حكم الرمي قبل الزوال
جمع وترتيب
عبد الرحمن الوهيبي
مؤسسة شبكة نور الإسلام
twww.islamlight.ne
اشتراكك في جوال نور الإسلام .. دعم لمسيرتنا الدعوية
لمعرفة الباقات أرسل رسالة فارغة إلى الرقم (81877)
ريع الجوال صدقة جارية
شيخ الإسلام ابن تيميه ... رحمه الله
ابن قيم الجوزية ... رحمه الله
الإمام البخاري ... رحمه الله
الإمام النووي ... رحمه الله
ابن قدامه المقدسي ... رحمه الله
سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم مفتي المملكة سابقاً ... رحمه الله
العلامة الشيخ / محمد الأمين الشنقيطي ... رحمه الله
العلامة الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر السعدي ... رحمه الله
اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية
سماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة سابقاً رحمه الله
فضيلة الشيخ / عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة حالياً حفظه الله
فضيلة الشيخ / محمد بن عثيمين رحمه الله
فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
تقديم فضيلة الشيخ/صالح بن فوزان الفوزان
الحمدلله وبعد:فقد قرأت هذه الرسالة التي كتبها :عبدالرحمن بن رشيد الوهيبي وفقه الله في منع الرمي قبل الزوال في أيام التشريق مستشهدا بالأدلة الصحيحة وأقوال الأئمة مع الرد على شبهات المجيزين لذلك ،فوجدتها رسالة قيمة مفيدة يناسب نشرها في هذا الوقت الذي اختلطت فيه الأمور بسبب الجهل والهوى والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
كتبه صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
9 / 11 / 1427 هـ
الرمي قبل الزوال أيام التشريق لا يجزئ
... الحمد لله القائل { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ } (196) البقرة .. والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل " خذوا عني مناسككم " صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وبعد :
فلاشك أن كل مسلم يدرك أن قبول أي عبادة يتوقف على شرطين :
الأول : الإخلاص لله تعالى .(1/1)
الثاني : المتابعة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فيجب على كل مسلم أن يجتهد في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في أدائه لفريضة الحج ، إذ أنها ركُنُ من أركان الإسلام لا أن يتتبع الرخص ويبحث عن المرجوح من الأقوال ، أو يتهاون فيما خالف نصاً صحيحاً صريحاً !؟ ومما لوحظ على بعض الحملات تساهلهم في بعض الواجبات في الحج فضلاً عن السنن والمستحبات تذرعاً بالضرورة تارةً وبالزحام تارة وبأن هناك قولاً يؤيد ما ذهبوا إليه تارة ثالثة .
ومن ذلك التعجّل برمي الجمار يوم الثاني عشر قبل الزوال خلافاً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعلِّي هنا أنقل ما تيسَر لي من أقوال الأئمة والعلماء من السلف والخلف في هذه المسألة أداءً للنصيحة وإقامةً للحجة وبياناً للمحجة .. أسأل الله أن يوفقني فيها للصواب وصدق المقصد وصلاح النية والله المستعان :
أولاً : قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله } (196) البقرة .. قال : " يُستدل به على أمور ـ ثم ذكر ـ سبعة أمور منها : وجوب إتمامها بأركانها وواجباتها التي قد دل عليها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : خذوا عني مناسككم " ومنها أيضاً الأمر بإتقانها وإحسانها وهذا بقدر زائد على فعل ما يلزم لها .. " إلى آخر ما ذكره رحمه الله (1) قلت : ومن رمى قبل الزوال فلم يتم حجه كما فعل صلى الله عليه وسلم ، كذلك لم يتقنه ويحسنه ،إذْ الإتقان بإتباع خير هدي ألا وهو هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) تسير الكريم الرحمن للسعدي ج1 .(1/2)
ثانياً : الاحتجاج بأن في ذلك ( تسهيل للحجاج ولاسيما مع كثرة الزحام وغلبة الظن أن يحدث إضرار بالحجاج ) ليس مبرراً لترك الالتزام بالنص إلا لمسوغ شرعي . وفي حديث جابر " رمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده ، ورمي بعد ذلك بعد زوال الشمس " رواه مسلم ، ثم لِمَ لا يُذكَر الحُجاجُ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المشاعر فقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً وضرباً وصوتاً للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال : أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع .. انتهى . (الإيضاع بمعنى الإسراع) فما يحدث من تزاحم وتدافع عند الجمرات ليس لضيق وقت الرمي بل للجهل بالحكمة من الرمي وللجهل أيضاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمزاحمون يجهلون بعض الأركان فضلاً عن الواجبات والسنن ، والتدافع عند بداية وقت الرمي لن يمنعه تقديمه قبل الزوال .
( مع أن ولاة أمر بلاد الحرمين ـ وفقهم الله ـ قد بذلوا جهوداً كبيرة وسخروا إمكانات ضخمة لتيسير مناسك الحج في جميع المشاعر ) " ومنها الرمي " .
ثالثاً : يحتج المرخِّصون بالرمي قبل الزوال بمذهب الحنفية الذين يجِّوزون الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث مطلقاً وفي اليوم الثاني للمتعجل فقط قلت :(1/3)
(1) قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ بعد ذكر قول إسحاق وأصحاب الرأي وطاووس في جواز الرمي قبل الزوال قال " ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال لقول عائشة رضي الله عنها : يرمي الجمرة إذا زالت الشمس " . وقول جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ، ورمي ذلك بعد زوال الشمس " . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : خذوا عَنِّي مناسككم . وقال ابن عمر رضي الله عنهما : " كُنَّا نتحين إذا زالت الشمس رمينا " (1) .
(2) قال البخاري ـ رحمه الله ـ : حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر عن وبرة قال : " سألت ابن عمر رضي الله عنهما : متى أرمي الجمار ؟ قال : إذا رمى إمامك فارمه ، فأعدت عليه المسألة ، قال : " كُنَّا نتحيَنُ فإذا زالت الشمس رمينا " . قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في شرح الحديث : " .. وفيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال وبه قال الجمهور .. (2) " .
قلت : فكيف تُتركُ السنةُ الصريحةُ وقول الجمهور إلى قول الحنفية المرجوح ؟
ولا يخفى على ذي علم حرص الناس في هذا الزمان على تتبع الرخص .
(3) قال ابن قيّم الجوزية ـ رحمه الله ـ فصل " ولم يزل في نفسي هل كان يرمي قبل صلاة الظهر أو بعدها ؟ والذي يغلب عليه الظن أنه كان يرمي قبل الصلاة ثم يرجع فيصلي ، لأن جابراً وغيره قالوا : " كان يرمي إذا زالت الشمس ، فعقَّبوا زوال الشمس برميه ، وأيضاً فإن وقت الزوال للرمي أيام منى كطلوع الشمس لرمي يوم النحر .. (3) " .
__________
(1) المغني لابن قدامة ج3 .
(2) الفتح لابن حجر ج3 .
(3) زاد المعاد لابن القيم ج2 .(1/4)
(4) قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فصل " ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ويرمي الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال ـ إلى قوله ـ ثم يرمي في اليوم الثاني من أيام منى مثل ما رمى في الأول ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل ، وإن شاء تعجَّل في اليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس " (1) . قلت : فيُفهم من كلام شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن رمي اليوم الثاني كرمي اليوم الأول صفةً وزمناً .
(5) قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح حديث جابر : " وأما أيام التشريق فمذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء أنه لا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة إلا بعد الزوال لهذا الحديث الصحيح .. " (2) .
(6) قال سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ـ مفتي المملكة ورئيس القضاة والشؤون الإسلامية سابقاً ـ في رده على الشيخ / عبد الله بن زيد بن محمود الذي أجاز رمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال في رد مفصل (3) أنقل بعضاً من الرد ومنه قوله : ( ورميه صلى الله عليه وسلم الجمرات أيام التشريق بعد الزوال يدل على الوجوب ، لأنه فعله صلى الله عليه وسلم مشرِّعاً لأمته على وجه الامتثال والتفسير . فكان حكمه حكم الأمر .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " شرح العمدة " : والفعل إذا خرج مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر ، وهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني مناسككم " (4) .
__________
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية ج26 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي ج 5 .
(3) تحت عنوان (تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك) ، وطبع هذا الرد بمطبعة الحكومة بمكة المكرمة عام 1376هـ . فتاوى ورسائل سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ج6 ، ص (67ـ 119) جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ، الطبعة الأولى ، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة عام 1399هـ .
(4) متفق عليه .(1/5)
قال الشيخ :أي(عبد الله بن محمود) ولو كان الأمر كما زعموا أن ما قبل الزوال وقت نهي غير قابل للرمي لبينه صلى الله عليه وسلم بياناً واضحاً بنص قطعي الرواية والدلالة وارد مورد التكليف العام ، إذ لا يجوز في الشرع تأخير بيان مثل هذا عن وقت حاجته ، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في أوقات معلومة .
قال الشيخ ( محمد بن إبراهيم ) : أولاً : عجباً لهذا الرجل : كيف يكون عدم النهي عن فعل العبادة المقيَّدة بوقتها المأمور بها فيه دليلاً على جواز فعل تلك العبادة قبل وقتها ، وهل هذا إلا شرع دينٍ لم يأذن به الله ؟!
أما يدري هذا الرجل أن العبادات مبناها على الأمر ؟! أيخفى عليه حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " (1) . فإنه يشمل بعمومه إحداث عبادة لم تُعلم من الشرع ، ويشمل بعمومه أيضاً فعل عبادة مأمور بها لكن فعلها الفاعل في غير وقتها الذي أمر بها فيه كمسألتنا ، ويشمل بعمومه فعل عبادة قد أمر بها فيه لكن عملها في مكان غير المكان الذي عُيِّن أن تفعل فيه ، ونظير ذلك لو فعلها في وقتها الذي أُمِرَ أن تفعل فيه وفي المكان الذي أُمر أن تُفعل فيه لكن زاد فيها أو نقص .
وزَعْمُ هذا الرجل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين المنع من رمي الجمرات أيام منى قبل الزوال منعاً واضحاً بنص قطعي الرواية والدلالة وارد مورد التكليف العام ، زعم باطل ، فإن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبادة في أيام منى الثلاثة بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير منزل منزلة الأمر العام عند جميع أئمة الإسلام .
ويقال ثانياً : قد ثبت النهي عن رمي هذه الجمرات قبل الزوال فروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول : لا ترمي الجمرة حتى تزول الشمس ، وهذا له حكم الرفع ، لأنه لا مسرح للرأي فيه .
__________
(1) أخرجه مسلم .(1/6)
ويقال ثالثاً : لا تفتقر الأحكام الشرعية الفرعية في ثبوتها إلى اشتراط قطعية السند ، بل تثبت بالأدلة الظنية ، إنما الذي يحتاج في ثبوته إلى كون دليله قطعياً هي الأصول والعقائد ، فإنه لا يثبت أصل شرعي بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه ، كما لا تثبت العقائد بدون دليل قطعي من تواتر أو ما يقوم مقامه .........
إلى أن قال : وقد دلت السنة على توقيت رمي الجمرات أيام التشريق بما بعد زوال الشمس من وجوه :
أحدها : ما رواه البخاري في صحيحه ، حدثنا أبو نعيم إلى آخر ما ساقه هذا الرجل إسناداً ومتناً وهو قول ابن عمر : ( ... كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا ) (1) ، وقد عرفت دلالته على التوقيت .
الثاني : ما رواه الجماعة عن جابر رضي الله عنه قال : " رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى ، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس " .
الثالث : ما رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ، وقال الترمذي : حدثنا أحمد بن عبدة الضبي البصري ، حدثنا زياد بن عبد الله ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس " .
الرابع : ما رواه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول : لا ترمي الجمرة حتى تزول الشمس " ـ وقد تقدَّم .
الخامس : ما رواه أحمد وأبو داود ، عن عائشة رضي الله عنها قال: "أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلّى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق ، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصات يُكبِّرُ مع كُلَ حصاة ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرَّع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها " .
قال الشيخ/محمد : وقول ( عبد الله بن محمود) : هذا مذهب طاووس وعطاء .
يقال له : أولاً : أنت مطالب بثبوت ذلك عنهما .
__________
(1) أخرجه البخاري .(1/7)
ويقال له : ثانياً : من طاووس وما طاووس ، ومن عطاء ، وما عطاء، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالشمس في رابعة النهار ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما حين ناظره من ناظره في متعة الحج ، واحتج مُنَاظِرُهُ عليه بقول أبي بكر وعمر: " يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء " ، أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون : قال : أبو بكر وعمر .
وقال الإمام أحمد رحمة الله عليه : " عجبتُ لقومٍ عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ، والله يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (63) سورة النور . أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شئ من الزيغ فيهلك .
أفتترك توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوقيت سواه ؟ أفتقيس قياساً السُّنةُ تأباه، وكل من أهل العلم لا يرضاه ؟!
قال الشيخ : وقول ابن محمود : ونقل في " التحفة " عن الرافعي ـ أحد شيخي مذهب الشافعي ـ الجزم بجوازه ، قال : وحققه الأسنوي ، وزعم أنه المعروف مذهباً ، ورخَّص الحنفية في الرمي يوم النفر لمتعجل قبل الزوال مطلقاً ، وهي رواية عن الإمام أحمد ساقها في "الفروع" بصيغة الجزم بقوله : ويجوز رمي متعجل قبل الزوال .
قال الشيخ/محمد بن ابراهيم : إن صحَّ هذا النقل عن الرافعي وتحقيقه عن الأسنوي فإن سبيله سبيل ما قبله من عدم الصلاحية أن تعارض به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لا يصح أن يُعارَضَ به مذهب إمامهما فضلاً عن أن تعارض به السنة ، وهو مردود بقول الشافعي : إذا خالف قولي قول النبي صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط .
قال الشيخ : قول ابن محمود : فقد عُلم مما تقدَّم من هذه الأقوال أن للاجتهاد في مثل هذه القضية مجال ، وأن من العلماء من قال بجواز الرمي مطلقاً قبل الزوال ومنهم من جوَّزه لحاجة الاستعجال .(1/8)
قال الشيخ (محمد بن إبراهيم) : (أولاً) : غاية ما عُلِمَ مما لَفَّقَهُ هذا الرجل ها هنا وجود جنس الخلاف في تجويزه مطلقاً ، أو بشرط ، وأنه روي عن بعض المانعين منه قول آخر بالجواز .
ويقال : (ثانياً) : ليس كل خلاف يعوّل عليه ، إنما يعوَل على خلاف له حظ من الاستدلال ، وما أحسن ما قيل :
وليس كل خلاف جاء معتبراً ... ... إلا خلافٌ له حظ من النظر
وهذا الخلاف الذي ذكره هذا الرجل لاحظ له من النظر مطلقاً كما عُرف ذلك مما تقدم ولا يعد مثل هذا الخلاف من العلم ، إنما العلم هو ما يستند إلى كتاب أو سنة أو قول الصحابة ، ولله در القائل :
العلم قال الله قال رسوله ... ... قال الصحابة ليس خلفٌ فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً ... ... بين النصوص وبين رأي فقيه
والحق عند النزاع أن يُرَدَّ ذلك إلى الله ورسوله ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (59) سورة النساء .
والحق أيضاً ردُ ما تشابهت دلالته من النصوص إلى المُحْكَمِ منها ، ومخالف ذلك موسوم يزيغ القلب ، قال تعالى : { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ } (7) سورة آل عمران .
قال الشيخ (عبد الله بن محمود) : ولاشك أن الضرورة الحاصلة بنحو الزحام ، المفضي بالناس إلى الموت الزؤام ، أشد من حاجة الاستعجال .(1/9)
قال الشيخ (محمد بن إبراهيم) : من جوّزه للاستعجال كالحنفية ومنعه مع الضرورة الموصوفة بهذه الصفة ولم يوجد منها مخرج شرعي فلاشك في غلطه حيث فرَّق بين متماثلين ، بل جوَّزه في حال ومنعه في حال هي أولى بالجواز ، وقول الحنفية في هذا الباب غير مُسَلَّم ، ودعوى هذا الرجل الضرورة الموصوفة بتلك الصفة مردودة ، والزحام إنما هو في بعض الوقت لا في جميعه، والشريعة المحمدية السهلة السمحة دلَّت على مخرج من هذه الضرورة لو ثبتت خير من هذا المخرج الذي زعمه هذا الرجل وتصوره لتمشيه على الأصول الشرعية ، ومخرجه هو إنما بناه على شفا جرف هار ، فإن الأعذار والضرورات لا تجوِّز تقديم عبادة على وقتها بحال ، فلا يجوز للمريض ولا غيره أن يصلي الظهر ولا أن يُحرم بها قبل زوال الشمس وهكذا سائر الصلوات وكافة العبادات الموقتة بالأوقات من فرائض ومندوبات ، وجمع العصر إلى الظهر للعذر الشرعي تقديماً والعشاء إلى المغرب كذلك ليس من هذا الباب ، إذ الوقتان في حق المعذور كالوقت الواحد فكما لا يسوغ تقديم رمي جمرات التشريق يوم النحر، فلا يسوغ تقديمها في يومها على وقتها الخاص بها ـ وهو الزوال ....
إلى قوله رحمه الله : إذا عُلمَ هذا فإن رمي الجمرات أيام التشريق الثلاثة لا يصح قبل الزوال : بالكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (7) سورة الحشر ، وأما السنة فرميه صلى الله عليه وسلم بعد الزوال على وجه الامتثال والتفسير المفيد للوجوب كما في حديث جابر وحديث ابن عمر وحديث ابن عباس وحديث عائشة وقوله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني مناسككم " وقد تَقَدَّمت .(1/10)
وأما الإجماع فأمر معلوم وقد نص عليه في بعض كتب الخلاف والإجماع. ولا يرد عليه ما ذكره هذا الرجل عن طاووس وعطاء وغيرهما فإن هذا لا يعد خلافاً أبداً ، ولا يعتبر خلافاً عند العلماء ، لأنه لا حظّ له من النظر بتاتاً بل هو مصادم للنصوص ، وأيضاً كلامه هذا مناقض لما قَدَّمَهُ من نهي النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وأغيلمة بني عبد المطلب أن يرموا قبل طلوع الشمس مما يدل على أن الرمي مؤقت محدد .. إلى آخر رده رحمه الله .
(7) قال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في منسكه (1) "اعلم أن التحقيق أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر حديث جابر في صحيح مسلم وحديث ابن عمر في البخاري وحديث عائشة عند أحمد وأبي داود وحديث ابن عباس عند أحمد وابن ماجه والترمذي
ثم قال : " وبهذه النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم أن (قول عطاء وطاووس بجواز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال ، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال وقول إسحاق : إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه ) كل ذلك خلاف التحقيق لأنه مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه المعتضد بقوله : " لتأخذوا عني مناسككم " ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد وأبو يوسف ، ولم يَرِدُ في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يخالف ذلك ، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له البتة مع مخالفته للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي لأحد أن يفعله والعلم عند الله تعالى "انتهى كلامه رحمه الله".
__________
(1) منسك العلامة الشنقيطي ج2 جمع د. الطيار ، د. الحجيلان .(1/11)
(8) قال شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ " وَلْيُعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً يعتمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل ، فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له من عذر في تركه " . ثم ذكر ثلاثة أصناف من الأعذار وأسباباً عشرة تتفرع إليها الأصناف الثلاثة ، إلى أن قال ـ رحمه الله ـ " وفي كثير من الأحاديث يجوز أن يكون للعالم حجة في ترك العمل بالحديث لم نطَّلع نحن عليها فإن مدارك العلم واسعة ، ولم نطَّلع نحن على جميع ما في بواطن العلماء ، والعالم قد يبدي حجته وقد لا يبديها ، وإذا أبداها فقد تبلغنا وقد لا تبلغنا ، وإذا بلغتنا فقد ندرك موضع احتجاجه وقد لا ندركه سواء كانت الحجة صواباً في نفس الأمر أم لا لكن نحن وإن جوَّزنا هذا فلا يجوز لنا أن نعدل عن قول ظهرت حجته بحديث صحيح وافقه طائفة من أهل العلم إلى قول آخر قاله عالم يجوز أن يدفع به هذه الحجة وإن كان أعلم ، إذ تطرُّق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرُّقه إلى الأدلة الشرعية ، فإن الأدلة الشرعية حجة الله على جميع عباده بخلاف رأي العالم . والدليل الشرعي يمتنع أن يكون خطأ إذا لم يعارضه دليلٌ آخر ورأي العالم ليس كذلك . ولو كان العمل بهذا التجويز جائزاً لما بقي في أيدينا شيء من الأدلة التي يجوز فيها مثل هذا ، لكن الفرض : أنه في نفسه قد يكون معذوراً في تركه له ونحن معذورون في تركنا لهذا الترك ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (134) سورة البقرة .(1/12)
وقال الله سبحانه : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (59) سورة النساء . وليس لأحد أن يعارض الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحدٍ من الناس كما قال ابن عباس رضي الله عنهما لرجل سأله عن مسألة فأجابه فيها بحديث فقال له: قال أبو بكر وعمر فقال ابن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر إلى آخر ما ذكره ـ رحمه الله ـ من كلام نفيس في هذا الباب (1) .
__________
(1) رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية ، الصفحات (12 ، 42، 43) .(1/13)
(9) سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عمن تفقه في مذهب من المذاهب الأربعة وتبصر فيه واشتغل بعده بالحديث فرأى أحاديث صحيحة لا يعلم لها ناسخاً ولا مخصصاً ولا معارضاً ، وذلك المذهب مخالف لها هل يجوز له العمل بذلك المذهب أو يجب عليه الرجوع إلى العمل بالأحاديث ومخالفة مذهبه ؟ فأجاب ـ رحمه الله ـ إجابة مفصَّلة بين فيها فرضية طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وذكر قول أبي بكر رضي الله عنه ( أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم ) ثم ذكر أقوال الأئمة الأربعة وأنهم قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه وذلك هو الواجب عليهم فقال أبو حنيفة : هذا رأيي فمن جاء برأي خير منه قبلناه .. ومالك كان يقول : إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة أو كلاماً هذا معناه ، والشافعي كان يقول : إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط . وإذا رأيت الحُجَّة موضوعة على الطريق فهي قولي. والإمام أحمد كان يقول : لا تقلِّدني ولا تقلِّد مالكا ولا الشافعي ولا الثوري وتعلَّم كما تعلمنا..." إلى أن قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: " وقد ترك الناس قول عمر وابن مسعود في مسألة تيمم الجنب وأخذوا بقول من هو دونهما كأبي موسى الأشعري وغيره لَمَّا احتج بالكتاب والسنة ، وتركوا قول عمر في دية الأصابع وأخذوا بقول معاوية لَمَّا كان معه السُنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( هذه وهذه سواء ..) إلى أن ختم جوابه بقوله : " ولو فُتِحَ هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله , ويبقى كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته , وهذا تبديل للدَّين يشبه ما عاب الله به النصارى في قوله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً سبحانه وتعالى عما يشركون ) انتهى (1) .
__________
(1) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (ج2) .(1/14)
إذاً فالأئمة ومنهم أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ ينهون عن تقليدهم إذا خالفوا الدليل والصحابة يُعرضون عن قول الفاضل منهم إذا خالف السنة , فالله الله في إتباع السنة يا أهل السنة .
رابعاً : استدل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ على أن الرمي لا يجزئ قبل الزوال بثلاثة أدلة :
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم " رمى بعد الزوال وقال : " لتأخذوا عني مناسككم" .
الثاني : ولأنه لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم لِما فيه من فعل العبادة في أول وقتها ولما فيه من التيسير على العباد من وجه آخر , ولِما فيه من تطويل الوقت من وجهٍ ثالث . فلما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعمد أن يؤخر حتى تزول الشمس مع أنه أشق على الناس دَلَّ هذا على أنه قبل الزوال لا يجزئ.
الثالث : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر بالرمي حين زالت الشمس فيرمي قبل أن يصلي الظهر وكأنه يترقب زوال الشمس ليرمي ثم ليصلي الظهر ، ولو جاز قبل الزوال لفعله صلى الله عليه وسلم ولو مرَّة بياناً للجواز أو فعله بعض الصحابة وأقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو القول الراجح (1) .
خامساً : وُجِّهَ سؤالٌ للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء يقول صاحبه : " في اليوم الأول من أيام التشريق أي يوم 11/12/1400هـ رميت الجمرات قبل الزوال جاهلاً في الحكم ... " فكان الجواب : " عليك ذبيحة تجزئ أضحية تذبحها بمكة بنفسك أو توكل أميناً بذبحها عنك وذلك لأن رميك جمرات اليوم الحادي عشر قبل الزوال لا يجزئ.." عبد العزيز بن باز , عبد الرزاق عفيفي , عبد الله بن غديان (2) .
__________
(1) الشرح الممتع لابن عثيمين ( ج 7 ) .
(2) فتاوى اللجنة الدائمة ( ج11) .(1/15)
وفي جواب آخر : " وعلى هذا يكون المتعجل هو من يكتفي بالمبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة , ورمى الجمرات في يوم كل منهما بعد الزوال .... " عبد العزيز بن باز , عبد الرزاق عفيفي , عبد الله بن غديان , عبد الله بن قعود (1) .
قلت : فهذا جواب كبار علمائنا ممن تصدر الأمة عن فتاواهم يرون الرمي أيام التشريق لا يجزئ إلا بعد الزوال , بل فعلهم رحمهم الله الأموات وحفظ الأحياء وزادهم علماً وهدى وتقوى وبصيرة آمين .
سادساً : سُئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ـ مفتي عام المملكة حالياً ـ السؤال التالي : في حج هذا العام بدأت الرمي أيام التشريق من قبل صلاة الظهر خشية الزحام ولقول بعض طلاب العلم إن ذلك جائز عند الضرورة فما حكم عملي هذا جزاكم الله خيراً . فأجاب سماحته بقوله : السنة رمي الجمار في أيام التشريق بعد الزوال هكذا رمى النبي صلى الله عليه وسلم (2) .
سابعاً : سئل فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء عن أيام التشريق وما يفعل فيها فأجاب بقوله : أيام التشريق هي ثلاثة أيام بعد يوم العيد لمن تأخر ويومان بعده لمن تعجل .. ثم قال والذي يفعل فيها هو البقاء في منى والمبيت فيها ليالي أيام التشريق وهو واجب من واجبات الحج , وكذلك رمي الجمار بعد الزوال (3) .
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة (ج11) .
(2) مجلة الدعوة العدد (1735) تاريخ 24/12/1420هـ .
(3) مجلة الدعوة العدد (1876) تاريخ 13/11/1423هـ .(1/16)
ثامناً : قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : لقد كان السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم يرون رأيا خلاف ما جاءت به السنة فإذا بلغهم فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله أو إقراره عدلوا عن رأيهم إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم, فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن يعلم أن المرأة ترث من دية زوجها , بل يرى أن الدية للعاقلة حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان الكلابي ـ رضي الله عنه ـ وهو أمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض البوادي يخبره " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبابي ـ رضي الله عنه ـ من دية زوجها " فترك رأيه لذلك وقال : " لو لم نسمع بهذا لقضينا بخلافه " (1) فماذا يضير طالب العلم بل حتى العالم أن يعدل عن قول إمام من الأئمة إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما وأن ذلك الإمام قد خالف الجمهور .
__________
(1) رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية ص (15) .(1/17)
تاسعاً : قد يقول قائل : إذا كان الرمي قبل الزوال غير مجزٍ فكيف يجزئ الرمي بعد الغروب والنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رموا نهاراً ؟ فالجواب على هذا ذكره فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ حيث قال : " وذهب بعض العلماء إلى إجزاء الرمي ليلاً وقال : إنه لا دليل على التحديد بالغروب لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدَّد أوله بفعله ولم يحدِّد آخره . وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري " رميتُ بعدما أمسيتُ قال : لا حرج " والمساء يكون آخر النهار وأول الليل . ولما لم يستفصل الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل بعدما أمسيت في آخر الليل أو في أول الليل علم أن الأمر واسع في هذا , ثم إنه لا مانع أن يكون الليل تابعاً للنهار فالوقوف بعرفة ركن من أركان الحج والليل فيه تابع للنهار . فإن وقت الوقوف يمتد إلى طلوع الفجر إلى قوله ـ رحمه الله ـ وما دام أنه ليس هناك دليل صحيح صريح يحدد آخر وقت الرمي فالأصل عدم ذلك ولا ينبغي أن نلزم الناس بذلك (1) .
فاتقوا الله يا حجاج بيت الله وأتموا حجكم واهتدوا بهدي نبيكم عليه الصلاة والسلام , ولا تتعجلوا رحيلكم عن المشاعر قبل أوانه فهي ساعات قليلة تمكثونها لقضاء مناسككم.
وأنتم يا أصحاب الحملات اتقوا الله في حجاج حملاتكم واحذروا مخالفة السنة أو الأخذ بالرخص والمرجوح من الأقوال بدعوى التيسير على الناس أو أنكم حجزتم لهم بالطائرة في وقت مبكر لو بقوا إلى ما بعد الزوال لفاتهم السفر !؟
وأنتم يا طلبة العلم وَجِّهوا الناس وحثوهم على إتباع الهدي النبوي , وراجعوا أقوال جمهور الأئمة , وابن تيمية وابن القيم رحم الله الجميع , وانقلوا فتاوى كبار العلماء وفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء , واحذروا الرخص فبابها واسع , ولا تخاطروا بعبادات المسلمين .
__________
(1) الشرح الممتع لابن عثيمين (ج7) .(1/18)
وفق الله حكامنا وعلماءنا وطلاب العلم وجميع المسلمين للعمل بكتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والإخلاص في القول والعمل والحمد لله رب العالمين .
عبد الرحمن الوهيبي
الخرج
? قلت : ومن توفيق الله لولاة أمر هذه البلاد( المملكة العربية السعودية )
سعيهم الدائم لتيسير أداء الحجاج حجهم بيسر وراحة حيث التوسعة في الحرم وتهيئة المشاعر لتتسع لأكبر عدد من الحجاج وتعدد الأدوار في الجمرات حتى لم يعد لمعتذر بالزحام عذر إلا أن يكون متساهلا في اتباع السنة أو متتبعا للرخص فلا حول ولا قوة إلا بالله .....والحمد لله رب العالمين 7 / 12 / 1430 هـ
التيسير في الحج *
بقلم فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء , عضو اللجنة الدائمة للإفتاء
الحمد لله الذي شرع فيسَّر " وما جعل عليكم في الدين من حرج " (الحج:78) وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : فإن التيسير في الحج وغيره من أحكام الدَّين يكون حسب الأدلة الصحيحة مع التقُّيد بأداء الأحكام كما شرع الله سبحانه وتعالى ومن ذلك عبادة الحج والعمرة قال تعالى : " وأتمُّوا الحج والعمرة لله " (البقرة : 196 ) وإتمامهما يكون بأداء مناسكهما على الوجه الذي أداهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " ( الأحزاب : 21 ) وقوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عنَّي مناسككم " أي أدُّوها على الصفة التي أديتها بها لا على الرُّخص التي قال بها بعض العلماء من غير دليل من كتابٍ أو سنةٍ وتلقَّفها بعض الكُتَّاب والمنتحلين للفتوى , قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرُُ وأحسن تأويلا " ( النساء :59) .(1/19)
ففي هذه الآية الكريمة أنه يجب علينا أن نأخذ من أقوال العلماء ما دَّل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا ما يوافق أهواءنا ورغباتنا من أقوال العلماء التي لا مستند لها من الأدلة الصحيحة ولا أن تُستعمل الأدلة الشرعية على غير مدلولها , وفي غير مواضعها كمن يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن تقديم أعمال يوم العيد بعضها على بعض " افعل ولا حرج " على كل تقديم وتأخير وترك لبعض واجبات الحج وأفعاله فاستعمل هذا الدليل في غير محله ونسي قول الله تعالى : " وأتموا الحج والعمرة لله " ( البقرة : 196 ) ولا يحصل إتمام الحج والعمرة الذي أمر اللهُ به في هذه الآية الكريمة إلا بأداء كل منسك من مناسكهما في زمانه ومكانه كما حدَّدهُ اللهُ ورسولُه لا كما يقوله فلان أو يفتي به فلان من غير دليل وإنما تحت مظلة " افعل ولا حرج " وفي غير الزمان والمكان والأفعال التي وردت فيها هذه الكلمة النبوية .
هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن انصرف من عرفه قبل الغروب :
" افعل ولا حرج " هل قالها لمن يرمي قبل الزوال في أيام التشريق , هل قالها لمن وقف بنمرة ووادي عرنة ولم يقف بعرفة , هل قالها لمن ينصرف من مزدلفة قبل منتصف الليل , هل قالها لمن لم يبت في مزدلفة في ليلتها وفي منى ليالي أمام التشريق وهو يقدر على المبيت في مزدلفة وفي منى , هل قالها لمن طاف بالبيت من غير طهارة , إنه لا بد أن يوضع الأمور في مواضعها والأدلة في أماكنها ولابد أن يبين الإطلاق والإجمال كما قال العلاَّمة ابن القيَّم :
وعليك بالتفصيل فالإ ... جمال والإطلاق دون بيان
قد خبطا هذا الوجود وشو ... شا الأذهان والأفهام كل أوان
ولا ننسى أن الحج جهاد والجهاد لابد فيه من مشقة وليس هو رحلة ترفيهية , وقد وسَّع الله الزمان والمكان لأداء المناسك , أما المكان فقال رسول الله في عرفه :(1/20)
" وقفتُ هاهنا وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة " , وقال في مزدلفة : " وقفتُ هاهنا وجمع كلّها موقف " , وطاف صلى الله عليه وسلم بالبيت راكباً وماشياً يستلم الحجر بمحجن , ووقت طواف الإفاضة والسعي يبدأ من منتصف الليل ليلة العيد ولا حد لنهايتها , ووقت رمي جمرة العقبة يوم العيد يبدأ من منتصف ليلة العاشر إلى آخر المساء من ليلة الحادي عشر , ووقت رمي الجمرات الثلاث يبدأ من الزوال إلى آخر المساء من ليلة الثاني عشر والثالث عشر لمن تعجَّل وغروب الشمس من اليوم الثالث عشر لمن تأخر , وفج منى كله مكان للمبيت وهو فجُُ واسعُُ لولا تصرفات الناس واتباع أطماعهم فإنه لا يضيق بالحجاج لو استغل استغلالاً صحيحاً واقتصر على ما يكفيه وترك الباقي لإخوانه وإلا فإنه سيتحمل إثم من أخرجه من منى باستيلائه على أكثر من حاجته :
لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق
إن الذي يجب إعلانه للناس هو قوله تعالى : " وأتموا الحج والعمرة لله " ( البقرة : 196 ) وقوله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عّنَّي مناسككم " أما قوله صلى الله عليه وسلم : " افعل ولا حَرج " فإنما يقال لمن وقع منه تقديم أو تأخير في المناسك التي تفعل في يوم العيد حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم لمن حصل منه تقديم وتأخير في المناسك الأربعة : الرمي والنحر والحلق أو التقصير والطواف والسعي ولم يقله ابتداءً فكل شيء يوضع في مواضعه ـ وأما إعلان " افعل ولا حرج " لكل الناس وقبل حصول الخلل فهذا يحدث تساهلاً وبلبلة في أعمال الحج ـ أسأل الله عزوجل أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح والإخلاص لوجهه الكريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
* مجلة الدعوة العدد ( 2074 ) 7 / ذو الحجة / 1427هـ صـ 59 .
-------------------
* ولاتمام الفائدة قمت بإضافة مقال الشيخ عبد الله المعتاز الذي نشر في مجلة الدعوة بتاريخ(1/21)
29 ذو الحجة 1427هـ في الصفحات التالية .
بداية الرمي أيام التشريق *
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فهذا ما توصلت إليه عن بداية الرمي بعد زوال الشمس وعدم جوازه قبل ذلك اختصرته في هذه العجالة لتسهل قراءته وأسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه .
أولاًُ : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرم إلا بعد الزوال وقال : " لتأخذوا عني مناسككم " .
ثانياً : لم يأذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأحد بالرمي قبل الزوال أيام التشريق ممن حجوا معه وعددهم مائة ألف تقريبا , كما أذن للبعض في عدم المبيت بمنى والخروج من مزدلفة بعد نصف الليل .
ثالثاً : أيام التشريق والوقوف بعرفة تبتدئ من الزوال فلا يجوز الرمي قبل وقته المحدَّد بعد الزوال وكل عبادة لها وقت محدد .
رابعاً : كان الصحابة رضي الله عنهم يتحينون زوال الشمس ليرموا ولو كان الرمي جائزا قبل الزوال لفعلوا ذلك .
خامساً : دعوى المجيزين للرمي قبل الزوال للتسهيل على الناس ليس في محله لأن وقت الرمي طويل من الزوال إلى الفجر فلا داعي للتيسير والتسهيل كما يقولون فالوقت طويل وفي الليل سعة ولا يوجد فيه زحام .
سادساً : لو قلنا ارموا قبل الزوال لحصل الزحام قبل الزوال مثلما يحصل وقت الزوال وبعده بقليل .
سابعاً : التسهيل على الأمة يكون فيما يخَّير فيه المسلم بين شيئين أو أكثر أما الرمي قبل الزوال فهو رمي في غير وقته مثل الوقوف والمبيت بمزدلفة ومنى لا يجوز إلا في وقته ولا شك أن الحج المبرور ما وافق فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - .(1/22)
ثامناً : قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه : " رأيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرمي ضحى يوم النحر ورمي بعد ذلك بعد الزوال ثم قال ذلك " لتأخذوا عني مناسككم " وقال ابن عمر رضي الله عنهما " كنا نتحين إذا زالت الشمس رمينا " وحديث عائشة " مكث بمنى ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس " رواه أبو داود 1971 وكان - صلى الله عليه وسلم - من حرصه على الرمي مبادرته له بعد الزوال مباشرة يرمي قبل أن يصلي الظهر ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لقدَّمه حتى يصلي الظهر في أول وقتها .
تاسعاً : احتجاجهم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لمن قدَّم شيئاً من الطواف والسعي والرمي والحلق والذبح " افعل ولا حرج " لا ينطبق على الرمي قبل الزوال فإن له وقتاً محدداً من كل يوم أما بقية الأمور فوقتها واسع غير محدد النهاية في نفس اليوم .
عاشراً : العبادات كلها لها أوقات مخصصة ومحددة قال تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا ) " النساء : 103 " , وقال : ( واذكروا الله في أيام معدودات ) " البقرة : 203 " , وقال : ( الحج أشهر معلومات ) " البقرة : 197 " , فلا يجوز تقديمها عن وقتها ولا تأخيرها عنه .
الحادي عشر : استدلالهم بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص للرعاة أن يرموا بالليل وأي ساعة من النهار شاؤوا , أخرجه الدارقطني
2/276 قال العلماء : إن إسناد الحديث ضعيف لا يُستدل به ويحتمل أن المقصود رمي جمرة العقبة بعد نصف ليلة المزدلفة وفي الصباح قبل زوال الشمس لا في أيام التشريق لثبوت النصوص بعدم جواز ذلك أما الليل فأجاز العلماء الرمي به لأنه بعد دخول الوقت لا قبل دخوله وفي البخاري " رميت بعدما أمسيت فقال " افعل ولا حرج " .(1/23)
الثاني عشر : استدلالهم بأقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " افعل ولا حرج " هذا في الأمور التي دخل وقتها ولو سُئل عن الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى قبل وقته لما أجاز ذلك
الثالث عشر : استدلالهم بالآية الكريمة بأن الرمي ذكر لا محل له لأن كل ركن أو واجب له وقت مخصوص محدد وهي أذكار ولو بات بمزدلفة ليلة الحادي عشر وهي من الأيام المعدودات لم يُجْزِهِ ذلك عن المبيت الواجب .
الرابع عشر : قولهم أنه لا وجود لدليل صريح في النهي عن الرمي قبل الزوال لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا من القياس , يجابون عليه . أليس فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الصحابة والأمة من بعدهم كافٍ وأمره الصحابة بأخذ المناسك عنه وفهمهم منه ما أراد وعدم ورود مخالفة ذلك من أحد منهم ولا الترخيص له من رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - .
الخامس عشر : استدلالهم بقول ابن عمر : " إذا رمى إمامك فارم " لا محل له بل هو دليل ضد رأيهم , لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو إمامنا وكذا أصحابه والأئمة كلهم يرمون بعد الزوال ولأن وَبَرَةَ لما سأله أجابه بهذا خوفاً عليه حتى لا يلحقه ضرر فلما أعاد وكرَّر عليه بيَّن له نفس الأثر أنهم كانوا يتحينون الزوال كما نقل ذلك ابن حجر في الفتح
3/580 .
السادس عشر : تأخير الرمي إلى آخر يوم من أيام التشريق لا يدل على جواز تقديم الرمي أيام التشريق كلها قبل الزوال ولم يقل أحد بذلك ولم يقل أحد بجواز تقديم أفعال الأيام كلها قبل وقتها أما التأخير فهو أداء وسُنَّة لمن لم يستطع الرمي كل يوم كما في حديث عاصم بن عدي الذي رواه النسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد .
السابع عشر : : أن علماءنا السابقين أمثال ابن باز وابن إبراهيم والألباني والوادعي والعثيمين وابن حميد وغيرهم يقولون بابتداء الرمي في أيام التشريق بعد الزوال وقولهم حجة .(1/24)
الثامن عشر : أن قولهم هذا بجواز الرمي أيام التشريق قبل الزوال مخالف لأقوال الجماهير من العلماء قال النووي كما في شرح صحيح مسلم 9/53 " مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء أنه لا يجوز الرمي الأيام الثلاثة إلا بعد الزوال .... "
التاسع عشر : قولهم " إن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يؤخذ منه الوجوب " فلذلك نقول لا يبطل طواف من طاف في اليوم الحادي عشر مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في العاشر . يرد عليه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقَّت بداية طواف الإفاضة في العاشر فيفهم منه عدم جواز الطواف في التاسع فهو - صلى الله عليه وسلم - حدد بداية الطواف ولم يحدد له نهاية وكذلك في الرمي فإنه حدد له بداية ولم يحدد له نهاية فلا يجوز تجاوز ما حده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - حدد نهاية النحر عندما قال " كل أيام التشريق ذبح " رواه أحمد , وهو في الصحيح .
العشرون : قوله - صلى الله عليه وسلم - " لتأخذوا عني مناسككم " أمر والأمر للوجوب فلا يصرف عنه بدعاوى ورأي أما الفعل في يوم النحر فمن العسر بمكان أن يطبق كما فعله - صلى الله عليه وسلم - فقد رمى وطاف وسعى وحلق وذبح ثم صلى الظهر بمنى فالأصل بقاء الأمر على وجوبه بأن يكون الرمي بعد الزوال .
الحادي والعشرون : فتوى ابن عمر كما في الموطأ (1/217ـ408 ) بسند صحيح أنه كان يقول لا ترم الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس .(1/25)
الثاني والعشرون : قال ابن قُدامه المقدسي في المُغني صفحة 405 " ولا يرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال فإن رمى قبل الزوال أعاد ... نص عليه وروي ذلك عن ابن عمر وبه قال مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وروي عن الحسن وعطاء إلا أن إسحاق وأصحاب الرأي رخَّصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال ولا ينفر إلا بعد الزوال وعن أحمد مثله ورخَّص عكرمة في ذلك أيضاً وقال طاوس يرمي قبل الزوال وينفر قبله ثم قال * " ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رمى بعد الزوال لقول عائشة يرمي الجمرة إذا زالت الشمس وقول جابر في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - رأيت رسول - صلى الله عليه وسلم - يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " خذوا عني مناسككم " وقول ابن عمر ( كُنَّا نتحَّين إذا زالت الشمس رمينا ) وأي وقت رمى بعد الزوال أجزأه إلا أن المستحب المبادرة إليها حين الزوال كما قال ابن عمر وقال ابن عباس : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر " رواه ابن ماجه انتهي كلامه ـ رحمه الله ـ بنصه .
الثالث والعشرون : من تعظيم شعائر الله وتعظيم حرماته اتباع هدى نبيه - صلى الله عليه وسلم - وعدم التقدُّم عليه بقول أو فعل قال تعالى : ( ذلك ومن يعظم حرمات الله فإنها من تقوى القلوب ) " الحج : 32 " , وقال : ( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) " الحج : 30 وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(1/26)