4
الأدلة الجياد
في الجواب على سؤال الأخ عماد
رسالة في الجمع بين الصلاتين
في الحضر بعذر البرد والريح الشديدة والمطر
أعدها
قاسم بن محمد قاسم ضاهر
أبو محمد البقاعي الأثري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون إهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
أما بعد :
فقد سألني الأخ الفاضل عماد عميص عن مشروعية الجمع بين الصلاتين في البرد والريح الشديدة، فأقول مجيباً باختصار شديد لكثرة الأدلة ولما للأئمة والفقهاء من تبيان واختلاف في المسألة
فأقول حامدًا مصليًّا: الذي يظهر والله أعلم أن من أجاز الجمع للظهرين - للمطر والبرد والوحل والريح الشديدة - هو الراجح ، والأقوى ، والأقرب إلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، لما ذكروه من الدليل ، جاء في الصحيحين ( عن ابن عباس أنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر جميعًا والمغرب والعشاء جميعًا ) زاد مسلم ( من غير خوف ولا سفر ) قال الشافعي : إن ذلك بعذر المطر . (1)
__________
(1) أخرجه مالك/ 330 ، ومسلم/ 1151، ج/ 1 ص/ 489، ، وأبو داود/ 1210 ، ج /2 ص / 6، والنسائي في الكبرى/ 1573،ج/ 1 ص/ 491، وأبو عوانة: ج/ 2 ص/353، وابن خزيمة/ 972، 2/85، وابن حبان/1593،ج/ 4 ص/ 471، والشافعي في المسند: 1/214، والبيهقي في السنن/ 5332، ج/3 ص/ 166 والبغوي في شرح السنة:ج/ 4 ص/197، والطحاوي في شرح المعاني: 1/160، وابن حزم في المحلى: 3/173.(1/1)
قال أبو الزبير: سألت سعيداً: لم فعل ذلك فقال: سألت ابن عباس كما سألتني! فقال: أراد أن لا يحرج أمته. (1)
وروى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء جمع بهم في ليلة المطر. (2)
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن صفوان بن سليم قال: جمع عمر بن الخطاب بين الظهر والعصر في يوم مطير. (3)
وروى ابن أبي شيبة: من طريق عبيد الله عن نافع قال: كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطأوا بالمغرب وعجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى بذلك بأساً، قال عبيد الله: ورأيت القاسم وسالماً يصليان معهم في مثل تلك الليلة. (4)
وأورد ابن عبد البر في التمهيد: عن عبيد الله بن عمر رأيت سالماً والقاسم يصليان معهم يعني الأمراء في الليلة المطيرة. (5)
__________
(1) أخرجه مسلم/ 705، ج/ 1 ص/ 489، وأبو داود/ 1211، ج /2 ص / 6، والنسائي/ 598، أحمد/ 3323 وأبو عوانة: ج/ 2 ص/ 352، والطيالسي/ 2629، والحميدي/ 471، 1/223، وعبدالرزاق/ 4435، ج/ 2 ص/ 555، وابن خزيمة/ 971، وأبو يعلى/ 2401،ج/ 4 ص/ 290، والطبراني/ 12571،12/74، والطحاوي: 1/160، وابن حزم في المحلى: 3/172. ، والبيهقي/ 5336،ج/ 3 ص/ 166، والبغوي في شرح السنة: 4/198، وابن المنذر في الأوسط/ 1158.
(2) أخرجه مالك في الموطأ: برقم/ 329، ج/ 1 ص/ 295، وعبد الرزاق: برقم/ 4438، ج/ 2 ص/ 556، والبيهقي: برقم/ 5345، ج 3 ص/ 168.
(3) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: برقم/ 4439، ج/ 2 ص/ 556، وأورده المتقي الهندي في كنز العمال/ 22766 .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة: برقم/ 6267، ج/ 2 ص/ 44، وابن المنذر في الأوسط: برقم/ 1157، ج/ 2 ص/ 430.
(5) أورده ابن عبد البر في التمهيد: ج/ 12 ص/ 212.(1/2)
وعبد الرزاق عن داود بن قيس قال: سمعت رجاء بن حيوة يسأل نافعاً أكان ابن عمر يجمع مع الناس بين الصلاتين إذا جمعوا في الليلة المطيرة؟ قال: نعم. (1)
قال هشام بن عروة ، قال : رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة ؛ المغرب والعشاء ، فيصليهما معه عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، لا ينكرونه. (2)
وقال ابن عبد البر في التمهيد: وروي عن ابن عمر وأبان بن عثمان وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمان وأبي بكر بن عبدالرحمن ومروان وعمر بن عبدالعزيز أنهم كانوا يجمعون بين الصلاتين ليلة المطر، وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. (3)
عن نافع أن ابن عمر نادى بالصلاة في ليلة ذات ريح وبرد في آخر أذانه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح في السفر يقول: ألا صلوا في الرحال. (4) وفي رواية لمسلم: أو ذات مطر في سفر. وقال البخاري: في الليلة الباردة أو المطيرة في سفر. وفي رواية لهما: إن أذان ابن عمر كان بضجنان. (5)
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: برقم/ 4438، ج/ 2 ص/ 556.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة: برقم/ 6269، ج/ 2 ص/ 44، والبيهقي في الكبرى: برقم/ 5346.
(3) التمهيد: ج/ 12 ص/ 211.
(4) رواه البخاري/ 635، 1/237. ومسلم/ 697، 1/484.
(5) ضجنان هي جبيل حالياً.(1/3)
قال ابن المنذر: وقال الوليد بن مسلم، سألت الأوزاعي عمن جمع بين الصلاتين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة؟ فقال أهل المدينة: يجمعون بينهما، ولم يزل من قبلنا يصلون كل صلاة في وقتها قال: وسألت الليث بن سعد وسعيد ابن عبد العزيز؟ فقالا مثل ذلك، وكان عمر بن عبد العزيز يرى الجمع بين الصلاتين في حال الريح والظلمة، وكان مالك يرى أن يجمع بينهما في الطين والظلمة . (1)
ومما يؤيد الجمع ما جاء في الفروع إذ يقول: ويجوز الجمع بين الظهر والعصر لمطر وثلج ، وقيل ولطل بين المغرب والعشاء وفي رواية يجوز لطل بين الظهر والعصر ،ويجوز الجمع للوحل في الأصح ،وقيل على الأصح ليلا ، قال القاضي: الوحل عذر في الجمع ، ويدل عليه خبر ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر ) وليس له ما يحمل عليه إلا الوحل وهو أولى من حمله على غير عذر أو النسخ . ثم قال: ومثل الوحل الريح الشديدة الباردة ،حيث كان ابن عمر رضي الله عنه يجمع في الليلة الباردة ثم قال : إن الجماعة تسقط للمشقة فلذلك جاز الجمع لهذا المعنى. (2)
ومما جاء في الإنصاف حول الجمع بين الظهر والعصر والعشاءين (يجوز الجمع بين الظهر والعصر والعشاءين في وقت أحداهما بما يأتي:
1- السفر
2- والمرض الذي يلحقه يترك الجمع فيه مشقه وضعف
1- ... ويجوز الجمع لمن له شغل أو عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة كالخوف ونحوه .
2- ... ويجوز الجمع في حالة المطر الذي يبل الثياب ومنه الثلج والبرد والجليد – والصحيح من المذهب جواز الجمع لذلك من حيث الجملة، وهل يجوز الجمع لأجل الوحل على وجهين
__________
(1) الأوسط لإبن المنذر: ج/ 2، ص/ 432.
(2) الفروع / ابن مفلح /ج2/ص71.(1/4)
أحدهما يجوز وهو المذهب ، قال أصحابنا :( الوحل عذر يبيح الجمع ) وهو ظاهر المذهب وأيده صاحب المغنى ، والتلخيص ، وشرح المجد ، والنظم وابن تميم والتصحيح ، وجزم به الشريف ، وأبو الخطاب والإفادات والتسهيل وقدمه في الفروع والكافي ومجمع البحرين. (1)
جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر المبلل للثياب والثلج والبرد لما جاء في الصحيحين:( عن ابن عباس أنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا ) زاد مسلم ( من غير خوف ولا سفر )، قال كل من الإمام مالك والشافعي رحمهما الله : أرى ذلك بعذر المطر . (2)
ويرى المالكية وهو الأصح عند الحنابلة أن الطين أو الوحل عذر يبيح الجمع كالمطر لأنه يلوث الثياب والنعال . ويتعرض الإنسان للزلق وتتأذى نفسه وثيابه (3) .
روى البخاري عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء فقال أيوب لعله في ليلة مطيرة ؟ قال عسى. (4)
والوحل أعظم مشقة من البرد فيكون أولى ويدل عليه حديث ابن عباس : ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولا مطر ) فلا يحمل إلا على الوحل. (5)
وجاء في كشاف القناع أنه يجوز الجمع بين العشاءين لمطر يبل الثياب أو يبل النعل أو الثوب ومعه مشقة ، ولثلج ولبرد ولريح شديدة. (6)
__________
(1) الإنصاف ج2 ص338.
(2) انظر: الموسوعة الفقهية / ج15 ص290..
(3) انظر: الموسوعة الفقهية/ ج15 ص291.
(4) انظر: صحيح البخاري / 518.
(5) شرح منتهى الإرادات ج1 ص299.
(6) كشاف القناع عن متن الإقناع ج2 ص8.(1/5)
وقال في الشرح الممتع على زاد المستقنع: فأسباب الجمع هي: السفر، والمرض، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة، ولكن لا تنحصر في هذه الأسباب الخمسة، بل هذه الخمسة التي ذكرها المؤلف كالتمثيل لقاعدة عامة وهي: المشقة، ولهذا يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين، وبين العشاءين لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة. (1)
وقال في الشرح الكبير لابن قدامة المقدسي: فأما الريح الشديدة في الليلة الباردة ففيها وجهان: أحدهما يبيح الجمع قال الآمدي: وهو أصح يروى عن عمر بن عبد العزيز. (2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك، وإن لم يكن المطر نازلاً في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجماعة مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة؛ إذ السنة أن تصلي الصلوات الخمس في المسجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين، والصلاة جمعا في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع؛ كمالك والشافعي وأحمد" انتهى . (3)
أما في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة فجاء: وهذه الأمور كلها تبيح الجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء تقديما وتأخيرا ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة بسبب الثلج والبرد والجليد والوحل والريح الشديدة الباردة والمطر الذي يبل الثوب ويترتب عليه حصول مشقة لا فرق في ذلك بين أن يصلي بداره أو بالمسجد ولو كان طريقه مسقوفا والأفضل أن يختار في الجمع ما هو أهون عليه من التقديم أو التأخير فإن استوى الأمران عنده فجمع التأخير أفضل ويشترط لصحة الجمع تقديما وتأخيرا أن يراعي الترتيب بين الصلوات. (4)
__________
(1) الشرح الممتع على زاد المستنقع مجلد 4/ صفحة 155.
(2) الشرح الكبير مجلد2، صفحة 118.
(3) انظر: مجموع الفتاوى مجلد 24/ صفحة 29
(4) الفقه على المذاهب الأربعة 1/748.(1/6)
وقد سئل ابن عثيمين عن الجمع في حال الريح الشديدة والبرد فأجاب: أنه إذا اشتد البرد مع ريح تؤذي الناس؛ فإنه يجوز للإنسان أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.
وهذا يدل على أن الحكمة من مشروعية الجمع إزالة المشقة عن المسلمين.
كذلك أجاب الشيخ سعيد بن وهف القحطاني: الجمع لأجل الوحل الشديد , والريح الشديدة الباردة ؛ لحديث عبد الله بن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير : « إذا قلت أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة , قل : صلوا في بيوتكم. (1) ()
وقد ذكر الشيخ سعيد بن وهف القطاني الأعذار المبيحة للجمع فقال:
1- الجمع بعرفة؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ...
2- الجمع بمزدلفة؛ لحديث جابر رضي الله عنه ...
3- الجمع في الأسفار أثناء السير في وقت الأولى أو الثانية ...
4- درجات الجمع في السفر ثلاث ...
الأولى: إذا كان المسافر سائرًا في وقت الصلاة الأولى ...
الثانية: إذا كان المسافر نازلاً في وقت الصلاة الأولى ...
الثالثة: إذا كان المسافر نازلاً في وقت الصلاتين جميعًا ...
5- الجمع للمريض الذي يلحقه بتركه مشقة وضعف جائز ...
6- الجمع في المطر الذي تحصل به المشقة على الناس ...
7- الجمع لأجل الوحل الشديد، والريح الشديدة الباردة ... (2)
وهناك المزيد من الأدلة ونكتفي بهذا القدر ولله الحمد والمنة من قبل ومن بعد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
أعدّ هذه الرسالة
أبو محمد قاسم بن محمد ضاهر البقاعي الأثري
السابع من شهر ربيع الأول 1430
__________
(1) انظر: كتاب السفر وأحكامه في ضوء الكتاب والسنة 1/89
(2) انظر: كتاب صلاة المسافر 1/41.(1/7)