تلخيص
كتاب الحج
من
الشرح الممتع
لفضيلة الشيخ لعلامه
محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله
تلخيص وجمع
سلطان بن سراي الشمري
مقدمه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول لله وعلى آله ومن ولاه ...ثم أما بعد:
هذا ملخص كتاب الحج من (( الشرح الممتع على زاد المستقنع )) لشيخ العلامه أبن عثيمين رحمه الله ، وقد أقتصرت فيه على القول الراجح أوما يشير إليه الشيخ رحمه الله أنه الراجح مع ذكر اختيار شيخ الإسلام أو أحد المذاهب الأربعه أذا كان الشيخ أبن عثيمين رحمه الله يرى ترجيحه ، مع ذكر المتن وتوضيح ذالك أذا أحتجنا لتوضيحه ومع ذكر بعض المسائل والفوائد المكمله للباب الشيخ رحمه الله وذكر استدركاته على المتن إن كان هناك استدركات.
وهذا الملخص يستعين به إن شاء الله الطالب المبتدي ,ولا يستغني عنه الراغب المنتهي.
مع العلم أنه تم ولله الحمد تلخيص كتاب الصيام ,وجزء كبير من كتاب الطهارة من الشرح الممتع , وأني عازم إن شاء الله على إتمام ما بدأت به .
نسأل لله الإ عانه والتوفيق والسداد وإن يكفينا شر الصوارف وأن يبارك لله لنا في أوقاتنا وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم , وأن يكتب الأجر لكل من ساهم في إخراج هذا العمل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
ومن كان لديه إقترحات أوملاحظات فليراسلنا على هذا الميل:
bnsrray@naseej.com
كتاب الحج
المناسك :جمع منسك،والأصل أن المنسك مكان العبادة أو زمانها ويطلق على التعبد فهو على هذا يكون مصدراً ميمياً بمعنى التعبد، قال الله تعالى:{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً} أي:متعبداً يتعبدون فيه،وأكثر إطلاق المنسك،أو النسك على الذبيحة،قال الله تعالى:{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
قوله :( الحج والعمرة واجبان ) .
الحج واجب , وفرض بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ومنزلته من الدين أنه أحد أركان الإسلام .(1/1)
وهو في اللغة : القصد .
وفي الشرع : التعبد لله - عز وجل - بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله( .
((والعمرة ))
في اللغة : الزيارة .
وفي الشرع : التعبد لله بالطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلق أو التقصير .
وقوله :((واجبان )) أي:كل منهما واجب ولكن ليس وجوب العمرة كوجوب الحج .[ص:5-6]
مسئله :أختلف العلماء في العمرة هل هي واجبة أو سنة ؟
والذي يظهر إنها واجبة .
ولكن هل هي واجبة على المكي ؟
في هذا خلاف في مذهب الإمام أحمد - رحمه الله- فالإمام أحمد نص على أنها غير واجبة على المكي,وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بل إن شيخ الإسلام يرى أن أهل مكة لا تشرع لهم العمرة مطلقاً ولكن في القلب من هذا شيء، لأن الأصل أن دلالات الكتاب والسنة عامة تشمل جميع الناس إلا بدليل يدل على خروج بعض الأفراد من الحكم العام [ص:5-7]
قوله :( على المسلم )
هذا أحد شروط وجوب الحج والعمرة والعبادات كلها لا تجب إلا على المسلم .[ص:8]
قوله :( الحر )
ضده العبد الكامل الرَّق،والمبعَّض وهذا هو الشرط الثاني لوجوب الحج والعمرة، وهو الحرية . [ص:8]
قوله :( المكلف )
هو:البالغ العاقل،وهذا هو الشرط الثالث لكنه يتضمن شرطين هما البلوغ والعقل فالصغير لا يلزمه الحج ولكن لو حج، فحجه صحيح .
والبلوغ يحصل بواحد من أمور ثلاثة للذكور،وواحد من أمور أربعة للإناث , فلذكور : الإنزال ونبات العانة وتمام خمس عشر سنة .
وللإناث : هذه وزيادة أمر رابع وهو الحيض . [ص:9]
قوله:( القادر )
هذا هو الشرط الخامس لوجوب الحج والعمرة ،ولم يفسر المؤلف القدرة، لكن كلامه الآتي يفسرها
والقادر : هو القادر في ماله وبدنه، هذا الذي يلزمه الحج أداءً بنفسه فإن كان عاجزاً بماله قادراً ببدنه لزمه الحج أداءً،لأنه قادر .
فالأقسام إذاً أربعة :
الأول : أن يكون غنياً قادراً ببدنه، فهذا يلزمه الحج والعمرة بنفسه .(1/2)
الثاني : أن يكون قادراً ببدنه دون ماله، فيلزمه الحج والعمرة إذا لم يتوقف أداؤهما على المال، مثل أن يكون من أهل مكة لا يشق عليه الخروج إلى المشاعر وإن كان بعيداً عن مكة ويقول : أستطيع أن أخدم الناس وآكل معهم فهو قادر يلزمه الحج والعمرة .
الثالث : أن يكون قادراً بماله عاجزاً ببدنه فيجب عليه الحج والعمرة بالإنابة .
الرابع : أن يكون عاجزاً بماله وبدنه، فيسقط عنه الحج والعمرة . [ص:10-11]
قوله :( في عمره مرة )
لو قَدّم ((مرة)) لكان أحسن، أي:واجبان مرة في العمر، لقول النبي (:( حين سئل عن الحج أفي كل عام ؟ قال: الحج مرة ،فما زاد فهو تطوع " .
وقوله ((مرة )) يستفاد منه فائدة عظيمة،وهي أن من مر بالميقات وقد أدى الفريضة فإنه لا يلزمه الإحرام وإن طالت غيبته عن مكة . [ص:11-12] .
قوله :( على الفور )
أي : يجب أداؤهما على الفور إذا تمت شروط الوجوب وهذا هو الصواب . [ص:13]
قوله :( فإن زال الرق )
أفاد - رحمه الله - أن الرقيق يصح منه الحج إذاً الحرية شرط للوجوب فلو حج الرقيق فإن حجه صحيح ولكن هل يجزئ عن الفرض أو لا يجزئ ؟
الجواب : في هذا خلاف بين العلماء : فقال جمهور العلماء إنه لا يجزي .
وذهب بعض العلماء إلى إن الرقيق يصح منه الحج بإذن سيده لأنه إسقاط الحج عن الرقيق من أجل أنه لا يجد مالاً ومن أجل حق السيد وليس عندي ترجيح في الموضوع لأن التعليل بأنه ليس أهلاً للحج تعليل قوي والتعليل بأنه إنما منع من أجل حق السيد قوي أيضاً فالأصل أنه من أهل العبادات وأنا متوقف في هذا . ومعنى زوال الرق أن يعتق العبد ، فإذا أعتقه سيده في الحج كان الحج في حقه نفلاً . [ص:15-17]
قوله ):والجنون،والصبا ،في الحج بعرفة وفي العمرة قبل طوفها صح فرضاً )
وقولة )): صح فرضاً )) إذا أخذنا بظاهر كلامه فإنه يكون فرضاً من أول الإحرام .(1/3)
وقوله :(( وفي العمرة قبل طوافها صح فرضاً )) أي: لو اعتمر الصبي ،وأثناء العمرة وقبل أن يشرع في الطواف بلغ فإن عمرته هذه تكون فرضاً ، وكذلك المجنون لو جن بعد إحرامه للعمرة ، أو قلنا : بصحة إحرام وليه عنه ، ثم عقل قبل طواف العمرة فإنه يصح فرضاً ، وكذلك أيضاً العبد إذا أحرم بالعمرة وهو رقيق ، ثم عاد فوقف فإنه يصح فرضاً .
فإن قيل: هل يلزمه إذا بلغ بعد الدفع من عرفة مع بقاء وقت الوقوف أن يرجع إلى عرفة ،أم له أن يستمر ؟
الجواب : إن قلنا : إن الحج واجب على الفور ، وجب أن يرجع ليقف بعرفة ،حتى يؤديه من حين وجب عليه ،وإن قلنا :إنه على التراخي لم يلزمه أن يرجع إلى عرفة ، ويستمر في إتمام هذا الحج ، ويكون هذا الحج نفلاً لا فرضاً .[ص:16-20]
قوله :( وفعلهما من الصبي والعبد نفلاً )
أي : يصح فعل العمرة والحج من الصبي , ولكنه يكون نفلاً ؛ لأن من شرط الإجزاء : البلوغ .
مسائل :
الأولى :لم يبين المؤلف - رحمه الله تعالى - كيف يحج الصبي على وجهه التفصيل :
فنقول : إن الصبي إن كان مميزاً فإن وليه يأمره بنية الإحرام , فيقول : يا بني أحرم ، لأنه يميز , وإن كان غير مميز فإنه ينعقد إحرامه بنية وليه عنه , وأما الطواف فإن كان مميزاً أمره بنية الطواف , وإن لم يكن مميزاً فينويه عنه وليه ثم إن كان قادراً على المشي مشى , وإن لم يكن قادراً حمله وليه أو غيره بإذن وليه , ويقال في السعي كما قيل في الطواف , أما الحلق أو التقصير فأمره ظاهر .
الثانية :هل الأولى أن يحرم بالصغار بالحج أو العمرة , أم الأولى عدم ذلك ؟
الجواب : في هذا تفصيل , وهو إن كان في وقت لا يشق فإن الإحرام بهم خير , وأما إن كان في ذلك مشقة كأوقات الزحام في الحج أو العمرة في رمضان , فالأولى عدم الإحرام .
الثالثة :إذا أحرم الصبي فهل يلزمه إتمام الإحرام ؟
الجواب : المشهور من المذهب أنه يلزمه الإتمام ؛(1/4)
والقول الثاني : أنه لا يلزمه الإتمام ؛ وهو مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - وهذا القول هو الأقرب للصواب وهو في الحقيقة أرفق بالناس بالنسبة لوقتنا الحاضر .
الرابعة :المحمول هل يجب أن تكون الكعبة عن يساره مع أن الغالب أن تكون عن يمينه ؟
المذهب لابد أن تكون عن يساره ، وعلى هذا فلا يمكن أن تكون عن يساره , إلا إذا حمله على الكتف .
والذي يظهر لي أنه ليس بشرط .
والذي نرى بهذه المسألة : أنه إذا كان الصبي يعقل النية فنوى وحمله وليه , فإن الطواف يقع عنه وعن الصبي , لأنه لما نوى الصبي صار كأنه طاف بنفسه .
أما إذا كان لا يعقل النية فإنه لا يصح أن يقع طواف بنيتين , فيقال لوليه : إما أن تطوف أولاً , ثم تطوف بالصبي , وإما أن تكل أمره إلى شخص يحمله بدلاً عنك , فإن طاف بنيتين فالذي نرى أنه يصح من الحامل دون المحمول .
وعلى هذا يتبين أن الشروط الخمسة التي ذكرها المؤلف تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأولى : شرطان للوجوب , والصحة , والإجزاء : وهما الإسلام والبلوغ .
الثاني : شرطان للوجوب , والإجزاء فقط وهما البلوغ والحرية .
الثالث : شرط للوجوب فقط وهو الاستطاعة , فلو حج وهو غير مستطيع أجزأه وصح منه . [ ص:20-24]
قوله :( والقادر : من أمكنه الركوب )
فمن لا يمكنه الركوب فليس بقادر , وكيف لا يمكنه الركوب ؟
الجواب : أما في زمن الإبل فتعذر الركوب كثير ، إما لضعف بنيته الخلقية , أو لكونه هزيلاً لا يستطيع الثبات على الراحلة .
فإن قال قائل : يمكن أن نربطه على الراحلة ؟
قلنا:في ذلك مشقة لا تأتي بها الشريعة .
وإما في وقتنا الحاضر وقت الطائرات , والسيارات , فالذي لا يمكنه الركوب نادر جداً , ولكن مع ذلك فبعض الناس تصيبه مشقة ظاهرة في ركوب السيارة, والطائرة , والباخرة , فربما يغمى عليه , أو يتعب تعباً عظيماً , أو يصاب بغثيان وقيء , فهذا لا يجب عليه الحج , وإن كان صحيح البدن قوياً .[ ص:24]
قوله :( ووجد زاداً وراحلة )(1/5)
الزاد ما يتزود به في السفر من طعام وشراب , وغير ذلك من حوائج السفر ؛ والراحلة معروفة .
لكن المؤلف أشترط شرطاً , وهو :
قوله :( صالحين لمثله )
أي : لا بد أن يكون الزاد صالحاً لمثله , وكذلك الراحلة , فلو كان رجلاً ذا سيادة وجاه , ولم يجد إلا راحلة لا تصلح لمثله - كحمار مثلاً - فلا يلزمه .
وذهب بعض العلماء إلى أنه من وجد زاداً وراحلة يصل بهما إلى المشاعر ويرجع لزمه الحج , ولم يقيدوا ذلك بكونهما صالحين لمثله , وهذا أقرب إلى لصواب . [ص:24-25 ].
قوله :( بعد قضاء الواجبات )
هناك ثلاثة أمور لا يكون مستطيعاً قادراً إلا بعد توافرها وهي :
الأولى :قضاء الواجبات :
والواجبات : كل ما يجب على الإنسان بذله , كالديون لله( , أو للآدمي , والنفقات الواجبة للزوجة والأقارب , و الكفارات , والنذور , فلا بد أن يقضي هذه الأشياء .
فمن كان عنده مال إن قضى به الدين لم يتمكن من الحج , وإن حج لم يقضى به , فهذا ليس بقادر إلا بعد قضاء الديون .
وإذا كان على الإنسان دين فلا حج عليه سواء كان حالاً أو مؤجلاً , إلا أنه إذا كان مؤجلاً وهو يغلب على ظنه أنه يوفيه إذا حل الأجل وعنده الآن ما يحج به فحينئذٍ نقول : يجب عليه الحج .
فإذا قال قائل : لو أن صاحب الدين أذن له أن يحج , فهل يكون قادراً ؟
فالجواب : لا , لأن المسألة ليست إذناً أو عدم إذن , المسألة شغل الذمه أو عدم شغلها , ومن المعلوم أن صاحب الدين إذا أذن للمدين أن يحج فإن ذمته لا تبرأ من الدين, بل يبقى الدين في ذمته , فنقول له : اقض الدين أولاً ثم حج , ولو لاقيت ربك قبل أن تحج , ولم يمنعك من ذلك إلا قضاء الدين , فإنك تلاقي ربك كامل الإسلام , لأن الحج في هذه الحال لم يجب عليك فكما أن الفقير لا تجب عليه الزكاة .(1/6)
فإذا قال قائل : لو أنه أمكنه أن يحج بمصلحة له مالية , بحيث يعطي أجرة , أي : يكون الرجل هذا عاملاً جيداً , فيستأجره أحد من الناس ليحج معه , إما بقافلة , وإما بالأهل , ويعطيه ألف ريال في الشهر أو في عشرة أيام مثلاً , ولو بقي في البلد لم يستفد هذه ألف الريال , فهل له أن يحج ؟
فالواجب : له أن يحج , ولا يمنع الدين وجوب الحج إذا كان الدين أقل مما سيعطى , أما إذا كان أكثر فإنه لا يزال باقياً في ذمته , فيمنع الوجوب .
ولو فرضنا أنه وجد من يحج به مجاناً , ولا يعطيه شيئاً , فهل هذا يضره لو حج بالنسبة للدين ؟
الجواب : فيه تفصيل : إذا كان لو بقي لعمل , وحصّل أجرة فبقاؤه خير من الحج , وإذا كان لا يحصل شيئاً لو بقي فهنا يتساوى في حقه الحج وعدمه , وعلى كل تقدير فإن الحج لا يجب عليه ما دام يبقى في ذمته درهم واحد . [ص:25-27]
الثاني : أشار إليه بقوله :( والنفقات الشرعية )
أي: التي يقرها الشرع ويبيحها ، كالنفقة له , ولعياله على وجه لا إسراف فيه , فإذا كان عنده عشرة آلاف ريال ، إن حج بها نقصت النفقة، وإن أنفق تعذر الحج , فهل يحج ولو نقصت النفقة أو لا يحج ؟
الجواب : لا يحج , ولكن المؤلف أشترط : أن تكون النفقات الشرعية , فإن كانت غير شرعية وهي نفقة الإسراف , أو النفقة على ما لا حاجة له فيه , فإنه لا عبرة بها , والحج مقدم عليها . [ص:27-28]
الثالث :قوله:( والحوائج الأصلية )
أي: لا بد أن يكون ما عنده زائداً على الحوائج الأصلية , وهي التي يحتاجها الإنسان كثيراً ؛ لأن هناك حوائج أصلية ،وحوائج فرعية .(1/7)
مثال الحوائج الأصلية : الكتب , والأقلام , والسيارة , وما أشبه ذلك , هي غير ضرورية ، لكن لا بد لحياة الإنسان منها , وفطالب عنده كتب يحتاجها للمراجعة والقراءة , فلا نقول له: بع كتبك , وحج , أما لو كان عنده نسختان فنقول له: بع إحدى النسختين , فإن كانتا مختلفتين قلنا : اختر ما تراه أنسب لك , وبع الأخرى ؛ لأن ما زاد على نسخة الواحدة لا يعتبر من الحوائج الأصلية .[ص:29-30]
قوله:( وإن أعجزه كبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه ) .
((وإن أعجزه كبر)) أي: مع توافر المال لديه فهو قادر بماله غير قادر ببدنه , ولهذا قال :((أعجزه كبر)) ولم يقل (( أعجزه فقر )) لأنه كبير أو مريض لا يرجى برؤه .
وقوله:(( لا يرجى برؤه )) فهم منه أنه لو كان يرجى برؤه فإنه لا يلزمه أن يقيم من يحج عنه , ولا يلزمه أن يحج بنفسه ؛ لإنه يعجزه , ولكن يجوز أن يؤخر الحج هنا فتسقط عنه الفورية لعجزه ؛ ويلزمه أن يحج عن نفسه إذا برئ .
وقوله:(( لزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه )) ((من)) : هذه أسم موصول تشتمل كل من يصح حجه , ولكن لا بد أن يكون على الصفة التي يجزئه فيها حج الفرض , فلو أقام عنه صبياً لم يجزئه .
ويشترط لهذا النائب الذي ناب عن غيره ألا يكون عليه فرض , فلو أقام فقيراً عنه لأجزأ , لأنه ليس عليه فرض الحج فهو كالغني الذي أدى الحج عن نفسه ، وإن أقام عن غنياً لم يؤد الفرض عن نفسه فإنه لا يجزئه،ويكون الحج لهذا الذي حج ,ويرد النفقة التي أخذها لمن وكله .
فائدة :أنه يجوز أن يقيم الرجل امرأة , وإن تقيم المرأة رجلاً .
مسألة :هل يجوز لرجل أن ينيب من يحج عنه أكثر من واحد في عام واحد ؟
الجواب : يجوز ذلك , لكن إذا أناب أثنين فأكثر في فريضة فأيهما يقع حجه عن الفريضة ؟
الجواب : من أحرم أولاً , وتكون الثانية نفلاً .[ص:30-33]
قوله:( من حيث وجبا )
أي: من المكان الذي وجب
قوله:( ويجزئ عنه وإن عوفي ) .(1/8)
قوله :(( ويجزئ )) الضمير يعود على الحج .
قوله :(( عنه )) الضمير يعود علة المنيب .
قوله :(( وإن عوفي )) الضمير يعود المنيب أيضاً . [ص:34-35]
قوله :( بعد الإحرام ) .
أي : بعد إحرام النائب , أي لو أن المنيب , الذي كان مريضاً , وكان يظن أن مرضه لا يرجى برؤه عافاه الله -عز وجل- بعد أن أحرم النائب , فإن الحج يجزئ عن المنيب فرضاً ,لأن المنيب أتى بما أخر به من أقامة غيره مقامه , ومن أتى بما أمر به برئت ذمته مما أمر به،وهذا وضح , وفهم من كلام المؤلف أنه إن عوفي قبل الإحرام فإنه لا يجزئ عن المنيب . [ص:35]
قوله :( ويشترط لوجوبه على المرأة ) .
الضمير يعود على الحج , وكذلك العمرة , أي : يشترط لوجوبه على المرأة :
قوله:( وجود محرمها )
أي : أن يوجد معها محرم موافق على السفر معها , فلا يكفي أن يوجد محرم , بل لا بد من وجود محرم يوافق على السفر معها .
وفهم من كلام المؤلف أن وجود المحرم شرط للوجوب لأن وجوده داخل في الاستطاعة التي اشترطها الله لوجوب الحج, وهو أصح لأنه شرط لوجوب الحج. وإذا حجت المرأة بدون محرم صح حجها ولكن تأثم.[ص:36-37]
قوله :( وهو , زوجها , أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح )
قوله:(( هو زوجها )) أي: المحرم زوجها , أي من عقد عليها النكاح عقداً صحيحاً وإن لم يحصل وطء ولا خلوة .
قوله:(( أو من تحرم عليه على التأبيد)) خرج به من تحرم عليه إلى أمدٍ كالمرأة المحرمة .
قوله:(( بنسب )) أي بقرابة .
قوله:(( أو سبب مباح )) السبب المباح ينحصر في شيئين :
الأول : الرضاع .
الثاني : المصاهرة .
أما النسب , فالمحرم هو الأب , والابن، والأخ , والعم , وابن الأخ , وابن الأخت , والخال , هولاء سبعة محارم بالنسب , وهؤلاء تحرم عليهم المرأة على التأبيد .
والمحرم من الرضاع كالمحرم من النسب سواء .(1/9)
والمحارم بالمصاهرة أربعة : أبو زوج المرأة , وابن زوج المرأة , وزوج أم المرأة , وزوج بنت المرأة , فهم أصول زوجها أي: آباؤه وأجداده , وفروعه وهم أبناؤه , وأبناء أبنائه وبناته , وإن نزلوا , وزوج أمها , وزوج بنتها , ولكن ثلاثة يكونون محارم بمجرد العقد , وهم أبو زوج المرأة , وابن زوج المرأة , وزوج بنت المرأة , أما زوج أمها فلا يكون محرماً إلا إذا دخل بأمها .
ويشترط للمحرم ما يلي :
الأول : أن يكون مسلماً , فإن كان كافراً فليس بمحرم , وظاهر كلام الأصحاب أنه ليس بمحرم ولكن الصحيح خلاف ذلك ,بشرط أن يؤمن عليه , سواء كان دينه أعلى كمسلم مع كافرة , وأن كان دينه أنزل كالكافر مع المسلمة .
الثاني : أن يكون بالغاً .
الثالث : أن يكون عاقلاً .
مسألة :امرأة مستطيعة ومعها محرم يمكن أن يحج بها كأخيها لكن لم يأذن زوجها ؟
الجواب : إذا وجب الحج على المرأة فلا يشترط إذن الزوج بل لو منعها فلها أن تحج ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . [ص:37-42]
قوله :( وإن مات من لزماه أخرجا من تركته )
إي : من تمت الشروط في حقه , ثم مات فإنهما يخرجان من تركته قبل الإرث والوصية , فيؤخذ من تركته ما يكفي للحج والعمرة , وما بقي فإنه للوصية والورثة , ويخرج من تركته سواء أوصى أو لم يوص كما لو كان عليه دين أخرجناه من تركته سواء أوصى به أم لو يوص به .
ولكن ذهب ابن قيم - رحمه الله - مذهباً جيداً وهو أن كل من فرط في واجبه فإنه لا تبرأ ذمته ولو أدي عنه بعد موته , وعلى هذا فلا يحج عنه ويبقى مسؤولاً أمام الله - عز وجل - ولكن الجمهور على خلاف كلام ابن القيم , لكن كلامه هو الذي تقتضه الأدلة الشرعية .[ص:42-43]
باب الموقيت
قوله:( المواقيت )
جمع ميقات وهو مأخوذ من الوقت , وهو زماني ومكاني , أي : قد يراد بالميقات الوقت الزمني .
وقد يراد به المكاني ، وهو هنا يراد به الزمان ،والمكان . [ص:44]
قوله :( وميقات أهل المدينة ذو الحليفة )(1/10)
" الحليفة " تصغير الحلفاء , وهو شجر بري معروف , وسمي هذا المكان بهذا الاسم لكثرته فيه , وتبعد عن المدينة ستة أميال أو سبعة , وتبعد عن مكة عشرة أيام وعلى هذا فهي أبعد المواقيت عن مكة .[ص:44]
قوله :( وأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة )
أهل الشام يشمل أهل فلسطين وسوريا ولبنان والأردن وجهاتهم , وأما أهل مصر والمغرب فذكرهم هنا ؛ لأنه لم تكن هناك قناة السويس فكانت القارة الأفريقية والآسيوية يمكن العبور من واحدة إلى الأخرى عن طريق البر , فيأتي أهل مصر من طريق البر وكذلك أهل المغرب من طريق البر ويمرون بالجحفة .
والجحفة قرية قديمة اجتحفها السيل وجرفها وزالت , وجعل الناس بدلها رابغاً , ولا يزال الآن ميقاتاً , وهو أبعد منها قليلاً عن مكة , وعلى هذا فمن أحرم من رابغ فقد أحرم من الجحفة وزيادة , وبينها وبين مكة نحو ثلاثة أيام . [ص:44-45]
قوله :( وأهل اليمن يلملم )
" يلملم " قيل : أنه مكان يسمى يلملم , وقيل :إنه جبل يلملم , والميقات عند هذا الجبل , وأياً كان فهو معروف . [ص:45]
قوله :( وأهل نجد قرن ) .
هو: قرن المنازل , وقيل : إنه يقال له قرن الثعالب .
ولكن الصحيح , أن قرن الثعالب غير قرن المنازل . [ص:45]
قوله :( لأهل المشرق ذات عرق )
وسمي هذا المكان بذات عرق , لأن فيه عرقاً وهو الجبل الصغير .
وهذه الأسماء ليست باقية الآن , فذو الحليفة تسمى أبيار علي , والجحفة صار بدلها رابغ , ويلملم تسمى السعدية , وقرن المنازل يسمى السيل الكبير , وذات عرق تسمى الضريبة , ولكن الأمكنة - والحمد لله-
ما زالت معلومة مشهورة للمسلمين لم تتغير . [ص:45-46]
قوله :( وهي لأهلها ولمن مر عليها من غيرهم )
الضمير يعود على المواقيت .
وقوله :(( لأهلها ))أي : أهل هذه الأماكن المذكورة : المدينة , والشام , واليمن , ونجد , والمشرق , وهذه المواقيت لأهل هذه البلاد .(1/11)
وقوله :(( ولمن مر عليها من غيرهم ))فإذا مر أحد من أهل نجد بميقات المدينة فإنه يحرم منه , ولا يكلف أن يذهب إلى ميقات أهل نجد , لما في ذلك من المشقة فكان من تسهيل الله ( أن من مر بهذه المواقيت فإنه يحرم من أول ميقات يمر به .[ص:46-47]
مسألة :إذا كنت من أهل نجد ومررت بميقات أهل المدينة فبين يديك ميقات آخر وهو الجحفة , لأن الجحفة بعد ذي الحليفة , فهل تؤخر إحرامك إلى الجحفة أو لابد من أن تحرم من ذي الحليفة ؟
فالجمهور أنه ليس له أن يؤخر , وأنه يجب عليه يحرم من ذي الحليفة وذهب الإمام مالك إلى أن له أن يحرم من الجحفة , واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - والأحوط الأخذ برأي رأي الجمهور.[ص:47-48]
قوله :( ومن حج من أهل مكة فمنها )
أي : فيحرم من مكة [ص:48]
قوله:( وعمرته من الحل )
أي: عمرة من كان أهل مكة من الحل ، أي : من أي موضع خارج الحرم . والحرم له حدود معروفه
والحمد لله -إلى الآن ، وتختلف قرباً وبعداً من الكعبة.
سؤال:وهل الأفضل أن يختار الأبعد , أو يختار الأسهل ؟
الجواب:الأقرب أن الأفضل هو الأسهل .
مسألة :إذا مر الإنسان بهذا المواقيت فهل يلزمه أن يحرم؟
الجواب: إن كان يريد الحج، أو العمرة ، أو كان الحج أو العمرة فرضاً عليه، أي : لم يؤد الفريضة من قبل،فإنه يلزمه أن يحرم، أما إذا كنت قد أديت الفريضة ومررت بهذه المواقيت ولا تريد الحج ولا العمرة ، سواء طالت مدة غيبتك عن مكة أم قصرت ، حتى ولو بقيت عشر سنوات ، وأتيت إلى مكة لحاجة وقد أديت الفريضة ، فإنه ليس عليك إحرام.
هذا هو القول الصحيح الذي تدل عليه السنة .[ص:49-54]
وبعد أن فرغ المؤلف من بيان الميقات المكاني ، شرع في الميقات الزمني ، فقال المؤلف :
قوله:( وأشهر الحج : شوال , وذو القعدة , وعشر من ذي الحجة )
أشهر الحج على كلام المؤلف شهران , وبعض الثالث , وهي شوال وذو القعدة , وعشر ذي الحجة .(1/12)
والصواب : ما ذهب إليه الإمام مالك - رحمه الله - من أن أشهر الحج ثلاثة , كما هو ظاهر القرآن , شوال , وذو القعدة , وذو الحجة .
مسألة :هل يجوز للإنسان أن يحرم بالحج قبل الميقات المكاني , أو الزماني , أو بالعمرة قبل الميقات المكاني ؟
الجواب : الصحيح أنه لا يجوز أن يحرم قبل الميقات الزماني , وأنه لو أحرم بالحج قبل دخول شهر شوال صار الإحرام عمرة لا حجاً .
فائدة :المراد بالإحرام النية دون الاغتسال ولبس ثياب الإحرام , وأكثر العامة يحملون معنى الإحرام على لبس ثياب الإحرام وليس كذلك , والإحرام سيأتينا - إن شاء الله - في الباب الذي يلي هذا الباب أنه نية الدخول في النسك . [ص:54-58]
باب الإحرام
قوله: ( الإحرام :نية لنسك )
وقوله))الإحرام))مأخوذ من التحريم ومعنى أحرم أي : دخل في الحرام ولهذا يقال للتكبيرة الأولى في الصلاة تكبيرة الإحرام لأنه بها يدخل في التحريم أي : تحريم ما يحرم على المصلي.
أما المراد به هنا فقوله :(( نية النسك )) يعني نية الدخول فيه، لا نية أنه يعتمر أو أنه يحج وبين الأمرين فرق وسميت نية الدخول في النسك إحراماً لأنه إذا نوى الدخول في النسك حرم على نفسه ما كان مباحاً قبل الإحرام فيحرم عليه مثلاً : الرفث والطيب وحلق الرأس والصيد وغير ذلك . [ص:60]
قوله :( سن لمريده )
السَّانُّ هو الرسول (
والسنة في اللغة : الطريقة .
وفي الشرع : أقوال النبي ( وأفعاله وتقريراته .
وفي اصطلاح الأصوليين : هي ما أمر به لا على وجه الإلزام .
وقوله :(( لمريده )) أي لمريد النسك . [ص:60-61]
قوله :( غسل )
وذلك لثبوته عن النبي( فعلاً وأمراً .
إما فعله فإنه ( " تجرد لإهلاله واغتسل "
وقوله :(( غسل ))إذا أطلق الغسل فالمراد به شرعاً ما يشبه غسل الجنابة .[ص:60-61]
مسألة :هل يجزئ الغسل لو اغتسل في بلده ثم لم يغتسل عند الإحرام ؟(1/13)
الجواب : في هذا تفصيل، إذا كان لا يمكن الاغتسال عند الميقات كالذي يسافر بالطائرة فلا شك أن ذلك يجزئه لكن يجعل الاغتسال عند خروجه إلى المطار , وإن كان في سيارة نظرنا فإن كانت الممدة وجيزة كالذين يسافرون إلى مكة عن قرب أجزأه وإن كانت بعيدة لا يجزئه , لكن لا حرج عليه أن يغتسل في بيته ويقول : إن تهيأ لي الاغتسال عند الميقات فعلت وإلا اكتفيت بهذا . [ص:62]
قوله :( أو تيمم لعدم )
أي: أو أن يتيمم لعدم الماء، أو تعذر استعماله للمرض ونحوه، فيتيمم بدلاً عن الغسل، وهذا ما ذهب إليه المؤلف - رحمه الله - بناءً على التيمم يحل محل طهارة الماء الواجبة والمستحبة،وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطهارة المستحبة إذا تعذر فيها استعمال الماء، فإنه لا يتيمم لها؛ وهذا أقرب إلى الصواب .
وقوله :(( أو تيمم لعدم )) هذا فيه قصور، ولو قال :((أو تيمم لعذر )) لكان أشمل، فيشمل من عُدم الماء، ومن خاف ضرراً باستعماله .
قوله :( وتنظف )
إذا قال العلماء تنظف فليس المراد تنظيف الثياب ولا تنظيف البدن إذا قرن به الغسل؛ ولكن المراد بالتنظيف أخذ ما ينبغي أخذها كالعانة والإبط، والشارب، وكذلك الأظافر فيسن أن يتنظف بأخذها .
ولكن هل ورد في هذا سنة ؟
الجواب : لا فيما نعلم . [ص:62-63]
قاعدة :الحكم يدور مع علنه وجوداً وعدماً .
قوله :( وتطيب )
أي: يسن أن يتطيب عند الإحرام، والطيب مستحب كل وقت .
وقوله ((وتطيب )) أطلقه المؤلف، والمراد التطيب في البدن؛ لأن النبي ( كان يطيب عند الإحرام رأسه، ولحيته،إما تطييب الثوب , أي : ثوب الإحرام وقال بعض العلماء لا يجوز لبسه إذا طيبه وهذا هو الصحيح. [ص:64-65]
مسألة :إذا تطيب في بدنه فوضع الطيب على رأسه ولحيته ثم سال الطيب من الموضع الذي وضعه فيه نازلاً إلى أسفل، فهل يؤثر أو لا ؟
الجواب: لا يؤثر؛لأن انتقال الطيب هنا بنفسه وليس هو الذي نقله . [ص:66](1/14)
مسألة :إذا كان المحرم سوف يتوضأ وإذا طيب رأسه فسوف يمسح رأسه بيديه وإذا مسح رأسه بيديه، لصق شيء من الطيب بيديه فهل نقول أعدّ لنفسك خرقة تضعها في يدك، إذا أرادت أن تمسح رأسك حتى لا تمس الطيب؟
الجواب : لا , بل هذا تنطع في الدين ولم يرد، وكذا لا يمسح رأسه بعود أو جلد، إذاً يمسحه بيده وسوف يعلق الطيب بيده والذي يظهر لي أن هذا مما يعفى عنه . [ص:66]
قوله :( ويجرد من مخيط )
يعني يسن التجرد من المخيط لمن أراد الإحرام،والتجرد من المخيط يعني خلعه، والمراد بالمخيط ما يلبس عادة كالقميص والسراويل، والمقصود أن يكون تجرده في إزار ورداء أبيضين وإلا فتجرده من المخيط واجب والمؤلف تبع غيره في العبارة ولو قال :" تجرده من ملبوس محظور " لكان أولى [ص:66]
قوله :( في إزار ورداء أبيضين )
أي : يكون لبسه في حال الإحرام إزاراً ورداء أبيضين يشمل الإزار المخيط الذي خيط بعضه ببعض والإزار المطلق الذي يلف على البدن لفاً كلاهما جائز وعلى هذا فلو خاط المحرم الإزار فهو جائز ولو وضع فيه جيباً للنفقة وغيرها فهو جائز .
وقوله))أبيضين ))لأنها خير الثياب، وهل يسن أن يكونا جديدين أو يشترط ؟
الجواب: لا يشترط لكن كلما كانت أنظف فهو أحسن [ص:67] .
قوله:( وإحرام عقب ركعتين )
الواو حرف عطف , و "إحرام " معطوف على " غسل " أي : وسن لمريد الإحرام إحرام عقب ركعتين , وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى أن ركعتي الإحرام لا أصل لمشروعيتها وهذا هو الصحيح. [ص:68-69]
قوله :( ونية شرط )
أي :نية النسك، أي : نية الدخول في النسك شرط فلا بد أن ينوي الدخول في النسك، فلو لبى بدون نية الدخول فإنه لا يكون محرماً بمجرد التلبية .[ص:69]
مسألة :هل يجب أن ينوي معيناً من عمرة أو حج أو قرن ؟(1/15)
الجواب : له أن يحرم إحراماً مطلقاً بأن ينوي نية مطلقة وله أن يحرم بما أحرم به فلان ،وهذا يقع أحياناً، يكون الإنسان جاهلاً ولا يدري بماذا يحرم ؟ فيقول لبيك بما لبَّى به فلان ،وحينئذ يتعين عليه أن يسأل فلاناً قبل أن يطوف حتى يعين النية قبل الطواف .[ص:70]
قوله:( ويستحب قول : اللهم إني أريد نسك كذا فيسره لي )
الاستحباب يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك ؛
ولهذا كان الصحيح في هذه المسألة أن النطق بهذا القول كالنطق بقوله : اللهم إني أريد أن أصلي فيسر لي الصلاة أو أن أتوضأ فيسر لي الوضوء وهذا بدعة فكذلك في النسك لا تقل هذا . [ص:71]
قوله :( وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني )
أي : إن منعني مانع من إتمام نسكي فإني أحل من إحرامي، حيث وجد المانع، وظاهر كلام المؤلف أن هذا القول عام يشمل من كان خائفاً، ومن لم يكن خائفاً .
وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء والقول الصحيح التي تجتمع فيه الأدلة أنه سنة لمن يخاف المانع من إتمام النسك غير سنة لمن لم يخف وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- .[ص:71-72]
فإن قال قائل : ما فائدة هذا الاشتراط ؟
الجواب : إن له فائدة , وفائدته أنه إذا وجد المانع زائد حل من إحرامه مجاناً ومعنى قولنا "مجاناً" أي بلا هدي . [ص:73]
فإن قيل : وهل من الخوف أن تخاف الحامل من النفاس أو الطاهرة من الحيض ؟
فالجواب : نعم . [ص:74]
فإن قال قائل : إذا اشترط شخص بدون احتمال المانع - على قول بأنه لا يسن الاشتراط إلا إذا كان يخشى المانع - فهل ينفعه هذا الاشتراط ؟
الجواب:لا ينفعه؛لإنه اشتراط غير مشروع وغير المشروع غير متبوع فلا ينفع وهذا عندي أقرب. [ص:75]
قوله :( وأفضل الانساك التمتع )(1/16)
أفادنا - رحمه الله- أن هناك أنساكاً متعددة ؛ لأن " الأنساك " جمع , وأقل الجمع ثلاثة , فهنا أنساك ثلاثة : التمتع , والإفراد , والقران , وهذا وجه انحصار الانساك في هذه الثلاثة , فإن أحرم بالعمرة وحدها فمتمتع، ولكن بالشروط التي ستذكر , وبالحج وحده فهو مفرد بهما جميعاً فهو قارن .
وقوله:((أفضل الانساك التمتع )) .أفادنا -رحمه الله - أنه يجوز ما سوى التمتع , وأن التمتع ليس بواجب , وهذا رأي جمهور أهل العلم . وذهب بعض العلماء إلى أن التمتع واجب .
واختار شيخ الإسلام في قصة أمر الرسول ( الصحابة أن يجعلوها عمرة , وغضبه، وتحتيمه , أن هذا الوجوب خاص بالصحابة (، وأما من بعدهم فتختلف الحال بحسب حال الإنسان , فلا نقول :التمتع أفضل مطلقاً،ولا الإفراد، ولا القران ,
فالصحيح ما ذهب إليه شيخ الإسلام من حيث وجوب التمتع وعدمه , وأنه واجب على الصحابة ؛ وإما من بعدهم فهو أفضل وليس بواجب .
فائدة :والمذهب أن التمتع هوالأفضل مطلقاً , حتى من ساق الهدى ،فالتمتع في حقه أولى فالصواب أن من ساق الهدى لا يمكنه أن يتمتع ؛لأنه لا يمكنه أن يحل , والتمتع لا بد فيه من الحل وقال شيخ الإسلام : لا نقول إن التمتع أفضل مطلقاً , ولا القران أفضل مطلقاً , ولا الإفراد أفضل مطلقاً , فيقال : من ساق الهدي فالأفضل له القران . [ص:76-80]
قوله :( وصفته )
أي: صفة التمتع .[ص:82]
قوله :( أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج , ويفرغ منها , ثم يحرم بالحج في عامه )
أفادنا المؤلف أنه لا يكون الحج تمتعاً إلا إذا جمع هذه الأوصاف :(1/17)
الوصف الأول : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج , وأشهر الحج : شوال , وذو القعدة , وذو الحجة , فمن أحرم بالعمرة في رمضان وأتمها في شوال لم يكن متمتعاً , لأنه لم يحرم بها في أشهر الحج ومن أحرم بها في شوال كان متمتعاً ؛ لأنه أحرم بها في أشهر الحج , ومن أحرم بها في رمضان وأتمها في رمضان وبقى إلى الحج فليس بمتمتع ، إذا هذه ثلاثة صور :
الأولى : أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج , وأتمها في أشهر الحج .
الثانية : أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ,وأتمها قبل أشهر الحج .
الثالث : أحرم بالعمرة في أشهر الحج , وأتمها في أشهر الحج .
الوصف الثاني : أن يفرغ من العمرة بالطواف والسعي والتقصير .
الوصف الثالث : أن يحرم بالحج في عامه، أي : بعد الفراغ منها والإحلال والتمتع يما أحل الله له , يحرم بالحج في عامه , فإن أتى بالعمرة في أشهر الحج عام ثلاثة عشر , وحج عام أربعة عشر فليس بمتمتع ؛ لأنه لا بد أن يحرم بالحج في عامه . [ص:82-83] .
مسألة :لو أنه أحرم بالعمرة في أشهر الحج وليس من نيته أن يحج ثم بدا له بعد أن يحج،أيكون متمتعاً ؟
الجواب : لا ؛لأن الرجل ليس عنده نية للحج . [ص:83]
مسألة :هل الأفضل أن يسوق الإنسان الهدي ليقرن أو يدعه ويتمتع ؟
الجواب : هذه مسألة تحتاج إلى نظر , إن كانت السنة - أعني سوق الهدي - قد ماتت والناس لا يعرفونها, فسوق الهدي مع القران أفضل لإحياء السنة , وإن كانت السنة معلومة لكن يشق على الناس أن يسوقوا الهدي , لأنهم يحجون بالطائرات والسيارات فترك سوق الهدي والتمتع أفضل . [ص:87]
تنبيه :عمل المفرد و القارن سواء إلا أن القارن عليه الهدي لحصول النسكين له دون المفرد .[ص:88]
قوله :( وعلى الأفقي دم )
((على)) هنا للوجوب ،والأفقي : من لم يكن حاضر المسجد الحرام .
وحينئذٍ نقول : من حاضرو المسجد الحرام ؟
الجواب:أقرب الأقوال أن نقول : إن حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة أو أهل الحرم،(1/18)
أي : من كان من أهل مكة ولو كان في الحل، أو من كان في الحرام ولو كان خارج مكة.
وقوله:(( دم ))الدم هنا يطلق على الذبيحة ؛ لأنه يراق دمها ، ولو أن المؤلف قال:هدي لكان أجواد؛ليطابق الآية ، قال الله تعالى{ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى}(البقرة :196)[ص:90]
شروط الهدى مايلي:
الأول: أن يكون من بهيمة الأنعام ، فلو أهدي فرساً لم يجزئه .
الثاني : أن يبلغ السن المعتبر شرعا ، وهو أن يكون ثنياً ، أو جذعاً ، فالجذع من الضأن،والثني مما سواه
من المعز ، والبقر ، والإبل .
الثالث : أن يكون الهدى سليما من العيوب المانعة من الإجزاء.
الرابع : أن يكون في زمن الذبح ، وفي هذا خلاف بين العلماء .
والصحيح أنه يشترط الزمان وأنه لا يذبح دم المتعة إلا في الوقت الذي تذبح فيه الأضاحي ، وهو
يوم العيد ، وثلاثة أيام بعد العيد .
الخامس: أن يكون في مكان الذبح ، فهدي التمتع لا يصح إلا في الحرم . [ص90-92]
ويشترط لوجوب الهدى ألا يسافر بينهما ، أي : بين العمرة والحج ، ويمكن أن يؤخذ من ظاهر
قول المؤلف:((ويفرغ منها ، ثم يحرم بالحج)): أنه لاسفر ، وان كان ليس بذاك الظاهر القوي ، فإن أتى بالعمرة ثم سافر مثلا إلى المدينة ، ثم رجع من المدينة محرما بالحج فقد سافر بينهما ، فهل يسقط الدم ؟ ظاهر كلام المؤلف أنه يسقط عنه الدم ؛ لأنه قال : ( يفرغ منها ثم يحرم ) فالظاهر التوالي ولم يقل ولو سافر ، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء والتفصيل : أنه إن سافر إلى أهله ثم عاد فأحرم بالحج ، فإنه يسقط عنه الهدي ، وإن سافر إلى غير أهله لا يسقط ؛ وهذا القول هو الراجح [ص:90-95]
قوله:( وإن حاضت المرأة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنه )(1/19)
عام أريد به الخاص ، فالمراد بالمرأة هنا المرأة المتمتعة ، أي: من أحرمت بعمرة لتحل منها ، ثم تحج من عامها ، وقد وصلت إلى مكة في اليوم الخامس من ذي الحجة فحاضت، وعادتها ستة أيام ، فتطهر في اليوم الحادي عشر، أي: بعد فوات الوقوف ، إذاً لا يمكنها أن تطوف وتسعى وتنهي عمرتها.
فنقول لهذه المرأة : يجب أن تحرم بالحج ، لتكون قارنه ؛ لأن النبي ( أمر بذلك عائشة حين حاضت بسرف قبل أن تدخل مكة ، والأصل في الأمر الوجوب .
ولان الحج يجب على الفور، فلو لم تحرم به لفاتها هذا العام .
ومثل ذلك من حصل له عارض، كأن تعطلت السيارة بعد أن أحرم بالعمرة ، فلا يمكنه معه أن يصل إلى مكة إلا بعد فوات الوقوف، فنقول لهذا : أحرم بالحج .
ومعنى قولنا أحرم بالحج، أي: يُدخل الحج على العمرة ، وليس فسخاً للعمرة ؛ لإنه لو كان فسخاً للعمرة لكان الحج إفراداً.
فائدة :السعي لا يشترط له الطهارة ، فيجوز سعي الجنب والحائض وسعي المحدث حدثاً أصغر، لكن على طهارة أفضل .
مسألة :لو أحدث حدثاً أصغر في أثناء الطواف ؟
القول الصحيح : أنه لا يشترط للطواف الطهارة من الحدث الأصغر ؛ لعدم وجود نص صحيح صريح , وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .[ص:98-101]
قوله :( وإذا استوت على راحلته )
أي : علا واستقر , أي : ركب ركوباً تاماً قال :
( لبيك اللهم لبيك )
ظاهره أنه لا يلبَّي إلا إذا ركب , وقد سبق للمؤلف أنه يحرم عقب ركعتين , فهل في كلامه تناقض ؟
الجواب : ليس فيه تناقض , فهو ينوي الدخول في النسك بعد أن يصلي , لكن لا يلبي إلا إذا استوى على راحلته .[ص:101]
وقوله :((قال:لبيك اللهم لبيك )) , هذه التلبية عظيمة جداً .
ولبيك كلمة إجابة , ولهذا فسرها بعضهم بقوله : لبيك , أي : أنا مجيب لك مقيم على طاعتك , وهذا تفسير جيد .
فإذا قال قائل : أين النداء من الله حتى يجيبه المحرم ؟(1/20)
قلنا : هو قوله تعالى : { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً } أي : أعلم الناس بالحج أو ناد فيهم بالحج
{ يَأْتُوكَ رِجَالاً } أي: على أرجلهم , وليس المعنى ضد الإناث , والدليل على أنهم على أرجلهم ما بعدها
{ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }
وقوله :(( لبيك )) الثانية من باب التوكيد اللفظي المعنوي ,هو لفظي ؛ لأنه لم يتغير عن لفظ الأول , لكن له معنى جديد فيكرر ويؤكد أنه مجيب لربه مقيم على طاعته , وكلما أجبته ازددت إيماناً به وشوقاً إليه , فكان التقرير مقتضى الحكمة , ولهذا ينبغي لك أن تستشعر وأنت تقول :(( لبيك )) نداء الله ( لك , وإجابتك إياه , لا مجرد كلمات تقال . [ص:101-106]
قوله :( لا شريك لك لبيك )
أي : لا شريك لك في كل شيء , وليس في التلبية فقط , لأنه أعم . [ص:106]
قوله:( إن الحمد والنعمة لك )
بكسر همزة إن , ورويت بالفتح , فعلى رواية فتح الهمزة((أن الحمد لك)):تكون الجملة تعليله ,أي: لبيك .
أما رواية الكسر(( إن الحمد لك )) , فالجملة أستئنافيه وتكون التلبية غير مقيدة العلة .
ولهذا قالوا : إن رواية الكسر أعم وأشمل , فتكون أولى .
أما الحمد فإنه لا بد أن يكون مبنياً على المحبة والتعظيم , ولهذا نقول في تعريف الحمد : هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً , ولا يمكن لأحد أن يستحق هذا الحمد على وجه الكمال إلا الله ( .
و((أل)) في الحمد للاستغراق , أي: جميع أنواع المحامد لله وحده , المحامد على جلب النفع , وعلى دفع الضرر , وعلى حصول الخير الخاص والعام , كلها لله على الكمال كله .
وقوله :(( النعمة )) أي: الإنعام , فالنعمة لله .
وقوله :(( النعمة لك )) كيف تتعدى باللام ؟ مع أن الظاهر أن يقال : النعمة منك ؟
الجواب : النعمة لك يعني التفضل لك , فأنت صاحب الفضل . [ص:106-108]
قوله :( والملك لا شريك لك )(1/21)
الملك شامل لملك الأعيان وتدبيرها , وهذا تأكيد بأن الحمد والنعمة لله لا شريك له , فإذا تأملت هذه الكلمات , وما تشتمل عليه من المعاني الجليلة وجدتها أنها تشتمل على جميع أنواع التوحيد , وأن الأمر كما قال جابر : " أهّل بالتوحيد " , والصاحبة أعلم الناس بالتوحيد .
فقوله "الملك " من توحيد الربوبية , والألوهية من توحيد الربوبية أيضاً لإن إثبات الألوهية , متضمن لإثبات الربوبية , وإثبات الربوبية مستلزم لإثبات الألوهية .
ولهذا فإن عبارة العلماء محكمة حيث قالوا :(( توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية , وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية )) .
ونأخذ توحيد الأسماء والصفات من قوله :(( إن الحمد والنعمة )) فالحمد : وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم .والنعمة من صفات الأفعال , فقد تضمنت توحيد الأسماء والصفات .
مسألة : ومن أين نعرف أنه بلا تحريف , ولا تعطيل , ولا تكييف , ولا تمثيل ؟
الجواب : من قوله :(( لا شريك لك )) والتمثيل شرك والتعطيل شرك أيضاً , لإن المعطل لم يعطل إلا حين أعتقد أن الإثبات تمثيل , فمثل أولاً وعطل ثانياً , والتحريف والتكيف متضمنان للتمثيل والتعطيل , وبهذا تبين أن هذه الكلمات العظيمة مشتملة على التوحيد كله , ومع الأسف أنك تسمع بعض الناس في الحج والعمرة يقولها وكأنها أنشودة , لا يأتون بالمعنى المناسب .
مسألة :هل لنا أن نزيد ؟ أي على ما ورد عن النبي ( من التلبية التي رواها جابر ( .
نقول : نعم , فقد روى الإمام أحمد في المسند : أن النبي( كان يقول :" لبيك إله الحق " .
وكان ابن عمر ( يزيد :" لبيك وسعديك , والخير في يديك , و الرغباء إليك والعمل " .
فلو زاد الإنسان مثل هذه الكلمات , فنرجو ألا يكون به بأس , لكن الأولى ملازمة ما ثبت عن النبي ( .
وهل لهم أن يكبروا بدل التلبية إذا كان في وقت التكبير كعشر ذي الحجة ؟
الجواب : نعم . [ص:109-111]
قوله :( يصوت بها الرجل )(1/22)
أي يرفع صوته بها , فينبغي للرجل أن يرفع صوته امتثلاً لأمر النبي ( و اتباعاً لسنته وسنة أصحابه .
فإن قال قائل : أليس النبي ( قال لأصاحبه , وقد كبروا في سفر معه:"أيها الناس أربعوا على أنفسكم " أي: هونوا عليها- فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً , إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته "؟
قلنا : لكن التلبية لها شأن خاص , لأنها من شعائر الحج فيصوت بها . [ص:111-112]
قوله :( وتخفيها المرأة )
أي: تسر بها ؛ لئلا يظهر صوتها , فصوت المرأة - وإن لم يكن عورة - لكن يخشى منه الفتنة , ولهذا نقول : المرأة تلبي سراً بقدر ما تسمع رفيقتها ولا تعلن .[ص:112-113]
باب محظورات الإحرام
قوله :( محظورات الإحرام )
أي: المحظورات بسب الإحرام .
والمحظور : الممنوع , قال تعالى :{ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً } أي: ممنوعاً .[ص:114]
قوله :( وهي تسعة )
وحينئذٍ يسأل سائل فيقول : ما الدليل على أنها تسعة ؟
الجواب : التتبع والاستقراء .
فإذا قال قائل : إحصاؤكم لها بتسعة بدعة , فهل قال الرسول ( محظورات الإحرام تسعة ؟
فالجواب : أن النبي ( لم يقل ذلك , ولكنه لم يمنع منه , وحصرها من باب الوسائل , فهو وسيلة لتقريب العلم للأمة , ولم شتاته فإنه أسهل . [ص:114]
قوله :( حلق الشعر )
هذا هو المحظور الأول ؛ ولم يقل المؤلف : إزالة الشعر مع أنه أعم , اتباعاً للفظ القرآن , وهو قوله تعالى : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه} فالنهي عنه في الدليل حلق الرأس .
وعلى هذا لا يحرم إلا حلق الرأس فقط .
ولو أن الإنسان تجنب الأخذ من شعوره كشاربه , وإبطه , وعانته احتياطاً لكان هذا جيداً , لكن أن نلزمه ونؤثمه إذا أخذ مع عدم وجود الدليل الرافع للإباحة , فهذا فيه نظر . [ص:115-117]
قوله :( وتقليم الأظافر )(1/23)
هذا هو المحظور الثاني ؛ولو قال :"إزالة الأظافر " لكن أعم . ليشمل إزالتها بالتقليم أو بالقطع أو غير ذلك.
وتقليم الأظافر لم يرد فيه نص , لا قرآني ولا نبوي , لكن نقل بعض العلماء الإجماع على أنه من المحظورات, فإن صح هذا الإجماع , فلا عذر في مخالفته , بل ليتبع , وإن لم يصح فإنه يبحث في تقليم الأظافر كما بحثنا في حلق بقية الشعر .
وقوله:((تقليم الأظافر)) يشمل إزالتها , بأي شيء كان بالتقليم أو بالقص , أو بغير ذلك , أو بالخلع .
وقوله :"الأظافر" يشمل أظافر اليد , وأظافر الرجل . [ص:117-118]
قوله :( فمن حلق أو قلم ثلاثة فعليه الدم )
أي:فأي محرم حلق ثلاث شعرات فعليه دم , أو قلم ثلاثة أظافر فعليه دم ؛ لأنه أقل الجمع ثلاثة , وعلم من قوله :" ثلاثة فعليه دم " أنه لو قلًّم دون ذلك أو حلق دون ذلك فليس عليه دم , وأختلف العلماء - رحمهم الله - في هذا القدر الذي تجب فيه الفدية , على أقوال , وأقرب الأقوال إلى ظاهر القرآن هو إذا حلق ما به إماطة الأذى , أي:يكون ظاهراً على كل الرأس - وهو مذهب مالك - أي: إذا حلق حلقاً يكاد يكون كاملاً يسلم به الرأس من الأذى.
فالمسألة ثلاثة أقسام بالنسبة لشعر الرأس :
أولاً: إذا أخذ شعرات فلا يعد حلقاً فليس عليه شيء .
ثانياً : إذا حلق بعض الرأس لكن لعذر كحجامة , أو مداواة جرح , أو ما أشبه ذلك , فإنه يحلق ما احتاج إليه , ولا شيء عليه , ودليلنا في هذا فعل النبي ( حين احتجم وهو محرم، ولم ينقل أنه فدى .
ثالثاً : إذا حلق الرأس أو أكثره فعليه الفدية , ومعلوم أنه يحرم عليه . [ص:118-121]
مسألة :فإن قال قائل : وهل يكون شيء من محظورات الإحرام محرماً وليست فيه فدية ؟
فالجواب : نعم , فعقد النكاح , والخطبة حرام على المحرم , وليست فيهما فدية .
ثم أعلم أن العلماء في محظورات الإحرام إذا قالوا : دم في مثل هذا فلا يعنون أن الدم متعين , بل هو أحد أمور ثلاثة :
الأول : الدم .(1/24)
الثاني : إطعام ستة مساكين , ولكل مسكين نصف صاع .
الثالث : صيام ثلاثة أيام , إلا الجماع في الحج قبل التحلل الأول , فإنه فيه بدنه , وإلا جزاء الصيد فإن فيه مثله , كما سيأتي إن شاء الله في الفدية .
فالمحظورات إذاً أقسام :
الأول : ما لا فديه فيه .
الثاني : ما فديته بدنه .
الثالث : ما فديته مثله .
الرابع : ما فديته التخيير بين هذه الأمور الثلاثة , وهي الصيام والإطعام والنسك , وهذا هو أكثر المحظورات.[ص:118-122]
قوله :( ومن غطى رأسه بملاصق فدى )
هذا هو المحظور الثالث؛وقوله :((بملاصق)) مثل الطاقية , و الغترة , والعمامة , وما أشبه ذلك .
وقوله :((بملاصق)) خرج به ما ليس بملاصق ؛ لأن ما ليس بملاصق لا يعد تغطية , مثل الشمسية .
وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو الصحيح أن غير الملاصق جائز , وليس فيه فديه .
وليُعلم أن ستر الرأس أقسام :
الأول : جائز بالنص والإجماع , مثل أن يضع الإنسان على رأسه لبداً بأن يلبده بشيء كالحناء مثلاً أو العسل أو الصمغ ؛ لكي يهبط الشعر .
الثاني : أن يغطيه بما لا يقصد به التغطية والستر كحمل العفش ونحوه , فهذا لا بأس به ؛ لأنه لا يقصد به الستر , ولا يستر بمثله غالباً .
الثالث:أن يستره بما يلبس عاده على الرأس,مثل الطاقية و الشماغ والعمامة فهذا حرام بالنص وهو إجماع.
الرابع : أن يغطى بما لا يعد لبساً لكنه ملاصق , ويقصد به التغطية , فلا يجوز .
الخامس : أن يظلل رأسه بتابع له كالشمسية والسيارة ، ومحمل البعير ، وما أشبهه ، فهذا محل خلاف بين العلماء ، فمنهم من أجازة وهو الصحيح .
السادس : أن يستظل بمنفصل عنه، غير تابع كالاستظلال بالخيمة ، وثوب يضعه على شجرة ، أو أغصان
شجرة أو ما أشبه ذلك ، فهذا جائز ولا بأس به.
مسألة :تغطية الرأس خاص بالرجال ، أما حلق الرأس ،وتقليم الأظافر فهو عام للرجال والنساء.(1/25)
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن تغطية الوجه ليست حراماً؛ولا محظوراً، لإنه قال:((فمن غطى رأسه))
ولم يتعرض للوجه،وإذا لم يتعرض له فالأصل الحل,وعلى هذا فتغطيه المحرم وجهه لاباس بها.
[ص:122-125]
قوله: ( وأن لبس ذكر مخيطاً فدى )
هذا هو المحظور الرابع ، ويعبر عنه بلبس المخيط ،وههنا شيئان :
الأول : ما معنى المخيط ؟
الجواب: المخيط عند الفقهاء كل ما خيط على قياس عضو ، أو على البدن كله ، مثل : القميص ، والسراويل ، والجبة ، والصدرية ، وما أشبهها ، وليس المراد بالخيط مافيه خياطة.
الثاني : لابد أن يلبس على عادة اللبس ، فلو وضعه وضعاً فليس عليه شيء ، أي: لو ارتدى بالقميص ، فإن ذلك لا يضر ؛ لأنه ليس لبساً له .
وقوله :" وإن لبس ذكر مخيطاً " عبَّر بلبس المخيط ، ولكن النبي ( الذي أعطي جوامع الكلم لم يعبر بلبس المخيط مع أنه أعم مما عينه ، وإنما ذكر أشياء معينه عينها بالعد , وكان ينبغي للمؤلف وغيره من المؤلفين , أن يذكروا ما ذكره النبي ( كما في حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب ( :" إن النبي ( سئل ما يلبس المحرم ؟ قال :لا يلبس القميص ,ولا السروايل , ولا البرانس , ولا العمائم , ولا الخفاف "
مسألة :لو أن الإنسان عليه رداء مرقع , أو رداء موصول وصلتين بعضها ببعض , فهل هو مخيط أولا ؟
الجواب : هو لغة مخيطُ خِيْطَ بعضه ببعض , وهذا ليس بحرام , بل هو جائز .
قال:" لا يلبس القميص" القميص ما خيط على هيئة البدن , وله أكمام , كثيابنا التي علينا الآن , فهذا لا يلبسها المحرم .
قال:" ولا السراويل " والسراويل : لباس مقطع على قدر معين من أعضاء الجسم هما الرِّجلان .
قال:" ولا البرانس " وهي ثياب واسعة لها غطاء يغطى به الرأس متصل بها .
قال:" ولا العمائم " وهي : لباس الرأس , فلا يلبس المحرم العمامة , ولم يقل لا يغطى رأسه .
قال:" ولا الخفاف " هي ما يلبس على الرجل من جلد , أو نحوه فلا يلبسها المحرم .(1/26)
((والبرانس )) يلحق بها العباءة , فإن العباءة تشبه البرنس من بعض الوجه , فلا يجوز للإنسان أن يلبس العباءة بعد إحرامه على الوجه المعروف , أما لو لفها على صدره كأنها رداء , فإن ذلك لا بأس به. ((والسراويل )) يلحق بها التُّبان , والتبان عبارة عن سراويل قصيرة الأكمام ، أي لا تصل إلى نصف الفخذ, لأنه في الواقع سراويل لكن كمه قصيرة , ولأنها تلبس عادة كما يلبس السراويل . إذاً نلحق بهذه الخمسة ما يشبهها , ما عدا ذلك فإننا لا نلحقه .
قوله :( وإن لبس ذكرُ مخيطاً فدى )
خرج بذلك الأنثى , فلها أن تلبس ما شاءت , فليس لها ثياب معينة للإحرام , إلا أنه لا يجوز أن تلبس ما يكون تبرجاً وزينة ؛ لأنها سوف تكون أمام الناس في الطواف والسعي .
مسألة :هل يحرم عليها شيء من اللباس ؟
الجواب : نعم , يحرم عليها : القفازان و النقاب .
فالقفازان : لباس اليدين وهما معروفان .
والنقاب : لباس الوجه , وهو أن تستر المرأة وجهها وتفتح لعينيها بقدر ما تنظر منه , ولم يرد عن النبي ( أنه حرم على المحرمة تغطية وجهها , وإنما حرم عليه النقاب فقط .
وعلى هذا فلو أن المرأة المحرمة غطت وجهها لقلنا : هذا لا بأس به , ولكن الأفضل أن تكشفه , ما لم يكن حولها رجال أجانب , فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم .
مسألة :هل يحرم عليها الجوارب ؟
الجواب : لا , فالجوارب حرام على الرجال خاصة لأنها كالخفين .
وهل يحرم على الرجل القفازان ؟
نعم يحرم عليه القفازان , وبعضهم حكى ذلك بالإجماع .
وظاهر كلام المؤلف أن لبسه حرام , سواء طال الوقت أم قصر .
فائدة :يذكر أن أول من عبَّر بلبس المخيط إبراهيم النَخْعيِ- رحمه الله - وهو من فقهاء التابعين. [ص:126-135]
قوله :( وإن طيب بدنه أو ثوبه )(1/27)
هذا هو المحظور الخامس من المحظورات وهو الطيب , وليس كل ماكان زكي الرائحة يكون طيباً , فالطيب ما أعد للتطيب به عادة , وعلى هذا فالتفاح والنعناع وما أشبه ذلك مما له رائحة زكية تميل إليها النفس لا يكون طيباً .
والطيب هنا يشمل الطيب في رأسه , وفي لحيته , وفي صدره , وفي ظهره , وفي أي مكان من بدنه , وفي ثوبه أيضاً . [ص:137-138]
قوله :( أو أدهن بمطيب )
أي: مسح على جلده بدهن فيه طيب , فإنه لا يجوز ؛ لأن ذلك سوف يعلق به وتبقى رائحته .
هذا بشرط أن يكون الذي أدهن به ظهر فيه رائحة الطيب .
بقي النظر إلى أن بعض الصابون له رائحة ؟ هل هي طيب أم من الرائحة الزكية ؟ الظاهر الثاني ؛
فالذي يظهر لي أن هذا الصابون الذي فيه رائحة طيبة لا يعد من الطيب المحرم . [ص:138-139]
قوله :( أو شم طيباً )
أي:تقصد شم الطيب , فإنه يحرم عليه ذلك ولكن هذه المسألة , وهي شم الطيب في تحريمها نظر ؛ لأن الشم ليس استعمالاً .
وهذه المسألة لها ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يشمه بلا قصد .
الحال الثاني : أن يتقصد شمه , لكن لا للتلذذ به أو الترفه به بل ليختبره , هل هو جيد أو رديء ؟
الحال الثالثة : أن يتقصد شمه للتلذذ به , فالقول بتحريم الثالثة وجيه أما القول بتحريم الثانية فغير وجيه , بل الشم جائز , أما الأولى فلا تحريم , قولاً واحداً .
ونحن نرى أن الذين يضعون الطيب في الحجر الأسود قد أخطأوا ؛ لأنهم سوف يحرمون الناس من استلام الحجر الأسود أو يوقعونهم في محظور من محظورات الإحرام , وكلاهما عدوان على الطائفين .
فعلى طالب العلم أن ينبه هذا الذي احتسب بنيَّته , وأساء بفعله أنه قد أخطأ ؛ لأن من قبَّلَ الحجر أو مسحه وأصابه طيب , وقيل له : اغسله , يكون فيه أذى شديد عليه خصوصاً مع الزحام .
مسألة :القهوة التي فيها زعفران , هل يجوز للمحرم أن يشربها ؟(1/28)
الجواب : إذا بقيت الرائحة لا يشربها المحرم , وإذا لم تبق وإنما مجرد لون فلا بأس و لأنه ليس فيها طيب [ص:139-141]
قوله :( أو تبخر بعود ونحوه فدى )
أي:إذا تبخر بعود ونحوه مما يتبخر به للتطيب حرم عليه ذلك,ويفدي، سبق بيان الفدية.[ص:141]
قوله :( وإن قتل صيداً مأكولاً )
هذا هو السادس من محظورات الإحرام ؛وقد ذكر المؤلف -رحمه الله- أوصاف الصيد المحرم في الإحرام فقال :"مأكولاً" وهذا هو الوصف الأول , فإن كان غير مأكول فليس قتله من محظورات الإحرام , ولكن هل يقتل أو لا يقتل ؟
الجواب : ينقسم ذلك إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ما أمر بقتله. مثل: الخمس التي نص عليها الرسول ( وما في معناها الحية , والذئب والأسد , وأشبهها .
الثاني : ما نهي عن قتله . مثل : النمل والنحلة , والهدهد .
الثالث : ما سكت عنه , فإن آذى ألحق بالمأمور بقتله؛ لأن المؤذي يقتل دفعاً لأذيته,وإن لم يؤذ فهو محل توقف فأجاز بعضهم قتله؛ وكرهه بعضهم لأن الله خلقه لحكمة،فلا ينبغي أن تقتله وهذا هو الأولى. [ص:141-142]
قوله :( برياً أصلاً )
قوله "برياً" هذا هو الوصف الثاني وهو الذي يعيش في البر دون البحر؛ وضده البحري والبحري : ما لا يعيش إلا في الماء؛وأما ما يعيش في البر والبحر فإلحاقه بالبري أحوط لأنه اجتمع فيه جانب حظر،وجانب إباحة،فيغلب جانب الحظر.
مسألة :إذا صاد السمك داخل حدود الحرم كأن تكون بحيرة في مكة فيها اسمك فهل يجوز؟
الصحيح انه لا يحرم وان كانوا الفقهاء -رحمهم الله- قالوا إنه حرام والصحيح أنه حلال لإن المحرم صيد البر.وقوله : ((أصلاً ))أي: أن أصله بري ومراده أن يكون متوحشاً وأن استأنس فمثلاً :الأرنب صيد مأكول بري أصلاً والأرنب المستأنسة كالأرنب المتوحشة لإن اصلها متوحش فيحرم على المحرم قتلها .
والصيد:هو ما جمع هذه الأوصاف الثلاثه السابقه .[ص143]
فائدة :المحرم إذا صيد الصيد من اجله فالصيد عليه حرام .[ص144].(1/29)
قوله:( ولو تولد منه ومن غيره )
أي: لو تولد الصيد من الوحشي والإنسي أو من المأكول وغيره،فانه يكون حراماً.
مثل: لو تولد شيء من صيد بري متوحش،وصيد بري غير متوحش،فإنه يكون حراماً، للقاعدة المشهورة:((أنه إذا اجتمع في شيء مبيح وحاظر ولم يتميز المبيح من الحاظر فانه يغلب جانب الحاظر ))؛ لإنه لا يمكن اجتناب المحظور إلا باجتناب الحلال، فوجب الاجتناب . [ص:144]
قوله :( أو تلف في يده )
معطوف على " قتل" أي : وإن قتل الصيد أو تلف في يده فعليه جزاؤه .
أي : إذا كان في يده صيد مشتمل على الأوصاف الثلاثة وهي أن يكون برياً مأكولاً متوحشاً , ولم يقتله لكن أصيب هذا الصيد بمرض من الله ( وتلف فإنه يضمنه؛لأنه يحرم عليه إمساكه .
وظاهر كلام المؤلف أنه يحرم عليه إمساكه،ولو كان قد ملكه قبل الإحرام .
ولكن الصواب أن الصيد الذي في يد المحرم إن كان قد ملكه بعد الإحرام فهو حرام ولا يجوز له إمساكه .
وإن كان قد ملكه قبل الإحرام وأحرم وهو في يده , فهو ملكه , وملكه إياه تام , والمذهب أنه يجب عليه إزالة يده المشاهدة .[ص:145]
قوله :( فعليه جزاؤه )
ظاهره:أن عليه جزاءه سواء تلف بتعد منه أو تفريط أو لا،وهو كذلك لأن إبقاء يده عليه محرَّم.[ص145]
قوله :( ولا يحرم حيوان إنسي ولا صيد البحر ولا قتل محرم الأكل ولا الصائل )
قوله : ((ولا يحرم حيوان إنسي )) شرع المؤلف في ذكر المفهوم في كلامه السابق .
فقوله:((ولا يحرم حيوان إنسي )) هذا مفهوم قوله: "بري أصلاً " مثل الإبل والبقر والغنم والدجاج كل هذه لا تحرم، وعموم كلامه أنه لا يحرم ولو توحش ؛وقوله : ((ولا صيد البحر )) أي: لا يحرم صيد البحر على المحرم ؛وقوله :((ولا قتل محرم الأكل )) كالهر فالهر محرم الأكل،فلو أن محرماً قتله فليس عليه جزاء .(1/30)
قوله :((و لا الصائل)) أي: لو صال عليك غزال وخفت على نفسك ودافعته، وأبى أن ينصرف فقتلته فلا شيء عليك؛لأنك دفعته لأذاه،وكل مدفوع لأذاه فلا حرمة له وكل ما أبيح إتلافه لصوله، فإنه يدافع بالأسهل فالأسهل،فإذا أمكن دفعه بغير القتل دفع،وإلا قتل .
مسائل :
الأولى:ما قتل لدفع أذاه هل يكون حلالاً ؟
الجواب:إن قتل قتلاً دون ذكاة شرعية فهو حرام،لكن إن ذكي ذكاة شرعية كما لو كان جملاً وضربه في نحره وانهر الدم و سمى الله فهو حلال؛لأنه قصد التذكية ولم يقصد إلا الدفاع عن نفسه فحينئذ يكون حراماً.
الثانية:ما شارك فيه المحرم غيره بمعنى أن هذا الصيد قتله رجلان أحدهما محرم والثاني غير محرم فهل يحرم على المحرم وحده دون المحل أو عليهما جميعاً ؟
الجواب : يحرم عليهما جميعاً .
الثالثة: إذا دل أو أعان حلالاً على الصيد ؟
قال العلماء : يحرم على المحرم الدال أو المعين دون غيره .
الرابعة:إذا صال المحل صيداً و أطعمه المحرم فهل يكون حلالاً للمحرم ؟
الجواب : قال بعض العلماء أنه حرام على المحرم، لكن الصحيح أنه يحل للمحرم .[ص:145-149]
قوله :( ويحرم عقد النكاح ولا يصح ولا فدية وتصح الرجعة )
قوله ))ويحرم عقد النكاح ))أي: على الذكور والإناث ,هذا هو المحظور السابع من محظورات الإحرام .
وسواء كان المحرم الولي , أو الزوج , أو الزوجة , فالحكم يتعلق بهؤلاء الثلاثة .
أما الشاهدان فلا تأثير لإحرامهما , لكن يكره أن يحضرا عقده إذا كانا محرمين .
فالأقسام كما يلي :
الأول : عقد مُحل على محرمة , فالنكاح حرام .
الثاني : عقد محرم على مُحله , فالنكاح حرام .
الثالث : عقد ولي محرم لمُحلَّ ومُحله , فالنكاح حرام .
قوله : "ولا يصح " الضمير في قوله :" لا يصح " يعود على العقد .
قوله :((ولا فدية )) أي : ليس فيه فدية .
وهو الصحيح وفيه الإثم وعدم الصحة للنكاح .
مسألة :إذا قال قائل : إذا عقد , وهو لا يدري أن عقد النكاح في حال الإحرام حرام ؟(1/31)
فالجواب : أنه لا إثم عليه , كما سيأتي إن شاء الله , لكن العقد لا يصح ؛ لأن العقود يعتبر فيها نفس الواقع؛وقوله : ((وتصح الرجعة )) أي : أن يراجع الإنسان مطلقته التي له الرجعة عليها.
فهنا فرقنا بين ابتداء النكاح , وبين استدامة النكاح ؛ لإن الرجعة لا تسمى عقداً , وإنما هي رجوع . [ص:151-156]
قوله:(وإن جامع المحرم قبل التحلل الأول فسد نسكهما,ويمضيان فيه,ويقضيانه ثاني عام)
قوله: ((وإن جامع المحرم قبل التحلل الأول)), هذا هو المحظور الثامن من محظورات الإحرام , وهو الجماع ,
وهو أشدها إثماً، وأعظمها أثراً في النسك .
ويحصل الجماع بإيلاج الحشفة في قبل أو دبر , وهو محرم بنص القرآن , قال تعالى : {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ } فسره ابن عباس ( بالجماع .
والجماع له حالان :
الأولى : أن يكون قبل التحلل الأول .
الثاني : أن بعد التحلل الأول .
والتحلل الأول: يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد , فإذا لم يرم الجمرة فإنه في إحرام تام , وإذا رمى الجمرة حل التحلل الأول عند كثير من العلماء .
وعند آخرين لا يحل إلا بالرمي مضافا ًإليه الحلق أو التقصير , فإذا حلق أو قصر مع الرمي فقد حل التحلل الأول .
والتحلل الثاني : يكون إضافة إلى الرمي والحلق أو التقصير , بالطواف والسعي إن كان متمتعاً , أو كان مفرداً أوقارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم .
قوله :((فسد نسكهما, ويمضيان فيه , ويقضيانه ثاني عام )) هذه ثلاثة أحكام,وبقي حكمان :الإثم والفدية , وهي بدنه .
فصار الجماع قبل التحلل الأول يترتب عليه خمسة أمور :
مثال ذلك :رجل جامع زوجته ليلة مزدلفة في الحج عالماً عامداً لا عذر له .
نقول : ترتب على جماعك خمسة أمور :
الأول : الإثم فعليك التوبة .
الثاني : فساد النسك .
الثالث : وجوب المضي فيه ، فيجب أن تكمله .
الرابع : وجوب القضاء من العام القادم بدون تأخير .
الخامس : فدية , وهي بدنه تذبح في القضاء .(1/32)
تنبه :لم يذكر المؤلف - رحمه الله - ما إذا جامع بعد التحلل الأول , لكن ذكره غيره . قالوا وإذا جامع بعد التحلل الأول ترتب عليه أربعة أمور :
الأول : الإثم .
الثاني : فساد الإحرام .
الثالث : وجوب الخروج إلى الحل ليحرم منه .
الرابع : الفدية .
مثاله:رجل رمى وحلق يوم العيد , ثم جامع أهله قبل أن يطوف ويسعى , فعليه الإثم , والفدية , وفسد إحرامه , وعليه الخروج إلى الحل ليحرم فيطوف محرماً , لا بثيابه , لأن إحرامه فسد .[ص:156-162]
قوله :( وتحرم المباشرة , فإن فعل فأنزل لم يفسد حجه وعليه بدنه )
المباشرة أي : مباشرة النساء لشهوة ؛
وهذا هو المحظور التاسع , وهو آخر المحظورات .
ولأنه إذا كان يحرم عقد النكاح الذي تستباح به المباشرة فالمباشرة من باب أولى .
وأما المباشرة لغير شهوة , كما لو أمسك الرجل بيد امرأته , فهذا ليس حراماً .
والصحيح أن المباشرة لا تجب فيها البدنة , بل فيها ما في بقية المحظورات .[ص:162-163]
قوله :( لكن يحرم من الحل لطواف الفرض )
يظهر أن هذا سبقُ قلم من الماتن -رحمه الله - ؛ لأن هذا الحكم المستدرك لا ينطبق على المباشرة , بل ينطبق على الجماع بعد التحلل الأول ، والإنسان بشر , فهذه العبارة الأصح أن تنقل إلى الجماع بعد التحلل الأول , فهو الذي ذكر أهل العلم أنه يفسد به الإحرام , وأنه يجب أن يخرج إلى الحل ؛ ليحرم منه فيطوف محرماً . [ص:163]
قوله :( وإحرام المرأة كالرجل )
أي : أنه يحرم عليها ما يحرم على الرجال , ويلزمها من الفدية ما يلزم الرجال , إلا ما استثنى .[ص:164]
قوله :( إلا في اللباس )
فليست كالرجل ؛ لأن الرجل لا يلبس القميص ولا السراويل، ولا البرانس , ولا العمائم , ولا الخفاف , و المرأة تلبس ذلك ولا إثم عليها , ولكن عمامتها الخمار .
وقوله : ((إلا في اللباس)) فلا يحرم عليها اللباس , لكن يحرم عليها نوع واحد من اللباس , وهو القفازان فإنهما لباس اليدين كما سيذكره . [ص:164] .(1/33)
قوله :( وتجنب البرقع والقفازين وتغطية وجهها ويباح لها التحلي )
قوله :((وتجنب البرقع )) لو قال المؤلف :((البرقع والنقاب ))أو قال : النقاب فقط لكان أحسن , وإنما أقتصر على البرقع فقط ؛ لأن البرقع للزينة , والنقاب للحاجة .
فالنقاب تستعمله المرأة فتغطي وجهها , وتفتح فتحه بقدر العين لتنظر من خلالها , والبرقع تجمل , فهو يعتبر من ثياب الجمال للوجه , فهو إذاً نقابُ وزيادة , وعلى هذا , فنقول : النقاب حرام على المحرمة , وإذا نهيت المرأة المحرمة عن النقاب فنهيها عن البرقع من باب أولى ؛وقوله :((والقفازين )) القفازان: لباس يعمل لليدين , إذا فهي تشارك الرجل في نوع من اللباس ؛وقوله : ((وتغطية وجهها ))أي : تجتنب تغطية الوجه , فلا تغطي الوجه .
أما الرجل فسبق أن القول الراجح جواز تغطيته وجهه .
قوله )): ويباح لها التحلي )) أي: يجوز للمحرمة أن تلبس الحلي , والمراد الحلي المباح , لا كل حليَّ , فالحلي الذي على صورة حيوان حرام عليها وعلى غيرها .
لكن يجب أن تستر الحلي عن الرجال , فإذا كانت وحدها في البيت , أو مع نساء أو مع زوج , أو مع محارم وعليها الحلي , فلا بأس .
هذه هي محظورات الإحرام .
مسألة:ما فائدة معرفة الإنسان محظورات الإحرام من حيث العمل والسلوك ؟وهل الفائدة أن يعرف ما هو المحظور،وماذا يترتب عليه؟أو هل الفائدة أن يعرف المحظور ليتجنبه , فإذا ابتلي به عرف ماذا يجب عليه ؟
الجواب : الثاني , ولهذا نحن ينقصنا في علمنا أننا لا نطبق ما علمناه على سلوكنا , وأكثر ما عندنا أننا نعرف الحكم الشرعي , أما أن نطبق , فهذا قليل - نسأل الله أن يعاملنا بعفوه - وفائدة العلم هو التطبيق العلمي , بحيث يظهر أثر العلم على صفحات وجه الإنسان , وسلوكه , وأخلاقه , وعبادته ، ووقاره , وخشيته وغير ذلك , وهذا هو المهم .(1/34)
وكم من عامي جاهل تجد عنده من الخشوع لله ( ومراقبة الله , وحسن السيرة , والسلوك , والعبادة , أكثر بكثير مما عند طالب العلم .[ص:164-166]
باب الفدية
قوله:( الفدية )
هي ما يعطى فداءً لشيء , فالفدية ما يجب لفعل محظور أو ترك واجب .
ومحظورات الإحرام من حيث الفدية تنقسم إلى أربعة أقسام :
الأول : ما لا فدية فيه , وهو عقد النكاح .
الثاني : ما فديته مغلظة , وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول .
الثالث : ما فديته الجزاء أو بدله , وهو قتل الصيد .
الرابع : ما فديته أذى , وهو بقية المحظورات .
وهذه القسمة حاصرة تريح طالب العلم .
وفدية الأذى إطعام ستة مساكين , لكل مسكين نصف صاع , أو صيام ثلاثة أيام متتابعة , أو متفرقة , أو ذبح شاه , فتذبح وتوزع على الفقراء .[ص:167]
قال المؤلف مبنياً على ذلك لكنه ليس على وجه التقسيم والحصر :
( يخير بفدية حلق , وتقليم , وتغطية رأس , وطيب , ولبس مخيط، بين صيام ثلاثة أيام , أو أطعام ستة مساكين )
يخير المحرم إذا فعل محظوراً من هذه الأجناس ، حلق الشعر , وتقليم الأظافر من اليدين أو الرجلين , وتغطية الرأس , والطيب , يخير في هذه الأربعة :
بين صيام ثلاثة أيام , أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مُدُّ بُر, أو نصف صاع تمر ,أو شعير,أو ذبح شاة .
و((صيام)) مجمل لم يبينه الله ( لكن بينه رسول الله ( ؛أو(( صدقة )) مجمله أيضاً لكن بينها رسول ( .
أو ((نسك )) مبين ؛ لأن النسك هو الذبيحة . [ص:167-168]
قوله :( لكل مسكين مُدُّ بُر , أو نصف صاع تمر أو شعير )
ظاهره أن الفدية في الإطعام محصورة في هذه الأصناف الثلاثة , البر , والتمر , والشعير , وهذا غير مراد , لأن المراد ما يطعمه الناس , من تمر أو شعير , أو بر , أو رز , أو ذرة , أو دخن , أو غيره .
والمؤلف هنا فرق بين البر وغير البر , فالبر هو مُد , وغير البر نصف صاع .
والمُد ربع الصاع ؛ وفي باب الفطرة لم يفرق المؤلف بين البر وغيره .(1/35)
ومذهبنا هنا أن لا فرق بين البر وغيره .
وأن الفدية نصف صاع لكل مسكين ؛ ولهذا جميع ما ورد فيه إطعام مساكين يجوز أن تغديهم أو تعشيهم ، إلا هذا الموضع فلا بد أن تطعمهم طعاماً يملكونه , ومقداره نصف صاع لكل مسكين .[ص:168-170]
قوله :( أو ذبح شاة )
أطلق المؤلف ((شاة )) فهل المراد الأنثى من الضأن , أو المراد أعم من ذلك ؟
الجواب : المراد الثاني .
وقوله:(( صيام ثلاثة أيام )) ظاهره أنه لا يشرع فيه التتابع . [ص:170]
قوله :( وبجزاء صيد بين مِثْلٍ إن كان )
أي : ويخير بجزاء صيد بين مِثْلٍ إن كان ، أي : مثلٍ للصيد وإن كان له مثل , وإن لم يكن له مثل فله حكم آخر .[ص:171]
قوله :( أو تقويمه بدراهم يشتري بها طعاماً فيطعم كل مسكين مداً , أو يصوم عن كل مد يوماً )
(( أو )) في كلام المؤلف بمعنى الواو , فمعنى الكلام أنه يخير في جزاء الصيد بين ذبح مثله يتصدق به على فقراء الحرم , وتقويمه بدراهم .
ولكن يقال : إن البدل له حكم المبدل , فتكون الكفارة تساوي المثل أو الصيد .
والمذهب : أن الذي يقوّم المثل ؛ وهو الراجح .
وقوله )) أو تقويمه بدراهم يشتري بها طعاماً )) هذا على سبيل المثال , وليس على سبيل التعيين , فله أن يقومه بدراهم , ثم يخرج من الطعام الذي عنده ما يساوي هذه الدراهم .
مثال ذلك : الحمامة , مثلها شاة , فالشاة جزاء الحمامة ؛ لقوله تعالى : { فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } والمشابهة بينهما في شرب الماء , فالشاة تعبُّ الماء عبَّا , والحمامة تعُبُّه عبَّا كمص الصبي للثدي , والدجاجة إذا ملأت منقارها رفعت رأسها فينزل الماء،لكن الحمامة إذا وضعت منقارها في الماء لا ترفع رأسها حتى تروى , وكذلك الشاة .(1/36)
فهذا رجل محرم قتل حمامة,نقول:أنت بالخيار أذبح شاة وتتصدق بها على فقراء الحرم , أو قوَّم الشاة بدراهم ,وأخرج بدل الدراهم طعاماً , ولا تخرج الدراهم لأنه قال { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } فإذا قدرنا الشاة بمائتين ريال , وقدرنا الطعام كل صاع بريال , فتكون مائتي صاع يساوي ثمانمائة مد , فنقول: إن شئت أخرج الطعام , وإن شئت اعدل عن الطعام وصم ثمانمائة يوم , لأنه كل مد يوماً فسيختار إما الشاة وإما الإطعام؛لأن الصيام سيكون شاقاً , لكن - الحمد لله - الأمر واسع ؛لأنه على التخيير.[ص:172-173]
قوله:( وبما لا مثل له بين إطعام وصيام )
وهذا النوع الثاني فيخير بما لا مثل له بين شيئين : الإطعام , أو الصيام , وتسقط المماثلة , فإما أن يشتري بقيمته طعاماً يطعمه الفقراء , وأما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً .
مثاله :الجراد صيد لا مثل له , فإذا قتل المحرم جراداً فعليه : إما قيمته يشتري بها طعاماً يطعم كل مسكين مداً , وإما أن يصوم عن كل مد يوماً . [ص:173-174]
قوله: ( وأما دم متعة وقران فيجب الهدي )
المؤلف - رحمه الله - أدخل دم المتعة والقران بين المحظورات،وهذا من حيث التنظيم التأليفي فيه نظر , فينبغي أن يجعل كل صنف مع صنفه , والأمر في هذا سهل من حيث التنظيم , لكنه محل نظر من حيث الحكم ؛ لأن دم المتعة ليس فدية ولا كفارة , بل هو دم نسك وشكر لله تعالى ولهذا سماه الله هدياً وأبيح للإنسان أن يأكل منه .فالمتعة والقران يجب فيهما هدي , فإن عدمه صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله على سبيل الترتيب , وليس على سبيل التخيير .
فإذا كان غير قادر على الهدى، ولا على الصيام سقط عنه ؛ لأن الله لم يذكر إلا الهدى و الصيام فقط .
مسألة :ذكرنا فيما سبق أن الذي فيه شاة يكون تخييراً , لا ترتيباً , وهنا كان ترتيباً مع أن الواجب شاة ؟(1/37)
الجواب : أن المراد ما أوجب شاة من المحظورات ,ودم المتعة والقران ليس محظور , بل دم شكران , وليس دم جبران . [ص:174-157]
قوله :( فإن عدمه فصيام ثلاثة أيام )
أي : عدم الهدي ، والمعتبر بالنسبة لوجود الهدي وعدمه طلوع الفجر يوم النحر، هذا هو المذهب .
وهنا يعمل بغالب ظنه , فإن كان حين إحرامه بالعمرة يغلب على ظنه أنه لن يجد الهدى , فإنه يحكم بأنه لم يجده , وإن كان يمكن أن يجده في يوم العيد . [ص:175-176]
قوله :( والأفضل كون آخرها يوم عرفة )
أي : فيصوم اليوم السابع , والثامن , والتاسع , ليكون آخرها يوم عرفة .
والصواب خلاف ما عليه الأصحاب في هذه المسألة ؛والذي يظهر لي , أن الصحابة ( كانوا يصومونها في أيام التشريق.
ولو ذهب ذاهب إلى أن الأفضل أن تصام الأيام الثلاثة في أيام التشريق ، لكان أقرب إلى الصواب .
مسألة :هل يشترط أن تكون متتابعة ؟
الجواب : إن ابتدأها في أول يوم من أيام التشريق , لزم أن تكون متتابعة ضرورة أنه لا يصومها في أيام الحج متتابعة ،لأنه لم يبق من أيام الحج إلا ثلاثة , ولا يجوز أن تؤخر عن أيام التشريق .
أما إذا صامها قبل أيام التشريق , فيجوز أن يصومها متفرقة ومتتابعة .
مسألة :من أخر صيام ثلاثة الأيام التي في الحج حتى انتهى حجه لغير عذر , فهل تلزمه الفدية ؟
الصحيح : لا تلزمه .[ص:177-180]
قوله :( وسبعة إذا رجع إلى أهله )
أي : إلى بلده .
قوله :( و المحصر إذا لم يجد هدياً صام عشرة )
المؤلف - رحمه الله - طوى ذكر التصريح بالهدي مع أنه موجود بنص القرآن , ففهم وجوب الهدي من كلام المؤلف , لا بالتصريح لكن باللازم ؛ لقوله :((إذا لم يجد هدياً )) فالمحصر يجب عليه الهدي بنص القرآن ،فإذا أحصر الإنسان ومنع من إتمام نسكه , فعليه ما استيسر من الهدي .
مسألة :أين يذبح الهدي ومتى ؟
يذبحه عند الإحصار , وفي مكان الإحصار .
مسألة :وهل عليه حلق ؟(1/38)
الجواب : ظاهر كلام المؤلف أنه لا حلق عليه، لكن السنة دلت على وجوب الحلق .
وقوله :((صام عشرة ثم حل ))يقتضي وجوب الصوم وأنه لا يحل حتى يصوم العشرة ثم يحل , ودليلهم في ذلك القياس على التمتع ؛ لأن كلاً منهما ترفه بالتحلل من الإحرام ؛لكن هذا القياس قياس مع الفارق ومخالف لظاهر النص .
وعلى هذا نقول : المحصر يلزمه الهدي إن قدر , وإلا فلا شي عليه .[ص:181-185]
قوله :( ويجب بوطء في فرج في الحج بدنة , وفي العمرة شاة )
مراده قبل التحلل الأول في الحج ؛وقوله (( بوطء ))الباء للسببية , والوطء : الجماع في الفرج، لا بين الفخذين , فيجب في الحج بدنه إذا كان قبل التحلل الأول فإن لم يجد بدنة , ووجد سبع شياه أجزأ , فإذا لم يجد شيئاً لا سبع شياه ولا بدنه , فإنهم قالوا: يصوم عشرة أيام , وهذا قول لا دليل عليه , فنقول : إذا لم يجد سقط عنه كسائر الواجبات ؛وفي العمرة شاة حكمها كفدية الأذى .
والمباشرة بدون إنزال فيها فدية , والإنزال على القول الصحيح فيه فدية أذى في الحج والعمرة .
والذي صحت فيه الفدية ثلاثة أشياء :
الأولى : حلق شعر الرأس .
الثاني : جزاء الصيد .
الثالث : الجماع , صح عن الصحابة . [ص:185-186]
قوله :( وإن طاوعته زوجته لزمها )
وفي نسخة (( لزماها )) أي :وافقته على الجماع في الحج أو في العمرة لزماها أي : البدنة في الحج والشاة في العمرة , أو لزمها،أي :لزمها الحكم .
وهل يلزم الزوج أن يكفر عن زوجته , لأنه أكرهها أو لا ؟
الجواب : في المسألة قولان .
المذهب : لا فدية على مكرهه , ولا على من أكرهها ؛وهو الظاهر .
وهل يفسد حجها ؟
الجواب : لا ؛ لأنها مكرهة . [ص:187]
(( فصل ))
قوله:( ومن كرر محظوراً من جنس , ولم يفد فدى مرة )(1/39)
أي : إذا كرر الإنسان المحظور من جنس واحد , ففعله أكثر من مرة ولم يفد , فإنه يفدي مرة واحدة , لكن بشرط ألا يؤخر الفدية , لئلا تتكرر عليه , بحيث يفعل مرة أخرى فيعاقب بنقيض قصده , لئلا يتحيل على إسقاط الواجب ؛وإن تعدد المحل كما لو لبس خفين وسراويل وقميصاً , فإنها شيء واحد ؛ أي : إن تعدد المحل لا يؤثر شيئاً ما دام الجنس واحداً .
وقوله:((ولم يفد)) علم من كلامه أنه لو فدى عن الأول فدى عن الثاني , لأن الأول انتهى , وبرئت ذمته منه بفديته، فيكون الثاني محظوراً جديداً .[ص:190]
قوله :( بخلاف صيد )
أي: فإن جزاءه يتعدد بعدده , ولو برمية واحدة , فإذا رمى رميه واحدة وأصاب خمس حمامات , فإن عليه خمس شياه , فلا يقال إن الفعل واحد المحظور واحد ؛ لأن الله أشترط في جزاء الصيد أن يكون مثله , وهذا وجه استثناء الصيد . [ص:190-191]
قوله :( ومن فعل محظوراً من أجناس فدى لكل مرة )
مثاله :أن يلبس القميص , ويطيب رأسه ،ويحلق , ويقلم , هذه أربعة أجناس , فعليه أربع فدى , مع أن موجبها واحد , وهو : ذبح شاة , أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع , أو صيام ثلاثة أيام و ومع ذلك نقول : عليه لكل واحد فدية . [ص:191]
قوله :( رفض إحرامه أو لا )
أي: سواء فعل المحظور بعد أن رفض الإحرام , ونوى الخروج أم لا , فلا تسقط الفدية .
وأشار إليه المؤلف ؛ لأن بعض العلماء قال : إذا رفض إحرامه ارتفض وحل .
والصحيح ما قاله المؤلف , وأن الإنسان يبقى على إحرامه ولو رفضه , اللهم أن يكون غير مكلف .
وقوله : ((رفض إحرامه أو لا )) ظاهرة أنه لا شيء عليه برفضه , وأن وجود هذا الرفض وعدمه على حد سواء , وهذا هو الصحيح .
ولا يمكن الخروج من النسك إلا بواحد من ثلاثة أمور وهي :
الأول : إتمام النسك .
الثاني : التحلل إن شرط , ووجد الشرط .
الثالث : الحصر .
وهذا مما اختص به الحج من بين سائر العبادات , فسائر العبادات إذا رفضها خرج منها , أما الحج فلا .(1/40)
[ص:191-193]
قوله :( ويسقط بنسيان فدية لبس وطيب وتغطية رأس )
المحظورات تنقسم باعتبار سقوطها بالعذر إلى قسمين :
الأول : تسقط فديته بالعذر .
الثاني : لا تسقط فديته بالعذر .
يقول المؤلف :((ويسقط بنسيان )) ومثله الجهل والإكراه . [ص:193]
قوله :( دون وطء )
أي: أنه لا تسقط الفدية إذا وطء ناسياً , وكذلك إن وطء جاهلاً , أو وطء مكرهاً , وهذا وما بعده هو القسم الذي لا يسقط بالعذر ،لكن القول بأنه لا جماع مع إكراه غير صحيح .
فالوطء بلا شك يمكن أن يكون مع الإكراه ,ومع ذلك يقولون : لا تسقط الفدية فيه .[ص:195-196]
قوله :( وصيد وتقليم وحلاق )
قوله :(( وصيد )) يعني أن قتل الصيد لا يعذر فيه بالنسيان , وكذلك لا يعذر فيه بالجهل , ولا بالإكراه .
وقوله :(( وتقليم )) أي أن تقليم الأظافر لا يسقط بنسيان , وكذلك لا بجهل ولا بإكراه .
وقوله : ((وحلاق)) يعني أن فدية الحلق لا تسقط بالنسيان وكذلك الجهل والإكراه .
القول بأن فدية الحلق وتقليم الأظافر وقتل الصيد لا تسقط بالنسيان والجهل والإكراه ضعيف .
والصحيح في هذه المسألة كلها أنه لا جزاء عليه .
والراجح أن فاعل المحظورات كلها لا يخلو من ثلاثة أقسام , والمراد هنا المحظورات التي فيها فدية , وأما التي ليس فيها فدية كعقد النكاح , فهذا لا يدخل في هذا التقسيم :
الأول : أن يفعلها بلا عذر شرعي ولا حاجة , فهذا آثم , ويلزمه ما يترتب على المحظور الذي فعله على حسب ما سبق بيانه .
الثاني : أن يفعله لحاجة متعمداً , فعليه ما يترتب على فعل ذلك المحظور , ولكن لا إثم عليه للحاجة .
مسألة :ومن الحاجة , حاجة الجنود إلى اللباس الرسمي فهي حاجة تتعلق بها مصالح الحجيج جميعاً ؛ إذا لو عمل الجندي بدون اللباس الرسمي لما أطاعه الناس , وصار في الأمر فوضى , ولكن إذا كان عليه لباسه الرسمي صار له هيبة .(1/41)
ولكن هل عليه الفدية أو لا ؟ أي : أن جواز اللباس عندنا فيه - إن شاء الله- إشكال لدعاء الحاجة أو الضرورة إلى ذلك ولكن هل عليه فدية ؟
الجواب : قد نقول :لا فدية عليه ؛ لأنه يشتغل بمصالح الحجيج .
القسم الثالث : أن يكون معذوراً بجهل أو نسيان أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً , لا في الجماع , ولا في الصيد , ولا في التقليم , ولا في ليس المخيط ،ولا في أي شيء .
فائدة :وهكذا في جميع المحظورات في العبادات , لا يترتب عليها الحكم , إذا كانت مع الجهل أو النسيان أو الإكراه . [ص:196-200]
قوله :( وكل هدي , أو إطعام فلمساكين الحرم )
قوله:(( وكل هدي))ذكر المؤلف مكان الهدي,فكل هدي يهديه الإنسان إلى البيت سواء كان هدي تطوع. قوله :(( أو إطعام )) أي : كل إطعام كإطعام ستة مساكين في فدية الأذى , أو إطعام المساكين في جزاء الصيد , وما أشبه ذلك .
وقوله )): فلمساكين الحرم )) أي: فيصرف إلى مساكين الحرم , وهذا ليس على إطلاقه في كل هدي ؛ لأن هدي المتعة والقران هدي شكران , فلا يجب أن يصرف لمساكين الحرم , بل حكمه حكم الأضحية , أي : أنه يأكل منه ويهدي , ويتصدق على مساكين الحرم .
والهدي الذي لترك واجب يجب أن يتصدق بجمعية على مساكين الحرم .
والهدي الواجب لفعل محظور غير الصيد يجوز أن يوزع في الحرم وأن يوزع في محل فعل المحظور .
ودم الإحصار حيث وجد الإحصار , ولكن لو أراد أن ينقله إلى الحرم فلا بأس. [ص:203-204]
قوله :( وفدية الأذى , واللّبس ونحوهما , ودم الإحصار حيث وُجِد سببُهُ )
قوله :((وفدية الأذى ))أي : أن فدية الأذى تكون حيث وجد سببها , ولا يجب أن تكون في الحرم .
وفدية الأذى هي : ذبح شاة , أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع , أو صيام ثلاثة أيام .
وقوله:((واللبس))أي:أن فدية اللبس كفدية الطيب وتغطية الرأس,وما أشبه ذلك فتكون حيث وجد سببها.(1/42)
قوله :((ودم الإحصار حيث وجد سببه )) الإحصار بمعنى المنع , أي : الدم الذي وجب بالإحصار .
وقوله :((ودم الإحصار )) ((أل)) هنا للعهد الذهني , أي: ما يكون إحصاراً يحل للإنسان أن يتحلل به من نسكه , و الإحصار هو حصر العدو فقط على المشهور من المذهب .
وقيل : إن المراد بالحصر كل ما يمنع الإنسان من إتمام نسكه من عدو أو غيره , وهذا القول هو الأصح وسيأتي - إن شاء الله - في الفوات و الإحصار .
وقوله :((حيث وجد سببه )) "حيث "ظرف مكان , أي : يكون حيث وجد السبب من حل أو حرم , ويستثنى من فعل المحظور جزاء الصيد , فإن جزاء الصيد لا بد أن يبلغ إلى الحرم .
مسالة :وهل المراد في الحرم ذبحاً وتفريقاً أو ذبحاً فقط , أو تفريقاً فقط ؟
الجواب : المراد ذبحاً وتفريقاً .[ص:205-206]
قوله :( ويجزئ الصوم بكل مكان )
وذلك لأن الصوم لا يتعلق بنفع أحد فيجزئ في كل مكان , ولكن يجب أن يلاحظ مسألة قد تمنع من أن نصوم في كل مكان , وهو أن الكفارات تجب على الفور , الإ ما نص الشرع فيها على التراخي , فإذا كان يجب على الفور وتأخر سفره مثلاً إلى بلده , لزمه أن يصوم في مكة . [ص:308]
قوله :( والدم شاة أو سبع بدنه وتجزئ عنها بقرة )
قوله:(( والدم شاة )) أي :إذا أطلق الدم في كلام الفقهاء فالمراد من ذلك واحد من ثلاثة أمور :
الأول :شاة .…
الثاني :قوله :(( أو سبع بدنه ))وهذا هو مما مراد بالدم , أي : واحد من سبعة من البدنة .
الثالث:قوله :(( وتجزئ عنها بقرة )) أي تجزئ عن البدنة بقرة وهذا هو مما يراد بالدم , و البدنة هي البعير .
وقوله:(( وتجزئ عنها بقرة )) ظاهره ولو في جزاء الصيد ،والصواب عدم الإجزاء في جزاء الصيد.
باب جزاء الصيد
قوله : ( باب جزاء الصيد )
أي:باب المثل في جزاء الصيد؛لأنه لا يريد أن يبين ما يجب في الصيد , بل يريد أن يبين المثل , ولم يقل فدية .
والصيد هو الذي يحرم على المحرم صيده , أو في الحرم , وليعلم أن الصيد نوعان :(1/43)
الأول : نوع لا مثل له .
الثاني : نوع له مثل .
والنوع الذي له مثل نوعان أيضاً :
الأول: نوع قضت الصحابة به , فيرجع إلى ما قضوا به, وليس لنا أن نعدل عما قضوا به .
الثاني:نوع لم تقض به الصحابة,فيحكم فيه ذوا عدل من أهل الخبرة ويحكمان بما يكون مماثلاً.[ص:211]
قوله :( في النعامة بدنة )
أي : لو قتل الإنسان نعامة وهو محرم , أو قتل نعامة في الحرم ، ولو كان محلاَّ فعليه بدنة , أي بعير صغير في الصغيرة وكبير في الكبيرة , لأن هذا هو تحقيق المماثلة . [ص:211-212]
قوله :( وحمار الوحش , وبقرته , والأَيِّلِ , والثَّيْتَلِ , والوعل , بقرة )
ففي هذه الأشياء بقرة ؛ لأنها تشابهها؛
وقوله:((والأَيِّلِ , والثَّيْتَلِ )) هما نوعان من الظباء ؛ والوعل هو تيس الجبل .[ص:212]
قوله :( والضبع كبش )
فيها شاة , ولولا أنها حلال لم يكن لها قيمة .[ص:212]
قوله : ( والغزال عنز )
ففيها عنز ؛ لأنها أقرب شبهاً بها . [ص:213]
قوله:( والوبر , والضب جدي )
قال في الروض : الوبر دويبة كحلاء اللون دون السنور , لا ذنب لها , وهي معروفة , فيها جدي , والجدي هو الذكر من أولاد المعز له ستة أشهر ؛وكذلك أيضاً الضب فيه جدي . [ص: 213]
قوله :( واليَرْبوُعِ جفرة )
اليربوع أيضاً معروف , وفيه جفرة لها أربعة أشهر .[ص:213-214]
قوله :( والأرنب عناق )
وهي أصغر من الجفرة , أي : لها ثلاثة أشهر ونصف تقريباً . [ص:214]
قوله :( والحمامة شاة )
وجه المشابهة في الحمامة للشاة في الشرب فقط , لا في الهيكل , أو الهيئة .
فهذا كله قضى به الصحابة , منه ما روي عن واحد من الصحابة ومنه ما روي عن أكثر من واحد .
فإذا وجدنا شيئاً من الصيود لم تحكم به الصحابة أقمنا حكمين عدلين خبيرين .
مسالة :هل تدخل المرأة في الحَكَمَيْنِ ؟
الجواب : لا تدخل . [ص:214]
باب صيد الحرم
قوله :( الحرم )(1/44)
أل هنا للعهد الذهني , يعنى بذلك حرم مكة والمدينة , وعلى هذا فـ((أل)) هنا للجنس , أي : باب صيد ما يسمى حرماً , وليس في الدنيا شيء حرم إلا هذان الحرمان , حرم مكة وحرم المدينة , وأما كلام بعض الناس يقول عن المسجد الأقصى : ثالث الحرمين , لا صحة له ولا أصل له , ولكن الصواب أن تقول : ثالث المسجدين يعني المساجد التي تشد إليها الرحال .
واختلف العلماء في وادي وج في الطائف .
والصحيح أنه ليس بحرم . [ص:215]
قوله :( يحرم صيده على المحرم والحلال )
أي :يحرم صيد الحرم على المحرم والحلال ,أي :من لم يحرم,فإذا كان تنفير صيدها حراماً ,فقتله حرام من باب أولى ؛وقوله :((ويحرم صيده على المحرم والحلال )) , أضاف الصيد إلى الحرم وعلى هذا فصيد الحل إذا دخل في الحرم لا يحرم , لكن يجب إزالة اليد المشاهدة عنه وإطلاقه , ولا يجوز ذبحه في الحرم , بل ولا إبقاءُ اليد المشاهدة عليه , وهذا هو المشهور من المذهب .
والصحيح أن الصيد إذا دخل به الإنسان وهو حلال من الحل , فهو حلال ؛ لأنه ليس صيداً للحرم , بل هو صيد لمالكه .
مسألة :ظاهر كلام المؤلف أن الصيد البحري لا يحرم صيده إذا كان في الحرم , وعلى المذهب إذا كان في الحرم فهو حرام , ولكن لا جزاء فيه .
والصحيح أن البحري يجوز صيده في الحرم . [ص:215-217]
قوله :( وحكم صيده كصيد المحرم )
أي: على ما سبق من التفصيل , ففيه الجزاء . [ص217]
قوله :( ويحرم قطع شجرة وحشيشه الأخضرين )
الشجر ما له ساق , والحشيش مالا ساق له .
وقوله :(( شجرة )) الشجر مضاف إلى الحرم , فيفيد أن المحرّم ما كان من شجر الحرم , لا من شجر الآدمي, وعلى هذا فما غرسه الآدمي أو بذره من الحبوب , فإنه ليس بحرام , لأنه ملكه , ولا يضاف إلى الحرم , بل يضاف إلى مالكه ؛وقوله:((وحشيشه )) نقول فيها ما قلنا في شجره .(1/45)
وقوله :((الأخضرين )) صفه للشجرة , والحشيش , والمراد ما فيهما الحياة والنمو , سواء كانا أخضرين أو غير أخضرين , والأولى أن يقال :(( شجرة وحشيشه الحيين )) سواء كان بلون الخضرة أو غيره , فخرج بذلك ما كان ميتاً، فإنه حلال .
مسألة :ثمر شجر الحرم هل نقول أنه كالشجر ؟
الجواب : لا , فلو أن شجرة تفاح تنبت في الحرم بدون فعل آدمي , ثم أثمرت وأخذ الإنسان ثمرتها فإن ذلك لا بأس به . [ص:217-218]
قوله :( إلا الإذخر )
الإذخر نبت معروف يستعمله أهل مكة في البيوت , والقبور , والحدادة , والناس في حاجة إليه .
وعلى هذا فيستثنى من الشجر والحشيش الأخضرين الإذخر .
مسائل :
الأولى : الكمأة , والعساقل , ونبات الأوبر , وما أشبهها كالذي يسميه الناس الفطيطر , هل هو حرام، أو لا ؟
الجواب : ليس بحرام ؛ لأنها أنواع داخله تحت جنس واحد وهو الفقع , فهذا حلال ؛ لإنه ليس بأشجار ولا حشيش , فلا يدخل في التحريم .
الثانية : سكت المؤلف - رحمه الله - عن جزاء هذه الأشجار أو الحشيش , فهل أسقطها اختصاراً أو اقتصاراً ؟
الجواب : بما أن المؤلف من أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - من الحنابلة , فالظاهر أنه أسقطها اختصاراً , لا اقتصاراً ؟
لكن يحتمل أنه أسقطها اقتصاراً , أي : أن التحريم مقصور على القطع والحش , وليس فيه جزاء .
وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء :
فقال بعض العلماء : إن هذه الأشجار أو الحشيش ليس فيها جزاء , وهذا مذهب مالك ،وابن المنذر، وجماعة من أهل العلم , وهو الحق .
الثالثة : إذا كانت الأشجار في الطريق , فهل يجوز إزالتها من أجل الطريق ؟
الجواب : إن كانت هناك ضرورة بحيث لا يمكن العدول بالطريق إلى محل آخر فلا بأس بقطعها , وإن لم يكن ضرورة , فالواجب العدول بالطريق عنها , لأنه يحرم قطعها بلا ضرورة .
الرابعة : إذا كانت الشجرة خارج الطريق , لكن أغصانها ممتدة إلى الطريق وتؤذي المارة بشوكها وأغصانها ,فهل تقطع ؟(1/46)
الجواب : لا تقطع , لأن الرسول ( قال : " لا يعضد شوكها " والشوك يؤذي , ومع ذلك نهى عن عضده , أي : قطعه , وبإمكان الإنسان أن يطأطئ رأسه حتى لا تصيبه الأغصان . [ص:217-218]
قوله :( ويحرم صيد المدينة )
صيد حرم المدينة حرام , لكن حرمته دون حرمة حرم مكة ؛ لأن تحريم صيد مكة ثابت بالنص والإجماع , وأما حرمة المدينة فمختلف فيه , ولكن القول الصحيح أن المدينة لها حرم وأنه لا يجوز الصيد فيه , أيضاً على القول الراجح لا فرق بينهما , وهو أن من أدخل صيداً إلى الحرمين مكة أو المدينة , فهو في ملكه يتصرف فيه كما يشاء . [ص:221-222]
قوله :( ولا جزاء فيه )
والدليل أن النبي ( لم يجعل فيه جزاء , فالأصل براءة الذمة , وعدم الوجوب .
وهو الصواب ؛ أنه ليس فيه جزاء , لكن إن رأى الحاكم أن يعزر من تعدى على صيد في المدينة بأخذ سلبه , أو تضمينه مالاً , فلا بأس . [ص222-223]
قوله : ( ويباح الحشيش للعلف , وآلة الحرث ونحوه )
لأن أهل المدينة أهل زروع مرخص لهم في ذلك , كما فرخص لأهل مكة في الإذخر ؛ فيباح أن تحش الحشيش لتعلف بهائمك .
وكذلك قطع الأغصان لآلة الحرث , أي السواني , بأن يقطع الإنسان شجرة , لينتفع بخشبها في المساند والعوارض , وما أشبه ذلك مما يحتاجه أهل الحرث , وبهذا نعلم أن تحريم حرم المدينة أخف من تحريم حرم مكة , ويجوز الرعي في حرم المدينة , وحرم مكة .[ص:223]
قوله :( وحرمها ما بين عير إلى ثور )
أي : حرم المدينة مسافة بريد في بريد والبريد أربعة فرسخ , والفراسخ ثلاثة أميال . فهو مربع ما بين عير إلى ثور , وثور جبل صغير خلف أحد من الناحية الشمالية .
وعير جبل كبير من الناحية الجنوبية الغربية عن المدينة جنوب ذي الحليفة .
وأما من الشرق إلى الغرب فما بين لا بيتها فهو حرام وحرم المدينة معروف عند أهل المدينة .
الفروق بين حرم مكة وحرم المدينة :
الأول: أن حرم مكة ثابت بالنص والإجماع , حرم المدينة مختلف فيه .(1/47)
الثاني : أن صيد حرم مكة فيه الإثم والجزاء , وصيد حرم المدينة فيه الإثم , ولا جزاء فيه .
الثالث : أن الإثم المترتب على صيد حرم مكة أعظم من الإثم المترتب على صيد المدينة .
الرابع : أن حرم مكة أفضل من حرم المدينة , لأن مضاعفة الحسنات في مكة أكثر من المدينة ،أعظم السيئات في مكة أعظم المدينة .
الخامس : أن من أدخلها , أي : المدينة صيداً من خارج الحرم فله إمساكه , ولا يلزمه إزالة يده المشاهدة .
السادس : أن حرم مكة يحرم فيه قطع الأشجار بأي حال من الأحوال إلا عند الضرورة , وأما حرم المدينة فيجوز ما دعت الحاجة إليه , كالعلف , وآلة الحرث , وما أشبه ذلك .
السابع : أن حشيش وشجر حرم مكة فيه الجزاء على المشهور من المذهب , والصحيح أنه لا جزاء فيه وعلى هذا فلا فرق , وأما حرم المدينة فلا جزاء فيه . [ص:224-225]
باب دخول مكة
قوله :( باب دخول مكة )
أي : للحاج , كيف يدخل مكة ؟ ومن أين يدخلها ؟ ومتى يدخلها ؟
الأفضل أن يدخلها في أول النهار ، ولكن إذا لم يتيسر له ذلك فليدخلها على الوجه الذي يتيسر له. [ص:228]
قوله :( يسن من أعلاها )
أي : من أعلى مكة من الحجون , وظاهر كلام المؤلف أنه يسن قصد الدخول من أعلاها , لأن النبي ( دخلها من أعلاها .
ولكن الذي يظهر أنه يسن إذا كان ذلك أرفق لدخوله . [ص:228]
قوله :( والمسجد من باب بني شيبة )
يعني يسن أن يدخل المسجد من باب بني شيبة ؛وباب بني شيبة الآن عفا عليه الدهر , ولا يوجد له أثر .
وهل الدخول من باب بني شيبة , لو قدر وجوده أو إعادته , من السنن المقصودة أو التي وقعت اتفاقاً ؟
الجواب : يقال فيه ما يقال في دخول مكة .[ص:228-229]
قوله :( فإذا رأى البيت رفع يديه , وقال ما ورد )
أي : إذا رأى الكعبة ؛ رفع يديه يدعو , وعلى هذا فيقف , ويرفع يديه , ويدعو بالدعاء الوارد , والأحاديث الواردة في رفع اليدين وفي الدعاء أحاديث فيها نظر , وأكثرها ضعيف .(1/48)
وإذا قلنا بعدم صحة هذه الأحاديث , وأنه لا عمل عليها , فإنه يدخل باب المسجد كما يدخل أي باب من أبواب المساجد , يقدم رجله اليمنى , ويقول:(( بسم الله , اللهم صلى على محمد , اللهم أفتح لي أبواب رحمتك )) ويتجه إلى الحجر الأسود فيطوف . [ص:229-230]
قوله :( ثم يطوف مضظبعاً )
الاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن , وطرفيه على عاتقه الأيسر .
قوله :((ثم يطوف مضطبعاً )) يستفاد منه أنه لا يفعل الاضطباع إلا إذا شرع في الطواف , ويتركه حين ينتهي منه وهو كذلك . [ص:230-231]
قوله :( ويبتدئ المعتمر بطواف العمرة )
وهذا يشمل المعتمر عمرة تمتع , والمعتمر عمرة مفردة .
وقوله )):ويبتدئ المعتمر بطواف العمرة )) ظاهره أنه لا يصلي تحية المسجد وهو كذلك , فإن دخل المسجد للطواف أغناه الطواف عن تحية المسجد , ومن دخله للصلاة , أو الذكر أو قراءة القرآن ، أو ما أشبه ذلك فإنه يصلي ركعتين , كما لو دخل أي مسجد آخر .[ص:231]
قوله :( والقارن والمفرد للقدوم )
أي: يطوف القارن والمفرد للقدوم , وليس هذا بواجب أعني طواف القدوم .
وسمي طواف القدوم ؛ لأنه أول ما يفعل عند قدوم الإنسان إلى مكة ؛ ولهذا ينبغي أن يبدأ به قبل كل شئ , قبل أن يحط رحله .ولكن إذا شق على الإنسان هذا العمل , وأراد أن يذهب إلى مكان سكناه , ويحط رحله فلا حرج , والمسألة من باب السنن فقط . [ص:231-232]
قوله :( فيحاذي الحجر الأسود بكله )
قوله :(( فيحاذي الحجر الأسود )) يحاذي : أي يوازي ؛قوله :((بكله )) أي : بكل بدنه , بمعنى يستقبله تماماً , فلو وقف أمام الحجر , وبعض الحجر خارج بدنه من الجانب الأيسر فإن هذا الشوط ناقص , فلا بد أن يحاذي الحجر الأسود بكله ؛إذاً على كلام المؤلف يجب أن يحاذي الحجر بكل بدنه ؛(1/49)
والصواب أنه ليس بواجب وأنه لو حاذاه ولو ببعض البدن فهو كافٍ واختاره شيخ الإسلام , ولا حاجة إلى أن يحاذي بكل البدن , نعم إن تيسر فهو أفضل لا شك ؛وقوله :(( فيحاذي الحجر الأسود بكله )) يدل على أنه لا ينبغي أن يتقدم نحو الركن اليماني , فيبتدئ من قبل الحجر فإنه هذا بدعة . [ص:232-235]
قوله :( ويستلمه )
أي : يمسحه بيده . [ص:235]
قوله :( ويقبله )
لأنه ثبت عن النبي ( أنه كان يقبله لكن هل يقبله محبة له لكونه حجراً , أو تعظيماً لله ( ؟
الجواب : الثاني بلا شك ،ولا للتبرك به - أيضاً - كما يصنعه بعض الجهال فيمسح يده بالحجر الأسود , ثم يمسح بها بدنه , فإن هذا من البدع , وهو نوع من الشرك . [ص:237]
قوله :( فإن شق قبل يده فإن شق اللمس أشار إليه )
وهذا بعد استلامه ومسحه , وكل هذه الصفات وردت عن النبي ( وهي مرتبة حسب الأسهل , فأعلاها استلام باليد وتقبيل الحجر , ثم استلام باليد مع تقبيلها , ثم استلام بعصاً ونحوه مع تقبيله إن لم يكن فيه أذية , والسنة إنما وردت في هذا للراكب فيما نعلم ثم إشارة , فالمراتب صارت أربعاً تفعل أولاً فأولاً بلا أذية ولا مشقة . [ص:237-238]
قوله :( ويقول ما ورد )
أي : ما ورد عن النبي ( وأصحابه , ومنه عند ابتداء الطواف " بسم الله والله أكبر , اللهم إيماناً بك , وتصديقاً بكتابك , ووفاءً بعهدك و اتباعاً لسنة نبيك محمد ( " كما كان ابن عمر ( يقول ذلك .
أما في الأشواط الأخرى , فإنه يكبر كلما حاذى الحجر إقتداء برسوله الله ( .
مسألة : كيفية الإشارة ؟ وهل الإشارة كما يفعل العامة أن تشير إليه كأنما تشير في الصلاة ، أي: ترفع اليدين قائلاً الله اكبر ؟
الجواب: لا، بل الإشارة باليد اليمنى ، كما أن المسح يكون باليد اليمنى ، ولكن هل تشير وأنت ماش
والحجر على يسارك ؟ أم تستقبله؟(1/50)
فالظاهر أنه عند الإشارة يستقبله ، ولان هذه الإشارة تقوم مقام الاستلام والتقبيل ، والاستلام والتقبيل يكون الإنسان مستقبلاً له بالضرورة.
لكل انشق أيضاً مع كثرة الزحام ، فلا حرج أن يشير وهو ماش. [ص:238- 239]
قوله: ( ويجعل البيت عن يساره )
أي : إذا طاف ، يجعل البيت عن يساره. [ص:239-240]
قوله:( ويطوف سبعاً )
أي : يدور حول الكعبة ، كما فعل النبي( ، وتكون كاملة لاتقل ،فلو نقص
خطوة واحدة من أوله ، أو آخره لم يصح . [ص:241]
قوله:( يرمل الأفقي في هذا الطواف ثلاثاً ثم يمشي أربعاً )
الأفقي قال العلماء : هو الذي احرم من بعيد مكة ، فليس بشرط أن يكون بينه وبينها مسافة القصر ،
فالذي ليس من أهل مكة يرمل من الأشواط الثلاثة الأولى .
والرمل ليس هو هز الكتفين كما يفعله الجهال , بل الرمل هو المشي بقوة ونشاط , بحيث يسرع , لكن لا يمد خطوه, والغالب أن الإنسان إذا أسرع يمد خطاه لأجل أن يتقدم بعيداً , لكن في الطواف نقول : أسرع بدون أن تمد الخطا بل قارب الخطا .
ولكن كان الرمل في عمرة القضاء من الحجر الأسود إلى الركن اليماني , ثم يمشون ما بين الركنين , لأنهم إذا انحرفوا على الركن اليماني غابوا عن أنظار قريش .
ولكن هل يقال : إنه بعد فتح مكة وعز الإسلام يرتفع هذا الحكم , لارتفاع سببه , أو نقول إن هذا الحكم باق ؟
الجواب : الثاني .
فإن لم يتيسر له الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى, لازدحام المكان وتيسر له في الأشواط الثلاثة الأخيرة لخفة الزحام فلا يقضى؛لأن الرمل سنة في الأشواط الثلاثة الأولى , وقد فات محلها .
والرمل في الأشواط كلها بدعة ينهي عنها مع ما فيه من الإشقاق على النفس .
قوله :( يستلم الحجر والركن اليماني كل مرة )
أي : يمسحهما بيمنه في كل مرة , لأن النبي ( كان يستلمهما في كل مرة من طوافه .
مسألة :في آخر شوط هل يستلمهما ؟
الجواب : يستلم الركن اليماني , ولا يستلم الحجر الأسود .(1/51)
لأنه إذا مر بالركن اليماني مر وهو في طوافه , وإذا انتهى إلى الحجر الأسود انتهى طوافه قبل أن يحاذيه تمام المحاذاة وعليه فلا يسلم الحجر الأسود ولا يكبر أيضاً .
مسائل :
الأولى: إذا لم يستطع استلام الركن اليماني فإنه لا يشير إليه , لأنه لم يرد .
الثانية:لم يذكر المؤلف - رحمه الله - بعد أن ذكر التكبير عن الحجر ماذا يقول عند استلامه الركن اليماني ؟
الجواب : أنه لا يقول شيئاً، فيستلم بلا قول ،و لا تكبير , ولا غيره ؛ لأن ذلك لم يرد من النبي ( .
الثالثة : في بقية الطواف ماذا يقول ؟
الجواب : يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود : {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }
قوله :( ومن ترك شيئاً من الطواف )
شرع المؤلف - رحمه الله - في بيان شروط الطواف فمنها أن يكون مستوعباً لجميع الأشواط من الحجر إلى الحجر , لكن إذا تركه من شوط ، وذكر المتروك في أثناء الطواف فإنه يلغي الشوط الذي ترك منه ذلك , ويقع ما بعده بدلاً عنه .
وقوله )): ومن ترك شيئاً من الطواف )) أي : من تيقن الترك , أما من شك فإنه ينظر , أما أن يشك بعد الفراغ من كل الطواف ,وإما أن يشك في أثناء الطواف .
فإن شك في أثناء الطواف فهل يبني على اليقين , أو على غلبة الظن ؟
الجواب : في ذلك خلاف ،والصحيح : أنه يعمل بغلبة الظن كالصلاة , وعلى هذا فيجعلها ستة , ويأتي بالسابع .
أما بعد الفراغ من الطواف , والانصراف من مكان الطواف , فإن الشك لا يؤثر , ولا يلتفت إليه , ما لم يتيقن الأمر .
فإن تيقن أنه ترك شوطاً , فحينئذٍ يعمل باليقين , ويرجع ويأتي بالشوط , ما لم يطل الفصل عرفاً , فإن طال الفصل عرفاً ,امتنع البناء على ما سبق ولزمه استئناف الطواف من أوله . [ص:248-250]
قوله :( أو لم ينوه )
هذا من شروط الطواف , فيشترط لصحته أن ينويه .(1/52)
فإذا جاء إلى البيت الحرام وطاف , وغاب عن قبله أنه للعمرة , أو لغير العمرة , فعلى هذا القول يكون الطواف صحيحاً , وهذا القول هو الراجح أنه لا يشترط تعيين الطواف ما دام متلبساً بالنسك .
وهذا مع كونه الراجح نظراً , وهو الأيسر بالناس . [ص:250-251]
قوله :( أو نسكه )
أي: أو لم ينو نسكه لم يصح , وهذا من شروط صحة طواف النسك .
من هذا أن الإنسان يجوز له أن يحرم بما أحرم به غيره , ولكن لا بد أن يعين قبل الطواف ؛ ليقع طوافه في نسك معلوم , ولهذا قال المؤلف هنا :"أو نسكه " . [ص:252-253]
قوله :( أو طاف على الشاذروان )
الشاذروان هو: السوار المحيط بالكعبة من رخام في أسفلها كالعتبة , وكان من قبل مسطحاً , يمكن أن يطوف عليه الناس , فإذا طاف عليه إنسان فإنه لا يصح طوافه ؛ لأن الشاذروان من الكعبة .[ص:254]
قوله :( أو جدار الحجر )
بكسر الحاء وسكون الجيم , الحجر معروف وهو البناء المقوس من شمالي الكعبة , فإذا طاف على جدار الحجر لم يصح الطواف لعدم استيعاب الكعبة , وإن طاف من دون جدار الحجر من الداخل , لم يصح من باب أولى.[ص:254-256]
قوله :( أو عريان )
إشارة إلى شرط من شروط الطواف وهو ستر العورة , فلو طاف وهو عريان , فإنه لا يصح طوافه , لكن قد يطوف وهو لم يستر الستر الواجب بأن تكون عليه ثياب رقيقة , وعليه سراويل لا تصل إلى الركبة , فيطوف فلا يصح طوافه .[ص:257-258]
قوله :( أو نجس لم يصح )
يعني متنجساً , وإلا فالإنسان لا يمكن أن يكون نجساً بل متنجساً , والمتنجس أي : الذي أصابته نجاسة ، وهذا إشارة إلى شرط من شروط صحة الطواف وهو أن يكون طاهر الثوب والبدن , فلو طاف وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة فإن الطواف لا يصح .
وذهب شيخ الإسلام - رحمه الله - إلى أنه لا يشترط الوضوء للطواف .(1/53)
وهذا الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر , لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي ( , ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك , لكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام .
مسألة :الدعاء الجماعي في الطواف فيه إشكال لأنه لم ينقل عن السلف فيما نعلم ، لأنه يؤذي الناس ويشغل عن الدعاء الخاص لاسيما إذا كان الطائف بهم جهوري الصوت , أما إن كان بصوت خافت لتعليم من معه , فأرجو ألا يكون به بأس , وأما أخذ الأجرة عليه فيجوز ؛ لأنه من جنس أخذ الأجرة على تعليم القرآن , ولكن بعضهم يتخذ هذا مهنة ووسيلة لأخذ أموال الناس .
مسألة :الذين يطوفون على السطح فإذا بلغوا المسعى ضاق المطاف فبعضهم ينزل إلى المسعى ,فهل نقول : إن هؤلاء طافوا جزءاً من الشوط خارج المسجد لأن المسعى ليس من المسجد ؟
الجواب:نعم نقول إنهم طافوا خارج المسجد,ولكن إن كان الذي أوجب لهم ذلك هو الضيق والضنك,والناس متلاصقون ,فنرجو أن يكون ذلك مجزئاً على ما في ذلك من الثقل,ولكن للضرورة.
[ص:258-263]
قوله :( ثم يصلى ركعتين خلف المقام )
أي: بعد الفراغ من الطواف يصلي ركعتين خلف المقام , لفعل النبي ( , وينبغي إذا تقدم إلى المقام أن يقرأ قول الله تعالى :{ وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }
وقوله:))خلف المقام )) ظاهر كلامه أنه لا يشترط فيهما الدنو من المقام , وإن السنة تحصل بهما وإن كان مكانهما بعيداً عن المقام , وهو كذلك .
ولكن كلما قرب من المقام كان أفضل .
مسألة :فأيهما أفضل أن يصلي قريباً من المقام مع كثرة حركته لرد المارين بين يديه أو مع التشويش فيمن يأتي ويذهب , وبين أن يصلي بعيداً عن المقام , ولكن بطمأنينة ؟
الجواب : الثاني أفضل .(1/54)
مسألة :لم يذكر المؤلف - رحمه الله - ماذا يقرأ في هاتين الركعتين ؛ لأن الكتاب مختصر , لكن جاءت السنة بأنه يقرأ في الأولى :{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } والثانية : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } لأنهما سورتا الإخلاص .
ولم يذكر حكم الإطالة والتخفيف فيهما لكن السنة جاءت بتخفيفهما .[ص:263-266]
(( فصل ))
قوله :( ثم يستلم الحجر )
أي : بعد الصلاة يعود خلف المقام ويستلم الحجر , كما ثبت عن النبي ( .
والظاهر أن استلام الحجر لمن أراد أن يسعى , وأما من طاف طوافاً مجرداً ولم يرد أن يسعى فإنه لا يسن له استلامه , ولم يذكر المؤلف سوى الاستلام , وعليه فلا يسن تقبيله في هذه المرة , ولا الإشارة إليه , بل إن تيسر أن يستلمه فعل , وإلانصراف من مكانه إلى المسعى . [ص:267]
قوله :( ويخرج إلى الصفا من بابه )
أي : من باب الصفا لأنه أيسر . [ص:267]
قوله :( فيرقاه )
أي: الصفا . [ص:267]
قوله :( حتى يرى البيت )
أي : الكعبة , ولم يذكر المؤلف - رحمه الله - ماذا يسن إذا قرب من الصفا ؛ لأن الكتاب مختصر , ولكن يسن إذا دنا من الصفا أن يقرأ {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّه } .
وقوله :(( فيرقاه )) أي : يرقى الصفا , حتى يرى الكعبة فيستقبلها , ظاهره لا يصعد أكثر من ذلك لكن لو خاف من الزحام فصعد أكثر فحسن . [ص:267-268]
قوله :( ويكبر ثلاثاً , ويقول ما ورد )
أي : يقول الله أكبر وهو رافع يديه كرفعهما في الدعاء ثلاث مرات , ويقول ما ورد ومنه : لا إله إلا الله وحد لا شريك له , له الملك , وله الحمد وهو على كل شيء قدير , لا إله إلا الله وحده , أنجز وعده , ونصر عبده , وهزم الأحزاب وحده , ثم يدعو بما أحب , ثم يعيد الذكر مرة ثانية , ثم يدعو بما أحب , ثم يعيد الذكر مرة ثالثة , وينزل متجهاً إلى المروة . [ص:268]
قوله :( ثم ينزل ماشياً إلى العَلَم الأول )(1/55)
العَلَم يعني ما جُعل علامة , وهو الشيء الشاخص البيَّن ومنه سمي الجبل علماً .
وكان في هذا المكان عمود أخضر , ولا يزال موجوداً إلى الآن , وقد ازداد وضوحاً بالأنوار التي تحيط بهذا المكان ؛وقوله :(( إلى العلم الأول )) يعني الذي يلي الصفا , لأن هناك علمين : علماً جنوباً , وعلماً شمالياً .
[ص:268]
قوله :( ثم يسعى شديداً إلى الآخر )
(( شديداً )) صفة لموصوف محذوف , والتقدير سعياً شديداً , والسعي هنا بمعنى الركض , فيسعى سعياً شديداً بقدر ما يستطيع , لكن بشرط ألا يتأذى أو يؤذي , فإن خاف من الأذية عليه , أو على غيره فليمش , وليسع بقدر ما تيسر له .
مسألة :إذا سعى هو وزوجته ووصلا إلى العلم الأخضر فهل يسعى سعياً شديداً وزوجته معه ؟
الجواب : لا يسعى سعياً شديداً , لا سيما في أيام المواسم والزحام فإنه لو سعى ضيعها.
لكن هنا إشكال وهو أنه إذا كان أصل سعينا بين العلمين سعي أم إسماعيل وهي امرأة , فلماذا لا نقول : إن النساء أيضاً يسعين ؟
الجواب : من وجهين :
الأول : أن أم إسماعيل سعت وحدها وليس معها رجال .
الثاني : أن بعض العلماء كابن المنذر حكى الإجماع على أن المرأة لا ترمل في الطواف ولا تسعى بين العلمين,وعليه فلا يصح القياس؛لأنه قياس مع الفارق ولمخالفة الإجماع إن صح .[ص:268-272]
قوله:( ثم يمشي ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا , ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه,ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا يفعل ذلك سبعاً, ذهابه سعيه, ورجوعه سعيه )
أي : فليس السعي دورة كاملة , بل نصف دورة من الصفا إلى المروة سعيه , ومن المروة إلى الصفا سعيه أخرى ؛وقوله)): يرقى المروة )) ليس بشرط , وإنما الشرط أن تستوعب ما بين الجبلين , ما بين الصفا والمروة , فما هو الذي يجب استيعابه ؟(1/56)
الجواب: الذي يجب استيعابه حده حد الممر الذي جعل ممراً للعربات,وأما ما بعد مكان الممر فإنه من المستحب ,وليس من الواجب, فلو أن الإنسان اختصر في سعيه من حد ممر العربات لأجزأه .
[ص:272-273]
قوله :( فإنه بدأ بالمروة سقط الشوط الأول )
لأنه يشترط أن يبدأ بالصفا , فإذا بدأ بالمروة فإنه يسقط الشوط الأول ويلغيه , كما لو بدأ بالسجود في الصلاة , قبل الركوع فإنه يسقط ولا يعتبر .
وظاهر كلامه ولو كان ابتداؤه بالمروة عمداً , وفيه نظر والأولى أن يبطل جميع سعيه لأنه متلاعب وعلى غير أمر الله ورسوله .
مسألة :لم يذكر المؤلف اشتراط النية , فالنية في السعي كالنية في الطواف وقد سبق أن القول الراجح أنه لا يشترط له نية .
والمؤلف - رحمه الله تعالى - أتى بالسعي بعد الطواف فهل يشترط أن يتقدمه طواف ؟
الجواب : نعم يشترط , فلو بدأ بالسعي قبل الطواف وجب عليه إعادته بعد الطواف ؛ لأن وقع في غير محله؛ فإن قال قائل : ما تقولون فيما صح عن رسول الله ( أنه سئل ، فقال له رجل : سعيت قبل أن أطوف قال:" لا حرج " ؟
الجواب : أن هذا في الحج , وليس في العمرة . [ص:273-274]
قوله :( وتسن فيه الطهارة )
أي : من الحدث والنجس أيضاً , فلو سعى محدثاً , أو سعى وهو جنب , أو سعت المرأة وهي حائض , فإن ذلك مجزئ , لكن الأفضل أن يسعى على طهارة . [ص:274]
قوله :( والستارة )
أي : يسن فيه ستر العورة .[ص:275]
قوله :( والموالاة )
أي : يُسن أن تكون الأشواط متوالية , وليس ذلك بشرط , والراجح في مذهب أحمد أن الموالاة في السعي شرط , كما أن الموالاة في الطواف شرط , وهذا القول أصح .
مسألة :لو أقيمت صلاة الفريضة في أثناء الطواف ؟
نقول : اختلف العلماء في هذا : والقول الراجح في مثل أنه إذا أقيمت صلاة الفريضة فإنه يقطعه بنية الرجوع إليه بعد الصلاة .(1/57)
فإذا قطعه -ولنفرض أنه قطعه حين حاذى الحجر- فإذا أقضيت الصلاة هل يبدأ الطواف من المكان الذي قطعه فيه أو يبدأ الطواف من جديد ؟
اختلف العلماء في هذا , فالمشهور من المذهب أنه لا بد أن يبدأ الشوط من جديد , والقول الراجح أنه لا يشترط وأنه يبدأ من حيث وقف .
مسألة :صلاة الجنازة هل يقطع الطواف من أجلها ؟
الظاهر نعم .[ص:275-277]
قوله :( ثم إن كان متمتعاً لا هدي معه قصر من شعره )
أي : ثم إن كان الساعي متمتعاً لا هدي معه قصر من شعره , والتقصير هنا أفضل من الحلق , ومن أجل أن يتوفر الحلق للحج .
وقوله :(( لا هدي معه )) فإن كان معه هدي , فإنه لا يحل , وظاهر كلام المؤلف أنه يمكن إن يتمتع مع سوق الهدي .
والصواب أنه إذا ساق الهدي امتنع التمتع , وعلى هذا فقوله - رحمه الله - :"لاهدي معه " مبني على قول ضعيف . [ص:277-279]
قوله :( وتحلل )
أي : من عمرته فحل له كل شيء حتى النساء .[ص:279]
قوله :( و إلا حل إذا حج )
كلمة ((إلا )) يدخل فيها ثلاث صور , أي : بأن كان مفرداً , أو قارناً , أو متمتعاً , ساق الهدي على القول بصحة هذه الصورة فيحل إذا حج يعني إذا جاء وقت الحل في الحج ؛ لتعذر الحل منه قبل أن يبلغ الهدي محله . [ص:279]
قوله :( والمتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية )
لأنه شرع في الركن المقصود , والتلبية إنما تكون قبل الوصول إلى المقصود،فإذا أوصل إلى المقصود فلا حاجة إلى التلبية , فإذا شرع
في الطواف فإنه يقطع التلبية و يشتغل بذكر الطواف , وعموم قوله :"والمتمتع " يشمل المتمتع الذي ساق معه الهدي ؛ وهذا أصح .
وعلم من قوله :(( والمتمتع )) أن المفرد والقارن لا يقطعان التلبية , فمتى يقطعانها ؟
الجواب : عند رمي جمرة العقبة يوم العيد . [ص:279-280]
باب صفة الحج والعمرة
قوله :( باب صفة الحج والعمرة )
هذا هو المقصود في المناسك .
وقوله:" صفة الحج والعمرة " أي : الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج .[ص:281](1/58)
قوله :( يسن للمحلين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية )
المحل هو المتمتع ؛ لأنه حل من إحرامه , أو من كان من أهل مكة فإنه محل ؛ لأنه باق في مكة حلالاً , فيسن لهم الإحرام بالحج يوم التروية , لا قبله ولا بعده , ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة .
واستثنى بعض العلماء المتمتع إذا لم يجد الهدي , فقالوا : ينبغي أن يحرم في اليوم السابع ؛ بناء على أنه يصوم الأيام الثلاثة من اليوم السابع .
والصحيح أنه لا يتقدم بالإحرام عن اليوم الثامن ؛وقوله:((يوم التروية )) هو اليوم الثامن , وسمي بذلك ؛ لأن الناس كانوا فيما سبق يتروون الماء فيه .[ص:281-282]
قوله:( قبل الزوال منها )
أي : يسن أن يحرم قبل الزوال من مكة .
والصواب أنه لا يحرم من مكة بل يحرم من مكانه الذي هو نازل فيه , فإن كانوا في البيوت فمن البيوت , وإن كانوا من الخيام فمن الخيام .[ص:282-283]
قوله:( ويجزئ من بقية الحرم )
أي : و يجزئ الإحرام بالحج من بقية الحرم .
والحرم كل ما دخل في حدود الحرم فهو حرم , لكن في وقتنا الآن صار بعض مكة خارج الحرم حيث امتدت البيوت من جهة التنعيم، إلى الحل .
وفهم من كلامه أنه لا يجزئ الإحرام بالحج من الحل , فالحرم ميقات من في مكة في الحج , والحل ميقات من في مكة في العمرة .
والراجح أنه لا ينبغي أن يخرج من الحرم , وأن يحرم من الحرم , ولكن لو أحرم من الحل فلا بأس . [ص:283-284]
قوله :( ويبيت بمنى )
أي: يبيت بمنى ليلة التاسع , وعلى هذا فيصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر كلها في منى قصراً بلا جمع ؛والمذهب ليس لأهل مكة قصر ولا جمع , لأنهم ليسوا مسافرين .
والصحيح أن أهل مكة كغيرهم من الحجاج , ولكن بشرط أن يكونوا مسافرين , أي خارجين عن مكة . [ص:284-285]
قوله :( فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة )
أي : من اليوم التاسع فيسير إلى عرفة , وينزل أولاً بنمرة .(1/59)
ونمرة قرية قرب عرفة , وليست من عرفة لا شك لأنه إذا كان بطن عرفة ليس من عرفة فهي أبعد من بطن عرنة ؛والمعروف أن النزول بها سنة وليس من أجل الراحة , فينزل بها أن تيسر , وينزل إلى أن تزول الشمس , فإذا زالت الشمس ركب من نمرة إلى عرفة .[ص:285-287]
قوله :( وكلها موقف إلا بطن عرنة )
أي: كل عرفة مكان للوقوف , وعرفات معروفة لها حدود معروفة .
وظاهر كلام المؤلف أن بطن عرنة , وهو بطن الوادي من عرفة , وعليه فنقول : بطن عرنة من عرفة , ولكن مع ذلك لا يجوز الوقوف فيه , ولو وقف في الوادي ودفع منه , فحجه غير صحيح ؛ لأن هذا ليس من عرفة شرعاً , وإن كان منها مكاناً .[ص:289-290]
قوله :( ويسن أن يجمع بين الظهر والعصر )
أي: تقديماً، كما فعل النبي ( .
ولو لم يجمع بينهما فلا حرج فهما صحيحتان , ولكن السنة الجمع .[ص:290-291]
قوله :( ويقف راكباً )
والمراد بالوقوف المكث لا الوقوف على القدمين , فالقاعد يعتبر واقفاً , والوقوف قد يراد به السكون لا القيام .
وهل الأفضل أن يقف راكباً , أو أن يقف غير راكب ؟
والذي ينبغي أن يقال إنه يفعل ما هو أصح لقلبه , وهذا يختلف , قد يكون بقاؤه على الراحلة وهي السيارة في الوقت الحاضر سبباً لانشغاله وإشغاله , ويكون انفراده مكان تحت شجرة أو في أي مكان أراد أولى وأخشع ،فهنا نقول : أنظر ما هو أصلح لقلبك . [ص:291-292]
قوله :( عند الصخرات )
وهي صخرات معروفة لا تزال حتى الآن موجودة .[ص:293]
قوله :( وجبل الرحمة )
ويقال له : جبل الدعاء .
قوله :(( ويقف راكباً عند الصخرات وجبل الرحمة )) لم يبين المؤلف أين يكون اتجاهه , ولكن نقول اتجاهه إلى القبلة .
مسألة ؟هل صعود الجبل مشروع ؟
الجواب : أما من صعده تعبداً فصعوده ممنوع , لأنه يكون بدعة , وكل بدعة ضلالة .
وأما من صعده تفرجاً , فهذا جائز ما لم يكن قدوة يقتدي به الناس , فيكون ممنوعاً ,(1/60)
وأما من صعده إرشاداً للجهال عما يفعلونه أو يقولونه فوق الجبل فصعوده مشروع , أو واجب حسب الحال . [ص:293-294]
قوله :( ويكثر الدعاء مما ورد )
أي: يكون دعاؤه مما ورد عن النبي ( أو يكثر الدعاء بما يريد , وهكذا ينبغي للإنسان أن يختار الأدعية الواردة عن النبي ( سواء وردت في هذا المكان أو وردت في مكان آخر .
والمهم أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من الدعاء , ومن الذكر لقول النبي ( :" أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة , وأفضل ما قلت أنا و النبيون من قبلي ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له " .
وهنا نسأل : هل الأفضل أن يدعو كل واحد لنفسه , أو أن نجعل إماماً يدعو بنا ؟
الجواب : الأفضل أن كل إنسان يدعو لنفسه , لكن لو جاءك إنسان , وقال : ادع الله بنا , ورأيت منه التشويق إلى أن تدعو وهو يؤمِّن فإنه لا بأس في هذه الحال أن تدعو تطييباً لقلبه , وربما يكون في ذلك خشوع أيضاً , وإذا شعر الإنسان أن الناس كلهم يلتفون حوله ويؤمنون , وربما يكون بعضهم قريب الخشوع فيخشع ويبكي فيخشع الناس , فهذا لا بأس به فيما يظهر لي . [ص:294-296]
قوله :( ومن وقف )
((من )) اسم شرط فيعم كل من كان محرماً بالحج , ولهذا لو وقف بعرفة ولم يحرم إلا بعد أن غادرها لم ينفعه الوقوف . [ص:297]
قوله :( ولو لحظة )
يحتمل أنه إشارة خلاف ,ويحتمل أنه للمبالغة,وأنه لو وقف ولو أدنى وقفة , وهذا هو الأقرب .[ص:297]
قوله :( من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر )
أفادنا المؤلف - رحمه الله - أن وقت الوقوف يبدأ من فجر يوم عرفة , وهذا من مفردات مذهب الإمام أحمد , وجمهور العلماء على أن وقت الوقوف يبدأ من الزوال فقط هو رواية عن الإمام أحمد .
وحجة الجمهورأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف قبل الزوال ، ولاشك أن هذا القول أحوط .
[ص: 297- 298]
قوله : ( وهو أهل له صح حجّه )
أي: للحج .
والذي هو أهل للحج هو من يلي:
أولاً : المسلم .
ثانياً : أن يكون محرماً .(1/61)
ثالثاً : أن يكون عاقلاً.
رابعاً: أن لا يكون سكراناً .
خامساً : أن لا يكون مغمى عليه .
فلابد من خمسة أوصاف : ثلاثة ثبوتية ، واثنان سلبيان . [ ص: 298- 299]
قوله :( وإلا فلا )
أي : فلا يصح حجه . [ص : 299 ]
قوله : ( ومن وقف نهاراً ودفع قبل الغروب ولم يعد قبله فعليه دم )
أفادنا -رحمه الله - أنه إذا وقف نهاراً ثم دفع قبل الغروب نظرت ، فإن عاد إليها قبل الغروب إما ندماً أو علم بعد جهله أو ذكر بعد نسيانه فلا دم عليه ، وإن غابت الشمس قبل أن يعود فعليه دم ؛ لأنه ترك الواجب .
وقوله :((ولم يعد قبله)) ظاهرة أنه لو عاد بعد الغروب فعليه دم .
والمشهور من المذهب طرد هذه المسألة ،أي: أن من رجع قبل أن يطلع الفجر ، فليس عليه شيء ؛ ولو قيل يلزمه الدم إذا دفع قبل الغروب مطلقاً ، إلا إذا كان جاهلاً ثم نبه فرجع ولو بعد غروب فلا دم عليه ، لكان له وجه ، وهذا أقرب مما ذهب إليه المؤلف. [ص:300-301]
قوله :( ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة بسكينة )
بعد أن يتأكد من غروب الشمس .
ومزدلفة هي المشعر الحرام بين عرفة ومنى , سميت بذلك لأنها أقرب المشعرين إلى الكعبة .
و السكينة هنا الهدوء والرفق . [ص:301-302]
قوله :( ويسرع في الفجوة )
أي : إذا أتى متسعاً أسرع .[ص:302]
قوله :( ويجمع بها بين العشاءين )
أي : إذا وصل إلى مزدلفة ولا يصل إلى مزدلفة إذا دفع بصفة دفع الرسول ( إلا بعد دخول وقت العشاء , فإن قال قائل : هل يسن أن ينزل الإنسان في أثناء الطريق وفي المكان الذي نزل فيه الرسول ( إن كان صار فيه ويبول ويتوضأ خفيفاً أو لا ؟
الجواب : لا ؛ لأن هذا وقع اتفاقاً بمقتضى الطبيعة .
مسألة:لو صلى المغرب والعشاء في الطريق فما الحكم ؟
الجواب:ذهب الجمهور: إلى أنه لو صلى في الطريق لأجزأه .(1/62)
مسألة :لو خشي خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة , فإنه يجب عليه أن يصلي في الطريق , فينزل ويصلي , فإن لم يمكنه النزول للصلاة , فإنه يصلي ولو على السيارة .
مسألة :هل نقول الآن : إنك إذا وصلت مبكراً قبل دخول العشاء فصل المغرب ثم صل العشاء في وقتها ؟
نقول : نعم , إذا تيسر هذا فهو أولى .[ص:302-305]
قوله :( ويبيت بها )
ظاهر كلام المؤلف أنه يبيت بها وجوباً , وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في حكم المبيت في مزدلفة , ولكن القول الوسط أنه واجب يجبر بدم وهو المذهب . [ص:306-307]
قوله :( وله الدفع بعد نصف الليل )
والمراد نصف الليل الشرعي وهو نصف ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر , وأن المعتبر غروب القمر , وإن شئت فقل : إن المعتبر البقاء في مزدلفة أكثر الليل , ولكن يؤخذ من الليل المسافة ما بين الدفع من عرفة إلى وصول مزدلفة , وهذا هو الصحيح .[ص:305-306]
قوله :( وقبله فيه دم )
أي : إذا دفع قبل منتصف الليل فعليه دم بكل حال , لأنه ترك واجباً , وهذا الدم دم جبران , يتصدق به جميعه على الفقراء في مكة . [ص:307-308]
قوله :( كوصوله إليها بعد الفجر , لا قبله )
أي :كوصوله إلى مزدلفة بعد الفجر,فإذا وصل إلى مزدلفة بعد الفجر ولو بلحظه لزمه دم , لأنه لم يبت بها .
ولكن ظاهر ، أن من أدرك صلاة الفجر في مزدلفة على الوقت الذي صلى فيه الرسول عليه الصلاة والسلام يقتضي أنه لا شيء عليه ؛ والخلاصة على المذهب :
أنه إذا دفع من مزدلفة قبل منتصف الليل فعليه دم .
وإذا دفع بعد منتصف الليل فلا شيء عليه .
وإذا وصل إلى مزدلفة بعد الفجر فعليه دم .
وإذا وصل إليها بعد منتصف الليل فلا شيء عليه .
ولكن قلنا : إن الظاهر يقتضي أن من أدرك صلاة الفجر في أول وقتها فإنه يجزئه ولا دم عليه .
مسائل :
الأولى : بعض الحجاج لا يصلون إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر ، وبعد صلاة الفجر أيضا حصرهم الزحام ، فما الحكم ؟(1/63)
الجواب : على المذهب يجب عليهم دم ، لأنه فاتهم المبيت بمزدلفة ، وهو من الواجبات , والقاعدة عندهم أن من ترك واجباً فعليه دم .
وقال بعض العلماء : إن هؤلاء أحصروا إكراهاً , فيكون وصولهم إلى المكان بعد زوال الوقت كقضاء الصلاة بعد خروج وقتها للعذر ، لذلك فيقضونها بعد الوقت ، وهذا القول أقرب إلى الصواب .
الثانية : هل يشرع أن يحيي تلك الليلة بالقراءة والذكر الصلاة أم السنة النوم ؟
الجواب : السنة النوم .
وهل يصلي الوتر في تلك الليلة ؟
الجواب : لم يذكر في حديث جابر و لا غيره فيما نعلم إن النبي ( أوتر تلك الليلة , لكن الأصل أنه كان لا يدع الوتر حضراً و لا سفراً ، فنقول : أنه يوتر تلك الليلة ، وعدم النقل ليس نقلاً للعدم ، ولو تركه تلك الليلة لنقل .[ص308-310]
قوله :( فإذا صلى الصبح )
لم يبين متى تكون هذه الصلاة ، لكن قد ثبت في السنة أن الرسول ( صلاها حين تبين له الصبح ، ولم يتأخر ، فصلاها بغلس . [ص:312]
قوله :( أتي المشاعر الحرام فيرقاه )
أي: يرقى هذا المشعر ، وهو جبل صغير معروف في مزدلفة ، وعليه المسجد المبني الآن .
وقوله (( المشعر الحرام )) وصف بالحرام ؛ لأنه هناك مشعراً حلالاً وهو عرفات ، ففي الحج مشعران : حلال وحرام .
فالمشعر الحرام مزدلفة , والمشعر الحلال عرفة .
ووصف بالحرام ، لإنه داخل حدود الحرم .
وقوله(( فيرقاه )) أي : يرتقي هذا المشعر , وهو جبل صغير كما قلنا .[ص:312-313]
قوله :( أو يقف عنده ويحمد الله ويكبره )
لقوله تعالى {فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } ويحمد الله , يكبره ، ويدعو الله ( رافعاً يديه إلى أن يسفر جداً ، ويكون مستقبل القبلة .[ص:313]
قوله :( ويقرأ {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ } الآيتين )
وقراءة هاتين الآيتين لا أعلم فيها سنة , لكنها مناسبة , لأن الإنسان يذكر نفسه . بما أمر الله به في كتابه .
[ص:313]
قوله :( ويدعو حتى يسفر )(1/64)
يعني يدخل في سفر الصبح بحيث يتبين الضوء ، ويرى الناس بعضهم بعضاً ثم ينطلق قبل أن تطلع الشمس ، فإذا أسفر سار قبل طلوع الشمس بسكينة .[ص:313]
قوله :( فإذا بلغ محسراً أسرع رميه حجر )
ودليله أن النبي ( حرك ناقته حين بلغ محسراً فيسرع ، ومحسر بطن واد عظيم سمي بذلك ؛ لأنه يحسر سالكه ، أي :يعيقه .
وقوله (( أسرع رمية بحجر )) رمية حجر كيف قياسها ؟ لأن الحجر يكون كبيرا ، فإذا رميت به لم يذهب بعيداً ، وقد يكون الرامي ضعيفاً ، فإذا رمى بالحجر الصغير لم يذهب بعيداً ؛ ولكن قال بعضهم : مقدار خمسمائة ذراع ، والذراع نصف متر تقريباً .
والظاهر أنه لا يمكن الإسراع الآن ؛ لأن الإنسان محبوس بالسيارات فلا يمكن أن يتقدم أو يتأخر .
ولكن نقول : هذا شيء بغير اختيار الإنسان ، فينوي بقلبه أنه لو تيسر له أن يسرع لأسرع .
[ص:314-317]
قوله :( وأخذ الحصى )
ظاهر كلام المؤلف :أنه يأخذه من وادي محسراً أومن بعده .
والذي يظهر لي من السنة أن الرسول ( أخذ الحصى من عند الجمرة .
وإما أخذه من مزدلفة ، فليس بمستحب ، وإنما استحبه بعض المتقدمين من التابعين ، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يغسل الحصا ، وقال بعض العلماء إنه يغسله تطهيراً له إن كانت قد أصابته نجاسة ، أو تنظيفاً له إن لم تكن أصابته نجاسة .
والصحيح أن غسله بدعة . [ص:317-318]
قوله :( وعدده سبعون )
بناء على أنه يتأخر لليوم الثالث من أيام التشريق ، فإن لم يتأخر ، فأسقط من السبعين واحدة وعشرين تكن تسعا وأربعين .
والصحيح أنه لا يأخذ السبعين , ولا تسعا وأربعين ، وإنما يأخذ الحصى كل يوم في يومه من طريقه ، وهو ذاهب إلى الجمرة . [ص: 318]
قوله :( بين الحمص والبندق )
بين المؤلف حجمه ، الحمص معروف ، والبندق هو بالقدر الذي تضعه بين الإبهام و الوسطى من الحصى ، ثم ترمى به بالسبابة . [ص:318]
قوله :( فإذا وصل إلى منى , وهي من وادي محسر إلى جمرة العقبة )
أي : إذا وصل الحاج إلى منى .(1/65)
وظاهر كلام المؤلف حسب دلالة ((من ))أن الوادي منها وليس كذلك .
أما جمرة العقبة فليست منها .
ويتقرر إن وادي محسر ليس من منى ، وأن جمرة العقبة ليست من منى .
وتوجد مشكلة في الوقت الحاضر ، ويقول بعض الناس أنا لا أجد أرضاً بمنى إلا بأجرة ، فهل يجوز أن يستأجر أرضاً في منى ؟
الجواب : نعم يجوز ، والإثم على المؤجر الذي أخذ المال بغير حق .[ص:318-319]
قوله :( رماها بسبع حصيات )
إقتداء برسول الله ( . [ص:320]
قوله :( متعاقبات )
أي : واحدة بعد الأخرى ، فلو رمى السبع جميعاً من شدة الزحام لم تجزه إلا عن واحدة ، أما لو رماها جميعاً غير مبال بتعاقبها فإنها لا تجزئ ولا عن واحدة .
وقوله (( رماها )) يفهم منه أنه لو وضع الحصا وضعاً فإنه لا يجزئ , فلا بد من الرمي .
وقوله (( متعاقبات )) هل يشترط أن تكون متوالية أو يجوز أن تكون متفرقة ؟
كلام المؤلف يحتمل الوجهين ، لكن هي عبادة واحدة والأصل في العبادة المكونة من أجزاء أن تكون أجزاؤها متوالية كالوضوء ؛ إلا أنه إذا تعذرت الموالاة لشدة الزحام فينبغي أن يسقط وجوب الموالاة .
وقوله (( رماها بسبع حصيات ))قد يفهم منه أنه لا بد أن يرمي الشاخص (( العمود القائم )) ولكنه غير مراد بل المقصود أن تقع الحصاة في الحوض ، سواء ضربت العمود أم لم تضربه . [ص:320-321]
قوله :( يرفع يده حتى يرى بياض إبطه )
علل صاحب الروض هذا بأنه أعون له على الرمي ، وهذا إذا كان الإنسان بعيداً لكن إذا كان قريباً فلا حاجة إلى الرفع ، إذا المقصود هو الرمي .[ص:321]
قوله :( ويكبر مع كل حصاة )
أي : كلما رمى قال : الله أكبر مع كل حصاة . [ص:321]
قوله :( ولا يجزئ الرمي بغيرها )
أي : بغير الحصى ، حتى ولو كان ثميناً [ص:322]
قوله :( و لا بها ثانياً )
أي : لا يجزئ الرمي بها ثانياً بأن ترمى بحصاه رمي بها .
والقول الراجح أن الحصاة المرمي بها مجزئه،وهذا مع كونه هو الصحيح أرفق بالناس .[ص:322-323](1/66)
قوله :( و لا يقف )
أي : بعد رمي الجمرة للدعاء بل ينصرف إلى المنحر ، كما فعل النبي ( . [ص:324]
قوله :( ويقطع التلبية قبلها )
يعني يلبي بالحج والعمرة إن كان قارناً , فيقطع قبل الرمي .
وعلى هذا فلا يزال يلبي في الدفع من منى إلى عرفة ومن عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى من منى .
ويقطع التلبية عند البدء في الرمي . [ص325]
قوله :( ويرمى بعد طلوع الشمس )
وهذا هو الأفضل .
مسألة : من توكل عن غيره في الرمي ، فلا بد أن يرمي أولاً سبعاً عن نفسه ثم عن واحد ممن وكله ثم الثاني ثم الثالث ، بمعنى أن يميز كل واحد بالسبع ، وكان بعض الفقهاء يقولون : لا بد أن يرمي الجمرات الثلاث عن نفسه ، ثم يعود ويرمي الثلاث عن موكله الأول ، وهذا ليس عليه دليل واضح فلا نلزم الناس به إذ لو ألزمنا الناس به لحصل مشقة عظيمة .
قوله :( ويجزئ بعد نصف الليل )
أي : يجزئ الرمي بعد نصف ليلة النحر ، وظاهر كلام المؤلف أنه يجزئ مطلقاً للقوي والضعيف ، والذكر والأنثى ، وسبق بيان ذلك . [ص:326-327]
قوله :( ثم ينحر هدياً إن كان معه )
عبَّر بالنحر من باب التغليب ، ومن المعلوم أن الرسول ( أهدى إبلاً فمن كان أهدى إبلاً فإننا نقول له: انحر، ومن أهدى بقراً أو أهدى غنماً فإننا نقول له : أذبح ، فإن لم يكن معه هدي ذهب واشترى من السوق ، ونحره .
وقوله (( إن كان معه )) هل كلام المؤلف على ظاهرة ؟ بمعنى أنه إن كان يحتاج إلى شراء وطلب فإنه يحلق أولاً أو نقول هذا بناء على الغالب ؟
الثاني هو الظاهر ؛وأنه حتى الذي يحتاج إلى شراء،نقول : الأفضل أن تنحر بعد الرمي ثم تحلق .[ص:327]
قوله :( ويحلق أو يقصر من جميع شعره )
لو قال المؤلف )):ثم يحلق ...)) لكان أولى حتى نعرف أنه مرتب ، ويحلق جميع الشعر وذلك بالموس وليس بالماكينة حتى ولو كانت على أدنى درجة ، فإنه ذلك لا يعتبر حلقاً ، فالحلق لا بد أن يكون بموس .(1/67)
وقوله (( أو يقصر )) هنا للتخيير ، ولكنه تخيير بين فاضل و مفضول ، والفاضل الحلق .
وأشار المؤلف بقوله (( من جميع شعره )) إلى أن التقصير لا بد أن يكون شاملاً لرأسه بحيث يظهر لمن رآه أنه مقصر ، لا من كل شعره بعينها ، وهو الصواب . [ص:328-329]
قوله :( وتقصر منه المرأة قدر أنْمُلة )
أي : أنملة الإصبع وهي مفصل الإصبع ، أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر ، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر ، وتقص قد أنملة ، ومقدار ذلك اثنان سنتمتر تقريباً . [ص:329]
قوله :( ثم قد حل له كل شيء إلا النساء )
أي : بعد الحلق المسبوق بالرمي والنحر ، حل له كل شيء إلا النساء فعلى المذهب لو أن أحداً من الناس رمى ، ونحر ، وحلق ، ثم تزوج قبل أن يطوف بالبيت ، فالنكاح محرم وغير صحيح ، وهذا ربما يقع في غير هذه الصورة التي ذكرت ، فربما يطوف الإنسان طواف الإفاضة على وجه لا يجزئة ، ثم يرجع إلى بلده ، ويتزوج في هذه المدة ، قبل أن يصحح خطأه في الطواف فعلى المذهب لا يصح نكاحه .
وعلى القول الثاني وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو الصحيح ، أنه يجوز له عقد النكاح بعد التحلل الأول ويصح .
وهذا من الأمور التي ينبغي أن يسلك الإنسان فيها الاحتياط ، فإذا جاءنا رجل ابتلي وعقد النكاح قبل أن يطوف طواف الإفاضة أو خطب امرأة قبل أن يطوف طواف الإفاضة فنقول : لا تعد ؛ لأن التحريم وإبطال العقد بعد أن وقع فيه صعوبة ، ولكن لو جاءنا يستشير ويقول : هل تفوتني بأن أخطب أو عقد النكاح وقد حللت التحلل الأول : فنقول له : لا .
وقوله (( ثم قد حل له كل شيء )) ظاهره أنه لا يحل هذا الحل إلا بعد الرمي والنحر والحلق أو التقصير ، أي: فعل الثلاثة ، والظاهر أن اشتراط النحر غير مراد وأنه يحل التحلل الأول بدونه ؛ ولكن الذي يظهر لي أنه لا يحل إلا بعد الرمي والحلق وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد.[ص:329-332](1/68)
قوله :( والحلاق و التقصير نسك )
أي : أن الحلق والتقصير نسك .[ص334]
قوله :( لا يلزم بتأخيره دم ولا بتقديمه على الرمي والنحر )
أي : لو آخر الحلق أو التقصير عن أيام التشريق ، أو عن شهر ذي الحجة ، أو أخره إلى ربيع ، أو إلى رمضان أو إلى السنة الثانية فليس عليه شيء لكن يبقى عليه التحلل الثاني ؛ لأنه لا يمكن أن يتحلل الثاني حتى يحلق أو يقصر .
ولكن الذي يظهر أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة ؛ لأنه نسك .
لكن إن كان جاهلاً وجوب الحلق ، أو التقصير ، ثم علم فإننا نقول : احلق ، أو قصر ، ولا شيء عليك فيما فعلت من المحظورات .
وقوله :((ولا يتقدمه على الرمي والنحر )) يعني أنه لو قدم الحلق والتقصير على الرمي والنحر كان جائزاً .
فالسنة إذا وصل إلى منى أن يبدأ برمي جمرة العقبة ، ثم نحر الهدي ، ثم الحلق أو التقصير ، أو الطواف ، ثم السعي ، فإن قدم بعضها على بعض فالصحيح أن ذلك جائز ، سواء كان لعذر كالجهل والنسيان أو لغير عذر . [ص:335-336]
(( فصل ))
قوله :( ثم يفيض إلى مكة )
أي : يفيض الحاج إلى مكة ، أي : ينزل الحجاج من منى إلى مكة ، في ضحى يوم النحر . [ص:338]
قوله :( ويطوف القارن والمفرد بنية الفريضة طواف الزيارة )
أفادنا المؤلف - رحمه الله - أن هذا طواف فرض ، لقوله (( بنية الفرض )) وأنه لا بد من نيته وأنه فرض ، وسبق الخلاف في هذه المسألة ، وبينا أن الطواف ، والسعي ، والرمي ، وما أشبهها كلها تعتبر
أجزاء من عبادة واحدة ، وأن النية في أولها كافية عن النية في بقية أجزائها ؛ لأن الحج عبادة مركبة من هذه الأجزاء ، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع .(1/69)
وقوله:(( ويطوف القارن والمفرد )) أفاد أن المتمتع لا يطوف وليس كذلك ، وإنما أراد - رحمه الله- بالنص على المفرد والقارن دفع ماقيل من أن المفرد والقارن يطوفان للقدوم أولاً إذا لم يكونا دخلا مكة من قبل ، ثم يطوفان للزيارة ، لأنه من الجائز لهما شرعاً أن يذهبا من الميقات رأساً ، إلى منى أو إلى عرفة دون أن يطوفا للقدوم بخلاف المتمتع ، فالمتمتع لا يتأتى في حقه ذلك ؛ لأنه لا بد أن يدخل مكة ، ويتم عمرته .
وما ذهب إليه المؤلف - رحمه الله - هو الصواب ، بل المتعين .
وقوله:(( طواف الزيارة ))سمي بذلك لأنه يقع بعد رجوع الحجاج من عرفة،وهي من الحل فكان القادم منها كالزائر ويسمى أيضاً طواف الإفاضة لأن الناس يفيضون إليه بعد وقوفهم في عرفة.[ص:338-340]
قوله :( وأول وقته بعد نصف ليلة النحر )
الضمير يعود على طواف الزيارة ، ولكن بشرط أن يسبقه الوقوف بعرفة وبمزدلفة ، ولو أن المؤلف - رحمه الله - قيد ذلك لكان أوضح ، على أنه ربما يقال : إن هذا معلوم من قوله في أول الفصل " ثم يفيض" لكن لا بد من ذكره . [ص:340]
قوله :( ويسن في يومه وله تأخيره )
قوله:(( يسن في يومه)) أي: يسن طواف الزيارة في يوم العيد اتباعاً لسنة الرسول ( . [ص340]
قوله: ((وله تأخيره )) أي: تأخير طواف الإفاضة ، والمؤلف لم يقيده بزمن فلم يقل له تأخيره إلى كذا .
ولكن يبقى عليه التحلل الثاني ، حتى يطوف ، وما ذهب إليه المؤلف - رحمه الله - من أن له تأخيره إلى ما لا نهاية له ضعيف .
والصواب أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة،إلا إذا كان هناك عذر ، كمرض لا يستطيع معه الطواف لا ماشياً،ولا محمولاً،أو امرأة نفست قبل أن تطوف طواف الإفاضة ، فهنا ستبقى لمدة شهر أو أكثر .
وعُلم منه أيضاً أنه لا يجب أن يطوف طواف الإفاضة يوم العيد ، لقوله ((ويسن في يومه ، وله تأخيره )) .(1/70)
وعلم منه أيضاً أنه يبقى على حله الأول إذا أخر طواف الإفاضة عن يوم العيد ، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء ،بل حكي إجماعاً أنه لا يعود حراماً ،لو أخره حتى تغرب الشمس من يوم العيد.[ص:340-341]
قوله :( ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً ، أو غيره )
بقوله :(( ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً )) أي : يسعى بين الصفا والمروة على صفة ما سبق .
وقوله :((أو غيره )) أي: غير متمتع ، وهو المفرد والقارن . [ص:342]
قوله :( ولم يكن سعى مع الطواف القدوم )
أي : فإن سعى فلا يعيد السعي ؛ ويفهم من كلام المؤلف أن القارن والمفرد ، يجوز لهما أن يقدما سعي الحج بعد طواف القدوم ، ويجوز أن يؤخراه ، وكل هذا جائز ، لكن الأفضل - والله أعلم - أن يقدماه بعد طواف القدوم . [ص:342-344]
قوله :( ثم قد حل له كل شيء )
أي : كل شيء حرم عليه بالإحرام ،حتى النساء ، فيمكن للرجل إذا كان أهله معه أن يستمتع بأهله في آخر يوم العيد ، ويحلق أو يقصر ، ويطوف ويسعى .[ص:345-346]
قوله :( ثم يشرب من ماء زمزم )
ظاهر كلامه أنه يشرب من ماء زمزم بعد السعي.وليس مراداً بل يشرب من ماء زمزم بعد الطواف.
مسألة :هل الشرب من ماء زمزم سنة مقصودة ؟
الجواب : عندي في هذا تردد يعني كونه يقع بعد الطواف ، أما أصل الشرب من ماء زمزم فسنة ، يحتمل لأن الرسول ( فعل هذا لأنه أيسر له أو أنه - عليه الصلاة والسلام - عطش بعد الطواف ، أو ليستعد للسعي ، لكن اشرب فهو خير . [ص:346-347]
قوله :( لما أحب )
اللام للتعليل ، أي : أن ينويه لما أحب . [ص:347]
قوله :( ويتضلع منه )
أي : يملأ بطنه حتى يمتلئ ما بين أضلاعه . [ص:348]
قوله :( ويدعو بما ورد )
أي : إذا شرب من ماء زمزم دعا بما ورد ؛وهذا أيضاً يحتاج إلى إثبات . [ص:348-349]
قوله :( ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليالي )
أي : ثم يرجع من مكة بعد أن يطوف ويسعى فيبيت ثلاث ليالي ، هذا إن تأخر ، وإن تعجل فليلتين .(1/71)
قوله :( فيرمي الجمرة الأولى ، وتلي مسجد الخيف بسبع حصيات ، ويجعلها عن يساره ويتأخر قليلاً ، ويدعو طويلاً ، ثم الوسطى مثلها ، ثم جمرة العقبة ، ويجعلها عن يمينه ، ويستبطن الوادي )
ولكن الصحيح خلاف ما ذكره المؤلف ، والصحيح أنه يرمي مستقبل القبلة في الأولى و الوسطى ، ويجعل الجمرة بين يديه ، وما ذكره من الصفات مردود بأنه لا دليل عليه .
أما الثالثة فيرميها من بطن الوادي مستقبل الجمرة ، وتكون الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ، ويدعو طويلاً مستقبل القبلة ، وقد ورد عن النبي ( ، أنه يقدر ما يقرأ سورة البقرة ، رافعاً يديه .[ص:349-350]
قوله :( ولا يقف عندها )
أي : لا يقف عند جمرة العقبة فإذا رماها أنصرف ، وإنما يقف بعد الأولى و الوسطى . [ص:351]
قوله :( يفعل هذا في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال )
يفعل هذا ، أي : رمي الجمرات الثلاث ، على ما وصف في كل يوم من أيام التشريق .
قوله:(( بعد الزوال )) أي : زوال الشمس ويكون الزوال عند منتصف النهار ، وعليه يكون وقت الرمي من زوال الشمس إلى غروبها ، فلا يجزئ الرمي قبل الزوال ، وهذا هو القول الراجح .
وأما الرمي بعد غروب الشمس فلا يجزئ على المشهور من المذهب ؛علم أن الأمر واسع في هذا .
ولهذا نرى أنه إذا كان لا يتيسر للإنسان الرمي في النهار ، فله أن يرمي في الليل ، وإذا تيسر لكن مع الأذى والمشقة ، وفي الليل يكون أيسر له وأكثر طمأنينة ، فإنه يرمي في الليل . [ص352-355]
قوله :( ومستقبل القبلة مرتباً )
سبق القول في قوله مستقبل القبلة ، والمراد بالترتيب في الجمرات أن يرمي الأولى ، ثم الوسطى ، ثم العقبة ، ولكن إذا كان الأمر قد فات بفوات أيام التشريق ، وجاء وسأل فقال : إني رميت من غير أن أعلم فبدأت بجمرة العقبة ، فلا بأس بإفتائه بأن رميه صحيح . [ص:355-356]
قوله :( فإن رماهُ كله في الثالث أجزأه ، ويرتبه بنيته )(1/72)
قوله:(( فإن رماه في الثالث أجزأه )) الضمير يعود على حصى الجمار ، أي : رماه كله في الثالث .
وقوله:(( ويرتبه بينته )) أي : يرتب الأيام بنيته ، ولا يجزئ أن يرمي الأولى عن ثلاثة أيام ، ثم الوسطى عن ثلاثة أيام ، ثم العقبة عن ثلاثة .
وعلى هذا فالقول الصحيح ، أنه لا يجوز أن يؤخر رمي الجمرات إلى آخر يوم إلا في حال واحدة مثل أن يكون منزله بعيداً ، ويصعب عليه أن يتردد كل يوم ، لا سيما في أيام الحر والزحام ، فهنا لا بأس أن يؤخر الرمي إلى آخر يوم ويرميه مرة واحدة .
وإما من كان قادراً والرمي عليه سهل لقربه من الجمرات ، أو لكونه يستطيع أن يركب السيارات حتى يقرب من الجمرات ، فإنه يجب أن يرمي كل يوم في يومه .[ص:356-358]
قوله:( فإن أخره عنه )
أي : عن آخر يوم من أيام التشريق فعليه دم ، أي : ولو لعذر ، لكن إذا كان لعذر يسقط عنه الإثم وأما جبره بالدم فلا بد منه . [ص:358]
قوله : ( أو لم يبت بها فعليه دم )
الضمير يعود على منى ، أي : لم يبيت بها ليلتين إن تعجل أو ثلاث ليالٍ إن تأخر فعليه دم وسبق ما يراد بالدم عند الإطلاق في قول المؤلف " والدم شاة " الخ .
وقوله:(( أو لم يبيت بها )) عُلم منه أنه لو ترك ليلة من الليالي ، فإنه ليس عليه دم ، وهو كذلك ، بل عليه إطعام مسكين إن ترك ليلة ، وإطعام مسكينين إن ترك ليلتين ، وعليه دم إن ترك ثلاث ليالي ،
وهو الصحيح أنه واجب . [ص:358-359]
قوله :( ومن تعجل في يومين )
أتى بلفظ الآية ونعم ما صنع ، لأنه متى أمكن الإنسان أن يأتي بلفظ الدليل فهو أولى ؛ والمراد باليومين الحادي عشر والثاني عشر ، من هذه الأيام الثلاثة أيام التشريق . [ص:360]
قوله :( خرج قبل الغروب )
أي : خرج من منى قبل أن تغرب الشمس ، وذلك ليصدق عليه أنه تعجل في يومين . [ص:361]
قوله :( وإلا لزمه المبيت والرمي من الغد )(1/73)
أي : وإلا يخرج قبل غروب الشمس لزمه المبيت ليلة الثالث عشر ، والرمي من الغد ، بعد الزوال ، كاليومين قبله .
مسألة :لو أن جماعة حلوا الخيام وحملوا العفش وركبوا ، ولكن حبسهم المسير ، لكثرة السيارات فغربت عليهم الشمس قبل الخروج من منى ، فلهم أن يستمروا في الخروج ، لأن هؤلاء حبسوا بغير اختيارهم .
[ص:361]
قوله :( فإذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يطوف للوداع )
قوله:(( لم يخرج )) تحريماً .
قوله:((حتى يطوف للوداع )) فالصواب أن طواف الوداع واجب .
إذاً فلا يسقط طواف الوداع إلا عن الحائض والنفساء فقط . [ص:361-364]
قوله :( فإن أقام )
أي : أقام في مكة بعد طواف الوداع ، أفادنا المؤلف بهذا أنه لا بد أن يكون هذا الطواف آخر أموره ، وهو
كذلك ، إلا أنهم استثنوا من ذلك إذا أقام لانتظار الرفقة فإنه لا يلزمه إعادة الطواف ولو طال الوقت ، أذن للصلاة فلا بأس أن يصلي ، لأنه إنما أقام لسبب متى زال واصل سفره . [ص:364-365]
قوله :( أو اتجر بعده أعاده )
أي : اشترى شيئاً للتجارة ، أو باع شيئاً للتجارة ، فإنه يعيده ، وعلم من ذلك أنه لو اشترى حاجة ، أو باع حاجة في طريقه ، أو هدايا لأهله ، لا تجارة فإنه لا بأس به ، على أننا نرغب أن يكون شراؤه قبل طوافه.
مسألة : ما الذي يوجب إعادة طواف الوداع إذا تأخر الإنسان بعده ؟
الجواب : الذي يوجب إعادة طواف الوداع فيما لو تأخر بنية الإقامة ولو ساعة لغير ما استثنى .
[ص:365-366]
قوله :( وإن تركه غير حائض رجع إليه )
أي : لزمه أن يرجع فيطوف ، فإن تركته الحائض فإنه لا يلزمها الرجوع ، إلا إذا طهرت قبل مفارقة بنيان مكة فإنه يلزمها الرجوع ، أما إذا طهرت بعد مفارقة البنيان ولو بيسير ، ولو داخل الحرم ، فإنه لا يلزمها أن ترجع ، والنفساء مثلها . [ص:366]
قوله :( فإن شق أو لم يرجع فعليه دم )(1/74)
أي : إن شق الرجوع ولم يرجع فعليه دم ، وكذلك إذا لم يرجع بلا مشقة فعليه دم ، لكن الفرق أنه إذا تركه للمشقة لزمه الدم ولا إثم ، وإذا تركه لغير مشقة لزمه الدم مع الإثم .[ص: 366]
قوله :( وإن طاف أخر طواف الزيارة ، فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع )
طواف الزيارة هو طواف الإفاضة ، أي : طواف الحج . [ص: 369]
قوله :( ويقف غير الحائض بين الركن والباب داعياً بما ورد )
أي : الحاج إذا ودع يقف بين الركن ، أي : الحجر الأسود والباب ، أي : باب الكعبة ، ومسافة قليلة .
قال في الروض :" يلصق به وجهه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين " وهذا يسمى " الالتزام " عند أهل العلم ، والمكان هذا يسمى " المستلزم " ثم ذكر صاحب الروض - رحمه الله - دعاءً طويلاً ، ثم يدعو بما
أحب ،ويصلي على النبي ( ،وعلى هذا فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية وضيق.[ص:372-373]
قوله :( ويقف الحائض ببابه وتدعو بالدعاء )
قوله:(( وتقف الحائض ببابه )) أي : باب المسجد .
وقوله:(( وتدعو بالدعاء )) هكذا قال ، ولا دليل لما قال إن الحائض تأتي وتقف بباب المسجد تدعو بهذا .
وبهذا انتهى الكلام على صفة الحج والعمرة ، واعلم أن كل ما ذكرناه فإنه مبيني على ما نعلمه من الأدلة ، ومع هذا لو أن إنسانا أطلع على دليل يخالف ما قررناه فالواجب إتباع الدليل ، لكن هذا جهد المقل نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا . [ص:373-374]
قوله :( وتستحب زيارة قبر النبي ( وقبري صاحبيه )
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء : ومنهم من قال : إنه محرم ، وهو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية
- رحمه الله - وقرره بأدلة إذا طالعها الإنسان تبين له أن ما ذهب إليه هو الحق . [ص:374-375]
قوله :( وصفة العمرة أن يحرم بها من الميقات أو من أدنى الحل من مكي ونحوه )
فهي إحرام وطواف ، وسعي ، وحلق أو تقصير أربعة أشياء .(1/75)
وقوله:(( أن يحرم بها من الميقات )) يعني إن مر به أو من محاذاته إن لم يمر به ، أو مما دونه إن كان دون الميقات فيحرم بها على حسب ما مر في المواقيت .
وقوله :(( أو من أدنى الحل )) من مكي ونحوه ، أدنى الحل بالنسبة إلى الكعبة التنعيم ، أما بالنسبة لمن أراد العمرة ، فقد يكون غير التنعيم ، ولا يلزمه أن يقصد التنعيم .
وقوله:((من مكي ونحوه )) المكي هو ساكن مكة ، ونحوه : هو الآفاقي المقيم بمكة ، فكلاهما يحرم من أدنى الحل ، وقد سبق تقرير ذلك . [ص:375-376 ]
قوله :( لا من الحرم )
أي : لا يحرم للعمرة من الحرم ،فإن فعل انعقد إحرامه ،ولكن يلزمه دم ،لتركه الواجب .[ص:376-377]
قوله :( فإذا طاف وسعى وقصر حل ، وتباح كل وقت )
لأن العمرة مكونة من أحرام ، سعي ، وحلق أو تقصير ، وأسقط المؤلف ذكر الحلق بناء على أن مراده عمرة المتمتع .
وقوله:((وتباح كل وقت )) وأما الحج فله وقت مخصوص . [ص:376-377]
قوله: ( وتجزئ عن الفرض )
أي : العمرة تجزئ عن الفرض في وقت أدّاها، فعمرة المتمتع تجزئ عن الفرض ، وعمرة القارن تجزئ عن الفرض ؛ لإن القارن أتي بعمرة وحج . [ص:379]
قوله :( وأركان الحج )
سبق في أول المناسك شروط الحج : شروط وجوبه ، وشروط صحته ، وشروط أجزائه . [ص:380]
قوله :( الإحرام )
هذا هو الركن الأول ، سبق لنا أن الإحرام هو نية النسك ، وليس لبس ثوب الإحرام .
وهل يشترط مع النية لفظ ؟
الصحيح أنه لا يشترط [ص:382]
قوله :( والوقوف )
هذا هو الركن الثاني ، أي : بعرفة . [ص:382]
قوله :( وطواف الزيارة )
هذا هو الركن الثالث ، ويقال له : طواف الإفاضة . [ص:383]
قوله :( والسعي )
هذا هو الركن الرابع وهو المذهب ، وهو أصح الأقوال .
هذه أربعة أركان .
مسألة :زاد بعض العلماء المبيت بالمزدلفة ، لكن أعدل الأقوال وأصوبها أنه واجب . [ص:386]
قوله :( و واجباته )
أي : واجبات الحج . [ص:386]
قوله :( الإحرام من الميقات المعتبر له )(1/76)
هذا هو الأول ، أما أصل الإحرام فهو ركن .
ولو قال المؤلف : أن يكون الإحرام من الميقات لكان أوضح . [ص:386]
قوله :( والوقوف بعرفة إلى الغروب )
هذا هو الثاني ، والوقوف بعرفة إلى الغروب ، أي : أن يستمر في عرفة إذا وقف نهاراً إلى أن تغرب الشمس. [ص:387]
قوله :( والمبيت لغير أهل السقاية والرعاية بمنى ومزدلفة إلى بعد نصف الليل )
هذا هو الثالث والرابع ، فقوله" والمبيت لغير أهل السقاية والرعاية بمنى ..." المراد بمنى في ليالي أيام التشريق دون المبيت في ليلة التاسع ، فإنه ليس بواجب ، بل هو سنة .
مسألة :في هذه العصور الأخيرة نشأ إشكال بالنسبة للمبيت بمنى ، وهو أن الناس لا يجدون مكاناً ، فماذا يصنعون؟
الجواب : نقول : ينزلون عند آخر خيمة من خيام أهل منى ، وفي أي جهة .
وقوله" إلى منتصف الليل " هذا منتهى وجوب المبيت على المشهور من المذهب ، فإذا انتصف الليل في مزدلفة انتهى الوجوب فلك أن تدفع .
ولكن القول الصحيح أن الدفع إنما يكون آخر الليل كما سبق . [ص:389-395]
قوله :( والرمي )
هذا هو الخامس ، أي : رمي الجمار في يوم العيد جمرة واحدة ، وفي الأيام الثلاثة التي بعد ثلاث جمرات ، ولا بد أن يكون الرمي مرتباً ، وأن يكون بحجر ، وأن يكون بسبع حصيات . [ص:395-396]
قوله :( والحلاق )
هذا هو السادس ، أي : الحلق وينوب عنه التقصير . [ص:396]
قوله :( والوداع )
وهذا هو السابع ، أي : طواف باليت فقط بدون سعي ولا إحرام ، والصحيح أنه ليس من واجبات الحج .
[ص:396-397]
قوله :( والباقي سنن )
أي : الباقي من أقوال الحج وأفعاله سنن ، وسيأتي حكم كل من الركن والواجب والسنة . [ص:397]
قوله :( وأركان العمرة : إحرام ، وطواف ، وسعي )
الإحرام نية الدخول في العمرة . [ص:319]
قوله :( وواجباتها الحلاق ، والإحرام من ميقاتها )
فصارت أركان العمرة ثلاثة ، وواجباتها اثنين .(1/77)
ولم يذكر المؤلف طواف الوداع ، فظاهر كلامه أنه لا يجب لها طواف وداع .
والراجح عندي أنه واجب على المعتمر أن يطوف للوداع كما هو واجب على الحاج .
لكن لو أن أحداً قدم مكة وطاف وسعى وقصر وانصرف وخرج ، فإنه هذا يجزئه عند طواف الوداع .
[ص:397-400]
قوله :( فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه )
" فمن ترك الإحرام " يعني النية ، أي : الدخول في النسك ، فإنه لا ينعقد نسكه حتى لو طاف وسعى ، فإن هذا العمل ملغى . [ص:401]
قوله :( ومن ترك ركناً غيره )
أي : غير الإحرام لم يتم نسكه إلا به ، فإن كان الركن مما يفوت فالحج ملغى . [ص:402]
قوله :( أو نيته لم يتم نسكه إلا به )
لو أن المؤلف قال : أو شرط لكان أعم .
وقوله" أو نيته " الركن الذي يشترط له النية هو الطواف والسعي .
والصحيح أن الطواف والسعي لا تشترط لهما النية .
وهو الصواب وفيه مصلحة للناس .
إذاً نحذف كلمة " أو نيته " لأنه ليس هناك ، ركن تشترط فيه النية ، والإحرام هو نية النسك ، وسبق أنه لا ينعقد النسك بفواته ، والوقوف لا يشترط له نية .
وعليه فلا تشترط نية التعيين أي : أنه طواف للحج ، أما نية الطواف فلا بد منها . [ص:403-404]
قوله :( ومن ترك واجباً فعليه دم )
الواجبات ذكرنا أنها سبعة ، وإذا أطلق الدم في لسان الفقهاء فهو : سبع بدنه ، أو سبع بقرة ، أو واحدة من الضأن أو المعز ، ولا بد فيها من شروط الأضحية ، وهي أن تكون قد بلغت السن المعتبر وهو في الإبل خمس سنين ، وفي البقر سنتان ، وفي المعز سنة ، وفي الضأن نصف سنة ستة أشهر ، ولا بد أيضاً أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء كالعور البين ونحوه .
وهذا الدم دم جبران لا دم شكران ، وعليه فيجب في الحرم أن يتصدق له جميعه على فقراء الحرم ، ويوزع في الحرم ، فإن ذبحه خارج الحرم لم يجزئ ، ولو ذبح هدي المتعة والقران في عرفة لم يجزئ .(1/78)
فإن كنت غير قادر فتوبتك تجزئ ، وهذا هو الذي نراه في هذه المسألة . [ص:405-410]
باب الفوات والإحصار
قوله :( باب الفوات والإحصار )
هذا الباب يتضمن مسألتين :
الأولى : الفوات .
الثانية : الإحصار .
أما الفوات معناه أن يُسْبَق فلا يُدْرك يقال : فاتني الشيء ، أي : سبقني فلم أدركه .
أما الإحصار معناه المنع ؛ أي : أن يحصل للإنسان مانع يمنعه من إتمام النسك .
وسيأتي في الباب أن من الأركان ما له وقت محدد ، فالوقوف الذي هو الحج كما قال النبي ( :(( الحج عرفة )) له وقت محدد ، حده طلوع الفجر يوم النحر . [ص:411]
فيقول المؤلف في حكم ذلك :
قوله :( من فاته الوقوف فاته الحج )
وفوات الحج يكون بطلوع فجر يوم النحر ,وإذا فاته الحج ينظر إن كان الإنسان قد اشترط عند إحرامه أن محله حيث حبس فإنه يحل ولا شيء عليه ، أي يخلع ثياب الإحرام ،ويلبس ثيابه ويرجع إلى أهله؛
وقد سبق هل الأولى أن يشترط ، أو الأولى ألا يشترط إما مطلقاً أو بتفصيل ؟
ورجحنا أن الصواب أنه لا يشترط إلا إذا كان يخاف من عدم إتمام النسك .[ص:411-412]
قوله: (وتحلل بعمرة )
أي : إذا فاته الوقوف وطلع الفجر قبل أن يصل إلى عرفة تحلل بعمرة ، أي: بقلب نية الحج إلى العمرة .
فطاف وسعى وحلق أو قصر ، ,إن شاء أن يبقى على إحرامه إلى الحج القادم فله ذلك ، ولكن سيختار الأول بلا شك ، وكيف يمكن للإنسان أن يدع محظورات الإحرام لمدة سنة كاملة ؟! فهذا بعيد ، وفيه مشقة شديدة . [ص:412]
قوله:( ويقضي ويُهْدِي إن لم يكن اشتراط )
أي: يقضي هذا الحج الفائت .
وظاهر كلام المؤلف أنه يقضي سواء كان الحج واجباً أم تطوعاً ؛ لأنه إن كان واجباً فوجوب القضاء ظاهر ، وسواء كان واجباً بأصل الشرع _ بأن يكون هذا فريضة الإسلام _ أو واجباً بالنذر ،ولكن إذا كان تطوعاً فهل يجب القضاء ؟(1/79)
نقول : نعم ,يجب القضاء ؛ وذلك لأن الإنسان إذا شرع النسك صار واجباً ، وهذا من خصائص الحج والعمرة أن نفلهما يجب المضي فيه ، وعلى هذا فيجب القضاء سواء كان ذلك تطوعاً أو واجباً بأصل الشرع وهو الفريضة ، أو بالنذر ؛وعليه هدي في عام القضاء .
وقوله:(( إن لم يكن اشترط )) فيه تفصيل ، فإن فاته بتفريط منه لزمه القضاء ، وإن كان بغير تفريط منه لم يلزمه القضاء .
وهذا هو القياس التام على الإحصار ؛ لأن المحصر منع من إتمام النسك بدون اختياره .[ص:412-413]
ثم انتقل المؤلف إلى الإحصار فقال :
( ومن صده عدو عن البيت أهدى ثم حل )
أي :منع عن وصوله إلى البيت ، سواء في عمرة أو في حج فإنه يهدي ،أو يذبح الهدي ثم يحل .[ص:415]
قوله:( فإن فقده صام عشرة أيام ثم حل )
أي :إذا قد الهدي ، صام عشرة أيام ثم حل .
ونقول : من لم يجد هدياً إذا أحصر فإنه يحل ولا شيء عليه .
ظاهر كلام المؤلف _ رحمهُ الله _ هنا أنه لا يجب الحلق ولا التقصير ؛ لأنه لم يذكره بل قال )): أهدى ثم حل )) ولكن الصحيح أنه يجب الحلق أو التقصير .[ص:416]
قوله:( وإن صد عن عرفة تحلل بعمرة )
الكلام في الأول فيمن صد عن البيت , لأن من صد البيت لا يمن أن يتحلل بعمرة ؛ لأن العمرة لا بد لها من طواف ، ولكن من صد عن عرفة فقط بأن يكون في عرفة عدو يمنع الناس من الوصول إليها ؛ فهنا يقول :(( تحلل بعمرة )) فيتحلل بعمرة ، ولا شيء عليه إن كان قبل فوات وقت الوقوف ، وإن كان بعده فإنه يقضي ؛ لأنه فاته الحج الأول الذي أحصر عن عرفة ، رأى أنه لا يمكن أن يقف جعل إحرامه عمرة فلا شيء عليه . [ص:417]
قوله:( وإن حصره مرض أو ذهاب نفقة ، بقي محرماً إن لم يكن اشرط )
أي : إن حصره مرض بأن أحرم وهو صحيح يستطيع أن يكمل النسك ، فمرض ولم يستطع إكمال النسك ،نقول :تبقى محرماً إلى أن تبرأ من المرض ثم تكمل ، لكن إن فاتك الوقوف فتحلل بعمرة ، وكذلك إذا حصره ذهاب نفقة .(1/80)
مثاله : رجل سرقت نفقته ، ولم يتمكن من إتمام النسك فإنه يبقى على إحرامه حتى يجد نفقة ، ويتم النسك إذا كان يمكن إتمامه ، وإن كان حجاً وفاته الوقوف فقد فاته الحج .
وكذلك لو ضل الطريق ، أي ضاع فلم يهتد إلى عرفة ،فإنه يكون كما قال المؤلف : (( فإذا فاته الوقوف فاته الحج )) وتحلل بعمرة ، فإن كان قد اشترط تحلل ولا شيء عليه .
والصحيح في هذه المسألة أنه إذا حصر بغير عدو فكما لو حصر بعدو ؛ ولم يقيد الله تعالى الحصور بعدو .
مسألة:إذا حُصِرَ عن واجب ، وليس عن ركن كأن يمنع من الوقوف في مزدلفة فلا يتحلل ؛ لأنه يمكن جبره بالدم ، فلا حاجة إلى التحلل ، فنقول تبقى على إحرامك ، وتجبر الواجب بدم .
وقوله:(( بقي محرماً إن لم يكن اشترط )) فإن اشترط فإنه يحل بدون شيء . [ص:418-420]
الطبعة دار الجوزي
المجلد السابع
تم بحمد الله
??
??
??
??
كتاب الحج(1/81)