إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا من كل ما حرمتم".اهـ. (1)
باب
في الرجل يرمي بست حصيات أو خمسا
عن يحيى بن سعيد قال: سألت عطاء عن رجل رمى بخمس حصيات، قال:يرمي بما بقي،إلا أن يكون ذهبت أيام التشريق إهراق لذلك دما(2)
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/201).(1/260)
وعن عطاء في رجل وقع منه حصاتان عند الجمرة قال: يكبر مع كل واحدة منهما تكبيرة. (1)
قال ابن القيم رحمه الله: قد صح عن رسول الله @ أنه رمى الجمرة بسبع حصيات من رواية عبد الله بن عباس وجابر بن عبدالله، وعبدالله بن عمر وشك الشاك لا يؤثر في جزم الجازم، واختلف الناس في ذلك فالذي ذهب إليه الجمهور وجوب استيفاء السبع في كل رمي وحكى الطبري عن بعضهم أنه لو ترك رمي جميعهن بعد أن يكبر ثم كل جمرة سبع تكبيرات أجزأه ذلك، قال وإنما جعل الرمي بالحصى في ذلك سببا لحفظ التكبيرات السبع. (2)
وقال الشنقيطي: التحقيق أنه لا يجوز أقل من سبع حصيات للروايات الصحيحة عن النَّبي @ أنه كان يرمي الجمار بسبع حصيات، مع قوله "خذوا عني مناسككم" فلا ينبغي العدول عن ذلك، لوضوح دليله وصحته ولأن مقابله لم يقم عليه دليل يقارب دليله، والعلم عند الله تعالى، والظاهر أن من شك في عدد ما رمى بيني على اليقين، وروى البيهقي عن علي > ما يؤيده.اهـ. (3)
باب
الرمي بالحصاة التي قد رمى بها
قال عطاء: سقطت حصاة أو حصيات؟ قال عطاء: خذها من تحت رجليك .(4)
وعنه عن عطاء قال: خذه من حيث شئت . (5)
وعنه قال قلت لعطاء: أرأيت لو وقفت على الجمرة فإذا سبع حصيات قد سقطن أو حصاة واحدة، آخذ من الجمرة من حصاة بدل ما سقط من حصاي؟ قال: نعم، قال قلت: أفأحبُّ إليك أن أبدل من غيرها؟ قال: ليس ذلك بأحبُّ إليَّ، قال: أفلا أدع أن آخذ من أهلي حصاي، وآخذ من كل جمرة سبعاً فأرميها بهن؟ قال: لا أحبُّ ذلك، ولكن خذْ من البيت أو غير البيت قال عطاء: خذ الحصى من حيث شئت، من جمع أو من حيث شئت من غيرها . (6)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/376) .
(2) حاشية ابن القيم (5/312-313).
(3) أضواء البيان .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/201) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/203).
(6) أخبار مكة للفاكهي (4/298)، المغني (5/288) .(1/261)
وقال أبو بكر ابن المنذر: يكره أن يرمي بما قد رمى به، ويجزئ إن رمى به، إذ لا أعلم أحداً أوجب على من فعل ذلك الإعادة.(1)
باب
النيابة في الرمي
عن عطاء قال: يجزئ عن الصغير والمريض أن يرمي عنهما. (2)
وعنه قال: إذا رمى الرجل عن الصغير قال: رمى رمياً جميعاً. (3)
وعنه قال: يُفعل بالصغير كما يُفعل بالكبير، ويُشهد به المناسك كلُّها، إلا أنه لا يُصلَّى عنه . (4)
قال ابن المنذر: كل من حفظت عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي. كان ابن عمر يفعل ذلك، وبه قال عطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق، وعن ابن عمر "أنه كان يحج صبيانه وهم صغار. فمن استطاع منهم أن يرمي رمى، ومن لم يستطع أن يرمي رمى عنه".(5)
باب
في الرجل إذا رمى الجمرة ما يحل له
عن عطاء أن النبي @ قال: "إذا رمى الجمرة وذبح وحلق حل له كل شئ إلا النساء". (6)
وعن عطاء عن نافع عن ابن عمر قال : إذا رمى الجمرة حل له كل شئ إلا النساء . (7)
وعن عطاء قال: إذا قضيتم المناسك كلها فقد حل لكم كل شئ، إلا النساء والصيد. (8)
باب
من رخص أن يرميها قبل طلوع الشمس
قال عطاء: لا رمي بالليل إلا لرعاء الإبل، فأما التجار فلا. (9)
وعنه أنه كان لا يرى بأسا أن يرمي الرجل جمرة العقبة قبل أن تطلع الشمس. (10)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/327)، دار المدينة .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/241و385)، مسائل أبي داود عن أحمد (ص117)، المحلى (7/61)، المغني (5/52).
(3) مسائل أبي داود عن أحمد (ص117) .
(4) المغني (5/53) .
(5) المغني على مختصر الخرقي (3/156) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/239) .
(7) أنظر التخريج السابق .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/239) .
(9) تفسير القرطبي تفسير سورة الحج .
(10) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/262)
وكان عطاء وطاوس ومجاهد والنخعي وعامر وسعيد بن جبير يرمون حين يقدمون أي ساعة قدموا ، لا يرون به بأسا .
وروي عن ابن عمر أنه قال: من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تطلع الشمس من الغد، وبه قال أحمد وإسحاق، وقال مالك: إذا تركه نهارا رماه ليلا، وعليه دم في رواية ابن القاسم، ولم يذكر في الموطأ أن عليه دماً، وقال الشافعي وأبو ثور ويعقوب ومحمد: إذا نسي الرمي حتى أمسى يرمي ولا دم عليه، وكان الحسن البصري يرخص في رمي الجمار ليلا، وقال أبو حنيفة: يرمي ولا شيء عليه، وإن لم يذكرها من الليل حتى يأتي الغد فعليه أن يرميها وعليه دم، وقال الثوري: إذا أخر الرمي إلى الليل ناسيا أو متعمدا أهرق دما.
قال القرطبي: قلت أما من رمى من رعاء الإبل أو أهل السقاية بالليل فلا دم يجب، للحديث، وإن كان من غيرهم فالنظر يوجب الدم لكن مع العمد، والله أعلم.اهـ. (1)
باب
الوقوف والدعاء عند الجمار
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: في الجمرة شئ مؤقت لا يزاد عليه قال: لا قول إلا قول جابر . (2)
وعن ليث عن عطاء أنه كا إذا رمى الجمار استقبل البيت . (3)
وعن حجاج قال: رأيت عطاء يقوم عن يسار الجمرة . (4)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: كان ابن عمر يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ الرجل سورة البقرة . (5)
وعن عطاء قال: كان ابن عمر يقف عند الجمرة مقدار ما يقرأ الرجل سورة البقرة . (6)
وعن حجاج أن عطاء وقف عند الجمرة مقدار ما يقرأ الرجل السورة من المئين . (7)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/261و6/84) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/404) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/404) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/294) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/294) .(1/263)
وعن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس يقولون: ترفع الايدي عند الجمرتين . (1)
قال الشنقيطي: ففي صحيح البخاري رحمه الله من حديث ابن عمر { : أنه كان يرمي الجمرة الدنيا، بسبع حصيات، يكبر على إثْرِ كل حصاةٍ، ثم يتقدَّم، حتى يُسْهِلَ، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوُسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيستهل، ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلاً ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت النَّبي @ يفعله ا هـ. (2)
باب
من آخر الرمي يوم النحر إلى الليل
عن عطاء أنه كان يقول: إذا ترك جمرة العقبة إلى الليل متعمداً فعليه دم، وقال: يرمي من الغد . (3)
باب
وقت الرمي أيام التشريق
ثبت أن رسول الله $ رمى أول يوم ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس. (4)
عن ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: لا ترمي الجمرة حتى تزول الشمس فعاودته في ذلك فقال ذلك . (5)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) أضواء البيان .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/201) .
(4) أخرجه مسلم في الحج برقم (1299).
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/319).
عن ابنِ جُرَيْجٍ أخبرني أبُو الزّبَيْرِ سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِالله يقُولُ: "رأَيْتُ رَسُولَ الله @ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النّحْرِ ضُحًى، فأَمّا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ زَوَالِ الشّمْسِ". وعن سُفْيَانُ عن مِسْعَرٍ عن وَبَرَةَ قال: "سَأَلْتُ ابنَ عُمَرَ: مَتَى أَرْمِي الْجمَارَ؟ قال: إذَا رَمَى إِمَامُكَ فارْمِ. فأَعَدْتُ عَلَيْهِ المَسْأَلَةَ. فقال: كُنّا نَتَحَيّنُ زَوَالَ الشّمْسِ، فإِذَا زَالَتِ الشّمْسُ رَمَيْنَا".وعن عَائِشَةَ قالَتْ: "أَفَاضَ رَسُولُ الله @ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلّى الظّهْرَ ثُمّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِي أَيّامِ التّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشّمْسُ، كلّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبّرُ مَع كلّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ اْلأُولَى وَالثّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرّعُ وَيَرْمِي الثّالِثَةَ وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا".وعن ابنِ مَسْعُودٍ قال: "لَمّا انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى جَعَلَ الْبَيْتَ عن يَسَارِهِ وَمِنًى عن يَمِينِهِ وَرَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَقال: هَكذَا رَمَى الّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ".(1/264)
وعنه عن عطاء قال: لا أرمي حتى تزيغ الشمس . (1)
وعن عطاء أنه قال: بجواز الرمي قبل الزوال كلَّ أيام التشريق . (2)
وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل، يقول في الزمن الأول. قال الباجي: "قوله في الزمن الأول يقتضي إطلاقه زمن النبي @ لأنه أول زمن هذه الشريعة، فعلى هذا هو مرسل، ويحتمل أن يريد به أول زمن أدركه عطاء، فيكون موقوفا مسندا" . والله أعلم. (3)
قال ابن المنذر: ويسقط رمي اليوم الثالث. (4)
وأما أيام التشريق فلا يجوز الرمي فيها إلا بعد الزوال وعليه الجمهور.(5)
قال الشنقيطي في أضواء البيان: اعلم أن التحقيق أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق، إلا بعد الزوال، لثبوت ذلك عن النَّبي @، ثم ساق أحاديث وقت الرمي ثم قال: وبهذه النصوص الثابتة عن النَّبي @ تعلم أن قول عطاء وطاوس بجواز الرمي في أيام التشريق، قبل الزوال، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال، وقول إسحاق: إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه كل ذلك، خلاف التحقيق لأنه مخالف لفعل النَّبي @ الثابت عند المعتضد بقوله: "لتأخذوا عني مناسككم" ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد وأبو يوسف، ولم يرد في كتاب الله، ولا سنة نبيه @ شيء يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق، لا مستند له ألبتة، مع مخالفته للسنة الثابتة عنه @، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، والعلم عند الله تعالى.(6).
__________
(1) المستدرك للحاكم (1/477) .
(2) التمهيد (7/272)، المغني (5/328) .
(3) تفسير القرطبي تفسير سورة الحج .
(4) تفسير القرطبي تفسير سورة الحج .
(5) نصب الراية (3/83) .
(6) أضواء البيان .(1/265)
وقال الشوكاني: قوله حين زالت الشمس وكذا قوله في حديث عائشة إذا زالت الشمس وقوله في حديث ابن عمر فإذا زالت الشمس رمينا هذه الروايات تدل على أنه لا يجزى رمي الجمار يوم الأضحى قبل زوال الشمس بل وقته بعد زوالها كما في البخاري وغيره من حديث جابر أنه @ رمى يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال وإلى هذا ذهب الجمهور عدا في ذلك عطاء وطاوس فقالا يجوز الرمي قبل الزوال مطلقا ورخص الحنفية في الرمي يوم النفر قبل الزوال وقال إسحاق إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزيه والأحاديث المذكورة ترد على الجميع قوله نتحين نتفعل من الحين وهو الزمان أي نراقب الوقت المطلوب قوله مشى إليها أجمعوا على أن إتيان الجمار ماشيا وراكبا جائز لكن اختلفوا في الأفضل وقد تقدم الخلاف في ذلك في رمي جمرة العقبة وفي غيرها قال الجمهور المستحب المشي وذهب البعض إلى استحباب الركوب يوم النحر والمشي في غيره والذي ثبت عنه . (1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على أن من رمى الجمار في أيام التشريق بعد زوال الشمس، أن ذلك يجزيه.
وقال: لا يجزيه أن يرمي في شيء من الأيام غير يوم النحر إلا بعد زوال الشمس.(2)
باب
الرمي ليلاً أيام التشريق
عن عطاء قال: الكري إذا غابت الشمس من أيام التشريق فقد انقطع الرمي. (3)
وعن ليث عن عطاء وطاوس قال: الكري إذا لم يجد راعيا، والرجل إذا كان ناميا يرميان الجمار بالليل. (4)
وعنه قال: لا يرمي الليل إلا رعاء الإبل، فأما التجار فلا. (5)
وعن عطاء قال: يرميها مالم يطلع الفجر من اليوم الرابع عشر، فإن طلع الفجر ولم يرمِ أراق دماً. (6)
باب
__________
(1) نيل الأوطار (5/161).
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/330-331)، دار المدينة .
(3) الاستذكار (4/356) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/398) .
(5) المغني (5/378) .
(6) تبيين الحقائق (2/36) .(1/266)
إذا غربت شمس يوم النفر الأول وهو بمنى لزمه المبيت
مذهب عطاء: من غربت عليه شمس اليوم الأول للنفر من مزدلفة لزمه المبيت حتى يرمي الجمار الثلاث بعد زوال اليوم الثالث من أيام التشريق.
وقال عطاء في قول الله تعالى: "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" هي للناس عامة. قال ابن المنذر:وكذلك نقول، لأن الله عز وجل يقول: { فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فلا إثمَ عليهِ } ، فلينفر من أراد النفر ما دام في شيء من النهار.(1)
قال الشنقيطي: اعلم أن جمهور أهل العلم على أن من غربت شمس يوم النفر الأول، وهو بمنى لزم المقام بمنى، حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال في اليوم الثالث، ولا ينفر ليلاً. وممن قال بهذا: الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد، وهو قول أكثر أهل العلم. وقال ابن قدامة في المغني: وهو قول عمر، وجابر بن زيد، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وأبان بن عثمان، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر. وقال ابن المنذر: ثبت عن عمر أنه قال: "من أدركه المساء في اليوم الثاني، فليقم إلى الغد، حتى ينفر مع الناس". وخالف أبو حنيفة الجمهور في هذه المسألة فقال: له أن ينفر ليلة الثالث عشر من الشهر حتى يطلع الفجر من اليوم الثالث، فإن طلع الفجر لزمه البقاء، حتى يرمي.والأظهر عندي: حجة الجمهور. لأن الله تعالى قال { فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ } ولم يقل في يومين وليلة. اهـ. (2)
باب التعجل
عن عطاء في قوله عزوجل: { فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فلا إثمَ عليهِ } قال: هي للناس عامة. (3)
وعنه قال: لا إثم عليه في تعجله ولا إثم عليه في تأخيره. (4)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/373)، دار المدينة، تفسير القرطبي تفسير سورة الحج .
(2) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(3) المغني (5/332) .
(4) تفسير الطبري (2/305) .(1/267)
وعنه في التعجيل في يومين قال: إذا زالت الشمس إلى الليل. (1)
وعنه فيمن أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى فليقم إلى الغدِ حتى ينفر الناس. (2)
وعنه أنَّ لأهل مكة التعجل. (3)
وعن يزيد بن إبراهيم عن عطاء أنه قال: وأنا أتعجل. (4)
وعن عطاء, قال: لا إثم عليه في تعجيله, ولا إثم عليه في تأخيره.: أخبرنا ابن جريج, قال: قلت لعطاء: أللمكيّ أن ينفر في النفر الأول؟ قال: نعم, قال الله عز وجل: فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ فهي للناس أجمعين. ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: ثني من أصدّقه, عن ابن مسعود قوله: فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال: خرج من الإثْم كله وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْه قال: برىء من الإثم كله, وذلك في الصدَر عن الحجّ. قال ابن جريج: وسمعت رجلاً يحدّث عن عطاء بن أبي رباح, عن عليّ بن أبي طالب > أنه قال: فلا إثم عليه, قال: غفر له, ومن تأخر فلا إثم عليه, قال: غُفر له.
باب
في الوقوف عند الجمار يوم النفر
عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال : لا يقام يوم النفر عند الجمار . (5)
باب
من قدَّم نسكاً على آخر يوم النحر
عن عطاء قال: لا شيء عليه . (6)
باب
من أفاض قبل الرمي
عن ابن جريج عن عطاء في رجل نسي أن يرمي حتى أفاض قال: إن ذكر قبل أن يستفتح بالطواف فليرجع وإن لم يذكر شيئاً حتى استفتح الطواف فلا يرجع حتى يفرغ من طوافه قال: وأقوال مثل ذلك معتمر بدأ بالصفا قبل الطواف بالبيت . (7)
باب
الصوم للمتمتع في الحج لمن لم يجد الهدي
__________
(1) تفسير ابن أبي حاتم (2/361) .
(2) المغني (5/332)، المجموع (8/272) .
(3) المجموع (8/272) .
(4) مسند ابن الجعد (3059) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/198)، أخبار مكة للأزرقي (2/178) .
(6) التمهيد (7/278)، المغني (5/320و322) .
(7) المغني (5/323)، تهذيب الآثار (392) .(1/268)
ثبت ذلك في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: +فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُو?اْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ". إِلى قولِهِ: +عشرة كاملة" . (1)
وعن ابن عمر وعائشة "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي" رواه البخاري. وبه قال مالك، و الشافعي في القديم.
مذهب عطاء في الذي لم يجد الهدي أن يصوم ثلاثة أيام في مكة أيام التشريق، وسبعة أيام في الطريق إذا رجع.
عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: لا يجب عليه الصوم حتى يوافي عرفة مهلاً بالحج . (2)
وممن قال: بصوم أيام التشريق للمتمتع: ابن عمر، وعائشة، وعروة، وعبيد بن عمير، والزهري، ومالك، والأوزاعي وإسحاق، والشافعي في أحد قوليه، وأحمد في إحدى الروايتين، وممن روى عنه عدم صوم المتمتع لها الشافعي في القول الثاني، وأحمد في الرواية الثالثة، وروي نحوه عن علي والحسن، وعطاء وهو قول ابن المنذر قاله في المغني.
وعن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ؛ أنه قَالَ: لاَ يَجِبُ عليه الصَّوْمُ حتَّى يُوَافِي عَرَفَةَ مُهِلاًّ بالحج، وقال عمرو بن دينار: إِذا أَهَلَّ بالحَجِّ وَجَبَ عليه الصوْمُ.
__________
(1) سورة البقرة آية (196) .
(2) كتاب الأم للشافعي (2/209) .(1/269)
قال الشّافعي: فَدَلَّ الكتابُ علَى أَنْ يصومَ في الحجِّ، وَكانَ معقولاً فِي الكتابِ أَنَّه في الحجِّ الذِي وَجَبَ بِهِ الصومُ ومعقولاً أَنَّه لا يكونُ الصومُ إِلاَّ بَعْدَ الدخولِ في الحجِّ، لا قبلَهُ في شهورِ الحجِّ، وَلاَ غَيْرِهَا. وقوله: { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } البقرة 196، فإنْ أَهَلَّ بالحجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي القَعْدَةِ أَو ذِي الحِجَّةِ كانَ لَهُ أَنْ يصومَ حِينَ يدخلُ في الحجِّ، وعليه أَلاَّ يخرجَ مِنَ الحجِّ حتَّى يصومَ إِذَا لَمْ يَجِدَ هَدْياً، وَأَنْ يكونَ آخِرُ مَالَهُ مِنَ الأَيَّامِ، في آخِرِ صيامِهِ الثلاثَ يومَ عَرَفَةَ؛ وذَلِكَ أَنَّه يخرجُ مِنَ الغَدِ مِنْ يومِ عَرَفَةَ مِنَ الحجِّ، ويكونُ في يومٍ لا صومَ فيهِ يومَ النَّحْرِ؛ وهكذَا رُوِيَ عَنْ عائشةَ وَابنِ عمرَ؛ أَخْبَرَنَا إِبراهيمُ بن سعدٍ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة < في المتمتِّعِ، إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْياً، وَلَمْ يصُمْ قَبْلَ يومِ عرفةَ فَلْيَصُمْ أَيَّامَ مِنَى.
وعن ابنِ شِهَابٍ، عَنْ سالمٍ، عَنْ أَبِيهِ مِثْل ذَلِكَم، قال الشّافعي: وَبِهذَا نَقُولُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قلنَا، واللَّهُ أَعلمُ، وَيُشْبِهُ القرآنَ، واختلَفَ عطاءٌ وعَمْرُو بْنُ دينارٍ في وجوبِ صَوْمِ المتمتِّع .
وبقولِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نقولُ، وهو أشبهُ بالقرآن، ثم الخَبَرِ عن عائشةَ وابْنِ عُمَرَ.
وقال: فإذا أَهَلَّ بالحجِّ، ثم ماتَ مِنْ ساعته، أو بَعْدُ قَبْلَ أن يَصُومَ ففيها قولان:أحدهما: أن عليه دَمَ المتعةِ؛ لأنه دَيْنٌ عليه؛ لأنه لم يَصُمْ، ولا يجوزُ أن يُصَامَ عنه، وهذا قولٌ يُحْتَمَلُ.(1/270)
والقول الثاني: لا دم عليه، ولا صَوْمَ، لأن الوقتَ الذي وَجَبَ عليه فيه الصوْمُ وقْتٌ زالَ عنه فَرْضُ الدمِ، وغَلَبَ على الصومِ، فإن كان بَقِيَ مدَّةٌ يمكنه أن يَصُومَ فيها، فَفَرَّطَ تُصُدِّقَ عنه مكَانَ الثلاثةِ الأيامِ ثلاثةُ أَمْدَادٍ حِنْطة؛ لأن السبعةَ لا تجِبُ عليه إلا بَعْدَ الرجوعِ إلى أهله، ولو رجَعَ إلَى أهله ثم مات، ولم يَصُمِ الثلاثةَ ولا السَّبْعَ تُصُدِّقَ عنه في الثلاثِ وما أمكنه صومُهُ من السبْعِ، فتركه، يوماً كان ذلك أو أكْثر، وهذا قولٌ يصحُّ قياساً ومعقولاً، والله أعلم . (1)
وقال القرطبي: وعن أحمد أيضاً: جائز أن يصوم الثلاثاء قبل أن يُحرم، وقال الثوريّ والأوزاعيّ: يصومهنّ من أوّل أيام العشر؛ وبه قال عطاء، وقال عُروة: يصومها ما دام بمكة في أيام مِنًى؛ وقاله أيضاً مالك وجماعة من أهل المدينة. (2)
وقال الشيخ الألباني: ويجوز له أن يصوم في أيام في أيام التشريق الثلاثة لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي. رواه البخاري وغيره وهو مخرج في (إرواء الغليل) (964) وأما قول شيخ الإسلام (ص 388 ): (فلا بد للمتمتع من صوم بعض الثلاثة قبل الإحرام بالحج يوم التروية) فلا أعلم وجهه بل هو بظاهره مخالف للآية والحديث والله أعلم. (3)
باب
النهي عن صيام أيام التشريق لغير الحاج
عن ابن أبي ليلى, عن عطاء, عن عائشة, قالت: نهى رسول الله@ عن صوم أيام التشريق وقال: "هِيَ أيّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللّهِ".
باب
في المتمتع يريد الصوم متى يصوم ؟
عن ابن مبارك عن حجاج عن عطاء قال: إن شاء صام أول العشر ووسطها ، وآخرها يوم عرفة .
وعن عطاء قال: يؤخرهن إلى العشر لأنه لا يهدي عسى يتيسر له الهديُ.(4)
__________
(1) كتاب الأم (2/246) .
(2) تفسير القرطبي (2/365) .
(3) مناسك الحج والعمرة .
(4) أحكام الجصاص (1/402) .(1/271)
وعن عمرو عن عكرمة قال : لا يصوم المتمتع إلا في العشر . (1)
وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: يصوم المتمتع إن شاء يوما من شوال وإن شاء يوما من ذي العقدة ، قال : وقال طاوس وعطاء: لا يصوم المتمتع إلا في العشر. (2) وعن عطاء قال: لا بأس أن يصوم المتمتع في العشر، وهو حلال، قبل أن يحرم فإن أحرم فلا يصوم يقف بعرفة . (3)
وعنه يصوم أيام التشريق . (4)
وعن ابن أبي نجيح, عن عطاء, قال: يصوم المتمتع الثلاثة الأيام لمتعته في العشر إلى يوم عرفة، قال: وسمعت مجاهدا وطاوسا يقولان: إذا صامهن في أشهر الحجّ أجزأه.
وعن الأوزاعي, قال: ثني يعقوب بن عطاء, أن عطاء بن أبي رباح, كان يقول: من استطاع أن يصومهنّ فيما بين أوّل يوم من ذي الحجة إلى يوم عرفة فليصم.
وعن عطاء: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ فِي الحَجّ قال: آخرها يوم عرفة.
وعن ابن أبي نجيح, عن عطاء: يصوم الثلاثة الأيام للمتعة في العشر إلى يوم عرفة.
وعن الأوزاعي, قال: حدثني يعقوب أن عطاء بن أبي رباح كان يقول: من استطاع أن يصومهنّ فيما بين أول يوم من ذي الحجة إلى يوم عرفة فليصم.
وعن ابن جريج, عن عطاء قال: ولا بأس أن يصوم المتمتع في العشر وهو حلال.
وعن عطاء أنه كان يقول في صيام ثلاثة أيام في الحجّ, قال: في تسع من ذي الحجة أيها شئت, فمن صام قبل ذلك في شوّال وفي ذي القعدة, فهو بمنزلة من لم يصم.
وعن ابن جريج, عن عطاء, قال: لا بأس أن تصوم الثلاثة الأيام في المتعة وأنت حلال.
وعن ليث عن طاوس وعطاء قالا: لا يصوم الثلاثة إلا في العشر، وقال مجاهد: لا بأس أن يصومها في أشهر الحج. (5)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) أنظر تفسير الطبري (2/251)، ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج، والاستذكار (4/414)، التمهيد (8/349) .
(4) التمهيد (12/128)، المغني (5/363) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/272)
وعن حفص وابن علية عن عطاء ومجاهد قالوا: إذا فاته الصوم فعليه الهدي في قضاء السبعة الفرق أو الوصل. (1)
وقال أبو بكر ابن المنذر: قال مالك، والشافعي: لا يجوز صوم ثلاثة أيام إلا بعد إحرام الحج، وروى ذلك عن ابن عمر، وهو قول إسحاق، وقال الثوري، والأوزاعي: يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة .
وبقول إسحاق أقول، لقول الله تعالى:+فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ".(2)
باب
المتمتع إذا صام ثم وجد ما يذبح
عن عطاء أنه قال: إن صام ثم وجد ما يذبح فليذبح حلَّ أو لم يحلَّ، ما كان في أيام التشريق . (3)
وعن ليث عن عطاء في رجل صام الثلاثة أيام في الحج ثم أيسر وهو بمكة أن عليه الهدي. (4)
وعن عطاء وابن سيرين والحسن قالوا: إذا صمت في متعة الحج ثم وجدَّت قبل أن تفرغ من صيامك فكفِّر، وإن وجدت وقد فرغت من صيامك فليس عليك كفارة، أي الهدي . (5)
باب
أين يصوم السبعة أيام(6)
قال الله تبارك وتعالى: +فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ".(7)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/154) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/302)، دار المدينة .
(3) الاستذكار (4/102)، التمهيد (8/349) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/237) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/237) .
(6) قال الله تعالى { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } ويجوز صيامها بعد فراغه من أفعال الحج. قيل لأحمد: يصوم بالطريق أو بمكة؟ قال: حيث شاء. وبه قال مالك، وعن عطاء، و مجاهد في الطريق. وهو قول إسحاق. منار السبيل (1/251) .
(7) سورة البقرة آية (196) .(1/273)
وثبت عن النبي $ أنه قال: "فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله".(1)
وعن عطاء, قال: يصوم السبعة إذا رجع إلى أهله أحبّ إليّ. (2)
وعن ابن جريج, عن عطاء في قوله: وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ قال: إذا رجعت إلى أهلك. (3)
وعن حجاج عن عطاء قال: (وسبعة إذا رجعتم) قال: إن شاء صامها في الطريق، وإن شاء بمكة . (4)
وعن عطاء في قوله عزوجل: { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } ، قال: هي رخصة، وإن شاء صام في السفر . (5)
وعن يعقوب بن عطاء، أن عطاء بن أبي رباح، كان يقول: من استطاع أن يصومهنّ فيما بين أوّل يوم من ذي الحجة إلى يوم عرفة فليصم. (6)
قال ابن كثير: وقوله { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } (7) فيه قولان: أحدهم إذا رجعتم في الطريق، ولهذا قال مجاهد: هي رخصة إذا شاء صامها في
الطريق، وكذا قال عطاء بن أبي رباح. (8)
وعن ابن لهيعة أن عطاء بن أبي رباح حدثه أن ما استيسر من الهدي: شاة. (9)
وقال أبو بكر ابن المنذر: يصومها إذا رجع إلى أهله للخبر. (10)
باب
من لم يصم في الحج
عن عطاء قال: إذا فاته الصوم فعليه الهدي. (11)
وعنه قال فيمن لم يصم الثلاثة الأيام حتى أتمَّ الحجَّ أنه يعود عليه الهدي.(12)
__________
(1) أخرجه البخاري في الحج برقم (1691)، ومسلم في الحج برقم (1227) .
(2) أخرجه وكيع كما في الدر (2/520) .
(3) تفسير الطبري (2/254) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/155)، تفسير ابن أبي حاتم (1806) .
(5) تفسير سعيد (325) .
(6) تفسير الطبري (2/120) .
(7) سورة البقرة آية (691) .
(8) تفسير ابن كثير (1/393) .
(9) تفسير الطبري (2/120) .
(10) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/303)، دار المدينة .
(11) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/154).
(12) المحلى (5/145) .(1/274)
وعنه في الرجل تمتع فلم يذبح ولم يصم، فقال: أوجب عليه الدم. (1)
باب
العمرة بعد الحج
عن خصيف عن عطاء قال:لا عمرة إلا عمرة ابتدأت بها من أهلك،ولا بعد الصُّدور.(2)
وعن ليث عن عطاء أنه كره العمرة بعد الحج، وقال:الطواف بالبيت والصلاة أفضل.(3)
وعن معمر أبي سعيد قال: سألت عطاء بن أبي رباح، قلت: إني دخلت مكة معتمراً في رجب وأنا بمكة فحضرني رمضان، وأردت الخروج إلى المدينة فأقدم معنمراً في رمضان؟ قال: طف بهذا البيت فهو أحبُّ إليَّ من هذه العمرة . (4)
وعن أسلم المنقري قال قلت لعطاء أخرج إلى المدينة أهل بعمرة من ميقات النبي$ قال طوافك بالبيت أحب ألي من سفرك إلى المدينة.(5)
وعن عطاء قال: الطواف بالبيت أحب ألي من الخروج إلى العمرة .(6)
وعن عطاء قال:لأن أطوفَ بالبيت سبعاً أحبُّ إلي مِن أنْ أذهب إلى التنعيم فأعتمر منه. (7)
باب
طواف الوداع
عن عطاء قال: من ترك طواف الصدر فعليه دم . (8)
وعنه قال: يفرغ من كلِّ شيء له، فإذا لم يبق له إلا الركوب ركب ثم طاف بالبيت، ثم مضى . (9)
وعنه قال: إذا ودَّع فلا يعمل عملاً حتى يخرج إلى الأبطح، فإذا خرج إلى الأبطح قال: لا بأس أن يقيم . (10)
وعنه قال في أهل مكة: إذا خرجوا إلى بواديهم يودِّعون . (11)
باب
صلاة الظهر يوم النفر
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/412) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/158).
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/158) .
(4) أخبار مكة للفاكهي (2/284) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/445)، وعبدالرزاق (5/134)، المحلى (7/290) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/446) .
(7) أخبار مكة للفاكهي (2/285).
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/357).
(9) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/378).
(10) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/442).
(11) أخبار مكة للفاكهي (2/337) .(1/275)
عن عطاء قال:إنَّ من السنة أن يصلي الإمامُ يوم النفر الظهرَ بالأبطح(1)
باب
التَّحصيب بعد الوداع
عن ليث أن عطاء كان يحصَّب. (2)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا تحصِّب ليلتئذٍ إنما هو مناخ الرُّكبان قال ابن جريج: كنت أسمع الناس يقولون لعطاء: إنما نزل رسول الله @ ليلتئذٍ المحصِّب ينتظر عائشة فيقول: لا، ولكن إنما هو مناخ للرُّكبان، من شاء حصّب، ومن شاء لم يحصِّب. (3)
باب
دعاء ختم النسك
عن عطاء قال: ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفرَ متوجها إلى أهله: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار). (4)
باب
الدعاء عند رمي الجمار
عن ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ترفع الأيدي في سبع مواطن، إذا رأى البيت ، وعلى الصفا والمروة ، وفي جمع، والعرفات ، وعند الجمار .
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/370).
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/191).
(3) أخبار مكة للأزرقي (2/160) .
(4) أخرجه عبد بن حميد كما في الدر (1/560) .(1/276)
والسنة عندهم في رمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق أن يرمي الجمرة الأولى فيقف عندها ويدعو وكذلك الثانية ويطيل المقام ثم يرمي الثالثة ولا يقف لما روي في ذلك عن رسول الله @ أنه كان يفعل ذلك في رميه والتكبير عندهم ثم رمي كل جمرة حسن لأنه يروى عنه عليه الصلاة والسلام وأجمعوا على أن من سنة رمي الجمار الثلاث في أيام التشريق أن يكون ذلك بعد الزوال واختلفوا إذا رماها قبل الزوال في أيام التشريق فقال جمهور العلماء من رماها قبل الزوال أعاد رميها بعد الزوال وروي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها وأجمعوا على أن من لم يرم الجمار أيام التشريق حتى تغيب الشمس من آخرها أنه لا يرميها بعد واختلفوا في الواجب من الكفارة فقال مالك إن من ترك رمي الجمار كلها أو بعضها أو واحدة منها فعليه دم وقال أبو حنيفة إن ترك كلها كان عليه دم وإن ترك جمرة واحدة فصاعدا كان عليه لكل جمرة سنان مسكين نصف صاع حنطة إلى أن يبلغ دما بترك الجميع إلا جمرة العقبة فمن تركها فعليه دم، وقال الشافعي عليه في الحصاة مد من طعام وفي حصاتين مدان وفي ثلاث دم، وقال الثوري مثله إلا أنه قال في الرابعة الدم، ورخصت طائفة من التابعين في الحصاة الواحدة ولم يروا فيها شيئا والحجة لهم حديث سعد بن أبي وقاص قال خرجنا مع رسول الله @ في حجته فبعضنا يقول رميت بسبع وبعضنا يقول رميت بست فلم يعب بعضنا على بعض وقال أهل الظاهر لا شيء في ذلك والجمهور على أن جمرة العقبة ليست من أركان الحج . (1)
أبواب
الهدي والأضحية والصيام
باب
__________
(1) بداية المجتهد (1/258) .(1/277)
في الهدي(1)
قال عطاء في قوله تعالى: { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ } قال: شاة. (2)
وعنه قال: أدنى ما يهراق من الدماء في الحج أو غيره: شاة. (3)
__________
(1) الهدي: هو ما يُهدى إلى الحرمِ من النعمِ وغيرها كالطعام واللباس، فالهدي أعم من الأضحية. وأما الأضحية فهي بضم الهمزة (أُضحية)، وكسرها (أِضحية)، وتقال أيضاً: ضحية بوزن سرية، وأضحاه بوزن أرطاه، وهي ما يُذبح يوم النحر وفي أيام التشريق، وسميت بذلك لأنها تذبح ضحى بعد صلاة العيد، والهدي والأضحية سنة لا تجب إلا بالنذر .
قال: النووي: والأحاديث الواردة في مشروعية الأضحية كثيرة، معروفة. وقد اختلف أهل العلم في حكمها فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة في حق الموسر، ولا تجب عليه، وقال النووي في شرح المهذب: وهذا مذهبنا وبه قال أكثر العلماء منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبلال، وأبو مسعود البدري، وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة، والأسود، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف، وإسحاق، وأبو ثور، والمزني، وداود وابن المنذر، وقال ربيعة والليث بن سعد، وأبو حنيفة، والأوزاعي: هي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى. وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة: أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً. شرح مسلم . وقال ابن قدامة في المغني: أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة غير واجبة: روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وبلال، وأبي مسعود البدري، وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود، وعطاء. وقال ابن عثيمين: فالقول بالوجوب أظهر من القول بعدم الوجوب، لكن بشرط القدرة، وأما العاجز الذي ليس عنده إلا مؤنة أهله، فإنه لا تلزمه الأضحية، بل إن كان عليه دين ينبغي له أن يبدأ بالدين قبل الأضحية. اهـ . الشرح الممتع (3/389) .
(2) تفسير الطبري (2/217) .
(3) كتاب الأم للشافعي (2/139) .(1/278)
وعن حجاج قال: سألت عطاء عن الرجل يقول هو يهدي غلامه،قال:يهدي كبشاً مكانه.(1)
قال ابن كثير: وقوله { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ } . (2) قال الإمام مالك: عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، أنه كان يقول: { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ } شاة، وقال ابن عباس: الهدي من الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والمعز والضأن، وقال الثوري عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ } قال: شاة، وكذا قال عطاء، ومجاهد، وطاوس، وأبو العالية، ومحمد بن علي بن الحسين، وعبد الرحمن بن القاسم، والشعبي، والنخعي، والحسن، وقتادة، والضحاك، ومقاتل بن حيان، وغيرهم مثل ذلك، وهو مذهب الأئمة الأربعة . (3)
وسئل الشيخ عبد الرحمن السعدي: عَنِ الحِكمَةِ في الهَدْيِ والأضَاحِي والعَقِيقَةِ وتَخْصِيصِهَا بالأنعَامِ الثَّمانِيَةِ؟
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/86) .
(2) سورة البقرة الآية (691).
(3) تفسير ابن كثير .(1/279)
الجواب: وباللَّهِ التَّوفِيقُ، الدِّمَاء نَوعَانِ:1- دِمَاءٌ يُقصَدُ بِهَا الأَكْلُ والتَّمتُّع فَقَط .2- ودِمَاءٌ يُقْصَد بِهَا التَّقرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.وَهِيَ هَذِهِ الثَّلاثَةُ.وَلا شَك أَنَّ النَّحرَ لِلَّهِ تَعَالَى مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وأَشرَفِهَا وَلِذَلِكَ قَرَنَهَا تَعَالَى بالصَّلاةِ فِي قَولِهِ: { فَصَلِّ لَرَبّكَ وَانْحَر } الكوثر2، { قُلّ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ } اَلأَنْعَام: 162.وهَذِه عِبَادَةٌ شُرِعَتْ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ لمحبة اللَّهِ لَهَا، ولِكَثرَةِ نَفعِهَا ولِكَونِه مِن شَعَائِر دينه، ولِذَلِكَ اقتَرَنَ الهَديُ والأَضَاحِي بِعِيدِ النَّحرِ لِيَحصُلَ الجَمعُ بين الصَّلاةِ والنَّحرِ والإِخلاصِ للمعبُودِ والإِحسَانِ إلى الخلْقِ.وشرع الهَدي أن يُهدَى لخِيَرِ البِقَاعِ في أَشرَفِ الأزِمَانِ في أجَلِّ العِبَادَاتِ ، فَصَارَ الذبحُ أَحَدَ أَنسَاكِهَا الوَاجِبَةِ أو المكَمِّلَةِ، وصَارَ تمامُ ذَلِكَ أَنْ تُسَاقَ مِنَ الحِلِّ.وَأَكْمَل مِن ذَلِكَ أَنْ تُسَاقَ قَبْلَ ذَلِكَ ويجعل لَهَا شِعَارًا تُعرَفُ بِهِ مِنَ التَّقلِيدِ، والإِشْعَار تعظيمًا لحرُمَاتِ اللَّهِ وشَرَائِعِه وشَعَائِر دِينهِ .وفِيهِ مِنَ الحِكمَةِ: الاقتِدَاءُ بالخلِيلِ - صلى الله عليه وسلم - حَيثُ فُدِيَ ابنه بِذِبحٍ عَظِيمٍ وأَمَرَ اللَّهُ هَذِه الأُمةَ بالاقتِدَاءِ بِهِ خُصُوصًا في أَحْوَالِ البَيتِ الحرام إذا هُوَ بَانِيهِ ومؤسسه.(1/280)
وفِيهِ: تَوسِيعٌ عَلَى سُكَّانِ بينه الحَرَامِ، حَيْثُ شَرَعَ لَهُم مِنَ الأرزَاقِ وسَاقَ لَهُم مِن قَدَرِهِ وشَرعِه مَا بِه يرتَزِقُونَ وبهِ يتمتَّعُونَ، إِذ قَد تَكَفلَ بأرزَاقِهِم بَرهم وفاجرهم كَما تكفلَ بأرزَاق جَميعِ خَلقِه كما في دَعوَةِ الخَلِيلِ - صلى الله عليه وسلم - .ومِنَ الحكمَةِ فِيهَا: أَنَّها شُكرٌ لنِعمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بالتَّوفِيقِ لَحْج بيته الحَرَامِ ولهَذَا وَجيتَ في المتعَةِ والقِرَانِ، وشَمِلَتْ تَوسِعَتَهُ .فهي لِلأَغْنِيَاءِ والفُقَرَاءِ لمن ذَبَحَهَا وغَيرِهِم.قال تَعَالَى: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ } [الحح 28]. ثمَّ إِنَّ هَذِهِ العِبَادَةَ لم تَختَصّ بحجَّاجِ بيتِهِ الحَرَامِ بَل شَمِلَتْ مشرُوعيتُهَا جَمِيعَ المسلمين في هَذِهِ الأيّامِ، فَشَرَعَ لَهُم الأَضَاحِي تَحصِيلاً لِفَوَائِدِ هَذِهِ العِبَادَةِ الفَاضِلَةِ .
وأمَّا العَقِيقَةُ عَنِ المولُودِ: فَشُرِعَتْ شُكرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعمَتِه على العَبدِ بِحُصُولِ الوَلَدِ، وضُوعِفَ اَلذَّكَر عَلَى الأُنثَى إِظهارًا لمزيتهِ؛ ولأنَّ النِّعمَةَ به أتم والسُّرُورَ بِهِ أَوْفَرُ .وتَفَاؤُلا بأنَّ هَذِهِ اَلْعَقِيقَة فَادِيَةٌ للمَولُودِ مِنْ أَنوَاعِ اَلشُّرُور، وإِدلال عَلَى الكَرِيم بِرَجَاء هَذَا المقصِدِ وَتَتْمِيمًا لأَخلاقِ المولُودِ ، كَما في الحَديثِ: "كُلِّ مَولُودٍ مُرتَهَنٌ بعَقِيقَتِهِ".قِيلَ: مُرتَهَنٌ عَنِ الشَّفَاعَةِ لِوَالِدَيهِ، وقِيلَ: مُرتَهَن مَحبُوس عَن كَمَالِه حتَّى يُعَقّ لَهُ، وحَسبكَ مِن ذَبِيحَةٍ هَذِهِ ثمَرَتُهَا . فَالْعَبْد يَسعَى في تَكمِيلِ وَلَدِهِ وتَعلِيمِهِ وتأدِيبِه ، ويبذُلُ الأَموَالَ الطائِلَةَ في ذَلِكَ ، وهَذَا مِن أبلَغِ الطُّرُقِ إِلَى هَذَا التَّكمِيلِ ، واللَّهُ الموفِّقُ .(1/281)
وأمَّا تَخْصِيصُهَا بالأنعَامِ الثلاثَةِ الإِبلِ والبَقَرِ والغَنَمِ: فَلأَنَّ هَذِهِ الذبائِحَ أَشْرَفُ الذَّبَائِحِ عَلَى الإِطلاقِ وأَكْمَلُهَا ، فشرع لها أنْ يَكُونَ المذبُوحُ فِيهَا أَشْرَفَ أَنوَاعِ اَلْحَيَوَانَات، واللَّه أَعْلَمُ بما أرَادَ، وحَققَ هَذَا المعنَى بأنْ شَرَطَ فِيهَا تمامَ السِّنِّ الَّذي تَصْلُح فِيهِ لِكَمَالِ لحمهَا ولذَّتِه، وَهُوَ الثَّنِيُّ مِنَ الإِبِلِ والبَقَرِ والمعزِ والجذعِ مِنَ الضَّأنِ لنَقصِ مَا دُونَ ذَلِكَ ذاتًا ولحمًا.واشتَرَطَ فِيهَا سَلامَتَهَا مِنَ العُيُوبِ الظاهِرَةِ، فَلَم يُجِز: المرِيضَةَ البَيِّنُ مَرَضُهَا، والعَورَاءَ البَيِّنُ عَوَرُهَا، والعَرجَاءَ الَّتِي لا تطيق اَلْمَشْي مَعَ الصَّحِيحَةِ، والهَزِيلَةِ الَّتِي لا مُخَّ فِيهَا لِيَكُونَ مَا يخرِجُهُ الإِنسَانُ كَامِلاً مُكَملاً، وَلِهَذَا شُرِعَ استِحسَانُهَا واستِسمَانُهَا، وأن تَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ، واللَّهُ أعلَمُ .اهـ. (1)
باب
يوم الحج الأكبر
عن عطاء قال: يوم الحج الأكبر: يوم النحر. (2)
باب
قوله: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مّن شَعَائِرِ اللَّهِ }
قال ابن كثير: قال ابن جريج، قال عطاء في قوله: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مّن شَعَائِرِ اللَّهِ } .(3) قال البقرة والبعير، وكذا روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن البصري، وقال مجاهد: وإنما البدن من الإبل { قُلْتَ } أما إطلاق البدنة على البعير فمتفق عليه. (4)
وعن ابن جُرَيج، قال: قال عطاء: والبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللَّهِ قال: البقرة والبعير. (5)
باب
في منافع الهدي وركوب البدنة
__________
(1) إرشاد أولي الأبصار والألباب لنيل الفقه بأيسر الطرق والأسباب (ص114).
(2) تفسير الطبري (14/126) .
(3) سورة الحج الآية (63) .
(4) تفسير ابن كثير (5/374) .
(5) تفسير الطبري (17/118) .(1/282)
عن أبي خالد عن حميد قال: رأى رسول الله@ رجلا يسوق بدنة فقال:
اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً".(1)
وعن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله@: "إركبوا الهدي بالمعروف، حتى تجدوا ظهرا ". (2)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: يركبها ويحمل عليها. (3)
وعن ابن أبي نجيح عن عطاء أن النبي @ رخص لهم أن يركبوها إذا احتاجوا إليها. (4)
وعن حجاج عن القاسم عن مجاهد (لكم فيها منافع إلى أجل مسمى) قال: في ألبانها وظهورها وفي أوبارها حتى تسمى بدناً: فإذا سميت بدناً فمحلها إلى البيت العتيق .
وعن عطاء أنه قال: معنى قوله: { لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمًّى } قال: هو ركوب البدن، وشرب لبنها إن احتاج. (5)
__________
(1) أخرجه مسلم في الحج برقم (1324). قال أبو بكر بن المنذر: في قوله: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً"، دليل على المأذون له من ذلك إذا لم يجد ظهراً غيرها، وإذا يوجد ذلك لم يكن له ركوبها. الإشراف (3/347).
(2) صحيح الجامع برقم (907) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/359) .
(4) أنظر تفسير القرطبي .
(5) عن أبي هريرة، أن رسول الله$ رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال: اركبها، فقال: إنها بدنة، فقال: اركبها،قال: إنها بدنة، قال:اركبها ويلك في الثالثة أو في الثانية.رواه البخاري برقم (1604)، باب ركوب البدن، ومسلم برقم(1322)، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها .(1/283)
وعن ابن جريج، قال: قال عطاء بن أبي رباح في قوله: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمًّى قال: إلى أن تنحر، قال: له أن يحمل عليها المُعِيْي والمنقطع به من الضرورة، كان النبيّ @ يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركب عند منهوكه. قلت لعطاء: ما؟ قال: الرجل الراجل، والمنقطع به، والمتبع وإن نتجت أن يحمل عليها ولدها، ولا يشرب من لبنها إلا فضلاً عن ولدها، فإن كان في لبنها فضل فليشرب من أهداها ومن لم يهدها.. (1)
وقال القرطبي: روي عن جابر بن عبد الله وسئل عن ركوب الهَدْي فقال: سمعت النبيّ@ يقول: "اركبها بالمعروف إذا ألْجِئت إليها حتى تجد ظَهْراً". والأجل المسمَّى على هذا القول نحرها؛ قاله عطاء بن أبي رَباح. (2)
قال عطاء في قوله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ينتهي إلى مكة. (3)
وقال الشافعي: إلى الحرم. وهذا بناء على أن الشعائر هي البدن، ولا وجه لتخصيص الشعائر مع عمومها وإلغاء خصوصية ذكر البيت. والله أعلم. (4)
وقال ابن كثير: وقال مجاهد في قوله: { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى } . (5)قال: الركوب واللبن والولد، فإذا سميت بدنة أو هدياً ذهب ذلك كله، وكذا قال عطاء والضحاك وقتادة وعطاء الخراساني وغيرهم. (6)
باب
يجزئ الجذع في الهدي(7)
__________
(1) تفسير القرطبي، تفسير الطبري (17/114)، أحكام الجصاص (3/358) .
(2) تفسير القرطبي (12/56 ) .
(3) تفسير القرطبي (12/56 ) .
(4) تفسير القرطبي (12/56 ) .
(5) سورة الحج الآية (33) .
(6) تفسير ابن كثير (5/370) .
(7) ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني مما سواه . يدل على هذا ماثبت في صحيح مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - : ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسرَ عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن))، والمسنة: هي الثنية من الإبل والبقر والغنم .
لكن ظاهر هذا الحديث أنه لا يذبح الجذعة من الضأن إلا إذا تعسرت المسنة ، لكن ثبت في احاديث أخرى كحديث مجاشع بن سُليم عند أبي داود وغيره أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يوفي الجذع من الضأن ما توفي به الثنية)) فهذا الحديث يدل على أنه يجزئ مطلقاً مع وجود الثنية ومع عدمها وثني المعز ما له سنة، وثني الإبل ما كمل له خمس سنين ، ومن البقر ماله سنتان، الجذع من الضأن ما له ستةُ أشهر، والثنية من البقر مالها سنتان ودخلت في الثالثة، ومن الإبل ما لها خمس سنين ودخلت في السادسة، ومن الغنم ما لها سنة ودخلت في الثانية .شرح حديث جابر للطريفي.(1/284)
عن ابن جريج عن عطاء قال: يجزئ من الإبل الجذع فصاعداً . (1)
وعن عطاء قال: يجزئ الجذع من الكلِّ إلا المعز . (2)
وعنه قال: تهدي الإناث والذكور والإناث أحبُّ إليَّ . (3)
وعنه قال في العيوب الأربعة : العوراء والعرجاء والمريضة والكسيرة قال: أمّا الذي سمعناه فالأربع وكلُّ شئ سواهنَّ جائز . (4)
__________
(1) الاستذكار (4/250)، المحلى (7/367) .
(2) المغني (5/460) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/240)، المغني (5/457) .
(4) المغني (5/461).قال الإمام أحمد: وشروطها أربعة: أن تكون سليمة غير مريضة، ولا عوراء، ولا عرجاء، ولا مسنة أي كبيرة . فعنِ البراءِ بن عازبٍ> قالَ: قام فينا رسولُ الله$فقال: "أَرْبعٌ لا تجوزُ في الضَّحايا: العوراءُ الْبَيِّنُ عَوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعرجاءُ البيِّنُ ظَلَعُها، والكبيرةُ التي لا تُنْقي" رَوَاهُ أَحمد والأربعةُ وصحّحهُ الترمذي وابن حِبّان. والحديث دليل على أن هذه الأربعة العيوب مانعة من صحة التضحية، وسكت عن غيرها من العيوب، فذهب أهل الظاهر إلى أنه لا عيب غير هذه الأربعة، وذهب الجمهور إلى أنه يقاس عليها غيرها مما كان أشد منها أو مساوياً لها كالعمياء ومقطوعة الساق. وقوله "البين عورها" قال في البحر: إنه يعفى عما إذا كان الذاهب الثلث فما دونه، وكذا في العرج قال الشافعي: العرجاء إذا تأخرت عن الغنم لأجله فهو بين. وقوله "ظلعها" أي اعوجاجها.
وعنْ جابر - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ$ : "لا تذبحُوا إلا مُسِنّةً إلا أن يَعْسر عليكم فَتَذْبحوا جَذَعةً منَ الضَّأنِ" رواهُ مُسلمٌ. المسنة: الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها كما قدمنا.
والحديث دليل على أنه لا يجزيء الجذع من الضأن في حال من الأحوال إلا عند تعسر المسنة؛ وقد نقل القاضي عياض الإجماع على ذلك، ولكنه غير صحيح لما يأتي، وحكي عن ابن عمر، والزهري أنه لا يجزيء ولو مع التعسر . اهـ. المسائل التي حلف عليها أحمد .
قال العلماء: المسنة هي الثنية: من كل شيء من الإبل والبقر والغنم، فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال، وهذا مجمع عليه على ما نقله القاضي عياض، ونقل العبدري، وغيره من أصحابنا أنه قال: يجوز الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن، وحكي هذا عن عطاء، وأما الجذع من الضأن: فمذهبنا، ومذهب العلماء كافة: أنه يجزىء، سواء وجد غيره أو لا، وحكوا عن ابن عمر والزهري أنهما قالا: تجزىء، وقد يحتج لهما بظاهر الحديث، قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب، والأفضل.(1/285)
باب
الذبح أيام التشريق
عن ابن جريج عن عطاء قال: الذبح أيام منى كلها. (1)
والأصل أن على أهل منى يرمون ثم يذبحون .
وقال عطاء في الذبح والنحر: لا ينحر ولا يذبح حتى ينفجر الصبح لأن الله عز وجل قال: +فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ".(2) وذلك بالنهار . (3)
قال أبو بكر ابن المنذر: لا يجوز الذبح ليلة النحر، ويجوز ليالي أيم التشريق. (4)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولهذا صارت السنة أن أهل منى يرمون ثم يذبحون، والرمي لهم بمنزلة صلاة العيد لغيرهم، وليس بمنى صلاة عيد ولا جمعة، لا بها ولا بعرفة، فإن النبي @ لم يصل بهما صلاة عيد، ولا صلى يوم عرفة جمعة، ولا كان في أسفاره يصلي جمعة ولا عيداً، ولهذا كان عامة العلماء أن الجمعة لا تصلى في السفر، وليس في ذلك إلا نزاع شاذ. وجهور العلماء على أن العيد أيضاً لا يكون إلا حيث تكون الجمعة؛ فإن النبي @ لم يصل عيداً في السفر، ولا كان يصلي في المدينة على عهده إلا عيداً واحداً. ولم يكن أحد يصلي العيد منفرداً. وهذا قول جمهور العلماء وفيه نزاع مشهور. ولهذا صار المسلمون بمنى يرمون، ثم يذبحون النسك، إتباعاً لسنته @.(5)
باب
من كان يقول إذا جعل عليه بدنة نحرها بمكة
عن الشعبي وعبد الملك عن عطاء قالوا: من جعل عليه بدنة فبمكة، وإذا قال: جزور أو بقرة فحيث شاء ونوى . (6)
__________
(1) الاستذكار (5/246)، السنن الكبرى (5/239) . ومن السنة لمن أراد أن يضحي أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره إذا دخل شهر ذي الحجة لما أخرجه مسلم من أربع طرق من حديث أم سلمة قال رسول الله$ : "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً".
(2) سورة الحج آية (27) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/352)، دار المدينة .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/352)، دار المدينة .
(5) مجموع الفتاوى (27/320) .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/405) .(1/286)
وعن ليث عن عطاء قال: إذا جعل الرجل عليه بدنة فلينحرها حيث سمى، فإن لم يسم فلينحرها بمكة. (1)
باب
سوق الهدي للقارن
عن عطاء أنه سئل عن رجل قرن الحج والعمرة فقال: إن شاء ساق، وإن شاء أجزأ عنه أن يبتاع من مكة شيئاً . (2)
باب
متى يجب الهدي
عن عطاء قال في وجوب دم التمتع، إذا رمى الجمرة . (3)
وقال عطاء: لا يجب حتى يقف بعرفات. (4)
ومذهب الشافعي في هذه المسألة: هو أن وقت وجوب دم التمتع، هو وقت الإحرام بالحج.
قال النووي في شرح المهذب: وبه قال أبو حنيفة، وداود، وقال عطاء: لا يجب حتى يقف بعرفات.
ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد إلى آخر يومين من أيام التشريق .
والوقت يتعلق به في بدايته ونهايته ، أما بداية الذبح لأهل الأمصار تكون بعد صلاة الإمام : 1- لما تقدم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح : (( من ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها أُخرى ومن لم يذبح فليذبح ))
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/405) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/402) .
(3) المغني (5/359) .
(4) المجموع (7/185)، المغني (3/359) .(1/287)
2- قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من صلى صلاتنا ونسك نُسكنا فقد أصاب النسك ومن ذبح قبل ذلك فشاته شاة لحم)) .أما غير أهل الأمصار كأهل القرى الذي لا تصلَ فيهم صلاة العيد فيبدأ الذبح عندهم بمقدار وقت الصلاة ، يعني المقدار الذي تمضي فيه وقت الصلاة ثم يحل لهم الذبح بعد ذلك . أما آخر وقت فالمؤلف يقول: يوم النحر وبعده يومان ، يعني ينتهي الذبح ثاني أيام التشريق قالوا: لأن الرمي في اليوم الثالث ليس واجباً فلا يجوز فيه الذبح. والصحيح أن الذبح يمتد إلى آخر أيام التشريق لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى)) وكذلك ورد عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى:ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة ألأنعام.قال: هذه الأيام المعلومات هي يوم النحر وثلاثة أيام بعده.
باب
في الرجل يدخل مكة ومعه الهدي(1)
__________
(1) عن جابر بن عبد الله { ،قال: أهلَّ النبي$ هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم النبي $ وطلحة، وقدم علي من اليمن ومعه هدي، فقال: أهللت بما أهل به النبي$، فأمر النبي$ أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، فبلغ النبي$، فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ==
== ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت، وحاضت عائشة فنسكت المناسك أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله تنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بحج، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج. رواه البخاري برقم (1568)، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى وضوء بين الصفا والمروة ، ومسلم برقم (1216)،باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه .
قال النووي رحمه الله: إنما قال هذا من أجل فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاص لهم في تلك السنة خاصة لمخالفة الجاهلية ولم يرد بذلك التمتع الذي فيه الخلاف وقال هذا تطييبا لقلوب أصحابه وكانت نفوسهم لا تسمح بفسخ الحج إلى العمرة كما صرح به في الأحاديث التي بعد هذا فلقال لهم$ هذا الكلام ومعناه ما يمنعني من موافقتكم فيما أمرتكم به إلا سوقي الهدي ولولاه لوافقتكم ولو استقبلت هذا الرأي وهو في اشهر الحج من أول أمري لم أسق الهدى وفي هذه الرواية لبعض بأنه $ لم يكن متمتعا . شرح مسلم (8/144).(1/288)
قال عطاء: إن قدم في العشر لم ينحره حتى ينحره بمنى .
قال أبو طالب: سمعت أحمد قال في الرجل: يدخل مكة في شوال، ومعه هدي قال: ينحر بمكة، وإن قدم قبل العشر ينحره لا يضيع أو يموت أو يسرق. وكذلك قال عطاء: وإن قدم في العشر لم ينحره حتى ينحره بمنى، لأن النَّبي@ وأصحابه قدموا في العشر، فلم ينحروا، حتى نحروا بمنى، ومن جاء قبل ذلك نحره عن عمرته، وأقام على إحرامه، وكان قارناً انتهى محل الغرض منه . (1)
باب
إذا دخل الهدي الحرم فقد وفَّى
عن حجاج عن عطاء قال: كل هدي دخل الحرم فقد وفَّى عن صاحبه، إلا هدي المتعة فإنه لا بدَّ له من نسكه يحلُّ بها يوم النحر . (2)
وعنه قال: كلُّ هديٍ بلغ الحرم فعطب فقد أجزأ . (3)
وعن ليث عن طاوس قال : إذا بلغت البدنة الحرم فقد وفى . (4)
باب
في الرجل يشتري البدنة فتضل فيشتري غيرها
عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة وعطاء أن عائشة اشترت بدنة فأضلتها فاشترت مكانها ثم وجدتها فنحرتهما جميعا، ثم قالت: كان في علم الله أنحرهما جميعا ذلك في التطوع .
وعن الحسن وعطاء انهما قالا في رجل أضل بدنته تطوعا فاشترى أخرى، قالا:إن كان قلَّد التي اشترى نحرهما ، وإن كان لم يقلِّدها باعها إن شاء .(5)
وقال الإٌمام أحمد عن رجل ضاع هديه فاشترى غيره ثم أصاب الأول قال: ينحرهما جميعا. (6)
باب
المكسورة القرن والخصي
كان عطاء لا يرى بأساً أن يضحي بالخصي. وهو قول الحسن البصري، والشعبي، والنخعي، ومالك، وأبو ثور، والكوفي، وهو مذهب الشافعي.
__________
(1) أضواء البيان تفسير سورة الحج .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/276) .
(3) الاستذكار (4/256) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/276) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/305) .
(6) المسائل التي حلف عليها أحمد بن حنبل .(1/289)
واختلفوا في الضحية المكسورة القرن، فكان الشافعي، ومالك، والكوفي: يرون ذلك جائزاً. (1)
قال أبو بكر ابن المنذر: وممن روينا عنه الرخصة فيه علي، وعمار، وابن المسيب، والحسن البصري. وقال مالك: في المكسورة القرن جائز إلا أن يكون يَدْمَا فلا يصلح. (2)
باب
في الهدي يعطب من قال: لا بأس أن يبيعه ويستعين بثمنه
عن إبراهيم وليث عن عطاء قال: لا بأس بالهدي إذا عطب أن يبيعه ويستعين بثمنه في هدي آخر. (3)
قال أبو بكر ابن المنذر: قال مالك يأكل منه ويطعم من أحب من الأغنياء، والفقراء، ولا يبيع منه شيئاً. وقال عطاء: يصنع به ما شاء.
ثم قال(ابن المنذر): إذا كان له أن يطعم الأغنياء باع وفعل به ما شاء.(4)
باب
صلاة ركعتين قبل لذبح
عن عطاء قال: لا صلاة بمنى يوم النحر . (5)
وعن ليث قال: سألت عطاء قلت: إنَّ عبد الكريم قال لي بمنى: لا تذبح حتى تصلي! قال: ليس ذلك أهل منى، إنما ذلك على أهل الآفاق . (6)
وسألت مجاهدا فقال لي مثل ذلك .
وعن عبد الملك العرزمي قال: سألت عطاء قلت: قال لي قائل:صلِّ الركعتين قبل أن تذبح فقال: ليس ذلك على أهل منى، إنما صلاتهم موقفهم بجمع.(7)
باب
الأكل من الهدي ومن المعطوب
عن عبد الملك عن عطاء في رجل ساق بدنة فعطبت، قال: يأكل ويطعم
ويتصدق لان عليه البدل. (8)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/407)، دار المدينة .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/407)، دار المدينة .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/348)، التمهيد (22/269)، المغني (5/435) .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/350)، دار المدينة .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/393)، وهو قول مجاهد وطاوس وسالم والقاسم.
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/393) .
(7) المصنف لابن أبي شيبة (3/393) .
(8) المصنف لابن أبي شيبة (3/400)، التمهيد (22/268)، المغني (5/435) .(1/290)
وعن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال: كُل من التطوع والتمتع وهدي الاحصار والنذر إذا لم تسم .
وعن عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: كنا نبلغ المدينة بلحوم الاضاحي . المصنف لابن أبي شيبة (3/305) .
وعن ابن جريج عن جابر قال: كنا لا نأكل من البدن إلا أيام منى، فرخص لنا رسول الله @ فقال:" كلوا وزودا "فأكلنا وتزودنا، قال قلنا لعطاء: أتراه رخص هدي المتعة وحده؟ قال: لا ولكن لا أراه إلا الهديَ كلَّه. (1)
باب
في الجازر يعطى منها أم لا ؟
عن حجاج عن عطاء قال: لا بأس أن يعطى مَسْك(2) الهدي الجزار. (3)
باب
أين ينحر هديه
عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: المنحر بمكة ولكنها نزهت عن الدماء، قال: قلت لعطاء: أين تنحر أنت؟ قال: في رحلي . (4)
وعن حجاج قال: قلت لعطاء: أين أنحر هديي بأعلى مكة أو في أسفلها؟ قال: نعم، قلت: بالابطح؟ قال: نعم، قلت: في بيتي؟ قال: نعم . (5)
وعن هشام عن عطاء قال: تنحر البدنة حيث تيسر عليه من منى . (6)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: النحر حيث ينحر الإمام . (7)
وقال الإمام أحمد في قوله { والهدى معكوفا أن يبلغ محله } قال حتى يبلغ الحرم . (8)
باب
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/414) .
(2) أي جلده، كذا في النهاية .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/218).قال الإمام أحمد: ولا يجوز بيع جلد الأضحية ولا غيره من أجزائها لا بما ينتفع به في البيت ولا بغيره. فعن علي بن أبي طالب قال:"أمرني رسول الله$ أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطى الجزار منها قال نحن نعطيه من عندنا" .رواه البخاري. اهـ. المسائل التي حلف عليها أحمد .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/417) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/418) .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/417) .
(7) أخبار مكة للفاكهي (4/276) .
(8) المسائل التي حلف عليها أحمد .(1/291)
في يوم النحر (1)
مذهب عطاء في أيام النحر: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده . (2)
وعن هشام وهمام بن يحيى عن عطاء قال: النحر أربعة أيام إلى آخر أيام التشريق . (3)
وعن همام قال: سمعت عطاء يقول: النحر ما دامت الفساطيط بمنى . (4)
__________
(1) عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله$ وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل، فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: أذبح ولا حرج، فجاء آخر، فقال:لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ، قال: ارم ولا حرج ، فما سئل النبي$ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج. رواه البخاري برقم (83)، باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها، ومسلم برقم (1306)، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي .
قال النووي: أن أفعال يوم النحر أربعة رمى جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق ثم طواف الإفاضة وأن السنة ترتيبها هكذا فلو خالف وقدم بعضها على بعض جاز ولا فدية عليه لهذه الأحاديث، وبهذا قال جماعة من السلف وهو مذهبنا وللشافعي قول ضعيف أنه ذا قدم الحلق على الرمي والطواف لزمه الدم بناء على قوله الضعيف أن الحلق ليس بنسك. شرح مسلم (9/55) .
عن عبد الرحمن بن يزيد، أنه حج مع بن مسعود - رضي الله عنه - فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات، فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ثم قال : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. رواه البخاري برقم(1662)، باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره،ومسلم برقم(1296)، باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي وتكون مكة عن يساره ويكبر مع كل حصاة .
(2) 2 ) تفسير ابن أبي حاتم (1895)، التمهيد (23/196)، الاستذكار (5/245) .
(3) 3 ) المحلى (7/378) .
(4) 1 ) المحلى (7/378) .(1/292)
قال ابن القيم: أنه لو ذبح في آخر جزءٍ من يوم النحر، لساغ له حينئذ الادخار ثلاثة أيامٍ بعده بمقتضى الحديث، وقد قال علي بن أبي طالب: أيام النحر: يوم الأضحى، وثلاثة أيام بعده، وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي رحمه الله، واختاره ابن المنذر، ولأن الثلاثة تختصّ بكونها أيام منى، وأيام الرمي، وأيام التشريق، ويحرم صيامها، فهي إخوة في هذه الأحكام، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع. وروي من وجهين مختلفين يشدّ أحدهما الآخر عن النبي@ أنه قال: "كلّ منى منحرٌ، وكلّ أيام التشريق ذبحٌ"وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، ومن حديث أسامة بن زيد،عن عطاء، عن جابر.(1)
وقال النووي: وأما الأيام المعلومات فمذهبنا: أنها العشر الأوائل من ذي الحجة إلى آخر يوم النحر. انتهى محل الغرض منه. وعزا ابن كثير هذا القول لابن عباس قال: وعلقه عنه البخاري بصيغة الجزم، ونقله ابن كثير أيضاً عن أبي موسى الأشعري، ومجاهد، وقتادة، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، والضحاك، وعطاء الخراساني، وإبراهيم النخعي، قال: وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن أحمد بن حنبل، ثم شرع يذكر الأحاديث الدالة على فضل الأيام العشرة الأول من ذي الحجة.
باب
من لا إمام له ذبح بعد الشروق
__________
(1) زاد المعاد (1/708) .(1/293)
قال عطاء فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشمس لم يجزه، ويجزيه إن ذبح بعده. (1)
باب
عقل البدن وكيف نحرها
عن ابن جريج عن عطاء قال: إن شاء قياماً، وإن شاء باركة . (2)
وعن حجاج عن عطاء أن ابن عمر كان ينحرها شابا قياما ، فلما كبر نحرها وهي باركة . (3)
__________
(1) تفسير القرطبي، وهو قول ربيعة . قال القرطبي قوله عليه السلام: "من ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم"، ثم قال: وأما أهل البوادي ومن لا أمام له فمشهور مذهب مالك يتحرى وقت ذبح الإمام، أو أقرب الأئمة إليه. وقال أهل الرأي: يجزيهم من بعد الفجر، وهو قول ابن المبارك، ذكره عنه الترمذي. وتمسكوا بقوله تعالى: "ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام"، فأضاف النحر إلى اليوم، وهل اليوم من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس، قولان. ولا خلاف أنه لا يجزى ذبح الأضحية قبل طلوع الفجر من يوم النحر.واختلفوا كم أيام النحر؟ فقال مالك: ثلاثة، يوم النحر ويومان بعده.وبه قال أبو حنيفة والثوري وأحمد بن حنبل.تفسير القرطبي.
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/428)، قال القرطبي (12/62): وشذَّ عطاء وخالف فاستحب نحرها باركة، والصحيح ما عليه الجمهور، وكذا نقله ابن قدامة في المغني (5/298)، والنص عن عطاء إنما دل على التخيير .
(3) قال الله: "فاذكروا اسم الله عليها صواف" قال القرطبي: عن ابن أبي ذئب أنه سأل ابن شهاب عن الصواف فقال: تقيدها ثم تصفها. وقال لي مالك بن أنس مثله. وكافة العلماء على استحباب ذلك؛ إلا أبا حنيفة والثوري فإنهما أجازا أن تنحر باركة وقياما. وشذ عطاء فخالف واستحب نحرها باركة. والصحيح ما عليه الجمهور؛ لقوله تعالى: "فإذا وجبت جنوبها" معناه سقطت بعد نحرها؛ ومنه وجبت الشمس.اهـ. تفسير القرطبي .(1/294)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: ينزع جلالها لا تتمرغ فيه، يعني البدن. أي إن قصها أو قطعها . لا تتمرغ فيه : أي عند ذبحها. (1)
قال النووي رحمه الله تعالى: الأضحية وغيرها تضجع على شقها الأيسر ويضع الذابح رجله اليمين على عنقها كما ثبت في الصحيح عن رسول الله@ فيسمى ويكبر فيقول باسم الله والله اكبر اللهم منك ولك اللهم تقبل منى كما تقبلت من إبراهيم خليلك ومن أضجعها على شقها إلا يمن وجعل رجله اليسرى على عنقها تكلف مخالفة يديه ليذبحها فهو جاهل بالسنة معذب لنفسه وللحيوان ولكن يحل أكلها فإن الإضجاع على الشق الأيسر أروح للحيوان وأيسر في إزهاق النفس وأعون للذبح وهو السنة التي فعلها رسول الله وعليها عمل المسلمين وعمل الأمم كلهم ويشرع أن يستقبل بها القبلة أيضا .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يقال على الأضحية حال ذبحها وما صفة ذبحها وكيف يقسمها؟
فأجاب: الحمد لله وأما الأضحية فانه يستقبل بها القبلة فيضجعها على الأيسر ويقول بسم الله والله أكبر اللهم تقبل منى كما تقبلت من إبراهيم خليلك وإذا ذبحها قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ويتصدق بثلثها ويهدى ثلثها وإن أكل أكثرها أو أهداه أو أكله أو طبخها ودعا الناس إليها جاز ويعطى أجرة الجزار من عنده وجلدها إن شاء انتفع به وان شاء تصدق به والله أعلم .
والسنة أن يذبح أو ينحر بيده إن تيسر له وإلا أناب عنه غيره
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/217) .(1/295)
وقال الشيخ الألباني: ويذبحها مستقبلا بها القبلة فيه حديث مرفوع عن جابر عند أبي داود وغيره مخرج في (الإرواء)(1138) وآخر عند البيهقي (9/285) وروي عن ابن عمر أنه كان يستحب أن يستقبل القبلة إذا ذبح. وروى عبد الرزاق (8585) بإسناد صحيح عنه أنه كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحت لغير القبلة. فيضعها على جانبها الأيسر ويضع قدمه اليمنى على جانبها الأيمن قال الحافظ (10/16):ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك راسها بيده اليسار.
قلت: وإضجاعها ووضع القدم على صفحتها مما أخرجه الشيخان .وأما الإبل فالسنة أن ينحرها وهي قائمة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها صحيح أبي داود(1550) وفيه بعده شاهد من حديث ابن عمر نحوه أخرجه الشيخان. ووجهها قبل القبلة رواه مالك بسند صحيح عن ابن عمر موقوفا وعلقه البخاري بصيغة الجزم رقم(330) من مختصر ي للبخاري.اللهم إن هذا منك ولك. اللهم تقبل مني.ويقول عند الذبح أو النحر:بسم الله والله أكبر.(1)
قال أبو بكر ابن المنذر: يستحب أن يستقبل لها القبلة، ولا يحرم إذا ذبحت لغير القبلة. (2)
باب
هل المرأة تنحر
عن ابن جريج عن عطاء أن امرأة سالته قالت: إن زوجي يأمرني أن أنحر! قال: أطيعي زوجك. (3)
باب
استحباب الإشعار والتقليد(4) في الإبل والبقر
ثبت أن رسول الله × قلد الهدي وأشعره. (5)
عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا : ليس الاشعار بواجب. (6)
وعن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا: أشعر الهدي إن شئت، وإن شئت فلا تشعر. (7)
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/339)، دار المدينة .
(3) تاريخ جرجان (ص331).
(4) قلدها: وضع لها القلادة التي توضع للهدي وكانوا يضعون لها النعال .
(5) رواه البخاري في الحج برقم (1699)، ومسلم في الحج برقم (1243).
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/176) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/176) .(1/296)
وعن حجاج عن عطاء وعبد الرحمن بن الاسود أنهما قالا: تحلل ثم تشعر.(1)
وعن عطاء قال:رأيت أناسا من أصحاب النبي @ يتبعون الغنم مقلدة(2)
وعن قيس بن سعد عن عطاء قال: رأيت الكِباش تقلَّد. (3)
و عن عطاء قال: يضرب ويخطم إذا خاف عليها أن تهلك . (4)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/177) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) المحلى (5/104)، التمهيد (22/265) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/231) .(1/297)
قال النووي: ومذهبنا ومذهب الجمهور استحباب الإشعار والتقليد في الإبل والبقر(1) وأما الغنم فيستحب فيها التقليد وحده، وفيه استحباب قتل القلائد، وفيه أن من بعث هديه لا يصير محرما ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا حكاية رويت عن ابن عباس، وابن عمر، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وحكاها الخطابي عن أهل الرأي أيضا أنه إذا فعله لزمه اجتناب ما يجتنبه ولا يصير محرما نية الإحرام، والصحيح ما قاله الجمهور لهذه الأحاديث الصحيحة قولها فتلت قلائد بدن رسول الله @ بيدي ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عيه شيء كان له حلالا فيه دليل على استحباب الجمع بين الإشعار والتقليد في البدن وكذلك البقر وفيه أنه إذا أرسل هدية أشعره وقلده من بلده ولو أخذه معه أخر التقليد والإشعار إلى حين يحرم من الميقات أو من غيره. (2)
وقال الشوكاني: عن عائشة أن النبي @ أهدى مرة إلى البيت غنما فقلدها رواه الجماعة، قوله فأشعرها الإشعار هو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هديا ويكون ذلك في صفحة سنامها الأيمن وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور من السلف والخلف.اهـ. (3)
باب
الغنم تقلد وقد يقع عليها اسم الهدي
__________
(1) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "فتلت قلائد هدي النبي$ ثم أشعرها وقلدها أو قلدتها ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حل". رواه البخاري برقم (1612)، باب إشعار البدن وقال عروة عن المسور - رضي الله عنه - قلد النبي $ الهدي وأشعره ، ومسلم برقم (1321)، باب استحباب بعث الهدى إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه واستحباب تقليده وفتل قلائده وأن باعثه لا يصير محرما ولا يحرم عليه شيء بذلك .
(2) شرح النووي (9/70-71).
(3) نيل الأوطار (5/183).(1/298)
ثبت أن رسول الله × قلد الهدي. (1)
وثبت أن رسول الله × قلد الهدي نعلين . (2)
وعن وكيع عن عمر بن ذر عن عطاء أن عائشة كانت تقلد الغنم .
وكان الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور يرون تقليد الغنم . (3)
وعن حميد الطويل عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي أن الشاة كانت تقلد
قال الخطابي: الغنم قد يقع عليها اسم الهدي وزعم بعضهم أن الغنم لا يطلق عليها اسم الهدي. وفيه أن الغنم تقلد، وبه قال عطاء، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا ساق الهدي ثم قلده فلا تقلد الغنم وكذلك قال مالك. قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه . (4)
باب
الاشتراك في الهدي(5)
ويجوز اشتراك سبعة أشخاص في البدنة وسبعة في البقرة .
فعن جابر بن عبد الله { قالَ: "نحرْنا معَ رسولِ الله@ عامَ الحديبيةِ البَدَنَةَ عن سبعة والبقرَةَ عنْ سبْعةٍ" . (6)
__________
(1) رواه البخاري في الحج برقم (1694).
(2) رواه البخاري في الحج برقم (1706)، ومسلم في الحج برقم (1243).
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/188)، دار المدينة .
(4) عون المعبود (5/174) .
(5) وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والقرة عن سبعة، هذا هو الاشتراك في الأضحية وهو على قسمين: القسم الأول: اشتراك ملك، القسم الثاني: اشتراك ثواب، أما اشتراك الملك فلا تجزئ الشاة إلا عن واحد، وأما الإبل والبقر فتجزئ عن سبعة لحديث جابر: ((أنهم كانوا ينحرون الإبل عن سبعة والبقر عن سبعة))، وأما تشريك الثواب وهو أن يشرّك أحدً معه في ثواب أضحيته فهذا لا حد له لا في الإبل ولا في الغنم ولا في البقر لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذبح كبشاً فقال: ((اللهم هذا عني وعن من لم يضحي من أمتي)) وقال: ((اللهم هذا عن محمد وآل محمد وعن أمة محمد)) وهو كبش عن هؤلاء جميعاً فهذا تشريك في الثواب
(6) رواهُ مُسلمٌ في الحج برقم (1318) .(1/299)
وعن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال : يجزي الناقة والبقرة عن سبعة متمتعين . (1)
وعن هشام عن الحسن وعطاء أنهما كانا لا يريان بأسا بالمتمتع أن يدخل في شرك في جزور أو بقرة . (2)
قال النووي: سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين مفترضين أو متطوّعين، أو بعضهم متقرّباً وبعضهم طالب لحم، وبه قال أحمد، وذهب مالك: إلى أنه لا يجوز الاشتراك في الهدي إلا في هدي التطوّع، وهدي الإحصار عندي من هدي التطوّع، ويستحب للمضحي أن يتصدق وأن يأكل، واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثاً، ثلثاً للادخار وثلثاً للصدقة وثلثاً للأكل لقوله@: "كلوا وتصدّقوا وادّخروا" أخرجه الترمذي بلفظ "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له فكلوا ما بدا لكم وتصدّقوا وادخروا" ولعل الظاهرية توجب التجزئة. وقال عبد الوهاب: أوجب قوم الأكل وليس بواجب في المذهب.
باب
إن قدم قبل العشر نحر الهدي
قال عطاء: إذا قدم المتمتع قبل العشر طاف وسعى ونحر هديه، وإن قدم في العشر لم ينحر إلا يوم النحر.(3)
وثبت هذا عن الإمام أحمد. وقال مالك: من أهدى هدياً للعمرة وهو ممن تمتع بالعمرة إلى الحج لم يجز ذلك عنه ولكنه ينحره ويهدي هدياً آخر لمتعته، إنما يصير متمتعاً إذا حل من عمرته، ثم إذا أنشأ الحج حينئذ يجب عليه الهدي. قال أبو بكر ابن المنذر: قول مالك صحيح. (4)
وعنه قال: لا يجزئ هدي المتعة إلا بعد الوقوف بعرفة . (5)
__________
(1) المحلى (7/368) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/135) .
(3) المغني (5/242و359)، الاستذكار (4/103)، التمهيد (8/352) . وثبت هذا عن الإمام أحمد .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/352)، دار المدينة .
(5) المحلى (5/144) .(1/300)
قال ابن قدامة : وإن قدم قبل العشر نحر الهدي، وهذا يدل على أن المتمتع إذا قدم قبل العشر حل وإن كان معه هدي، وإن قدم في العشر لم يحل، وهذا قول عطاء رواه حنبل في المناسك، وقال فيمن لبد أو ضفر: هو بمنزلة من ساق الهدي، لحديث حفصة والرواية الأولى لما فيها من الحديث الصحيح الصريح. وهو أولى بالاتباع . (1)
باب
في المحرم يذبح
عن أشعث عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال: وسألت عطاء فقال: لا بأس أن يذبح المحرم ما ليس بصيد (2)
وعن ليث عن عطاء قال : ذبيحة المحرم كالميتة لا تؤكل . (3)
باب
في البدن من قال: لا تكون إلا من الابل
عن ابن جريج عن عطاء قال: قلت له: (البدن جعلناها لكم من شعائر الله) ما البدنة؟ قال: البعير والبقرة(4)
وعن وكيع عن أبيه عن عبد الكريم قال : اختلف عطاء والحكم فقال عطاء : هي من الابل والبقر ، وقال الحكم : هي من الابل . (5)
باب
من قال تعرقب البدن
عن ليث عن عطاء قال: إذا استعصى عليك الهدي حين تريد أن تنحره فعرقبه. (6)
وعن ليث عن عطاء قال: إذا استعصت عليك البدنة فعرقبها. (7)
باب
في ولد البدنة
عن ابن جريج عن عطاء قال: ولد البدنة ينحر مع أمه. (8)
وعن ابن جريج عن عطاء وفضيل عن مغيرة عن إبراهيم قال كان يقول: إذا ذبحت البدنة ذبح ولدها معها. (9)
والبدنة وما في بطنها هدي للكعبة فإن ولدت على الطريق إلى مكة كان حكم ولدها حكمها.
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/262) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/313) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/313) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/327) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/408) .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/408) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/390) .
(9) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/390) .(1/301)
عن عبد الملك عن عطاء في رجل ساق بدنته فوضعت في الطريق فلم يستطع أن يحمله، قال: يصنع به ما شاء ، فإذا دخل مكة ذبح مكانه كبشا. (1)
باب
من كان معه هدي ليس له أن يتحلل بل يقيم على إحرامه ويدخل الحج على العمرة
قال ابن قدامة: فصل: فأما من معه هدي فليس له أن يتحلل لكن يقيم على إحرامه ويدخل الحج على العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً نص عليه أحمد، وهو قول أبي حنيفة، وعن أحمد رواية أخرى: أنه يحل له التقصير من شعر رأسه خاصة ولا يمس من أظفاره وشاربه شيئاً، وروي ذلك عن ابن عمر، وهو قول عطاء، لما روي عن معاوية قال: "قصرت من رأس رسول الله بمشقص عند المروة" متفق عليه، وقال مالك والشافعي في قول:له التحلل ونحر هديه، ويستحب نحره عند المروة، وكلام الخرقي يحتمله لإطلاقه.(2)
باب
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/390) .
(2) المغني على مختصر الخرقي (3/262) .(1/302)
لا يجوز بيع جلد الأضحية(1)
__________
(1) شروط الأضحية أربعة شروط: الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام .الشرط الثاني: أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً .الشرط الثالث: أن تكون سالمتاً من العيوب .الشرط الرابع: أن تذبح في الوقت المحدد لذبحها . وتتعين الإضحية بقوله هذه أضحية ، والهدي بقوله هذا هدي وإشعاره وتقليده مع النية ويحصل به تعيين الأضحية، وتعيينها يحصل بأحد أمرين :الأمر الأول: بالقول، وذلك بأن يقول : هذه أضحية ، يقصد بها إنشاء التعيين وأن يُعيّن أنها أضحية فتقع أضحية .الأمر الثاني: أن يذبحها بنية الأضحية ، فإذا ذبحها بنية الأضحية كانت أُضحية .ومن العلماء من قال تتعين بأمر ثالث وهو : النية عند الشراء ، أي إذا اشتراها بنية الأضحية ، وذهب إلى هذا بعض العلماء واختاره شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى ماذا نستفيد من تعيين الأضحية؟ متى ما قلنا أن الأضحية تتعين يعني يتعلق الحكم بعينها ، وإذا تعلق الحكم بعينها فإنه يترتب على ذلك جملة من الأحكام منها : 1- أنه لا يجوز نقل الملك فيها ، فلا يجوز للإنسان أن يبيعها ولا يهبها ، لكن يجوز له أن يبدلها بخيرٍ منها أو أن يشتري خيراً منها بدلاً عنها .2- أنه لا يجوز له أن يتصرف فيها فيما يخصه فلا يجوز له أن يحنث عليها، ولا أن يركبها إلا إذا احتاج إلى ذلك، ولا أن يحلب لبنها فيما ينقصها أو يضر بولدها، ولا أن يجز صوفها إلا إذا كان ذلك انفع لها..والسنة أن يأكل ثلث أضحيته ، ويهدي ثلثها ، ويتصدق بثلثها ، وإن أكل أكثر جاز النصوص في الجملة دلت على أن الإنسان يأكل من الهدي ومن الأضحية ويتصدق، قال الله تعالى: وكلوا منها وأطعموا البآس الفقير وأطعموا القانع والمعتر، فدلت على أنه في الهدي إطعاماً للمساكين وأنهم يُعطون منها، فقسمتها إلى قسمين ولهذا قال بعض العلماء: تكون أنصافاً أي نصف يأكله صاحب الأضحية ونصف يعطيه للفقراء وهذا قول عند الشافعية وبعض العلماء قال : تجعل أثلاثاً : ثٌلث يأكله، وثلث يتصدق به، وثلث يهديه لمن شاء واستدلوا على ذلك بما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال علقمة: ((أمرني عبدالله - يعني ابن مسعود - أن أقوم على هديه وأن آكل ثلثه وأن أُعطي ==
== أهل أخيه عتبة ثلثاً وأن أتصدق بثلث))، وكذلك ورد عن ابن عمر أنه قال: ((الهدايا والضحايا: ثلث لك وثلث لأهلك، وثلث للمساكين)) والمراد: بأهلك يعني الذين لا تنفق عليهم فتهدي لهم . وقوله: ( وأن أكل أكثر جاز ) لأن توزيعها أثلاثاً ليس على سبيل الوجوب وإنما هو على سبيل الأستحباب، فلو أكل أكثرها جاز .مسألة: إذا أكلها كلها ولم يتصدق منها هل يجوز أو لا يجوز ؟مذهب الحنابلة أنه إذا أكلها كلها فإنه يضمن مقادر أُقية من لحمها لأنه لم يصدق عليه أنه تصدق بشيً منها والله عز وجل قد أمره بأن يطعم الفقراء وأن يطعم القانع والمعتر وأن يطعم البآس والفقير والأمر للوجوب وهذا لم يفعل .وقال الشافعية له أن يأكله كلها .والصحيح هو أنه يجب عليه أن يطعم من أضحيته. مسألة: لو أنه لم يأكل من ألأضحية بل تصدق بها كلها؟ هل يجوز أو لايجوز؟ أي هل يجب الأكل من ألأضحية أو لا يجب؟ اختلف العلماء في هذا، والصحيح أنه لا يجب لأن النبي $((نحر خمسة بدنات ولم يأكل منها شيً وقال: من شاء فليقتطع)) فدل ذلك على أنه ليس بواجب، أما ألأمر بالأكل الوارد في القران فهو كالأمر بالأكل الوارد في الثمار فإنه ليس للوجوب بل للأستحباب أو للإباحة، ويصرح المؤلف أنه للإستحباب. وله أن ينتنفع بجلدها ولا يبيعه ولا يأكل شيئا منها .لأن الجلد جزء من الأضحية أو الهدي فله أن ينتفع به كما ينتفع بسائر لحمها وأجزاءها ولكن ليس له أن يبيعه ولا أن يبيع شيئاً منها لما تقدم من أنها قربة لله عز وجل فلا يجوز له أن يبيع شيئاً منها . فأما الهدي - إن كان تطوعاً - استحب له الأكل منه ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كل جزور ببضعة فطبخت ، فأكل من لحمها ، وحسا من مرقها ، ولا يأكل من واجب إلا من هدي المتعة والقران .
قول المؤلف: (إن كان تطوعاً) هذا القيد يُفهم منه إنه إذا لم يكن تطوعاً لم يجز له أن يأكل منه إلا في هدي القران والمتعة كما صرح بهذا في الأخير ، يعني أن الهدي الذي كان بسبب فعل محظور أو ترك مأمور لا يجوز له أن يأكل منه ، لأنه كفارة وكذلك يدخل تحت هذا العموم أشياء كثيرة سنبينها - إن شاء الله تعالى أما قوله: (يستحب أن يأكل منه) فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نحر بدنه أمر من كل بدنة ببضعة منها فجعلت في قدر وطبخت فأكل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من لحمها وشرب من مرقها ، كما في صحيح مسلم من حديث جابر: ((أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ من كل بدنة ==
== جزءً أو قطعة ووضعها في قدر وطبخت فشرب من مرقها وأكل من لحمها)) .وقوله: (ولا يأكل من كل واجب) يدخل تحت هذا ما بسبب محظور أو تركى مأمور فإنه.(1/303)
ولا غيره من أجزائها
قال عطاء: لا يجوز بيع جلد الأضحية ولا غيره من أجزائها لا بما ينتفع به في البيت ولا بغيره.
قال أبو بكر ابن المنذر: وقال عطاء، وأبو ثور: لا بأس أن يأخذ من أضحيته الصوف. (1)
وهذا الذي ورد في علي بن أبي طالب> قال : "أمرني رسول الله@ أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطى الجزار منها قال نحن نعطيه من عندنا" .(2)
قال النووي : ذكرنا أن مذهبنا أنه ألا يجوز بيع جلد الأضحية ولا غيره من أجزائها لا بما ينتفع به في البيت ولا بغيره، وبه قال عطاء، والنخعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، هكذا حكاه عنهم ابن المنذر، ثم حكى عن ابن عمر، وأحمد، وإسحاق أنه لا بأس أن يبيع جلد هديه وتصدق بثمنه، قال: ورخص في بيعه أبو ثور، وقال النخعي، والأوزاعي: لا بأس أن يشتري به الغربال والمنخل والفأس والميزان ونحوها، قال: وكان الحسن وعبد الله ابن عمير لا يريان بأساً أن يعطي الجزار جلدها، وهذا غلط منابذ للسنة، وحكى أصحابنا عن أبي حنيفة أنه يجوز بيع الأضحية قبل ذبحها وبيع ما شاء منها بعد ذبحها ويتصدق بثمنه، قالوا: وإن باع جلدها بآلة البيت جاز الإنتفاع بها، دليلنا حديث علي>، والله أعلم. (3)
__________
(1) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/409)، دار المدينة .
(2) رواه البخاري برقم (1629) ، باب لا يعطي الجزار من الهدي شيئا ، ومسلم برقم (1317) ، باب في الصدقة بلحوم الهدى وجلودها وجلالها ..
(3) المجموع شرح المهذب (8/250) .(1/304)
وقال في شرحه على مسلم : قوله: "عن علي> قال: أمرني رسول الله@ أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها شيئاً وقال نحن نعطيه من عندنا" ولا يجوز إعطاء الجزار منها شيئاً بسبب جزارته، هذا مذهبنا، وبه قال عطاء، والنخعي، ومالك ، وأحمد، وإسحاق، وحكى ابن المنذر عن ابن عمرو، وأحمد، وإسحاق، أنه لا بأس ببيع جلد هديه ويتصدق بثمنه . (1)
باب
من رخص للحج أن لا يضحي وما جاء في ذلك
عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عطاء، ومجاهد قالا: قال ابن عباس: من حج فأهدى هديا رجع إلى أهله بحجة وعمرة .
باب
في الإبل البختية هي الإبل الخراسانية .
عن وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال : عمرته في الشهر الذي يهل فيه. وعن ليث عن عطاء قال : يرمى عنه .
وعن حبيب المعلم عن عطاء في الصبي يحرم، قال: يلبي عنه والده أو وليه.
أبواب
أحكام الصيد للمحرم
باب
تحريم الصيد على المحرم (2)
عن حجاج عن عطاء قال: إذا أصاب المحرم الصيد فعليه ثمنه فاشترى دماً، وإن لم يجد قوّم طعاماً فتصدق لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يجد صام لكل صاعٍ يومين. (3)
__________
(1) شرح النووي .
(2) عن عبد الله بن عباس، عن الصعب بن جثامة الليثي، أنه أهدى لرسول الله@ حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه، قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم".رواه البخاري برقم(1729)، باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل، ومسلم برقم(1193)،باب تحريم الصيد للمحرم.قال ابن حجر:واستدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة،وهو قول على وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب.فتح الباري (4/33) .
(3) كتاب الأم للشافعي (2/200)، مصنف عبد الرزاق (4/440) .(1/305)
وعن عطاء قال: إن رمى الحرام صيدا فلا يدري ما فعل الصيد فليغرمه. (1)
وعنه قال: أن ماصيد من أجل المحرم حرام وما لم يصد من أجله حلال. (2)
وعنه قال: إن ذبحه ثم أكله - يعني المحرم - فكفارتان . (3)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: إذا أصاب المحرم صيدا فعليه فدية فإذا أكله فعليه أن يتصدق بمثل ما أكل. (4)
وقال الزرقاني: يحرم الصيد، قال ابن عبد البر: لقوله تعالى: { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } .(5) ومن لم تحل له النساء فهو حرام. وقال عطاء وطائفة : إلا النساء والصيد . وقال الشافعي وغيره: إلا النساء خاصة. (6)
قال عطاء: وفي صغار الصيد مثل ما في كباره، وهو قول مالك. (7)
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/193) .
(2) التمهيد (9/60)، الاستذكار (4/139) .
(3) المصنف لعبد الرزاق (4/439)، الاستذكار (4/143) المغني (5/139) .
(4) المصنف لعبد الرزاق (4/428)، السنن الكبرى للبيهقي (5/194) .
(5) سورة المائدة الآية (95)
(6) شرح الزرقاني (2/373) .
(7) تفسير القرطبي .(1/306)
وعن عبد الله بن أبي قتادة، أن أباه أخبره أن رسول الله $ خرج حاجا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة ، فقال: خذوا ساحل البحر حتى نلتقي فأخذوا ساحل البحر فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة لم يحرم فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش ، فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا فنزلوا فأكلوا من لحمها، وقالوا : أنأكل لحم صيد ونحن محرمون ، فحملنا ما بقي من لحم الأتان، فلما أتوا رسول الله $ قالوا: يا رسول الله إنا كنا أحرمنا، وقد كان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فنزلنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها، قال: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها"،قالوا: لا، قال:"فكلوا ما بقي من لحمها". (1)
وعن عبد الله بن عباس، عن الصعب بن جثامة الليثي، أنه أهدى لرسول الله @ حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه، قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم". (2)
قال ابن حجر: واستدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة ، وهو قول على وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب .اهـ. (3)
إذا خلص صيداً من سبع أو شبكة صياد أو أخذه ليخلص من رجله خيطاً ونحوه فتلف بذلك. فلا ضمان عليه، وبه قال عطاء وقيل: عليه الضمان، وهو قول قتادة، لعموم الآية، ولأن غاية ما فيه أنه عدم القصد إلى قتله. فأشبه قتل الخطأ.
__________
(1) رواه البخاري برقم (1728)، باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد، ومسلم برقم (1196)، باب تحريم الصيد للمحرم.
(2) رواه البخاري برقم (1729)، باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل، ومسلم برقم (1193)، باب تحريم الصيد للمحرم .
(3) فتح الباري (4/33) .(1/307)
ولنا: إنه فعل أبيح لحاجة الحيوان. فلم يضمن ما تلف به، كما لو داوى ولي الصبي الصبي فمات بذلك، وهذا ليس بمتعمد، فلا تتناوله الآية. (1)
الثانية: إذا عدل عن مثل الصيد إلى الصيام، فمذهبنا أنه يصوم عن كل مد يوماً وبه قال عطاء، ومالك. وحكى ابن المنذر عن ابن عباس، والحسن البصري، والثوري، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، أنه يصوم عن كل مدين يوماً. (2)
باب
قوله تعالى: { فجزاء مثل ما قتل من النعم }
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } إلى { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } ، قال: من أجل أنه أصابه في حرم يريد البيت كفارة ذلك عند البيت . (3)
أي يحكم اثنان عدلان . أهل منى : أي سكان مكة . أهل الآفاق : القادمون من كل البلاد عدا مكة .
وعن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا: جزاء واحد، وقال مجاهد: إن أكلوا منه فعلى كل واحد منهم جزاء .
وعن عطاء قال: قلت لعطاء ( مAô‰tمrr& ذَلِكَ صِيَامًا )، هل لصيامه وقت؟ قال: لا، إذا شاء، وحيث شاء، وتعجيله أحبُّ إليَّ. (4)
وعن عطاء الواجب في الصغير من الصيد المثلي صغير مثله من النعم. (5)
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي .(3/247) .
(2) المجموع شرح المهذب (7/186) .
(3) الأم للشافعي (2/204)، السنن الكبرى للبيهقي (5/187) .
(4) تفسير الطبري (7/56) .
(5) المجموع (7/441) .(1/308)
وعنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الحَسَنِ ابنِ مسلمٍ قال: مَنْ أَصابَ مِنَ الصَّيدِ مَا يبلغُ فيهِ شاة؛ فذلكَ الذِي قَال اللَّهُ: { فجزاء مثل ما قتل من النعم } المائدة: 95، وَأَمَّا: { أو كفارة طعام مساكين } المائدة: 95 فذلكَ الذِي لاَ يبلغُ أَنْ يكونَ فيهِ هَدْيٌ: العُصْفُورُ يُقْتَلُ فلاَ يكونُ فيهِ هَدْيٌ، قالَ: { أو عدل ذلك صياماً } [المائدة: 95] عدلُ النَّعامَةِ وَعَدْلُ العصفورِ.قالَ ابنُ جُرَيْجٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لعطاءٍ، فَقَال عطاءٌ: كُلُّ شيءٍ في القرآنِ "أَوْ، أَوْ" يَختارُ منه صاحبُهُ مَا شاءَ.
قال الشّافعي: وَبقولِ عطاءٍ في هذَا أَقولُ؛ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في جزاءِ الصَّيْدِ: { هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً } ، وَقَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } [البقرة: 196]، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ؛ أنَّه قالَ لكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: "أَيُّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجزَأَكَ".(1)
باب
في صيد النعامة
مذهب عطاء في النعامة تكون فيها بدنة .
فعن أشعث عن عطاء قال: في الأرنب شاة.وفي النعامة يصيبها المحرم بدنة(2)
وعن ابن جريج، عن عطاء: أن عمر وعثمان وزيد بن ثابت ومعاوية قالوا : في النعامة بدنة . مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
وعنه،عن عطاء قال:أمّا ما قد حُكم فيه ومضت السنة،ففي النعامة جزور(3)
__________
(1) كتاب الأم (2/244) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) المصنف لعبد الرزاق (4/398) .(1/309)
وعن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ قال: { هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً } [المائدة: 95] قال عطاء: فإن أصاب إنْسَانٌ نعامةً، كان عليه إن كان ذَا يَسَارٍ أن يُهْدِي جَزُوراً، أو عَدْلَهَا طعَاماً، أو عَدْلَهَا صياماً، أَيَّتَهُنَّ شاءَ؛ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ. فَجَزَاءٌ كذا. وكذا، وكُلُّ شيءٍ في القرآن أَوْ، أَوْ فليخْتَرْ منه صاحبُهُ ما شَاءَ.
قال ابن قدامة : مسألة: قال: إلا أن تكون نعامة، فيكون فيها بدنة أو حمامة وما أشبهها. فيكون في كل واحد منها شاة.
هذا متعلق بقوله: "وإن كان طائراً فداه بقيمته في موضعه" أو استثنى النعامة من الطائر. لأنها ذات جناحين وتبيض فهي كالدجاج والأوز. وأوجب فيها بدنة، لأن عمر، وعلياً، وعثمان ، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية رضي الله عنهم حكموا فيها ببدنة، وبه قال عطاء، ومجاهد، ومالك، والشافعي، وأكثر أهل العلم، وحكي عن النخعي أن فيها قيمتها، وبه قال أبو حنيفة. وخالف صاحباه. واتباع النص في قوله تعالى: { فجزاء مثل ما قتل من النعم } والآثار أولى. ولأن النعامة تشبه البعير في خلقته، فكانت مثلاً لها فتدخل في عموم النص "في الحمام شاة" حكم به عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن الحارث في حمام الحرم. وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، وعروة، وقتادة، والشافعي، وإسحاق. وقال أبو حنيفة ومالك: فيه قيمته إلا أن مالكاً وافق في حمام الحرم. لحكم الصحابة ففيما عداه يبقى على الأصل . (1)
وقال ابن عثيمين: لو قتل الإنسان نعامة وهو محرم، أو قتل نعامة في الحرم، ولو كان محلاً فعليه بدنة . (2)
باب
في البيضة
عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عطاء؛ أنه قال: إنْ أَصَبْتَ بَيْضَ نعامةٍ، وأَنْتَ لا تَدْرِي غرمتها؛ تعظِّم بذلك حُرُمَاتِ الله تعالَى.
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/347) .
(2) الشرح الممتع (3/268) .(1/310)
عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس قال: في كل بيضتين درهم ، وفي كل بيضة نصف درهم .
وعن عطاء في بيضة من بيض حمام مكة نصف درهم، كسرت وفيها فرخ ففيها درهم . (1)
وعن ابن هرمز قال: وطئت على عش من حمام مكة وأنا بمكة فيه فروخ قد ريش وبيضة فقتلت الفرخ وكسرت البيضة فسألت عطاء قال: عن ميت شاة . (2)
وعن محمد بن راشد أبو نضلة البصري في بيضة الدجاجة يجعلها تحت حمام الحرم، قال عطاء: لا يذبحها ولا يخرجها من الحرم . (3)
وعن عطاء قال في بيض النعام : إن لم يكن لك إبل ففي كل بيضة درهمان، قال عطاء: فمن كانت له إبل فإن فيه كما قال علي > . (4)
وعنه في بيض النعام جنين من الإبل، وعنه فيها كبش، وعنه فيها درهم. (5)
وعنِ ابنِ جُرَيْجٍ، قال: قلت لعطاء: كم في بيضة من بيض حمام مكة؟ قال: نصف درهم، بين البيضتين: درهم ويحكم في ذلك، قال: فأما ذلك فالذي أرى، فقال إنسان لعطاء: بيضة حمام مكة وجدتها على فراشي! قال: فأمطها عن فراشك، قلت: فكانت في سهوة أو في مكان من البيت كهيئة ذلك معتزل من البيت؟ قال: فلا تمطها، قال: وقال عطاء في بيضة كسرت فيها فرخ، قال: درهم، قال رجل لعطاء: أجعل بيضة دجاجة تحت حمام مكة؟ قال: لا أخشى أن يضرَّ ذلك بيضها. (6)
__________
(1) كتاب الأم(2/218)، بَابُ بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهُ المُحْرِم،المحلى(5/263)أخبار مكة للأزرقي(2/142).
(2) المصنف لعبد الرزاق (4/419) .
(3) التاريخ الكبير (1/81) .
(4) المصنف لعبد الرزاق (4/422)، المحلى (5/262) .
(5) المجموع (7/355) .
(6) أخبار مكة للأزرقي (2/142)، تهذيب الآثار (1/20) .(1/311)
قال الشّافعي: وبهذا نقولُ؛ لأن بَيْضَةً مِنَ الصيدِ جزءٌ منها؛ لأنها تكونُ صيداً، ولا أعلم في هذا مخالفاً ممن حفظْتُ عنه ممن لَقِيتُ، وقولُ عطاءٍ وهذا يدلُّ علَى أن البَيْضَةَ تغرم، وأن الجاهِلَ يَغْرَمُ؛ لأن هذا إتلافٌ؛ قياساً على قَتْلِ الخطأِ؛ وبهذا نقولُ. (1)
وعن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ؛ أنه قال: في بَقَرَةِ الوَحْشِ بَقَرَةٌ، وفي حِمَارِ الوَحْشِ بَقَرَةٌ، وفي الأَرْوَى بقَرَةٌ. (2)
وعن سعيدُ بنُ سَالِمٍ، عن عطاءٍ؛ أنه قال: في الضَّبِّ شَاةَ.
قال الشّافعي: إن كان عطاءٌ أَرَادَ شاةً صغيرةً، فبذلك نقول، وإن كان أرادَ مُسِنَّةً، خالفناه، وقلنا بقولِ عُمَرَ فيه؛ وكان أشبَهَ بالقرآنِ. (3)
عن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاء؛ أنه قال: في الوَبْرِ إِنْ كَانَ يُؤْكَلُ شَاةٌ.قال الشّافعي: قولُ عطاء:"إِنْ كَانَ يُؤْكَلُ": يَدُلُّ على أنه إنما يُفْدَى ما يُؤْكَلُ.
وقال: فإن كانَتِ العربُ تأْكُلُ الوَبْرَ، ففيه جَفْرَةٌ، وليس بأكْثَرَ من جَفْرَةٍ بَدَناً. أخبرنا: سعيدٌ؛ أن مجاهداً قال: في الوَبْرِ شَاةٌ. (4)
باب
في الحمام والعصافير وماأشبهها
مذهب عطاء في العصفور نصف درهم، وفي اليربوع جفرة، وفي الفرخ الصغير الذي لم يطير جفرة، وفي الجنادب والقطا والجراد والذر، إن قتله عمداً أطعم شيئاً وإن كان خطأ فليس عليه شيء، وفي كل طير حمامة فصاعدا: شاة شاة، قمري أو دبسي وفي البرسي والقمري والأخفر ، والحجلة والقطاة ودجاج الحبش والخرب والكروان وابن الماء وأشباه هذا من الطير شاة. (5)
__________
(1) كتاب الأم (2/249)، بَابُ بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهُ المُحْرِم.
(2) كتاب الأم (2/250) .
(3) كتاب الأم (2/252)، بَابُ الضَّبِّ.
(4) كتاب الأم (2/253)، بَابُ الوَبْر.
(5) أنظر كتاب الأم (2/249)،مصنف ابن أبي شيبة(3/424)،ومصنف عبد الرزاق (4/417).(1/312)
وعن ابن جُرَيْجٍ قال: قال لي عطاءٌ في العصافير قولاً بَيَّن لي فيه وَفَسَّر؛ قال: أما العُصْفُورُ، ففيه نِصْفُ درهمٍ، قال عطاء: وأرى الهُدْهُدَ دون الحَمَامَةِ وفوق العصفورِ؛ ففيه درهمٌ، قال عطاء: والكُعَيْتُ: عُصْفُورٌ . (1)
وعن ابن جريج قال:قلت لعطاء: أرأيت الخرب فإنه أعظم شيء رأيته قط من صيد الطير أيختلف أن يكون فيه شاة؟
قال: لا، كل شيء من صيد الطير كان حمامة فصاعدا ففيه شاة . (2)
قال الشّافعي: ولِمَا قَالَ مِنْ هذا، تَرَكْنا قولَهُ، إذا كان في عُصْفُورٍ نِصْفُ درهم عنده، وفي هُدْهُدٍ دِرْهَمٌ، لأنه بين الحمامةِ وبَيْنَ العصفورِ؛ فكان ينبغي أن يجعل في الهُدْهُدِ لقربه مِنَ الحمامة أكثر من درهم.
وعن ابنُ جُرَيْجٍ:قال عطاء:فأما الوَطْوَاطُ،وهو فوقَ العصفورِ ودون الهدهد،ففيه ثُلُثَا درهمٍ. (3)
قال الشّافعي:وبهذا نقولُ؛يقومُ الطائرُ عافِياً ومنتوفاً،ثم يجعلُ فيه قَدْرَ ما نَقَصَهُ من قدرقيمته ما كان يَطِيرُ ممتنعاً من أن يؤخَذَ، ولا شيءَ عليه غَيْرُ ذلك.(4)
وعن ليث أنه سأل عطاء عن طير من طير الحرم كان في رجله شوك فنزعه فمات، ولم أرد به إلا الخير؟ فقال: ليس عليك شيء . (5)
وعن عبد الكريم عن عطاء في عظام الطير: شاة الكركي والحبارى والوز ونحوه . (6)
باب
في المحرم يدل الحلال على الصيد
قال عطاء: إن دلَّ المحرم حلالاً على صيد فأتلفه فالجزاء كله على المحرم. (7)
__________
(1) أنظر كتاب الأم (2/249)،مصنف ابن أبي شيبة(3/424)،ومصنف عبد الرزاق (4/417).
(2) كتاب الأم (1/218) .
(3) كتاب الأم (2/258)، باب الطَّيْرُ غَيْرُ الحَمَام.
(4) كتاب الأم (2/260)، بَابُ نَتْفُ رِيشِ الطَّائِر.
(5) أخبار مكة للفاكهي (3/375)، كتاب الأم (2/260)، بَابُ نَتْفُ رِيشِ الطَّائِر.
(6) مسند ابن الجعد (2257) .
(7) المغني (5/133)، المجموع (7/352) .(1/313)
وعنه في المحرم أشار إلى صيد فأصابه محرم قال: عليه الجزاء. (1)
وعنه قال: إذا أمر المحرم الحلال بقتل الصيد فعليه الكفارة. (2)
وعنه قال: إن دلَّ المحرم على الصيد في الحل أو الحرم فقتله فعليه كفارة واحدة. (3)
وعنه في رجل أشار إلى صيد وهو محرم أو هو في الحرم فأصابه آخر أنه قال: عليهما كفارة واحدة. (4)
وعنه فيمن رمى ضيداً في الحل والرامي في الحرم فعليه الجزاء. (5)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: إن دل حرام حلالا على صيد فلم يأخذه فليستغفر الله. (6)
وقال عطاء: إذا دل المحرم حلالاً على الصيد فقتله لزم المحرم الجزاء، ويكون الجزاء بينهما.
قال ابن قدامة: فإن دل محرماً على الصيد فقتله فالجزاء بينهما، وبه قال عطاء وحماد بن أبي سليمان، وقال الشعبي وسعيد بن جبير والحارث العكلي وأصحاب الرأي: على كل واحد جزاء. لأن كل واحد من الفعلين يستقل بجزاء كامل إذا كان منفرداً، فكذلك إذا انضم إليه غيره، وقال مالك والشافعي: لا ضمان على الدال. (7)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/416) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/417) .
(3) الاستذكار (4/125)، التمهيد (21/155) .
(4) المصنف لعبد الرزاق (4/435) .
(5) المحلى (5/266) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/324) .
(7) المغني على مختصر الخرقي (3/211) .(1/314)
وقال النووي: إذا دل المحرم حلالاً على صيد في الحرم فقتله أثم الدال ولا جزاء على واحد منهما ولو دل محرم محرماً فقتله فالجزاء على القاتل دون الدال، هذا مذهبنا، وبه قال مالك، وأبو ثور، وداود. وقال الشعبي والحرب العلكي وأبو حنيفة: إذا دل محرم محرماً فقتله فعلى كل منهما جزاء، قال ابن المنذر: وقال سعيد بن جبير: على كل واحد من القاتل والآمر والدال والمشتري جزاء، قال: وروى عن علي وابن عباس قالا: "إذا دل المحرم حلالاً فقتله لزم المحرم الجزاء" وبه قال عطاء وبكر بن عبد الله وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. قال: وعندي لا شيء عليه. دليلنا أن الله تعالى قال: { ومن قتله منكم متعمداً فجزاء } . (1) فأوجب الجزاء على القاتل فلا يجب على غيره، ولا يلحق به غيره، لأنه ليس في معناه. (2)
باب
لو اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد
قال عطاء : ولو اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد . (3)
وعنه قال: إذا اشترك الرجلان في الصيد فكفارة واحدة، وإن أكلا فعلى كل واحد منهما جزاء . (4)
وعن حجاج قال: سألت عطاء عن القوم يشتركون في الصيدى وهم محرمون فقال: جزاء واحد .(5)
قال ابن قدامة : يروى عن أحمد في هذه المسألة ثلاث روايات:
إحداهن: أن الواجب جزاء واحد وهو الصحيح. ويروى هذا عن عمر بن الخطاب وابن عباس وابن عمر } ، وبه قال عطاء والزهري والنخعي والشعبي والشافعي وإسحاق.
__________
(1) سورة المائدة الآية (95) .
(2) المجموع شرح المهذب (7/167) .
(3) أنظر المصنف لابن أبش شيبة (3/392)، المجموع (7/442) .
(4) المصنف لابن أبش شيبة (3/392)، المجموع (7/442) .
(5) المصنف لابن أبش شيبة (3/392)، الأم (2/207) .(1/315)
والثانية: عن كل واحد جزاء، رواهما ابن أبي موسى، واختارها أبو بكر وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة، ويروى عن الحسن: لأنها كفارة قتل يدخلها الصوم، أشبهت كفارة قتل الآدمي. (1)
باب
ما جاء في حمار الوحش والثعلب والضبع والضب والأرنب والغزال والبقرة
قال عطاء : في حمار الوحش بقرة ، وقال بقرة الوحش بقرة. (2)
وعن عطاء قال: في الثعلب حمل، وفي الضبع إذا لم يعدُ كبش وفي بغاث الطير مد، وفي الأرنب شاة وفي الغزال شاة وفي الضب شاة وفي الظبية الوالد شاة والد، وفي البقرة وحمار الوحش والأروى : بقرة ، وفي حمار الوحش النتوج بقرة نتوج . (3)
وعن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ؛ أنه كان يَقُولُ: فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ. (4)
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/347) .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/236)، دار المدينة .
(3) أنظر كتاب الأم (2/249)،مصنف ابن أبي شيبة(3/424)،ومصنف عبد الرزاق (4/417).
(4) كتاب الأم (2/252)، بَابُ الثَّعْلَب.(1/316)
قال ابن قدامة : وفيه عن جابر: "أن النبي@ جعل في الضبع يصيدها المحرم كبشاً" رواه أبو داود وابن ماجه وروي عن جابر عن النبي قال: "في الضبع: كبش إذا أصاب المحرم، وفي الظبي شاة، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة" قال أبو الزبير: الجفرة التي قد فطمت ورعت رواه الدارقطني قال أحمد: حكم في الضبع بكبش، وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وقال الأوزاعي: إن كان العلماء بالشام يعدونها من السباع ويكرهون أكلها، وهو القياس، إلا أن اتباع السنة والآثار أولى، وفي حمار الوحش بقرة روي ذلك عن عمر رضي الله عنه، وبه قال عروة ومجاهد والشافعي، وعن أحمد: فيه بدنة، روي ذلك عن أبي عبيدة، وابن عباس، وبه قال عطاء والنخعي، وفي بقرة الوحش بقرة. روي ذلك عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي، والإبل فيه بقرة قاله ابن عباس قال أصحابنا: في الوعل والتيثل بقرة كالأيل والأروى. فيه بقرة. قال ذلك ابن عمر وقال القاضي: فيها غضب وهي من أولاد البقر ما بلغ أن يقبض على قرنه ولم يبلغ أن يكون جذعاً، وحكي ذلك عن الأزهري وفي الظبي شاة. ثبت ذلك عن عمر وروي عن علي، وبه قال عطاء وعروة والشافعي وابن المنذر ولا نحفظ عن غيرهم خلافهم، وفي الوبر: شاة روي ذلك عن مجاهد وعطاء، وقال القاضي: فيه جفرة. لأنه ليس بأكبر منها، وكذلك قال الشافعي: إن كانت العرب تأكله، والجفرة من أولاد المعز، ما أتى عليها أربعة أشهر وفصلت عن أمها، والذكر جفر، وفي اليربوع: جفرة، قال ذلك عمر رضي الله عنه، وروي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور، وقال النخعي: فيه ثمنه وقال مالك: قيمته طعاماً وقال عمرو بن دينار: ما سمعنا أن الضب واليربوع يؤديان، واتباع الآثار أولى، وفي الضب: جدي قضى به عمر وأربد، وبه قال الشافعي، وعن أحمد فيه شاة. لأن جابر بن عبد الله وعطاء قالا فيه ذلك، وقال مجاهد: حفنة من طعام، وقال قتادة: صاع.(1/317)
(1)
قال الشيخ ابن عثيمين: وفي حمار الوحش، وبقرته، والإيل، والثيتل، والوعل، بقرة .
حمار الوحش: صيد معروف، وسمي حماراً لشبهه بالحمار فالذي يشبهه البقرة، ولهذا قال الله تعالى: فجزاء مثل ما قتل من النعم. وفي الإيل أيضاً بقرة .
وفي الإيل: نوع من الظباء .
وفي الثيتل: وهو نوع من الظباء بقرة .
وفي الوعل: بقرة، وفي القاموس: الوعل: بفتح الواو مع فتح العين وكسرها، وسكونها هو: تيس الجبل ففي هذه الأشياء بقرة لأنها تشابهها .
والضبع كبش. والضبع معروفة، وجعل النبي $ فيها شاة ولو لا أنها حلال لم يكن لها قيمة .
والغزال عنز . الغزال أصغر من الوعل والثيتل والإيل ففيها عنزة، لأنها أقرب شبهاً بها .
والوبر والضب جدي. الوبر: دويبة كحلاء اللون دون السنور، لا ذنب لها، وهي معروفة، فيها جدي .
والجدي: هو الذكر من أولاد المعز له ستة أشهر .
وكذلك أيضاً الضب فيه جدي، والضب معروف .
وفي اليربوع جفرة. واليربوع أيضاً معروف: حيوان يشبه الفأر لكنه أطول منها رجلاً، وله ذنب طويل، وفي طرفه شعر كثير، وهو من أذكى الحيوانات التي تشبهه، لأنه يحفر له جحراً في الأرض، ويجعل له باباً، ثم يحفر في طرف الحجر حتى لا يبقى إلا قشرة رقيقة فإذا حشره أحد من عند باب الحجر خرج من القشرة الرقيقة، وتسمى النافقاء، أي نافقاء اليربوع، ولهذا اشتق من النفاق، لأن هذا اليربوع منافق في جحره، لكنه نفاق مباح يريد أن يحمي بذلك نفسه، وهو حلال ، وفيه جفرة لها أربقعة أشهر .
والأرنب عناق: وهي أصغر من الجفرة أي : لها ثلاثة أشهر ونصف تقريباً والأرنب معروفة . (2)
اليربوع زنته كرأس الأرنب، ومع ذلك الواجب فيه أكبر من الواجب في الأرنب، لأن المعول فيه على المماثلة .
__________
(1) المغني على مختصر الخرقي (3/347) .
(2) أنظر كتاب الإشراف لابن المنذر (3/238)، دار المدينة .(1/318)
والحمامة شاة : وجه المشابهة في الحمامة للشاة في الشرب فقط، لا بل في الهيكل، أو الهيئة .فهذا كله قضى به الصحابة، منه ما قضى به واحد من الصحابة ومنه ما قضى به أكثر من واحد . فإذا وجدنا شيئاً من الصيود لم تحكم به الصحابة أقمنا حكمين عدلين خبيرين، وقلنا ما الذي يشبه هذا من بهيمة الأنعام، فإذا قالوا: كذا وكذا حكمنا به، وإذا لم نجد شيئاً محكوماً به من قبل الصحابة، ولا وجدنا شبها له، من النعم، فيكون من الذي لا مثل له، وفيه قيمة الصيد قلَّت أم كثرت . (1)
باب
لا فدية إلا فيما يؤكل
عن عطاء قال: لا يفدي المحرم من الصيد إلا ما يؤكل لحمه . (2)
وعنه قال: كلُّ ما لا يؤكل فإن قتلته وأنت محرم، فلا غرم عليك فيه مع قتله، إلا أن يكون عدواً أو يؤذيك . (3)
باب
تكرار الصيد
عن عطاء قال: يجب في كلِّ صيدٍ جزاء . (4)
وعنه قال: يحكم على الذي أصاب الصيد كلما عاد. (5)
وعنه قال: من قتل الصيد ثم عاد حكم عليه. (6)
وقال عطاء، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: يحكم عليه كلما أصاب الصيد، وذكر أبو ثور ذلك عن مالك، والكوفي.
قال أبو بكر ابن المنذر: وكذلك نقول. (7)
باب
الأكل من الصيد
__________
(1) الشرح الممتع (3/269-270) .
(2) كتاب الأم للشافعي (2/229)، والسنن الكبرى للبيهقي (5/213) .
(3) المصنف لعبد الرزاق (4/442)، المحلى (5/278) .
(4) المغني (5/419) .
(5) المصنف لعبد الرزاق (4/391)، تفسير الطبري (7/59) .
(6) تفسير الطبري (7/59) .
(7) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/230)، دار المدينة .(1/319)
مذهب عطاء:أنه لا يأكل من المنذور،وجزاء الصيد، ويأكل مما سواهما(1)
عن عطاء أنه كان يرى للمحرم أكل الصيد على كل حال إذا اصطاده الحلال، سواء صيد من أجله أو لم يصد. (2)
وعنه أنه لم يكن يرى بأساً بأكل المحرم ما أصاب الحلال إذا كان لم يصده من أجله أو بالآلة. (3)
وأما مذهب أحمد رحمه الله: فهو أنه لا يأكل من هدي واجب، إلا هدي التمتع والقران، وأنه يستحب له أن يأكل من هدي التطوع، وهو ما أوجبه بالتعيين ابتداء من غير أن يكون عن واجب في ذمته، وما نحره تطوعاً من غير أن يوجبه هذا هو مشهور مذهب الإمام أحمد. وعنه رواية أنه لا يأكل من المنذور، وجزاء الصيد، ويأكل مما سواهما.
قال في المغني: وهو قول ابن عمر، وعطاء، والحسن وإسحاق، لأن جزاء الصيد بدل والنذر جعله الله تعالى بخلاف غيرهما.
باب
في صيد الدجاج
__________
(1) المصنف لابن أبش شيبة (3/175-176)، تفسير الطبري (2/241) . عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - في قصة صيده الحمار الوحشي محرم وكان ذلك عام الحديبية قال فقال رسول الله @ لأصحابه وكانوا محرمين هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء فقالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمه متفق عليه .
قال الصنعاني: قد استشكل عدم إحرام أبي قتادة وقد جاوز الميقات وأجيب عنه بأجوبه منها أنه كان قد بعثه - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه لكشف عدو لهم بالساحل، ومنها أنه لم يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بل بعثه أهل المدينة، ومنها أنها لم تكن المواقيت قد وقتت في ذلك الوقت. والحديث دليل على جواز أكل المحرم لصيد البر والمراد به إن محرم ولم يكن منه إعانة على قتله بشيء وهو رأي الجماهير والحديث نص فيه. وقيل لا يحل أكله وإن لم يكن منه إعانة عليه . سبل السلام (2/193) .
(2) التمهيد (9/60) .
(3) التمهيد (9/61) .(1/320)
عن ابن جريج عن عطاء أنه يقول : في الدجاجة السندية(1) حكومة .(2)
وعن عطاء أنه سئل عن الدجاجة السندية يخرج بها من الحرم فقال: لا هي الصيد . (3)
باب
فيمن أصاب حمام الحرم
عن أشعث عن عطاء قال: من قتل حمامة من حمام مكة فعليه شاة . (4)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: عليه شاة .
وعن ابن أبي ليلى عن عطاء في البرسي والقمري والاخفر: شاة شاة.
وعن عطاء قال : أول من فدى طير الحرم شاة عثمان .
عن عطاء قال في حمام الحرام: إذا خرجن من الحرم فصِدهن إن شئت. (5)
وعن ابن مُجَاهِدٍ، عن أبيه، وعن عطاءٍ قالا: من نَتَفَ ريشَ حَمَامَةٍ أو طَيْرٍ مِنْ طير الحَرَمِ فعليه فداؤُهُ بقَدْر مَا نَتَفَ. (6)
وعن ابن جُرَيْج، عن عطاءٍ؛ أنه قال: في إنسانٍ أَخَذَ حمامةً يُخَلِّصُ ما في رِجْلِهَا فماتَتْ؟ قال: ما أَرَى عليه شيئاً. (7)
وعن هشيم عن أبي بشر عن عطاء ويوسف بن ماهك ومنصور عن عطاء أن رجلا أغلق بابه على حمامة وفرخيها ثم انطلق إلى عرفات ومنى فرجع وقد ماتت فأتى ابن عمر فذكر ذلك له فجعل عليه ثلاثا من الغنم وحكم معه رجل . وحكم معه رجل لان جزاء الصيد يحكم به ذوا عدل وهو بإغلاق بابه على الحمامة وفرخيها فإنما قد صادها وإن لم يذبحها، وفيه أن في صيد حمامة الحرم شاة. وعن ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال: نزلنا منزلا فأغلقت باب المنزل على حمامة فماتت فسألت عطاء فقال: فيها شاة.(8)
__________
(1) نسبة إلى بلاد السند .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/447) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/337) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/177) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/440) .
(6) كتاب الأم للشافعي (2/220) .
(7) كتاب الأم(2/259)،بَابُ العلل فِيمَا أَخذ مِنَ الصَّيْدِ لِغَيْرِ قَتْلِه، أخبار مكة للفاكهي (2/142) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/321)
وعن ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال: نزلنا منزلا فأغلقت باب المنزل على حمامة فماتت، فسألت عطاء، فقال: فيها شاة. (1)
وعن ابن جريج قال: كنا نسأله أي عطاء عن الحمام الشامي، فيقول: انظروا فإن كان له في الوحش أصل صيد وإن لا فإنما هو بمنزلة الدجاج، فنظروا فإذا ليس له في الوحش أصل. (2)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/177)، أخبار مكة للفاكهي (3/385) .
(2) أخبار مكة للأزرقي (2/141) .(1/322)
قول مالك في حمام الحرم يصيبها المحرم (قال) قال مالك لم أزل أسمع أن في حمام مكة شاة شاة (قال مالك) وحمام الحرم بمنزلة حمام مكة وفيها شاة شاة (قلت) فكم على من أصاب بيضة من حمام مكة وهو محرم أو غير محرم في الحرم في قول مالك (قال) عشر دية أمه وفي أمه شاة (قلت) فما قول مالك في غير حمام مكة إذا أصابه المحرم (قال) حكومة ولا يشبه حمام مكة وحمام الحرم (قال) وكان مالك يكره للمحرم أن يذبح الحمام إذا أحرم الوحشيَّ وغير الوحشيِّ لأن أصل الحمام عنده طير يطير (قال) فقيل لمالك إن عندنا حماماً يقال له الرومية لا يطير وإنما يتخذ للفراخ (قال) لا يعجبني لأنها تطير ولا يعجبني أن يذبح المحرم شيئاً مما يطير (قال) فقلنا لمالك أفيذبح المحرم الأوز والدجاج. قال لا بأس بذلك (قلت) لابن القاسم أليس الاوز طيراً يطير فما فرق ما بينه وبين الحمام (قال) قال مالك ليس أصله مما يطير وكذلك الدجاج ليس أصله مما يطير (قال) فقلت لمالك فما أدخل مكة من الحمام الانسيِّ والوحشيِّ أترى للحلال أن يذبحه فيها (قال) نعم لا بأس بذلك وقد يذبح الحلال في الحرم الصيد إذا دخل به من الحل فكذلك الحمام في ذلك وذلك أن شأن أهل مكة يطول وهم محلون في ديارهم فلا بأس أن يذبحوا الصيد وأما المحرم فإنما شأنه الأيام القلائل وليس شأنهما واحداً (قال) وسئل مالك عن الجراد يقع في الحرم (قال) لا يصيده حلال ولا حرام (قال مالك) ولا أرى أن يصاد الجراد في حرم المدينة (قال ابن القاسم) وكان مالك لا يرى ما قتل في حرم المدينة من الصيد أن فيه جزاء وقال لا جزاء فيه ولكن ينهى عن ذلك (قال) ولا يحل ذلك له لنهي النبي .
((1/323)
قلت) فما قول مالك في دبسيِّ الحرم (قال) لا أحفظ من مالك في ذلك شيئاً إلا أن مالكا قال في حمام مكة شاة وإن كان الدبسيُّ والقمريُّ من الحمام عند الناس ففيه ما في حمام مكة وحمام الحرم، قال ابن القاسم: وأنا أرى فيه شاة، قال بن القاسم: واليمام مثل الحمام ولم أسمع من مالك فيه شيئاً، قال: وقال مالك في حمام الحرم شاة. قال ابن القاسم قال مالك وإنما الشاة في حمام مكة وحمام الحرم، وقال مالك: وكل ما لا يبلغ أن يحكم فيه مما يصيبه المحرم بشاة ففيه حكومة صيام أو إطعام. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين: قوله: ويحرم صيد المدينة: صيد المدينة حرام، لكن حرمته دون حرمة مكة، لأن تحريم صيد مكة ثابت بالنص والإجماع، وأما حرم المدينة فمختلف فيه، ولكن القول الصحيح: أنه لا يجوز الصيد في حرم المدينة. (2)
بَابُ
الْخِلاَفِ في عَدْلِ الصِّيَامِ وَالطَّعَام
عن عطاء أن بدل كل نصف صاع صيام يوم. (3)
وعنه إن بقي ما لا يعدل يوماً كدون المد، صام عنه يوماً. (4)
قال الشّافعي رحمه الله: قال لي بعضُ الناس: إذا صَامَ عَنْ جزاءِ الصَّيْدِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يوماً، وإذا أطعم منه في كفَّارة اليمينِ، أطعم كُلَّ مسكينٍ مُدَّيْن، وقال: هل رَوَيْتَ في هذا عن أصحابِكَ شيئاً يوافقُ قولَنَا، ويخالِفُ قولك؟. قلتُ: نعم .
وعن ابن جُرَيْج؛ أن مجاهداً كان يقُولُ مكَانَ كُلِّ مدَّين يوماً، فقال: وكيفَ لم تأخُذْ بقولِ مجاهدٍ، وأخذْتَ بقولِ عطاءٍ: يُطْعِمُ المسكينَ حيْثُ وَجَبَ إطعامه مُدًّا إلا في فديةِ الأَذَى؛ فإنك قلْتَ: يطعمه مدَّيْن، ولِمَ لم تقُلْ إذ قُلْتَ في فدية الأَذَى: يطعمه مُدَّيْنِ، في كلِّ موضع؟
__________
(1) المدونة الكبرى (1/447) .
(2) الشرح الممتع (3/275) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/193)، المحلى (5/246) .
(4) المغني (5/418) .(1/324)
قال الشّافعي: فقلت له: يَجْمَعُ بين مسألتيك جوابٌ واحد، إن شاء الله، قال: فاذكره .(1)
باب
في الرجل يصيب الصيد ثم يأكل منه
عن ابن جريج عن عطاء قال : عليه الجزاء وقيمة ما أكل إذا أعطى جزاء ثم أكل منه .
باب
في الصيد يوجد في الحل فيدخل الحرم
عن صدقة بن يسار قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن الصيد يدخل به الحرم حيا فأرخص لي في أكله، ثم عدت إليه بعد فنهاني . (2)
وعن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح أنه كان لا يرى بأساً بما دخل به الحرم من الصيد مأسوراً . (3)
معن إبراهيم بن نافع قال: سألت عطاء عن الصيد يذبح في الحرم؟ فقال: كنا لا نرى به بأساً، حتى حدَّث محدِّث أنه يكرهه . (4)
وعن عطاء قال: إن أرسل كلبه على صيد فدخل الصيد الحرم، ودخل الكلب خلفه فقتله فعليه الجزاء. (5)
ولو أرسل كلباً من الحل على صيد في الحل، فعدا الصيد إلى الحرم، فعدا الكلب خلفه إلى الحرم فقتله، قال عطاء: لا جزاء عليه، وقال: لا يأكله. وروى ذلك عن الشافعي. (6)
وقال أبو بكر ابن المنذر: لا جزاء عليه، ولا يأكله. (7)
وعن عطاء قال: إذا أدخل الصيد مأسوراً حياً فلا بأس بأكله فقيل لعمرو: إن عطاء قد نزل عن قوله هذا، فقال: عهدي به يأكله. (8)
وعنه أنه كان يكره ما أدخل الحرم من الصيد أن يذبح في الحرم. (9)
(
__________
(1) كتاب الأم (2/241) .
(2) المحلى (5/289)، أخبار مكة للأزرقي (2/140) .
(3) أخبار مكة للأزرقي (2/140)، أخبار مكة للفاكهي (3/381) .
(4) أخبار مكة للفاكهي (3/378) .
(5) المغني (5/183) .
(6) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/397)، دار المدينة .
(7) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/397)، دار المدينة .
(8) المصنف لعبد الرزاق (4/424) .
(9) المصنف لابن أبي شيبة (3/348)، المحلى (5/287) .(1/325)
قال) مالك ما أدركت أحداً أقتدي به يرى بالصيد يدخل به الحرم من الحل بأساً، إلا عطاء بن أبي رباح، قال: ثم ترك ذلك وقال ولا بأس به. (1)
قال الشيخ ابن عثيمين: والصحيح أن الصيد إذا دخل به الإنسان من الحل، فهو الحلال، لأنه ليس صيداً للحرم، بل هو صيد لمالكه، وقد كان الناس يبيعون ويشترون الظباء والأرانب في قلب مكة في خلافة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، من غير نكير، وهذا يدل على أن الصيود التي يدخل بها من الحل، وتباع في مكة حلال بيعها وشراؤها وذبحها وأكلها، وليس فيه إثم.(2)
باب
في هدي الكفارة وجزاء الصيد
عن إسماعيل ابن علية عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم قالوا : لا يؤكل من الفدية ولا من جزاء الصيد .
وعن ابن إدريس عن عبد الملك عن عطاء قال: ما كان من جزاء صيد أو نسك أو نذر للمساكين فإنه لا يأكل منه . (3)
باب
في المحرم يقتل النمل والبعوض
عن عطاء قال: يلقي المحرم عنه القملة إن شاء . (4)
وعن حبي المعلم عن عطاء أنه كان لا يرى بأساً بقتل المحرم النملة. (5)
وعن عبد الله الملك قال: سئل عطاء عن رجل قتل ذراً كثيراً لا يدري ما يحدده؟ قال: يتصدق بتمر كثير. (6)
وعن عطاء لا شيء على المحرم في قتل القمل قلَّ أو كثر. (7)
وعن ابن أبي ليلى عن عطاء في النمل يقتله المحرم ، قال : يطعم شيئاً. (8)
__________
(1) المدونة الكبرى (2/444) .
(2) الشرح الممتع (3/272) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/169)، المغني (5/116) .
(5) المحلى (5/278) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/183) .
(7) التمهيد (15/174) .
(8) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/182) .(1/326)
وعن وكيع عن سفيان عن جابر قال: سألت القاسم ومجاهدا وسالما وعطاء وطاوسا عن النمل والجنادب والقطا فقالوا: إن كان خطأ فليس عليه شئ وإن كان عمدا ففيه كف من طعام، وقال عامر: هو كف من طعام خطأ كان أم عمدا. (1) وفيه أن في قتل النمل صدقة يتصدق بها .
الذر : النمل الصغير الأحمر. (2)
وعنى يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال: لا بأس أن تقتل الذباب والبعوض. (3)
باب
في الرجل إذا أصاب حمار الوحش
عن مغيرة عن إبراهيم قال : في الحمار بدنة . (4)
وعن ابن أبي ليلى عن عطاء قال : في الحمار بقرة . (5)
باب
في الرجل يصيب الصيد فلا يجد له ندا من النعم
عن ابن جريج عن عطاء أنه كره التعريب للمحرم.
وعن معقل عن عبد الله بن عبيد الله أنه كره التعريب للمحرم.
وعن عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن عطاء عن طاوس أن عبد الله بن الزبير قال: إياكم والنساء فإن الاعراب من الرفث قال طاوس: فأخبرت بذلك ابن عباس فقال : صدق ابن الزبير. (6)
باب
في المحرم يقتل الجرادة
وعن ابن جُرَيْجٍ قال: قُلْتُ لعطاءٍ: قَتَلْتُ، وأنا حَرَامٌ، جرادَةً أَوْ دُبا، وأنا لا أعلمه، أو قَتَلَ ذلك بَعِيرِي، وأنا عليه قال: اغْرَمْ كُلَّ ذلك، تُعَظِّمُ بذلك
حُرُمَاتِ اللَّه. (7)
وعن طلحةَ بْنِ عمروٍ، عن عَطَاءٍ؛ أنه قال: في جَرَادَةٍ إِذَا مَا أَخَذَهَا المحرِمُ، قبضةٌ من طَعَامٍ. (8)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/183) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/183)، المحلى (5/277)، المجموع (7/357) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/183) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/183) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(7) كتاب الأم (2/220)، بَابُ الجَرَاد.
(8) كتاب الأم (2/258)، بَابُ الجَرَاد، المحلى (5/257) .(1/327)
وعن ابن جريج عن عطاء في الجرادة قبضة أو لقمة .
وعن محمد بن علي عن عطاء ومحمد ومجاهد وطاوس أنهم قالوا في الجادب(1) والقطا والجراد والذر: قالوا، إن قتله عمدا أطعم شيئاً، وإن كان خطأ فليس عليه شئ ، وقال عامر وعبدالله بن الاسود: يطعم شيئا خطأ كان أو عمدا، إن قتله دفاعا عن نفسه فلا شئ عليه أما إن قتله دون أن قد قربه أو أراد الشر به بل كان عابرا فعليه الفدية . (2)
وعن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في الجرادة يقتلها وهو لا يعلم؟ قال: إذا يغرمها، الجرادة صيد . (3)
باب
في المحرم يقرِّد بعيره هل عليه شيء
عن حجاج قال سألت عطاء عن الرجل يقرد بعيره ويلقي عنه الدود! فقال: قرِّد وألق الدود عن بعيرك . (4)
وعن العلاء بن المسيب قال: قال رجل لعطاء: أقرد بعيري وأنا محرم؟ قال: نعم . (5)
باب
الجُعْل ونحوه
عن ابن جريج قال: عاودت عطاء، فقلت : أتكره قتل الجُعل وأشباهه في الحل والحرم؟ قال: نعم، قلت: وإن قتله في الحل أو في الحرم فلا بأس، قال: نعم، ثم ذكر لنا حديثه عن عبدالله بن عمرو { في ذلك، فقلت: فكيف تقول ليس في قتله حرج وهذا عبدالله بن عمرو { يقول ما تسمع؟ قال: فماذا أصنع، قد قلت لك: أنا أكره قتله ما لم يؤذك، فخذ بذلك ودع قتله إن لم يؤذك . (6)
وعنه قال: سألت عطاء عن الرخمة والبغاثة إن قتلهما في الحرم قال: قلت الصدقة فيهما في الحرم أمر؟ قال: نعم . (7)
باب
من صاد صيداً أعور أو مكسور
__________
(1) الجادب: لعلها الجنادب وهي كالجراد . الذر: النمل الصغير : بيض النمل .
(2) المحلى (5/257) .
(3) كتاب الأم للشافعي (2/219) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/394) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج(3/395)،المحلى(5/276)،التمهيد(15/174)، المغني(5/177).
(6) أخبار مكة للفاكهي (3/395) .
(7) أخبار مكة للفاكهي (3/395)، الرخم والبغاث طائران .(1/328)
عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: إن قتل صيداً أعور أو منقوصاً فداء بأعور مثله أو منقوص، ووافٍ أحبُّ إليَّ، وإن قتل صغار أولاد الصيد فداء بصغار أولاد الغنم . (1)
وعن ابن جريج عن عطاء أنه قال: في صغار الصيد صغار الغنم وفي المعيب منها المعيب من الغنم ولو فداها بكبار صحاح من الغنم كان أحبَّ إليَّ . (2)
باب
المحرم يملك صيداً
عن عطاء في الرجل يخرج وقد خلف في منزله شيئاً من الصيد فيصيبه شيء،قال:يضمن.(3)
وعن حفص قال : سألت ابن جريج ما كان عطاء يقول في الرجل يخرج وقد خلف في منزله شيئا من الصيد فيصيبه شئ قال : يضمن
يضمن : أي يؤدي كفارة عنه ما يعادله .
باب
الخطأ والعمد في الصيد
عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال: يحكم عليه في الخطأ والعمد . (4)
وعن سفيان عن جابر عن سالم والقاسم وعطاء وطاوس ومجاهد قالوا : إذا أصاب الجناذب والقطا لم يحكم عليه خطأ،وإن أصابه متعمدا حكم عليه.(5)
وعن عبد الصمد بن عبد الوارث عن عبد الله بن بكر المزني أن عطاء وطاوسا ومجاهدا قالوا في المحرم يصيب القطاة ، قالوا : فيها شاة .
وعن ابن جريج عن عطاء قال: الخطأ والعمد في الصيد سواء، يحكم
عليهما.(6)
__________
(1) كتاب الأم للشافعي (2/222)، تفسير الطبري (7/45)، السنن الكبرى (5/185) .
(2) كتاب الأم للشافعي (2/228) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/353) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/395)، المغني (5/497) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/396-426) .
(6) المصنف لعبدالرزاق (4/390)، تفسير الطبري (7/58-60)، السنن الكبرى (5/180) .(1/329)
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: قول الله تعالى: ($pkڑ‰r'¯"tƒ الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ #Y‰دdJyètGoB) قال: قلت له: فمن قتله خطأ أيغرم قال: نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن، ولئلا يدخل الناس في ذلك . (1)
قال ابن قدامة: أنه لا فرق بين الخطأ والعمد في قتل الصيد في وجوب الجزاء على إحدى الروايتين، وبه قال الحسن وعطاء والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. قال الزهري: على المتعمد بالكتاب وعلى المخطأ بالسنة، والرواية الثانية: لا كفارة في الخطأ، وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وابن المنذر وداود. لأن الله تعالى قال: { وَمَن قَتَلَه مِنكُم مُّتَعَمِّداً } (2)، فدليل خطابه أنه لا جزاء على الخاطىء، لأن الأصل براءة ذمته فلا يشغلها إلا بدليل، ولأنه محظور للإحرام لا يفسده. فيجب التفريق بين خطئه وعمده كاللبس والطيب.اهـ. (3)
باب
صيد البحر
عن ابن جريج قال: سأل إنسان عطاء وأنا حاضر عن حيتان بركة القسري وهي بركة عظيمة في الحرم بأصل ثبير؟ فقال: نعم، والله لوددت أن عندنا منها، وسألته عن صيد الأنهار وقلات المياه أليس من صيد البحر؟ قال: بلى وتلا : { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } (12) سورة فاطر. (4)
وعن ابن جريج قال: سألت عطاء: ابن الماء! أصيد برٍّ أو صيد بحر؟ وعن أشباهه؟ فقال: حيث يكون أكثر، فهو صيد . (5)
__________
(1) كتاب الأم للشافعي (2/183)،السنن الكبرى للبيهقي(5/180)، أحكام القرآن(1/124).
(2) سورة المائدة الآية (96) .
(3) المغني على مختصر الخرقي .(3/247) .
(4) أخبار مكة للزرقي (2/141)، والكبرى للبيهقي (5/208) .
(5) أخبار مكة للفاكهي (3/378)، ومصنف عبد الرزاق (4/453)، تفسير الطبري (7/75) .(1/330)
وعن عطاء قال: كل شيء عاش في البر والبحر،فأصابه المحرم فعليه كفارة.(1)
عن ابن جريج، عن عطاء؛ أنه سُئِلَ عن صيد الأنهار وقِلابٌ المِيَاه، أَلَيْسَ بصَيْدِ البَحْرِ؟ قال: بلى، وتلا: { هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحماً طرياً } [فاطر: 12].
وعنه أن إنساناً سأل عطاءَ عن حِيتَانِ بِرْكَةِ القسرى، وهي بئر عظيمةٌ في الحَرَمِ، أَتُصَادُ؟ قال: نعم، وَلَودِدتُّ أَنَّ عندنا منه. (2)
وقال عطاء: كل ما يعيش في البر وله فيه حياة فهو صيد البر، إن قتله المحرم وداه . (3)
قال القرطبي: اختلف العلماء في الحيوان الذي يكون في البر والبحر هل يحل صيده للمحرم أم لا؟ فقال مالك وأبو مجلز وعطاء وسعيد بن جبير وغيرهم: كل ما يعيش في البر وله فيه حياة فهو صيد البر، إن قتله المحرم وداه، وزاد أبو مجلز في ذلك الضفادع والسلاحف والسرطان. الضفادع وأجناسها حرام عند أبي حنيفة ولا خلاف عن الشافعي في أنه لا يجوز أكل الضفدع . (4)
قال الشّافعي رحمه الله تعالى: قال الله عزَّ وجلَّ: { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً } المائدة: 96.
قال الشّافعي: والبحر: اسمٌ جامِعٌ، فَكُلُّ ما كَثُرَ ماؤه واتَّسَعَ قِيلَ: هذا بَحْرٌ.
فإن قال قائلٌ: فالبحر المعروفُ: هو البَحْرُ المالِحُ.
قيل: نعم، ويدخل فيه العَذْبُ؛ وذلك معروفٌ عند العرب.
فإن قال: فَهَلْ مِنْ دليلٍ عليه/ في كتاب الله عز وَجَلَّ؟.
__________
(1) تفسير الطبري (7/75) .
(2) كتاب الأم (2/236) .
(3) تفسير القرطبي .
(4) تفسير القرطبي .(1/331)
قيل: نعم؛ قال الله عزَّ وجلَّ: { وَمَا يَسْتَوِي البَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ { شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أجَاجٌ } / { وَمِنْ كُلِّ تَأكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا } [فاطر: 12] ففي الآية دلالتان: إحداهُما: أن البحْرَ العَذْبُ والمَالِحُ، وأن صيدَهُما مذكورٌ ذِكْراً واحداً؛ فكلُّ ما صِيدَ في ماءٍ عذبٍ أو بحرٍ قليلٍ أو كثيرٍ مما يعيشُ في الماءِ للمُحْرِمِ حَلاَلٌ، وحَلاَلٌ اصطياده، وإن كان في الحرم؛ لأن حكمه حُكْمُ صيد البَحْرِا لحلالِ للمُحْرِمِ؛ لا يختلف، ومن خوطِبَ بإحلالِ صَيْدِ البَحْرِ وطعامِهِ، عَقَلَ أنه إنما أَحَلَّ له ما يعيش في البحرِ مِنْ ذلك، وأنه أَحَلَّ كُلَّ ما يعيش في مائه؛ لأنه صيده، وطعامه عندنا ما أُلْقِيَ وطَفَا عَلَيْهِ، والله أعلم، ولا أعلم الآية تحتملُ إلا هذا المَعْنَى، أو يكون طعامه في دوابٍّ تعيشُ فيه، فتؤخَذُ بالأَيْدِي بغير تكلُّفٍ، كتكلُّفٍ صيده؛ فكان هذا داخلاً في ظاهر جملة الآية، والله أعلم. (1)
وقال صاحب المغني: وحكي عن ابن عمر قال: هي أهون مقتول، وسئل ابن عباس، عن محرم ألقى قملة، ثم طلبها فلم يجدها؟ قال: تلك ضالة لا تبتغى. قال: وهذا قول طاوس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وأبي ثور، وابن المنذر، وعن أحمد فيمن قتل قملة قال: يطعم شيئاً فعلى هذا أي شيء تصدق به أجزأه، سواء قتل كثيراً أو قليلاً، وهذا قول أصحاب الرأي وقال إسحاق: تمرة فما فوقها. وقال مالك: حفنة من طعام. وروي ذلك عن ابن عمر، وقال عطاء: قبضة من طعام.
وقال ابن عثيمين: والبحري: ما لا يعيش إلا في الماء.
وأما ما يعيش في البر والبحر فإلحاقه بالبري أحوط، لأنه اجتمع فيه جانب حظر، وجانب إباحة، فيغلب جانب الحظر.
مسألة: إذا صاد السمك داخل حدود الحرم، كأن تكون بحيرة في مكة فيها أسماك، فهل يجوز؟
__________
(1) كتاب الأم (2/236) .(1/332)
الصحيح أنه لا يحرم، وإن كان الفقهاء - رحمهم الله - قالوا إنه حرام، والصحيح أنه حلال؛ لأن المحرَّمَ صيد البر .
وقال في موضع آخر: والصحيح أن البحري يجوز صيده في الحرم لقوله تعالى: { أحل لكم صيد البحر وطعامه } المائدة 96 وهذا عام .
فلو فرض أن هناك بركة ماء أو نحوها وفيها سمك غير مجلوب إليها بل توالد فيها، فإن الصحيح أنه لا يحرم، وأنه حلال على المحرم والحلال. (1)
باب
القارن والذي يحج عن نفسه أو غيره سواء في جزاء الصيد
عن ابن جريج عن عطاء قال : القارن سواء في جزاء الصيد . أي يحج عن نفسه وسواه في حجة واحدة . القارن: الذي أهل بحج وعمرة معا. (2)
باب
في قتل الضبع
عن حفص عن حجاج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي في الضبع إذا لم يعد ، كبشا وقال عطاء مثل ذلك. (3)
وعن عطاء قال: في الثعلب حمل، وفي الضبع إذا لم يعدُ كبش وفي بغاث الطير مد. (4) وعن مطرف عن عطاء قال : في الضب شاة .
وعن أبي فروة عن عطاء قال : يقتل الضبع في الحرم . (5)
باب
أين يتصدق
عن ابن جريج أن عطاء قال له مرة أخرى:يتصدق الذي يصيب الصيد بمكة قال الله عزوجل { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } قال: فيتصدق بمكة. (6)
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: رجل أصاب صيداً في الحج أو العمرة فأرسل بجزائه إلى الحرم في المحرم أو غيره من الشهور أيجزئ عنه؟ قال: نعم ثم قرأ ($Nƒô‰yd بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ tûüإ3"|،tB). (7)
__________
(1) الشرح الممتع (3/272) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(4) أنظر كتاب الأم (2/249)،مصنف ابن أبي شيبة(3/424)،ومصنف عبد الرزاق (4/417).
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/425)، المحلى (5/267) .
(6) الأم للشافعي (2/204)، تفسير الطبري (7/56) .
(7) تفسير الطبري (7/56) .(1/333)
وعنه قال: قلت لعطاء: أين يتصدق بالطعام إن بدا له؟ قال: بمكة من أجل أنه بمنزلة الهدي، قال: (ضن!#t"yfsù مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ..... ($Nƒô‰yd بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) من أجل أنه أصابه في حرم - يريد البيت، فجزاؤه عند البيت.(1)
وعن مالك بن مغول عن عطاء قال : (( كفارة الحج بمكة )). (2)
وعن عطاء قال: كلُّ دم واجب فليس له أن يذبحه إلا بمكة . (3)
وعنه قال ما كان من دم فبمكة،وما كان من صيام أو صدقة فحيث شئت (4)
وعن حجاج عن عطاء قال : ما كان من دم فبمكة ، وما كان من صيام أو صدقة فحيث شئت .
وعن هشام عن الحسن وعطاء قالا:كل دم واجب فليس له أن يذبحه إلا بمكة.(5)
وعن ابن جريج, قال: سألت عطاء عن النسك, قال: النسك بمكة لا بد .
وعن ابن أبي نجيح, عن عطاء, قال: الصدقة والنسك في الفدية بمكة, والصيام حيث شئت .
وعن ابن إدريس, قال: سمعت عبد الملك, عن عطاء, قال: ثلاث لا يؤكل منهنّ: جزاء الصيد, وجزاء النسك, ونذر المساكين.
وعن سالم, عن عطاء قال: لا تأكل من فدية, ولا من جزاء, ولا من نذر, وكل من المتعة, ومن الهدي التطوّع.
وعن الحجاج, عن عطاء, قال: لا تأكل من جزاء, ولا من فدية, وتصدّق به.
وعن ابن جريج, قال: قال عطاء: لا يأكل من بدنته الذي يصيب أهله حراما والكفارات كذلك.
وعن عبد الملك والحجاج وغيرهما, عن عطاء أنه كان يقول: لا يؤكل من جزاء الصيد, ولا من النذر, ولا من الفدية, ويؤكل مما سوى ذلك.
وعن ليث, عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم قالوا: لا يؤكل من الفدية. وقال مرة: من هدي الكفارة, ولا من جزاء الصيد.
__________
(1) تفسير الطبري (7/55) .
(2) تفسير الطبري (7/55) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/185) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة (3/185) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .(1/334)
وقال الشّافعي: إذا كان المحرِمُ على بعيره أو يقُودُهُ أو يسوقُهُ، غُرِّمَ ما أصابَ بَعِيرُهُ منه، وإن كان بعيرُهُ متفلتاً، لم يَغْرَمْ ما أصاب بعيرُهُ منه.
باب
في المحرم يصيب القردة
عن سفيان عن أشعث عن عطاء في المحرم يصيب القردة ، قال : يحكم عليه . (1)
باب
في المشير إلى الصيد من قال عليه الجزاء
عن عطاء في المحرم أشار إلى الصيد فأصابه محرم، قالا:عليه الجزاء .
وعن حميد عن حسن عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا: إذا أمر المحرم الحلال بقتل الصيد فعليه الكفارة، لانه ساعد في صيده بلفت الانظار إليه فربما لو لم يشر إليه ما رأوه ولا اصطادوه .(2)
وعن ابن أبي ليلى عن عطاء أنه سئل عن المحرم يواقع ثم يعود، قال: عليه هدي واحد. (3)
باب
الاضطرار للصيد
عن عطاء قال: إذا اضطر المحرم إلى الصيد فإنه يصطاد ولا جزاء عليه، وإذا وجد الميتة فإنه يبدأ بالميتة ويدع الصيد . (4)
باب
متى يذبح جزاء الصيد
عن عطاء قال: إذا قدمت مكة بجزاء صيد فانحره فإن الله يقول: (هدياً بالغ الكعبة) إلا أن تقدم في العشر فيؤخر إلى يوم النحر . (5)
باب
الترتيب في جزاء الصيد
عن ابن جُرَيُج قال: قلتُ لعطاءٍ: أرأَيْتَ إن قَدَرَ على الطعامِ، أَلاَ يَقْدِرُ على عَدْلِ الصيدِ الذي أَصَابَ؟ قال: ترخيصُ اللَّهِ عسَى أن يكون عنده طَعَامٌ، وليس عنده ثَمَنُ الجَزُورِ، وهي الرخصةُ. (6)
وعن حجاج عن عطاء قال: إذا أصاب المحرم الصيد فعليه ثمنه فاشترى دماً، وإن لم يجد قوّم طعاماً فتصدق لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يجد صام لكل صاعٍ يومين . (7)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(4) المصنف لعبد الرزاق (4/429) .
(5) تفسير الطبري (7/56) .
(6) كتاب الأم للشافعي (2/207) .
(7) كتاب الأم للشافعي(2/200)، مصنف عبد الرزاق(4/440)،المصنف لابن أبي شيبة (3/193) .(1/335)
وعن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ قال: { هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً } [المائدة: 95] قال عطاء: فإن أصاب إنْسَانٌ نعامةً، كان عليه إن كان ذَا يَسَارٍ أن يُهْدِي جَزُوراً، أو عَدْلَهَا طعَاماً، أو عَدْلَهَا صياماً، أَيَّتَهُنَّ شاءَ؛ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ { فَجَزَاءٌ } كذا وكذا، وكُلُّ شيءٍ في القرآن أَوْ، أَوْ فليخْتَرْ منه صاحبُهُ ما شَاءَ . (1)
...
باب
الإفاضة من عرفة
قال عطاء فيمن أفاض قبل غروب الشمس ولم يرجع عليه دم مع صحة الحج.(2) وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وغيرهم عليه دم، وقال الحسن البصري: عليه هدي، وقال ابن جريج: عليه بدنة، وقال مالك: عليه حج قابل، والهدي ينحره في حج قابل، وهو كمن فاته الحج .
باب
ذكر الله بعد الإفاضة من عرفة(3)
قال الله تعالى: { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً }
قال عطاء: معنى الآية واذكروا الله كذكر الأطفال آباءهم وأمهاتهم: أبه أمه، أي فاستغيثوا به والجؤوا إليه كما كنتم تفعلون في حال صغركم بآبائكم. وهو قول ابن عباس والضحاك والربيع. (4)
باب
السعي قبل طواف الإفاضة
__________
(1) تفسير الطبري (7/46-53).
(2) تفسير القرطبي تفسير سورة الحج .
(3) قال القرطبي: قوله تعالى: "فاذكروا الله كذكركم آباءكم" كانت عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة، فتفاخر بالآباء، وتذكر أيام أسلافها من بسالة وكرم، وغير ذلك، حتى أن الواحد منهم ليقول: اللهم إن أبي كان عظيم القبة، عظيم الجفنة، كثير المال، فأعطني مثل ما أعطيته فلا يذكر غير أبيه، فنزلت الآية ليلزموا أنفسهم ذكر الله أكثر من التزامهم ذكر آبائهم أيام الجاهلية هذا قول جمهور المفسرين.اهـ. تفسير القرطبي تفسير سورة الحج .
(4) تفسير القرطبي تفسير سورة الحج .(1/336)
عن عطاء قال: لو لم يطف للقدوم ولا لغيره وقدم السعي قبل طواف الإفاضة أجزأه. (1)
أبواب
الحلق والتقصير
ثبت أن رسول الله $ حلق رأسه في حجة الوداع. (2)
وأنه ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم ناول الحالق شقه الأيسر فحلقه. (3)
وثبت أنه قال: "اللهم ارحم المحلقين ثلاثاً، قالوا: والمقصرين قال: والمقصرين".(4)
باب
تفسير التفث
عن عطاء في التفث قال: الحلق والذبح وتقليم الأظفار ومناسك الحج. (5)
وعن منصور قال: سمعت عطاء بن أبي رباح قال: كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة. (6)
وعن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس قال: التفث الرمي والذبح والحلق والتقصير والاخذ من الشارب والاظفار واللحية .
وعن محمد بن كعب القرظي قال: التفث حلق العانة ونتف الابط وأخذ من الشارب وتقليم الاظفار .
باب
تأخير الحلق
عن عطاء أنه قال بجواز تأخير الحلق والتقصير إلى آخر آيام النحر ولا دم عليه . (7)
وكان عطاء بن أبي رباح ومالك يقولان: لا بأس أن يتقنع إذا رمى الجمرة قبل أن يحلق. (8)
باب
تقديم الحلق على الذبح
عن عطاء قال: لا شيء عليه . (9)
باب
الحلق بعد الإفاضة
عن عطاء قال: تجزئه الإفاضة، ويحلق أو يقصر، ولا شيء عليه . (10)
باب
حكم الحلق أو التقصير
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت إن لم يأخذ؟ قال: إنما قال الله (محلقين رءوسكم ومقصرين) . (11)
__________
(1) الفتح (3/572) .
(2) أخرجه البخاري في الحج برقم (1726)، ومسلم في الحج برقم (1304) .
(3) أخرجه مسلم في الحج برقم (1305) .
(4) أخرجه البخاري في الحج برقم (1727)، ومسلم في الحج برقم (1301) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/428) .
(6) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/225) .
(7) المغني (5/306) .
(8) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/361)، دار المدينة .
(9) التمهيد (7/278) .
(10) التمهيد (7/279) .
(11) السنن الكبرى للبيهقي (5/104) .(1/337)
وعن عطاء أنه ليس بنسك . (1)
وعنه في المرأة تمرُّ بالموقف راجعة من مكة فلم تقصر، قال: لا يؤاخذها الله بالنسيان . (2)
فعن يحيى بن يمان عن سفيان عن جابر عن سالم والقاسم وعطاء وطاوس ومجاهد في المرأة تمر بالموقف راجعة من مكة فلم تقصر قالوا: لا يؤاخذها الله بالنسيان، قال ابن الأسود والشعبي : تقصر وعليها دم، وتم حجها .
باب
المحرم يحلق رأسَ حلال
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: رجل رمى العقبة ولم يحلق أيحلق الناسَ؟ قال: نعم. (3)
وعن عطاء قال في المحرم يحلق رأس حلال أو يقلم أظفاره: لا فدية عليه. (4)
باب
موضع الحلق
عن عطاء قال: من السنة أن يبلغ بالحلق إلى العظمين. (5)
وقال أبو بكر ابن المنذر: ويستحب أن يبلغ إذا حلق رأسه العظم الذي عند منقطع الصدغ من الوجه، كان ابن عمر يقول للحالق: بالغ العظمين افصل اللحية من الرأس. (6)
باب
كم تفصر المرأة من شعرها
عن حجاج قال: سألت عطاء عن تقصير المرأة فقال: تأخذ من جوانبها شيئاً، إنما
هو تحليل .(7)
وعن عطاء قال: قدر ثلاث أو أربع أصابع مقبوضة .(8)
وعنه قال: تأخذ من عفو رأسها .(9)
قال الشيخ ابن عثيمين: أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك سنتيمترات اثنان تقريباً. (10)
باب
الحلق للأصلع
__________
(1) المجموع (8/192) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/418) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/451) .
(4) المغني (5/386) .
(5) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/318) .
(6) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/356)، دار المدينة .
(7) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/146) .
(8) الجامع للقرطبي (2/385)، طرح التثريب (5/117) . الإشراف لابن المنذر (3/359)، دار المدينة .
(9) السنن الكبرى للبيهقي (5/104) .
(10) الشرح الممتع (3/335) .(1/338)
عن مثنى عن عطاء في الشيخ الكبير يحجُّ وهو أصلع قال: يمرُّ الموسى على رأسه. (1)
وعن عطاء أنه سئل عن الذي يعتمر بعد الحج قال: يمرُّ على رأسه الموسى. (2)
وقال أبو بكر ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الأصلع يمر على رأسه الموسى وقت الحلق، روينا ذلك عن علي، وابن عمر، وبه قال مسروق، وسعيد بن جبير، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. (3)
باب
الحلق بعد أيام التشريق
قال عطاء فيمن نسي الحلق أو تركه حتى جاء بلده: لا شيء عليه.
وبه قال أبو ثور، ويعقوب، وحكى أبو ثور ذلك عن الشافعي، وكذلك قال أحمد: إذا حلق خارج الحرم. (4)
باب
تأخير طواف الإفاضة(5)
عن عطاء في قوله: (وليطوفوا بالبيت العتيق) قال: طواف يوم النحر.(6)
قال عطاء: أن طواف الإفاضة لا آخر لوقته، بل يبقى ما دام حياً، ولا يلزمه بتأخيره دم.
وعنه قال فيمن أخرَّ الزيارة حتى خرج: يأتي عاماً قابلاً من حج أو عمرة. (7)
وعنه رجع محرماً متى أمكنه. (8)
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/221) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج (3/221)، السنن الكبرى للبيهقي (5/103) .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/357)، دار المدينة .
(4) المجموع (8/193) . الإشراف لابن المنذر (3/358)، دار المدينة .
(5) قال الشوكاني: قوله أفاض أي طاف بالبيت، وفيه دليل على أنه يستحب فعل طواف الإفاضة يوم النحر أول النهار، قال النووي وقد أجمع العلماء أن هذا الطواف وهو طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به واتفقوا على أنه يستحب فعله النحر يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق فإن أخره عنه وفعله في أيام التشريق أجزأ ولا دم عليه بالإجماع فإن أخره إلى بعد أيام التشريق وأتى به بعدها أجزأه ولا شيء عليه عند الجمهور.نيل الأوطار (5/151).
(6) تفسير الطبري (17/152) .
(7) المغني (5/345) .
(8) المغني (5/345) .(1/339)
وعنه إن أخره عن أيام التشريق فلا دم عليه. (1)
قال النووي في شرح المهذب: قد ذكرنا أن مذهبنا أن طواف الإفاضة لا آخر لوقته، بل يبقى ما دام حياً، ولا يلزمه بتأخيره دم، قال ابن المنذر: ولا أعلم خلافاً بينهم في أن من أخره وفعله في أيام التشريق أجزأه ولا دم عليه، فإن أخره عن أيام التشريق. فقد قال جمهور العلماء كمذهبنا: لا دم.
وممن قال به: عطاء، وعمرو بن دينار، وابن عيينة: وأبو ثور، وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر، وهو رواية عن مالك. وقال أبو حنيفة: إن رجع إلى وطنه قبل الطواف: لزمه العود للطواف، فيطوف، وعليه دم للتأخير، وهو الرواية المشهورة عن مالك. دليلنا أن الأصل عدم الدم حتى يرد الشرع به. والله أعلم .
باب
الرجوع إلى منى بعد الإفاضة
عن ابن جريج عن عطاء قال: من أفاض فليصل الظهر بمنى، قال: وإني لأصلي الظهر بمنى قبل أن أفيض والعصر بالطريق، وكلُّ ذلك أصنع.(2)
باب
الإفاضة يوم الوداع(3)
عن عطاء قال: إذا أخّرت طوافك إلى أن تجيء يوم الصدر أجزأك لزيارتك وصدرك - يعني الوداع- .(4)
وعنه قال: لا بأس أن يؤخِّر الزيارة إلى يوم النفر .(5)
باب
__________
(1) المجموع (8/203) .
(2) طبقات ابن سعد (3/572) .
(3) قال ابن تيمية: فإن الحج فيه ثلاثة أطوفة: طواف عند الدخول، وهو يسمى: طواف القدوم، والدخول، والورود. والطواف الثاني: هو بعد التعريف، ويقال له طواف الإفاضة، والزيارة، وهو طواف الفرض الذي لا بد منه، كما قال تعالى: { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [الحج: 29]. والطواف الثالث: هو لمن أراد الخروج من مكة، وهو طواف الوداع. مجموع الفتاوى (26/116).
(4) الاستذكار (4/211) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/161) .(1/340)
سقوط طواف الوداع عن الحائض(1)
__________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد ذكر عن ابن عمر وعطاء وغيرهما التسهيل في هذا. ومما نقل عن عطاء في ذلك أن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف، فإنها تتم طوافها، وهذا صريح عن عطاء أن الطهارة من الحيض ليست شرطاً، وقوله: مما اعتد به أحمد، وذكر حديث عائشة، وأن قول النبي$: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم" يبين أنه أمر بليت به نزل عليها ليس من قبلها فهي معذورة في ذلك.ولهذا تعذر إذا حاضت وهي معتكفة فلا يبطل اعتكافها، بل تقيم في حبة المسجد، وإن اضطرت إلى المقام في المسجد أقامت به، وكذلك إذا حاضت في صوم الشهرين لم ينقطع التتابع باتفاق العلماء، وهذا يقتضي أنها تشهد المناسك بلا كراهة، وتشهد العيد مع المسلمين بلا كراهة، وتدعو وتذكر الله، والجنب يكره له ذلك، لأنه قادر على الطهارة، وهذه عاجزة عنها فهي معذورة، كما عذرها من جوز لها القراءة، بخلاف الجنب الذي يمكنه الطهارة، فالحائض أحق بأن تعذر من الجنب الذي طاف مع الجنابة، فإن ذلك يمكنه الطهارة، وهذه تعجز عن الطهارة، وعذرها بالعجز والضرورة أولى من عذر الجنب بالنسيان، فإن الناسي لما أمر بها في الصلاة يؤمر بها إذا ذكرها، وكذلك من نسي الطهارة للصلاة فعليه أن يتطهر ويصلي إذا ذكر؛ بخلاف العاجز عن الشرط: مثل من يعجز عن الطهارة بالماء فإنها تسقط عنه، وكذلك العاجز عن سائر أركان الصلاة: كالعاجز عن القراءة والقيام، وعن تكميل الركوع والسجود، وعن استقبال القبلة فإن هذا يسقط عنه كل ما عجز عنه، ولم يوجب الله على أحد ما يعجز عنه من واجبات العبادات..فهذه إذا لم يمكنها الطواف على الطهارة، سقط عنها ما تعجز عنه، ولا يسقط عنها الطواف الذي تقدر عليه بعجزها عما هو ركن فيه أو واجب، كما في الصلاة وغيرها، وقد قال الله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم } وقال النبي@: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وهذه لا تستطيع إلا هذا، وقد اتقت الله ما استطاعت، فليس عليها غير ذلك. مجموع الفتاوى (26/160) .(1/341)
عن عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبي @ أخبرتهما أن صفية بنت حيي زوج النبي @ حاضت في حجة الوداع فقال النبي@ أحابستنا هي، فقلت: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت، فقال النبي @ : "فلتنفر".(1)
قال ابن قدامة : فدل على أن هذا الطواف لا بد منه وأنه حابس لمن لم يأت به ولأن الحج أحد النسكين فكان الطواف ركنا كالعمرة . (2)
وقال ابن حزم: فمن خرج ولم يودع فقد ترك فرضا لازما فعليه أن يؤديه، روينا من طريق وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن أبي الزبير بن عبد الله أن قوما نفروا ولم يودعوا فردهم عمر بن الخطاب حتى ودعوا، قال : علي ولم يخص عمر موضعا من موضع . (3)
وعن بن عباس { ، قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض . (4)
__________
(1) رواه البخاري برقم (1440)، باب حجة الوداع، ومسلم برقم(1211)، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض .
(2) المغني (3/226) .
(3) المحلى (7/171) .
(4) رواه البخاري برقم (1668) ، باب طواف الوداع ، ومسلم برقم (1328) ، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض .(1/342)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك المرأة الحائض إذا لم يمكنها طواف الفرض إلا حائضا بحيث لا يمكنها التأخر بمكة ففي أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف إذا طافت الحائض أو الجنب أو المحدث أو حامل النجاسة مطلقا أجزأه الطواف وعليه دم إما شاة وإما بدنة مع الحيض والجنابة وشاة مع الحدث الأصغر،ومنع الحائض من الطواف قد يعلل بأنه يشبه الصلاة و قد يعلل بأنها ممنوعة من المسجد كما تمنع منه بالاعتكاف وكما قال عز و جل لإبراهيم $ وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود فأمره بتطهيره لهذه العبادات فمنعت الحائض من دخوله وقد اتفق العلماء على أنه لا يجب للطواف ما يجب للصلاة من تحريم وتحليل وقراءة وغير ذلك ولا يبطله ما يبطلها من الأكل والشرب والكلام وغير ذلك ولهذا كان مقتضى تعليل من منع الحائض لحرمة المسجد أنه لا يرى الطهارة شرطا بل مقتضى قوله أنه يجوز لها ذلك عند الحاجة كما يجوز لها دخول المسجد عند الحاجة وقد أمر الله تعالى بتطهيره للطائفين و العاكفين والركع السجود والعاكف فيه لا يشترط له الطهارة ولا تجب عليه الطهارة من الحدث الأصغر باتفاق المسلمين ولو اضطرت العاكفة الحائض إلى لبثها فيه للحاجة جاز ذلك وأما الركع السجود فهم المصلون والطهارة شرط للصلاة باتفاق المسلمين والحائض لا تصلي لا قضاء ولا أداء. (1)
__________
(1) مجموع الفتاوى (26/125) .(1/343)
ثم قال: وان حاضت قبل طواف الإفاضة فعليها أن تحتبس حتى تطهر وتطوف إذا أمكن ذلك وعلى من معها أن يحتبس لأجلها إذا أمكنه ذلك ولما كانت الطرقات آمنة في زمن السلف والناس يردون مكة ويصدرون عنها في أيام العام كانت المرأة يمكنها أن تحتبس هي وذو محرمها ومكاريها حتى تطهر ثم تطوف، فكان العلماء يأمرون بذلك وربما أمروا الأمير أن يحتبس لأجل الحيض حتى يطهرن، كما قال النبي@ أحابستنا هي، وقال أبو هريرة> أمير وليس بأمير امرأة مع قوم حاضت قبل الإفاضة فيحتبسون لأجلها حتى تطهر وتطوف أو كما قال، وأما هذه الأوقات كثير من النساء أو أكثرهن لا يمكنها الاحتباس بعد الوفد والوفد ينفر بعد التشريق بيوم أو يومين أو ثلاثة وتكون هي قد حاضت ليلة النحر فلا تطهر إلى سبعة أيام أو اكثر وهي لا يمكنها أن تقيم بمكة حتى تطهر أما لعدم النفقة أو لعدم الرفقة التي تقيم معها وترجع معها ولا يمكنها المقام بمكة لعدم هذا أو هذا أو لخوف الضرر على نفسها ومالها في المقام وفي الرجوع بعد الوفد والرفقة التي معها تارة لا يمكنهم الاحتباس لأجلها أما لعدم القدرة على المقام والرجوع وحدهم وأما لخوف الضرر على أنفسهم وأموالهم وتارة يمكنهم ذلك لكن لا يفعلونه فتبقى هي معذورة، فهذه المسألة التي عمت بها البلوى فهذه إذا طافت وهي حائض وجبرت بدم أو بدنة أجزئها ذلك عند من يقول الطهارة ليست شرطا كما تقدم في مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين نه وأولى فإن هذه معذورة، لكن هل يباح لها الطواف مع العذر هذا محل النظر، وكذلك قول من يجعلها شرطا هل يسقط هذا الشرط للعجز عنه ويصح الطواف، هذا هو الذي يحتاج الناس إلى معرفته فيتوجه أن يقال إنما تفعل ما تقدر عليه من الواجبات، ويسقط عنها ما تعجز عنه فتطوف، وينبغى أن تغتسل وان كانت حائضا كما تغتسل للإحرام وأولى، وتستثفر كما تستفثر المستحاضة وأولى. (1)
باب
__________
(1) مجموع الفتاوى (26/224) .(1/344)
الشرب من ماء زمزم بعد الإفاضة
عن عطاء عن ابن عباس أنه قال في ماء زمزم: طعام من طعم وشفاء من سقم .
وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا يخطئني إذا أفضت أن أشرب من زمزم، قال: وقد كنت فيما مضى أنزع مع الناس الدلو التي أشرب منها اتباع السنة، فأما مذ كبرت فلا أنزع ، يُنزع لي فأشرب ، وإن لم يكن لي ظمأ ، اتباع صنيع محمد @ . (1)
وعن عطاء قال: سقاية الحاج زمزم . (2)
وعن عطاء قال: أشرب من سقاية آل عباس فقد وشرب منها المسلمون وهي سنة . (3)
قال الشيخ الألباني: ثم إذا فرغ من الصلاة -أي عند مقام إبراهيم - ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه فقد قال$: "ماء زمزم لما شرب له"وقال: " إنها مباركة وهي طعام طعم [ وشفاء سقم]" وقال: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام الطعم وشفاء السقم" ثم يرجع إلى الحجر الأسود فيكبر ويستلم. (4)
باب
في طواف الوداع، من ودع واشتغل في تجارة عاد فودع. (5)
قال عطاء: فإن طاف للوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة فعليه إعادته .
__________
(1) أخبار مكة للزرقي (2/56) .
(2) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10061)، والفاكهي، والدر (4/148) .
(3) فضائل الصحابة لأحمد (1829) .
(4) مناسك الحج والعمرة .
(5) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وطواف الوداع ليس بركن، بل هو واجب، وليس هو من تمام الحج، ولكن كل من خرج من مكة عليه أن يودع؛ ولهذا من أقام بمكة لا يودع على الصحيح، فوجوبه ليكون آخر عهد الخارج بالبيت، كما وجب الدخول بالإحرام في أحد قولي العلماء لسبب عارض لا كون ذلك واجبًا بالإسلام، كوجوب الحج . ولأن الصحابة المقيمين بمكة لم يكونوا يعتمرون بمكة، لا على عهد النبي$، ولا على عهد خلفائه، بل لم يعتمر أحد عمرة بمكة على عهد النبي$إلا عائشة وحدها، لسبب عارض . وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع .مجموع الفتاوى.(1/345)
وعن عطاء قال: من ترك طواف الصدر فعليه دم . (1)
وعن ليث عن عطاء وطاوس قالا: كان عمر يرد من خرج، ولم يكن آخر عهده بالبيت .
وعن ابن جريج عن عطاء قال: إذا ودع فلا يعمل عملا حتى يخرج إلى الابطح، فإذا خرج إلى الابطح قال : لا بأس أن يقيم .
وعن عطاء عن سعيد بن جبير قال: كان من دعاء ابن عباس الذي لا يدع بين الركن والمقام أن يقول: رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير.
وعن ابن جريج عن عطاء قال : يفرع من كل شئ له ، فإذا لم يبق له إلا الركوب ركب ثم طاف بالبيت ثم مضى . (2)
قال ابن قدامة: قد ذكرنا أن طواف الوداع إنما يكون عند خروجه ليكون آخر عهده بالبيت فإن طاف للوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة فعليه إعادته. وبهذا قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور: وقال أصحاب الرأي: إذا طاف للوداع أو طاف تطوعاً بعدما حل له النفر أجزأه عن طواف الوداع. وإن قام شهراً أو أكثر لأنه طاف بعدما حل له النفر. فلم يلزمه إعادته كما لو نفر عقيبه.ولنا: قوله عليه السلام: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" ولأنه إذا قام بعده خرج عن أن يكون وداعاً في العادة فلم يجزه، كما لو طافه قبل حل النفر، فأما إن قضى حاجة في طريقه أو اشترى زاداً أو شيئاً لنفسه في طريقه لم يعده، لأن ذلك ليس بإقامة تخرج عن أن يكون آخر عهده بالبيت وبهذا قال مالك والشافعي ولا نعلم مخالفاً لهما.
مسألة: قال: فإن خرج قبل الوداع رجع إن كان بالقرب، وإن بعد بعث بدم، هذا قول عطاء، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، والقريب هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، والبعيد: من بلغ مسافة القصر، نص عليه أحمد وهو قول الشافعين وكان عطاء يرى الطائف قريباً. (3)
__________
(1) أنظر كتاب الإشراف لابن المنذر (3/381)، دار المدينة .
(2) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/381)، دار المدينة .
(3) المغني على مختصر الخرقي (3/285) .(1/346)
وقال الشنقيطي: اعلم أن الطواف في الحج المفرد والقران ثلاثة أنواع: طواف القدوم، وطواف الإفاضة: وهو طواف الزيارة، وطواف الوداع. أما طواف الإفاضة فهو ركن من أركان الحج بإجماع العلماء، وأما طواف الوداع، وطواف القدوم: فقد اختلف فيهما العلماء، فذهب مالك وأصحابه، إلى أن طواف القدوم: واجب يجبر بدم، وأن طواف الوداع: سنة، ولا يلزم بتركه شيء، واستدل لوجوب القدوم بحديث عائشة وعروة المتفق عليه الذي قدمنا بسنده ومتنه عند الشيخين، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم أول ما يبدأ به الطواف، وكذلك الخلفاء الراشدون، والمهاجرون، والأنصار مع قوله - صلى الله عليه وسلم - "خذوا عني مناسككم" واستدل لعدم وجوب طواف الوداع، بترخيص النبي @ للحائض في تركه ولم يأمرها بدم ولا شيء، قالوا: فلو كان واجباً لأمر بجبره، وأكثر أهل العلم: على أن طواف القدوم لا يلزم بتركه شيء. وقال ابن حجر في الفتح: وذهب الجمهور إلى أن من ترك طواف القدوم لا شيء عليه، وعن مالك وأبي ثور: عليه دم، ومن حججهم على أن طواف القدوم لا شيء في تركه أنه تحية، فلم يجب كتحية المسجد. وأكثر أهل العلم على أن طواف الوداع واجب، يجب بتركه الدم إلا أنه يرخص في تركه للحائض خاصة، إذا نفرت رفقتها قبل أن تطهر.
قال النووي في شرح مسلم: الصحيح في مذهبنا وجوب طواف الوداع، وأنه إذا تركه لزمه دم، ثم قال: وبه قال أكثر العلماء، منهم الحسن البصري، والحكم، وحماد، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وقال مالك، وداود، وابن المنذر: هو: سنة لا شيء في تركه. وعن مجاهد روايتان كالمذهبين انتهى منه. وقد نقل ابن حجر كلامه هذا، ثم تعقب عزوه سنيته، لابن المنذر فقال: والذي رأيته في الأوسط لابن المنذر: أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء.اهـ.(1/347)
وقال الشيخ الألباني: فإذا انتهى من قضاء حوائجه وعزم على الرحيل فعليه أن يودع البيت بالطواف لحديث ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي $: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت" .
وله أن يحمل معه ماء زمزم ما تيسر له تبركا به فقد: (كان رسول الله $ يحمله معه في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم) بل إنه: (كان يرسل وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة إلى سهيل بن عمرو: أن أهد لنا من ماء زمزم ولا تترك فيبعث إليه بمزادتين.
فإذا انتهى من الطواف خرج كما يخرج الناس من المساجد فلا يمشي القهقري ويخرج مقدما رجله اليسرى قائلا: اللهم صل على محمد وسلم اللهم إني أسألك من فضلك . (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والراجح عندي : أنه على المعتمر أن يطوف للوداع، كما هو واجب على الحاج . (2)
وقال: -إذا- اشترى شيئاً للتجارة أو باع شيئاً للتجارة فإنه يعيده.
وعلم من ذلك أنه لو اشترى حاجة أو باع حاجة في طريقه أو هدايا لأهله لا تجارة فإنه لا بأس به، على أننا نرغب أن يكون شراؤه قبل طوافه. (3)
باب
من كره في الرجل يلتفت إلى البيت ينظر إليه إذا أراد أن يخرج
عن عطاء عن ابن عباس أنه كره قيام الرجل على باب المسجد إذا أراد الانصراف إلى أهله منحرفا نحو الكعبة ينظر إليها ويدعو وقال: اليهود يفعلون ذلك. (4)
باب
عدم جواز الدعاء عند الخروج
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: هل بلغك أن النبي$ أو بعض أصحابه كان يستقبل البيت حين يخرج فيدعو؟ قال: لا . (5)
...
__________
(1) مناسك الحج والعمرة .
(2) الشرح الممتع (3/373) .
(3) الشرح الممتع (3/354) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الحج .
(5) المصنف لعبدالرزاق (5/77)، أخبار مكة للفاكهي (2/127) .(1/348)
الإحصار.(1)
__________
(1) أصل الحصر: المنع، يقال: حصره العدو فهو محصور، وأحصره المرض فهو محصر هذا ما قاله أكثر أهل اللغة، فقوله تعالى: { فخذوهم واحصروهم } . في العدو (من حصر) وفي غير العدو قوله تعالى: { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } أي أحصرهم الفقر والحاجة وقيل عكسه.وقد اختلف العلماء في معنى الإحصار في قوله تعالى: { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } على ثلاثة أقوال: القول الأول: المراد به حصر العدو خاصَّه دون المرض ونحوه، وهذا قول المالكية والشافعية والمشهور عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك:أولاً: بسبب نزول الآية وهو صد المشركين النبي@ وأصحابه وهم مُحرِمُون بعمرة عام الحديبة ، وصورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن إخراجها بمخصص. ثانياً:ما ورد من الآثار عن الصحابة في أن المحصر بمرض لا يتحلل إلا بالطواف والسعي من ذلك:1- ما رواه الشافعي في مسنده عن ابن عباس أنه قال:((لا حصر إلا حصر العدو))قال النووي في المجموع: إسناده على شرط البخاري ومسلم، وصححه ابن حجر. 2- ما رواه البخاري والنسائي عن ابن عمر أنه قال: ((أليس حسبكم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن حُبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاماً قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هدياً)).وفي دلالة هذا الحديث على المراد نظر لأنه لم يقل إن الحبس من مرض ، إلا أن يقال عام في كل حبس وخرج حبس العدو بالإجماع (لو صح) وبقي ما عداه على الأصل..القول الثاني: الإحصار عام في العدو وغيره كالمرض وذهاب النفقة وجميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم، وممن قال بهذا ابن مسعود ومجاهد ، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام، واستدلوا بما رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة والحاكم والبيهقي عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري > قال: ((سمعت رسول الله@ يقول: مَنْ كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى؛ وذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا صدق)) صحح النووي إسناده .القول الثالث: أن الإحصار خاص بالمرض ==
== بناءً على المعنى اللغوي. وقد اختار الشيخ الأمين رحمه الله تعالى أن الإحصار خاص بالعدو دون غيره.والظاهر والله تعالى أعلم أن الإحصار عام في العدو وغيره. والمحصر يلزمه دم لقوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي (فإن لم يجد فصيام عشرة أيام) اختلف العلماء فيمن لم يجد هدياً فهل له بدل أو لا؟ على قولين: القول الأول: لا بدل له، وهو قول المالكية والحنفية لأنه لم يذكر في القران، واختلف هؤلاء على قولين: القول الأول: إن لم يجد هدياً يبقى محرماً حتى يجد هدياً ، أو يطوف، وهو قول الحنفية.القول الثاني: إن لم يجد هدياً حل بدونه وإن تيسر له بعد ذلك هدي. القول الثاني: أن له بدلاً، واختلف هؤلاء في البدل على أقوال:1- صوم عشرة أيام: وإلى هذا ذهب الإمام أحمد والشافعي في إحدى الروايات لأنه ترك واجباً من واجبات الحج فأشبه المتمتع الذي ترفّه بترك أحد السفرين .2- الإطعام: في أصح الروايات عند الشافعية، فتقوم الشاة ويتصدق بقيمتها طعاماً فإن عجز صام عن كل مد يوماً (قياساً على جزاء الصيد)، وقيل إطعام فدية الأذى (إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين) . 3- صوم ثلاثة أيام . قال الشيخ الأمين رحمه الله تعالى(( وليس على شيء من هذه الأقوال دليل واضح وأقربها قياسه على التمتع )) .والظاهر - والله تعالى أعلم -: أنه لا صيام عليه: 1- لأنه لم يذكره في القرآن .
2- لم يأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من معه ولا بد أن يكون فيهم من لم يجد الهدي ، والمنقول أنهم تحللوا جميعاً ، ومن يقول بالبدل يقول لا يتحلل حتى يصوم .
متى يحصل تحلل المحصر؟ يحصل تحلل المحصر بثلاثة أشياء: 1- النية، لأن المحصر يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها فافتقر إلى النية، ولأن الذبح قد يكون لغير الحل فلم يتخصص إلا بقصده بخلاف الرمي فإنه لا يكون إلا للنسك فاحتاج إلى قصده. 2- ذبح الهدي ، أو الصيام عند من يرى ذلك، والدليل على النحر الآية.قال ابن قدامه: ((فإن نوى التحلل قبل الهدي أو الصيام، لم يتحلل، وكان على إحرامه حتى ينحر الهدي أو يصوم... إلى أن قال: فإن فعل شيئاً قبل ذلك فعليه فديته 3- الحلق، الصحيح أنه نسك لا بد منه لأمر النبي @ للصحابة بذلك. مسألة: على القول بأن الحلق نسك فأيهما يقدم النحر أو الحلق؟ الجواب: يقدم النحر وذلك لما يأتي:==
== 1- ثبت عن النبي@ أنه نحر قبل أن يحلق في عمرة الحديبية، وفي حجة الوداع. 2- دل القران على أن النحر قبل الحلق في موضعين:الموضع الأول : قوله تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله. الموضع الثاني: قوله تعالى: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، فقوله تعالى: ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام أي ذكر اسمه تعالى عند نحر البدن، وقد قال تعالى بعده عاطفاً بثم التي هي للترتيب ثم ليقضوا تفثهم وقضاء التفث يدخل فيه بلا نزاع إزالة الشعر بالحلق. لكن مَنْ قدّم فلا حرج عليه لعموم قوله@ : ((افعل ولا حرج)) .(1/349)
قال الله تعالى: { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذالِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .(1)
وثبت أن النبي $ خرج زمن الحديبية فأمر أصحابه حين أحصروا أن ينحروا ويحلقوا. (2)
قال عطاء بن أبي رباح: الإحصار كل شيء يحبسه. (3)
وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا إحصار إلا من مرض أو عدو أو أمر حابس.
وقال عطاء في المكي يحصر حتى يفرغ الناس من حجهم، تصير عمرة حين فاته الحج، فإذا طاف حل ويذبح لما سمي من الحج ثم فاته.
قال أبو بكر ابن المنذر: قال الله تبارك وتعالى:(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) الآية، والكتاب على العموم ليس لأحد أن يخص قوماً دون قوم. (4)
__________
(1) سورة البقرة آية (196) .
(2) رواه البخاري في الشروط، باب الشروط في الجهاد برقم (2732).
(3) تفسير الطبري(2/120)، وانظر كتاب الإشراف لابن المنذر (3/383)، دار المدينة.قال ابن منظور: والإِحْصارُ: أَن يُحْصَر الحاج عن بلوغ المناسك بمرض أَو نحوه. وفي حديث الحج: المُحْصَرُ بمرض لا يُحِلُّ حتى يطوف بالبيت؛ هو من ذلك الإِحْصارُ المنع والحبس. لسان العرب . كتاب الإشراف لابن المنذر (3/308)، دار المدينة .
(4) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/386)، دار المدينة .(1/350)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمحصر بمرض أو ذهاب نفقة كالمحصر بعدو، وهو إحدى الروايتين عن أحمد". (1)
وقال ابن حجر في الفتح: قوله: (باب الإحصار في الحج) قال ابن المنير في الحاشية: أشار البخاري إلى أن الإحصار في عهد النبي @ إنما وقع في العمرة، فقاس العلماء الحج على ذلك، وهو من الإلحاق بنفي الفارق وهو من أقوى الأقيسة، قلت: وهذا ينبني على أن مراد ابن عمر بقوله: "سنة نبيكم" قياس من يحصل له الإحصار وهو حاج على من يحصل له في الاعتمار، لأن الذي وقع للنبي@ هو الإحصار عن العمرة، ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله سنة نبيكم وبما بينه بعد ذلك شيئا سمعه من النبي @ في حق من لم يحصل له ذلك وهو حاج، والله أعلم. (2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المشهور من المذهب أن الحصر خاص بمنع العدو، وأما غير العدو فإنه لا إحصار فيه كضياع النفقة والمرض ونحو ذلك.
ثم قال: لكن الصحيح: أنه يشمل الحصر عن إتمام النسك بعدو أو غير عدو.
مسألة: إذا أحصر عن واجب وليس عن ركن، كأن يمنع من الوقوف في مزدلفة فلا يتحلل، لأنه يمكن جبره بالدم، فلا حاجة إلى التحلل فنقول تبقى على إحرامك وتجبر بدم. (3)
باب
ما يفعله المحصر
قال عطاء: من حصر يبعث به إلى الحرم، ويواطىء رجلاً على أن ينحرَه في وقت يتحلل فيه.(4)
وعنه قال: إن كان عليه حج فعليه أن يصل إلى البيت لحج أو عمرة، وإن كان لم يحج فعليه الحج.(5)
باب
لا يحل المحصر حتى يبلغ الحرم فينحر
قال عطاء : لا يحل المُحْصِر بعدوٍّ ولا مرضٍ، حتى يبلغ الهدْيُ الحَرمَ، فَيُنْحَرُ فيه؛ لما وصَفْتُ من ذكْرهم أن النبيَّ @ لم ينحر إلا في الحَرَمِ. (6)
__________
(1) الاختيارات الفقهية (ص119) .
(2) فتح الباري .
(3) الشرح الممتع (3/385-386) .
(4) المغني (5/197) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (3/163) .
(6) كتاب الأم (2/205) .(1/351)
وعن ابنِ أبي نَجيح عن مُجَاهدٍ عنِ ابنِ عبّاسٍ { : إنَّما البَدَلُ على مَن نَقضَ حَجَّهُ بالتَّلذُّذ، فأما مَن حَبسهُ عُذرٌ أو غيرُ ذلكَ فإنهُ يَحِلُّ ولا يَرجِعُ، وإن كان معهُ هَدْيٌ وهوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إن كان لا يَستَطيعُ أن يَبْعَثَ بهِ، وإِنِ استطاعَ أن يَبعَثَ بهِ لم يَحِلَّ حتى يَبْلُغَ الهدْيُ مَحِلَّه، وقال مالكٌ وغيرُه: يَنحرُ هَدْيَهُ ويَحْلِقَ في أيِّ مَوضِع كان ولا قضاءَ عليه، لأنّ النبيّ @ وأصحابَهُ بالحُدَيْبيةِ نَحروا وحَلَقوا وحَلُّوا من كلَّ شيءٍ قبلَ الطوافِ وقبلَ أن يَصِلَ الهَدْيُ إلى البيتِ، ثمَّ لم يُذْكَرْ أنَّ النبيّ @ أمرَ أحداً أن يَقضوا شيئاً ولا يَعودوا له. والحُديبيةُ خارجٌ منَ الحرَم. (1)
وعن عطاء قال: لا يحل المحصر إلا أن ينحر هديه في الحرم . (2)
وعنه إجازة نحر الهدي للمحصر في الحل والحرم .(3)
وقال الشافعي:فإن قال قائلٌ: ما قولُ الله عَزَّ وجَلَّ في الحديبية: { حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحَلَّهُ } .(4) قيل والله أعلم: أما السنة فتدلُّ على أن مَحَلَّهُ في هذا الموضعِ نحره؛ لأن رسول الله نَحَرَ، فِي الحِلِّ، فإن قال: فقد قال الله عزَّ وجلَّ فِي البَدَنِ: { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } . (5)
قيل: ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند البيت العتيقِ، فهو محلها.
__________
(1) صحيح البخاري باب مَن قال: ليسَ على المُحْصَرِ بَدَل .
(2) التمهيد (12/151) .
(3) التمهيد (12/151) .
(4) سورة البقرة (196) .
(5) سورة الحجّ الآية ( 33) .(1/352)
فإن قال: فهل خالفك أحدٌ فِي هَدْي المُحْصَر؟ قيل: نعم؛ عطاءُ بنُ أبي رباحٍ كان يزعمُ أن النبي @ نحر في الحرم. فإن قال: فبأي شيء رَدَدتَّ ذلك، وخَبَرُ عطاءٍ، وإن كان منقطعاً شبيهٌ بخبرِكَ عن أهل المغازِي؟. قلتُ: عطاء وغيره يَذْهَبُوْنَ إلى أن مَحِلَّ الهدى. وغيره ممن خالفنا يقول: لا يحل المُحْصِر بعدوٍّ ولا مرضٍ، حتى يبلغ الهدْيُ الحَرمَ، فَيُنْحَرُ فيه؛ لما وصَفْتُ من ذكْرهم أن النبيَّ @ لم ينحر إلا في الحَرَمِ. (1)
قال القرطبي : قال عطاء وغيره: المُحْصَر بمرض كالمُحْصَر بعدوّ. (2)
قوله تعالى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } قال ابن قتيبة: يقال: أحصره المرض والعدو إذا منعه من السفر، ومنه هذه الآية. وحصره العدو إذا ضيق عليه وقال الزجاج: يقال للرجل إذا حبس قد حصر فهو محصور. وللعلماء في هذا الإحصار قولان أحدهما: أنه لا يكون إلا بالعدو ولا يكون المريض محصرا، وهذا مذهب ابن عمر، وابن عباس، و أنس، ومالك، والشافعي، و أحمد ويدل عليه قوله { فَإِذَا أَمِنتُمْ } . والثاني: أنه يكون بكل حابس من مرض أو عدو أو عذر، وهو قول عطاء، و مجاهد، وقتادة، وأبي حنيفة . (3)
__________
(1) كتاب الأم (2/205) .
(2) تفسير القرطبي (2/365) .
(3) زاد المسير سورة البقرة .(1/353)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المحصر عن البيت مطلقا لعذر فانه يتحلل من إحرامه ولكن لم يسقط الفرض عنه بل هو باق في ذمته باتفاق العلماء ولو كان قد أحرم بتطوع من حج أو عمرة فأحصر فهل عليه قضاؤه على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد، أشهرهما عنه انه لا قضاء عليه، وهو قول مالك والشافعي، والثاني عليه القضاء، وهو قول أبي حنيفة، وكل من الفريقين احتج بعمرة القضية، هؤلاء قالوا قضاها النبي، وأولئك قالوا لم يقضها المحصرون معه فانهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة والذين اعتمروا معه عمرة القضية في العام القابل كانوا دون ذلك بكثير، وقالوا سميت عمرة القضية لأنه قاضى عليها المشركين لا لكونه قضاها، وإنما كانت عمرة قائمة بنفسها. اهـ. (1)
وقال ابن قيم الجوزية: وفي ذبحه -@- بالحديبية وهي من الحل بالاتفاق، دليلٌ على أن المحصرَ ينحر هديه حيث أحصرَ من حل أو حَرَم، وهذا قول الجمهور وأحمد، ومالك، والشافعي. وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى، أنه ليس له نحر هديه إلا في الحرم، فيبعثه إلى الحرم، ويواطىء رجلاً على أن ينحرَه في وقت يتحلل فيه، وهذا يروى عن ابن مسعود >، وجماعة من التابعين، وهو قول أبي حنيفة، وهذا إن صح عنهم فينبغي حمله على الحصر الخاص، وهو أن يتعرضَ ظالمٌ لجماعة أو لواحد، وأما الحصر العام، فالسنة الثابتة عن رسول الله تدلّ على خلافه. والحديبية من الحل باتفاق الناس، وقد قال الشافعي: بعضها من الحل وبعضها من الحرم. قلت؛ ومراده أن أطرافها من الحرم وإلا فهي من الحل باتفاقهم.اهـ. (2)
والراجح أنه ينحر في مكان إحصاره .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: يذبحه عند الإحصار، وفي مكان الإحصار. (3)
باب
المحصر الذي لا يجد الهدي يتصدق بطعام وإن لم يجد صام
__________
(1) مجموع الفتاوى ( 26/226) .
(2) زاد المعاد (1/133) .
(3) الشرح الممتع (3/249) .(1/354)
قال عطاء بن أبي رباح في المحصر الذي لا يجد الهدي : قوم الهدي طعاماً وتصدق به على المساكين فإن لم يكن عنده طعام صام لكل نصف صاع يوماً. (1)
وعن ابن جريج عن عطاء قال : يصوم عشرة أيام . (2)
وقال صاحب تحفة الفقهاء: المحصر إذا لم يجد الهدي، ولا ثمن الهدي، لا يحل بالإطعام والصوم، بل يبقى محرماً إلى أن يجد الهدي. فيذبح عنه في الحرم بأمره، أو، متى زال الإحصار، فيذهب إلى مكة، فيحج إن بقي وقت الحج، وإن فات وقت الحج فيتحلل بأفعال العمرة، هذا هو المشهور من قولنا.
وقال عطاء بن أبي رباح: يحل بالإطعام ثم بالصوم، بأن يقوم الهدي طعاماً، فيتصدق به على المساكين، وإن لم يجد الطعام: يصوم لكل نصف صاع يوماً
وبه أخذ أبو يوسف في رواية.
وقال الشافعي، في قول يحل بالصوم، ويصوم ثلاثة أيام في الحج، ويصوم سبعة أيام بعدها، كما في المتمتع والقارن.
وفي قول: يطعم، وإن فات. (3)
باب
إحصار المرأة بالطلاق
عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المرأة تهلّ بالحج فيمنعها زوجها قال: هي بمنزلة المحصر . (4)
وعن عطاء قال فيمن أحرمت فحلف زوجها بالطلاق الثلاث أن لا تحج قال: الطلاق هلاك هي بمنزلة المحصر. (5)
باب
هدي الإحصار لمن جمع بين الحج والعمرة
عن عطاء قال: عليه هدي . (6)
عن ليث عن طاوس وعطاء قالا : إذا جمع بين عمرة وحج فحبسه مرض أجزأه لهما هدي واحد . (7)
وعن حجاج عن عطاء قال: يشترك المحصورون والمتمتعون في البدنة عن سبعة .
باب
الأكل من هدي الإحصار
__________
(1) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/116)، وتحفة الفقهاء (1/418) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/277) .
(3) تحفة الفقهاء (1/418) .
(4) كتاب الأم للشافعي (2/129) .
(5) المغني (5/433) .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (3/136) .
(7) المصنف لابن أبي شيبة (3/136)، المحلى (5/224) .(1/355)
عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: كُلْ من التطوع والتمتع وهدي الإحصار والنذر إذا لم تسمِّ . (1)
باب
في رجل أحصر بالحج فبعث بهدي فلم ينحر حتى حل
عن هشيم عن حجاج عن عطاء قال : عليه هدي آخر . (2)
وعن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وعطاء, عن ابن عباس أنه قال: الحصر: حصر العدوّ, فيبعث الرجل بهديته, فإن كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو, فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة, فإنه يبعث بها ويحرم قال محمد بن عمرو, قال أبو عاصم: لا ندري قال يحرم أو يحلّ من يوم يواعد فيه صاحب الهدي إذا اشترى, فإذا أمن فعليه أن يحجّ أو يعتمر, فإذا أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي, فإنه يحلّ حيث يحبس, فإن كان معه هدي فلا يحلّ حتى يبلغ الهدي محله, فإذا بعث به فليس عليه أن يحجّ قابلاً, ولا يعتمر إلا أن يشاء. (3)
وعن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وعطاء, عن ابن عباس, قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه إذا كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو, فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة, فإنه يبعث بها مكانه, ويواعد صاحب الهدي. فإذا أمن فعليه أن يحج ويعتمر. فإن أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي, فإنه يحل حيث يحبس, وإن كان معه هدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله إذا بعث به, وليس عليه أن يحج قابلاً ولا يعتمر إلا أن يشاء. (4)
وعلة من قال هذه المقالة, أن محل الهدايا والبدن الحرم أن الله عز وجل ذكر البدن والهدايا فقال: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ فإنّها مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ لَكُمْ فِيها مَنافعُ إلى أجَلٍ مُسَمّى ثُمّ مَحِلّها إلى البَيْتِ العَتِيقِ, فجعل محلها الحرم, ولا محلّ للهدي دونه. (5)
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (3/401) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (3/265) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (3/265) .
(4) المصنف لابن أبي شيبة .
(5) المصنف لابن أبي شيبة .(1/356)
وعن ابن أبي نجيح, قال: سمعت عطاء يقول: من حبس في عمرته, فبعث بهدية فاعترض لها فإنه يتصدّق بشيء أو يصوم, ومن اعترض لهديته, وهو حاجّ, فإن محلّ الهدي والإحرام يوم النحر, وليس عليه شيء. (1)
وعن ابن أبي نجيح, عن عطاء, مثله. (2)
واختلفوا فيما يجب على المحصر إذا حل ورجع من القضاء، فقال مجاهد، والشعبي، وعكرمة: عليه حج قابل.
وقال النخعي، وأصحاب الرأي: عليه حجة وعمرة.
وقال عطاء: إن شاء جاء بعمرة، وإن شاء جاء بحجة، والحج أحب إليّ. (3)
ذكر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بعض البدع التي تقع من الحجاج والمعتمرين ظنا منهم أنها ليست بدعا، بل من الدين دون علم منهم لِلَّهِ فأحببنا أن نضعها بين يدي القارئ الكريم لكي يحذرها ويجتنبها، ويأتي الأجر لمن كتبها ونقلها وقرأها بإذن الله تعالى وفضله.
... قال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - :"كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله $ فلا تعبدوها. وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - : "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق .
فهنيئا لمن وفقه الله للإخلاص له في عبادته واتباع سنة نبيه $ ولم يخالطها ببدعة إذا فليبشر بتقبل الله عز وجل لطاعته وإدخاله إياه في جنته. جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة .
(2) المصنف لابن أبي شيبة .
(3) كتاب الإشراف لابن المنذر (3/387)، دار المدينة .(1/357)
واعلم أن مرجع البدع المشار إليها إلى أمور :الأول: أحاديث ضعيفة لا يجوز الاحتجاج بها ولا نسبتها إلى النبي $ ومثل هذا لا يجوز العمل به عندنا على ما بينته في مقدمة ( صفة صلاة النبي $) وهو مذهب جماعة من أهل العلم كابن تيمية وغيره. الثاني: أحاديث موضوعة أو لا أصل لها خفي أمرها على بعض الفقهاء فبنوا عليها أحكاما هي من صميم البدع ومحدثات الأمور. الثالث: اجتهادات واستحسانات صدرت من بعض الفقهاء خاصة المتأخرين منهم لم يدعموها بأي دليل شرعي بل ساقوها مساق المسلمات من الأمور حتى صارت سننا تتبع ولا يخفى على المتبصر في دينه أن ذلك مما لا يسوغ اتباعه إذ لا شرع إلا ما شرعه الله تعالى وحسب المستحسن إن كان مجتهدا أن يجوز له هو العمل بما استحسنه وأن لا يؤاخذه الله به أما أن يتخذ الناس ذلك شريعة وسنة فلا ثم لا . فكيف وبعضها مخالف للسنة العملية كما سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى؟الرابع: عادات وخرافات لا يدل عليها الشرع ولا يشهد لها عقل وإن عمل بها بعض الجهال واتخذوها شرعة لهم ولم يعدموا من يؤيدهم ولو قي بعض ذلك ممن يدعي أنه من أهل العلم ويتزيا بزيهم ثم ليعلم أن هذه البدع ليست خطوتها في نسبة واحدة بل هي على درجات فبعضها شرك وكفر صريح كما سترى وبعضها دون ذلك ولكن يجب أن يعلم أن أصغر بدعة يأتي الرجل بها في الدين هي محرمة بعد تبين كونها بدعة فليس في البدع كما يتوهم بعضهم ما وهو في رتبة المكروه فقط كيف ورسول الله $ يقول :"كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" أي صاحبها وقد حقق هذا أتم تحقيق الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العظيم (الاعتصام) ولذلك فأمر البدعة خطير جدا لا يزال أكثر الناس في غفلة عنه ولا يعرف ذلك إلا طائفة من أهل العلم وحسبك دليلا على خطورة البدعة قوله $:إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته".(1/358)
رواه الطبراني والضياء المقدسي في (الأحاديث المختارة) وغيرهما بسند صحيح وحسنه المنذري.
وأختم هذه الكلمة بنصيحة أقدمها إلى القراء من إمام كبير من علماء المسلمين الأولين وهو الشيخ حسن بن علي البربمهار وهو مخرج في سلسلة الأحاديث الصحيحة(1620) من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله المتوفى سنة (329) قال رحمه الله تعالى: (واحذر من صغار المحدثات فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطيع المخرج منها فعظمت وصارت دينا يدان به فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخل في شيء منه حتى تسأل وتنظر : هل تكلم فيه أحد من أصحاب الرسول $ أو أحد من العلماء ؟ فإن أصبت أثرا عنهم فتمسك به ولا تجاوزه لشيء ولا تختر عليه شيء فتسقط في النار. واعلم رحمك الله أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعا ومصدقا مسلما، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله $ فقد كذبهم وكفى بهذا فرقة وطعنا عليهم فهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس فيه .
قلت: ورحم الله الإمام مالك حيث قال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا .وصلى الله على نبينا القائل :"ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به وما تركت شيئا يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.(1/359)
بدع ما قبل الإحرام: الإمساك عن السفر في شهر صفر وترك ابتداء الأعمال فيه من النكاح والبناء وغيره ترك السفر في محاق الشهر وإذا كان القمر في العقرب ترك تنظيف البيت وكنسه عقب السفر المسافر صلاة ركعتين حين الخروج إلى الحج يقرأ في الأولى بعد الفاتحة و { قل يا أيها الكافرون } وفي الثانية (الإخلاص) فإذا فرغ قال : (اللهم بك انتشرت وإليك توجهت)، ويقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص ةالمعوذتين وغير ذلك مما جاء في بعض الكتب الفقهية. صلاة أربع ركعات قراءة المريد للحج إذا خرج من منزله آخر سورة (آل عمران) وآية الكرسي و { أنا أنزلناه } و (أم الكتاب) بزعم أن فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة الجهر بالذكر والتكبير عند تشييع الحجاج وقدومهم. الأذان عند توديعهم. المحمل والاحتفال بكسوة الكعبة .
توديع الحجاج من قبل بعض الدول بالموسيقى. السفر وحده أنسا بالله تعالى كما يزعم بعض الصوفية. السفر من غير زاد لتصحيح دعوى التوكل. السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين .
عقد الرجل على المرأة المتزوجة إذا عزمت على الحج وليس معها محرم يعقد عليها ليكون معها كمحرم .
مؤاخاة المرأة للرجل الأجنبي ليصير بزعمهما محرما لها ثم تعامله كما تعامل محارمها
سفر المرأة مع عصبة من النساء الثقات بزعمهن بدون محرم ومثله أن يكون مع إحداهن محرم فيزعمن أنه محرم عليهن جميعا. أخذ المكس من الحجاج القاصدين لأداء فريضة الحج
صلاة المسافر ركعتين كلما نزل منزلا وقوله: اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين(1/360)
وقد قضي على هذه البدعة والحمد لله منذ سنين ولكن لا يزال في مكانها البدعة التي بعدها وفي الباجوري على ابن القاسم (1/41). ويحرم التفرج على المحمل المعروف وكسوة مقام إبراهيم ونحوه. وهذا والذي بعده من أخبث البدع لما فيه من الاحتيال على الشرع والتعرض للوقوع في الفحشاء كما لا يخفى أي ضريبة الجمارك. قراءة المسافر في كل منزل ينزله سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة وآية الكرسي مرة وآية { وما قدروا الله حق قدره } مرة الأكل من فحا (يعني البصل) كل أرض يأتيها المسافر. قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ولم تستحب الشريعة ذلك مثل المواضع التي يقال: إن فيها أثر النبي $ كما يقال في صخرة بيت المقدس ومسجد القدم قبلي دمشق وكذلك مشاهد الأنبياء والصالحين . شهر السلاح عند قدوم تبوك.
بدع الإحرام والتلبية وغيرها. اتخاذ نعل خاصة بشروط معينة معروفة في بعض الكتب
الإحرام قبل الميقات. الاضطباع عند الإحرام. التلفظ بالنية. الحج صامتا لا يتكلم.. التلبية جماعة في صوت واحد. التكبير والتهليل بدل التلبية. القول بعد التلبية : اللهم إني أريد الحج فيسره لي وأعني
وقد صح عن عمر - رضي الله عنه - أنه رأى الناس في حجته يبتدرون إلى مكان فقال: ما هذا ؟ فقيل: مسجد صلى فيه رسول الله $ فقال: هكذا هلك أصحاب الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا من عرضت له منكم فيها الصلاة فليصل وإلا فلا يصل على أداء فرضه وتقبله مني اللهم إني نويت أذاء فريضتك في الحج فاجعلني من الذين استجابوا لك . قصد المساجد التي بمكة وما حولها غير المسجد الحرام كالمسجد الذي تحت الصفا وما في سفح أبي قبيس ومسجد المولد ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي $.
قصد الجبال والبقاع التي حول مكة مثل جبل حراء والجبل الذي عند منى الذي يقال : إنه كان فيه الفداء ونحو ذلك. قصد الصلاة في مسجد عائشة ب (التنعيم . التصلب أمام البيت .(1/361)
بدع الطواف: الغسل للطواف. لبس الطائف الجورب أو نحوه لئلا يطأ على ذرق الحمام وتغطية يديه لئلا يمس امرأة. صلاة المحرم إذا دخل المسجد الحرام تحية المسجد .
قوله: نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا كذا. رفع اليدين عند استلام الحجر كما يرفع للصلاة.
التصويت بتقبيل الحجر الأسود . وهو فيما يبدو مسح الوجه والصدر باليدين على الوجه التصليب
وإنما تحيته الطواف ثم الصلاة خلف المقام كما تقدم عنه $ من فعله. وانظر (القواعد النورانية) لابن تيمية 101. المزاحمة على تقبيله ومسابقة الإمام بالتسليم في الصلاة لتقبيله
تشمير نحو ذيله عند استلام الحجر أو الركن اليماني .قولهم عند استلام الحجر: اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك.القول عند استلام الحجر: اللهم إني أعوذ بك من الكبر والفاقة مراتب الخزي في الدنيا والآخرة
وضع اليمنى على اليسرى حال الطواف .القول قبالة باب الكعبة: اللهم إن البيت بيتك والحرم حرمك والأمن أمنك وهذا مقام العائد بك من النار مشيرا إلى مقام إبراهيم عليه السلام.
الدعاء عند الركن العراقي: اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وسوء المنقلب في المال والأهل والولد.الدعاء تحت الميزاب:اللهم أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك.. إلخ
الدعاء في الرمل: اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور. وفي الأشواط الأربعة الباقية: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.
تقبيل الركن اليماني. تقبيل الركنين الشاميين والمقام واستلامهما .التمسح بحيطان الكعبة والمقام.(1/362)
التبرك ب (العروة الوثقى: وهو موضع عال من جدار البيت المقابل لباب البيت تزعم العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى.مسمار في وسط البيت سموه سرة الدنيا يكشف أحدهم عن سرته ويتبطح بها على ذلك الموضع حتى يكون واضعا سرته على سرة الدنيا .قصد الطواف تحت المطر بزعم أن من فعل ذلك غفر له ما سلف من ذنبه. التبرك بالمطر النازل من ميزاب الرحمة من الكعبة. ترك الطواف بالثوب القذر .إفراغ الحاج سؤره من ماء زمزم في البئر وقوله : اللهم إني أسألك رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء. اغتسال البعض من زمزم. اهتمامهم بزمزمة لحاهم وزمزمة ما معهم من النقود والثياب لتحل بها البركة . ما ذكر في بعض كتب أنه يتنفس في شرب ماء زمزم مرات ويرفع بصره في كل مرة وينظر إلى البيت.
بدع السعي بين الصفا والمروة. الوضوء لأجل المشي بين الصفا والمروة بزعم أن من فعل ذلك كتب له بكل قدم سبعون ألف درجة. الصعود على الصفا حتى يلصق بالجدار.
الدعاء في هبوطه من الصفا : اللهم استعملني بسنة نبيك وتوفني على ملته وأعذني من مضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين. القول في السعي : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأغر الأكرم اللهم اجعله حجا مبرورا أو عمرة مبرورة وذنبا مغفورا الله أكبر ثلاثا . . . إلخ 9
السعي أربعة عشرة شوطا بحيث يختم على الصفا. تكرار السعي في الحج أوالعمرة . صلاة ركعتين بعد الفراغ من السعي .استمرارهم في السعي بين الصفا والمروة وقد أقيمت الصلاة حتى تفوتهم صلاة الجماعة
التزام دعاء معين إذا أتى منى كالذي في (الإحياء) (اللهم هذه منى فامنن علي بما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك) . وإذا خرج منها : (اللهم اجعلها خير غدوة غدوتها قط .) إلخ
بدع عرفة: الوقوف على جبل عرفة في اليوم الثامن ساعة من الزمن احتياطا خشية الغلط في الهلال
إيقاد الشمع الكثير ليلة عرفة بمنى . الدعاء ليلة عرفة بعشر كلمات ألف مرة : سبحان الذي.(1/363)
نعم قد صح منه موقوفا على ابن مسعود وابن عمر : رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم
في السماء عرشه سبحان الذي في الأرض موطئه سبحان الذي في البحر سبيله . . . إلخ
رحيلهم في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رحلة واحدة
الرحيل من منى إلى عرفة ليلا . إيقاد النيران والشموع على جبل عرفات ليلة عرفة
الاغتسال ليوم عرفة. قوله إذا قرب من عرفات ووقع بصره على جبل الرحمة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. قصد الرواح إلى عرفات قبل دخول وقت الوقوف بانتصاف يوم عرفة
التهليل على عرفات مئة مرة ثم قراءة سورة الإخلاص مئة مرة ثم الصلاة عليه $ يزيد في آخرها : وعلينا معهم مئة مرة . السكوت على عرفات وترك الدعاء. الصعود إلى جبل الرحمة في عرفات.
دخول القبة التي على جبل الرحمة ويسمونها : قبة آدم والصلاة فيها والطواف بها كطوافهم بالبيت
اعتقاد أن الله تعالى ينزل عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان ويعانق المشاة )
خطبة الإمام في عرفة خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما في الجمعة
صلاة الظهر والعصر قبل الخطبة. الأذان للظهر والعصر في عرفة قبل أن ينتهي الخطيب من خطبته
قول الإمام لأهل مكة بعد فراغه من الصلاة في عرفة : أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر
التطوع بين صلاة الظهر والعصر في عرفة. تعيين ذكر أو دعاء خاص بعرفة كدعاء الخضر عليه السلام الذي أورده في ( الإحياء ) وأوله : ( يا من لا يشغله شأن عن شأن ولا سمع عن سمع . . . ) وغيره من الأدعية وبعضها يبلغ خمس صفحات من قياس كتابنا هذا. إفاضة البعض قبل غروب الشمس. ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة عرفة يوم الجمعة تعدل اثنتين وسبعين حجة. التعريف الذي يفعله بعض الناس من قصد الاجتماع عشية يوم عرفة في الجوامع أو في مكان خارج البلد فيدعون ويذكرون مع رفع الصوت الشديد والخطب والأشعار ويتشبهون بأهل عرفة.(1/364)
بدع المزدلفة: الإيضاع ( الإسراع ) وقت الدافع من عرفة إلى مزدلفة . الاغتسال للمبيت بمزدلفة. استحباب نزول الراكب ليدخل مزدلفة ماشيا توقيرا للحرم. التزام الدعاء بقوله إذا بلغ مزدلفة : اللهم إن هذه مزدلفة جمعت فيها ألسنة مختلفة نسألك حوائج مؤتنفة . . إلخ ما في ( الإحياء.
ترك المبادرة إلى صلاة المغرب فور النزول في المزدلفة والانشغال عن ذلك بلقط الحصى
صلاة سنة المغرب بين الصلاتين أو جمعها إلى سنة العشاء والوتر بعد الفريضتين كما يقول الغزالي
زيادة الوقيد ليلة النحر وبالمشعر الحرام. إحياء هذه الليلة. الوقوف بالمزدلفة بدون بيات. التزام الدعاء إذا انتهى إلى المشعر الحرام بقوله : اللهم بحق المشعر الحرام والبيت الحرام والركن والمقام أبلغ روح محمد منا التحية والسلام وأدخلنا دار السلام يا ذا الجلال والإكرام . قول الباجوري (318) : ويسن أخذ الحصى الذي يرميه يوم النحر من المزدلفة وهي سبع والباقي من الجمرات تؤخذ من وادي محسر.
بدع الرمي: الغسل لرمي الجمار. هذا الدعاء مع كونه محدثا ففيه ما يخالف السنة وهو التوسل إلى الله بحق المشعر الحرام والبيت . . . . وإنما يتوسل إليه تعالى بأسمائه وصفاته وقد نص الحنفية على كراهية القول: اللهم إني أسألك بحق المشعر الحرام . . . إلخ كما في (حاشية ابن عابدين) وغيرها وانظر كتابنا ( التوسل : أنواعه وأحكامه . غسل الحصيات قبل الرمي. التسبيح أو غيره من الذكر مكان التكبير. الزيادة على التكبير قولهم : رغما للشيطان وحزبه اللهم اجعل حجي مبرورا وسعيي مشكورا وذنبي مغفورا اللهم إيمانا بكتابك واتباعا لسنة نبيك. قول بعض المتأخرين: ويسن أن يقول مع كل حصاة عند الرمي: بسم الله والله أكبر صدق الله وعده . . . إلى قوله { ولو كره الكافرون .(1/365)
التزام كيفيات معينة للرمي كقول بعضهم : يضع طرف إبهامه اليمنى على وسط السبابة ويضع الحصاة على ظهر الإبهام كأنه عاقد سبعين فيرميها. وقال آخر : يحلق سبابته ويضعها على مفصل إبهامه كأنه عاقد عشرة. تحديد موقف الرامي : أن يكون بينه وبين المرمى خمسة أذرع فصاعدا. رمي الجمرات بالنعال وغيرها.
بدع الذبح والحلق: لرغبة عن ذبح الواجب من الهدي إلى التصدق بثمنه بزعم أن لحمه يذهب في التراب لكثرته ولا يستفيد منها إلا القليل، ذا من أخبث البدع لما فيه من تعطيل الشرع المنصوص عليه في الكتاب والسنة بمجرد الرأي مع أن المسؤول عن عدم الاستفادة التامة منها إنما هم الحجاج أنفسهم لأنهم لا يلتزمون في الذبح توجيهات الشارع الحكيم .ذبح بعضهم هدي التمتع بمكة قبل يوم النحر
البدء بالحلق بيسار رأس المحلوق. الاقتصار على حلق ربع الرأس.
قول الغزالي في ( الإحياء ) : ( والسنة أن يستقبل القبلة في الحق .
الدعاء عند الحق بقوله: الحمد لله على ما هدانا وأنعم علينا اللهم هذه ناصيتي بيدك فتقبل مني . . .) إلخ
الطواف بالمساجد التي عند الجمرات. استحباب صلاة العيد بمنى يوم النحر. ترك المتمتع السعي بعد طواف الإفاضة.
بدع متنوعة:الاحتفال بكسوة الكعبة. كسوة مقام إبراهيم. رابط الخرق بالمقام والمنبر لقضاء الحاجات
كتابة الحجاج أسماءهم على عمد وحيطان الكعبة وتوصيتهم بعضهم بذلك
استباحتهم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام ومقاومتهم للمصلي الذي يدفعهم
مناداتهم لمن حج ب ( الحاج. الخروج من مكة لعمرة تطوع.
الخروج من المسجد الحرام بعد الطواف الوداع على القهقرى.
تبييض بيت الحجاج بالبياض (الجير) ونقشه بالصور وكتب اسم الحاج وتاريخ حجه عليه(1/366)
بدع الزيارة في المدينة المنورة. هذا ولما كان من السنة شد الرحل إلى زيارة المسجد النبوي الكريم والمسجد الأقصى أعاده الله إلى المسلمين قريبا لما ورد في ذلك من الفضل والأجر وكان الناس عادة يزورونهما قبل الحج أو بعده وكان الكثير منهم يرتكبون في سبيل ذلك العديد من المحدثات والبدع المعروفة عند أهل العلم رأيت من تمام الفائدة أن أسرد ما وقفت عليه منها تبليغا وتحذيرا فأقول :
قصد قبره $ بالسفر . والسنة قصد المسجد لقوله $: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد . . .) الحديث فإذا وصل إليه وصلي التحية زار قبره $.
ويجب أن يعلم أن شد الرحل لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام وغيره شيء والزيارة بدون شد الرحل شيء آخر خلافا لما شاع عند المتأخرين وفيهم بعض الدكاترة من الخلط بينهما ونسبتهم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى خصوصا والسلفيين عموما أنهم ينكرون مشروعية زيارة قبر الرسول $ فهو إفك مبين . وراجع التفصيل إن شئت في ردنا على الدكتور البوطي الذي نشر تباعا في مقالات متسلسلة في مجلة التمدن الإسلامية .ثم صدرت في رسالة خاصة بعنوان (دفاع عن الحديث النبوي . . .) وقد أعيد طبعها بالأوفست قريبا والحمد لله. إرسال العرائض مع الحجاج والزوار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتحميلهم سلامهم إليه. الاغتسال قبل دخول المدينة المنورة.
القول إذا وقع بصره على حيطان المدينة : اللهم هذا حرم رسولك فاجعله لي وقاية من النار وأمانا من العذاب وسوء الحساب. القول عند دخول المدينة: بسم الله وعلى ملة رسول الله: { رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وأجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. إبقاء القبر النبوي في مسجده
زيارة قبره $ قبل الصلاة في مسجده.(1/367)
استقبال بعضهم القبر بغاية الخشوع واضعا يمينه على يساره كما يفعل في الصلاة فريبا منه أو بعيدا عند دخول المسجد أو الخروج منه. قصد استقبال القبر أثناء الدعاء. قصد القبر للدعاء عنده رجاء الإجابة
التوسل به $ إلى الله في الدعاء. طلب الشفاعة وغيرها منه
قول ابن الحاج في ( المدخل ) ( 1 / 159 ) أن من الأدب :أن لا يذكر حوائجه ومغفرة ذنوبه بلسانه عند زيارة قبره $ لأنه أعلم منه بحوائجه ومصالحه . قوله أيضا (1/264): (لا فرق بين موته عليه السلام وحياته في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وتحسراتهم وخواطرهم .
وضعهم اليد تبركا على شباك حجر قبره $ وحلف بعضهم بذلك بقوله : وحق الذي وضعت يدك شباكه وقلت : الشفاعة يا رسول الله. وتقبيل القبر أو استلامه أو ما يجاور القبر من عود ونحوه
التزام صورة خاصة في زيارته $ وزيارة صاحبيه والتقيد بسلام ودعاء خاص مثل قول الغزالي: ( يقف عند وجهه $ ويستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر . . . . ويقول : السلام عليك يا رسول الله . . . ) فذكر سلاما طويلا ثم صلاة ودعاء نحو ذلك في الطول قريبا من ثلاث صفحات .
قصد الصلاة تجاه قبره . الجلوس عند القبر وحوله للتلاوة والذكر.
وقد أحسن الغزالي رحمه الله تعالى حين أنكر التقبيل المذكور وقال (1/244): (إنه عادة النصارى واليهود). فهل من معتبر؟ والمشروع هو : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا عمر كما كان ابن عمر يفعل فإن زاد شيئا يسيرا مما يلهمه ولا يلتزمه فلا بأس عليه إن شاء الله تعالى. قصد القبر النبوي للسلام عليه دبر كل صلاة .
قصد أهل المدينة زيارة القبر النبوي كلما دخلوا المسجد أو خرجوا منه.
رفع الصوت عقب الصلاة بقولهم : السلام عليك يا رسول الله
تبركهم بما يسقط مع المطر من قطع الدهان الأخضر من قبة القبر النبوي
تقربهم بأكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة بين المنبر والقبر(1/368)
قطعهم من شعورهم ورميها في القنديل الكبير القريب من التربية النبوية
مسح البعض بأيديهم النخلتين النحاسيتين الموضوعتين في المسجد غربي المنبر .
التزام الكثيرين الصلاة في المسجد القديم وإعراضهم عن الصفوف الأولى التي في زيادة عمر وغيره.وهذا مع كونه بدعة وغلوا في الدين ومخالفا لقوله عليه الصلاة والسلام :لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني ) فإنه سبب لتضييع سنن كثيرة وفضائل غزيرة ألا وهي الأذكار والأوراد بعد السلام فإنهم يتركونها ويبادرون إلى هذه البدعة. فرحم الله من قال: ما أحدثت بدعة إلا وأميتت سنة.ولا فائدة مطلقا من هاتين النخلتين وإنما وضعتا للزينة ولفتنة الناس وقد أزيلتا أخيرا والحمد لله. التزام زوار المدينة الإقامة فيها أسبوع حتى يتمكنوا من الصلاة في المسجد النبوي أربعين صلاة لتكتب لهم براءة من النفاق وبراءة من النار . قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة وما حولها
بعد مسجد النبي $ إلا مسجد قباء. تلقين من يعرفون ب "المزورين" جماعات الحجاج بعض الأذكار والأوراد عند الحجرة أو بعيدا عنها بالأصوات المرتفعة وإعادة هؤلاء ما لقنوا بأصوات أشد منها. زيارة البقيع كل يوم والصلاة في مسجد فاطمة رضي الله عنها. تخصيص يوم الخميس لزيارة شهداء أحد
ربط الخرق بالنافذة المطلة على أرض الشهداء. التبرك بالاغتسال في البركة التي كانت بجانب قبورهم(1/369)
الخروج من المسجد النبوي على القهقرى عند الوداع. والحديث الوارد في ذلك ضعيف لا تقوم به حجة وقد بينت علته في (السلسلة الضعيفة364) فلا يجوز العمل به لأنه تشريع لا سيما وقد يتحرج من ذلك بعض الحجاج كما علمت ذلك بنفسي ظنا منهم أن الوارد فيه ثابت صحيح وقد تفوته بعض الصلوات فيه فيقع في الحرج وقد أراحه الله منه. وقد ذهب بعض الأفاضل إلى تقوية الحديث المشار إليه اعتمادا منه على توثيق ابن حبان لأحد رواته المجهولين وهذا التوثيق مما لا يعتد به أهل العلم بالجرح والتعديل ومنهم الفاضل المشار إليه نفسه كما صرح هو بذلك في رده على الشيخ الغماري في مجلة (الجامعة السلفية) التي تصدر في الهند . وراجع لهذا كتاب الشيخ عبد العزيز الربيعان في الرد عليه فإنه قد أجاد فيه وأفاد وبين فيه وهاء ما ذهب إليه من التقوية وتناقضه في ذلك.
بدع بيت المقدس: قصد زيارة بيت المقدس مع الحج وقولهم : قدس الله حجتك
الطواف بقبة الصخرة تشبها بالطواف بالكعبة. تعظيم الصخرة بأي نوع من أنواع التعظيم كالتمسح بها وتقبيلها وسوق الغنم إليها لذبحها هناك والتعريف بها عشية عرفة والبناء عليها ن وغير ذلك
زعمه أن هناك على الصخرة أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأثر عمامته ومنهم من يظن أنه موضع قدم الرب سبحانه وتعالى. زيارتهم المكان الذي يزعمون أنه مهد عيسى عليه السلام
زعمهم أن هناك الصراط والميزان وأن السور الذي يضرب به بين الجنة والنار هو ذلك الحائط المبني شرقي المسجد. تعظيم السلسلة أو موضعها. الصلاة عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام
الاجتماع في موسم الحج لإنشاد الغناء والضرب بالدف في المسجد الأقصى
وهذا آخر ما تيسر جمعه من بدع الحج والزيارة أسأله تبارك وتعالى أن يجعل ذلك عونا للمسلمين على اقتفاء أثر سيد المرسلين والاهتداء بهديه. و "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك "
الخاتمة(1/370)
وبعد فهذا ما يسره الله لي من جمع وترتيب وتحليل تضمنتها فصول هذا الكتاب الذي سميته فتاوى عطاء في الحج . فما كان فيه من صواب فهو من فضل الله عليَّ، فله الحمد حتى يرضى، وله الحمد بعد الرضى ، وما كان فيه من خطأ فأستغفر الله تعالى وأتوب إليه والله ورسوله برئ منه، وحسبي أني كنت حريصاً أن لا أقع في الخطأ، وأدعو الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب إخواني المسلمين وأن يذكرني من يقرأه في دعائه فإن دعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب مستجابة إن شاء الله تعالى، وأختم هذا الكتاب بقول الله تعالى: { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } سورة الحج.
ونذكر أخواننا في الله أنه كان @ إذا قفل من حج أو عمرة يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".(1)
وبهذا تم الكتاب، ولله الحمد والمنَّة، فهذا هو جهدنا وهو جُهدُ المُقِلِّ، وهذه مقدرتُنا، فنسألُ الله العظيمَ أنْ ينفعَ بِه المسلمينَ، وأن يكونَ زاداً يَتزوّدون بهِ في يومِ المعاد ... اللهم آمين. وآخرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ لله رَبِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمُرسلين محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبِه أَجْمَعينَ .
__________
(1) الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ولفظه: قال:"كان رسول الله @ إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى عل ثنية أو فدفد كبر ثلاثاً ثم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهو الأحزاب وحده " . قفل : أي رجع . وأوفى : أي ارتفع وعلا . والثنية : هي المكان المرتفع أو الطريق العالي. والفدفد: هو الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع ، وقيل هو الفلاة من الأرض .(1/371)
كتبه العبد الفقير الراجي عفو ربه
ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
مصادر الكتاب
1- القرآن الكريم.
2- موطأ الإمام مالك .
3- مسند الإمام أحمد .
4- صحيح البخاري.
5- صحيح مسلم.
6- مستدرك الحاكم.
7- سنن الدارمي .
8- مسند أبي يعلى .
9- فتح الباري .
10- شرح صحيح مسلم للنووي .
11- تفسير الطبري.
12- تفسير القرآن العظيم لابن كثير .
13- تفسير القرطبي .
14- تفسير الجلالين .
15- أحكام القرآن .
16- تفسير السعدي.
17- طبقات المفسرين للداودي .
18- مصنف عبد الرزاق .
19- مصنف ابن أبي شيبة .
20- مجمع الزوائد للهيثمي .
21- مستدرك الحاكم.
22- عمل اليوم والليلة لابن السني .
23- شعب الإيمان للبيهقي .
24- موارد الظمآن.
25- فيض القدير .
26- سنن النسائي .
27- سنن أبي داود .
28- زوائد البوصيري .
29- المنة الكبرى شرح السنن الصغرى للبيهقي .
30- معالم السنن على حاشية سنن أبي داود .
31- المعجم الكبير.
32- المعجم الأوسط .
33- المعجم الصغير.
34- الطحاوي في مشكل الآثار .
35- جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر .
36- مسند البزار .
37- الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر .
38- الأدب المفرد للبخاري .
39- تذكرة الحفاظ.
40- الترغيب والترهيب.
41- المحلى لابن حزم .
42- عون المعبود .
43- رياض الصالحين .
44- شرح رياض الصالحين لابن عثيمين . طبعة مكتبة الأنصار مصر .
45- مسند الطيالسي .
46- مسند الشاميين .
47- الفردوس بمأثور الخطاب .
48- الطبقات الكبرى .
49- أسد الغابة .
50- مقدمة المجموع شرح المهذب .
51- السنة لابن أبي عاصم .
52- مجموع الفتاوى .
53- الفتاوى الكبرى .
54- الصارم المسلول .
55- السلسلة الصحيحة .
56- صحيح الجامع للألباني .
57- ضعيف الترغيب .
58- صحيح الترغيب .
59- صحيح الترمذي .
60- صحيح ابن ماجة .
61- صحيح ابن خزيمة .
62- مشكاة المصابيح .
63- إرواء الغليل .
64- صحيح موارد الظمآن .
65- فضل الصلاة .(1/372)
66- صفة الصلاة .
67- الثمر المستطاب .
68- أحكام الجنائز .
69- تحفة الأحوذي .
70- زاد المعاد .
71- الأمالي للمحاملي .
72- الأحاديث المختارة.
73- معالم التنزيل للبغوي.
74- شرح السنة للبغوي .
75- سير أعلام النبلاء .
76- نيل الأوطار .
77- إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد .
78- مختصر الإتقان في علوم القرآن .
79- فتاوى اللجنة الدائمة .
80- الشرح الممتع على زاد المستقنع .
81- منسك عطاء.
82- إتحاف ذوي الألباب بما في الأقوال والأفعال من الثواب.
83- تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الآثام .
84- آداب اللسان فيما يخص اللسان من خير أو شر في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف.
85- نزْهَة العِبَاد بِفَوَائِد زَاد المعَادْ .
86- اللؤلؤ والمرجان بوصف الجنة والحور الحسان .
87- صحيح الطب النبوي .
88- معجم البلدان .
89- النهاية في غريب الحديث .
90- الغريب لابن سلام .
91- لسان العرب .
92- القاموس المحيط .
93- معجم مقاييس اللغة .
94- مختار الصحاح.
95- الفائق.
96- التعاريف للمناوي .
97- معجم البلدان لياقوت الحموي .
98- معجم ما استعجم للأندلسي .
الكتب التي صدرت للمؤلف بفضل الله وحده
1- إتحاف ذوي الألباب بما في الأقوال والأفعال من الثواب . طبع دار النفائس عمان .
قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .
2- تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الآثام . طبع دار النفائس عمان .
قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .
3- آداب اللسان فيما يخص اللسان من خير أو شر في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف.دار النفائس.
4- الرواة الذين ترجم لهم العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى من إرواء الغليل ومقارنتها بأحكام الحافظ ابن حجر رحمه الله، ويليه الفوائد الفقهية والحديثية. طبع مكتبة الصحابة الإمارات الشارقة .
5- رحلة العلماء في طلب العلم . طبع دار النفائس عمان .(1/373)
6- صحيح الطب النبوي في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف . طبع دار النفائس عمان .
8- أشراط الساعة الكبرى . طبع مكتبة عباد الرحمن ، ومكتبة العلوم والحكم القاهرة .
9- قصص وعبر وعظات من سيرة الصحابيات.طبع مكتبة عباد الرحمن ، ومكتبة العلوم والحكم القاهرة.
10- تحذير الخلان من فتنة آخر الزمان المسيح الدجال . طبع دار النفائس عمان .
11- تنزيه كلام خير الأنام عما لا يصح من أحاديث الصيام . طبع مكتبة الصحابة ، ومكتبة أهل الحديث الإمارات الشارقة ، ومكتبة التابعين القاهرة .
12- نزْهَة العِبَاد بِفَوَائِد زَاد المعَادْ .طبع مكتبة المعارف بيروت ومكتبة الصحابة الإمارات الشارقة، مكتبة المعرفة بيروت.
13- ابن لك بيتاً في الجنة. طبع الأردن .
14- خمسة أخطاء في الصلاة. طبع الأردن.
15- فضل الصيام والاستقامة على الأعمال. طبع الأردن .
16- رد السهام الطائشة في الذب عن أمنا السيدة عائشة .
18- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة. طبع مكتبة أهل الحديث الإمارات الشارقة.
19- تحفة الأقران بفضل القرآن. طبع مكتبة أهل الحديث الإمارات الشارقة .
20 - أحكام المرأة المسلمة .
21 - القول المبين في قصص الظالمين . طبع مكتبة عباد الرحمن ، مصر .
22- وجوب طاعة ولاة الأمر بالمعروف وعدم الخروج عليهم .
23- كشف الإلباس عن مسائل الحيض والنفاس .
24- شرف المؤمن .
25- الذهب المسبوك بما يجب على المرأة من السلوك .
وهناك كتب تحت الطبع في مكتبة المعارف في الرياض:
1- الياقوت والمرجان في وصف الجنة والحور الحسان .
2- إتحاف الصالحين بسيرة أمهات المؤمنين .
3- جواب السؤول عن سيرة بنات وعمات الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
4- مكانة الصلاة وفضلها في الإسلام .
5- إعلام الأصحاب بما في الإسلام من الآداب .
6- معاني الأذكار وثوابها .
7- يبتدعون ولا يعلمون .
8- إعلام شباب الإسلام بحرمة التفجيرات والخروج على الحكام .(1/374)
9- إعلام الجماعة عن الفتن والأحداث .
10- حفظ اللسان والتحذير من الغيبة والبهتان ، ويليه تحذير المسلم بما في الحسد من الإثم، ويليه تحصين البيت والأولاد من كيد الشيطان .
11- سباق أهل الإيمان إلى قصور الجنان . طبع مكتبة الصحابة الشارقة .
12- الثواب في بناء المساجد والمشي إليها .
13- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة .
14- أحلى الكلام عن صلة الأرحام .
15- تحفة الأقران بفضل القرآن .
وإني لأرجو من كل أخٍ كريم يطلع على أي مؤلف من هذه المؤلفات إذا وجد خطأ أن يعلمني به ، وأن يراسلني على عنوان مكتبة المعارف بالرياض ، أو مكتبة الصحابة في الشارقة ، أو الفرقان في دبي ، أو دار النفائس في عمان ، أو مكتبة عباد الرحمن في القاهرة ، عملاً بحديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "الدين النصيحة" ، و "رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي" حتى نحق الحق ، ولم آلُ جهداً في تحري الحق ، فإن وُفقت إليه فإنه من فضل الله عليَّ ، وله المنّة وحده، وإن كانت الأخرى فحسبي أنّي قد بذلت قصارى جهدي في جمع الأدلة الصحيحة والأخذ من علماء الإسلام، مع الحرص على معرفة الحق والصواب .
علماً أني اتكأت في كل ما كتبت على نقولات من كتب أهل العلم، وأشرت في غالبها إلى قائليها، وقسم يسير منها لم أعزها لمن قالها؛ إما بسبب أني لم أتمكن من معرفة القائل، أو تقصيراً مني، وأسأل الله أن يجزل المثوبة لكل من أخذت منه وأن يجعله في ميزان حسناتهم، وأستغفر الله وأتوب إليه إنه تواب رحيم .(1/375)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لقد أَلَّفتُ هذه الكتب ولم آلُ جهداً فيها، ولابُدَّ أن يُوجد فيها الخطأ، لأنَّ الله تعالى يقول: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً). النساء (82). فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالفُ الكتابَ والسُّنة، فقد رجعت عنه، أخرجه عبدالله بن شاكر في مناقب الشافعي كما في كشف الخفاء (1/35) . بالمناسبة يُروى في هذا المعنى حديثٌ لا أصل له بلفظ: "أبى الله أن يصح إلا كتابه . وقد أورده علي القاري في الموضوعات .
وإني متراجع عما يصدر مني من خطأ في أي موضع مما كتبت وأستغفر الله منه، تأسياً بقول بعض سلفنا الصالح: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، وأستغفر الله ذا الكمال من خطئي، وما زل به قلمي، ودينُ الله بريء منه، وأنا تائب عنه، والله خيرُ مأمول ألا يضيع سعينا، ولا يخيب رجاءنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والله الموفق ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وجزاكم الله خيراً . المؤلف .
دعوة ومناشدة واسترحام لأخواني المسلمين:
إخواني وأحبائي المسلمين:
قد قال صلى الله عليه وسلم: [من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال، فليتحلله اليوم، قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح، أخذ بقدر مظلمته وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه] (رواه البخاري)
وقد نظرت في صحائفي نظرة سريعة إلى الوراء فوجدت من الحقوق والديون لإخواني من المسلمين ما لا أستطيع الوفاء به، إنها سلسلة طويلة من المظالم!! وأنا راجع عنها في الدنيا قبل الآخرة، وداع كل من له مظلمة عندي أن يسامحني في هذه الدنيا، وجزاه الله خيراً أو يطالبني الآن، وجزاه الله خيراً إذا عجل مطالبته هنا في هذه الدنيا، وهو بذلك نعم الأخ والصديق!! وأرجو من كل أخ مشفق صديق، وأناشده الله ألا يؤخر مطالبته يوم القيامة.(1/376)
اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، ورحمتك التي وسعت كل شيء، أسألك بأنك أنت الله رب العالمين، البر الرحيم الغفور الودود، ذو العرش الكريم، أن تتجاوز عن خطيئاتي، وأن تغفر لي ذنبي، وأن تجزي كل مؤمن صنع إحساناً بإحسان من عندك، وأن تغفر لكل من أساء إلي أو ظلمني أي مظلمة كانت.(1/377)