بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين وبعد:
فهذه نبذة موجزة في أمهات أحكام الزكاة جمعها الأخ محمد بن معيض آل مسلط في أسلوب سهل وعبارة موجزة محققة أسأل الله أن يجزيه على ذلك عظيم الأجر، وأن ينفع به من يطلع عليه من المسلمين { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه
د. عوض بن محمد القرني
10/1/1420هـ
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعيته ونستهديه ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
إن من الأمور التي عمّ في المجتمعات الجهل بها إلا ما رحم ربك، وإن كانت على البعض بل على الكثير فرض عين، قضية الزكاة، والدليل على ذلك كثرة الفقراء مع كثرة الأغنياء وأصحاب الثروات الطائلة ؛وما ذلك إلا لسببين اثنين إما محجم عن إخراج ما عليه من حق لله, جاهل بما يترتب على ذلك من أحكام، وهم قلة بفضل الله، وإما جاهل بأحكام الزكاة نفسها التي تتضمن وجوبها، وعلى من تجب وعلى من لا تجب وشروطها وكيفية إخراجها، ومتى تؤدى؟ وإلى من تؤدى؟ إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بهذا الباب، لذا حاولت في هذه العُجالة أن أجمع ما تيسر جمعه ولم أذكر شيئًا من الخلافات على التفصيل، ولكن أشرت إلى ما تم اختياره من أقوال أعلم العلم بـ (إن شاء الله تعالى) ليعلم أن في المسألة خلافا، فلا تثريب على من قال بخلافه، وأذكر أحيانًا بعض الأدلة تزيد وتنقص بحسب قوة الخلاف من ضعفه في هذا العصر، واكتفيت فيما لم يتم ترجيحه بنسبة الحكم إلى من قال به من أهل العلم، والله أسأل أن يجعل العمل خالصًا لوجهه الكريم، صوابًا على سنة نبيه الأمين، وصلى الله على نبيه وآله وسلم.
الزكاة حكمها وحكم مانعها(1/1)
الزكاة في اللغة: الطهارة والنماء والبركة والمدح (1) .
وفي الشرع: حق واجب مقدَّر في مال مخصوص لطائفه مخصوصة، في وقت مخصوص (2) .
حكمها: فرض عين بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ } (3) وفي حديث معاذ - رضي الله عنه - عندما أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وقد جاء فيه: «فإن أطاعوا لذلك فاعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة – زكاة – في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» (4) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : «بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» (5) .
ومانعها: يقاتل، ومنكر وجوبها مرتد ويستتاب فإن تاب وإلا قتل.
وعيد مانعها: قال تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (6) وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرعًا له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – شدقيه – ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا: { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (7) (8) .
وتجب: على كل مسلم حرٍّ بالغٍ أو صغير عاقل أو مجنون مالكًا للنصاب ملكًا حقيقيًا.
* * * *
شروط أداء الزكاة
__________
(1) النهاية لابن الأثير 2/307.
(2) كشاف القناع 1/325.
(3) البقرة 43.
(4) البخاري 1/592 رقم 1304.
(5) البخاري 1/67 رقم 7.
(6) التوبة 35.
(7) آل عمران 180.
(8) البخاري 1/595 رقم 1312.(1/2)
1) النية لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّما الأعمال بالنيات» (1) .
2) أداء الزكاة على الفوز فلا يجوز تأخير إخراجها عن وقتها مع القدرة على ذلك إلا إذا خشى الضرر من إخراجها في وقتها، أو أراد التحري فيمن هم أحق بها، أما إذا أخرها حتى تلفت أو ضاعت لم تبرأ ذمته ووجب عليه ضمانها إن شاء الله تعالى، وكذلك إذا توفي فإنها تُقضي من تركته لأنها حق مالي كباقي الديون. وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «فدين الله أحق أن يقضى» (2) .
ويجوز تقديم إخراجها عن وقتها إن شاء الله تعالى.
3) الأداء على وجه التمليك فلا يجوز إخراجها عينية إن شاء الله تعالى.
مستحبات الزكاة:
1) الابتداء بالأقرب فالأقرب إلا أن يكون من هو أشد حاجة منه فيقدمه؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة ؛لحديث زوجة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما (3) .
2) أن تؤدي في نفس بلد المال الذي وجبت الزكاة فيه إلا أن يكون غيرهم أشد حاجة منهم.
3) أن يتولي الإنسان تفريق الزكاة بنفسه إلا أن يعطيها من هو أشد منه تثبتًا.
4) المحافظة على نفسية من تدفع إليه الزكاة.
5) دفع الصدقة باليد اليمنى، وإخفاؤها عن أنظار الناس.
* * * *
الأموال التي تجب فيها الزكاة
__________
(1) البخاري 1/58 رقم 1.
(2) الإمام الشافعي 2/15.
(3) البخاري 1/619 رقم 1371 وسيأتي.(1/3)
[1] الذهب والفضة: نصاب الذهب عشرون مثقالاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة» (1) ونصاب الفضة خمسة أواق لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» (2) ووزن المثقال الشرعي بالوقت الحاضر: 4.25غم فيكون نصاب الذهب 4.25×20=85غم، ولأن الدرهم يساوي 0.7 من المثقال فيكون وزن الدرهم الشرعي 0.7×4.25= 2.975=595غم، ثم إذا أراد إخراج الزكاة بالعملة الورقية فإنه يضرب عدد الغرامات في سعر الغرامات ويخرج من الناتج 2.5%.
ولا تجب الزكاة في حلي المرأة
ولا تجب الزكاة في حلي المرأة وهي كل ما عُدَّ للتزين به من الذهب والفضة والياقوت واللؤلؤ والجواهر وغيرها، أما ما عَدا الذهب والفضة فلا زكاة عليها بالاتفاق، أما الذهب والفضة فالراجح أن لا زكاة عليهما إن شاء الله تعالى، وهو القول المروي عن عبد الله بن عمر وعائشة وجابر وأنس وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين، وهو مذهب الحنابلة والمالكية والقول والأظهر في مذهب الشافعية للأدلة التالية:
1) روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ليس في الحلي زكاة» (3) .
2) أن عائشة رضي الله عنها كانت تلي بنات أخيها محمد، يتامى في حجرها ولهن الحلي، فلا تزكيه (4) .
3) أن الشريعة الإسلامية قد اهتمت بالعلاقة الزوجية وحثت على كل ما يوثق هذه العلاقة، وتزين المرأة لزوجها من الأمور التي تساعد على تقوية هذه العلاقة ومن هذه الزينة بل ومن أفضلها الذهب والفضة وإيجاب الزكاة فيهما قد يحجب هذا المقصد الشرعي ولا شك.
ولكن يشترط في عدم الزكاة في حلي الذهب والفضة:
1) أن يكون معداً للاستعمال فقط، فلا تسقط الزكاة في الحلي المعدة للنماء باستعماله.
__________
(1) المغني 2/319.
(2) البخاري 11/611 رقم 1352.
(3) المغني 2/322.
(4) الموطأ نقلاً من جامع الأول 4/610.(1/4)
2) أن يكون لبسه جائزاً، فلا تسقط الزكاة فيما لا يجوز التحلي به ولا فيما يكره مثل التشبه والتماثيل والصلبان وغيرها.
وهناك من قال بوجوب الزكاة في الذهب والفضة مثل الإمام أبي حنيفة.
[2] الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم.
وشروط وجوب الزكاة فيها:
1) بلوغ النصاب.
2) أن يحول عليها الحول.
3) أن لا تكون معلوفة ولا عاملة.
نصاب الإبل ومقادير الزكاة:
أجمع العلماء أن في كل خمس من الإبل شاة إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيهما ابنة مخاض (1) إلى خمس وثلاثين، فإذا لم تكن ابنة مخاض فابنة لبون (2) ذكر فإذا كانت الإبل ستًا وثلاثين ففيهما بنت لبون إلى خمس وأربعين من الإبل فإذا كانت ستًا وأربعين ففيهما حقة (3) إلى ستين فإذا كانت واحدًا وستين ففيهما جذعة (4) إلى خمس وسبعين فإذا كانت ستًا وسبعين ففيهما ابنتا لبون إلى تسعين فإذا كانت إحدى وتسعين ففيهما حقتان إلى عشرين ومائة ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة علي القول الراجح إن شاء الله.
نصاب البقر ومقدار الزكاة:
لا زكاة فيما دون الثلاثين إن شاء الله تعالى، فإذا كانت البقر ثلاثين ففيهما تبيع أو تبيعة إلى تسع وثلاثين، فإذا بلغت أربعين ففيهما مسنة إلى تسع وخمسين، فإذا بلغت ستين ففيهما تبيعان إلى تسع وستين، فإذا بلغت سبعين ففيهما تبيع ومسنة ،فإذا زادت ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة إن شاء الله تعالى.
والجواميس من فئة البقر فهي مثلها في النصاب.
نصاب الغنم ومقدار الزكاة:
ليس فيما دون أربعين من الغنم زكاة، فإذا بلغت أربعين ففيهما شاة إلى عشرين ومائة ،فإذا زادت واحدة ففيهما شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيهما ثلاث شياه إلى أربعمائة، ثم في كل مائة شاة.
__________
(1) لها سنة ودخلت في الثانية.
(2) لها سنتين ودخلت في الثالثة.
(3) لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة.
(4) لها أربع سنين ودخلت في الخامسة.(1/5)
ولا خلاف في ضم الضأن إلى المعز لاحتساب النصاب، ويجوز إخراج الزكاة من الضأن أو من المعز ولكن لا يجزئ من الضأن إلا ما له ستة أشهر وهو الجذع، ولا يجزئ من المعز إلا ما له سنة وهو الثني.
[3] عروض التجارة: كل ما يتجر فيه من غير الذهب والفضة مثل: العقار والنبات والحيوان وغيرها.
شروط الزكاة في عروض التجارة:
1) الملك التام.
2) أن يحول عليها الحول من وقت بلوغها النصاب.
3) أن ينوي المتاجرة بها عند تملكها.
4) أن يبلغ ثمنها النصاب.
ثم بعد توافر الشروط تقوّم هذه الأموال بنقد البلد ويضم إلى الذهب والفضة والنقد ،ثم يطرح منها الدين الذي عليه إن شاء الله تعالى، ويضاف الدين الذي له إذا كان من الديون التي تجب فيها الزكاة، ثم تزكي ربع العشر 2.5% ويكون تقدير قيمة الأموال بأحد النقدين الذهب أو الفضة ولكن حسب ما هو أنفع للفقراء.
زكاة المضاربة
وهو مال يدفعه صاحبه إلى آخر ليتجر به والربح بينهما حسب ما يرتضونه.
فتكون زكاة رأس المال على صاحبه يضم إليه نصيبه من الربح المتفق عليه ويزكيه والآخر يزكي نصيبه إذا بلغ النصاب ولا يُزكى إلا بعد الاستلام.
[4] زكاة الزروع والثمار:
وهي كل ما يخرج من الأرض مما يقصد بزراعته نماء الأرض واستغلالها به عادة.
نصاب الزروع والثمار ومقدار الزكاة:
لا تجب الزكاة في شيء من الزروع والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق وحولها مدة نمائها.
أما مقدار الزكاة فيها فالعشر إذا كانت تُسقى بماء الأمطار أو الأنهار، ونصف العشر إذا كانت تُسقى بالوسائل كالدوالي والنواضح وغيرها، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر» (1) .
[5] زكاة العسل:
__________
(1) البخاري 1/625، 626 رقم 1386.(1/6)
يزكى العسل إن شاء الله تعالى لورود بعض الأحاديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وإن كان في سندها مقال إلا أنه يساندها بعض الآثار الواردة عن بعض السلف من الصحابة والتابعين.
نصاب العسل ومقدار الزكاة:
نصاب العسل عشرة أفراق، أي ما يساوي 65.28كيلوا غرامًا، لأن الفرق يساوي 16رطلاً × 10 أفراق = 160 رطلاً = 65280 أي 65.28 وتزكى فرقًا أي ما يعادل 6.528غرم إذا كانت في السهل ونصف الفرق 3.264 غرام إذا كانت في الجبل للحديث الذي أخرجه أبو عبيد في الأموال عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : «ما كان منه في السهل ففيه العُشر، وما كان في الجبل ففيه نصف العُشر» (1) .
[6]المعدن والركاز
المعدن: كل ما خلق الله في الأرض من المعادن.
الركاز: الكنوز المدفونة في الأرض قبل الإسلام، أما المدفونة بعد الإسلام فهي لقطة تجري عليها أحكامها.
نصاب المعدن والركاز ومقدار الزكاة فيهما:
لا نصاب في المعدن ولا في الركاز إن شاء الله تعالى،ـ ففي القليل والكثير الخُمس لعموم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «وفي الركاز الخُمس» (2) .
[7]زكاة العقار: تزكى العقارات إذا كان الهدف منها الاستثمار، ولكن إن لم تستثمر بعد فالزكاة في أصل قيمتها، وإذا كانت مستثمرة فالزكاة في الدخل إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول.
أما إذا لم يكن الهدف منها الاستثمار مثل ما أعد للاستعمال أو السكن فلا زكاة فيها.
[8]زكاة الوقف: كل ما أوقف في سبيل الله فلا زكاة فيه لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : حينما أرسل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الصدقة فمنع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس «... وأما خالد، فإنكم تظلمون خالدًا، وقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله...» (3) .
__________
(1) نقلاً عن شرح السنة للبغوي 6/46.
(2) البخاري 1/631، 632 رقم 1401.
(3) مختصر مسلم 137 رقم 505.(1/7)
[9]زكاة الأسهم: الأسهم من عروض التجارة تجب فيها الزكاة، تزكى كل سنة حسب قيمتها في نهاية الحول دون النظر إلى قيمة الشراء
[10]زكاة الرواتب:
إما أن ينظر إلى ما يتوافر من الراتب في كل شهر ،ثم يزكيه إذا بلغ النصاب ومر عليه الحول 2.5%، وإما أن ينظر إلى ما يتوافر في أول شهر ثم يزكي بقية الشهور تبعًا لهذا الشهر بعد مرور حول على الراتب الأول لأن التعجيل في إخراج الزكاة جائز، أما التأخير فلا يجوز.
[11]زكاة الدين:
ولا تجب: الزكاة في الدين إن شاء الله تعالى إلا من كان له دين عند امرئ وَفٍِيٍٍ، فعليه الزكاة أما من كان دينه عند مماطل أو معسر أو جاحد فلا زكاة فيه حتى يقبضه ويمر عليه الحول إن كان نصابًا بنفسه أو يُضم إلى ما يجوز ضمه إليه من الأموال لما روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ليس في الدين زكاة» وكذلك روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وعطاء (1) ، ولأن من شروط المال أن يكون مملوكًا ملكًا تامًا حقيقة، وفعلاً وهذا الشرط لا ينطبق في الدين، ثم إن الشرع قد حث على القرض وبين فضل القرض وأنه أفضل من الصدقة في أحاديث كثيرة، وإيجاب الزكاة في الدين قد يتسبب في إحجام الكثير من الناس عن إقراض المحتاجين، وبذلك يقل التعاون بين المسلمين والله تعالى يقول: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (2) .
__________
(1) المحلى 6/104.
(2) المائدة 2.(1/8)
ولا تجب الزكاة على المدين إن شاء الله تعالى لخطبة عثمان - رضي الله عنه - في شهر رمضان والتي قال فيها: «هذا شهر زكاة زكاتكم، فمن كان عليه دين، فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدوا منها الزكاة» (1) وقد كان ذلك بحضور الصحابة، ولأن الدين من الحاجات الأصلية للمدين، ولا زكاة في الحاجات الأصلية للمدين، ولا زكاة في الحاجات الأصلية للمالك، ولكن يشترط لعدم وجوب الزكاة على المدين:
1/ أن يكون الدين حالاً.
2/ أن ينوي قضاء الدين دون تأخير.
* * * *
لمن تعطى الزكاة
لا يجوز دفع الصدقات (الزكوات) إلا إلى الأصناف المذكورين في قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (2) .
الفقراء والمساكين: ويجمع بينهما جامع الحاجة والفاقة وإن كان الفقير أشد حاجة من المسكين إن شاء الله تعالى لتقديمه في الآية ولقول الله تعالى: { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ } (3) ولا يخرج الفقير والمسكين عن وصفهما تملك الأشياء الأصلية لحياتهم مثل المنزل والمركب والأثاث والملابس والسلاح والكتب إذا كان من أهل العلم كل ذلك بشرط أن لا ينطبق عليه قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «وعائل مستكبر» (4) وكذلك لا يخرجهما تملك نصابًا من مال تام إذا كان لا يكفي لحاجتهم الأصلية وإن كثر، وكذلك الدين المؤجل إلا إذا امتنع عن أخذه من أجل الحياء أو عدم إخراج الزكاة فلا تحل.
ويجوز إعطاء من يريد الزواج ولا يستطيع المؤنة؛ لأن الزواج من الحاجات الأصلية كالشراب والأكل.
__________
(1) شرح السنة للبغوي 6/54.
(2) التوبة الآية 60.
(3) الكهف 79.
(4) مختصر مسلم 474 رقم 1787.(1/9)
العاملون عليها: وهم الذين يقومون بجباية الزكاة للإمام والذين يقومون على توزيعها في مصارفها، ويشترط فيهم الإسلام والبلوغ والعقل والأمانة والفقه في أحكام الزكاة، وأن لا يتقاضى على هذا العمل راتبًا.
المؤلفة قلوبهم: وهم السادة المطاعون في أقوامهم وعشائرهم سواء كانوا مسلمين أو كفارًا يخشى ضرهم أو يُرجى نفعهم.
وفي الرقاب:وهم الأرقاء ذكورًا أو إناثًا مكاتبين أو غير مكاتبين إن شاء الله تعالى بأن يشتروا من مال الزكاة ويعتقون لعموم قوله تعالى: { وَفِي الرِّقَابِ } .
الغارمون:وهم المدينون الذين عجزوا عن سداد هذه الديون، فيعطون من الزكاة ما يسدد ديونهم بشرط ألا تكون الديون لزمتهم في معصية فلا يعطون إلا إذا تابوا واقتضت المصلحة إعطاءهم.
وهناك صنف آخر يعطون من الزكاة حتى لو كانوا أغنياء وهم الذين استدانوا لإصلاح ذات البين.
ويعطى المال إلى المدين نفسه وهو الذي يقوم بتسديد الدين إلا إذا اقتضت المصلحة السداد عنه فلا بأس إن شاء الله.
وفي سبيل الله:وهم المقاتلون في سبيل الله يعطون ما يلزمهم لشراء ما يحتاجونه من مؤنة وعتاد، وكذلك نفقة عيالهم حتى ولو كانوا أغنياء إن شاء الله تعالى؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «لا تحلُّ الصدقة لغني إلا لخمسة – وذكر منهم- الغازي في سبيل الله» (1) .
ابن السبيل:وهو المسافر الذي انقطعت به المؤنة للرجوع إلى بلده وإن كان غنيًا في بلده.
الشروط العامة في مستحقي الزكاة:
1- الإسلام: يشترط في مستحقي الزكاة الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين والأرقاء والمدينين- أن يكونوا مسلمين، وكذلك العاملين عليها لابد من إسلامهم إن شاء الله تعالى؛ لأنَّها ولاية ولا ولاية لغير المسلم على المسلم، أما المؤلفة قلوبهم فلا يشترط إسلامهم.
__________
(1) أبو داود بشرح عون المعبود 5/44.(1/10)
2- أن لا تكون هناك قرابة مانعة مثل الوالدين الأب والأم وإن علوا الجد والجدة، والأبناء وإن نزلوا، وكذلك الزوجة لا تعطى من الزكاة أما الزوج فيجوز أن يعطي إن شاء الله تعالى لحديث زينب زوجة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما إنها سألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أتعطي زوجها من الصدقة – الزكاة – قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «نعم ولها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة» (1) .
3- أن لا يكون هاشميًا ولا مطلبيًا لأن الصدقة لا تحل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وآل محمد، وهم بنو هاشم وبنو المطلب على مذهب الشافعية.
* * * *
زكاة الفطر
الزكاة الواجبة بالفطر من رمضان.
حكمها: فرض، لحديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» (2) .
حكمتها: إغناء الفقير يوم العيد عن المسألة.
وتجب: على كل مسلم ذكر أو أنثى كبير أو صغير عليه وعلى من يعول للحديث الذي رواه الإمام الشافعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «فرض زكاة الفطر على الحرِّ والعبد والذكر والأنثى ممن يمونون» (3) ويستحب للجنين.
متى تجب: تجب بعد غروب الشمس من آخر يوم في رمضان.
مقدار زكاة الفطر: صاع من قوت أهل البلد سواء كان تمرًا أو برًا أو شعيرًا أو ذرة أو زبيبًا أو أرزًا أو غير ذلك إن شاء الله تعالى.
والصاع خمسة أرطال وثلث بالأرطال العراقية، ويساوي بأوزاننا الحاضرة 2.176كليو غرام (4) .
شروط وجوبها
1) الإسلام.
2) أن تكون زائدة على قوته وقوت من يعول ،وعن الحوائج الضرورية إن شاء الله تعالى يوم العيد.
متى تؤدى: لتأديتها ثلاثة أوقات:
__________
(1) البخاري 1/619 رقم 1371.
(2) البخاري 1/633 رقم 1405.
(3) الأم للشافعي 2/62.
(4) نيل الأوطار 4/183.(1/11)
1) وقت الجواز: من قبل العيد بيوم أو يومين.
2) وقت الفضيلة من بعد صلاة الفجر في يوم العيد وقبل صلاة العيد.
3) وقت قضاء: من بعد صلاة العيد فصاعدًا إن شاء الله.
ويجوز التوكيل من أول يوم في رمضان بشرط إخراجها في وقت الجواز أو وقت الفضيلة.
لمن تدفع: تدفع لفقراء أهل البلد ،ويكره إخراجها مع وجود فقراء في نفس البلد مع سقوط الفرض بها.
هذا ما تيسر جمعه، والله أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا وأن ينفع به المسلمين وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * * *(1/12)