حكم الإسلام في الاختلاط
إعداد
جمعية الإصلاح الاجتماعي
الكويت
مؤسسة نور الإسلام
www.islamlight.net
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
كثر الكلام في هذه الأيام عن ( الاختلاط في الجامعة ) ..
ويحاول البعض أن يظهر في الاختلاط بأنه ضروري للتعليم الجامعي ، ولكن دون أد يدعموا كلامهم بدليل مقنع .. ومن أين لهم الدليل ؟ وأوقع المجتمعات المختلطة التي ضاقت بأعقد المشكلات وأبشع الحوادث المؤسفة يجعل دعواهم موضعاً للاستغراب والريبة .
في العام الدراسي 66/67 فتحت جامعة الكويت أبوابها للطلبة والطالبات وكل منهم يدرس في كليات خاصة فالطلبة التحقوا بكلية الآداب والعلوم والتربية أما الطالبات فالتحقن بكلية البنات ، والكلية الأولى في منطقة والثانية في منطقة أخرى ..
وعند ما قرر المسئولون فتح كليتين جديدتين هما :
كلية التجارة والاقتصاد.
وكلية الحقوق والشريعة.
حاول البعض جعلهما مختلطتين .. ولكن الغيورين وقفوا في وجه هذه المحاولة وأصدر مجلس الأمة قراراً منع بموجبه الاختلاط في الجامعة .
وبالرغم من أن كلية البنات الجامعية تتوفر فيها كل الأقسام العلمية الموجودة في كليات الطلبة إلا أن البعض مع الأسف يثيرون بين فترة وأخرى نغمة الاختلاط زاعمين أن في ذلك توفير في النفقات المادية ، مع التكليف المادي ليس له قيمة إذا وضعنا نصب أعيننا سلامة الأعراض والحفاظ على بناتنا مما وصلت إليه الكليات المختلطة ، وبلادنا والله الحمد تنعم بالخيرات الوفيرة الأمر الذي يمكنها من إنشاء كليات خاصة للطلبة وكليات أخرى للطالبات .
ومع وضوح حكم الإسلام في الاختلاط إلا أن دعاة الاختلاط يلجؤون إلى تبرير هذه العادة المستوردة لتثبيت جذورها الغربية بأسانيد من الدين بعد أن يحرفوا الكلم عن مواضعه .. ويلوحون بفتوى منسوبة إلى أحد العلماء .(1/1)
لذلك وجهت جمعية الإصلاح الاجتماعي سؤالاً إلى أصحاب الفضيلة علماء الكويت والعالم الإسلامي لبيان حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية في الوقت الحاضر ولبيان الأضرار التي تنجم عن الاختلاط على ضوء تجارب الجامعات المختلطة في بعض البلاد العربية والبلاد الغربية . . علما بأن الدراسة في جامعة الأزهر وجامعات كثيرة في العالم غير مختلطة .
وقد تلقت الجمعية أجوبة كثيرة لعلماء من الكويت وباكستان والعراق والسعودية ولبنان والأردن ننشرها في هذه الرسالة ليطلع عليها أبناء أمتنا
ونختم هذه المقدمة بكلمة قيمة لسماحة العلامة الشيخ أبو الحسن الندوي رئيس ندوة العلماء في الهند من كتابه (( الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية )) :
(( إن اتباع أساليب الحضارة الغربية في الحياة الاجتماعية والإيمانية بمبادئ حياتها ومنهج اجتماعها يحمل نتائج بعيدة المدى ، إن أوربا اليوم مصابة بالجذام الخلقي ، ولا يزال جسمها يتقطع ويتعفن حتى أصبح الجو كله موبوءاً ، وسبب هذا الجذام هو الإباحية الجنسية الخلقية التي تسود أوروبا اليوم ، وتتخطى حدود الحيوانية والبهيمية والسبب الحقيقي لذلك هو حيرة المرأة المطلة ، والتبرج المطلق ، والاختلاط الذي لا حد له ولا نهاية ، وإدمان الخمر ، فأي بلد إسلامي سار على هذا الدرب وطرح الحشمة ، وسمح بالاختلاط بجميع أنواعه ، وشجع التعليم المختلط كانت نتيجته ذلك التفسخ الخلقي ، والجنسي ، والثورة على سائر الحدود الخلقية والدينية وفي عبارة وجيزة الجذام الخلقي الذي أشرنا إليه آنفاً ، والذي أصيب به الغرب ،أننا نرى معالم هذه الجذام واضحة في البلاد الإسلامية التي تحمست في تقليد الحضارة الأوروبية ورفع الحجاب ، وشاع فيها الاختلاط .
و الله يقول الحق وهو يهدي السبيل ..
فتوى فضيلة الشيخ عبد الله النوري
رئيس لجنة الفتوى في وزارة الكويت والأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت(1/2)
الإخوان السادة جمعية الإصلاح الاجتماعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وصلني قبل أربعة أيام من تاريخه رسالة منكم تطلبون مني أن أكتب رأيي في الاختلاط وكنت قد سئلت عنه فأجبت في التلفزيون جوباً شافيا كافياً إلا أن الرقابة منعت إذاعته ولكني تكلمت فيه في مسجد القادسية من منبر الجمعة مرتين والحمد لله أنني وجدت لكلامي آذاناً صاغية في الجمعتين .
أبعث لكم برأيي في الموضوع أرجو أن يكون عند حسن ظن كل مسلم والله من وراء القصد وهو الهادي إلى الصواب .
عبد الله النوري
الحمد لله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه .
وبعد .. أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سنسمع في آخر الزمان دعاة للباطل ، هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ويقولون من قول خير البشر حذرنا صلى الله عليه وسلم منهم ووصفهم بأنهم دعاة على أبواب جهنم .
وهؤلاء الدعاة كثيرون ومبادئهم هدامة يجمعها أنها هدامة دين وأخلاق واجتماع ... من هؤلاء الدعاة دعاة الاختلاط في كويتنا المسلمة العربية .
حاولت مرات عديدة أن اجتمع ببعض هؤلاء الدعاء وأن أسألهم عن فوائد الاختلاط خلقيا واجتماعياً ودينياً ، وكفاني اجتماعا بهم أن وزعوا نشرة ذكروا فيها أن عدم الاختلاط له أثره على ميزانية الجامعة وأن الاختلاط يخفف من المصاريف ومن انتداب بعض المدرسين .
إذا ففائدة الاختلاط عندهم مادية بحتة ولو حصل منها ما حصل من أضرار خلقية أو دينية إذ لا قيمة للدين ولا لمكارم الأخلاق بالنسبة للمادة .(1/3)
وفي الأسبوعين الماضيين عقدت ندوتان في التلفزيون في برنامج ( قضايا ورود ) كان موضعهما الاختلاط .. وتكلم بعضهم بأن الدين يبيحه وأتوا بآيات كريمات كشاهد مبرر للاختلاط .. ويؤسفني أن أولاد المسلمين لم يستطيعوا قراءة هذه الآيات ولم يقيموها لفظاً ولا إعراباً .. ويؤلمني والله أشد الألم أن اسمع مسلماً من أبوين مسلمين يحمل الشهادة الجامعية العلمية يعتز بعروبته وعروبة أبويه يقرأ الآية من كتاب الإسلام العربي المبين فيحرفها لفظاً وإعراباً اللهم إلا إذا كانوا يتعمدون فيحرفون الكلم عن مواضعه .
أما حكم الاختلاط في الإسلام مع وضعنا الحاضر فلا أظن أن أحداً يجهله إلا من ران على قلوبهم ما كانوا يريدون .
الإسلام لم يبح اختلاط الإناث بالذكور إلا اختلاط المحارم بالمحارم ومنعه في الحالات التي يجب فيها الاستئذان . قال دعاة الاختلاط رخص الإسلام المرأة أن تدخل فتصلي مع الرجال مأمومة وهذا دليل على إباحة الاختلاط .. ولكنهم جهلوا أن تجاهلوا أن للسناء مكاناً خاصاً في المسجد وهو مؤخرة المسجد لا يختلطن بالرجال وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وشر صفوف النساء أولها وخيرها آخرها )).
لأن آخر صفوف النساء أبعد عن الرجال وأولها أقرب منهم ، ومنع من أصابت بخوراً أو عطراً أن تحضر المسجد بل اشترط لحضورها أن تكون ( تفلة ) أي بلا عطر ولا زينة .
واحتجوا أيضاً لإباحة الاختلاط بموقف عرفة والطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة وتجاهلوا أنه يشترط لأداء هذه المناسك أن تكون النساء مع محارمهن في لباس حشمة وستر وعبادة وأن هذه المواطن الثلاث مواطن عبادة .
وقالوا لقد شاركت النساء الصحابيات الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه في الغزوات وحاربن في صفوف الرجال وكن في بعض الغزوات مسعفات وطابخات وخادمات .(1/4)
ونحن لا ننكر ذلك ولكنهن لم يخرجن في هذه الغزوات كاسيات عاريات حاسرات ممكيجات بل خرجن مع الغازين مستورات محترمات ولم يختلطن بالرجال الاختلاط الذي يريده الدعاة .
وقالوا لم يحرم الإسلام الاختلاط في دور العلم وأن الإسلام أوجب طلب العلم على كل مسلم لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى .
ونقول نعم إن الإسلام أوجب طلب العلم على الإناث كما أوجبه على الذكور ولكن مع تكريم العلم وطالب العلم ، لقد كان النساء يشهدن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يشهده الرجال يستمعن حديثه ويتلقين منه تعاليمه وقد يسألن فيجيبهن ولكنهن كن بمنأى عن الرجال لقد كن في جانب وكان الرجال في الجانب ، ولما ضاق المسجد بمن فيه من رجال وكثرت النساء أمر الله نبيه أن يفتحن بيوتهن لتعليم نساء المؤمنين فقال لهن (( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً )) (( الأحزاب : 34 )) .
نحن لا ننكر أنه برز في العصور الأولى للإسلام نساء بلغن في العلم درجة عجز كثير من الرجال عن بلوغها .. ولكنهن طلبن العلم وهن يدنين عليهن من جلابيبهن ويضربن بخمرهن على جيوبهن .
أما دعاة الاختلاط فيريدون من بناتنا أن يحضرن دور العلم في عطرهن وزينتهن وتبرجهن لأن الإسلام أباح اختلاط المرأة بالرجل في دور العلم وتغافلوا عن كبرى العلل عن التبرج المثير .. يحلون ما يعجبهم ويتغافلون عن ما لا يعجبهم ثم يضربون المثل بعائشة وأسماء وحفصة وغيرهن من الصحابيات اللواتي فقدن كثيراً من الرجال فقهاً وفضلاً .(1/5)
هاتوا لنا طهارة عائشة وزكاء أسماء وصلاح حفصة وعفة زينب وصفاء نسيبة ثم هاتوا لنا رجالا كأبي بكر في تقواه وكعبد الله بن مسعود في عبادته وكابن عباس في إخلاصه واختلطوا .. أم تريدون أن نقيس جلباب الماضي وخماره بمنيجوب اليوم وباروكته . إننا لا ننكر أن المسلمة دخلت ميدان العمل فباعت وابتاعت وزرعت وصنعت ولكنها كانت في كل هذه الميادين شريفة عفيفة ولقد أدركنا بعضهن وإلى عهد قريب فيه كانت المرأة تعمل وقد غضت من بصرها ومن صوتها وأدنت من جلبابها حتى غطت به قدميها وضربت بخمارها على جيبها وأخفت كل معالم زينتها لا بل منهن من تركت زينتها في بيتها وكان لها من دينها حارس يمنعها عن ما يريب ومعها من إيمانها حافظ لها عما يعيب .
أما الاختلاط الذي يريده دعاته اليوم فإنه دعوة إلى شر ويكفي أن أقول للمواطنين .. يا قوم بدأتم من حيث انتهى الناس .. أوصلنا الذروة من المدينة حتى لم يبق لنا منها إلا أن نجمع بين شبابنا وشاباتنا فأين شرف الإسلام الذي يأمرنا بالإحسان في كل شيء ؟ وأين شرف العروبة الذي حفظه وحرص عليه الآباء والأجداد عن أن يدنس ؟
وأين كياسة المسلمين وفطنتهم ؟
إن النار تكاد أن تستعر في شرفنا وأعراضنا فإلى المسئولين في هذه الدولة وإلى أولي النهي والمعروف أقول يا قوم كونوا نباة خير ولا تهدموا وكونوا دعاة إصلاح ولا تفسدوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ..
فتوى فضيلة الشيخ علي حسن البولاقي عضو هيئة تحرير الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف بالكويت
السيد رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
وبعد .. فقد تلقيت كتابكم الكريم المتضمن طلب بيان حكم الإسلام في ( اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية في الوقت الحاضر وبيان الأضرار التي تنجم عن الاختلاط )) .
وجواباً على ذلك أقول وبالله التوفيق :(1/6)
أ- أما النقطة الأولى وهي : ( بيان حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية في الوقت الحاضر )) . فلا ينبغي أن يشك مسلم في أن الاختلاط المذكور حرام شرعاً لأنه من محركات الشهوات وعوامل إغرائها وتهييجها .
فليس هو أقل من الأمور التي حرمها الإسلام قصداً إلى تطهير الوسط الاجتماعي كالنظر واللمس والخلوة والتكشف وإظهار الزينة التطيب والخضوع بالقول وإظهار صوت الخلخال ، ونشير إلى بعض النصوص في :
1- قال تعالى : (( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ **
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) (( النور : 30- 31 )) .(1/7)
2- وقال عز وجل (( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً **وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) (( 32، 33 )) .
3- وقال جال شأنه (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )) (( الأحزاب : 59)) .
وعن جرير رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نظر الفجاءة ، فقال : ((اصرف بصرك )) رواه أبو داود في باب ما يؤمر به من غض البصر .
5- وعن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي :(( يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة )).. رواه أبو داود في الباب المذكور .
6- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة )) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي في باب تحريم النظر إلى العورات .
7- وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء بايعهن كلاماً ولا يأخذ أيديهن في يده ، فقالت : لا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله :(( قد بايعتك على ذلك)) .رواه البخاري في باب بيعة النساء ومسلم في كيفية بيعة النساء .(1/8)
8- وعن أميمة بنت رقية رضي الله عنها قالت :(( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من الأنصار نبايعه فقلنا يا رسول الله نبايعك على ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف .. قال : فيما استطعتن وأطقتن .. قالت : قلنا الله ورسوله أرحم بنا .. هلم نبايعك يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة )) رواه النسائي في باب بيعة النساء وابن ماجه في باب بيعة النساء ورواه مالك أيضاً وصححه ابن حبان من طريقه كما في الإصابة .
9- وعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لان يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة رواه الطبراني في الكبير والبيهقي . قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وقال المنذري رجاله ثقات .
10- وعن عقبة بن عامر رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت )) رواه الترمذي في باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات ، والبخاري في باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم ، ومسلم في باب تحريم الخلوة بالأجنبية .
11- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله)) . رواه الترمذي في باب ما جاء في الاستتار .
12- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) .(1/9)
رواه مسلم ، وجاء في بعض الروايات : من مسيرة خمسمائة عام .
فهذه الآيات والأحاديث صريحة في تحريم كل ما من شأنه أن يثير الفتنة عن قرب أو بعد .
ولا شك أن اختلاط الطالبات مع الطلبة على الوجه الذي وقع السؤال عنه هو من المثيرات التي يجب منعها ولا يجادل في ذلك إلا من يخالط نفسه أو غيرة فتارة يقول : إن العلم عصمة ، وتارة يقول : إن الحرم الجامعي يوحي بالأدب ، وهو في كل ذلك ينكر الطبيعة التي خلق الله عليها الرجل والمرأة .
وربما تمسك بعضهم بأن اختلاط الجنسين مشروع في المسجد ومصلى العيد والجهاد والحج والعمرة .. وهذه شبهة داحضة فالنساء قد أذن لهن أن يصلين في المسجد على أن تكون صلاتهن في آخر المسجد وصلاة الرجل في أوله مع منعهن من التعطر والتزين والتبرج وترغيبهن في أن يصلين في بيوتهن وإعلامهن بأن صلاتهن في بيوتهن خير من صلاتهن في المسجد .
وفي الجهاد كان النساء يخرجن مع أزواجهن أو أبنائهن أو إخوانهن ثم لا يقفن صفا ولا يحاربن وإنما يسقين العطشى ويداوين الجرحى ، ومن أمسكت منهن بسيف أو خنجر فإنما هو لضرورة الدفاع عن النفس .
وفي الحج والعمرة أمرن بعدم مزاحمة الرجال ثم إنهن لا يخرجن من بيوتهن إلى الأماكن المقدسة إلا مع أزواجهن أو محارمهن غالباً ، والوقت الذي يجتمعن فيه مع الرجال ليس بالوقت الطويل وإنما هو وقت الطواف والسعي .
فاختلاط الطلبة والطالبات في الجامعة في الوقت الحاضر ليس كهذا الاختلاط المأذون فيه وقد علم بالتجربة أنه لو فتح هذا الباب لم يكن تقييده بإلزام الطالبات الملابس الشرعية والأماكن الخلفية ولا بعدم السير مع الطلبة في ساحة الجامعة وبين طرقاتها وفي الصعود والهبوط على درجات السلم ولا بغير لك من القيود .(1/10)
فالذي يفتي بجواز الاختلاط ويقيد فتواه بالقيود التي تجعله متفقاً مع مبادئ الإسلام لا يكون في فتياه ناظراً إلى الواقع لأن هذا الباب متى فتح ضرب بهذه القيود عرض الحائط فالفتيا بهذا خيانة لله والرسول والأمانة وقد قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )) (( الأنفال : 27)) .
ب- وأما النقطة الثانية وهي بيان الأضرار التي تنجم عن الاختلاط على ضوء تجارب الجامعات المختلطة فهي : أن يروج في الأمة مستقبلاً ما هو رائج في أمم الغرب الآن من فقد الحياء وزوال العفة وغلبة الفواحش فتقع الأمراض السرية كالأوبئة ويتبدد نظام العائلة والبيت ويكثر الطلاق والتفريق ويتربى الشبان والشابات على قضاء الشهوات أحراراً من كل قيد ويضيع الفتية والفتيات خير ما أوتوا من قوة العمل وصحة الجسم في شهواتهم المجاوزة لحدود الاعتدال .
هذا هو مجمل بيان حكم الإسلام في النقطتين المسؤول عنهما . ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفق الأمة إلى ما فيه الخير والصواب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تحريراً في 2 من صفر 1389هـ
18- من إبريل 1969هـ
علي حسن البولاقي عضو هيئة تحرير الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف بالكويت .
فتوى فضيلة الشيخ أحمد نصار
رئيس البعثة الأزهرية في الكويت
الاختلاط في دور العلم وحكمه في الإسلام .
السيد رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي – المحترم
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وبعد .
فرداً على خطاب سيادتكم رقم 95 والمؤرخ 7/2/1389هـ 24/4/1969م بشأن الرأي في حكم الإسلام في (( اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية )) .
نرسل رفق هذا الرأي في ذلك ، وإني إذ أشكركم أدعو الله لكم بالتوفيق والسداد في خدمة دينكم وأمتكم .
والسلام عليكم ورحمة الله .(1/11)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وخاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه ، وكل من استن بسنته ، واتبع شريعته ، وبعد .
فإن المرأة نصف المجتمع ، وشريكة للرجل فيه ، وأثرها في حياة الأسرة لا يخفى ، أوصى الله بها كثيراً ، ونوه بفضلها في كتابه الكريم ، وعلى لسان نبيه الأمين :
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (( الحجرات : 13)) . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء )) .
وهي ذات مسئولية بالنسبة لنفسها ولمجتمعها ، فهي مسئولة عن نفسها وعن مالها ، وعن عبادتها ، وعن أسرتها ، ولا تقل مسؤوليتها عن مسؤولية الرجل في ذلك ، والإسلام يحترم رأيها الصائب ، وقد ردت امرأة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحجتها القوية ، فلم يتردد في الحق ، وأخذ برأيها وقال قولته المشهورة (( أصابت امرأة وأخطأ عمر )) .
وقد أخذت المرأة المسلمة حقها كاملاً في ظل الإسلام ، وانطلقت إلى أفق الحياة الواسعة ، تبني وتعمر ، وتشارك في رفعة ذلك المجتمع الذي رفعها وقدرها ، خرجت مع الرجل في ميادين القتال ، وشهدت الصلاة العامة في المساجد ، وزاولت بعض أنواع التجارة ، وشاركت في شتى مرافق العيش المختلفة فعلت ذلك وهي في وقارها واتزانها ، وفي ثياب الحشمة والعفاف ، متمسكة بدينها ، غير متبرجة ، ولا مبدية لزينتها وفتنتها .(1/12)
والإسلام تقديراً منه لدور المرأة في الحياة ، وما تقوم به من الإشراف والهيمنة على بيت زوجها ، وتربية أولادها ، وما يجب عليها من تحري الخير والصلاح ، والبعد عن الشر والفساد ، يهتم كل الاهتمام بتعليمها وتثقيفها بما فيه الخير لها ولمجتمعها ، وليس هناك من فارق في التكليف بين المرأة والرجل ، ولكن الإسلام حفاظاً على المرأة ، وحفاظاً على مجتمعها ، جل لها حدوداً لا تتعداها بمخالطتها الرجل حتى لا تقع فيما لا يجب أن تقع ، وسداً لباب الفتنة ، وحفاظاً على المرأة والرجل ، أمر المؤمنين بغض البصر ، قال تعالى : (( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )) (( النور : 30)) . وأمر المؤمنات بغض البصر كذلك فقال تعالى : (( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )) ( النور : 31)) .
وقد جرفت تيارات المدينة الكاذبة ، وما أرسله علينا الاستعمار الغربي في ألوان الفساد ، المرأة المسلمة ، فقلدت الغربيات في أزيائهن وتبرجهن ، وأيقظت الفتنة بين الشباب، وكأنها في ثيابها وزينتها فتنة تسعى ، وإغراء يتنقل .
وقد رأينا وسمعنا وقرأنا الكثير عن أثر الاختلاط في الجامعات الشرقية والغربية على السواء ، وفي المجتمعات المسلمة وغير المسلمة ، وأثره في القيم الخلقية والروحية ، وما بذره من بذور التمرد على المبادئ السلمية ، والتحلل من كل فضيلة ، وما تركه من أسمى وحسرة في نفوس كثير من الأفراد والأسر .(1/13)
وإذا كان الإسلام يحرم ذهاب المرأة إلى المسجد للصلاة إذا خيفت الفتنة ، رغم ثيابها المسدلة ، وتمسكها بالحشمة والوقار ، والعزلة في المسجد عند الصلاة ، فكيف ينادي في وقتنا هذا باختلاط المراهقين والشباب من الجنسين ، في مرحلة التعليم الجامعي ونحوه ، بحجة الحرية ، والاقتصاد في النفقات ، والتآلف بين الفتى والفتاة ، والبعد عن التزمت والتخلف ؟!
فلنحذر الأفكار المستوردة التي لا تتمشى مع ديننا وأخلاقنا ، ولنحكم ديننا وعقلنا في مثل تلك الأمور الخطيرة التي تقوض ما بقي لنا من قيم ، ولنتق الله في أنفسنا ، ولا ننخدع بمثل تلك الصيحات ، حفاظاً على تماسك الأسرة المسلمة وشرفها ، وتقدم بلادنا ونهضتنا ، ورفعة الإسلام وعزته .
سدد الله خطانا على الطريق المستقيم ، وأنار لنا ظلمات هذه الحياة ، وأخذ بيدنا حتى نضع كل أمر موضعه الصحيح ، والله ولي التوفيق .
والسلام عليكم ورحمة الله
أحمد نصار رئيس البعثة الأزهرية في الكويت
المعهد الديني السبت 17/2/1389هـ الموافق 3/5/1969م .
فتوى فضيلة الشيخ محمد سلمان الجراح
إمام مسجد سعيد في القبلة بالكويت .
حضرة المكرم رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(1/14)
وبعد . فقد وصلني كتابكم الكريم رقم 95 تاريخ 7/2/1389هـ وأحطت علماً بما حواه وبخصوص بيان حكم الاختلاط في الإسلام المشار إيه يكفي في تحريمه قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )) (( الأحزاب : 59)) . وقوله تعالى : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) ( الأحزاب : 33) . وحديث المرأة عورة وإجماع الأمة عليه فعلاً من عهد السلف الصالح إلى هذا العهد وحاشا أن يكونوا قد ضلوا واهتدينا أو جهلوا وعلمنا وليسعنا ما وسعهم ولنقتف أثرهم إن كنا متقين وقد جاءت الشريعة الغراء بسد الذرائع إلى المحرمات فأمر رب السموات والأرض خالق الكون ومدبر شؤونه العالم بخفايا أموره وبكل ما كان وما سيكون بغض البصر عما لا يحل فقال تعالى : (( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ** وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ )) ونهى المرأة أن تضرب برجلها لتسمع الرجال صوت خلخالها في قوله (( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ )) . ونهاهن عن اللين بالكلام لئلا يطمع أهل الخنى فيهن قال تعالى : (( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )) .(1/15)
أما سؤالكم حفظكم الله عن بيان الأضرار التي تنجم عن الاختلاط فاعلم أن هذه الفكرة الكافرة الخاطئة الخاسئة المخالفة للحس والعقل وللوحي السماوي وتشريع الخالق البارئ من تسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين فيها من الفساد والأخلاق بنظام المجتمع الإنساني ما لا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته فمن ذلك ابتذال المرأة واختلاطها في الأجانب فيه ضياع المروءة والدين لأن المرأة متاع الدنيا وهو أشد أمتعة الدنيا تعرضاً للخيانة لأن العين الخائنة إذا نظرت إلى شيء من محاسنها استغلت بعض منافع ذلك الجمال خيانة ومكراً فتعريضها لأن تكون مائدة للخونة فيه ما لا يخفى على أدنى عاقل وكذلك إذا لمس شيئاً من بدنها بدن خائن سرت لذة ذلك اللمس في دمه ولحمه بطبيعة الغريزة الإنسانية ولا سيما إذا كان القلب فارغاً من خشية الله تعالى فاستغل نعمة ذلك البدن خيانة وغدراً وتحريك الغرائز يمثل ذلك النظر واللمس . والاختلاط يكون غالباً سبباً لما هو شر منه كما هو مشاهد بكثرة في البلاد التي تخلت عن تعاليم الإسلام وتركت الصيانة فصارت نساؤها يخرجن متبرجات عاريات الأجسام لأن الله نزع من رجالها صفة الرجولة والغيرة على حريمهم نعوذ بالله من مسخ الضمير والذوق ومن سوء ومكروه .
ودعوى السفلة أن دوام اختلاط الطالبات بالطلبة بادية الرؤوس والأعناق والمعاصم والأذرع والسوق ونحو ذلك يذهب إثارة غرائز الرجال لأن كثرة الامساس تميت الإحساس كلام في غاية السقوط والخسة لأن معناه إشباع الرغبة مما لا يجوز حتى يزول الأرب منه بكثرة مزاولته – وهذا كما ترى – ولأن الدوام يذهب إثارة الغرائز باتفاق العقلاء لأن الرجل يمكث مع امرأته سنين كثيرة حتى تلد أولادهما ولا تزال ملامسته لها ورؤيته لبعض جسمها تثير غريزته كما هو مشاهد لا ينكره إلا مكابر .
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولن لا حياة لمن تنادي
11- صفر – 1389هـ(1/16)
محمد سليمان الجراح ، إمام مسجد سعيد في القبلة بالكويت .
فتوى فضيلة الشيخ محمد صالح عبد الوهاب العدساني
إمام مسجد العدساني في الكويت
إلى حضرة المكرم رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد ، وصلني كتابكم المؤرخ 7/2/1389هـ الموافق 24/4/1969م تطلب مني حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية في الوقت الحاضر ومن المعلوم أن الطالبات لا يرتدين الأزياء المحتشمة وإنما يلبسن الأزياء الغربية المثيرة وتطلب أيضاً بيان الأضرار التي تنجم من الاختلاط على ضوء تجارب الجامعات المختلطة في بعض البلاد العربية والغربية علماً بأنه توجد جامعات كثيرة في العالم غير مختلطة وهي من أنجح الجامعات .
1- حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية في الوقت الحاضر والماضي والمستقبل وسواء يرتدين الأزياء المحتشمة أو الأزياء الغربية المثيرة كل هذا حرام حرمه الله ورسوله .
2- الأضرار التي تنجم من الاختلاط في الجامعات المختلطة سواء في البلاد العربية والغربية ينجم من هذا الاختلاط الزنى وهتك الأعراض وارتكاب ما حرم الله وهو عمل من أعظم الذنوب التي نهى الله عنها وتوعد عليها بالعذاب الأليم .
فالله سبحانه وتعالى حرم الاختلاط والسفور والتبرج في كتابه العزيز فقال : (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) وقال تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ )) ( الأحزاب : 59 ) (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) ( الأحزاب : 33)) .
وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم : الاختلاط والسفور والتبرج .(1/17)
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعنده ميمونة : فأقبل ابن أم مكتوم بعد أن أمرنا بالحجاب : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : احتجبا منه فقلنا : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا : فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(( أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه )) .
وقد سأل رسول الله بنته فاطمة : وقال لها يا فاطمة أي شيء خير للمرأة فقالت أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل : فضمها إلى صدره وقال ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم :
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم : وقال أيضاً لأن يضرب أحدكم في رأسه بحديدة خير له من أن يمس امرأة لا تحل له )) .
وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم فإن ثالثهما الشيطان )) وفي الحديث الذي رواه الطبراني قال النبي صلى الله عليه وسلم : لأبي أمامة )) إياك والخلوة بالنساء والذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما )) . وعن أبي موسى : (( أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فيوجد ريحها فهي زانية )) . وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان )) وروى ابن ماجه قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبست نساؤهم الزينة وتبخترن في المساجد )) ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يخلو رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر إلا ومعها ذو محرم ، فقال رجل يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني كتبت في غزوة كذا وكذا قال انطلق فحج مع امرأتك )) .(1/18)
عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه )) عن موسى بن يسار رضي الله عنه قال مرت بأبي هريرة امرأة وريحها تعصف فقال لها أين تريدين يا أمة الجبار قالت إلى المسجد قال وتطيبت قالت نعم : قال : فارجعي واغتسلي : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( لا يقبل الله صلاة من امرأة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل )) وإنما أمرت بالغسل لذهاب رائحتها وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهدن العشاء )) أي الآخرة فهذا حكم الإسلام في الاختلاط والسفور والتبرج في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب التمسك بهما والعمل بهما .(1/19)
وفي كتاب فقه السنة تأليف السيد سابق الجزء السابع صفحة 196 : نشرت كاتبة أمريكية تقول : امنعوا الاختلاط وقيدوا الحرية للمرأة وفي صفحة 197 تقول إن المجتمع العربي مجتمع كامل وسليم ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي : فعندكم تقاليد موروثة تحتم تقيد المرأة وتحتم احترام الأب والأم وتحتم أكثر من ذلك : عدم الإباحية الغربية التي تهدد العالم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا ولذلك فإن القيود التي يفرضها المجتمع العربي على الفتاة الصغيرة ، واقصد ما تحت العشرين هذه القيود صالحة ونافعة لهذا أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم ، وامنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة : بل ارجعوا إلى عصر الحجاب ، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا : امنعوا الاختلاط قبل سن العشرين فقد عانينا منه في أمريكا الكثير : لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعا معقداً مليئاً بكل صور الإباحية والخلاعة ، وأن ضحايا الاختلاط والحرية قبل سن العشرين يملأون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا الصغار قد جعلت منهم عصابات أحداث .(1/20)
وعصابات جيمس دين وعصابات للمخدرات ، وإن الاختلاط والإباحية والحرية في المجتمع الأوربي والأمريكي هدد الأسر ، وزلزل القيم والأخلاق ، فالفتاة الصغيرة تحت سن العشرين في المجتمع الحديث تخالط الشبان وترقص وتشرب الخمر والسجاير وتتعاطى المخدرات باسم المدينة والحرية والإباحية ، والعجيب في أوروبا وأمريكا أن الفتاة الصغيرة تحت سن العشرين تلعب ، تلهو وتعاشر من تشاء تحت سمع عائلتها وبصرها ، بل وتتحدى والديها ومدرسيها والمشرفين عليها تتحداهم باسم الحرية والاختلاط تتحداهم باسم الإباحية والانطلاق ، تتزوج في دقائق ، وتطلق سعد ساعات ولا يكلفها هذا أكثر من إمضاء وعشرين قرشاً وعرس ليلة أو لبضع ليال ، وبعدها الطلاق وربما الزواج فالطلاق مرة أخرى ، هذا ما قالته الصحفية الأمريكية في الجمهورية العربية تقول امنعوا الاختلاط وقيدوا الحرية للمرأة .
في 4/5/1969م
محمد صالح عبد الوهاب العدساني
إمام مسجد العدساني في الكويت
فتوى سماحة الشيخ أبو الأعلى المودودي
رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان
حضرة المكرم رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد ،(1/21)
فقد ألقي إلي البريد اليوم كتابكم المطبوع المؤرخ 14/4/1969م وقد أخذتني الدهشة مما ورد في كتابكم من محاولة بعض الناس في الكويت من الدعوة إلى التعليم المختلط – وأنا بدوري في هذه المناسبة أقول للمسؤولين في دولة الكويت بكل ما أكن لهم من إخلاص ونصح .. إن الله عز وجل قد وهب دولة الكويت من الوسائل والإمكانات المادية ما تستطيع الدولة معها إنشاء كليات ممتازة خاصة للطلبة وكذلك للطلبات ، لكل قسم من أقسام التعليم ، ومع ذلك إثارة النغمة للتعليم المختلط وفتح المعاهد المختلطة يمرح فيها المراهقون والمرهقات جنباً إلى جنب من قبل بعض الأفراد لا تفسر إلا بكونهم مصابين بداء التقليد الأعمى للغرب المنحل .. بينما التعليم المختلط قد أسفر في أمريكا وأوربا عن نتائج سيئة تكاد تدمر المجتمعات فيها .
وقد بلغ الأمر فيهما إلى أن ما بين ستين بالمائة وسبعين في المائة من مجموع الفتيات اللواتي يدرسن في المعاهد المختلطة مارسن التجارب الجنسية قبل الزواج ، ونسبة اللواتي يحملن المختلط ، ونرى الصحف الأمريكية ، والأوربية تصدر مملوءة بالتقارير والدراسات عن هذه الأحداث ، وإذا أحبت الدول الإسلامية كذلك أن تصل إلى نفس النتائج التي وصل إليها لغرب فلا أستطيع إلا القول . بأنا لله وإنا إليه راجعون .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أولاً وآخراً .
3/2/1389هـ
21/4/1969هـ
المخلص
أبو الأعلى المودودي
رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان .
فتوى فضيلة الشيخ محمد نمر الخطيب
رئيس جمعية الرابطة الإسلامية في لبنان
سيادة الأخ الكبير رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد .. فقد وصلني كتابكم الكريم والذي تسألون فيه عن بيان حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية مع العلم بأن الطالبات لا يرتدين الأزياء المحتشمة دائماً ، وإنما يلبسن الأزياء المغرية المثيرة .(1/22)
الجواب ... إن الاختلاط بهذه الكيفية التي جاء شرحها في السؤال لا يختلف في حرمتها اثنان من المسلمين ولا ينكر مساوئها ومفاسدها من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..
وكان ينبغي على إخواننا في الكويت أن يعتبروا بما حصل ويحصل في العالم العربي والإسلامي من فوضى خلقية ومفاسد متعددة لم تترك بيتاً ولا مكاناً مما سبب هذا التأخير وهذه النكسات المتواصلة وهذا الذل المخيم على بلاد العرب والمسلمين من جراء مخالفتهم الله عز وجل ، ومن أشد هذه المخالفات إثماً عند الله هذه الفوضى الخلقية الناشئة من الاختلاط ومن ارتداء النساء للألبسة المثيرة المغرية تقليداً لفجور الأجانب وانحرافاً عن دين الله سبحانه وتعالى ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول السعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه .
ردنا الله إلى طريق الصواب وهدانا إلى الصراط المستقيم .
14- صفر الخير / 1389هـ
1/5/1969م
محمد نمر الخطيب
رئيس جمعية الرابطة الإسلامية .
فتوى فضيلة الشيخ عبد المنعم أحمد ثعيلب
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت
الإسلام لا يقر اختلاطاً يثير الغرائز
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
أما بعد ،،
فإن الله الخلاق العليم خلق الزوجين الذكر والأنثى ويعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، يعلم ما ركب في النفوس وما يصلحها ، وما يشقيها ويدنسها .
وشاء الرحمن الرحيم أن يدلنا على الهدى ويردنا عن الردى فأنزل إلينا كتاباً كريماً ونوراً مبيناً يأخذ بيد الإنسانية إلى طرائق الخير والرشد ويسلكها مسالك الاعتدال والقصد وضمن السعادة لمن استقام عليه . قال الله سبحانه : ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى )) ( طه : 123)) .
والله أراد للرجل في الحياة دوراً فأعطاه خلقه متناسباً مع هذه المهمة كما أراد للمرأة جانباً من جوانب تعمير الكون هيأها الموالى الكريم للنهوض به .(1/23)
مهمة الذكر أن يسعى لتحصيل المعاش ويضرب في الأرض ليعلم ويتعلم ، وينفر ليدفع الأذى عنه وعن حماه ، ويكدح لإشاعة الخير والحرمة بين العباد .
ودور الأنثى أن تشارك هذا الساعي المكافح فتشاطره شؤون معاشه تدبره ، وتقاسمه كبد الحياة وتؤازره ، ويسكن إليها فيجد عنده راحة النفس ، ويفضي إليها فيكون التوالد وحفظ النوع ، وتخرج للناس جيلاً يقوم بالقسط ، ولا يحب الفساد .
ولكل شعبة من شعبتي الجهاد هاتين ميدانها ، وتخلى أي منهما عن ميدانه خيانة لأمانة الله وتناقض مع طبيعة الأشياء ميدان الرجل هذا الكون الواسع يابسه وماؤه ، وهواؤه ، وفضاؤه ، وميدان المرأة بيتها ، وأما أعظم شأنه ، وما أكثر تبعاته .
ومن هنا حدد الله لكل من الرجل والمرأة مجاله فطالب الرجل أن يسير ويسعى مرتزقا معلما متعلما معتبراً مقاتلاً في سبيل الله ، كما أمر المرأة أن تستقر في دارها راعية لأولادها حفيظة على حرمات بيتها وزوجها ، وهما كان طهر المرأة ومهما بلغت عفتها فما أذن الله لها أن تخرج من بيتها ولو إلى المسجد – حيث النقاء والصفاء والاتصال برب الأرض والمساء – ما أذن لها إلا أن يأذن زوجها ، فكيف إذا كان الخروج إلى سفر أو إلى لهو أو لتغشي مجالس الرجال ، أو لتعرض عورتها وفتنتها وزينتها على الأبرار والفجار ؟
يقول الله تبارك وتعالى : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) ( الأحزاب : 33 )) .(1/24)
هذا بيان لمكان المرأة الأصلي تعيش فيه مكفولة مكفية لا تبرحه إلا إذا عنت ضرورة – والضرورات تقدر بقدرها – وعندئذ فقط تخرج مستصحبة إيمانها وحياؤها ، فقلبها قانت لا يشتهي ولا يتمنى الحرام ، وخلقها قوي أبي يعف عن الدنايا وينأى عن المنكرات ،تخرج المرأة غير متبرجة بزينة ، تدني عليها من جلبابها ، وتضرب بخمارها على جيبها ، وتحرص على ألا يطمع فيها من في قلبه مرض ، فلا تزاحم في الطريق ، ولا تتهادى في الخطو ، ولا تخضع في القول ، ولا تخلو بأحد وهكذا جاء وحي الله إلى نبيه خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ليبين لنا ويهدينا سبلنا .
لم يأذن الله للمرأة أن تذهب إلى المسجد إلا أن تهفو نفسها إليه ويرضى بذلك زوجها ، ومع ذلك فبيتها أولى بها .
روى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن )) كما روى أحمد والطبراني عن أم حميد الساعدي أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : (( يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال : قد علمت أن تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي )) .
كما رويا عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خير مساجد النساء قعر بيوتهن )) بل إن عائشة رضي الله عنها تقول عند ما رأت النساء في عهد بني أمية لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد .(1/25)
صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر صلاة النساء مؤتمات به في مسجده لكن في إطار معين ، فلا يسمح لمن تقصد المسجد أن تتطيب – روى أبو داود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهدن معنا العشاء )) . فإذا دخلت المسجد فالأفضل لها أن تتبعد عن صفوف الرجال ما استطاعت ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )) – رواه مسلم - .
فإذا خرجن فعليهن ألا يزحمن الطريق وألا يخترن وسطها حتى لا يقتربن من الرجال ، ويأمرهن الرسول بذلك ويقول : (( عليكن بحافات الطريق )) فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به –رواه أبو داود - .
ولقد كان في المسجد النبوي باب مخصوص للنساء وكان عمر في عهد ينهى أن يدخل الرجال من هذا الباب . وكن يخرجن متلفعات بمروطهن .
ولا بأس أن تخرج المرأة لتتعلم ما دام في حدود ما شرع الله . أما أن تشارك الرجال مجالسهم أو تخالطهم في معاهدهم فما نجد في دين الله ما يسوغه .(1/26)
وما قيمة علم تكشف في مجالسه العورات ، وتنتهك الحرمات ، وتسعر نار الشهوات لقد عاشت الامبراطورية الإسلامية أكثر من ألف عام عزيزة قوية تهدي الضال وترشد الحائر وتؤمن الخائف وتنشر بركات علمها وعملها على الإنسانية جمعاء دون أن ترتخص أعراض نسائها ، أو تترخص في الخروج على هدى قرآنها وسنة نبيها ، ودون أن تجمع في دور العلم بين شبابها وفتياتها ، بل إن أربعة عشر قرنا إلا قليلاً كان فيها القرآن الكريم دستور المسلمين والهدي النبوي سبيل المؤمنين أتم الله فيها على المتقين النعمة وآتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ، حتى ارتفعت فينا صيحات الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ، وتعالت أصوات الذين يريدون اتباع الشهوات ، ولم يأخذ الناس على أيديهم فأوشك أن يعمهم الله بعقاب ، وأن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، فتبدل حالنا وذهبت ريحنا ، وصدق الله العظيم : (( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) (( الروم :41))
فإلى الله وإلى كتاب الله وسنة رسول الله ولنحذر الانصراف عما أنزل الله أو إيثار المنع الزائلة على ما عند الله ، ولنا بعد ذلك في الله رجاء أن يصون أعراضنا ويثبت على الحق قلوبنا ويمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
الاثنين 10/ من ربيع الأول سنة 1389هـ
26 من مايو سنة 1969م
عبد المنعم أحمد ثعيلب .
فتوى فضيلة الشيخ نجم الدين الواعظ
مفتي الديار العراقية
لحضرة رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي المحترم(1/27)
لقد وردنا سؤالكم المؤرخ 27- محرم سنة 1389 يتضمن إرادة البعض جواز اختلاط الإناث الذكور الذي لا يجوزه دين من الأديان السماوية ولا سيما دون الإسلام دين الغيرة والشهامة والمروءة والإنصاف عملاً بقوله تعالى : (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) وقوله تعالى : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) ( الأحزاب : 33 )) .
فأين القرار في البيوت مع وجود هذه الكليات والجامعات التي وضع الأجنبي فيها السم في العسل ، ومع هذا الاستهتار الفظيع ، نعم لا يمنع الشرع تعليمها وتهذيبها بأن تؤسس لهن مدرسة لتعليم الدين والأخلاق وتعليم إدارة البيت والمنزل بلا اجتماع ولا اختلاط ولا مسامرة الحب الذي يدعيه بعض السفهاء الحب البريء ..
أين الحياء وأين الدين وآأسفي
ضاع الحياء وضاعت حكمة الأول
فالموت خير لزوج لم يصن شرفا ولم يك مثل الظيغم البطل
فإن قيل هذا الحكم خاص بأزواج النبي الطاهرات فالجواب ما قاله العلماء والمفسرون إن ما وهب لنبينا صلى الله عليه وسلم من العطايا فهو يعم مسلمي البرايا وإن هذه الأمهات مثال الحشمة والفضيلة لهؤلاء العربيات البنات المسلمات هذا ورد في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إياك وإياك أن تختلي بامرأة أجنبية فإنه ما اجتمع اثنان إلا كان الشيطان ثالثهما وإني لأعجب من العربي الأبي المسلم المملوء غيرة وشهامة أن يتساهل في أمر الاختلاط بين الجنسين وماذا يحدث عند تقارب الناس مع البنزين وهذا لا ينكره منصف ولو بلغ من العمر الثمانين سنة ولقد جائتنا هذه العدوى من الأجنبي
لا تربط الجرباء حول صحيحة
خوفي على تلك الصحيحة تجرب(1/28)
فماذا دهاكم وأنتم عرب خلص معزولون عن الاغيار سائلا المولى أن يحفظكم وأن يحفظ أولادكم وبلادكم من هذا المرض المعدي الفتاك إنه ولي الإجابة .
25/4/1969 /
نجم الدين الواعظ
مفتي الديار العراقية
فتوى فضيلة الشيخ عبد الله القلقيلي
مفتي المملكة الأردنية سابقاً
إلى جمعية الإصلاح الاجتماعي الموقرة أيدها الله آمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبعد ، وردني استفتاؤكم في اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية وطلب بيان الحكم الشرعي في ذلك .
الحمد لله وصلى الله على محمد وآله .
وبعد فإن اختلاط الطلاب والطالبات في الدراسة الجامعية – ذلك الاختلاط الذي يكون بجلوس الطالب إلى جانب الطالبة في المقاعد التي يستمع فيها الطلاب الدروس وفي الساحات والذي يتمكن فيه الطلاب من خلوة بعضهم ببعض .(1/29)
هذا الاختلاط مما لا يبيحه الشرع الإسلامي بل يحظره ويكرهه وينكره ، وذلك لما يؤدي إليه من الفساد وذهاب الفضائل وهتك الحركات وانمحاء الآداب ومس الكرامات كما أنه يؤدي إلى امتناع الطلاب عن الدرس والجد في سبيل كسب العلوم والمعارف والانقياد إلى هوى النفس وذلك مما لا نزاع فيه ولا ينكره إلا كل مكابر للباطل منقاد ومناصر ، وإن ما كان كذلك فإن الشرع الإسلامي يمنعه ويحاربه ويمقته كما أنه من المعلوم من الإسلام بالضرورة أن من قواعده سد الذرائع إلى الشرور والمفاسد كما جاء في كتاب الله من الأمر بغض البصر في قوله عز وجل : (( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ )) ( النور : 30)) وكما أمر الله المرأة بغض البصر وستر الزينة في قوله عز وجل : (( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ )) ( النور : 31)) فإن ما جاء في هذه الآيات من أمر الرجال والنساء بغض البصر وصرف النظر عن رؤية الوجوه والتأمل في المحاسن والزينة حتى يؤمن الوقوع فيما يؤدي إليه ذلك من قضاء الوطر ممن حرم عليه ، وليس ما حرم من النظر إلى الوجه والزينة هو محرما بذاته بل لأنه ذريعة إلى ما حرم لذاته وهو الفاحشة وهو مؤيد لما قلنا آنفاً من أن من قواعد الشرع الإسلام الحكيم ونهجه في حكمه السديد سد الذرائع إلى ما يكون ذريعة إلى المفسدة التي هي في ذاتها محرمة ، ولهذا نرى أن الشريعة الحكيمة منعت الاختلاط بين النساء والرجال حتى في المساجد في حضور الجماعات فحظرت أن تقف النساء في الصلاة إلى جانب الرجال مختلطاً بعضهم ببعض .(1/30)
وكان الترتيب الشرعي هكذا أن الرجال يكونون خلف الإمام مباشرة ثم الصبيان ثم النساء ، وقد يظن بعض الحمقى إن في جعل صف المرأة خلف الصبيان ازدراء لهن واستخفافا بهن ومعاذ الله أن يكون في ذلك ما ظنه هذا الأحمق ، وإنما أريد به البعد عما يؤدي إليه التلاصق بين الرجال وبينهن من المحنة والتعرض إلى بلاء الفتنة ، وهذا مما يحتاط الشرع الحكيم بإغلاق بابه وقطع طرقه وسدل حجابه وإن ما يظنه بعض الجهلة ممن يقلد فيه بعض أعداء الدين من تنقص الدين للمرأة إنما هو جهل بالدين ، كيف وقد جاء في كتاب الله أنها من نفس الرجل وجعل ذلك من آياته إذ يقول عز وجل : (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً )) ( الروم : 21)) .(1/31)
وليس هذا موضع الاسترسال في دفع هذه الظنة ومما يدل على نفرة الدين من هذا الاختلاط أنه على سماحة للمرأة بالذهاب إلى المسجد لشهود الجماعة حظر أن تقف المرأة إلى جانب الرجل في الصلاة بل أن بعض الفقهاء جعل ذلك من مبطلات الصلاة بل ذهب بعضهم إلى أنه لا ينبغي أن تذهب المرأة إلى المسجد إلا ليلاً وأن تكون المرأة التي تذهب إلى المسجد من العجائز ، وقد وصفت عائشة النساء في تسترهن حين ذهابهن إلى المسجد وذلك في الحديث الصحيح حيث قالت : (( كانت النساء يصلين مع رسول الله ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس )) وفي حديث السماح للمرأة بالذهاب إلى المسجد الذي في السنن قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وليخرجن تفلات ) أي غير متطيبات وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها خيراً من صلاتها في المسجد وأن الاختلاط بين الطلاب والطالبات على ما وصفنا فيه ما هو من أعظم الزلات وأكثر الآثام والمنكرات وهو ما يؤدي إلى مقارفة الفاحشات وذلك أن يخلو الطلاب بعضهم ببعض حيث يصيب كلاهما فرصة لفعل المنكر وهم أحدهما بالآخر وإتيان الفاحشة ألا وهو الخلوة ، إذ من المعروف أنها قلما تكررت بين رجل وامرأة إلا أفضت إلى الفاحشة ، وقد ذكر عن امرأة تعرف بابنة الخس وقد اشتهرت بالذكاء والحكمة أنها قيل لها ما الذي حملك على الزنى بعبدك وأنت سيدة قومك فقالت : قرب الوساد وكثرة السواد وهذا يتلخص في الخلوة ، لذلك شدد الشارع في النهي عنها والتحذير منها وقد جعل لها حكم الوطء في النكاح وقد جاء في الحديث : (( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )) ونحن لا نظن أن ذا بصر ينازع فيما تؤدي إليه الخلوة من نيل الوصال مما هو حرام لا حلال ، كما أن في الاختلاط من الذرائع التي تؤدي إلى الفاحشة تكرار النظر وهو مما لا ينازع في خطره ولهذا عده النبي صلى الله عليه وسلم من الزنى كما في الحديث (( العينان تزنيان )) وبهذا يتبين جليا(1/32)
بما أوردنا من أدلة عديدة تعطي حكما ( إن الاختلاط بين الطلاب والطالبات في الجامعات والمدارس الأخرى التي يكون الطلاب فيها في حدود المراهقين والمراهقات على ما هو معروف به وعلى غير حد ، هذا الاختلاط يحظره الشرع الإسلامي وفي هذه النصوص ما يشمل كل ضروبه في الحظر والمنع كمثل النظر والملاصقة والخلوة .. والله سبحانه أعلم ) .
25- صفر سنة 1389.
عبد الله القلقيلي
مفتي المملكة الأردنية الهاشمية سابقاً
فتوى
فضيلة الشيخ عبد القادر الخطيب
رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق
السيد رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي المحترم ،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد ،
طيا الإجابة على سؤالكم بخصوص بيان حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات شكر الله مساعيكم ووفقكم لما يحبه ويرضاه .
19- صفر الخير 1389هو 5/51969م
الرئيس : الحاج عبد القادر الخطيب
(( فتوى في تحريم اختلاط الرجال بالنساء ))
جواباً على السؤال الموجه إلينا من جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فقد أمر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب عن الرجال والاستقرار في البيوت ونهاهن عن إظهار الزينة كالنساء في جاهلية الكفر قبل الإسلام بقوله تعالى : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) وقال تعالى : (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )) وقال سبحانه : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )) (( الأحزاب : 59)) .(1/33)
كان هذا وهن أمهات المؤمنين فغيرهن أولى ، وأما ما يروى عن أئمة الأمصار من جواز كشف المرأة وجهها فمقيد بعد الخوف من الفتنة ، وأين ذلك المجتمع المهذب الذي يأمن الإنسان فيه الفتنة عند خروج المرأة سافرة .
وخروجهن سافرات بهذه الصورة المخزية مما تأباه الغيرة ويحرمه الشرع وقد وردت عدة أحاديث في استنزال اللعنات على المائلات والمميلات الكاسيات العاريات اللاتي رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة فاختلاطهن بالرجال مما لا يرضاه الله ولا يقره عالم يخاف ربه :
والغيرة على الحريم رمز الإسلام الصحيح ومن فقدها إنما فقدها بعد اندماجه في أمم لا يغارون على نسائهم ولا يرون أي بأس في الاختلاط عافانا الله والمسلمين من شرور هذا الاختلاط الذميم الذي تعاظم شره وتفاقم ضرره وكثر دعاته .(1/34)
ولخطورته وعمق مفاسده نهانا الله عنه وأمر نساء نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين بالاحتجاب ولزوم البيوت إلا لحاجة مشروعة ليزيل عنهن ما يدنس العرض ويمس بالشرف والعفاف فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول الغيارى العاملين بأوامر الله عز وجل من ذلك ما روى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده ميمونة فاقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتجبا منه فقلنا يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا نعرفه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه . وفي الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) . وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذارع حتى لو دخلوا حجر ضب لتبعتموهم ، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن غيرهم )) ، ومن أجل ذلك فقد بالغ الصالحون في الاحتراز من الاختلاط والنظر إلى ما لا يحله الشرع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى أن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيهم أمر حسن الصورة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم خلف ظهره وقال إنما كانت فتنة داود عليه السلام من النظر ، وجاء في الكتب المنزلة يقول الله تعالى :(( أشتد غضبي على من قل حياؤه )) ، وعلى هذا فإن مما ابتلي به المسلمون وفشا بين الخاصة والعامة في هذا الزمان تقليد الأجانب في كثير من عاداتهم دون تمييز بين النافع منها والضار وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره موافقتهم في كل أحوالهم ، وكان يقول من تشبه بقوم فهو منهم ، وقال ليس منا من تشبه بغيرنا . وهذا يفيد حرمة تقليد الأجانب فيما هو من خصائصهم .(1/35)
وأن اختلاط الرجال بالنساء من خصائصهم فالإثم كل الإثم على كل من يساعد على إباحة الاختلاط سواء كان في الجامعات وسائر المدارس والكليات أو في المتاجر والدوائر والمجتمعات فالحذر الحذر أيها المسئولون مخافة أن تقعوا بمثل ما وقعنا فيه من إشاعة الرذيلة ووخامة العاقبة ولما في الاختلاط من هدم لكيان الأسر والعوائل وقد لمسنا بأيدينا ضرره وشاهدنا بأعيننا مفاسده وما وقعت فيه البلاد التي أباحت التبرج والاختلاط من محنة الانزلاق أدى إلى افتتان النساء بالرجال والرجال بالنساء مما جر إلى الزنا والأذى وانتشار الأمراض واختلاط الأنساب ، وإشاعة الفاحشة بين أفراد المجتمع وكثيراً ما أزهقت بسببه أرواح وسالت دماء تركت في قلوب المتساهلين حسرات وآلاما وندامة حيث لا ينفع الندم جرى كل هذا ولا اعتبار ولا اتعاظ والحالة هذه فلا يصح لمسلم يغار على دينه وعرضه أن يستصغر هذه المعصية الكبرى التي بث سمومها أعداء الإسلام فالحذر من جرثومة الاختلاط أيها المسئولون عن شؤون الرعية لئلا يصيبكم ما أصاب من قبلكم من التدهور في الأخلاق والوقوع في الهوة السحيقة التي وقع فيها المتساهلون في أمر الأمة أنها لفتنة عظيمة تجلب غضب الرب بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله فإذا استهان العبد بأوامر الله وأتى ما نهى عنه أذاقه الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة . قال تعالى : (( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) (( الأنفال : 25)) . وقال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) (( النور : 19 )) .
الشيخ عبد القادر الخطيب
رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق .
فتوى(1/36)
فضيلة الشيخ شاكر البدري
المدرسة الأصفية العلمية الدينية في بغداد
السيد رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي المحترم ، تحية وسلاماً ،،،
جواباً على كتابكم القيم الذي استلمناه مساء يوم 24/4/1969م المتضمن بيان حكم اختلاط الجنسين – الرجال والنساء – في أي مكان ومنها المدارس والمعاهد التي أبتلي الناس في توجيهاتها الخاطئة للنشء الجديد وهو يحسبون أن كل جديد مقبول من غير التفات إلى النتائج المنتظرة من العواقب الوخيمة ، حتى إذا ما وقع القول عليهم ، قالوا ما حكاه الله تعالى عنهم – (( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ )) (( الملك : 10)) .
لذا وخروجاً عن العهدة التي أخذها الله على أهل العلم أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، أقول : إن الإسلام أعطى حق المرأة في كل ما هو صالح لها ومفيد على أساس الحشمة المتمثلة برعاية أنظمة الدين في الهيئة واللباس والعلم والمعرفة والاختلاط وإبراز الزينة ، وحرص على صيانة مكانتها في المجتمع الذي تكون فيه ن وإن تعرف هي هذه المكانة وتصونها من كل ما يمسها بسوء قبل غيرها ، وترعاها حق رعايتها لتكون أهلاً للخير الذي وصى به النبي صلى الله عليه وسلم واتحفها به بقوله : (( استوصوا بالنساء خيراً )) . ومن الخير أن لا تبتذل حرمتهن وأن يحافظ الرجال على أن لا تمس بسوء فتتدهور في حضيض ... - اللامبالاة- بالقيم الأخلاقية التي أقرتها النظر الاجتماعية في العالم قد عرفت النظم وأخذ الناس بموادها ، وركنوا إليها ركون من ذاق نعرف .
غير أن هذه الكرامة النسوية فسرت في العصر الحاضر على غير ما وضعت له لحاجة في النفوس الأمارة بالسوء ، فأباحت للنساء الاختلاط بالرجال ، لا في المجتمعات البيتية فحسب بل وفي المجتمعات العامة ومنها المدارس والكليات والمعاهد ، حيث وضعوا حبل النظم الاجتماعية على غراب من يريد الخروج عليها ، والإساءة إليها .(1/37)
لهذا : منع الإسلام اختلاط النساء بالرجال الأجانب في أعظم عبادة فرضت على المؤمنين والمؤمنات وهي الصلاة حيث رتب صفوف الرجال فيها في المقدمة وهم مستقبلو القبلة لأداء فريضة الله عليهم ، ومن بعدهم الصبيان ليكونوا الحد الفاصل بينهم وبين النساء اللاتي جعل صفوفهن بعد الصبيان وفي المؤخرة حرصاً على إبعادهم عن المخالطة المكانية في أقدس واجب يقومون ويقمن به ، فكيف بغيره ، فغيره أولى ، وأولى أن لا يتساهل فيه باختلاط الرجال مع النساء خاصة في دور مراهقة الشباب والشابات ، هذا الدور الخطير الذي تجب مراقبته والحفاظ مما ينجم عنه من مخاطر لم يسلم منها مقتحموها ، لا في الشرق المتساهل فيه ، وفي الغرب المتدهور في سورته .
وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يلقى دروس التوجيهات التعليمية على الرجال ثم يذهب إلى موقع النساء المنعزلات عن الرجال فيلقي عليهن ما ألقى على الرجال من التوجيهات والتعاليم ، ولم نسمع عن أحد خلاف هذا لا في الصالح ولا في غيرها ، ومن شذ فقد شذ في النار .
هذا ، وإذا ما سكت الواعون عن رده عمهم الفساد ، وسادتهم الفوضى الأخلاقية ، فيطلبون الخلاص ، ولات حين مناص ، وأن أخذوا على أيدي الذين يريدون خرقه أنجوهم ونجوا مما وقع فيه ( اللامباليون ) كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا أن يستقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم ، وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً .
وهذا الذي أوجزناه تبلور من آيات القرآن الآمرة بغض البصر من كلا الجانبين ، والنهي عن إظهار الزينة إلا لمن سماهم الله في سور – النور – (1) وللأمر المفيد للوجوب في سورة – الأحزاب – (2) قل ، وللأمر في (( وإذا سألتموهن متاعا فأسألوهن من رواء حجاب ))
((1/38)
3) - الآية في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين – وأزواجه أمهاتهم .
(4) – فكيف بغيرهن ، فغيرهن أولى على ما يظهر لمن عنده أدنى تأمل في مراد تعاليم الإسلام الموجهة تارة توجيها عاما ، وأخرى خاصاً ، والله يقول الحق وهو يدي السبيل .
وفي الهدي النبوي أحاديث وأحاديث في الدعوة إلى أن تلتزم النساء جانب الاحتشام في اختلاطهن ولباسهن ، ومشيتهن وأن لا يظهرن زينتهن إلا لمن سمى الله تعالى من المحارم ، وأن يحافظن على ما حباهن الله به من صيانة كرامتهن ، والحفاظ على هذه الكرامة من أن تدنس بدنس التهتك ، وتستهان بالمخالطة التي لم يرضها الإسلام ولم يسلكها المسلمون في حياتهم المنزلية والاجتماعية .
مع العلم إن الإسلام لم يقف مانعاً لتعليم المرأة وتقدمها في مضمار الحياة العلمية والعملية، إذا لم يكن هذا مجحفا في حقها ، ومهينا لكرامتها ، وآخذاً بيده إلى حضيض التدهور والانحطاط .
وإنما أعطاها من الحرية المصانة ، والحقوق العادلة ، ما لم يعطها نظام قبله ولا بعده ، وإذا كانت المدينة – اليوم – لم تكن مدينة بالمعنى الذي يريده الذين في قلوبهم مرض إلا باختلاط الرجال بالنساء في المجتمعات العامة والخاصة ، فإنها مدينة دخيلة على مجتمعنا الإسلامي وحاقدة على قيمه ، فلا اعتراف بها ولا اعتصام ، وإذا كانت مبنية على ما أراد الإسلام وارتضاه المسلمون فأهلاً بها وألف مرحى ومرحى ، ومما قلت : :
ليس التمدن بالمساوئ يقتنى كلا ولا بحرائر الأملاق
إن التمدن حفظنا لنفوسنا مزدانة بمكارم الأخلاق
9/2/1389هـ
26/4/1969م
بغداد : شاكر البدري
فتوى الشيخ محمد تقي الدين الهلالي
المدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
يقول راجي عفو ربه المتعالي ، محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي ، جاءني الاستفتاء التالي من رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي من الكويت ونصه :
صاحب الفضيلة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المحترم(1/39)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد .
في العام الدراسي 66/1967 فتحت جامعة الكويت أبوابها للطلبة والطالبات وكل منهم يدرس في كليات خاصة ، فالطلبة التحقوا بكلية الآداب والعلوم والتربية ، أما الطالبات فالتحقن بكلية البنات ، والكلية الأولى في منطقة ، والثانية في منطقة أخرى ، وعند ما قرر المسؤولون فتح كليتين جديدتين هما ( كلية التجارة وكلية الشريعة والقانون ) حاول البعض جعلهما مختلطتين ، ولكن الغيورين وقفوا في وجه هذه المحاولة وأصدر مجلس الأمة قراراً منع بموجبه الاختلاط في الجامعة ، وفي كلية البنات الجامعية تتوفر كل الأقسام الموجودة في الكليات الثلاثة الأخرى التي هي مخصصة للطلاب .
ومما تجدر الإشارة إليه أنه في هذه الأيام يوجد مشروع قانون لمنع الاختلاط في الجامعة مطروح على مجلس الأمة لمناقشة حيث أن قانون الجامعة الحالي مع الأسف لم ينص على الاختلاط ، ولذلك يثير البعض بين فترة وأخرى نغمة الاختلاط زاعمين أنه لا حرمة فيه .
نرجو من فضيلتكم بيان حكم الإسلام في اختلاط الطلبة بالطالبات في الدراسة الجامعية في الوقت الحاضر .
ومن المعلوم أن الطالبات لا يرتدين الأزياء المحتشمة وإنما يلبسن الأزياء الغربية المثيرة .
ونرجو من فضيلتكم أيضاً بيان الأضرار التي تنجم عن الاختلاط على ضوء تجارب الجامعات المختلطة في بعض البلاد الغربية ، علما بأنه يوجد جامعات كثيرة في العالم غير مختلطة وهي من أنجح الجامعات ، راجين أن يصل جوابكم سريعاً وتفضلوا بقبول فائق التحيات .
رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي .
الجواب والله الموفق بمنه وكرمه للصواب .(1/40)
ينبغي أن أقدم بين يدي جوابي عن هذا السؤال ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حث النساء على ترك الاختلاط بالرجال ولو كان بريئاً من كل بريبة إذا لم تدع إلى ذلك ضرورة فإذا دعت إلى ذلك ضرورة قيد بالقيود الشرعية التي تجعله محدوداً بقدر الضرورة وبعيداً من ارتكاب المفاسد والمآتم التي تربو على ما قد يكون فيه من النفع .
الحديث الأول : روى الغمام أحمد والبيهقي والطبراني من حديث أم حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : للنساء ( صلاتكن في بيوتكن أفضل من صلاتكن في حجرتكن ، وصلاتكن في حجرتكن أفضل من صلاتكن في دوركن ، وصلاتكن في دوركن أفضل من صلاتكن في مسجد الجماعة ) .
الحديث الثاني : روى أبو داود في سننه عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها )) .
الحديث الثالث : روى الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( صلاة المرأة وحدها تفضل على صلاتها في الجمع بخمس وعشرين درجة )) . والحديث الثاني رواه الحاكم أيضاً في مستدركه من حديث أم سلمة مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وهذه الأحاديث الأربعة كلها صحيحة حسب ما أشار إليها السيوطي بعلامة الصحة في الجامع الصغير .
بيان معاني ألفاظ الحديث
المخدع بكسر الميم وتضم وتفتح ، البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير ، والحجرة حظيرة الإبل ومنه حجرة الدار ، قاله صاحب اللسان ، الدار ، اسم جامع للعرصة والبناء والمحلة .
نفهم من هذه الأحاديث أموراً .
الأول : إن صلاة المرأة في مخدعها وهو بيت داخل بيت أو غرفة داخل غرفة ، إذا كان الإنسان داخله يكون قد أغلق على نفسه بابين ، باب البيت أو الغرفة ، ثم باب المخدع الذي تشتمل عليه الغرفة ، صلاتها فيه أفضل من صلاتها في البيت أو الغرفة .(1/41)
الثاني : إن صلاتها في البيت أو الغرفة من صلاتها في الحجرة ، والحجرة هي التي تسمى بالعامية في هذا الزمن ( الحوش ) وهي جدار يدار على عرصة يستر أبواب البيوت يزيد ذلك وضوحاً حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس في حجرتي بيضاء نقية .
الثالث : إن صالتها في حجرتها أفضل من صلاتها في الدار ، والدار هي حجرة كبيرة أي حوش كبير يشتمل على مساكن عديدة كل مسكن فيه حجرة ، وقد فتح فيها بيت أو أكثر .
الرابع : إن صلاة المرأة وحدها أفضل من صلاتها في الجماعة بخمس وعشرين درجة .
الخامس : إن صلاة المرأة في الحجرة الكبيرة أفضل من صلاتها في مسجد قومها مع الجماعة .
فما مقصود النبي صلى الله عليه وسلم بهذا كله ؟
الجواب واضح ، وهو إبعاد المرأة في وقت عبادتها ومناجاتها لله تعالى عن الرجال ، لا تراهم ولا تسمع أصواتهم لأن بها حينئذ تكون في غاية الكمال ، والصفاء وذلك يدلنا على أن مخالطة النساء للرجال ولو في العبادة التي هي قربة وخير محض ويكون الإنسان فيها متوجها إلى الله بقلبه وجوارحه أمر مرغوب عنه ، يغلب شره على خيره ، يزيد وضوحاً ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها )) وعلل شرر الحديث خيرية آخر صفوف النساء بأنهن عند ذلك يبعدن عن الرجال وعن رؤيتهم وسماع كلامهم .(1/42)
فإذا كان هذا شأن النساء في الصلاة وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإن المراد بالصفوف صفوف مسجده عليه الصلاة والسلام غيرها ، فما بالك بالاختلاط في المدارس مع التزين والاستعداد كأنهن ذاهبات إلى العرس وقد شاهدت ذلك حين كنت أستاذاً في كلية ( الملكة عالية )) ببغداد ( اليوم كلية التحرير )) ، وفي دار المعلمين العالية فإن الطالبات يلبسن لكل يوم كسوة في غاية ما يكون من الأناقة ، وكنت أستاذاً منتدباً في جامعة (بن ) بألمانيا فلم أر الطالبات يحتفلن بالتزين للمدرسة مثل ما رأيتهن يحتفلن بذلك في البلاد العربية ، ولا أقول البتة إن الطالبات الألمانيات أحسن منهن تمسكاً بالآداب لم أقصد ذلك البتة ، ولكن قصدت أن المقلد قد يغلو في تقليده حتى يتجاوز الحد الذي وصله المقلد ( بالفتح ) ، والإسلام دين العلم يأمر أهله رجالاً ونساءً بتعلم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، مع المحافطة على أشرف شيء عند المسلم وهو العرض ، وذلك ممكن إذا تمسكنا بكتاب الله وكانت لنا في رسول الله أسوة حسنة ، وكنا ممن يرجو الله واليوم الآخر ويذكر الله كثيراً .(1/43)
وقد يزعم المفسدون أن المدينة الأوروبية لا تتجزأ يجب أن تؤخذ كلها بخيرها وشرها أو تطرح كلها ، ولعمر الله ما بروا ولا نصحوا بل غشوا وكذبوا فإن الأوروبيين لم يأتهم هذا الفساد من قبل المدينة والعلم ، وإنما هي عادات كان عليها آباؤهم من زمان وثنيتهم ثم جاءتهم المسيحية فلم تستطع أن تؤدبهم وتصلح أحوالهم ، لأن الإنجيل خال من التشريع والآداب والأحكام وليس فيه إلا مواعظ وتزهيد مفرط في الدنيا ، والقسيسون الذين وضعوا الشرائع لم يعتنوا إلا بما يتعلق بالكنائس ، والأديرة والرهبان والراهبات ، والأعياد والعبادات على أنهم لو وضعوا شرائع وآداباً لم تنفع لأنها لم تنزل من الله العزيز الحكيم ، ولا ينفع البشر إلا ما نزل من خالقهم وبلغهم بواسطة الرسل ، ومع ذلك نرى الأوروبيين طبقتين اثنتين طبقة الوزراء والملوك والأغنياء ، وطبقة الفقراء ومن يليهم من المتوسطين، فالطبقة الأولى لا تبالي بالعرض أصلاً والشاذ لا حكم له ، والطبقة الثانية ساخطة على الاختلاط المريب ، ولو كان الأمر إليها لمنعته .
كنت أسكن في ( بن ) وفي ذات يوم رجعت من الجامعة فسمعت بكاء وصياحاً وحركة غير معتادة فلما جاءتني صاحبة البيت بالطعام قلت لها ما الخبر ؟ فأخبرتني أن ابنتها وعمرها عشرون سنة وجدها أبوها قد ركبت سيارة مع شاب لا يعرفه فأوقفه وقال له : أين تذهب بابنتي ؟ فقالت له ابنته بالله عليك يا بابا اتركني معه فإنه شاب طيب وسيزورك ويعرفك بنفسه فلم يقبل منها ذلك وأخرجها من السيارة وجاء بها إلى البيت وضربها ، وذلك البكاء الذي سمعت هو بكاؤها ، ثم بعد ذلك ببضعة أشهر أخبرتني ابنتها أنها بلغت أباها أن بين أمها وبين شريك أبيها علاقة قبيحة وأن أباها غضب على أمها وقالت لي قد كلت لها صاع بصاع ، هذا يقع في البيوت المحافظة في أوروبا وهو الطامة الكبرى فأي مسلم يرضى أن يقع مثل هذا في بيته وفي أهله وفي عشيرته ؟ مع أن مثل هذا في أوروبا يعد رجعية .(1/44)
أما في أسبانيا التي هي أشد بلاد أوروبا محافظة بزعمها ، فإن الأغنياء والمتوسطين في المال إذا كانت عندهم فتاة قد بلغت سن الزواج يستأجرون لها امرأة كهلة يثقون بها ويعطونها مسكناً وطعاماً ودراهم لأجل أن ترافق ابنتهم يوم الأحد إذا جاء خاطبها ليخرج معها للتنزه ، وهذا المرأة الحارسة لا تسمع للخطيبين أن يخلو بعضهما البعض ببعض لحظة واحدة ، وقد شاهدت ذلك بغرناطة وتحققته .(1/45)
والشريعة الإسلامية سمحة لا تمنع المرأة أن تخرج لقضاء حاجتها ، وأن تخالط الرجال إذا دعتها الضرورة ذلك بقدر الحاجة بلا تبرج ولا إغراء ولا خلوة كما أدبها الله تعالى في كتابه في سورة النور وفي سورة الأحزاب ، والتقليد كله شر وضرر ، والخير في التبصر فينبغي أن نتعلم من الأوروبيين العلوم والصنائع التي تنفعنا في ديننا مع المحافظة على ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكارم الأحكام والآداب ، وأهل الكويت من صميم العرب الذي هم أحق الناس بالمحافظة على هذا الكنز الثمين وهو شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وهم شعب قليل العدد كثير المال وقد كانوا فقراء فأغناهم الله ومستعبدين فأعزهم الله ولا يمكن أن يحافظوا على هذه النعم إلا بالاستمساك بالدين والعض على السنة بالنواجد وطاعة مرشديهم وعصيان الغاوين منهم ، فيجب أن تكون مدارس الإناث مفصولة عن مدارس الذكور من روضة الأطفال إلى شهادة الدكتوراه ، ويجب أن يختار للتعليم في مدارس الإناث النساء الصالحات المؤمنات وعند الضرورة يختار الرجال الصالحون المؤمنون ، ويجب على الأمة الطيبة والطائفة الصالحة المفلحة من شباب الكويت وكهوله وشيوخه أن ينقذوا شعبهم من هذه الهاوية التي بلغنا أنهم وقعوا فيها وهي ترك لباس الحشمة والحياء وتبررج النساء وخروجهن عاريات كاسيات ، مائلات مميلات ، ويجب على هذه الطائفة الصالحة أن تعزز القول بالفعل فتبدأ بنسائها وبناتها ، فتلبسهن لباس التقوى وتنزع عنهن لباس الفجور ثم تدعو إلى إتباع هذه السبيل وهي سبيل النجاة والمحجة البيضاء ، ومن سلك الجدد ، أمن العثار ، وإذا كان في أوروبا نفسها الآلاف من النساء يهبن أنفسهن بزعمهن للمسيح فيتركن كل زينة ويتركن الزواج ، وينقطعن عن النسل وهو يشاهدن العجب العجاب من الفجور وآباؤهن وأمهاتهن وأقاربهن راضون بعملهن فلماذا يعسر على المسلمين أن يسلكوا ما هو أخف من ذلك بدرجات كثيرة وهو إتباع هدي(1/46)
رسول الله في عدم إظهار الزينة إلا لمن أباح الله إظهارها له مع التمتع بنعمة الزواج وإنجاب أولاد والمحافظة على الأولاد والمحافظة على المروءة والكرامة .
وفي الختام أسأل الله لجمعية الإصلاح أن يعينها على حمل هذا العبء الثقيل الذي تصدت له بقوة وشجاعة وإيمان ، وأن يكثر عدد أهل الغيرة الشهامة المنتمين إليها ، ويكلل مساعيها بالنجاح ، ويوفق المسلمين في الأقطار الإسلامية إلى الاقتداء بسنتها .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أملاه محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي بالمدينة النبوية على من شرفها الله به أفضل السلام وأزكى التحية لاثنتي عشرة ليلة مضين من صفر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وألف 1389.
فتوى
فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
المدرس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة
حضرة الأخ المكرم رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت حفظه الله ووفقه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد فقد وصلنا خطابكم رقم 95 في 27 محرم 89هـ تسألون فيه عن حكم الشرع في اختلاط الجنسين في الدراسة الجامعية وما يترتب على ذلك من المفاسد والجواب عما سألتم عنه وفقنا الله وإياكم أن من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس مع أن دين الإسلام الذي شرعه خالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يمنع ذلك منعا باتا والشهامة العربية والغيرة الطبيعية العربية المملوءة بالأنفة تقتضي التباعد عن ذلك وتجنبه بتاتا وتجنب جميع الوسائل المفضية إليه وسنذكر لكم في جواب سؤالكم وفقنا الله وإياكم طرفاً من الأدلة القرآنية والسنة النبوية ثم نشير إلى شهامة الجنس العربي وابتعاده عن التلبس بما لا يليق ولو لم يكونوا مسلمين .(1/47)
أما القرآن العظيم فمن أدلته العظيمة التي لا ينبغي عنها بحال من الأحوال أن الله أنزل فيه أدباً سماوياً أدب به خير نساء الدنيا وهن نساء سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم فأمر فيه جميع الرجال أن لا يسألوهن متاعا إلا من وراء حجاب ثم بين أن الحكمة في ذلك أن تكون قلوب كل من الجنسين في غاية الطهارة من أدناس الريبة بين الجنسين ، وقد تقرر في علم الأصول أن العلة تعمم معلولها وتخصصه والعلة في هذه الآية المتضمنة هذا الأدب السماوي الكريم الكفيل بالصيانة والعفاف وحفظ الكرامة والشرف معممة لحكم الآية الكريمة في جميع نساء المسلمين إلى يوم القيامة ، وإن كان لفظها خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله تعالى (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )) .
ثم بين حكمة هذا الأب السماوي وعلته ونتيجته بقوله جل وعلى (( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) .
فدل ذلك بمسلك الإيماء والتنبيه من مسالك العلة إن علة السؤال من رواء الحجاب هي المحافظة على طهارة قلوب كل من الجنسين غاية الطهارة حيث عبر تعالى بصيغة التفضيل في قوله (( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) .
ودل هذا التعليل بأطهرية قلوب الجنسين ، إن حكم الآية عام للنساء المسلمات إلى يوم القيامة لأن أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن مطلوبة إجماعاً فلا يصلح لقائل أن يقول المطلوب طهارة قلوب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقط وطهارة قلوب الرجال من الريبة معهن فقط بل ذلك مطلوب في جميع النساء إلى يوم القيامة كما لا يخفى فدل ذلك على أن العلة المشاء إليها بقوله (( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) .(1/48)
مقتضية تعميم ها الحكم السماوي النازل بهذا الأدب الكريم المقتضي كمال الصيانة والعفاف والمحافظة على الأخلاق الكريمة والتباعد من التدنس بالريبة ، فسبحان من أنزله ما أعلمه بمصالح خلقه وتعليمهم ومكارم الأخلاق .
قال صاحب مراقي السعود في بحث تعميم العلة حكمها تارة وتخصيصها إياه تارة في مبحث القياس الأصولي المعروف بقياس التمثيل وقياس الفقهاء في كلامه على العلة :
وقد تخصص وقد تعمم لأصلها لكنها لا تخرم
وقال في نشر البنود شرح مراقي السعود في شرحه لقوله : وقد تعمم لأصلها ، وما نصه يعني أن العلة يجوز أن تعود على أصلها الذي استنبطت منه بالتعميم أي جعله عاما اتفاقا كحديث الصحيحين (( لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان )).
بتشويش الفكر فإنه يشمل غير الغضب إذ يعني أن العلة عممت حكمها فلا يجوز للقاضي أن يحكم في حال عطش وجوع مفرطين أو حزن وسرور مفرطين أو حقن وحقب مفرطين .(1/49)
والحقن مدافعة البول والحقب مدافعة الغائط لأن كل ذلك مشوش للفكر مانع من استيفاء النظر في دعاوى الخصمين والحكم بينهما فعمم التعليل بالغضب الحكم بمنعه في كل حال مشوشة للفكر معانعة من استيفاء النظر وبه يتضح أن قوله تعالى : (( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) يقتضي عموم الحكم في جميع النساء وإن كانت الآية الكريمة نازلة في خصوص أزواجه صلى الله عليه وسلم ويؤيد ما ذكرنا من تعميم الحكم أن الخطاب لواحد يشمل حكمه جميع الأمة إلا بدليل خاص وهو على المقرر في أصول المذهب الحنبلي يكون خطاب الواحد بنفسه صيغة عموم مقتضية عموم الحكم في جميع المكلفين وغير الحنابلة يقول خطاب الواحد يقتضي عموم الحكم لكن بواسطة لا بنفسه وتلك الواسطة نوعان أحدهما قياس باقي المكلفين على ذلك الشخص الواحد المخاطب لأن الأصل استواء جميع الناس في أحكام التكاليف الشرعية إلا ما أخرجه دليل خاص ، النوع الثاني هو قوله صلى الله عليه وسلم (( ما قولي لامرأة إلا كقولي لمائة امرأة )) .
وهو صحيح أخرجه الترمذي وغيره بسند صحيح وهو دليل على أن ما خوطبت امرأة واحدة من الأمة يعم حكمه جميع النساء وإلى ذلك أشار صاحب مراقي السعود في الفيته في أصول الفقه بقوله :
خطاب واحد لغير الحنبلي من غير رعي النص والقيس الجلي
ولو سلمنا تسليماً جدلياً أن آية (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )) .(1/50)
خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما يقوله بعض أهل العلم وجميع دعاة السفور ، فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خير أسوة وأفضل من يقتدي بهن نساء المسلمين ولا سيما في أدب سماوي تصان به الكرامة والشرف والعفاف ، فالاقتداء بهن في ذلك أولى من الاقتداء بإناث الإفرنج في الإباحية البهمية القاضية على الأخلاق والشرف قضاء لا يترك للفضيلة ، والحفاظ أثراً ولا يصح لعاقل منصف أن ينازع في أن الاقتداء بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم بوحي سماوي يحقق الحفاظ على الشرف والصيانة والكرم والعفاف والنزاهة والبعد من تقزز القلوب بإدناس الريبة خير وأولى من تقليد إناث الإفرنج الكافرات في كل ما يدنس العرض ويقضي على الكرامة والفضيلة فمن حاول منع بنات المسلمين من الاقتداء بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأدب السماوي الكريم فهو مريض القلب غاش لأمته أشد الغش ومن غشنا فليس منا .
ويفهم من مفهوم المخالفة المعروف في الأصول بدليل الخطاب في الآية أن الاختلاط وعدم الاحتجاب أبخس وأقذر لقلوبكم وقلوبهن لأن قوله تعالى : (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )) .
يدل بمفهوم مخالفته أنكم إن سألتموهن متاعا مباشرة لا من وراء حجاب أن ذلكم ليس أطهر لقلوبكم وقلوبهن بل هو أبخس لقلوبكم وقلوبهن .
ومن الأدلة القرآنية على ذلك أن الله تعالى أمر كل واحد من الجنسين بغض البصر عن الآخر وبني أن ذلك الأدب السماوي أزكى لهم أي أطهر من الريبة وهدد من لم يمتثل للأمر من الجنسين بأنه خبير بما يصنع لا يخفى عليه منه شيء وذلك في قوله تعالى : (( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )) (( النور : 30 )) .(1/51)
فانظر قوله ذلك أزكى لهم تجده يتضمن أدباً سماوياً فيه غاية المحافظة على الفضيلة من أقذار الريبة ، وانظر قوله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )) فإنه تهديد عظيم لكم لك يغض طرف بل تركه يتمتع بما حرمه الله ثم قال تعلى (( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )) إلى آخر الآيات .
وفيها تصريح الله جل وعلا بأمره كلا الجنسين بغض الطرف عما لا يحل له من الآخر واتبع قوله يغضوا من أبصارهم بقوله ويحفظوا فروجهم فبدأ بالأمر بغض البصر قبل الأمر بحفظ الفرج لأن النظر بالبصر هو السبب في الزنا بالفرج ، لأن النظر بريد الزنا فقد يمتع الرجل عينه بالنظر إلى امرأة جميلة فيستولي حبها على قلبه فيدغدغهما ذلك إلى الفاحشة ولا سيما في هذا الزمان الذي نزعت فيه خشية الله من القلوب وانتشر فيه الفساد والإباحية فلا تكاد ترى من يغض بصره حياء من الله وخوفاً منه إلا من شاء الله ومن القليل النادر نعوذ بالله من الخذلان وطمس البصيرة وقد بين مسلم بن الوليد الأنصاري في شعره سوء عاقبة النظر المحرم بقوله :
كسبت لقلبي نظرة لتسره عيني فكانت شقوة ووبالاً
ما مر بي شيء أشد من الهوى سبحان من خلق الهوى وتعالى
وإذا تأملت هذه الآداب السماوية المذكورة في هذه الآية علمت أن دعاة السفور إلى الاختلاط يعارضونها بفلسفة شيطانية يكمن من ورائها ضياع الشرف والعفاف ويتحصل بسببها تدنيس الأعراض وتقذير الفرش وعدم سلامة الأنساب وعدم صفائها من أقذار الاختلاط وإيضاحه .(1/52)
إن من يدعو إلى اجتماع الطالبات في عنفوان شبابهن ونضارة حسنهن حال كونهن في أزياء إفرنجية مغرية مثيرة للغريزة الطبيعية لانكشاف الرؤوس والوجوه والأعناق وغير ذلك من أبدانهن مع كونهن في غاية التصنع والتجمع مع الشباب الذين تشتعل فيهم نار الغريزة الطبيعية والشهوة .
بمقتضى شبابهم وميلهم الطبيعي الجبلي إلى التمتع بالنساء . والحال أنه لا وازع من دين ولا مروءة يزع الذكور عن الإناث ولا الإناث عن الذكور حسب التقاليد المتبعة والجميع مجتمعون في محل واحد ينظر كل فريق منهم إلى ما يدعو إلى الفتنة من جمال الآخر ، فكأنه يقول لهم إني مهدت إلى ما يدعو إلى الفتنة من جمال الآخر .
فكأنه يقول لهم إني مهدت لكم وسهلت لكم كل طريق إلى ارتكاب ما لا ينبغي وإشباع الغرائز بطريق غير مشروعة مدنسة للأعراض والفرش والأنساب وكأن الشيطان يقول لأولئكم قولوا للمؤمنين لا يغضوا أبصارهم ولا يحفظوا فروجهم وقولوا للمؤمنات كذلك ، وهذا وإن لم يصرحوا به فهو معنى ما فعلوا من الأسباب المفضية له كما لا يخفى على منصف .
أيها الأب الكريم المؤمن العربي الشهم بأي مسوغ من عقل أو دين أو مروءة أو إنسانية تترك فلذة كبدك التي هي ابنتك مائدة سبيلاً تتمتع بجمالها كل عين فاجرة غدارً وخيانة ومكراً وظلماً لذكل الجمال الذي يستغل مجاناً في إرضاء الشيطان وتقليد كفرة الإفرنج تقليداً أعمى مع إضاعة الشرف والفضيلة والعفاف ، والفاجر قد يتمتع بالنظر إلى جمال المرأة وربما بلغت به لذة النظر إلى حد بعيد . ألا ترون قول بعضهم في محبة النظر الحرام .
قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة ودعوا القيامة بعد ذلك تقوم
مع أن فلذة كبدك التي هي ابنتك لو ربيتها تربية إسلامية في حنان وصيانة ومحافظة على الشرف والفضيلة لكانت هي جوهر الدنيا وأنفس شيء موجود فيها وقد قال صلى الله عليه وسلم الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة .(1/53)
ولا تكون صالحة إلا بالتربية الدينية ولا يصح لعاقل أن يشك في أن اختلاط الجنسين في غاية الشباب ونضارته وحسنه أنه أكبر وسيلة وأنجح طريق إلى انتشار الفاحشة وحشو الرذيلة بين الجنسين . ولا شك أنهما بحكم كونه زميلها وهي زميلته في الدراسة أنهما يخلوان كما يخلو الزميل بزميله في منتزهات ومواضع السباحة في الماء ومواضع مراجعة الدروس وخلوه بها طريقة إلى ارتكاب ما لا ينبغي لا ينكرها إلا مكابر والسبيل الموصلة إلى ذلك سبيل سيئة كما قال تعالى : (( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )) (( الإسراء : 32)) فصرح بأنه فاحشة وأن سبيله سيئة والفاحشة هي الخصلة التي بلغت غاية القبح والسوء وكل شيء بلغ النهاية في شيء فهو فاحش فيه ومنه قول طرفة بن العبد في معلقته .
أرى الموت يقتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشرد
فقوله الفاحش أي البالغ غاية البخل . وتأملوا لم قال تعالى : (( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى )) ولم يقل ، ولا تزنوا لأن النهي عن القرب منه يستلزم التباعد من جميع الوسائل التي توصل إليه ولأن من قرب من الشيء كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه .
فما أجمل تعاليم القرآن وآدابه السماوية وما أحسن ما تدعو إليه من النزاهة والفضيلة والتباعد عن الرذائل .
وأما أدلة السنة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال : (( إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت )) انتهى . أخرج هذا الحديث الشيخان وغيرهما .
أما البخاري فقد أخرجه في كتاب النكاح في باب لا يخلو رجل بامرأة إلا ذو محرم إلخ . وأما مسلم فقد أخرجه في كتاب السلام في باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها .(1/54)
والمراد بالحمو فيه قريب الزوج الذي ليس بمحرم لها كأخيه وابن أخيه وعمه ونحو ذلك فقد صدر النبي صلى الله عليه وسلم كلامه في هذا الحديث بصيغة التحذير التي هي : (( إياكم والدخول على النساء )) وهو تحذير شديد نبوي من الاختلاط بهن ثم لما سأله الأنصاري عن قريب زوجها يدخل عليها عبر صلى الله عليه وسلم عن دخوله عليها بالموت والموت هو أفظع حادث يقع في الإنسان بالدنيا كما قال الشاعر :
والموت أعظم حادث مما يمر على الجبله
والجبلة الخلق ومنه قوله تعالى : (( وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ )) (( الشعراء : 184)) .
فتأملوا قوله صلى الله عليه وسلم في دخول قريب الزوج على زوجته الحمو الموت لتدركوا أن اختلاط الرجال الأجانب بالنساء الأجنبيات أنه هو الموت الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم أنما سماه موتا لأنه يؤدي إلى فاحشة الزنا وهي أماتة للفضيلة والشرف والدين فهو موت أدبي ديني أعظم من الموت الحسي بمفارقة الروح للبدن لأن ذلك إن وقع للمطيع انتقل إلى أحسن حال وأتم نعمة وبما ذكرنا يتضح أن الدعوة إلى الاختلاط والسفور دعوة إلى الموت ولم يسمه النبي صلى الله عليه وسلم موت إلا لشدة ضرره وعظم خطره كما لا يخفى وساق مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه بعد أن ساق الحديث المذكور بسنده عن الليث بن سعد أنه قال الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج كابن العم ونحوه ، قال النووي في شرحه لمسلم في الحديث المذكور ، وأما قوله صلى الله الحمو الموت فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي انتهى محل الغرض منه وهذه الصفة التي في الحمو الذي هو قريب الزوج هي موجودة بعينها في الزمالة في الدراسة فالزميلة تتباحث مع زميلها فتذاكره ويذاكرها ويخلو بها من غير التفات نظر لأنه زميلها وشريكها في دروسها فهو موت كما ترى .(1/55)
وقال ابن حجر في فتح البخاري في شرح الحديث المذكور قوله : (( إياكم والدخول )) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز عنه كما قيل إياك والأسد .. وقوله إياكم مفعول لفعل مضمر تقديره اتقوا وتقدير الكلام اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء والنساء أن يدخلن عليكم ووقع في رواية ابن وهب بلفظ لا تدخلوا على النساء . وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بطريق الأولى ، ثم فسر قوله صلى الله عليه وسلم الحمو الموت بالتفسيرات المعروفة عند علماء الحديث ، وكذلك النووي والذي ذكرنا هو أظهرها .
فهذا الحديث الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم صريح في التحذير البالغ من مخالطة الرجال والنساء ، وان الاختلاط إذا كانت طريقه مسهلة كأقارب الزوج أنه الموت .
فلا يحسن بكم أيها المسلمون أن تضربوا الحائط بتحذير سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لكم من مخالطة إناثكم وذكوركم .
وأن تتجاهلوا أنه هو الموت كما صرح به الصادق والمصدوق صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفى أن اجتماع الجنسين في مقر واحد بعضهم جنب بعض أنه مخالف لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم ومن أشنع الأشياء التلاعب بتحذير أبي القاسم صلى الله عليه وسلم لأجل طاعة الشيطان وتقليد كافرات الإفرنج تقليداً أعمى .(1/56)
وأعلموا أن اسم الزنا قد يطلق على الجميع في الجملة أمام المدرس وقت الاجتماع إلا أنه زنا دون زنا فقد روى مسلم في صحيحه بإسناده الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما ما نصه : عن ابن عباس قال ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه وفي لفظ في صحيح مسلم قال كتاب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوي ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه هذا لفظ مسلم في صحيحه .
وهذا الحديث المذكور رواه البخاري أيضاً وفيه أيضاً التصريح بزنا العينين ، والأذنين واللسان والرجل واليد ولا يخفى أن الطلبة والطالبات في وقت الاجتماع للدروس وفي الفسح التي بين الدروس وفي المنتزهات ومواضع السباحة في المساء ومواضع المذاكرة تزني عيونهم وألسنتهم وأيديهم وأن فروجهم وقت إمكان الفرصة لا تكذب ذلك وإنما تصدقه لعدم الوازع الديني وعدم العقوبة الرادعة عن ذلك . والإفرنج الذين يقلونهم في جميع ذلك معلوم علماً ضرورياً أن فروجهم لا تكذب ما تتمناه قلوبهم من ذلك بل تصدقه وذلك أمر معلوم مفروغ منه .
والأحاديث بمثل ما ذكرنا كثيرة ولنكتف منها هنا بما ذكرنا لأن فيه الكفاية لمن أراد الحق .
وإطلاق الزنا على نظر العين إلا ما لا يحل لها معروف في اللغة كما صرح به أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم .(1/57)
ثم إذا علمتم أيها العرب المسلمون أن اختلاط إناثكم وذكوركم محرم في شرعكم بنصوص الكتاب والسنة ولا سيما في هذا الزمان الذي انعدم فيه الخوف من الله إلا ممن شاء الله وانتشرت فيه الإباحية وتقليد كفرة الإفرنج في كل انحطاط خلقي وارتكاب كل جريمة يعرف لها الجبين لأنها من موبقات العار.
ولقد صدق من قال :
إن للعار فاخشها موبقات تتقي مثل موبقات الذنوب
ولقد صدق من قال :
إن للعار فاخشها موبقات تتقي مثل موبقات الذنوب
فاعلموا أن سد الذريعة الموصلة إلى فاحشة الزنا واجب بإجماع المسلمين وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة .
أما الكتاب فقد تعالى : (( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) (( الأنعام : 108)) ، فحرم سب الأصنام لما كان ذريعة لأن يسب عابدوها الله .
وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن من العقوق شتم الرجل والديه قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه )).
فقد سمى صلى الله عليه وسلم ذريعة سب الوالدين سبا لهما في هذه الحديث الصحيح ، ومعلوم أن اختلاط الجنسين في الجامعات على الحالات المعهودة في جامعات أوروبا ونحوها أنه فتح للباب على مصراعيه لذريعة الزنا كما هو مشاهد مشاهدة لا يمكن معها الجدال إلا من مكابر ولا يخفى أن من جعل ابنته في هذا المحيط المشار إليه وأوصاها بالصيانة والعفاف أن لسان الحال يقول له :
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
وبعد هذا كله فإنا نهيب بالآباء الكرام المسلمين العرب فنقول :(1/58)
أين شهامتكم العربية العريقة المتوارثة على مر العصور كيف تتركون بناتكم خارجات عاريات منذولات لمن شاء أن يتمتع بالنظر إليهن مجاناً عدوانا على المسكينات الجاهلات وعلى الشرف والفضيلة .
ومما هو جدير بالتنبيه عليه نقطتان حساستان أما النقطة الأولى فليكن في علمكم أن الزي الذي ترتديه بنات العرب وغيرهن من المسلمين في الجامعات وغيرها المقتضى كشف شيء من بدن المرأة لا يحل كشفه شرعاً ولا مروءة أن منشأه الأساسي هو ما يفهم من القرآن العظيم والتأريخ وإيضاح ذلك أن الشيطان هو العدو الألد لآدم وزوجه وذريتهما كما قال تعالى : (( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى )) (( طه : 117)) .
وقال تعالى : (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )) (( فاطر : 6)) . وقال تعالى : (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً )) (( الكهف : 50)) .
إلى غير ذلك من الآيات ومعلوم أن الشيطان لشدة عداوته لآدم وزوجه وذريته أنه يسعى لكل ما لديه من الوسائل في إهانتهم بأنواع الإهانات الدنيوية والأخروية ومن المعلوم أن من أعظم الإهانات الأدبية كشف عورة الإنسان ونزع ثيابه التي تستره عنه وهذه الإهانة الأدبية العظيمة هي أول إهانة ظفر بها إبليس فأهان بها آدم وحواء كما صرح الله بذلك في قوله (( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا )) (( الأعراف : 20 )) . وقوله تعالى : (( فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ )) ( الأعراف : 22 )) .(1/59)
يدل على عملهما وكدحهما ليخففا من ضرر الإهانة التي تسببت لهما منها عدوهما إبليس .
وقد نادى الله عز وجل بين آدم سماوياً ونهاهم عن أن يغشهم الشيطان وينهاهم كما أهان أبويهم آدم وحواء ، وذكر من ذلك أمرين أحدهما الإخراج من الجنة والثاني نزع اللباس وإبداء السوءة التي هي العورة فجعل نزع اللباس وإبداء العورة مقروناً بالإخراج من الجنة ، وفي ذلك دليل على أن كليهما له وقع شديد وأنه أذية بالغة وإهانة عظيمة وذلك في قوله تعالى : (( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ )) (( الأعراف : 27)) .
وبهذا تعرفون أن كشف العورة وإبداء السوأة مقصد أصيل عريق من مقاصد إبليس ليهين بها كرامة النوع الآدمي وإهانة كرامتهم تسره وتقر عينه لعداوته لهم .
ولم يزل إبليس يحاول إهانة بين آدم بكشف العورة وإبداء السوءة حتى بلغ غايته من ذلك ، وقد كان حمل العرب في الجاهلية على أن يخلعوا جميع ثيابهم عند الطواف بالبيت الحرام حتى يهينهم بكشف العورة في حرم الله وأشرف بقاع أرضه حول أول بيت وضع للناس فيطوفوا عراة في حالة مزرية وكانت المرأة منهم تطوف بالبيت عارية والعياذ بالله وكل ذلك من إهانة الشيطان لهم وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن المرأة في الجاهلية كانت تطوف عارية وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله .(1/60)
وقولها اليوم يبدو بعضه أو كله ، تعني العضو التناسلي منها ، وكل ذلك إهانة من الشيطان لأعدائه الآدميين بكشف عوراتهم وله مع ذلك مقصد آخر ، وهو أن انكشاف عورتها يدعو إلى الفاحشة ولذلك زين للمرأة أن تصف في طوافها عريانة ذلك المحل منها أوصافا مغرية مثيرة للغريزة مسببة للفاحشة حيث قالت :
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله
جهم من الجهم عظيم ظله كم من لبيب عاقل يصله
وناظر ينظر ما يلمه
وإنما ذكرنا بقية رجزها هذا الخسيس السخيف لتنبيه إخواننا على خسة ما يدعو إليه الشيطان ويزينه ولم يزل الشيطان يهين الآدميين بكشف العورة حتى في حال الطواف في البيت حتى دفع الله باطله بالوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأرسل صلى الله عليه وسلم مناديه ينادي ألا يحج بعد اليوم مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وأنزل الله قوله تعالى : (( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ))(( الأعراف : 31 )) وقوله تعالى : (( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )) (( الأعراف : 26)) .
وبنور ذلك الوحي سترت العورات ولبست ثياب الزينة والتستر ورجع الشيطان خاسئا ولكن لما طال الزمان وضعف الدين وانصرف أكثر الناس عن الوحي السماوي وجد الشيطان الفرصة سانحة فأعاد الكرة لإهانة الجنس الآدمي بكشف العورة وإبداء السوءة بفلسفة شيطانية من شعاراتها التقدم والحضارة والرقي والتمدن .(1/61)
وقد وصل إلى جميع غاياته في البلاد الكافرة فترك نساءها عاريات الفروج بالمجلات والجرائد ومواضع السباحة في الماء وغير ذلك والإباحية فيها قائمة على قدم وساق وأولاد الزنا لا يمكن إحصاؤهم دقيقاً لكثرتهم والعياذ بالله ، وهذا أمر معلوم مفروغ منه في أوروبا وما جرى مجراها ثم إن الشيطان أراد أن يهين المسلمين بنفس الإهانة المذكورة التي هي أو نكاية أوقعها بآدم وحواء وقد وصل إلى كشف كثير من أبدان نساء المسمين في الجامعات والحفلات والطرق وغير ذلك وبينت العورة المغلظة والشيطان مجد في الوصول إلى إبدائها وكشفها من نساء المسلمين ومعلوم أنه إن تمادى الأمر على ما هو عيه أنه سيصل إلى ذلك كما تشير إليه طبيعة التقاليد المتبعة نرجو الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويبصر المسلمين طريق الحق ويلهمهم العمل بها حتى يحافظوا على بناتهم من كل ما يخل بالشرف والفضيلة على ضوء النور السماوي الذي أنزله الله على سيد خلقه صلى الله عليه وسلم .
وأما النقطة الثانية فهي أنا ننبه إخواننا المسلمين على الفرق بين ما ينفع من الحضارة الغربية وما يضر ليأخذوا النافع منها ويتركوا الضار ،
أما النافع منها الذي يلزمنا أن نسعى للحصول عليه فهو ما أنتجته من الماديات والتنظيمات في جميع نواحي الحياة باعتبار تطوراتها الراهنة .
فإن السعي في الحصول على أسباب القوة المادية من صميم دينا وتعاليم ربنا لنا كما قال تعالى : (( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ )) (( الأنفال : 60)) ولفظ الآية الكريمة بدلالة مطابقته يساير تطور الحياة مهما بلغت القوة من الكمال .(1/62)
أما الضار منها وهو الانحطاط الخلقي ونبذ التعاليم السماوية وعدم الاستنارة بأنوارها فيجب علينا أن نتبه إلى أنه شر محض لا تخالطه شائبة خير لأنه ليس فيه إلا إضاعة الشرف والمروءة والتمرد على نظام خالق السموات والأرض جل وعلا من غير فائدة دنيوية ، ومن ذلك الموضة الجديدة والأزياء المزرية فإنها وإن سموها حضارة وتقدما ورقيا وحرية فيه فهي في الحقيقة إهدار للفضيلة وإماتة للشرف والصيانة والعفاف والكرامة فلا تغتروا وفقكم الله بتلك الشعارات الزائفة التي تحمل في طياتها كل سوء ومضاد أيضاً للتعاليم السماوية المتضمنة الآداب الكريمة ومكارم الأخلاق والسير على أحسن المناهج والعادات ، ولا يخفى عليكم أن العرب كانوا يغارون على نسائكم ولا يرضون بابتذالهن وكانوا يرون أن عفاف النساء وصيانتهن وعدم تدنسهن بالريبة من أكبر الأسباب في نجابة الأولاد ونبلهم وعلو شأنهم وشجاعتهم ومن ذلك قول جرير يمدح بين قيس بن عيلان بن حضر :
فلا تأمنن الحي قيسا فإنهم بنو محصنات لم تدنس حجورها
ولكان كان صخر أخو الخنساء يشاطرها ماله كل سنة ولامته امرأته ونهته عن إعطائه إيايها خير ماله لأن زوجها متلاف قال لها صخر :
وكيف لا امنحها خيارها وهي حصان قد كفتني عارها .
وأمثال هذا كثير ومرادنا التمثيل ليعلم به أن من طبيعة العرب الغيرة على الحريم وعدم الدياثة وضمائرهم حية وطبائعهم أبية لا ترضى تدنس نسائهم بما لا ينبغي وقد أوضح تلك السجية التي جبلوا عليها من قال :
وإياك واسم العامرية أنني أغار عليها من فم المتكلم
واحسد كاسات تقبلن ثغرها إذا وضعتها موضع اللثم في الفم(1/63)
وقد روى الشيخان في صحيحهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا أحد أغير من الله ، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله ، ولذلك مدح نفسه )) أما البخاري فقد روى هذا الحديث في كتاب التفسير في فسير سورة الأنعام في باب قوله تعالى )) وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )) ))الأنعام : 151)) .
وفي تفسير سورة الأعراف في باب قوله تعالى : (( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )) (( الأعراف : 33)) .
أخرجه مسلم في كتاب التوبة في باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش بأربع روايات بأسانيد وهذا الحديث من أحاديث الصفات فنمره كما جاء وننزه الله عن مشابهة خلقه سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً .
وأما نتاج الاختلاط من كثرة ارتكاب الجرائم وكثرة الأولاد غير الشرعيين فهو أمر لا حاجة إلى إبدائه لأنه معلوم ويكفي ما يصدر في جرائد ومجلات البلاد المتقدمة من كثرة الأولاد غير الشرعيين رغم كثرة استعمال الحبوب المضاد للحمل ، وختاماً نسأل الله أن يوفق جميع إخواننا لما يحبه ويرضاه وبما ذكرنا تعلم أن اللائق عدم الاختلاط.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أملاه الفقير إلى عفو الله
فضيلة الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي
قالوا عن الاختلاط
* ( لقد أثبتت التاريخ أن عصور التفكك هي نفس العصور التي تترك فيها المرأة البيت ) .(1/64)
البروفسور آرنولد . ج . توينبي مجلة ( وليلرلد ريفيو) عدد مارس 1949 .
? ( إن نسبة الطلاق قد وصلت إلى الرقم القياسي وهو أكثر من حالة طلاق واحدة لكل خمس زيجات ويتوقع أن تصبح هذه النسبة حالة طلاق واحدة من زيجتين وذلك بعد عشرين سنة )) . الدكتور هنري سي لنك ( من كتاب اكتشاف الأخلاق ) .
? ( إنك إذا أردت أن تبني جسراً أو داراً للبلدية فإنك لا تجمع حشداً من الناس من الشوارع وتطلب منهم القيام بهذه المهمة ولكنك تدعو مهندساً معمارياً ذوي خبرة ولكنك إذا أردت أن تبني ما هو أهم من الجسر أو دار البلدية ألا وهو المواطن فهل تترك هذه المهمة لأي زوجين التقيا صدفة ؟ إن المقدرة على الإنجاب لا توحي بالمقدرة على التربية والتعليم وتكوين الشخصية بل العكس صحيح فبسبب تركنا مهمة تكوين المواطن إلى زوجين التقيا صدفة فإننا نجد جسورنا أفضل بكثير من مواطنينا )) . البروفسور سي . أي
? ( إني اعتقد بان العالم سيكون أسعد مما هو عليه لو أن المرأة تفرغت لبيتها والعناية بأطفالها ولو أدى ذلك إلى انخفاض بسيط جداً في مستوى المعيشة ) .
البروفسور جو آد ( مجلة فراييتي – ديسمبر 1952) .
? ( إن الانشغال بالأمور الشهوانية والنضوج الجنسي السريع يحدثان بصورة أكبر في الجامعات المختلطة ) .
البروفسور جوهانس أي جارتنر
( دامعة لافييت ) – مجلة الثقافة –
وهناك إحصائيات مذهلة عن مضار الاختلاط من واقع المجتمع الأمريكي المختلط .
جامعات غير مختلطة في أمريكا
1- كليات وجامعات البنين
دارتموث dart mouth
وليمز Williams
براون brown
ييل Yale
هارفرد Harvard
برنستن Princeton
أمهرست Amherst
معهد ماسيتيوس التكنولوجي M.I.T
2- كليات البنات :
سميث smith
وليلزي Wellesly
هوليوك Holyoke
سارى لورنس sarah Lawrence
رادكيلف radcliffe
برنارد bar nard
) تعتبر كلية رادكليف مثل كلية البنات لجامعة هارفرد وكذلك كلية برنارد مثل كلية البنات لجامعة كولومبيا )) .(1/65)
سلسلة رسائل الجمعية
صدر منها :
1- جمعية الإصلاح الاجتماعي .
أهدافها ، وسائلها ، أعمالها .
2- الخمر أضرارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية .
3- التربية الإسلامية .
4- التشريع الجنائي المقارن بين الفقه والقانون .
5- دفاع عن صحيح البخاري .
6- المسائل الفقهية .
7- كل ما في البخاري صحيح .
8- خديجة بنت الخويلد .
9- القرآن الكريم وحرية الإرادة .
10- الجهاد .
11- الخطر اليهودي ( ملخص لبروتوكولات حكماء صهيون )
12- الاختلاط .
13- مطامع اليهود في البلاد العربية .
14- المخطط اليهودي والعالم الإسلامي ( باللغة الانكليزية ) .
15- نظام الأسرة في الإسلام .
16- خصائص العقدية الإسلامية .
17- الإسلام والعلم .
18- تعليم الصلاة ( المصور للبنات ) .
19- تعليم الصلاة ( المصور للبنين ) .
20- التبرج
الفهرست
مقدمة
فتوى فضيلة الشيخ عبد الله النوري ( رئيس لجنة الفتوى بالكويت ) .
فتوى فضيلة الشيخ علي حسن البولاقي ( عضو هيئة تحرير الموسوعة الفقهية )
فتوى فضيلة الشيخ أحمد نصار (رئيس البعثة الأزهرية في الكويت )
فتوى فضيلة الشيخ محمد سليمان الجراح (إمام مسجد سعيد في الكويت ) .
فتوى فضيلة الشيخ محمد صالح العدساني( إمام مسجد العدساني في الكويت ) .
فتوى فضيلة الشيخ أبو الأعلى المودودي (رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان ))
فتوى فضيلة الشيخ محمد نمر الخطيب ( رئيس جمعية الرابطة الإسلامية في لبنان ))
فتوى فضيلة الشيخ عبد المنعم ثعيلب ( وزارة الأوقاف بالكويت ) .
فتوى فضيلة الشيخ نجم الدين الواعظ ( مفتي الديار العراقية )
فتوى فضيلة الشيخ عبد الله القلقيلي ( مفتي المملكة الأردنية سابقاً )
فتوى فضيلة الشيخ عبد القادر الخطيب ( رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق ) .
فتوى فضيلة الشيخ شاكر البدري( المدرسة الأصفية الدينية في بغداد )
فتوى فضيلة الشيخ محمد تقي الدين الهلالي ( المدرس بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة )(1/66)
فتوى فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( المدرس في الجامعة الإسلامية في المدنية المنورة )
أقوال عن الاختلاط
جامعات غير مختلطة في أمريكا(1/67)