تنبيه ذوي العقول السديدة
إلى
حكم صوم السبت في غير فريضة
مع تحقيق علمي رصين للعلامة الألباني رحمه الله
أبو حسام الدين الطرفاوي
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)[آل عمران آية: (102)]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)[النساء آية: (1)]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)[الأحزاب آية: (70،71)]
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد ( وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
فإن من المعلوم لدى أهل العلم قديمًا وحديثًا أن أكثر مسائل الفقه مختلف فيها ؛ وذلك للأسباب التي ذكرها العلماء في الكتب المعنية بأسباب اختلاف الفقهاء ، وقد حصرها العلماء في الأسباب التالية كما ذكره ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : (1)
1 ـ أن يكون الدليل لم يبلغ هذا المخالف الذي أخطأ في حكمه ، أو بلغه على وجه لا يطمئن به .
وهذا السبب ليس خاصًا فيمن بعد الصحابة ؛ بل يكون في الصحابة ومن بعدهم .
2 ـ أن يكون الحديث قد بلغه ولكنه نسيه
3 ـ أن يكون الحديث بلغه وفهم منه خلاف المراد(1/1)
4 ـ أن يكون الحديث قد بلغه لكنه منسوخ ولم يعلم بالناسخ ، فيكون الحديث صحيحًا والمراد منه مفهومًا ولكنه منسوخ
5 ـ أن يعتقد أنه معارض بما هو أقوى منه من نص أو إجماع
6 ـ أن يصله من طريق ضعيف فيترك العمل به ويعمل باجتهاده
7 ـ أن يأخذ بحديث ضعيف أو يستدل به استدلالاً ضعيفًا .
وهذا الخلاف بين أهل العلم لا يسبب فرقة ولا معاداة ، وإنما محله البحث العلمي والدليل الشرعي من الكتاب والسنة ، فإذا كان قول الصحابي ليس بحجة عند الخلاف بلا خلاف ، وعلى الخلاف ما لم يخالفه أحد وليس فيما تكلم فيه نص ! فكيف بمن هو دونه ؟
والخلاف في فرعيات الدين وقع ولا يزال يقع ؛ في كل ما اختلف فيه أهل الحق من ذلك على حسب ورود الأدلة ؛ وهذا مما ميز الله به هذه الأمة على سائر الأمم ، حتى لا يترك لكل صاحب هوى أن يدخل في دين الله ما ليس فيه ، وحتى لا يعظم مخلوق سوى صاحب هذه الرسالة ( فلا يُقدَّم قولا على قولهِ ، ولا يشرع أحدٌ ما لم ينزل به الله على نبيه من سلطان ، وهذا الخلاف وأشباهه ما لم يؤد إلى تناحر وتباغض وفرقة له فوائده :
منها : رفع الهمم في طلب العلم والبحث والتحري .
ومنها : إثراء روح البحث والمناظرة مما يؤدي إلى قوة الحجة في تبليغ الحق للناس .
ومنها : رفع الحرج عن عوام الأمة ممن ثبت في حقهم التقليد في الأخذ بأي قول يطمئن إليه صاحبه .(1/2)
ومن المسائل التي اختلف فيها أهل العلم قديما وحديثًا : حكم صوم يوم السبت في غير فريضة . وثارت الثائرة وكثرت الأسئلة من كل بلدان العالم للعلماء والدعاة ، وكلٌ يفتي بحسب ما تحقق عنده ، قام المقلدون من كل طرف يتعصبون لمن يقلدوه في قوله في المسألة ، وهم أبعد ما يكون عن حقيقة الخلاف . لأن الأمر لا يحتمل ، ولو أن كل مسألة في الدين اختلف فيها العلماء تعصب لها العوام لعمت الفتنة بين الناس ، ومما يؤسف له حقيقة أن الكثير ممن يجوزون صيام السبت شددوا في الأمر إلى درجة الحتمية والوجوب الشرعي الذي يشعر المخالف لهم أنه على شفى جرف هارِ !! بالرغم من أنه لا يستطيع أن يعلو فوق القول بالإباحة ـ على الخلاف كما سنبينه ـ وصاحب القول بالكراهة أو التحريم يقف على أرض صلبة قوية .
والأعجب من ذلك : طالب علم مقلد يعارض قول عالم مجتهد مثل الشيخ الألباني بأقوال علماء آخرين (2) ، وكان من الواجب عليه كطالب علم يتحر الصواب أن يناقش ما قاله الألباني رحمه الله بالأدلة العلمية ثم يأتي بقول العلماء موافقة لقوله الذي رجحه .
وإسهامًا منا في باب البحث العلمي شرعت لعمل هذه الرسالة المتواضعة مبينًا فيها أقوال أهل العلم والراجح منها من خلال الأدلة والقواعد العلمية التي وضعها أهل العلم وفق أصول الكتاب والسنة الصحيحة ، هذا ولا أدعي العصمة من الزلل أو الخطأ ، فرحم الله امرئ أهدى إليَّ عيوبي وخطأي وفق المنهج العلمي السليم ، وإني على استعداد تام في مناقشة أي مسألة علمية قمت بطرحها فإن كان الصواب معي فهذا من فضل الله علي وإن كان الخطأ عندي فهذا أيضًا من فضل الله أن هداني للصواب ، وأسأله سبحانه أن يوفقني وجميع المسلمين إلى الحق والصواب . وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله سلم .
وكتبه
أبو حسام الدين
سيف النصر علي عيسى
المنيا ـ سمالوط ـ طرفا
أولاً : تقرير المسألة(1/3)
اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في حكم صوم السبت في غير فريضة إلى خمسة أقوال :
القول الأول : كراهة صوم السبت في غير الفريضة مفردًا. وهو قول جمهور العلماء
القول الثاني : جواز صيام يوم السبت مطلقًا
القول الثالث : كراهة صيام يوم السبت في غير فريضة مطلقََا
القول الرابع : استحباب صوم السبت
القول الخامس : تحريم صوم السبت في غير فريضة مطلقًا
هذه الأقوال الخمسة هي مجمل ما قيل في حكم صوم يوم السبت في غير الفرض ، وقد رتبت الأقوال على حسب كثرة القائلين .
فالقول الأول : وهو الكراهة مع الإفراد والجواز إذا كان معه يوم آخر مثل الجمعة أو الأحد عليه أكثر أهل العلم . ثم يليه القول الثاني ، ثم يليه القول الثالث ، ثم يليه القول الرابع ثم الخامس ، وهذا الأخير قليل من أخذ به .
ثانيًا : الأحاديث المختلف عليها بين أصحاب هذه الأقوال :
تنقسم هذه الأدلة إلى ثلاثة أقسام :
قسم يدل على الجواز المطلق ، وقسم يدل على المنع المطلق ، وقسم لا يمنع ولا يجيز
القسم الأول : الأحاديث التي وردت في إباحة صوم السبت :
أحاديث صريحة في ذكر السبت :
الحديث الأول : روى البخاري (1986) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ : أَصُمْتِ أَمْسِ ؟
قَالَتْ : لا
قَالَ : تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا ؟
قَالَتْ : لا
قَالَ : فَأَفْطِرِي .
2 ـ روى البخاري (1985) ومسلم (1144) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ).
ومن المعروف أن بعد الجمعة هو السبت ، فمنطوق الحديث يدل على إباحة صوم يوم السبت إذا كان مع الجمعة .(1/4)
3 ـ روى أحمد في مسنده بإسناد ضعيف (26210) عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنْ الأَيَّامِ وَيَقُولُ : إِنَّهُمَا عِيدَا الْمُشْرِكِينَ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ . (3)
4 ـ روى الترمذي بإسناد ضعيف (746) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالأَحَدَ وَالاثْنَيْنِ وَمِنْ الشَّهْرِ الآخَرِ الثُّلاثَاءَ وَالأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ .
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ .(4)
وهذان الحديثان يدلان على استحباب صوم يوم السبت والأحد ، رغم أن كل منهما يخالف الآخر : ففي الحديث الأول أن النبي ( كان يكثر من صوم هذين اليومين ، بينما في الحديث الآخر أنه لم يكن يصومهما غير مرة واحدة في الشهر . فأيهما يقدم على الآخر ؟!!
وقد ثبت ضعف الحديثين سندًا ونكارتهما متنًا ، وقد قال ابن القيم في تهذيب السنن (7/52) :
وهذان الحديثان ليسا بحجة على من كره إفراد السبت بالصوم . أ ـ هـ
أحاديث فيها الإشارة إلى إباحة صوم السبت :
1 ـ روى مسلم ( 1164) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ .
فإذا كانت متتابعة غير مفترقة لابد وأن يقع فيها يوم السبت .(1/5)
2 ـ روى البخاري (1975) ومسلم (1159) ـ واللفظ له ـ عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ : لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ مَا عِشْتُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آنْتَ الَّذِي تَقُولُ ذَلِكَ ؟
فَقُلْتُ لَهُ قَدْ قُلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَنَمْ وَقُمْ ، وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ؛ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ
قَالَ : قُلْتُ : فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ : صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ
قَالَ : قُلْتُ : فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ : صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ
قَالَ : قُلْتُ : فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيَّامَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي )
ومن صام صيام داود عليه السلام فلابد وأن يقع صوم السبت منفردًا
من غير كراهة .
3 ـ صيام ثلاثة أيام من كل شهر
وقد وردت أحاديث في الحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر وأنها كصوم الدهر وهي على ثلاث أنواع :
النوع الأول : أحاديث مطلقة غير محددة بأيام ، وهى أصح الأحاديث في الباب(1/6)
النوع الثاني : محددة بأول اثنين وخميس والخميس الذي يليه وهى صحيحة أيضًا
النوع الثالث : محددة بثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة من كل شهر ، وهى لا تقوم بها الحجة وليس هذا موضع بسط (5)
4 ـ صيام أكثر من ثلاثة أيام في كل شهر
روى البخاري (6277) ومسلم (1159) عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ زَيْدٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَحَدَّثَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي فَدَخَلَ عَلَيَّ فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ وَصَارَتْ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَقَالَ لِي : أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ ؟
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ : خَمْسًا
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ : سَبْعًا
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ : تِسْعًا
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ : إِحْدَى عَشْرَةَ
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ : لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ شَطْرَ الدَّهْرِ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ .
وليس فيه تحديد إن كان مفرقًا أو متواصلاً .
5 ـ ما ورد في فضل صوم عرفة وعاشوراء وقد يأتي يوم سبت
روى مسلم (1162) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ .)
القسم الثاني : حديث في انتفاء الأجر بصوم السبت(1/7)
روى الإمام أحمد بإسناد ضعيف (26534) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ مَوْلَى خَارِجَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : لا لَكِ وَلا عَلَيْكِ .(6)
2 ـ وروى أيضًا (26536) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ : أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ عَنْ عُبَيْدٍ الأَعْرَجِ قَالَ : حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَغَدَّى وَذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ فَقَالَ : تَعَالَيْ فَكُلِي
فَقَالَتْ : إِنِّي صَائِمَةٌ
فَقَالَ لَهَا : صُمْتِ أَمْسِ ؟
فَقَالَتْ : لا
قَالَ : فَكُلِي فَإِنَّ صِيَامَ يَوْمِ السَّبْتِ لا لَكِ وَلا عَلَيْك .(7)ِ
القسم الثالث : أحاديث المنع من صوم يوم السبت
1ـ روى أحمد في مسنده (172371) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ نُوحٍ حِمْصِيٌّ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ : تَرَوْنَ كَفِّي هَذِهِ فَأَشْهَدُ أَنِّي وَضَعْتُهَا عَلَى كَفِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ إِلا فِي فَرِيضَةٍ وَقَالَ : إِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ .(8)(1/8)
2 ـ وروى أحمد (26535) حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ثَوْرٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا مَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا عُودَ عِنَبٍ أَوْ لِحَى شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهَا .(9)
3 ـ قال ابن ماجة (1726) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ :عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ : عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا عُودَ عِنَبٍ أَوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَلْيَمُصَّهُ .
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ : عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ : عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ . أ ـ هـ
وقد خالف سفيان بن حبيب وهو ثقة ، عيسى بن يونس وهو ثقة مأمون ؛ أي أعلى منه رتبة ، فزاد عن عبد الله بن بسر عن أخته ، فالقول قول عيسى بن ميمون برغم أن هذه الزيادة لا تضر .
والحديث من الطريقين صحيح .(1/9)
4 ـ قال أبوداود (2423) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : سَمِعْتُ اللَّيْثَ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ يَقُولُ ابْنُ شِهَابٍ : هَذَا حَدِيثٌ حِمْصِيٌّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ : عَنْ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ : مَا زِلْتُ لَهُ كَاتِمًا حَتَّى رَأَيْتُهُ انْتَشَرَ يَعْنِي حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ هَذَا فِي صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : قَالَ مَالِكٌ : هَذَا كَذِبٌ .(10) أ ـ هـ
وذكر أبو داود في الحديث الذي قبله قوله : إنه حديث منسوخ .
وقد علله بعض أهل العلم بالاضطراب .
والحديث فيه نهي مطلق عن صيام يوم السبت واستثنى من ذلك صيام الفرض ، فدل على أن النهي يختص بالنفل دون الفرض .
فمن قال بجواز صيام السبت من غير كراهة فالحديث لم يرده بطريق صحيح مثل مالك والزهري وغيرهما
أو ورده بطريق صحيح ولكن اعتقد نسخه لوجود الأحاديث الأخرى التي فيها جواز صيامه .
فمن ضعف الحديث لا حجة له وقد أوردناه بطرق صحيحة كالشمس وقد صححه كثير من العلماء والحفاظ .
وأما دعوى النسخ فهي عارية من الدليل ، بل إذا قلنا بالنسخ فيكون في أحاديث الجواز وذلك لسببين :
الأول : أن راوي حديث المنع وهو عبدالله بن بسر من آخر أصحاب النبي ( موتًا .
والثاني : وهو أن حديث المنع ناقل عن حكم الأصل وهو الإباحة فيصار إليه .
قال صاحب كتاب "التقرير والتحبير " :(1/10)
في التخصيص أو يكون من قبل الزمان حكما كالمحرم ؛ أي كتقديمه على المبيح إذا عارضه اعتبارا له ـ أي للمحرم ـ متأخرا عن المبيح ؛ كي لا يتكرر النسخ على تقدير كون المحرم مقدما على المبيح بناء على أصالة الإباحة . فإن المحرم حينئذ يكون ناسخا للإباحة الأصلية ثم المبيح يكون ناسخا للمحرم بخلاف تقدير كون المحرم متأخرا مع القول بأصالة الإباحة ، فإنه لا يتكرر النسخ ؛ لأن المبيح وارد لإبقائها حينئذ والمحرم ناسخ له ، والأصل عدم التكرار . ـ وتقدم ما في أصالة الإباحة في المسألة الثانية من مسألتي التنزل في فصل الحاكم من البحث والتحرير فليطلب ثمة ـ ولأنه ؛ أي تقديم المحرم على المبيح الاحتياط ؛ لأن فيه زيادة حكم هو نيل الثواب بالانتهاء عنه ، واستحقاق العقاب بالإقدام عليه ؛ وهو ينعدم في المبيح والأخذ بالاحتياط أصل في الشرع . أ ـ هـ (11)
ومن قال باستحبابه (12) أخذ بحديث ثبت ضعفه كما قدمنا فلا حجة في قوله .
ومن قال بكراهيته مطلقا صرف النهي في حديث " لا تصوموا يوم السبت .. " إلى الكراهة ؛ لوجود أحاديث الإباحة .
ومن قال بالكراهة منفردًا والجواز مقرونًا بغيره قياسًا على الجمعة
ومن قال بالتحريم : قدم النهي على الإباحة كما سيأتي .
ثالثًا : بعض أقوال أهل العلم في الأحاديث
نذكر من أقوال أهل العلم التي جمعت الأقوال الخمسة
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
حديث عبد الله بن بسر - هذا - رواه جماعة عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء ، ورواه النسائي عن عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه أيضا عن الصماء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذه ثلاثة أوجه .
وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديما وحديثا .
فقال أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن صيام يوم السبت يفرد به ؟(1/11)
فقال : أما صيام يوم السبت يفرد به : فقد جاء فيه ذلك الحديث , حديث الصماء , يعني حديث ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم "
قال أبو عبد الله : يحيى بن سعيد ينفيه . أبي أن يحدثني به . وقد كان سمعه من ثور . قال : فسمعته من أبي عاصم . قال الأثرم : حجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت : أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر (13).
منها : حديث أم سلمة , حين سئلت : " أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما لها ؟ فقالت : السبت والأحد " ومنها حديث جويرية : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة : أصمت أمس ؟ قالت : لا . قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ " فالغد : هو يوم السبت . وحديث أبي هريرة " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة , إلا مقرونا بيوم قبله أو يوم بعده " فاليوم الذي بعده : هو يوم السبت . وقال : " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال " وقد يكون فيها السبت . وأمر بصيام الأيام البيض , وقد يكون فيها السبت , ومثل هذا كثير . فقد فهم الأثرم من كلام أبي عبد الله أنه توقف عن الأخذ بالحديث , وأنه رخص في صومه , حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة .
وذكر أن الإمام علل حديث يحيى بن سعيد , وكان ينفيه , وأبى أن يحدث به , فهذا تضعيف للحديث .
واحتج الأثرم بما ذكر في النصوص المتواترة على صوم يوم السبت , يعني أن يقال : يمكن حمل النصوص الدالة على صومه على ما إذا صامه مع غيره .
وحديث النهي على صومه وحده وعلى هذا تتفق النصوص .(1/12)
وهذه طريقة جيدة , لو لا أن قوله في الحديث " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم " دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفردا أو مضافا , لأن الاستثناء دليل التناول , وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه , إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد , لقال : لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده , كما قال في الجمعة . فلما خص الصورة المأذون في صومها بالفرضية علم تناول النهي لما قابلها . وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث وغيرها كقوله في يوم الجمعة " إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده " فدل على أن الحديث غير محفوظ وأنه شاذ .(14)
وقد قال أبو داود قال مالك : هذا كذب (15) . وذكر بإسناده عن الزهري : أنه كان إذا ذكر له النهي عن صيام يوم السبت , يقول : هذا حديث حمصي .
وعن الأوزاعي قال : ما زلت كاتما له حتى رأيته انتشر , يعني حديث ابن بسر هذا .
وقالت طائفة , منهم أبو داود : هذا حديث منسوخ .
وقالت طائفة , وهم أكثر أصحاب أحمد : محكم , وأخذوا به في كراهية إفراده بالصوم , وأخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه .
قالوا : وجواب أحمد يدل على هذا التفصيل , فإنه سئل في رواية الأثرم عنه : فأجاب بالحديث .
وقاعدة مذهبه : أنه إذا سئل عن حكم فأجاب فيه بنص يدل على أن جوابه بالنص دليل على أنه قائل به , لأنه ذكره في معرض الجواب , فهو متضمن للجواب والاستدلال معا . قالوا : وأما ما ذكره عن يحيى بن سعيد . فإنما هو بيان لما وقع من الشبهة في الحديث . قالوا : وإسناده صحيح . ورواته غير مجروحين ولا متهمين , وذلك يوجب العمل به , وسائر الأحاديث ليس فيها ما يعارضه , لأنها تدل على صومه مضافا , فيحمل النهي على صومه مفردا , كما ثبت في يوم الجمعة .
ونظير هذا الحكم أيضا . كراهية إفراد رجب بالصوم , وعدم كراهيته موصولا بما قبله أو بعده .(1/13)
ونظيره أيضا : ما حمل الإمام أحمد عليه حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة في النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان : أنه النهي عن ابتداء الصوم فيه وأما صومه مع ما قبله من نصفه الأول , فلا يكره .
قالوا : وقد جاء هذا مصرحا به في صوم يوم السبت ففي مسند الإمام أحمد , من حديث ابن لهيعة : حدثنا موسى بن وردان عن عبيد الأعرج حدثتني جدتي , يعني الصماء " أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت , وهو يتغدى . فقال : تعالي تغدي . فقالت : إني صائمة . فقال لها : أصمت أمس ؟ قالت : لا . قال كلي , فإن صيام يوم السبت لا لك , ولا عليك " وهذا - وإن كان في إسناده من لا يحتج به إذا انفرد , - لكن يدل عليه ما تقدم من الأحاديث .
وعلى هذا : فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم " لا تصوموا يوم السبت " أي لا تقصدوا صومه بعينه إلا في الفرض (16) , فإن الرجل يقصد صومه بعينه , بحيث لو لم يجب عليه إلا صوم يوم السبت كمن أسلم ولم يبق من الشهر إلا يوم السبت , فإنه يصومه وحده . وأيضا فقصده بعينه في الفرض لا يكره , بخلاف قصده بعينه في النفل , فإنه يكره . ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره إليه , أو موافقته عادة .
فالمزيل للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضا , لا المقارنة بينه وبين غيره . وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه , أو موافقته عادة , ونحو ذلك .
قالوا : وأما قولكم : إن الاستثناء دليل التناول - إلى آخره - فلا ريب أن الاستثناء أخرج صورة الفرض من عموم النهي . فصورة الاقتران بما قبله أو بما بعده أخرجت بالدليل الذي تقدم , فكلا الصورتين مخرج .
أما الفرض : فبالمخرج المتصل . وأما صومه مضافا : فبالمخرج المنفصل , فبقيت صورة الإفراد , واللفظ متناول لها , ولا مخرج لها من عمومه , فيتعين حمله عليها . قيل : قد كرهه كثير من العلماء , وأكثر أصحاب أحمد على الكراهة .(1/14)
قال أحمد , في رواية ابنه عبد الله : حدثنا وكيع عن سفيان عن رجل عن أنس والحسن : أنهما كرها صوم يوم النيروز والمهرجان , قال عبد الله قال أبي : الرجل : أبان بن أبي عياش . فلما أجاب أحمد بهذا الجواب لمن سأله عن صيام هذين اليومين , دل ذلك على أنه اختاره . وهذه إحدى الطريقتين لأصحابه في مثل ذلك . وقيل : لا يكون هذا اختيارا له , ولا ينسب إليه القول الذي حكاه , وأكثر الأصحاب على الكراهة , وعللوا ذلك بأنهما يومان يعظمهما الكفار , فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما , فكره كيوم السبت .
قال صاحب المغني : وعلى قياس هذا : كل عيد للكفار , أو يوم يفردونه بالتعظيم .
قال شيخنا أبو العباس بن تيمية , قدس الله روحه (17) : وقد يقال : يكره صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من الأيام التي لا تعرف بحساب العرب , بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد , لأنه إذا قصد صوم مثل هذا الأيام العجمية أو الجاهلية , كان ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام وإحياء أمرها , وإظهار حالها بخلاف السبت والأحد , فإنهما من حساب المسلمين , فليس في صومهما مفسدة فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي , مع كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي , توفيقا بين الآثار والله أعلم .(18)
وقال العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي :
قال الطيبي : قالوا النهي عن الإفراد كما في الجمعة , والمقصود مخالفة اليهود فيهما , والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور . وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة , وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء أو وافق وردا . وزاد ابن الملك : وعشر ذي الحجة أو في خير الصيام صيام داود فإن المنهي عنه شدة الاهتمام والعناية به حتى كأنه يراه واجبا كما تفعله اليهود .(1/15)
قلت : فعلى هذا يكون النهي للتحريم , وأما على غير هذا الوجه فهو للتنزيه بمجرد المشابهة .
قال الطيبي : واتفق الجمهور على أن هذا النهي والنهي عن إفراد الجمعة نهي تنزيه لا تحريم ( فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب ) : هكذا في بعض النسخ وفي بعضها عنبة قال في القاموس : العنب معلوم واحدته عنبة . انتهى
واللحاء ـ بكسر اللام ـ قال التوربشتي : اللحاء ممدود وهو قشر الشجر , والعنبة هي الحبة من العنب .
وفي المرقاة : قشر حبة واحدة من العنب استعارة من قشر العود ( أو عود شجرة ) : عطفا على اللحاء ( فليمضغه ) : بفتح الضاد ويضم في القاموس : مضغه كمنعه ونصره لاكه بأسنانه , وهذا تأكيد بالإفطار لنفي الصوم . قاله علي القاري .
قال المنذري : قال أبو داود : هذا الحديث منسوخ , وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حديث حسن هذا آخر كلامه ، وقيل إن الصماء أخت بسر .
وروى هذا الحديث من حديث عبد الله بن بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حديث أبيه بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث الصماء عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال النسائي : هذه أحاديث مضطربة انتهى كلام المنذري .
والحديث أخرجه أحمد والدارمي وصححه الحاكم على شرط البخاري وقال النووي : صححه الأئمة ( قال أبو داود : هذا الحديث منسوخ ) : ذهب إلى نسخه المؤلف .
وقد طعن في هذا الحديث جماعة من الأئمة مالك بن أنس وابن شهاب الزهري والأوزاعي والنسائي , فلا تغتر بتحسين الترمذي وتصحيح الحاكم , وإن ثبت تحسينه فلا يعارض حديث جويرية بنت الحارث الذي اتفق عليه الشيخان .(1/16)
ثم اختلف هؤلاء في تعليل الكراهة , فعللها ابن عقيل : بأنه يوم يمسك فيه اليهود , ويخصونه بالإمساك , وهو ترك العمل فيه , والصائم في مظنة ترك العمل , فيصير صومه تشبها بهم , وهذه العلة منتفية في الأحد . ولا يقال : فهذه العلة موجودة إذا صامه مع غيره , ومع هذا فإنه لا يكره , لأنه إذا صامه مع غيره لم يكن قاصدا تخصيصه المقتضي للتشبه , وشاهده : استحباب صوم يوم قبل عاشوراء وبعده إليه , لتنتفي صورة الموافقة .
وعلله طائفة أخرى : بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظمونه , فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيما له , فكره ذلك , كما كره إفراد يوم عاشوراء بالتعظيم , لما عظمه أهل الكتاب , وإفراد رجب أيضا لما عظمه المشركون .
وهذا التعليل قد تعارض بيوم الأحد , فإنه يوم عيد للنصارى , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اليوم لنا , وغدا لليهود , وبعد للنصارى " ومع ذلك فلا يكره صومه . وأيضا فإذا كان يوم عيد , فقد يقال : مخالفتهم فيه يكون بالصوم لا بالفطر , فالصوم فيه تحقيق للمخالفة , ويدل على ذلك : ما رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث كريب مولى ابن عباس قال " أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسالها : أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياما ؟ فقالت : كان يصوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول : إنهما يوما عيد للمشركين , فأنا أحب أن أخالفهم " وصححه بعض الحفاظ (19) .
فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم , فكيف نعلل كراهة صومه بكونه عيدا لهم ! وفي جامع الترمذي عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت , والأحد والاثنين . ومن الشهر الآخر الثلاثاء , والأربعاء , والخميس " قال الترمذي : حديث حسن . وقد روى ابن مهدي هذا الحديث عن سفيان , ولم يرفعه . وهذان الحديثان ليسا بحجة على من كره إفراد السبت بالصوم .(1/17)
وعلله طائفة : بأنهم يتركون العمل فيه , والصوم مظنة ذلك , فإنه إذا ضم إليه الأحد زال الإفراد المكروه , وحصلت المخالفة بصوم يوم فطرهم , وزال عنها صورة التعظيم المكروه بعدم التخصيص المؤذن بالتعظيم , فاتفقت بحمد الله الأحاديث وزال عنها الاضطراب والاختلاف , وتبين تصديق بعضها بعضا . أ ـ هـ(20)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
اختلف العلماء في هذا الحديث ، فقواه من ذكر المؤلف ، وقال مالك :
هذا كذب .
وضعفه الإمام أحمد كما في " تهذيب السنن "
وقال النسائي : "وهو حديث مضطرب "
وبه أعله الحافظ في " بلوغ المرام " فقال : ورجاله ثقات إلا أنه مضطرب ، وقد أنكره مالك .
وقد بين الاضطراب فيه الحافظ في " التلخيص " (6/472) ، فليراجعه من شاء .
ثم تبين لي أن الحديث صحيح ، وأن الاضطراب المشار إليه هو من النوع الذي لا يؤثر في صحة الحديث ؛ لأن بعض طرقه سالم منه ، وقد بينت ذلك في "إرواء الغليل " (960) بينا لا يدع مجالا للشك في صحته .
وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفردًا يأباه قوله ( : (إلا فيما افترض عليكم ) ، فإنه كما قال ابن القيم في "تهذيب السنن" :
دليل على المنع من صومه في غير الفرد مفردا أو مضافا , لأن الاستثناء دليل التناول , وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه , إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد , لقال : لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده , كما قال في الجمعة . فلما خص الصورة المأذون في صومها بالفرضية علم تناول النهي لما قابلها ."
قلت : وأيضًا لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها ؛ لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض ؛ لأن شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران ، فإذا استثنى الفرض وحده دل على عدم استثناء غيره كما لا يخفى .(1/18)
وإذ الأمر كذلك ، فالحديث مخالف للأحاديث المبيحة لصيام يوم السبت ، كحديث ابن عمرو الذي قبله ، ونحوه مما ذكره ابن القيم تحت هذا الحديث في بحث له قيم ، أفاض فيه في ذكر أقوال العلماء فيه ، وانتهى فيه إلى حمل النهي على إفراد يوم السبت بالصوم ، جمعًا بينه وبين تلك الأحاديث ، وهو الذي ملت إليه في "الإرواء" .
والذي أراه ـ والله أعلم ـ أن هذا الجمع جيد لولا أمران اثنان :
الأول : مخالفته الصريحة للحديث ، على ما سبق نقله عن ابن القيم .
والآخر : أن هناك مجالا آخر للتوفيق والجمع بينه وبين تلك الأحاديث ، إذا ما أردنا أن نلتزم القواعد العلمية المنصوص عليها في كتب الأصول ، ومنها :
أولاً : قولهم : إذا تعارض حاظر ومبيح ؛ قدم الحاظر على المبيح .
ثانيًا : إذا تعارض القول مع الفعل ؛ قدم القول على الفعل .
ومن تأمل تلك الأحاديث المخالفة لهذا ؛ وجدها على نوعين :
الأول : من فعله ( وصيامه .
والآخر : من قوله ( كحديث ابن عمرو المتقدم .
ومن الظاهر البين أن كلاً منهما مبيح ، وحينئذ ؛ فالجمع بينها وبين الحديث يقتضي تقديم الحديث على هذا النوع لأنه حاظر ، وهي مبيحة .
وكذلك قوله ( لجويرية : " أتريدين أن تصومي غدًا " ، وما في معناه مبيح أيضًا ، فيقدم الحديث عليه .
هذا ما بدا لي ، فإن أصبت فمن الله ، وله الحمد على فضله وتوفيقه ، وإن أخطأت فمن نفسي ، وأستغفره من ذنبي . أ ـ هـ (21)
رابعًا : القول الراجح في المسألة
بعد عرض الأدلة التي استدل بها كل فريق في ترجيح ما ذهب إليه ، وبيان الضعيف منها من الصحيح ووجه الدلالة منها يتضح أن الصواب في ذلك هو تحريم صوم السبت في غير فريضة مثل صيام رمضان ، وقضاء رمضان ، وصيام النذر ، والكفارات ، وغيرها مما هو فرض . وذلك للآتي :
1 ـ من المعروف لدى أهل الأصول أن النهي يقتضي التحريم ما لم تصرفه قرينة إلى الكراهة فقط ،(1/19)
قال تعالى : ( وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(الحشر: من الآية7) .
ولم يقل أحد من أهل العلم أن القرينة تصرف النهي إلى الإباحة ، فمن قال بالجواز فقد خالف ذلك ، وهذا بين واضح .
أما فساد المنهي : فيكون إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو شرطه أو شئ خارج عنه ولازم له غالبًا كما هو مقرر في الأصول .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
وكما أن قواعد الشريعة أن النهي يقتضي التحريم فكذلك يقتضي الفساد . أ ـ هـ (22)
وقال الزركشي ـ رحمه الله ـ بعد أن حكى الخلاف :
أنه للتحريم حقيقة كما أن مطلق الأمر للوجوب ، لأن الصحابة رجعوا في التحريم إلى مجرد النهي ، ولقوله تعالى : ( وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وهذا هو الذي عليه الجمهور ، وتظاهرت نصوص الشافعي عليه ، فقال في "الرسالة " : في باب العلل في الأحاديث : وما نهي عنه رسول الله ( فهو على التحريم حتى يأتي دلالة على أنها إنما أراد به غير التحريم .
وقال في "الأم " في كتاب صفة الأمر والنهي : النهي من رسول الله ( إن كان ما نهي عنه فهو محرم حتى تأتي دلالة أنه بمعنى غير التحريم .
ونص عليه في "أحكام القرآن " أيضًا .(23)
فقوله ( في الحديث : (لا تصوموا يوم السبت ...) نهي يقتضي التحريم . وأحاديث الجواز لا تصرف هذا النهي لغير التحريم وذلك لقوله ( في آخر الحديث : (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا عُودَ عِنَبٍ أَوْ لِحَى شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهَا ) فإنه تشديد في النهي ؛ وإلا فما فائدة قوله ( ذلك إذا لم يكن تأكيدًا في النهي ؟
2 ـ أن من القواعد الفقهية : أن المنطوق مقدم على المفهوم .
والأحاديث التي استدل بها المجوزون إنما تدل بمفهومها على جواز صيامه ، وحديث المنع يدل بمنطوقه على تحريم الصيام ، فيقدم هو على غيره .
قال الرازي :(1/20)
المنطوق مقدم على المفهوم إذا جعلنا المفهوم حجة لأن المنطوق أقوى دلالة على الحكم من المفهوم . أ ـ هـ (24)
وقد استعمل العلامة الشنقيطي رحمه الله هذه القاعدة في كثير من المواضع في تفسيره "أضواء البيان " في الترجيح بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض(25)
3 ـ إذا تعارض الأمر والنهي قدم الأمر على النهي .
فإذا نظرنا إلى الأدلة في صيام يوم السبت وعدم صيامه نجد أن ظاهر التعارض بين النهي والإباحة وليس الأمر ؛ فكيف يقدم الإباحة على النهي ؟!!
فيقدم هنا النهي الصريح على الأحاديث التي تدل على الإباحة .
وقد ذكر الشوكاني هذه القاعدة في كتابه " إرشاد الفحول " حيث قال :
النوع الثامن عشر : أنه يقدم النهي على الأمر . أ ـ هـ(26)
وقد استعملها الشنقيطي رحمه الله في " أضواء البيان " في مسألة قتل الحر بالعبد في القصاص بقوله : أنه معارض بالأدلة التي تمسك بها الجمهور في عدم قتل الحر بالعبد وستأتي إن شاء الله مفصلة ، وهي تدل على النهي عن قتل الحر بالعبد والنهي مقدم على الأمر كما تقرر في الأصول . أ ـ هـ (27)
وقد رجح ذلك الآمدي وغيره لأن هذه القاعدة يستدعي دفع مفسدة النهي (28 )
4 ـ إذا تعارض قولان بين الكراهة والتحريم فيرجح القول بالتحريم
قال الحافظ بن حجر في كلامه عن حديث النهي عن الشرب من في السقاء :
وقال الشيخ محمد بن أبي جمرة ـ ما ملخصه ـ :
اختلف في علة النهي ، فقيل يخشى أن يكون في الوعاء حيوان ، أو ينصب بقوة فيشرق به ، أو يقطع العروق الضعيفة التي بإزاء القلب فربما كان سبب الهلاك ، أو بما يتعلق بفم السقاء من بخار النفس ، أو بما يخالط الماء من ريق الشارب فيتقذره غيره ، أو لأن الوعاء يفسد بذلك في العادة فيكون من إضاعة المال .(1/21)
قال : والذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور وفيها ما يقتضي الكراهة وفيها ما يقتضي التحريم والقاعدة في مثل ذلك ترجيح القول بالتحريم وقد جزم بن حزم بالتحريم لثبوت النهي . أ ـ هـ (29)
5 ـ إذا تعارض الحاظر والمبيح قدم الحاظر
وذلك أن فعل الإباحة وتركها سواء لا يتعلق به ذم ولا مدح ، أما الوقوع في الحظر يعرض المسلم للذم واستحقاق العقاب .
وهذه القاعدة العظيمة هي الأساس في كثير من الأحكام الفقهية والترجيح بين الأدلة .
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
لو قدر تعارض دليلي الحظر والإباحة لكان العمل بدليل الحظر أولى لثلاثة أوجه :
أحدها : تأيَّده بالأصل الحاظر
الثاني : أنه أحوط
الثالث : أن الدليلين إذا تعارضا تساقطا ورجع إلى أصل التحريم . أ ـ هـ (30)
وهنا أن حديث " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ..." يقتضي التحريم وهو حاظر ، والأحاديث الأخرى التي يفهم منها جواز صيام يوم السبت لا تعدوا كونها مبيحة . فصار تقديم الحظر على الإباحة هنا خشية الوقوع في النهي .
قال العلامة شهاب الدين القرافي ـ رحمه الله ـ :
يحتاط الشرع في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أكثر من الخروج من الإباحة إلى الحرمة ؛ لأن التحريم يعتمد المفاسد فيتعين الاحتياط له ، فلا يقدم محلٍّ فيه مفسدة إلا بسبب قوي يدل على زوال تلك المفسدة ، أو يعارضها ويمنع الإباحة ما فيه مفسدة بأيسر الأسباب دفعًا للمفسدة بحسب الإمكان . أ ـ هـ (31)
وقال الإمام السيوطي ـ رحمه الله ـ :
إذا تعارض دليلان أحدهما يقتضي التحريم والآخر الإباحة قدم التحريم في الأصح .
ومن ثم قال عثمان ـ رضي الله عنه ـ لما سئل عن الجمع بين أختين بملك اليمين : أحلتهما آية وحرمتهما آية والتحريم أحب إلينا . أ ـ هـ(32)
وفي هذا الباب كثير من الأدلة المتعارضة في ذلك نورد بعضها كشواهد ، لأن القائلين بجواز صيام يوم السبت يقولون بحرمة ما سنذكره :(1/22)
المثال الأول : صيام المرأة بدون إذن زوجها :
روى البخاري (5195) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ ... الحديث)
فلو أن امرأة أرادت أن تصوم يوم عرفة أو عاشوراء من غير إذن زوجها فهل يصح ذلك منها ولا يحرم ؟
والجواب : لا يجوز لها الصوم ويحرم عليها ذلك ؛ لأنه تعارضت السنة مع النهي الشرعي فقدم النهي على السنة . وهذا بديهي لكل عاقل .
المثال الثاني : سفر المرأة بدون محرم ولو أرادت الحج :
روى البخاري (1088) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَم )
فهنا قد تعارض النهي مع فعل واجب ، فأكثر أهل العلم يحرم على المرأة أن تسافر من غير محرم حتى ولو كان لأداء الفريضة .
واكثر من ذلك أن هناك حديث يدل على إباحة سفر المرأة من غير محرم .
روى البخاري (3595) َ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ .
فَقَالَ : يَا عَدِيُّ ! هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ ؟
قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا
قَالَ : فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لا تَخَافُ أَحَدًا إِلا اللَّهَ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلادَ ...... ـ إلى أن قال َـ :(1/23)
قَالَ عَدِيٌّ : فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لا تَخَافُ إِلا اللَّهَ .... الحديث )
وقد استدل به البعض على جواز سفر المرأة للحج بدون محرم .
المثال الثالث : النهي عن الصيام بعد منتصف شعبان لمن ليست له عادة :
روى أبو داود ( 2337) والترمذي (738) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا ) وصححه الألباني .
فنقول لو أراد رجل أن يصوم يوم الاثنين والخميس بعد النصف ولم يكن معتادًا على ذلك هل يجوز له ذلك أم يحرم ؟
والجواب من الجميع أنه يحرم ؛ لأنه تعارض النهي مع الإباحة فقدم النهي على الإباحة هنا . وكذلك صوم يوم السبت يحرم لأن النهي تعارض مع الإباحة .
المثال الرابع : صيام يوم الشك
وله حالتان :
الحالة الأولى : أن الذي يتقدم رمضان بيوم يأخذ بالأحوط وخاصة إذا غم عليه لئلا يضيع منه يوم فرض صيامه
والحالة الثانية : إذا صادف يوم الاثنين أو يوم الخميس ومن السنة صيامهما ؛ لكن لم يكن معتادًا ذلك .
فنرى أن في كلا الحالتين قدم النهي على الفرض والسنة ؛ وذلك للدليل الذي ورد في النهي .
روى البخاري (1906) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : ( لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ )
وروى أيضًا (1914) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ .)(1/24)
فجواز صوم يوم الشك لمن كانت له عادة جاء بالدليل المتثني ، فإذا لم يكن ثم دليل فإن النهي على عمومه .
المثال الخامس : صوم العيدين
ومن المعلوم أن صوم يومي العيد ـ الفطر والأضحى ـ يحرم باتفاق ، وذلك لدليل التحريم الذي ورد حتى ولو صادف يوم الخميس أو الاثنين . لأن النهي مقدم على الإباحة .
عن أَبُي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ يَوْمَ الأَضْحَى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ مِنْ نُسُكِكُمْ )
المثال السادس : صيام أيام التشريق
قد ورد النهي عن صيامها وهي تتعارض مع من يصحح حديث صيام الأيام القمرية ؛ إذا سوف يكون يوم الثالث عشرة من أيام التشريق ، فهل تصام حتى ولو كان معتادًا ذلك ؟
والجواب : لا ؛ لأنه تعارض الحاظر مع المبيح فقدم الحاظر على المبيح .
المثال السابع : صلاة النافلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها منهي عنها برغم من أنها مستحبة
روى مسلم (488) عن مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ قَالَ : لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ ـ أَوْ قَالَ قُلْتُ بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ ـ فَسَكَتَ ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ .(1/25)
فَقَالَ : سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً )
وروى أيضًا (825) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ .)
فهاهنا قدم النهي على الإباحة للتعارض ولم يقدم الإباحة على النهي لتحصيل المصلحة من فعل السجود
والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا وفي كلها أكثر من يقول بجواز صوم السبت يقول بالتحريم فيها ، فلو أن كل عالم سار على منهج واحد وقواعد منضبطة لما وجدت التعارض في أقوال العالم الواحد .
المثال الثامن : روى البخاري (5473) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ ، وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ )
وروى أحمد (20203) عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ : قَالَ : اذْبَحُوا فِي أَيِّ شَهْرٍ مَا كَانَ وَبَرُّوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَطْعِمُوا .
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا كُنَّا نُفَرِّعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟
قَالَ : فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتُكَ فَإِذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ وَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ ـ قَالَ : أَحْسَبُهُ ـ قَالَ : عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ)(33)(1/26)
وروى النسائي بسند حسنه الألباني (4225) عن عَمْرَو بْنَ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْفَرَعَ ؟
قَالَ : حَقٌّ فَإِنْ تَرَكْتَهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ فَتُكْفِئَ إِنَاءَكَ وَتُولِهُ نَاقَتَكَ .
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْعَتِيرَةُ ؟
قَالَ : الْعَتِيرَةُ حَقٌّ .)
فهنا حديثان : أحدهما ينهي في صيغة النفي ، والآخر يثبت الفرع والعتيرة ، فيقدم النهي هنا على الإباحة ، وإلا فالكثير ممن يجوزون صيام السبت ويعللون يحرمون الذبح في أول رجب فلماذا لم يفعلوا ذلك في صيام السبت في غير فريضة ؟
6 ـ إذا تعارض دليلان أحدهما ناقل عن حكم الأصل والآخر مبقي عليه فيقدم الناقل عن الأصل على المبقي .
وهذه القاعدة مشابهة للقاعدة السابقة أو فرع منها
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
إذا تعارض نصان أحدهما ناقل عن الأصل والآخر ناف مبق لحكم الأصل كان الناقل أولى ؛ لأنه إذا قدم الناقل لم يلزم تعيين الحكم إلا مرة واحدة ، وإذا قدم المبقى تغير الحكم مرتين . أ ـ هـ(34)
وعلى هذا نقول أن صيام كل الأيام على الإباحة الأصلية ، فيكون صوم يومي العيدين ناقل عن الأصل فيقدم هو على الأصل ، وكذلك أيام التشريق ، وصوم يوم الشك ، ويضاف إلى ذلك صيام يوم السبت ؛ لأن النهي فيه ناقل عن الأصل والأحاديث التي يفهم منها جواز صيامه مبقية على حكم الأصل فيقدم النهي على الإباحة .
وقال ابن القيم في الكلام على أحاديث حكم صيام الحاجم والمحجوم المتعارضة :(1/27)
لو قدر تعارضها فالأخذ بأحاديث الفطر متعين لأنها ناقلة عن الأصل وأحاديث الإباحة موافقة لما كان الأمر عليه قبل جعلها مفطرة والناقل مقدم على المبقي . أ ـ هـ (35)
ومن الملاحظ هنا أن ابن القيم قدم حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " على حديث صريح في نسخ هذا الحكم وهو "رخص النبي ( في القبلة والحجامة للصائم "
ومن المعلوم أن الترخيص لا يأتي إلا بعد حظر ، فلكي يحكم بالحظر مرة أخرى فلابد من دليل آخر ، ولا دليل ، وبرغم ذلك قدم ابن القيم الحديث الناقل عن حكم الأصل ليس على المبقي عليه ؛ وإنما على الدليل الذي رجع حكم الأصل إلى ما كان عليه قبل النهي
7 ـ في قوله ( " إلا فيما افترض عليكم" استثناء من عموم الصوم ، والاستثناء دليل التناول ـ كما صرح ابن القيم وغيره ـ حيث قال رحمه الله :
وهذه طريقة جيدة , لو لا أن قوله في الحديث " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم " دليل على المنع من صومه في غير الفرد مفردا أو مضافا , لأن الاستثناء دليل التناول , وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه , إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد , لقال : لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده , كما قال في الجمعة . فلما خص الصورة المأذون في صومها بالفرضية علم تناول النهي لما قابلها . أ ـ هـ(36)
فيشمل كل صورة من صور الصوم سواء كان الصوم مفردًا أو مضافًا إليه غيره ، ومن قال بخروج صورة الإضافة فلابد من دليل شرعي خاص في المسألة كما جاء في صوم الجمعة ، ويوم الشك ، ولا دليل فيكون الحكم بالتحريم هو الراجح .
ونقول : أن النبي ( حرم صوم يوم السبت إلا في فريضة ؛ فهل إذا انضم إليه يوم آخر انتقل من الاستحباب أو الجواز إلى الفرض ؟!!
هذا لا يستطيع أن يقول به عالم ؛ لأن هذا الكلام لم يثبت عن أحد
وهل لو كان يوم عرفة أو عاشوراء ـ وهما متسحب صيامهما ـ صار واجبًا ؟!!(1/28)
والجواب : أنه لا أحد يستطيع أن يقول ذلك .
وعلى هذا نقول لمن يجوز صيام السبت : إما أنك تعمل بحديث " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم " فيلزمك ما ذكرناه آنفا ، وإما أنك لا تعمل بالحديث مطلقًا ؛ وإنما هو التحايل على الشرع . فقل كما قال غير واحد من العلماء : أنه مكذوب أو منسوخ أو شاذ ، وعندها يكون البحث في موضوع آخر ، أما فقه الحديث ـ منطوقه ومفهومه ـ يخالف الحكم بالجواز إذا وافق عادة أو فضيلة .
ونقول أيضًا لمن يقول إذا انضم إليه يوم آخر لم يكره : ماذا تفعل في حديث صيام داود ؛ فلابد وأن يأتي السبت مفردًا ؟
فإذا كان الجواب لا نعمل به فقد رددته ، وإن قلت يصام مفردًا ؛ لم يبق لحديث النهي عن صوم السبت ذكر عند هؤلاء .
والخلاصة : أن كل من يقول بجواز صوم السبت بهذه الصور السابقة لم يعمل بحديث النهي عن صوم السبت وإن كان يعتقد صحته .
8 ـ لو جاء يوم السبت موافق يوم عرفة أو عاشوراء وتركه الإنسان امتثالا للنهي ورغبة في صوم هذا اليوم فله الأجر مرتين.
الأولى : أن ترك النهي يثاب صاحبه امتثالا ، فتحقق الثواب في الترك .
الثانية : أن نيته في صوم عرفة أو عاشوراء رغبة في الأجر ولكن امتنع امتثالا للشرع وقام العذر بتركه ، فله الأجر إن شاء الله على نيته . لأنه من ترك شيئًا لله عوضه الله بخير منه .
روى الحارث ابن أبي أسامة في مسنده (1101) بسند صحيح عن حميد بن هلال قال : ثنا أبو قتادة وأبو الدهماء قالا ـ وكانا يكثران السفر نحو البيتـ قالا : أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فجعل يعلمني مما عمله الله فكان مما حفظت أن قال : (لا تدع شيئا اتقاء لله إلا أبدلك الله خيرًا منه )(37) وصححه الألباني
9 ـ حجة باطلة وهي قول البعض :
إن النهي عن صوم يوم السبت يكون إذا قصد بصومه يوم السبت خاصة أو تعظيمًا .(1/29)
ونقول : إن فتح مثل هذا الباب من التعليلات الفاسدة التي لم ينص عليها شرع تعود على كثير من أدلة الشرع بالإبطال ؛ لأن النبي ( كان أعلم بحال الأمة وما تقع فيه بإعلام الله له ، ولا يجوز في حق النبي ( تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولا حاجة إلى مثل هذا القصد أو التعظيم ؛ لأنه لم يقع في الأمة أن رجالا قصدوا صيام يوم السبت أو عظموه ، مثل ما أخبر النبي ( عن النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، فقد وقعت الأمة مثل ما وقعت فيه اليهود والنصارى .
ومثل هذا الحديث أحاديث منها :
1 ـ روى البخاري (436) عن عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالا : لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ : (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا )
فهل نقول في مثل هذا الحديث من قصد الصلاة عند هذه القبور فقد وقع في الحرمة ؟!! أو نقول من قصد الصلاة في هذه المساجد التي بنيت على القبور تعظيمًا لأصحابها فقد وقع في الحرمة ومن لا يقصد ذلك جازت الصلاة وصحت ؟!!
فهذا تعليل لا يصح لأنه إهدار للنهي ، وإبطال للعمل بالحديث .
2 ـ وروى البخاري أيضًا (3873) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(1/30)
فهل نقول : يجوز التصوير وصناعة التماثيل إذا لم يقصد الفاعل تعظيمًا لها كما فعلت النصارى ؟!! ومن المعلوم أن العلة في السابق هي التعظيم أما الآن فإن الكثير يتخذها مهنة يتقوت منها فهل يكون ذلك داع إلى جواز التصوير ؟
والأمثلة على ذلك كثيرة
10 ـ من يستدل بحديث أم سلمة رضي الله عنها في صيام النبي ( للسبت والأحد ، وحديث عائشة رضي الله عنها غي صيامه ( للسبت والأحد من كل شهر ، على جواز صوم السبت .
والجواب على ذلك من وجوه :
الأول : قد ثبت ضعف الحديثان فلا حجة لمن يحتج بهما .
الوجه الثاني : لو صح الحديثان لكان ذلك دليلاً على استحباب صيام يوم السبت خاصة ، وليس على الكراهة كما يذكر الكثير ، أو على الكراهة مفردًا ، وهم لا يقولون بذلك ولا يعملون بمقتضى الحديثين .
الوجه الثالث : أيضًا لو صح الحديثان فنقول أنه تعارض الحاظر والمبيح فيقدم الحاظر على المبيح دفعًا لمفسدة النهي .
الوجه الرابع : أن الحديثين من فعل النبي ( ـ لو صحا ـ وعند تعارض القول والفعل يقدم القول على الفعل ، ويعتبر الفعل خاصًا به ( ، والقول للأمة كما هو مقرر في الأصول :
قال المباركفوري ـ رحمه الله ـ :
أنه ـ إذا ـ تعارض القول والفعل والصحيح حينئذ عند الأصوليين ترجيح القول ؛ لأنه يتعدى إلى الغير والفعل قد يكون مقصورا عليه . أ ـ هـ(38)
وقال الإمام الصنعاني ـ رحمه الله ـ في شرح حديث النهي عن الصوم إذا انتصف شعبان :
والحديث دليل على النهي عن الصوم في شعبان بعد انتصافه ؛ ولكنه مقيد بحديث " إلا أن يوافق صوما معتادا " كما تقدم .
واختلف العلماء في ذلك :
فذهب كثير من الشافعية إلى التحريم لهذا النهي ، وقيل إنه يكره إلا قبل رمضان بيوم أو يومين فإنه محرم ، وقيل لا يكره ، وقيل إنه مندوب وأن الحديث مؤول بمن يضعفه الصوم .(1/31)
وكأنهم استدلوا بحديث أنه صلى الله عليه وسلم " كان يصل شعبان برمضان " ولا يخفى أنه إذا تعارض القول والفعل كان القول مقدما . أ ـ هـ(39)
فها هنا الصنعاني قدم النهي عن الصيام على الإباحة وهي من فعل النبي ( .
11 ـ قوله ( (، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا عُودَ عِنَبٍ أَوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَلْيَمُصَّهُ ).
هذا القول من المعصوم ( تشديدًا في النهي عن الصوم في ذلك اليوم بما لم يشدد فيه على صيام العيدين ولا الأيام الأخر التي نهى عن صيامها وإنما اختص يوم السبت بذلك تعظيمًا للنهي ، وقد بالغ ( في التشديد إلى درج أن الإنسان لو لم يجد شيئًا يفطر عليه هذا اليوم إلا قشر الشجر أو عود العنب يلوكه في فمه إظهارًا للطاعة ونفيًا للعذر حتى ولو احتج بعدم وجود الماء ، برغم أن هذا لا يحدث إلا إذا ضل الإنسان طريقه في صحراء جرداء لا عشب فيها ولا ماء . وهذا الحديث أيضًا رد على من يقول بالكراهة فقط دون التحريم ، وقد أجمعت الأمة على الفطر في عيدي الفطر والأضحى وتحريم صومهما برغم من أن النهي الوارد في يوم السبت أقوى فهل من معتبر ؟!
12 ـ البعض يستدل بالقاعدة " الجمع بين الحديثين المتعارضين أولى من الترجيح بينهما " فإعمال الحديث خير من إهماله .
وعلى هذا قالوا بكراهة صوم يوم السبت مفردًا أو إذا قصد به يوم السبت ، وجواز صومه في غير ذلك .
ونقول : هذا مخالف لما ذكروه من وجوه :
الأول : أن مسألة القصد وعدمه بهذه الطريقة قد رددنا عليها بما يكفي ، وأنها تبطل العمل بكثير من أحاديث النهي ، ولم يأتي ذلك في الشرع
الثاني : أن من فعل ذلك لم يعمل بالنهي الوارد في صوم يوم السبت ؛ إلا في صورتين فقط ، وكأنه خصص النهي العام بهاتين الصورتين ؛ ولا مخصص
الثالث : أنهم وقعوا في نفس الإشكال في تعارض صيام يوم الاثنين والخميس إذا وافق يوم عيد ، فلم يعملوا بهذه القاعدة التي ذكروها(1/32)
الرابع : أننا حينما أخذنا بالنهي عن صوم يوم السبت لم نهمل حديث صوم الجمعة ؛ لأنه إذا صام الخميس جاز له صوم الجمعة ، فلم يكن التعارض إلا في صوم يوم عرفة أو عاشوراء إذا جاء يوم سبت ، وهنا ترك ما نهى عنه الشارع أولى من فعل ما أمر به لما جاء في صحيح البخاري (7289) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ )
ففعل المأمور منوط بالاستطاعة ، والنهي ليس كذلك فالواجب تركه .
وبهذا نكون قد استوفينا البحث في هذه المسألة وبقي زيادة توضيح للشيخ الألباني رحمه الله :
خامسًا : بحث نفيس للشيخ الألباني(40)
السؤال مقدم من الشيخ أبي إسحاق الحويني ـ حفظه الله ـ
قال حفظه الله :
بالنسبة لمسألة صيام يوم السبت ، هذه المسألة تكاد تكون جديدة على الأفهام ، فاعترضها بعض المنتسبين للعلم في مصر ، فحدث نوع من البلبلة ، فنرجو الإفاضة في هذه المسألة والإجابة عن الشبهات التي تعترض هذا الحكم ، لا سيما أحيانًا قد يوافق يوم عرفة أو قد يوافق يوم عاشوراء .
فأجاب رحمه الله :
في الحقيقة إن هذه المسألة لكثرة ما سؤلت عنها وأجبت عنها ، تارة بالتفصيل دون مناقشةٍ أو مجادلة ، وتارة مع التفصيل ومع تلقي الاعتراضات والأسئلة ٍ.
ومن هذا النوع ما كان في هذه السفرة الأخيرة في المدينة المنورة ، وقد كان في ذلك المجلس بعض أفاضل أهل العلم من الدكاترة وغيرهم من المدرسين في الجامعة الإسلامية ، فلا أدري إذا كان من المفيد أن نخوض مرة أخرى في مثل هذه المسألة ، وإن كانت النفس لا تنشط عادة لتكرار ما مضى فيه البحث مرارًا وتكرارًا ، .... (41)(1/33)
القضية في الواقع كما أشرت إليها في مطلع كلامك أنها مفاجأة بالنسبة لعامة الناس ، وبخاصة الذين لا يشغلون أنفسهم بدراسة السنة ؛ وإنما قد يراجعوا من كتب السنة ما يوافقون فيها مذهبهم وعادتهم وتقاليدهم .
وهذا الحديث كان في الحقيقة مع أنه قد ورد في بطون كتب السنة التي حفظها الله تبارك وتعالى لنا من باب حفظه للقرآن الكريم ، كما قال عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) .(1/34)
لقد كان هذا الحديث محفوظًا في كتب السنة ، ولكن لما كانت دراسة السنة كادت أن تصبح شيئًا منسيًا في آخر الزمان هذا ، ولذلك فإذا ما أثير مثل هذا الحديث المحفوظ في بطون الكتب جاء غريبًا على أذهان الناس وبخاصة إذا كان مخالفًا لما جاء في بعض كتب المذاهب ، وما كان مخالفًا لما اعتادوا عليه من العبادات سواء ما كان منها من السنن أو المستحبات ، ويعود عهدي بالانتباه لهذا الحديث حينما كنت شرعت في تخريج كتاب " منار السبيل " الكتاب المعروف لدى طلاب العلم اليوم " إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل " وهو في الفقه الحنبلي ، ووجدت نفسي مضطرًا للعناية بتخريجه تخريجًا علميًا كما هو ديدني بالنسبة للأحاديث التي كتبناها تصحيحًا أو تضعيفًا ، ووجدت هذا الحديث من الناحية الحديثية لا مناص للباحث من تصحيحه لأن له طرقًا كثيرة وبعضها صحيح لا إشكال و لا ريب فيه ، وذلك كله مشروح في الكتاب المشار إليه " إرواء الغليل " وبعد أن اطمأننت لصحة الحديث كان لابد لي من التوجه لدراسة الحديث من الناحية الفقهية ، ووجدت الحديث صريح الدلالة لا يقبل نقاشًا ولا جدلاً في أن النبي ( نهى فيه عن صيام يوم السبت إلا في الفرض ، وقال عليه الصلاة والسلام ـ نذكر هذا الحديث تذكيرًا للحاضرين أو تنبيهًا للغافلين ـ فقل عليه الصلاة والسلام : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجر فليمضغه ، ولو لم يجد أحكم إلا لحاء شجر فليمضغه .
لم يقتصر هذا الحديث على الأمر بالإفطار يوم السبت إلا في الفرض بل أضاف إلى ذلك تأكيدًا بالغًا بقوله ( : ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجر ، ولحاء الشجر هو القشر الذي ليس من عادة الناس أن يستفيدوا منه إلا حطب للنار ، فبالغ الرسول عليه الصلاة والسلام في الأمر بالإفطار يوم السبت فقال : ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجر فليمضغه .(1/35)
فتأملت في هذا الحديث وجدته نصًا صريحًا في أنه لا يجوز صيام يوم السبت إلا في الفرض ، وكلمة الفرض هنا لا تقتصر كما توهم بعض الدكاترة عن الصوم في رمضان فقط ؛ بل هو أعم من ذلك لأن من الفرض قضاء مما عليه من رمضان ، ومن الفرض مثلاً صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي بالنسبة للمتمتع ، وهكذا الفرض من كان نذر عليه صيامًا معينًا فعليه أن يلتزم ذلك لأنه بالنذر صار فرضًا وهكذا .
والشاهد : أن هذه نقطة وقفنا عندها ؛ لأننا وجدنا بعضهم يتوهم أن هذا الاستثناء ينحصر في رمضان فقط ، والأمر أوسع من ذلك ؛ ولكنها مع هذه التوسعة فيما يتعلق بما كان فرضًا ، فهذا الاستثناء ينفي بكل صراحة ما لم يكن فرضًا .
وعلى ذلك تأتي الإشكالات التي أشار إليها آنفًا ، فإذا اتفق صوم يوم عرفة يوم السبت فماذا يفعل المستن والمتتبع لهذا الحديث الصحيح بعد أن يفهم معناه ؟
نحن نقول كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : إلا فيما افترض عليكم .
فصيام يوم عرفة مع الفضيلة في السنة فهو ليس فرضًا ، كذلك إذا اتفق مثلاً يوم عاشوراء كان يوم السبت ؟
فالجواب هو الجواب .
وقد قربنا هذه المسألة لبعض المتوقفين عن العمل بهذا الحديث الصحيح الصريح ، قربنا لهم ذلك بمسألتين اثنتين :
الأولى : تتعلق بقوله عليه الصلاة والسلام : من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه .(42)
وقلت بكل صراحة : إن الذي يفطر مثلاً يوم عاشوراء ، أو يوم عرفه لموافقته ليوم السبت ؛ لا يتركه كسلاً ولا هملاً ولا رغبة عن الفضل الوارد في صيام يوم عاشوراء وفي صيام يوم عرفة ؛ وإنما ذلك لله . وإذا كان الأمر كذلك : الذي يفطر يوم عرفة لموافقته ليوم السبت يكون أجره عند الله عزوجل فيما نحسب أكثر من الذي يصومه ؛ لأن الذي أفطره أفطره وتركه ـ ترك صيامه ـ لأمر النبي ( ؛ أي نهيه عن صوم يوم السبت إلا فيما افترض علينا .
أما الذي صامه فقد صام رغبة في الأجر المنصوص عليه في الحديث .(1/36)
ولكن هنا لابد لنا من لفتة نظر إلى مسألة فقهية هامة ـ أصولية هامة ـ ، ثم يأتي الأمر الثاني الذي أشرت إليه آنفًا :
إذا تعارض حكمان ، أو حديثان من الأحاديث الصحيحة عن الرسول ( : أحدهما يبيح شيئًا ، والآخر ينهى عنه أو يحظر عنه أو يحرمه ،فهنا من قواعد التوفيق في علم أصول الحديث أنه يقدم الحاظر على المبيح .
فالآن في الصورة السابقة : صوم يوم عاشوراء أو صوم يوم عرفة وقد اتفقا يوم السبت ، وقد نُهينا عن صيام يوم السبت كما ذكرنا ، حينئذ لابد من تطبيق القاعدة التي ذكرتها آنفًا : تقديم الحاظر على المبيح .
يقول : لا تصوموا يوم السبت إلا في الفرض .
ويوم عاشوراء ويوم عرفة ليس فرضًا ؛ هو مباح ؛ بل هو مستحب ؛ لكن إذا تعارض الحاظر مع المبيح قدم الحاظر على المبيح .
قربنا لهم بالحديث الذي ألمحت إليه أولاً وهو الشيء الثاني .
الحديث الأول : من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه .
الشيء الآخر : وهو خير منه ولعله يزيل الإشكال والاضطراب من بعض الأذهان :
إذا اتفق يوم الاثنين ويوم الخميس يوم عيد ، وكلنا يعلم ـ شاء الله ـ إن النبي ( نهى عن صوم يوم العيد ـ عيد الفطر أو عيد الأضحى ـ فهنا يومان نهى رسول الله ( عن صيامهما كما جاء ذلك في صحيح البخاري وغيره .
فإذا اتفق أن يوم الفطر أو يوم الأضحى يوم اثنين أو يوم الخميس ، أيهما يقدم على الآخر ؟
لقد كان الجواب بإجماع الحاضرين من المشايخ والدكاترة : أنه يقدم النهي ها هنا على فضيلة صيام يوم الاثنين وصيام يوم الخميس .
فسألناهم : تحت أي قاعدة يدخل جوابكم هذا ؟ وهو صحيح حينما قدمتم النهي عن صوم يوم العيد على فضيلة صوم يوم الاثنين ويوم الخميس ، أليس أنكم قدمتم الحاظر على المبيح ؟
لقد أقروا على ذلك .
فقلنا لهم : ما الفرق حينذاك بين أن يتفق يوم سبت مع يوم عرفة أو يوم عاشوراء ! لا فرق بين هذه الصورة وبين الصورة التي اتفقنا جميعًا على تغليب الحاظر على المبيح .(1/37)
نهى النبي ( عن صوم يوم ي العيد . وحض على صوم يوم الاثنين والخميس ، فاتفق صيام يوم العيد يوم خميس أو يوم اثنين ماذا فعلنا هنا ؟
كما قلت آنفًا : قدمنا الحاظر على المبيح ، وشئ آخر ربما لم أذكره في ذلك المجلس وألهمني الله عزوجل أن أذكره الآن وهو :
أن صوم يوم الاثنين والخميس أمر عام ؛ أي كلما تردد يوم الاثنين بتردد الأسبوع ، وكذلك يوم الخميس ، استحب للمسلم أن يصومهما ، فكأن هذا هو نص عام أن يصوم المسلم كل يوم خميس كما ثبت عن الرسول ( وكل يوم اثنين فإذا جاء النهي فذلك من باب استثناء للقليل من الكثير ، وهذا من جملة الطرق التي يوفق العلماء بها بين الأحاديث التي يظهر التعارض بينها أحيانًا ، أحيانا ، فإذاً تعارض هذا الأصل مع نهي عارض هنا يعرض يوم السبت .
وهناك يعرض يوم العيد فقدمنا العارض على الأصل جميعًا من النصوص .
لهذا أنا أقول : بأنه لا إشكال إطلاقًا في إعمال هذا الحديث على عمومه وهو قول قد قال به بعض من مضى من أهل العلم كما حكى ذلك أبو جعفر الطحاوي في كتابه "شرح معاني الآثار" . فلا ينبغي للمسلم بعد مثل هذا البيان أن يتردد أو أن لا يبادر إلى الانتهاء عما نهى الله عنه على لسان نبيه ( ركونًا منه إلى القاعدة العامة وإلى الفضيلة الخاصة التي جاءت في بعض الأيام ؛ إذًا مقدم أولاً ؛ لأنه خاص ، والخاص يقضي على العام ، ولأنه حاظر ، والحاظر مقدم على المبيح .
وقبل ذلك كما ذكرنا لكم في مطلع هذا الجواب : من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه .
لذلك لم يطمئن القلب ولم ينشرح الصدر للذين تأولوا حديث النهي عن صيام يوم السبت ؛ لأنه مقصود منفردًا فإذا انضم إليه يوم آخر جاز لسببين اثنين :
أحدهما : يمكن أن نستشفه وأن نكتشفه من الكلام السابق ، وهو أن الحاظر مقدم على المبيح .(1/38)
والشيء الثاني : أن هذا التقييد معناه الاستدراك ، أو لنقل بما هو ألطف من ذلك : معناه أنه شبه استدراك على استثناء الرسول ( ، وبدون حجة قوية ملهمة : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، وإلا مقرونًا بغيره .
هذا اعتبره شبه استدراك على من ؟ على أفصح من نطق بالضاد وهو ورسول الله ( ؛ وإن كان حديث " أنا أفصح من نطق بالضاد " من حيث الرواية لا أصل له . لكن من حيث الواقع فهو بلا شك عليه السلام أفصح من نطق بالضاد .
وإذا كان الأمر كذلك : فالاستدراك عليه بمثل هذا الاستثناء الثاني : تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، وإلا مقرونًا بغيره .
أليس يكون أفصح من أن يقتصر عليه الصلاة والسلام على قوله : إلا فيما افترض عليكم .
الذين ذهبوا إلى هذا التقدير الثاني ، الذي أستهجن نسبته إلى النبي ( ولو في المعنى ، وليس في اللفظ ؛ إنما احتجوا بحديث جويرية لما دخل عليها النبي ( وهي صائمة يوم الجمعة : قال لها : أصمت أمس ؟ قالت : لا
قال لها : أصمت أمس ؟
قالت : لا
قال : فافطري
وكذلك حديث مسلم : لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام ولا نهارها بصيام ؛ ولكن صوموا يومٍا قبله أو يومًا بعده .
والجواب على هذا أظن أيضًا سبق أن تقدم فيما تقدم من الكلام .
إن هذا الحديث يبيح صيام يوم السبت إذا ما صام الإنسان يوم الجمعة .
فهنا يعترضنا صورتان تتعلقان بصيام يوم السبت ، إما أن يكون قد صام يوم الجمعة ؛ فحينئذ تنفيذًا لهذا الأمر لابد أن يصوم يوم السبت
والصورة الأخرى : يوم السبت ومعه الأحد ، وليس الجمعة ، هذه الصورة الثانية لا دليل عليها إطلاقًا ـ صيام يوم السبت وصيام يوم الأحد ـ
أما صيام يوم السبت من أجل الخلاص أو التخلص من صيام يوم الجمعة المنهي صومه مفردًا : فهذا فيه هذا الحديث .(1/39)
فلو كان لنا أن نقف عند هذا الحديث ولا نطبق القاعدة السابقة ـ ولابد منها ـ وهي أن هذا يبيح لمن يريد أن يصوم الجمعة أن يصوم يوم السبت ؛ لكن الحديث الذي نحن بصدد شرحه والكلام عليه ؛ قلنا أنه حاظر ، والحاظر مقدم على المبيح .
فلو أردنا أن نعمل حديث جويرية وما في معناه إعمالاً خاصًا ! حينئذ لا ينبغي أن نضرب بحديث النهي عن صوم يوم السبت مطلقًا ؛ وإنما نستثني أيضًا هذه الصورة الخاصة وهو يوم الجمعة مع صيام يوم السبت . هذا إذا لم يمكن تطبيق قاعدة : الحاظر مقدم على المبيح ، وذلك ممكن ، هذا ما لدي حول هذا السؤال . أ ـ هـ
الخاتمة
إن الذي دفعني إلى تحرير هذه المسألة عدة أسباب :
منها : تعظيمًا لحديث رسول الله ( والله عليم بذات الصدور
ومنها : عدم دفع قول رسول الله ( بقول زيد أو عمرو من العلماء ، وهذا السبب الذي هو ظاهرة جديدة في التقليد يعيش فيها كثير ممن ينتسب للسلفية اليوم ، وهم ينهون ليل نهار عن التقليد ؛ ولكن مما يؤسف له أن من المصائب اليوم أن الكثير يرمي غيره بمرضه هربًا منه أن يذكره أحد به .
السبب الثالث : من زيوف التقليد اليوم أن البعض إذا ذكرته بحق : يقول لك من قال به من العلماء ، ولا يقول هل قاله الله ورسوله ، ولذلك في هذه المسألة وقع من الكثير من طلبة العلم والدعاة ؛ بل قل ومن ينتسب إلى العلم قولهم : إن الألباني قد شذ في هذه المسألة ولم يسبقه إليها أحد .(1/40)
وهذه حجة المقلد الضعيف الذي ليس عنده قدرة على البحث والتحري ؛ لأن الألباني ـ رحمه الله ـ إنما قال : قال رسول الله ( ، وحاجج بهذا الحديث الذي ثبت عنده صحته ولم يقل قال فلان أو فلان ، فكان من المفروض أن تقابل الحجة بالحجة لا بالتشويه والغمز ، ثم لو طرحنا مسائل تكلم فيها العلماء السابقين والأئمة وهي عند الكثير ممن يقول بمثل هذا القول باطلة لا يأخذ بها ، بل مسائل انفرد بها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما ممن هو موضع ثقة عند الناس ومع ذلك لا يستطيع هؤلاء إلا التسليم بها ؛ فلا أدري ما هذا المرض الذي سرى في هؤلاء .
وصدق من قال من السلف : لا يعرف الحق بالرجال ؛ وإنما اعرف الحق تعرف أهله .
وأخيرًا أن مثل هذه المسائل المختلف فيها لا توجب فرقة بين الأمة أكثر مما هي مفترقة الآن ، فمن جعل مثل هذه المسائل مجالاً للفرقة والتبديع والولاء والبراء فقد سلك طريق أهل الضلال ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى الحق وإلى طريق مستقيم ،طريق الذين أنعم الله عليهم غير طريق الضالين ولا المغضوب عليهم آمين .
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
وكان الفراغ منه عصر الثلاثاء 18 من محرم عام 1425 هـ
الموافق 9 من شهر مارس عام 2004 م
وكتبه
أبو حسام الدين
سيف النصر علي عيسى
الفهرس
المقدمة 00000000000000000000000000000000000 3
أسباب اختلاف العلماء 00000000000000000000000000 4
أولاً : تقرير المسألة عند العلماء 00000000000000000000 8
ثانيًا :الأحاديث المختلف فيها بين العلماء000000000000000 9
القسم الأول : الأحاديث التي وردت في إباحة صوم يوم السبت 00 9
القسم الثاني : حديث ينفي الأجر عن صوم السبت 00000000 15
القسم الثالث : حديث المنع من صوم يوم السبت 000000000 16
ثالثًا : بعض أقوال أهل العلم في تحرير المسألة 000000000 30
رابعًا : القول الراجح في المسألة 000000000000000000 33(1/41)
خامسًا : بحث نفيس للشيخ الألباني 00000000000000000 54
الخاتمة : 00000000000000000000000000000000 64
الفهرس : 00000000000000000000000000000000 66
(1) أنظر رسالة "الخلاف بين العلماء " للشيخ ابن عثيميين ورسالة " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية
2) ) انظر رسالة القول الثبت في صيام يوم السبت
(3) والحديث أخرجه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه (2167) وابن حبان (3646) والحاكم في مستدركه (1594) الطبراني في الأوسط (3857) من طريق عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال حدثنا أبي عن كريب به .
وقد تفرد به عبدالله عن أبيه وتفرد به أبيه عن كريب . فأما عبد الله ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/155) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً ، وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء (1/354) وقال : قال بن المديني هو وسط وقال غيره صالح الحديث .
وقال عنه الحافظ في التقريب (3595) مقبول
أي عند المتابعة كما قرر ذلك في مقدمة التقريب ، ولا متابعة هنا فهو غير مقبول ، وتصحيح الحافظ له لعله سهو منه في ذلك لأنه مخالف لأصوله .=
= وأما محمد بن عمر بن علي فقد ذكره ابن حبان في الثقات ولم يذكره أحد من الأئمة بجرح ولا تعديل عدا ابن القطان قال عنه : مجهول ، وأما الحافظ ابن حجر فقد قال عنه في التقريب : صدوق
وقال صاحب البيان والتعريف (2/154) بعد ذكر الحديث : قال الذهبي : منكر ورواته ثقات .
وقال عن الحديث ابن القيم في تهذيب السنن (7/53) : ليس بحجة .
وقد ضعف الحديث شيخنا الألباني في السلسلة الضعيفة (3/219) بثلاث علل : جهالة حال محمد بن عمر ، ولين ابنه عبدالله ، ومخالفة الحديث لحديث (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ) كما سيأتي إن شاء الله
(4) الحديث تفرد به الترمذي قال : حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أحمد ومعاوية بن هشام قالا حدثنا سفيان عن منصور عن خيثمة عن عائشة به .(1/42)
وأبو أحمد هو محمد بن عبدالله بن الزبير قال عنه أحمد : كثير الخطأ في حديث سفيان ، وقد وثقه آخرون ، وقال عنه الحافظ في التقريب : ثقة قد يخطئ في حديث الثوري . ومعاوية بن هشام صدوق له أوهام . وخيثمة هو ابن عبد الرحمن قال عنه الحافظ : ثقة يرسل .
هذا وقد خالف أبو أحمد ومعاوية بن هشام عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري في رفع الحديث وهو أوثق منهما وقد قال عنه الحافظ : ثقة ثبت عارف بالرجال والحديث . فالحديث ضعيف ، وهو يخالف الحديث الذي قبله
(5) وقد جمعنا الأحاديث في ذلك مع التحقيق يسر الله طبعها
(6) والحديث في سنده عبدالله بن لهيعة المصري وهو حسن الحديث إذا روى عنه جماعة ليس حسن بن موسى منهم ؛ وقد منَّ الله علينا بكتابة ترجمة خاصة لهذا العلم أثبتنا حسن حديثه إذا روى عنه حوالي خمسة عشر رجلا يسر الله طبعها .
(1) وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف ، وعبيد الأعرج وهو مجهول
(2) وهذا إسناد عالٍ ورجاله ثقات
9) ) إسناده صحيح وبنفس الطريق أخرجه الدارمي (1749)
10) ) والحديث أخرجه الدارمي (1729) وابن خزيمة (2164) وابن حبان
(3615) والترمذي(744) والنسائي في الكبرى (2764) والحاكم في المستدرك (1592) والطحاوي فيشرح معاني الآثار (2/80) وعبد بن حميد في مسنده
(508) وأبويعلى في مسنده (3411) والبيهقي في الكبرى (8276) وصححه ابن خزيمة وابن خبان والحاكم وابن حجر والألباني وحسنه الترمذي
( 11) كتاب " التقرير والتحبير " (3/13) للعلامة محمد بن سليمان بن عمر المتوفى عام 879هـ
(2) قال ابن حبان في صحيحه (8/407) ذكر ما يستحب للمرء أن يصوم يوم السبت والأحد إذ هما عيدان لأهل الكتاب .(1/43)
(13) وهذا ليس جوابًا عن علة في الحديث يوجب رده ؛ وإلا فنقول بصحة مذهب الأحناف في حديث الآحاد إذا كان فيما تعم به البلوى فلا يعمل به ، أو إذا خالف الراوي مرويه أو لابد من أن يكون راويه فقيه ؛ وكذلك المالكية في أن حديث الآحاد إذا خالف عمل أهل المدينة فلا يعمل به ، ونحو ذلك من الأصول التي تهدر كثيرًا من أحاديث النبي ( ، وخاصة وأن مثل هذا الكلام غير منضبط بضوابط الشرع فلا يلتفت إليه . والله أعلم
14) ) وهذه ليست بعلة حديثية توجب رد الحديث كما هو مقرر في علم المصطلح
)2) والحق أن كل طرق الحديث التي وردت في كتب السنة لم يكن فيها كذاب ولا متهم بالكذب ، فلعله ورد على الإمام مالك رحمه الله من طريق آخر فيه كذاب فأبى أن يحدث به واكتفى بهذا الحكم
16) ) وهذا تعليل باطل كما سنبينه إن شاء الله
(17) وهذه من المآخذ على ابن القيم رحمه الله فإن التقديس هو التنزيه وهذا مختص بالله سبحانه وتعالى فلعله من بقايا الصوفية قد علقت به فإن السلف لم يتكلموا بذلك
(18) حاشية ابن القيم على تهذيب السنن (7/49 ـ 51)
19) ) وقد ثبت ضعفه فلا عبرة بالترجيح به
(2) عون المعبود شرح سنن أبي داود (7/48 ـ 51)
21) ) تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص 405 ـ 408 )
22) ) حاشية السنن (6/166) وانظر في ذلك مبحث النهي في كتب الأصول ، ولابد من التفريق بين النهي المطلق الذي يدل على الكف عن الفعل وبين صيغ النهي حتى لا يحدث اللبث .
(1) البحر المحيط للزركشي (2/426)
(2) المحصول للرازي (5/579) وذكر ابن قدامة في المغني (1/142) الاتفاق على ذلك .
)1) أنظر أضواء البيان الشنقيطي (4/320) ، (7/199 ، 403 ) ، وأنظر أيضًا "تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي " للمباركفوري (8/82)
(2) إرشاد الفحول(2/390)
(3 ) أضواء البيان (2/74)
(4) أنظر البحر المحيط للزركشي (6 /172)
)3) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (10/91)
30) ) أحكام أهل الذمة (1/529)(1/44)
31) ) أنظر الفروق للقرافي (3/154)
)2) الأشباه والنظائر ص142 . والمقصود بالآية التي أباحة ذلك قوله تعالى : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )(النساء: من الآية24) والآية التي حرمت ذلك قوله تعالى : ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَف)(النساء: من الآية23)
33) ) صحيح وأخرجه النسائي (4229)
34) ) مجموع الفتاوى(20/377)
35) ) حاشية السنن (6/367) وانظر (زاد المعاد 5/143) لابن القيم أيضًا
(36) حاشية السنن (7/50) وانظر فيض القدير للمناوي (6/409)
37) ) وأخرجه الشهاب القضاعي في مسند الشهاب (1135) والبيهقي في " شعب الإيمان " (5748)
(38) تحفة الأحوذي (3/494)
(2) سبل السلام في شرح بلوغ المرام للصنعاني(2/171) وانظر (1/112)
40) ) أصل هذا البحث هو سؤال تقدم به الشيخ أبو إسحاق الحويني للشيخ الألباني ، وقد قمت بتفريغ الشريط ولم أزد فيه شيئًا إلا ما دعت إليه الحاجة مع التنبيه
( 41) كلام لا علاقة له بالموضوع ومن المناسب حذفه
42) ) صحيح بلفظ تقدم ذكره
??
??
??
??
(14)
1(1/45)