رسالة
حوار في الاعتكاف
مَعَ سَمَاحَةِ الشَّيْخِ العَلاَّمَةِ
عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جِبْرِيْنٍ
ـ خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِالحُسْنَى ـ
أعدها ورتبها :
أبو مُحَمَّدٍ سَالِمُ بنُ مُحَمَّد الجُهنِي
ـ أثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى ـ
وقام بتنسيقها ونشرها :
سَلمَانُ بْنُ عَبْدِ القَادِرِ أبُوْ زَيْدٍ
غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ،ولِوَالدَيْهِ ،ولِمَشَايخِهِ ،ولجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ.
بسم الله الرحمن الرحيم
" المقدِّمة " :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في محكم التنزيل: ? أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ?[ سورة البقرة : 125 ] والصلاة والسلام على من اعتكف هو وأصحابه وأزواجه من بعده وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد :
أيها المسلمون والمسلمات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهنئكم جميعا بدخول شهر رمضان المبارك، وإن من دواعي السرور والفرحة ودوافع المحبة أن نلتقي سويا في هذه اللحظة المباركة التي فيها فرصة طيبة بتقوية صلتكم جميعا بربكم جل وعلا، وبتقربكم إلى الله سبحانه بأفضل الأعمال فما فاز إلا العاملون المخلصون فالمسلم يكون نهازا لاغتنام الطاعات حريصا على اكتساب الحسنات سباقا لفعل القربات لأن كل لحظة ترحل هي جزء من عمره، وسوف يندم حين لا ينفع الندم.(1/1)
إن البعض من المسلمين اليوم منشغلون بهذه الدنيا فلا تفكر ولا اعتبار، لكن مع هذا الله سبحانه يمتن على عباده ليهيئ لهم فرص الطاعات لتزكو بها نفوسهم، وتصفو بها قلوبهم ويحطوا بها من خطاياهم، فيرقوا بها إلى أعلى الدرجات، فعلى كل مسلم ومسلمة أن يأخذ من صحته لسقمه، ومن فراغه لشغله، ومن حياته لموته حتى يفوز برضا الله، وما فاز بها إلا العاملون المخلصون، فيا سعادة من اجتهد في هذا الشهر العظيم فعرف قيمة زمانه وشرف وقته فلا يدري هل يصوم هذا الشهر في السنة القادمة أم لا لأن هذه النفس لا تدري ماذا تكسب غدًا وليتذكر كل منا تلك الوصية العظيمة: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح الله أكبر هل عرفنا هذا وعملنا به أيها الأحباب؟
إخواني وأخواتي في الله: إن عبادتيْ الصوم والاعتكاف شرعتا من أجل هدف عظيم وغاية كبرى غابت عن أكثر الناس. فهذا الاعتكاف هجره عامة الناس فلا يفعله إلا القليل وحتى هذا القليل بحاجة إلى أن يتدبر معاني هذه الشعيرة ويتأمل أحكامها وأسرارها، فشرع الاعتكاف الذي حقيقته عكوف القلب على الله تعالى وإخلاصه له، والانقطاع عن أمور الدنيا ليجمع بين الانقطاع عن الناس وعن شهواته حتى يحصل بعد ذلك على تزكية نفسه وتطهيرها من الذنوب والآثام.
إن الاعتكاف كان قبل الرسالة فكان -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في الغار ولما سطع نور الإسلام واستقرت تعاليمه وأحكامه وجه الله سبحانه وتعالى نبيه إذا أراد الخلوة به أمره أن يكون في المسجد لا غيره، فقد قالت السيدة صفية رضي الله عنها: " كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا في المسجد في العشر الأواخر من رمضان... "(1).
__________
(1) رواه البخاري 4 237. رواه مسلم 1656 عن ابن عمر.(1/2)
وقالت عائشة رضي الله عنها: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل... " لذا فما أحوجنا إلى إحياء هذه السنة وإقامتها والتواصي بها وملازمتها على الوجه الصحيح الذي كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم.
ورد من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث اعلم. قال: وما أعلم يا رسول الله؟ قال: إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا "(1).
رضي الله عن أزواجه وأصحابه من بعده الذين أحيوا هذه السنة وقاموا بعبادة ربهم حتى إن البعض منهم تعجب فقال: عجبا للمسلمين تركوا الاعتكاف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ دخل المدينة حتى قبضه الله تعالى.
وحديثي هذا إنما هو للتذكرة وشحذ الهمم وحث الخطى فما ذكر قليل من كثير، فما حالنا اليوم هل يكون هذا حافزا لنا على طاعة الله ورسوله.
فمن أجل إحياء هذه السنة ونشرها بين المسلمين استعنت بالله فكتبت هذه الأسئلة لأن الحاجة في زمننا الحاضر دعت إليها ثم عرضتها على فضيلة الوالد الشيخ الدكتور/ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله من كل سوء ونفع بعلمه الإسلام والمسلمين في كل مكان فاستجاب جزاه الله خيرا على الرغم من كثرة أعماله وضيق وقته. وفق الله الجميع لما يرضيه وجنبنا وإياكم سخطه ومناهيه.
والله تعالى أسأل أن يجعل هذه الرسالة لإخواني المسلمين نافعة ولوجهه الكريم خالصة وألا يحرمني من دعوات الصالحين وترحمات المؤمنين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أعدها ورتبها
أبو محمد سالم بن محمد الجهني
المملكة العربية السعودية
القصيم - الرس / ص ب- 231
__________
(1) رواه البخاري 4 226. رواه مسلم 1183 عن عائشة.(1/3)
" مُقدمة لفضيلةِ الوَالد الشَّيخ الدُّكتور عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ جِبرينٍ " :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي خلقنا لعبادته، وأمرنا بتوحيده وطاعته، وهدى من شاء إلى المسارعة والسبق والمنافسة في الخيرات، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله، ولا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه الذي بلغ ما أنزل إليه وقام بحق ربه وداوم على الأعمال الصالحة وسابق إلى الخيرات وعبد ربه حتى أتاه اليقين.
فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته.
وبعد فهذه أجوبة على أسئلة جمعها بعض الشباب تتعلق بالاعتكاف للرجال والنساء وما ورد فيه وبيان فضله وشيء من أحكامه بجواب مختصر دون ذكر الخلافات والاستطراد في سرد الأقوال وعسى الله أن ينفع بها من أراد به خيرا. فهو سبحانه أهل التقوى وأهل المغفرة.
قاله عبد اللَّه بن عبد الرَّحمن بن جِبرينٍ
[ القسم الأوّل فتاوى في اعتكاف الرِّجال ]
قال تعالى: ? وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ? [ سورة البقرة: 187 ]
وعن صفية -رضي الله عنها- قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا في المسجد في العشر الأواخر من رمضان " [ رواه البخاري 4 / 240 رواه مسلم (2175) .]
" معنى الاعتكاف وحكمته " :
س 1: ما معنى الاعتكاف ؟ وما الأصل فيه؟ وما الحكمة من ذكر الاعتكاف بعد الصيام ؟(1/4)
جـ1: الاعتكاف مشتق من العكوف وهو لزوم الشيء والإقامة حوله وطول المكث عنده كما حكى الله عن إبراهيم عليه السلام أنه قال لقومه : ? مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ? [سورة الأنبياء: 52] وقال تعالى عنهم: ? نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ?[سورة الشعراء: 71] أي ملازمين لها مستديرين حولها وقال تعالى: ? فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ ?[سورة الأعراف: 138] أي يقيمون عندها ملازمين لها وأصله الاستدارة والتحلق لأن أولئك يستديرون حول معبوداتهم. وهو في الشرع لزوم مسجد لطاعة الله تعالى من مسلم عاقل غير جنب ولا حائض.
والأصل في شرعيته الكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: ? أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ?[سورة البقرة: 125] وقالت عائشة رضي الله عنها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده " متفق عليه .
قال الخرقي رحمه الله تعالى: ( والاعتكاف سنة إلا أن يكون نذرا فيلزم الوفاء) به قال الزركشي رحمه الله تعالى: هذا إجماع والحمد لله وقد شهد له ما تقدم وإنما لم يجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به أصحابه بل في الصحيحين أنه قال لهم: " من أحب منكم أن يعتكف فليعتكف " وإنما وجب بالنذر لما روى ابن عمر -رضى الله عنهما- أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: أوف بنذرك " متفق عليه وقد ذكر الله تعالى الاعتكاف في آخر آيات الصوم بقوله تعالى: ? وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ?[سورة البقرة:187].(1/5)
ولعل من الحكمة في ذلك شرعية الاعتكاف في شهر رمضان وفي العشر الأواخر منه كما ذكر في حديث عائشة المتقدم وغيره، ولعل من الحكمة أن الاعتكاف عبادة بدنية والصوم عبادة بدنية ولذلك ذهب بعض العلماء إلى اشتراط الصوم مع الاعتكاف لتجتمع العبادتان في وقت واحد ومكان واحد، والقول الصحيح جواز الاعتكاف بدون صوم كما ذكر في حديث عمر من اعتكاف ليلة واحدة فإن الليل ليس محلا للصوم.
" أكثر الاعتكاف وأقله وأفضله " :
س 2: ما أكثر الاعتكاف وما أقله وما أفضله ؟
ج 2: لا حد لأكثره إلا أنه يكره إطالته إذا حصل إضاعة العبد لأهله وانشغاله عنهم، فقد ورد في الحديث: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول " فمن أطاله كثيرا فإنه يلزم منه ترك طلب المعاش وتكليف غيره بالإنفاق عليه وحصول المشقة بإحضار طعامه وشرابه إليه في المسجد ونحو ذلك من الأغراض؛ ولذلك لم يذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- زاد في اعتكافه على عشرة أيام متتالية، إلا ما روى أنس رضى الله عنه قال: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاما فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين " رواه أحمد والترمذي وصححه .
وفي لفظ لأحمد : " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان مقيما اعتكف العشر الأواخر من رمضان وإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين " ولأحمد وأبي داود وغيرهما عن أبي بن كعب نحو الرواية الأولى.
وأما أقله فالصحيح لا يكون أقل من يوم أو ليلة لحديث عمر -رضي الله عنه- أنه قال : " يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة " وفي رواية: " يوما في المسجد الحرام قال أوف بنذرك " كما سبق وذلك أنه مشتق من الإقامة الطويلة وأقل ذلك يوم أو ليلة فما دونه لا يسمى اعتكافا لقصر مدته، ومع ذلك فقد أجاز كثير من العلماء الاعتكاف بعض يوم، واشترط بعضهم كونه من صائم وقالوا في أغلب كتب الفقه: وينبغي لمن قصده (أي المسجد) أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه ا. هـ.(1/6)
لكن أقل ما ورد اعتكاف ليلة أو يوم كما في حديث عمر -رضي الله عنه- كما يقتضيه المسمى اللغوي والله أعلم.
" حكمة الاعتكاف وأركانه وشروطه " :
س 3: ما الحكمة من الاعتكاف ؟ وما هي أركانه وشروطه ؟
جـ 3: شرع الاعتكاف للتفرغ للعبادة، والانقطاع عن العوائق والشواغل والحرف والأعمال الدنيوية والشهوات والملهيات، والنظر إلى زهرة الدنيا وزينتها والإقبال بالكلية على الله تعالى بحيث ينشغل بالقربات وقد فرغ قلبه من هموم الدنيا وغمومها وأحزانها، واهتم بالطاعات والانكباب على فعل الحسنات والبعد عن السيئات وعن مخالطة عامة الناس مما يصد بالقلب والقالب عن عبادة الرب سبحانه، فالمعتكف من عكف قلبه على عبادة ربه وانقطع عن الدنيا وأهلها، فهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية لهذه الأمة، ولا يكون إلا في المساجد ليحافظ على الجمعات والجماعة، فإن كل خلوة تقطع عن صلاة الجماعة معصية وذنب كبير ولو كان منشغلا بالقربات.
وقد ذكر ابن رجب عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سئل عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعة؟ فقال: هو في النار. ثم قال ابن رجب رحمه الله تعالى: فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه، كما كان داود الطائي يقول في ليله: همك عطل علي الهموم وحال بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك أوثقني من اللذات وحال بيني وبين الشهوات ثم قال فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق وكلما قويت المحبة لله والمعرفة به والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال. ا هـ.(1/7)
وأركان الاعتكاف هي: ما يتكون منه وهي المعتكف وهو المكلف أي المسلم البالغ العاقل ولو عبدا أو امرأة متزوجة على تفصيل فيهما، والمعتكف فيه وهو المسجد الذي يجمع فيه، والنية وهي قصد العبادة والتفرغ للطاعة.
أما شروطه فهي: ما يلزم له قبل البدء فيه، وهي أن يكون متطهرا من الحدث الأكبر، ومن الحيض والنفاس، وأن يقصد العبادة وأنواع الطاعة وأن يلازم معتكفه فلا يخرج منه إلا لحاجة ضرورية.
" حكم تغيير نية الاعتكاف بدون سبب " :
س 4: ما الحكم لو نوى رجل الاعتكاف ثم غير عن نيته بدون سبب وهل يتلفظ بالنية أم لا؟
جـ 4: الاعتكاف عبادة مستحبة ولا تجب إلا بالنذر، ولا تجب بمجرد النية فمن نوى أن يعتكف وعزم على ذلك ثم تركه فلا حرج عليه؛ لأنه تطوع غير لازم للذمة حتى لو دخل معتكفه وبقي فيه مدته ثم قطع اعتكافه فلا شيء عليه؛ لأنه لم يترك واجبا، ومع ذلك فإنه يكره قطعه بعد التلبس به وبعد العزم عليه حتى لا يترك عملا صالحا قد نواه بلا عذر فيفوت عليه عمل صالح، وأما النية فمحلها القلب والتلفظ بها بدعة إلا في نسك الحج والعمرة وذلك لأن النية هي قصد الشيء بالقلب والعزم عليه، وهو ملازم للإنسان في كل حال ولا يمكن أن يعمل عملا بلا نية بل العمل بلا نية من تكليف ما لا يطاق وإنما الكلام في صلاح النية وفسادها والله أعلم.
" حكم خروج المعتكف للمستوصف أو المستشفى " :
س5: إذا دخل رجل المسجد للاعتكاف ثم مرض هل يخرج للمستوصف أو المستشفى؟ وهل يكمل الاعتكاف؟ ولو أن هذا الرجل لا يستطيع إكمال الاعتكاف فما الحكم؟(1/8)
جـ 5: لا يلزم إكمال الاعتكاف إذا لم يكن واجبا بالنذر بل له تركه وإن كان الترك والإلغاء مكروها بلا عذر، فإن كان واجبا بالنذر وجب الوفاء به لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " من نذر أن يطيع الله فليطعه " ومتى مرض المعتكف فله الخروج للعلاج في المستشفى ونحوه، ولو كان الاعتكاف واجبا فإن المرض عذر في قطعه فمن لم يستطع إكماله سقط عنه إن كان تطوعا ولزمه قضاؤه بعد زوال العذر إن كان منذورا، ويستحب في التطوع إكماله بعد زوال المرض، فلو اعتكف العشر الأواخر من رمضان ثم مرض في اليوم الرابع منها فخرج وبقي في المستشفى يومين ثم عوفي وزال مرضه فإنه يرجع ويكمل بقية العشر ولا يلزمه قضاء اليومين الذين مرض فيهما والله أعلم.
" حكم خروج المعتكف لأمر ضروري " :
س 6: لو دعي المعتكف لأمر ضروري في المنزل هل يخرج ؟ أم ماذا يفعل؟ ولو خرج هل يعيد من جديد أم يكمل فقط؟
جـ 6: إذا كان الاعتكاف تطوعا فله قطعه متى شاء مع الكراهة، وإن كان واجبا بالنذر وجب الوفاء به ولا ينقطع التطوع بالخروج إلى المنزل لحاجة الإنسان أو لطهارة أو إحضار أكل أو شرب إن لم يجد من يحضره، وكذا لو دعي لأمر ضروري في المنزل فله الخروج لذلك ثم يعود بعده إلى معتكفه ويكمل ما بقي ولا يلزمه استئناف المدة من أولها إلا إن كان الاعتكاف واجبا بالنذر فإنه يقضي ما تركه لأمر ضروري ونحوه.
" كيفية الاشتراط في الاعتكاف " :
س 7: ما هي كيفية الاشتراط في الاعتكاف ؟ وما حكم لو أن المعتكف احتلم أو تطيب أو أكل أو شرب في المسجد ؟
جـ 7: الاشتراط أن يشترط عند العزم على الاعتكاف تمكنه من الخروج متى أراد، وهذا الشرط ينافي أصل الاعتكاف فلا يجوز، واختلفوا فيما إذا شرط أن يعود المريض ويتبع الجنازة قال الخرقي في المختصر: ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة إلا أن يشترط.(1/9)
قال الزركشي أما مع عدم الشرط فلا يفعل ذلك على المشهور من الروايتين والمجزوم به عند الأصحاب لما تقدم من حديث عائشة -رضي الله عنها-. السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة؛ ولأن عيادة المريض مستحبة فلا يترك لها واجبا؛ والراوية الثانية: له ذلك كما له الوضوء وعن علي -رضى الله عنه- إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله ليأمرهم بالحاجة وهو قائم رواه الإمام أحمد وأما مع الاشتراط فيجوز بلا ريب لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- : " المسلمون على شروطهم " ولأن مع الشرط المنذور اعتكافه حقيقة ما عدا هذه الشروط. ا. هـ.
وكلامه في الاعتكاف المنذور أي يصح أن يشترط فيه الخروج للعبادة واتباع الجنازة والخروج للحاجة، فأما غير الواجب فيجوز بلا شرط لكن المستحب تركه. وإذا احتلم المعتكف خرج للاغتسال في أقرب مكان ولا يغتسل داخل المسجد، وأما الطيب والأكل والشرب في المسجد فيجوز للحاجة، ويستحب أن يتخذ له حجرة يعتزل فيها داخل المسجد كخباء أو بناء متميز ينام فيه ويأكل ويشرب فيه، ويتوضأ داخله إن كان فيه متوضأ خاص به والله أعلم.
" الاعتكاف سنة وتطوع " :
س 8: هل من اعتكف مرة واحدة يستمر على ذلك كل سنة ؟ وهل يشترط أثناء الاعتكاف والصيام؟
جـ 8: الاعتكاف سنة وتطوع ولا يلزم فعله ومن اعتكف مرة فله الخيار. أن يستمر عليه دائما أو يتركه متى شاء، أو يفعل بعضه أي يوما أو يومين، والأفضل اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت : " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده " متفق عليه وعن أنس -رضي الله عنه- قال:
" كان رسول الله صلى عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاما فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين " رواه أحمد والترمذي وصححه .(1/10)
قال الزركشي في شرحه على الخرقي : يجوز الاعتكاف بلا صوم على المشهور من الروايتين والمختار للأصحاب لحديث عمر المتقدم أي أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فأوف بنذرك "متفق عليه .
قال وفيه نظر لأن في رواية في الصحيح : " أن أعتكف يوما " دل على أنه أطلق الليلة وأراد بها اليوم إذ الواقعة واحدة، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه " رواه الدارقطني والحاكم وصححه .
والراجح أنه موقوف ولأنها عبادة تصح بالليل فلا يشترط لها الصوم كالصلاة (والثانية) لا يجوز إلا بصوم لما روي عن عائشة -رضى الله عنها- قالت : " السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع " رواه أبو داود ويجاب عنه إن صح بنفي الكمال جمعا بين الأدلة. ا. هـ.
والرواية الأولى هي المعمول بها فيصح الاعتكاف ليلة ويصح نصف نهار بلا صوم وحيث إن في المسألة خلافا فالأولى بالمسلم أن يحاول الخروج من الخلاف فلا يعتكف إلا مع الصوم سواء في رمضان أو في غيره إلا إن اعتكف ليلا لأنه ليس محلا للصوم والله أعلم.
" هل يبطل الاعتكاف إغماء أو صرع ؟ " :
س 9: إذا حدث للمعتكف وهو في المسجد إغماء أو صرع هل يبطل اعتكافه؟ وماذا عليه إذا حصل ذلك ؟(1/11)
جـ 9: يجوز والحال هذه أن يخرج للعلاج كالمريض فإن أفاق من الإغماء رجع إلى معتكفه فإن استمر معه إلى نهاية المدة التي نوى اعتكافها ذهب وقته فلا يرجع كما لو حدث معه الإغماء في اليوم الثالث من العشر الأواخر من رمضان التي نوى اعتكافها؛ فإنه يخرج من المسجد لأن الإغماء ينافي العبادة ويحتاج إلى من يرافقه، وقد يخرج منه حدث في المسجد فلا بد من إخراجه، فإن أفاق في بقية العشر رجع لإكمال ما بقي وإلا فات وقته.
وأما الصرع فإنه جنون يغطي العقل أو يحصل لصاحبه سقوط وإغماء مستمر أو في وقت بعد وقت فإن كانت مدته قليلة فلا بأس ببقائه في معتكفه لقرب إفاقته، وإن كانت المدة طويلة فالأولى خروجه إما للعلاج إن رجي زواله بالعلاج، وإما بالراحة أو يبقى في منزله وعند أهله حتى يزول السبب والله أعلم.
" حكم النذر بالاعتكاف " :
س 10: إذا نذر رجل الاعتكاف لعشرة أيام غير محددة ولم يستطع ذلك فما الحكم؟ ولو حصل نذر ثم توفي فهل يجب الوفاء بنذره على الورثة؟ وما حكم لو أن هذا النذر لم يعلمه الورثة بحيث إنه نذر أن يعتكف ومات ولم يتمكن من إخبار أهله بذلك ؟
جـ 10: من نذر الاعتكاف وجب عليه الوفاء بنذره، فإن قال عشرة أيام ولم يحددها جاز اعتكاف عشرة أيام من أي شهر، فإن نوى أنها متوالية فعلها على الولاء، فإن أطلق جاز تفريقها والفصل بينها بترك الاعتكاف، فإن نذر اعتكاف أسبوع فلا بد من الموالاة، فإن عجز عن الاعتكاف أو عن بعضه ففيه خلاف. قال الخرقي في باب النذور: ومن نذر أن يصوم وهو شيخ كبير لا يطيق الصيام كفر كفارة يمين... إلخ.
قال الزركشي هذا المذهب المنصوص ثم احتج بحديث أخت عقبة التي نذرت أن تحج حافية ماشية وفيه " فلتحج راكبة ولتكفر عن يمينها " وبحديث ابن عباس وفيه: " ومن نذر ولم يطق فكفارته كفارة يمين" رواه أبو داود ثم قال: وقيل إن هذا النذر غير منعقد أصلا لأنه تكليف ما لا يطيق وهو غير جائز شرعا أ. هـ.(1/12)
أما إذا توفي قبل الوفاء بنذره فقد روى سعيد بن منصور في سننه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سأل ابن عباس عن نذر كان على أمه من اعتكاف قال: " صم عنها واعتكف عنها ".
ثم روي عن عامر بن مصعب أن عائشة -رضي الله عنها- اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن -رضي الله عنه- بعد ما مات.
قال الزركشي في آخر باب النذور: لنا قول آخر ضعيف أنه لا يقول شيئا من ذلك... أ.هـ. أي لا يقضي الوارث عن الميت شيئا من العبادات البدنية وهو قول مخالف للأحاديث الصحيحة ثم قال الزركشي وأحمد -رحمه الله- قال في من مات وعليه اعتكاف: ينبغي لأهله أن يعتكفوا عنه، وهو شامل للوارث وغير الوارث أ. هـ.
أما إن لم يعلم ورثته بالنذر فإنهم لا يفعلون الاعتكاف عنه لأنهم لا يعتقدون أن عليه نذر عبادة فلا يلزمهم اعتكاف، لكن إن تطوع بعضهم بعبادة كحج أو عمرة أو صدقة ونوى ذلك لميته فذلك جائز مشروع.
" أيهما أفضل ولايته على أهل بيته أم الاعتكاف في المسجد " :
س 11: إذا أراد الاعتكاف ولكنه هو ولي بيته ولا يوجد غيره فأيهما أفضل ولايته على أهل بيته أم الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان؟
جـ 11: نختار قيامه بواجب أهله وقضاء حوائجهم وإقامته معهم كمحرم ومؤنس يحميهم ويحفظ عليهم منزلهم وأنفسهم أو يكتسب لهم ما يقوتهم، فإن باعتكافه وتركهم بلا ولي يتعرضون للصوص والمفسدين، أو تتعطل حوائجهم أو يتكلفون في إحضار أغراضهم من الأسواق، أو يكلفون غيرهم بشراء ما هم بحاجته وفي ذلك منة عليهم قد لا يتحملونها وقد روى مسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " فيدخل فيه عدم الإنفاق عليهم وإهمالهم بلا كسب مع القدرة فإن وجد من يتولى حوائجهم من أقاربه ويحفظهم ويحفظ لهم ما يتطلبونه جاز الاعتكاف بل هو مستحب لعدم ما يشغله عنه.
" إذا نذر أن يعتكف في المسجد الحرام فهل يجزئ غيرهما من المساجد ؟ " :(1/13)
س 12: إذا نذر أن يعتكف يوما واحدا في المسجد الحرام أو المسجد النبوي فهل يجزئ غيرهما من المساجد أرجو بيان ذلك؟ وهل ورد فضل الاعتكاف في المسجد الحرام عن غيره؟
جـ 12: أفضل المساجد على الإطلاق هو المسجد الحرام الذي حول الكعبة ويختص الفضل بالمسجد المحيط بالبيت ويدخل فيه الزيادات والتوسعات التي ألحقت به، ولا تلحق به مساجد مكة الأخرى، كما أن المسجد النبوي لا يعم فضله بقية مساجد المدينة ولأن الحديث ورد بإفراد المساجد وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " وقد قال تعالى: ? وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي ?[سورة الحج :25 ] وهذا خاص بالمسجد الموجود وقت نزول الآية، ولما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة زمن الفتح قال: من دخل المسجد فهو آمن فقال أبو سفيان وما يغني المسجد أي لا يسع أهل مكة
وقد قال تعالى: ? سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ?[سورة الْإِسْرَاء: 1 ]وذلك أنه قبل الإسراء مروا به على المسجد فغسل قلبه من ماء زمزم، وأما قوله تعالى: ? فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ?[سورة التوبة:28 ] فإنه منعهم من القرب فاحتاط العلماء، فمنعوهم مكة كلها حتى لا يقربوا من حدود الحرم حيث لم يقل فلا يدخلوه.
فعلى هذا من نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لم يجزئه في غيره من المساجد؛ لأنه ورد فضل الصلاة فيه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :(1/14)
" صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وروى مسلم عن عبد الله بن عمر نحوه مرفوعا وعن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا " رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح .
وفي الباب أحاديث كثيرة كما في مجمع الزوائد، ومن نذر الاعتكاف في المسجد النبوي أجزأه في المسجد الحرام لأنه أفضل منه، ومن نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى أجزأ في المسجد الحرام وفي المسجد النبوي لأنهما أفضل منه، وحيث ورد جواز شد الرحال إليها وفضل الصلاة فيها فإنه يدل على فضل الاعتكاف فيها وإن عين الأفضل لم يجزئه فيما دونه، فإذا عين المسجد الحرام لم يجزئه في غيره وإن عين النبوي لم يجزئه في الأقصى والله أعلم.
" هل للمعتكف الجلوس والمحادثة مع الزوار ؟ " :
س 13: إذا دخل صديق عزيز وهو من مكان بعيد هل للمعتكف الجلوس معه والمحادثة ولو طالت؟
جـ 13: لا بأس بالحديث مع الزائر والأنس به فقد ثبت في الصحيح " أن صفية أم المؤمنين زارت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو معتكف وتحدثت معه ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى الله محليه وسلم معها يقلبها... " إلخ.
وفي رواية: " كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد وعنده أزواجه فرحن فقال لصفية لا تعجلي حتى أنصرف معك " كان بيتها في دار أسامة قال الحافظ في شرحه: وفي الحديث من الفوائد جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة وزيارة المرأة للمعتكف أ. هـ.(1/15)
ولا شك أن هذه الزيارة للمصلحة ولا تنافي خلوة المعتكف للعبادة، وأما التوسع مع الزوار وجعل الموضع الذي خصه للخلوة متحدثا دائما مع الزوار بحيث يقطع أكثر الوقت معهم فهذا ينافي مقصد الاعتكاف الذي هو التفرغ للعبادة وقطع العلائق عن الخلائق، فالذي يفتح المجال لكل أحد وينبسط معهم في الكلام ويخوض في أمور الدنيا والشهوات وربما التطرق إلى العورات، والخوض مع العامة في القصص والحكايات من فعل ذلك فقد فعل ما ينافي عمله الذي تفرغ لأجله وهو العبادة الكاملة التي يحصل من آثارها إقبال القلب على الله تعالى ومعرفته والاشتغال بذكره وشكره وحسن عبادته.
" حكم جمع التبرعات لتحضير الأكل للمعتكفين " :
س 14: هل يجوز جمع التبرعات وصرفها في تحضير الأكل والشرب للمعتكفين ؟
جـ 14: المعتاد أن المعتكف ينقطع عن ذكر الشهوات والمآكل والمشارب ويقتصر على العلقة من الطعام التي تقيم صلبه، فإن كثرة الأكل والتنوع في تناول المطعومات قد تقسي القلب وقد ورد الحديث الصحيح بقوله -صلى الله عليه وسلم- : " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه " وورد في بعض الآثار: لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فتناموا كثيرا فتحرموا كثيرا، والمعتاد أن المعتكف ينكف عن الناس ويأتيه أهله بأكله وشربه، لكن إن وجد في بعض المساجد من المعتكفين من هم فقراء معوزون وقد انقطعوا عن التكسب بالاعتكاف جاز أكلهم مما يقدم في المساجد من التبرعات للصائمين، وإن لم يوجد تبرعات وتضرر المعتكف بالجوع جاز لأهل المسجد جمع المال والصدقات وصرفها في أطعمة لمن يحتاجها من المعتكفين وغيرهم ممن يأكل في المساجد من ذوي الحاجات.
" حكم استعمال التليفون للمعتكف " :(1/16)
س 15: بعض المعتكفين يكثر منهم الخروج إلى كبائن الهاتف والسؤال عن أهلهم وخاصة ممن يعتكف في المسجد الحرام فما توجيهكم في هذا؟ وما حكم إدخال تليفون الجوال في المسجد للمعتكف للاطمئنان على الأهل أو الرد على من يريده؟
جـ 15: لا أرى مانعا من الاتصال الهاتفي بالأهل إن كانوا بعيدين، فإن القادمين إلى مكة من داخل المملكة وخارجها قد جاءوا إلى المسجد الحرام للعبادة ومنها الاعتكاف، ومع ذلك فقد يهتم أحدهم بأهله البعيدين ويحب الاطمئنان على صحتهم وأخبارهم وما جرى بعده لديهم، وقد لا يتأتى له معرفة ذلك إلا بالمكالمات الهاتفية التي يسرها الله تعالى في هذه الأزمنة حتى قرب البعيد وتمكن الإنسان من مخاطبة من في أقصى الأرض كمن إلى جانبه، فعلى هذا لا بأس أن يخرج من معتكفه وقتا قصيرا فيتصل بأهله أو بأحبابه من الهواتف التي في الشوارع والطرق ثم الرجوع إلى معتكفه كما أن له إدخال الهاتف الجوال الذي ينقل من مكان إلى مكان ويتكلم فيه بدون أسلاك ولكن لا يكثر من استعماله ولا من التلقي به مما يشغله عن مقصد الاعتكاف ومتى أدخله في المسجد فإنه يقفله إلا عند الحاجة الشديدة والله أعلم.
" حكم خروج المعتكف لغسل ثيابه " :
س 16: ما حكم خروج المعتكف لغسل ثيابه أو إيصالها إلى المغسلة حيث لا يوجد من يقوم بهذه المهمة إلا هو؟
جـ 16: قال الخرقي ولا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان، وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان " قال الزركشي وحاجة الإنسان البول والغائط، وفي معنى ذلك الاغتسال من الجنابة والوضوء وكذلك الأكل والشرب إن لم يكن له من يناوله ذلك، وإذا خرج للبول والغائط وثم سقاية أقرب من منزله ولا ضرر عليه في دخولها لزمه ذلك وإذا خرج مشى على المعتاد من غير عجلة ولا توان لا لأكل ولا لغيره أ. هـ.(1/17)
ومعلوم أن غسل الثياب وتنظيفها من الحاجات اللازمة فلا بأس أن يخرج لغسلها أو إيصالها إلى مغسلة عند الحاجة.
" هل الغيبة والنميمة تبطل الاعتكاف؟ " :
س 17: هل الغيبة والنميمة تبطل الاعتكاف؟ وما هي مبطلاته؟
جـ 17: تحرم الغيبة والنميمة على المعتكف وغيره فقد قال تعالى:? وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ?[سورة الحجرات: 12 ] وقال: ? هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ?[سورة القلم:11 ] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدخل الجنة نمام وفسر الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره، وإذا كانت محرمة مطلقا فتحريمها على المعتكف أولى وأشد تحريما، وذلك لأنه مشتغل بالعبادة ومتفرغ لها، فالغيبة والقيل والقال والكلام المحرم وما لا فائدة فيه كل ذلك ينافي وصف التفرغ للعبادة، ومع ذلك لا يبطل به الاعتكاف كما لا يبطل به الصيام مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " وحديث إنما الصيام من اللغو والرفث وذلك لأن العبادة إنما تبطل بما نهي عنه فيها أي بما ينافيها ويخالف ما شرعت له وقد ذكروا من مبطلات الاعتكاف الجماع لقول الله تعالى:
? وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ?[ سورة البقرة: 187 ] فمن جامع بما يوجب الغسل فقد بطل اعتكافه، ويبطل الاعتكاف أيضا بالخروج الطويل لغير حاجة لأنه ينافي الاعتكاف، ولا يبطل بالكلام العادي ولا بالخوض في الدنيا، وإن كان ذلك مكروها في المسجد وفي الاعتكاف أشد كراهة.
" شهادة المعتكف في المحكمة " :
س 18: إذا طلب من المعتكف شهادة حضور في المحكمة الشرعية هل يخرج أم ماذا يفعل؟
جـ 18: قال ابن قدامة في المغني: ولنا أنه لو خرج لواجب لم يبطل اعتكافه كالمعتدة تخرج لقضاء العدة، وكالخروج لإنقاذ غريق، وإطفاء حريق أو أداء شهادة تعين عليه أ. هـ.(1/18)
فعلى هذا لا يخرج إن أمكن تأجيل القضية حتى تنتهي مدة اعتكافه فإن لم يمكن تأجيلها ولم يوجد من يشهد غيره جاز له الخروج حتى إذا أداها رجع إلى معتكفه مباشرة بدون تأجيل والله أعلم.
" اعتكاف طلاب العلم " :
س 19: إذا كان هذا المعتكف من طلاب العلم فهل يقضي وقته في الدروس العلمية أم التفرغ للعبادة؟
جـ 19: معلوم أن الاعتكاف شرع للتفرغ للعبادة والبعد عما يشغل عنها كالذكر والدعاء والصلاة والقراءة والخشوع والتفرغ الذي يصفي القلب وينقي الفكر ولكن إن قرأ في بعض الكتب الوعظية جاز ذلك لأنها ترقق القلب وتؤثر في البدن بالانحسار والخضوع والإخبات والإنابة والاندفاع في العبادات والتحفظ عن الآثام وأنوع الإجرام فأما القراءة في كتب الأحكام والآداب والأدلة والخلاف فلا يقرأ فيها إلا إن احتاج إلى معرفة حكم عارض هو بحاجة إليه مما له تعلق بحالته أو بمسألة عرضت له، فأما قضاء الوقت في الدروس العلمية العادية فالأفضل تركها والتفرغ للعبادة التي اعتكف لأجلها والله أعلم.
" أخطاء من المعتكفين " :
س 20: هناك أخطاء من المعتكفين نرجو ذكر بعضها؟(1/19)
جـ 20: على المعتكف أن يعرف الحكمة التي لأجلها شرع الاعتكاف فيسعى في تحقيقها، ثم يعرف أن ما خالف ذلك فهو من الأخطاء (مثل) كثرة الخروج لغير حاجة فإن المعتكف يلازم معتكفه فلا يخرج إلا لضرورة، و (مثل) كثرة التحدث مع الناس والانبساط معهم في الكلام العادي وفي أمور الدنيا والقيل والقال، وذكر الأشخاص والأفراد مما ينافي مقصد الاعتكاف ويشغل الوقت عن القراءة والعبادة، و (مثل) فتح المجال للزوار من الرفقاء والأصحاب الذين يطلبون السلام على المعتكف ثم يتوسعون معه وينبسطون في الضحك والقهقهة والاستطراد في الكلام مما يضيع به الوقت ويصبح المسجد متحدثا بدل ما هو منزل عبادة وموضع طاعة وقربة، و (مثل) اتخاذ المعتكف محل راحة واستجمام وطول نوم وغفلة وسهو ولهو، فترى الكثير من المعتكفين عاطلا مضيعا لوقته في ما لا عبادة فيه فينام أكثر الوقت وقد لا يقوم القيام كله مع الإمام أو منفردا وإن قام معه في التهجد فمع وسوسة وغفلة لا تفيد المصلي والله أعلم.
" حكم إدخال الطعام إلى المسجد الحرام " :
س21: البعض يصر على إدخال الطعام والشراب في المسجد الحرام وهو معتكف علما بأن الرئاسة العامة لشؤون الحرمين تمنع ذلك فهل يأثم وينقص من أجره؟ وما نصيحتكم في هذا الأمر؟(1/20)
جـ 21: يستحب أن يتخذ المعتكف له زاوية أو حجرة أو صفة سواء في المسجد الحرام أو في غيره من المساجد، وله حينئذ أن يجلب فيها الطعام والشراب والأكل فيها مع إغلاق بابها عند تناول الطعام أو إصلاحه للأكل، لكن في المسجد الحرام وكذا في غيره قد لا يتيسر لكل من أراد الاعتكاف وجود حجرة يحتجرها للنوم والأكل فيختار زاوية يجلس فيها فإن سمح له بفراش ينام عليه وإلا فله افتراش عمامته أو الاكتفاء بفرش المسجد لاتخاذها غطاء ووسادة، وأما الأكل فقد ذكر العلماء أنه يجوز له إدخال الطعام إلى محل معتكفه وأكل حاجته منه لكن الكثير من الناس يأنفون من الأكل أمام الناس فلذلك يخرجون إلى المطاعم والفنادق أو بيوتهم المجاورة للمسجد، وإذا سمح بإدخال الطعام في المسجد الحرام جاز الأكل مع التحفظ عن تقزيز المصلى وإبقاء شيء من الفضلات التي تلوث منظر المصلى، وحيث إنه قد سمح في المسجد الحرام بإدخال طعام الفطور كالتمر والشراب للقهوة ونحوها فإنه قد يكتفي بالتمر الذي يقدر على إدخاله وله الخروج للأكل في منزله أو في التوسعات الخارجية ولا يجوز مخالفة التعليمات من قبل الرئاسة فإن عصى ودخل بشيء مما هو ممنوع فهو آثم وعليه التوبة والاستغفار والله أعلم.
" حكم إخراج المعتكف من مكان اعتكافه " :
س22: لو أخرج المعتكف من مكان اعتكافه فما الحكم؟ ولو حصل هدم للمسجد فهل ينتقل إلى غيره؟
جـ 22: إذا طرد المعتكف من الموضع الذي احتجره فعليه الانتقال إلى جهة أخرى، ولا يجوز منع المعتكف في أي مسجد من مكان يجلس فيه وينام فيه فإن الاعتكاف عبادة، فمن اختار مسجدا للاعتكاف فيه لم يجز إخراجه منه بلا سبب ظاهر منه، فإن كان هناك سبب فطرد من هذا المسجد جاز انتقاله إلى مسجد آخر ولا يبطل اعتكافه مع وجود مسجد آخر ينتقل إليه، وكذا لو انهدم المسجد الذي اعتكف فيه فإنه يتحول إلى أقرب مسجد يختاره ويناسبه والله أعلم.
" هل الأفضل البقاء في العمل أم الاعتكاف ؟ " :(1/21)
س 23: البعض يأخذ إجازة عند بداية العشر الأواخر من رمضان ثم يعتكف في المسجد الحرام فهل الأفضل بقاؤه في عمله إن كان إمام مسجد أو غيره من الوظائف الحكومية؟
جـ 23: لا يجوز إضاعة عمله الحكومي الذي يتقاضى عليه مرتبا، لكن إن كان مستحقا للإجازة الرسمية أو الاضطرارية ووجد من يقوم بعمله تمام القيام كعمل الأذان والخطابة والإمامة فلا بأس بسفره وأخذه لهذه الإجازة لأنها من حقوق كل موظف، وأفضل ما صرفت فيه زيارة الحرمين الشريفين والتعبد هناك سيما إذا كان في رمضان فإن أفضل ما صرفت فيه هذه الإجازة في العمل الصالح كالعمرة والتعبد والتفرغ للطاعة في موضع تضاعف فيه الحسنات وتقال فيه العثرات، فيغتنم الوقت المناسب ويشغله بعبادة يرجى مضاعفتها والله أعلم.
" حكم الكذب في طلب الإجازة " :
س 24: إذا أخذ المعتكف إجازة لكنه كذب على مديره ولم يخبره بها فما الحكم؟
جـ 24: الإجازة العادية حق لموظفي الدولة عموما متى طلبها أحدهم استحق أن يمنح قدر ماله من الإجازات الدورية، سواء سافر للتمتع بها إلى العمرة أو اعتكف فيها أو سافر إلى بلده ولو كانت خارج المملكة أو أقام في بلده بدون عمل ولا شك أن شغلها بالاعتكاف والعمرة والتفرغ للصيام والقرآن وطلب العلم أفضل ما صرفت فيه سواء أخبر رئيسه ومديره بذلك أم لا.
أما الإجازة الاضطرارية فهي أن كل موظف يستحق عشرة أيام في كل سنة يمنحها عند الحاجة العارضة فإن لم يطلبها ذهبت عليه وله صرفها في العمرة وفي الاعتكاف وفي بحث علمي، وفي سفر لصلة رحم أو عيادة مريض أو زيارة عالم أو صديق، ومع ذلك يفضل أن لا يطلب إلا لغرض صحيح مفيد في الدين أو الدنيا، ولا يحق له الكذب على مديره أو رئيسه بل يخبره بحاجته الحاضرة ولا يباح الكذب في مثل هذا والعادة أن يستحقها ولو جلس للراحة أو الاستجمام والله أعلم.
" الاعتكاف قربة والأفضل ألا يطلع عليه إلا الله " :(1/22)
س 25: إذا اعتكف أحد من الناس في المسجد الحرام أو غيره هل يبين ذلك للناس ؟ لو سئل هل يقول نعم؟ أم يخفي هذا الفعل حتى لا يكون فيه رياء أو سمعة ؟
جـ 25: الاعتكاف عمل مبرور وقربة إلى الله تعالى والأفضل أن تكون بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله فإن أمكن ذلك فهو أفضل وأقرب إلى الإخلاص وأبعد عن ما يبطل العمل أو ينقص ثوابه من الرياء والعجب والتمدح بالعمل وتزكية النفس فيدخل المعتكف المسجد الحرام أو غيره من المساجد ويشغل وقته بالعبادة ويقبل على ربه ولا يتعرض لأحد ولا يختلط بالعامة وفي هذه الحال لا يتفطن له أحد بل يكون خامل الذكر غامضا في الناس فلا يسأله أحد ولا يعرف الناس أنه معتكف، وإنما يعرف ذلك أهله وخواصه لكن إن احتاج إلى إخبار الناس بذلك، كما لو حاول بعضهم طرده أو منعه من النوم في المسجد أو الأكل فيه للحاجة فله الإخبار بقدر الحاجة، وكذا لو طلب من خادم المسجد تحجر زاوية أو غرفة موجودة فارغة واحتاج إلى الإخبار بعمله فيها دون أن يتمدح بعمله جاز ذلك.
" حكم تكرار خروج المعتكف " :
س 26: إذا كان مدرسا وأراد الاعتكاف ولكن اشترط الخروج من الصباح حتى نهاية الدوام فهل يصح اعتكافه؟(1/23)
جـ 26: الاعتكاف هو ملازمة المعتكف موضعا في المسجد يخلو فيه للعبادة ولا يتجاوزه إلا لحاجة فالمدرس والموظف الذي يتكرر خروجه إلى مقر عمله لا يسمى معتكفا لأنه ولا بد سوف يخالط زملاءه ولا بد أن يتكلم معهم ويتمادى في الكلام المباح أو في أمور الدنيا وأيضا خروجه من معتكفه وطول غيبته أكثر من نصف النهار تصيره غير معتكف إذا قلنا إن أقل الاعتكاف يوم وليلة، أما إن قيل أقله ليلة فله أن يعتكف في الليل أي إذا أقبل الليل دخله فإذا طلعت الشمس خرج لعمله بعد أن أنهى مدة اعتكافه لكن تكرر دخوله وخروجه يخرجه عن نية الاعتكاف واسمه، ويمكن أن يعتكف في إجازة الأسبوع وهى الخميس والجمعة إلى صباح السبت وما تيسر له معها فيحصل على مسمى الاعتكاف.
" مكان الاعتكاف في المساجد " :
س 27: هل يشترط مكان خاص للاعتكاف في المساجد؟ ولو اعتكف في غرفة خارجة عن المسجد فهل يصح اعتكافه؟
جـ 27: يشترط أن يعتكف في المسجد الذي تقام فيه صلاة الجماعة ويدخل فيه ملحقاته كالغرف الداخلة تبعا له وتكون أبوابها في داخل المسجد ولو فتح لها بابا إلى خارجه لم يضر، ويجوز أن يخصص له زاوية من المسجد يجعل فيها فراشه ونومه ومحل إقامته، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحتجر جهة من المسجد، وكانت زوجته تبني لها قبة في أحد جوانبه تنفرد فيها وتتفرغ للعبادة وإن لم يتخذ حاجزا أو غرفة بل بقي في المسجد يتنقل في جهاته كيف شاء جاز ذلك.
" نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى " :
س 28: من نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى ماذا يفعل؟ وما نصيحتكم بإطلاق كثير من الناس في النذر؟(1/24)
جـ 28: من نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى جاز له الاعتكاف في المسجد النبوي أو في المسجد الحرام لأنهما أفضل منه فحصول الأجر في الفاضل أولى بالتقديم، وقد روى أبو داود والدارمي عن جابر -رضى الله عنه- أن رجلا قال يوم الفتح : " يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين قال: صل ها هنا ثم أعاد عليه، فقال: صل ها هنا ثم أعاد عليه فقال: شأنك إذن".
وروى أحمد وأبو داود عن رجال من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح ثم قال: " يا نبي الله إني نذرت لئن فتح الله للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين مكة لأصلين في بيت المقدس فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ها هنا فصل " الحديث. وفيه: " اذهب فصل فيه فوالذي بعث محمدا بالحق لو صليت ها هنا لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس " .
ونصيحتنا للمسلم أن لا يكثر النذر ولو للعبادة وذلك أن الإنسان لا يدري ما يعرض له، وقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن النذر وقال: " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " يعني أنه لا يغير شيئا مقدرا فمن أراد عبادة فإنه يفعلها بدون نذر ويحصل له الأجر.
" وقت خروج المعتكف " :
س 29: إذا حصل في الشهر زيادة أو نقص، فخرج من معتكفه وتبين أن الشهر ناقص فماذا يفعل؟
جـ 29: من أراد الاعتكاف العشر الأواخر فإنه يدخل معتكفه ليلة إحدى وعشرين ويخرج في صبح يوم العيد سواء اعتكف عشر ليال أو إحدى عشرة ليلة بما في ذلك ليلة العيد، فإن كان الشهر كاملا اعتكف عشرة أيام وإن كان ناقصا اعتكف تسعة أيام ولو كان قد نذر أن يعتكف العشر الأواخر أجزأه ما بعد يوم العشرين حيث يعتكف عشر ليال آخرها ليلة العيد ويخرج إلى المصلى بثياب اعتكافه لما عليها من أثر العبادة والله أعلم.
" الاعتكاف في غير رمضان " :(1/25)
س 30: ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف في غير رمضان ؟
جـ 30: نعم ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- : " اعتكف العشر الأول من شوال لما عزم على الاعتكاف وضرب له خباء ثم إن نساءه ضربن لهن أخبية فلما صلى الصبح ورأى أربعة أخبية علم أنه من باب المنافسة فترك الاعتكاف في رمضان ثم اعتكف عشرا من شوال " متفق عليه عن عائشة وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يحب المداومة على العمل الصالح فلما ترك الاعتكاف في رمضان أحب أن لا يفوته في ذلك العام فتدارك ذلك في شوال، وهو دليل على أن الاعتكاف لا يختص برمضان لأن فيه التفرغ للعبادة وهو جائز في جميع الأوقات وقد قال الله تعالى: ? أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ? فكما أن الطواف يصح في كل زمان فكذا الاعتكاف الذي جمع معه في هذه الآية، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- : " إني نذرت أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فقال: أوف بنذرك " ولم يحدد له وقتا من السنة للوفاء بهذا النذر فدل على جواز ذلك مطلقا.
" هل تسقط السنن الرواتب عن المعتكف ؟ " :
س 31: من جاء للاعتكاف في المسجد الحرام فهل تسقط عنه السنن الرواتب وما نصيحتكم لمن يعتقد بسنة قبلية قبل أداء صلاة الجمعة ؟
جـ 31: لا تسقط عنه السنن الرواتب بل يستحب له الإكثار من نوافل الصلوات قبل الفرائض وبعدها، وصلاة التهجد والتراويح وقيام الليل وصلاة الضحى والإكثار من الطواف وصلاة الركعتين بعد الطواف ونحو ذلك، حيث إن الاعتكاف تفرغ للعبادة وأفضل العبادات الصلاة فرضها ونفلها ولو أن المعتكف من غير أهل مكة حيث إن المعتكف قد لزم الحرم وعزم على الإقامة فيه فيعتبر مقيما ولا يصدق عليه اسم المسافر.(1/26)
وأما صلاة الجمعة فيستحب أن يصلى قبلها ما تيسر له ولو كثيرا وقد روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من الخطبة ثم صلى معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام " فدل على أنه لا حد للصلاة قبلها بل يصلي ما قدر له ولو عشر ركعات أو عشرين لأن الوقت وقت صلاة والمكان له فضله والصلاة خير من القعود بدون عمل والله أعلم.
" هل يعتكف في عمارة وفيها مصلى ؟ " :
س 32: إذا كانت هناك عمارة وفيها مصلى فهل يعتكف فيه وهل أجر الصلاة فيه مثل الصلاة في المساجد المعروفة ؟
جـ 32: من شرط الاعتكاف كونه في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة لقوله تعالى: ? وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ?[ سورة البقرة: 187 ] ولا شك أن المسجد هو البناية التي تتميز بالمحراب والمنارة والتي يكون لها أبواب مفتحة يقصدها الناس من كل جهة ويصلي فيها العامة والخاصة، فأما مساجد البيوت والعمارات التي تختص بأهل ذلك المنزل وتغلق دونها الأبواب، ولا يتمكن كل أحد من الوصول إليها والاعتكاف فيها فأرى أنه لا يسمى معتكفا من جلس فيها لأنه جلس في جانب من منزله بحيث يمر به كل وقت أولاده وزوجاته وأهل بيته، لكن قد يوجد مساجد كاملة البناء متميزة بمثل تميز المساجد العامة وتكون في داخل سور كبير يضم مساكن متعددة تقام فيها الصلوات كلها فيكون له حكم المسجد فيصح فيه الاعتكاف لانفراده وانفصاله عن المسكن كسائر المساجد.
" هل المعتكف في المسجد لطلب العلم يعتبر معتكفا ؟ " :
س 33: هل ينافي الاعتكاف أن يعتكف في المسجد لطلب العلم ؟(1/27)
جـ 33: الأصل أن الاعتكاف يقصد منه التفرغ للعبادة من الصلاة والذكر والفكر والدعاء والقراءة مع الانقطاع من الشواغل والملهيات والشهوات والتكسب وسائر ما تعلق بالدنيا، وقد يدخل في عمل المعتكف تعلمه العلم النافع بحيث يقرأ في كتب العلم التي تفيده زهدا وورعا ورغبة في الآخرة وتقللا من تناول المأكولات والمشروبات، وتفيده أيضا نظرا واعتبارا بقراءة أخبار الزهاد وأهل العبادة والورع وأهل المنافسة في الخيرات والإقبال على الأعمال الصالحة ولا بأس أيضا أن يستصحب كتبا يستفيد منها في الأحكام والحلال والحرام والعقائد وأمور التوحيد وما ينافيه والتحذير من البدع والمخالفات ليكون على حذر من الوقوع فيها سواء في هذه العبادة أو غيرها، ويجوز له أن يحضر الحلقات العلمية التي تقام في ذلك المسجد والمواعظ والمحاضرات المفيدة فإن ذلك من العبادة ولو كان فيها شيء من تعليم أمور الدنيا كالمعاملات والمكاسب المباحة التي تؤخذ أدلتها من الكتاب والسنة فهي لا تنافي مقاصد الاعتكاف.
" حكم من نذر أن يعتكف الأسبوع القادم " :
س 34: من قال: لله علي نذر أن أعتكف الأسبوع القادم فمتى تكون البداية والنهاية؟ وهل يلزم التتابع؟(1/28)
جـ 34: الأسبوع يبدأ من ليلة السبت وينتهي بنهاية نهار الجمعة فإن الأصل أن الليلة تتبع النهار الذي بعدها ولهذا يدخل شهر رمضان برؤية الهلال أول ليلة منه وتصلى التراويح تلك الليلة ولا تصلى ليلة عيد الفطر إذا رؤي الهلال مساء اليوم الأخير من رمضان، فمن نذر أسبوعا فإنه يدخل قبل غروب الشمس ليلة السبت وله الخروج بغروب الشمس يوم الجمعة، ويلزمه التتابع فإن الأسبوع اسم لما بين السبت إلى الجمعة فلا يجوز تفريقه، أما من نذر اعتكاف سبعة أيام فإن يجوز له التفريق حتى يكمل سبعة أيام ولو متفرقة، أما اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فالمستحب أن يدخل أول ليلة إحدى وعشرين ليستقبل العشر أول ليلة، ويستحب أن لا يخرج إلا صباح يوم العيد ويتوجه إلى المصلى بثياب اعتكافه لما عليها من أثر العبادة فإن أبدلها أو خرج ليلة العيد جاز له ذلك.
" حكم الاستثناء في الاعتكاف " :
س 35: ما حكم الاستثناء في الاعتكاف ؟
جـ 35: الاعتكاف من نوافل العبادة ولا يصل إلى الوجوب إلا بالنذر، فإذا اعتكف تطوعا جاز له أن يقطع اعتكافه ويخرج منه ولو كان قد نوى أياما معدودة، ودليل ذلك حديث عائشة : " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه إذا أخبية، خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب فقال: آلْبِرَّ تُرَونَ بهنَّ ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال " رواه البخاري فيجوز ترك الاعتكاف بدون اشتراط أو استثناء لأنه تطوع والمتطوع أمير نفسه كما قال بعض السلف، ويجوز له أن يستثني في النذر إن عرض له عارض أن يترك الاعتكاف ولا كفارة عليه ولا قضاء، ويجوز له أن يستتني الخروج لعيادة مريض أو اتباع جنازة إذا بدا له ذلك ويسمى هذا اشتراطا ودليله حديث : " المسلمون على شروطهم ".
" ما الحكم من جامع زوجته وهو معتكف ؟ " :
س 36: إذا جامع زوجته وهو معتكف فما الحكم؟ وما حكم لو اشترط ذلك؟(1/29)
جـ 36: يبطل اعتكافه بالجماع الذي يوجب الغسل لقوله تعالى: ? وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ?[ سورة البقرة: 187 ]وعبر بالمباشرة عن الوطء لأنه يطلق عليه مباشرة، ولا يبطل باللمس لغير شهوة لقول عائشة : "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصغي إلى رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض " رواه البخاري ولا يصح اشتراط الجماع في الاعتكاف لأنه محرم بالنص والإجماع فاشتراطه ينافي الاعتكاف المسنون فمتى حصل منه الوطء بطل اعتكافه وعليه استئنافه إن كان منذورا.
" قضاء حوائج الناس أفضل أم الاعتكاف ؟ " :
س 37: ورد في الحديث : " ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إلى من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرا " فيقول البعض: إن قضاء حوائج الناس أفضل عند الله من ثواب الاعتكاف في المسجد شهرا فما توجيه فضيلتكم في هذا؟
جـ 37: هذا الحديث رواه الطبراني في المعاجم الثلاثة عن ابن عمر وفي إسناده مسكين بن سراج وهو ضعيف، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: وهو من أحاديث فضائل الأعمال التي يتساهل في روايتها ففيه الترغيب في قضاء الحوائج إذا كان ذلك الأخ المسلم مضطرا إلى من يمشي معه لقضاء حاجته التي تتوقف على شفاعة أخيه المسلم، وذلك أن الله تعالى ربط الأخوة بين المسلمين وهذه الأخوة مقتضاها التناصر والتعاون والتعاضد بين المسلمين والتراحم والتعاطف بينهم وفي فضل ذلك أدلة كثيرة، ولكن لا يدل ذلك على ترك العبادات التي رغب الله فيها وأحبها كالاعتكاف والحج والعمرة والجهاد وطلب العلم ونحوها، فإنه يمكن القيام بقضاء الحاجات في وقت آخر ويمكن أن يتعاون المسلمون في العبادات وقضاء الحاجات.
" الأفضل اعتكاف العشر الأواخر " :
س 38: هل يجوز للمعتكف أن يعتكف اليوم الأول من العشر الأواخر من رمضان ثم مرة ثانية في الوسط منها ثم مرة ثالثة في آخرها؟(1/30)
جـ 38: السنة والأفضل اعتكاف العشر الأواخر من رمضان لقول عائشة رضى الله عنها: " كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى " وذلك لأنها مظنة ليلة القدر ففي التفرغ والحرص على قيامها والصلاة والقراءة فيها كلها يرجى قيامه لليلة القدر التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ولأن العشر هي أفضل ليالي الشهر وأيامه فالتفرغ فيها أحرى لمضاعفة الأجر، ومع ذلك يجوز أن يعتكف بعضها فمن اعتكف السبع الأواخر فله أجرها، ومن اعتكف الخمس الأواخر أو الثلاث الأواخر حصل على أجر ذلك، ومن اعتكف ليلة إحدى وعشرين فله أجرها فقد ذهب الشافعي إلى أنها أرجى الليالي لإدراك ليلة القدر لحديث أبي سعيد الذي فيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين ثم ذكر أبو سعيد أنه سجد في صبح ليلة إحدى وعشرين في ماء وطين " وإن فرق اعتكافه في ليالي الأوتار وهى ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين جاز ذلك لأنه ورد طلبها في الوتر من العشر الأواخر، وقد قيل إن الوتر هو بالنسبة لما بقي لحديث : " اطلبوها في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى " الحديث. ومن عجز عن اعتكاف الأوتار واعتكف ثلاث ليال متفرقة في العشر أي في أولها ثم في وسطها ثم في آخرها فله أجر ذلك فإن أقل مدة الاعتكاف يوم وليلة والله أعلم.
" نصيحة للمعتكفين " :
س 39: يحدث في المسجد الحرام والمسجد النبوي من المعتكفين أذية في القول أو الفعل فما هي نصيحتكم في هذا الأمر؟(1/31)
جـ 39: ننصح المعتكف في الحرمين أو غيرهما أن يصلح نيته وقصده وأن ينشغل بالعبادة والطاعة، ويفرغ نفسه وقلبه لذلك فيقبل على تلاوة القرآن وعلى ذكر ربه ودعائه وشكره على ما أنعم به عليه من التوفيق والامتنان، كما أن عليه أن يعتزل الناس ويبتعد عن الخلطاء ولا يشغل شيئا من وقته الثمين في غير الطاعة، وأن يصون لسانه عن التكلم بما لا يعنيه، وسمعه وبصره وجوارحه عن التعرض للأذية منه أو عليه، وأن يتصف بصفات عباد الله المخلصين فإنه متى رفع صوته أو مد يده بأذى نقص بذلك ثوابه، كما ننصحه أن يصبر على ما يسمعه من الكلام ونحوه، وأن يدفع السيئة بالحسنة وأن يعفو ويصفح عمن تعوض له بسباب أو كلام سيئ سيما إذا كان صائما أو معتكفا في زمن فاضل ومكان شريف فيحتسب ما يناله من الأذى ذخرا وأجرا له عند ربه، ويكف نفسه عن السباب والشتائم والقول الشنيع حتى يتوفر له أجره الذي قصده.
" صحة بعض الأحاديث في الاعتكاف " :
س40: ما صحة ما يلي:
1- " من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين وعمرتين ".
2- " من اعتكف يوما في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار ثلاث خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين ".
جـ 40: روى الطبراني في الكبير عن الحسين بن علي -رضى الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " اعتكاف في رمضان كحجتين وعمرتين " قال الهيثمي في مجمع الزوائد في باب الاعتكاف: وفيه عيينة بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك أي فهو ضعيف جدا، فلا يدل على تفضيل الاعتكاف على الحج لأن العمرة والحج قد يكونا فرضا واجبا بخلاف الاعتكاف فإنه لا يكون إلا نفلا، ولأن الحج والعمرة أكثر عملا وفيهما سفر ونفقة ومشقة وكثرة أعمال متنوعة ومع ذلك فإن الاعتكاف فيه أجر كبير وفضل عظيم لمن داوم عليه وأخلص عمله.(1/32)
وأما الثاني فلم أجده في باب الاعتكاف وإنما وجدت حديثا عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض " رواه الطبراني في المعجم الأوسط والصغير وإسناده حسن وروى نحوه أيضا عن جابر وفي رواية : " سبعين خريفا " وفي إسناده ضعف والله أعلم.
[ القسم الثَّاني فتاوى في اعتكاف النِّساء ]
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده... "
[ رواه البخاري 4 / 226 رواه مسلم (1183) .]
" حكم اعتكاف المرأة في المسجد " :
س 1: هل الأفضل اعتكاف المرأة في المسجد مثل المسجد الحرام أم ترك ذلك ورعايتها لزوجها وأولادها؟
جـ 1: لاشك أن الاعتكاف عمل صالح وفيه أجر كبير، لكن إذا ترتب عليه إضاعة منزلها وإهمال أولادها فإن الاعتكاف والانقطاع عن الأهل والزوج سبب في محذور وفي الحديث : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول " فأرى لها والحال هذه ترك الاعتكاف سيما إذا منعها زوجها، أو علمت ضياع بيتها وشدة حاجة أولادها إلى وجودها، أما إذا استخلفت من يقوم مقامها من بناتها أو أخواتها أو خدمها وأذن لها زوجها وتحققت الاستغناء عنها فإن اعتكافها فيه أجر سواء في المسجد الحرام أو غيره من المساجد لما يترتب عليه من العبادة والذكر والفكر وقوة الإيمان ونحوه.
" إذا حاضت المعتكفة " :
س 2: إذا اعتكفت امرأة ثم حاضت أو نفست فما الحكم؟(1/33)
جـ 2: قد أجاز العلماء اعتكاف النساء لأنه عبادة وقربة ولكن اشترطوا له إذن زوجها لأنه يملك منعها فإذا اعتكفت فوتت عليه ما يملكه من النفع فله إخراجها من المعتكف لحاجته، واشترطوا لاعتكافها كونه في المسجد لعموم قول الله تعالى: ? وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ? [ سورة البقرة: 187 ] ولا يصح اعتكافها في مسجد بيتها وهو المكان الذي تتخذه مصلى لأنه لا يأخذ أحكام المساجد مطلقا، وقد كره بعض العلماء للنساء الاعتكاف في المساجد لأن فيه خروجها من منزلها الذي أمرها الله أن تقر فيه بقوله تعالى: ? وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ?[ سورة الأحزاب: 33 ] ولأن خروجها يعرضها للنظر إلى الرجال ونظرهم إليها دخولا وخروجا، ولكن إذا كان معتكفها مصونا ولا يتكرر منها الخروج لقضاء الحاجة لوجود الكنف ودورة المياه قريبا منها زال المحظور، وعلى هذا إذا اعتكفت ثم حاضت لزمها الخروج من المسجد حتى تطهر ثم تعود بعد الطهر وإن انقضت المدة قبل الطهر من الحيض والنفاس وجب عليها القضاء إن كان الاعتكاف واجبا بالنذر وسقط إن كان تطوعا لفوات وقته.
" إذن الزوج شرط لاعتكاف زوجته " :
س 3: لو أمر الزوج زوجته بالخروج من اعتكافها فما الحكم؟
جـ 3: لا يحق لها الاعتكاف إلا بإذنه فمتى أذن لها وكان الاعتكاف واجبا بالنذر لم يجز له أمرها بتركه بعد أن أوجبته على نفسها بإذنه، أما إن لم يكن واجبا فإنه يجوز له إخراجها مع الكراهة حيث قد أذن لها أن تعقد الاعتكاف وتنويه، أما إن كان اعتكافها بدون إذن فله إخراجها وليس لها الامتناع لأنه يملك الاستمتاع بها وهو يفوت عليه بالاعتكاف.
" نصيحة للمعتكفات " :
س 4: بم تقضي المرأة وقتها في الاعتكاف ؟ وما نصيحتك لمن تقضي وقتها بالغيبة والنميمة؟(1/34)
جـ 4: المعتكف يقضي وقته في العبادة كالذكر والفكر والدعاء والقراءة والصلاة تطوعا والنوم لإراحة بدنه عند الحاجة إليه ونحو ذلك، ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك ولا يجوز الاشتغال بالغيبة والنميمة سواء للرجال أو النساء وسواء للمعتكف أو غيره لأن الله تعالى حرم ذلك بقوله: ? وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ?[سورة الحجرات: 12 ] وشبه ذلك بمن يأكل لحم أخيه ميتا وذلك دليل التحريم ووصف أحد الكفار بقوله تعالى:
? هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ?[ سورة القلم:11 ] أي يمشي بالنميمة، وأخبر بأنها من أسباب عذاب القبر، فعلى المسلم اجتناب ذلك حتى يحفظ دينه وتسلم له حسناته، ولا شك أن الاغتياب في الاعتكاف أشد إثما لأنه معصية والمعتكف مأمور بالطاعة، فلا يجوز الاشتغال بضد ما أمر به سواء كان رجلا أو امرأة.
" حكم زيارة المرأة لزوجها وهو معتكف " :
س5: ما حكم زيارة المرأة لزوجها في المسجد وهو معتكف ؟
جـ5: يجوز لها ذلك إذا كان لحاجة المؤانسة أو لغرض صحيح فقد روى البخاري ومسلم عن علي بن الحسين بن علي عن صفية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- : " أنها جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها " وفي رواية : " كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد وعنده أزواجه فرحن فقال لصفية بنت حيي لا تعجلي حتى أنصرف معك وكان بيتها في دار أسامة " إلخ قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث من الفوائد جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة وزيارة المرأة للمعتكف ا. هـ.
" حكم من لا يذهب للوضوء بعد النوم " :(1/35)
س 6: ما نصيحتكم لمن ينام في المسجد الحرام من الرجال والنساء ثم يقوم على صوت أذان العصر مثلا ثم لا يذهب للوضوء ويؤدي الصلاة ويحتج أن هذا نوم قليل ولا ينقض الوضوء؟
جـ 6: المسلم يحرص على أن يعبد ربه عبادة مقبولة ويحزن إذا ردت عليه عبادته وبطل أجره وحبط عمله، ولا شك أن الصلاة المفروضة والمسنونة لا تقبل إلا بالطهارة لقوله تعالى: ? إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ?[ سورة المائدة: 6 ] الآية، وقد قال بعض السلف أي إذا قمتم من النوم وذلك لأن النوم مظنة الحدث لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " العين وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء فمن نام فليتوضأ " وفي حديث صفوان بن عسال : " أمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم " فنصيحتنا لمن يريد أن تقبل صلاته أن يتوضأ بعد النوم ولو كان خفيفا إذا فقد معه الإحساس واحتاج إلى أن يوقظه غيره ولو بصوت المؤذن أما إن لم ينم وإنما اضطجع وأغمض عينيه ولم ينم فلا وضوء عليه أو كان جالسا غير محتب ولا متكئ أي من نعس وهو متمكن في جلوسه بحيث يحس بما يخرج منه فلم يحس بحدث فلا وضوء عليه.
" حكم من نذرت الاعتكاف أكثر من عشرة أيام " :
س 7: إذا نذرت امرأة الاعتكاف في المسجد الحرام أكثر من عشرة أيام فما الحكم؟(1/36)
جـ 7: النذر للاعتكاف يجب الوفاء به سواء كان الناذر رجلا أو امرأة وقد تقدم أن من نذر الاعتكاف في المسجد الحرام تعين عليه الوفاء به ولا يجزيه غيره من المساجد فإن نذر أن يعتكف في المسجد النبوي جاز اعتكافه فيه وفي المسجد الحرام لأنه أفضل منه، وإن نذر اعتكافا أو صلاة في المسجد الأقصى أجزأه في المسجد النبوي والمسجد الحرام كما ذكر في السؤال الثامن والعشرين في القسم الأول، ولا فرق بين الرجل والمرأة في الوفاء بالنذر مع القدرة وسواء كانت مدته يوما أو عشرة أيام أو أكثر منها لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " من نذر أن يطيع الله فليطعه " وقول الله تعالى: ? ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ? [ سورة الحج : 29 ] أي ما نذروه في المسجد الحرام من طواف أو صلاة أو اعتكاف ونحوها.
" إذن الزوج من شروط اعتكاف المرأة " :
س 8: هل يشترط الإذن في الاعتكاف للمرأة من زوجها ؟
جـ 8: سبق في الجواب الثالث أن لزوجها إخراجها من المعتكف إذا لم يكن أذن لها الابتداء، وقد ذكر العلماء أنه لا يجوز للمرأة الاعتكاف إلا بإذن زوجها لأنه يملك منعها ولأن الاعتكاف يفوت عليه حقه في الاستمتاع بها وخدمة أهلها وتربية أولادها أما إذا أذن لها فإنه قد رضي بإسقاط حقه عليها فليس له الرجوع بعد الإذن.
" حكم من توفي زوجها وهى معتكفة " :
س 9: إذا توفي زوجها وهى معتكفة فما الحكم ؟
جـ 9: يجوز لها تكميل الاعتكاف وهى في عدتها ومعلوم أن المعتكفة تشتغل بالعبادة وهي بعيدة عن مجتمع الناس وعن الاختلاط بالرجال وعن اللباس الفاخر والطيب والاكتحال والخضاب والتحلي ونحو ذلك ولو لم تكن في مدة الحداد فإذا مات زوجها فإنها تستمر في الحداد وترك الزينة وتكمل اعتكافها الذي التزمت به وبعده ترجع إلى بيتها لإكمال عدة الوفاة.
" هل يجوز خطبة المعتكفة ؟ " :(1/37)
س 10: إذا كانت المرأة المعتكفة لم تتزوج فمن محرمها؟ وهل يجوز خطبتها؟ ويعقد عليها وهى في المسجد؟
جـ 10: المعتكفة تكون في المسجد وفي زاوية منه كغرفة وحجرة وخباء تستكن فيه ويسترها عن الناظرين وليست بحاجة إلى محرم يقيم معها في المعتكف فإن المحرم إنما يشترط في السفر ومعلوم أنها في البلد لا تخلو من أقارب وذوي أرحام كإخوة وبني إخوة وأعمام ونحوهم فهم محارمها عند الحاجة، وأما خطبتها فتجوز من أحد محارمها بأن يتصل الخاطب بأبيها أو أخيها ويطلب منه الزواج بها، ولو أنها معتكفة فأما سؤالها وطلب رضاها فيكره في تلك الحال والأفضل تأخير إخبارها حتى تخرج من المعتكف فإن علم رضاها قبل الدخول في المعتكف جاز العقد عليها وهي معتكفة.
" حكم طلاق المعتكفة " :
س 11: إذا طلقها زوجها وهي معتكفة في المسجد ؟ فماذا تفعل؟
جـ 11: يقع عليها الطلاق وتكمل اعتكافها وهي في العدة فإن العدة والحداد لا ينافيان الاعتكاف فلا تقطعه لأجل الطلاق ولا لأجل الوفاة لزوجها فإن الاعتكاف عبادة يشتغل المعتكف في القربات والطاعات ولو كان ذلك في العدة زمن الاعتكاف والله أعلم.
" الحيض يبطل الاعتكاف " :
س 12: إذا نذرت امرأة الاعتكاف لعشرة أيام متتابعة ثم حصل حيض فما الحكم؟
جـ 12: قد تقدم في السؤال الثاني من هذا القسم أنها متى حاضت خرجت من المسجد لمنع المرأة الحائض من دخول المسجد والمكث فيه فعلى هذا إذا كان اعتكافها واجبا فلا بد من قضائه، وإذا كان نذر الأيام متتابعة فإنها تعتكف في أول طهرها لتستقبل عشرة أيام متتابعة حتى لا تحيض في وسط الأيام المنذورة ليحصل تمام المنذور.
" على المرأة أن تعتكف داخل أماكن خاصة للنساء " :
س 13: يرى البعض أن المرأة إذا اعتكفت في المسجد الحرام صار هناك فتنة كما يوجد الآن لأن المرأة يحصل منها نوم ويراها الرجال فما توجيهكم في ذلك؟(1/38)
جـ 13: لا شك أن المرأة متى دخلت المسجد الحرام أو غيره من المساجد سواء للاعتكاف أو للصلاة فإن عليها التستر والاحتجاب والبعد عن أماكن الرجال حتى لا تحصل مفسدة بالزحام والاختلاط، وحتى لا تكون فتنة ثم إنه يوجد في المسجد الحرام والمسجد النبوي أماكن خاصة للنساء محجوزة مستورة عن الرجال فمتى اعتكفت المرأة في الحرمين فإنها تمكث داخل تلك الأماكن لتختفي عن أعين الناظرين وتبتعد عن مداخل الرجال وأماكنهم فإن لم يحصل ذلك لكثرة الزحام وخيف منها التكشف والظهور فإنها لا تعتكف فيه، ولها أن تؤخره إلى وقت السعة وخفة الزحام بعد انقضاء أيام الموسم إذا كان منذورا فإن كان تطوعا فبيتها خير لها أو تعتكف في المساجد الأخرى ولها نيتها.
" حكم من جامع زوجته وكل منهما معتكف " :
س 14: إذا جامع الرجل زوجته وكل منهما في حالة الاعتكاف فما الحكم؟
جـ 14: قد تقدم في السؤال السادس والثلاثين من القسم الأول أن الجماع مبطل للاعتكاف لقوله تعالى: ? وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ?[ سورة البقرة: 187 ] حيث عبر عن الوطء بالمباشرة، فإن الله كريم يكني، فمتى جامع الرجل وهو معتكف أو جامعها زوجها وهى معتكفة بطل الاعتكاف بالنص والإجماع، فإن كان منذورا فلا بد من قضائه، أو قضاء ذلك اليوم الذي حصل فيه الجماع، فإن نذر التتابع لزمه الاستئناف وألغى ما مضى قبل الإفساد، وإن كان تطوعا فله تركه لأن المتطوع أمير نفسه.
" مبطلات اعتكاف المرأة " :
س 15: ما هي مبطلات الاعتكاف للمرأة؟
جـ 15: تقدم في الجواب السابع عشر مبطلات الاعتكاف في حق الرجل وهي تبطل الاعتكاف في حق المرأة وأشهرها الوطء، والخروج الطويل والإغماء والصرع الذي تطول مدته فيخرج من المسجد، وفي حق المرأة وجود الحيض أو النفاس الذي يستلزم خروجها من المسجد، وخوف الفتنة بها حيث يحصل اختلاط بالرجال وتكشف ويلزمها الخروج فيبطل بذلك اعتكافها.(1/39)
" حكم الحلف على الزوجة بالخروج " :
س 16: إذا حصل خلاف بين المرأة وزوجها وهي في مكان الاعتكاف ثم قال إذا لم تخرجي فأنت طالق فماذا تفعل جزاكم الله خيرا؟
جـ 16: تقدم في الجواب الثامن من هذا القسم أن المرأة لا تعتكف إلا بإذن زوجها لأن ذلك يفوت عليه ما يملكه من الاستمتاع بها فإذا طلب منها الخروج لزمها ذلك لأنه يملك نفعها الخاص الذي يفوت عليه بالاعتكاف سواء علق الطلاق على عدم الخروج أو لم يعلق مع أن عليه أن يمكنها من إتمام الاعتكاف إذا كان قد أذن لها في أول الأمر سيما إذا كان اعتكافها واجبا لنذر فإن لم يكن واجبا فله إخراجها ولها طاعته خوفا من الفرقة التي تسبب الضرر عليهما.
" حكم الكذب في طلب الإجازة " :
س 17: البعض من النساء تأخذ إجازة وخاصة في رمضان ثم تذهب إلى مكة وتأخذ عمرة وربما تعتكف فما حكم الكذب في هذه الإجازة حيث تقول: أنا عندي كذا، ولا تذكر الذهاب إلى مكة ؟
جـ 17: قد تقدم نحو هذا السؤال في القسم الأول في السؤالين الثالث والعشرين والرابع والعشرين فإن المرأة الموظفة هي كالرجل، على الجميع القيام بالوظيفة كما ينبغي، ويحرم الكذب فيها ولا يجوز التلبيس على الرئيس فمن أراد إجازة ليأخذ عمرة أو ليعتكف فعليه أن يصرح ويخبر بغرضه منها، وهي حق له حتى ولو لم يذهب إلى مكة والإجازة الاضطرارية حق له عند وجود عذر كسفر الأهل كلهم ونحو ذلك وإلا فلا حق له في أخذها بدون مبرر.
" نصيحة للآباء والأمهات " :
س 18: البعض من أخواتنا تحرص على الذهاب إلى مكة من أجل العمرة والاعتكاف ولكنها تضيع بناتها سواء في الأسواق أو في مكان السكن ولا تدري عن شيء فما نصيحتك لمثل هذه وأمثالها؟(1/40)
جـ 18: صحيح أن بعض الذين يذهبون إلى مكة لقصد العمرة والاعتكاف والصلاة في الحرم لمضاعفة العمل هناك وكثرة الحسنات والتفرغ لطاعة الله تعالى، ثم يستصحبون معهم أولادهم ذكورا أو إناثا وقد يكونون بالغين أو مراهقين فمتى وصلوا هناك أغفلوهم ولم يهتموا بهم فيجد هؤلاء الأولاد الفرصة مهيئة لهم في التردد في الطرق والذهاب والإياب في الأسواق فالذكور يعاكسون ويمازحون ويغازلون، والإناث يتبرجن ويبدين زينتهن وحليهن ومفاتنهن ويرتدين أجمل اللباس وأفخر الحلي مما يدفع إلى الاتباع والسير في آثارهن، ولا تسأل عما يحصل وراء ذلك مع أن الأولياء من عباد الله الصالحين يتعبدون ويصلون ويقرءون ولا يشعرون بما يحصل من أولادهم ذكورا أو إناثا، فنصيحتنا للأولياء أن لا يغفلوا عن محارمهم فهناك الذئاب الضارية وهناك العابثون بالكرامات وهناك ضعفاء الدين لا وازع لهم يردعهم عن فعل الفواحش واقتراف المنكرات.
فالواجب على الأولياء تفقد المحارم من نساء وبنات وأخوات ومتابعة سيرهن والتحفظ عليهن من أن يعتدى عليهن في حال الغفلة والإهمال مع قوة الدافع والإغراءات الكثيرة فمتى انتبه الأولياء من الآباء والأمهات وحذروا أولادهم من التعرض للسوء والظهور بمظهر الفتنة حصل الارتداع وقل الشر وقطع دابر الفساد والله المستعان.
" حكم الإنابة في الاعتكاف " :
س 19: هل يجوز الإنابة في الاعتكاف ؟(1/41)
جـ 19: الاعتكاف عمل بدني كالصلاة والصوم فلا تصح الاستنابة فيه فلا يجوز أن يوكل من يصلي عنه أو يصوم عنه أو يعتكف عنه أو يقرأ أو يدعو عنه، فإن الحكمة من هذه الأعمال ظهور آثار العبادة والذل والخضوع على البدن فمتى وكل من يفعلها لم يحصل المقصود من التذلل والتعبد والإخبات والخشوع لله تعالى، فأما الفرض منها فلا بد من أداء المكلف له مع القدرة فلهذا لا يصح للقادر أن يوكل من يحج عنه ولو بأجرة، ولا يسقط فرض الصلاة بالاستنابة فيه لكن إهداء الثواب للحي أو الميت جائز في قول الجمهور لأنه تبرع بالأجر كأن يقرأ أو يعتكف أو يحج أو يعتمر وينوي أجر ذلك لفلان كأبيه أو قريبه أو صديقه ولا يأخذ على ذلك عوضا ماليا لأنه من بيع الثواب أو إرادة الدنيا بعمل الآخرة وهو من أنواع الشرك العملي والعياذ بالله.
" هل في الاعتكاف كفارة ؟ " :
س 20: إذا ماتت المرأة وهي معتكفة فما الحكم هل يقضى عنها أم لا؟ وهل في ذلك كفارة؟
جـ 20: قد تقدم في القسم الأول في السؤال العاشر حكم وفاة المعتكف الذي نذر الاعتكاف وأن يقضى عنه كما ورد في الحديث، أما إن لم يكن نذرا بل كان تطوعا فإنه لا يلزم قضاؤه عنه ولو بعد أن ابتدأ فيه، أو أمضى بعضه ولا حاجة إلى كفارة عما بقي، وكذلك لا يكفر عن النذر إذا كان نذرا لأنه لم يرد في مثل هذا تكفير كما ورد في الصوم.
" هل تخرج المرأة المعتكفة للشهادة ؟ " :
س 21: إذا طلب من المرأة المعتكفة الشهادة في المحكمة الشرعية هل تخرج أم لا؟
جـ 20: تقدم في الجواب الثامن عشر من القسم الأول مثل هذا السؤال في حق الرجل فالجواب عنهما واحد فإن المرأة كالرجل في الشهادة تحملا وأداء وجوبا أو استحبابا.
" مبطلات الاعتكاف " :
س 22: إذا نذرت أن تعتكف في أول العشر من رمضان ثم حصل منها مانع كحيض أو غيره فماذا تفعل؟(1/42)
جـ 22: انظر الجواب الثاني من هذا القسم والجواب الثاني عشر منه وكلاهما في وقوع الحيض من المرأة وسواء كان الاعتكاف واجبا بنذر فتقضيه بعد الطهر أو غير واجب فتخير.
" نصيحة للمعتكفات بعد رمضان " :
س 23: يحصل التنافس بين أخواتنا في رمضان على الاعتكاف ولكن بعدما يخرج رمضان ويخرجن من اعتكافهن ويبدأ شهر شوال ثم يحصل من بعضهن هداهن الله التضييع للصلاة والغيبة والنميمة والكذب والتحريش من النساء وغير ذلك فما نصيحتكم لمثل هؤلاء هداهن الله؟
جـ 23: هذه المعاصي محرمة أصلا في رمضان وفي غيره، ومتى صدرت من النساء بعد خروجهن من الاعتكاف دل على أن ذلك الاعتكاف ليس قربة وعبادة لله تعالى وإنما هو فخر ورياء وعجب وتمدح بكثرة العبادة فلهذا لم يؤثر في هؤلاء حيث أضعن بعده الصلاة واشتغلن بالكذب والتحريش والنميمة والاغتياب ونحو ذلك من المعاصي، فننصح المرأة المؤمنة الصادقة أن تحمي نفسها من المعاصي وتشتغل بالطاعة والذكر والدعاء وتكف أذاها عن الناس وتصدق في الحديث وتنصح للمسلمين وتحرص على التآلف وتحقيق الأخوة وصلة الرحم والإحسان إلى الجيران وحفظ اللسان عن الأذى والسخرية والنبز والهمز واللمز والعيب والقدح في العرض والاستهزاء بالمسلمين فإن هذه المعاصي محرمة في كل وقت والبعد عنها والاتصاف بأضدادها الخيرة أولى بالمسلمة من العبادة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر والله أعلم.
" هل يلزم مع الاعتكاف الصيام ؟ " :
س 24: إذا نذرت امرأة الاعتكاف ولم تحدد الوقت فهل يلزم مع الاعتكاف الصيام؟(1/43)
جـ 24: قال ابن قدامة في المغني: المشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صوم روي ذلك عن علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء والشافعي وإسحاق ثم ذكر الدليل وهو ما رواه البخاري أن عمر -رضى الله عنه- قال: " يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أوف بنذرك " ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل لأنه لا صيام فيه ولأن الاعتكاف عبادة فصح في الليل فلم يشترط له الصيام كالصلاة وسائر العبادات ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ولم يصح فيه نص ولا إجماع، ثم روي عن عمر بن عبد العزيز قال: ليس عليها صوم إلا أن تجعله على نفسها ومثله عن طاووس وروي عن أحمد قول آخر أنه يلزم في الاعتكاف الصوم وهو قول مالك وأبي حنيفة والليث والزهري والثوري والصحيح القول الأول ومع ذلك يستحب الصوم مع الاعتكاف ويتأكد لقوة الخلاف ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعتكف إلا وهو صائم كالعشر الأواخر من رمضان فكذا يلحق برمضان غيره.
" حكم الاعتكاف للنساء " :
س 25: ما حكم الاعتكاف للنساء ؟
جـ 25: جائز وقد يستحب إذا لم يترتب على ذلك محذور ولا ترك واجب أو إضاعة أهل أو مال وولد وذلك لأنه عبادة وتفرغ للطاعة واشتغال بأنواع القربات فهو مشروع للنساء كالرجال لكن إن حصل بسببه محذور كخلوة بأجنبي أو ظهور وسفور أمام الرجال أو اختلاط بالأجانب أو إضاعة حق الزوج أو إهمال تربية الأولاد فإن تركه أولى حذرا من إضاعة الواجب للانشغال بالمستحب.
" حكم من لم توف بما نذرت " :
س 26: إذا نذرت امرأة الاعتكاف لسبب من الأسباب ثم لم توف بما نذرت على نفسها عمدا فما الحكم؟(1/44)
جـ 26: عليها الوفاء عند التمكن إذا حصل السبب الذي علقته عليه كأن تقول: إن رزقني الله مالا أو ولدا فعلي لله أن أعتكف عشرا، فمتى حصل لها ما تمنته فإن عليها الوفاء بالنذر متى قدرت ولو طالت المدة فإن عجزت أو لم تقدر فعليها كفارة يمين فإن كفارة النذر مثل كفارة يمين.
" نصيحة لمن تتساهل في النذر " :
س 27: تساهل كثير من النساء في النذر فما نصيحتكم لهن جزاكم الله خيرا؟
جـ 27: تقدم في القسم الأول جواب ثمانية وعشرين نصيحة لمن يطلق لسانه بالنذر كثيرا والمراد بالنذر: إلزام المكلف نفسه ما لم يجب عليه شرعا وذكرنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن النذر وقال: " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " يعني أن البخيل لا يخرج المال حتى يوجب على نفسه مالا مقابل حصول أمر مستقبل كقوله: إن شفاني الله من المرض أو إن رزقني الله ولدا فعلي أن أتصدق بمائة أو أن أذبح شاة أو نحو ذلك.
فهذا النذر ليس سببا في شفاء مرضه أو رد غائبه فإن كان الله قدر ذلك فالنذر لا يؤثر فيه وإن لم يكن قدره فالنذر لا يأتي بخير، وأيضا فعلى المرأة أن تحفظ لسانها عن تكرار النذر فقد تعجز عن الوفاء به فتترك واجبا قد ألزمت به نفسها والله أعلم.
" الاعتكاف لا بد أن يكون في مسجد " :
س 28: لو أن امرأة نذرت الاعتكاف في المدينة التي تسكن فيها ولكن لا يوجد مكان خاص للنساء فماذا تفعل والحال هذه؟
جـ 28: الاعتكاف لا بد أن يكون في مسجد من المساجد المتميزة بصفاتها وتصميمها ولا يجزئ في غير مسجد ولا في مصلاها الذي في بيتها فإنه لا يسمى مسجدا، لكن يصح أن تعتكف ولو في مسجد مهجور لا تقام فيه الصلاة فإن لم تجد فلها أن تحتجز جانبا من المسجد بحجاب وحاجز يسترها عن الرجال يكون في الرحبة أو في السطح أو في أسفل المنارة حتى توفي بنذرها فإن الوفاء به واجب.
" مضاعفة الأجر للمعتكف في المسجد الحرام " :(1/45)
س 29: هل ورد مضاعفة الأجر للمعتكف في المسجد الحرام مثل مضاعفة الصلاة في المسجد الحرام للنساء؟
جـ 29: سبق في الجواب الثاني عشر من القسم الأول فضل المسجد الحرام ومضاعفة الصلاة فيه بمائة ألف صلاة ويقاس على الصلاة غيرها من الاعتكاف والذكر والدعاء والتلاوة وسائر الأعمال الصالحة، وذلك لشرف البقعة وشرف المكان وجوار البيت الحرام الذي هو قبلة المسلمين وموضع مناسكهم، ويستوي في هذه المضاعفة الرجال والنساء إذا لم يترتب محذور على دخول النساء في المسجد الحرام وإلا فصلاة المرأة في بيتها أفضل خشية الفتنة.
" تساهل المعتكفات في نظافة المكان " :
س 30: تساهل كثير من النساء المعتكفات في المسجد الحرام بنظافة المكان فما نصيحتكم في هذا الأمر جزاكم الله خيرا؟
جـ 30: يجب على المعتكف رجلا أم امرأة أن يحرص على نظافة المسجد كله عامة والموضع الذي يجلس فيه وينام فيه خاصة فإن المساجد لها حرمتها ومكانتها في النفوس وفي الصحيح عن أبي هريرة :
" أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه فقالوا مات فأتى قبره فصلى عليه " أي يجمع القمامة وهي الكناسة ورواه ابن خزيمة وفيه كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد ففيه فضل تنظيف المسجد والثواب على ذلك. وفي حديث آخر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " عرضت علي حسنات أمتي فرأيت من حسناتها القذاة يخرجها الرجل من المسجد ورأيت في سيئاتها النخامة في المسجد لا تدفن " وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن البصاق في المسجد وغضب لما رأى نخامة في حائط المسجد ودعى بعرجون فحكها بيده وفي حديث آخر أنه تناول حصاة فحكها من جدار المسجد بعد أن غضب حتى احمر وجهه ثم دعا بزعفران فلطخه به وكل ذلك دليل احترام المساجد عموما والأمر بكنسها وتنظيف وإزالة الأوساخ منها فالمسجد الحرام أولى بالاهتمام بنظافته واحترامه.
" حكم النسيان في الاعتكاف " :(1/46)
س 31: إذ نسيت المرأة المعتكفة وفعلت واحدا من مبطلات الاعتكاف فما الحكم؟
جـ 31: تقدم أن مبطلات الاعتكاف أشهرها الجماع وهو يحصل بين الزوجين ولا يتصور وقوعه في المسجد إلا عمدا فهو يبطل الاعتكاف ولو ادعى أنه كان نسيانا فمتى حصل فإنه يلزم استئناف الاعتكاف إن كان و(3)ا بنذر ولا يلزم إن كان تطوعا، ومن مبطلات الاعتكاف الخروج، وقد يحصل نسيانا فلا يبطل به الاعتكاف إن لم تطل مدته أو إن كان لعذر كعلاج وأمر ضروري، فأما الغيبة والنميمة والكلام البذيء والخوض في الدنيا زمن الاعتكاف فإنه ينقص الثواب سواء كان عمدا أو نسيانا ولا يقال ببطلان الاعتكاف بها مطلقا.
" الوفاء بالنذر بعد الإسلام " :
س 32: إذا نذرت امرأة غير مسلمة أن تعتكف ثم بعد سنوات أسلمت فما حكم هذا النذر من ناحية الوفاء به وعدم الوفاء به؟
جـ 32: يلزم الوفاء به بعد الإسلام لأنه عبادة وطاعة فيدخل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " ثم قد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضى الله عنهما- أن عمر سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال أوف بنذرك " وقد رواه الدارقطني بلفظ: نذر عمر أن يعتكف في الشرك وكان سؤاله بالجعرانة لما رجعوا من حنين فلما أمره بالوفاء بعد الإسلام والتمكن من الفعل دل على الوجوب وأنه داخل في عموم قوله تعالى: ? وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ?[ سورة الحج: 29 ].
" الاعتكاف ليس فرضا " :
س 33: المرأة إذا اعتكفت مرة واحدة يلزمها أن تعتكف كل سنة ؟(1/47)
جـ 33: تقدم مثل هذا في القسم الأول في الجواب الثامن وذلك أن الاعتكاف لم يفرض علينا وإنما هو سنة وتطوع فلا يلزم الاعتكاف كل عام ولو استمر عليه سنوات جاز له أن يتركه بعدها وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الاعتكاف مرة لما رأى أن بعض نسائه أردن الاعتكاف معه فدل على جواز تركه وإن كان الأفضل الاستمرار على العبادة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عمل عملا أمسكه وأحب البقاء عليه وقد قد ثبت أنه قال : " أحب الأعمال إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه وإن قل " فالمداومة على العمل القليل أفضل من العمل الكثير المتقطع.
" الأحلام لا تدل على وجوب الأحكام " :
س 34: إذا رأت امرأة في المنام أن والدتها توصيها بالاعتكاف عنها فماذا تفعل هذه البنت؟
جـ 34: الأحلام لا تدل على وجوب الأحكام، وإنما هي تخيلات تحدث لبعض الناس والغالب أنها تكون حديث نفس، فمتى رأيت في المنام من يأمرك بكذا أو كذا فإن ذلك لا يجب عليك حتى لو رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام يأمرك بأمر زائد على ما في الشرع لم يجب الامتثال، فعلى هذا لا يلزم امتثال أمر الأم في هذه المنامات ولا العمل بها فإن فعلت هذه المرأة أو الرجل ذلك باختيارها جاز ذلك أما الوجوب فلا يلزم العمل به سواء عن نفسه أو عن غيره من الأحياء أو الأموات.
" كيف يشترط المعتكف ؟ " :
س 35: كيف تشترط المرأة عند دخولها في الاعتكاف ؟
جـ 35: ذكر في الجواب السابع من القسم الأول كيف يشترط المعتكف ولا فرق بين الرجل والمرأة وقد استدل بقوله -صلى الله عليه وسلم- : " المسلمون على شروطهم " أنه يجوز اشتراط الخروج لعيادة مريض واتباع جنازة وزيارة ذي رحم وقضاء حوائج الأهل والبر بالأبوين بخدمة ساعة أو نحوها، فإذا اشترط ذلك المعتكف جاز له ذلك فإن طال الخروج عرفا كيوم كامل بطل اعتكاف ذلك اليوم وعليه بدله إن كان الاعتكاف واجبا.(1/48)
" نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكفن " :
س 36: ورد أن بعضا من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكفن معه نرجو من فضيلتكم ذكر هذه الأسماء؟
جـ 36: في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : " كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده " وظاهره اعتكاف أزواجه كلهن ولعل المراد أغلبهن في أغلب السنوات، وفي الصحيح أيضا عنها قالت : " كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت فضربت لها قبة وسمعت بها زينب فضربت لها قبة فلما انصرف من الغداة أبصر أربع قباب فقال: آلبر تقولون بهن ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال " وهذا دليل على أن بعضهن يعتكفن معه ولكن لما حملتهن الغيرة وبنت كل واحدة قبة وحصل تضييق المسجد أمرهن بقلع القباب ومنعهن من الاعتكاف فدل على أن عائشة كانت تعتكف معه وكذا حفصة أحيانا والله أعلم.
" نصيحة لإحياء هذه السنة " :
س 37: بم تنصح أخواتنا المدرسات من أجل إحياء هذه السنة النبوية بين طالباتهن وجزاكم الله خيرا؟
جـ 37: المدرسات مؤتمنات على الطالبات يتولين تعليمهن ما يجب عليهن وما يندب لهن من العبادات والآداب والأخلاق، ويجب عليهن النصح في التعليم وبذل ما يقدرن عليه من التوجيه السليم والتعليم بالقول والفعل، ومن ذلك تعليم السنن والمستحبات من أنواع القربات التي يحبها الله تعالى ويثيب عليها من الصلوات والصدقات والصيام والاعتكاف والذكر والأدعية والدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحب في الله والبغض في الله وصلة الأرحام وبر الوالدين وحسن الجوار وبذل السلام واحترام المسلمين ومحبة الخير لهم والتحذير من المعاصي وبيان سوء مغبتها وعدم الاقتصار على النهج المختصر بل لا بد من بيان أهداف تلك العلوم ونتائجها.(1/49)
ولا شك أن الاعتكاف من السنن التي تكاد أن تكون مهجورة بين الرجال والنساء فلا بد أن المعلمين رجالا ونساء يحيون هذه السنة بأقوالهم وأفعالهم ويشرحون أهدافها ومصالحها بين الطلاب ذكورا أو إناثا لتحيا روح الإيمان في نفوسهم ويبادرون إلى تطبيق تلك المعلومات التي يتلقونها من المربين للأرواح والأجسام، فالاعتكاف سنة نبوية شرعها الله تعالى وفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه ونساء المؤمنين في الحدود وبالشروط الإسلامية البعيدة عما يخل بالشرف ويخدش في الاحتشام والتستر والله الموفق.
" ننصح المعتكفة أن تقرأ كتاب الله " :
س 38: ما هي الكتب التي تنصح بها المرأة المعتكفة أن تقرأها في هذا الباب؟
جـ 38: ننصح المعتكفة حال الاعتكاف أن تقرأ كتاب الله تعالى وتشتغل بقراءته في فراغها مع التدبر والتعقل والانكباب على تفهم معانيه وتعلم مقاصده والحرص على الامتثال لأوامره وترك زواجره كما ننصحها بقراءة كتب الأذكار والأدعية مثل (الورد المصطفى المختار) الذي اختاره الملك عبد العزيز رحمه الله تعالى ومثل (الحزب المقبول) في الأدعية المأثورة وبيان أماكنها ومثل (حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة) ومثل (الكلم الطيب) لشيخ الإسلام ابن تيمية (والوابل الصيب) لابن القيم ومثل (كتاب الأذكار) للإمام النووي ومثل (عمل اليوم والليلة) لابن السني (وعمل اليوم والليلة) للنسائي و(كتاب الدعاء) للإمام الحافظ الطبراني ونحو هذه الكتب التي تشتمل على أدعية مأثورة مستحبة في أوقات ومناسبات.(1/50)
فأما الكتب التي تبحث عن أحكام الاعتكاف وما يشرع فيه فننصح بقراءة شروح كتب الحديث في هذا الباب كفتح الباري على البخاري وشرح مسلم للنووي والفتح الرباني على مسند الإمام أحمد رحمه الله للإمام الساعاتي وكذا كتب الفقه الموسعة في كل مذهب كالمغني وشرح الزركشي كلاها على مختصر الخرقي والشرح الكبير على المقنع وكذا المبدع والإنصاف على المقنع والمجموع شرح المهذب في المذهب الشافعي والمنهاج وشروحه والمبسوط في المذهب الحنفي وشروح الهداية للمرغيناني فيه والشرح الصغير والكبير للدردير في المذهب المالكي وشروح مختصر خليل وغيرها والمحلى لابن حزم
أما الكتب الخاصة فمثل لطائف المعارف في الوظائف لابن رجب والمناهل الحسان لابن سلمان ومجالس شهر رمضان لابن عثيمين ونحوها من كتب المواعظ المتقدمة والمتأخرة.
" هل يشترط الإذن في الاعتكاف ؟ " :
س 39: امرأة اعتكفت في المسجد الحرام بدون إذن زوجها فما حكم هذا الاعتكاف؟ وهل يشترط الإذن؟
جـ 39: تقدم في السؤال الأول أن الأفضل للمرأة أن لا تضيع منزلها وأولادها وزوجها بعذر الاعتكاف لحديث : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول " وفي السؤال الثالث من هذا القسم وجوب استئذان المرأة زوجها في الاعتكاف ووجوب طاعته إذا أمرها بالخروج ولا فرق بين المسجد الحرام وغيره لكون الاعتكاف يشغل عن حاجة الزوج ويفوت عليه حقه منها وفي السؤال الثامن اشتراط إذن الزوج لها في الاعتكاف وأنه لا يجوز لها الاعتكاف بدون إذنه وأن له منعها من الاعتكاف وله إخراجها بعد الشروع فيه فإن كان الاعتكاف واجبا بالنذر أمكنها تأجيله وقضاؤه متى تمكنت، فإن أذن لها دخلت المعتكف وليس له منعها بعد البدء فيه سيما إذا كان منذورا وفي المسجد الحرام الذي لا يجزي الوفاء به في غيره.
" الاعتكاف عبادة مطلوبة من جميع المسلمين " :
س 40: يتردد من بعض بناتنا أن الاعتكاف لكبار السن من العجائز. فبماذا تنصحون من يقول ذلك؟(1/51)
جـ 40: هذا غير صحيح فإن الاعتكاف عبادة مطلوبة من جميع المسلمين استحبابا ولا فرق بين الشباب والكهول والمسنين فالجميع مطالبون بالعبادات القولية والفعلية ولهم عليها أجر من الله تعالى إذا صلحت الأعمال والنيات فنقول للشباب الذين يؤجلون العبادات ويسوفون بالتوبة ويعتذرون بأنهم لا يزالون في مقتبل الأعمار، أو أن في إمكانهم وقت الشيخوخة أن يقبلوا على العبادة ويكثروا من الطاعات ويتوبوا عن الإهمال والتفريط وعن ترك الذنوب التي يتعاطونها نقول لهم: إنكم لستم على يقين من البقاء في هذه الحياة الدنيا وإن الأعمار علمها عند الله، فكم رأيتم من الشباب الذين وافاهم الأجل وماتوا وهم في ريعان الشباب والقوة والنشاط، فليس الإنسان ضامنا أن يعمر بل لا يدرى لعل حياته تنتهي في أقرب وقت، وقد كثرت الأمراض وتنوعت العاهات ولم يغن العلاج والأدوية عن كثير منها، وكذلك كثر موت الفجأة وحوادث السيارات وما ينتج عنها من الوفيات والإعاقات والإغماء والغيبوبة فلا يتمكن من العمل الصالح والتوبة النصوح.
ثم إن كثيرا من الذين يتمادون في العصيان والإهمال والتهاون بالذنوب والإكباب عليها حتى تصبح ديدنه وعادة له تتحكم فيه فلا يستطيع التخلص منها ولو حاول لم يقدر ولم يتغلب على تلك العادات التي ألفها من الصغر فننصح الشباب ذكورا وإناثا أن لا يهملوا أمر الطاعة والعبادة وأن يبادروا إلى الأعمال الصالحة من نوافل وقربات كالصيام والتهجد والاعتكاف والذكر والقراءة والصدقة وسائر العبادات قبل أن يختم على العمل ويحل الأجل والله المستعان.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه
عبد اللَّه بن عبد الرَّحمن الجِبرين
7 / 9 / 1417 هـ
" خاتمة " :
أخي القارئ الكريم... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:(1/52)
لعلك وجدت في هذه الرسالة ما كنت تبحث عنه في سنة الاعتكاف، وشعرت وأنت تقرأ أنني حاولت إلى أبعد حد أن أقدم لك ولأختي المسلمة(1) ما استطعت إليه، فليبادر كل من أخي وأختي في الله لإحياء هذه السنة ونشرها بين الأهل والأقارب والزملاء والزميلات والجيران وبين إخواننا المسلمين، لعل الله أن يكتب لنا ولكم الأجر بإذنه سبحانه وتعالى. وإني لأرجو الله أن ينفع بهذه الرسالة الجميع، كما أسأله أن يرزقنا الصدق والإخلاص فيما نقول ونكتب، وأن يعلمنا ما لم نعلم من دينه وأن ينفعنا بما نعلم، وأن يثبت أقدامنا على طريق الإيمان والعمل بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأن يوفق الجميع إلى العمل الصالح الذي يرضيه ويجعلنا جميعا من الفائزين إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، تسليما كثيرا.
[ الفهرس ]
المقدِّمة
مقدِّمة لفضيلة الوالد الشّيخ الدّكتور/ عبد اللَّه بن عبد الرّحمن الجِبرين
القسم الأوّل فتاوى في اعتكاف الرجال
1 ـ معنى الاعتكاف وحكمته
2 ـ أكثر الاعتكاف وأقله وأفضله
3 ـ حكمة الاعتكاف وأركانه وشروطه
4 ـ حكم تغيير نية الاعتكاف بدون سبب
5 ـ حكم خروج المعتكف للمستوصف أو المستشفى
6 ـ حكم خروج المعتكف لأمر ضروري
7 ـ كيفية الاشتراط في الاعتكاف
8 ـ الاعتكاف سنة وتطوع
9 ـ هل يبطل الاعتكاف إغماء أو صرع ؟
10 ـ حكم النذر بالاعتكاف
11 ـ أيهما أفضل ولايته على أهل بيته أم الاعتكاف في المسجد
12 ـ إذا نذر أن يعتكف في المسجد الحرام فهل يجزئ غيرهما من المساجد ؟
13 ـ هل للمعتكف الجلوس والمحادثة مع الزوار ؟
14 ـ حكم جمع التبرعات لتحضير الأكل للمعتكفين
15 ـ حكم استعمال التليفون للمعتكف
16 ـ حكم خروج المعتكف لغسل ثيابه
17 ـ هل الغيبة والنميمة تبطل الاعتكاف
__________
(1) أختي المسلمة احرصي على الاعتكاف في شهر رمضان وعلى الطاعات والعبادة لا على الاعتكاف في المطبخ لإعداد وجبات الإفطار المتنوعة.(1/53)
18 ـ شهادة المعتكف في المحكمة
19 ـ اعتكاف طلاب العلم
20 ـ أخطاء من المعتكفين
21 ـ حكم إدخال الطعام إلى المسجد الحرام
22 ـ حكم إخراج المعتكف من مكان اعتكافه
23 ـ هل الأفضل البقاء في العمل أم الاعتكاف ؟
24 ـ حكم الكذب في طلب الإجازة
25 ـ الاعتكاف قربة والأفضل ألا يطلع عليه إلا الله
26 ـ حكم تكرار خروج المعتكف
27 ـ مكان الاعتكاف في المساجد
28 ـ نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى
29 ـ وقت خروج المعتكف
30 ـ الاعتكاف في غير رمضان
31 ـ هل تسقط السنن الرواتب عن المعتكف ؟
32 ـ هل يعتكف في عمارة وفيها مصلى ؟
33 ـ هل المعتكف في المسجد لطلب العلم يعتبر معتكفا ؟
34 ـ حكم من نذر أن يعتكف الأسبوع القادم
35 ـ حكم الاستثناء في الاعتكاف
36 ـ ما الحكم من جامع زوجته وهو معتكف ؟
37 ـ قضاء حوائج الناس أفضل أم الاعتكاف
38 ـ الأفضل اعتكاف العشر الأواخر
39 ـ نصيحة للمعتكفين
40 ـ صحة بعض الأحاديث في الاعتكاف
القسم الثّاني فتاوى في اعتكاف النّساء
1 ـ حكم اعتكاف المرأة في المسجد
2 ـ إذا حاضت المعتكفة
3 ـ إذن الزوج شرط لاعتكاف زوجته
4 ـ نصيحة للمعتكفات
5 ـ حكم زيارة المرأة لزوجها وهو معتكف
6 ـ حكم من لا يذهب للوضوء بعد النوم
7 ـ حكم من نذرت الاعتكاف أكثر من عشرة أيام
8 ـ إذن الزوج من شروط اعتكاف المرأة
9 ـ حكم من توفي زوجها وهى معتكفة
10 ـ هل يجوز خطبة المعتكفة ؟
11 ـ حكم طلاق المعتكفة
12 ـ الحيض يبطل الاعتكاف
13 ـ على المرأة أن تعتكف داخل أماكن خاصة للنساء
14 ـ حكم من جامع زوجته وكل منهما معتكف
15 ـ مبطلات اعتكاف المرأة
16 ـ حكم الحلف على الزوجة بالخروج
17 ـ حكم الكذب في طلب الإجازة
18 ـ نصيحة للآباء والأمهات
19 ـ حكم الإنابة في الاعتكاف
20 ـ هل في الاعتكاف كفارة ؟
21 ـ هل تخرج المرأة المعتكفة للشهادة ؟
22 ـ مبطلات الاعتكاف
23 ـ نصيحة للمعتكفات بعد رمضان
24 ـ هل يلزم مع الاعتكاف الصيام ؟(1/54)
25 ـ حكم الاعتكاف للنساء
26 ـ حكم من لم توف بما نذرت
27 ـ نصيحة لمن تتساهل في النذر
28 ـ الاعتكاف لا بد أن يكون في مسجد
29 ـ مضاعفة الأجر للمعتكف في المسجد الحرام
30 ـ تساهل المعتكفات في نظافة المكان
31 ـ حكم النسيان في الاعتكاف
32 ـ الوفاء بالنذر بعد الإسلام
33 ـ الاعتكاف ليس فرضا
34 ـ الأحلام لا تدل على وجوب الأحكام
35 ـ كيف يشترط المعتكف ؟
36 ـ نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكفن
37 ـ نصيحة لإحياء هذه السنة
38 ـ ننصح المعتكفة أن تقرأ كتاب الله
39 ـ هل يشترط الإذن في الاعتكاف ؟
40 ـ الاعتكاف عبادة مطلوبة من جميع المسلمين
خاتمة(1/55)