تحذير أهل الصراط
من
أهل السحاق واللواط
تأليف/ د. وسيم فتح الله
بسم الله الرحمن الرحيم
"وأي دينٍ، وأي خيرٍ، فيمن يرى محارمَ الله تُنتهك، وحدودَه تضاع، ودينَه يُترك، وسنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت اللسان، شيطانٌ أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطق، وهل بليَّة الدين إلا من هؤلاء؛ الذين إن سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم، فلا مبالاة بما جرى على الدين، وخيارهم المتحزِّن المتلمِّظ، لو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله، بذل وتبذَّل، وجدَّ واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة حسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقتِ الله لهم، قد بُلوا في هذه الدنيا بأعظم بلية تكون، وهم لا يشعرون، وهو موت القلب؛ فإن القلبَ كلما كانت حياتُه أتم، كان غضبُه لله ورسوله أقوى، وانتصارُه للدين أكمل"
ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة(1/1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، سيدنا محمد الطاهر الصادق الأمين، أرسله سبحانه وتعالى على حين فترةٍ من الرسل ليُخرج به من شاء برحمته من ظلمات الشرك إلى صراطه المستقيم، فزكت قلوبهم وطهرت جوارحهم من خصال الخبيثات والخبيثين، وتجمل أتباعه المخلصون بخصال الطيبات والطيبين، فساروا بين الناس بأحسن سمت، وجاؤوا ربهم يوم القيامة بقلبٍ سليم، أمره ربه بدعوة الحق فقال سبحانه: (يأيها المدَّثِّر. قُم فأنذر. وربَّك فكبِّر. وثيابَك فطهِّر. والرُجز فاهجر) سورة المدثر – آية 1-5، فصدع بها صلوات ربي عليه وسلامه، فكانت دعوته المباركة الزكية طهارة للثوبين؛ ثوب الباطن بالتوحيد وكسر الأوثان، وثوب الظاهر بالعفة والإحصان، فحبب الخلق إلى خالقهم وتأول فيهم قول رب العزة سبحانه وتعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) سورة البقرة – آية 222، وارتقى بهم صلوات الله وسلامه عليه من طواف العري حول البيت والأوثان، إلى طواف الستر وطهر القلوب والأبدان، فالحمد لله على ما أتم من نعمائه، وله الشكر والمنة على منحه وآلائه، وبعد،(1/2)
فلقد اشتدت غربة الإسلام اليوم، وأصبحنا نرى عياناً ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:" بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء" صحيح مسلم – حديث 145، وأصحبت غربة الدين اليوم بين أهله ومنسوبيه، فأهل الصلاح قليلٌ وأقل منهم من يطيعهم، وأهل السوء كثيرٌ، وأكثر منهم من يطيعهم، حتى غدا المعروف منكراً، وغدا المنكر معروفاً، وانقلبت الموازين فأصبح المعروف محارباً طريداً منبوذاً، وأصبح المنكر مؤيداً منصوراً، وأخذ أتباع شهوات النفوس وشبهات الشيطان يطاردون ويتعقبون أهل الحق والإيمان، حتى تكرر على مرأى منا ومسمع ما حكاه الله تعالى عن قوم لوطٍ صلوات الله وسلامه عليه حين أنكر على قومه تلك الفاحشة المستقذرة حساً وطبعاً وشرعاً، قال تعالى: ( ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشةَ ما سبقكم بها من أحدٍ من العالَمين.إنكم لتأتون الرجال شهوةً مِن دون النساء بل أنتم قومٌ مسرفون) سورة الأعراف – آية 80-81، فماذا كان جوابهم على إنكار المنكر؟ نتأمل قول الله تعالى: (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهرون) سورة الأعراف – آية 82.(1/3)
نعم، لقد كانت الطهارة في ميزان قوم لوط تهمة ورذيلة، يُطرد أهلها ويُخرجون من ديارهم كما يُطرد المجرمون من أهل الفساد، وكانت فاحشة إتيان الذكور من دون النساء عند قوم لوط هي الفضيلة، وهي الطبيعة، وهي المعروف الذي يعرفون، وينكرون ما سواه، هذا ونبي الله تعالى لوط عليه السلام بين ظهرانيهم ينهاهم عن الرذيلة اللئيمة ويوجههم نحو الفطرة السليمة بالزواج الحلال من بنات قومه، قال تعالى حكاية عن قول لوط عليه السلام لقومه حين أتوه يراودونه عن ضيفه: (وجاءه قومه يُهرعون إليه ومِن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قومِ هؤلاء بناتي هنَّ أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزونِ في ضيفي أليس منكم رجلٌ رشيد) سورة هود – آية 78، وقول نبي الله لوط عليه السلام (هؤلاء بناتي) لأن مكانة النبي من قومه بمنزلة الوالد، فهو يوجه إلى البنات الطاهرات من القوم ليتزوج بهم الرجال ويقضوا وطرهم في الموضع الحلال خلافاً لفعل الرذيلة التي انتكست بهم فيها أهواؤهم. ، فيأبى هؤلاء المجرمون إلا أن يقبعوا في وحل الرذيلة كما قال تعالى عنهم: (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) سورة هود – آية 79.(1/4)
لقد أصر قوم لوط على قلب الموازين بعد أن انتكست فطرتهم عن رسم السلامة والطهارة، فإذا بنفوسهم المريضة اللئيمة تنأى عن موضع الحرث الطيب إلى حشوش القذر والدنس، وهم مع هذه الانتكاسة المادية الجسدية التي تترفع عنها البهائم، قد جاوزوا الحد إلى انتكاسة معنوية روحية خبيثة حين جعلوا رذيلتهم تلك هي الأصل والفضيلة ، وجعلوا رسم الفطرة السليمة من إتيان الزوجات الطاهرات عنوان المخالفة والرذيلة، ولما نفرت نفوسهم الخبيثة على مخالفة سبيل الأطهار الكرام، واستقرت بلؤمها على رسم الفاحشة والإجرام، كان الجزاء الوفاق من الله تعالى على قلب الأمور عن موازين الحق أن قلب عليهم معايشهم ومحقهم وقطع دابرهم، نتدبر حكم الله تعالى وقضاءه حيث قال عز وجل: (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليَها سافلها وأمطرنا عليها حجارةً من سِجّيلٍ منضود. مُسَوَّمةً عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) سورة هود – آية 82-83.(1/5)
هذه إذاً بداية هذه الانتكاسة الخطيرة في فطرة بني آدم، لم يسبق إليها أحد من بني آدم قبل قوم لوط عليه السلام، ولو كان هذا القذر الطارئ أمراً طبيعياً وتعبيراً سوياً للغريزة الجنسية التي خلقها الله تعالى في الإنسان، لكانت ظهرت آثارها من لدن آدم حاشاه عليه السلام، ولكن هيهات، بل إن طروء هذه الفاحشة على الفطرة الجسدية السليمة كطروء الشرك على فطرة التوحيد السليمة، إنها أمرٌ منافٍ للفطرة، مغايرٌ للطبيعة السوية وللجِبِلَّة القويمة، ولعل هذه بداية الإشارة إلى افتراء وكذب من يزعمون أن اللواط والسحاق سلوك بشري طبيعي، كما يدعي منسوبو العلم والطب الحديث، ولسوف نفند هذه الدعاوى بإذن الله في سياق هذه الرسالة. ولقد دفعني إلى تأليفها ما ترامى إلى أسماعنا وأنظارنا من انتشار مظاهر هذه الرذيلة ومقدماتها في ثنايا مجتمعاتنا المسلمة، وليس التحذير من هذا الخطر مرادفاً لدعوى هلاك الناس وانقطاع الخير، كلا، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا قال الرجل هلك الناس، فهو أهلكهم" صحيح مسلم – حديث 2623، وفي ضبط (أهلكهم) وجهان مشهوران بضم الكاف وفتحها، فالأول بمعنى الخبر أي هو أشدهم هلاكاً، والثاني بمعنى أنه هو الذي صيرهم هالكين لا أنهم هالكون على الحقيقة (انظر شرح النووي على صحيح مسلم – 16/175)، وإنما نحذر من هذا الخطر امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:" إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمَّهم الله بعقاب" السنن الكبرى – النسائي – حديث 11157، ونحذر من هذه الفئة المنحرفة المتردية في هاوية الفحش والقذر نظراً لما يجره السكوت عليها من ويلات على عامة المسلمين مهما قلَّت هذه الفئة، قال الله تعالى: (واتقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) سورة الأنفال – آية 25.(1/6)
فنسأل الله تعالى التوفيق والسداد في القول والعمل، ونسأله تعالى أن يهيء لهذه الأمة أمر رشد وسداد، وأن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً غير مخزيٍ ولا فاضح، ونؤكد على أن إنكار المنكر هو عنوان التفاؤل بصدق وعد الله، وثمرة حسن الظن بالله تعالى، والإيمان بأن ما يبذل في هذه العبادة الجليلة حسبةٌ عظيمةٌ نسأل الله تعالى أن يبلغنا ثوابها بقدر النية والإخلاص، وإن تقاصرت النتائج والثمرات، والله أعلم.
فصل: في التحذير من عوامل الخطر في ظاهرة اللواط والسحاق المعاصرة
وضع التحالف الوطني لمنظمات اللواطيين في أمريكا في مؤتمره المنعقد في شيكاغو عام 1972 وثيقةً بعنوان "منهجية حقوق اللوطيين"، ووضعت خطة عملها على مستوى التشريعات الاتحادية وتشريعات الولايات المفردة، وهي وثيقة خطيرة تبين مدى خطورة هذا الفكر الخبيث، أعني فكر الانحراف والشذوذ، حيث جاءت بنود هذا المنهج بتفصيل عجيب يسفر عن مدى وقاحة القوم ومدى مجاهرتهم بفجرهم وفحشهم، وقد يتساءل البعض عن علاقة وثيقةٍ كهذه نشأت في أمريكا بواقع مجتمعاتنا الإسلامية البعيدة عن ذلك السياق، وأنا أقتبس بعضاً من بنود هذه الوثيقة جواباً على هذا التساؤل، وبياناً للدور الخطير الذي قامت به في تأسيس منصة إطلاق للفكر اللوطي السحاقي عالمياً، واستحداث الأطر القانونية الوضعية التي تحميه وتوفر له مظلة الأمن والأمان وتروِّج لسلامته وحقه في الوجود:(1/7)
فقد جاء في البند الخامس من المطالبات للحكومة الاتحادية: "إزالة كل العوائق التي تمنع دخول وهجرة وتجنيس الأجانب اللوطيين"، وجاء في البند السادس: "تشجيع ومناصرة دورات التثقيف الجنسية التي يقوم اللوطيون والسحاقيات بإعدادها وتعليمها كي تقدم وتروج للمثلية الجنسية كخيارٍ صحيٍ معتبَر، وكنمط حياةٍ حيويٍ بديلٍ للمغايرة الجنسية"، وجاء في البند التاسع: "الإفراج الفوري عن كل اللوطيين والسحاقيات المحبوسين في مراكز الاعتقال أو المصحات العقلية بسبب اتهامات بجرائم جنسية عديمة الضحايا أو بسبب هويتهم الجنسية، مع المطالبة بتعويض كاف عن الإكراه النفسي والجسدي الذي تعرضوا له، وإتلاف كل الوثائق المتعلقة بهذا الاعتقالات"، وجاء في بنود المطالبة لسلطات الولايات في البند الثاني:"إبطال كل قوانين الولايات التي تحظر التصرفات الجنسية بين الأشخاص بالاتفاق، والمساواة بين مثليي الجنس ومغايري الجنس في هذا السياق"، وفي البند الثالث:"إبطال كل قوانين الولايات التي تمنع الإغواء للعلاقات الجنسية الاختيارية، وكذلك القوانين التي تحظر الدعارة للذكور والإناث على قدم سواء"، وفي البند السادس: "إبطال كل قوانين الولايات التي تحظر الظهور بملابس الجنس الآخر"، وفي البند السابع:"إبطال كل القوانين التي تحدد السن القانوني للموافقة على النشاط الجنسي"، ومسك الختام في البند الثامن:"إبطال كل النظم القانونية التي تحدد جنس وعدد الأشخاص الداخلين في العلاقة الزوجية، والعمل على إيصال المستحقات القانونية لكل الأشخاص المتعايشين معاً بغض النظر عن جنسهم أو عددهم". The 1972 Gay Rights Platform; Platform created at the national coalition of gay organizations convention held in Chicago in 1972(1/8)
هذا ما تواطأ عليه القوم منذ أكثر من ثلاثة عقود، فهل كانت هذه المنهجية مجرد ثرثراتٍ كلامية، ومهرجاناتٍ خطابية لا تستحق منا كل هذا التهويل والصراخ والعويل، أم أنها قد آتت أكلها الخبيث فعلاً، بحيث تجاوز الخطر مرحلة الإرهاصات والمقدمات والتوقعات إلى مرحلة قطف الثمار على أرض واقع مجتمعاتنا الآخذة في الاهتراء، والتردي في دركات العلمانية الوضعية، والفحش الشيطاني القذر؟ فلنتأمل بعض النماذج الحية التي رصدنا نذراً يسيراً منها عبر السنوات الماضية، لتبين لنا مدى علو همة القوم في باطلهم، ومدى غفلة أصحاب الحق والطهر والعفاف عن صيانة الفضيلة وحراستها، وسأسرد هذه الوقائع على ترتيب البنود التي اقتبستها من وثيقة الفحش المذكورة أعلاه:(1/9)
فأما البند المتعلق بفتح أبواب الهجرة والتجنيس للوطيين والسحاقيات، فلقد أصبح إيواء اللواطيين والسحاقيات من الدول الإسلامية بصفة لاجئين سياسيين أمراً مستقراً في نظم الهجرة في الولايات المتحدة وهولندا وبريطانيا وغيرها من الدول الغربية، نعم إن اللجوء السياسي قد اتسع نطاقه في عُرف هؤلاء، ليمتد إلى نصرة هؤلاء المضطهدين جنسياً، فإذا بمعاقل الشذوذ والكفر تهب لتنتصر لهذه الأفراد الشاذة فتقدم لها النصرة المعنوية والحسية، ففي عام 1997 مثلاً بلغت حالات اللجوء السياسي التي منحتها دائرة الهجرة الأمريكية للواطيين والسحاقيات من دول مسلمة نحو 50 حالة، وكذلك فعلت الحكومة الهولندية عام 2006، حيث قررت منح اللجوء السياسي لفئة من اللواطيين والسحاقيات الإيرانيين، نظراً لما سيتعرضون له من اضطهاد وتعذيب إذا ما أجبروا على العودة إلى بلدهم، وأصبحت هناك مؤسسات متخصصة تعين الشواذ من اللوطيين والسحاقيات في كل أنحاء العالم على تقديم طلبات اللجوء السياسي من أجل الفرار من مجتمعاتهم إلى تلك المجتمعات الغربية الفاجرة التي تنصر الفحش والفجور، وتحرض من لديهم ميول شاذ على تأصيل هذا الميول المنحرف، وتحويله إلى عنوان صراع، ومعقد ولاءٍ وبراءٍ بين أئمة الكفر وأئمة الفسق والفجور. وأنت إذا تأملت في سياق الهزيمة النفسية الحضارية التي يعيشها كثيرٌ من أبناء المجتمع الإسلامي فلسوف يتعاظم لديك الخطر الذي تنطوي عليه هذه المسألة مهما كان عدد حالاتها قليلاً. إن هذه الحالات الواقعية والنظم القانونية لدوائر الهجرة في البلدان الغربية تمثل انتصاراً عملياً لهذا البند الخطير الذي يعمل على تدويل ظاهرة الانحراف الجنسي، وتأجيج فتنة الانحراف من خلال نصرة الباطل وأعوانه، فلم يكن هذا البند مجرد ثرثرةٍ إذاً، فهل من منتبه!(1/10)
وأما البند المتعلق بالتثقيف الجنسي لا سيما ما يتعلق ببث ثقافة الجنس الشاذ فإن الأمر فيه أشد، فقد جاء في توصيات ورقة العمل الخاصة بالشباب في مؤتمر المرأة العالمي في بكين عام 1995 ما يلي:" العمل على تدريب الطاقات المهنية الطبية كي تسبر المسائل الصحية النسائية بغض النظر عن عمر الأنثى، وخلفيتها، وحالتها الاقتصادية، وتصوراتها الجنسية ( أي من حيث السحاقية أو عدمها)" انظر توصيات ورقة العمل الخاصة بالشباب – مؤتمر المراة العالمي – بكين 1995، ولقد فصلت في المسائل المتعلقة بمخاطر نشر ثقافة الجنس والشذوذ في كتابي (تربية الطفل للإسلام) فراجعه غير مأمور.
وأما البند المتعلق بالمطالبة بالإفراج عن اللوطيين والسحاقيات أينما كانوا، فتأمل ما تفتقت عنه الحرية الأمريكية قطع الله دابرها، وذلك عندما قامت عناصر شرطة عاصمة إحدى الدول الإسلامية مشكورة باعتقال فئة شاذة من اللواطيين، الذين أعلنوا بفحشهم في حفل شذوذ جماعي في أحد منتجعات الإمارة، وقد حصل هذا في شهر نوفمبر 2005، فلم تلبث الخارجية الأمريكية إلا يسيراً ثم بثت هذا البيان التوبيخي على لسان الناطق الرسمي للخارجية الأمريكية قطعه الله، حيث صرح في تاريخ 28 نوفمبر 2005 بما يلي:"تستنكر الولايات المتحدة اعتقال اثني عشر زوجاً مثليي الجنس في (الدولة المذكورة) وتستنكر تصريح الناطق باسم وزارة الداخلية حول إخضاعهم لمعالجة نفسية وهرمونية بأمر الحكومة. إن اعتقال هؤلاء الأفراد يمثل جزءاً من سلسلة اعتقالات جماعية لمثليي الجنس في (الدولة المذكورة).ونحن ندعو حكومة (الدولة المذكورة) إلى الإيقاف الفوري لأي أوامر صادرة للعلاج النفسي أو الهرموني، والانصياع لمعايير القانون الدولي" مترجم من الرابط الرسمي التالي:http://www.america.gov/st/washfile-english/2005/November/20051128155600ndyblehs0.1021997.html اهـ.(1/11)
هذا ويعتبر محور حقوق اللوطيين والسحاقيات جزءاً لا يتجزأ من التقرير السنوي الذي تعده الخارجية الأمريكية لتقييم دول العالم بحيث ترصد ما يتعلق بتعقب هؤلاء الفساق المنحرفين في المجتمعات الإسلامية وغيرها، وكل ذلك يرفد تيارات نشر ثقافة الشذوذ والانتصار لها، ولسوف ترى إعلان هذه الفئة المنحرفة الشاذة بفسقها وتماديها في فجورها، ما لم يتم التصدي لهذه التيارات والضغوط العالمية بكلمة صريحة واضحة ترد هذه الفئران إلى جحورها، ولا يخفى أن هذا يحتاج إلى تحرير المجتمعات الإسلامية شعوباً وحكومات من تلك التبعية المقيتة المذلة لأوامر الغرب الكافر ومناهجه ومخططاته، ولا يمكن في واقع الأمر فصل المسائل عن بعضها، لأن الغرب الكافر - لا سيما رموزه الاستعمارية الكبرى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وغيرها- لا تقبل غير التبعية المطلقة من هذه الدويلات المنسلخة عن هويتها ودينها، والتي رضيت بمعاقد ولاء وبراء غير تلك التي عقدها الإسلام، فلينتبه أولئك الذين رضوا بالمسارعة في ولاء وتبعية أهل الكفر والخنا والفجور إلى تبعات ذلك لا أقول في أمتهم، بل في أقرب الناس إليهم، في أولادهم وذرياتهم.
وأما البنود الأخرى المتعلقة بإبطال القوانين التي لا تزال تلجم على استحياء بعض الممارسات الجنسية الشاذة الفاحشة فهي تسفر في حقيقة الأمر عن الغاية التي يتطلع إليها رموز الشذوذ في العالم، وتبين أن هؤلاء لا يتوقفون عند حد، فغاية ما ينتهي إليه رسم المجتمع الإنساني الذي يريدون بهيمية مطلقة وأوحال قذرة لمستنقعات الجنس المتفلِّت الشاذ، الذي لا يراعي فطرةً، ولا يعرف معروفاً، ولا يدع منكراً، بل ويستفتحون بكل وقاحة على الله بالعذاب، حالهم كحال سلفهم من قوم لوط، قال الله تعالى: (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) سورة العنكبوت – آية 29.(1/12)
إن خطر ظاهرة اللواط والسحاق اليوم لا يتمثل في فحش هذه الجريمة فحسب، بل يتمثل أيضاً في منظومة متكاملة من العوامل التي تؤصل وتروج وتنصر هذه الظاهرة محادةًّ ومشاقَّة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومزاحمةً لمنهج الحق والفطرة السليمة بمنهج الباطل والفطرة السقيمة. إنه أنموذجٌ خطير لإباق العبد وخروجه عن طاعة سيده، إنه استكبارٌ وعتوٌ عن الانقياد للبارئ عز وجل، إنه أنموذجٌ لرد الدين ورد مرجعيته وشن الغارة على أهله، وهو بهذا المعنى يكاد يكون مرادفاً للكفر الأكبر، عياذاً بالله من ذلك.
وسوف أتناول في هذا الموضع بعض عناصر منظومة المحادة والشقاق هذه تنبيهاً على خطرها وبياناً للدور الذي تؤديه في محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والله المستعان:
أولاً: التلبيس على الناس بدعوى إثبات العلم الحديث لسلامة طبيعة اللواط والسحاق وعدم مخالفتها للحالة السوية:
كان اللواط والسحاق يصنفان ضمن الأمراض العقلية النفسية، حسب كتيب تشخيص الأمراض العقلية لرابطة الطب النفسي الأمريكية، إلى أن جاء الدكتور روبرت سبيزر عام 1973 بدعوى أن الشذوذ الجنسي ليس مرضاً عقلياً، وترتب على ذلك حذف الشذوذ واللواط من جملة الأمراض العقلية النفسية، وكانت هذه خطوةً مؤهبةً لترويج اللواط والسحاق كسلوكٍ إنسانيٍ، وتعبيرٍ جنسيٍ طبيعيٍ لا غضاضةَ فيه، ولا انحراف عن الطبع الإنساني السليم. ثم أخذت الحركة اللوطية في الغرب في العمل الدؤوب من أجل إيجاد مبرراتٍ علمية، وأسسٍ طبية حيوية لإثبات الطبيعة السوية للواط والسحاق، وذلك من أجل التمكين للتيار اللوطي في المجتمع، تمهيداً لإفساح الطريق أمام نشر وترويج هذا التعبير الجنسي، ولإزالة جميع العقبات المانعة من الاستمتاع بهذا السلوك الجنسي، كما تبين آنفاً من خلال سرد بنود المنهجية الخاصة بحقوق اللوطيين.(1/13)
إن التأصيل العلمي الحيوي للوطية والسحاقية يمثل أكبر موارد الخطر على عقيدة وفكر المسلمين المنهزمين اليوم أمام صولة العلم المادي الحديث، لا سيما وأن بطش العلم الحديث وسطوته تستمد قوتها من رصيدها التاريخي المتمثل في الصراع بين الكنيسة والعلم في أوروبا القرون الوسطى، حيث انتهت هذه المعركة كما هو معلوم بانتصار العلم على الدين، وبتأسيس القاعدة الراسخة للعلمانية المادية الملحدة التي نجحت في إقصاء الدين عن الحياة، ونجحت في سياسة الناس بقوانين وضعية ما أنزل الله بها من سلطان، وكل ذلك باسم العلم والتقدم والتطور، فما بات أحدٌ يجرؤ على رد فكرة إذا ما كان الناطق بها هو العلم، وأصبح التشكيك بثوابت الدين والمعلوم منه بالضرورة أيسر على النفوس من مساءلة نظرية علمية أو رد فكرة علمية، وهذا كله ظاهرٌ لا يخفى على أحد اليوم، ولسنا بصدد تفنيده هاهنا، ولكن الغرض التنبيه على مصدر هذه الرهبة الموهومة، وبيان خطورة استسلام المسلم للوهم الباطل الذي يصور العلم والدين بصورة التناقض والتعارض، في حين أن الحق الذي لا مرية فيه أنه لا ولن يصادم عقلٌ صريحٌ نقلاً صحيحاً البتة، فالعقل الصريح الذي يستمد من الكون الذي خَلَقَهُ اللهُ تعالى، لا يتعارض مع الوحي الذي أنزله الله تعالى، فكلاهما إنما يصدر عن مشكاة واحدة، فلا يمكن أن يقع التعارض أبداً بين حقيقة علمية يقينية وحقيقة شرعية ثابتة صحيحة، وإنما قد يقع التعارض بين نظرية أو أمر علمي ظني، وأمرٍ منسوب إلى الشرع غير يقيني ولا قطعي، وصدق الله تعالى حيث قال: (وتمت كلمةُ ربك صدقاً وعدلاً لا مُبَدِّل لكلماته وهو السميع العليم) سورة الأنعام – آية 115 .(1/14)
نعم، الصدق في الخبر، والعدل في الحكم، هذا هو دين الله تعالى، وهذه شرعته، وهو سبحانه وتعالى حين قال: (نساؤكم حرثٌ لكم) سورة البقرة – آية 223 ، فإنه سبحانه قد أخبر خبر صدق، وحين قال سبحانه وتعالى: (والذين هم لِفُرُوجِهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غيرُ مَلومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) سورة المؤمنون – آية 5-7، فإنه قد حكم سبحانه وتعالى حُكْمَ عدل، فلا معقب لحكم الله ولا رادّ لأمره، فقوله عز وجل الصدق ومَن أصدقُ مِن الله قيلاً، وحُكْمُه سبحانه وتعالى العدلُ، وهو أعدل الحاكمين.(1/15)
وبعد أن مهدت رابطة الطب النفسي الأمريكية لتقبل اللوطية السحاقية كسلوك بشري طبيعين، جاءت قاصمةٌ تزلزلت لها أفئدة كثير من المنخلعة أفئدتهم أمام سلطان العلم وجبروته، لا سيما مع الثورة العلمية الطبية الحديثة فيما يتعلق بعلوم الوراثة وتحديد كل ما يتعلق بالإنسان من خلال رموزه الوراثية التي يولد بها الإنسان مجبوراً مقهوراً، وذلك حين أعلن الباحث في المعهد القومي الصحي الأمريكي الدكتور دين هامر عن دراسة علمية أظهرت أن الشذوذ الجنسي مرتبطٌ برمزٍ وراثي معين على الصبغي الجنسي، وكانت هذه مرحلة مهمة للتيار اللوطي السحاقي الذي وجد ضالته في التفسير الحيوي لهذا السلوك مما يؤكد دعواهم في أن هذا السلوك أمرٌ طبيعي لا علة فيه، ولا غضاضة. ويبدو أن وسائل الإعلام التي سابقت بهذا الخبر لم تسارع بنفس الهمة إلى نقل الأخبار اللاحقة حول التفتيش والتحقيق العلمي حول نزاهة الدراسة والذي أجراه المعهد القومي الأمريكي للصحة بسبب وجود تجاوزات في دراسة دين هامر، ناهيك عما هو معروف عن دين هامر نفسه حيث كان ناشطاً في التيار اللوطي السحاقي، ويبدو أن نتائج هذا التحقيق قد طويت في الأدراجن في حين تم نقل الدكتور دين هامر من مركزه إلى وحدة أخرى في المعهد، والحاصل أن غراب الكذب هذا لم يحلِّق عالياً، بل سرعان ما هوت به الريح في مكان سحيق.(1/16)
ولقد قام فريق بحث علمي آخر بمحاولة تكرار دراسة دين هامر لتوثيق نتائجه وكانت النتيجة مخالفة لها، ففي عام 1999 قام الدكتور جورج رايس ونيل ريش وجورج إيبرز بإعادة دراسة دين هامر، ونشروا بحثهم في مجلة (العلوم) الأمريكية وهي نفس المجلة التي نشر فيها دين هامر دراسته، وكانت خلاصة البحث:"لم نتمكن من تأكيد أي دليل على ارتباط الموقع المورثي على الجنسي الصبغي بالشذوذ الجنسي عند الذكور"، وأشاروا إلى فشل فريق علمي آخر في تأكيد هذه العلاقة أيضاً، والحاصل من هذا أن دراسة دين هامر التي كانت مرحلة محورية للتيار اللوطي "العلمي" قد هُتك سترُها بفقدان نزاهتها ابتداءً، ونُسفت مصداقيتها بنفي نتائجها من خلال تكرار الدراسة من قبل فريقي بحث مستقلين، وهكذا يضمحل الباطل، ويذهب الزبد جفاءً، ولا يبقى إلا الحق، وصدق الله العظيم حيث قال : (كذلك يضربُ اللهُ الحقَّ والباطل فأما الزَبَدُ فيذهب جُفاءً وأما ما ينفعُ الناس فيمكثُ في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) سورة الرعد – آية 17 .(1/17)
غير أننا لم نكن لنلتفت إلى دراسة باهتة وافتراء وقح كافتراء دين هامر، ولم تكن لتثلج صدورنا وتستكن نفوسنا لانفراج الحق على يد فريق بحث علمي آخر، بل قد ذكرنا ذلك تطميناً لعبدة العلم الحديث بأن ثمار هذا العلم المتفلت عن ضوابط الشرع، والمشكك في ثوابته ليس إلا هشيماً يحطم بعضه بعضاً، أما نحن فاطمئناننا إلى صدق الخبر عن الله تعالى، وسلامة الفطرة التي لم تتنكب سبيل الشيطان، فنحن نؤمن بقوله تعالى: (ألا يعلمُ مَن خلق وهو اللطيفُ الخبير) سورة الملك – آية 14، ونؤمن أن الله تعالى الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وفطره على الفطرة السليمة في الباطن والظاهر، لم يكن ليخلق في الإنسان ميلاً طبيعياً للواط والسحاق ثم يتوعد فاعليه بأشد العقوبات، فلقد أخبر القرآن بأن اللواط جريمة، وأخبر بأنها جريمة طارئة على الفطرة السليمة، ولو كانت جِبِلَّةً طبيعيةً لظهرت من لدن آدم عليه السلام، ولكن حاشا وكلا، تأمل قول الله عزوجل: ( ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشةَ ما سبقكم بها مِن أحدٍ من العالَمين.إنكم لتأتون الرجال شهوةً مِن دون النساء بل أنتم قومٌ مسرفون) سورة الأعراف – آية 80-81.
قال الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى نقلاً عن علماء السلف وجمهور الأمة: "قالوا: ولم يبتل الله سبحانه بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أُمّةً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكل بهم نكالاً لم ينكله أمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت بها، وتفر الملائكة من أقطار السماوات والأرض إذا شاهدوها، خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها" الداء والدواء – ابن قيم الجوزية - 294.(1/18)
وإن هذا الذي نقله ابن قيم الجوزية عن جمهور الأمة قد جاء به الوحي المعصوم، تأمل معي قول الله تعالى: (وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبةُ المجرمين) سورة الأعراف – آية 84، وقوله تعالى: (فلما جاء أمرنا جعلنا عالِيَها سافلها وأمطرنا عليها حجارةً من سِجِّيلٍ منضود. مُسَوَّمةً عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) سورة هود – آية 82-83، وقال تعالى: (ثم دمرنا الآخرين. وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المُنذَرين) سورة الشعراء – آية 172-173.
أفترى أيها المسلم العاقل أن الله تعالى يتوعد بهذا الوعيد، ويعاقب بهذا العقاب الشديد، ويستأصل ببطشه وجبروته قوماً لمجرد أنهم يمارسون غريزةً جنسيةً طبيعيةً، كما يزعم أدعياء العلم المفترون الكاذبون المعاندون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ألا ساء ما يفترون. فلينتبه الغافلون المخدوعون، وليقوموا يداً واحدة ليأخذوا على هؤلاء النفر الشاذين المارقين المخالفين للفطرة الملوثين لصفحة البشرية بفعلهم الشائن وسلوكهم اللئيم.
ثانياً: سن القوانين والشرائع الوضعية المناهضة لشرع الله المحللة لجريمة اللواط والسحاق:(1/19)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم النعمانُ بن قوقل فقال: يا رسول الله! أرأيت إذا صليت المكتوبة، وحرَّمتُ الحرام، وأحللت الحلال، أأدخل الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"نعم" صحيح مسلم – حديث 15. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح الحديث :"وقد فسر بعضهم تحليل الحلال باعتقاد حِله، وتحريم الحرام باعتقاد حُرمته مع اجتنابه" جامع العلوم والحكم – 1/206، ولا شك أن هذا المعنى هو القضية المحورية في توحيد الألوهية لله عز وجل، وفي شرح الأربعين النووية للشيخين مصطفى البغا ومحي الدين مستو ما يلي:"التحليل والتحريم تشريعٌ لا يكون إلا لله تعالى: علمت أن أصل الإيمان أن يعتقد المسلمُ حِلَّ ما أَحلَّ اللهُ عز وجل وحُرمةَ ما حَرَّمَه، سواءٌ فعل المُحَرَّمَ أم تَرَكَ الحلال، فإن زعم إنسانٌ لنفسه أنه يستطيع أن يُحَرِّمَ ما ثبت حِلُّه في شرعِ الله عزوجل، أو يُحَلِّلَ ما ثبتت حرمتُه، فإنه بذلك يتطاول على حق الله عز وجل، الذي له وحده سلطة التشريع والتحليل والتحريم، فمن اعتقد أن له أن يشرِّعَ خلاف ما شرعه الله عز وجل وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يشرع بهواه دون التزام قواعد التشريع الإسلامي فقد خرج عن الإسلام، وبرئ منه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم" الوافي في شرح الأربعين النووية - 170، جزى الله الشيخين خيراً، فهذا هو الحق الذي لا تطمئن النفس لغيره، وبمثل هذه العقيدة الناصعة الصافية يتمثل العبد خطورة ما يأتي به عَبَدَةُ الشيطان الذين تتجارى بهم الأهواء فيحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، ونحن نعيش اليوم في نتن العلمانية النكدة التي عطلت الحكم بما أنزل الله، وأخذت تُحلِّل وتحرِّم للناس وِفق أهواء مَن يُسمى زوراً وبهتاناً بالمشرَّع والسلطة التشريعية وما إلى ذلك من الشركاء المزعومين، فإذا بهذه الدول تجثم عليها دساتيرُ وضعية تُحرِّم الحلالَ(1/20)
الطيب فتمنع تعدد الزوجات الطيبات الطاهرات وتجعل التعدد المباح جريمة يعاقب عليها القانون، وإذا بهذه الدول المارقة تعطل حدود الله وتبيح الزنا طالما كان بتراضي الطرفين، ثم تتفاوت فيما بينها في إباحة اللواط والسحاق، فالدول الكافرة الأصلية لا تتورع عن تحليل اللواط والسحاق وإباحته، ثم تلقي بثقلها وراء منظمة الطاغوت الدولي المعروف بالأمم المتحدة – وإنما هي متحدة على الباطل – لتجعل من إباحة اللواط والسحاق وكل ما يتعلق بنمط الحياة الجنسية الشاذة أمراً طبيعياً مباحاً، لا بل هي تجعل من هذه الإباحة سيفاً مسلطاً على رقاب بعض الدول "الرجعية" التي لا تزال تمنع قوانينها الوضعية من هذه الممارسات، ومكمن الخطر هاهنا أن الدول المنتسبة للإسلام التي تنبذ التحاكم إلى الشريعة الإسلامية وتجعل الدساتير الوضعية العلمانية صاحبة السلطة التشريعية لا تملك ما يمنع من تغيير وتعديل هذه القوانين تحت وطأة الضغوط الطاغوتية الأممية فإذا باللواط والسحاق يصبحان مباحين قانوناً، وكيف يُستغرب مثل هذا بعد أن أباحت كثيرٌ من الدساتير الوضعية الكافرة جريمة الزنا وعطلت حدود الله عز وجل؟(1/21)
إن الأمر يزداد وضوحاً عندما ندرك أن الأنظمة الوضعية في دول المسلمين قد فقدت حصانتها ضد تحليل الحرام وتحريم الحلال، وهي بعد ذلك تتعرض إلى سيلٍ من التأثيرات الرامية إلى زعزعة كل ثوابتها الشرعية، ونقض كل مبادئها الأخلاقية، وتأمل معي على سبيل المثال ما ورد في إحدى النشرات الدورية للمجلة الأوروبية للصحة الجنسية والتناسلية، ويمول هذه المجلة صندوق الأمم المتحدة للسكان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، حيث كان عنوان العدد 51 عام 2000 ما يلي:"المؤتمرات والتشريعات هي الخطوة الأولى، نحن نحتاج إلى العمل"، ويرصد العدد الوسائل التي وضعتها المنظمة العالمية لرقابة التزام الدول الأعضاء بميثاق حقوق الطفل، والذي يضمن حق الطفل في التعبير عن هويته الجنسية دون أي حقٍ لأحدٍ في التأثير عليه أو كبحه أو منعه،كما يرصد العدد مقالاً حول تطور الوضع التشريعي في دولة رومانيا كأنموذج من نماذج التحول الناجح من وضعٍ قانوني يُجرم اللواط والسحاق، ثم إبطال هذا القانون، ثم التحول إلى وضعٍ قانوني يحمي اللواط والسحاق ويجعل الهوية الجنسية ضمن الخصال التي يمنع التفرقة والتمييز ضدها وفق القانون ويمكن مراجعة العدد ومحتواه على الرابط التالي: http://www.euro.who.int/document/ens/en51.pdf . ولست بصدد نقل كل حيثيات الوثيقة في هذا المقام، ولكني أردت التنبيه على مدى تواطؤ أنظمة الطاغوت العالمي على الترويج لفكر الشذوذ، وحماية المنهج اللوطي السحاقي، بل وفرضه على المجتمعات الإنسانية – لا سيما الإسلامية – لأن هذا يؤدي إلى تحقيق التخلخل الأسري الاجتماعي والإقصاء التام عن دين الله وشرعه، بحيث تصبح هذه المجتمعات فريسةً سهلةً للفتك بها من قبل طاغوت الاستعمار الأممي.(1/22)
وإن النظر في ما رصدته المجلة من تغيُّر وتحوّل في التشريع القانوني في بلدٍ ما، يدل على خطورة ما تم تمريره إلى مجتمعاتنا من تصورات حول السلطة التشريعية والديمقراطية (أي حكم الشعب، وهو في الحقيقة حكم الطاغوت)، حيث إن هذه النظم التشريعية تسمح بتغيير القوانين بين يوم وليلة بناء على الأهواء الجارية بالقوم، فما كان حراماً ممنوعاً بالأمس يصبح مباحاً قانونياً اليوم بجلسةٍ انتخابية وتصويتٍ شعبي، وصدق الله تعالى: (أفحُكم الجاهلية يبغون ومَن أحسن من الله حُكماً لقومٍ يوقنون) سورة المائدة – آية 50، اللهم لا أحد أحسن حكماً منك سبحانك، تبرأنا إليك من كل حكم جاهلي طاغوتي.(1/23)
إن تمرير ما يسمى بميثاق حقوق الطفل تحت هيمنة طاغوت الأمم المتحدة ليمثل الأساس الذي تبني عليه هذه المنظمات الدولية سياساتها في تأصيل وتمكين فكر الشذوذ، وحماية اللوطية والسحاقية، تأمل معي هذين البندين في الميثاق الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة: "يكون للطفل الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل"، والبند التالي:"تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين" اتفاقية حقوق الطفل: اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني / نوفمبر 1989 – تاريخ بدء النفاذ : 2 أيلول/سبتمبر 1990، وفقاً للمادة 49، فهلا تأملت حرية الطفل في التعبير دون اعتبار لأي حدود، وحريته في الفكر والوجدان والدين، أي شيء أحط من هذا التفلت من حكم الله وفطرة الله ودين الله؟ وأي حقوقٍ للطفل هذه التي يريدون؟ إنها والله ليست إلا حرية الكفر والجنس واللواط والسحاق، ولَتَعلَمُنَّ نبأه بعد حين. لعمري إنني لا أستحضر عند سماع وقراءة هذا الكلام ورؤية هذه المؤامرات إلا قول الله تعالى متوعداً إبليس ومن تابعه: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلِب عليهم بخيلك ورَجِلِك وشاركهم في الأموال والأولاد وعِدهم وما يعِدُهُم الشيطان إلا غروراً) سورة الإسراء – آية 64.
نعم إنها الشراكة الإبليسية، والانحطاط الإبليسي، والقذارة الإبليسية، فلتحذر أيها المسلم الكيس الفطن من فتنة الأولاد فإنها والله قاصمة، قال تعالى: ( يأيها الذين آمنوا إنّ مِن أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفورٌ رحيم. إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرٌ عظيم) سورة التغابن – آية 14-15.(1/24)
ونحن إذ نرى اليوم ما نراه من خيانة حقيرة لعملاء الطاغوت من بني جلدتنا ممن يمررون مشاريع الطاغوت والفحش والدعارة واللوطية والسحاق، لا يسعنا إلا أن نوطن أنفسنا أفراداً وأسراً ومساجد وجماعات على نبذ ورفض هذه المفاهيم جملةً وتفصيلاً، ونرفض إملاءات طواغيت العالم أجمع ولو قطعوا عنا المعونات والإمدادات، ولو قطعوا عنا الماء والهواء، فإن موتاً على العفة والطهارة خيرٌ لنا ألف مرة من عيشٍ في مستنقع الفحش والقذارة، وليكن القول الفصل في هذه الإملاءات غثها وسمينها: لكم دينكم ولي دين؛ نقولها لا على سبيل التعايش والسلم، بل على سبيل المفارقة والبراءة والبغضاء في الله، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فلا حاجة لنا في غيره البتة، غنانا بالله تعالى، وحليتنا بأخلاق الإسلام، وقدوتنا سيد الأنام صلى الله عليه وسلم الذي قال: "ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد" صحيح مسلم – حديث 151، وإنّا والله لنأوي إلى ركنٍ شديد حين نلوذ بالله تعالى، ونحتمي بحماه عز وجل.
ثالثاً: تولي أعداء الله من الكفار لأهل اللواط والسحاق:
إن من العوامل التي تزيد من خطر فاحشة اللوطية والسحاق اليوم ذلك التعاضد والموالاة الذي يتناصر به أهل هذه الفاحشة المقيتة، ولقد تقدم في منهجية أهل اللواط في الولايات المتحدة في التمكين لحقوقهم المزعومة ما يتعلق بإلغاء كافة القيود التي تواجه من يريد الهجرة إلى الولايات المتحدة من أهل اللواط والسحاق، وذكرنا كيف أن دائرة الهجرة الأمريكية قد منحت اللجوء السياسي بالفعل لأفراد أجانب لمجرد شذوذهم اللوطي أو السحاقي، وكانت ذريعة منح اللجوء حماية هؤلاء الشاذين جنسياً من الاضطهاد والتعذيب الذي يمكن أن يتعرضوا له في بلدانهم.(1/25)
ولا يقتصر الأمر على ما تقدم، بل إن الولايات المتحدة والغرب الكافر قد أصبح محضناً لتجمعات منظمة تهدف إلى دعم ومناصرة الحركة اللوطية السحاقية في أرجاء العالم العربي الإسلامي، فعلى سبيل المثال، أنشئت "جمعية اللوطية والسحاقية العرب" عام 1998 في الولايات المتحدة هدفها كما تقول: "نهدف إلى تكوين شبكات منظمة للوطية والسحاقية من أصول عربية في أمريكا أو المقيمين في الدول العربية. ونهدف إلى تقديم صورة إيجابية عن اللوطية السحاقية في المجتمعات العربية في العالم"، وتقول: "نحن جزء من حركة لوطية سحاقية عالمية تهدف إلى إنهاء الظلم والتمييز الواقع بسبب التوجه الجنسي" مترجم من موقع الحركة على الشبكة، قطع الله دابرها.. ويوجد لهذه الجمعية فروع بالفعل في لبنان ومصر وغيرهما من الدول العربية.
ونشأت في نفس العام في الولايات المتحدة - مزق الله مُلكها وشتت شملها- منظمة أخرى أخذت طابعاً أشد خطورة وهو الطابع الديني، وتجرأ هؤلاء المجرمون على تسمية أول منظمة للوطية السحاقية المسلمين باسم (الفاتحة) تعبيراً عن كونهم فاتحة وبادرة في العالم الإسلامي للوطيين والسحاقيات المسلمين، ولم يُخف هؤلاء سر اختيارهم اسم الفاتحة وأنه يعبر عن البداية وأنهم يستبشرون بموافقة اسم المنطمة لاسم أول سورة في القرآن الكريم، قاتلهم الله تعالى وقبَّحهم.(1/26)
وتأمل ما جاء في التقرير الصادر عن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً من جهود حركة مراقبة الإنسان، حيث ورد فيه :" وفي السنوات الخمس والعشرين الماضية، بعثت مجموعة ضخمة وجديدة من المنظمات الوطنية والدولية الحياة من جديد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغيره من الصكوك التي اعتمدت بعد الحرب العالمية الثانية. وأصبح لواء حقوق الإنسان مرفوعاً في شتى أنحاء العالم، يرفعه الرهبان في التبت، وعمال المزارع في الإكوادور، والمنظمات النسائية الأفريقية، ودعاة الشذوذ الجنسية ذكوراً وإناثاً في الولايات المتحدة" التقرير السنوي 2004 – منظمة مراقبة حقوق الإنسان، وهذا الاحتفال يعبر عن وجود خطة منهجية عالمية تسعى إلى بث فكر اللوطية والسحاق والتمكين له، وهذا التولي والمناصرة بين أفراد لا يجمع بينهم شيء سوى الشذوذ الجنسي لواطاً وسحاقاً أمرٌ عجيب لم يشهد له التاريخ مثيلاً، وإن كان له أصلٌ في سمات المنافقين والمنافقات من مرضى القلوب، كما قال الله تعالى: ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديَهم نسوا الله فنسيَهم إن المنافقين هم الفاسقون) سورة التوبة – آية 67.(1/27)
فأنت ترى إذاً أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اختارت أن تكون رأس حربة لتيار الشذوذ الجنسي واللوطية والسحاقية في العالم، ولا يخفى أن اختراق المجتمعات الإسلامية بمثل هذه الفاحشة النكراء، وترويج قبولها بين عوام المسلمين وحكامهم، والعمل على سن قوانين حمايتها بحجة حقوق الإنسان ونحوها، لا يخفى أن ذلك كله مميت للقلوب إماتةً لا يبقى فيها محلٌ لتوحيد الله تعالى وحبه والأنس به سبحانه وتعالى، فإذا بالمرء قتيلٌ يقلِّبه إبليس كيفما أراد، وهذه العاقبة السوء معلومة مجربة لمن تردى في مقدمات وذرائع الزنا حتى وقع فيه، فما بالك بمن تردى في دركات الفاحشة النكراء من السحاق واللواط عياذاً بالله من ذلك، تأمل معي قول الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى برحمته الواسعة:
ما زِلتَ تُتبع نظرةً في نظرةٍ في إثر كل مليحةٍ ومليحِ
وتظن ذاك دواء جرحك وهو في التحقيق تجريح على تجريح
فذبحتَ طرفك باللحاظ وبالبكا فالقلب منك ذبيحٌ أي ذبيحِ الداء والدواء - 269
نعم، هذا ما يريده المناصرون الموالون لأهل اللوطية والسحاق، يريدون أن يخترقوا بهم مجتمعات المسلمين ليردوهم قتلى، فلا يبقَ فيهم مكان لذكر الله، ولا لإقام الصلاة، ولا للسماع القرآني، ولا لتحكيم شرع الله تعالى في أرض الله، فإذا بالمسلمين فريسة سهلة سائغة لأعداء الله ولمجرمي العصر وفراعنته.
إن وجود هؤلاء المنحرفين على ندرتهم بين ظهراني المسلمين قد أصبح رأس حربة لاختراق صهيوني صليبي سافر في شؤون المجتمع الإسلامي، فضلاً عن كونه معقد ولاء وبراء بين رموز الكفر المحادين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم من جهة، وأتباع الشهوات القذرة من اللوطية السحاقية من بني جلدتنا من جهة أخرى، بحيث يوالي هؤلاء وهؤلاء بعضهم البعض في حالة استقطاب معادية للصف الإسلامي السليم القويم العفيف، الذي يسعى جاهداً لإنكار المنكر، والأمر بالمعروف، وتحكيم شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.(1/28)
إن الأمر لم يعد مجرد تصرف فردي وحرية فردية كما يحلو للبعض أن يتصور أو يُصوِّر، ولو كان مجرد تصرف فردي لما جاز التواني عن دفعه، فقد قال تعالى: ( واتقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) سورة الأنفال – آية 25، فعقوبة الله تعالى تتربص الذين يسكتون على الفاحشة بقدر ما تتربص الذين يقترفونها.
ثم إن السكوت على هذا الولاء الشيطاني بين رموز الكفر ورموز الفسق والعهر في مجتمعاتنا مصيبة ومعصية فوق مصيبة ومعصية اللواط والسحاق المستقلة، فلا تستبعد أن يكون نتاج هذا السفاح بينهما إنزالٌ جويٌ عسكري أمريكي من أجل "تحرير" اللواطيين والسحاقيات المضطهدين في مجتمعٍ أو دولةٍ إسلامية ما، ولا تستغرب أن تجهر رموز العمالة من بني جلدتنا آنذاك بالثناء والتمجيد لهذا المحرر العظيم الذي جاء لإنصاف المظلومين، ونصرة المستضعفين من السحاقيات واللوطيين، وعقاب الظالمين الذين يضطهدونهم والانتقام منهم!.
رابعاً: وجود شبكات تجنيد اللوطيين والسحاقيات:
قال الله تعالى منبهاً على العداوة الإبليسية ومتوعداً من شارك في صفوف الجند الإبليسي: ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلِب عليهم بخيلك ورَجِلِك) سورة الإسراء – آية 64. ولا شك أن هذا الاستفزاز الشيطاني قائمٌ اليوم في سبيل تجنيد هؤلاء المنحرفين الشاذين من اللوطية السحاقية، بل إن هذه الشبكات تعمل على تحريض الأفراد على الانتقال إلى معسكر الشذوذ، ولو لمجرد الاستشكاف والتجربة.(1/29)
وتأمل على سبيل المثال رسالة أهداف منظمة الفاتحة المذكورة آنفاً حيث جاء فيها: "منظمة "الفاتحة" منظمة تكرس جهودها للمسلمين اللوطيين والسحاقيات والمتشبهين بملبس الجنس الآخر وغير محددي الهوية الجنسية والذين هم في طور التعرف والاستكشاف لميولهم الجنسية" مترجم من موقع المنظمة على الشبكة، قطع الله دابرها.، فهذه المنظمات والجمعيات التي بدأ تشكلها كرد فعل على الاضطهاد الجنسي كما يزعم مؤسسوها، قد أسفرت عن وجهها القبيح الرامي إلى بث فكر الشذوذ واستمالة الناس إليه، إنها عملية تحريض وتهييج ضد الفطرة، إنها انتكاسة إلى الهاوية.
قال الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله: "ثم أكّد قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر الله عليها الرجال، وقلبوا الطبيعة التي ركبها الله في الذكور، وهي شهوة النساء دون الذكور، فقلبوا الأمر، وعكسوا الفطرة والطبيعة، فأتوا الرجال شهوةً من دون النساء، ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم، فجعل عاليها سافلها، وكذلك قُلبوا هم، ونُكسوا في العذاب على رؤوسهم" الداء والدواء - 297. قلت: ولعل من المناسبات اللطيفة في هذا المقام، أن ننبه على أن هذا المخلوق العجيب الذي عاقب الله تعالى به أهل اللواط، أعني فيروس الإيدز الذي يغزو الجسد، فيدمر جهازه المناعي، ويفضي به إلى أوبئة قاتلة وأمراض فتاكة، إن هذا الفيروس يدخل نواة خلايا الدفاع في الجسم بطريقةٍ معاكسةٍ لدخول باقي الفيروسات، وذلك عن طريق مادة تعرف باسم (الناسخة المعكوسة وتعرف هذه المادة عند أهل الطب باسم : reverse transcriptase)، لأن طريقة دخولها الخلية معاكسة لطريقة دخول غيرها من الفيروسات، فتأمل كيف كان الجزاء من جنس العمل، وكيف كانت عقوبة من نكس وقلب فطرة الله السليمة، فيروساً معكوساً منكوساً، ودياراً مقلوبة، وحجارة مصوبة من السماء، فسبحان من لا يعجزه شيء، ولا يخرج عن سلطانه أحد، سبحانه سبحانه.(1/30)
ونعود لما كنا فيه، فلقد جاء في رسالة أهداف منظمة الفاتحة للشواذ "المسلمين" جملة من الوسائل التي تعتمدها في ترويج فكر اللوطية والسحاقية، ومنها: "تأسيس مجموعات عمل ومناصرة في الولايات المتحدة وخارجها، والتواصل عبر الإنترنت".
وقد تجاوزت خطورة هذه الشبكات التجنيد المعنوي إلى التجنيد الحسي، بحيث أصبحت تدل ضحايا إبليس ممن وقوعوا في شرك اللوطية والسحاقية على سبل الهروب من عائلاتهم وأسرهم ومجتمعاتهم، من أجل النجاة من اضطهاد الأسرة، والالتحاق برفقاء الشذوذ ممن هربوا من هذا الاضطهاد، والتحقوا بالبيوت الشبابية للشاذين جنسياً، إنها هجرة حسية معنوية شيطانية خطيرة، فهل آن أوان اليقظة أيها المسلمون، أم ليس بعد؟
ومن الجدير بالذكر أن مكمن الخطر هنا لا يقتصر على مواقع الجمعيات والمنظمات اللوطية السحاقية المعلنة، وإنما الخطر الحقيقي من المنتديات وشبكات قوائم المراسلة التي تعتمد على الأفراد والأشخاص، حيث تتكون سلسلة التعرف والتجنيد والدلالة على مواقع اللقاء والتجنيد والترويج والتهريب للباحثين عن الحرية الجنسية، والحقيقة إن المسألة معقدة وخطيرة جداً، لا سيما وأن دَور الإشراف العائلي قد تعطل اليوم، ومفهوم الأبوة الصالحة بات مقتصراً على مد الذرية بالمال والإنترنت والجوال، وأما مفهوم الأمومة فقد صلينا عليه الجنازة منذ انشغلت الأم بالوظيفة والسهرات ورحلات التسوق وندوات المشاركة السياسية والمؤتمرات النسوية وغيرها من تيك الترهات الغبية، وأخذت مكان الأم خادمة أو شغالة لا يسوؤها أن يتخنث الشاب وتسترجل الفتاة وتضيع الأسرة برمتها، والله المستعان.
خامساً: سياسات تمكين المرأة في المجتمعات الإسلامية:(1/31)
إن منهجية تنكيس الفطرة الإنسانية السوية، وقلب موازين الحق التي قامت بها السماوات والأرض منهجية متعددة المحاور، لا تتوقف عند تنكيس غريزة الجنس فحسب، بل تتعداها إلى كل ذريعةٍ تؤدي أو تساهم في ترسيخ تيار الفكر الشذوذي وترويج سلوك اللوطية السحاقية، ويصب في هذا الإطار كل سياسة ترمي إلى قلب أدوار الرجال والنساء، بحيث يميع الرجل ويرمي بنفسه في مستنقع التخنث والدياثة، وتسترجل المرأة فتستدعي بذلك مناط اللعن كما جاء الوعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه :"لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء" سنن أبو داود – حديث 4097، بل جاء الوعيد في النهي عن لِبسة الجنس الآخر ويعرف هذا السلوك أعني ارتداء لباس الجنس الآخر لميلٍ جنسي عند أهل الطب باسم : transvestism إمعاناً في سد ذرائع التشبه الملعون المفضي إلى الميوعة والتخنث والاسترجال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل" سنن أبو داود – حديث 4098. فإذا كان هذا اللعن في الرجل أو المرأة يلبس أحدهما لِبسة الآخر، فما بالك بمن تريد أن تصبح قوّامة على الرجال تسوسهم في الدول والإمارات، وتتحمل عنهم الولايات، وتقودهم في الحروب والمعارك، وقد قال الله تعالى: (الرجال قوَامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض) سورة النساء – آية 34 الآية، وقال تعالى: (وليس الذَكَرُ كالأنثى) سورة آل عمران – آية 36.(1/32)
وهؤلاء الذين يسعون إلى تمرير إملاءات الغرب الكافر من خلال سياسات تمكين المرأة يريدون أن يجعلوا الأنثى كالذكر، والمرأة كالرجل، ويجاهرون بذلك، ويسايرهم من ينعقون وراء كل داعٍ ممن تنطلي عليهم شعارات المساواة المغلوطة المنسوبة إلى الإسلام، حتى إذا ترسخ في الناس أن المرأة كالرجل، وأن الذكر كالأنثى، فما الغضاضة إذاً أن يكون الذكر مفعولاً به سواء أكان الفاعل ذكراً أم أنثى؟ وما الغضاضة إذاً في أن تكون الأنثى فاعلةً سواء أكان المفعول به أنثى أم ذكراً؟ ولا تستغرب هذه الصور المستقذرة أخي المسلم، فإنها كلها صورٌ واقعةٌ حقيقةً في عالم الشذوذ الذي لا غاية له ينتهي عندها، ولا حد له يقف عنده؛ ولعمري إن هذا لهو غاية الإفساد في الأرض، فإن المفعول به على خلاف الفطرة مقتولٌ هالكٌ لا محالة، تأمل قول ابن قيم الجوزية رحمه الله:"وقتلُ المفعول به خيرٌ له مِن وطئه، فإنه إذا وطئه قتله قتلاً لا تُرجى الحياة معه" الداء والدواء - 294، نسأل الله السلامة والعافية.
ولعل هذا هو السر في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الفاعل والمفعول، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" سنن الترمذي – حديث 1456، فالمفعول به ميتٌ مقتولٌ هالكٌ لا خير فيه، ولا رجاء منه، والشاهد هنا بيان العاقبة الوخيمة لتنكيس فطرة الله وقلب الأمور عن الوضع الإلهي الحكيم.(1/33)
إن الخطر الذي تمثله سياسات تمكين المرأة في المجتمعات الإسلامية اليوم ليس خيالاً نتوهمه، ولا شماعة نعلق عليها أخطاءنا نحن، بل هو أمرٌ صريحٌ ورأس حربة اختراقٍ فاضحٍ لمجتمعاتنا، وقد أخذت هذه الحراب تفتك بنسيج مجتمعاتنا بالفعل، ففي التقرير الصادر عام 2007 عن مؤسسة راند الأمريكية – وهي منظمة بحثية غير ربحية تقدم دراسات تخطيطية لجهات حكومية أمريكية كوزارة الدفاع ووزراة الخارجية الأمريكية – وهو بحث تخطيطي بعنوان "بناء شبكات إسلامية معتدلة" بهدف التصدي للإسلام الأصولي في المجتمعات الإسلامية، وكان مما ورد في التقرير كأنموذج من نماذج بناء الشبكات المعتدلة برنامج يسمى "مبادرة الشراكة الشرق أوسطية"، وهو يقوم على أربعة دعائم هي: الإصلاح السياسي، والإصلاح الاقتصادي، والتعليم، وتمكين المرأة. كما أكدت توصيات تقرير راند على إعطاء أولوية الدعم للعناصر التالية في المجتمعات الإسلامية:المثقفين والجامعيين العلمانيين والمتحررين، والقيادات الدينية المعتدلة، والناشطين الاجتماعيين، والنساء الفاعلات في حملات المطالبة بالمساواة بين الجنسين، والكتاب والإعلاميين المعتدلين راجع غير مأمور خلاصة التقرير على الرابط التالي فهو جدير بالدراسة والتعرف على مكامن الخطر فيه: http://rand.org/pubs/monographs/2007/RAND_MG574.sum.pdf .(1/34)
لقد آن الأوان أن يستيقظ المسلمون من سباتهم، ويدركوا الأبعاد الحقيقية للشعارات الجوفاء التي لا يترددون في ترديدها والاستجابة لإملاءاتها وتمرير سياساتها دون أدنى وعي لحقيقة مبتغاها، والشاهد هنا هو خطورة منظومة تنكيس الفطرة السوية؛ تلك الفطرة القائمة على قوامة الرجال على النساء، وتسليم قيادة المجتمع لرجاله والتزام نساء المجتمع خدورهن وبيوتهن وأسرهن، وإلا فإن نتيجة قلب هذه الأمور مزيدٌ من التنكيس، ومزيد من المسترجلات الملعونات، ومزيد من المخنثين، ألا تباً لمجتمع هذا مآله، نسأل الله السلامة من ذلك ولقد تعرضت في مقال سابق لخطورة هذا الأمر ، وهو بعنوان:"التعهير والتخنيث والتأنيث: ثلاثية التدمير في مجتمعاتنا الإسلامية" وهو على بعض مواقع الشبكة العالمية..
سادساً: ترويج شعارات التسامح الديني المنحرف:
إن الله تعالى قد فرَّق في القرآن الكريم بين المتضادين، وميَّز بين المتقابلين، فميز بين الطيب والخبيث، وبين المؤمن وللكافر، وبين الحق والباطل، وبين العالم والجاهل، ولم يكن هذا التمييز والتفريق إلا عن علم الله تعالى وحكمته وأمره، فلا معقب لأمره، ولا مبدل لحكمه سبحانه وتعالى.(1/35)
وإن الحملة المسعورة التي يشنها أعداء الله تعالى على الإسلام اليوم، قد امتدت لتتناول هذه الحدود الفاصلة التي ميز الله تعالى بها بين فريق الكفر والإيمان، وبين أهل الطاعة وأهل العصيان، حتى تسربت إلى مجتمعاتنا دعاوى المساواة بين الأديان، والتعايش بين الأديان، وغابت أو غُيِّبت مصطلحات الشرع الخاصة بأهل الذمة، وأهل الكفر، وأهل العهد، وأهل الأمان، ولُبِّس ذلك كله ثوباً باهتاً من دعاوى تسامح الإسلام، وهذا ليس من التسامح الشرعي في شيء، فلقد قال تعالى منكراً على من ساوى بين الكافر والمسلم: ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون) سورة القلم – آية 35-36، وقال تعالى وحَكَم وقولُه الفصل وحُكمُه العدل: (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) سورة الحشر – آية 20، فأبى هؤلاء إلا أن يجعلوا المسلم كالكافر سواء، والفاسق العاصي كالمطيع سواء، والذي يشتم الله تعالى ويشتم رسوله صلى الله عليه وسلم كالذي يسبِّحُ الله تعالى وينزهه عن الولد والصاحبة ويوقر رسوله صلى الله عليه وسلم سواء. قلت: فإذا هان على الناس تقبُّل مَن أشرك بالله وشتمه وكفر به وسب رسوله صلى الله عليه وسلم ورضي بالتعايش والتسامح المغلوط معه، فلأن يرضى بالتعايش والتسامح مع أهل الفجور والمعاصي وأهل المناكح القذرة في الحشوش والأدبار من باب أولى، وكيف لا يرضى بالتعايش مع من نكس فطرة الله بمعصية اللواط والسحاق، وهو قد رضي أن يتعايش ويحترم ويقدر من نكس فطرة الله وهي التوحيد بأن أشرك بالله؟(1/36)
ونحن نرى اليوم أن الحديث عن اللوطيين والسحاقيات كثيراً ما يأخذ صورة الضحية التي تعاني من الكبت والاضطهاد، وكثيراً ما تعرض قضيتهم بصورة تستدر العواطف وتستجلب التباكي مع مشاكلهم وعدم تقبل الآخرين لهم، وإن الذي تقبلوا المساواة بين دين الفطرة والتوحيد دين الإسلام وغيره من الأديان الباطلة، هم المرشحون لتقبل فكرة المساواة بين فطرة النكاح الطاهر العفيف والنكاح الفاحش المنكوس الملعون، حيث يروج لذلك كله كصور مقبولة للتعبير عن الغريزة الجنسية، نسأل الله تعالى السلامة من ذلك.
سابعاً: حرب المصطلحات:
إن حرب الكلمة التي نعايشها اليوم حرب خطيرة، لأن شعاراتها ومصطلحاتها تروج اليوم مع كل أسف على السذج والسفهاء والمخدوعين والمهزومين من بني جلدتنا، فلا يدركون لها حقيقة، ولا يعون لها خطراً. وإن خطورة الكلمة والمصطلح حين تستعمل للترويج للباطل عظيمة، قد قررها الله تعالى في القرآن الكريم حيث قال: (وإذا فعلوا فاحشةً قالوا وجدنا عليها آباءنا واللهُ أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) سورة الأعراف – آية 28.(1/37)
ولقد تأسست عام 1998 منظمة للوطية السحاقية تسمت باسم "الفاتحة"، وهي منظمة غير حكومية غير ربحية مسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مختصة بالمسلمين اللوطيين والسحاقيات، والمتشبهين بملبس الجنس الآخر، وغير محددي الهوية الجنسية، والذين هم في طور التعرف والاستكشاف لميولهم الجنسية. وتروج منظمة "الفاتحة" للوطية والسحاقية تحت مظلة الترويج لمبادئ الإسلام المتمثلة في السلام والمساواة والعدل، كما يزعمون خابوا وخسروا مترجم من موقع الجمعية على الشبكة، قطع الله دابرها.. فتأمل مدى هذه الوقاحة، وانظر كيف يبلغ الفحش والطغيان بمن عبد هواه واتبع خطوات الشيطان، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:" إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم" صحيح البخاري – حديث 6478، فهؤلاء الذين يسمون الأشياء بغير أسمائها يريدون التلبيس بذلك على الناس فيُحِقّوا الباطل ويُبطلوا الحق، إنما يتكلمون بسخط الله، وهم واقعون في وعيد الله عز وجل.(1/38)
ولقد بلغ من وقاحة هؤلاء المجرمين من اللوطية والسحاقية أن أعلنوا بهذه الفاحشة النكراء، ثم أخذوا ينتصرون لفاحشتهم باسم الدين، ولئن لم يكن يعنينا من هؤلاء مَن ينتصر للفاحشة بالنصرانية المحرَّفة، فالطامة الكبرى حين يبلغ الفحش والجهل ببعض المنتسبين إلى الإسلام أن يجاهروا بلوطيتهم وسحاقيتهم وينسبوا جوازهما لسماحة الإسلام وعدله ومساواته، وهذا ما تقوم به بعض المنظمات اللوطية السحاقية اليوم كمنظمة "الفاتحة" الأمريكية للوطية والسحاقية المسلمين، ومنظمة "الباب" البريطانية للوطية والسحاقية العرب والمسلمين، وغيرها من التجمعات والمنظمات التي تستعمل للترويج لها أسماء ومصطلحات شرعية مثل (الإيمان) و(جهاد أحرار الجنس)، ولعل الهدف من مثل هذه السماء ظهورها في نتائج الكشف في محركات البحث على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى ما فيها من استهزاء بالدين، والذهاب بهيبته وهيبة أسمائه الشرعية، مع ملاحظة أن الجهل والبعد عن الإسلام قد وصل بالبعض اليوم إلى حد لا يبعد أن تروج فيه مثل هذه المفاهيم على هؤلاء بالفعل، ولقد رأينا من هذه النماذج في الولايات المتحدة ما تشيب له الولدان، وها نحن نرى إرهاصات هذه النماذج في مجتمعاتنا والله المستعان.
ولقد أفصحت بعض المواقع الإعلامية المروِّجة لتيار اللوطية السحاقية عن منهجها في التلبيس بالمصطلحات من حيث العزوف عن المصطلحات العربية المعروفة كاللواط والسحاق والشذوذ الجنسي لما تمثله من صورة سلبية لهذا السلوك الجنسي، والحث على استعمال مصطلحات "إيجابية" كالمثلية الجنسية، والجنوسية المثلية، والهوية الجنسية، والميول الجنسية، ونحو ذلك من المصطلحات الإيجابية غير المنفرة بادئ الرأي.(1/39)
ومن أمثلة التلبيس الاصطلاحي الذي تسرب إلى شريحة مهمة من المجتمع، ما يروج في الوسط العلمي الطبي من مصطلحات محايدة غير منفرة، بقصد احتواء ودمج اللوطيين والسحاقيات في العلاقة الطبية الاجتماعية السوية، والترويج لفكرهم والدفاع عن حقوقهم الطبية الاجتماعية، وأنا أضرب مثالاً لهذا مما ورد في توصيات المركز الطبي لجامعة كاليفورنيا الأمريكية حول سياسة الاستعمال اللغوي الاحتوائي، فهاك بعض الأمثلة:(1/40)
تحث هذه السياسة اللغوية على استعمال السؤال التالي " هل لديكِ شريك" بدلاً من سؤال :"هل أنت متزوجة؟" منعاً لإزعاج السحاقية عند أخذ قصتها المرضية مِن قِبل الطبيب المعالج، وكذلك استعمال كلمة "شريك" بدلاً من كلمة صاحب، دفعاً لافتراض أن العلاقة الجنسية للمرأة لا بد أن تكون مع رجل، واستعمال سؤال "هل أنت الوصي أو الولي على الطفل" بدلاً من سؤال:"هل أنت أم الطفل أو أب الطفل" مراعاةً لتنوع التركيب الأسري، وعدم السؤال عن الأم أو الأب الحقيقي (في حالات الطفل المتبنى) بل السؤال عن الأم أو الأب الحيوي أو الوراثي، وذلك مراعاةً للدور الذي يقوم بها المتبني لوطياً كان أم سحاقيةً مترجم عن مقال طبي عن العناية الصحية للسحاقيات ومزدوجات الجنس، من مجلة طب الاسرة الأمريكية العدد 74 تاريخ 15 يوليو 2006 . ولا يخفى عن البعض أن التركيب الأسري المعاصر في الغرب يشمل صوراً عديدة، منها الأبوان اللوطيان اللذان يتبنيان أطفالاً، أو السحاقيتان اللتان تتبنيان أطفالاً لاستكمال الأسرة. وتصر العديد من النشرات العلمية في الدوريات الطبية الأمريكية والغربية على أن اللوطيين والسحاقيات مثلهم مثل باقي الآباء والأمهات، قادرون على تربية الأطفال وتكوين الأسر، وهم بحاجة إلى كل أنواع الدعم والمساعدة في سبيل مساعدتهم على أداء وظيفة الأمومة والأبوة ومواجهة الهموم التي تعترض سبيلهم في سياق ذلك. وتأمل تعريف "الأسرة" الذي تعتمده سياسات الأكاديمية الأمريكية لطب الأسرة، حيث تعرف الأسرة بأنها:"مجموعة من الأفراد تربطهم علاقة مستمرة قانونية، أو وراثية أو عاطفية" مترجم عن سياسة الأكاديمية الأمريكية لطب الأسرة لرعاية السحاقيات ومزدوجات الجنس.،(1/41)
وعلى هذا التعريف يمكن أن تكون الأسرة مؤلفة من مجموعة من الأخدان تربطهم علاقة سفاح، أو تكون الأسرة عبارة عن لوطيٍ وآخر يتبنون أولاداً يستكملون بهم تكوين الأسرة، أو سحاقية وأخرى تفعلان ذلك، وتؤكد توصيات الممارسة الطبية لطب الأسرة الأمريكية أن على الأطباء أن يؤكدوا للآباء والأمهات اللوطيين والسحاقيات أن تربية الأطفال في أسرة فيها لوطي أو سحاقية أو اثنين منهما لا تختلف عن تربية الأطفال من قِبل أب وأم مغايري الجنس سواء أكان ذلك في نتاج التربية العاطفية أم الاستعرافية أم الاجتماعية أم الجنسية.
وهكذا أصبح الطب والعلم الطبي البحثي التجريبي وسيلةً للكذب والافتراء والتلبيس على الناس تحت مسميات الرعاية الطبية، والحقوق الصحية، ونتائج الدراسات الطبية والبحوث العلمية المزعومة، فكلها تؤكد – كما يلبس ويروج هؤلاء المجرمون – على سلامة نمط المعيشة الشاذ للوطية السحاقية، وأنهم ليسوا أقل شأناً من الأنماط الأسرية التقليدية، وأن حقوقهم جديرة بالاحترام، ومساهمتهم في بناء المجتمعات البشرية جديرة بالتقدير، بل وترصد المراصد في كل أرجاء العالم لتتبع أي انتهاك لحقوق اللوطية السحاقية، تحت ذريعة البرامج الإنمائية للأمم المتحدة تارة، والبرامج الصحية لمنظمة الصحة العالمية لترويج سياسات صحية جنسية واعية آمنة تارة أخرى، ألا تباً لهم ولعلومهم ولطبهم، وتباً لهذا الإفك الذي جاؤوا به، ولهذا الباطل الذي يروجون له.
ثامناً: تعطيل الحدود:(1/42)
إن تعطيل حدود الله تعالى التي وضعها حمايةً للمجتمعات الإنسانية من فسق بعض أفرادها، وأهدر فيها بعض مصالح الخاصة حفظاً لمصالح العامة، وشرع سبحانه تعالى العقوبات الزاجرات الرادعات منعاً لاستفحال الفواحش التي قد يتردى فيها آحاد الناس في لحظة شهوانية شيطانية. إن هذا التعطيل قد صار وبالاً على المجتمعات الإنسانية، تلك التي زعمت وتوهمت أنها بتعطيل الحدود الشرعية تقف على أعتاب مرحلة جديدة من مراحل الإنسانية الناضجة، وأنها قد شبت عن الطوق فلم تعد بحاجة إلى هداية الوحي وتشريع السماء، ولم تعد بحاجة إلى قانون العقوبات الإسلامي من قطع يد السارق، وجلد الزانية والزاني وشارب الخمر، وتمكين وَلِي المقتول من القصاص، ورجم المحصن الزاني، وقتل المرتد، وقتل اللوطي ومن في حكمه، نعم لقد نضجت الإنسانية واستكبرت على حكم الله، وظنت أنها قادرة على تشريع نظام عقوبات يضمن لها أمنها الاجتماعي والاقتصادي بعيداً عن السيف والسوط والحجارة، ولكن هيهات أن يصلح الإنسان بغير ما أصلحه الله تعالى، فها هي البشرية اليوم تتخبط في أردى دركات الفحش والجريمة والهرج والمرج، حالها كحال الكلاب المسعورة، لا يقتصر أذاها على نفسها، بل تؤذي كل من حولها، ولا نجاة للمجتمع ما لم يأخذ على أيدي هؤلاء، ويقيم عليهم حدود الله الزاجرة التي تصون المجتمع وتحميه من استشراء الفاحشة وانتشار المنكر، وإلا هلك المجتمع بأسره.
ولقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً" صحيح البخار ي – حديث 2493، ومعنى استهموا: اقترعوا.(1/43)
ولقد شرع الله تعالى العقوبة الغليظة على هذه الفاحشة النكراء، بل أهلك قوماً عن بكرة أبيتهم، واستأصل شأفتهم كما تقدم لإعلانهم بفاحشة اللواط، ثم جاءت السنة النبوية المطهرة لتشرع حدَّ هؤلاء المجرمين، وتذكرهم منسوبين إلى سلفهم السيء من أهل الخبائث، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" سنن الترمذي – حديث 1456، وأجمع الصحابة على قتل اللوطي وإنما اختلفوا في صفة قتله، وقد حكى هذا الإجماع الحافظ ابن قيم الجوزية، والإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني الداء والدواء – 295، والمغني – 9/58، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ولعن الله من عَمِل عَمَل قوم لوط، ولعن الله من عمِل عمَل قوم لوط، ولعن الله من عمِل عمَل قوم لوط" سنن البيهقي الكبرى – حديث 16794، ولم يكرر اللعن ثلاثاً في غير هذاه الفاحشة النكراء، كما قال الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله.(1/44)
ونحن على يقين من أن تطبيق حد الله عز وجل في بعض هؤلاء المنحرفين كفيلٌ بردع أصحاب الشهوات وعباد الأهواء المتتبعين للقاذورات، وكفيل بحماية المجتمع المسلم وصيانته بإذن الله من هذه النجاسات، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حدٌ يُعمل به في الأرض، خيرٌ لأهل الأرض من أن يُمطروا أربعين صباحاً" سنن ابن ماجة – حديث 2538، فهذا هو سبيل المؤمنين أن يذعنوا لحكم الله ويطبقوا أوامره ويقيموا حدوده، كما قال تعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) سورة النور – آية 51، أما من أراد محادة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عن حاله، ولا ترتجي خيراً في مآله، وها هم المسلمون بعد عقودٍ من تعطيل الحكم بما أنزل الله، وتعطيل حدود الله عز وجل لا يزالون يتردون في دركات الجهل والضلال، فماذا جرت علينا الأحكام الوضعية والقوانين العلمانية غير الفحش والتفحش والكفر والفسوق والعصيان، ولن تفيد حينذاك صيحات التأوه والندم عندما يكتشف الأب أن ابنه لوطي خبيث، وتكتشف الأم أن ابنتها سحاقية خبيثة، عياذاً بالله من سوء الخاتمة، وعياذاً بالله من سوء العاقبة.(1/45)
ويلتحق بتعطيل حد اللواط والسحاق في الأرض تعطيل فريضة الحسبة أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أمر يحتاج إلى تصنيف مستقل، وأكتفي بالتذكير بهذا الوعيد الشديد الوارد في الحديث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه يقول:" يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (يأيها الذين آمنوا عليكم أنفُسَكم لا يضرُّكم مَن ضلَّ إذا اهتديتم) سورة المائدة – آ ية 105، وإني سمعت رسول الله صلى الله علسه وسلم يقول:" إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمَّهم الله بعقاب" السنن الكبرى للنسائي – حديث 11157. قلت: وتأمل كيف أن امرأة لوط عليه السلام قد عمها عقاب الله تعالى لا لمباشرتها الفاحشة، بل لإقرارها الفاحشة ومساندتها والسكوت عنها، فلن ينجي أحد منا السكوت عن هذه الفواحش وتوهم السلامة بمجرد تركها وهي تمارس بين ظهرانينا ويروج لها على مرأى ومسمع منا.
تاسعاً: الدور الهدام المدمر للإعلام :(1/46)
إن الدور القذر الذي يلعبه الإعلام المرئي والمسموع في عالمنا العربي الإسلامي أمرٌ محسوسٌ لا يفتقر إلى إقامة الأدلة والشواهد عليه، وإنما التنبيه هنا على خصوصية الدور الذي تمارسه في ترويج مشاريع التخنيث، والتعويد على تقبل فكر الشذوذ، ولو من خلال التكرار السمج لوصف اللوطية والسحاقية في برامج الإعلام والمسلسلات الفارغة الهدامة، ومن خلال عرض قضايا الشذوذ الجنسي بصورة مشاكل اجتماعية لأفراد مساكين مضطهدين لا يجدون من يفهمهم وهم يعانون مرارة الكبت والحرمان، ومن خلال استضافة "أبطال" الشذوذ من اللوطيين والسحاقيات ومتحولي الجنس ليحكوا قصص بطولاتهم وتحولهم إلى الجنس الذي يميلون إليه، والترويج للافتراءات الكاذبة باسم الطب والعلم التي تبرر السلوك اللوطي أو السحاقي، هذا بالإضافة إلى قنوات الفضائيات الموجهة من قنوات الجنس والإغراء والدعارة الهاتفية التي تراعي التنوع السلوكي الجنسي، فقنوات خاصة بالدعارة الشاذة لواطاً كان أم سحاقاً، وقنوات خاصة بالزنا، وهكذا دواليك.
ونحن مع دعوتنا الجادة لهؤلاء بالتوبة والإنابة إلى الله، وللمسلمين الغيورين بأخذ أسباب دفع هذه الرذائل التي يبثها الإعلام،وتعاطب مراتب الإنكار المشروعة باليد واللسان والقلب كلٌّ بضوابطه من أجل التصدي للإعلام القذر الهدام، فإننا نجعل بيننا وبين هؤلاء المتمسكين بحبائل الغواية الشيطانية، الباثين للسماع المحرم، والنظر المحرم، والمؤصلين المدافعين عن جرائم قوم لوط، نجعل بيننا وبينهم قول الله عز وجل: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) سورة النور – آية 19، اللهم من لم يرعوِ من أهل الإعلام الفاسد المنحرف فخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، واكفِ المسلمين شرَّه، واحشره في زمرة أمثالهم من قوم لوط، إنك عليمٌ عزيزٌ حكيم.(1/47)
ولعل من النَظم المناسب في هذا المقام إنذاراً لهؤلاء المجرمين من عاقبة السوء التي تنتظر من لم يتب منهم ويكف عن جريمته، ما ذكره الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه النفيس الداء والدواء، حيث قال:
فيا ناكحي الذكران يهنيكم البشرى فيوم معاد الناس إن لكم أجرا
كلوا واشربوا وازنوا ولوطوا وأبشروا فإن لكم زفّاً إلى الجنة الحمرا
فإخوانكم قد مهدوا الدار قبلكم وقالوا إلينا عجلوا لكم البشرى
وها نحن أسلافٌ لكم في انتظاركم سيجمعنا الجبار في ناره الكبرى
فلا تحسبوا أن الذين نكحتموا يغيبون عنكم بل ترونهم جهرا
ويلعن كلٌّ منكم لخليله ويشقى به المحزون في الكرة الأخرى
يُعذَّب كلٌ منهما بشريكه كما اشتركا في لذة توجب الوزرا
فليحذر أهل الفواحش من عاقبة السوء هذه، وليعلم الذين يدندنون حول هذه الفواحش أنهم من أهلها ولو لم يقارفوها، بل إن المستحل للحرام يكفر ولو لم يفعل ذلك الحرام، في حين أن الفاسق المقترف للحرام المتستر حين ابتلائه به غير المعلن ولا المجاهر فلا تزال ترجى له توبة قبل الموت، وهو في خطر المشيئة بعد الموت إن شاء الله عذبه وإن شاء عفا عنه. ولا شك أن ألسنة الإعلام الفاحش التي تروج لإباحة فاحشة اللواط والسحاق وتدافع عن هذا التيار الفكري الخبيث المجانب للفطرة السليمة والشريعة القويمة، لا شك أن هذا من جنس الاستحلال الذي يقحم صاحبه موارد الكفر والردة، عياذاً بالله من ذلك.
وأكتفي في مقام العجالة هذه بما قدمت، فاللبيب من اكتفى بالإشارة، والغافل من أتبع نفسه هواها ثم تمنى على الله الأماني، ولعل من المناسب هنا التحول إلى مقام العمل، والنظر في وسائل الحماية والتصدي العملية لهذه الفاحشة النكراء قطع الله دابر أهلها، ودفع عنا مكرهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فصل : وسائل الوقاية والتصدي لخطر اللوطية والسحاقية(1/48)
إن الانتشار الخطير لهذه الظاهرة المشينة في مجتمعاتنا ومدارسنا، في حاراتنا وأحيائنا، في بيوتنا وبين أبنائنا لأمرٌ يدعو إلى النفير فوراً لصد هذه الهجمة الشرسة على حصون الفضيلة في مجتمعاتنا الإسلامية، وشن الغارة على كل من انخرط في منظومة الإفساد والتدمير الخلقية المسلطة علينا، وقطع دابر كل من تسول له نفسه الانضمام إلى تيار الرذيلة المنكوسة، وسد كل ذريعة مفضيةٍ إليها.
إن خطر اللواط والسحاق من الشدة بمكان، بحيث لا يكاد يجدي فيه الدواء بعد وقوعه، إذ يغلب على من وقع في هذا الشراك وغلبت عليه هذه المكيدة الإبليسية ألا تستقيم فطرته بعد انتكاستها تلك، ولعل هذا هو السر كما تقدم في حد القتل لكل من الفاعل والمفعول؛ فالغالب أن لا خلاص للمجتمع من خطر هؤلاء وخبثهم ورجسهم إلا باجتثاثهم، وتأمل ما ذكره الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله من أن الله سبحانه وتعالى لما فرض حد القاتل القصاص جعل إلى ولي المقتول الخيار في قتل القاتل قصاصاً أو العفو عنه، في حين حتَّم قتل اللوطي حداً، فاللوطي أشد ضرراً على المجتمع من القاتل بحيث لا يجدي علاجاً له بعد وقوعه وثبوت جرمه إلا القتل، والله أعلم.(1/49)
فإذا عُلم ما تقدم، فاعلم أن الكلام عن التصدي لخطر اللوطية السحاقية إنما ينجع في الغالب في مرحلة الوقاية، ولا ينبغي التساهل مع مقدمات هذه الفاحشة النكراء، بل يجب النهوض من فورنا لتعقب كل ذريعة وقطعها، وترصد كل بادرة وبترها قبل استفحالها. ولا بد لنا كي نتمكن من تحرير وسائل الوقاية والتصدي لخطر اللوطية من معرفة الذرائع الموصلة إليه، فلنتأمل هذا المشهد القرآني الذي حكاه الله تعالى لنا عن أول من ارتكب هذه الفاحشة، قال تعالى: ( وجاء أهلُ المدينة يستبشرون. قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحونِ. واتقوا الله ولا تُخزونِ. قالوا أَوَلَم نَنْهَكَ عن العالَمين. قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين. لعمرُك إنهم لفي سَكرَتهم يعمهون) سورة الحجر – آية 67-72، فهذه جملةٌ من المقدمات المهمة للواط نبهت عليها الآية الكريمة، وهي: العشق الحرام، والمجاهرة الفاضحة بالتحرش الجنسي الشاذ، وعدم تقوى الله تعالى، ومعاداة أولياء الله، وترك الحلال الطيب سعياً وراء الحرام الخبيث، ثم القاصمة وهي الإعراض عن التذكرة والتخويف بالله تعالى، والإصرار على الفاحشة النكراء.
وأنا أذكر في هذه العجالة بعض هذه وسائل الوقاية وسد الذريعة وأشير إلى أثرها بعض الإشارة:
أولاً: قطع أسباب عشق اللوطية السحاقية:(1/50)
إن عشق اللوطية السحاقية داء سقيم، ومرض عضال، عز على الأطباء دواؤه، وأبى الله لمن أصر عليه إلا قطع دابره واستئصاله، وإن لهذا العشق مقدمات لا بد من القضاء عليها قبل استفحال الداء، وإن من مقدمات العشق اللوطي السحاقي استمراء المعاصي والاستمرار على فعل السيئات القبيحات الخبيثات، تأمل قول الله تعالى: (وجاءه قومُه يُهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات) سورة هود – آية 78. ولا يخفى أن السيئات المتعلقة بسوء الخلق في مسائل الغريزة الجنسية والخصائص الذكرية الأنثوية أشد لصوقاً بهذا المقام، ومن هذا إدمان النظر إلى المردان، والنظر إلى الصور التي تثير الغريزة، فالذي يكون لديه ميل نحو جنسه من الذكور أو الإناث فإن هذا الميل يتعزز ويتأصل كلما أمعن النظر إلى الصور التي يعشق، فإذا بالشذوذ يتأصل، وإذا به صريع هذه الشهوة لا يرضى عنها بدلاً، قال تعالى عن هؤلاء: ( قالوا لقد علمتَ ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) سورة هود – آية 79.
إن أهم وسائل قطع مقدمات العشق اللوطي السحاقي حفظ البصر وصيانة القلب؛ أما حفظ البصر فعن النظر المحرم إلى الصور التي تعزز الميل المنحرف، وإن من فوائد حفظ البصر كما قال ابن قيم الجوزية :"منع وصول أثر السهم المسموم -الذي لعل فيه هلاكه- إلى قلبه" الداء والدواء - 306 نعم إن عدم قطع مقدمات العشق اللوطي السحاقي يؤدي إلى حالة من الهذيان والسكر بحيث لا يرى لذته وحياته إلا في مزيد من المسكر ومزيد من الهذيان، وصدق الله العظيم حيث قال في صفة هؤلاء: ( لعمرُك إنهم لفي سَكرتهم يعمهون) سورة الحجر – آية 72، قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:"فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل، والعمه الذي هو فساد البصيرة، فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل، وعمه البصيرة، وسكر القلب، كما قال القائل:
سُكران؛ سكر هوىً وسكر مدامةٍ ومتى إفاقة من به سُكرانِ؟" الداء والدواء – 307-308(1/51)
وإن مما ابتلي به الناس اليوم اعتقاد النسوة أن صور النساء العاريات المنتشرة في أرجاء المجتمع يحرم نظر الرجال إليها فقط، في حين تستحل المرأة النظر إلى هذه الصور فإذا بها تقع فيما وقع فيه منكوسو الفطرة من ذكران قوم لوط الذي عشقوا صور المردان واستحلوها وتعلقوا بها حتى لم يعد لفطرتهم المنكوسة في الإناث العفيفات حظٌ ولا نصيب، وها هي مدارس الفتيات في مجتمعات المسلمين تظهر فيها مظاهر السحاقية والعشق بين الإناث، فهذه غَيرى على معشوقتها، وتلك تريد أن تصونها عن نظر الرجال إلى حدٍ لم نعد نرى الرجال يحرصون على صون نسائهم بمثله، فليحذر الآباء والأمهات، وليعلموا أن تحريم نظر الشاب إلى صورة المرأة سداً لذريعة الزنا، هو نفس معنى تحريم نظر الفتاة إلى صورة المرأة العارية سداً لذريعة السحاق، وتحريم نظر الرجال إلى المردان سداً لذريعة اللواط، فهل من مستفيق؟
وأما صيانة القلب فبعمارته بحب الله تعالى، فالقلب الذي يتسرب إليه عشق الصور، والميل إلى غريزة منحرفة هو قلب خاوٍ من ذكر الله، لا مكان فيه لمحبة الله عز وجل، فلا بد لبيتٍ خاوٍ كهذا من أن تحل فيه الغربان والحدآت، وتأوي إليه الفئران والحيات،وتعشعش فيه العناكب والحشرات، فأي طريق لعشق اللوطية والسحاقية إلى قلب معمور بحب الله وذكره والأنس به، هيهات هيهات، إنما الطريق السالك والجادة المعبدة لمن انشغل عن تعهد غرسة الإيمان في قلبه بسقيا الطاعة والذكر، وانصرف إلى سقيا القلب بالسقاء الخبيث النتن، فكان حاله كالذين وصفهم اللهُ تعالى: (نسوا الله فأنساهم أنفسَهم) سورة الحشر – آية 19، نسأل الله العافية من ذلك.
ثانياً: تعهد غرس الرجولة وصيانة الأنوثة عند الناشئة:(1/52)
إن مقدمات العشق اللوطي السحاقي لها أمارات لا بد من الترصد لها كي يمكن وأدها في مهدها، وقد تكون هذه الأَمارة مِشيةٌ متكسّرة يمشيها الغلام اليافع فليبادر الأب والمربي إلى توبيخه وتقويمه ليعتدل في مشيه اعتدال الخلقة السوية والفطرة السليمة، تأمل وصية لقمان لابنه: ( واقصُد في مَشيك) سورة لقمان – آية 19. وقد تكون الأمارة تكسراً في الصوت وليناً في العيش وتربية في محضن الدعة والراحة المفضية إلى الميوعة التي هي شأن الإناث كما قال الله سبحانه وتعالى: (أَوَمَن يُنشَّؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) سورة الزخرف – آية 18، وليتنبه على هذه الخصلة من يُرزق بالذكر على إثر الإناث إذ يغلب أن يطغى الطابع الأنثوي على جو الأسرة فيتطبع به الولد من حيث لا يشعر، فلا بد للشاب الناشئ من شيء من الخشونة والمشقة التي يصقل بها خصائص رجولته، كما لا بد للبنت والفتاة من أن تعزز فيها خصال الأنوثة والنأي بها عن كل خصال الاسترجال سواء أكان في الملبس أم المشية أم الكلام أم الجلوس أم القيام.(1/53)
ولعل من أهم ما يتعلق بهذا الأمر الترصد لظاهرة لبس ملابس الجنس الآخر، وهي ارتداء الذكر ملابس الأنثى، أو ارتداء الأنثى لباس الذكر، والسر في خطورة هذه المسألة يتمثل في أمرين؛ أولهما دلالة هذه النزعة على استعداد الفرد للانحراف عن الفطرة السوية، والثانية دلالتها على الميل لأخذ دور المفعول به في علاقة اللواط أو السحاق، إذ لا يخفى أن العلاقة اللوطية أو السحاقية لا بد في كل منهما من فاعل ومفعول، فالمفعول به في اللواط يحل محل الأنثى، ولذا تجد الميل لملابسها، والفاعل في العلاقة السحاقية تأخذ دور الذكر فلا بد لها من لبسة الذكر، ومن هذا كله تفهم سر تلك اللعنة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء" سنن أبو داود – حديث 4097، فلا بد من التنبه لهذه الظاهرة وقمعها قبل استفحالها.
ثالثاً: التزام سنن الفطرة:(1/54)
وإن مما يعين على حسن تربية الأولاد ذكوراً وإناثاً، والاعتناء بتنشئة كل جنسٍ على خصاله، الالتزام بالسمت الظاهر الذي شرعه الله تعالى لكلٍ من الذكر والأنثى، فمن المعلوم أن الله تعالى قد أمرنا بطهارة الظاهر مع طهارة الباطن، وإن من طهارة الظاهر سنناً علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان منها ما يتعلق بمخالفة الرجال والنساء بعضهم البعض في السمت الظاهر، فأمر الرجال بإعفاء اللحى وحف الشوارب صيانةً لسمت الرجولة، وسداً لذريعة النظر إلى الأمرد الحليق المتشبه بالنساء، قال صلى الله عليه وسلم: "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى" صحيح مسلم – حديث 259، واعلم أن الذين يتناولون أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالامتثال والتسليم، هم الذين ينتفعون بهديه صلى الله عليه وسلم غاية الانتفاع، بحيث يورثهم هذا الامتثال طاعةً وصيانةً للفضيلة وحفظاً من أسباب الرذيلة، أما من أراد أن يتكلف لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلات مناسبة للعصر فإذا به حليقٌ أمرد مخالفٌ لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عن حاله.(1/55)
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم على الرجال أموراً أباحها للنساء صيانةً لرجولة الرجال وتأكيداً لأنوثة النساء؛ فحرّم لبس الذهب والحرير على الرجال وأباحهما للنساء، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله في يمينه، وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال:" إن هذين حرام على ذكور أمتي" سنن أبو داود – حديث 4057. وحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المرأة أن تتشبه في لبسها وزيها بالرجال، فقد لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل" سنن أبو داود – حديث 4098، وقيل لعائشة رضي الله عنها: إن امراةً تلبس النعل، فقالت:"لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَجِلة من النساء" سنن أبو داود – حديث 4099، ولعلك الآن تدرك شيئاً من سر هذا اللعن، ذلك أن مخالفة الفطرة في الهدي والسمت الظاهر سبيلٌ وذريعة إلى تنكيس الفطرة وترديها في مهاوي الرذيلة النكراء، نسأل الله السلامة من ذلك.
رابعاً: التربية والتوجيه المبكر والتفريق في المضاجع وستر العورات:(1/56)
لقد نبه الشرع على مسائل غاية في الأهمية في تربية الأولاد، ومن ذلك عناية الشرع بتوجيه الآباء والأمهات إلى غرستين مهمتين أولاهما غرس الصلاة، والثانية غرس الفضيلة والعفة؛ ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع" سنن أبو داود – حديث 495، ولا شك أن هذا التفريق صيانة لكل من الذكر والأنثى عن مكاشفة أو ملامسة عورة الغير ذكراً كان الغير أم أنثى، إذ أن عواقب التراخي في مثل هذه الأمور غير محمودة، ولربما ضاقت البيوت اليوم بالأسر، فلا أقل من أن يكون لحاف كل ولد منفرداً عن لحاف أخيه أو أخته، ولا يتهاون في نظر الأخوة والأخوات إلى عورات بعضهم البعض، وصون العورات وغض الأبصار في الصغر أيسر من ستر ما هتك منها، وصرف ما ائتلف النظر إلى الحرام منها بعد الكِبَر، وهذا كما في الأمثال العامية: من شبَّ على شيء شاب عليه.(1/57)
ويصب في سياق هذا المسلك التربوي التوجيه الشرعي للآباء بتعليم الأبناء آداب الاستئذان، قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لِيستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحُلُم منكم ثلاث مرات مِن قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عوراتٍ لكم ليس عليكم ولا عليهم جُناحٌ بعدهن طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليمٌ حكيم. وإذا بلغ الأطفال منكم الحُلُم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليمٌ حكيم) سورة النور – آية 58-59. فهذه المنظومة الأخلاقية البديعة من لدن عليمٍ بطبيعة الإنسان وما يمكن أن يؤدي إليه الانحراف المبكر فيها من خلل وانتكاسة في السلوك والفطرة، حكيمٍ في وضع الأمور في مواضعها، ومن ذلك تعهد الأطفال بالتربية والتوجيه المبكر قبل سن التكليف، حتى يبلغ الطفل الحلم وقد روضته التربية للانقياد للتوجيه الرباني، والتشريع السامي، الذي يحفظ الفطرة نظيفة، والقلب طاهراً، والعقيدة سليمة نقية لا شوب فيها.(1/58)
ومما يؤكد أهمية هذا الأمر أن كثيراً من الممارسات الجنسية الشاذة والفاحشة ترجع في منشأها إلى بذر الشيطان في الصغر حيث ترتبط اللذة والشهوة ارتباطاً غير مقصود بادئ الرأي مع بعض المواقف، ثم يتأصل هذا الارتباط بطريق التعليم الشرطي، وقد يبلغ هذا التأصل والارتباط درجة يصعب انفكاك غريزة الجنس واللذة الملازمة لها عن هذا السلوك الشاذ، وقد يكون هذا السلوك الشاذ في الصغر عبارة عن إفضاء الأخوة إلى بعضهم البعض في لحاف واحد، أو اطلاع بعضهم على عورة البعض، أو مطالعة ما يجري من قبل أهل الفاحشة والسحاق واللواط لا سيما رفاق السوء من ممارسات فاحشة بين أفراد الجنس الواحد كالبنت مع البنت والذكر مع الذكر، فيما يسمونه اليوم تلبيساً وتدليساً (استكشاف الهوية الجنسية)، وعلى الوالدين في زمان الفتنة والفساد هذا أن يحذروا من خلوة أولادهم ذكوراً وإناثاً مع أي إنسان دون إشراف ومعرفة لطبيعة العلاقة والحوار الدائر في هذه الخلوات، فكم من مسكين يعتقد أن ابتته في مأمن عند بيت صديقتها، فإذا به يفجع بأن هذه الصديقة عشيقة قد وقعت ابنته في حبها، والعكس بالعكس مع ولده الذي لا يلتفت لتفقد صحبته وأصدقائه، فإذا بالمصيبة قد وقعت، والفاحشة قد ارتكبت وانتكس الولد فاعلاً أو مفعولاً به، والله المستعان. والسر في المسألة التزام أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحسن التربية والتفقد والتعهد لأحوال الذرية، ولعمري إن التربية في هذا الزمان تستدعي قدراً عظيماً من الحذر والمتابعة والتحري والاستقصاء، أما أن نركن إلى الدعة ونقصر في تعهد غرسة الإيمان والأخلاق في أولادنا، حتى إذا وقع المحذور ولات حين ندم تفجعنا واستشطنا غضباً، فليس وراء ذلك من جدوى أو نفع يذكر.
خامساً: صيانة السمع عن أخبار أهل الفجور:(1/59)
رصدت دورية مطبوعة للشاذين جنسياً من أهل الفطرة المنكوسة في مقال لها في شهر يناير 2007 تقريراً حول المحتوى الجنسي لبرامج الموسم التلفزيوني في فترة عام 2001-2002، والموسم التلفزيوني في عام 2002-2003 لتقييم نسبة الإشارة إلى النمط الجنسي الشاذ مترجم من خلاصة مقال:
Gay, lesbian, and bisexual content on television: a quantitative analysis across two seasons. - Fisher DA - J Homosex - 01-JAN-2007; 52(3-4): 167-88، وركزت الدراسة على ما يبث في أكثر من ألف برنامج تلفزيوني سواءٌ أكان المحتوى الجنسي كلاماً أم سلوكاً مرئياً، وتبين أن نحو 15% من هذه البرامج يحتوي على مواد جنسية شاذة مع تفاوت بينها في التصريح والتلميح، والعرض الإيجابي أو السلبي أو المحايد للسلوك الجنسي السحاقي أو اللوطي، والشاهد من هذا الموضوع أمران؛ أحدهما التنبيه على المحتوى الجنسي الشاذ والمنحرف الذي يتعرض له أولادنا الذي يتركون مع هذا المربي الجديد، مما يساهم في ترسيخ وترويج اللوطية والسحاقية كسلوك طبيعي لا يستلزم إنكاراً ولا يمثل جريمة ولا فاحشة، والأمر الثاني التأكيد على تسخير أعداء الإسلام لوسائل الإعلام في حربهم ضد الدين والأخلاق والفطرة، ولكن هل من سامع أو مجيب؟
وأود التنبيه على أن هذا المحتوى القذر للإعلام المرئي والمقروء لا يقتصر على برامج "البالغين" فحسب، بل إن هذا الدس يتسرب إلى برامج الأطفال وإلى الألعاب الإلكترونية (مثل بلاي ستيشن وغيرها من وسائل التدمير)، وقلما يتنبه الأهل إلى المحتوى الجنسي الفاحش والشاذ لكثير من هذه الألعاب، أما الأغاني والموسيقى الغربية الفاحشة والتي تعرض نمط الحياة الجنسية الشاذ للوطيين والسحاقيات فما أكثرها، ولكن أني يتنبه الأبوان لهذه المخاطر وهما يسمحان لأولادهم باقتناء هذه الأدوات والاستماع لهذه الأغنيات دون مراقبة أو نصيحة أو تحذير أو تنبيه؟!(1/60)
ومما يصب في هذا السياق ما يقوم به الإعلام المقروء من مجلات وصحف في مجتمعاتنا الإسلامية من نشر أخبار أهل الخنا واللواط والسحاق وكأنها أحداث جديرة بالذكر والاهتمام، دون أدنى إنكار أو إشعار بفحش هذه الجرائم وقذارة أهل هذه الأخبار، ولا يخفى أن ذكر هذه الأخبار يتفاوت ويتراوح في التدريج ما بين بث سلوك الخنوثة والميوعة بين الرجال، والاسترجال والذكورة بين النساء، وعرض قصص وأخبار اللوطية السحاقية في صورة مآسٍ اجتماعية إنسانية تستحق الرحمة والنضال من أجل نصرة حقوقهم، إلى عرض أخبار فردية شاذة لا تدع للحياء ستراً إلا هتكته، ولا لله حداً إلا اعتدته، وفي هذا ما فيه من ترويض الناس على قبول الفاحشة والرضوخ لها كأمر واقع جدير بالتعامل معه وتقبله لا بمحاربته والتصدي له.
إن الذي ندين لله تعالى به أن منصات بث الفاحشة والرذيلة والترويج لفكر السحاق واللواط ليست إلا مراصد لحرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإن خطرها على مجتمعات المسلمين عظيم جداً، فعلى كل قادر أن يتصدى لها بمراتب الإنكار الثلاث، القلب واللسان واليد مراعياً ضوابط الإنكار الشرعي، وإلا فإن الضحية التالية ستكون في بيت أحدنا عياذاً بالله من ذلك، وليست الحرية الإعلامية التي يتبجح بها البعض ذريعةً للكف عن هؤلاء، هيهات هيهات، بل إن حكم هؤلاء اليوم قريب من حكم الصائل المعتدي الذي يجوز – بل قد يجب – على المتضرر أن يرده بكل ما يحتاج إليه دفعاً لخطره، وصوناً لدمه وعرضه، والله المستعان.
سادساً: التزويج المبكر:(1/61)
ولعلك انتبهت أخي القارئ إلى قولي (التزويج) لا (الزواج)، لأننا نتحدث عن دورنا نحن الآباء والأمهات في حماية أبنائنا وبناتنا من الخطر الذي يتربص بهم من أهل السحاق واللواط، وقد بينا أن أهل السحاق واللواط اليوم لا يكتفون بممارسة أنفسهم الخبيثة لهذه الفاحشة المقيتة، بل هم يريدون بذر بذور هذه الغرسة النتنة في تربة مجتمعاتنا لتنبت فيها نبتها الخبيث، فتجد أنفسهم الممقوتة غايتها من ضحايا الجنس المنحرف والفطرة المنكوسة، ويجد أهل الكفر والإلحاد غايتهم في تدمير المنظومة العقدية الأخلاقية الإسلامية، فتخلو الساحة لخبثائهم وخبيثاتهم يعيثون في الأرض فساداً، بلا حدٍ زاجر، ولا عقوبةٍ رادعة، ولهذا كان من المتعين على أهل الحق الالتفاف حول راية الطهر والعفاف اليوم ليتميز فسطاطهم عن فسطاط أهل الخبائث أهل الحشوش القذرة والأخلاق الإبليسية الرديئة، ولقد نبه الله تعالى في القرآن على هذه المزاوجة والمقابلة؛ مزواجة أهل الطيب والطهر والعفاف، ومقابلتهم للأزواج النتنة الخبيثة، قال الله تعالى: ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرَّؤون مما يقولون لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم) سورة النور – آية 26. ولهذا كان السعي الحثيث لتحصين فطرة أولادنا السليمة وصيانة الفضيلة في مجتمعاتنا بالسعي المبكر لتزويج أبناء وبنات المسلمين، حتى نصرف غريزتهم الجنسية نحو الوجهة الحلال الطاهرة، ونقيهم من التلبس بالسلوك الخبيث القذر الذي يروج له أهل السحاق واللواط.(1/62)
ولقد تقدم التنبيه على هذا العلاج القرآني لمرض اللواط في قصة قوم لوط، حيث صرف نبي الله لوط عليه السلام أولئك المنحرفين إلى الحلال الطيب، قال تعالى: ( وجاءه قومُه يُهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قومِ هؤلاء بناتي هنَّ أطهر لكم فاتقوا الله ولا تُخزونِ في ضيفي أليس منك رجلٌ رشيد) سورة هود – آية 78. فلقد وجههم لوط عليه السلام إلى الزواج الطاهر العفيف الطيب، حيث يضع الرجل الطيب بذرته في حرث طيب، فأبى هؤلاء المجرمون إلا أن يقبعوا في وحل الرذيلة كما قال تعالى: ( قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) سورة هود – آية 79.
وقد يقول قائل: وأين العلاج في هذا وهو لم يجدِ نفعاً مع قوم لوط، والجواب: إننا في معرض الكلام عن الوقاية من هذه الجريمة النكراء والسلوك المنكوس، وهذا والله أعلم موضع النفع حيث يدرأ المرء هذه الممارسات المجرمة عن نفسه وعمن يعول بصرفها إلى الحلال الطيب، أما بعد التلبس بفاحشة اللواط والسحاق، فلقد قدمنا الكلام على أن هذا كالمقتول بل هو أشد، إذ يغلب ألا يجدي علاجٌ مع هؤلاء، وهذا الذي كان مع قوم لوط، فهو عليه السلام قد دلهم على العلاج من باب الأمر الشرعي والنذارة قبل حلول غضب الله تعالى عليهم، في حين أن تمكن هذه الرذيلة منهم كان من قبيل الأمر الكوني، وهذا هو المشاهد في الأعم الغالب، وهذا هو الذي يدعونا لإعلان صيحة النذير واستنفار حراس الفضيلة في مجتمعاتنا قبل استفحال الأمر، ولقد أصبح الأمر جد خطير، واستعلن المجرمون بفاحشتهم، ولا حول ولا قوة إلا الله.
والمقصود أن الإسراع في تزويج الأولاد بعد بلوغهم الحلم يمثل حصناً حصيناً وعلاجاً قرآنياً يصرف غريزة الجنس الفطرية السليمة وجهتها السليمة، ويقي من تلبسها بالسلوك المنحرف، فالمشغول لا يُشغل، والحلال مندوحة عن الحرام، والله المستعان.(1/63)
وإن مما يدخل في هذا الباب أيضاً إحياء سنة تعدد الزوجات، وإن الحكمة المقصودة والمتوخاة من التعدد في سياق محاربة رذيلة اللواط والسحاق، إتاحة الفرصة للنساء للزواج حيث لا يخفى وفرة النساء نسبة للرجال، لا سيما في مجتمعاتنا المسلمة التي تعرضت ولا تزال إلى حروب عدوانية طاحنة قتلت الملايين ولا تزال، وكذلك إتاحة الفرصة للرجال لشغل الغريزة الجنسية السليمة في الحرث الحلال الطيب، ومعلوم أن الزوجة لا تستطيع القيام بحقوق العشرة الزوجية في أوقات عذرها الشرعي، كما أنها قد تحتاج بعض الراحة في أوقات الانشغال بالحمل والرضاع، فلا يُترك الرجل عرضةً للوقوع في الحرام، وليس هذا على كل حال موضع التفصيل في حكمة التعدد، وإنما ننبه هنا على أن في هذا الحلال الطيب مندوحة عن الحرام بكل أنواعه، قال الله تعالى: (وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورُباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) سورة النساء – آية 3.
وإذا كانت الآية الكريمة قد صرفت الرجل إلى تعدد الزواج من الحرائر غير اليتيمات بمهورهن الكاملة، خشية أن يبخس اليتيمة التي في حجره مهرها الذي تستحقه، وهذه مصلحة غير متعلقة بمسألة الزوجية والمعاشرة تعلقاً مباشراً، فمن باب أولى أن يُصرف الرجل إلى الزواج والتعدد الحلال الطيب حمايةً له من الوقوع في الحرام الذي هو من جنس المعاشرة الجنسية، والله تعالى أعلم.(1/64)
وتأمل معي في مثل هذا المعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال:" أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" صحيح مسلم – حديث 1006، فأنت إذا تأملت قوله صلى الله عليه وسلم "لو وضعها في حرام" لوجدت هذا الوصف غير مقتصرٍ على الزنا فحسب، بل يشمل كلَّ وطء حرام كاللواط ووطء الزوجة في الدُبر، عياذاً بالله من ذلك. والشاهد أن في الزواج وفي تعدد الزوجات صرفٌ لغريزة الجنس في مصرفها الحلال الطيب، وفي هذا وقاية وصيانة عن وضعها في الموضع الخبيث، والحمد لله.(1/65)
ولا يقتصر الأمر بتبكير الزواج على الأولاد الذكور، بل هو أحرى وأيسر للبنات، وتأمل هذه الحملة العالمية التي تهيء لتأخير زواج البنت بكل الوسائل الممكنة، بل إن بعض الدول الكافرة تضع حداً أدنى للسن القانوني لزواج البنت، وهناك محاولات حثيثة من قبل المنظمات الأممية الطاغوتية كالأمم المتحدة وأفراخها لفرض هذا على الدول الإسلامية، بحيث يمنع القانون من زواج البنت دون سن معينة كالثامنة عشرة، وفي هذا ما فيه من تحريم ما أحل الله، وتأخير تحصين الشباب والفتيات، فإذا أضفت إلى هذا التأخير ما يتعرض له كل من الشاب والفتاة من تأجيج الشهوات المحرمة، وبث تيارات الفكر اللوطي السحاقي، ظهر لك كيف يحيك أهل الباطل مكائدهم، وتبين لك أن صد هذا الباطل لا يكون إلا بتحليل الحلال أي اعتقاد حله وفعله مراغمةً لأعداء الله الذين يحرمون الحلال ويحلون الحرام، بل لقد سولت لبعض الكفرة الفجرة أنفسهم الخبيثة التطاول على مقام النبوة باللمز والطعن في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقطع تلك الألسنة المتطاولة على مقام سيد الخلق بأبي وأمي هو صلوات الله وسلامه عليه ولقد أفردت كتاباً في التذكير بحكم هؤلاء المجرمين وهو بعنوان (نصرة خاتم الأنبياء) صلوات الله وسلامه عليه، وبينا أن السيف في هؤلاء واجب حصراً، فراجعه غير مأمور.، والمقصود بيان مدى شراسة هجمة هؤلاء المجرمين في التطاول على شرع الله ودين الله، ومحاربة الحلال، وترويج الحرام، ونحن مع هذا الهجوم الشرس على يقين من أن الله تعالى غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
سابعاً: إحسان عشرة الزوجات:(1/66)
إن مصيبة الوقوع في فاحشة اللواط لا تقتصر على الشباب البكر، ولا يقنع الشيطان بترك فراش الزوجية الطاهر نقياً من شوائب الفسق والخنا واللواط والزنا، ولذلك نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضرورة التحرز من تلك القذارة والسلوك المنكوس، فقال صلى الله عليه وسلم :"لا ينظر الله إلى رجلٍ جامع امرأته في دبرها" سنن ابن ماجة – حديث 1923، وقال صلى الله عليه وسلم :"ملعونٌ من أتى امرأته في دبرها" سنن أبو داود – حديث 2162، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحق" ثلاث مرات "لا تأتوا النساء في أدبارهن" سنن ابن ماجة – حديث 1924.
إن تحريم هذا الوطء الذي تنفر منه الفطرة السليمة قد جاء بهذه الصيغ المتنوعة تأكيداً لفحش هذا السلوك، وإنه لمن المعيب بل والمحزن أن نسمع اليوم شكاوى بعض المسلمات المؤمنات الطاهرات اللواتي يطلب منهن أزواجهن هذا الفعل المحرم والفاحشة المستقذرة، فأين الأزواج عن هذا الوعيد الشديد؛ لعنة الله والحرمان من نظر الله تعالى إليه يوم القيامة، ومن لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة فلا تسأل عن حاله، ألا فليتق الله هؤلاء الرجال، وليعودوا إلى رجولتهم الحق بالتزام الصمام الواحد الطبيعي، حيث يضع بذره في حرثه، فتكون الذرية الطيبة الموحدة بإذن الله، خلافاً لذلك البذر الخبيث في الموضع الخبيث الذي لا يأتي إلا بلعنة الله عياذاً بالله من ذلك.
ثم لتعلم كل زوجة مسلمة أن هذا الطلب من الزوج لا يجوز ولا يحل الاستجابة له البتة، فلا طاعة للزوج في معصية الله عز وجل، وإذا أصر زوجها على ذلك وآذاها فلها اللجوء بعد الله تعالى إلى القضاء الإسلامي، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا عذر لزوجة في طاعة زوجها في هذه المطالب المستقذرة والفواحش المحرمة.(1/67)
والمقصود أن الرجل إذا تردى في هذا الحضيض وارتكب الوطء المحرم في الدبر، انتكست نفسه، ولم تعد تقنع بالزوجة، فذهبت تبحث في مستنقعات المجتمع عن مواضع أخرى لهذا الوطء، فلا شك أن سد هذه الذريعة والحرص على الوطء المباح في صمام واحد مما يعين على الوقاية من انتشار فاحشة اللواط.
ثامناً: تقوى الله:
لقد تقدم معنا في سرد قصة لوط مع قومه قول الله تعالى: ( وجاءه قومُه يُهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قومِ هؤلاء بناتي هنَّ أطهر لكم فاتقوا الله ولا تُخزونِ في ضيفي أليس منك رجلٌ رشيد) سورة هود – آية 78، وتكلمنا على وسلية من وسائل الوقاية من اللواط وهي التوجيه إلى الوطء الحلال الطيب من الزوجات الطاهرات العفيفات، وهنا نتكلم عن الوسيلة الثانية التي حاول لوط عليه السلام أن يردع قومه بها وهي تقوى الله، وأعود فأنبه على أن عدم استجابة قوم لوط لهذا الزاجر كان لتجاوزهم الحد في هذه الفاحشة، وتأصلها فيهم، وطبعِ الله تعالى على قلوبهم، فإن الملائكة قد أتت بعذاب الله تعالى وقضي الأمر، وهذا الذي قاله لوط عليه السلام لقومه تعليم من الله تعالى لأسباب الوقاية من فاحشة اللواط، وهي ثلاثة أسباب وردت في الآية: التوجيه إلى الوطء الحلال، وتقوى الله، وتحكيم العقل والرشد في مثل هذه التصرفات التي يأباها العقل الرشيد والفطرة السليمة، وكل ما ذكرناه من وسائل في هذا الفصل إنما ندندن حول هذه الأمور الثلاث، فالحمد لله الذي أتم لنا الدين، وأحكم لنا آيات القرآن المبين.(1/68)
والمقصود أن انشغال نفس المكلف وجوارحه بتقوى الله تعالى والأسباب المحققة لهذه التقوى جديرة بحمايته من الوقوع في شرك الفاحشة اللوطية والسحاقية، فإذا تأملت معنى التقوى وهي أن يجدك الله تعالى حيث أمرك، وأن يفقدك حيث نهاك، لعلمت أن هذا هو الترياق الواقي بإذن الله؛ فالله أمرك بالوطء المباح الحلال في الموضع الطيب الطاهر، ونهاك عن الوطء المحرم في الموضع الخبيث، ولهذا كان حتماً على كل مسلم أن يعمر قلبه بذكر الله تعالى حتى يستشعر مراقبته عز وجل له في كل أحواله، فيتحرى تقوى الله في لحظات الخلوة الجنسية.
وتأمل كيف علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء العظيم عندما يأتي أحدنا أهله، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك، لم يضره شيطانٌ أبداً" صحيح البخاري – حديث 6388، فتأمل كمال وروعة التشريع الإسلامي حيث شرع ذكر الله تعالى وهو أشرف الأعمال والأقوال في لحظةٍ أقرب ما يكون المرء فيه من الطبيعة الطينية والغريزية الجنسية ليهذب هذه الغريزة وليجعل هذا الفعل واقعاً على الوجه الذي أمره الله تعالى، وليكون مراده منه مراداً سامياً من إعفاف نفس، وإحصان فرج، وطلب ولد للجهاد، وإعمارٍ للأرض بالموحدين، فأين هذا الرقي والسمو وأين أولئك الذين يهوون تنكيس الفطرة ويأوون إلى ظلمات الباطل ويتمرغون في أوحال الرذيلة والخباثة.
تاسعاً: إقامة الحدود(1/69)
إن الانحراف البشري أمر واقع يتعامل معه الإسلام بواقعية وحزم، ولهذا شرع الله تعالى الحدود والتعازير عقوبات زاجرة لمن تعدى حرمات الله عز وجل وانتهك حرمات المسلمين من الدين والدماء والأموال والعقول والأعراض، وبغير هذه الحدود لا تستقيم حياة المجتمع البتة، قال الله تعالى: (ولكم في القِصاص حياةٌ يا أولي الألباب لعلكم تتقون) سورة البقرة – آية 179.
إن جريمة اللواط جريمة منكرة تمثل تعدياً على الدين، وتعدياً على العرض، وتعدياً على الأنفس باعتبار فطرتها السوية، وهي بما تمثله من سقم وانحراف، وبما ينفق في سبيلها من أموال تعتبر تعدياً على العقول والأموال، فهذه الجريمة جريمة متعدية تتعرض لمقاصد الدين الكلية الخمسة ؛ الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وهي جريمة بحاجة إلى أن يتصدى المجتمع لها بأسره، صيانة للفضيلة وحماية للمجتمع من التردي في دركات هذه الكبيرة.
ولقد تقدم معنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" سنن الترمذي – حديث 1456، وإننا مهما تكلمنا عن تعاطي أسباب الوقاية لمنع وقوع هذه الفاحشة الرذيلة، فلا بد من أن نكون مستعدين لتطبيق حد الله تعالى في تلك الفئة المنحرفة المعلنة بفاحشتها التي تقترف هذه الجريمة غير آبهة بحرمات الله تعالى، ولا ملتفتة إلى حق المجمتع الذي تعيش فيه وتنتمي إليه، فكان لا بد من تطهير المجتمع المسلم من هؤلاء، تماماً كما أنه يجب بتر العضو المتسمم من الجسد كي لا يتسرب السم والنخر والموات إلى باقي الجسد.(1/70)
بقي أن نقول إن مسألة تعطيل الحدود الشرعية اليوم تستمد خطرها العظيم من أمرين اثنين؛ أولهما أن تعطيل الحدود الشرعية والعقوبات الربانية التي أقرها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتطبيق نظام عقوبات وضعي بشري وتعبيد الناس له والتحاكم إليه من دون شرع الله هو مرادف الكفر، والثاني أن تعطيل هذه العقوبات والحدود الشرعية هو تعطيل لسبل علاج المجتمع الذي بدأت تظهر فيه بوادر الانحراف العقدي والأخلاقي والسلوكي متمثلة في أفرادٍ لا يُراعون للدين حرمةً، ولا يحفظون للمجتمع حقاً. وإن تعطيل الحدود الواجبة هو تعطيل لصيانة المجتمع من هؤلاء المنحرفين، فإذا بالجريمة تنتشر ، وإذا بالظاهرة الفردية تتحول إلى ظاهرة اجتماعية، ولا يخفى ما يترتب على ذلك كله من الفتنة والفساد المفضي إلى دمار المجتمع بأسره.(1/71)
ومن جهة أخرى، فإننا عندما نطالب بتطبيق الحدود الشرعية نطالب بتطبيقها بالطريق الصحيح المنوط بالحاكم المسلم أو من ينوب عنه كالقاضي ونحوه، وليس تعطل الحكم الإسلامي بعذر ولا بحجة مقبولة لقيام بعض الأفراد بتطبيق الحدود بأيديهم وبأنفسهم إذ أن هذا ليس لهم، ولا يعود تصرفهم الفردي هذا على المجتمع بشيء سوى الفوضى والهرج ومزيد من الفتنة، فليحذر الغيورون من المسلمين من الوقوع في هذه المكيدة الإبليسية المفضية إلى تنفير الناس من الدين، وإلى تحقيق نتائج خلاف النتائج المرجوة من تطبيق الحدود بالطريق الصحيح، فإن قال قائل : إن هذا يعني الإقرار على تعطيل الحدود، قلنا: هذا غير صحيح ولا يلزم، بل نحن ننكر بقلوبنا وبألسنتنا تعطيل الحدود الشرعية، ونسعى إلى بعثٍ إسلامي، ووعي شرعي مجتمعي سياسي يقيم ما اندثر من أمر الدين، ولكن لكل مقامٍ مقال، وهذه مسألةٌ كليّةٌ خطيرةٌ من مسائل الدين، لا يجوز أن يتقحمها الأفراد على غير بصيرة ولا هدى ولا كتاب منير. وإنما المقصود من ذكرها هنا التنبيه إلى أثر من الآثار المترتبة على تعطيل الحدود، وتهييج المسلمين حكاماً ومحكومين على العود الحميد إلى تطبيق الشرعية الإسلامية، والتحاكم إلى شرع الله تعالى وفق منهجية علمية سليمة منضبطة، نسأل الله تعالى أن يعجل بذلك على الوجه الذي يرضيه عنا، آمين.
عاشراً: الهجرة:
إن واجب المسلم عند انتشار الكبائر أو البدع أو الكفر انتشاراً لا يملك حيلةً في دفعه عن نفسه ومن يعول، ولا يملك أن ينكر على هذا المنكر أو يأمر بضده من المعروف على الوجه الذي تبرأ به الذمة، وعند ذاك فلا حيلة للمسلم القادر إلا أن يهجر تلك البلدة الخبيثة، مبالغةً في إعلان البراءة من أهلها وفعلهم الخبيث، ونجاةً بنفسه وأهله من عذاب الله تعالى المتربص بهم، وحمايةً له ولأهله من أن يُحشر مع هؤلاء والعياذ بالله.(1/72)
ولقد جاء التنبيه على هذا الأصل العظيم في القرآن الكريم على وجه العموم في قوله تعالى: ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مُرَاغَماً كثيراً وسَعة ومَن يخرج مِن بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموتُ فقد وقع أجرُه على الله وكان الله غفوراً رحيماً) سورة النساء – آية 100، وورد التنبيه على هذا المسلك بالنسبة لكبيرة اللواط على وجه الخصوص في قصة لوط عليه السلام مع قومه، حيث قال الله تعالى: (ولوطاً آتيناه حُكماً وعلماً ونجّيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سَوءٍ فاسقين. وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين) سورة الأنبياء – آية 74-75. ثم تأمل صفة هذه النجاة وهي هجرة البلد السوء والخروج منه بأمر الله تعالى، فقد قال الله تعالى: (قالوا يا لوط إنّا رُسُلُ ربك لن يَصِلوا إليك فأَسْرِ بأهلك بِقِطْعٍ من الليل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) سورة هود – آية 81، ومع أن الأمر إلى لوط عليه السلام كان وحياً، فإننا معشر الموحدين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم مأمورون بجنس الهجرة من المعصية إلى الطاعة، ومن أرض المعصية والكفر إلى أرض الطاعة، وهذا واضح لا خفاء فيه، ولله الحمد.
حادي عاشر: إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال الله تعالى: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصَوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهَون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. ترى كثيراً منهم يتولَّون الذين كفروا لبئس ما قدَّمَت لهم أنفسهم أن سخِط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) سورة المائدة- آية 78-81.(1/73)
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مثلُ القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهَمُوا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً" صحيح البخاري – حديث 2493.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو نبض المجتمع المسلم، وشريان حياته، وصمام أمانه، ولا خيرَ في مسلمٍ يرى المنكر ويسكت عنه، بل لا عقل في مثل هذا الذي يرى صاحب المنكر يوشك أن يخرق سفينة المجتمع، وهو منزوٍ في ناحية السفينة لسانُ حاله ومقاله: إن هذا ليس من شأني! ناهيك عن أن باردَ القلبِ ميّته الذي لا يغضب لانتهاك حرمات الله شخصٌ مغلوبٌ على دينه، أسيرٌ لشيطانه يقنع بسلامة مأكله ومشربه ومسكنه ولا يلتفت وراء ذلك قيد شبر.
وأنت إذا تأملت الآيات من سورة المائدة أعلاه، لوجدت أن شأن هذه العبادة عظيم، وأن تعطيلها أمرٌ خطيرٌ؛ فأول خطورته استجلاب لعنة الله تعالى وكفى بهذا الداء داءً عُضالاً، وثاني هذه الأمور ما يترتب على تعطيل النهي عن المنكر من تولي لأعداء الله سواء أكانوا من أهل الفسق والفجور الممارسين للمنكر، أم من أهل الكفر والنفاق المستحلين له، فإذا انعقدت هذه الموالاة على معقد الكفر والفسق والفجور، ترتب ثالث هذه الأمور الخطيرة ألا وهو وقوع سخط الله تعالى على أولئك المتوالين على عداوة الله وعصيانه والتمرد على أمره، فإذا مات المرء على ذلك كان الخلود في العذاب العظيم، عياذاً بالله من ذلك الحال البئيس. وفي مقابل هذه الحال حال أولياء الله الغاضبين لانتهاك
حدوده، والمنكرين على من يعصون أمره، الموالين للنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه الموحدين المخلصين، فشتان بين هذه الأحوال.(1/74)
ولقد تقدم معنا في الفصل المتعلق ببيان خطورة تيار الفكر اللواطي اليوم مسألة اتخاذ اللوطية السحاقية معقداً للولاء والبراء بين أهل الفسق والفجور والنفاق والكفر، وهذه الآيات تبين بكل وضوح أن هذه المولاة الشيطانية هي المقابل للموالاة الإيمانية؛ فالناس أحد فريقين إما موالٍ لله تعالى وأوليائه الصالحين الطيبين الأطهار، وإما معادٍ لله تعالى وموالٍ للفساق الخبيثين والمنافقين والكفار، وأما الفريق الثالث الذي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فلا يستحق ذكراً فيُذكر، ونرد حكمه إلى الله تعالى، والله أعلم.
وأنبه هنا على أن ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسائل الوقاية من انتشار اللواط والسحاق إنما أوردناه آخراً ليكون على بيّنة وعلم، إذ لا يمكن القيامك بهذه الفريضة إلا بنوعين من العلم أحدهما العلم الشرعي المتعلق به، وثانيهما العلم بالسياق والملابسات الخاصة في كل زمان ومكان ظهر فيه هذا المنكر، حتى يتمكن المحتسب من تقدير حجم الخطر والسياق الخاص الذي ينكر فيه، وما يترتب على الإنكار من مصالح ومفاسد تقيد القيام بهذه الفريضة أو تجعله أشد ضرورة. ولقد تبين لك أيها المسلم الغيور أن خطر هذه الجريمة اليوم خطرٌ عظيم، وهو خطرٌ متعدٍ يتجاوز الأفراد الساقطين في وحل الرذيلة، ويتجاوزهم ليمثل منهج هجومٍ شاملٍ على ثوابت الإسلام وشرائعه وعقيدته، وهذا يجعل القيام بهذه الفريضة أعني النهي عن المنكر أكثر أهمية وحرجاً في هذا المقام، والله تعالى أعلم.
الخاتمة
إن المعركة التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم معركة خطيرة، إنها معركة العقيدة، معركة الأخلاق، معركة الأفكار، معركة المرجعية، ومعركة الحاكمية؛ حاكمية شرع الله أو شرع الشيطان على كل قلب مسلم، على كل بيت، على كل حي، على كل مجتمع، على كل دولة، على العالم بأسره...(1/75)
إنها معركة لن تحسمها كتائب الجيوش الأرضية، ولا أسراب الطائرات الحربية، ولا سيل الصواريخ البالستية والذرية والنووية، بل إن الذي سيحسم هذه المعركة بإذن الله هو أنا وأنت أيها المسلم، نعم أنت الذي لا أعرفك، وأنا الذي لا تعرفني، لا أقولها تزكية للنفس معاذ الله، ولكن أقولها استشعاراً لثقل الأمانة الملقاة على عاتقنا، أقولها يقيناً وثقةً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره" سنن الترمذي – حديث 3854، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، أقولها غير آبهٍ لجموع الكفر والطغيان، فإن الله تعالى قد تكفل لنا بهم، إن نحن نصحنا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن نحن أنكرنا المنكر ما وسعنا، وأمرنا بالمعروف ما أطقنا، ونصرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بكل ما نملك، نعم بكل ما نملك، بأنفسنا، بأموالنا، بأولادنا، بأزواجنا، بمساكننا، بتجارتنا، بعشيرتنا، بكل شيء، وتأمل معي قصة قوم لوط في هذه المشاهد القرآنية العظيمة المعجزة، لتدرك أخي المسلم أن سر النصر هو النصرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكتابه ولشريعته مهما كانت الأسباب المتاحة يسيرة تافهة، وأن سر الهزيمة هو محادة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مهما كانت الأسباب المتاحة لهذه المحادة كثيرة وفيرة.(1/76)
ولقد وجدت أن خير ما نختم به هذه الرسالة التحذيرية لعموم المسلمين من خطر هؤلاء المجرمين، وخطر فكرهم، وعقيدتهم، وخلقهم المنحرف، وفطرتهم المنكوسة، أن نتدبر في هذه المشاهد القرآنية التي وثقت لهذه الجريمة ولمبرراتها المزعومة ولشبهات أهلها الباطلة، ولملازمة الموحدين فسطاط الإيمان والعفة والطهارة، والقيام بفريضة إنكار المنكر، ثم وثقت لنصرة الله تعالى لعقيدة الحق، ولفطرة التوحيد، ولسلوك الطهر والعفة، في مشهد عذاب وهلاك لأعداء الله تعالى لم يشهد التاريخ مثله، ولقد سردت هذه المشاهد على ترتيب المصحف للتدبر والتمعن، وإن أثرها في نفس من شرح الله صدره للإيمان كفيلة بأن تهيج فيه التحرك لنصرة معسكر الإيمان في معركة العفة والطهارة، فلنتأمل:
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ( فلما ذهب عن إبراهيمَ الرَوعُ وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط. إن إيراهيم لحليمٌ أوَاهٌ مُنيب. يا إبراهيم أعرِض عن هذا إنه قد جاء أمرُ ربك وإنهم آتيهم عذابٌ غير مردود. ولما جاءت رُسُلُنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يومٌ عصيب. وجاءه قومُه يُهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قومِ هؤلاء بناتي هنَّ أطهر لكم فاتقوا الله ولاتُخرونِ في ضيفي أليس منكم رجلٌ رشيد. قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لَتَعلم ما نريد. قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد. قالوا يا لوط إنَّا رُسُلُ ربك لن يَصِلوا إليك فأسْرِ بأهلك بِقِطعٍ من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب. فلما جاء أمرنا جعلنا عالِيَها سافلها وأمطرنا عليها حجارةً من سِجِّيلٍ منضود. مُسَوَّمةً عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) سورة هود – آية 74-83 ،(1/77)
وقال تعالى: (قال فما خطبُكم أيها المرسَلون. قالوا إنا أُرسلنا إلى قومٍ مجرمين. إلا آل لوطٍ إنّا لَمُنَجُّوهم أجمعين. إلا امرأته قدَّرنا إنها لمن الغابرين. فلما جاء آلَ لوطٍ المرسَلون. قال إنكم قومٌ منكَرون. قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون. وأتيناك بالحق وإنا لصادقون. فأسْرِ بأهلك بِقِطعٍ من الليل واتَّبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحدٌ وامضوا حيث تُؤمَرون. وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابرَ هؤلاء مقطوعٌ مُصبحين. وجاء أهل المدينة يستبشرون. قال إنّ هؤلاء ضيفي فلا تفضحونِ. واتقوا الله ولا تُخزونٍ. قالوا أَوَلَم نَنهَكَ عن العالَمين. قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين. لعمرُك إنهم لفي سَكرَتهم يعمهون. فأَخَذَتهم الصيحةُ مُشرقِين. فجعلنا عالِيَها سافلها وأمطرنا عليهم حجارةً من سِجِّيل. إن في ذلك لآياتٍ للمتوسمين. وإنها لبسبيلٍ مقيم. إن في ذلك لآيةً للمؤمنين) سورة الحجر – آية 57-77،
وقال عز وجل: (كذّبت قوم لوطٍ المرسَلين. إذ قال لهم أخوهم لوطٌ ألا تتقون. إني لكم رسولٌ أمين. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على رب العالمين. أتأتون الذُكران من العالَمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون. قالوا لئن لم تنته يا لوطُ لتكوننّ من المُخرَجين. قال إني لعملكم من القالين. ربِّ نجني وأهلي مما يعملون. فنجّيناه وأهله أجمعين. إلا عجوزاً في الغابرين. ثم دمرنا الآخرين. وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذَرين. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لَهُوَ العزيز الرحيم) سورة الشعراء – آية 160- 175،(1/78)
وقال تعالى: (ولوطاً إذ قال لقومه أتاتون الفاحشة وأنتم تبصرون. أئنكم لتأتون الرجال شهوةً من دون النساء بل أنتم قومٌ تجلهون. فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أُناسٌ يتطهرون. فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدَّرناها من الغابرين. وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذَرين) سورة النمل – آية54 -58،
وقال عز وجل: (ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحدٍ من العالَمين. أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين. قال ربّ انصرني على القوم المفسدين. ولما جاءت رُسُلُنا إبراهيمَ بالبشرى قالوا إنّا مُهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين. قال إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلمُ بمن فيها لَنُنَجِّيَنَّه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين. ولما أن جاءت رُسُلُنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقالوا لا تخف ولا تحزن إنّا مُنَجُّوكَ وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين. إنّا مُنزِلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون. ولقد تركنا منها آيةً بيِّنةً لقومٍ يعقلون) سورة العنكبوت – آية 28-35 ،
وقال الله سبحانه وتعالى: ( كذّبت قومُ لوطٍ بالنُذُر. إنّا أرسلنا عليهم حاصباً إلا آلَ لوطٍ نجَّيناهم بِسَحَر. نعمةً من عندنا كذلك نجزي من شكر. ولقد أنذرهم بطشتنا فتمارَوا بالنُذُر. ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونُذُر. ولقد صبَّحهم بكرةً عذابٌ مستقر. فذوقوا عذابي ونُذُر. ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكِر) سورة القمر – آية 33-40،
فهذا هو السجل الوثائقي لهذه الجريمة في القرآن، وهذه هي عاقبة أهلها، وهذه هي نصرة الله تعالى للمحتسبين عليهم فيها، فأي الفريقين تختار لنفسك أيها المسلم، أي الفريقين؟(1/79)
ختاماً، فهذا ما تيسر لي في هذه الرسالة التي كتبتها على عجالة، فأسأل الله تعالى أن يتقبل مني عملي القليل وبضاعتي المزجاة، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعله في عداد النصرة الواجبة للحق، والكر الواجب على الباطل، وأسأله تعالى أن يوفقنا للعمل بما قلنا، وألا يجعلنا من الممقوتين بقول ما لا نعمل به، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الأخيار الأطهار، ومن تبعهم بخير وإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليماً كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب الفقير إلى عفو ربه ورحمته
وسيم بن محمود فتح الله
13 ربيع الثاني 1429 هجرية
الموافق 19 نيسان/أبريل 2008 ميلادية
الفهرس
الموضوع صفحة
المقدمة 3
فصل: في التحذير من عوامل الخطر في ظاهرة اللواط والسحاق المعاصرة 5
فصل : وسائل الوقاية والتصدي لخطر اللوطية والسحاقية 23
الخاتمة 35(1/80)