E
الحمد لله الذي شرع فأحْكم ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأكْرم ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد :
فهذه فصولٌ مجموعة في مقاصد الشريعة المرْفُوعة ، غايتُها تحقيق شيئين :
أولُهما :
جمعُ أصول علم المقاصد وقواعده ، ومباحثهِ ومسائله ، ومعلومٌ أن ضم النظير إلى نظيره من مقاصد أهل العلم في التصنيف وغيره ، كما ذكر ذلك ابن خلدون ـ رحمه الله ـ في : [مقدمته] ، وكذا غيره .
الثاني :
عرضُ علم المقاصد بما يتناسب مع المبتدئ ؛ بحيث يكون مدْخلاً لعلم مقاصد الشريعة ، ومراعاة ذلك في التفهيم والتعليم مقصدٌ عند أهل العلم كما قرره الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في : [فتح الباري] .
وهذا أوان الشروع ، والله المستعان ، وهو ولي التوفيق .
في تعريف مقاصد الشريعة
لتعريف مقاصد الشريعة حيثيتان :
أما الأولى :
فمن حيث كونُه مركباً إضافياً ؛ إذ إنه مكونٌ من كلمتين ، الأولى : كلمة " مقاصد " وهي جمع مَقصد ، والمقصد مصدرٌ ميمي ، مشتق من قصد ، ومن معاني قصد : الاعتماد والأمّ ـ بفتح الهمزة مع تشديد الميم ـ ، تقول : قصد الحجاج البيت الحرام ، إذا أموا تلك الجهة واعتمدوها . يقول ابن فارس في : [معجم مقاييس اللغة] : " وإنما قيل ذلك ـ يعني معنى الأم والاعتماد ـ لأنه لم يُحَد عنه " .
وهذا المعنى للقصد جعلَه ابن جني المعنى الأصلي لمادة قصد ، كما حكاه عنه ابن سِيده في : [المحكم المحيط الأعظم في اللغة] .
والثانية : كلمة " الشريعة "؛ حيث إنها في اللغة : مورد الشاربة الماء، كذا قال أئمة اللسان . وللشريعة معنى في الإصلاح ، وهو : " ما سنَّهُ الله من الأحكام ، وأنزله على نبي من أنبياءه " ، وبنحوه جزم التّهانوي في : [كشاف اصطلاحات الفنون] ، وإيضاحُهُ :
أن قوله " ما سنه " يعني : الطريقة الكائنة ، وقوله " الأحكام " : أي جميع الأحكام ، كبرى وصغرى ، في التوحيد وغيره .(1/1)
وليعلم أن للشريعة إطلاقين ، أولُهما : إطلاقٌ عام ، يتعلق بجميع الأحكام ، سواءٌ أكانت متعلقة بفروع الدين أم بأصوله ، وبهذا جزم التهانوي في : [كشاف اصطلاحات الفنون] . والثاني : إطلاق خاص ، يتعلق بالأحكام الفرعية العملية في الشرع ، وهذا هو المشهور عند المتأخرين ، وبه جزم الكفوي في : [الكليات] .
وأما الثانية :
من حيث كونه لقباً على علم معين ، وقد اختلفت عبارات أهل العلم في ذلك ، وأوْلاها أن يُقال : " علمُ مقاصدِ الشريعة يُعنى بالغايات التي رعاها الشارعُ في التشريع " وإيضاحه من جانبين :
أما الأول : فبيان مفرداته ؛
حيث إن كلمة " يُعنى " بمعنى : يهتم ، وكلمة " بالغايات " : واحدها غاية ، وهي ما يُهدف إليه في أي شأن . وكلمة " الشارع " تطلق على الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - ، وهو اسمُ فاعل من شرع . وكلمة " في التشريع " : أي في الشرع والمُشرع ، والشرع المشرع مسائلُهُ نوعان : نوعٌ يتعلق بالتوحيد وما إليه ، ونوعٌ يتعلق بغير التوحيد كالأخلاق والسلوك ، وفروع الشريعة ، وفروع الفقه . وهي نوعان من جهة أخرى ؛ فنوع يتعلق بمصالح العباد في معاشهم ، ونوع يتعلق بمصالح العباد في معادهم ، وكذلك يقال في الغايات ؛ فمنها غايات تتعلق بمصالح العباد في الدنيا ؛ كحفظ المال ، ومنها غايات تتعلق بمصالحهم في الآخرة ؛ كحفظ الدين .
وأما الثاني : فبالتمثيل على ذلك ؛
وذلك بتحريم ومنع كل متلفٍ للعقل أو مُفسِده ، كتحريم كل مسكر من خمر وغيره ، فغاية المنع في هذا المثال حفظ العقل ، وهذا ظاهر ؛ فحفظ العقل من مقاصد الشريعة وقواعد علم المقاصد .
- - -
في تاريخ مقاصد الشريعة
كانت مقاصد الشريعة معروفة لدى الفقهاء ، في عصر التشريع فما بعده ، دون جمع لها في كتاب وإظهار لقواعدها ، لكن لما انقلبت العلوم صناعة ، وضعُفت المصنفات ؛ أُظهر علم مقاصد الشريعة ، ومر بمراحل ثلاث :
المرحلة الأولى :(1/2)
مرحلة بدايةٍ ونشأ ، وتتمثل بما قام به الأصوليون من إظهار بعض مباحث ومسائل مقاصد الشريعة في ثنايا تأليفهم ، ومن أول أولئك أبو المعالي الجويني ـ رحمه الله ـ في كتابه : [البرهان] ومنهم أبو حامد الغزّالي ـ رحمه الله ـ في كتابه : [المستصفى] وفي كتابه : [شفاء الغليل في القياس والتعليل] ، ومنهم الرازي والآمدي في كتبهما ، ولهذه المرحلة مَيْزتان :
أما الأولى : فإظهار بعض مباحث علم المقاصد ومسائله .
وأما الثانية : فعدم الإسهاب في مباحث علم المقاصد بياناً وتحقيقاً .
المرحلة الثانية :
فيها إظهارُ علم مقاصد الشريعة وأصوله ، وقواعدَ كلية تتعلق به ، وتتمثل بما قام به العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ في كتابه : [قواعد الأحكام في مصالح الأنام] ، ولهذه المرحلة مَيْزتان :
أما الأولى : فإظهار علم المقاصد إظهاراً بيناً واضحاً .
وأما الثانية : فالمجيء بمباحث وقواعد لم تُذْكر من قبل ، تتعلق بعلم المقاصد ، وهي كثيرة .
المرحلة الثالثة :
هي مرحلة الاكتمال والنضج ، وتتمثل بما قام به الإمام الشاطبي(1) ـ يرحمه الله ـ في كتابه [الموافقات] ؛ حيث جمع مسائلَ هذا العلم ، وأصلّ قواعده ، وحقق مباحثه ، حتى قيل : " هو مخترعُ علم المقاصد " .
ولهذه المرحلة ميزتان :
أما الأولى : فاكتمال علم المقاصد في جميع مسائله وتأصيلها .
وأما الثانية : فإظهار مقاصد الشريعة كعلم مستقل ، وفي مصنف مستقل .
وإنما اكتمل واستقل هذا العلمُ على يد الإمام الشاطبي ـ يرحمه الله ـ لعلتين :
__________
(1) ـ هو : إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي: أصولي حافظ . من أهل غرناطة . من كتبه: "الموافقات في أصول الفقه" و "الاعتصام" . توفي سنة 790 هـ . يُنظر: [ الأعلام: ج1 ، ص 75] .(1/3)
أما الأولى : فلاعتناء شيخه المقري ـ بفتح الميم مع تشديد القاف وفتحها ـ بمقاصد الشريعة ، والتنويه إليها في دروسه ومجالسه ، ولكنه لم يؤلف في ذلك كتاباً فحرك ذلك في الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ الباعث على الاعتناء بعلم المقاصد جمعاً وتحقيقاً .
وأما الثانية : فالمذهب المالكي ؛ إذ إن من أصوله مراعاة المصالح ، وله في ذلك القِدْحُ المُعلى ، فحرك ذلك عناية الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ بالمصالح التي هي لبُّ علم المقاصد ، مع وجود الملكة التامة عند الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ في المذهب المالكي أصولاً وفروعاً ، مع القوة في علم العربية .
ألّف مفتي تونس الأكبر الإمام محمد الطاهر بن عاشور(1)ـ رحمه الله ـ كتاباً في علم المقاصد سماه : [مقاصد الشريعة الإسلامية] ، حاول فيه أن يلخص كلام من سبقه في علم المقاصد مع تحقيق ، وأن يأتي بجديد ، ولكنه في الجملة لم يخرج عما قرره السابقون في علم المقاصد ، ولكنه حقق وهذّب ورتب ، وجملة أمثلته في باب المعاملات ؛ فهو كتاب عظيم في بابه .
- - -
في فوائد مقاصد الشريعة
اعلم ـ رحمك الله ـ أن لمقاصد الشريعة فوائد كثيرة ، إلا أن جِماعها أربعةُ أجناس من الفوائد والثمار .
أولها : أنها دلالةٌ على الكمال في التشريع والأحكام ؛ إذ إن الشريعةَ بُنيت على مقاصد رفيعة في كلياتها وجزئياتها ، ولا ريب أن الحكم إذا كان عن مقصد وعلة وفائدة ؛ فإنه كمال ، خلافاً لما كان عارياً من ذلك .
__________
(1) ـ رئيس المفتين المالكيين بتونس، مولده ووفاته ودراسته بها، من أعضاء المجمعين العربيين في دمشق والقاهرة، له مصنفات مطبوعة منها : "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام"، توفي سنة 1393هـ . ينظر : [الأعلام : ج6 ، ص174] .(1/4)
ثانيها : أنها تفيد أحكاماً شرعية ، عند لَحْظ المقاصد والعلل ، ككون الدين والشريعة قد بُني على جلب المصالح وتكميلها ، ودفع المفاسد وتقليلها ؛ فهو نافع في مثل تزاحم الأحكام والمصالح المرسلة ونحوهما .
ثالثها : القياس وما إليه ؛ حيث إن القياس له أنواع ، كقياس التمثيل ، وإنما يعمل به عند معرفة المقاصد في الأحكام وعللها .
رابعها : زيادة طُمأنينة النفس ، بالوقوف على مقاصد الشريعة وعلل أحكامها ، فمما جبل الله الأنفس عليه أنها تطمئن وتميل إلى حُكْمٍ عرفت علله ، واستبانت حكمته .
ذكر ابن القيم الجوزية ـ يرحمه الله ـ في : [شفاء العليل](1) فوائد كثيرة لمعرفة الحكم الشرعي .
- - -
في إثبات كوْن الشريعة مبنيةً على مقاصد
هذا الفصل هو العمودُ الذي رُفِع عليه عِلْم المقاصد ؛ حيث إنه يتعلق بأن للشريعة مقاصدَ رعاها الشارعُ في تشريعه ، وقد قامت الأدلة واستفاضت البراهين على كون الشريعة ذات مقاصد بُنيت عليها ، وجماع تلك الأدلة والبراهين ثلاثة :
أولها : الخبر ؛ وهو نوعان :
أولهما عام ؛ كحديث : " لا ضرر ولا ضرار" ، أخرجه ابن ماجة في سننه(2)، وفيه نفيُ الضرر والإضرار في أحكام الشرع ، فدلّ على مقصد من مقاصد الشريعة في الأحكام .
والثاني خاص ، ومنها : تحريم الخمرة ؛ لإفسادِها للعقل ؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " كلُّ مسكر حرام "(3).
ثانيها : الإجماع ؛
__________
(1) ـ شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحِكمة والتعليل، الناشر دار الكتاب العربي: [ص: ].
(2) ـ رواه ابن ماجه في "سننه": [كتاب الأحكام، برقم 2332] عن ابن عباس .
(3) ـ رواه البخاري في "صحيحه": [كتاب المغازي، برقم 3997] عن أبي موسى الأشعري، ومسلم في: [الأشربة، برقم 3724] عن ابن بُريدة عن أبيه .(1/5)
وقد حكى أن الشريعة بُنيت على المقاصد إجماعاً غيرُ واحد ، ومنهم العز بن عبدالسلام في : [القواعد] ، والغزّالي في : [المستصفى] و [شفاء الغليل]، وشيخ الإسلام في : [درء التعارض] وغيره ، والشاطبي في :[الموافقات] ، وجماعة .
ثالثها : النظر ؛ وله جهتان :
الأولى : الاستقراء ؛ قال البيضاوي في : [المنهاج] : "باستقراء مسائل الشريعة وأحاكمها يتيقن الناظر أنها شُرعت لمقاصد وعلل" ا.هـ . وبنحوه قال الشاطبي في : [الموافقات] ، وجماعة .
الثانية : الدلالة العقلية ، ومنها أن يُقال : الشارعُ في تشريعه ؛ إما أن يكون قد راع مقاصد عند التشريع أو لا . والثاني باطل ؛ لأنه إما لعدم العلم السابق للتشريع ، أو لعدم الحكمة عند التشريع ، أو لمانع منع الشارع من مراعاة المقاصد ، وكلها باطلة فاسدة بالإجماع ، قاله ابن القيم في : [شفاء العليل] ؛ فتعيّن الأول ولابد .
ثمة طائفة نفت أن يكون للتشريع مقاصد من قبل الشارع ، ويُسمَّوْن بنفاة التعليل ، ومذهبهم فاسد ، وقد بيّن فسادُه بإسهاب ابن القيم ـ يرحمه الله ـ في : [شفاء العليل](1) .
- - -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أ،زل على عبده الكتاب ، ولم يجعل له عوجاً ، والصلاة على خير من بالعربية نطق ، النبي الأمي وسلم تسليما .
... وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله ، المبعوث للعالمين ، بين يد الساعة بشيراً ونذيراً ، أدبه ربه فأحسن تأديبه ، فلم ينطق عن هوى في حديثه ، أجاب السائل عن الساعة بقوله ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) .
... فإلى كل من آمن بالله ـ تعالى ـ رباً ، وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً ، وبالإسلام ديناً إلى من آمن بأن الساعة حق ، والميزان حق ، والحساب حق ، وآمن أن الجنة حق ، والنار حق .
__________
(1) ـ الباب الثاني والعشرون [ص: 364] .(1/6)
... إلى كل من بمحمد - صلى الله عليه وسلم - اقتدى ، ولآثار السلف ـ رحمهم الله ت اقتفى ، إلى من ألقى السمع إلى كلام باريه ، حتى سمع قوله سبحانه : { اقتربت الساعة وانشق القمر } ، فما كان الشك لحظة يعتريه في صدق مولاه ، سمع قوله تعالى: { إن الساعة آتية لا ريب فيها } فأعد العدة لمثواه ، وبيض صحائف العمال بالصالحات طلباً لرضى مولاه .
... فيا من تحدى بعزمته وصبره ويقينه تيارات الانحراف الفكري والسلوكي ، وشمر ساعد الجد ليرد عن دينه غاو الغالين ، وجهالة المبطلين .
... إليك أُخي أسطر هذه الكلمات سائلاً المولى الإخلاص في كل وقت وعمل ، وأن يجعلها نافعة ح فإنه قد طُلب مني أن أرد على كتاب " عمر الأمة " ؛ وحيث إن الطلب من أحد مشايخي الأفاضل فلم أستطع الرفض ، فبدأت مستعيناً بمن أحاط بكل شيء علماً ، واسميتُ المرقوم : " كشف الغمة عن خطأ تحديد عمر الأمة " .
... وجعلت ذلك في مباحث :
الأول : أصل المسألة ، واعني به أدلة المسألة .
الثاني : أقوال أهل العلم حولها .
الثالث : رد إجمالي على موضوع الكتاب .
الرابع : رد تفصيلي .
الخامس : خاتمة .
المبحث الأول
أصل المسألة
لهذه المسألة أدلة يعتمد عليها الخائضون في غمارها ، وتتمثل فيما يلي :
الأول : القرآن .
الثاني : السنة .
الثالث : أقوال أهل التأريخ والأمم السابقة .
الرابع : حساب الجمل من حروف المعجم .
الخامس : حركات الكواكب .
ومن افجمال إلى كيفية استدلال القوم بذلك .
أولاً القرآن
استدل القائلون بتحديد عمر الأمة من القرآن بالحروف المقطعة ، وهي معروفة لدى الجميع ، مثل قوله تعالى : { آلم } البقرة وآل عمران وغيرهما ، وكذلك أول الأعراف ويوسف ومريم ، وغير هذه السور كثير .(1/7)
... يقول الحافظ ابن حجر في : " الفتح " : ( ثم جوّز أن يكون يكون عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر ؛ ما يوافق حديث ابن زامل ، وذكر أن عدتها تسعمائة وثلاث . قلت : وهو مبني على طريقة المغاربة في عد الحروف ، وأما المشارقة فينقص العدد عندهم مائتين وعشرة فإن السين عند المغاربة بثلاثمائة و الصاد بسنين ، وأما المشارقة فالسين عندهم ستون والصاد تسعون ، فيكون المقدار عندهم ستمائة وثلاثة وتسعين " ا.هـ .
... الثاني : السنة
وهي مجموعة أحاديث ن وهي كالتالي :
الأول : ( الدنيا سبعة آلاف سنة ، أنا في آخرها "
الثاني : ( والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم ) وعند أبي داود بلفظ ك ( إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم ، قيل لسعد : كم نصف يوم ؟ قال : خمسمائة سنة ) ، وفي لفظ من رواية جعفر بن عبد الواحد : ( إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم يوم من أيام الآخرة ، وذلك ألف سنة ، وإن أساءت فنصف يوم ) .
الثالث : ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) .
الرابع : ( ما أجلكم في أجل من كان قبلكم إلا من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ) . ومن طريق مجاهد عن ابن عمر - رضي الله عنه - : ( كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - والشمس على قيعان مرتفعة بعد العصر ، فقال : ما أعماركم من أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه ) . ومن طريقه مغيرة بن حكيم عن ابن عمر بلفظ ك 0 ما بقي لأمتي من الدنيا إلا كمقدار إذا صليت العصر ) ، ثم باقي السياق الأول من هذا الحديث وهو : ( أوتي أهل التوراة فعملوا حتى انتصف النهار ... ) .
الخامس : ( خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً وقد كادت الشمس أن تغيب ) عن أنس - رضي الله عنه - ، يقول الحافظ ـ رحمه الله ـ : ثم ذكر نحو الحديث الأول عن ابن عمر ، ومن حيث أبي سعيد بمعناه قال عند غروب الشمس : ( إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها كبقية يومكم هذا فيما مضى منه ) .(1/8)
السادس : قول سلمان الفارسي - رضي الله عنه - : ( فترة ما بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ستمائة سنة ) ، وغيرها من الآثار ، وسيأتي معنا ـ إن شاء الله تعالى ـ عند الرد التفصيلي على موضوع الكتاب مناقشة هذه الأدلة .
الثالث : من أصول القوم
أقوال أهل التأريخ والأمم السابقة
يقول الحافظ ـ رحمه الله تعالى ـ في "فتح الباري" : ( وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت أكثر من ألفي سنة ، ومدة النصارى من ذلك ستمائة ، وقيل أقل فتكون مدة المسلمين أكثر من ألف سنة قطعاً ) ا.هـ .
هذه مقولة أهل التأريخ ، ولكن أقوال الأمم السابقة ـ واعني بهما اليهود والنصارى ـ فهي كثيرة ن نقلها صاحب الكتاب ، أكتفي منها بما يأتي ، ومن أراد المزيد منها فليراجع كتابع مر الأمة ( ص: 36-38 ، 22-23 ) .
قال الأنبا ( ديتروس ) الأسف العام في كتابه : " نظرات في سفر دانيال " أن : " زمن ظهور المسيح الكذاب - الدجال ـ أبريل 1998 م ، وزمن المجيء الثاني للمسيح ـ عيسى عليه السلام ـ هو خريف عام 200م " .
الرابع والخامس : حساب الجمل من حروف المعجم وحركات الكواكب
وقد سبق الإشارة أنهما من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وحسبي أنهما من شأن المنجمين والسحرة / زذلك يقول ـ رحمه الله ـ : " ورثوه من اليهود " أي حساب الجمل ، واما عن حراكات الكواكب يقول : " الذي ورثوه من الصابئة " (1) .
__________
(1) - الفتاوى 4/82 وقد سبق .(1/9)
وليعلم أن صاحب كتاب : " عمر الأمة " استدل بهذه الأدلة إجمالاً عدا الآخرين ، وزاد عليها ـ أي هذه الدلة ـ الواع وحوادث الوقت الذي نعيش فيه ، فدعاه ذلك إلى الاستدلال بحدث : ( يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من أهل المدينة هاراً إلى مكة ن فيأتيه ناس من أهل مكة ، فيخرجون وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام .. ) (1) ، وكذلك استدل أيضاً بالفساد الحاصل في الأرض والتهديدات وغيرها من أحداث .
أقوال أهل العلم حول ما سبق من أدلة
أولاً : الحروف المقطعة :
يقول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ عنها في فتح الباري عليه : " وقد مضت وزيادة عليها مائة وخمس وأربعون سنة " ا.هـ ذكر ذلك بعد نقله طريقة استدلالهم ، وما هي المدة الناتجة بناءً على حساب هذه الحروف ن سواء بطريقة المغاربة أو المشارقة ، وقد سبق ذكر ذلك ، ثم قال ـ رحمه الله ـ : " فالحمل على ذلك من هذه الحيثية باطل ، وقد ثبت عن ابن أنس الزجر عن أبي جاد والإشارة إلى إن ذلك من جملة السحر ، وليس ذلك ببعيد فإنه لا اصل له في الشريعة .
ونقل ـ رحمه الله ـ القاضي ابن العربي ، وهو من مشايخ السهيلي ـ " الذي استل بهذه الأدلة أيضاً على تحديد عمر الأمة ـ رحمه الله ـ " من فوائد رحلته ما نصه : " ومن الباطل حلروف المقطعة في أوائل السور ، وقد تحصل لي فيها عشرون قولاً وأزيد " ، ولا أعرف أحداً يحكم عليها بعلم ولا يصل فيها إلى فهم " ا.هـ (2) .
ثانياً السنة
__________
(1) - عمر الأمة ص 47 ، وقد اشار هو بنفسه إلى ضعفه ن فلا عبرة باستدلاله به ، وسياتي مناقشته إن شاء الله .
(2) - الفتح 11/359 . قلت : وهذا النقل يكفي في رد من تسول له نفسه الاستدلال بمثل ذلك . وتأمله أخي فمع رد هذا الكلام من أهل العلم ؛ فإن صاحب الكتاب جعله قدوة فه .(1/10)
وليعلم أنني سأكتفي في نقل مقول أهل العلم حول ما صح من الحديث ؛ حيث أنه من المعلوم بالضرورة إن ما كان مثل مسألتنا تحديد شيء يقع في المستقبل بالأرقام أه يحتاج إلى دليل قطعي خاصة إذا كانت المسألة من علم الغيب ، ويكتفى حينئذ بتضعيف أئمة الشأن في ردها ، وأيضاً رد الاستدلال بها .(1/11)