(11)((من بحوث العلماء الأعلام).
(كتاب بيان الفجر الصادق)
بقلم
الشيخ محمد تقي الدين الهلالي.
خرج أحاديثه وعلق عليه
أبو الفضل عمر بن مسعود الحدوشي
وقدم له وراجعه فضيلة الشيخ
العلامة أبو أويس محمد بوخبزة الحسني
تقديم/ بقلم فضيلة شيخنا العلامة الأديب أبي أويس محمد بوخبزة الحسَني-حفظه الله- رئيس جمعية الإمام أبي القاسم الشاطبي ومدرس فيه مادة الحديث والتفسير.
بسم الله الرحمن الرحيم......... وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.(1/1)
من المسائل المهمة جداً في الدين لتعلقها بركنين كبيرين منه: الصلاة والصيام، وقد اكتنفهما من البدع الكثير، من أقبحها أثراً: مسألة الفجر الذي يتعجل جمهورُ الناس في المغرب وغيره من الأقطار الإسلامية الصلاةَ قبل تبيُّنه ووُضوحه، فيترتب على ذلك بطلان الصلاة لوقوعها خارجَ الوقت الشرعي، ومعلوم أن دخولَه شرط صحة فيها، كما يُحرَمُ الناسُ أجرَ تأخير السُّحور الذي هو الفرق بين صيام المسلمين وأهل الكتاب، ونحن مأمورون أن نخالفهم لاسيما فيما يتعلق بالدين، كما أن الله تعالى يبارك المتأخرين بالسحور المبارَك، وقد علق النبي صلى الله عليه وآله وسلم استمرار خيرية أمته ما دامت تعجل الفطر وتؤخر السحور، ومن عجب أن يُجلب الشيطان بخيله ورجله على هذا التشريع المبارَك فيميّعَه بشُبه ودعاوى ما أنزل الله بها من سلطان. ومنذ مدة طويلة كتب شيخنا المبرور العلامة الداعية الواعية الدكتور محمد تقي الدين الهلالي السجلماسي رسالته المباركة هذه: (بيان الفجر الصادق) وطبَعَها وكنا بفضل الله تعالى ثم بإرشاده وبيانه اهتدينا إلى الحق فيها وفيما هو أهم منها وآكد منها معرفة توحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته، والتفقه في الدين على منهج السلف الصالح من الأخذ بالدليل، والعناية بالتعليل، واستبعاد التقليد فيه.وانتفع مَن أراد الله به خيراً بتلك الرسالة الطيبة، ومنذ سنوات، فُقِدت من السوق، وتكرر عليها الطلب، وكثر تصويرُها، ومست الحاجة إلى إعادة طبعها وخِدمتها، فألهم الله ذلك أخانا في الله الأستاذ المؤلف المدرس الداعية، عمر بن مسعود الحدوشي، فَخَدَمَهَا خِدْمَةً عِلْميةً جَيدة، بتخريج أحاديثها وبيان مشكلها، وتحرير رواياتها، وإرجاع ذلك كله إلى مصادره الأصلية الحديثية والفقهية، فلم يكن ذلك إحياءً للرسالة فقط، بل دَعْماً وتأييداً وتخريجاً علمياً يشهد بأهلية القائم به، وبروره بشيخنا الهلالي، نوّر الله مضجعَه، وأجزل ثوابه، ونحن معه(1/2)
إن شاء الله تعالى، والله ولي التوفيق.
تطوان صباح الجمعة 18 ذي القعدة 1422هـ
وكتبه
أبو أُوّيس
محمد بوخبزة الحسَني.
شكر وتقدير واحترام/ وليس لله مستنكر أن يجمع العالم في واحد
أتقدم بجزيل الشكر والتقدير والاحترام لفضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة لما تفضل به من جهد في مراجعة هذا الكتاب والتقديم له، وقد استفدت كثيراً من بعض ملاحظاته جزاه الله خيراً وبارك لنا في علمه وعمره وبه طوق عنقي بجميل كرمه، وحق لي أن أعتام وأختار أزكى التحية والشكر، وأهديها له من مكنون صدري فإليكها:
لاِبْنِ الأْمِينِ أَبِي أُوّيْسٍ شُكْرِي وتَحية أعْتَامُها مِنْ شِعْرِي
وسَلاَمُ تَقْدِيرٍ وَحُبٍّ صَادِقٍ أُهْدِيهِ من مكنون ما في صدري
فهو المقَدَّم في الفضائل كلِّها وهْوَ المُرَجَّى للنَّدَى والخير
وهْوَ المُجَلِّي في مَضَامِير الهدى كالنجم يرقى في سماء الفكر
وهو الأديب له القريض مسلم يحكي الفحول بشعره والنثر
فجزاه ربي عن علوم بثها خير الجزاء ونال أعلى الأجر(1)
وأتقدم أيضاً بالشكر والرحمة إلى أبي العزيز الذي رباني على محبة حفظ القرآن وطلب العلم الشرعي فجزاه الله خير الجزاء، وأطلب من الله أن يرحم والدتي التي حببتني في العلم والمعرفة. وأن يرزقها جنة الفردوس. آمين، آمين، يا رب العالمين.
وأتقدم بالشكر أيضاً إلى زوجتي الفاضلة أم الفضل فقد ساعدتني كثيراً في تحقيق هذه الرسالة. وأشكر كل من قدم لي يد العون والمساعدة، ولا أنسى أولئك الشباب المؤمنين المحسنين الذين طلبوا أن يكون الكتاب على نفقتهم يوزع مجاناً في سبيل الله جزاهم الله خيراً
__________
(1) ?- والأبيات من الكامل، و(أعتامها) أي: أختارها، و(المجلي). هو الذي يسبق غيره ويأتي في المقدمة. وباقي المعاني في الأبيات مفهومة.(1/3)
وأخيراً هذه بضاعتي المزجاة لا تخلو من أخطاء تليق وتناسب البضاعة، أضعها بين يديك-أخي القارئ- فخذ صوابها واترك خطأها، فإنه: (لو كان كل من أخطأ أو غلط تُرك جملة، وأُهدرتْ محاسنه، لفسدت العلوم والصناعاتُ والحِكَم، وتعطلت معالمها). (ولولا أن الحق لله ورسوله، وأن كل ما عدا اللهَ ورسولَه، فمأخوذ من قوله ومتروك، وهو عُرضة الوَهَم والخطأ: لما اعترضنا على من لا نلحق غبارهم، ولا نَجري معهم في مضمارهم). فهذا اجتهادي: (فما وجدتَ فيه من صواب وحق فاقبَله، ولا تلتفت إلى قائله، بل انظر إلى ما قال، لا إلى من قال? وقد ذم الله من يرد الحق إذا جاء به من يُبغضه، ويقبله إذا قاله من يحبه، فهذا خلق الأمة الغَضَبية). (فرحم الله امرأً قهر هواه، وأطاع الإنصاف وقواه، ولم يعتمد العنت ولا قصد من إذا رأى حسناً ستره وعيباً أظهره ونشره، وليتأمله بعين الإنصاف، لا بعين الحسد والانحراف. فمن طلب عيباً وجدَّ وجَدَ، ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضا والإنصاف فقد فقدَ، والكمال محال لغير ذي الجلال) وقديماً قيل: (وفي هذا تتفاوت الأذهان، وتتسابق في النظر إليه مسابقة الرهان، فمن سابق بفهمه، وراشق كبد الرمية بسهمه، وآخر رمى فأشوى، وخبط في النظر خبط عشوا، وأين الدقيق من الركيك، وأين الزلال من الزعاق)(1)وقد سئل الشافعي: (ما بال الكتب يقع فيها الخطأ والغلط والاختلاف، والشيء يناقض بعضه بعضاً؟ فقال: ألم تقرأ قوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
__________
(1) - انظر: (مدارج السالكين) (1/137/2/39/3/522). وكتاب: (كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟). (ص: 5/6/140/141). وكتاب: (إخبار الأولياء بمصرع أهل التجهم ولإرجاء) (ص:53/54/55). وكتاب: (كتاب حرمت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية طبعه فمن مؤلفه؟ ولِمَ؟). (ص:6/7). وكتاب: (إرشاد السالك في حكم من سب الرسول في مذهب مالك. حكيمة الشاوي نموذجاً). (ص:82). وهذه الأربعة لأبي الفضل عمر بن مسعود الحدوشي.(1/4)
أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). فلما كان من عند غير الله وجب أن يقع فيه الخلاف). وقال إسماعيل بن يحيى المزني: (لو عورض كتاب سبعين مرة لوجد فيه خطأ، أبى الله أن يكون كتاب صحيحاً غيرُ كتابه). وقال القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه، إلا قال في غده لو غُير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قُدم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، هذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر)(1) هذا وأرجو أن يكون (قد وافق الإثمد الحدقة، وشنٌّ طبقة)(2)هذا. ونرجو أن نكون قد قلمنا أظافير من يرفع راية توقيت الفلك-وأعني به: (فقه قساوسة النصارى). وكسرنا قواريرهم وقطعنا سوطهم، ما دام لم نجد من يحجر عليهم ورحم الله من قال: (إن الحجر لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأبدان، وكم من وافد يجب أن يحتمى منه، وأن تقلم أظافيره). قطع الله أسواطهم وكسر أقلامهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) - كان أحمد فريد الرفاعي (ت 1376هـ) هو الذي شهر هذه الكلمة، حيث وضعها أول كل جزء من أجزاء (معجم الأدباء). لياقوت الحموي وغيره من الكتب، وتداولها الناس عنه منسوبة إلى العماد الأصفهاني!! والصواب نسبتها للقاضي الفاضل بعث بها إلى العماد، كما في أول (شرح الإحياء) للزبيدي (1/3). و(الإعلام بأعلام بيت الله الحرام). لقطب الدين محمد بن أحمد النهروالي الحنفي (ت988هـ). انظر: (كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟). (ص: 140/141). و(عند ما يصبح أبوجهل بطلاً قومياً) (ص: 1). الطبعة الثانية.
(2) - انظر: (عند ما يصبح أبوجهل بطلاً قومياً). الطبعة الثانية. (ص: 1). و(إخبار الأولياء بمصرع أهل التجهم والإرجاء) (ص:53/54). و(كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟). (ص:142).(1/5)
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله- صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظيماً). أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد: فهذه هي الرسالة الحادية عشرة من الرسائل التي نخرجها- للقراء الكرام- بعنوان (رسائل توجيهية للشباب في فقه الواقع)، أو (من بحوث العلماء الكبار والمحدثين قديماً وحديثاً). وكان موضوع الرسالة الأولى بيانَ حكم الإسلام للدخول إلى البرلمان بعنوان: (القول السديد في معالم التوحيد). والثانية بعنوان (كيف تفهم عقيدتك بدون معلم؟). والثالثة بعنوان (حكم الصلاة خلف الإمام المبتدع). والخامسة بعنوان: (كتاب حرمت اللجنة طبعه فمن مؤلفه ولم؟). والسادسة بعنوان: (إعلام الخائض بجواز مس المصحف للجنب والحائض). والسابعة بعنوان: (إخبار الأولياء بمصرع أهل التجهم والإرجاء).أو(جمعية الرفق بالطواغيت). والثامنة بعنوان: (المختار من صحيح(1/6)
الأذكار). والتاسعة بعنوان: (إرشاد السالك إلى حكم من سب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في مذهب مالك). والعاشرة بعنوان: (عند ما يصبح أبو جهل بطلاً قومياً). وهذه الرسالة الحادية عشرة للـ(دكتور). محمد تقي الدين الهلالي –رحمه الله- بعنوان: (كتاب بيان الفجر الصادق). أتى فيها بما يثلج الصدر من الأحاديث الصحيحة المرفوعة، والآثار الموقوفة عن الصحابة- رضي الله عنهم -، وفتاوى كبار التابعين، والأئمة المجتهدين، وهي رسالة نادرة الوجود، جامعة الفوائد والشرائد، والحاجة إليها ملحة، وإن القارئ ليجزم: بأن الزمام قد أُفلت من أيدي الفلكيين والمؤقتين، وأن القطار قد فاتهم قبلُ بصاروخ اسمه: (بيان الفجر الصادق). وأن حيرة الفلكيين واضطرابهم تتلاشى بسهم اسمه: (قلم الهلالي). وقلمه –طبعاً-كان متميزاً بالدقة والعمق، من غير تعسف ولا تكلف ولا تنطع، رقم به كلاماً فطرياً سمحاً، لا زخرف فيه ولا تنميق، كان إذا همَّ بادر، وإذا عزم ثابر، كان أسداً في العزم، غزالاً في السبق، كانت له نفس تواقة، ما نالت شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، كان عبقرياً في اللغات: يجيد الإنجليزية، والفرنسية، واللغات الشرقية: التركية، والفارسية، والأردية، لغة باكستان، وغيرها، ولم يكن هدفه بهذه الثقافة العالية(العالمية الحضارية)، التعالي على الناس، واحتقارهم، وازدراءهم، لا أبداً-كان هدفه منها طلب المعرفة من شتى مصادرها، و(الوقوف على ما تركه الإسلام من آثار وبصمات في شعوب فارس والترك وبين مسلمي الهند، فكان يشده إيمانه العميق، وعقيدته الإسلامية المتوقدة إلى البحث والتنقيب والتجوال في هذه الآفاق الإسلامية، فكان نطاق تفكيره عالمياً وليس محلياً)(1)- لا يلحق شأوه في اللغات، وكان ينظم بها-كلها- نُظُماً جيدة، ذكياً كبير الشأن، ولم يكن ضيق الأفق، وكان عبقرياً في الهجو، واسمع إليه وهو يقول
__________
(1) - انظر: (أمم حائرة) (ص: 17). بقلم عبد الوهاب عزام.(1/7)
–متمثلاً بقول القائل- في حق عبد الحي بن الصديق:
وإن لساني شهدة يشتفى بها وهو على من صبه الله علقم
ويقول عن شيخ صوفي حاقد على السّنّة وأهلها:
أتشتمني يا ابن اللئام بلا سبب وأنت يمين الله قرد بلا ذنب
فلا أنت ذو علم ولا أنت ذو حجى ولا أنت ذو تقوى ولا أنت ذو نسب(1)
وكان واسع العلم بكتب التوحيد، وبعبارة فالشيخ الهلالي عبارة عن جبل نُفخ فيه روح، هذا. وإن (من حسن حظي ودواعي سعادتي أن يجمع الله لي في هذا الكتاب(2) بين أُمنية حبيبة إلى نفسي ألا وهي: أنني كنت أتمنى أن أساعد في نشر أحد كتب هذا الإمام العَلم الهلالي، لما له في نفسي من المنزلة والاحترام والتقدير، فكان هذا الكتاب القيم (بيان الفجر الصادق). ثم إنه مما زادني سعادة وملأني رضاً وشكراً لربي أن كان موضوعه عن أهم ركن من أركان الإسلام، ألا وهي: (الصلاة). بل وأثقلها على المنافق وهي: (صلاة الصبح). كما جاء على لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في عدة مواضع راجعها في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والأطراف. وإليك بعضها: وفي صحيح مسلم من حديث جُنْدَبَ بْن عَبْدِ اللَّهِ قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ). وله أيضاً من حديث ابْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم -: (لاَ يَلِجُ النَّارَ مَنْ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا). يريد: (الفجر، والعصر). وله أن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاةِ
__________
(1) - انظر: (كتاب الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة) (ص: 45/57).
(2) -انظر:-مقدمة كتاب (أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد) لابن حزم (ص: 7/8).(1/8)
الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم -ِ يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ). وللشيخين من حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -قَالَ: (مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ). أي: من صلى صلاة الفجر والعصر لأنهما في بردي النهار وطرفيه، ولأنهما تصلَّيان في برد النهار، من أوله وآخره. ولهما أيضاً من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ). ولهما أيضاً من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّون). ولهما أيضاً من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ(1/9)
يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلان). وروى الطبراني في (الكبير) من حديث أبي الدرداء عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (مَنْ مَشَى فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ إلَى الْمَسَاجِدِ لَقِيَ اللَّهَ عزّ وَجَلَّ بِنُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(1)وروى أبو داود والترمذي من حديث بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم -?قَالَ: (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَة).ِ قَالَ أَبو عِيسَى: (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَرْفُوعٌ هُوَ صَحِيحٌ مُسْنَدٌ وَمَوْقُوفٌ إِلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -وَلَمْ يُسْنَدْ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم -?).?ورواه ابن ماجة من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِك(2)ٍ وقال - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى يُصَلِّيَ الفَجْرِ، كُتِبَتْ صَلاَتُهُ يَوْمَئذٍ فِي صَلاَةِ الأْبْرَارِ، وَكُتِبَ فِي وَفْدِ الرّحْمَنِ)(3)
__________
(1) -رواه الطبراني في (الكبير) بإسناد حسن، ولابن حبان في (صحيحه) نحوه. وصححه الألباني كما في (صحيح الترغيب) (1/171/ رقم: 422).
(2) - ورواه غيرهم من حديث سهل بن سعد الساعدي والحديث قال فيه الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين). وأقره الذهبي وتبعهما الألباني كما في (صحيح الترغيب) (1/171/ رقم: 313/317/423).
(3) -رواه الطبراني من حديث القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة وحسنه الألباني في (صحيح الترغيب) (1/169/170/ رقم: 416).(1/10)
وفي الموطأ عن أبي بكر بن سُلَيْمَانَ بْنَ أبِي حَثْمَةَ: (أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أبِي حَثْمَةَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، وأَنَّ عُمَرَ غَدَا إِلَى السُّوقِ، فَمَرَّ عَلَى الشِّفاءِ أُمِّ سُلَيْمَئانَ، فقال لها: لم أرَ سُلَيْمَانَ في الصبح ? فقالت: إنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي، فغلبته عيناه? قال عمر: لأَنْ أَشْهَدَ صَلاَ الصُّبْحِ فِي جماعة أحبُّ إليَّ من أن أقومَ ليلةً)(1). وقد روى الطبراني عن عنبسة بن الأزهر قال: (تزوج الحارث بن حسان ?- رضي الله عنه -فقيل له: أتخرج وإنما بنيت في هذه الليلة قال: إن امرأة تمنعني عن صلاة الفجر في جمع لامرأة سوء)(2) وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن أبي الدرداء- رضي الله عنه - أنه قال في مرضه الذي مات فيه: (ألا احملوني). فحملوه فأخرجوه فقال: اسمعوا وبلغوا من خلفكم، حافظوا على هاتين الصلاتين: العشاء، والصبح، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على مرافقكم وركبكم). وقال أبو الأشعث ربيعة بن يزيد: (ما أذن المؤذن لصلاة الصبح منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً)، هذا. وأرجو أن يكون هذا الكتاب من أجل ما كتب في حكم (بيان صلاة الفجر). والاستدلال له. وقد جاء –كما سوف ترى-بأسلوب حزمي(3)
__________
(1) - رواه مالك في (الموطأ). وصححه الألباني في (صحيح الترغيب) (1/171/ رقم: 421).
(2) - وبعض القبائل عندنا في المغرب لهم عادة –لكنها جاهلية-: لا يحضر العريس صلاة الجماعة في المسجد أسبوعاً كاملاً. الويل له ثم الويل له إن حضر الصلاة في المسجد مع الجماعة. بل بعض القبائل-عندهم عادة أن العريس- يترك الصلاة أسبوعاً كاملاً.
(3) -فربع الرسالة-إن لم أقل نصفَها- مأخوذ من كتاب ابن حزم (المحلى). كما سترى. فإذا أردت أن تقف عليه بنفسك فارجع إلى (4/366/367/368/369/370/371/372/373/ رقم المسألة: 756). والباقية من (جامع البيان عن تأويل آي القرآن). (2/232/ إلى 242). ومن (مصنف) ابن أبي شيبة (2/287/288/289). والباقي من (الفتح). والله أعلم.(1/11)
قوي واضح مركز مدعم بالأدلة المتنوعة، ليس (بالمطول الذي يدعو للملل والسآمة، ولا بالموجز في مبالغة، فيكون عنه لُبس أو إبهام)(1) وقبل الشروع في تخريج أحاديث هذه الرسالة أود أن أهمس في آذانكم بأن المحقق ينبغي أن يستفرغ جهده في البحث والغوص عن معرفة حال الرواة جرحاً وتعديلاً، وبيان حيثياتهم ووَفَيَاتهم، وعن المروي قبولاً ورداً، تصحيحاً وتضعيفاً، ويستدعي منه التوسع والتوقف، والتأني في إصدار الحكم، ويجب عليه أن يبحث عن السبب الذي من أجله حكم المحدث الفلاني على الحديث صحة وحسناً أو ضعفاً، لأن (الحكم عن الشيء فرع عن تصوره). وذلك بالرجوع إلى كتب الرجال مثل: (الكمال في أسماء الرجال). و(تهذيب الكمال)(2). و(تهذيبه). و(خلاصته). و(تقريبه). و(الميزان). و(لسانه). وأن لا يكتفي بالمختصرات مثل: (التقريب).(والكاشف).و(الضعفاء). ونحوها، وربما يحتاج إلى مراجعة بعض كتب التاريخ مثل: (التاريخ الكبير). للبخاري، و(الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم الرازي. وإن شاء أضاف إلى ما سبق كتاب: (الضعفاء الكبير). للعقيلي، وكتاب: (الضعفاء والمتروكين). للنسائي، لأن موضوعهما يشغل (حيزاً واسعاً في دائرة الأبحاث الحديثية منذ عصر التدوين الحديثيِّ الأول، فقد كُتب في الرجال مؤلفات ضافية، ومصنفات كثيرة، سَبَرَ أصحابُها غور الإسناد الحديثي، وتَقَصَّوْا حالَ كل راو لنفي الدخيل على أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا غايةً في
__________
(1) - انظر مقدمة: (كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد). (ص 13).
(2) - للحافظ عبد الغني المقدسي، وقد أثنى الحافظ عن كتابه الموسوم بـ(الكمال). فقال: (هو من أجل المصنفات في معرفة حملة الآثار وضعاً، وأعظمِ المؤلفات في بصائر ذوي الألباب وقعاً). وقال عن (تهذيبه) للحافظ المزي: (هو الذي وفق بين اسم الكتاب ومسماه، وألف بين لفظه ومعناه، بيد أنه أطال وأطاب، وقصرت الهمم عن تحصيله لطوله).(1/12)
الحزم والتشدد. والكلام في الرجال جرحاً وتعديلاً ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم عن كثير من الصحابة والتابعين، ومَن بعدهم، وجُوِّز ذلك صوناً للشريعة لا طعناً في الناس، وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة، والتثبت في أمر الدين أولى من التثبت في الحقوق والأموال، ولهذا افترضوا على أنفسهم الكلام في ذلك)(1). هذا ونقد الراوي والمروي ليس بالأمر الهين،-ولست أدعي أني هنالك- لأن الناقد ينبغي أن يكون ملماً بالأخبار المروية، بصيراً بأحوال الرواة، وعوائدهم، ومقاصدهم، وشيوخهم الذين حدث ويحدث عنهم، عارفاً بالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، خبيراً بطبقاتهم(2)
__________
(1) - من (كشف الظنون) (1/390).و(الضعفاء والمتروكين). و(الضعفاء الكبير). للعقيلي (1/6). وانظر: في نفس الصفحة بعض المآخذ على (الضعفاء الكبير) للعقيلي، وجرحه للمشاهير. وما إلى ذلك من المآخذ التي سجلت عليه. والكمال المطلق لله.
(2) - ولست ذلك الرجل، ولكني أتشبه بهم، على حد قول القائل:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام رباح(1/13)
: (يعرف من كان منهم عدلاً في نفسه في أهل التثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه. فهؤلاء هم أهل العدالة. ومنهم الصدوق في روايته الورع في دينه، الثبت الذي يهم أحياناً وقد قبله الجهابذة النقاد فهذا يحتج بحديثه أيضاً. ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط. فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب، والزهد، والآداب(1)، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلَّسَهَا بينهم، ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب. فهذا يترك حديثه ويطرح روايته ويسقط ولا يشتغل به)(2)وأن يكون عارفاً بمراتبهم (جرحاً وتعديلاً). وقد لخصها الحافظ في ست مراتب: (الأولى: كل عبارة فيها أفعل تفضيل: (أوثق الناس)، (إليه المنتهى). الثانية: تكرار اللفظ الدال على العدالة: (ثقة، ثقة)، أو: (ثقة حافظ حجة). الثالثة: وصف الراوي بلفظ واحد يشعر بالضبط: (ثبت، متقن). الرابعة: وصفه بلفظ واحد لا يشعر بالضبط: (صدوق، مأمون). الخامسة: بلفظ لا يشعر بالضبط أيضاً، ويقل في الدلالة على الصدق والأمانة عما قبله: (رووا عنه، شيخ)، (صالح الحديث)، (مقارب الحديث). السادسة: وصفه بما يدل على التردد في وصفه بما لا يشعر بالضبط: (صدوق إن شاء الله)، (مقبول). وعارفاً بمراتب الجرح وقد لُخّصت في ست أيضاً، وهي: (الأولى: الوصف بما يدل على المبالغة في الكذب أو الوضع: (أكذب الناس)، (أوضع الناس). الثانية: الوصف بالكذب أو الوضع: (كذاب)، (وضاع). الثالثة: وصف الراوي بالكذب أو الوضع لا على سبيل الجزم: (متهم بالكذب)، (متهم بالوضع). الرابعة: وصفه بأنه ضعيف جداً: (واهٍ)، (تالف)، (ليس بشيء).
__________
(1) - قلت: وفي هذا نظر، والتفصيل يراجع في (تمام المنة في التعليق على فقه السنة). (ص34/35/ وما بعدها. تحت: (القاعدة الثانية عشرة). وفي مقدمة (صحيح الترغيب) (1/16/36).
(2) - انظر: (طبقات الرواة). في (الجرح والتعديل). (1/6).(1/14)
الخامسة: وصفه بأنه منكر الحديث، مضطرب الحديث: (لا يحتج به). السادسة: وصفه بأن فيه مقالاً: (ضُعِّف)، (ليس بالقوي). هذا ومن كان من المراتب الأربع الأولى من مراتب التعديل احتج به، ولا يحتج بأصحاب المراتب الأولى من مراتب التجريح. ومن كان من أهل المرتبة الخامسة أو السادسة من مراتب التعديل، كان متوسط الخطأ ويحتاج حديثه لما يقويه. ومن كان من أصحاب الدرجة الخامسة أو السادسة من مراتب التجريح فهو أقل مرتبة ممن وصف بالمرتبة الخامسة أو السادسة من مراتب التعديل)(1) فكثرة الممارسة لألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - تُكسبك ملكة واختصاصاً وتضلعاً في معرفة الصحيح، والضعيف، والموضوع، فقد قال الربيع بن خثيم: (إن للحديث ضوءاً كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره). قال ابن الجوزي: (الحديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم، وينفر منه قلبه في الغالب، قال البُلقيني: وشاهد ذلك أن إنساناً لو خدم إنساناً آخر سنين، وعرف ما يحب وما يكره، فادعي أنه كان يكره شيئاً يعلم ذلك أنه يحبه، فمجرد سماعه يبادر إلى تكذيبه). وللعلامة ابن القيم في أول (المنار) أو (نقد المنقول، والمحك المميز بين المردود والمقبول)، جواب قيم عن قول السائل: (هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن يُنظر في سنده؟). فقال: (هذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعرف ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بدمه ولحمه، وصار له فيها ملكة واختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول لله- صلى الله عليه وسلم - وهديه، فيما يأمر به، وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة، بحيث كأنه مخالط للرسول -
__________
(1) -وللمزيد راجع (التقييد والإيضاح) (ص 136)، و(تدريب الراوي/1/299)، و(فتح المغيث/2/2). و(الجرح والتعديل) (1/6/2/23). وخطبة كتاب (لسان الميزان) (1/2/20). والفصل الثاني من كتاب (الضعفاء والمتروكين) (ص 15/16/17/18). للنسائي.(1/15)
صلى الله عليه وسلم - كواحد من أصحابه لكرام، فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهديه، وكلامه، وأقواله وأفعاله، وما يجوز أن يخبر عنه وما لا يجوز، ما لا يعرف غيره، وهذا شأن كل متبع مع متبوعه، فإن للأخص به، الحريص على تتبع أقواله وأفعاله، من العلم بها، والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه، وما لا يصح،(ما)ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم، يعرفون (من) أقوالهم ونصوصهم، ومذاهبهم، وأساليبهم ومشاربهم، ما لا يعرفه غيرهم والله أعلم) اهـ. ومن طريف ما جاء في ذلك: ما رواه ابن أبي حاتم عن أبيه، قال: (جاءني رجلٌ من جِلَّة أصحاب الرأي، من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه عليَّ.فقلت في بعضها: هذا حديث خطأ قد دخل لصاحبه حديث في حديث.وقلتُ في بعضه: هذا حديث باطل, وقلت في بعضه: هذا حديث منكر. وقلت في بعضه: هذا حديث كذب, وسائر ذلك أحاديث صحاح. فقال لي: من أين علمت أن هذا خطأ, وأن هذا باطل, وأن هذا كذب؟ أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطتُ وأني كذبتُ في حديث كذا؟ فقلت: لا, ما أدري هذا الجزء من رواية من هو؟ غير أني أعلم أن هذا الحديث خطأ, وأن هذا الحديث باطل, وأن هذا الحديث كذب. فقال: تدعي الغيب؟ قلت: ما هذا ادعاء غيب. قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلت: سل عما قلت من يحسن مثل ما نحسن, فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف, ولم نقل إلا بفهم. قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة. قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟ قلت: نعم. قال: هذا عجب. فأخذ, فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث, ثم رجع إلي وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث, فما قلت: إنه باطل قال أبو زرعة: هو كذب.قلت: الكذب والباطل واحد. وما قلت: إنه كذب قال أبو زرعة: هو باطل, وما قلت: إنه منكر قال: هو منكر, كما قلت, وما قلت: إنه صحاح، قال أبو زرعة: هو صحاح. فقال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأة فيما(1/16)
بينكما. فقلت: ذلك أنا لم نجازف, وإنما قلنا بعلم ومعرفة قد أوتينا. والدليل على صحة ما نقوله، بأن ديناراً مبهرجاً يحمل إلى الناقد, فيقول: هذا دينار مبهرج، ويقول لدينار جيد: هو جيد. فإن قيل له: من أين قلت إن هذا مبهرج؟ هل كنت حاضراً حين بهرج هذا الدينار؟ قال: لا. فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بهرجه أني بهرجت هذا الدينار؟ قال: لا. (فإن) قيل: فمن أين قلت: إن هذا مبهرج؟ قال: علماً رزقتُ. وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك. قلت له: فتحمل فص ياقوت إلى واحد من البصراء من الجوهريين، فيقول: هذا زجاج، ويقول لمثله: هذا ياقوت. فإن قيل له: من أين علمت أن هذا زجاج وأن هذا ياقوت؟ هل حضرت الموضع الذي صنع فيه هذا الزجاج؟ قال: لا. قيل له: فهل أعلمك الذي صاغه بأنه صاغ هذا زجاجاً؟ قال: لا. قال: فمن أين علمت؟ قال: هذا علم رزقتُ. وكذلك نحن رزقنا علماً لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذب وهذا منكر إلا بما نعرفه)(1). انتهى. فدونكم قراءة الرسالة وإنعام النظر فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن دخول الوقت شرط في صحة الصلاة(2). تأمل. وانتبه. ولا تكن سَبَهْلَلاً.
وكتبه
أبو الفضل عمر بن مسعود الحدوشي في 10 من ذي القعدة سنة ?1422?هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) - انظر: (مقدمة الجرح والتعديل). (ص: 349/351). من (لغة المحدث منظومة في علم مصطلح الحديث) (ص: 134/135/136).
(2) - وقد سمعنا شيخنا العلامة محمد (بوخبزة) –حفظه الله تعالى- يقول: ينبغي أن يكون بين انتهاء الفجر الصادق وطلوع الشمس (45) دقيقة. وهو ضابط عجيب ينبغي أن يتفطن له.(1/17)
الحمد لله الذي جعل السعادة في الدنيا والآخرة خاصة بمن اتبع صراطه المستقيم، متمسكاً بكتابه وسنة نبيه الكريم. اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، واجعلنا منهم يا رب العالمين. أما بعد: فيقول أفقر العباد إلى رحمة الكبير المتعالي محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي. قضيت شبابي وكهولتي وبعض شيخوختي في الشرق(1) ولما رجعت إلى المغرب بسبب الفتنة التي صارت في العراق سنة (1379)(2). اكتشفت(3)
__________
(1) - ومن أراد أن يعرف ذلك بتفصيل وما لقيه (الدكتور). من الأذى والعراقيل من أعداء الله بجميع أنواعهم وأشكالهم، في سبيل الدعوة إلى الله. فليرجع إلى كتابه القيم: (الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة).
(2) -سألنا فضيلة شيخنا العلامة الأديب محمد (بوخبزة) عن هذه الفتنة التي أشار إليها (الدكتور). فقال-حفظه الله-: (والفتنة المشار إليها هي فتنة الجنرال عبد الكريم قاسم الذي ثار على الحكم الهاشمي بالعراق وقتل الملك فيصل والوصي عبد الإله وغيرهم كثير، وانظر: (الأعلام). للزركلي (4/54). ففيه مجمل حكايته ونهايته.
(3) - والمنتقد لهذا الاكتشاف نادى على نفسه بعدم معرفة وقت صلاة الفجر الصادق، الفجر الشرعي، وأخطأ التوقيت الشرعي، واعتمد التوقيت المحلي الفلكي. هذا. فارجع إلى (المعرب عن بعض عجائب المغرب). (ص:59) لترى كلاماً أشبه بكلام الفلاسفة يقول فيه صاحبه: (فإن حال دون رؤية الفجر حائل ورأيت القمر يغرب الليلة الثانية عشرة من الهلال مع طلوع الفجر ويطلع الليلة السادسة والعشرين مع طلوع الفجر فإن لم يتبين لك ذلك فاعتبر لطلوع الفجر منازل القمر. وقد وصفنا أنها (ثمانية وعشرون) نجماً وإن لسواد الليل المظلم اثني عشر نجماً وأن ثالث عشرتها الفجر). ثم استمر في ذكر كلام يشبه طعام أهل النار )يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ). ومن أراد أن يعرف –بصفة عامة- التوقيت الشرعي، أو أن يعرف المعرفة الشرعية لا الفلكية المحلية فعليه بهذه الكتب: (اليواقيت في المواقيت). ورسالة (مواقيت الصلاة). للشيخ مصطفى بن العدوي. ورسالة (المواقيت). لمؤلف هذه الرسالة.(1/18)
بما لا مزيد عليه من البحث والتدقيق والمشاهدة المتكررة من صحاح البصر وأنا معه لأني كنت في ذلك الوقت أبصر الفجر بدون التباس أن التوقيت المغربي لأذان الصبح لا يتفق مع التوقيت الشرعي وذلك أن المؤذن يؤذن قبل تبين الفجر تبيناً شرعيا فأذانه في ذلك الوقت لا يحل صلاة الصبح ولا يحرم طعاماً على الصائم و صرت أُفتي بذلك وأعمل به إلى يومنا هذا وفي رمضان من هذه السنة سنة (1394) حدث تشويش عند إخواننا السلفيين وسببه أن بعض الإخوان(1) من أهل الوعظ والإرشاد زار المغرب في رمضان فزعم قوم ممن رافقوه أنه شاهد الفجر الشرعيَّ مطابقاً للتوقيت المغربي وحدثني الثقة أنه وجد بين الفجر الشرعي المشاهد بالعيان وبين التوقيت المغربي وكان في الفضاء خارج المدينة (13) دقيقة أو (15) دقيقة شك هو نفسه فهذا الخبر متناقض عن شخص واحد فإن كان ما حدثوا به عنه صحيحاً من مطابقة تبين الفجر الشرعي للتوقيت المغربي فهو خطأ عند كل من يعرف الفجر الشرعي وله بصر يبصر به ولا يخفى أن أهل البلاد التي يكثر فيها الغيم والضباب لا يعرفون الفجر وكذلك الذين لم يُعنوا من أهل الصحراء وأراد معرفة الفجر الشرعي فلا بد له من أمرين: أحدهما أن يدرس الأحاديث النبوية التي تفرق بين الفجر الكاذب و الفجر الصادق وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، الثاني: أن يكون ممن اعتاد رؤية الفجر لكونه مؤذناً أو لكثرة أسفاره في البراري(2)ولبيان الأمر الأول، أشرع في تأليف هذا الكتاب وأسميه: (بيان الفجر الصادق
__________
(1) -وصاحب هذه الفتنة والتشويش، هو أبو بكر الجزائري.
(2) - و(الدكتور)-رحمه الله- عاش في الصحراء، ودرس الأحاديث النبوية التي تفرق بين الفجر الكاذب والصادق وأقوال الصحابة والتابعين، وكان ممن اعتاد رؤية الفجر عند ما كان صحيح البصر، وأيضاً: فالدكتور كثير الترحال في البراري. –فهو رحالة زمانه- وحكمه هذا صادر من مقتدر عارف بالفجرين: الصادق، والكاذب.(1/19)
وامتيازه عن الفجر الكاذب). وذلك يظهر في شواهد الأول تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبيض مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر)(1) فسر هذه الآية ابن كثير –رحمه الله- بأحاديث: الأول: ورد في الصحيحين من حديث القاسم عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لاَ يَمْنَعْكُمْ(2)
__________
(1) - (البقرة: من الآية:187). قال بعضهم: (الخيط الأبيض: هو ضوء الشمس، والخيط الأسود: هو سواد الليل). كما في (جامع البيان) (2/236). لابن جرير الطبري. وقيل غير ذلك انظر التفصيل في: (الجامع) نفسه (2/240/241/242 رقم: 2475). و(الأصمعيات) (1/28).
(2) -قال الحافظ في شرح الترجمة 17- باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال)- في (الفتح) (4/635): (كذا للأكثر، وللكشميهني (لا يمنعكم). بسكون العين بغير تأكيد، قال ابن بطال: لم يصح عند البخاري لفظ الترجمة، فاستخرج معناه من حديث عائشة. وقد روى لفظ الترجمة وكيع من حديث سمرة مرفوعاً: (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطيل في الأفق). وقال الترمذي: (هو حديث حسن). انتهى. وحديث سمرة عند مسلم أيضاً لكن لم يتعين في مراد البخاري، فإنه قد صح أيضاً على شرطه حديث ابن مسعود بلفظ: (لا يمنعن أحدَكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم). الحديث، وقد تقدم في أبواب الأذان في (باب الأذان قبل الفجر) وأخرج عنه حديث عبيد الله بن عمر عن شيخيه القاسم ونافع كما أخرجه هنا، فالظاهر أنه مراده بما ذكره في هذه الترجمة، وقد تقدم الكلام على حديث عبيد الله بن عمر هناك). الخ. قال ابن بطال في (شرح صحيح البخاري). (4/41/42/45): (معنى حديث عائشة ومعنى لفظ الترجمة واحد وإن اختلف اللفظ، ولم يصح عند البخاري عن النبي- صلى الله عليه وسلم -(حديث). لفظ الترجمة، واستخرج معناه من حديث عائشة...(.(1/20)
أَذاَنُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِكُم فَإِنَّهُ يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْن ِأُمٍّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ)(1).(لفظ البخاري)(2). نَفهم من هذا الحديث وغيره مما في معناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له في رمضان مؤذنان أحدهما بصير وهو بلال والآخر أعمى وهو ابن أم مكتوم، فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم - المؤذن البصير الذي ينبه الناس على قرب الصباح يؤذن بليل أي: قبل طلوع الفجر، وجعل المؤذن الأعمى يؤذن بعد ما يطلع الفجر فما مقصوده - صلى الله عليه وسلم - بذلك؟ لو فكرنا بعقولنا الناقصة لظهر لنا أن المؤذن البصير وهو بلال أولى بالأذان الأخير(3)
__________
(1) - انظر: (تفسير ابن كثير). (1/333). فقد ذكر فيه أحاديث كثيرة في تفسير الآية.
(2) -رواه البخاري في مواضع من كتاب الأذان باب (11). أذان الأعمى إذا كان له من يخبره. وباب (12) الأذان بعد الفجر. رقم: (617/620/623/1918/2656/7248) ومسلم في كتاب الصيام رقم: (1092/36) باب (8) بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر. وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب (35) ما جاء في الأذان بالليل). (1/245/رقم:203) قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود، وعائشة، وأنيسة، وأنس، وأبي ذر، وسمرة ، وقال: (حديث ابن عمر حسن صحيح). والنسائي في (سننه) (2/11/12/رقم: 633/634-(7)- كتاب الأذان- باب (9) المؤذنان للمسجد الواحد. وفي باب (10) هل يؤذنان جميعا أو فرادى من حديث عائشة رقم: 635-و636 من حديث أنيسة- كما في (تحفة الأشراف) 6909/7237/17535/15783). ورواه الإمام أحمد في مواضع من مسنده في الأرقام التالية: (5285و5316و5425و5856و6057). وأخرجه الدارمي في(سننه). (1/186/187/رقم: 1190/1191-باب(4). في وقت أذان الفجر).
(3) -وهذا التوجيه للحديث فيه نظر. بل كان ذلك في حالتين مختلفتين، كان بلال في الأولى يؤذن عند طلوع الفجر أول ما شرع الأذان، ثم استقر الأمر على أن يؤذن بدله ابن أم مكتوم، ويؤذن هو قبله. كما سيأتي في (ص: 44). من هذه الرسالة. فتأمل.(1/21)
وأحق به من المؤذن الأعمى ليتحرى طلوع الفجر ببصره وعند أول بصيص(1) من نور الفجر يؤذن حتى يمتنع الناس من الأكل والشرب عند أول طلوع الفجر ويكون المؤذن الأعمى هو الذي يؤذن بالليل ليعلم الناس أن الصبح قريب. ولكنه عليه الصلاة والسلام عكس فجعل الأعمى هو الذي يؤذن الأذان الذي يحرم به الطعام والشراب وتحل به الصلاة إذاً أراد بذلك التوسيع على أمته ولا شك، ولم يرد التضييق فمن ضيق ما وسعه الله ورسوله فقد أخطأ، وقوله تعالى (حتى يتبين لكم) مطابق للحديث فإنه لم يقل حتى يطلع الفجر، بل قال: حتى يتبين لكم أيها الناس، أي: لجميع الناس بحيث لا يشك فيه أحد وسيأتي ما يوضح هذا إن شاء الله. وفي رواية للبخاري(2) ومسلم : (فَكُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ). فافهم هذا
__________
(1) - قال الجوهري في (الصحاح) (3/1030): (البصيص: البريق. وقد بصَّ الشيءُ يَبِصُّ: لَمَعَ). وفي (القاموس المحيط) (2/295/296): (بصَّ يبِصُّ بصيصاً: بَرَقَ وَلَمَعَ). قال الزمخشري في (الأساس) (ص: 41): (له بصيص أي: بريق). وكذا قال في (الفائق) (1/115). ومنه حديث كعب: (تُمسَك النار يوم القيامة حتى تَبِصَّ كأنها مَتْن إهالة). أي: (تَبْرُق ويَتَلألأ ضوؤُها). من (النهاية) (1/132).
(2) - رواه البخاري في (10- كتاب الأذان باب-11- أذان الأعمى إذا كان له من يخبره. (رقم: 617- 2/306/307/ وما بعدها الفتح). ومسلم في كتاب الصيام من (صحيحه) (1092). وزاد مسلم: (ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا، ويرقى هذا). وقد ورد من حديث ابن عمر، وعائشة، وأنيسة، وأنس، وسهل بن سعد، وسلمان الفارسي - رضي الله عنهم - أما حديث ابن عمر فله عنه طرق أربعة، وأما حديث عائشة فله عنها طريقان، انظر هذه الطرق وما قيل فيها في (الإرواء) (1/235/236/237/238/239/ رقم: 219). ففيه الكفاية.(1/22)
المعنى إن كنت من أهله. الحديث الثاني. ثم قال ابن كثير: وقال الأمام أحمد وذكر سنده عن قيس بن طلق عن أبيه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال:(لَيْسَ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلَ فِي الأُفُقِ وَلَكِنَّهُ الْمُعْتَرِض الأَحْمَرُ)(1)
__________
(1) - (حديث حسن). رواه أحمد في كتاب المدنيين من (مسنده). (4/23). (قَال:َ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ فذكره). قلت: مُوسَى بن داود الضَّبِّيُّ، أبو عبد الله الطَّرَسوسي الخُلْقَاني، قال فيه الحافظ: صدوق فقيه زاهد له أوهام من صغار التاسعة). قال الـ(دكتور) بشار، وشعيب الأرناؤوط في (تحرير التقريب 3/429/ رقم: 6959): بل: ثقة، فقد روى عنه جمع من الثقات الرفعاء، ووثقه ابن نمير، وابن سعد، وابن عمار الموصلي، والعجلي، وابن حبان، والدارقطني، والذهبي، وقال أبو حاتم وحده: (شيخ في حديثه اضطراب) وهذا من تعنته-رحمه الله-فقد روى له مسلم في ( الصحيح ). وللزيادة انظر: (تهذيب الكمال) (18/460/ وما بعدها رقم: 6845). و(تهذيب التهذيب) (10/304/ وما بعدها ترجمة:7241). و(الكاشف) (3/166/ ترجمة: 5768). و(ميزان الاعتدال) (4/204/ ترجمة:8860). كلاهما للذهبي. و(التاريخ الكبير) (7/283). ومُحَمَّدُ بْنُ جَابِر قال فيه الحافظ: (صدوق ذهبت كتبه فساء حفظه، وخلط كثيراً وعمي فصار يلقن، ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة من السابعة). قال الـ(دكتور) بشار، وشعيب الأرناؤوط في (تحرير التقريب 3/221/ رقم: 5777): (بل: ضعيف، ضعفه ابن معين، وأحمد، والفلاس، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، والجوزجاني، والترمذي، والعقيلي، وابن حبان، والدارقطني، ويعقوب بن سفيان، والعجلي، وأبو زرعة الرازي، وقال أبو حاتم: محله الصدق). وللزيادة انظر: (تهذيب الكمال) (16/160/ وما بعدها رجمة:5697). و(تهذيب التهذيب) (9/78/ وما بعدها). و(ميزان الاعتدال). (3/496/ ترجمة:7301). و(الكاشف) (3/14 ترجمة: 4812). و(التاريخ الكبير) (1/53) وأما عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ فقال فيه الحافظ في (التقريب): (مقبول، من السادسة). قال الـ(دكتور) بشار، وشعيب الأرناؤوط في (تحرير التقريب 2/279/ رقم: 3666): بل: ثقة، وثقه ابن معين، والعجلي، وذكره ابن حبان في (الثقات). وحسن الترمذي حديثه). انظر: (تهذيب الكمال) (10/587/588/ ترجمة: 3599) و(تهذيب التهذيب). (6/51). و(الكاشف) (2/132/ ترجمة:3054). أما قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ فقال فيه الحافظ في (التقريب): (صدوق من الثالثة، وهم من عده من الصحابة). وأقره بشار وشعيب كما في (تحرير تقريب التهذيب) (3/188-ترجمة:5580). انظر: (تهذيب الكمال) (15/323/ ترجمة:5496). و(تهذيب التهذيب). (8/356). و(ميزان الاعتدال) (3/397-ترجمة: 6916- قال ابن القطان: يقتضي أن يكون خبره حسناً لا صحيحاً). و(الكاشف) (2/391-ترجمة:4657). و(الخلاصة) (317). وثقه ابن معين، والعجلي، وابن حبان، فحديثه حسن. قال الشيخ الألباني-رحمه الله- في (السلسلة الصحيحة). (5/51): (وعبد الله بن النعمان، وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان، وقد روى عنه ثقتان، وقال ابن خزيمة: (لا أعرفه بعدالة ولا جرح). قلت: فحاله قريب من شيخه قيس بن طلق، ولكنه قد توبع، فقال عبد الله بن بدر السحيمي: حدثني جدي قيس بن طلق به، أخرجه الطحاوي (1/325).(1/23)
ورواه الترمذي.
ولفظه: (كُلُوا واشْربوا ولا يَهِيدَنَّكم الساطِع المصْعِد فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)(1)
__________
(1) - أخرجه أبو داود (2/291/ رقم:2348). والترمذي في (6) كتاب الصوم. باب (15) ما جاء في بيان الفجر (2/166/رقم:705). وابن خزيمة في صحيحه كتاب الصيام (رقم:1930). وزاد: (وأشار بيده). وابن أبي شيبة في (المصنف). (كتاب الصيام باب (20) ما قالوا في الفجر برقم:9069). وزاد : وقال: هكذا بيده). وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله- في مواضع كثيرة منها: في (صحيح سنن الترمذي). (1/215/رقم: 765/709/ 15- باب: بيان الفجر). و(صحيح سنن أبي داود). (2/447/ رقم:2058/2348). وحسنه في (صحيح ابن خزيمة). (3/211/رقم:1930).- وقد أطال النفس في تخريجه في (السلسلة الصحيحة). (5/50/ رقم:2031). بعد أن ذكر سبب وروده وهو قوله: (أتاني قيس بن طلق في رمضان في آخر الليل، بعد ما رفعت يدي من السحور لخوف الصبح، فطلب مني بعض الإدام، فقلت له: يا عماه( لو كان بقي عليك من الليل شئ لأدخلتك إلى طعام عندي وشراب، قال: عندك؟ فدخل، فقربت إليه ثريداً ولحماً ونبيذاً، فأكل وشرب، وأكرهني فأكلت وشربت، وإني لوجل من الصبح، ثم قال: حدثني طلق بن علي أن نبي الله- صلى الله عليه وسلم -). فذكره. قوله: (لا يهيدنكم). بفتح الياء والدال، من هاده يهيده هيداً، وهو الزجر. أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور فإنه الفجر الكاذب، وأصل (الهيد) الحركة، وقد هدت الشيء أهيده هيداً، إذا حركته وأزعجته، وأبعدته عن الطعام. وقال الخطابي: معناه: لا يمنعكم الأكل وأصل الهيد: الزجر. و(الساطع): المرتفع. أي: لا يمنعنكم الفجر الأبيض من الأكل والشراب. يعني به: فجر المغاربة. حتى يعترض الأحمر. قال الترمذي: (والعمل على هذا عند أهل العلم: أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب، حتى يكون الفجر الأحمر المعترض. وبه يقول عامة أهل العلم). انظر باقي معناه: في (الفتح) (4/635). وفي (شرح معاني الآثار) (2/54). قال الشيخ الألباني في (الصحيحة): (واعلم أنه لا منافاة بين وصفه- صلى الله عليه وسلم - لضوء الفجر الصادق بـ(الأحمر)، ووصفه تعالى إياه بقوله: (الْخَيْطُ الأَبْيَضُ). لأن المراد-والله أعلم- بياض مشوب بحمرة، أو تارة يكون أبيض، وتارة يكون أحمر، يختلف ذلك باختلاف الفصول والمطالع. وقد رأيت ذلك بنفسي مراراً من داري في (جبل هملان) جنوب شرق (عمَّان) ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين، أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة، أي: قبل الفجر الكاذب أيضاً ! وكثيراً ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبلها بنحو نصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة أيضاً قبل وقتها في شهر رمضان، كما سمعته من إذاعة دمشق وأنا أتسحر رمضان الماضي (1406)، وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام، وتعريضٌ لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي، وإعراضهم عن التوقيت الشرعي... وهذه ذكرى، و)الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ). الخ). انظر: (جامع البيان) (2/235).(1/24)
.
ثم ذكر ابن كثير روايات ابن جرير إمام المفسرين لهذا الحديث(1).الرواية الأولى: عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغرنكم نداء بلال وهذا البياض حتى ينفجر الفجر أو يطلع الفجر)(2)
__________
(1) - انظر: (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) (2/234/235/وما بعدها).
(2) - رواه مسلم في (13- كتاب الصيام،8- باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر. 3/130رقم:41). بلفظ: ((لاَ يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلالٍ مِنَ السَّحُورِ وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ). وأبو داود في (14- كتاب الصوم، 17- باب: وقت السحور، رقم: 2346). والترمذي (1/166/167/ رقم: 706). وقال: (هذا حديث حسن صحيح). وابن أبي شيبة في (المصنف). (2/154/1). وابن خزيمة في (صحيحه). (3/21/1929). تحت عنوان: (42- باب: صفة الفجر الذي ذكرناه وهو المعترض لا المستطيل). قال الشيخ الألباني في (الإرواء). (4/30/31/ رقم: 915): (صحيح. رواه مسلم (3/130). وأبو داود (2346). والترمذي (1/136). وابن أبي شيبة في (المصنف). (2/154/1). وابن خزيمة في (صحيحه) (1929). والطحاوي (1/83). والدارقطني
(231/232). والبيهقي (4/215). والطيالسي في (مسنده). (رقم: (897/798). وأحمد (5/13/14). من طرق عن سوادة بن حنظلة القشيري عن سمرة بن جندب مرفوعاً. واللفظ لأحمد والترمذي وقال: (حديث صحيح). قلت: وإنما لم يصححه لأنه عنده من رواية أبي هلال وهو محمد بن سليم الراسبي وهو صدوق فيه لين، ولكنه لم يتفرد به، بل تابعه شعبة وعبد الله بن سوادة عند الآخرين ولفظ الثاني منهما قريب من هذا وهو: (لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل ـ هكذا حتى يستطير هكذا، وحكاه حماد بيديه، وقال: (يفي معترضاً). وهو من ألفاظ مسلم والدارقطني وقال: (إسناده صحيح). قلت: وفي (الفتح). (4/635). (يعني: معترضاً). بدل (يفي معترضاً). قوله: (وهذا البياض) قال القرطبي: (هو المسمى: بالفجر الكاذب، وشُبِّه بذنب السرحان،- السِّرْحان: وهو الذئب، وسمي به. وهذا الفجر لا يتعلق عليه حكم، لا من الصيام ولا من الصلاة، ولا من غيرهما). من (المفهم لما أَشكل من تلخيص كتاب مسلم) (3/154). قال البغوي في (شرح السنة) (2/301): (والفجر فجران: الكاذب، والصادق، فالكاذب يطلع أولاً مستطيلاً يصعد إلى السماء، تسميه العرب: ذنَب السِّرحان، فبطلوعه لا يدخل وقت الصبح، ولا يحرم الطعام والشراب على الصائم، ثم يغيب ذلك، فيطلع الصادق مستطيراً معترضاً ينتشر في الأفق، فبطلوعه يدخل وقت صلاة الصبح، ويحرم الطعام والشراب على الصائم).(1/25)
.
الرواية الثانية: عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: (لاَ يَغُرَّنَّكُم أذان بِلال وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ لعمود الصبح حَتَّى يَسْتَطِيرَ)(1) الرواية الثالثة رواه مسلم في صحيحه باللفظ الذي رواه به ابن جرير. الرواية الرابعة لابن جرير أيضاً: عن محمد بن عبد الرحمان بن ثوبان قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (الفجر فجران، فالذي كأنه ذنب السِّرْحان لا يحرم شيئا وإنما هو المستطير(2) الذي يأخذ الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام)(3)
__________
(1) -هذا الحديث بمعنى الذي قبله. ورواه بنحو هذا اللفظ أحمد في المسند (7/20100). ومسلم (كتاب الصيام/ باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر/1094) وكذا رواه أبو داود في (سننه). (كتاب الصوم/ باب وقت السحور/2346) والترمذي في (جامعه) (كتاب الصوم/باب ما جاء في بيان الفجر/706)، والنسائي (الصوم/باب كيف الفجر- 4/148). وأخرجه الحاكم في (المستدرك) (1/425). شاهداً لحديث ابن عباس في (15-كتاب الصوم، رقم: 1550/ وقال الذهبي في (التلخيص): (أخرجناه شاهداً). انظر: (جامع البيان) (2/235/236/ رقم: 2455). والحديث سبق تخريجه-آنفاً- وللزيادة انظر: (الإرواء). (4/31).
(2) - المستطير: هو الذي انتشر ضوءُه واعترض في الأفق. بخلاف المستطيل . قال الحافظ في (الفتح)
(4/635) المستطير: (أي: هو الذي يحرم الطعام ويحل الصلاة). ثم ذكر أن جماعة من الصحابة ذهبوا: (إلى جواز السحور إلى أن يتضح الفجر).
(3) - قال الألباني–رحمه الله-في (الصحيحة). (5/8/9/رقم:2002/ تحت عنوان: (صفة الفجر الصادق الذي تحل به الصلاة). –ولفظ الحديث: (الفجر فجران، فجرٌ يقال له: ذَنَب السِّرْحان؛ وهو الكاذب يَذهب طولاً، ولا يذهب عَرضاً، والفجر الأخر يذهب عرضا،ً ولا يذهب طولاً)-: أخرجه الحاكم
(1/91)، وعنه البيهقي (1/377). والديلمي (2/344). عن عبد الله بن روح المدائني: حدثنا يزيد ابن هارون: حدثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: فذكره. وقال الحاكم: (إسناده صحيح)، ووافقه الذهبي. ذكره شاهداً لحديث ابن عباس المتقدم برقم: (693) قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات مترجمون في (التهذيب). غير عبد الله بن روح المدائني ترجمه الخطيب في (تاريخه). (9/454). وقال عنه الدارقطني: (ليس به بأس). وقال الحافظ في (اللسان): (من شيوخ أبي بكر (الشافعي) الثقات). قلت: لكن أخرجه ابن جرير في (تفسيره) (3/2995)، والدارقطني (ص:231), والبيهقي (1/377/و4/215). من طرق عن ابن أبي ذئب به مرسلاً لم يذكر فيه جابراً، وقال الدارقطني: (وهذا مرسل). وقال البيهقي: (وهو أصح). قلت: لكن الحديث صحيح لشاهده المشار إليه آنفاً. وله شاهد آخر أخرجه الدارقطني عن الوليد بن مسلم عن الوليد بن سليمان قال: سمعت ربيعة بن يزيد قال: سمعت عبد الرحمان بن عائش صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: فذكره نحوه، وقال: (إسناد صحيح). وأقول: ابن عائش هذا؛ قال في (التقريب): (يقال:له صحبة، وقال أبو حاتم: من قال في روايته: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم - فقد أخطأ). والوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية.وله شواهد أخرى بعضها في (صحيح مسلم). انتهى من (الصحيحة). بتصرف يسير.(1/26)
وهذا مرسل جيد. قال محمد تقي الدين: ذنب السرحان معناه: ذنب الذئب لأنه يرفعه فيصير صاعداً إلى فوق، فشبه الفجر الكاذب به. رواه عبد الرزاق بسنده عن ابن عباس قال: (هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئاً، ولكن الفجر الذي يستنير(1) على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب)(2)
__________
(1) - ورواه ابن جرير في (تفسيره) (2/235/ رقم:2452). قال: حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: فذكره بنفس اللفظ الذي ذكر المؤلف إلا لفظ: (يستنير). فهو عنده بلفظ: (يستبين). والمعنى واحد.
(2) -رواه ابن خزيمة في (صحيحه) (1/184/ رقم: 28- باب: ذكر بيان الفجر الذي يجوز صلاة الصبح بعد طلوعه. إذ الفجر هنا فجران، طلوع أحدهما بالليل. وطلوع الثاني يكون بطلوع النهار رقم: ح 356).- ونسبه المحقق لـ(لحاكم 1/191). وانظر: (التلخيص الحبير). (1/177). لم يرفعه غير أبي أحمد الزبيدي –لعله أراد: الزبيري عن سفيان الثوري- عن الثوري عن ابن جريج، ووقفه الفريابي وغيره عن الثوري، ووقفه أصحاب ابن جريج عنه أيضاً، لكن له شاهد صحيح من رواية جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الفجر فجران...) الحاكم (1/191).-قال أبو بكر: (في هذا الخبر دلالة على أن صلاة الفرض لا يجوز أداؤها قبل دخول وقتها). وقال في: (4/210/ رقم:1927). رقم: (41- باب: الدليل على أن الفجر هما فجران، وأن طلوع الثاني منهما هو المحرم على الصائم الأكل والشرب والجماع لا الأول، وهذا من الجنس الذي أعلمت أن الله عز وجل ولى نبيه-عليه الصلاة والسلام- البيان عنه عز وجل). قلت: والحاكم رواه في (4- كتاب الصلاة/1/191/ رقم: 687). وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين في عدالة الرواة ولم يخرجاه، وأظن أني قد رأيته من حديث عبد الله بن الوليد عن الثوري موقوفاً، والله أعلم. وله شاهد بلفظ مفسر، وإسناده صحيح. ثم ذكره برقم: (688). وقال الذهبي في التلخيص: على شرطهما، ووقفه بعضهم عن سفيان، وشاهده صحيح_يعني رقم: 688_. انتهى. وفي (15-كتاب الصوم، رقم: 1548/1/425). وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه). وقال الذهبي في (التلخيص): (صحيح). ثم ذكر الحاكم حديث سمرة شاهدا ًله. وهو بلفظ: (لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير). وقال الذهبي في (التلخيص): (أخرجناه شاهداً). وأخرجه الدارقطني في (السنن) (1/144/145/رقم: 2163/2165). وقد أطال النفس في تخريجه الحافظ في (التلخيص) (1/290). وفي (تفسير) الطبري (2/100). بلفظ: (حتى ينتشر الضوء على رؤوس الجبال). (فتح الباري/4/425). لابن رجب الحنبلي.(1/27)
. وقال عطاء: (فأما إذا سطع سطوعاً في السماء وسطوعه أن يذهب في السماء طولاً فإنه لا يحرم به شراب للصائم،
ولا تحل به صلاة(1) ولا يفوت به الحج ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال حرم الشراب للصائم، وفات الحج)(2)وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء وهكذا روي عن غير واحد من السلف رحمهم الله. قال محمد تقي الدين الهلالي: معنى فوات الحج أن الحاج إذا فاته الوقوف بعرفة نهاراً في اليوم التاسع من ذي الحجة، وأدركه ليلاً قبل طلوع الفجر الصادق الموصوف بهذه الصفات فحجه صحيح فإن وصل إلى عرفة بعد طلوع الفجر الصادق فلا حج له في تلك السنة. أحاديث جامع الترمذي وشرحه(3) لشيخنا عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري رحمه الله. الحديث الأول: قال الترمذي بسنده إلى زيد بن ثابت قال: (تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة قال: قلت: كم كان قدر ذلك؟ قال: قدر خمسين آية)(4)
__________
(1) - وفي مثل هذا يقول الإمام الشافعي: (الفجر فجران: فالأول مستدق طويل صعدا في السماء وسط الفلك وذلك لا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام على من أراد الصيام. فالفجر الثاني عريض أبيض منير معترض في الأفق فذلك يحل الصلاة ويحرم الطعام على من أراد الصيام). انظر: (المعرب عن بعض عجائب المغرب) (ص:59).
(2) - قال أبو مجلز: (الضوء الساطع في السماء ليس بالصبح، ولكن ذاك الصبح الكذاب، إنما الصبح إذا انفضح الأفق). يقال: فضحه الصبح إذا دهمته فضحة الصبح وهي بياضه، فكشفه وبينه للأعين بضوئه. والأفضح: الأبيض ليس شديد البياض. من (جامع البيان) (2/235/ رقم: 2450). ومنه عن الأعمش، عن مسلم: (ما كانوا يرون إلا أن الفجر الذي يستفيض في السماء).
(3) - يعني به: (تحفة الأحوذي) (3/333/334). وما بعدها. لشيخه محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري المتوفى في سنة (1353). هـ
(4) - رواه البخاري في (30/كتاب الصوم، باب(19) قدر كم بين السحور وصلاة الفجر؟رقم:1921). ورواه عن أنس في (9- كتاب مواقيت الصلاة، 27- باب(27) وقت الفجر. رقم: (575/576) وقال الحافظ (4/638): وقال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة، فيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود...كان- صلى الله عليه وسلم - ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر...وقال القرطبي: فيه دلالة على أن الفراغ من السحور كان قبل طلوع الفجر فهو معارض لقول حذيفة: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع). ومسلم في (13- كتاب الصوم، باب(9)فضل السحور وتأكيد استحبابه. واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر). رقم (47). والترمذي (2/165/-6-كتاب الصوم باب (14)ما جاء في تأخير السحور برقم:703/704). قال: وفي الباب عن حذيفة، قال أبو عيسى: حديث زيد بن ثابت حديث (حسن صحيح)، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، استحبوا تأخير السحور). وابن ماجة في سننه (2/95-كتاب الصيام باب(23) ما جاء في تأخير السحور رقم: 1694). وغيرهم.(1/28)
قال محمد تقي الدين الهلالي: أخبرنا العالم السلفي أبو علي الحبيب ابن علي العلوي(1) أنه قرأ خمسين آية في دقيقتين فيكون على هذا بين سحور النبي- صلى الله عليه وسلم - وبين صلاة الصبح دقيقتان وهب أنها خمس دقائق فالجاهلون بالسنة يحكمون على من فرغ من أكله قبل صلاة الصبح بخمس دقائق أن صيامه غير صحيح، وستزداد المسألة وضوحاً بعد هذا إن شاء الله تعالى. ثم قال الترمذي: وفي الباب عن حذيفة- قال أبو عيسى: حديث زيد بن ثابت حديث حسن صحيح، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، (استحبوا تأخير السحور)(2) الحديث الثاني: قال الترمذي بسنده إلى طلق بن علي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصَعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)(3) قال محمد تقي الدين: علمنا من هذا الحديث أن الفجر الكاذب الذي يتقدم الفجر الصادق أبيض خالص البياض ومرتفع من الأرض إلى السماء، وهذا لا يحرم طعاماً على صائم ولا يحل صلا ة الصبح، والفجر الصادق معترض في الأفق مشرب بالحمرة التي تتقدم طلوع الشمس، فهذا هو الذي يحرم الطعام ويحل الصلاة. قال شيخنا في الشرح عند قوله: (قدر خمسين آية).(أي: متوسطة لا طويلة ولا قصيرة (وقراءتها تكون متوسطة)(4) ولا(5) سريعة ولا بطيئة). ونسب ذلك إلى الحافظ(6)
__________
(1) - سألنا عنه فضيلة شيخنا العلامة محمد (بوخبزة)-حفظه الله- فقال: (المراد بالحبيب بن علي بن عبد الواحد العَلَوي، شيخ الهلالي، وهو عالم كبير دخل مراكش ودرَّس فيها، وبها توفي في العقود الأولى من القرن الرابع عشر. ترجمته في كتاب: (الإعلام). للعباس بن إبراهيم (3/115).
(2) - انظر: (فتح الباري) (4/440/447). لابن رجب.
(3) - سبق تخريجه في (ص:29/30).
(4) - ولا يوجد في (التحفة) (3/333). هذه الزيادة: (وقراءتها تكون متوسطة).
(5) - في الأصل (لا سريعة). بدون واو والتصحيح من (تحفة الأحوذي) (3/333).
(6) - انظر (الفتح) (4/638). عند قوله: (قدر خمسين آية)أي: متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة. قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكان العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقولهم: قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور).(1/29)
الحديث الثالث : قال شيخنا(1) حديث حذيفة أخرجه الطحاوي في شرح الآثار(2) من رواية زر بن حبيش قال: تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة-اللقحة: الناقة الحلوب-فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال: كل، قلت: إني أريد الصوم قال: وأنا أريد الصوم، قال: فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة، قال: هكذا فعل بي رسو ل الله- صلى الله عليه وسلم - أو صنعت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، قلت: بعد الصبح قال: بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع). وأخرجه النسائي(3)
__________
(1) - في (تحفة الأحوذي) (3/333/ رقم: 14- باب: ما جاء في تأخير السحور (ح) 703/704).
(2) - انظر: (شرح معاني الآثار). (2/52-كتاب الصيام، باب الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصائم).
(3) - أخرجه النسائي بألفاظ مختصرة في (سننه) (4/145/146/ رقم: 2148/2149/2150-22-كتاب الصيام، باب(20) تأخير السحور وذكر الاختلاف على زر فيه). وابن ماجة في (سننه:2/96/ رقم: 1695- 8- كتاب الصيام، باب (23) ما جاء في تأخير السحور-وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجة1/283/رقم: 1375- وفي صحيح أبي داود رقم: 2032). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف (كتاب الصيام، 7- من كان يستحب تأخير السحور رقم:8935). انظر المحلى (4/369/372-كتاب الصيام، رقم: المسألة:756) ورواه الطحاوي في (شرح معاني الآثار). (2/52-كتاب الصيام، باب الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصائم). وابن جرير في (جامع البيان).
(2/236/240رقم:2456/2457/2458). وسيأتي في (ص:43/44).(1/30)
وأحمد(1) قال محمد تقي الدين الهلالي: نقول للقاصرين والمقصرين: ماذا ترون في صيام النبي- صلى الله عليه وسلم - وصيام حذيفة وزر بن حبيش هل كان صحيحاً أو باطلاً فإن قلتم: كان صحيحاً تبين لكم فساد ما ظننتموه من وجوب القضاء على من أكل بعد الصفارة المغربية مع أنها تصفر بليل قبل طلوع الفجر الكاذب والصادق. ثم قال: وذهب معمر وسليمان الأعمش وأبو مجلز والحكم بن عتيبة إلى جواز التسحر ما لم تطلع الشمس واحتجوا في ذلك بحديث حذيفة(2) الذي أشار إليه الترمذي وعن ابن جريج قلت لعطاء: (أيكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدري لعلي أصبحت؟ قال: لا بأس بذلك، هو شك)(3) وقال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم، قال: (لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق)(4) وعن معمر أنه: (كان يؤخر
__________
(1) - رواه أحمد في كتاب باقي مسند الأنصار. من (مسنده). وسيأتي لفظ أحمد في (ص: 43/44).
(2) - قال الجوزجاني: (هو حديث أعيى أهلَ العلم معرفتُه. وقد حمل طائفة من الكوفيين، منهم النخعي وغيره هذا الحديثَ على جواز السحور بعد طلوع الفجر في السماء، حتى ينتشر الضوء على وجه الأرض. ومن حكى عنهم أنهم استباحوا الأكلَ حتى تطلع الشمس، فقد أخطأ. وادعى طائفة: أن حديث حذيفة كان في أول الإسلام، ونسخ... وعلى هذا يجوز السحور في وقت تجوز فيه صلاة الفجر، إذا غلب على الظن طلوعُ الفجر، ولم يتيقن ذلك. وإذا حملنا حديث حذيفة على هذا، وأنهم أكلوا مع عدم تيقُّن طلوع الفجر، فيكون دخولهم في الصلاة عند تيقن طلوعه). (فتح الباري) (4/424/425). ابن رجب
(3) -رواه ابن حزم في (المحلى) (4/372/كتاب الصيام-رقم المسألة: 756-الكلام على وقت السحور).
(4) - رواه ابن حزم في (المحلى) (4/372/373-كتاب الصيام، رقم: المسألة:756). وابن أبي شيبة في (المصنف) (كتاب الصيام، رقم: 9075). وابن جرير في (جامع البيان) (2/235/ رقم: 2451).(1/31)
السحور جداً حتى يقول الجاهل: (لا صوم له)(1) وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر من طرق عن أبي بكر أنه: (أمر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر)(2) وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن علي- رضي الله عنه -ـ أنه صلى الصبح. ثم قال: (الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود)(3)
__________
(1) - رواه ابن حزم في (المحلى) (4/373/ كتاب الصيام، رقم المسألة: 756).
(2) - انظر: الفتح (4/635). و(جامع البيان) (2/237/رقم: 2462). و(المحلى) (4/371).
(3) - رواه ابن جرير في (التفسير) (2/236/ رقم:2459): عن هبيرة، عن علي، (أنه لما صلى الفجر، قال: هذا حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر). انظر الفتح (4/635). وقديماً قيل:
الخيط الأبيض ضوء الصبح منفلق والخيط الأسود جنح الليل مكتوم
انظر: (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) (1/99). تحقيق محمد عبد العزيز الخالدي.(1/32)
وقال ابن المنذر: (ذهب بعضهم إلى أن المراد بتبين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت)(1) وروى بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي وله صحبة أن أبا بكر - رضي الله عنه -ـ قال له: (أخرج فانظر هل طلع الفجر، قال: فنظرت ثم أتيته فقلت: قد ابيض وسطع، ثم قال: أخرج فانظر هل طلع الفجر؟ فنظرت فقلت: قد اعترض، فقال: الآن أبلغني شرابي)(2) وروى من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال: (لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت)(3) كذا في (عمدة القاري) و(فتح الباري) وقال الحافظ ابن حزم في المحلى(4)
__________
(1) - انظر: الفتح (4/635). و(شرح البخاري) لابن بطال (4/36). و(فتح الباري) (4/425). لابن رجب الحنبلي.
(2) - انظر: (شرح البخاري) لابن بطال (4/36). والفتح (4/635و636). ورواه ابن جرير في (جامع البيان) (2/237/رقم: 2462). عن سالم مولى أبي حذيفة قال: (كنت أنا وأبو بكر الصديق فوق سطح واحد في رمضان، فأتيت ذات ليلة فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ فأومأ بيده أن كفّ. ثم كفّ، ثم أتيته مرة أخرى، فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ فنظر إلى الفجر ثم أومأ بيده أن كفّ. ثم أتيته فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ قال: هات غداءك! قال فأتيته به فأكل ثم صلى ركعتين، ثم قام إلى الصلاة).
(3) - رواه ابن حزم في (المحلى). (1/366). وابن بطال في (شرح صحيح البخاري). (4/37). والحافظ في (الفتح) (4/636). وقال الحافظ: (قال إسحاق: هؤلاء رأوا جواز الأكل والصلاة بعد طلوع الفجر المعترض حتى يتبين بياض النهار من سواد الليل، قال إسحاق: وبالقول الأول أقول، لكن لا أطعن على من تأول الرخصة كالقول الثاني ولا أرى عليه قضاء ولا كفارة. قلت: وفي هذا تعقب على الموفق وغيره حيث نقلوا الإجماع على خلاف ما ذهب إليه الأعمش ). سيأتي في (ص:51).
(4) -انظر: (المحلى بالآثار). (4/366/ وما بعدها-مسألة:756).(1/33)
: (ولا يلزم صوم في رمضان ولا في غيره إلا بتبين طلوع الفجر الثاني، وأما ما لم يتبين فالأكل والشراب والجماع مباح كل ذلك كان على شك من طلوع الفجر أو على يقين من أنه لم يطلع). ثم ذكر آية البقرة المتقدم ذكرها(1) وقال بعدها ما نصه: (لأنه تعالى أباح الوطء والأكل والشرب إلى أن يتبين لنا الفجر ولم يقل تعالى: حتى يطلع الفجر، ولا قال: حتى تشكوا في الفجر، فلا يحل لأحد أن يقوله، ولا أن يوجب صوماً بطلوع(2) ما لم يتبين للمرء). ثم قال أبو محمد: (فقد صح الأكل(3) صباحاً بعد طلوع الفجر ما لم يتبين لمريد الصوم طلوعه، ثم قال: بسنده إلى زر بن حبيش قلت لحذيفة: أي وقت تسحرتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟! قال: (هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع)(4)
__________
(1) -وهي قوله تعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). (البقرة: من الآية:187)
(2) -بطلوعه: بدل: (بطلوع). والتصحيح من (المحلى بالآثار) (4/366).
(3) - وفي (المحلى بالآثار) (4/368) بلفظ: (فقد صح أن الأكل مباح بعد طلوع).
(4) - رواه أحمد في مسنده عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ بلفظ: (قَالَ تَسَحَّرْتُ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَرَرْتُ بِمَنْزِلِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِلَقْحَةٍ فَحُلِبَتْ وَبِقِدْرٍ فَسُخِّنَتْ ثُمَّ قَال:َ ادْنُ فَكُلْ فَقُلْت:ُ إِنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ فَقَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا ثُمَّ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ ثُمَّ قَالَ حُذَيْفَة:ُ هَكَذَا فَعَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - قُلْت:ُ أَبَعْدَ الصُّبْح؟ِ قَال:َ نَعَمْ، هُوَ الصُّبْحُ غَيْرَ أَنْ لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ). ورواه النسائي في (السنن). (2/4/145/ رقم: -2148مختصراً). (22-كتاب الصيام باب (20) تأخير السحور وذكر الاختلاف على زر فيه). وابن ماجة في سننه (2/96/ رقم: 1695). (7-كتاب الصوم، باب(23) ما جاء في تأخير السحور). انظر المحلى (كتاب الصيام/ مسألة:756/ الكلام على السحور) قال الحافظ في الفتح (5/634): وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن عاصم وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ذلك عن حذيفة من طرق صحيحة. وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة) (1/283/ رقم:1375). و(صحيح سنن أبي داود). (رقم: 2032). ولا يلتفت إلى ما قاله محقق (المحلى)- عبد الغفار البنداري- في حاشية (4/369) من (المحلى بالآثار). قوله: (هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع). الظاهر أن المراد بالنهار هو النهار الشرعي، والمراد بالشمس الفجر لكونه من آثار الشمس. والمراد أنه في قرب طلوع الفجر بحيث يقال النهار. أفاده فؤاد عبد الباقي في (سنن) ابن ماجة (2/96). قوله: (بلقحة): هي الناقة التي تكون قريبة العهد بالنتاج، (والقدر): بالكسر من الإناء ما يطبخ فيه الإدام، كاللحم وغيره، (والحلب) بالفتح ويحرك استخراج ما في الضرع من اللبن كالحلاب بالكسر والاحتلاب. انظر: (شرح معاني الآثار) (2/52). سبق تخريجه في (ص:39/40/41). وسيأتي أيضاً في (ص: 56/57).(1/34)
وروى بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)(1)ثم قال ابن حزم بسنده إلى أبي بكر الصديق أنه قال: (إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا حتى يتبين لهما)(2) وروى بسنده إلى سالم بن عبيد قال: (كان أبو بكر الصديق يقول لي: قم بيني وبين الفجر حتى نتسحر)(3)
__________
(1) -وأخرجه أبوداود في (السنن) (2/292/ رقم: 2350). (كتاب الصيام، باب(18) في الرجل يسمع النداء والإناء على يده). والحاكم في (المستدرك كتاب الصيام رقم1552). انظر المحلى (كتاب الصيام، مسألة:756- الكلام على السحور). قال الشيخ الألباني في (الصحيحة/3/381/رقم:1394): (أخرجه أبوداود (1/549ـحلبي) وابن جريرالطبري في (التفسير/3/526/3015) وأبو محمد الجوهري في (الفوائد المنتقاة/1/2) والحاكم (1/426) والبيهقي (4/218) وأحمد (2/423 و510) من طرق عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره. وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي، وفيه نظر فإن محمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره، فهو حسن. نعم لم يتفرد به ابن عمرو، فقد قال حماد بن سلمة أيضا: عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - مثله، وزاد فيه: (وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر). أخرجه أحمد (2/510) وابن جرير والبيهقي قلت: وهذا إسناد على شرط مسلم، وله شواهد كثيرة.) ثم ذكرها.
(2) - رواه عبد الرزاق في المصنف (4/172 برقم:7365). انظر: (المحلى) (4/370-رقم المسألة: 756-وفي 371/ من طريق الحسن: أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا). و(شرح البخاري) (4/38/39). لابن بطال.
(3) - رواه ابن أبي شيبة-بلفظ مختلف- في (المصنف). (2/276-كتاب الصيام،-7 من كان يستحب تأخير السحور رقم:8929) عن سالم بن عبيد الأشجعي قال: (كنت مع أبي بكر، فقال: قم فاسترني من الفجر ثم أكل). واللفظان عند ابن حزم في (المحلى): (4/370-كتاب الصيام-رقم المسألة:756). ومعظم الآثار التي في هذه الرسالة أخذها مؤلفها من (المحلى). فتأمل.(1/35)
سالم بن عبيد هذا أشجعي كوفي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه أصح طريق يمكن أن تكون. ثم روى بسنده عن أبي قلابة أن أبا بكر الصديق كان يقول: (أوجفوا(1) الباب حتى نتسحر)(2) ثم روى من طريق حماد بن سلمة عن أبي هريرة: (أنه سمع النداء والإناء على يده فقال: أحرزتها ورب الكعبة)(3) ثم روى من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال:(أحل الله الشراب ما شككت، يعني في الفجر)(4) ثم روى عن عكرمة قال: قال ابن عباس: (أشك لعمر الله، اسقني فشرب)(5)
__________
(1) - والذي في (المحلى) (4/371/ مسألة رقم:756): (أجيفوا الباب حتى نتسحر). قال ابن حزم: (الإيجاف): الغلق. انتهى
(2) -رواه ابن حزم في (المحلى) (4/371/ رقم المسألة:756) وعبد الرزاق في (مصنفه) (4/234برقم:7618 بلفظ: (أجيفوا الباب لا يفجأنا الصبح).
(3) -رواه ابن حزم في (المحلى) (4/371-كتاب الصيام، رقم المسألة:756). وابن بطال في (شرح البخاري) (4/37). وقال هشام بن عروة: (كان عروة يأمرنا بهذا، يعني: إذا سمع النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه).
(4) -رواه ابن حزم في (المحلى) (4/371)، وعبد الرزاق في (المصنف) (بإسناد صحيح). بلفظ: (أحل الله الشراب ما شككت حتى لاتشك) من طريق ابن جريج عن عطاء قال: قال ابن عباس فذكره. ورواه البيهقي في (سننه) (4/221) عن أبي الضحى أن رجلا قال لابن عباس: (متى أدع السحور؟ فقال رجل: إذا شككت، فقال ابن عباس: كلُ ما شككت حتى يتبين لك). وروى عن حبيب بن أبي ثابت: قال: (أرسل ابن عباس رجلين ينظران إلى الفجر، فقال أحدهما: أصبحت، وقال الآخر: لا، قال: اختلفتما أرني شرابي). ثم قال ـ البيهقي ـ: وروي في هذا عن أبي: بكر وعمر وابن عمر-رضي الله عنهم- انتهى. انظر: الفتح (4/634). و(شرح البخاري) لابن بطال (4/39). انظر: (مصنف) ابن أبي شيبة (2/288).
(5) - الذي في المحلى (4/371): وعن عكرمة قال: قال ابن عباس: (اسقني يا غلام، قال له: أصبحت، فقلت: كلا، فقال ابن عباس: شك لعمر الله، اسقني، فشرب). وهو في المصنف لعبد الرزاق (4/172برقم:7366). ومثله في (مصنف). ابن أبي شيبة (2/288).(1/36)
. ثم روى بسنده عن مكحول الأزدي قال: (رأيت ابن عمر أخذ دلواً من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع فقال الآخر: لا، فشرب ابن عمر)(1). وروى بسنده(2) عن حبان بن الحارث أنه: (تسحر مع علي بن أبي طالب وهما يريدان الصيام، فلما فرغ قال للمؤذن: أقم الصلاة)(3) وروى بسنده من طريق ابن أبي شيبة عن عامر بن مطر قال: (أتيت عبد الله بن مسعود في داره، فأخرج لنا فضل سحوره(4)، فتسحرنا معه فأقيمت الصلاة فخرجنا فصلينا
__________
(1) - رواه ابن أبي شيبة في (المصنف). (2/287-كتاب الصيام-19-في الرجل يشك في الفجر طلع أم لا؟برقم: 9060). إذا شك الرجل في طلوع الفجر فالأصل بقاء الليل، حتى يستبين ويتبين طلوعه. انظر: المحلى (4/371- رقم المسألة: 756). و(شرح البخاري) (4/39). لابن بطال.
(2) -روى بسنده عن سفيان بن عيينة عن شعيب بن غرقدة عن حبان بن الحارث فذكره.. كما في كتابه (المحلى بالآثار) (4/371).
(3) - رواه عبد الرزاق في المصنف مطولا (4/231برقم:7609، وابن أبي شيبة في (المصنف). (2/276-كتاب الصيام-7- من كان يستحب تأخير االسحور برقم:8930). عن أبي عقيل قال: (تسحرت مع علي ثم أمر المؤذن أن يقيم). ورواه باللفظين ابن حزم في المحلى (4/371-كتاب الصيام، رقم المسألة:756- الكلام على وقت السحور). وابن جرير في (جامع البيان) (2/237/ رقم: 2466/2467). بلفظ: عن حبان بن الحارث قال: (مررت بعلي وهو في دار أبي موسى وهو يتسحر، فلما انتهيت إلى المسجد أقيمت الصلاة). وفي لفظ له أيضاً: (تسحرنا مع علي ثم خرجنا وقد أقيمت الصلاة). نقل حنبل، عن أحمد قال: (إذا نور الفجر، وتَبَيَّن طلوعه، حلت الصلاةُ، وحرم الطعام والشراب على الصائم. وهذا يدل على تلازمهما، ولعله يرجع إلى أنه لا يجوز الدخول في الصلاة إلا بعد تيقُّن دخول الوقت). (فتح الباري) (4/426). لابن رجب الحنبلي.
(4) - وفي (المحلى) (4/372). بلفظ: (فأخرج لنا فضل سحور). بتنكير سحور.(1/37)
معه)(1) وعن حبيب(2) بن عبد الرحمان قال: (سمعت عمتي ـ وكانت قد صبحت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ـ قالت:كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: إن ابن أم مكتوم ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال، وإن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قالت: وكان يصعد هذا وينزل هذا، قالت: فكنا نتعلق به(3)
__________
(1) - رواه ابن حزم في (المحلى) (4/372-كتاب الصيام، رقم: المسألة:756-الكلام على وقت السحور). وابن أبي شيبة في (المصنف) (2/276-كتاب الصيام-7من كان يستحب تأخير السحور رقم:8931). وابن جرير في (جامع البيان) (2/236/237/ رقم: 2461).
(2) - قوله: (حبيب بن عبد الرحمن قال: سمعت عمتي). بالحاء وهو خطأ صوابه: (خبيب بالخاء المعجمة). كما في (تهذيب الكمال) (8/227). كما في حاشية (شرح صحيح البخاري). لابن بطال (4/43). وعمته هي أنيسة بنت خبيب -بالضم- بن يساف الأنصارية. أما خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف الأنصاري الخزرجي فهو أبو الحارث المديني ونقل توثيقه ابن حجر في (تهذيبه) (3/136). كما في (المحلى بالآثار) (4/372رقم المسألة: 756). روى ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم قال: كان ابن أم مكتوم ضرير البصر، ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى فروع الفجر-أي: أوائله وأول ما يبدوا ويرتفع منه-: (أذن). وقد روى الطحاوي عن (علي) بن معبد، عن روح، عن شعبة قال: سمعت (خُبَيْب بن عبد الرحمن يحدث عن عمته أنيسة- وكانت قد حجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: كان إذا نزل بلال وأراد أن يصعد ابن أم مكتوم تعلقوا به وقالوا: (كما أنت حتى نتسحر). انتهى من (شرح صحيح البخاري). لابن بطال (4/43).
(3) - هذا الحديث في (مسند أبي داود) مروي عن أُنيسة بنت خُبَيب عمةِ خبيب بلفظ: (فكنا نحبس ابن أم مكتوم فنقول... الخ كما في حاشية (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة). (ص: 119).(1/38)
فنقول:كما أنت، حتى نتسحر)(1)
__________
(1) - وهذا الحديث يذكره علماء المصطلح مثالاً للمقلوب في المتن، رواه أحمد (6/433). وابن خزيمة في (صحيحه) (1/210/211/212- وما بعدها). رقم: (404/ تحت 35/ باب: ذكر خبر روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أهل الجهل أنه يضاد هذا الخبر الذي ذكرنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن بلالاً يؤذن بليل). قال المحقق: رواه النسائي إسناده صحيح-2/10/11-إلى قوله: فلا تأكلوا ولا تشربوا-وفي رقم: 405/و 406- وإسناده جيد. و407- إسناده صحيح. لولا أن أبا إسحاق وهو السبيعي مختلط مدلس وقد عنعنه- وقد أشار الحافظ في (الفتح) 2/103-إلى أن ابن خزيمة جمع هذه الروايات). وابن حبان في (صحيحه) (رقم: 3474). والنسائي في (الصغرى) (2/10). و(الكبرى). (وابن أبي شيبة في (المصنف 2/277/ كتاب الصيام، (7)من كان يستحب تأخير السحور. رقم:8940). قال الشيخ الألباني في (الإرواء) (1/236/237/238/رقم: 219) في حديث (إن بلالاً يؤذن بليل). الحديث. فذكر أنه: (ورد من حديث ابن عمر، وعائشة، وأنيسة، وأنس، وسهل بن سعد، وسلمان الفارسي. ثم ذكر طرق حديث ابن عمر الأربعة، فقال: وأما حديث عائشة فله عنها طريقان: 1- القاسم بن محمد عنها به مثل حديث نافع. أخرجه البخاري (1/164/478)، ومسلم، والدارمي، وابن الجارود، والبيهقي، وكذا النسائي، وأحمد (6/44/54)، والطحاوي. 2- عن الأسود بن يزيد قال: قلت لعائشة أم المؤمنين: أي ساعة توترين؟ لعله قالت: ما أوتر حتى يؤذنون حتى يطلع الفجر، قالت: وكان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - مؤذنان بلال، وعمرو بن أم مكتوم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إذا أذن عمرو فكلوا واشربوا فإنه رجل ضرير البصر، وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم، فإن بلالاً لا يؤذن –كذا قال- حتى يصبح). أخرجه أحمد
(6/185/186). من طريق يونس بن أبي إسحاق عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ومتنه كما نرى على خلاف ما في الطريق الأولى، ففيه أن عمرواً ينادي أولاً، وهكذا رواه ابن خزيمة من طريقين عنها كما في (الفتح) (2/85)، ثم رجح أنه ليس مقلوباً كما ادعى جماعة من الأئمة، بل كان ذلك في حالتين مختلفتين، كان بلال في الأولى يؤذن عند طلوع الفجر أول ما شرع الأذان، ثم استقر الأمر على أن يؤذن بدله ابن أم مكتوم، ويؤذن هو قبله. وأورد من الأدلة ما فيه مقنع فليراجعه من شاء. والحديث رواه أبو يعلى مختصراً بلفظ: (كلوا واشربوا حتى يؤذن بلال). قال الهيثمي (3/154): (ورجاله ثقات). ويشهد له الحديث الآتي: وأما حديث أنيسة فيرويه عنها خبيب بن عبد الرحمن وهي عمته، يرويه عنه ثقتان: الأول: منصور بن زاذان بلفظ حديث عائشة من الطريق الثاني: (إن ابن أم مكتوم يؤذي بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا نداء بلال). رواه النسائي (1/ 105). والطحاوي (1/83). وأحمد (6/433). من طريق هشيم ثنا منصور به. وزاد: (قالت: وإن كانت المرأة ليبقى عليها من سحورها فتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري). قلت: وهذا سند صحيح على شرطهما. الثاني: شعبة، وقد شك في لفظه فقال فيه: (إن ابن أم مكتوم ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال، أو: إن بلالاً ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، وكان يصعد هذا وينزل هذا، فنتعلق به فنقول: كما أنت حتى نتسحر). أخرجه الطحاوي، وأحمد، ورواه الطيالسي
(1661): حدثنا شعبة به باللفظ الأول: (إن بلالاً ينادي بليل..الحديث). دون شك، قال الحافظ في (الفتح): (ورواه أبو الوليد عن شعبة جازماً بالثاني، وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة، وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن). قلت: والظاهر أن شعبة هو الذي كان يضطرب في روايته ولذلك فإني أرجح عليها رواية منصور لما فيها من الجزم وعدم الشك، وحينئذ فالحديث شاهد قوي لحديث عائشة من الطريق الثاني. والله أعلم...). انتهى من (الإرواء) (1/236/وما بعدها). وقد أطال النفس عنه أيضاً في (الثمر المستطاب). (1/137/138/139/140). فتأمل.(1/39)
.
وعن محمد بن علي بن الحسين: (كلْ حتى يتبين لك الفجر)(1)وعن الحسين: (كلْ ما امتريت)(2)وعن أبي مجلز: (الساطع ذلك الصبح الكاذب، ولكن إذا انفضح الصبح في الأفق)(3)وعن إبراهيم النخعي: (المعترض الأحمر يحل الصلاة ويحرم الطعام)(4)وعن ابن جريج قلت لعطاء: (أتكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدري لعلي قد أصبحت؟ قال: لا بأس بذلك، هو شك)(5) ومن طريق ابن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال: (لم يكونوا يعدون الفجر فجركم، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق)(6)
__________
(1) -رواه ابن حزم في (المحلى بالآثار) (4/372/ رقم المسألة: 756). ورواه ابن أبي شيبة في (المصنف) (2/288/ رقم: 9063). عن أبي جعفر قال: (كل حتى يتبين لك الفجر).
(2) - رواه ابن حزم في (المحلى بالآثار) (4/372/ رقم المسألة: 756). وابن أبي شيبة في (المصنف)
(2/288/ رقم: 9064). عن يزيد بن زيد قال: سمعت الحسن، وقال له رجل: (أتسحر وأمتري في الصبح، فقال: كل ما امتريت، إنه والله ليس بالصبح خفاء). انظر حكم الامتراء في طلوع الفجر في: (4/38). من (شرح البخاري) لابن بطال.
(3) - رواه ابن أبي شيبة في المصنف(2/289-كتاب الصيام، (20). ما قالوا في الفجر ما هو رقم:9074) وابن جرير في (جامع البيان) (2/235/ رقم:2450). وابن حزم في (المحلى بالآثار) (4/372/ رقم المسألة: 756).
(4) - رواه ابن حزم (المحلى بالآثار) (4/372/ رقم المسألة: 756). وابن أبي شيبة (2/289- كتاب الصيام (20) ما قالوا في الفجر ما هو رقم: 9076) عن عدي بن ثابت قال: (اختلفنا في الفجر فأتينا إبراهيم فقال: الفجر فجران، فأما أحدهما فالفجر الساطع فلا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وأما الفجر (المعترض الأحمر فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام والشراب).
(5) -رواه عبد الرزاق (4/173رقم:7371).وابن حزم في (المحلى بالآثار) (4/372/رقم المسألة: 756).
(6) - رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) (2/289/- كتاب الصيام، (20). ما قالوا في الفجر ما هو رقم: 9075). وابن جرير في (التفسير/برقم:2451), وفي لفظ له: (ما كانوا يرون إلا أن الفجر الذي يستفيض في السماء). قال مسروق: (لم يكونوا يعدون الفجر فجركم، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ الطرق والبيوت). انظر: (شرح البخاري). لابن بطال (4/37).(1/40)
وعن أبي وائل أنه: (تسحر وخرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة)(1)وعن معمر: (أنه كان يؤخر السحور جداً حتى يقول الجاهل: لا صوم له)(2) قال علي: وقد ذكرنا في باب: (من تسحر فإذا به نهار و هو يظن أنه ليل من لم ير في ذلك قضاء). فهؤلاء أبو بكر، وعمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وابن مسعود، وحذيفة، وعمة خبيب، وزيد بن ثابت(3) وسعد بن أبي وقاص، فهم أحد عشر من الصحابة، لا يعرف لهم مخالف من الصحابة- رضي الله عنهم -ـ إلا رواية ضعيفة من طريق مكحول عن أبي سعيد الخدري ولم يدركه، ومن طريق يحيى الجزار عن ابن مسعود ولم يدركه. ومن التابعين محمد بن علي، وأبو مجلز، وإبراهيم، ومسلم، وأصحاب ابن مسعود، وعطاء، والحسن، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وجابر بن زيد(4)سنن أبي داود وشرحه: قال أبو داود-حَدَّثَنَا مُسَدَّد(5)حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ
__________
(1) - رواه ابن حزم في (المحلى بالآثار) (4/373/ رقم المسألة: 756).
(2) - رواه عبد الرزاق في (المصنف). (4/230 باب: تأخير السحور. تحت حديث رقم: 7605). لكن بلفظ: (كان معمر يؤخر السحور، ويُسفر، حتى يقول الجاهل: ماله صوم). وابن حزم في المحلى (4/373كتاب الصيام، رقم المسألة:756).
(3) - في الأصل: وعمة خبيب بن ثابت. والصواب ما أثبتناه كما في (المحلى) (4/373).
(4) - انتهى من (المحلى بالآثار) (4/373/ كتاب الصيام رقم المسألة: 756).
(5) -فائدة: مسدد هو من رجال البخاري، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وقد اتفق في نسبه من الأسماء الغريبة الموزونة على نمطٍ واحد ما لم يتفق لأحد سواه فقد قال منصور الخالدي إنه: (مُسَدَّدٌ بْنُ مُسَرْهد، بْنِ مُسَرْبَل، بن مغربل، بن مرعبل، بن أرندل، بن سرندل، بن عرندل، بن ماسند). قال العجلي: وكان أبو نعيم-يعني: الفضل بن ذكين- يسألني عن نسبه فأخبره، فيقول: (يا أحمد: هذه رقية العقرب).(1/41)
الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم -: (لاَ يَمْنَعَنَّ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ وَلا بَيَاضُ الأُفْقِ الَّذِي هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ)(1)وأخرجه مسلم(2).
والنسائي(3)وقال الخطابي: (قوله: يستطير) معناه: يعترض في أفق و ينشر ضوءه هناك، قال الشاعر(4):
و هان على سَرَاة بني لؤي حريقٌ بالبُوَيْرَة مُسْتَطِيرُ(5) .
__________
(1) -رواه أبو داود في (سننه) (2/290/291/ رقم: 2346-كتاب الصيام-باب: وقت السحور).
(2) - أخرجه مسلم في (صحيحه) (13- كتاب الصيام، 8-باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر رقم: 41/1094/و42/1094/و43/1094/و44/1094). بألفاظ متقاربة.
(3) - أخرجه النسائي في (سننه) (4/151/رقم: 2166/ (22)-كتاب الصيام، باب (30). كيف الفجر). (بلفظ مختلف). والترمذي في (جامعه) (2/166/ (6) كتاب الصوم، باب (15). ما جاء في بيان الفجر رقم: 706). وقال: (هذا حديث حسن).
(4) - حسان بن ثابت والقصة رواها البخاري في (المغازي) باب: (غزوة بني النضير) (رقم: 4031/4032/7/383). ومسلم في الجهاد والسير باب: (قطع أشجار الكفار وتحريقها). (رقم: 1746/12/50). والترمذي في الجهاد والسير باب: (في التحريق والتخريب). (رقم: 1552). وفي التفسير (رقم: 3302). وقال أبو عيسى: (حديث حسن صحيح). وأبو داود في الجهاد باب: (في الحرق في بلاد العدو). (رقم: 2615). قوله: (سراة بني لؤي): (خيارهم وأشرافهم وعظماؤهم). وقيل: جمع سري: وهو الرئيس والشريف والعظيم. قوله: (مستطير): منتشر، ومشتعل.
(5) - انظر: (معالم السنن) (2/90).(1/42)
وروى أبو داود عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن قال: أو ينادي ليرجع قائمكم وينتبه صائمكم وليس الفجر أن يقول هكذا وجمع يحيى ـ يعني القطان ـ كفيه حتى يقول: هكذا ومد يحيى بإصبعيه السبابتين)(1)وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة. وروي عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت هذه الآية: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر). قال: أخذت عقالاً أبيض وعقالاً أسود، فوضعتهما تحت وسادتي، فنظرت فلم أتبين، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضحك فقال: (إن وسادك (إذن) لعريض طويل، إنما هو الليل والنهار)(2)
__________
(1) -رواه البخاري في صحيحه من طرق عدة في (10-كتاب الأذان، (13) باب: الأذان قبل الفجر. رقم: 621/-وفي (68)- كتاب الطلاق، (24) باب: الإشارة في الطلاق والأمور. رقم:5298/-وفي (95)- كتاب أخبار الآحاد، (1) باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق. رقم:7247/ فتح الباري 2/311/و 10/547/و 15/152). ومسلم في كتاب الصيام (رقم: 39/40-1093). وأبو داود في (السنن) (2/291-كتاب الصوم-باب: وقت السحور رقم:2347). والنسائي في (2/12/13/ رقم:637-7- كتاب الأذان باب (11) الأذان في غير وقت الصلاة- تحفة الأشراف:9375). وفي (4/151/ رقم:2166- 22-كتاب الصيام، باب (30) كيف الفجر). وابن ماجة في (سننه) (2/96-(8)-كتاب الصيام، (23) باب: ما جاء في تأخير السحور. رقم: 1696). وأحمد من طرق عدة في (مسنده) (رقم:3646/3709/4136).
(2) -أخرجه البخاري في (صحيحه) (30-كتاب الصيام، باب(16) قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) رقم:1916-وفي: (65) كتاب التفسير رقم: 4509 و4510-فتح الباري 4/629/و9/38). ومسلم في صحيحه (13-كتاب الصيام، باب (8) بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر. رقم: 1090). وأبوداود في (سننه). (2/291/292كتاب الصيام، باب وقت السحور رقم: 2349). والترمذي في (جامعه) (4/453/454/48-كتاب التفسير، باب(1) ومن سورة البقرة، رقم:2981و2982) وقال: (هذا حديث حسن صحيح). والنسائي مختصرا في (سننه).(4/151/رقم: 2165-22). كتاب الصيام، باب(29) تأويل قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ). وابن خزيمة في (صحيحه) (3/208/209رقم:1925/1926كتاب الصوم، 40-باب: ذكر البيان أن الله عز وجل أراد بقوله: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ). بيان بياض النهار من الليل فوقع اسماً لخيط على بياض النهار وعلى سواد الليل، وهذا من الجنس الذي كنت أعلم أن العرب لم تكن تعرفها في معناها، وأن الله عز وجل إنما أنزل الكتاب بلغتهم لا بمعانيهم. فالخيط لغتهم، وإيقاع هذا الاسم على بياض النهار وسواد الليل لم يكن من معانيهم التي يفهمونها حتى أعلمهم - صلى الله عليه وسلم -). والبيهقي في (السنن الكبرى) )4/215). وابن حبان في صحيحه (كتاب الصوم، باب السحور، رقم:3463و3462). وابن جرير في (جامع البيان) (2/233/رقم:2445/2446/2447). والطحاوي في (شرح معاني الآثار). (2/53). والطبراني في (الكبير) (17/179). والدارمي في (سننه) (2/5/6). والحميدي (916).(1/43)
وقال عثمان وهو ابن أبي شيبة:
(إنما هو سواد الليل و بياض النهار)(1)وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، قال الشيخ شمس الدين ابن القيم-رحمه الله: (هذا الحديث أعله ابن القطان بأنه مشكوك في اتصاله، قال: لأن أبا داود قال أنبأنا عبد الأعلى بن حماد أظنه عن حماد عن محمد بن عمرو عن أبي هريرة فذكره، وقد روى النسائي عن زر قال: قلنا لحذيفة: أي ساعة تسحرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع)(2)وقد اختلف في هذه المسألة: فروى إسحاق بن راهويه عن وكيع أنه سمع الأعمش يقول: (لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت)(3) ثم ذكر إسحاق عن أبي بكر الصديق وحذيفة نحو هذا، ثم قال: (و هؤلاء لم يروا فرقاً بين الأكل وبين الصلاة المكتوبة): هذا آخر كلام إسحاق، وقد حكي عن ابن مسعود أيضاً. وذهب الجمهور إلى امتناع السحور بطلوع الفجر، وهو قول الأئمة الأربعة وعامة فقهاء الأمصار(4) وروي معناه عن عمر وابن عباس. واحتج الأولون بقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: (فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)(5) ولم يكن يؤذن إلا بعد طلوع الفجر كذا في البخاري وفي بعض الروايات (وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت)(6) قالوا: إن النهار إنما هو من طلوع الشمس، واحتجوا بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ). وبقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)(7)
__________
(1) -رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) (2/289/ رقم: 9079-(20) ما قالوا في الفجر ما هو).
(2) -انظر: سنن النسائي (4/142). و(المحلى) (4/369). والحديث سبق تخريجه في (ص:36/3).
(3) - سبق تخريجه في (ص:39).
(4) - انظر: (فتح الباري) (4/451/ وما بعدها).
(5) - سبق تخريجه في (ص: 19/20/21/22).
(6) - سبق تخريجه في (ص: 25).
(7) - انظر: (ص:22/23/24/29/30/52).(1/44)
وبقوله: (الفجرُ فجران: فأما الأول فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة وأما الثاني فإنه يحرم الطعام و يحل الصلاة)(1)
__________
(1) - قال الشيخ الألباني في (الصحيحة) (2/307/ وما بعدها/رقم: 693/و5/8/9/ رقم:2002): أخرجه ابن خزيمة في (صحيحه). (1/52/2). وعنه الحاكم (1/425)، والبيهقي(1/377و457/و4/216). من طريق أبي أحمد الزبيري: ثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: فذكره. وقال ابن خزيمة: (لم يرفعه في الدنيا غير أبي أحمد الزبيري)، وقال الحاكم: (صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي، وأعله البيهقي بأن غير أبي (الزبير) رواه عن سفيان الثوري موقوفاً، وقال: (والموقوف أصح). قلت: لأن أبا أحمد الزبيري ـ واسمه محمد بن عبد الله بن الزبير ـ مع كونه ثقة ثبتاً؛ فقد نسبوه إلى الخطأ في روايته عن الثوري؛ لكن للحديث شواهد كثيرة تدل على صحته؛ منها: عن جابر عند الحاكم (1/191). والبيهقي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي ،ومنها: عن عبد الرحمن ابن عائش وقال عنه الشيخ الألباني في (الصحيحة). (رقم:2002): (وأقول: وابن عائش هذا، قال في (التقريب): (يقال: له صحبة، وقال أبو حاتم: من قال في روايته: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم - فقد أخطأ)... وله شواهد أخرى بعضها في (صحيح مسلم). وهي مخرجة في (صحيح أبي داود). (برقم: 2031/2033)... من فقه الحديث: قال ابن خزيمة: (في هذا الخبر دلالة على أن صلاة الفرض لا يجوز أداؤها قبل دخول وقتها). قال: (فجر يحرم فيه الطعام): يريد على الصائم. و(يحل فيه الصلاة): يريد صلاة الصبح. و(فجر يحرم فيه الصلاة): يريد صلاة الصبح؛ إذا طلع الفجر الأول لم يحل أن يصلي في ذلك الوقت صلاة الصبح؛ لأن الفجر الأول يكون بالليل، ولم يرد أنه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد الفجر الأول. وقوله: (ويحل فيه الطعام): يريد لمن يريد الصيام). قلت: ومن تراجم البيهقي لهذا الحديث قوله: (باب إعادة صلاة من افتتحها قبل طلوع الفجر الآخر). وفيه تنبيه هام إلى وجوب أداء الصلاة بعد طلوع الفجر الصادق؛ وهذا ما أخل به المؤذنون في كثير من العواصم -منها عمان-فإن الأذان الموحد فيها يرفع قبل الفجر بنحو نصف ساعة بناء على التوقيت الفلكي، وهو خطأ ثابت بالمشاهدة!وكذلك في كثير من البلاد الأخرى كدمشق والجزائر والمغرب والكويت والمدينة والطائف). انتهى كلام الألباني. قلت: وللشيخ الألباني شريط لعله بعنوان: (فقه صلاة الفجر). ذكر فيه أنه يجوز للمصلي أن يصلي معهم بنية النافلة ثم يعيد صلاة الصبح في بيته. والله المستعان.(1/45)
رواه البيهقي في سننه، قالوا: وأما حديث حذيفة فمعلول وعليه الوقف وإن زراً هو الذي تسحر مع حذيفة، ذكره النسائي(1)قال محمد تقي الدين الهلالي: في هذا نظر لأن حذيفة قال: هكذا صنعت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهذا مرفوع. وأوسط الأقوال الذي نفتي به ونعمل به أخذاً من هذه الأحاديث كلها: أن الفجر الصادق الذي يحرم الطعام على الصائم ويحل الصلاة هو كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: الفجر الأحمر أي: الذي يشوب بياضه حمرة المعترض في الأفق، الذي يملأ البيوت والطرقات ولا يختلف فيه أحد من الناس، يشترك في معرفته جميع الناس وأما غير ذلك كالفجر الذي يعينه المؤقت المغربي فإنه باطل لا يحرم طعاماً على الصائم ولا يحل صلاة الصبح ونحن نتأخر بعده أكثر من نصف ساعة حتى يتبين الفجر الصادق، فهذا الذي ندين الله به(2)
__________
(1) - في (4/145/146/رقم: 2148/21492150-(22) كتاب الصيام، باب (20) تأخير السحور وذكر الاختلاف فيه). قال ابن جرير في (جامع البيان) (2/238/ رقم: 2468): (حدثنا أبو كريب، قال حدثنا أبو بكر، قال: (ما كذب عاصم على زر، ولا زر على حذيفة، قال: قلت له: يا أبا عبد الله تسحرتَ مع النبي- صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع).
(2) - قال محقق هذه الرسالة: لقد خرجت إلى البادية لأتأكد من صحة ما قال الدكتور فتأكدت –وأقسم عليها غير حانث- أن معظم المغاربة لا يصلون صلاة الصبح في وقتها الشرعي. فاخرج وتأكد. وللشيخ أحمد بن الصديق رسالة في (تصحيح حديث: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر). والغماري يرى: (أن الأذان الأول قبل الفجر لا يشرع إلا في شهر رمضان). كما في (تشنيف الأذان) (168). ومن أراد أن يعرف فقه أحمد بن الصديق فليرجع إلى كتاب قيم لأخينا الشيخ أبي محمد الحسن الكتاني بعنوان: (فقه الحافظ أحمد بن الصديق الغماري –المتوفى سنة 1380هـ- دراسة مقارنة). وللشيخ الألباني في هذا الحديث بحث عظيم في (الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب) (1/79/80/81/ وما بعدها). فقال: (وأحياناً يخرج منها في الإسفار حين يعرف الرجل وجه جليسه كما قال أبو برزة الأسلمي: (وكان - صلى الله عليه وسلم - ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل وجه جليسه). خ، م (119-120)د (66)ن (92)طحا (105)طيا (124)حم (4/420و423و424و425). عن سيار بن سلامة عنه. وهذا الإسفار هو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر). أي: اخرجوا منها في وقت الإسفار وذلك بإطالة القراءة فيها. وهذا التأويل لا بد منه ليتفق قوله- صلى الله عليه وسلم - مع فعله الذي واظب عليه من الدخول فيها في وقت الغلس ... وهو الذي رجحه الحافظ ابن القيم في (إعلام الموقعين) وسبقه إلى ذلك الإمام الطحاوي من الحنفية وأطال في تقرير ذلك (1/104/109). ثم ذكر ألفاظ حديث الإسفار فورد بلفظ: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر). و(ما أسفرتم بالفجر). و(أصبحوا بالصبح فكلما أصبحتم بها). و(نوروا). قال بعد ذكره لهذه الألفاظ: (ولكن قد علمت مما سلف أنه ليس المعنى: أسفروا ابتداء، بل انتهاء). ثم ذكر (ثم صلى الفجر حين طلع الفجر). (وصلى الفجر حين تبين له الفجر). ثم قال: (وإذا كان من عادة الأئمة أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المختار؛ فعلى المسلم أن يصليها في الوقت في بيته-قلت: كذا يفعل في صلاة الفجر يصليها معهم بنية النافلة ويعيد في البيت على أنها فريضة وقد قال بمثل هذا الشيخ الألباني كما سبق- ثم يصليها معهم متى صلوها وتكون له نافلة هذه الثانية). وقال في نفس المصدر (1/137/ وما بعدها): (ومن السنة أن يؤذن للصبح مرتين: إحداهما بعد طلوع الفجر كما هو في الأوقات، والأخرى قبل ذلك بزمن يسير ليستيقظ النائم وينام المتهجد لحظة ليصبح نشيطاً، أو يتسحر من أراد الصيام). ومن أراد أن يتوسع في حديث (الإسفار) فليرجع إلى (فتح الباري) (4/434/ وما بعدها). لابن رجب. وانظر: (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد) (1/420/421- تحت قول الماتن: (ولا يجوز إلا بدخول الوقت، إلا الفجر فإنه يؤذِّن لها بعد منتصف الليل). وقد ذكر أقوال العلماء في كراهة الأذان قبل الوقت، وقول من قال: لا يصح إلا يسيراً، أو: لا يصح الأذان قبلها كغيرها إجماعاً، ويستحب لمن أذن قبل الفجر: أن يكون معه من يؤذن في الوقت، وأن يتخذ ذلك عادة. لئلا يضر الناس.ثم قال: (فائدة: الصحيح من المذهب أن يكره الأذان قبل الفجر في رمضان... يكره في رمضان وغيره إذا لم يُعْده). وعن إسماعيل بن مسلم: قلت للحسن البصري: (يا أبا سعيد الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس؟ فغضب وقال: علوج فراغ، لو أدركهم عمر بن الخطاب، لأوجع جنوبهم، من أذن قبل الفجر فإنما صلى أهل ذلك المسجد بإقامة لا أذان فيها). وكان إبراهيم النخعي: (يكره أن يؤذن قبل الفجر). وسمع علقمة بن قيس مؤذناً بليل فقال: (لقد خالف هذا سنة من سنة أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، لو نام على فراشه لكان خيراً له، وقال: كان إذا أذن المؤذن قالوا له: اتق الله، وأعد ذلك). وعن نافع مولى ابن عمر: (ما كانوا يؤذنون حتى يطلع الفجر). وقيل لعائشة: (متى توترين؟ قالت: بين الأذان والإقامة، وما كانوا يؤذنون حتى يصبحوا). انظر: (المحلى) (3/160/164/م 314). و(سبل السلام) (1/124). و(المغني) لابن قدامة (1/409/410). و(نيل الأوطار) (2/55). و(المجموع) (3/87/89). و(الفتح) (2/103). و(معجم فقه السلف) (2/9/10). وقال يزيد الأودي: (كنت أصلي مع علي صلاة الغداة، فيخيَّل إليَّ أنه يستطلع الشمس). وقال علي بن ربيعة: سمعت علياً يقول: يا ابن التياح! أسفر بالفجر). أخرجه ابن أبي شيبة (1/321). وقال أبو إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله
ابن مسعود، (أنه كان يسفر بصلاة الغداة). وقال نافع بن جبير: كتب عمر إلى أبي موسى: (أن صل الفجر إذا نَوَّرَ النُّور). رواه ابن أبي شيبة (1/320). وممن كان يرى التنوير بها: الربيع بن خثيم، وسعيد بن جبير. وكان النخعي: (يسفر بها). وممن رأى الإسفار بها: طاوس، وفقهاء الكوفيين، مثل: سفيان، والحسن بن حي، وأبي حنيفة وأصحابه. وروى وكيع عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم قال: (ما أجمع أصحاب محمد على شيء ما أجمعوا على التنوير بالفجر). رواه ابن أبي شيبة (1/322). وروى ابن أبي شيبة (1/321). بإسناده عن أبي الدرداء، قال: (أسفروا بهذه الصلاة، فإنه أفقه لكم). قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم: (المراد بالإسفار: أن يتبين الفجر ويتضحَ، فيكون نهياً عن الصلاة قبل الوقت)... وإن كان منهم من كان يخرج منها بإسفار، ويطيل القراءة، كما روي عن الصديق لما قرأ بالبقرة، وعن عمر أيضاً. وقد روي أن عمر هو الذي مد القراءة في الفجر، وروي عن عثمان أنه تبعه على ذلك. راجع (المعرفة) للبيهقي (2/299/301/302/303). و(السنن الكبرى)
(2/389/390). و(المصنف) لعبد الرزاق (2/113/114). وما بعدها. و(المصنف) لابن أبي شيبة
(1/369/320/321). و(شرح معاني الآثار) (1/180/181/182). وما بعدها. و(فتح الباري)
(4/443). لابن رجب. ومنهم من ادعى أن أحاديث الإسفار فيها ناسخ ومنسوخ، ومنهم من قال: بأن الغلس نسخ، ومنهم من قال: بأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - صلى في الغلس وأمر بالإسفار، فالقول مقدم على الفعل، لأن القول شريعة عامة بخلاف الفعل فقد يكون خاصاً به. والراجح أنه يجوز للمصلي أن يدخل صلاة الصبح في الغلس ويخرج منها في الإسفار كما قال الحافظ ابن حجر، وابن القيم، والألباني وغيرهم كثير. والله أعلم. (انتهى بعون الله وتوفيقه ما أردته في هذه العجالة فأرجو من القراء الكرام أن يدونوا ما يجدون فيه من أخطاء واستدراك فإني متقبل كل نقد بنَّاء علميٍّ يوجه لي (القول السديد في معالم التوحيد) (ص:146).
وكتبه أبو الفضل عمر بن مسعود حدوش الحدوشي في 10 من ذي القعدة سنة ?1422?هـ وراجعها فضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة رئيس جمعية الإمام أبي القاسم الشاطبي في ذي القعدة 18/1422هـ(1/46)
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل - ونسأل الله أن يرينا الحق ويعيننا على اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويعيننا على اجتنابه- والحمد لله رب العالمين، وكان الفراغ منه ضحى يوم السبت رابع شوال سنة (1394) من هجرة النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. انتهى .(1/47)