عون الودود لتيسير ما في السلسلة الضعيفة من الفوائد والردود
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد
فهذه الفوائد والردود التي ذكرها الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الضعيفة جمعتها في هذا الكتاب حتى يسهل الاستفادة منها للعامة والخاصة وأسميته (عون الودود لتيسير مافي السلسلة الضعيفة من الفوائد والردود) , فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعنني على هذا العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يتغمد برحمته الشيخ الألباني , ويسكنه فسيح جناته آمين.
ملاحظات :
1- ترقيم الأحاديث هي نفس الترقيم الموجودة في السلسلة لكي يسهل الرجوع إليها.
2- تبويب المواضيع هي نفس ما بوب لها الشيخ إلا ما لم يبوب لها فقد وضعت لها أبواباً من عندي.
3- كتابة جميع الفوائد والردود كاملة بدون أي اختصار إلا ماكان يتعلق بالموضيع الحديثة فلم اكتبها.
هذه الفوائد المذكورة في المجلد الأول من سلسلة الأحاديث الضعيفة , ونسأل الله العون والتوفيق في إتمام بقية الأحاديث.
كتاب العقيدة
حقيقة التوسل بجاه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
22- (توسلوا بجاهي , فإن جاهي عند الله عظيم)لا أصل له .(1/1)
ومما لا شك فيه أن جاهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومقامه عند الله عظيم , فقد وصف الله تعالى موسى بقوله (وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً)الأحزاب69 , ومن المعلوم أن نبينا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من موسى , فهو بلا شك أوجه منه عند ربه سبحانه وتعالى , ولكن هذا شيء , والتوسل بجاهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء آخر , فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعضهم , إذ إن التوسل بجاهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه , وهذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل , إذ إنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها , فلا بد فيه من النقل الصحيح الذي تقوم به الحجة , وهذا مما لا سبيل إليه البتة , فإن الأحاديث الواردة في التوسل به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنقسم إلى قسمين : صحيح , وضعيف .
أما الصحيح , فلا دليل فيه البتة على المدعى , مثل توسلهم به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاستسقاء , وتوسل الأعمى به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َفإنه توسل بدعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لا بجاهه ولا بذاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ولما كان التوسل بدعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن , كان بالتالي التوسل به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته غير ممكن , وغير جائز .(1/2)
ومما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر , توسلوا بعمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العباس , ولم يتوسلوا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع , وهو ما ذكرناه من التوسل بدعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذلك توسلوا بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدعاء عمه , لأنه ممكن ومشروع , وكذلك لم ينقل أن أحداً من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى , وذلك لأن السر ليس في قول الأعمى : ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة....) , وإنما السر الأكبر في دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له كما يقتضيه وعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه بالدعاء له , ويشعر به قوله في دعائه : (اللهم فشفعه في) , أي : أقبل شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أي : دعاءه في , (وشفعني فيه) , أي : اقبل شفاعتي , أي : دعائي في قبول دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في .
فموضوع الحديث كله يدور حول الدعاء , كما يتضح للقاريء الكريم بهذا الشرح الموجز , فلا علاقة للحديث بالتوسل المبتدع , ولهذا أنكره الإمام أبوحنيفة , فقال : (أكره أن يسأل الله إلا بالله) كما في "الدر المختار" , وغيره من كتب الحنفية .
وأما قول الكوثري في " مقالاته " : (وتوسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكورة في أوائل تاريخ الخطيب بسند صحيح) .
فمن مبالغاته , بل مغالطاته , فإنه يشير بذلك إلى ما أخرجه الخطيب من طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال : نبأنا علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي يقول : (إني لأتبرك بأني حنيفة , وأجيء إلى قبره في كل يوم – يعني زائراً – فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين , وجئت إلى قبره , وسألت الله تعالى الحاجة عنده , فما تبعد عني حتى تقتضى) , فهذه رواية ضعيفة , بل باطلة .(1/3)
وقد ذكر شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم" معنى هذه الرواية , ثم أثبت بطلانه فقال : (رحمه الله فأجاب أو كلاما هذا معناه وهذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له أدنى معرفة بالنقل فإن الشافعي لما قدم ببغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة بل ولم يكن هذا على عهد االشافعي معروفا وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عند قبر أبي حنيفة ثم أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن
ابن زياد وطبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند قبر أبي حنيفة ولا غيره ثم قد تقدم عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور الصالحين خشية الفتنة بها وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعر ) .
وأما القسم الثاني من أحاديث التوسل , فهي أحاديث ضعيفة و تدل بظاهرها على التوسل المبتدع , فيحسن بهذه المناسبة التحذير منها , والتنبيه عليها فمنها:
23- (الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت,اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها,بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين)حديث ضعيف .
ومن الأحاديث الضعيفة في التوسل , الحديث الآتي :(1/4)
24- (مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَخَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِي مِنْ النَّارِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ)حديث ضعيف.
ومن الأحاديث الضعيفة , بل الموضوعة في التوسل :
25- (لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك)موضوع.
من قال بشهادتين ولم يفهم معناهما أو فهم ولكنه أخل بهما عملياً لم تنفعه
94- (عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة , عليهن أسس الإسلام , من ترك واحدة منهن , فهو بها كافر حلال الدم : شهادة أن لا إله إلا الله , والصلاة المكتوبة , وصوم رمضان)حديث ضعيف.
هذا الحديث مخالف للحديث المتفق على صحته: (بني الإسلام على خمس....)الحديث , وذلك من وجهين :
الأول : أن هذا جعل أسس الإسلام خمسة , وذاك صيرها ثلاثة.
الآخر : أن هذا لم يقطع بكفر من ترك شيئاً من الأسس , بينما ذاك يقول : (من ترك واحدة منهن فهو كافر) , وفي رواية سعيد بن حماد : (فهو بالله كافر).
ولا أعتقد أن أحداً من العلماء المعتبرين يكفر من ترك صوم رمضان مثلاً غير مستحل له , خلافاً لما يفيده ظاهر الحديث , فهذا دليل عملي من الأمة على ضعف هذا الحديث , والله أعلم.(1/5)
ومما لا شك فيه أن التساهل بأداء ركن واحد من هذه الأركان الأربعة العملية مما يعرض فاعل ذلك للوقوع في الكفر , كما أشار إلى ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم وغيره .
فيخشى على من تهاون بالصلاة أن يموت على الكفر والعياذ بالله تعالى , لكن ليس في هذا الحديث الصحيح , ولا في غيره , القطع بتكفير تارك الصلاة , وكذا تارك الصيام , مع الإيمان بهما , بل هذا مما تفرد به هذا الحديث الضعيف , والله أعلم.
وأما الركن الأول من هذه الأركان الخمسة : (شهادة أن لا إله إلا الله) , فبدونها لا ينفع شيء من الأعمال الصالحة , وكذلك إذا قالها ولم يفهم حقيقة معناها , أو فهم , ولكنه أخل به عملياً , كالاستغاثة بغير الله تعالى عند الشدائد , ونحوها من الشركيات.
الحجر الأسود
223- (الحجر الأسود يمين الله في الأرض , يصافح بها عباده)منكر.
قال ابن الجوزي : (حديث لا يصح , وقال ابن العربي : هذا حديث باطل فلا يلتفت إليه).
فإذا كان كذلك , فمن العجائب أن يسكت عن الحديث الحافظ ابن رجب في "ذيل الطبقات" , ويتأول ما روي عن ابن الفاعوس الحنبلي أنه كان يقول : (الحجر الأسود يمين الله حقيقة) , بأن المراد بيمينه أنه محل الاستلام والتقبيل , وأن هذا المعنى هو حقيقة في هذه الصورة وليس مجازاً , وليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلاً.
وكان يغنيه عن ذلك كله التنبيه على ضعف الحديث , وأنه لا داعي لتفسيره أو تأويله , لأن التفسير فرع التصحيح , كما لا يخفى.
...
من أكاذيب الشيعة
350- (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)لا أصل له بهذا اللفظ(1/6)
وقد قال الشيخ ابن تيمية والله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا وإنما المعروف ما روى مسلم أن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)
وهذا الحديث رأيته في بعض كتب الشيعة , ثم في بعض كتب القاديانية , يستدلون به على وجوب الإيمان بدجالهم ميرزا غلام أحمد المتنبي , ولو صح هذا الحديث , لما كان فيه أدنى إشارة إلى ما زعموا , وغاية ما فيه وجوب اتخاذ المسلمين إماماُ يبايعونه , وهذا حق , كما دل عليه حديث مسلم , وغيره.
ثم رأيت الحديث في كتاب ((الأصول من الكافي)) للكليني من علماء الشيعة , رواه (1\377) عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن الفضيل عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبدالله مرفوعاُ.
وأبو عبد الله هو الحسين بن علي رضي الله عنهما.
لكن الفضيل هذا – وهو الأعور- أورده الطوسي الشيعي في ((الفهرست)) ص 126 , ثم أبو جعفر السروي في ((معالم العلماء)) , ولم يذكرا في ترجمته غير أن له كتاباُ , وأما محمد بن عبد الجبار , فلم يورداه مطلقاُ , وكذلك ليس له ذكر في شئ من كتبنا , فهذا حال هذا الإسناد الوارد في كتابهم ((الكافي)) الذي هو أحسن كتبهم , كما جاء في المقدمة ص 33.
ومن أكاذيب الشيعة التي لا يمكن حصرها قول الخميني في ((كشف الأسرار): (وهناك حديث معروف لدى الشيعة وأهل السنة , منقول عن النبي....).
ثم ذكره دون أن يقرنه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم , وهذه عادته في هذا الكتاب فقوله : ((وأهل السنة)) كذب ظاهر عليه , لأنه غير معروف لديهم , كما تقدم , بل هو بظاهره باطل إن لم يفسر بحديث مسلم , كما هو محقق في ((المنهاج)) , و ((مختصره)) , وحينئذ فالحديث حجة عليهم , فراجعهما.
عدم جواز التمسح بالقبر
373- (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله)ضعيف.(1/7)
أخرجه أحمد والحاكم من طريق عبد الملك بن عمرو حدثنا كثير بن زيد عن داود بن أبي صالح قال:
أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر فقال: أتدري ما تصنع فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله.
وقد شاع عند المتأخرين الاستدلال بهذا الحديث على جواز التمسح بالقبر , لوضع أبي أيوب وجهه على القبر , وهذا مع أنه ليس صريحاُ في الدلالة على أن تمسحه كان للتبرك – كما يفعل الجهال- فالسند إليه بذلك ضعيف , فلا حجة فيه.
وقد أنكر المحققون من العلماء كالنووي وغيره التمسح بالقبور , وقالوا : إنه من عمل النصارى . وقد ذكرت بعض النقول في ذلك في ((تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)) , وهي الرسالة الخامسة من رسائل كتابنا : ((تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة)) , وهي مطبوعة والحمد لله.
الإيمان يزيد وينقص
464- (الإيمان مثبت في القلب كالجبال الرواسي وزيادته ونقصه كفر)موضوع.
وهذا الحديث مخالف للآيات الكثيرة المصرحة بزيادة الإيمان كقوله تعالى (......ليزداد الذين آمنوا إيماناٌ)الفتح4. فكفى بهذا دليلاٌ على بطلان مثل هذا الحديث , وأن قال بمعناه جماعة.
كتاب الطهارة
الوضوء بعد الحدث والصلاة بعد الوضوء من المستحبات
44- (من أحدث ولم يتوضأ , فقد جفاني , ومن توضأ ولم يصل , فقد جفاني , ومن صلى ولم يدعني , فقد جفاني , ومن دعاني فلم أجبه , فقد جفيته , ولست برب جاف)موضوع.
ومما يدل على وضعه أن الوضوء بعد الحدث , والصلاة بعد الوضوء , إنما ذلك من المستحبات , والحديث يفيد أنهما من الواجبات , لقوله : (فقد جفاني) , وهذا لا يقال في الأمور المستحبة كما لا يخفى.(1/8)
الأحاديث الواردة في صفة وضوئه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس في شيء منها ذكر لمسح الرقبه
69- (مسح الرقبة أمان من الغل)موضوع.
هذا الحديث منكراً , مخالف لجميع الأحاديث الواردة في صفة وضوئه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إذ ليس في شيء منها ذكر لمسح الرقبه , اللهم إلا في حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال : (رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال , وهو أول القفاء).
وفي رواية :(ومسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه).
أخرجه أبو داود وغيره , وذكر عن ابن عيينة أنه كان ينكره , وحق له ذلك , فإن له ثلاث علل , كل واحدة منها كافية لتضعيفة , فكيف بها وقد اجتمعت , وهي :الضعف , والجهالة , والاختلاف في صحبة والد مصرف , ولهذا ضعفه النووي وابن تيمية والعسقلاني وغيرهم , وقد بينت ذلك في "ضعيف سنن أبي داود".
الواجب اجتناب النجاسة ولو كانت أقل من الدرهم
149- (الدم مقدار الدرهم , يغسل , ويعاد منه الصلاة)موضوع.
اعلم أن هذا الحديث هو حجة الحنفية في تقدير النجاسة المغلظة بالدرهم , وإذا علمت أنه حديث موضوع , يظهر لك بطلان التقييد به , وأن الواجب اجتناب النجاسة ولو كانت أقل من الدرهم , لعموم الأحاديث الآمرة بالتطهير.
وجوب غسل يوم الجمعة
158- (اغتسلوا يوم الجمعة , ولو كأساً بدينار)موضوع.
ويغني عنه الأحاديث الصحيحة في الأمر بالغسل يوم الجمعة , كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) رواه الشيخان وغيرهما.
وقد تساهل أكثر الناس بهذا الواجب يوم الجمعة , فقل من يغتسل منهم لهذا اليوم , ومن اغتسل فيه فإنما هو للنظافة , لا لأنه من حق الجمعة , فالله المستعان.
غسل اليدين قبل وبعد الوضوء ليس من الأمور التعبدية
168- (بركة الطعام الوضوء قبله وبعده)حديث ضعيف.(1/9)
قال المنذر : (وقد كان سفيان يكره الوضوء قبل الطعام , قال البيهقي : وكذلك مالك بن أنس كرهه , وكذلك صاحبنا الشافعي استحب تركه , واحتج بالحديث , يعني حديث ابن عباس قال : [كنا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتى الخلاء , ثم إنه رجع , فأتي بالطعام , فقيل : ألا تتوضأ ؟ قال : لم أصل فأتوضأ] رواه مسلم وأبوداود , والترمذي , بنحوه إلا أنهما قالا : [إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة]).
قلت : فهذا دليل على ضعف الحديث , وهو ذهاب هؤلاء الأئمة الفقهاء إلى خلافه , ومعهم ظاهر هذا الحديث الصحيح.
وقد تأول بعضهم الوضوء في هذا الحديث بمعنى غسل اليدين فقط , وهو معنى غير معروف في كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" , فلو صح هذا الحديث لكان دليلاً ظاهراً على استحباب الوضوء قبل الطعام وبعده , ولما جاز تأويله.
هذا , واختلف العلماء في مشروعية غسل اليدين قبل الطعام على قولين , منهم من استحبه , ومنهم من لم يستحبه , ومن هؤلاء سفيان الثوري , فقد ذكر أبو داود عنه أنه كان يكره الوضوء قبل الطعام , قال ابن القيم : ( والقولان هما في مذهب أحمد وغيره , والصحيح أنه لا يستحب).
قلت : وينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على اليدين من الأوساخ ما يستدعي غسلهما , وإلا فالغسل والحالة هذه لا مسوغ للتوقف عن القول بمشروعيته , وعليه يحمل ما رواه الخلال عن أبي بكر المروذي قال : (رأيت أبا عبدالله [يعني الإمام أحمد] يغسل يديه قبل الطعام وبعده , وإن كان على وضوء).
والخلاصة : أن الغسل المذكور ليس من الأمور التعبدية , لعدم صحة الحديث به , بل هو معقول المعنى , فحيث وجد المعنى شرع , وإلا فلا.
المتيمم يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات الفروض والنوافل ما لم ينتقض تيممه
423- (من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للصلاة الأخرى)موضوع(1/10)
أخرجه الطبراني من طريق الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن ابن عباس قال .....فذكره.
وهذا الحديث لا يصح عن ابن عباس مرفوعاُ , ولا موقوفاُ , بل قد روي عنه خلافه , كما ذكره ابن حزم في ((المحلى)) , يعني أن المتيمم يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات الفروض والنوافل , ما لم ينتقض تيممه بحدث أو بوجود الماء.
وهذا هو الحق في هذه المسألة , كما قرره ابن حزم , وانظر ((الروضة الندية)).
لا يصح حديث في إيجاب الوضوء من خروج الدم
470- (الوضوء من كل دم سائل)ضعيف.
والحق أنه لا يصح حديث في إيجاب الوضوء من خروج الدم . والأصل البراءة . روى ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي بسند صحيح أن ابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دم فحكه بين أصبعيه ثم صلى ولم بتوضأ ثم روى ابن أبي شيبة نحوه عن أبي هريرة وقد صح عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه بزق دما في صلاته ثم مضى فيها راجع صحيح البخاري مع فتح الباري وتعليقي على مختصر البخاري.
كتاب الصلاة
الذي يصلي خير من الذي لا يصلي وأقرب إلى الله منه وأن كان فاسقاً
2- (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا)حديث باطل .
وهو مع اشتهاره على الألسنة لا يصح من قبل إسناده , ولا من جهة متنه , فالحديث لا يصح إسناده إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وإنما صح من قول ابن مسعود , والحسن البصري , وروي عن ابن عباس .(1/11)
وأما متن الحديث , فإنه لا يصح لأن ظاهره يشمل من صلى صلاة بشروطها وأركانها , بحيث إن الشرع يحكم عليها بالصحة , وإن كان هذا المصلي لا يزال يرتكب بعض المعاصي , فكيف يكون بسببها لا يزيد بهذه الصلاة إلا بعداً ؟ هذا مما لا يعقل , ولا تشهد له الشريعة , ولهذا تأوله شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله : ( وقوله : " لم يزدد إلا بعداً " , إذا كان ما ترك من الواجب منها أعظم مما فعله , أبعده ترك الواجب الأكثر من الله , أكثر مما قربه فعل الواجب الأقل).
وهذا بعيد عندي , لأن ترك الواجب الأعظم منها , معناه ترك بعض ما لا تصح الصلاة إلا به , كالشروط والأركان , وحينئذ فليس له صلاة شرعاً , ولا يبدو أن هذه الصلاة هي المرادة في الحديث المرفوع والموقوف , بل المراد الصلاة الصحيحة التي لم تثمر ثمرتها التي ذكرها الله تعالى في قوله : (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر)العنكبوت45 , وأكدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قيل له : إن فلاتاً يصلي الليل كله , فإذا أصبح سرق , فقال :(ستنهاه ما تقول) , أو قال :(ستمنعه صلاته)وراه أحمد , والبزار , والطحاوي , والبغوي , وأبوبكر الكلاباذي , بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة .
فأنت ترى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر أن هذا الرجل سينتهي عن السرقة بسبب صلاته - إذا كانت على الوجه الأكمل طبعاً , كالخشوع فيها , والتدبر في قراءتها – ولم يقل إنه (لا يزداد بها إلا بعداً) , مع أنه لما ينته عن السرقة .
ولذلك قال عبدالحق الإشبيلي في "التهجد" : ( يريد عليه السلام أن المصلي على الحقيقة , المحافظ على صلاته , الملازم لها , تنهاه صلاته عن ارتكاب المحارم , والوقوع في المحارم ) .
فالحديث ضعيف سنداً ومتناً , والله أعلم .(1/12)
ثم رأيت الشيخ أحمد بن محمد عز الدين بن عبدالسلام نقل أثر ابن عباس هذا في كتابه "النصيحة بما أبدته القريحة" عن تفسير الجاربردي , وقال : ( ومثل هذا ينبغي أن يحمل على التهديد , لما تقرر أن ذلك ليس من الأركان والشرائط ) .
ثم استدل على ذلك بالحديث المتقدم :(ستمنعه صلاته) , واستصوب الشيخ أحمد كلام الجاربردي هذا , وقال : (لا يصح حمله على ظاهره , لأن ظاهره معارض بما ثبت في الأحاديث الصحيحة المتقدمة من أن الصلاة مكفرة للذنوب , فكيف تكون مكفرة , ويزداد بها بعداً ؟ هذا مما لا يعقل ) .
ثم قال : (قلت : وحمل الحديث على المبالغة والتهديد ممكن على اعتبار إنه موقوف على ابن عباس أو غيره , وأما على اعتبار كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فهو بعيد عندي والله أعلم) .
قال (ويشهد لذذلك ما ثبت في البخاري أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة , فذكر ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فأنزل الله تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات)هود114 .
ثم رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قال في بعض فتاواه : (هذا الحديث ليس بثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه , بكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بعداً , بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي , وأقرب إلى الله منه , وأن كان فاسقاً) .
قلت : فكأنه يشير إلى تضعيف الحديث من حيث معناه أيضاً وهو الحق .
وقد نقل الذهبي في "الميزان" عن ابن الجنيد أنه قال في هذا الحديث : (كذب وزور) .
الإقامة للصلاة
35- (من أذن , فليقم)لا أصل له بهذا اللفظ .
وإنما روي بلفظ : (من أذن فهو يقيم)وهو حديث ضعيف .(1/13)
ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه سبب لإثارة النزاع بين المصلين , كما وقع ذلك غيرما مرة , وذلك حين يتأخر المؤذن عن دخول المسجد لعذر , ويريد بعض الحاضرين أن يقيم الصلاة , فما يكون من أحدهم إلا أن يعترض عليه محتجاً بهذا الحديث , ولم يدر المسكين أنه حديث ضعيف لا يجوز نسبته إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فضلاً عن أن يمنع به الناس من المبادرة إلى طاعة الله تعالى , ألا وهي إقامة الصلاة.
كيفية الأذان
71- (التكبير جزم)لا أصل له.
كما قال الحافظ ابن حجر , والسخوي , وكذا السيوطي , وله رسالة خاصة في الحديث في كتابه "الحاوي للفياوي" وقد بين فيها أنه من قول إبراهيم النخعي , وأن معنى قوله : (جزم) : (لا يمد) , ثم ذكر قول من فسره بأنه لا يعرب , بل يسكن آخره , ثم رده من وجوه ثلاثة أوردها , فليراجعها من شاء.
ثم أن الحديث , مع كونه لا أصل له مرفوعاً , وإنما هو من قول إبراهيم , فإنما يريد به التكبير في الصلاة , كما يستفاد من السيوطي في الرسالة المشار إليها فلا علاقة له بالأذن كما توهم بعضهم , فإن هناك طائفة من المنتمين للسنة في مصر وغيرها تؤذن كل تكبيرة على حدة :(الله أكبر) , (الله أكبر) , عملاً بهذا الحديث زعموا , والتأذين على هذه الصفة مما لا أعلم له أصلاً في السنة , بل ظاهر الحديث الصحيح خلافه , فقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث عمر بن الخطاب مرفوعاً ( إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر , فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر , ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله , قال : أشهد أن لا إله إلا الله.....الحديث).
ففيه إشارة ظاهرة إلى أن المؤذن يجمع بين كل تكبيرتين , وأن السامع يجيبه كذلك , وفي "شرح صحيح مسلم" للنووي ما يؤيد هذا فليراجعه من شاء .
ومما يؤيد ذلك ما ورد في بعض الأحاديث أن الأذان كان شفعاً شفعاً.
تحية المسجد والإمام يخطب
87- (إذا صعد الخطيب المنبر , فلا صلاة , ولا كلام)باطل.(1/14)
قد اشتهر بهذا اللفظ على الألسنة , وعلق على المنابر , ولا أصل له وإنما رواه الطبراني في "الكبير" عن ابن عمرو مرفوعاً بلفظ : ( إذا دخل أحدكم المسجد والإمام على المنبر , فلا صلاة , ولا كلام , حتى يفرغ الإمام).
وفيه أيوب بن نهيك قال ابن حاتم في "الجرح والتعديل" : ( سمعت أبي يقول : هو ضعيف الحديث , سمعت أبا زرعة يقول : لا أحدث عن أيوب بن نهك , ولم يقرأ علينا حديثه , وقال : منكر الحديث).
وقال الهيثمي : ( وهو متروك , ضعفه جماعة...).
ولهذا قال الحافظ في "الفتح" : ( إنه حديث ضعيف.
وأخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ : ( خروج الإمام يوم الجمعة للصلاة يقطع الكلام), وقال : (رفعه خطاً فاحش , وإنما هو من كلام سعيد بن المسيب , أو الزهري) , وأقره الزيلعي .
وإنما حكمت على الحديث بالبطلان , لأنه - مع ضعيف سنده – يخالف حديثين صحيحين :
الأول : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام , فيصل ركعتين) , أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحهما" من حديث جابر , وفي رواية أخرى عنه قال : (جاء سليك الغطفاني ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب , فقال له : يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما , ثم قال : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة , والإمام يخطب , فليركع ركعتين , وليتجوز فيهما) , أخرجه مسلم وغيره , وهو مخرج في "صحيح أبي داود".
والآخر : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا قلت لصاحبك : أنصت يوم الجمعة , والإمام يخطب , فقد لغوت), متفق عليه , وهو مخرج في "الإرواء".(1/15)
فالحديث الأول صريح بتأكد أداء الركعتين بعد خروج الإمام , بينما حديث الباب ينهى عنهما , فمن الجهل البالغ أن ينهى بعض الخطباء عنهما من أرد أن يصليهما وقد دخل والإمام يخطب , خلافاً لأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وإني لأخشى على مثله أن يدخل في وعيد قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى)العلق 10,9 , وقوله : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)النور63 , ولهذا قال النووي رحمه الله : ( هذا نص لا يتطرق إليه التأويل , ولا أظن عالماً يبلغه ويعتقده صحيحاً فيخالفه).
والحديث الآخر يدل بمفهوم قوله : (والإمام يخطب) , أن الكلام والإمام لا يخطب لا مانع منه , ويؤيده جريان العمل عليه في عهد عمر رضي الله عنه , كما قال ثعلبة بن أبي مالك :(إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر, حتى يسكت المؤذن , فإذا قام عمر على المنبر , لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما).
أخرجه مالك , والطحاوي , والسياق له وابن أبي حاتم , وإسناد الأولين صحيح.
فثبت بهذا أن كلام الإمام هو الذي يقطع الكلام , لا مجرد صعوده على المنبر , وأن خروجه عليه لا يمنع من تحية المسجد , فظهر بطلان حديث الباب , والله تعالى هو الهادي للصواب.
العمامة من سنن العادة لا من سنن العبادة
127- (صلاة بعمامة تعدل خمساً وعشرين صلاة بغير عمامة , وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة بغير عمامة . إن الملائكة ليشهدون الجمعة معتمين , ولا يزالون يصلون على أصحاب العمائم حتى تغرب الشمس)موضوع.
128- (ركعتان بعمامة خير من سبعين ركعة بلا عمامة)موضوع.
129- (الصلاة في العمامة تعدل بعشرة آلاف حسنة)موضوع.(1/16)
ولا شك عندي في بطلان هذا الحديث , وكذا الحديثين قبله لأن الشارع الحكيم يزن الأمور بالقسطاس المستقيم , فغير معقول أن يجعل أجر الصلاة في العمامة مثل أجر صلاة الجماعة , بل أضعاف أضعافها , مع الفارق الكبير بين حكم العمامة وصلاة الجماعة فإن العمامة غاية ما يمكن أن يقال فيها : إنها مستحبة , والراجح أنها من سنن العادة لا من سنن العبادة , أما صلاة الجماعة , فأقل ما قيل فيها : نها سنة مؤكدة . وقيل إنها ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها . والصواب أنها فريضة تصح الصلاة بتركها مع الإثم الشديد , فكيف يليق بالحكيم العليم أن يجعل ثوابها مساوياً لثواب الصلاة في العمامة , بل دونها بدرجات ؟ ولعل ابن حجر لا حظ هذا المعنى حين حكم على الحديث بالوضع.
ومن آثار هذه الأحاديث السيئة , وتوجيهاتها الخاطئة , أننا نرى بعض الناس حين يريد الدخول في الصلاة يكور على رأسه أو طربوشه منديلاً , لكي يحصل بزعمه على هذا الأجر المذكور , مع أنه لم يأت عملاً يطهر به نفسه ويزكيها.
ومن العجائب أن ترى بعض هؤلاء يرتكبون إثم حلق اللحية , فإذا قاموا إلى الصلاة لم يشعروا بأي نقص يلحقهم بسبب تساهلهم هذا , ولا يهمهم ذلك أبداً , أما الصلاة في العمامة , فأمر لا يستهان به عندهم , ومن الدليل على هذا أنه إذا تقدم رجل ملتح يصلي بهم لم يرضوه حتى يتعمم , وإذا تقدم متعمم – ولو كان عاصياً بحلقه للحيته – لم يزعجهم ذلك , ولم يهتموا له , فعكسوا شريعة الله حيث استباحوا ما حرمه , وأوجبوا – أو كادوا أن يوجبوا – ما أباحه.(1/17)
والعمامة – إن ثبت لها فضيلة – فإنما يراد بها العمامة التي يتزين بها المسلم في أحواله العادية , ويتميز بها عن غيره من المواطنين , وليس يراد بها العمامة المستعارة التي يؤدى بها عبادة في دقائق معدودات , فما يكاد يفرغ منها حتى يسجنها في جيبه , والمسلم بحاجة إلى عمامة خارج الصلاة أكثر من حاجته إليها داخلها , بحكم أنها شعار للمسلم تميزه عن الكافر , ولا سيما في هذا العصر الذي اختلطت فيه أزياء المؤمن بالكافر , حتى صار من العسير أن يفشي المسلم السلام على من عرف ومن لم يعرف , فانظر كيف صرفهم الشيطان عن العمامة النافعة إلى العمامة المبتدعة , وسول لهم أن هذه تكفي وتغني عن تلك , وعن إعفاء اللحية التي تميز المسلم من الكافر كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خالفوا المشركين , احفوا [وفي رواية : قصوا] الشوارب , وأوفوا اللحى) رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر وغيره.
وما مثل من يضع هذه العمامة المستعارة عند الصلاة إلا كمثل من يضع لحية مستعارة عند القيام إليها , ولئن كنا لم نشاهد هذه اللحى المستعارة في بلادنا , فإني لا أستبعد أن أراها يوماً ما بحكم تقليد كثير من المسلمين للأوربيين , فقد قرأت في "جريدة العلم" الدمشقية ما نصه (لندن – عندما اشتدت وطأة الحر , وانعقدت جلسة مجلس اللوردات , سمح لهم الرئيس بأن يخلعوا لحاهم المستعارة) , فهل من معتب؟
عدم مشروعية صلاة ركعتين للمسافر عند الخروج
372- (ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا)ضعيف.(1/18)
ثم إن النووي رحمه الله استدل بالحديث على أنه يستحب للمسافر عند الخروج أن يصلي ركعتين , وفيه نظر بين , لأن الاستحباب حكم شرعي لا يجوز الاستدلال عليه بحديث ضعيف , لأنه لا يفيد إلا الظن المرجوح , ولا يثبت به شيء من الأحكام الشرعية , كما لا يخفى , ولم ترد هذه الصلاة عنه صلى الله غليه وسلم , فلا تشرع , بخلاف الصلاة عند الرجوع , فإنها سنة.
وأغرب من هذا جزمه –أعني النووي رحمه الله- بأنه : (يستحب أن يقرأ سورة (( لإيلاف قريش)) , فقد قال السيد الجليل أبو الحسن القزويني الفقيه الشافعي صاحب الكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة والمعارف المتظاهرة : إنه أمان من كل سوء).
قلت : وهذا تشريع في هذا الدين دون أي دليل إلا مجرد الدعوى , فمن أين له أن ذلك أمان من كل سوء؟ لقد كان مثل هذه الآراء التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة من أسباب تبديل الشريعة وتغييرها من حيث لا يشعرون , لولا أن الله تعهد بحفظها , ورضي الله عن حذيفة بن اليمان إذ قال :(كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها) . وقال ابن مسعود رضي الله عنه (اتبعوا ولا تبتدعوا ةفقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق).
ثم وقفت على حديث يمكن أن يستحب به صلاة ركعتين عند النصر , وهو مخرج في الصحيحة.
السفر ليس له حد في اللغة ولا في الشرع , والمرجع فيه إلى العرف
439- (يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان)موضوع.(1/19)
ومما يدل على وضع الحديث , وخطأ نسبته إليه صلى الله عليه وسلم , ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في أحكام السفر: هذا الحديث إنما هو من قول ابن عباس . ورواية ابن خزيمة . وغيره له مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باطل بلا شك عند أئمة أهل الحديث . وكيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة بالتحديد وإنما أقام بعد الهجرة زمنًا يسيرًا، وهو بالمدينة لا يحد لأهلها حدًا كما حده لأهل مكة، وما بال التحديد يكون لأهل مكة دون غيرهم من المسلمين .
وأيضًا، فالتحديد بالأميال والفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض، وهذا أمر لا يعلمه إلا خاصة الناس . ومن ذكره فإنما يخبر به عن غيره تقليدًا وليس هو مما يقطع به، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقدر الأرض بمساحة أصلاً، فكيف يقدر الشارع لأمته حدًا لم يجر له ذكر في كلامه وهو مبعوث إلى جميع الناس، فلابد أن يكون مقدار السفر معلومًا علمًا عامًا،
ومن ذلك أيضاٌ أنه ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة , ومزدلفة , في أيام منى , وكذلك أبوبكر وعمر من بعده , وكان يصلي خلفهم أهل مكة , ولم يأمرهم بإتمام الصلاة , فدل هذا على أن ذلك سفر , وبين مكة وعرفة بريد , وهو نصف يوم بسير الإبل والأقدام .
والحق أن السفر ليس له حد في اللغة ولا في الشرع , فالمرجع فيه إلى العرف , فما كان سفراُ في عرف الناس , فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم.
وتحقيق هذا البحث الهام تجده في رسالة ابن تيمية المشار إليها آنفاُ فراجعها , فإن فيها فوائد هامة لا تجدها عند غيره.
كل ما جاء من الأحاديث في الحض على ركعات معينة بين المغرب والعشاء لا يصح
467- (من صلى بين المغرب والعشاء عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة)موضوع.(1/20)
واعلم أن كل ما جاء من الأحاديث في الحض على ركعات معينة بين المغرب والعشاء لا يصح , وبعضه أشد ضعفاُ من بعض , وإنما صحت الصلاة في هذا الوقت من فعله صلى الله عليه وسلم دون تعيين عدد , وأما قوله صلى الله عليه وسلم , فكل ما روي عنه واه لا يجوز العمل به.
ومن هذا القبيل:
468- (من صلى ست ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم غفر له بها ذنوب خمسين سنة)ضعيف جدا.
469- (من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة)ضعيف جدا.
كتاب الزكاة
اللعنة لا تقوم مقام الصدقة
104- (من لم يكن عنده صدقة , فليلعن اليهود)موضوع.
قال الشيخ علي القاري في هذا الحديث : (لا يصح) , يعني أنه موضوع.
ونقل "ص109" عن ابن القيم أن من علامات الحديث الموضوع أن يكون باطلاً في نفسه , فيدل بطلانه على أنه ليس من كلامه عليه الصلاة والسلام , ثم ساق أحاديث هذا منها , وقال : (فإن اللعنة لا تقوم مقام الصدقة أبداً).
ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
463- (فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو غرب نصف العشر في قليله وكثيره)موضوع بهذه الزيادة (في قليله وكثيره).
ومما يدل على كذب هذا الحديث أن البخاري أخرجه في صحيحه من حديث ابن عمر دون قوله(في قليله وكثيره).
وكذلك رواه مسلم من حديث جابر , والترمذي من حديث أبي هريرة , وهو مخرج في الإرواء.
فهذه الزيادة باطلة دون شك أو ريب , ويزيدها بطلاناُ ما في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) وهو مخرج في الإرواء أيضاُ.
وبهذا الحديث الصحيح أخذا الإمام محمد , خلافاُ لشيخه أبي حنيفة , كما صرح به في كتاب الآثار , والموطأ.
فهذا أيضاُ من آثار الأحاديث الضعيفة , إيجاب ما لم يوجبه الله على عباده , وعلى الرغم من هذا , فإننا لا نزال نسمع بعضهم يجهر بمثل هذا الإيجاب , أخذاُ بما تقتضيه المصلحة , كما زعموا.
كتاب الصيام
زكاة الفطر(1/21)
43- (شهر رمضان معلق بين السماء والأرض , ولا يرفع إلى الله , إلا بزكاة الفطر)حديث ضعيف.
قال أحمد بن عيسى المقدسي في "فضائل جرير" : (ومعناه لا يرفع إلى الله عز وجل بغفران مما جني فيه إلا بزكاة الفطر).
قلت أن الحديث لو صح لكان ظاهر الدلالة على أن قبول صوم رمضان متوقف على إخراج الفطر , فمن لم يخرجها لم يقبل صومه , ولا أعلم أحداً من أهل العلم يقول به , والتأويل الذي نقلته آنفاً عن المقدسي بعيد حداً عن ظاهر الحديث على التأويل فرع التصحيح , والحديث ليس بصحيح.
أقول هذا , وأنا أعلم أن بعض المفتين ينشر هذا الحديث على الناس كلما أتى شهر رمضان , وذلك من التساهل الذي كنا نطمع في أن يحذروا الناس منه , فضلاً عن أن يقعوا فيه هو أنفسهم.
فضل صيام يوم عاشوراء
285- (ليس ليوم فضل على يوم في الصيام , إلا شهر رمضان , ويوم عاشوراء)منكر.
أخرجه الطبراني , والطحاوي , وأبو سهل الجواليقي , ومن طريقه أبو مطيعع المصري , وابن عدي , والخطيب في "اتلأمالي بمسجد دمشق" من طريق عبدالجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة عن عبيدالله بن أبي يزيد عن ابن عباس مرفوعاً.
قلت : وهذا إسناد ضعيف , ورجاله ثقات , كما قال المنذري في "الترغيب" , والهيثمي في "المجمع" , ولكن عبدالجبار بن الورد في حفظه ضعف كما أشار لذلك البخاري بقوله :(يخالف في بعض حديثه).
وقال ابن حبان: (يخطىء ويهم).
وأنا أشك أنه أخطأ في رواية هذا الحديث لأمرين:
الأول : أنه اضطرب في إسناده , فمرة قال : (عن ابن أبي مليكة) , كما في هذه الرواية , ومرة أخرى قال : (عن عمرو بن دينار) , رواه الطبراني , وهذا يدل على أنه لم يحفظ.(1/22)
الآخر : أنه قد خولف في متن الحديث , فرواه جماعة من الثقات عن عبيدالله بن يزيد عن ابن عباس قال : (ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضيله على غيره إلا هذا اليوم , يوم عاشوراء , وهذا الشهر , يعني : شهر رمضان) , رواه البخاري , ومسلم , وأحمد , والطحاوي , والطبراني , والبيهقي , من طرق عن عبيدالله به , وأحد أسانيده عند أحمد ثلاثي.
فهذا هو أصل الحديث , وهو كما ترى من قول ابن عباس , ولفظه بناء على ما علمه من صيامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فجاء عبدالجبار هذا , فرواه مرفوعاً من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وشتان ما بين الروايتين , فإن هذه الرواية الضعيفة تتعارض مع الأحاديث الأخرى التي تصرح بأن لبعض أيام أخرى غير يوم عاشوراء فضلاً على سائر الأيام , كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية) , رواه مسلم , وغيره عن أبي قتادة , وهو مخرج في "الإرواء" فكيف يعقل مع هذا أن يقول عليه السلام مارواه عنه عبدالجبار هذا ؟
أما الرواية الصحيحة لحديث ابن عباس , فإنما فيها إثبات التعارض بين نفي ابن عباس فضل يوم غير عاشوراء , وإثبات غيره , كأبي قتادة , وهذا الأمر فيه هين , لما تقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي , وإنما الإشكال الواضح أن ينسب النفي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مع أنه قد صرح فيما صح عنه بإثبات ما عزي إليه من النفي.
ومما تقدم تبين أن لا إشكال , وأن نسبة النفي إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم من بعض الرواة , والحمد لله على توفيقه.
مشروعية السواك للصائم في أي وقت شاء أول النهار أو آخره
401- (إذا صمتم فأستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانت نورا بين عينيه يوم القيامة)ضعيف.
وقد روى ما يعارض هذا الحديث , وهو :
402- (كان يستاك آخر النهار وهو صائم) باطل(1/23)
ويغني عن هذا الحديث في مشروعية السواك للصائم في أي وقت شاء أول النهار أو آخره عموم قوله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة . متفق عليه وهو مخرج في الارواء رقم 70 . وروى الطبراني بإسناد يحتمل التحسين عن عبد الرحمن بن غنم قال سألت معاذ بن جبل أأتسوك وأنا صائم قال نعم قلت أي النهار أتسوك قال أي النهار شئت غدوة أو عشية قلت إن الناس يكرهونه عشية ويقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فقال سبحان الله لقد أمرهم بالسواك وهو يعلم أنه لابد أن يكون بفي الصائم خلوف وإن استاك وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا ما في ذلك من الخير شيء بل فيه شر إلا من ابتلى ببلاء لا يجد منه بدا قلت والغبار في سبيل الله أيضا كذلك إنما يؤجر من اضطر إليه ولايجد عنه محيصا قال نعم فأما من ألقى نفسه في البلاء عمدا فما له من أجر . وقال الحافظ في التلخيص إسناده جيد .
ثم قال الزيلعي : ( ويدخل فيه أيضاُ من تكليف الدوران , وكثرة المشي إلى المساجد , بالنسبة إلى قوله صلى الله عليه وسلم ((وكثرة الخطا إلى المساجد)) , ومن يصنع في طلوع الشيب في شعره بالنسبة إلى قوله صلى الله عليه وسلم ((من شاب شيبة في الإسلام)) , إنما يؤجر عليهما من بلي بهما).
حكم صوم يوم عرفة بعرفة
404- (نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة)ضعيف.
نقول هذا بياناُ لحقيقة هذا الحديث , ولكي لا يغتر به جاهل , فيحرم به صيام يوم عرفة على الحاج , تمسكاُ بظاهر النهي , وإلا فالأحب إلينا أن يفطر الحاج هذا اليوم , لأنه أقوى له على أداء النسك , ولأنه هو الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من فعله في حجة الوداع.(1/24)
انظر رسالتنا ((حجة النبي صلى الله عليه وسلم)) وإليه يشير كلام أحمد رحمه الله , فقد قال ابنه عبد الله بن أحمد في مسائله سألت أبي عن الرجل يصوم تطوعا في السفر فهل يأثم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصوم في السفر فقال إن صام في سفر صوم فريضة أجزأه ولايعجبني أن يصوم تطوعا ولا فريضة في سفر.
النهي عن صيام الدهر
459- (صام نوح عليه الصلاة والسلام الدهر إلا يوم الفطر ويوم الأضحى)ضعيف.
ثم إن الحديث لو صح , لم يجز العمل به , لأنه شريعة من قبلنا , وهي ليست شريعة لنا على ما هو الراجح عندنا , ولا سيما وقد ثبت النهي عن صيام الدهر في غيرما حديث عنه صلى الله عليه وسلم , حتى قال صلى الله عليه وسلم في رجل يصوم الدهر :(وددت أنه لم يطعم الدهر)رواه النسائي بسند صحيح.
كتاب الحج
زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
45- (من حج البيت , ولم يزرني , فقد جفاني)موضوع.
ومما يدل على وضعه أن جفاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكبائر , إن لم يكن كفراً , وعليه فمن ترك زيارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون مرتكباً لذنب كبير , وذلك يستلزم أن الزيارة واجبة كالحج , وهذا مما لا يقوله مسلم , ذلك لأن زيارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كانت من القربات , فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات , فكيف يكون تاركها مجافياً للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعرضاً عنه؟
47- (من حج , فزار قبري بعد موتي , كان كمن زارني في حياتي)موضوع.(1/25)
اعلم أنه قد جاءت أحاديث أخرى في زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وقد ساقها كلها السبكي في "الشفاء" , وكلها واهية , وبعضها أوهى من بعض , وهذا أجودها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الآتي ذكره , وقد تولى بيان ذلك الحافظ ابن عبد الهادي في الكتاب المشار إليه آنفاً بتفصيل وتحقيق لا تراه عند غيره , فليرجع إليه من شاء.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" : (أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة لا يعتمد على شىء منها في الدين . ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئاً منها، وإنما يرويها من يروى الضعاف كالدارقطنى والبزار وغيرهما).
ثم ذكر هذا الحديث , ثم قال : (فإن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته وكان مؤمناً به كان من أصحابه، لا سيما إن كان من المهاجرين إليه المجاهدين معه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تسبوا أصحابي، فوالذى نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ م أحدهم ولا نَصِيفه ) أخرجاه في الصحيحين والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين "يعني زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه فهو مستحب).(1/26)
تنبيه: يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا كذب وافتراء , وليست هذه أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى وعليهم , وكل من اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستحبابها إذا لم يقرن بها شيء من المخالفات والبدع , مثل شد الرحل , والسفر إليها , لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).
والمستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط – كما يظن كثيرون – بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه , سواء كان مسجداً , أو قبراً , أو غير ذلك , بدليل ما رواه أبوهريرة قال "في حديث له": فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري , فقال من أين أقبلت ؟ فقلت : من الطور. فقال : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت , سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد.....)الحديث , أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح , وهو مخرج في "أحكام الجنائز".
فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه , ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما , فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة , فمن طعن فيه , فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم , ورحم الله من قال :
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
الأصل الإحرام من المواقيت المعروفة
210- (من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك)منكر.
أخرجه البيهقي , عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عز وجل : (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّه)البقرة196 , قال فذكره.
وقد روى البيهقي كراهة الإحرام قبل الميقات عن عمر وعثمان رضي الله عنهما , وهو الموافق لحكمة تشريع المواقيت.(1/27)
وما أحسن ما ذكره الشاطبي رحمه الله في "الاعتصام" ومن قبله الهروي في "ذم الكلام" عن الزبير بن بكار قال : حدثني سفيان بن عيينة قال : (سمعت مالك بن أنس , وأتاه رجل , فقال : يا ابا عبد الله , من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة , من حيث أحرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد عند القبر , قال : لا تفعل , فإني أخشى عليك الفتنة , فقال : وأي فتنة في هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها , قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ إني سمعت الله يقول : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)النور63 .
فانظر مبلغ أثر الأحاديث الضعيفة في مخالفة الأحاديث الصحيحة والشريعة المستقرة , ولقد رأيت بعض مشايخ الأفغان هنا في دمشق في إحرامه , وفهمت منه أنه أحرم من بلده , فلما أنكرت ذلك عليه احتج علي بهذا الحديث , ولم يدر المسكين أنه ضعيف لا يحتج به لمخالفته سنة المواقيت المعروفة , وهذا مما صرح به الشوكاني في "السيل الجرار".
ونحو هذا الحديث الآتي :
211- (من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , أو وجبت له الجنة)حديث ضعيف.
قال السندي , وتبعه الشوكاني : (يدل على جواز تقديم الإحرام على الميقات).
قلت : كلا , بل دلالته أخص من ذلك , أعني أنه إنما يدل على أن الإحرام من بيت المقدس خاصة أفضل من الإحرام من المواقيت , وأما غيره من البلاد , فالأصل الإحرام من المواقيت المعروفة , وهو الأفضل , كما قرره الصنعاني في "سبل السلام" , وهذا على فرض صحة الحديث , أما وهو لم يصح , فبيت المقدس كغيره في هذا الحكم , لما سبق بيانه قبل حديث , ولا سيما أنه قد روي ما يدل عليه بعمومه , وهو :(1/28)
212- (ليستمتع أحدكم بحله ما استطاع , فإنه لا يدري ما يعرض في إحرامه)حديث ضعيف.
الحج راكبا أفضل
495-(من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبع مئة حسنة كل حسنة مثل حسنات الحرم قيل وما حسنات الحرم قال لكل حسنة مائة ألف حسنة)ضعيف جدا.
496- (إن للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة والماشي بكل خطوة يخطوها سبع مئة حسنة)ضعيف.
وروي بلفظ (من حج راكبا كان له بكل خطوة حسنة ومن حج ماشيا كان له بكل خطوة سبعين حسنة من حسنات الحرم قال قلت وما حسنات الحرم قال الحسنة بمئة ألف)ضعيف.
وكيف يكون صحيحا وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام حج راكبا فلو كان الحج ماشيا أفضل لاختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم . ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن الحج راكبا أفضل .
كتاب المرأة والنكاح وما يتعلق به و تربية الأولاد
جواز الطلاق
147- (تزوجوا ولا تطلقوا , فإن الطلاق يهتز له العرش)موضوع.
وكيف لا يكون هذا الحديث موضوعاً , وقد طلق جماعة من السلف , بل صح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلق زوجته حفصة بنت عمر رضي الله عنهما؟.
جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه
195- (إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته , فلا ينظر إلى فرجها , فإن ذلك يورث العمى)موضوع.
والنظر الصحيح يدل على بطلان هذا الحديث , فإن تحريم النظر بالنسبة للجماع , من باب تحريم الوسائل , فإذا أباح الله تعالى للزوج أن يجامع زوجه , فهل يعقل أن يمنعه من النظر إلى فرجها ؟ اللهم لا , ويؤيد هذا من النقل حديث عائشة قالت : ( كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء بيني وبينه واحد , فيبادرني , حتى أقول : دع لي , دع لي) أخرجه الشيخان وغيرهما.(1/29)
فإن الظاهر من الحديث جواز النظر , ويؤيده رواية ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته ؟ فقال : سألت عطاء فقال : سألت عائشة , فذكرت هذا الحديث بمعناه.
قال الحافظ : (وهو نص في جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته , وعكسه).
وإذا تبين هذا , فلا فرق حينئذ بين النظر عند الاغتسال أو الجماع , فثبت بطلان الحديث.
استحباب الإذان وغرابة الإقامة في أذن المولود
321- (من ولد له مولود , فأذن في أذنه اليمنى , وأقام في أذنه اليسرى , لم تضره أم الصبيان)موضوع.
قلت : وقد خفي وضع هذا الحديث على جماعة ممن صنفوا في الأذكار والأوراد , كالإمام النووي رحمه الله , فإنه أورده في كتابه برواية ابن السني , دون أن يشير ولو إلى ضعفه فقط , وسكت عليه شارحه ابن علان , فلم يتكلم على سنده بشيء , ثم جاء ابن تيمية من بعد النووي , فأورده في "الكلم الطيب" ثم تبعه تلميذه ابن القيم في "الوابل الصيب" , إلا أنهما قد أشارا إلى تضعيفه بتصديرهما إياه بقولهما : "ويذكر" , وهذا وإن كان يرفع عنهما مسؤولية السكوت عن تضعيفه , فلا يرفع مسؤولية إيراده أصلاً , فإن فيه إشعار أنه ضعيف فقط , وليس بموضوع , وإلا لما أورداه إطلاقاً , وهذا ما يفهمه كل من وقف عليه في كتابيهما.
ولا يخفى ما فيه , فقد يأتي من بعدهما من يغتر بصنيعهما هذا –وهما الإمامان الجليلان- فيقول : لا بأس , فالحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال , أو يعتبر شاهداً لحديث آخر ضعيف يقويه به , ذاهلاً عن أنه يشترط في هذا أو ذاك أن لا يشتد ضعفه.(1/30)
وقد رأيت من وقع في شيء مما ذكرت , فقد روى الترمذي بسند ضعيف عن أبي رافع قال : (رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة) , وقال الترمذي : (حديث صحيح , والعمل عليه) , فقال شارحه المباركفوري بعد أن بين ضعف إسناده مستدلاً بكلمات الأئمة في رواية عاصم بن عبيدالله : (فإن قلت : كيف العمل عليه وهو ضعيف ؟ قلت : نعم , وهو ضعيف , لكنه يعتضد بحديث الحسين بن علي رضي الله عنهما , الذي رواه أبو يعلى الموصلي وابن السني).
فتأمل كيف قوى الضعيف بالموضوع , وما ذلك إلا لعدم علمه بوضعه , واغتراره بإيراده من ذكرنا من العلماء , وكدت أن أقع أنا أيضاً في مثله , فانتظر.
نعم , يمكن تقوية حديث أبي رافع بحديث ابن عباس : (أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد , وأقام في أذنه اليسرى) , أخرجه البيهقي في "الشعب" مع حديث الحسن بن علي , وقال : (وفي إسنادهما ضعف) , ذكره ابن القيم في "التحفة".
قلت : فلعل إسناد هذا خير من إسناد حديث الحسن , بحيث إنه يصلح شاهداً لحديث رافع , والله أعلم.
فإذا كان كذلك , فهو شاهد للتأذين , فإنه الذي ورد في حديث أبي رافع , وأما الإقامة فهي غريبة, والله أعلم.
وجوب التسوية بين الأولاد في العطية
359- (كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين)ضعيف
ومن الغريب أن بعضهم استدل بهذا الحديث على عدم وجوب التسوية بين الأولاد في العطية خلافا للحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لبشر والد النعمان وكان أعطى أحد أولاده غلاما أعطيت سائر ولدك مثل هذا قال لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حيث النعمان بن بشير وفي رواية لمسلم وغيره فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق وفي رواية فإني لا أشهد على جور . وانظر الحديث رقم 340(1/31)
ومع أن الحديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به , فإنه لا يخالف حديث النعمان بن بشير , والتوفيق بينهما ممكن , وذلك أن يقال : هذا عام , وحديث النعمان خاص , وهو مقدم عليه , فيكون معنى الحديث – لو صح- : كل أحد أحق بماله إذا صح أنه ماله شرعاُ , وابن بشير لم يتملك الغلام شرعاُ كما أفاده حديث النعمان فلا تعارض , وراجع لهذا البحث (الروضة الندية).
حكم نكاح الرجل ابنته من الزنى
387- (ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام)باطل.
وقد استدل بهذا الحديث على تحريم نكاح الرجل ابنته من الزنى , وهو قول الحنيفية , وهو وإن كان الراجح من حيث النظر , لكن لا يجوز الاستدلال عليه بمثل هذا الحديث الباطل , وقد قابلهم المخالفون بحديث آخر , وهو :
388- (لا يحرم الحرام إنما يحرم ما كان بنكاح حلال)باطل ...
أخرجه الطبراني , وابن عدي , وابن حبان , والدارقطني , و البيهقي , عن عائشة قالت : (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يتبع المرأة حراماُ , أينكح ابنتها , أو يتبع الابنة حراماُ , أينكح أمها؟ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .......) فذكره.
وقد استدل بالحديث الشافعية وغيرهم على أنه يجوز للرجل أن يتزوج ابنته من الزنى , وقد علمت أنه ضعيف , فلا حجة فيه.
والمسألة اختلف فيها السلف , وليس فيها نص مع أحد الفريقين , وإن كان النظر والاعتبار يقتضي تحريم ذلك عليه , وهو مذهب أحمد وغيره , ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية فانظر ((الاختيارات)) له , وتعليقنا على الصفحة 36-39 من كتابنا ((تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)).
لم يثبت في السنة التفريق بين عورة الحرة وعورة الأمة
424-(لا بأس أن يقلب الرجل الجارية إذا أراد أن يشتريها وينظر إليها ما خلا عورتها وعورتها مابين ركبتيها إلى معقد إزارعا)موضوع.(1/32)
واعلم أنه لم يثبت في السنة التفريق بين عورة الحرة وعورة الأمة , وقد ذكرت ذلك مع شيء من التفصيل في كتابي ((حجاب المرأة المسلمة)) , فليراجع إليه من شاء , وهو الآن تحت الطبع مع زيادات وفوائد جديدة ومقدمة ضافية في الرد على متعصبة المقلدين بإذنه تعالى.
مشاورة النساء
430- (شاوروهن يعني النساء وخالفوهن) لا أصل له.
كما أفاده السخاوي , ثم المناوي , ولعل أصل هذه الجملة ما رواه العسكري في الأمثال عن عمر قال (خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة). وسنده ضعيف.
ثم إن معنى الحديث ليس صحيحاٌ على إطلاقه , لثبوت عدم مخالفته صلى الله عليه وسلم لزوجته أم سلمة حين أشارة عليه بأن ينحر أمام أصحابه في صلح الحديبية حتى يتابعوه في ذلك.
أفضل الأسماء
437- (من ولد له ثلاثة فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل)موضوع.
هذا وإننا نعلم أن كثيراٌ من الصحابة كان لهم ثلاثة أولاد وأكثر , ولم يسم أحداٌ منهم محمداٌ , مثل عمر بن الخطاب وغيره , وأيضاٌ فقد ثبت أن أفضل الأسماء عبدالله , وعبدالرحمن , وهكذا عبدالرحيم , وعبداللطيف , وكل اسم تعبد لله عز وجل , فلو أن مسلماُ سمى أولاده كلهم عبيد لله تعالى , ولم يسم أحدهم محمداُ , لأصاب , فكيف يقال فيه (فقد جهل)؟ ولا سيما أن في السلف من ذهب الى كراهة التسمي بأسماء الأنبياء , وأن كنا لا نرصى ذلك لنا مذهباُ.
وإن من توفيق الله عز وجل إياي أن ألهمني أن أعبد له أولادي كلهم , وهم :عبدالرحمن , وعبدالرزاق , من زوجتي الأولى –رحمهما الله تعالى- وعبدالمصور , وعبدالأعلى , من زوجتي الأخرى , والاسم الرابع ما أظن أن أحداُ سبقني إليه على كثرة ما وقفت عليه من الأسماء من كتب الرجال والرواة , ثم اتبعني على هذه التسمية بعض المحبين , ومنهم واحد من فضلاء المشائخ جزاهم الله خيراُ.
أسأل الله تعالى أن يزيدني توفيقاُ , وأن يبارك لي آلي .(1/33)
ثم رزقت سنة 1383هـ وأنا في المدينة المنورة غلاماُ , فسميته محمداُ , ذكرى مجينته صلى الله عليه وسلم , وعملاُ بقوله صلى الله عليه وسلم (تسموا باسمى , ولا تكنوا بكنيتي)متفق عليه.
وفي سنة 1386هـ رزقت بأخ له , فسميته عبدالمهيمن , والحمد لله على توفيقه.
كتاب المرض والطب والعيادة و الجنائز والقبور
قراءة القرآن عند القبور بدعة
50- (من زار قبر والديه كل جمعة , فقرأ عندهما أو عنده [يس] , غفر له كل آية أو حرف)موضوع.
الحديث يدل على استحباب قراءة القرآن عند القبور , وليس في السنة الصحيحة ما يشهد لذلك , بل هي تدل على أن المشروع عند زيارة القبور إنما هو السلام عليهم , وتذكر الآخرة فقط , وعلى ذلك جرى عمل السلف الصالح رضي الله عنهم , فقراءة القرآن عندها بدعة مكروهة , كما صرح جماعة من العلماء المتقدمين , منهم أبوحنيفة , ومالك , وأحمد في رواية كما في "شرح الإحياء" للزبيدي قال : (لأنه لم ترد به سنة , وقال محمد بن الحسن وأحمد في رواية : لا تكره , لما روي عن ابن عمد أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها).
قلت : هذا الأثر عن ابن عمر لا يصح سنده إليه , ولو صح , فلا يدل إلا على القراءة عند الدفن لا مطلقاً , كما هو ظاهر.
فعليك أيها المسلم بالسنة , وإياك والبدعة , وإن رآها الناس حسنة , فإن (كل بدعة ضلالة) , كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
من سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القولية والفعلية المعالجة بالأدوية المادية
152- (استشفوا بما حمد الله به نفسه قبل أن يحمده خلقه , وبما مدح الله به نفسه : (الْحَمْدُ للّه) , و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) , فمن لم يشفيه القرآن , فلا شفاه الله)حديث ضعيف جداً.(1/34)
هذا الحديث يوحي بترك المعالجة بالأدوية المادية , والأعتماد فيها على تلاوة القرآن , وهذا شيء لا يتفق في قليل ولا كثير مع سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القولية والفعلية , فقد تعالج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأدوية المادية مراراً , وأمر بذلك فقال : ( يا عباد الله تداووا , فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء) أخرجه الحاكم بسند صحيح , وهو مخرج في "غاية المرام" عن جمع من الصحابة نحوه.
153- (من استشفى بغير القرآن , فلا شفاه الله تعالى)موضوع.
وأصل هذا اللفظ في الحديث الذي قبله.
لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج
225- (لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائرات القبور , والمتخذين عليها المساجد والسرج)ضعيف بهذا السياق والتمام.
قلت : فهذا الحديث لا يحسن تحسينه , كما فعل الترمذي , فكيف تصحيحه , كما فعل أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" وعلى "سنن الترمذي" ؟ وهذا التحسين والتصحيح بالإضافة إلى اشتهار الاستدلال بهذا الحديث على تحريم إيقاد السرج , حملني على أن أبين حقيقة إسناد هذا الحديث , لكي لا ينسب إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يقله.
نعم , قد جاء غالب الحديث من طرق أخرى , فلعن زائرات القبور , رواه ابن ماجه , والحاكم , والبيهقي , وأحمد , من حديث حسان بن ثابت , والترمذي وابن ماجه , والبيهقي , والطيالسي , وأحمد عن أبي هريرة بلفظ : (زوارات القبور) , انظر "أحكام الجنائز".
ولعن المتخذين على القبور المساجد , متواتر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في "الصحيحين" وغيرهما من حديث عائشة , وابن عباس , وأبي هريرة , وزيد بن ثابت , وأبي عبيدة بن الجراح , وأسامة بن زيد , وقد سقت أحاديثهم وخرجتها في "التعليقات الجياد على زاد المعاد" ثم في "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد".(1/35)
ونص حديث عائشة وابن عباس مرفوعاً : (لعنة الله على اليهود والنصارى , اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد) , زاد أحمد في روايته : (يحرم ذلك على أمته).
وأخرج أيضاً حديث ابن مسعود مرفوعاً : ( إن شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء , ومن يتخذ القبور مساجد).
ومع هذه الأحاديث الكثيرة في لعن من يتخذ المساجد على القبور , تجد كثيراً من المسلمين يتقربون إلى الله ببنائها عليها والصلاة فيها , وهذا عين المحادة لله ورسوله.
وأما لعن المتخذين عليها السرج , فلم نجد في الأحاديث ما يشهد له , فهذا القدر من الحديث ضعيف , وإن لهج إخواننا السلفيون في بعض البلاد بالاستدلال به , ونصيحتي إليهم أن يمسكوا عن نسبته إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لعدم صحته , وأن يستدلوا على منع السرج على القبور بعمومات الشريعة , مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (كل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار) , ومثل نهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعة المال , ونهيه عن التشبه بالكفار , ونحو ذلك.
الجوع يفيد في شفاء الأمراض الامتلائية
252- (البطنة أصل الداء , والحمية أصل الدواء , وعودوا كل جسم ما اعتاد)لا أصل له.
قال المحقق ابن القيم في "زاد المعاد" :( وأما الحديثُ الدائرُ على ألسنةِ كثير من الناس: "الحِميةُ رأسُ الدواءِ، والمَعِدَةُ بيتُ الداءِ، وعوِّدُوا كلَّ جسم ما اعتاد" فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث ابن كلَدَةَ طبيب العرب، ولا يصحُّ رفعُه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، قاله غيرُ واحد من أئمة الحديث).
لكن ذكر السخاوي أن الخلال روى من حديث عائشة : (الأزم دواء , والمعدة داء , وعودوا بدناً ما اعتاد) , وظاهره أنه مرفوع , وقد صرح بذلك السيوطي في "الدرر" كما في "كشف الخفاء" , وأورده في "الجامع الكبير" , ولكنهم لم يذكروا إسناده لينظر فيه , وغالب الظن أنه لا يصح , والله أعلم.(1/36)
ثم رأيت ابن القيم ذكره في "الزاد" من كلام الحارث بن كلدة أيضاً بهذا اللفظ , وهو الأشبه.
ثم قال ابن القيم : (والأزْمُ دَوَاءٌ، والأزم: الإمساكُ عن الأكل يَعنى به الجوع، وهو من أكبر الأدوية فى شفاء الأمراض الامتلائية كلِّها بحيثُ إنه أفضلُ فى عِلاجها من المستفرغات).
وبهذه المناسبة أقول : لقد جوعت نفسي في أواخر سنة 1379 أربعين يوماً متتابعاً , لم أذق في أثنائها طعاماً قط , ولم يدخل جوفي إلا الماء , وذلك طلباً للشفاء من بعض الأدواء , فعوفيت من بعضها دون بعض , وكنت قبل ذلك تداويت عند بعض الأطباء نحو عشر سنوات دون فائدة ظاهرة , وقد خرجت من التجويع المذكور بفائدتين ملموستين :
الأولى : استطاعة الإنسان تحمل الجوع تلك المدة الطويلة , خلافاً لظن الكثيرين من الناس.
والأخرى : أن الجوع يفيد في شفاء الأمراض الامتلائية , كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى , وقد يفيد في غيرها أيضاً , كما جرب كثيرون , ولكنه لا يفيد في جميع الأمراض على اختلاف الأجسام , خلافاً لما يستفاد من كتاب "التطبيب بالصوم" لأحد الكتاب الأوروبيين , وفوق كل ذي علم عليم.
لم يرد إطلاق الحج إلى شيء مما يزار إلا بيت الله الحرام
265- (يا أبا هريرة , علم الناس القرآن , وتعلمه , فإنك إن مت وأنت كذلك , زارت الملائكة قبرك كما يزاز البيت العتيق , وعلم الناس سنتي , وإن كرهوا ذلك , وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة , فلا تحدث في دين الله حدثاً برأيك)موضوع.
أخرجه الخطيب , وأبو الفرج بن المسلمة , من طريق عبدالله بن صالح اليماني : حدثني أبو همام القرشي عن سليمان بن المغيرة عن قيس بن مسلم عن طاوس عن أبي هريرة مرفوعاً .
ومن هذا الوجه ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" , وقال : (لا يصح , وأبو همام : محمد بن مجيب [الأصل ك مجبب , وهو تصحيف] , قال يحيى : كذاب , وقال حاتم : ذاهب الحديث).(1/37)
وتعقبه السيوطي في "اللآلىء بقوله : (قلت : له طريق آخر , قال أبو نعيم : حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر حدثنا محمد بن عبدالرحيم بن شبيب عن محمد بن قدامة المصيصي عن جرير عن الأعمش عن صالح عن أبي هريرة مرفوعاً).
قلت : فذكره نحوه , إلا أنه قال (فإن أتاك الموت وأنت كذلك , حجت الملائكة إلى قبرك , كما يحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام).
وسكت عليه السيوطي , وهو بهذا اللفظ أشد نكارة عندي من الأول , لما فيه من ذكر الحج إلى القبر , فإنه تعبير مبتدع لا أصل له في الشرع , ولم يرد فيه إطلاق الحج إلى شيء مما يزار إلا بيت الله الحرام , وإنما يطلق الحج إلى القبور , المبتدعة الذين يغالون في تعظيم القبور , مثل شد الرحال إليها , والبيات عندها , والطواف حولها , والدعاء والتضرع لديها , ونحو ذلك مما هو من شعائر الحج , حتى لقد ألف بعضهم كتاباً سماه "مناسك حج المشاهد والقبور" , على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه , وهذا ضلال كبير لا يشك مسلم شم رائحة التوحيد الخالص في كونه أكره شيء إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فكيف يعقل إذن أن ينطق عليه السلام بهذا الكلمة : (حجت الملائكة إلى قبرك كما يحج المؤمنون إلى بيت الله الحرم) ؟ , اللهم إن القلب يشهد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما صدر منه حرف من هذا , فقبح الله من وضعه.
كتاب التاريخ والسيرة وفضائل الصحابة
لا يجوز نفى النسيان عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
101- (أما إني لا أنسى , ولكن أنسى لأشرع)باطل لا أصل له.
ظاهر الحديث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينسى بباعث البشرية , وإنما ينسيه الله ليشرع , وعلى هذا فهو مخالف لما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما من حديث ابن مسعود مرفوعاً : (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون , فإذا نسيت فذكروني).(1/38)
ولا ينافي هذا أن يترتب على نسيانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم وفوائد من البيان والتعليم , والقصد أنه لا يجوز نفى النسيان الذي هو طبيعة البشر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا الحديث الباطل , لمعارضته لهذا الحديث الصحيح.
الملائكة لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون(1/39)
170- (إِنَّ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهْبَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْأَرْضِ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ أَيْ رَبِّ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ قَالُوا رَبَّنَا نَحْنُ أَطْوَعُ لَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ هَلُمُّوا مَلَكَيْنِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى يُهْبَطَ بِهِمَا إِلَى الْأَرْضِ فَنَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلَانِ قَالُوا رَبَّنَا هَارُوتُ وَمَارُوتُ فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ وَمُثِّلَتْ لَهُمَا الزُّهَرَةُ امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ فَجَاءَتْهُمَا فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْإِشْرَاكِ فَقَالَا وَاللَّهِ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ أَبَدًا فَذَهَبَتْ عَنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَتْ بِصَبِيٍّ تَحْمِلُهُ فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَقْتُلَا هَذَا الصَّبِيَّ فَقَالَا وَاللَّهِ لَا نَقْتُلُهُ أَبَدًا فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ بِقَدَحِ خَمْرٍ تَحْمِلُهُ فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا قَالَتْ لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذَا الْخَمْرَ فَشَرِبَا فَسَكِرَا فَوَقَعَا عَلَيْهَا وَقَتَلَا الصَّبِيَّ فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا شَيْئًا مِمَّا أَبَيْتُمَاهُ عَلَيَّ إِلَّا قَدْ فَعَلْتُمَا حِينَ سَكِرْتُمَا فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا)باطل مرفوعاً.(1/40)
ومما يدل على بطلان الحديث أن فيه وصف الملكين بأنهما عصيا الله تبارك وتعالى بأنواع من المعاصي على خلاف وصف الله تعالى لعموم ملائكته في قوله عز وجل :( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون)التحريم6.
وقد رويت فتنة الملكين في أحاديث أخرى ثلاثة , سيأتي الكلام عليها في المجلد الثاني أن شاء الله تعالى.
لوعاش إبراهيم لكان نبياً
220- (إِنَّ لَه [يعني إبراهيم بن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ُمُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَلَوْ عَاشَ لَعَتَقَتْ أَخْوَالُهُ الْقِبْطُ وَمَا اسْتُرِقَّ قِبْطِيٌّ)حديث ضعيف.
أخرجه ابن ماجه من طريق إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَال : فذكره.َ
وهذا سند ضعيف من أجل إبراهيم بن عثمان , فإنه متفق على ضعفه.
ولكن الجملة الأولى من الحديث وردت من حديث البراء , رواه أحمد , وغيره بأسانيد بعضها صحيح.
والجملة الثانية وردت عن عبدالله بن أبي أوفى , قيل له : رأيت إبراهيم ابن رسول الله ؟ قال : ( مات وهو صغير , ولو قضي أن يكون بعد محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي , لعاش ابنه , ولكن لا نبي بعده) رواه البخاري في "صحيحه" , وابن ماجه , وأحمد ولفظه : (ولو كان بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي ما مات ابنه إبراهيم).
وعن أنس قال : (رحمة الله على إبراهيم , لو عاش , كان صديقاً نبياً) أخرجه أحمد , بسند صحيح على شرط مسلم , ورواه ابن منده وزاد : (ولكن لم يكن ليبقى , لأن نبيكم آخر الأنبياء) كما في "الفتح" للحافظ ابن حجر وصححه.(1/41)
وهذه الرويات , وإن كانت موقوفة , فلها حكم الرفع إذ هي من الأمور الغيبية التي لا مجال للرأي فيها , فإذا عرفت هذا يتبين لك ضلال القاديانية في احتجاجهم بهذه الجملة : (لو عاش إبراهيم لكان نبياً) , على دعواهم الباطلة في استمرار النبوة بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنها لا تصح هكذا عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وإن ذهبوا إلى تقويتها بالآثار التي ذكرنا كما صنعنا نحن فهي تلقمهم حجراً , وتعكس دليلهم عليهم , إذ إنها تصرح أن وفاة إبراهيم عليه السلام صغيراً كان بسبب أنه لا نبي بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ولربما جادلوا في هذا – كما هو دأبهم – وحاولوا أن يوهنوا من الاستدلال بهذا الآثار , وأن يرفعوا عنها حكم الرفع , ولكنهم لم ولن يستطيعوا الانفكاك مما ألزمناهم به من ضعف دليلهم هذا , ولو من الوجه الأول , وهو أنه لم يصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرفوعاً صراحة.
قصة افتتان داود عليه السلام
313- (كان خطيئة داود عليه السلام النظر)موضوع.
رواه الديلمي بسند عن مجالد بن سعيد [عن] الشعبي عن الحسن عن سمرة قال : قدم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد عبد القيس , وفيهم غلام ظاهر الوضاءة , فأجلسه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف ظهره , وقال : فذكره.
قال ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" : (لا أصل لهذا الحديث).
وقال الزركشي في "تخريج أحاديث الشرح" : (هذا حديث منكر فيه ضعفاء , ومجاهيل , وانقطاع , قال : وقد استدل على بطلانه بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إني أراكم من وراء ظهري).
كذا في "ذيل الأحاديث الموضوعة" للسيوطي , و"تنزيه الشريعة" لابن عراق.(1/42)
قلت : والاستدلال المذكور فيه نظر , لأن رؤية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خلفه إنما هي في حالة الصلاة , كما تدل عليه الأحاديث الواردة في الباب , وليس هناك ما يدل على أنها مطلقة في الصلاة وخارجها , فتأمل.
وللحديث طريق أخرى , رواها أبو نعيم في "نسخة أحمد بن نبيط" , وهي موضوعة.
ولعل أصله من الإسرائليات التي كان يرويها بعض أهل الكتاب , تلقاها عنه بعض المسلمين , فوهم بعض الرواة , فرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد رأيت الحديث في "كتاب الورع" لابن الدنيا موقوفاً على ابن جبير , فقال نا محمد بن حسان الستمي عن خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير قال : (كانت فتنة داود عليه السلام في النظر).
وهذا الإسناد ضعيف , وهو مع ذلك أولى من المرفوع.
وقصة افتتان داود عليه السلام بنظره إلى امرأة الجندي (أوريا) مشهورة مبثوثة في كتب قصص الأنبياء , وبعض كتب التفسير , ولا يشك مسلم عاقل في بطلانها , لما فيها من نسبة ما لا يليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , مثل محاولته تعرض زوجها للقتل , ليتزوجها من بعده.
وقد رويت هذا القصة مختصرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فوجب ذكرها , والتحذير منها , وبيان بطلانها , وهي :
314 - (إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثا وأوحى إلى صاحب البعث فقال إذا حضر العدو فقرب فلانا وسماه قال فقربه بين يدي التابوت قال وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة) باطل.(1/43)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعاً , كما في "تفسير القرطبي" , وقال ابن كثير في تفسيره : ( رواه ابن أبي حاتم , ولا يصح سنده , لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس , ويزيد , وإن كان من الصالحين , لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة).
والظاهر أنه من الإسرائيليات التي نقلها أهل الكتاب الذين لا يعتقدون العصمة في الأنبياء , أخطأ يزيد الرقاسي , فرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وقد نقل القرطبي عن ابن العربي المالكي أنه قال : (وأما قولهم : إنها أعجبته , أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل الله , فهذا باطل قطعاً , فإن داود صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن ليريق دمه في غرض نفسه).
الصواب في الذبيح هو إسماعيل عليه السلام
332- (الذبيح إسحاق)ضعيف.(1/44)
واحتمال أن يكون من الإسرائيليات , بل هو الغالب , ولقد ذهب المحققون من العلماء , كشيخ الإسلام ابن تيمية , وابن القيم , وابن كثير , وغيرهم إلى أن الصواب في الذبيح أنه إسماعيل عليه السلام , قال ابن القيم في الزاد ((وأمّا القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجهاً، وسمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية قدّس اللّه روحه يقول: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكِتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم، فإن فيه: إن اللّه أمر إبراهيم أن يذبح ابنَه بكره، وفي لفظ: وحيده، ولا يشكُّ أهلُ الكِتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده، والذي غرَّ أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم: اذبح ابنك إسحاق، قال: وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم، لأنها تناقض قوله: اذبح بكرك ووحيدك،ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف، وأحبوا أن يكون لهم، وأن يسوقوه إليهم، ويختاروه لأنفسهم دون العرب، ويأبى اللَّهُ إلا أن يجعل فضله لأهله. وكيف يسوغ أن يُقال: إن الذبيح إسحاق، واللّه تعالى قد بشر أم إسحاق به وبابنه يعقوب، فقال تعالى عن الملائكة: إنهم قالوا لإِبراهيم لما أتوه بالبشرى: {لاَ تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَىَ قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 70-71] فمحال أن يبشرها بأنه يكون لها ولد، ثم يأمر بذبحه...)).
ثم ذكر وجوهاً أخرى في إبطال أنه إسحاق , وتصويب أنه إسماعيل , فليراجعا من شاء.
تفسير قوله تعالى فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا
342- (لما حملت حواء طاف بها ابليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث، فسمته عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره)ضعيف.(1/45)
ومما يبين ضعف هذا الحديث الذي فسر به قوله تعالى (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )الأعراف190 , أن الحسن نفسه فسر الآية بغير ما في حديثه هذا , فلو كان عنده صحيحاُ مرفوعاُ , لما عدل عنه , فقال في تفسيرها :(كان هذا بعض أهل الملل ,ولم يكن بآدم).
ذكر ذلك ابن كثير من طرق عنه , ثم قال :(وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن أنه فسر الآية بذلك , وهو من أحسن التفاسير , وأولى ما حملت عليه الآية) . وانظر تمام كلامه , فإنه نفيس.
ونحوه في (التبيان في أقسام القرآن) لابن القيم.
نبينا صلى الله عليه وسلم هو سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين
353- (إن الله تعالى أوحى إلي في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي أنه سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين)موضوع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (هذا حديث موضوع عند من له أدنى معرفة بالحديث , ولا تحل نسبته إلى الرسول المعصوم , ولا نعلم أحداُ هو : سيد المسلمين , وإمام المتقين , وقائد الغر المحجلين غير نبينا صلى الله عليه وسلم , واللفظ مطلق , ما قال فيه : من بعدي).
وأقره الذهبي في (مختصر المنهاج).
معرفة آدم عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم
403- (نزل آدم بالهند واستوحش فنزل جبريل فنادى بالأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين قال آدم من محمد قال آخر ولدك من الأنبياء صلى الله عليه وسلم)ضعيف.(1/46)
وهذا الحديث مع ضعفه أقوى من الحديث المتقدم بلفظ : (لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى إسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) وهو صريح في أن آدم عليه السلام كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الجنة قبل هبوطه إلى الأرض , وهذا صريح في أن آدم عليه السلام لم يعرف محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعد نزوله إلى الأرض , ولذلك سأل جبريل : ومن محمد , فهذا من أدلة بطلان ذلك الحديث , كما سبق بيانه عند تحقيق الكلام على وضعه , فتذكر أو راجع إن شئت.
وأنا لا أجير لنفسي الاحتجاج بمثل هذا الحديث , كما هو ظاهر , ولكن التحقيق العلمي يسمح برد الحديث الواهي بالحديث الضعيف ما دام ضعفه أقل منه كما لا يخفى على من مارس هذا العلم الشريف.
أفضل النبيين هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
(ألا أخبركم بأفضل الملائكة جبريل عليه السلام وأفضل النبيين آدم وأفضل الأيام يوم الجمعة وأفضل الشهور شهر رمضان وأفضل الليالي ليلة القدر وأفضل النساء مريم بنت عمران)موضوع.
هذا وأن أفضل النبيين إنما هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , بدليل الحديث الصحيح (أنا سيد الناس يوم القيامة.....)أخرجه مسلم.
فهذا يدل على وضع هذا الحديث.
كتاب المستقبل و أشراط الساعة
الطائفة القاديانية
77- (لا مهدي إلا عيسى)منكر.(1/47)
أخرجه ابن ماجه , والحاكم , وابن الجوزي , وابن عبدالبر , وأبو عمرو الداني , والسلفي , والخطيب من طريق مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مرفوعاً بلفظ : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَارًا وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحًّا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَلَا الْمَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَم).َ
هذا الحديث تستغله الطائفة القاديانية في الدعوة لنبيهم المزعوم , ميرزا غلام أحمد القاداني الذي ادعى النبوة , ثم ادعى أنه عيسى بن مريم المبشر بنزوله في آخر الزمان وأنه لا مهدي إلا عيسى بناء على هذا الحديث المنكر , وقد راجت دعواه على كثيرين من ذوي الأحلام الضعيفة ,شأن كل دعوة باطلة لا تعدم من يتبناها ويدعو إليها , وقد ألفت كتب كثيرة في الرد على هؤلاء الضلال , ومن أحسنها رسالة الأستاذ الفاضل المجاهد أبي الأعلى المودودي رحمه الله في الرد عليها , وكتابه الآخر الذي صدر أخيراً بعنوان "البيانات" , فقد بين فيهما حقيقة القاديانيين , وأنهم مرقوا من دين المسلمين بأدلة لا تقبل الشك , فليراجع إليها من شاء.
تنبيه : قوله في هذا الحديث: (ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس) , هذه الجملة منه صحيحة ثابتة عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى من حديث عبدالله بن مسعود , خرجه مسلم وأحمد.
لا يجوز في الشرع أن يقال فلان خليفة الله
85- ( يقتل عند كنزكم ثلاثة , كلهم ابن خليفة , ثم لا يصير إلى واحد منهم , ثم تطلع الريات السود من قبل المشرق , فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم , ثم ذكر شيئاً لا أحفظه , فقال : فإذا رأيتموه , فبايعوه , ولو حبواً على الثلج , فإنه خليفة الله المهدي).(1/48)
وفي رواية : (إذا رأيتم الرايات السود من قبل خرسان , فأتوها , ولو حبواً....إلخ)منكر.
وهذا الحديث صحيح المعنى دون قوله : (فإن فيها خليفة الله المهدي).
فهذه الزيادة ليس لها طريق ثابت , ولا ما يصلح أن يكون شاهداً لها , فهي منكرة , ومن نكارتها أنه لا يجوز في الشرع أن يقال : فلان خليفة الله , لما فيه إيهام ما لا يليق بالله تعالى من النقص والعجز , وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى , فقال في "الفتاوى" : (وقد ظن بعض القائلين الغالطين ـ كابن عربي ـ أن الخليفة هو الخليفة عن الله، مثل نائب الله، والله لا يجوز له خليفة؛ ولهذا لما قالوا لأبي بكر : يا خليفة الله ! قال : لست بخليفة الله، ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسبي ذلك . بل هو ـ سبحانه ـ يكون خليفة لغيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أنت الصاحب في السفر، الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا ) ؛ وذلك لأن الله حي، شهيد، مهيمن، قيوم، رقيب، حفيظ، غني عن العالمين، ليس له شريك، ولا ظهير، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه . والخليفة إنما يكون عند عدم المستخلف بموت أو غيبة، ويكون لحاجة المستخلف إلي الاست. وسمي [ خليفة ] لأنه خلف عن الغزو،وهو قائم خلفه، وكل هذه المعاني منتفية في حق الله تعالي، وهو منزه عنها؛فإنه حي قيوم شهيد،لا يموت ولا يغيب، وهو غني يرزق ولا يرزق، يرزق عباده، وينصرهم، ويهديهم، ويعافيهم، بما خلقه من الأسباب التي هي من خلقه،والتي هي مفتإليه كافتقار المسببات إلي أسبابها . فالله هو الغني الحميد، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] ، { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ ِ إِلَهٌ } [ الزخرف : 84 ] ، ولا يجوز أن يكون أحد خلفًا منه،ولا يقوم مقامه؛ لأنه لا سمي له، ولا كفء له .(1/49)
فمن جعل له خليفة فهو مشرك به) .
يدعى الناس يوم القيام بأسمائهم وأسماء آبائهم
433- (يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا من الله عز وجل عليهم)موضوع.
هذا وقد ثبت ما يخالف هذا الحديث , ففي سنن أبي داود بإسناد جيد , كما قال النووي في الأذكار من حديث أبي الدرداء مرفوعاٌ (إنكم تدعون يوم القيام بأسمائكم وأسماء آبائكم).
وفي الصحيح من حديث عمر مرفوعاُ (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة , يرفع لكل غادر لواء , فيقال هذا غدرة فلان بن فلان).
والله أعلم.
كتاب المعاملات والآداب والحقوق العامة
كل ما ورد في فضل العقل من الأحاديث لا يصح منها شيء
1- (الدين هو العقل , ومن لا دين له لا عقل له) حديث باطل.
ومما يحسن التنبيه عليه أن كل ما ورد في فضل العقل من الأحاديث لا يصح منها شيء , وهي تدور بين الضعف والوضع , وقد تتبعت ما أورده منها أبوبكر بن أبي الدنيا في كتابه "العقل وفضله" , فوجدتها كما ذكرت , لا يصح منها شيء , فالعجب من مصححه الشيخ محمد زاهد الكوثري كيف سكت عنها ؟ بل أشار في ترجمته للمؤلف إلى خلاف ما يقتضيه التحقيق العلمي , عفا الله عنا وعنه .
وقد قال العلامة ابن القيم في "المنار" :أحاديث العقل كلها كذب .
الأحاديث الواردة في الحدة
26- (الحدة تعتري خيار أمتي)حديث ضعيف.
وقد ورد الحديث بألفاظ وطرق أخرى لا تخلو من كذاب , أذكر ثلاثة منها :
27- ( الحدة تعتري حملة القرآن , لعزة القرآن في أجوافهم)موضوع.
28- (الحدة لا تكون إلا في صالحي أمتي وأبرارها , ثم تفيء)موضوع.
29- (خيار أمتي أحداؤهم , إذا غضبوا , رجعوا)باطل.
أن هذه الأحاديث في الحدة كلها موضوعة الحديث الأول فهو ضعيف لإرساله , والله أعلم .(1/50)
ومن آثار هذه الأحاديث السيئة أنها توحي للمرء بأن يظل على حدته , وأن لا يعالجها , لأنها من خلق المؤمن , وقد وقع هذا فإني ناظرت شيخاً من الأزهر في مسألة لا أذكرها الآن , فاحتد في أثنائها , فأنكرت عليه حدته , فاحتج علي بهذا الحديث فأخبرته بأنه ضعيف , فازداد حدة , وافتخر علي بشهادته الأزهرية , وطالبني بالشهادة التي تؤهلني لأن أنكر عليه , فقلت : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من رأى منكم منكراً...) الحديث رواه مسلم .
التمتع في الدنيا وطيباتها
32- (الدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا والدنيا والآخرة حرام على أهل الله)موضوع.
وحري بمن روى هذا الخبر أن يكون غير ثقة , بل هو كذاب أشر , فإنه خبر باطل لا يشك في ذلك مؤمن عاقل , إذ كيف يحرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المؤمنين أهل الآخرة ما أباحه الله لهم من التمتع بالدنيا وطيباتها , كما في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعا)البقرة29 , وقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)الأعراف32 .(1/51)
ثم كيف يجوز أن يقال : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرم الدنيا والآخرة معاً على أهل الله تعالى , وما أهل الله إلا أهل القرآن , القائمين به , والعاملين بأحكامه , وما الآخرة إلا جنة أو نار , فتحريم النار على أهل الله مما أخبر به الله تعالى , كما أنه تعالى أوجب الجنة للمؤمنين به , فكيف يقول هذا الكذاب : إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرم عليهم الآخرة وفيها الجنة التي وعد المتقون , وفيها أعز شيء عليهم , وهي رؤية الله , كما قال سبحانه : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)القيامة23,22 , وهل ذلك إلا في الآخرة ؟ وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ[ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ]يونس26)مسلم وغيره
والذي أراه أن واضع هذا الحديث هو رجل صوفي جاهل , أراد أن يبث في المسلمين بعض عقائد المتصوفة الباطلة , التي منها تحريم ما أحل الله بدعوى تهذيب النفس , كأنما جاء به الشارع الحكيم غير كاف في ذلك حتى جاء هؤلاء يستدركون على خالقهم سبحانه وتعالى , ومن شاء أن يطلع على ما أشرنا إليه من التحريم فليراجع كتاب "تلبيس إبليس" للحافظ أبي الفرج ابن الجوزي , ير العجب العجاب .
حب الوطن
36- (حب الوطن من الإيمان)موضوع .(1/52)
ومعناه غير مستقيم , إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه , كل ذلك غريزي في الإنسان , لا يمدح بحبه , ولا هو من لوازم الإيمان , ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب , لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم؟
جواز النوم بعد العصر
39- (من نام بعد العصر , فاختلس عقله , فلا يلومن إلا نفسه)حديث ضعيف.
قال مروان : قلت لليث بن سعد – ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان – يا أبا الحارث , مالك تنام بعد العصر وقد حدثنا ابن لهيعة....؟ فذكره , قال الليث : لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل.
قلت : ولقد أعجبني جواب الليث هذا , فإنه يدل على فقه وعلم , ولا عجب , فهو من أئمة المسلمين , والفقهاء المعروفين , وإني لأعلم أن كثيراً من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر , ولو كانوا بحاجة إليه , فإذا قيل له : الحديث فيه ضعف , أجابك على الفور : "يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال" , فتأمل الفرق بين فقه السلف , وعلم الخلف .
هل الولد سر أبيه
48- (الولد سر أبيه)لا أصل له.
معناه ليس مضطرداً , ففي الأنبياء من كان أبوه مشركاً , مثل آزر والد إبراهيم عليه السلام , وفيهم من كان ابنه مشركاً , مثل نوح عليه السلام.
كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريع المشي
55- (سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن)منكر جداً.
ويكفي في رد هذا الحديث أنه مخالف لهدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مشيه , فقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريع المشي , كما ثبت ذلك عنه في غيرما حديث , وروى ابن سعد في "الطبقات" عن الشفاء بنت عبدالله أم سليمان قالت : (كان عمر إذا مشى أسرع).
ولعل هذا الحديث من افتراء بعض المتزهدين الذين يرون أن الكمال أن يمشي المسلم متباطئاً متماوتاً كأن به مرضاً.(1/53)
وهذه الصفة ليست مرادة قطعاً بقوله تعالى (وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً)الفرقان 63.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها :
(هَوْناً) :أي بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار كقوله تعالى "ولا تمش في الأرض مرحا" الآية فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح ولا أشر ولا بطر وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعا ورياء فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب وكأنما الأرض تطوى له.
وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا فقال ما بالك أأنت مريض؟ قال لا يا أمير المؤمنين فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة.
وإنما المراد بالهون هنا السكينة والوقار.
وقد روى الإمام أحمد من حديث ابن عباس : (أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مشى مشى مجتمعاً , ليس فيه كسل) , ورواه البزار أيضاً , وسنده صحيح , وله شاهد عن أبي الحكم مرسلاً , وراه سعد.
حديث مفترى ملحون
76- (الناس كلهم موتى , إلا العالمون , والعالمون كلهم هلكى , إلا العاملون , والعاملون كلهم غرقى , إلا المخلصون , والمخلصون على خط عظيم)موضوع.
أورده الصنعاني وقال : ( وهذا الحديث مفترى ملحون , والصواب في الإعراب : "العالمين" , و "العاملين" , و "المخلصين").
قلت : وهو شبيه بكلام الصوفية , ومثله قول سهل بن عبدالله التستري : ( الناس كلهم سكارى إلا العلماء , والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه).
رواه الخطيب في "اقتضاء العلم العمل" , ثم روى من طريق أخرى عنه قال : (الدنيا جهل وموات إلا العلم , والعلم كله حجة إلا العمل به , والعمل كله هباء إلا الإخلاص , والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به).
قلت : وهذا أقرب إلى هذا الحديث , فلعله هو أصله , رفعه بعض جهلة الصوفية.(1/54)
عدم التساهل برواية الأحاديث ونسبتها إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
125- (سوء الخلق ذنب لا يغفر , وسوء الظن خطيئة تفوح)باطل لا أصل له.
وقد أورده الغزالي جازماً بنسبة إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإذا جاز أن يخفى عليه بطلانه من الناحية الحديثية , فلست أدري كيف خفي عليه بطلانه من الناحية الفقهية ؟ فإن الحديث معارض تمام المعارضة لقوله تعالى (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ) النساء 48 .
ولعل في هذا عبرة لمن يتساهلون برواية الأحاديث , ونسبتها إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , دون أن يتثبتوا من صحتها على طريقة المحدثين , جزاهم الله عن المسلمين خيراً.
تحسين الخلق
135- (إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه , فصدقوا , وإذا سمعتم برجل تغير خلقه , فلا تصدقوا به , وإنه يصير إلى ما جبل عليه)حديث ضعيف.
هذا الحديث يستشم منه رائحة الجبر , وأن المسلم لا يملك تحسين خلقه , لأنه لا يملك تغييره , وحينئذ , فما معنى الأحاديث الثابتة في الحض على تحسين الخلق , كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)رواه أبو داود , وغيره في حديث , وسنده صحيح.
فهذا يدل على أن حديث الباب منكر , والله أعلم.
كل ما جاء في المسوخ في غير القرد والخنزير باطل وكذب موضوع
151- (العنكبوت شيطان مسخه الله , فاقتلوه)موضوع.
ومما يدل على بطلان هذا الحديث أنه مخالف لما ثبت في "الصحيح" مرفوعاً : (إن الله لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً) رواه مسلم.
وقال ابن حزم في "المحلى" : (وكل ما جاء في المسوخ في غير القرد والخنزير , فباطل , وكذب موضوع).
عدم التعامل مع الناس بسوء الظن
156- (احترسوا من الناس بسوء الظن)حديث ضعيف جداً.(1/55)
ثم إن الحديث منكر عندي , لمخالفته للأحاديث الكثيرة التي يأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها المسلمين بأن لا يسيئوا الظن بإخوانهم , منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إياكم والظن , فإن الظن أكذب الحديث......) , رواه البخاري , وغيره , وهو مخرج في "غاية المرام".
ثم إنه لا يمكن التعامل مع الناس على أساس سوء الطن بهم , فكيف يعقل أن يأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته أن يتعاملوا على هذا الأساس الباطل؟.
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
160- (أحبوا العرب لثلاث , لأني عربي , والقرآن عربي , وكلام أهل الجنة عربي)موضوع.
161- (أنا عربي , والقرآن عربي , ولسان أهل الجنة عربي)موضوع.
ومما يدل على بطلان نسبة هذا الحديث إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن فيه افتخاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعروبته , وهذا شيء غريب في الشرع الإسلامي , ولا يلتئم مع قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)الحجرات13 , وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا فضل لعربي على عجمي.....إلا بالتقوى) رواه أحمد بسند صحيح , وهو مخرج في "الصحيحة" , ولا مع نهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الافتخار بالآباء , وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن الله عز وجل أذهب عنكم عيبة الجاهلية , وفخرها بالآباء , الناس بنو آدم , وآدم من تراب , مؤمن تقي , وفاجر شقي , لينتهين أقوام يتفخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم , أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأفواهها) رواه أبو داود , والترمذي وحسنه , وصححه ابن تيمية وغيره وهو مخرج في "غابة المرام".
فإذا كانت هذه توجهاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته , فكيف يعقل أن يخالفهم إلى ما نهاهم عنه؟.
الجمعة لا تحبس عن سفر(1/56)
218- (من سافر من دار إقامته يوم الجمعة , دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره)حديث ضعيف.
وللحديث طريق أخرى , لكنها موضوعة , وهو :
219 – (من سافر يوم الجمعة , دعا عليه ملكاه أن لا يصحب في سفره ولا تقضى له حاجة)موضوع.
وليس في السنة ما يمنع من السفر يوم الجمعة مطلقاً , بل روي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سافر يوم الجمعة من أول النهار , ولكنه ضعيف لإرساله.
وقد روى البيهقي عن الأسود بن قيس عن أبيه قال : (أبصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً عليه هيئة السفر , فسمعه يقول : لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت , قال عمر رضي الله عنه : اخرج , فإن الجمعة لا تحبس عن سفر) رواه ابن أبي شيبة مختصراً.
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات , وقيس والد الأسود , وثقه النسائي وابن حبان.
فهذا الأثر مما يضعف هذا الحديث , وكذا المذكور قبله , إذ الأصل أنه لا يخفى على أمير المؤمنين عمر لو كان صحيحاً.
حقوق الجار
274- (أوصاني جبريل عليه السلام بالجار إلى أربعين داراً , عشرة من ها هنا , وعشرة من ها هنا , وعشرة من ها هنا , وعشرة من ها هنا)حديث ضعيف.
275-(ألا إن أربعين داراً جوار , ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه , قيل للزهري : أربعين داراً ؟ قال : أربعين هكذا , وأربعين هكذا)حديث ضعيف.
أما قوله : (ولا يدخل الجنة...فصحيح , لأنه جاء من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ : (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) أخرجه مسلم و البخاري في "الأداب المفرد" وهو مخرج في "السلسلة الصحيحة".
وقد روي الحديث عن أبي هريرة وهو:
276 -(حق الجوار إلى أربعين داراً , وهكذا , وهكذا , وهكذا , يميناً وشمالاً , وقدام وخلف)ضعيف جداً.
277-(الساكن من أربعين داراً جار)حديث ضعيف.(1/57)
وقد اختلف العلماء في حد الجوار على أقوال , ذكرها في "الفتح" , وكل ما جاء تحديده عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأربعين , ضعيف لا يصح , فالظاهر أن الصواب تحديده بالعرف , والله أعلم.
الأكل مع المسلمين والكفار والمنافقون
315- (من أكل مع مغفور له , غفر له)كذب لا أصل له.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)التحريم10.
(وقد استدل بهذه الآية الكريمة بعض العلماء على ضعف الحديث الذي يأثره كثير من الناس : "من أكل مع مغفور له غفر له" , وهذا الحديث لا أصل له , وإنما يروى هذا عن بعض الصالحين أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام , فقال : يا رسول الله أنت قلت : من أكل....الحديث ؟ قال لا , ولكني الآن أقوله).
وفي "المقاصد" قال شيخنا "يعني ابن حجر" : (كذب موضوع).
وسبقه إلى ذلك ابن القيم في "المنار" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في أحاديث سئل عنها "رقم 23" من نسختي : (هذا ليس له إسناد عند أهل العلم , ولا هو في شيء من كتب المسلمين , إنما يروونه عن سنان , وليس معناه صحيحاً على الإطلاق , فقد يأكل مع المسلمين والكفار والمنافقون).
ضعف معنى كما تكونوا يولى عليكم
320- (كما تكونوا يولى عليكم)حديث ضعيف.
ثم إن الحديث معناه غير صحيح على إطلاقه عندي , فقد حدثنا التاريخ يولي رجل صالح عقب أمير غير صالح , والشعب هو هو.
عدم جواز قيام الرجل للرجل
345- (يقوم الرجل للرجل , إلا بني هاشم لا يقومون لأحدٍ)موضوع.(1/58)
ومما يدل على وضع هذا الحديث أنه يقرر عادة تخالف ما كان الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم – وهو سيد بني هاشم- فإنهم كانوا لا يقومون له صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من كراهيته لذلك , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
على أنه قد جاء ما يخالف هذا الحديث نصاُ , ولكن إسناده ضعيف عندنا , فلا يحتج به , وهو الحديث الآتي :
346- (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم , يعظم بعضها بعضاُ)ضعيف.
نعم , معنى هذا الحديث صحيح من حيث دلالته على كراهة القيام للرجل إذا دخل , وقد جاء في ذلك حديث صحيح صريح فقال أنس بن مالك رضي الله عنه (ما كان شخص في الدنيا أحب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك)الصحيحة 358.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره هذا القيام لنفسه , وهي المعصومة من نزعات الشيطان , فبالأحرى أن يكرهه لغيره ممن يخشى عليه الفتنة , فما بال كثير من المشائخ وغيرهم قد استساغوا هذا القيام , وألفوه , كأنه أمر مشروع , كلا , بل إن بعضهم ليستحبه مستدلاُ بقوله صلى الله عليه وسلم (قوموا إلى سيدكم), ذاهلين عن الفرق بين القيام للرجل احتراماُ , وهو المكروه , وبين القيام إليه لحاجة , مثل الاستقبال , والإعانة على النزول , وهو المراد بهذا الحديث الصحيح , ويدل عليه رواية أحمد له بلفظ (قوموا إلى سيدكم , فأنزلوه) الصحيحة رقم 67.
اجر من عشق وكتم وعف
409- (من عشق وكتم وعف فمات فهو شهيد)موضوع
وقد عدا النبي صلى الله عليه وسلم الشهداء في الصحيح , فذكر المقتول في الجهاد , والحرق , والغرق , والمبطون , والنفساء يقتلها ولدها , وصاحب ذات الجنب , ولم يذكر منهم من يقتله العشق.(1/59)
وحسب قتيل العشق أن يصح له هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما على أنه لا يدخل الجنة حتى يصبر لله , ويعف لله , ويكتم لله , لكن العاشق إذا صبر , وعف , وكتم , مع قدرته على معشوقه , وآثر محبته لله , وخوفه , ورضاه , فهو من أحق من دخل تحت قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)النازعات40-41 , وتحت قوله تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)الرحمن46.
قال ابن القيم : (( فإنَّ هذا الحديثَ لا يصِحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز أن يكونَ من كلامه ، فإنَّ الشهادة درجةٌ عالية عند الله ، مقرونةٌ بدرجة الصِّدِّيقية ، ولها أعمال وأحوال ، هى شرط فى حُصُولها ، وهى نوعان : عامةٌ وخاصةٌ .
فالخاصة : الشهادةُ فى سبيل الله .
والعامةُ خمسٌ مذكورة فى ((الصحيح)) ليس العشقُ واحداً منها . وكيف يكون العشقُ الذى هو شِرْكٌ فى المحبة ، وفراغُ القلب عن الله ، وتمليكُ القلب والروح ، والحب لغيره تُنال به درجةُ الشهادة ، هذا من المحال ، فإنَّ إفساد عشق الصور للقلب فوقَ كل إفساد ، بل هو خمرُ الروح الذى يُسكرها ، ويصدُّها عن ذكر الله وحبِّه ، والتلذذِ بمناجاته ، والأنسِ به ، ويُوجب عبودية القلب لغيره ، فإنَّ قلبَ العاشق مُتَعبِّدٌ لمعشوقه ، بل العشقُ لُبُّ العبودية ، فإنها كمال الذل ، والحب والخضوع والتعظيم ، فكيف يكون تعبُّد القلب لغير الله مما تُنال به درجةُ أفاضل الموحِّدين وساداتهم ، وخواص الأولياء ، فلو كان إسنادُ هذا الحديث كالشمسِ ، كان غلطاً ووهماً ، ولا يُحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظُ العشق فى حديث صحيح ألبتة .(1/60)
ثم إنَّ العشق منه حلالٌ ، ومنه حرامٌ ، فكيف يُظَن بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه يحكم على كُلِّ عاشقٍ يكتُم ويَعِفُّ بأنه شهيد ، فترَى مَن يعشق امرأةَ غيره ، أو يعشق المُرْدانَ والبغَايا ، يَنال بعشقه درجةَ الشهداء ، وهل هذا إلا خلافُ المعلوم من دينه صلى الله عليه وسلم بالضرورة ؟ كيف والعشقُ مرض من الأمراض التى جعل اللهُ سبحانه لها الأدويةَ شرعاً وقدراً ، والتداوى منه إما واجب إن كان عشقاً حراماً ، وإما مُسْتَحَب
وأنت إذا تأملت الأمراضَ والآفاتِ التى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابها بالشهادة ، وجدتها من الأمراض التى لا علاج لها ، كالمطعون ، والمَبْطُون ، والمجنون ، والحريقِ ، والغرِيقِ ، وموتِ المرأة يقتُلها ولدُها فى بطنها ، فإنَّ هذه بلايَا من الله لا صُنع للعبد فيها ، ولا عِلاجَ لها ، وليست أسبابُها محرَّمة ، ولا يترتب عليها مِن فساد القلب وتعبُّده لغير الله ما يترتب على العشق ، فإن لم يكفِ هذا فى إبطال نسبة هذا الحديثِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلِّدْ أئمةَ الحديث العالمين به وبعلله ، فإنه لا يُحفظ عن إمام واحد منهم قَطُّ أنه شهد له بصحة ، بل ولا بحُسن ، كيف وقد أنكروا على سُويدٍ هذا الحديث ، ورموه لأجله بالعظائم ، واستحلَّ بعضُهم غزوَه لأجله)).
تحريم كل اسم معبد لغير الله
411-(أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد)لا أصل له.
نقل ابن حزم الاتفاق على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى , وعبد الكعبة .......وأقره العلامة ابن القيم في ((تحفة المودود)) ,وعليه فلا تحل التسمية بـ عبد علي , وعبد الحسين , كما هو مشهور عند الشيعة , ولا بـ عبد النبي أو عبد الرسول , كما يفعله بعض الجهلة من أهل السنة.
لا يقتل مسلم بكافر
460- (أنا أولى من وفى بذمته قاله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل مسلم كان قتل رجلا من أهل الذمة)منكر.(1/61)
أخرجه ابن شيبة , وعبدالرزاق , وأبوداود , والطحاوي , والدارقطني ,والبيهقي , من طريق ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن عبدالرحمن ابن البيلماني:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل من المسلمين قد قتل معاهداُ من أهل الذمة , فأمر به , فضرب عنقه , وقال أنا أولى من وفى بذمته قاله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل مسلم كان قتل رجلا من أهل الذمة).
ويزيد الحديث ضعفاُ أنه معارض للحديث الصحيح , وهو قوله صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر)البخاري.
وبه أخذ جمهور الأئمة , وأما الحنفية , فأخذوا بالأول على ضعفه ومعارضته للحديث الصحيح , وقد أنصف بعضهم , فرجع إلى الحديث الصحيح , فروى البيهقي , والخطيب في الفقيه عن عبدالواحد بن زياد قال (لقيت زفر , فقلت له :صرتم حديثاُ في الناس وضحكة , قال : وما ذلك؟ قال: قلت : تقولون في الأشياء كلها : ادرؤوا الحدود بالشبهات . وجئتم إلى أعظم الحدود , فقلتم :تقام بالشبهات قال : وما ذلك؟قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر) فقلتم يقتل به قال : فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه).
الرفق بالحيوان
493- (نهى أن يركب ثلاثة على دابة)ضعيف.
وقد صح ركوبه صلى الله عليه وسلم على الدابة , وأمامه عبدالله ابن جعفر , وخلفه الحسن أو الحسين , رواه مسلم , وهو مخرج في صحيح أبي داود , فإن صح النهي حمل على الدابة التي لا تطيق , وذلك من باب الرفق بالحيوان , وقد صح ذلك الكثير الطيب , انظر المجلد الأول من الصحيحة.
كتاب فضائل القرآن والأدعية والأذكار والرقى
بدعة الذكر المقرون بالصياح والتحلق والرقص التي يفعلها بعض أهل الطرق
11- (إنما بعثت معلماً)ضعيف .(1/62)
أخرجه الدارمي , من طريق عبدالله بن يزيد – وهو أبو عبدالرحمن المقري- وابن وهب , وعبدالله بن المبارك , وعنه الحارث , والطيالسي , كلهم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِمَجْلِسَيْنِ فِي مَسْجِدِهِ فَقَالَ كِلَاهُمَا عَلَى خَيْرٍ وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ أَوْ الْعِلْمَ وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ فَهُمْ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا) .
قد اشتهر الاحتجاج بهذا الحديث على مشروعية الذكر على الصورة التي يفعلها بعض أهل الطرق من التحلق والصياح في الذكر , والتمايل يمنة ويسرة , وأماماً وخلفاً مما هو غير مشروع باتفاق الفقهاء المتقدمين , ومع أن الحديث لا يصح , فليس فيه هذا الذي زعموه , بل غاية ما فيه جواز الاجتماع على ذكر الله تعالى , وهذا فيه أحاديث صحيحة في مسلم وغيره تغني عن هذا الحديث , وهي لا تفيد أيضاً إلا مطلق الاجتماع , أما ما يضاف إليه من التحلق , وما قرن معه من الرقص , فكله بدع وضلالات تتنزه الشرع عنها.
الدعاء هو العبادة
21- (حسبي من سؤالي علمه بحالي)لا أصل له .
قد أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام , وهو من الإسرائيليات , ولا أصل له في المرفوع , وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيراً لضعفه , فقال :
( روي عن كعب الأحبار أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ....لما رموا به في المنجنيق إلى النار استقبله جبريل , فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا . قال جبريل : فسل ربك . فقال إبراهيم : حسبي من سؤالي علمه بحالي) .(1/63)
وقد أخذ هذا المعنى من صنف في الحكمة على طريقة الصوفية , فقال : (سؤالك منه – يعني الله تعالى – اتهام له) .
وهذه ضلالة كبري , فهل الأنبياء طلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة ؟ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول : (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) إبراهيم 37-41 , إلى آخر الآيات , وكلها أدعية , وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى , والقائل المشار إليه قد غفل عن كون الدعاء الذي هو تضرع والتجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة , وبغض النظر عن ماهية الحاجة المسؤةلة , ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(الدعاء هو العبادة)صحيح .
ثم تلا قوله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين)غافر60 .
ذلك لأن الدعاء يطهر عبودية العبد لربه , وحاجته إليه , ومسكنته بين يديه , فمن رغب عن دعائه , فكأنه رغب عن عبادته سبحانه وتعالى , فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به , والحض عليه , حتى قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من لا يدع الله , يغضب عليه)حديث حسن .
قالت عائشة رضي الله عنها :(سلوا الله كل شيء , حتى الشسع , فإن الله عز وجل , إن لم ييسره لم يتيسر)حسن .
وبالجملة , فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام , فكيف يصدر ممن سمانا المسلمين ؟
ثم وجدت الحديث قد أورده ابن عراق في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشبيعة الموضوعة " وقال : (قال ابن تيمية :موضوع).(1/64)
أسعد الناس بهذا الحديث المكذوب هم أولئك الأكلة الر قصة
115- (أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة , ولا تناموا عليه , فتقسوا قلوبكم)موضوع.
اعلم أن أسعد الناس بهذا الحديث المكذوب هم أولئك الأكلة الر قصة الذين يملؤون بطونهم بمختلف الطعام والشراب , ثم يقومون آخذاً بعضهم بيد بعض يذكرون الله تعالى –رعموا- يميلون يمنة ويسرة وأماماً وخلفاً , وينشدون الأشعار الجميلة بالأصوات المطربة , حتى يذوب ما في بطونهم , ومع ذلك فهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً , وصدق من قال :
متى علم الناس في ديننا بأن الغنا سنة تتبع
وأن يأكل المرء أكل الحما ر ويرقص في الجمع حتى يقع
وقالوا:سكرنا بحب الإلـ ـه وما أسكر القوم إلا القصع
كذاك البهائم إن أشبعت يرقصها ريها والشبع
فيا للعقول وياللنهى ألا منكر منكم للبدع
تهان مساجدنا بالسما ع وتكرم عن مثل ذاك البيع
الحسنة لا يمكن أن تصير سيئة أبداً
100- (حسنات الأبرار سيئات المقربين)باطل لا أصل له.
معنى هذا الحديث غير صحيح عندي , لأن الحسنة لا يمكن أن تصير سيئة أبداً , مهما كانت منزلة من أتى بها , وإنما تختلف الأعمال باختلاف مرتبة الآتين بها إذا كانت من الأمور الجائزة التي لا توصف بحسن أو قبح , مثل الكذبات الثلاث التي أتي بها إبراهيم عليه السلام , فإنها جائزة , لأنها كانت في سبيل الإصلاح , ومع ذلك فقد اعتبرها إبراهيم عليه السلام سيئة , واعتذر بسببها عن أن يكون أهلاً لأن يشفع في الناس صلى الله عليه وعلى نبينا وسائر إخوانهما أجمعين.
وأما اعتبار الحسنة التي هي قربة إلى الله تعالى سيئة بالنظر إلى أن الذي صدرت منه من المقربين , فمما لا يكاد يعقل.
الحسنة سبب في زيادة الرزق و إطالة العمر
181- ( إن الرزق لا تنقصه المعصية , ولا تزيده الحسنة , وترك الدعاء معصية)موضوع.(1/65)
ومما يدل على بطلان هذا الحديث قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من أحب أن يبسط له في رزقه , وأن ينسأ له في أثره , فليصل رحمه) رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في "صحيح أبي داود".
فهذا يدل على أن الحسنة سبب في زيادة الرزق , كما أنها سبب في إطالة العمر , ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى : (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)النحل61 , ولبسط هذا موضع آخر.
أن الصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجمعة تبلغه ولا يسمعها من المصلي عليه
203- (من صلى علي عند قبري , سمعته , ومن صلى علي نائياً , وكل بها ملك يبلغني , وكفي بها أمر دنياه وآخرته , وكنت له شهيداً أو شفيعاً)موضوع بهذا التمام.
فائدة : قال الشيخ ابن تيمية: (وهو لو كان صحيحاً , فإنما أنه يبلغه صلاة من صلى عليه نائباً , ليس فيه أنه يسمع ذلك , كما وجدته منقولاً عن هذا المعترض [يعني الأخنائي] , فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم , ولا يعرف في شيء من الحديث , وإنما يقوله بعض المتأخرين الجهال , يقولون : [ إنه ليلة الجمعة ويوم الجمعة , يسمع بأذنيه صلاة من يصلي عليه] .
فالقول إنه يسمع ذلك من نفس المصلين عليه باطل , وإنما في الأحاديث المعروفة أنه يبلغ ذلك , ويعرض عليه , وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة).
قلت : ويؤيد بطلان قول أولئك الجهال قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة , فإن صلاتكم تبلغني......)الحديث , وهو صحيح , فإنه صريح في أن هذه الصلاة يوم الجمعة تبلغه ولا يسمعها من المصلي عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الأقربون أولى بالمعروف ليست آية
376- (الأقربون أولى بالمعروف)لا أصل له بهذا اللفظ.(1/66)
كما أشار إليه السخاوي في ((المقاصد)) , وبعضهم يتوهم أنه آية وإنما في القرآن قوله تعالى: (قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)البقرة215.
كتاب الجنة والنار
الجزاء إنما يكون على الكسب والعمل
130- (إن الله تعالى لا يعذب حسان الوجوه , سود الحدق)موضوع.
ولست أشك في بطلان هذا الحديث , لأنه يتعارض مع ما ورد في الشريعة , من أن الجزاء إنما يكون على الكسب والعمل (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزال8,7 , لا على ما صنع ولا يد للإنسان فيه , كالحسن , أو قبح , وإلى هذا أشار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله : ( إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم , ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم وغيره.
ومثل هذا الحديث الموضوع في البطلان الحديث الآتي , وهو :
131- (عليكم بالوجوه الملاح , والحدق السود , فإن الله يستحي أن يعذب وجهاً مليحاً بالنار)موضوع.
تم وبحمد الله الجزء الاول من سلسلة عون الودود لتيسير ما في السلسلة الضعيفة من الفوئد والردود وهي تحتوي على جميع ما ذكره الشيخ الالباني رحمه الله من فوائد في المجلد الاول من السلسلة الضعيفة(1/67)
عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود
الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد
فهذه الفوائد والردود التي ذكرها الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة جمعتها في هذا الكتاب حتى يسهل الأستفادة منها للعامة والخاصة وأسميته ( عون الودود لتيسير مافي السلسلة الصحيحة من الفوائد والردود ) , فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعنني على هذا العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يتغمد برحمته الشيخ الألباني , ويسكنه فسيح جناته آمين .
ملاحظات :
1- ترقيم الأحاديث هي نفس الترقيم الموجودة في السلسلة لكي يسهل الرجوع إليها.
2- تبويب المواضيع هي نفس ما بوب لها الشيخ إلا ما لم يبوب لها فقد وضعت لها أبواباً من عندي .
3- كتابة جميع الفوائد والردود كاملة بدون أي أختصار.
ملاحظة:
بناءً على اقتراح بعض الاخوة جزاهم الله خير فقد أورد الاحاديث كاملة بتخريجاتها ، وتعليق الشيخ عليها مع الفوائد والردود.
هذه الفوائد المذكورة في المجلد الثالث , ونسأل الله العون والتوفيق في اتمام بقية الأحاديث .
كتاب العقيدة
الأئمة من قريش
1007-(الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم).
أخرجه البخاري(6/413) ومسلم(6/2) والطيالسي(رقم2380) وأحمد(2/242-243) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً.
وله عنه طرق أخرى:
1- فأخرجه مسلم وأحمد(2/319) عن همام بن منبه.(1/1)
2- وأحمد(2/395) عن خلاس عنه. ورجاله ثقات لكنه منقطع بينهما.
3- وأحمد(2/261) من طريق أبي سلمة عنه بلفظ:((الناس تبع لقريش في هذا الأمر، خيارهم تبع لخيارهم، وأشرارهم تبع لشرارهم)).
وإسناده حسن.
4- وأخرجه أحمد أيضاً(2/261)عن القاسم عن نافع بن جبير عنه به. رواه عنه ابن أبي ذئب.
ورجاله ثقات رجال الستة غير القاسم هذا، والظاهر أنه ابن رشد بن عمر، فقد ذكروا في الرواة عنه ابن أبي ذئب، لكنهم ذكروا أيضاً أنه سمع أبا هريرة، وهو هنا يروي عنه بالواسطة فالله أعلم. وقد ذكر الحافظ في التقريب: أنه مجهول.
وله شاهد، ولفظه:
((الناس تبع لقريش في هذا الأمر، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والله لولا أن تتبطر قريش لأخبرتها ما لخيارها عند الله عز وجل)).
أخرجه أحمد(4/101) من حديث معاوية بن أبي سفيان بإسناد صحيح.
قلت: وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح على بعض الفرق الضالة قديماً، وبعض المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثاً الذين لا يشترطون في الخليفة أن يكون عربياً قرشياً. وأعجب من ذلك، أن يؤلف أحد المشايخ المدعين للسلفية رسالة في((الدولة الإسلامية)) ذكر في أولها الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة إلا هذا الشرط، متجاهلاً كل هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها، ولما ذكرته بذلك تبسم صارفاً النظر عن هذا الموضوع، ولا أدري أكان ذلك لأنه لا يرى هذا الشرط كالذين أشرنا إليهم آنفاً، أم أنه كان غير مستعد للبحث من الناحية العلمية، وسواء كان هذا أو ذاك، فالواجب على كل مؤلف أن يتجرد للحق في كل ما يكتب، وأن لا يتأثر فيه باتجاه حزبي، أو تيار سياسي ولا يلتزم في ذلك موافقة الجمهور، أو مخالفتهم. والله ولي التوفيق.
علم الله محيط بكل مكان وهو على العرش(1/2)
1046-(ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره).
أخرجه أبوداود(1/250) قال: قرأت في كتاب عبد الله بن سالم-بحمص- عند آل عمرو بن الحارث الحمصي: عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبدا لله بن معاوية الغاضري مرفوعاً به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع بين ابني جابر وجبير، ولكن وصله الطبراني في((المعجم))(ص115) والبيهقي في((السنن)(4/95) من طريقين عن عبد الله بن سالم عن محمد بن الوليد الزبيدي: ثنا يحيى بن جابر الطائي أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه أن أباه حدثه به. وزاد:
((وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان)).
قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن سالم وهو الزبيدي، وهو ثقة.
وأخرجه البخاري في((تاريخه)) من طريق يحيى بن جابر به كما في ترجمة الغاضري من((الإصابة)).
(فائدة): قوله صلى الله عليه وسلم ((أن الله معه حيث كان)). قال الإمام محمد بن يحيى الذهلي:
((يريد أن علمه محيط بكل مكان، والله على العرش)).
ذكره الحافظ الذهبي في((العلو)) رقم الترجمة(73) بتحقيقي واختاري.
وأما قول العامة وكثير من الخاصة: الله موجود في كل مكان، أو في كل الوجود، ويعنون بذاته، فهو ضلال بل هو مأخوذ من القول بوحدة الوجود، الذي يقول به غلاة الصوفية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق ويقول كبيرهم: كل ما تراه بعينك فهو الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدا
1110-(يا سارية الجبل يا سارية الجبل).(1/3)
رواه أبو بكر بن خلاد في((الفوائد))(1/215/2): حدثنا محمد ابن عثمان بن أبي شيبة: ثنا أحمد بن يونس: ثنا أيوب بن خوط عن عبد الرحمن السراج، عن نافع أن عمر بعث سرية فاستعمل عليهم رجلاً يقال له سارية، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة فقال: فذكره. فوجدوا سارية قد أغار إلي الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة وبينهما مسيرة شهر.
قلت: وأيوب بن خوط متروك، كما في((التقريب)).
لكن رواه أبو عبد الرحمن السلمي في((الأربعين الصوفية))(3/2) والبيهقي في((دلائل النبوة))(2/181/1- مخطوطة حلب))من طرق عن ابن وهب: أخبرني يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان: عن نافع به نحوه.
ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر(7/6/1)إلا أنهما قالا: عن نافع عن ابن عمر أن عمر... وزاد في آخره وكذا البيهقي:
((قال ابن عجلان: حدثني إياس بن قرة بنحوه ذلك))، وقال الضياء:
((قال الحاكم(يعني أبا عبد الله): هذا غريب الإسناد والمتن لا أحفظ له إسناداً غير هذا)).
وذكره ابن كثير في ((البداية))(7/131) فقال: (وقال عبد الله بن وهب....)) مثل رواية((الضياء)) ولفظه: فجعل ينادي: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ثلاثاً. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا منادياً: يا سارية الجبل ثلاثاً، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر:إنك كنت تصيح بذلك. ثم قال ابن كثير:
((وهذا إسناد جيد حسن)). وهو كما قل، ثم ذكر له طرقاً أخرى وقال:
((فهذه طرق يشد بعضها بعضاً)).
قلت: وفي هذا نظر، فان أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف ابن عمر والواقدي وهما كذابان، ومدار إحداهما على مالك عن نافع به نحوه. قال ابن كثير:
((في صحته من حديث مالك نظر)).(1/4)
رواه ابن الأثير في((أسد الغابة))(5/65) عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له في خطبته أنه قال: يا سارية بن الحصن الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم فتلفت الناس بعضهم إلي بعض فقال علي: صدق والله ليخرجن ما قال، فلما فرغ من صلاته قال له علي: ما شيء سنح لك في خطبتك؟ قال: وما هو؟ قال: قولك: يا سارية الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم، قال: وهل كان مني ذلك؟ قال: نعم وجميع أهل المسجد قد سمعوه، قال إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم، وإنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا وإن جازوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة حين جازوا الجبل صوتاً يشبه صوت عمر يقول: يا سارية بن محصن الجبل الجبل، قال: فعدنا إليه ففتح الله علينا.
قلت: وهذا سند واه جداً، فرات بن السائب، قال البخاري: ((منكر الحديث)) وقال الدارقطني وغيره: ((متروك))وقال أحمد((قريب من محمد بن زياد الطحان، يتهم بما به ذلك)).
فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلا طريق ابن عجلان، وليس فيها إلا منادة عمر((يا سارية الجبل))، وسماع الجيش لندائه، وانتصاره بسببه.(1/5)
ومما لا شك فيه، أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعمر، وليس ذلك غريب عنه، فأنه ((محدث)) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ،ولكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش، وأنهم رآهم رأي العين، فاستدلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء، وعلى أمكان إطلاعهم على ما في القلوب من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين، المنفرد بعلم الغيب والإطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه:((عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول)). فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم !! سبحانك هذا بهتان عظيم.
على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفاً، فهو من الأمور الخارقة للعادة، التي قد يقع من الكافر أيضاً، فليس فجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلاً عن أنه يدل على ولايته، ولذلك يقول العلماء إن الخارق للعادة أن صدر من مسلم فهو كرامة، وألا فهو إستدراج، ويضربون على هذا مثلاً الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء: أمطري، فتمطر، وللأرض: أنبتي نباتك فتنبت، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة.(1/6)
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد(أغسطس)من السنة السادسة من مجلة((المختار)) تحت عنوان((هذا العالم المملوء بالألغاز وراء الحواس الخمس))ص23 قصة((فتاة شابة ذهبت إلي جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها، وبعد معارك مريرة فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع، وأخذت الفتاة تذرع غرفتها في اضطراب، وهي تصيح في أعماقها بلا انقطاع: ((أواه يا أماه...ماذا أفعل؟)) ولكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها؟ وبعد أربعة أسابيع تلقت منها رسالة جاء فيها: ((ماذا حدث؟ لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك تصيحين قائلة: ((أواه يا أماه...ماذا أفعل؟)). وكان تاريخ الرسالة متفقاً مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها)).
وفي المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ((التخاطر))و((الاستشفاف)) ويعرف باسم((البصيرة الثانية))اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه، التي طالما سمعت من ينكرها من المسلمين لظنه أنها مما لا يعقل ! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلي عمر، بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان إطلاع الأولياء على الغيب، والكل مخطئ. فالقصة صحيحة ثابتة، وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به الجيش المسلمين من الأسر أو الفتك به، ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الإطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام(في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر، الذي ليس معصوماً، فقد يصيب، كما في هذه الحادثة، وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لا بد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال:(( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون). ولقد أحسن من قال:(1/7)
إذا رأيت شخصاً قد يطير وفوق ماء البحر قد يسير
ولم يقف على حدود الشرع فانه مستدرج وبدعي
جواز إطلاق لفظة(المشرك)على أهل الكتاب
1133-(أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم).
أخرجه البخاري(6/208)ومسلم(5/75) وأبوداود(2/43) والطحاوي(4/16) والبيهقي(9/207) وأحمد(رقم1935)من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: قلت: فذكر الحديث ثم قال: قال ابن عباس: وسكت عن الثالثة، أو فأنسيتها.
قلت: وفيه دلالة على جواز إطلاق لفظة ((المشرك)) على أهل الكتاب، فإنهم هم المعنيون بهذا الحديث، كما يدل عليه الحديث السابق، ومثله الحديث الآتي:
1134-(لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلما).
الحلف بصفات الله تعالى
1167-(يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة، فيقول اصبغوه صبغة في الجنة، فيصبغونه فيها صبغة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط أو شيئا تكرهه؟ فيقول لا وعزتك ما رأيت شيئا أكرهه قط، ثم يؤتى بأنعم الناس كان في الدنيا من أهل النار فيقول: اصبغوه فيها صبغة، فيقول يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط، قرة عين قط، فيقول لا وعزتك ما رأيت خيرا قط، ولا قرة عين قط).
أخرجه أحمد(3/253): ثنا عفان: ثنا حماد : أنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في((صحيحه))(8/135)عن يزيد بن هارون: أخبرنا حماد بن سلمة به نحوه، و فيه ((لا والله يا رب)) في موضعين.
ورواه محمد بن إسحاق عن حميد الطويل عن أنس به مختصراً.
أخرجه ابن ماجه(2/587).
(فائدة) في الحديث جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى، ومن أبواب البيهقي في((السنن الكبرى))(10/41)((باب ما جاء في حلف بصفات الله تعالى كالعزة، والقدرة، والجلال، والكبرياء، والعظمة، والكلام، والسمع، ونحو ذلك)).(1/8)
ثم ساق تحته أحاديث، وأشار إلي هذا الحديث، واستشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود وغيره، وقال:
((فيه دليل على أن الحلف بالقرآن يكون يميناً...)).
ثم روى بإسناده الصحيح عن التابعي الثقة عمرو بن دينار قال:
((أدركت الناس منذ سبعين سنة يقولون: الله الخالق، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله عز وجل)).
بدع الشيعة وغلوهم في تعظيم أهل البيت وآثارهم
1171-(قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات).
أخرجه أحمد(1/85) عن عبد الله بن نجي عن أبيه أنه سار مع علي وكان صاحب مطهرته، فلما حاذي(نينوي) وهو منطلق إلي صفين، فنادى علي: أصبر أبا عبد الله: أصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: وماذا؟ قال:
((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام ... قال: فقال: هل لك إلي أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا)).
قلت: وهذا إسناد ضعيف، نجي والد عبد الله لا يدري من هو كما قال الذهبي، ولم يوثقه غير ابن حبان، وابنه أشهر منه، فمن صحح هذا الإسناد فقد وهم.
والحديث قال الهيثمي(9/187):
((رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا)).
قلت: يعني أن له شواهد تقويه، وهو كذلك.
1- روى عمارة بن زاذان: حدثنا ثابت عن أنس قال:
((أستأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فكان في يوم أم سلمة ... فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين بن علي ... فجعل يتوثب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يتلثمه ويقبله، فقال له الملك: تحبه؟ قال: نعم. قال: أما إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه. فأراه إياه فجاء سهلة، أو تراب أحمر، فأخذته أم سلمة، فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول: أنها كربلاء)).(1/9)
أخرجه أحمد(3/242و265) وابن حبان(2241) وأبو نعيم في((الدلائل))(202).
قلت: ورجاله ثقات غير عمارة هذا قال الحافظ:
((صدوق كثير الخطأ)).
وقال الهيثمي:
((رواه أحمد وأبويعلى والبزار والطبراني بأسانيد، وفيها عمارة بن زاذان وثقة جماعة، وفيه ضعف، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح)).
2- وروى محمد بن مصعب: ثنا الأوزاعي، عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث، أنها دخلت... يوماً إلي رسول صلى الله عليه وسلم فوضعته(تعني الحسين) في حجره، ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان من الدموع، قالت: فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك؟ قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء)).
أخرجه الحاكم(3/176و177)وقال:
((صحيح على شرط الشيخين))!
ورده الذهبي بقوله:
((قلت: بل منقطع ضعيف، فإن شداداً لم يدرك أم الفضل، ومحمد بن مصعب ضعيف)).
3- وروى عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة- شك عبد الله بن سعيد- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحداهما:
((لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. قال: فأخرج تربة حمراء)).
أخرجه أحمد(6/294): ثنا و كيع قال: حدثني عبد الله بن سعيد.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان سعيد وهو ابن أبي هند سمعه من عائشة أو أم سلمة، ولم أطمئن لذلك، فإنهم لم يذكروا له سماعاً منهما، وبين وفاته ووفاة أم سلمة نحو أربع وخمسين سنة، وبين وفاته ووفاة عائشة نحو ثمان وخمسين. والله أعلم.
وأخرجه الطبراني عن عائشة نحوه بلفظ:
((يا عائشة إن جبريل أخبرني أن ابني حسين مقتول في أرض الطف....)).
قال الهيثمي(9/188):
(((1/10)
رواه الطبراني في((الكبير))و((الأوسط))، وفي إسناد((الكبير)) ابن لهيعة، وفي إسناد((الأوسط)) من لم أعرفه)).
4- وأخرجه الطبراني أيضاً عن أم سلمة نحوه بلفظ:
(( إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم ...)). (انظر الاستدراك رقم 161/21)
قال الهيثمي(9/189):
((رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات)). (انظر الاستدراك رقم 161/26).
5- وعن أبي الطفيل قال:
((استأذن ملك القطر أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ...)).
قلت: فذكره نحو حديث أنس المتقدم. قال الهيثمي(9/190).
((رواه الطبراني وإسناده حسن)).
6- ويروي حجاج بن نصير: ثنا قرة بن خالد: ثنا عامر بن عبد الواحد عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
((ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين بن علي يقتل بـ(الطف) )).
أخرجه الحاكم(3/179) وسكت عليه، وتعقبه الذهبي بقوله:
((قلت: حجاج متروك))
قلت: وبجملة فالحديث المذكور أعلاه والمترجم له، صحيح بمجموع هذه الطرق، وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير، لا سيما وبعضها قد حسنه الهيثمي، والله أعلم.
(تنبيه) حديث عائشة وعلي عزاهما السيوطي(فتح 1/55و56) لابن سعد في((الطبقات)) ولم أره فيها، فعله في القسم الذي لم يطبع منها، والله أعلم.(1/11)
فائدة:ليس في شيء من هذه الأحاديث ما يدل على قداسة كربلاء وفضل السجود على أرضها، وأستحبابها اتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصلاة، كما عليه الشيعة اليوم، ولو كان ذلك مستحباً لكان أحرى به أن يتخذ من أرض المسجدين الشرفين المكي والمدني، ولكنه من بدع الشيعة وغلوهم في تعظيم أهل البيت وآثارهم، ومن عجائبهم أنهم يرون أن العقل من مصادر التشريع عندهم، ولذلك فهم يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، ومع ذلك فإنهم يروون في فضل السجود على أرض كربلاء، من الأحاديث ما يشهد العقل السليم ببطلانه بداهة، فقد وقفت على رسالة لبعضهم وهو المدعو السيد عبد الرضا(!) المرعشي الشهرستاني بعنوان((السجود على التربة الحسينية). ومما جاء فيها(ص15):
((وورد أن السجود عليها أفضل لشرفها وقدستها وطهارة من دفن فيها. فقد ورد الحديث عن أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام أن السجود عليها ينور إلي الأرض السابعة. وفي آخر: أنه يخرق الحجب السبعة، وفي آخر: يقبل الله صلاة من يسجد عليها ما لم يقبله من غيرها، وفي[آخر] أن السجود على الطين قبر الحسين ينور الأرضين)).
ولم يكتف مؤلف الرسالة بتسويدها بمثل هذه النقول المزعومة عن أئمة البيت حتى راح يوهم القراء أنها مروية مثلها في كتبنا نحن أهل السنة، فها هو يقول: ((ص19)):
((وليس أحدايث فضل هذه التربة الحسينية وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمة عليهم السلام، إذ أن أمثال هذه الأحاديث شهرة وافرة في أمهات كتب بقية الفرق الإسلامية، عن طريق علمائهم ورواتهم، ومنها ما رواه السيوطي في كتابه((خصائص الكبرى))في((باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين عليه السلام، وروى فيه ما يناهز العشرين حديثاً عن أكابر ثقاتهم كالحاكم والبيهقي وأبي نعيم والطبراني والهيثمي في((المجمع)(9 : 191)وأمثالهم من مشاهير رواتهم)).(1/12)
فاعلم أيها المسلم أنه ليس عند السيوطي ولا الهيثمي ولو حديث واحد يدل على فضل التربة الحسينية وقداستها، وكل ما فيها مما اتفقت عليه مفرداتها إنما هو إخباره صلى الله عليه وسلم بقتله فيها، وقد سقت لك آنفاً نخبة منها، فهل ترى فيها ما ادعاه الشيعي في رسالته على السيوطي والهيثمي ؟ !
اللهم لا، ولكن الشيعة في سبيل تأييد ضلالاتهم وبدعهم، يتعلقون بما هو أوهى من بيت العنكبوت !.
ولم يقف أمره عند هذا التدليس على القراء، بل تعداه إلي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(ص13):
((وأول من اتخذ لوحة من الأرض للسجود عليها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في السنة الثالثة من الهجرة، لما وقعت الحرب الهائلة بين المسلمين وقريش في أحد، وانهدم فيها أعظم ركن للإسلام وهو حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم نساء المسلمين بالنياحة عليه في كل مأتم، واتسع الأمر في تكريمه إلي أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى، ويعملون المسبحات منه كما جاء في كتاب ((الأرض والتربة الحسينية)) وعليه أصحابه، ومنهم الفقيه...)).
والكتاب المذكور هو من كتب الشيعة، فتأمل أيها القارئ الكريم كيف كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعى أنه اتخذ قرصاً للسجود عليه، ثم لم يسق لدعم دعواه إلا أكذوبة أخرى، وهي أمره صلى الله عليه وسلم النساء بالنياحة على حمزة في كل مأتم، ومع أنه لا ارتباط بين هذا لو صح ، وبين اتخاذ القرص كما هو ظاهر، فإنه لا يصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف وهو قد صح عنه أنه أخذ على النساء في مبايعته إياهن ألا ينحن، كما رواه الشيخان وغيرهما عن أم عطية (انظر كتابنا ((أحكام الجنائز))ص28)، ويبدو لي أنه بنى الأكذوبتين السابقتين على أكذوبة ثالثة وهي قوله في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
(((1/13)
واتسع الأمر في تكريمه إلي أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى...))، فهذا كذب على الصحابة رضي الله عنهم وحاشاهم من أن يقارفوا مثل هذه الوثنية، وحسب القارئ دليلاً على افتراء هذا الشيعي على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنه لم يستطع أن يعزو ذلك لمصدر معروف من مصادر المسلمين، سوى كتاب((الأرض والتربة الحسينية))وهو من كتب بعض متأخريهم ولمؤلف مغمور منهم، ولأمر ما لم يجرؤ الشيعي على تسميته والكشف عن هويته حتى لا يفتضح أمره بذكره إياه مصدراً لأكاذبيه !
ولم يكتف حضرته بما سبق من الكذب على السلف الأول، بل تعداه إلي الكذب إلى من بعدهم، فاسمع إلي تمام كلامه السابق:
((ومنهم الفقيه الكبير المتفق عليه مسروق بن الأجدع المتوفى سنة(63) تابعي عظيم من رجال الصحاح الست كان يأخذ في أسفاره لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها( ! )، كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ إمام السنة أبوبكر ابن أبي شيبة في كتابه((المصنف)) في المجلد الثاني في((باب من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرجه بإسنادين أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها)).
قلت: وفي هذا الكلام عديد من الكذبات:
الأولى: قوله: ((كان يأخذ في أسفاره)) فإنه بإطلاقه يشمل السفر براً، وهو خلاف الأثر الذي ذكره !
الثانية: جزمه بأنه كان يفعل ذلك، يعطي أنه ثابت عنه وليس كذلك، بل ضعيف منقطع كما يأتي بيانه.
الثالثة: قوله:((... بإسنادين)) كذب، وإنما هو إسناد واحد مداره على محمد بن سيرين، اختلف عليه فيه، فرواه ابن أبي شيبة في ((المصنف))(2/43/2) من طريق يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين قال: ((نبئت أن مسروقاً كان يحمل لبنة في السفينة. يعني يسجد عليها)).
ومن طريق ابن عون عن محمد((أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها)).(1/14)
فأنت ترى أن الإسناد الأول من طريق ابن سيرين، والآخر من طريق محمد، وهو ابن سيرين، فهو في الحقيقة إسناد واحد، ولكن يزيد بن إبراهيم قال عنه: ((نبئت))، فأثبت أن ابن سيرين أخذ ذلك بالواسطة ع مسروق، ولم يثبت ذلك ابن عون، وكل منهما ثقة فيما روى،إلا أن يزيد بن إبراهيم قد جاء بزيادة في السند، فيجب أن تقبل كما هو مقرر في((المصطلح))، لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وبناء عليه فالإسناد بذلك إلي مسروق ضعيف لا تقوم به حجة، لأن مداره على راوٍ لم يسم مجهول، فلا يجوز الجزم بنسبة ذلك إلي مسروق رضي الله عنه ورحمه كما صنع الشيعي.
الرابعة: لقد أدخل الشيعي في هذا الأمر الأثر زيادة ليس لها أصل في ((المصنف)) وهي قوله: ((من تربة المدينة المنورة)) ! فليس لها ذكر في كل الروايتين عنده كما رأيت. فهل تدري لم افتعل الشيعي هذه الزيادة في هذا الأثر؟ لقد تبين له أنه ليس فيه دليل مطلقاً على اتخاذ القرص من الأرض المباركة( المدينة المنورة) للسجود عليه إذا ما تركه على ما رواه ابن أبي شيبة، ولذلك ألحق به هذه الزيادة ليوهم القراء أن مسروقاً رحمه الله اتخذ القرص من المدينة للسجود عليه تبركاً، فإذا ثبت له ذلك ألحق به جواز اتخاذ القرص من أرض كربلاء بجامع اشتراك الأرضين في القداسة !!
وإذا علمت أن المقيس عليه باطل لا أصل له، وإنما هو من اختلاق الشيعي عرفت أن المقيس باطل أيضاً لأنه كما قيل: وهل يستقيم الظل والعود أعوج ؟
فتأمل أيها القاريء الكريم مبلغ جرأة الشيعة على الكذب حتى على النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل تأييد ما هم عليه من الضلال، ويتبين لك صدق من وصفهم من الأئمة بقوله: ((أكذب الطوائف الرافضة)) !
ومن أكاذيبه قوله(ص9):
((ورد في صحيح البخاري صحيفة( ! )(331ج1) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض)) !
وهذا كذب من وجهين:(1/15)
الأول: أنه ليس في ((صحيح البخاري)) هذا النص لا عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره من السلف.
الآخر: أنه إنما ذكره الحافظ ابن حجر في((شرحه على البخاري))(ج1/ ص388- المطبعة البهية) عن عروة فقال:
((وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض)).
قلت: وأكاذيب الشيعة وتدليسهم على الأمة لا يكاد يحصر، وإنما أردت بيان بعضها مما في هذه الرسالة بمناسبة تخريج هذا الحديث على سبيل التمثيل، وإلا فالوقت أعز من أن يضيع في تتبعها.
الدجال من البشر
1193-(الدجال أعور، هجان أزهر (( وفي رواية: أقمر )) كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإما هلك الهلك، فإن ربكم تعال ليس بأعور).
أخرجه ابن حبان في((صحيحه))(1900-موارد) وأحمد(1/240 و 313) وأبو إسحاق الحربي في((غريب الحديث))(5/73/1 و 93/1) وابن منده في((التوحيد))(83/1) من طرق عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
غريب الحديث.
(هجان) أي أبيض. وبمعناه (أزهر).
(أقمر) أي لونه لون الحمار الأقمر، أي الأبيض.
(أصله) الأصلة بفتح الهمزة والصاد: الأفعى. وقيل هي الحية العظيمة الضخمة القصيرة، والعرب تشبه الرأس الصغير الكثير الحركة برأس الحية. كما في((النهاية)).
(الهلك) جمع هالك، أي فإن هلك به الناس جاهلون وضلوا، فاعلموا أن الله ليس بأعور.
والحديث صريح في أن الدجال الأكبر من البشر، له صفات البشر، لا سيما وقد شبه به عبد العزى بن قطن، وكان من الصحابة. فالحديث من الأدلة الكثيرة على بطلان تأويل بعضهم الدجال بأنه ليس بشخص، وإنما هو رمز للحضارة الأوروبية وزخارفها وفتنتها! فالدجال من البشر، وفتنة أكبر من ذلك، كما تضافرت على ذلك الأحاديث الصحيحة، نعوذ بالله منه.
فضل إتيان لوازم لا إله إلا الله
1314-(أبشروا، وبشروا الناس؛ من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة).(1/16)
أخرجه أحمد(4/411): ثنا بهز ثنا حماد بن سلمة: ثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره).
فخرجوا يبشرون الناس، فلقيهم عمر رضي الله عنه فبشروه، فردهم. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ردكم؟ )). قالوا: عمر قال: ((لم رددتهم يا عمر؟)) قال: إذاً يتكل الناس يا رسول الله !
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وأبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب الأزدي. وحسنه الحافظ(1/200) فقصر، وكأنه أراد طريق مؤمل الآتية.
ثم أخرجه أحمد(4/402): ثنا مؤمل بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة به وزاد في آخره.
((قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
لكن مؤمل بن إسماعيل فيه ضعف من قبل حفظه، إلا أنه يشهد له حديث أبي هريرة بمثل هذه القصة مطولاً بينه وبين عمر، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلهم)).
أخرجه مسلم(1/44)من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة.
وفي قصة أخرى نحو الأولى وقعت بين جابر وعمر، وفي آخرها:
((قال: يا رسول الله ! إن الناس قد طعموا وخبثوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(يعني لجابر): اقعد)):
أخرجه ابن حبان(رقم7) بإسناد صحيح من حديث جابر.
وفي الباب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو الآتي بعده، وفيه:
((قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله ؟ قال: دعهم يعملوا)).
وقد أخرجه البخاري(1/199-فتح) ومسلم(1/45) وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: يا معاذ ...)) الحديث وفيه:
((أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا. وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً)).
وأخرجه أحمد(5/ 228 و 229 و 230 و 232 و 236)من طرق عن معاذ قال في أحدها: ((أخبركم بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعني أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول:
(((1/17)
من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه، أو يقيناً من قلبه لم يدخل النار، أو دخل الجنة. وقال مرة: دخل الجنة، ولم تمسه النار)).
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وقد ترجم البخاري رحمه الله لحديث معاذ بقوله:
((باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا، وقال علي:حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)).
ثم ساق إسناده بذلك. وزاد آدم بن أبي إياس في ((كاتب العلم))له: ((ودعوا ما ينكرون)). أي ما يشتبه عليهم فهمه. ومثله قول ابن مسعود: ((ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتة)).
ورواه مسلم(1/9). قال الحافظ:
((وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب. ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين، وأن المراد ما يقع من فتن. ونحوه عن حذيفة. وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنبين؛ لأنه اتخذها وسيلة إلي ما كان يعتمد من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير المراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. والله أعلم)).
هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قل لا إله إلا الله، على أقوال كثيرة، ذكر بعضها المنذري في((الترغيب))(2/238)، وترى سائرها في((الفتح)). والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر، وبه تجتمع الأدلة، ولا تتعارض، أن تحمل على أحوال ثلاثة:
الأولى: من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات، فالحديث حينئذٍ على ظاهره، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقاً.(1/18)
الثانية: أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة، ولكنه ربما تهاون ببعض الواجبات، وارتكب بعض المحرمات، فهذا ممن يدخل في مشيئة الله ويغفر له كما في الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة.
الثالثة: كالذي قبله، ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن المحارم الله كما في حديث أبي ذر المتفق عليه: ((وإن زنى وإن سرق...)) الحديث، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله، فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار فهو وإن دخلها، فلا يخلد معهم فيها، بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة ولا بد، وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره، ويصيبه قبل ذلك ما أصابه)). وهو حديث صحيح كما سيأتي في تحقيقه إن شاء الله برقم(1932)
والله تعالى أعلم.
المسلم لا يستحق مغفرة الله إلا إذا لقى الله عز وجل ولم يشرك به شيئا ً
1315-( من لقي الله لا يشرك به شيئا، يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان غفر له . قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال دعهم يعملوا).
أخرجه الإمام أحمد(5/232): ثنا روح: ثنا زهير بن محمد: ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح كما كنت ذكرت في تعليقي على((مشكاة المصابيح))(رقم47)، وبيان ذلك أن إسناده كلهم ثقات رجال الشيخين، وزهير بن محمد-وهو أبو المنذر الخرساني- وإن كان ضعفه بعضهم من قبل حفظه، فالراجح فيه التفصيل الذي ذهب إليه كبار أئمتنا، فقال البخاري:
((ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح)).
قلت: وروح الراوي عنه هنا هو ابن عبادة البصري الحافظ، وقال الأثرم عن أحمد:
((في رواية الشاميين عن زهير مناكير، أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة؛ عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر)).(1/19)
قلت: وابن مهدي بصري، ومثله أبو عامر وهو عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي البصري الحافظ.
وقال ابن عدي:
((ولعل أهل الشام أخطأوا عليه، فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فروايتهم عنه مستقيمة، وأرجو نه لا بأس به)). وقال العلجي:
((لا بأس به، وهذه الأحاديث التي يرويها أهل الشام عنه ليست تعجبني)).
وهذا هو الذي اعتمده الحافظ، فقال في((التقريب)):
((رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة؛ فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر، وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه)).
ولذلك فإن ابن عبد البر غلا حين قال فيه: ((ضعيف عند الجميع))
فرده عليه الذهبي بقوله:
((كلا، بل خرج له(خ و م)مات سنة 162)).
قلت: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن المسلم لا يستحق مغفرة الله إلا إذا لقى الله عز وجل ولم يشرك به شيئاً، ذلك لأن الشرك أكبر الكبائر كما هو معروف في الأحاديث الصحيحة. ومن هنا يظهر لنا ضلال أولئك الذين يعيشون معنا، ويصلون صلاتنا، ويصومون صيامنا، و.... ولكنهم يواقعون أنواعاً من الشركيات والوثنيات، كالاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين ودعائهم في الشدائد من دون الله، والذبح لهم والنذر لهم، ويظنون أنهم بذلك يقربونهم إلى الله زلفى، هيهات هيهات.(ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار)
فعلى كل من كان مبتلى بشيء من ذلك من إخواننا المسلمين أن يبادروا فيتوبوا إلى رب العالمين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم النافع المستقى من الكتاب والسنة. وهو مبثوث في كتب علمائنا رحمهم الله تعالى، وبخاصة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، ومن نحا نحوهم، وسار سبيلهم.(1/20)
ولا يصدنهم عن ذلك بعض من يوحي إليهم من الموسوسين بأن هذه الشركيات إنما هي قربات وتوسلات، فإن شأنهم في ذلك شأن من أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ممن يستحلون بعض المحرمات بقوله((يسمونها بغير اسمها)).(انظر الحديث المتقدم90 و 415).
هذه نصيحة أوجهها إلى من يهمه أمر آخرته من إخواننا المسلمين المضللين، قبل أن يأتي يحق فيه قول رب العالمين في بعض عباده الأبعدين: (وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً).
المهدي من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة
1529-(لتملأن الأرض جورا وظلماً، فإذا ملئت جورا وظلماً، بعث الله رجلا مني، اسمه اسمي، فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
أخرجه البزار(ص236-237- زوائد ابن حجر) وابن عدي في((الكامل))(129/1) وأبو نعيم في((أخبار أصبهان))(2/165) عن داود بن المحبر: ثنا أبي المحبر بن قحذم عن أبيه قحذم بن سليمان عن معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا. وقال البزار:
((رواه معمر عن هارون عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق عن أبي سعيد، وداود وأبوه ضعيفان)).
وكذا ضعفهما الهيثمي في((المجمع))(7/314)فقال:
((رواه البزار والطبراني في((الكبير))و((الأوسط)) من طريق داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه، وكلاهما ضعيف)).
كذا قال ! وأما في((زوائد البزار)) فقد تعقب البزار بقوله عقب كلامه الذي نقلته آنفاً:
((قلت: بل داود كذاب)).
وأقول: هو كما قال، ولكن ألا يصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم في قصة شيطان أبي هريرة: ((صدقك وهو كذوب))، فإن هذا الحديث ثابت عنه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة، عن جمع من الصحابة، منها طريق أبي الصديق التي أشار إليها البزار، غاية ما في الأمر أن يكون داود ابن المحبر كذب خطأ أو عمداً في إسناده الحديث إلى والد معاوية بن قرة، فإن المحفوظ أنه من رواية معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري به.(1/21)
هكذا أخرجه الحاكم(4/465) من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني: ثنا عمر(وفي ((تلخيص المستدرك)): عمرو) بن عبيد الله العدوي عن معاوية ابن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به أتم منه وقال:
((صحيح الإسناد)) !
قلت: ورده الذهبي بقوله:
((قلت: سنده مظلم)).
وكأنه يشير إلى جهالة العدوي هذا، فإني لم أجد من ترجمه، لا فيمن اسمه (عُمَر)، ولا في (عَمْرو). لكن رواية معمر عن هارون-وهو بن رياب- التي علقها البزار، تدل على أنه قد حفظه عن معاوية، وهذا هو الصواب الذي نقطع به، لأن لمعاوية متابعات كثيرة، بل هو عندي متواتر عن أبي الصديق عن أبي سعيد الخدري، أصحها طريقان عنه:
الأولى: عوف بن أبي جميلة: ثنا أبو الصديق الناجي عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ:
((لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدوانا، ثم يخرج رجل من عترتي، أو من أهل بيتي يملؤها فسطاً وعدلا، كما ملئت ظلماً وعدونا)).
أخرجه أحمد(3/36) وابن حبان(1880)والحاكم(4/557)وأبو نعيم في((الحلية))(3/101)، وقال الحاكم:
((صحيح على شرط الشيخين)). ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأشار إلى تصحيحه أبو نعيم بقوله عقبه:
((مشهور من حديث أبي الصديق عن أبي سعيد)).
فإنه بقوله: ((مشهور)) يشير إلى كثرة الطرق عن أبي الصديق، كما تقدم، وأبو الصديق اسمه بكر بن عمرو، وهو ثقة اتفاقاً محتج به عند الشيخين وجميع المحدثين، فمن ضعف حديثه هذا من المتأخرين، فقد خالف سبيل المؤمنين ؛ بل أقر الحاكم على تصحيحه لهذه الطريق والطريق الآتية، فمن نسب إليه أنه ضعف كل أحاديث المهدي فقد كذب عليه سهواً أو عمدا.
الثانية: سليمان بن عبيد: ثنا أبو الصديق الناجي به، وبلفظه:
((يخرج في أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً يعني حججاً)).
أخرجه الحاكم(4/557-558)وقال:
(((1/22)
صحيح الإسناد)). ووافقه الذهبي وابن خلدون أيضاً فإنه قال عقبه في((المقدمة))(فصل53ص250):
((مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له أحد من الستة، لكن ذكره ابن حبان في ((الثقات))، ولم يرد أن أحداً تكلم فيه)).
قلت: ووثقه ابن معين أيضاً، وقال أبو حاتم:
((صدوق)).
فهو إسناد صحيح كما تقدم عن الحاكم والذهبي وابن خلدون. وبقية الطرق والشواهد قد خرجتها في((الروض النضير))تحت حديث ابن مسعود(647) من طرق عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه. ورواه أصحاب السنن وكذا الطبراني في ((الكبير))أيضاً(10213-10230)، وصححه الترمذي والحاكم وابن حبان(1878)، ولفظه عند أبي داود((لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني، أو من أهل بيتي، ويواطئ اسمه أسمى واسم أبي، يملأ الأرض...))الحديث وممن صححه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في((منهاج السنة))(4/211):
((إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره)).
وكذا في((المنتقى من منهاج الاعتدال)) للذهبي(ص534).
قلت: فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث قد صححوا أحاديث خروج المهدي، ومعهم أضعافهم من المتقدمين والمتأخرين أذكر أسماء من تيسير لي منهم:
1-أبو داود في((السنن))بسكوته على أحاديث المهدي.
2-العقيلي.
3-ابن العربي في((عارضة الأحوذي)).
4-القرطبي كما في((أخبار المهدي)) للسيوطي.
5-الطيبي كما في((مرقاة المفاتيح)) للشيخ القارئ.
6-ابن القيم الجوزية في((المنار المنيف))، خلافاً لمن كذب عليه.
7-الحافظ ابن حجر في((فتح الباري)).
8-أبو الحسن الآُبري في((مناقب الشافعي)) كما في((فتح الباري)).
9-الشيخ علي القارئ في((المرقاة)).
10-السيوطي في((العرف الوردي)).
11-العلامة المباركفوري في((تحفة الأحوذي)).
وغيرهم كثير وكثير جدا.(1/23)
بعد هذا كله أليس من العجيب حقاً قول الشيخ الغزالي في((مشكلاته)) التي صدرت عنه حديثاً(ص139):
((من محفوظاتي وأنا طالب أنه لم يرد في المهدي حديث صريح، وما ورد صريحاً فليس بصحيح)) !
فمن هم الذين لقنوك هذا النفي وحفظوك إياه وأنت طالب؟ أليسوا هم علماء الكلام الذين لا علم عندهم بالحديث، ورجاله، وإلا فكيف يتفق ذلك مع شهادة علماء الحديث بإثبات ما نفوه؟ ! أليس في ذلك ما يحملك على أن تعيد النظر فيما حُفظته طالباً، لا سيما فيما يتعلق بالسنة والحديث تصحيحاً وتضعيفاً، وما بني على ذلك من الأحكام والآراء، ذلك خير من أن تشكك المسلمين في الأحاديث التي صححها العلماء لمجرد كونك لُقنته طالباً، ومن غير أهل الاختصاص والعلم ؟ !(1/24)
واعلم يا أخي المسلم أن كثيراً من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع، فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لا تقوم إلا بخروج المهدي ! وهذه خرافة وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة، وبخاصة الصوفية منهم، وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقاً، بل هي كلها لا تخرج عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات بارزة أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم والعمل به لتجديد الدين، فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه وترك الاستعداد والعمل لإقامة حكم الله في الأرض، بل العكس هو الصواب، فإن المهدي لن يكون أعظم سعياً من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ظل ثلاثاً وعشرين عاماً وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام ، وإقامة دولته فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعاً وأحزاباً ، وعلماءهم- إلا القليل منهم- اتخذهم الناس رؤوساً ! لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد، وتحت راية واحدة، وهذا بلا شك يحتاج إلى زمن مديد الله أعلم به، فالشرع والعقل معاً يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين، حتى إذا خرج المهدي، لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج فقد قاموا هم بواجبهم، والله يقول: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله).(1/25)
ومنهم- وفيهم بعض الخاصة- من علم أن ما حكيناه عن العامة أنه خرافة، ولكنه توهم أنها لازمة لعقيدة خروج المهدي فبادر إلى إنكارها، على حد قول من قال (وداوني بالتي كانت هي الداء)! وما مثلهم إلا كمثل المعتزلة الذين أنكروا القدر لما رأوا أن طائفة من المسلمين استلزموا منه الجبر !! فهم بذلك أبطلوا ما يجب اعتقاده، وما استطاعوا أن يقضوا على الجبر!
وطائفة منهم رأوا أن عقيدة المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالاً سيئاً، فادعاها كثير من المغرضين، أو المهبولين، وجرت من جراء ذلك فتن مظلمة، كان من آخرها فتنة مهدي(جهيمان) السعودي في الحرم المكي، فرأو أن قطع دابر هذه الفتن، إنما يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة ! وإلى ذلك يشير الشيخ الغزالي عقب كلامه السابق !
وما مثل هؤلاء إلا كمثل من ينكر عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان التي تواتر ذكرها في الأحاديث الصحيحة، لأن بعض الدجاجلة ادعاها، مثل ميرزا غلام أحمد القادياني، وقد أنكرها بعضهم فعلاً صراحة، كالشيخ شلتوت، وأكاد أقطع أن كل من أنكر عقيدة المهدي ينكرها أيضاً، وبعضهم يظهر ذلك من فلتات لسانه، وإن كان لا يبين. وما مثل هؤلاء المنكرين جميعاً عندي إلا كما لو أنكر رجل ألوهية الله عز وجل بدعوى أنه ادعاها بعض الفراعنة ! (فهل من مدكر).
الخلافة في قريش ما أطاعوا الله
1552-(أما بعد يا معشر قُريش ! فإنكم أهلُ هذا الأمر ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يُلحى هذا القضيب-لقضيب في يده).
أخرجه أحمد(1/458): ثنا يعقوب: ثنا أبي عن صالح: قال ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن مسعود قال:
(((1/26)
بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريب من ثمانين رجلاً من قريش، ليس فيهم إلا قرشي، لا والله ما رأيت صفيحة وجوه رجال قط أحسن من وجوههم يومئذ، فذكروا النساء، فتحدثوا فيهن، فتحدث معهم، حتى أحببت أن يسكت، قال: ثم أتيته فتشهد، ثم قالك(فذكره)، ثم لحى قضيبه، فإذا هو أبيض يصلد)).
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقال الهيثمي في((مجمع الزوائد))(5/192):
((رواه أحمد وأبويعلى والطبراني في((الأوسط))ورجال أحمد رجال الصحيح، ورجال أبي يعلى ثقات)).
ورواه القاسم بن الحارث عن عبيد الله فقال: عن أبي مسعود الأنصاري.
أخرجه أحمد(4/118و5/274و274-275)وابن أبي عاصم في((السنة))(1118و1119-بتحقيقي).
والقاسم هذا مجهول كما بينته في((تخريج السنة))فقوله: ((أبي مسعود))مكان ((ابن مسعود))، وهم منه لا يلتفت إليه.
(يلحى): أي يقشر.
وهذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد استمرت الخلافة في قريش عدة قرون، ثم دالت دولتهم، بعصيانهم لربهم، وإتباعهم لأهوائهم، فسلط الله عليهم من الأعاجم من أخذ الحكم من أيديهم، وذل المسلمون من بعدهم إلا ما شاء الله. ولذلك فعلى المسلمين إذا كانوا صادقين في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية أن يتوبوا إلى ربهم، ويرجعوا إلى دينهم، ويتبعوا أحكام شريعتهم، ومن ذلك أن الخلافة في قريش بالشروط المعروفة في كتب الحديث والفقه، ولا يحكموا آراءهم وأهواءهم، وما وجدوا عليه أباءهم وأجدادهم، وإلا فسيظلون محكومين من غيرهم، وصدق الله إذ قال:( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). والعاقبة للمتقين.
الميثاق الرباني(1/27)
1623-( أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بـ ( نعمان ) _ يعني عرفة _ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين . أو تقولوا إنما أشرك أباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ).
أخرجه أحمد(1/272)وابن جرير في((التفسير))(15338)وابن أبي عاصم في((السنة))(17/1)والحاكم(2/544)والبيهقي في((الأسماء والصفات))(ص326-327)كلهم من طريق الحسين بن محمد المروذي: ثنا جرير بن حازم عن كُلْثُوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم:
((صحيح الإسناد)). ووافقه الذهبي.
قلت: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله وسائرهم من رجال الشيخين.
وتابعه وهب بن جرير: ثنا أبي به دون ذكر(نعمان) وقال أيضاً: ((صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر)).ووافقه الذهبي أيضاً. وأما ابن كثير فتعقبه بقوله في((التفسير))(2/262)):
((هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فوقفه. وكذا رواه إسماعيل بن عُلَية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم بن جبر عن أبيه به، وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعلى بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فهذا أكثر وأثبت. والله أعلم)).
قلت: هو كما قال رحمه الله تعالى، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعاً، وذلك لأن الموقوف في حكم المرفوع، لسببين:
الأول: أنه في تفسير القرآن، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع، ولذلك اشترط الحاكم في كتابه((المستدرك))أن يخرِج فيه التفاسير عن الصحابة كما ذكر ذلك فيه(1/55).(1/28)
الآخر: أن له شواهد مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جمع من الصحابة، وهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو، وأبو هريرة، وأبو أمامة، وهشام بن حكيم أو عبد الرحمن ابن قتادة السلمي على خلاف عنهما-ومعاوية بن أبي سفيان، وأبو الدرداء، وأبو موسى، وهي وإن كان غالبهما لا تخلوا أسانيدها من مقال، فإن بعضها يقوي بعضاً، بل قال الشيخ صالح المقبلي في((الأبحاث المسددة)): (ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والرويات في ذلك))، ولا سيما وقد تلقاها أو تلقي ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على أنفسهم؛ السلف الصالح من الصحابة والتابعين دون اختلاف بينهم، منهم عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وناس من الصحابة، وأبي بن كعب وسلمان الفارسي، ومحمد بن كعب، والضحاك بن مزاحم، والحسن البصري، وقتادة، وفاطمة بنت الحسين، وأبو جعفر الباقر وغيرهم، وقد أخرج هذه الآثار الموقوفة وتلك الأحاديث المرفوعة الحافظ السيوطي في((الدر المنثور))(3/141-145)، وأخرج بعضها الشوكاني في((فتح القدير))(2/251-252)، ومن قبله الحافظ ابن كثير في((تفسيره))(2/261-264)، وخرجت أنا حديث عمر في((الضعيفة))(3070)وصححته لغيره في((تخريج شرح الطحاوية)(266)، وحديث أبي هريرة في تخريج السنة لابن أبي عاصم(204و205-بتحقيقي)، وصححته أيضاً هناك(ص267)، وفي الباب عن أبي الدرداء مرفوعاً، وقد سبق برقم(49)، وعن أنس، وسبق برقم(172)وهو متفق عليه، فهو أصحها وفيه:
((إن الله تعالى يقول للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً ؟ فيقول: نعم. فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيتْ إلا أن تشرك بي)).
إذا عرفت هذا فمن العجيب قول الحافظ ابن كثير عقب الأحاديث والآثار التي سبقت الإشارة إلى أنه أخرجها:
(((1/29)
فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه،وميز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو، وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم)).
قلت: وليس الأمر كما نفى، بل الإشهاد وارد في كثير من تلك الأحاديث:
الأول: حديث أنس هذا، ففيه كما رأيت قول الله تعالى: ((قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً)). قال الحافظ ابن حجر في((فتح الباري))(6/284):
((فيه إشارة إلى قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم) الآية)).
قلت: ولفظ حديث ابن عمرو الذي أعله ابن كثير بالوقف إنما هو: أخذ من ظهره....))، فأي فرق بينه وبين لفظ حديث أنس الصحيح ؟!
الثاني: حديث عمر بلفظ: ((ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية...)).
الثالث: حديث أبي هريرة الصحيح: ((.... مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة....)).
الرابع: حديث هشام بن حكيم: ((إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم....)).
الخامس: حديث أبي أمامة: ((لما خلق الله الخلق وقضى القضية، أخذ أهل اليمين بيمينه، وأهل الشمال بشماله، فقال:...ألست بربكم، قالوا: بلى ....)).
ففي ذلك رد على قول ابن القيم أيضاً في كتاب ((الروح))(ص161)بعد أن سرد طائفة من الأحاديث المتقدمة:
((وأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم له بالربوبية وشهادتهم على أنفسهم بالعبودية- فمن قاله من السلف فإنما هو بناء منه على فهم الآية، والآية لم تدل على هذا بل دلت على خلافه)).(1/30)
وقد أفاض جداً في تفسير الآية وتأويلها تأويلاً ينافي ظاهرها بل ويعطل دلالتها أشبه ما يكون بصنيع المعطلة لآيات وأحاديث الصفات حين يتأولونها، وهذا خلاف مذهب ابن القيم رحمه الله الذي تعلمناه منه ومن شيخه ابن تيمية، فلا أدري لماذا خرج عنه هنا لا سيما وقد نقل(ص163)عن الأنباري أنه قال:
((مذهب أهل الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وصلب أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم كما جعل للجبل عقلا حين خوطب، وكما فعل ذلك للبعير لما سجد، والنخلة حتى سمعت وانقادت حين دُعِيَت)).
كما نقل أيضاً عن إسحاق بن راهويه:
((وأجمع أهل العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، وأنه استنطقهم وأشهدهم)).
قلت: وفي كلام ابن الأنباري إشارة لطيفة إلى طريقة الجمع بين الآية والحديث وهو قوله: ((إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده)).
وإليه ذهب الفخر الرازي في((تفسيره))(4/323)، وأيده العلامة ملاَ على القاريء في((مرقاة المفاتيح))(1/140-141)وقال عقب كلام الفخر:
(((1/31)
قال بعض المحققين: إن بني آدم من ظهره، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لا يزال إلى يوم القيامة هم الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منهم الميثاق الأزلي ليعرف منه أن النسل المخرج فيما لا يزال من أصلاب بنيه هو المخرج في الأزل من صلبه، وأخذ منهم الميثاق الأول، وهو المقالي الأزلي، كما أخذ منهم فيما لا يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الثاني، وهو الحالي الإنزالي. والحاصل أن الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي، وثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد، كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم الأمة ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقاً آخر أزلياً فقال(ما) قال من مسح ظهر آدم في الأزل وإخراج ذريته وأخذه الميثاق عليهم اهـ.
وبهذا يزول كثير من الإشكالات، فتأمل فيها حق التأمل)).
وجملة القول أن الحديث صحيح، بل هو متواتر المعنى كما سبق، وأنه لا تعارض بينه وبين آية أخذ الميثاق، فالواجب ضمه إليها، وأخذ الحقيقة من مجموعهما، وقد تجلت لك إن شاء الله مما نقلته لك من كلام العلماء، وبذلك ننجو من مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين:
الأولى: رد الحديث بزعم معارضته للآية.
والأخرى: تأويلها تأويلاً يبطل معناها، أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة والمعتزلة. كيف لا وهم أنفسهم الذين أنكروا حقيقة الأخذ والإشهاد والقول المذكور فيها بدعوى أنها خرجت مخرج التمثيل ! وقد عز علي كثيراً أن يتبعهم في ذلك مثل ابن القيم وابن كثير، خلافاَ للمعهود منهم من الرد على المبتدعة ما هو دون ذلك من التأويل. والعصمة لله وحده.(1/32)
ثم إنه ليلوح لي أننا وإن كنا نتذكر جميعاً ذلك الميثاق الرباني وقد بين العلماء سبب ذلك-فإن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي تشهد فعلاً بأن الله هو الرب وحده لا شريك له، إنما هي أثر ذلك الميثاق، وكأن الحسن البصري رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى عن الأسود بن سريع مرفوعاً:
((ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة...))الحديث، قال الحسن عقبه: ((ولقد قال الله ذلك في كتابه: (وإذ أخذ ربك...)الآية)).
أخرجه ابن جرير(15353)، ويؤيده أن الحسن من القائلين بأخذ الميثاق الوارد في الأحاديث، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعليه فلا يصح أن يقال: إن الحسن البصري مع الخلف القائلين بأن المراد بالإشهاد المذكور في الآية إنما هو فطرهم على التوحيد، كما صنع ابن كثير. والله أعلم.
أشرف حديث في صفة الأولياء
1640-( إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته).
أخرجه البخاري(4/231) وأبو نعيم في((الحلية))(1/4) والبغوي في((شرح السنة))(1/142/2) وأبو القاسم المهرواني في((الفوائد المنتخبة الصحاح)) (2/3/1) وابن الحمامي الصوفي في((منتخب من مسموعاته)) (171/1) وصححه ثلاثتهم، ورزق الله الحنبلي في((أحاديث من مسموعاته))(1/2-2/1) ويوسف بن الحسن النابلسي في ((الأحاديث الستة العراقية))(ق26/1) والبيهقي في((الزهد))(ق83/2) وفي((الأسماء والصفات)) ص(491) من طريق خالد بن مخلد: حدثنا سليمان بن بلال: حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.(1/33)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وهو من الأسانيد القليلة التي انتقدها العلماء على البخاري رحمه الله تعالى، فقال الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد هذا وهو القطواني بعد أن ذكر اختلاف العلماء في توثيقه وتضعيفه وساق له أحاديث تفرد بها هذا منها:
((فهذا حديث غريب جداً، ولولا هيبة((الجامع الصحيح)) (!) لعددته في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد. ولا أخرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في((مسند أحمد)) وقد اختلف في عطاء، فقيل: هو ابن أبي رباح، والصحيح أنه عطاء بن يسار)).
ونقل كلامه هذا بشيء من الاختصار الحافظ في((الفتح)) ((11/292-293)، ثم قال:
((قلت: ليس هو في((مسند أحمد)) جزماً، وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد-فيه مقال أيضاً. وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها، ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً.
1-منها عن عائشة أخرجه أحمد في((المسند))(6/256) وفي((الزهد)) وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في((الحلية)) والبيهقي في((الزهد)) من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها. وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد به. وقد قال البخاري: إن منكر الحديث.
لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة وقال:
((لم يروه عن عروة إلا يعقوب وعبد الواحد)).
2-ومنها عن أبي أمامة. أخرجه الطبراني والبيهقي في((الزهد)) بسند ضعيف.
3-ومنها عن علي عند الإسماعيلي في ((مسند علي)).
4- وعن ابن عباس. أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف.
5- وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني. وفي سنده ضعف أيضاً.
6-وعن حذيفة. أخرجه الطبراني مختصراً. وسنده حسن غريب.
7-وعن معاذ بن جبل. أخرجه ابن ماجه وأبو نعيم في((الحلية)) مختصراً وسنده ضعيف أيضاً.(1/34)
8-وعن وهب بن منبه مقطوعاً. أخرجه أحمد في((الزهد)) وأبو نعيم في((الحلية))، وفيه تعقب على ابن حبان حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة:
(لا يعرف لهذا الحديث إلا طريقان- يعني غير حديث الباب- وهما هشام الكناني عن أنس، وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة، وكلاهما لا يصح) )).
هذا كله كلام الحافظ. وقد أطال النفس فيه. وحق له ذلك، فإن حديثاً يخرجه الإمام البخاري في((المسند الصحيح)) ليس من السهل الطعن في صحته لمجرد ضعف في إسناده، لاحتمال أن يكون له شواهد تأخذ بعضده وتقويه .. فهل هذا الحديث كذلك؟
لقد ساق الحافظ هذه الشواهد الثمان، وجزم بأنه يدل مجموعها على أن له أصلاً.
ولما كان من شروط الشواهد أن لا يشتد ضعفها وإلا لم يتقو الحديث بها كما قرره العلماء في((علم مصطلح الحديث))، وكان من الواجب أيضاً أن تكون شهادتهما كاملة، وإلا كانت قاصرة، لذلك كله كان لا بد لي من إمعان النظر في هذه الشواهد أو ما أمكن منها من الناحيتين اللتين أشرت إليهما: قوة الشهادة وكمالها أو العكس؛ وتحرير القول في ذلك، فأقول:
1- ذكر الحافظ لحديث عائشة طريقين أشار إلى أحدهما ضعيف جداً. لأن من قال فيه البخاري: منكر الحديث. فهو عنده في أدنى درجات الضعف. كما هو معلوم، وسكت عن الطريق الأخرى فوجب بيان حالهان ونص متنها، فأقول:
أخرجه الطبراني في((الأوسط)) (15/16-زوائده): حدثنا هارون بن كامل: ثنا سعيد بن أبي مريم: ثنا إبراهيم بن سويد المدني: حدثني أبو حزرة يعقوب بن مجاهد: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بتمامه مثله إلا أنه قال:
((إن دعاني أجبيته)) بدل ((إن استعاذني لأعيذنه)) وقال:
((لم يروه عن أبي حزرة إلا إبراهيم. ولا عن عروة إلا أبو حزرة وعبد الواحد بن ميمون)).(1/35)
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معرفون مترجمون في((التهذيب)) غير هارون بن كامل وهو المصري كما في((معجم الطبراني الصغير)) ص(232) ولم أجد له ترجمة، فلولاه الإسناد جيداً. لكن الظاهر من كلام الطبراني السابق أنه لم يتفرد به.
فإنه ذكر التفرد لإبراهيم شيخ شيخه.
والحديث أورده الهيثمي(10/269) بطرقه الأول ثم قال:
((رواه البزار واللفظ له أحمد و الطبراني في((الأوسط)) وفيه عبد الواحد بن قيس وقد وثقه غير واحد. وضعفه غيرهم. وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. ورجال الطبراني في((الأوسط)) رجال((الصحيح)) غير شيخه هارون بن كامل)) !
قلت: يعقوب بن مجاهد وإبراهيم بن سويد ليسا من رجال((الصحيح)) وإنما أخرج لهما البخاري في((الأدب المفرد)).
ثم إن قوله: ((وفيه عبد الواحد بن قيس)) يخالف فول الحافظ المتقدم أنه عبد الواحد بن ميمون. ولا أدري هل منشؤه من اختلاف الاجتهاد في تحديد المراد من عبد الواحد الذي لم ينسب فيما وقفت عليه من المصادر، أم أنه وقع منسوباً عند البزار؟ فقد رأيت الحديث في((المسند)) (6/257) و((الحلية)) (1/5) و((الزهد)) للبيهقي (83/2) من طرق عن عبد الواحد مولى عروة عن عروة به.
ثم تبين لي أن الاختلاف سببه اختلاف الاجتهاد. وذلك لأن كلاً من عبد الواحد ابن ميمون، وعبد الواحد بن قيس روى عن عروة.
فمال كل من الحافظين إلى ما مال إليه. لكن الراجح ما ذهب إليه الحافظ ابن حجرن لأن الذين رووه عن عبد الواحد لم يذكروا في الرواة عن ابن قيس وإنما عن ابن ميمون. وفي ترجمته ذكر ابن عدي(305/1) هذا الحديث وكذلك صنع الذهبي في ((الميزان)) والحافظ في ((اللسان))، فقول الهيثمي أنه ابن قيس مردود. ولو كان هو صاحب هذا الحديث لكان شاهداً لا بأس به. فإنه أحسن حالاً من ابن ميمون. فقد قال الحافظ فيه:
((صدوق الأول له أوهام ومراسيل)).
وأما الأول فمتروك.(1/36)
ثم رأيت ما يشهد لمارجحته. فقد أخرجه أبو نعيم في ((الأربعين الصوفية)) (ق60/1) وأبو سعد النيسابوري في ((الأربعين)) (ق52/1-2) وقال:
((حديث غريب ... وقد صح معنى هذا الحديث من حديث عطاء عن أبي هريرة)) ، وابن النجار في ((الذيل)) (10/183/2) عن عبد الواحد بن ميمون عن عروة بن فنسبه إلى ميمون.
وجملة القول في حديث عائشة هذا أنه لا بأس به في الشواهد من الطريق الأخرى إن لم يكن لذاته حسنا.
2- ثم ذكر حديث أبي أمامة وضعفه، وهو عند البيهقي من طريق ابن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه. وكذلك رواه السلمي في ((الأربعين الصوفية)) (9/1).
وهذا الإسناد يضعفه ابن حبان جداً، ويقول في مثله إنه من وضع أحد هؤلاء الثلاثة الذين دون أبي أمامة.
لكن أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) (ق11/1- نسخة الشيخ السفرجلاني) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد به نحوه.
وعثمان هذا قال الحافظ في ((التقريب)):
((ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني)).
3- حديث علي لم أقف الآن على إسناده.
4- وأما حديث ابن عابس، فقد ضعفه الحافظ كما تقدم، وبين علته الهيثمي فقال (10/270):
((رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم)).
قلت: وإسناده أسوأ من ذلكن وفي متنه زيادة منكرة، وكذلك أوردته في ((الضعيفة)) (5396).
5- وأما حديث أنس فلم يعزه الهيثمي إلا للطبراني في ((الأوسط)) مختصراً جداً بلفظ:
(( ... من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)). وقال:
((وفيه عمر بن سعيد أبو حفص الدمشقي وهو ضعيف)).
وقد وجدته من طريق أخرى بأتم منه، ويرويه الحسن بن يحيى قال: حدثنا صدقة ابن عبد الله عن هشام الكناني عن أنس به نحو حديث الترجمة، وزاد:
((وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة، فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك. وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ...)) الحديث.(1/37)
أخرجه محمد بن سليمان الربعي في ((جزء من حديثه)) (ق216/2) والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (ص121).
قلت: وإسناده ضعيف، مسلسل بالعلل:
الأولى: هشام الكناني لم أعرفه، وقد ذكره ابن حبان في كلامه الذي سبق نقله عنه بواسطة الحافظ ابن حجر، فالمفروض أن يورده ابن حبان في ((ثقات التابعين)) ولكنه لم يفعل، وإنما ذكر فيهم هشام بن زيد بن أنس البصري يروي عن أنس، وهو من رجال الشيخين، فلعله هو.
الثانية: صدقة بن عبد الله، وهو أبو معاوية السمين-ضعيف.
الثالثة: الحسن بن يحيى وهو الخشني، وهو صدوق كثير الغلط كما في ((التقريب)).
6- وحديث حذيفة لم أقف على سنده أيضاً. ولم أره في ((مجمع الهيثمي))
7- وحديث معاذ مع ضعف إسناده فهو شاهد مختصر ليس فيه إلا قوله:
((من عادى وليا فقد بارز الله بالمحاربة)).
وهو مخرج في ((الضعيفة)) (1850).
وحديث وهب بن منبه، أخرجه أبو نعيم(4/32) من طريق إبراهيم بن الحكمك حدثني أبي: حدثني وهب بن منبه قال:
(( إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: إن الله تعالى يقول:
ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبضِ روح المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته ولا بد له منه)).
قلت: وإبراهيم هذا ضعيف، ولو صح عن وهب فلا يصلح للشهادة، لأنه صريح في كونه من الإسرائيليات التي أمرنا بأن لا نصدق بها، ولا نكذبها.
ونحوه ما روى أبو الفضل المقري الرازي في((أحاديث في ذم الكلام)) (204/1) عن محمد بن كثير الصنعاني عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: ((قال الله ... )) فذكر الحديث بنحوه معضلاً موقوفاً.
ولقد فات الحافظ رحمه الله تعالى حديث ميمونة مرفوعاً به بتمامه مثل حديث الطبراني عن عائشة.
أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) (ق334/1) و أبوبكر الكلاباذي في ((مفتاح المعاني)) (13/1 رقم 15) عن يوسف بن خالد السمتيك ثنا عمر بن إسحاق أنه سمع عطاء بن يسار يحدث عنها.
لكن هذا إسناد ضعيف جداً؛ لأن السمتي هذا قال الحافظ:
(((1/38)
تركوه، وكذبه ابن معين)).
فلا يصلح للشهادة أصلاً. وقد قال الهيثمي:
((رواه أبو يعلى وفيه يوسف خالد السمتي وهو كذاب)).
وخلاصة القول: إن أكثر هذه الشواهد لا تصلح لتقوية الحديث بها، إما لشدة ضعف إسناده، وإما لاختصارها، اللهم إلا حديث عائشة، وحديث أنس بطريقيه؛ فإنهما إذا ضما إلى إسناد حديث أبي هريرة اعتضد الحديث بمجموعها وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء الله تعالىن وقد صححه من سبق ذكره من العلماء.
( تنبيه) جاء في كتاب ((مبارق الأزهار شرح مشارق الأنوار)) (في باب الحادي عشر في كلمات القدسية) (2/338) أن هذا الحديث أخرجه البخاري عن أنس وأبي هريرة بلفظ:
(( من أهان لي (ويروى من عادى لي) ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت في شيء أنا فاعله، ما ترددت في قبض نفس عبد المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولابد له منه، وما تقرب إلى عبدي المؤمن بمثل الزهد في الدنيا، ولا تعبد لي بمثل أداء ما افترضته عليه)).
قلت: فهذا خطأ فاحش من وجوه:
الأول: أن البخاري لم يخرجه من حديث أنس أصلاً.
الثاني: أنه ليس في شيء من طرق الحديث التي وقفت عليها ذكر للزهد.
الثالث: أنه ليس في حديث أبي هريرة وأنس قوله: ((ولابد له منه)).
الرابع: أنه مخالف لسياق البخاري ولفظه كما هو ظاهر.
ونحو ذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية أورد الحديث في عدة أماكن من ((مجموع الفتاوى)) (5/511و10/58و11/75-76و17/133-134) من رواية البخاري بزيادة (( فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي)) ولم أر هذه الزيادة عند البخاري ولا عند غيره ممن ذكرنا من المخرجين، وقد ذكرها الحافظ في أثناء شرحه للحديث نقلاً عن الطوفي ولم يعزها لأحد.
ثم إن لشيخ الإسلام جواباً قيماً على سؤال حول التردد المذكور في هذا الحديث، أنقله هنا بشيء من الاختصار لعزته وأهميته، قال رحمه الله تعالى في ((المجموع)) (18/129-131):
(((1/39)
هذا حديث شريف، وهو أشرف حديث روى في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة وقالوا: إن الله لا يوصف بالتردد، فإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة التردد !
والتحقيق: أن كلام رسوله حق وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس، وأجهلهم وأسوئهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة، والاعتقادات الفاسدة. ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور ( فإنه ) لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء، ثم هذا باطل (على إطلاقه) فإن الواحد يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشيء الواحد، الذي يُحب من وجه ويُكره من وجه، كما قيل:
الشيب كره وكره أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب.
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه. بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من الباب، وفي (( الصحيح)):
(( حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره)) وقال تعالى: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) الآية.(1/40)
ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث، فإنه قال: (( لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )) فإن العبد الذي حاله صار محبوباً للحق محباً له، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق. فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث ما يحبه محبوبه، ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه قد قضى بالموت. فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مراداً من وجه مكروهاً من وجه وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده. وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته)).
وقال في مكان آخر (10/ 58-59):
(( فبين سبحانه أنه يتردد، لأن التردد تعارض إرادتين، فهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت، فهو يكرهه كما قال : (( وأنا أكره مساءته )) وهو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت، فسمى ذلك ترددا. ثم بين أنه لا بد من وقوع ذلك )).
الرد على القول بعصمة آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم
1904-(الشاهد يرى ما لا يرى الغائب).
أخرجه أحمد(1/83) وعنه الضياء في ((المختارة))(1/248) والبخاري في((التاريخ))(1/1/177) عن يحيى بن سعيد عن سفيان، ثنا محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي رضي الله عنه قال:
قلت: يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالسكة المحماة، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: فذكره.
وخالفه أبو نعيم فقال: نا سفيان به، إلا أنه زاد: ((عن أبيه عن علي)).
أخرجه الضياء(1/233) وقال:
(((1/41)
رواه إسحاق بن راهويه في((مسنده)) عن أبي نعيم)).
لكن أخرجه أبو نعيم في((الحلية))(7/92): حدثنا سليمان بن أحمد (هو الطبراني): ثنا علي بن عبد العزيز: ثنا أبو نعيم: ثنا سفيان به دون الزيادة، ولذلك قال أبو نعيم عقبه:
((رواه عصام بن يزيد: جبر، فوصله)).سم أسنده من طريين عن محمد بن يحيى بن منده: ثنا محمد بن عصام بن يزيد عن أبيه عن سفيان عن محمد بن عمر بن علي عمن حدثه عن علي قال:
((بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن نسيب لأم إبراهيم شيء، فدفع إلى السيف، فقال: اذهب فاقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو فوق نخلة، فلما رآني عرف، ووقع، ألقي ثوبه، فإذا هو أجب، فكففت عنه، فقال: أحسنت)). وقال:
((جوده محمد بن إسحاق وسماه)).
ثم ساق هنا مختصراً وفي((3/177/178) بتمامه من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال:
((أُكِثَر على مارية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم في قبطي-ابن عم لها- كان يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: خذ هذا السيف فانطلق إليه، فإن وجدته عندها فاقتله. فقلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أرسلتني به، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: (فذكره)، فأقبلت متوشحا السيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما أقبلت نحوه عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقى فيهان ثم رمى بنفسه على قفاه، وشَفَرَ برجليه، فإذا هو أجب أمسَح، ما له ما للرجال، قليل ولا كثير، فأغمدت سيفي، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت)). وقال:
((هذا غريب لا يعرف مسنداً بهذا السياق إلا من حديث محمد بن إسحاق)).(1/42)
قلت: ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في((التاريخ)) وأبو عبد الله بن منده في(معرفة الصحابة))(42/531) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق))(1/232/1) والضياء في((المختارة))(1/247) وصرح البخاري وابن منده بتحديث ابن إسحاق، فزالت شبهة تدليسه، وسائر رجاله ثقات، فهو إسناد متصل جيد.
وروى الخطيب في((التاريخ))(3/64) من هذا الوجه حديث الترجمة فقط دون القصة.
وقد وجدت له شاهداً، يرويه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وعقيل عن الزهري عن أنس مرفوعاً به.
أخرجه القضاعي في((مسند الشهاب))(9/2) من طريق الطبراني.
وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد.
والقصة وحدها دون الحديث لها طريق أخرى عند مسلم(8/119) وأحمد(3/281) من طريق ثابت عن أنس نحوه.
واستدركه الحاكم(4/39) على مسلم فوهم، كما وهم بعض المعلقين على((المقاصد الحسنة)) في جزمه بأن حديث الترجمة من حديث أنس عند مسلم .
وأخرجها الحاكم من حديث عائشة أيضاً، وفيه أبو معاذ سليمان بن الأرقم الأنصاري وهو ضعيف جداً، وسيأتي تخريجه وبيان ما فيه من الزيادات المنكرة برقم(4964) من الكتاب الآخر.
قلت: و الحديث نص صريح في أن أهل البيت رضي الله عنهم يجوز فيهم ما يجوز في غيرهم من المعاصي، إلا من عصم الله تعالى، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في قصة الإفك:
((يا عائشة ! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنتِ بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ..)).
أخرجه مسلم.(1/43)
ففيهما رد قاطع على من ابتدع القول بعصمة زوجاته صلى الله عليه وسلم محتجاً بمثل قوله تعالى فيهن: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) جاهلاً أو متجاهلاً أن الإرادة في الآية ليست الإرادة الكونية التي تستلزم وقوع المراد، وإنما هي الإرادة الشرعية المتضمنة للمحبة والرضا، إلا لكانت الآية حجة للشيعة في استدلالهم بها على عصمة أئمة أهل البيت وعلى رأسهم علي رضي الله عنه، وهذا مما غفل عنه ذلك المبتدع، مع أنه يدعي أنه سلفي !
ولذلك قال الشيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الشيعي الرافضي(2/117).
((وأما آية التطهير فليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم، وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهاب الرجس عنهم ... ومما يبين أن هذا مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه؛ ما ثبت في((الصحيح))أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الكساء على فاطمة وعلي وحسن وحسين ثم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)).
رواه مسلم. ففيه دليل على أنه لم يخبر بوقوع ذلك؛ فإنه لو كان وقع لكان يثني على الله بوقوعه، ويشكره على ذلكن لا يقتصر على مجرد الدعاء)).
الصورةُ الرأس
1921-(الصورةُ الرأس، فإذا قطِعَ الرأس، فلا صورة).
عزاه السيوطي في((الجامع الصغير)) للإسماعيلي في((معجمه))، وبيض له المناوي، فلم يتكلم على إسناده بشيء، وقد وقفت على سنده على ظهر الورقة الأولى من الجزء الحادي عشر من((الضعفاء)) للعقيلي، بخط بعض المحدثين، أخرجه من طريق عدي بن الفضل وابن عُلَية جميعاً عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرفوعاً، ومن طريق عبد الوهاب عن أيوب به موقوفاً عليه.(1/44)
قلت: وابن عُلَية واسمه إسماعيل؛ أحفظ من عبد الوهاب وهو ابن عبد المجيد الثقفي، فروايته المرفوعة أرجح، لا سيما ومعه المقرون به عدي بن الفضل على ضعفه، فإذا كان السند إليهما صحيحاً، فالسند صحيح، ولم يسقه الكاتب المشار إليه. ولكن يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:
((أتاني جبريل . . .)) الحديث، وفيه:
((فمر برأس التمثال الذي في البيت يُقطعْ فيصير كهيئة الشجرة . . .))، فهذا صريح في أن قطع رأس الصورة، أي التمثال المجسم، يجعله كلا صورة .
قلت: وهذا في المجسم كما قلنا، وأما في الصورة المطبوعة على الورق أو المطرزة على القماش، فلا يكفي رسم خط على العنق ليظهر كأنه مقطوع عن الجسد، بل لابد من الإطاحة بالرأس . وبذلك تتغير معالم الصورة، وتصير كما قال عليه الصلاة والسلام: ((كهيئة الشجرة)).
فاحفظ هذان ولا تغتر بما جاء في بعض كتب الفقه ومن اتخذها أصلاً من المتأخرين. راجع ((آداب الزفاف)) (ص103-104-الطبعة الثالثة).
إثبات العدوى
1978-(إنا قد بايعناك فارجع).
هو من حديث الشريد بن سويد قال:
كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.
أخرجه مسلم(7/37) والنسائي(2/184) وابن ماجه(2/364) و الطيالسي(رقم1270) وأحمد(4/389-390) عن يعلى بن عطاء عن عمرو بن الشريد عن أبيه به.
وأخرجه الطبراني في((معجم الكبير))(7247) من طريق شريك عن يعلى بن عطاء بلفظ:
أن مجذوماً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فأتيته فذكرت له، فقال:
((ائته فأعلمه أني قد بايعته فليرجع)).(1/45)
قلت: وفي الحديث إثبات العدوى والاحتراز منها، فلا منافاة بينه وبين حديث((لا عدوى)) لأن المراد به نفي ما كانت الجاهلية تعتقده أن العاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى وقدره، فهذا هو المنفي، ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله ومشيئته، وهذا ما أثبته حديث الترجمة، وأرشد فيه إلى الابتعاد عما قد يحصل الضرر منه بقدر الله وفعله.
كتاب الصلاة
التوقيت للوتر، كالتوقيت للصلوات الخمس
1712-(إنما الوتر بالليل ).
أخرجه الطبراني في((المعجم الكبير))(رقم891)عن خلد بن أبي كريمة: نا معاوية بن قرة عن الأغر المزني:
(( أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، فقال: ( فذكره ) . قال يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، قال: فأوتر)).
قلت: وهذا إسناد حسن على الأقل في الشواهد، خالد بن أبي كريمة قال الحافظ:
((صدوق يخطىء)).
وسائر رجاله ثقات، غير شيخ الطبراني محمد بن عمرو بن خالد الحراني، فلم أجد له ترجمة. لكن يشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم:
(( أوتروا قبل أن تصبحوا )).
أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري، وهو مخرج في((الإرواء))(421).
وهذا التوقيت للوتر، كالتوقيت للصلوات الخمس، إنما هو لغير النائم وكذا الناسي، فإنه يصلي الوتر إذا لم يستيقظ له في الوقت، يصليه متى استيقظ، ولو بعد الفجر، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم للرجل في هذا الحديث: ((فأوتر)) . بعد أن قال له: (( إنما الوتر بالليل)) . وفي ذلك حديث صريح فانظره في ((المشكاة))( 1268)و((الإرواء))( 422).
شرعية الصلاة بعد الوتر
1993-( إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له).
أخرجه الدارمي(1/374) وابن خزيمة في((صحيحه) (2/159/1103) وابن حبان(683) من طرق عن ابن وهب: حدثني معاوية بن صالح عن شريح بن عبيد عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان قال:
(((1/46)
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: )) فذكره، وليس عند الدارمي هذه الجملة المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم قال الحديث في السفر، ولذلك عقب على الحديث بقوله:
((ويقال: ((هذا السفر))، وأنا أقول: السهر)) !
وبناءً عليه وقع الحديث عنده بلفظ: ((هذا السهر)). ويرده أمران:
الأول: ما ذكرته من مناسبة ورود الحديث في السفر.
والآخر: أن ابن وهب قد تابعه عبد الله بن صالح: ثنا معاوية بن صالح به مناسبة ولفظاً.
أخرجه الدارقطني(ص177) والطبراني رفي((الكبير))(1410).
وعبد الله بن صالح من شيوخ البخاري، فهو حجة عند المتابعة.
فدل ذلك كله على أن المحفوظ في الحديث((السفر)) وليس((السهر)) كما قال الدارمي.
والحديث استدل به الإمام ابن خزيمة على((أن الصلاة بعد الوتر مباح لجميع من يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب وفضيلة، لا أمر إيجاب وفريضة)).
وهذه فائدة هامة، استفدناها من هذا الحديث، وقد كنا من قبل مترددين في التوفيق بين صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين وبين قوله: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً))، وقلنا في التعليق على((صفة الصلاة)) (ص123-السادسة):
((والأحوط تركهما اتباعاً للأمر. والله أعلم)).
وقد تبين لنا الآن من هذا الحديث أن الركعتين بعد الوتر ليستا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، لأمره صلى الله عليه وسلم بهما أمته أمراً عاماً، فكأن المقصود بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وتراً، أن لا يهمل الإيتار بركعة، فلا ينافيه صلاة ركعتين بعدهما، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره. والله أعلم.
كتاب الزكاة
فضل القرض الحسن وأنه يعدل التصدق بنصفه
1553-(إن السلف يجري مجرى شَطْرِ الصدقة).
أخرجه أحمد(1/412) وأبو يعلى(3/1298-مصورة المكتب)من طريق حماد بن سلمة: أخبرنا عطاء بن السائب عن ابن أذنان قال:
(((1/47)
أسلفت علقمة ألفي درهم، فلما خرج عطاؤه قلت له:اقضيني، قال: أخرني إلى قابل، فأتيت عليه فأخذتها، قال: فأتيته بعد، قال: بَرحْتَ بي وقد منعتني، فقلت: نعم، هو عملك، قال: وما شأني، قلت: إنك حدثتني عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره)، قال: نعم فهو كذلكن قال: فخذ الآن)).
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن ابن أذنان لم يوثقه غير ابن حبان، وقد اختلف في اسمه والراجح أنه سليم كما ذهب غليه المحقق أحمد شاكر رحمه الله تعالى، ويأتي التصريح بذلك قريباً في بعض الطرق.
وعطاء بن السائب كان اختلط.
لكن للحديث طريق أخرى، فقال الطبراني في((المعجم الكبير))(رقم9180): حدثنا علي بن عبد العزيز: نا ابونعيم: نا دلهم بن صالح: حدثني حميد بن عبد الله الثقفي أن علقمة بن قيس استقرض من عبد الله ألف درهم ... الحديث نحوه ولم يرفع آخره، ولفظه:
((قال عبد الله: لأن أقرض مالاً مرتين أحب إلي من أن أتصدق به مرة)).
ودلهم هذا ضعيف.
وحميد بن عبد الله الثقفي، أورده ابن أبي حاتم(1/2/224)لهذا الإسناد، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلا.
والجملة الأخيرة منه قد رويت من طريقين آخرين عن ابن مسعود مرفوعاً، فهو بمجموع ذلك صحيح. والله أعلم. راجع((تخريج الترغيب))(2/34).
وتابعه على الجملة الأخيرة منه قيس بن رومي عن سليم بن أذنان به مرفوعاً بلفظ:
((من أقرض ورِقاً مرتين كان كعدل صدقةٍ مرةً)).
أخرجه الخرائطي في((مكارم الأخلاق))(ص19) وابن شاهين في((الترغيب والترهيب))(314/1) والبيهقي في((السنن))(5/353).
وله طريق أخرى عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً بلفظ:
((من أقرض مرتين كان له مثلُ أجر أحدهما لو تصدق به)).
أخرجه ابن حبان(1155) والخرائطي والهيثم بن كليب في((مسنده))(53/2-54/1) والطبراني في((المعجم الكبير))(3/68/1) وابن عدي(212/2)من طريق أبي حريز أن إبراهيم حدثه عنه.(1/48)
قلت: وهذا سند لا بأس به المتابعات، رجاله ثقات، غير أبي حريز واسمه عبد الله بن الحسين الأزدي، قال الذهبي:
((فيه شيء)). وقال الحافظ:
((صدوق يخطىء)).
(السَلَفُ): القرض الذي لا منفعة للمقرض فيه.
قلت: ومع هذه الفضيلة البالغة للقرض الحسن، فإنه يكاد أن يزول من بيوع المسلمين، لغلبة الجشع والتكالب على الدنيا على الكثيرين أو الأكثرين منهم، فإنك لا تكاد نجد فيهم من يقرضك شيئاً إلا مقابل فائدة إلا نادراً، فإنك قليلاً ما يتيسر لك تاجر يبيعك الحاجة بثمن واحد نقداً أو نسيئة، بل جمهورهم يطلبون منك زيادة في بيع النسيئة، وهو المعروف اليوم ببيع التقسيط، مع كونها ربا في صريح قوله صلى الله عليه وسلم:
((من باع بيعتين في بيعة فله أوكَسُهما أو الربا)).
وقد فسره جماعة من السلف بأن المراد به بيع النسيئة، ومنه بيع التقسيط، كما سيأتي بيانه عند تخريج الحديث برقم(2326).
كتاب الصيام
من الطب النبوي
1830-(خصاء أمتي الصيام).
رواه أحمد(2/173) وابن عدي(111/2) والبغوي في((شرح السنة))(3/1/2) عن ابن لهيعة: حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص.
أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتأذن لي أن أختصي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: فذكره، وزاد: ((والقيام)).
قلت: وهذا إسناد ضعيف، لسواء حفظ ابن لهيعة، وقد رويت أحاديث بمعنى حديثه هذا دون ذكر القيام.
فروى ابن سعد(3/394) بسند جيد عن ابن شهاب:
أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أليس لك في أسوة حسنة؟ فأنا آتي النساء، وآكل اللحم، وأصوم وأفطر، إن خصاء أمتي الصيام، وليس من أمتي من خصى أو اختصى)).
وأخرج الحسين المروزي في((زوائد الزهد))(1106)كم طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن سعد بن مسعود قال: قال عثمان بن مظعون ... فذكره نحوه دون قوله: ((وليس من أمتي ... )).(1/49)
لكن أخرجه ابن المبارك نفسه في((الزهد))(845) من طريق رشدين بن سعد قال: حدثني ابن أنعم به أتم منه.
وعبد الرحمن بن أنعم ضعيف لسوء حفظه، ومثله رشدين.
ثم أخرج المروزي(1107) وأحمد(3/378و382-383) من طريق رجل عن جابر بن عبد الله قال:
جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتأذن لي في الخصاء ؟ فقال:
((صُمْ، وسل الله من فضله)).
وإسناده صحيح لولا الرجل الذي لم يسم.
وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، دون ذكر القيام فإنه منكر. والله أعلم.
ويشهد له الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود مرفوعاً:
((يا مشعر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
وهو مخرج في((صحيح أبي داود))(1785)، وروي من حديث عثمان، وهو مخرج في التعليق على((الأحاديث المختارة)(رقم-356-بتحقيقي).
وفي الحديث توجيه نبوي كريم، لمعالجة الشبق وعرامة الشهوة في الشباب الذين لا يجدون زواجاً، ألا وهو الصيام، فلا يجوز لهم أن يتعاطوا العادة السرية(الاستمناء باليد).لأنه قاعدة من قيل لهم: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)، ولأن الاستنماء في ذاته ليس من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله في القرآن الكريم:(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).
قالت عائشة رضي الله عنها في تفسيرها:
((فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا)).
أخرجه الحاكم(2/393) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
كتاب المرأة والنكاح وما يتعلق به و تربية الأولاد
الضرب بالدف معصية في غير النكاح والعيد
1609-(إن الشيطان ليفرق منك يا عمر ).
أخرجه أحمد(5/353)والترمذي(4/316) وابن حبان(2186)مختصراً من طريق الحسين بن واقد: حدثني عن عبد الله بن بريدة عن أبيه:
(((1/50)
أن أمَةً سوداء أتت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ورَجَعَ من بعض مغازيه، فقالت: إني كنتُ نذرتُ: إن ردك الله صالحاً أن أضرب عندك بالدف! قال:
(( إن كنتِ فعلتِ فافعلي، وإن كنتِ لم تفعلي فلا تفعلي)). فَضَرَبَتْ، فدخل أبو بكر وهي تَضْرِبُ، ودخل غيره وهي تَضْرِبُ، ثم دخل عمر، قال: فجعلتْ دُفها خلفها وهي مُقنعة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فذكره ) وزاد: (( أنا جالس ههنا، ودخل هؤلاء، فلما أن دَخَلْتَ فَعلَتْ ما فعلَتْ)).
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وفي الحسين كلام لا يضر.
وقد يشكل هذا الحديث على بعض الناس، لأن الضرب بالدف معصية في غير النكاح والعيد، والمعصية لا يجوز نذرها ولا الوفاء بها . والذي يبدو لي في ذلك أن نذرها لما كان فرحاً منها بقدومه صلى الله عليه وسلم صالحا سالما منتصرا، اغتفر لها السبب الذي نذرته لإظهار فرحها، خصوصية له صلى الله عليه وسلم دون الناس جميعا، فلا يؤخذ منه جواز الدف في الأفراح كلها، لأنه ليس هناك من يفرح به كالفرح به صلى الله عليه وسلم، ولمنافاة ذلك لعموم الأدلة المحرمة للمعازف والدفوف وغيرها، إلا ما استثني كما ذكرنا آنفا .
هذا الحديث دلالته ليس على عمومه، بل قد دخله التخصيص في بعض أجرائه
1865-(الذهب والحرير حلال لإناث أمتي، حرام على ذُكورها).
رواه سمويه في((الفوائد))(35/1): حدثنا سعيد بن سليمان: ثنا عباد: ثنا سعيد بن أبي عروبة: حدثني ثابت بن زيد بن ثابت بن زيد بن أرقم قال: حدثتني عمتي أنيسه بنت زيد بن أرقم عن أبيها زيد بن أرقم مرفوعاً.
ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي في((شرح المعاني))(2/245) والطبراني في((الكبير))(5125) و العقيلي في((الضعفاء))(ص62) وقال:
((وهذا يروى بغير هذا الإسناد بأسانيد صالحة)).
قلت: ورجاله ثقات غير أنيسة بنت زيد بن أرقم، فلم أعرفها.
وثابت بن زيد بن ثابت، روى العقيلي عن عبد الله بن أحمد قال:
(((1/51)
سألت أبي عنه ؟ فقال: روى عنه ابن أبي عروبة، وحدثنا عنه معتمر، له أحاديث مناكير، قلت: تحدث عنه ؟ قال: نعم، فقلت: أهو ضعيف ؟ قال: أنا أحدث عنه)).
وقال ابن حبان:
((الغالب على حديثه الوهم، لا يحتج به إذا انفرد)).
وبه أعله الهيثمي في((مجمع الزوائد))(5/143).
والحديث صحيح؛ لأن له شواهد يتقوى بها، كما أشار إلى ذلك العقيلي في كلامه السابق، وقد خرجتها في ((إرواء الغليل))(277) و (( غاية المرام في تخريج الحلال والحرام))(78).
وهو من حيث دلالته ليس على عمومه، بل قد دخله التخصيص في بعض أجرائه، فالذهب بالنسبة للنساء حلال، إلا أواني الذهب والفضة، فهن يشتركن مع الرجال في التحريم اتفاقاً، وكذلك الذهب المحلق على الراجح عندنا، عملاً بالأدلة الخاصة المحرمة، ودعوى أنها منسوخة مما لا ينهض عليه دليل، كما هو مبين في كتابي((آداب الزفاف في السنة المطهرة))، ومن نقل عني خلاف هذا فقد افترى.
وكذلك الذهب و الحرير محرم على الرجال، إلا لحاجة؛ لحديث عرفجة بن سعد الذي اتخذ أنفاً من ذهب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد الرحمن بن عوف الذي اتخذ قميصاً من حرير، بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك.
عمرة الحائض
1984-(طوافُكِ بالبيت، وبين الصفا والمروة يكفيكِ لحجك وعمرَتك).
أخرجه مسلم(4/34) وأبو داود(1897) عن عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء- وقال مسلم: عن مجاهد-عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: فذكره. لفظ عطاء، ولفظ مجاهد:
أنها حاضت بـ(سَرِف)، فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك)).
ثم أخرج مسلم وأحمد(6/124) من طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عائشة:
((أنها أهلت بِعُمرة، فقدمت ولم تَطُفْ بالبيت حتى حاضت، فَنَسكَتْ المناسك كلها، وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر:
((يَسَعُكِ طوافُكِ لحجكِ وعمرتك)).(1/52)
فأبت، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج)).
قلت: فالعمرة بعد الحج إنما هي للحائض التي تتمكن من الإتيان بعمرة الحج بين يدي الحج، لأنها حاضت، كما علمت من قصة عائشة هذه، فمثلها من النساء إذا أهلت بعمرة الحج كما فعلت هي رضي الله عنها، ثم حال بينها وبين إتمامها الحيض، فهذه يشرع لها العمرة بعد الحج، فما يفعله اليوم جماهير الحجاج من تهافتهم على العمرة بعد الحج، مما لا نراه مشروعاً، لأن أحداً من الصحابة الذين حجوا معه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها. بل إنني أرى أن هذا من تشبه الرجال بالنساء، بل بالحيض منهن ! ولذلك جريت على تسمية هذه العمرة بـ(عمرة الحائض) بياناً للحقيقة.
كتاب التاريخ والسيرة وفضائل الصحابة
هذا هو شأن كثير من قصاص زماننا
1681-(إن بني إسرائيل لما هلكوا قَصُوا).
أخرجه الطبراني في((المعجم الكبير))(رقم-3705) وأبو نعيم في((الحلية))(4/362) عن أبي أحمد الزبير: نا سفيان عن الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي الهذيل عن خباب عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو نعيم:
((غريب من حديث الأجلح والثوري، تفرد به أبو أحمد)).
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير الأجلح وهو ابن عبد الله بن حجية، وهو صدوق كما قال الذهبي في((الضعفاء)) والحافظ في((التقريب))، ولا عيب فيه سوى أنه شيعي، ولكن ذلك لا يضر في الرواية لأن العمدة فيها إنما هو الصدق كما حرره الحافظ في((شرح النخبة)).
وقال الهيثمي في((المجمع))(1/189):
((رواه الطبراني في((الكبير))ورجاله موثقون، واختلف في الأجلح الكندي، والأكثر على توثيقه)).
والحديث أورده عبد الحق الإشبيلي في((الأحكام))(ق8/1)وقال:
((رواه البزار من حديث شريك-هو عبد الله-عن أبي سنان عن أبي-لعله عن ابن أبي-هذيل عن خباب مرفوعاً. وقال: هذا إسناد حسن. كذا قال، وليس مما يحتج به)).(1/53)
قلت: وذلك لضعف شريك بن عبد الله القاضي، ولكن الطريق الأولى تشهد له وتقويه. ولم يورده الهيثمي في((كشف الأستار عن زوائد البزار))فلعله في غير((المسند))له.
(قصوا)قال في((النهاية)):
وفي رواية: ((لما هلكوا قصوا))أي اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس، لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص)).
وأقول: ومن الممكن أن يقال: إن سبب هلاكهم اهتمام وعاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه والعلم النافع الذي يعرف بدينهم فيحملهم ذلك على العمل الصالح، لما فعلوا ذلك هلكوا. وهذا هو شأن كثير من قصاص زماننا الذين جل كلامهم في وعظهم حول الإسرائيليات والرقائق والصوفيات. نسأل الله العافية.
حديث العترة وبعض طرقه
1761-(يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي).
أخرجه الترمذي(2/308) والطبراني(2680)عن زيد بن الحسن الأنماطي عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال:
((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطبن فسمعته يقول: ))فذكره، وقال:
((حديث حسن غريب من هذا الوجه، وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم )).
قلت: قال أبو حاتم: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في((الثقات)). وقال الحافظ:((ضعيف))
قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهداً من حديث زيد بن أرقم قال:
((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى(خُما))بين مكة والمدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال:(1/54)
أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور(من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ظل))، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به-فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:-وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)).
أخرجه مسلم(7/122-123)والطحاوي في((مشكل الآثار))(4/368)وأحمد(4/366-367)وابن أبي عاصم في((السنة))(1550و1551)والطبراني(5026)من طريق يزيد بن حيان التميمي عنه.
ثم أخرج أحمد(4/371)والطبراني(5040)والطحاوي من طريق علي بن ربيعة قال:
((لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني تارك فيكم الثقلين(كتاب الله وعترتي)؟ قال: نعم)).
وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح.
وله طرق أخرى عند الطبراني(4969-4971و4980-4982و5040)وبعضها عند الحاكم(3/109و148و533). وصحح هو والذهبي بعضها.
وشاهد آخر من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً:
(( (إني أوشك أن أدعى فأجيب، و) إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)).
أخرجه أحمد(3/14و17و26و59) وابن أبي عاصم(1553و1555) والطبراني(2678-2679)والديلمي(2/1/45).
وهو إسناد حسن في الشواهد.
وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني(ص529)والحاكم(1/93)والخطيب في((الفقيه والمتفقه))(56/1).
وابن عباس عند الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
وعمرو بن عوف عند ابن عبد البر في((جامع بيان العلم))(2/24و110)، وهي وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف؛ فبعضها يقوي بعضاً، وخيرها حديث ابن عباس.
ثم وجدت له شاهداً قوياً من حديث علي مرفوعاً به.(1/55)
أخرجه الطحاوي في((مشكل الآثار))(2/307)من طريق أبي عامر العقدي: ثنا يزيد بن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي مرفوعاً بلفظ:
((....كتاب الله بأيديكم، وأهل بيتي)).
ورجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه، وغالب الظن أنه محرف على الطابع أو الناسخ. والله أعلم.
ثم خطر في البال أنه لعله انقلب على أحدهم، وأن الصواب كثير بن زيد، ثم تأكدت من ذلك بعد أن رجعت إلى كتب الرجال، فوجدتهم ذكروه في شيوخ عامر العقدي، وفي الرواة عن محمد بن عمر بن علي، فالحمد لله على توفيقه.
ثم ازددت تأكداً حين رأيته على الصواب عند ابن أبي عاصم(1558).
وشاهد آخر يرويه شريك عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت مرفوعاً به.
أخرجه أحمد(5/181-189)وابن أبي عاصم(1598-1549)والطبراني في((الكبير))(4921-4923).
وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، وقال الهيثمي في((المجمع))(1/170):
الطبراني في((الكبير))ورجاله ثقات))!
وقال في موضع آخر(9/163):
((رواه أحمد، وإسناد جيد))!
بعد تخريج هذا الحديث بزمن بعيد، كتب علي أن أهاجر من دمشق إلى عمان، ثم أن أسافر منها إلى الإمارات العربية؛ أوائل سنة (1402) هجرية، فلقيت في(قطر) بعض الأساتذة والدكاترة الطيبين، فأهدى علي أحدهم رسالة له مطبوعة في تضعيف هذا الحديث، فلما قرأتها تبين لي أنه حديث عهد بهذه الصناعة، وذلك من ناحيتين ذكرتهما له:
الأولى: أنه أقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة، ولذلك قصر تقصيراً فاحشاً في تحقيق الكلام عليه، وفاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة فضلاً عن الشواهد والمتابعات، كما يبدو لكل ناظر يقابل تخريجه بما خرجته هنا.
الثانية: أنه لم يلتفت على أقوال المصححين للحديث من العلماء، ولا إلى قاعدتهم التي ذكروها في((مصطلح الحديث)): أن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق، فوقع في هذا الخطاء الفادح من التضعيف الحديث الصحيح.(1/56)
وكان قد نمى إلي قبل الالتقاء به واطلاعي على رسالته أن أحد الدكاترة في(الكويت)يضعف هذا الحديث، وتأكدت من ذلك حين جاءني خطاب من أحد الإخوة هناك، يستدرك علي إيرادي الحديث في((صحيح الجامع الصغير))بالأرقام(2453و2454و2745و7754)لأن الدكتور المشار إليه قد ضعفه، وأن هذا استغراب مني تصحيحه ! ويرجو الأخ المشار إليه أن أعيد النظر في تحقيق هذا الحديثين وقد فعلت ذلك احتياطاً، فلعله يجد فيه ما يدله على خطأ الدكتور، وخطئه هو في استرواحه واعتماده عليه، وعدم تنبهه للفرق بين ناشيء في هذا العلم، ومتمكن فيه، وهي غفلة أصابت كثيراً من الناس الذين يتبعون كل من كتب في هذا المجال، وليست له قدم راسخة فيه. والله المستعان.
واعلم أيها القارئ الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، ويلهجون بذلك كثيراً، حنى يتوهم بعض أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعاً واهمون في ذلك، وبيانه من وجهين:(1/57)
الأولى: أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: ((عِترتي)) أكثر مما يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة، بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة فيه هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك موضحاً في بعض طرقه كحديث الترجمة: ((وعِترتي أهل بيتي)) وأهل بيته في الأصل هم نساؤه صلى الله عليه وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعاً، كما هو صريح قوله تعالى في(الأحزاب): (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهركم تطهيرا) بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: (يا نساءَ النبي لَستُن كأحدٍ من النساءِ إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا)، وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصاراً لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الأية، ودخول علي وأهله فيها، كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره، وكذلك حديث((العترة)) قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله. ولذلك قال التوربشتي-كما في((المرقاة))(5/600):
((عترة الرجل: أهل بيته ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم((العترة))على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أهل بيتي)) ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه)).(1/58)
الوجه الآخر: أن المقصود من ((أهل البيت)) إنما هم العلماء الصالحون منهم، والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: (( (العترة) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم؛ الذين هم على دينه، وكذلك التمسك بأمره)).
وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفاً. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله:
((أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح أن يكون مقابلاً لكتاب الله سبحانه كما قال( ويعلمهم الكتاب والحكمة) )).
قلت: ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة).
فتبين أن المراد بـ(أهل البيت) المتمسكين بسنته صلى الله عليه وسلم، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد(الثقلين) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن، وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في((النهاية)):
((سماهما(ثقلين)؛ لأن الآخذ بهما( يعني الكتاب والسنة) والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس(ثَقَلَ)، فسماهما(ثقلين) لقدرهما وتفخيماً لشأنهما)).
قلت:والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين...)). قال الشيخ القارئ(1/199):
((فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، أما لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها)).
إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث((الموطأ)) بلفظ:
((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما؛ كتاب الله وسنة رسوله)). وهو في ((المشكاة))(186).(1/59)
وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ. والله المستعان.
فضل أبي عبيدة والحجة بخبر الآحاد
1964-(هذا أمين هذه الأمة. يعني أبا عبيدة).
أخرجه مسلم(1297) والحاكم(3/267) وأحمد(3/125) وأبو يعلى(2/831) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس:
((أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام. قال: فأخذ بيد أبي عبيدة، فقال ... )) فذكره، والسياق لمسلم، ولفظ الحاكم:
((يعلمنا القرآن)). وقال:
((صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بذكر القرآن)).
قلت: وفي الحديث فائدة هامة، وهي أن خبر الآحاد حجة في العقائد، كما هو حجة في الأحاكم، لأننا نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث أبا عبيدة إلى أهل اليمن ليعلمهم الأحكام فقط، بل والعقائد أيضا ً، فلو كان خبر الآحاد لا يفيد العلم الشرعي في العقيدة، ولا تقوم به الحجة فيها، لكان إرسال أبي عبيدة وحده إليهم ليعلمهم، أشبه شيء بالبعث. وهذا مما يتنزه الشارع عنه.فثبت يقيناً إفادته العلم. وهو المقصود، ولي في هذه المسألة الهامة رسالتان معروفتان مطبوعتان مراراً، فليراجعهما من أراد التفصيل فيها.
كتاب المستقبل و أشراط الساعة
ظلالات القاديانية
1683-(إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالاً كذاباً).
أخرجه أحمد(2/117-118)عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عمر أنه كان عنده رجل من أهل الكوفة، فجعل يحدثه عن المختار فقال ابن عمر:
((إن كان كما تقول فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم...))فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، يوسف بن مهران هذا لين الحديث لم يروِ عنه غير علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف.
لكن له طريق أخرى عند أحمد أيضاً(2/104)من طريق عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال:
(((1/60)
سأل رجل ابن عمر-وأنا عنده-عن متعة النساء، فغضب وقال: والله ما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زنائين ولا مسافحين، ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((ليكونن قبل المسيح الدجال كذابون ثلاثون، أو أكثر)).
ورجاله ثقات غير عبد الرحمن هذا فقال ابن أبي حاتم(2/2/293)عن أبي زرعة:
((لا أعرفه إلا في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليكونن ....))فذكره.
ولهذا قال الحسيني: ((فيه جهالة)). وأقره الحافظ في((التعجيل)).
وجاء في((اللسان)):
((عبد الرحمن بن نعيم بن قرش. كان في عصر الدارقطني. وقال في((المؤتلف والمختلف)): إن له أحاديث غرائب انتهى. وقال: قال: سألت أبا زرعة عنه فقال: كوفي لا أعرفه إلا في حديث واحد عن ابن عمر. روى عنه طلحة بن مصرف)).
قلت: وهذا خلط فاحش بين ترجمتين؛ فإن قول أبي زرعة هذا إنما هو في عبد الرحمن الأعراجي صاحب هذا الحديث، وتابعي كما ترى، فأين هو ممن كان في عصر الدارقطني. ويغلب على الظن أن في النسخة سقطاً بين قوله: انتهى.وقوله: ((وقال))، ثم لينظر من الفاعل في((وقال: قال)) ؟
لكن الحديث بمجموع الطريقين حسن، وهو صحيح بشواهد الكثيرة من حديث أبي هريرة، وجابر بن سمرة، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1- أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق وألفاظ أقربها إلى حديث الترجمة رواية خِلاس عنه مرفوعاً بلفظ:
((بَيْنَ يَدَي الساعةِ قريبٌ من ثلاثين دجالين كذابين، كلُهم يقول: أنا نبي، أنا نبي!)).
أخرجه أحمد(2/429)بسند صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري(2/406و4/380)ومسلم(8/189) والترمذي(2/34)وأحمد أيضاً(2/236-237و313و530)من طرق أخرى عنه بلفظ:
((لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله)). وقال الترمذي:
((حديث حسن صحيح)).
2-وأما حديث جابر بن سمرة، فيرويه سماك عنه مرفوعاً بلفظ:
(((1/61)
أن بين يدي الساعة كذابين(فاحذروهم) )).
أخرجه مسلم وأحمد(5/86-90و92و94-96و100و101و106و107).
3-وأما حديث ثوبان، فيرويه أبو أسماء الرحبي عنه مرفوعاً في حديث((إن الله زوى لي الأرض....))وفيه:
((...وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي)).
أخرجه أبو داود(4252)وابن ماجه(3952) وأحمد(5/278)بسند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في((صحيحه))(8/171)بدون هذه الزيادة وغيرها مما في طريق الأولين، وكذلك أخرجه الترمذي(2/27)وقال:
((حسن صحيح)).
واعلم أن من هؤلاء الدجالين الذين ادعوا النبوة ميراز غلام أحمد القادياني الهندي، الذي ادعى في عهد استعمار البريطانيين للهند أنه المهدي المنتظر، ثم أنه عيسى عليه السلام، ثم ادعى أخيراًً النبوة، واتبعه كثير ممن لا علم عنده بالكتاب والسنة، وقد التقيت مع بعض مبشريهم من الهنود والسوريين، وجرت بيني وبينهم مناظرات كثيرة كانت إحداها تحريرية، دعوتهم فيها إلى مناظرتهم في اعتقادهم أنه يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنبياء كثيرون ! منهم ميراز أحمد القادياني. فبدأوا بالمراوغة في أول جوابهم، يريدون بذلك صرف النظر عن المناظرة في اعتقادهم المذكور، فأبيت وأصررت على ذلك، فانهزموا شر هزيمة، وعلم الذين حضروها أنهم قوم مبطلون.(1/62)
ولهم عقائد أخرى كثيرة باطلة، خالفوا فيها إجماع الأمة يقيناً، منها نفيهم البعث الجسماني، وأن النعيم والجحيم للروح دون الجسد، وأن العذاب بالنسبة للكفار منقطع. وينكرون وجود الجن، ويزعمون أن الجن المذكورين في القرآن هم طائفة من البشر ! ويتأولون نصوص القرآن المعارضة لعقائدهم تأويلاً منكراً على نمط تأويل الباطنية والقرامطة، ولذلك كان الإنكليز يؤيدونه ويساعدونه على المسلمين، وكان هو يقول: حرام على المسلمين أن يحاربوا الإنكليز ! إلى غير ذلك من إفكه وأضاليله. وقد ألفت كتب كثيرة في الرد عليه، وبيان خروجه عن جماعة المسلمين، فليراجعها من شاء الوقوف حقيقة أمرهم.
الرؤيا الصالحة جزء من النبوة
1869-(الرؤيا الصالحة جزء من خمسةٍ وعشرين جزءاً من النبوة).
أخرجه الخطيب في((التاريخ))(5/189) من طريقين عن حمزة بن محمد بن العباس: حدثنا أحمد بن الوليد: حدثنا أبو أحمد الزبيري: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أحمد بن الوليد وهو ابن أبي الوليد أبو بكر الفحام وحمزة بن محمد بن العباس وكلاهما ثقة، كما صرح بذلك الخطيب في ترجمتهما(5/188و8/183).
والحديث عزاه السيوطي لابن النجار فقط !
واعلم أنه لا منافاة بين قوله في هذا الحديث: إن الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين، وفي الحديث التالي: ((جزء من ستة وأربعين))، وفي حديث ابن عمر: ((جزء من سبعين)) رواه مسلم(7/54) وغيره، فإن هذا الاختلاف راجح إلى الرائي فكلما كان صالحاً كانت النسبة أعلى، وقيل غير ذلك، فراجع((شرح مسلم)) للإمام النووي.
كتاب المعاملات والآداب والحقوق العامة
حكم(الباروكة)
1008-(أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زوراً).
أخرجه أحمد من حديث معاوية بإسناد السابق عنه. وله شواهد كثيرة في((الصحيحين)) وغيرهما.(1/63)
وإذا كان هذا حكم المرأة التي تدخل في شعرها من شعر غيرها، فما حكم المرأة التي تضع على رأسها قلنسوة من شعر مستعار، وهي التي تعرف اليوم بـ(الباروكة) ، وبالتالي ما حكم من يفتي بإباحة ذلك لها مطلقاً أو مقيداً تقليداً لبعض المذاهب، وغير مبال بمخالفة الأحاديث الصحيحة، وقد هداه الله إلي القول بوجوب الأخذ بها، ولو كانت مخالفة لمذهبه بله المذاهب الأخرى. أسأل الله تعالى أن يزيدنا هدى على هد، ويرزقنا العلم والتقوى.
السنة السنة أيها المسلمون
1404-(إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده فليمط ما رابه منها وليطعمها، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل، حتى يلعق يده، فإن الرجل لا يدري في أي طعامه يبارك له، فإن الشيطان يرصد الناس _ أو الإنسان _ على كل شيء، حتى عند مطعمه أو طعامه، ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها، فإن في آخر الطعام البركة).
أخرجه ابن حبان(1343) والبيهقي في((شعب الإيمان)(2/187/2) من طريقين عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر- وقال البيهقي: أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث-أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وتابعه ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير عن جابر به.
أخرجه أحمد(3/393).
والحديث في((صحيح مسلم))(6/114) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر به دون قوله: ((فإن الشيطان يرصد...)) و لهذا تعمدت إخراجه من طريق ابن حبان والبيهقي، ولما في رواية الثاني منهما من تصريح أبي الزبير بالتحديث، فتصل السند وزالت شبهة العنعنة الواردة في رواية((مسلم)).
على أن هذا قد شد من عضدها بأن ساق الحديث من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به نحوه.
(يرصد) أي يرقب. جاء في ((المصباح)):
(((1/64)
الرصد: طريق، والجمع(أرصاد) مثل: سبب وأسباب. ورصدته رصداً، من باب قتل: قعدت له الطريق، والفاعل: راصد ، وربما جمع على(رصد) مثل خادم وخدم. و(الرصيدي) نسبته إلي الرصد، وهو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئاً من أموالهم ظلماً وعدواناً)).
قلت: ومن المؤسف حقاً أن ترى كثيراً من المسلمين اليوم وبخاصة أولئك الذين تأثروا بالعادات الغربية والتقاليد الأوروبية- قد تمكن الشيطان من سلبه قسماً من أموالهم ليس عدواناً بل بمحض اختيارهم، وما ذاك إلا لجهلهم بالسنة، أو إهمالاً منهم إياها، ألست تراهم يتفرقون في طعامهم على موائدهم، وكل واحد منهم يأكل لوحده- دون ضرورة- في صحن خاص، لا يشاركه فيه على الأقل جاره بالجنب، خلافاً للحديث السابق(664).
وكذلك إذا سقطت اللقمة من أحدهم، فإنه يترفع عن أن يتناولها ويميط الأذى عنها ويأكلها، وقد يوجد فيهم من المتعالمين والمتفلسفين من لا يجيز ذلك يزعم أنها تلوثت بالجراثيم والميكروبات ضربا منه في صدر الحديث إذ يقول صلى الله عليه وسلم:
((فليمط ما رابه منها، وليطعمها، ولا يدعها للشيطان)).
ثم إنهم لا يلعقون أصابعهم، بل إن الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق وإخلالاً بآداب الطعام، ولذلك اتخذوا في موائدهم مناديل من ورق الخفيف الناشف المعروف بـ(كلينكس)، فلا يكاد أحدهم يجد شيئاً من الزهومة في أصابعه، بل وعلى شفتيه إلا بادر إلى مسح ذلك المنديل. خلافاً لنص الحديث.
وأما لعق الصحفة، أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع، فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان، وينسبون فاعله إلى البخل أو الشراهة في الطعام، ولا عجب في ذلك من الذين لم يسمعوا بهذا الحديث فهم جاهلون، وإنما العجب من الذين يسايرونهم ويداهنونهم، وهم به عالمون.(1/65)
ثم تجدهم جميعاً قد أجمعوا على الشكوى من ارتفاع البركة من رواتبهم وأرزاقهم، مهما كان موسعاً فيها عليهم، ولا يدرون أن السبب في ذلك إنما هو إعراضهم عن إتباع سنة نبيهم، وتقليدهم لأعداء دينهم، في أساليب حياتهم ومعاشهم.
فالسنة السنة أيها المسلمون (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)).
وجوب رفع الإزار على ما فوق الكعبين
1568-(إن كنت عبد الله فارفع إزارك).
أخرجه أحمد(2/141): ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي: ثنا أيوب عن زيد ابن أسلم عن ابن عمر قال:
((دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي إزار يَتَقَعْقَعُ، فقال: من هذا ؟ قلت: عبد الله ابن عمر، قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك، فرفعت إزاري إلى نصف الساقين، فلم تزل إزرته حتى مات)).
ثم أخرجه(2/147): ثنا عبد الرازق :أنا معمر عن زيد بن أسلم به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقال الهيثمي(5/123):
((رواه أحمد والطبراني في((الأوسط)) بإسنادين، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح)).
كذا قال، وحقه أن يقول: ورجال إسناديه رجال الصحيح ، فإن الطفاوي في الإسناد الأول من رجال البخاري! وسائره وكذا جميع رجال الإسناد الثاني رجال الشيخين.
قلت: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه يجب على المسلم أن لا يطيل إزاره إلى ما دون الكعبين، بل يرفعه إلى ما فوقهما، ولو كان لا يقصد الخيلاء، ففيه رد واضح على بعض المشايخ الذين يطيلون ذيول جُبَبهم حتى تكاد أن تمس الأرض، ويزعمون أنهم لا يفعلون ذلك خُيلاء! فَهَلا تركوه اتباعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر، أم هم أصفى قلباً من ابن عمر ؟!
أدب توديع الجيش
1605-(كان إذا ودع الجيش قال: أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم).(1/66)
أخرجه المحاملي في((الدعاء))(ق30/2): حدثنا العباس بن محمد: حدثنا يحيى بن إسحاق: نا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي مرفوعاً به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال مسلم غير العباس بن محمد وأبي جعفر الخطمي-واسمه عمير بن يزيد- وهما ثقتان مترجمان في((التهذيب)).
وعبد الله بن يزيد الخطمي صحابي صغير، له في((مسند أحمد))(4/307) حديثان.
وقد تقدم هذا الحديث برقم(15) من مصدرين آخرين أبي داود وابن السني، فقدر أن أعيده هنا بهذا المصدر الجديد لعزته وندرته، كما تقدم له هناك بعض الشواهد(14و16).
هذا، وإن مما يؤسف له حقاً أن ترى هذا الأدب النبوي الكريم، قد صار مما لا أثر له ولا عين عند قواد جيوش زماننا، فإنهم يودعون الجيوش على أنغام الآلات الموسيقية، التي يرى بعض الدعاة الإسلاميين اليوم أنه لا شيء فيها، تقليداً منهم لظاهرية ابن حزم التي قد يسخرون منها عندما تخالف آراءهم- ولا أقول: أهواءهم، ولا يتبعون أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم الموافقة للأحاديث الصحيحة الصريحة في تحريم المعازف، تيسيراً على الناس بزعمهم! فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام، وقلة من يعمل بأحكامه في هذا الزمان، ويشكك فيها بالخلاف الواقع في الكثير منها، ليأخذ منها ما يشتهي، دون أن يحكم فيه قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)، فكأن هذه الأية منسوخة عندهم. والله المستعان.
النهي عن لباس الكفار
1704-(إن هذه من ثيابِ الكفارِ فلا تلبسها).
رواه مسلم(6/144)وأحمد(2/162و207و211)وابن سعد(4/265)من طرق عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث أن ابن معدان أخبره أن جبير بن نفير أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبيه معصفرين فقال: فذكره.(1/67)
ومن أسانيد أحمد: ثنا يحيى عن هشام الدستوائي به.
ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم(4/190)إلا أنه لم يذكر جبير بن نفير في إسناده، وقال:
((صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه))! ووافقه الذهبي، وقد وهما في استدراكه على مسلم.
وتابعه عند-أعني مسلماً-على بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير به.
وأخرجه من طريق طاووس عن ابن عمرو قال:
((رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: أأمك أمرتك بهذا؟! قلت: أغسلهما؟ قال: بل أحرقهما)).
وأخرجه الحاكم أيضاً من طريق أخرى عن ابن عمرو ونحوه، وزاد في آخره: ((ففعلت)). وقال:
((صحيح الإسناد)).
قلت: وإنما هو حسن فقط.
وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يلبس لباس الكفار وأن يتزيا بزيهم، والأحاديث في ذلك كثيرة، كنت قد جمعت منها قسماً طيباً مما ورد في مختلف ابواب الشريعة، وأودعتها في كتابي((حجاب المرأة المسلمة))، فراجعها فإنها مهمة، خاصة وأنه قد شاع في كثير من البلاد الإسلامية التشبه بالكفار في البستهم وعاداتهم، حتى فرض شيء من ذلك على الجنود في كل أوجل البلاد الإسلامية، فألبسوهم القبعة، حتى لم يعد أكثر الناس يشعر بأن في ذلك أدنى مخالفة للشريعة الإسلامية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
من أدب الإسقاء البدء بالأيمن
1771-(الأيمنُ فالأيمن. وفي طريق: الأيمنون، الأيمنون، ألا فيمنوا).
ورد من حديث أنس، وسهل بن سعد.
1-أما حديث أنس، فيرويه البخاري(2/75و130و4/35) ومسلم(6/112-113)وأبوعوانة في ((صحيحه)) (8/148-149) وكذا مالك (2/926/17)وعنه أبوداود(3726)وكذا الترمذي(1/345)وصححه الدارمي(2/118)وابن ماجه(3425) والطيالسي(2094)وأحمد(3/110و113و197و231و239)وابن سعد(7/20)والدولابي(2/19)من طرق عنه:
((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن شماله أبو بكر، فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: )) فذكره، واللفظ للبخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عنه.(1/68)
وفي رواية للشيخين وأحمد من طريق أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن قال: سمعت أنساً يقول:
((أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه فاستسقى، فحلبنا شاة لنا، ثم شبته من ماء بئرنا هذه، فأعطيته، وأبو بكر عن يساره، وعمر تجاهه، وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ قال عمر: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابي فضله، ثم قال: )) فذكره باللفظ الآخر، والسياق للبخاري: قال أنس: فهي سنة، فهي سنة، فهي سنة.
2-وأما حديث سهل بن سعد الساعدي نحوه دون قوله: ((الأيمن...)).
أخرجه مالك(رقم18) والبخاري(2/75و100و138و4/36) ومسلم(6/113) وأحمد(5/233و338) والطبراني (5780و 5890و5948و5989و6007) من طريق أبي حازم عنه وفي رواية للبخاري(4/39) والطبراني(5792) من هذا الوجه عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:
((اسقنا يا سهل ! )).
وفي الحديث أن بدء الساقي بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لأنه صلى الله عليه وسلم كان طلب السقيا، فلا يصح الاستدلال به على أن السنة البدء بكبير القوم مطلقاً كما هو الشائع اليوم، كيف وهو صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، بل أعطى الأعرابي الذي كان عن يمينه دون أبي بكر الذي كان عن يساره، ثم بين ذلك بقوله: ((الأيمن فالأيمن)).
ولعلي شرحت هذا في مكان آخر من هذا الكتاب أو غيره.
من عادات الجاهلية
1799-(ثلاث لن تزال في أمتي: التفاخر في الأحساب، والنياحة، والأنواء).
أخرجه أبو يعلى(3/975) والضياء(156/2) عن زكريا بن يحيى بن عمارة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره).
قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات رجال البخاري، وفي زكريا كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إن شاء الله، وقال الحافظ:
((صدوق يخطئ)).
وللحديث شاهد من حديث أبي مالك الأشعري وأبي هريرة، وقد مضى تخريجهما(733و734) بلفظ: ((أربع في أمتي....)).
وقد جاء عن أبي هريرة بلفظ: ((ثلاث....))، وهو الآتي بعد حديث.
((1/69)
الأنواء)ك جمع نوء، وهو النجم إذا سقط في المغرب مع الفجر، ومع طلوع آخر يقابله في المشرق. والمراد الاستسقاء بها كما يأتي في الحديث المشار إليه، أي طلب السقيا. قال في((النهاية)):
((إنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء. لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى، وأراد بقوله: ((مطرنا بنوء كذا)): في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز، أي أن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات)).
تحريم كل مسكر
1814-( حرم الله الخمر، وكل مسكر حرام).
رواه النسائي(2/333)والطبراني في((المعجم الكبير))(13225) وابن عساكر(17/56/2) عن شبيب بن عبد الملك قال: حدثني مقاتل بن حيان عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، غير شبيب بن عبد الملك وهو ثقة. وقد توبع من جمع عن نافع به نحوه عند مسلم(6/100) وغيره، وهو مخرج في((الإرواء))(2431) وغيره.
والحديث من الأدلة الكثيرة لقاطعة على تحريم كل مسكر، سواء كان متخذاً من العنب أو التمر أو الذرة أو غيرها، وسواء في ذلك قليله أو كثيره، وأن التفريق بين خمر وخمر، والقليل منه والكثير باطل، خلافاً لما ذهب إليه بعض غليه بعض من تقدم. واغتر به بعض المعاصرين في مجلة ((العربي)) الكويتية منذ سنين ثم رد عليه بعض مشايخ الشام، فما أحسن الرد، منعه منه تعصبه للمذهب، عفا الله عنا وعنه بمنه وكرمه. والعصمة لله وحده.
كتاب من فضائل القرآن والأدعية والأذكار والرقى
تحريف الصوفية الراقصة
1317-( سبق المفردون . قالوا: يا رسول الله ومن (المفردون) قال: الذين يهترون في ذكر الله عز وجل)(1/70)
أخرجه أحمد(2/323) والحاكم(1/495 – 496) ومن طريقه البيهقي في(شعب الإيمان)(1/314 – هندية) عن أبي عامر العقدي: ثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
وقال الحاكم: ((صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)). ووافقه الذهبي.
وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن ابن يعقوب هذا إنما أخرج له البخاري في((جزء القراءة) ولم يحتج به في((صحيحه)) وهو ثقة. وسائر رواته رجال الشيخين.
وأبو عامر العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي البصري.
وعلي بن المبارك، قد تكلم فيه بعضهم فيما رواه خاصة عن يحيى بن أبي كثير، وذلك لأنه كان له عنه كتابان، أحدهما سماع منه، والآخر مرسل عنه. ولكن المحققين من الحفاظ قد وضعوا قاعدة في تمييز أحد الكتابين عن الآخر، فقال أبوداود لعباس العنبري:
((كيف يعرف كتاب الإرسال ؟ قال: الذي عند وكيع عنه عن عكرمة من كتاب الإرسال، وكان الناس يكتبون كتاب السماع)).
وقال ابن عمار عن يحيى بن سعيد:
((أما ما روينا نحن عنه فمما سمع، وأما ما روى الكوفيون عنه فمن الكتاب الذي لم يسمعه)).
وهذا هو الذي اعتمده الحافظ، فقال في((التقريب)):
((كان له عن يحيى بن أبي كثير كتابان، أحدهما سماع، والآخر إرسال، فحديث الكوفيين عنه فيه شيء)).
على أن ابن عدي قد أطلق الثقة في روايته عن يحيى فقال في((الكامل))(ق192/1)بعد أن ساق له بعض الأحاديث:
((ولعلي بن المبارك غير هذا، وهو ثبت عن يحيى بن أبي كثير، ومقدم في يحيى، وهو عندي لا بأس به)).
إذا عرفت هذا، فقد خالفه عمر بن راشد إسناداً ومتناً، فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به إلا أنه قال:
((المستهتر في ذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم، فيأتون يوم القيامة خفافاً)).
أخرجه البيهقي والترمذي(2/279) وقال:
((حديث حسن غريب)).(1/71)
وأقول: بل هو منكر ضعيف، فان عمر بن راشد وهو أبو حفص اليمامي مع أنه ضعيف اتفاقاً، فقد خالف علي بن المبارك سنداً ومتناً كما ذكرنا.
أما السند، فذكر أبا سلمة مكان عبد الرحمن بن يعقوب.
وأما المتن، فانه أسقط منه تفسير( المفردون) وزاد قوله:
((يضع الذكر...)).
فلا جرم أن قال أحمد وغيره:
((حدث عن يحيى وغيره بأحاديث مناكير)).
ولذلك قال البيهقي عقبه:
((والإسناد الأول أصح)).
وللحديث طريق أخرى، ويرويه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: (جمدان)، فقال:
((سيروا هذا حمدان، سبق المفردون)). قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيراً والذكرات)).
رواه مسلم(8/63) والبيهقي(1/313 – 314).
غريب الحديث:
1-(المفردون): أي المنفردون. قال ابن الأثير:
((يقال: فرد برأيه، وأفرد، وفرد، استفرد، بمعنى انفرد به)).
قال النووي رحمه الله:
((وقد فسرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ(الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)، وتقديره: و الذاكراته، فحذفت الهاء كما حذفت في القرآن لمناسبة رؤوس الآي؛ ولأنه مفعول يجوز حذفه. وهذا التفسير هو مراد الحديث)).
2- (يهترون): أي يولعون. قال ابن الأثير:
((يقال: (اهتر فلان بكذا واستهتر فهو مهتر به ومستهتر) أي مولع به لا يتحدث بغيره، ولا يفعل غيره)).
((1/72)
تنبيه): كان من دواعي تخريج هذا الحديث أنه وقعت هذه اللفظة في(الشعب) هكذا(يهتزون) بالزاي، بحيث تقرأ(يهتزون)، فبادرت إلى تخريجه وضبط هذه اللفظة منه، خشية أن يبادر بعض الصوفية الراقصة، إلى الإستدلال به على جواز ما يفعلونه في ذكرهم من الرقص والاهتزاز يميناً ويساراً، جاهلين أو متجاهلين أنه لفظ محرف. وقد يساعدهم على ذلك ما جاء في((شرح مسلم)) للنووي: ((وجاء في رواية: ((هم الذين اهتزوا في ذكر الله )). أي لهجوا به)) وكذلك.. جاء في حاشية((مسلم- استانبول)) نقلاً عن النووي :
على أنه لو صح لكان معناه: يفرحون ويرتاحون بذكر لله تبارك وتعالى كما يؤخذ من مادة(هزز) من ((النهاية)) فهو حينئذ على قوله صلى الله عليه وسلم: ((أرحنا بها يا بلال ))أي بالصلاة. وهو قريب من النعنى الذي قاله النووي. والله أعلم.
وبهذه المناسبة لا بد من التذكير نصحاً للأمة، بأن ما يذكره بعض المتصوفة، عن علي رضي الله عنه أنه قال وهو يصف صحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
((كانوا إذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح)).
فاعلم أن هذا لا يصح عنه رضي الله عنه، فقد أخرجه أبو نعيم في ((الحلية))(1/76) من طريق محمد بن يزيد أبي هشام: ثنا المحاربي عن مالك بن مغول عن رجل من(جعفي) عن السدي عن أبي أراكة عن علي.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم.
1- أبو أراكة، لم أعرفه، ولا وجدت أحداً ذكره، وإنما ذكر الدولابي في((الكنى)) (أبو أراك) وهو من هذه الطبقة، وساق له أثراً عن عبد الله بن عمرو، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً كعادته.
2- الرجل الجعفي لم يسم كما ترى فهو مجهول.
3- محمد بن يزيد قال البخاري: ((رأيتهم مجمعين على ضعفه)).
الحض على الإكثار من الاستغفار
1963-( لولا أنكم تُذنبون لَخَلَقَ الله خلقاً يُذنبون فيغفر لهم).(1/73)
أخرجه مسلم(8/94) والترمذي(2/270) وأحمد(5/414) من طريق محمد بن قيس- قاص بن عبد العزيز- عن أبي صرمة عن أبي أيوب أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي:
((حديث حسن غريب)).
قلت: وإنما لم يصححه الترمذي- والله أعلم- مع ثقة رجاله لأن فيه انقطاعاً بين أبي صرمة وهو صحابي اسمه مالك بن قيس- وبين محمد بن قيس ولم يسمع منه. قال الحافظ في ترجمته من ((القريب)):
((ثقة من السادسة، وحديثه عن الصحابة مرسل)).
لكن قد تابعه عند مسلم محمد بن كعب القرظي، وقد روي عن جمع من الصحابة وقد سبق بلفظ:
((لو أنكم لم تكن لكم ذنوب))(رقم968). وذكرنا له هناك بعض الشواهد(969-970)، وأشرت إلى هذا الحديث.
وتقدم له شاهدان من حديث أبي هريرة(1950). وحديث أنيس بن مالك(1951). وفي كل منهما زيادة هامة بلفظ:
((فيستغفرون الله، فيغفر لهم)).
وذلك لأنه ليس المقصود من هذه الأحاديث- بداهة- الحض على الإكثار من الذنوب والمعاصي، ولا الإخبار فقط بأن الله غفور رحيم، وإنما الحض على الإكثار من الاستغفار، ليغفر الله له ذنوبه، فهذا هو المقصود بالذات من هذه الأحاديث، وإن اختصر ذلك منه بعض الرواة. والله أعلم.
كتاب الجنة والنار
خلود الكفار في النار وعدم فنائها بمن فيها
1551-( أما أهل النار الذين هم أهلها ( وفي رواية: الذين لا يريد الله عز وجل إخراجهم ) فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ( يريد الله عز وجل إخراجهم ) فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل).(1/74)
أخرجه مسلم(1/118) وأبوعوانة(1/186) والدارمي(2/331-332) وابن ماجه(2/582-583) وأحمد(3/11و78-79) والطبري في((التفسير))(1/552/797) من طريق سعيد بن أبي سمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به.
وتابعه أبوسعيد الجريري عن أبي نضرة به. والرواية الثانية مع الزيادة له.
أخرجه أحمد(3/20) وعبد بن حميد في((منتخب من المسند))(ق95/2).
وتابعه أيضاً سليمان التيمي عنه.
أخرجه أبو عوانة وعبد بن حميد.
وتابعه عثمان بن غياث وعوف عن أبي نضرة به نحوه. وزاد عثمان:
((فيحرقون فيكونون فحماً)).
أخرجه أحمد(3/25و90)بإسناد صحيح.
وله عنده(3/90)طريق أخرى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((سيخرج ناس من النار قد احترقوا وكانوا مثل الحمم، ثم لا يزال أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتون نبات القثاء في السيل)).
وخالفه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن أبا سعيد أخبره به.
وابن لهيعة سيء الحفظ، والأول أصح، وهو على شرط مسلم.
(ضبائر): جمع(ضبارة): جماعة الناس.
وفي الحديث دليل صريح على خلود الكفار في النار، وعدم فنائها بمن فيها، خلافاً لقول بعضهم،لأنه لو فنيت بمن فيها لماتوا واستراحوا، وهذا خلاف الحديث، ولم ينتبه لهذا ولا غيره من نصوص الكتاب والسنة المؤيدة له؛ من ذهب من أفاضل علمائنا إلى القول بفنائها، وقد رده الإمام الصنعاني رداً علمياً متيناً في كتابه((رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار))، وقد حققته، وخرجت أحاديثه، وقدمت له بمقدمة ضافية نافعة، وهو تحت الطبع، وسيكون في أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى.
كتاب التوبة والمواعظ والرقانق
تفسير أحتجاج موسى على أدم(1/75)
1702-(إن موسى قال: يارب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم، فقال: أنت أبونا آدم؟ فقال: له آدم نعم، فقال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه، وعلمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا لك، قال: نعم، قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة، فقال: آدم ومن أنت؟ قال أنا موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب، ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال: نعم، قال: فما تلومني في شيء سبق من الله تعالى فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى).
أخرجه أبو داود(4702) وعنه البيهقي في((الأسماء والصفات))(ص193)وابن خزيمة في((التوحيد))(ص94)من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هشام بن سعد وهو صدوق له أوهام، وقد حسنه ابن تيمية في أول رسالته في((القدر)).
والحديث في((الصحيحين)) وغيرهما من حديث أبي هريرة مختصراً.
قوله: (فحج آدم موسى)أي غلبه بالحجة.(1/76)
واعلم أن العلماء قد اختلفوا في توجيه ذلك، وأحسن ما وفقت عليه ما أفادة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ إنما هو موسى لامه على ما فعل لأجل ما حصل لذريته من المصيبة بسبب أكله من الشجرة، لا لأجل حق الله في الذنب، فإن آدم كان قد تاب من الذنب، وموسى عليه السلام يعلم أن بعد التوبة والمغفرة لا يبقى ملام على الذنب، ولهذا قال: ((فما حملك على أن أخْرجتنا ونفسك من الجنة؟))، لم يقل: لماذا خالفت الأمر؟ والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس أو بغير أفعالهم بالتسليم للقدر وشهود الربوبية...فراجع كلامه في ذلك فإنه مهم جداً في الرسالة المذكورة، وفي((كتاب القدر)) من ((الفتاوى))المجلد الثامن، وكلام غيره في((مرقاة المفاتيح))(1/123-124).
تفسير(وكل إنسان ألزمناه طائره).
1907-(طائر كل إنسان في عنقه).
أخرجه أحمد(3/342و349و360) من طرقٍ عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال ابن لهيعة: يعني الطيرة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة، وعنعنة أبي الزبير.
لكنه قد توبع، فأخرجه ابن جرير في((التفسير))(15/39) من طريق قتادة عن جابر بن عبد الله به مرفوعاً بلفظ:
((لا عدوى، ولا طيرة، (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) )).
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، لكن قتادة لم يسمع من جابر، وروايته عنه صحيفة، قال أحمد: ((قريء عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها)).
ولعل أحد الإسنادين يتقوى بالآخر، والحديث صحيح على كل حال، فإنه مقتبس من قوله تعالى في سورة (الإسراء): (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونُخْرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا).
قال ابن جرير:
(((1/77)
يقول تعالى ذكره: وكل إنسان ألزمناه ما قُضِيِ له أنه عامله، وهو صائر إليه من شقاء أو سعادة يعمله في عنقه لا يفارقه، وإنما قوله: (ألزمناه طائره) مَثَلٌ لِما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها، فأعلمهم جل ثناؤه أن كل إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه، نحسا كان ذلك الذي ألزمه من وشقاء يورده سعيراً، أو كان سعداً يورده جنات عدن )).
حشر البهائم والاقتصاص لبعضها من بعض
1967-(يقتص الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذرة من الذرة).
أخرجه أحمد(2/363): حدثنا عبد الصمد: حدثنا حماد عن واصل عن يحيى بن عقيل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
وواصل هو مولى أبي عيينة.
وحماد هو ابن سلمة البصري.
وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث البصري.
والحديث قال الهيثمي في((مجمع الزوائد))(10/352) تبعاً للمنذري في((الترغيب))(4/201):
((رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح)).
قلت: وأصله في((الصحيح)) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ:
((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)).
أخرجه مسلم(7/18-19). والترمذي(4/292بشرح التحفة) وأحمد(2/235و301و411) من طرق عنه به. وقال الترمذي:
((حديث حسن صحيح)).
وفي لفظ لأحمد:
((حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة؛ تنطحها)).
وإسناده صحيح أيضاً على شرط مسلم.
وله طريق أخرى، فقال ابن لهيعة: عن دراج أبي السمح عن أبي حجيرة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
((ألا والذي نفسي بيده لَيَخْتَصِمَن كل شيء يوم القيامة، حتى الشاتان فيما انتطحتا)).
أخرجه أحمد(2/290) بإسناد قال المنذري: ((حسن)).
قلت: ولعله يعني لغيره، فإن ابن لهيعة سيء الحفظ، وكذلك دراج أبو السمح.
ورواه الطبراني في((الأوسط)) بنحوه، قال الهيثمي:
((وفيه جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف)).(1/78)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في(( البعث)) عن أبي هريرة أيضاً قال:
(( يحشر الخلائق كلهم يوم القيامة، والبهائم والدواب والطير، وكل شيء، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني تراباً، فلذلك حين يقول الكافر: (يا ليتني كنت تراباً) )) :
أورده السيوطي في((الدر المنثور))(6/310) ولم يتكلم على إسناده كما هي عادته، وهو عند ابن جرير(30/17) قوي كما سبق قريباً، وموضع الشاهد منه صحيح قطعاً عنه مرفوعاً للطرق السابقة، ولشواهده الآتية:
الأول: عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً مثل حديث أبي هريرة من الطريق الأخرى.
أخرجه أحمد أيضاً (3/29) عن ابن لهيعة أيضاً: ثنا دراج عن أبي الهيثم عنه.
وقد عرفت حال ابن لهيعة وشيخه آنفاً.
الثاني: عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً، وشاتان تقترنان، فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله! قال:
((عجبت لها، والذي نفسي بيده، ليقادن لها يوم القيامة)).
أخرجه أحمد(5/173) عن ليث عن عبد الرحمن بن ثروان عن الهزيل بن شرحبيل عنه. وهذا إسناد جيد في الشواهد والمتابعات، رجاله ثقات رجال(( الصحيح)) غير ليث، وهو ابن أبي سليم، ضعيف لاختلاطه، ولكنه قد توبع، فرواه منذر الثوري عن أشياخ له (وفي رواية لهم) عن أبي ذر مختصراً وفيه:
((يا أباذر! هل تدري فيم تنتطحان؟ قال: لا، قال: لكن الله يدري، وسيقضي بينهما)).
أخرجه أحمد أيضاً(5/162).
قلت: وهذا إسناد صحيح عندي، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير الأشياخ الذين لم يسموا، وهم جمع من التابعين، يغتفر الجهل بحالهم لاجتماعهم على رواية هذا الحديث، ولا يخدج في ذلك قوله في الرواية الأولى: ((أشياخ له)) فإنه لا منافاة بين الروايتين، لأن الأقل يدخل في الأكثر، وزيادة الثقة مقبولة، وقد خفيت هذه الرواية الأخرى على الهيثمي، فقال عقب الرواية المطولة والمختصرة:
(((1/79)
رواه كله أحمد والبزار بالرواية الأولى، وكذلك الطبراني في((المعجم الأوسط)) وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس (!) وبقية رجال أحمد رجال الصحيح غير شيخه ابن أبي عائشة وهو ثقة، ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح، وفيها راوٍ لم يسم)) !
الثالث: عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إن الجماء لَتَقْتَصُ من القرناء يوم القيامة)).
أخرجه أحمد(1/72) عن حجاج بن نُصَيْر: ثنا شعبة عن العوام بن مراجم- من بني قيس بن ثعلبة- عن أبي عثمان النهدي عنه.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، غير حجاج بن نصير وهو ضعيف كما في(( التقريب)).
الرابع: عن عبد الله بن أبي أوفى مرفوعاً بلفظ:
((إنه ليبلغ من عدل الله يوم القيامة حتى يقتص للجماء من ذات القرن)).
أخرجه الطبراني في((الأوسط))(9582) عن علي بن سنان: نا بشر بن أبي أوفى، وقال:
((لم يروه عن عطاء إلا عبد الله بن عمران، ولا عنه إلا بشر بن محمد، تفرد به على بن سنان)).
قال الهيثمي:
((رواه الطبراني في((الأوسط)) وفيه من لم أعرفهم، وعطاء بن السائب اختلط)).
الخامس: عن ثوبان مرفوعاً نحو الحديث الذي قبله.
أخرجه الطبراني في((الكبير))(1421)، وفيه زيد بن ربيعة، وقد ضعفه جماعة، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، بقية رجاله ثقات.
( فائدة) قال النووي في ((شرح مسلم)) تحت حديث الترجمة:
(((1/80)
هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة، إعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة. وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت)، وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع، وجب حمله على ظاهره. قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازة والعقاب والثواب. وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف عليها، بل هو قصاص مقابلة، و(الجلحاء) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها. والله أعلم)).
وذكر نحوه ابن الملك في((مبارق الأزهار))(2/293) مختصراً. ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاريء في((المرقاة))(4/761) أنه قال:
((فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يسأل عما يفعل، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع، بل يقتص حق المظلوم من الظالم)). قال القاريء:
((وهو وجه حسن، وتوجيه مستحسن، إلا أن التعبير عن الحكمة بـ(الغرض) وقع في غير موضعه. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوى والضعيف؟ )).
قلت: ومن المؤسف أن ترد كل هذه الأحاديث من بعض علماء الكلام بمجرد الرأي، وأعجب منه أن يجنح إليه الألوسي! فقال بعد أن ساق الحديث عن أبي هريرة من رواية مسلم ومن رواية أحمد بلفظ الترجمة عند تفسيره آية (وإذا الوحوش حشرت) في تفسيره ((روح المعاني))(9/306):
(((1/81)
ومال حجة الإسلام الغزالي وجماعة إلى أنه لا يحشر غير الثقلين؛ لعدم كونه مكلفاً ولا أهلاً لكرامة بوجه، وليس في هذا الباب نص كتاب أو سنة معول عليها يدل على حشر غيرهما من الوحوش، وخبر مسلم والترمذي وإن كان صحيحاً، لكنه لم يخرج مخرج التفسير للآية ، ويجوز أن يكون كناية عن العدل التام. وإلى هذا القول أميل، ولا أجزم بخطاء القائلين بالأول، لأن لهم ما يصلح مستنداً في الجملة. والله تعالى أعلم)).
قلت: كذا قال- عفا الله عنا وعنه-وهو منه غريب جداً لأنه على خلاف ما نعرفه عنه في كتابه المذكور، من سلوك الجادة في تفسير آيات الكتاب على نهج السلف، دون تأويل أو تعطيل، فما الذي حمله هنا على أن يفسر الحديث على خلاف ما يدل عليه ظاهره، وأن يحمله على أنه كناية عن العدل التام، أليس هذا تكذيباً للحديث المصرح بأنه يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء، فيقول هو تبعاً لعلماء الكلام: إنه كناية ! ... أي لا يقاد للشاة الجماء. وهذا كله يقال لو وقفنا بالنظر عند رواية مسلم المذكور، أما إذا انتقلنا به إلى الروايات الأخرى كحديث الترجمة، وحديث أبي ذر وغيره قاطعة في أن القصاص المذكور هو حقيقة وليس كناية، ورحم الله الإمام النووي، فقد أشار بقول السابق: ((وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره)).
قلت: أشار بهذا إلى رد التأويل المذكور، وبمثل هذا التأويل أنكر الفلاسفة، وكثير من علماء الكلام كالمعتزلة وغيرهم رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وعلوه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة، ومجيئه تعالى يوم القيامة. وغير ذلك من آيات الصفات وأحاديثها.(1/82)
وبالجملة، فالقول بحشر البهائم والاقتصاص لبعضها من بعض هو الصواب الذي لا يجوز غيره، فلا جرم أن ذهب إليه الجمهور كما ذكر الألوسي نفسه في مكان آخر من((تفسيره))(9/281)، وبه جزم الشوكاني في تفسير آية ((التكوير)) من تفسيره((فتح القدير))، فقال((/377):
((الوحوش ما توحش من دواب البر، ومعنى(حشرت) بعثت، حتى يقتص بعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء)).
وقد اغتر بكلمة الألوسي المتقدمة، النافية لحشر الوحوش؛ محرر((باب الفتاوى)) في مجلة الوعي الإسلامي السنة الثانية، العدد89ص107، فنقلها عنه، مرتضياً لها معتمداً عليها، وذلك من شؤم التقليد، وقلة التحقيق. والله المستعان، وهو ولي التوفيق.
تم وبحمد الله الجزء الثاني من سلسلة عون الودود لتيسير ما في السلسلة الصحيحة من الفوئد والردود وهي تحتوي على جميع ما ذكره الشيخ الالباني رحمه الله من فوائد في المجلد الثالث من السلسلة الصحيحة(1/83)