___________________ كِتَابُ ____________________
بُطْلَانِ العَمَلِ بالحِسَابِ الفَلَكِيِّ في الصَّومِ والإفطَارِ ، وبَيانِ ما فيهِ مِنْ مفَاسِدَ ، ووُجُوبِ العَمَلِ بالرُّؤيةِ الشرعيةِ الثَّابتةِ عَن خَيرِ البَرِيَّةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِن أربَعِينَ وجْهًا .
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " . حديث شريف .
________ بقلم _________
الشيخ / وائِل بن عَلِيٍّ الدِّسُوقِيّ
_______________
حقوق الطبع لكل مسلم
بشرط عدم التغيير في الكتاب
................... *** ...................
_________________________________
النشرة الأولى : شوال 1427 هـ
النشرة الثانية : شعبان 1429 هـ ، مزيدة ومنقحة
النشرة الثالثة : رمضان 1430 هـ ، مزيدة ومنقحة .
___________________________________
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، أما بعدُ ؛(1/1)
فهذا " كِتَابُ بُطْلَانِ العَمَلِ بالحِسَابِ الفَلَكِيِّ في الصَّومِ والإفطَارِ ، وبَيانِ ما فيهِ مِنْ مفَاسِدَ ، ووُجُوبِ العَمَلِ بالرُّؤيةِ الشرعيةِ الثَّابتةِ عَن خَيرِ البَرِيَّةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وبيانُ ذلك من نحو أربعينَ وجهًا :
الوجه الأول : النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها وحصر ذلك فيها :
*** عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غَِبيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " رواه البخاري ومسلم .
قوله : ( غَِبيَ ) بفتح الغين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة المكسورة ، قال عياض : ( كذا هو لأبي ذر ، وعند القابسي " غُبِّىَ " بضم الغين وتشديد الباء وكذا قيده الأصيلي بخطه ، والأول أبين ومعناه خفى عليكم ، وقال ابن الأنباري : الغباء شِبْه الغَبَرة في السماء ) اهـ وقال ابن الأثير وابن منظور : ( أي خَفِيَ . ورواه بعضهم : " غُبِّيَ " بضم الغين وتشديد الباء المكسورة لِمَا لم يُسَمَّ فاعِله ، من الغَباء : شِبْه الغَبَرة في السماء ) اهـ
* قد تواترت الأحاديث الآمرة بصيام رمضان والفطر منه لرؤية الهلال ، أو إتمام عدة الشهر ثلاثين يوماً إذا لم يُرَ الهلال ، عن أكثر من خمسة عشر صحابيًّا رضي الله عنهم ، وصَرَّحَ الطحاويُّ في شرح معاني الآثار (1/435) بتواترها عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم .(1/2)
قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد بن محمد رحمه الله : ( قد حَدَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطريقَ الذي يُعْرَفُ به الإهلال للشهر في جملة أحاديث حكي فيها التواتر ، واردة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ؛ منهم : أبو هريرة ، وابنُ عباس ، وابنُ عمر ، وحذيفة ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، وجابر ، والبراءُ بن عازب ، ورافعُ بن خديج ، وطلقُ بن علي ، وأبو بكرة ، وسمرة ، وعديُّ بن حاتم ، وعن رجالٍ من الصحابة ، وعن عطاء مرسلاً رضي الله عنهم أجمعين . وحديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما في الصحيحين ، وحديث ابن عباس في صحيح مسلم . وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها من هديه الفعلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ا.هـ
* وفيها أوضح بيان ممن أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم للطريقة الشرعية الوحيدة لبَدْءِ صيام رمضان ونهايته ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( الطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ طُلُوعِ الْهِلَالِ هُوَ الرُّؤْيَةُ لَا غَيْرُهَا ؛ بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ ) ا.هـ وقال العلامة أبو الحسن الماوَرْدِىُّ رحمه الله في كتاب الحاوى الكبير : ( عَلَّقَ حُكْمَهُ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا ، وقال : مَنَعَ مِنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ إِلَّا بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ ) ا.هـ وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله : ( النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها وحصر ذلك فيها ) ا.هـ
* فمن عمل بالحساب الفلكي أو قدَّمَه على الرؤية أو جمع بينهما يكون قد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
*** وقد قال الله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (النور:63) .(1/3)
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى - في رواية الفضل بن زياد - : " نظرتُ في المصحف فوجدتُ طاعةَ الرسولِ صلى الله عليه و سلم في ثلاثة و ثلاثين موضعًا " ، ثم جعل يتلو : ( فَلْيَحْذَرِ الَذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) الآية ، وجعل يكرِّرُها ويقول : " أتدري ما الفتنةُ ؟ الفتنةُ الشركُ لَعَلَّهُ إذا ردَّ بعضَ قولِهِ أن يَقَعَ في قلبِهِ شيءٌ من الزيغِ فيَهْلِكَ " ، وجعل يتلو هذه الآية : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (النساء:65) .
الوجه الثاني : نهيه صلى الله عليه وسلم عن صيام رمضان والفطر منه حتى يرى الهلال أو تتم العدة ثلاثين يومًا :
فعن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فلا تَصُومُوا حتى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " رواه البخاري (1774) واللفظ له ومسلم (2465-2470) وأبو داود (2320) ولفظه : " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " . قَالَ نافعٌ مولى ابن عمر : " فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ " .
* قوله : ( غُمَّ ) قال عياض : ( بضم الغين وشد الميم ، أي ستره الغمام كذا رويناه في الموطأ بغير خلاف ، وقد جاء في كتاب أبي داود : " فإن حالت دونه غمامة " فهذا تفسير لذلك في الحديث نفسه ) اهـ(1/4)
قوله : ( اقْدُرُوا ) بضم الدال المهملة وكسرها ، ذكره الحميدي وعياض وغيرهما . قال عياض : ( معناه قدروا له عدد ثلاثين يوما حتى تكملوها كما فسره في الرواية الأخرى : " فأكملوا العدة ثلاثين " ) اهـ
* وهذا من النهي العام ، فإذا انتفت الرؤية البصرية انتفى الصوم والإفطار ، حتى تكمل عدة الشهر ثلاثين يومًا .
فمن عمل بالحساب الفلكي أو قدمه على الرؤية أو جمع بينهما يكون قد خالفَ نهيَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم .
الوجه الثالث : نَفَي النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحسابَ عن الأمة المحمدية فيما يتعلقُ بالصوم والإفطار :
فعن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ " رواه البخاري ومسلم .
فمن عمل بالحساب الفلكي أو قدمه على الرؤية أو جمع بينهما فيكون قد صحح ما أبطله النبي صلى الله عليه وسلم وأثبت ما نفاه ، ويكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين .
فعن سَعْدِ بن عُبَيْدَةَ قال : سمع ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما رَجُلًا يقول اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ النِّصْفِ ، فقال له ما يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّيْلَةَ النِّصْفُ سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول : " الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشْرِ مَرَّتَيْنِ وَهَكَذَا في الثَّالِثَةِ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ كُلِّهَا وَحَبَسَ أو خَنَسَ إِبْهَامَهُ " رواه مسلم .(1/5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( قَوْلهُ : " إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ " هُوَ خَبَرٌ تَضَمَّنَ نَهْيًا . فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْأُمَّةَ الَّتِي اتَّبَعَتْهُ هِيَ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ أُمِّيَّةٌ لَا تَكْتُبُ وَلَا تَحْسُبُ . فَمَنْ كَتَبَ أَوْ حَسَبَ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ . بَلْ يَكُونُ قَدْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهَا وَالْخُرُوجُ عَنْهَا مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ الْمَذْكُورَانِ مُحَرَّمَيْنِ مَنْهِيًّا عَنْهُمَا ) وقال رحمه الله تعالى : ( إن الأخذ بالحساب قد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفيه عن أمته والنهي عنه . قال : وما زال العلماء يعدون من خرج إلى ذلك قد أدخل في الإسلام ما ليس منه فيقابلون هذه الأقوال بالإنكار الذي يقابل به أهل البدع ) ا.هـ
الوجه الرابع : مخالفة السنة العملية المستمرة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم في عدم العمل بالحساب ولا الاستئناس به ولا خلطه بالرؤية :
فقد صام النبي صلى الله عليه وسلم تسعَ رمضانات وصام من بعده أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ رضي الله عنهم قريبا من ثلاثين رمضانا ، ولم يعرف عن واحد منهم الالتفات للحساب الفلكي .
عن العرباض ابن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه من يعش منكم بعدي يرى اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي , عضوا عليها بالنواجذ [ و إياكم و محدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ] " رواه أصحاب السنن والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين له وابن أبي عاصم في السنة ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة" ( 6 / 526 ) .(1/6)
فمن عمل بالحساب الفلكي أو قدمه على الرؤية أو جمع بينهما يكون قد خالف السنة العملية المستمرة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن خلفائه الراشدين المهديين رضي الله عنهم .
يوضحه : الوجه الخامس : من عمل بالحساب الفلكي أو قدمه على الرؤية أو جمع بينهما يكون قد أحدث في الدين ما ليس منه ، ويكون عمله مردودا عليه :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه البخاري ومسلم ، وفي لفظ لمسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ " .
قال العلماء : هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام , و هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ، وهو صريح فى ردِّ و إبطال جميع البدع والمحدثات ، واللفظ الأول أعم فإنه يشمل كل من عمل بالبدعة و لو كان المحدِث لها غيره .
فمن عمل بالحساب الفلكي أو قدمه على الرؤية أو جمع بينهما يكون قد أحدَثَ في الدين ما ليس منه ، ويكون عمله مردودا عليه .
الوجه السادس : مخالفة السنة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم في ترائي الهلال والتواصي بذلك ، وقبول شهادة العدول من المسلمين على رؤية الهلال في دخول شهر رمضان وخروجه والعمل بها .
وهذا من مفاسد العمل بالحساب الظاهرة : وهو تزهيد الناس في ترائي الهلال والتبليغ برؤيته ، والقطع بعدم ولادته أو عدم إمكان رؤيته ، فينصرف الناسُ عن سنة ترائي الهلال المستمرة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم .
وترائي هلال رمضان فرضٌ على الكفاية ، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
* فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " تراءَى الناسُ الهلالَ فأخبرتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أنى رأيتُهُ فصامَ وأمرَ الناسَ بصيامِهِ " رواه أبو داود وصححه الحاكم والذهبي وابن حزم وابن حجر والألباني .(1/7)
فمن عمل بالحساب الفلكي أو قدَّمَهُ على الرؤية أو جمع بينهما يكون قد زهَّد الناس في الرؤية ، وسعى في إبطال شعيرة إسلامية وسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم .
الوجه السابع : من مفاسد العمل بالحساب الظاهرة تلبيس الحق بالباطل ، حتى يصير الحساب مقدمًا على الرؤية وحاكمًا عليها ، فلا تقبل إلا إذا شهد لها الحساب ، فيصير كلام الحُسَّاب والفلكيين والمتكلِّفين والظانِّين وأهل الأهواء ، ممن لاتعرف ديانته وعدالته ، مقدما على الشرع الشريف وكلام القضاة والشهود المعدَّلين .
قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " (الحجرات:1)(1/8)
أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله في قوله { لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال : لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة ) . وقال مجاهد : ( لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، حتى يقضي الله على لسانه ) . وقال الضحاك : ( لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم ) . وقال سفيان الثوري : ( { لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } بقول ولا فعل ) . وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( أي لا تقولوا حتى يقول ولا تأمروا حتى يأمر ولا تفتوا حتى يفتي ولا تقطعوا أمرًا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه ) قال : ( فأيُّ تقدُّمٍ أبلغ من تقديم عقله على ما جاء به ، ومعلوم قطعًا أن من قدم عقله أو عقل غيره على ما جاء به فهو أعصى الناس لهذا النبي صلى الله عليه وسلم وأشدهم تقدما بين يديه وإذا كان سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته فكيف برفع معقولاتهم فوق كلامه وما جاء به ومن المعلوم قطعا أنه لم يكن يفعل هذا في عهده إلا الكفار والمنافقون فهم الذين حكى الله سبحانه عنهم معارضة ما جاء به بعقولهم وآرائهم وصارت تلك المعارضة ميراثًا في أشباههم ) قال : ( وهذا باق إلى يوم القيامة ولم ينسخ فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم ، ... ومن الأدب معه : أن لا ترفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال ، فما الظن برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به ) وقال : ( فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم ) اهـ(1/9)
الوجه الثامن : من مفاسد العمل بالحساب الظاهرة بلبلة أفكار العوام ، وبعض المنتسبين إلى العلم ، وتشكيكهم في شهادة العدول على رؤية الهلال في دخول شهر رمضان وخروجه .
ولهذا أفتى أهل العلم الثقات بمنع الفلكيين من نشر حساباتهم لأنها تثير الفتنة وتفرق المسلمين ، قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز في مجموع فتاويه (15/135- 136) : " الحسابون لا يعمل بقولهم ، يقول صلى الله عليه وسلم: « إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا - وأشار بأصابعه العشر ثلاث مرات يعني ثلاثين - والشهر هكذا وهكذا وهكذا ، وخنس إبهامه في الثالثة يعني تسعا وعشرين » رواه البخاري (1913) . ويقول : « لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروا الهلال ، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين » رواه البخاري (1907) ومسلم (1080) .
أما الحسابون فلا يلتفت إليهم ولا يعول على حسابهم ، ولا ينبغي لهم أن ينشروا حسابهم ، وينبغي منعهم من نشر حساباتهم ؛ لأنهم بذلك يشوشون على الناس ، لا في مسألة رؤية الهلال ولا في مسألة الكسوفات ؛ لما في إعلانهم من التشويش على الناس ، ولأنه لا يجوز العمل بقولهم . وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إجماع أهل العلم على أنه لا يعتمد على قول أهل الحساب في دخول رمضان ولا في خروجه " ا.هـ كلامه رحمه الله تعالى .
الوجه التاسع : من مفاسد العمل بالحساب الطعن في شهود الشرع الشريف ، ورميهم بالتسرع في تأدية الشهادة ، والغفلة والجهل والتأخر ، وأنهم يأخذون مالا مقابل التبليغ بالرؤية .
وهذا إبطال لحجج الشرع الشريف وبيناته .
ثم هو طعن فيهم بمجرد الظن ، وهو منهيٌّ عنه في الشرع الشريف :(1/10)
قال الله تعالى : ( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) سورة يونس (36) وقال عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) سورة الحجرات (12) والظن أكذب الحديث ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ " رواه البخاري ومسلم .
فمن كذَّبَ الشهودَ العدولَ في رؤية الهلال واتبع الحُسَّاب الذين يقذفون بالغيب من مكان بعيد ، يكون قد اتبع الظن والهوى ، وأعرض عن الهدى الذي جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، ولم يرفع بذلك رأسًا ، ويكون ممن كذب بالحق لما جاءه .
قال الله تعالى : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ) سورة النجم (23) وقال عز وجل : ( وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) سورة النجم .
الوجه العاشر : من مفاسد اتباع الحساب نفيا أو إثباتا الطعن في قضاة الشرع الشريف ، ورميهم بالتساهل في قبول الشهادة على رؤية الهلال .
وهذا من سوء الظن بالقضاة والشهود ، وإبطال لحجج الشرع وبيناته .
* وهذا بيان من أحد علماء الفلك يشهد بدقة المحاكم الشرعية :(1/11)
قال د. محمد بخيت المالكي - دكتوراه في الفلك من جامعة جلاسكو- في بحثه " ملاحظات على أسباب الاختلاف بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي لهلال الشهر الإسلامي " : ( في رؤية عيد الفطر لعام 1413 هـ حدث الإشكال بين الرؤية والحساب مرة أخرى ، حيث توقعت الحسابات أن يغرب القمر قبل الشمس بحوالي نصف ساعة في أنحاء المملكة ، ومع ذلك شوهد في أنحاء مختلفة من المملكة وفي الإمارات كما أعلم وتكاثرت الشهادات حتى بدأ مجلس القضاء الأعلى برفض الشهادات لأنها اصبحت كثيرة، والذي أعلمه من مصدر موثوق بوزارة العدل أن الشهادات كانت أكثر من عشر، وبعض من شهد لم يكن خارجاً للرؤية بل نظر للمغرب قَدَراً فشهد الهلال لم يغرب بعد والشمس في غروبها. وكذلك سأثبت شهادات موثقة وهو ما ذكره وكيل وزارة العدل - وهو شخص مطلع بحكم منصبه - وهو الشيخ بكر أبوزيد في كتابه فقه النوازل 1409هـ 2/170 حيث يقول :" في هلال الفطر شهر شوال من هذا العام 1406هـ. فإن الحاسبين أعلنوا النتيجة في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة السبت (30) من شهر رمضان. فثبت شرعاً بعشرين شاهداً على أرض المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة في : عاليتها ، وشمالها ، وشرقها. ورؤي في أقطار أخرى من الولايات الإسلامية ا.هـ ". وهناك إثباتات من الشهود كثيرة على مخالفة الحساب بالرغم من تحري الدقة في الحسابات قدر المستطاع . وحيث أن الشهادة عند إثباتها يُسأل الشاهد عن شكل القمر واتجاه فتحته وموقعه من الشمس ( هذا نظام المحاكم في المملكة) فيصعب بل يستحيل ردّ شهادة المعايِن للهلال من أجل حسابات ، لأن الرائي أثبت من غيره ) ا.هـ
الوجه الحادي عشر : من مفاسد العمل بالحساب الطعن في ولاة الأمر الذين يعملون بحكم القضاة بقبول شهادة العدول على رؤية الهلال ، ويأمرون الرعية بالعملِ بشهادتهم .
وفي ذلك من المفاسد والشرور ما لا يخفى .(1/12)
الوجه الثاني عشر : مَن ردَّ شهادةَ العدولِ على رؤية الهلال لقول الحاسب إنه يُرى أو لا يُرى ؛ يكون ممن كذب بالحق لما جاءه في ردِّه الرؤية الشرعية ، ويكون من السمَّاعين للكذبِ في قبوله قول الحاسب :
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( رأيتُ الناس فى شهر صومهم وفى غيره أيضا منهم من يصغي الى ما يقوله بعض جهال اهل الحساب من أن الهلال يُرى او لا يُرى ويبني على ذلك إما في باطنه ، وإما فى باطنه وظاهره ، حتى بلغنى ان من القضاة من كان يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب الجاهل الكاذب إنه يرى أو لا يرى فيكون ممن كذب بالحق لما جاءه وربما أجاز شهادة غير المرضي لقوله فيكون هذا الحاكم من السماعين للكذب فان الآية تتناول حكام السوء كما يدل عليه السياق حيث يقول : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) (المائدة:42) وحكام السوء يقبلون الكذب ممن لا يجوز قبول قوله من مخبِر او شاهد وياكلون السحت من الرُّشَا وغيرها ، وما أكثر ما يقترن هذان ، وفيهم من لا يقبل قول المنجم لا فى الباطن ولا فى الظاهر لكن فى قلبه حسيكة من ذلك وشُبهة قوية لثقته به من جهة ان الشريعة لم تلتفت الى ذلك لا سيما ان كان قد عرف شيئا من حساب النَّيِّرَين ) ا.هـ
* وقال الإمام المحدث الفقيه المجدد محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى : ( لا ترد الشهادة على رؤية الهلال إذا قطع علم الفلك باستحالة رؤية الهلال ، وإذا أدخلنا الحساب الفلكي في الصوم والإفطار أصابنا ما أصاب اليهود والنصارى ) ا.هـ ملخصا من سلسلة الهدى والنور (شريط - 722 ) .(1/13)
الوجه الثالث عشر : من مفاسد العمل بالحساب إيقاع الأمة في الحرج والعُسر - في صومها وفطرها - الذي رفعه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : « إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، وعقد الإبهام في الثالثة ، يعني تسع وعشرون ، والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين » رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل ، قال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) (الأعراف:157)
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : (عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْره بِالرُّؤْيَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَاب التَّسْيِير وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ ، بَلْ ظَاهِر السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْلَ الْحِسَابِ ) ا.هـ
وقال الإمام الشاطبي في الموافقات : ( لم يطالبنا بحساب مسير الشمس مع القمر فى المنازل لأن ذلك لم يكن من معهود العرب ولا من علومها ، ولدقة الأمر فيه وصعوبة الطريق إليه ، وأجرى لنا غلبة الظن فى الأحكام مجرى اليقين ، وعذر الجاهل فرفع عنه الإثم وعفا عن الخطأ إلى غير ذلك من الأمور المشتركة للجمهور فلا يصح الخروج عما حد فى الشريعة ولا تطلب ما وراء هذه الغاية فإنها مظنة الضلال ومزلة الأقدام ) ا.هـ(1/14)
فاليسر هو في طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين المهديين وصحابته ومن تبعهم بإحسان ، وقد أمرنا أن نعض بالنواجذ على سنته وسنة خلفائه وأن نجتنب محدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ، ولم يعرف عنه ولا عن خلفائه الاستعانة بالحساب مع الرؤية ولا الاستئناس به .
قال أبو العبَّاس القرطبي في شرح الحديث السابق من صحيح مسلم : ( قوله صلى الله عليه وسلم : (( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب )) ؛ أي : لم نكلف في تعرف مواقيت صومنا ولا عبادتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة ، وإنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة يستوي في معرفتها الْحُسَّاب وغيرهم ، ثم تمم هذا المعنى وكمَّله حيث بيَّنه بإشارته بيده ) ا.هـ
والحُسَّاب مختلفون في الكتاب ، مخالفون للكتاب ، يقذفون بالغيب من مكان بعيد ، وسيأتي بيان ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى في فصل :
" اضطراب الْحُسَّاب وتناقضهم في إثبات الشهور القمرية وغيرها " ، والله الموفق .
الوجه الرابع عشر : ظهور دين الإسلام معلَّق بالعمل بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومنها رؤية الهلال ، والعمل بالحساب يضعفه :
*** عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لايزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون " . رواه أبو داود وحسنه الألباني .(1/15)
* قال الطيبي : ( في هذا التعليل دليل على أن قوام الدين الحنيفي على مخالفة الأعداء من أهل الكتاب وإن في موافقتهم تلفًا للدين ) اهـ قال القاري : ( وسببه والله تعالى أعلم أن هذه الملة الحنيفية سمحاء سهلة ليس فيها حرج ليسهل قيامهم بها والمداومة عليها ) اهـ وقال شاه ولي الله الدهلوي : ( هذا إشارة إلى أن هذه المسألة دخل فيها التحريف من أهل الكتاب فبمخالفتهم ورد تحريفهم قيام الملة ) اهـ قال السندي : ( هذا تعليل لما ذكر بأن فيه مخالفة لأعداء الله فما داموا يراعون مخالفةَ أعداء الله تعالى ينصرهم الله ويظهر دينهم ) ا.هـ
* والشاهد من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه و سلم علق ظهور الدين على فعل سنةٍ فيها مخالفة لليهود والنصارى ، وكذلك الشأن في العمل بالرؤية الشرعية واجتناب الحساب الفلكي الذي هو طريقة اليهود والنصارى ، فإن العمل به يؤدي إلى تبديل موعد الصوم والفطر ، والزيادة فى فروض الله ، أو النقص منها ، وذلك مضعف لظهور الإسلام .
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( ولا ريب أن أحدًا لا يمكنه مع ظهور دين الاسلام أن يظهر الاستناد إلى ذلك ) اهـ أي إلى الحساب الفلكي .
وطعن الْحُسَّاب في الرؤية الشرعية ليس جديدًا بل هو " شِنْشِنَةٌ نعرفها من أَخْزَم " ، لكن كان وجود الشموس والأقمار يمحق أقمارهم الاصطناعية وحساباتهم المتعارضة الظنية وحججهم الفلسفية ، وأعني بالشموس والأقمار علماءنا الثقات من أمثال الإمام المجتهد عبد العزيز بن باز ، والمحدث الفقيه المجدد محمد ناصر الدين الألباني ، والعلامة المحقق محمد بن صالح العثيمين رحمهم الله جميعا . فهم أئمة العلماء ؛ كلمة لايجحدونها ، وشهادة عند الله يؤدونها ، ورتبة ومنزلة لو نشر أكابر المخالفين لهم لكانوا يَوَدُّونها .
ولهذا كان العلماء الربانيون يبادرون إلى بيان الحق ، والرد على أهل الحساب الفلكي ومقلديهم .(1/16)
*** قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( إن الأخذ بالحساب قد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفيه عن أمته والنهي عنه . قال : وما زال العلماء يعدون من خرج إلى ذلك قد أدخل في الإسلام ما ليس منه فيقابلون هذه الأقوال بالإنكار الذي يقابل به أهل البدع ) . ا.هـ مجموع الفتاوى (25/179) .
* وسيأتي مزيد إيضاح في الوجه الرابع والثلاثين : الْكَمَالُ وَالْفَضْلُ والهُدَى الَّذِي يَحْصُلُ للأُمَّةِ باتباعِ الرَّسُولِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صلى الله عليه وسلم في رُؤْيَةِ الْهِلَالِ دُونَ الْحِسَابِ يَزُولُ بِمُرَاعَاةِ الْحِسَابِ الفلكيِّ .
الوجه الخامس عشر : من اعتبر الحساب الفلكي شرطا لصحة الرؤية فقد استدرك على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (1) .
*** قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى :
" اطلعت على ما نشرته صحيفة الدستور الأردنية في عددها الصادر يوم 17/9/1407 هـ بقلم الدكتور علي عبندة مدير الأرصادات العامة وعضو لجنة المواقيت في وزارة الأوقاف الأردنية . وما نشر في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 15/11/1407 هـ بقلم المهندس أمين عامر ، والخبر المنسوب للدكتور رشاد قبيص مدير معهد البحوث الفلكية ، الذي نشرته جريدة الأخبار المصرية غرة رمضان سنة 1407 هـ ، عفا الله عنا وعنهم ، من جزمهم باعتماد الحساب في إثبات الأهلة . وزعم الدكتور علي عبندة بأن الحقائق العلمية تؤكد عدم إمكانية رؤية هلال رمضان مساء الاثنين 27/4/1987م مطلقا، حيث قال بغيابه قبل غروب الشمس بحوالي 20 دقيقة ، بناء على ما ذكره قبل ذلك من أن الحسابات الفلكية الدقيقة ، وجداول التقويم الهجري الإسلامي الذي أقرته معظم البلدان الإسلامية ومن بينها الأردن ، إلى آخر ما ذكر .(1/17)
وبناء على ذلك رأيت أن أوضح للقراء ما في هذا الكلام من الخطر العظيم والجرأة على دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ونبذ ما صحت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء الظهر ، وتقديم أقوال الفلكيين وأصحاب التقاويم على ما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تعليق إثبات دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال أو إكمال العدة .
وحكمه صلى الله عليه وسلم يعم زمانه وما بعده إلى يوم القيامة ؛ لأن الله عز وجل بعثه إلى العالمين بشريعة كاملة لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه ، كما قال سبحانه: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } سورة المائدة (3) ، وهو سبحانه يعلم أن الفلكيين قد يخالفون ما يشهد به الثقات من رؤية الأهلة ، ولم يأمر عباده في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالاعتماد على الحساب الفلكي ، أو اعتباره شرطا في صحة الرؤية، ومن اعتبر ذلك فقد استدرك على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وألزم المسلمين بشرط لا أصل له في شرع الله المطهر ، وهو ألا تخالف الرؤية ما يدعيه الفلكيون من عدم ولادة الهلال أو عدم إمكان رؤيته .
وقد صرحت الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال هذا الشرط والاعتماد على الرؤية أو إكمال العدة .(1/18)
وقد أمر الله عباده عند التنازع أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتابه الكريم ، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يردوا ما اختلفوا فيه إلى حكمه وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } سورة النساء (59) ، وقال عز وجل : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } سورة الشورى (10) ، وقال سبحانه : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } سورة النساء (65) ، وقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب اعتماد الرؤية في إثبات الأهلة ، أو إكمال العدد ، وهي أحاديث مشهورة مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما . وحكمه صلى الله عليه وسلم لا يختص بزمانه فقط ، بل يعم زمانه وما يأتي بعده إلى يوم القيامة ؛ لأنه رسول الله إلى الجميع .
والله سبحانه أرسله إلى الناس كافة ، وأمره أن يبلغهم ما شرعه لهم في إثبات هلال رمضان وغيره. وهو العالم بغيب السماوات والأرض والعالم بما سيحدث بعد زمانه صلى الله عليه وسلم من المراصد وغيرها، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قيد العمل بالرؤية بموافقة مرصد أو عدم وجود مخالفة لحساب الفلك .(1/19)
وهو سبحانه لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء ، لا فيما سبق من الرمان ، ولا فيما يأتي إلى يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنا أمة أمية ، لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا. وخنس إبهامه في الثالثة، والشهر هكذا وهكذا وهكذا . وأشار بأصابعه العشر, فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين » ، وفي لفظ آخر: « فأكملوا العدة » ، يرشد بذلك أمته عليه الصلاة والسلام إلى أن الشهر تارة يكون تسعا وعشرين ، وتارة يكون ثلاثين . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة » ، ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب، ولم يأذن في إثبات الشهور بذلك ولست أقصد من هذا منع الاستعانة بالمراصد والنظارات على رؤية الهلال ، ولكني أقصد منع الاعتماد عليها ، أو جعلها معيارا للرؤية لا تثبت إلا إذا شهدت لها المراصد بالصحة بأن الهلال قد ولد . فهذا كله باطل .
ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها . وفي أماكن الرؤية للهلال أو عدم ذلك . ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته لم يكن إجماعهم حجة ؛ لأنهم ليسوا معصومين ، بل يجوز عليهم الخطأ جميعا ، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به ، هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية ؛ لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة .
وأما غيرهم فليس إجماعهم حجة تعارض بها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ، كما يعلم ذلك من كتب الأصول ، وعلم مصطلح الحديث .(1/20)
والرؤية لهلال رمضان هذا العام أعني عام 1407 هـ ليلة الثلاثاء قد ثبتت لدى مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية بهيئته الدائمة ، فهي رؤية شرعية يجب الاعتماد عليها لموافقتها للأدلة الشرعية ، وبطلان ما يعارضها . وبموجبها يكون يوم الثلاثاء أول يوم من رمضان للأحاديث السابقة ولقوله صلى الله عليه وسلم: « الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون » أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن.
ولو فرضنا أن المسلمين أخطئوا في إثبات الهلال دخولا أو خروجا وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به السنة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهم في ذلك بأس، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ولو تركوا ذلك من أجل قول الحاسبين مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولا أو خروجا لكانوا آثمين وعلى خطر عظيم من عقوبة الله عز وجل ، لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم التي حذر الله منها في قوله عز وجل : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة النور (63) وفي قوله عز وجل : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } سورة الحشر (7)
وقوله سبحانه وتعالى : { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } سورة النساء (14)(1/21)
وأرجو أن يكون فيما ذكرته مقنع لطالب الحق وكشف للشبهة التي ذكرها الدكتور علي عبندة وغيره ممن يعتمد على أقوال الحاسبين ، ويعطل الرؤية الشرعية ، والله سبحانه المسئول أن يوفق هؤلاء الكاتبين وجميع المسلمين لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد والتمسك بشرع الله المطهر ، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ومن القول على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه , وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم على رسوله وخليله ، نبينا محمد وآله وصحبه ومن عظم سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي " ا.هـ
_____ حاشية ______________
(1) عنوان فتوى الشيخ ابن باز المنشورة في (جريدة المدينة) العدد (7410) بتاريخ 18 / 12 / 1407 هـ ، والمثبتة في مجموع فتاويه (15/127) .
____________________________________________
الوجه السادس عشر : العمل بالحساب الفلكي هو طريقة النصارى واليهود والشيعة الروافض بل هو طريقة شرُّ فرقهم الإسماعيلية وطريقة الحاكم بأمر الله العبيدي الباطني ، وهو مذهب باطل وتبديل للدين .(1/22)
*** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فدِينُنَا لا يحتاج أن يكتب و يحسب كما عليه أهل الكتاب من أنهم يعلمون مواقيت صومهم و فطرهم بكتاب و حساب ، و دينهم معلق بالكتب لو عدمت لم يعرفوا دينهم ، و لهذا يوجد أكثر أهل السنة يحفظون القرآن و الحديث أكثر من أهل البدع ، و أهل البدع فيهم شبه بأهل الكتاب من بعض الوجوه " . وقال رحمه الله تعالى : " اتَّفَقَ أَهْلُ الْحِسَابِ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ ظُهُورِ الْهِلَالِ لَا يُضْبَطُ بِالْحِسَابِ ضَبْطًا تَامًّا قَطُّ ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ حُذَّاقُ الْحسابِ ؛ بَلْ أَنْكَرُوهُ ؛ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ تَقْرِيبًا وَذَلِكَ ضَلَالٌ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَتَغْيِيرٌ لَهُ شَبِيهٌ بِضَلَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْهِلَالِ إلَى غَايَةِ الشَّمْسِ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الْقُرْصَيْنِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِسْرَارُ ؛ وَلَيْسَ بِالشُّهُورِ الْهِلَالِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَ ( النَّسِيءُ الَّذِي كَانَ فِي الْعَرَبِ : الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ - الَّذِي يَضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا - مَا ذَكَرَ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } .(1/23)
فَمَنْ أَخَذَ عِلْمَ الْهِلَالِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ بِالْكِتَابِ وَالْحِسَابِ فَهُوَ فَاسِدُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ) وقال : ( وقد يقارب هذا قول من يقول من الاسماعيلية بالعدد دون الهلال وبعضهم يروي عن جعفر الصادق جدولا يعمل عليه وهو الذي افتراه عليه عبد الله بن معاوية ، وهذه الأقوال خارجة عن دين الاسلام ، وقد برَّأَ اللهُ منها جعفرا وغيره ، ولا ريب أن أحدا لا يمكنه مع ظهور دين الاسلام أن يظهر الاستناد إلى ذلك ) . وقال : ( وقد بلغني أن الشرائع قبلنا أيضًا إنما علَّقت الأحكام بالأهلة ، وإنما بَدَّلَ مَن بَدَّلَ مِن أتباعهم ) .
وقال : ( ذكرنا ما ذكرناه حفظًا لهذا الدين عن إدخال المفسدين ) اهـ
*** وقال الحافظ ابن رجب في شرح البخاري : ( ديننا لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب ، كما يفعله أهل الكتاب من ضبط عباداتهم بمسير الشمس وحسباناتها ، وأن ديننا في ميقات الصيام معلق بما يرى بالبصر وهو رؤية الهلال ، فإن غم أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب .
وإنما علق بالشمس مقدار النهار الذي يجب الصيام فيه ، وهو متعلق بأمر مشاهد بالبصر أيضا ، فأوله طلوع الفجر الثاني ، وهو مبدأ ظهور الشمس على وجه الأرض ، وآخره غروب الشمس .
كما علق بمسير الشمس أوقات الصلاة ، فصلاة الفجر أول وقتها طلوع هذا الفجر ، وآخره طلوع الشمس ، وأول وقت الظهر زوال الشمس ، وآخره مصير ظل كل شيء مثله ، وهو أول وقت العصر ، وآخره اصفرار الشمس أو غروبها ، وهو أول وقت المغرب ، وآخره غروب الشفق ، وهو أول وقت العشاء ، وآخره نصف الليل أو ثلثه ، ويمتد وقت أهل الأعذار إلى طلوع الفجر ، فهذا كله غير محتاج إلى حساب ولا كتاب ) ا.هـ.(1/24)
*** قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : ( وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض . ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم . قال الباجي : وإجماع السلف الصالح حجة عليهم . وقال ابن بزيزة : وهو مذهب باطل ) ا.هـ
*** وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (25 /179-181) : ( مَنْ خَرَجَ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَخْذِ بِالْحِسَابِ أَوْ الْكِتَابِ كَالْجَدَاوِلِ وَحِسَابِ التَّقْوِيمِ وَالتَّعْدِيلِ الْمَأْخُوذِ مَنْ سَيْرِهِمَا . وَغَيْرِ ذَلِكَ الَّذِي صَرَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْيِهِ عَنْ أُمَّتِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ . وَلِهَذَا مَا زَالَ الْعُلَمَاءُ يَعُدُّونَ مَنْ خَرَجَ إلَى ذَلِكَ قَدْ أَدْخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَيُقَابِلُونَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ بِالْإِنْكَارِ الَّذِي يُقَابَلُ بِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا فِيهِ مَا يُشْبِهُ بِدَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالصَّابِئَةِ أَنْوَاعٌ :(1/25)
قَوْمٌ مُنْتَسِبَةٌ إلَى الشِّيعَةِ مِنْ الإسماعيلية وَغَيْرِهِمْ . يَقُولُونَ بِالْعَدَدِ دُونَ الرُّؤْيَةِ . وَمَبْدَأُ خُرُوجِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ مِنْ الْكُوفَةِ . فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى جَدْوَلٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ جَعْفَرًا الصَّادِقَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مِنْ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ عَلَى جَعْفَرٍ اخْتَلَقَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا . وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الْمَرْضِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ وَعَامَّةِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ . وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُقَلَاءَ الشِّيعَةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى أَنَّ رَابِعَ رَجَبٍ أَوَّلُ رَمَضَانَ أَوْ عَلَى أَنَّ خَامِسَ رَمَضَانَ الْمَاضِيَ أَوَّلُ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْإِسْلَامِ وَلَا رَوَاهُ عَالِمٌ قَطُّ أَنَّهُ قَالَ : { يَوْمُ صَوْمِكُمْ يَوْمُ نَحْرِكُمْ } . وَغَالِبُ هَؤُلَاءِ يُوجِبُونَ أَنْ يَكُونَ رَمَضَانُ تَامًّا وَيَمْنَعُونَ أَنْ يَكُونَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى رُؤْيَتِهِ بِالْمُشْرِقِ قَبْلَ الِاسْتِسْرَارِ فَيُوجِبُونَ اسْتِسْرَارَهُ لَيْلَتَيْنِ وَيَقُولُونَ : أَوَّلُ يَوْمٍ يُرَى فِي أَوَّلِهِ فَهُوَ مِنْ الشَّهْرِ الْمَاضِي . وَالْيَوْمُ يَكُونُ الْيَوْمَ الَّذِي لَا يُرَى فِي طَرَفَيْهِ .(1/26)
ثُمَّ الْيَوْمُ الَّذِي يُرَى فِي آخِرِهِ هُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ الثَّانِي وَيَجْعَلُونَ مَبْدَأَ الشَّهْرِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْهِلَالَ يُسْتَسَرُّ لِلَيْلَةِ تَارَةً وَلَيْلَتَيْنِ أُخْرَى وَقَدْ يُسْتَسَرُّ ثَلَاثَ لَيَالٍ . فَأَمَّا الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ عَلَى حِسَابِ الشُّهُورِ وَتَعْدِيلِهَا فَيَعْتَبِرُونَهُ بِرَمَضَانَ الْمَاضِي . أَوْ بِرَجَبِ أَوْ يَضَعُونَ جَدْوَلًا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فَهُمْ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ } إنَّمَا عُمْدَتُهُمْ تَعْدِيلُ سَيْرِ النَّيِّرَيْنِ ، وَالتَّعْدِيلُ أَنْ يَأْخُذَ أَعْلَى سَيْرِهِمَا وَأَدْنَاهُ فَيَأْخُذَ الْوَسَطَ مِنْهُ وَيَجْمَعُهُ . وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى شُهُورِ الْعَامِ أَنْ الْأَوَّلَ ثَلَاثُونَ وَالثَّانِيَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ كَانَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ هَذَا الْحِسَابِ وَالْكِتَابِ مَبْنِيَّةً عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ ثَلَاثُونَ وَالثَّانِيَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ . وَالسَّنَةَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ . وَيَحْتَاجُونَ أَنْ يَكْتُبُوا فِي كُلِّ عِدَّةٍ مِنْ السِّنِينَ زِيَادَةَ يَوْمٍ تَصِيرُ فِيهِ السَّنَةُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا يَزِيدُونَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ مَثَلًا فَهَذَا أَصْلُ عِدَّتِهِمْ .(1/27)
وَهَذَا الْقَدْرُ مُوَافِقٌ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الشُّهُورِ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فَقَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ ثَلَاثِينَ وَقَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَيَنْتَقِضُ كِتَابُهُمْ وَحِسَابُهُمْ وَيَفْسُدُ دِينُهُمْ الَّذِي لَيْسَ بِقِيَمٍ وَهَذَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِئَلَّا يُعْمَلَ بِالْكِتَابِ وَالْحِسَابِ فِي الْأَهِلَّةِ . فَهَذِهِ طَرِيقَةُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةِ الْمَارِقِينَ الْخَارِجِينَ عَنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ يَحْسَبُونَ ذَلِكَ الشَّهْرَ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الشُّهُورِ إمَّا فِي جَمِيعِ السِّنِينَ أَوْ بَعْضِهَا وَيَكْتُبُونَ ذَلِكَ .(1/28)
وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي : فَقَوْمٌ مِنْ فُقَهَاءَ الْبَصْرِيِّينَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ قَوْلَهُ : { فَاقْدُرُوا لَهُ } تَقْدِيرُ حِسَابٍ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سيرين قَالَ : خَرَجْت فِي الْيَوْمِ الَّذِي شُكَّ فِيهِ فَلَمْ أَدْخُلْ عَلَى أَحَدٍ يُؤْخَذُ عَنْهُ الْعِلْمُ إلَّا وَجَدْته يَأْكُلُ إلَّا رَجُلًا كَانَ يَحْسُبُ وَيَأْخُذُ بِالْحِسَابِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ كَانَ خَيْرًا لَهُ . ... وَهَؤُلَاءِ يَحْسَبُونَ مَسِيرَهُ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَلَيَالِيُهُ . وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ طَرِيقَةٌ مُنْضَبِطَةٌ أَصْلًا بَلْ أَيَّةُ طَرِيقَةٍ سَلَكُوهَا فَإِنَّ الْخَطَأَ وَاقِعٌ فِيهَا أَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَجْعَلْ لِمَطْلَعِ الْهِلَالِ حِسَابًا مُسْتَقِيمًا بَلْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلَى رُؤْيَتِهِ طَرِيقٌ مُطَّرِدٌ إلَّا الرُّؤْيَةُ وَقَدْ سَلَكُوا طُرُقًا كَمَا سَلَكَ الْأَوَّلُونَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَضْبُطُوا سَيْرَهُ إلَّا بِالتَّعْدِيلِ الَّذِي يَتَّفِقُ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ . وَإِنَّمَا هُوَ تَقْرِيبٌ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ : إنْ رُئِيَ صَبِيحَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ فَهُوَ تَامٌّ وَإِنْ لَمْ يُرَ صَبِيحَةَ ثَمَانٍ فَهُوَ نَاقِصٌ . وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لِلَيْلَتَيْنِ وَلَيْسَ بِصَحِيحِ بَلْ قَدْ يُسْتَسَرُّ لَيْلَةً تَارَةً وَثَلَاثَ لَيَالٍ أُخْرَى . وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ لَا يَمْكُثُ فِي الْمَنْزِلَةِ إلَّا سِتَّةَ أَسْبَاعِ سَاعَةً لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ .(1/29)
فَيَغِيبُ لَيْلَةَ السَّابِعِ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَطْلُعُ لَيْلَةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْلَةَ الْحَادِيَ وَالْعِشْرِينَ يَطْلُعُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَيْلَةَ الثَّامِنَ وَالْعِشْرِينَ إنْ اُسْتُسِرَّ فِيهَا نَقَصَ وَإِلَّا كَمُلَ وَهَذَا غَالِبُ سَيْرِهِ وَإِلَّا فَقَدْ يُسْرِعُ وَيُبْطِئُ ) ا.هـ
*** وكان الشيعة العبيديون يقتلون علماء السنة لمخالفتهم لهم ، وكان العلماء يصبرون على القتل ولا يعملون بالحساب الفلكي :
قال الحافظ الذهبي في النبلاء (15/374) : ( الإمام الشهيد قاضي مدينة برقة ، محمد بن الحبلي . أتاه أمير برقة ، فقال : غدا العيد ، قال : حتى نرى الهلال ، ولا أُفَطِّرُ الناسَ ، وأتقلد إثمهم ، فقال : بهذا جاء كتاب المنصور - وكان هذا من رأي العبيدية يفطرون بالحساب ، ولا يعتبرون رؤية - فلم ير هلال ، فأصبح الامير بالطبول والبنود وأهبة العيد . فقال القاضي : لا أخرج ولا أصلي ، فأمر الامير ، رجلا خطب . وكتب بما جرى إلى المنصور ، فطلب القاضي إليه ، فأحضر ، فقال له : تنصل ، وأعفو عنك ، فامتنع ، فأمر ، فعلق في الشمس إلى أن مات ، وكان يستغيث العطش ، فلم يسق . ثم صلبوه على خشبة .فلعنة الله على الظالمين ) ا.هـ
*** وقد ذكر بعض أهل الفلك أن الجداول والخوارزميات المعمول بها الآن في حساب الشهور الهلالية والتقويم الهجري ؛ مأخوذة عن الفاطميين الشيعة الغلاة المنجمين ، وعن خوارزمية جامعة كامبردج ، وهي المستخدمة في EMACS ، وتسمى جدول التقويم الإسلامي - زعموا -Tabular Islamic calendar . ويكون فيها رمضان دائما 30 يوما وشوال دائما 29 ويتم ضبط السنة الهجرية الكبيسة على حد تعبير الخوارزمية في ذي الحجة .
وقال أحد صانعي الخوارزميات : " من استعمله في العبادات فهو آثم برأي كاتب البرنامج " ، والله أعلم .(1/30)
الوجه السابع عشر : إجماع العلماء على بطلان العمل بالحساب الفلكي في الصوم والإفطار :
___________________ فصل _____________________
في ذكر كلام العلماء في بطلان العمل بالحساب الفلكي في الصوم والإفطار
*** أجمع المسلمون على أنه لا اعتماد في دخول الشهر وخروجه على الحساب الفلكي ، وقد حكى الإجماعَ : ابنُ المنذر ، وشيخُ الإسلام ابن تيمية ، وأبو الوليد الباجِي ، وابنُ رشد ، والقرطبيُّ ، وابن حَجَر ، والعيني ، وابنُ عابدين ، والشوكاني ، وغيرهم .
(( مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/132) ، و فتح الباري (4/158) ، وتفسير القرطبي (2/293) ، وحاشية ابن عابدين (3/408) ، و بداية المجتهد لابن رشد (2/ 557) )) .
*** وقررت هيئة كبار العلماء بالسعودية في ختام بحثها الخاص بإثبات الأهلة قرار رقم (2) : ( ثالثا : أما ما يتعلق بإثبات الأهلة بالحساب : فبعد دراسة ما أعدته اللجنة الدائمة في ذلك ، وبعد الرجوع إلى ما ذكره أهل العلم - فقد أجمع أعضاء الهيئة على عدم اعتباره ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ) الحديث ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه ) الحديث .
وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
*** هيئة كبار العلماء ***
محمد الأمين الشنقيطي ... عبد الرزاق عفيفي ... محضار عقيل
عبد العزيز بن باز ... عبد الله بن حميد ... عبد الله خياط
محمد الحركان ... عبد المجيد حسن ... عبد العزيز بن صالح
صالح بن غصون ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ ... سليمان بن عبيد
محمد بن جبير ... عبد الله بن غديان ... راشد بن خنين
صالح بن لحيدان ... عبد الله بن منيع ... ) . اهـ
( المجلد 3/ ص 34 من البحوث العلمية )(1/31)
*** بيان أن مخالفةَ مَنْ خالف من المتأخرين بعد المائة الثالثة لا تقدح في الإجماع ، وأن القول بالحساب في النفي أو الإثبات خطأ وشذوذ من قائله ومن زلات العلماء ، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويردُّ عليه ، ولا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم :
* قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى عن العاملين بِالْحِسَابِ في النفي أو الإثبات : ( قَدْ يَدْخُلُونَ فِي تَبْدِيلِ الْإِسْلَامِ . فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْعَمَلَ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ الصَّوْمِ أَو الْحَجِّ أَو الْعِدَّةِ أَوْ الْإِيلَاءِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْهِلَالِ بِخَبَرِ الْحَاسِبِ أَنَّهُ يُرَى أَوْ لَا يُرَى لَا يَجُوزُ . وَالنُّصُوصُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ . وَقَدّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ . وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ أَصْلًا وَلَا خِلَافٌ حَدِيثٌ ؛ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ الحادِثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ جَازَ لِلْحَاسِبِ أَنْ يَعْمَلَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْحِسَابِ فَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ دَلَّ عَلَى الرُّؤْيَةِ صَامَ وَإِلَّا فَلَا . وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْإِغْمَامِ وَمُخْتَصًّا بِالْحَاسِبِ فَهُوَ شَاذٌّ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ . فَأَمَّا اتِّبَاعُ ذَلِكَ فِي الصَّحْوِ أَوْ تَعْلِيقُ عُمُومِ الْحُكْمِ الْعَامِّ بِهِ فَمَا قَالَهُ مُسْلِمٌ .(1/32)
وَقَدْ يُقَارِبُ هَذَا قَوْلَ مَنْ يَقُولُ مِنْ الإسماعيلية بِالْعَدَدِ دُونَ الْهِلَالِ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ جَدْوَلًا يُعْمَلُ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي افْتَرَاهُ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ . وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ خَارِجَةٌ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ مِنْهَا جَعْفَرًا وَغَيْرَهُ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنُهُ مَعَ ظُهُورِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنْ يُظْهِرَ الِاسْتِنَادَ إلَى ذَلِكَ ) ا.هـ من مجموع الفتاوى (25/132-133) وقال (ص 179) : ( إن الأخذ بالحساب قد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفيه عن أمته والنهي عنه . قال : وما زال العلماء يَعُدُّون من خرج إلى ذلك قد أدخل في الإسلام ما ليس منه فيقابلون هذه الأقوال بالإنكار الذي يقابل به أهل البدع ) . وقال (ص 182) : ( إن الأخذ بالحساب من زلات العلماء ) . وقال أيضًا (ص 207) : ( لا ريب أنه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم كما ثبت عنه [ صلى الله عليه وسلم ] في الصحيح أنه قال : « إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته » ، والمعتمِدُ على الحساب في الهلال ؛ كما أنه ضال في الشريعة مبتدع في الدين ، فهو مخطئ في العقل وعلم الحساب ، فإن العلماء بالهيئة يعرفون أن الرؤية لا تنضبط بأمر حسابي ) . وقال : ( فمن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم ، بل يكون اتبع غير سبيل المؤمنين ) ا.هـ
* وقال القاضي عياض رحمه الله في المشارق بعد حكاية قول ابن سريج : ( ولم يوافقه الناس على هذا ) اهـ(1/33)
* وقال ابن بطال رحمه الله في شرح البخاري عند حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ النَّبِىُّ عليه السلام : « إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَعْنِى مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلاثِينَ » قال: ( فيه بيان لقوله عليه السلام : « فاقدروا له » ، أن معناه إكمال العدد ثلاثين يومًا ، كما تأول الفقهاء ، ولا اعتبار فى ذلك بالنجوم والحساب ، وهذا الحديث ناسخ لراعاة النجوم بقوانين التعديل ، وإنما المعول على الرؤية فى الأهلة التى جعلها الله مواقيت للناس فى الصيام والحج والعدد والديون ، وإنما لنا أن ننظر من علم الحساب ما يكون عيانا أو كالعيان ، وأما ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون وتكييف الهيئات الغائبة عن الأبصار فقد نهينا عنه ، وعن تكلفه . وعلة ذلك أن رسول الله إنما بعث إلى الأميين الذين لا يقرءون الكتاب ، ولا يحسبون بالقوانين الغائبة ، وإنما يحسبون الموجودات عيانًا ) ا.هـ(1/34)
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري : ( المراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك إلا النزر اليسير ، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك ، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً . ويوضحه قوله : « فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين » ولم يقل فسلوا أهل الحساب . والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم . وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض . ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم . قال الباجي : ( وإجماع السلف الصالح حجة عليهم . وقال ابن بزيزة : وهو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها إلا القليل ) . وقال ابن بطال : ( في الحديث رفع لمراعاة النجوم بقوانين التعديل وإنما المعول رؤية الأهلة وقد نهينا عن التكلف ، ولا شك أن في مراعاة ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلف ). انتهى كلام ابن حجر .
*** وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح المهذب : ( من قال بحساب المنازل فقوله مردود بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين . « إنا أمة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا » الحديث . قالوا : ولأن الناس لو كلفوا بذلك ضاق عليهم لأنه لا يعرف الحساب إلا أفراد من الناس في البلدان الكبار ، فالصواب ما قاله الجمهور وما سواه فاسد مردود بصرائح الأحاديث ) . انتهى
* ونقل الزرقاني في شرحه على الموطأ عن النووي قوله : ( إن عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين ، وإنما يعتبر منه ما يعرف به القبلة والوقت ) انتهى(1/35)
* وفي "مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربيني : ( فَرْعٌ : لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَاقْتَضَى الْحِسَابُ عَدَمَ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ . قَالَ السُّبْكِيُّ : لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ وَالشَّهَادَةَ ظَنِّيَّةٌ ، وَالظَّنِّيُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ رَدِّ هَذِهِ الشَّهَادَةِ ، وَالْمُعْتَمَدُ قَبُولُهَا ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْحُسَّابِ كَمَا مَرَّ ) .اهـ
* وفي تحفة المحتاج بشرح المنهاج للعلامة المحقق ابن حجر الهيتمي : ( وَعَن النِّهَايَةِ : فِيمَا لَوْ دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى كَذِبِ الشَّاهِدِ مَا نَصُّهُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَمِدْ الْحِسَابَ بَلْ أَلْغَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ) اهـ
* قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (14 / 191 - 192) : ( لما ذكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهور ومعرفتها بين أن معرفتها ليست بالطرق التي يعرفها المنجم وأصحاب التقويم ، وأن ذلك لا نعبأ به في ديننا ، ولا نحسب الشهر بذلك أبداً ثم بين أن الشهر بالرؤية فقط ، فيكون تسعة وعشرين أو بتكملة ثلاثين ، فلا نحتاج مع الثلاثين إلى تكلف رؤية ) اهـ .
* قال المناوي في شرح الجامع الصغير : ( "ولا نحسب" بضم السين أي لا نعرف حساب النجوم وتسييرها فالعمل بقول المنجمين ليس من هدينا بل إنما ربطت عبادتنا بأمر واضح وهو رؤية الهلال فإنا نراه مرة لتسع وعشرين وأخرى لثلاثين وفي الإناطة بذلك دفع للحرج عن العرب في معاناة ما لا يعرفه منهم إلا القليل ثم استمر الحكم بعدهم وإن كثر من يعرف ذلك ) ا.هـ
*** وأما ما ذكره الشيخ المحدث أحمد بن محمد شاكر رحمه الله في رسالته "أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي" ، فالجواب من وجوه :(1/36)
الأول / أنه مسبوق بالإجماع على عدم الاعتماد في دخول الشهر وخروجه على الحساب الفلكي ، وقد حكى الإجماعَ ابنُ المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن رشد وابن عابدين ، وغيرهم ، وأجمعت على ذلك هيئة كبار العلماء في عصرنا ، وسبق نقل قرارها ، وأسماء أعضائها .
الثاني / تراجع الشيخ أحمد شاكر رحمه الله عن القول بذلك ، واعتذاره بأن ما ذكره في رسالته كان بحثا لا تقريرا ؛ قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله وأتم شفاءه : " رأيت لدى الشيخ إسماعيل [ بن محمد الأنصاري ] خطابًا من الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى يعتذر فيه إلى الشيخ إسماعيل ، وأنه إنما نشر رسالته لإثارة البحث بين أهل العلم ، وإلا فليس له رأي باتٌّ في المسألة" ا.هـ [مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408 هـ (2/834)] .
الثالث / أن هذا من زلات العلماء التي لايجوز اتباعهم فيها ، فليس هناك معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكل عالم زلة وخطأ مهما علا شأنه ، وكان الأئمة الأربعة يقرون أنهم يخطئون ويصيبون . ولهذا تعقبه ورد خطأه نصحًا للأمة : الشيخ أبو النصر مبشر الطرازي الحسيني برسالة سماها : (بحث في توحيد أوائل الشهور العربية) . كما تعقبه الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري ببحث سماه : (لو غيرك قالها يا أستاذ) .(1/37)
* وذلك أن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله كان له ثلاثة أحوال في مسألة الحساب الفلكي ؛ ( الحالة الأولى ) : عدم الاعتبار بالحساب ، و ( الثانية ) : الميل إليه ، استئناسا برأي الشيخ المراغي شيخ الأزهر وبعض المتأخرين ، ولفهم خاص للأحاديث فهمه ، خلافا لفهم السلف الصالح وسائر العلماء الذين اتبعوهم بإحسان ؛ وصرح الشيخ أحمد شاكر بذلك فقال : ( واتفقت كلمتهم أو كادت تتفق على ذلك ) اهـ . ولما رَوَّجه الفلكيون من أن علومهم قطعية وأنها تقدمت في هذا العصر جدا حتى صار أهل الأرض قادرين عليها وعلى القمر ، فأراد أن يقوي المسلمين ، ويأخذ بكل جديد نافع ، لكن هذا باب غير باب الأحكام الشرعية ، ولهذا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ " رواه أحمد (3/152) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه وسنده صحيح .
ثم انتهى رحمه الله إلى ( الحالة الثالثة ) : وهي أنه ليس له رأي بات في المسألة فلا يصح أن ننسب له القول بالحساب ، وإن كان الظن به الرجوع عن هذا الرأي والاكتفاء بالرؤية الشرعية واطِّرَاح الحساب الفلكي ، وذلك للنصوص الشرعية الصحيحة الصريحة في ذلك ، والله أعلم .
*** قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله : ( الخلاصة : إن طريق إثبات أول الشهر شرعًا : بالإهلال أو الإِكمال ، وأن إجماع المسلمين منعقد على عدم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور . وأن الخلاف الحاصل : حادث ، ثم هو ليس على إطلاقه بل هو مقيد عند من قال به . ثم إنه وقعت في حكايته أغاليط ، وأن كلمة المحققين والحفاظ على أن الخلاف الحادث في هذا شاذٌّ تنكبه الأئمة . والله أعلم ) اهـ.
الوجه الثامن عشر : اضطراب الْحُسَّاب وتناقضهم في إثبات الشهور القمرية وإمكان رؤية الهلال أو تعذرها :
_____________________ فصل _____________________(1/38)
المحققون من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب :
* قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية في الرد على الذين يحسبون مسير القمر : ( انه ليس لأحد منهم طريقة منضبطة أصلًا ، بل أية طريقة سلكوها فإن الخطأ واقع فيها فإن الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حساباً مستقيمًا ، بل لا يمكن أن يكون إلى رؤيته طريق مطرد إلا الرؤية ) .. إلى أن قال : ( اعلم أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة أو لا يرى البتة على وجه مُطّرد وإنما قد يتفق ذلك أو لا يمكن بعض الأوقات ) . انتهى من مجموع الفتاوى (25/182-183) .
وقال أيضًا (ص 174) : ( إن أرباب الكتاب والحساب لا يقدرون على أن يضبطوا الرؤية بضبط مستمر ، وإنما يقربون ذلك فيصيبون تارة ويخطئون أخرى ) .
وقال أيضًا (ص 208) : ( إن طريقة الحساب ليست طريقة مستقيمة ولا معتدلة ، بل خطؤها كثير وقد جُرِّب . وهم يختلفون كثيراً هل يرى أم لا يرى ، وسبب ذلك أنهم ضبطوا بالحساب ما لا يعلم بالحساب فأخطئوا طريق الصواب ، وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وبينت أن ما جاء به الشرع الصحيح هو الذي يوافقه العقل الصريح ) . انتهى .
الوجه التاسع عشر : إنكار الحساب ما هو ثابت بالتواتر من رؤية الهلال في أول النهار في المشرق ثم رؤيته بعد الغروب في ذلك اليوم من المغرب :
ومن اضطراب أرباب الحساب الفلكي وأخطائهم ما ذكره الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله تعالى في رسالته " قواطع الأدلة في الرد على من عوّل على الحساب في الأهلة " :(1/39)
( إنكار ما هو ثابت بالتواتر من رؤية الهلال في أول النهار في المشرق ثم رؤيته بعد الغروب في ذلك اليوم من المغرب ، وهذا يقع كثيرًا في أيام الصيف الطوال . وقد أخبرنا بعض الثقات برؤيتهم له في أول النهار وبعد الغروب في ذلك اليوم . والأخبار بهذا كثيرة ومستفيضة فلا وجه لإنكارها لأن إنكارها صريح في المكابرة ) ا.هـ
الوجه العشرون : اختلاف الحساب فيما بينهم اختلافا كثيرًا يرفع الثقة بأقوالهم :
قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني (قسم الهندسة النووية ـ جامعة الملك عبد العزيز) في بحثه " الحساب الفلكي بين القطعية والاضطراب " :
( القائلون بالحساب الفلكي قد انقسموا إلى أقسام كثيرة نوجزها ههنا :
الفريق الأول / يرى أنه متى كانت ولادة الهلال في أي وقت من بعد الفجر إلى قبل الفجر الذي يليه فإنه يجب على المسلمين صيام اليوم الذي يلي الفجر الثاني وحجتهم أن الهلال موجود في السماء بعد ولادته لأن العلم اليقيني الثابت يثبت وجوده والعبرة بالوجود الفلكي لا الرؤية الخاطئة وهذا ما تسير عليه الجماهيرية الليبية .
الفريق الثاني / أراد أن يوفق بين الرؤية والحساب فاشترط أن تكون ولادة الهلال قبل الغروب ولو بوقت قصير جدا فمتى كان ذلك وجب على الناس عقد نية الصيام وحجتهم أن اليوم الإسلامي يبدأ بعد غروب الشمس .
الفريق الثالث / أراد أن يكون أكثر توفيقا بين الرؤية البصرية والحساب الفلكي فاشترط إمكان الرؤية لثبوت دخول الشهر وهذا يعني أن الهلال لابد أن يكون مولودا قبل الغروب بوقت اختلف فيه الفلكيون حتى تتمكن العين أو التلسكوب من رؤيته .
ومن أجل بيان هذا الاختلاف نوجز بعضًا من شروطهم وطرقهم :(1/40)
1- أنه لايمكن أن يرى الهلال قبل 13 ساعة من ولادته وذلك أن المسافة الزاوية بين القمر والشمس من مركز الأرض لابد أن تكون أكثر من 7 درجات ومتى كانت أقل من ذلك فإنه لن يكون هنالك جزء مضيئ من القمر ولن تتمكن العين من رؤية الهلال وهذا مايسمى ب (تأثير أو حد دانجون). وهذا ماجعل مؤتمر المسلمين الفلكيين والذي أقيم في استنبول يوصي بأنه يجب أن تكون الزاوية أكثر من 8 درجات من أجل إمكان رؤية الهلال. وحتى نفسر ذلك, نحن نعلم أن مدار القمر بيضاوي ولكن دعونا نفرضه دأئريا. فمتى علمنا أن متوسط الشهور القمرية هو 29.53 يوما والقمر يدور 360 درجة في 29.53 يوما x 24 ساعة = 708.72 ساعة أي أننا سوف نحصل على 1.96 ساعة لكل درجة وبعد ضرب هذا الرقم ب 8 درجات والتي أوصى بها المؤتمر نحصل على عمر للهلال يساوي 15.75 ساعة وهذا رقم مقارب جدا لثاني رقم قياسي لعمر هلال رؤِي بالعين (15.4 ساعة) .
2- حسب السجل المنشور للرؤية بالعين الباصرة, لم ير أحد الهلال قبل 15.4 ساعة من وقت ولادته مع أن محاولة الرؤية قد حدثت في 14 سبتمبر 1871 م وكان الانفصال الزاوي 9.3 درجة. كان هذا في القرن الماضي عندما كان التلوث الجوي والضوئي غير موجودين. ويقول المقال إنه لايمكن الآن رؤية مثل ذلك الهلال بالعين الباصرة. وقبل وقت قريب رؤي هلال كان انفصاله الزاوي 10.5 درجة والذي يقارب 17 إلى 21 ساعة من عمره. كما أن الدراسة تقول إن هذا لايعني أن كل هلال يمكن أن يرى إذا كان عمره بين 17 إلى 20 ساعة .
3- العلم الفلكي يستطيع أن يعطي وقتا مقاربا لإمكان رؤية الهلال بالعين والمنظار والتلسكوب ولكنه لايستطيع أن يعطي إجابة دقيقية لوجود عدد من العوامل التي تؤثر على الرؤية .(1/41)
4- الزمن الذي يمر بعد ولادة الهلال الجديد يسمى عمر الهلال ولكن عمر الهلال لايعتبر معيارا لإمكان رؤيته وذلك لأن مدار القمر بيضاوي ويسير القمر بسرعة أعلى , عندما يكون قريبا من الأرض, وابطأ عندما يكون بعيدا عن الأرض. فعندما يكون الهلال سريعا يمكن أن يرى وعمره ( 17 ساعة) وعندما يكون بطيئا يرى وعمره (23 ساعة).
5- إن أصغر هلال رؤي من خلال منظار كان عمره 13.47 ساعة كما ان أصغر هلال رؤي بالعين الباصرة كان عمره 15.4 ساعة .
6- إن أوثق رؤية بالعين حدثت بعد 17.2 ساعة وبعد 15.5 ساعة بالتلسكوب من ولادة الهلال علما بأنه في بعض الفصول لا تحصل الرؤية إلا بعد 24 ساعة.
7- يقول إلياس, العالم المسلم الماليزي إنه تستحيل رؤِية الهلال إذا كان عمره أقل من 17 ساعة .
8- يجب أن يكون ارتفاع القمر فوق الأفق عند الغروب, 5 درجات أو أكثر وفي حالات نادرة بين 2 إلى 5 درجات.
9- طريقة جديدة مختلفة أسسها بروين قامت على 76 رؤية في أثينا وقد اعتمد على وضوح القمر والشمس وغير ذلك.
10- خطوط الوقت مثل منحنيات الشمال الغربي والجنوب الغربي والتي اقترحها إلياس وخطوط أخرى اقترحها شيفر من ناسا وكذلك طرق أخرى مؤلفة من عناصر مختلفة.
الفريق الرابع / اشترط للدخول في الشهر والخروج منه الرؤية البصرية حتى لو كانت ولادة الهلال قبل الغروب بقليل غير ملتفت إلى نزاع الفلكيين حول إمكان رؤية الهلال والتي اشترطها الفريق الثالث ولكن هذا الفريق اشترط شرطا آخر وهو أن لاتقبل شهادة من قال برؤية الهلال متى كانت ولادته بعد الغروب لاستحالة الرؤية بالعين الباصرة وحجة هذا الفريق أن قدرة الله لايمكن حصرها وربما يؤتي أحدا من خلقه قدرة بصرية نافذة تستطيع أن ترى الهلال ولو كانت ولادته قبل الغروب بقليل جدا . أما حجتهم في عدم قبول الشهادة إذا كانت الولادة بعد الغروب فهي استحالة الرؤية . والشخص الذي رأى الهلال متوهم أو كاذب .(1/42)
من خلال ماسبق يظهر لي أن الفريق الثالث اختلف اختلافا كبيرا ويستحيل إجماعه على رأي واحد ووقع في تناقض كبير في محاولته للجمع بين النصوص الشرعية والحساب الفلكي ) .
وقال : ( أما الفريق الرابع الذي يرى أنه إذا نفى الحساب إمكان الرؤية ، وقال : إنها غير ممكنة، لأن الهلال لم يولد أصلا في أي مكان من العالم الإسلامي كان الواجب ألا تقبل شهادة الشهود بحال ؛ لأن الواقع الذي أثبته العلم الرياضي القطعي يكذبهم .
ونسأل هذا الفريق عن الحساب الذي ينفي هذه الشهادة هل هو الحساب المختلف اختلافا كبيرا على إمكان الرؤية واشترط لها شروطا لم يتفق عليها العلماء وأحال إمكان الرؤية من اليقين إلى الظن ) ا. هـ
____________________ فصل _____________________
وقال د. محمد بخيت المالكي - دكتوراه في الفلك من جامعة جلاسكو - في بحثه " ملاحظات على أسباب الاختلاف بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي لهلال الشهر الإسلامي " في تعريف الشهر القمري عند الحُسَّاب :(1/43)
( 3- اعتماد الاقتران : وهو التعريف العلمي (الغربي) للشهر القمري ، بأن يكون المدة بين كل اقترانيين للقمر مع الشمس ، وهذه تكون تارة بعد (30 يوما) وأخرى بعد (29) وقد يتوالى شهران أو ثلاثة على وتيرة واحدة (30 أو 29) . وتقوم هذه الطريقة على أن لحظة الاقتران لحظة كونية لجميع أهل الأرض وغيرهم - وهذا يعتمد على حساب موقع القمر الحقيقي ويُهمل أثر الغلاف الجوي - ، فيعتبر أن ما قبل الولادة يكون القمر محاقا وبعدها يولد القمر ليصبح هلالا . فإذا حدث الاقتران قبل غروب الشمس - والبعض يجعله قبل منتصف الليل- في مكان مرجعي (كمكة المكرمة عند المسلمين ، وبعضهم يجعل المكان غرينتش باعتباره مرجع التوقيت العالمي أو لأسباب سياسية ) يكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر أما إذا حدث الاقتران بعد الغروب - أو منتصف الليل - فيكون اليوم التالي هو المتمم للشهر الحالي . وتقويم أم القرى يدور حول هذا المفهوم .
(( الاعتراضات الشرعية والعلمية على تعريف الشهر القمري عند الحُسَّاب ))
وهذا التعريف هو الأكثر انتشارا بين الحاسبين المسلمين ، وعليه اعتراضات علمية وشرعية منها :
(أولا) :
أنه وبالرغم من عدم اعتبار الحساب شرعا ، إلا أنه لوضع تقويم للمسلمين ، يظل من المهم التقرب من التعريف الشرعي ، وذلك بعمل حساب الرؤية وإمكانياتها، وهذا التعريف لا يهتم بذلك .
(ثانيا) :
القول بأن الاقتران لحظة كونية ، ليس دقيقا . فتعريف الاقتران : هو أن تكون مراكز الأرض والقمر والشمس في المستوى نفسه ويكون القمر بين الأرض والشمس ، فإذا كانت على استقامة خط واحد عندها يحدث الكسوف الكلي للشمس ، وهذا ما يسمى بلحظة الاقتران المشاهدة (لأننا نشعر بها برؤية الكسوف) . لكن ، في حالة الاقتران المثالية هذه (الاقتران المشاهد) فإنه لا يُرى هذا الاقتران في أنحاء الأرض المقابلة لهذا الوضع . ولنأخذ المثال التالي :(1/44)
في 12/ 11/1985 م حدث كسوف كلى ، وكان مشاهدا في القطب الجنوبي وجزء من أمريكا الجنوبية - ومعنى أنه كسوف كلى أن القمر سيعبر أمام الشمس ويحدث اقتران - ، وكانت ظروف هذا الكسوف بتوقيت المملكة العربية السعودية كما يلي :
*** بدأ الكسوف الجزئي 3:08 ، وبدأ الكسوف الكلى في 4:50 ، وأصبح في المنتصف (أكبر ما يمكن) في5:10 ، وكانت نهاية الكسوف الكلى عند 5:30 ، والكسوف الجزئي عند 7:12 .
*** فإذا علمنا أن الشمس تغرب في أنحاء المملكة في ذلك الوقت من السنة حوالي السادسة مساءًا ، فهذا يعني أن الكسوف بدأ وكاد أن ينتهي ولم نشعر به في المملكة . السبب أنه عند الكسوف يكون القمر منطقة ظل كدائرة على الأرض بقطر يتراوح 270 كم تقريبا وفي هذه المنطقة تُرى الشمس كاسفة كليةً ، ومنطقة شبه ظل تحيط بالأولى بقطر يتراوح بين 3000-5000 كم ويُرى فيها كسوف جزئي للشمس. وبسبب دوران الأرض حول محورها تتحرك الدائرتان مكونتين منطقة كبيرة ذات شكل أقرب للمستطيل يشاهد فيها الكسوف في أوقات مختلفة من اليوم . إذن في لحظة الاقتران الكونية المذكورة سابقا سيكون لدينا منطقة لا تُرى فيها الشمس (بقطر 270 كم) وحولها أخرى تكون الشمس مكسوفة جزئيا (بقطر يتراوح بين 3000-5000 كم) وخارجهما لا يُشعر بأي تغير في الشمس ، وهذا أمر مشاهد ومعروف .
*** فتكون لحظة الاقتران الكونية المشاهدة -كما عرفناها سابقا- غير مشاهدة في جميع أنحاء الأرض ، ومن باب أولى فإن الاقتران إذا حدث ولم يكن القمر على استقامة الأرض والشمس ، فلن يكون لحظة كونية تحدث لجميع الأرض .(1/45)
*** ومكمن الخلط أننا تعاملنا مع الأرض كنقطة ، في حين أنها تقريبا كروية الشكل بنصف قطر 6400 كم تقريبًا ، وهذا يُكَوِّن اختلافا في المنظر للسماء حيث أننا نحسب لموقع (المركز) لكننا ننظر من مكان آخر (موقع الرصد ) ، إذاً فالاقتران لحظة كونية بالنسبة لمركز الأرض، لكنه لحظة محلية للراصد . إذ أن ما سيراه راصد على سطح الأرض يقع على استقامة مركز الأرض والقمر والشمس - وهو مكان واحد فقط - ، لن يراه راصد في مكان آخر اقترانا، بل سيرى - إن تمكن من الرؤية لصعوبة ذلك بسبب إضاءة الشمس الشديدة - القمر بعيدا عن الشمس بحد يصل إلى حوالي النصف درجة ، أي يمكن أن يرى هلالاً والشمس كاسفة كليا في مكان آخر.
*** وكختام للمسألة فإن اعتماد مركز الأرض كمرجع للحساب مناسب لإصدار تقاويم للعالم أجمع ، لكن إذا أردنا أن نقارن الحساب بالرؤية أو أن نقارب مفهوم الشريعة للشهر فهو تعريف خاطئ .
(ثالثًا) :
هناك من لا يستخدم تعريف الاقتران فقط ، بل يزيد عليه عمراً معيناً للقمر الوليد - وحسب آخر الأبحاث فإن أقل عمر رُصد عند الغرب هو (14.5) ساعة Explanatory (Supplement 1992.) p590 ، بعد الاقتران الكوني . لكن لدينا من مشاهدات الرائين للهلال بالمملكة ما هو أقل من ذلك .
*** وهنا من المناسب أن نجيب على سؤال مهم ، وهو : هل القمر عند الولادة يختفي ضوءه تماما ؟
وهذا شعور عام عند الناس وعند بعض الحاسبين . وللأسف هذا التصور خاطئ إذا عمم ، وهو موجود حتى في أشهر المراجع (Smart) 1977, 168، ولننظر لشرح ذلك إلى الحالة التالية :(1/46)
تدور الأرض حول الشمس في مستوى دائرة البروج ، ومدار القمر يكون حول الأرض في مستوى يميل عن دائرة البروج بخمس درجات تقريبا، ويلتقي مع دائرة البروج في العقدتين، ولهاتين العقدتين دورة تلفّ خلالها حول الأرض كل 18.61 سنة ، فإذا كان القمر قريبا من العقدة وبين الشمس والأرض حدث الكسوف - وليس بالضرورة أن يكون في العقدة تماما حيث أن القمر والشمس ذواتا أحجام وليسا نقطتين - .
والذي يهمنا هنا هو الوقت الذي يكون القمر يبعد بزاوية قائمة عن العقدة ، أي أنه في أعلى نقطة في مستوى مداره حول الأرض ، فيكون بارتفاع خمس درجات عن مستوى دوران الأرض حول الشمس (مستوى دائرة البروج) ، فلو كان القمر في هذه اللحظة في موقع اقتران مع الشمس ، فإن أي موقع تغرب فيه الشمس في هذه اللحظة سيرى الراصد فيه الشمس تغرب وفوقها القمر على بعد يصل إلى خمس درجات ، بل وسيرى جزءا مضيئا من القمر يصل إلى (0.01 من القمر) ويكون شديد الإضاءة لقربه من الشمس، مع ملاحظة أن الشمس تضيء الجزء العمودي على الخط الواصل بين مركزها ومركز القمر ، وكذلك الراصد يرى الجزء العمودي على الخط الواصل بين الراصد ومركز القمر . إن هناك أربع درجات ونصف الدرجة تقريبا بين هذين الخطين العموديين ، مما يُؤدي لظهور جزء مضيء من القمر للراصد - والسبب أنها ليست خمس درجات هو أننا ننظر من سطح الأرض وليس من مركزها - .
*** إذا فضوء القمر لا يختفي كليةً عند ولادته إذا لم يكن هناك كسوف شمسي على المنطقة المشاهد منها .
(رابعًا) :(1/47)
وإتمامًا لهذا المبحث ، فإن هناك بعض الحاسبين الذين يقولون أن الهلال قبل الولادة لا يمكن أن يُرى ، أو أنه محاقا ولا يكون هلالا ، حسب التعريف الشرعي : ...... والتعريف الشرعي للهلال ليس متعلقا بالاقتران أو الولادة ، فإن رُؤيَ الهلال بهذا الشكل وانتشر خبره بين الناس سمي هلالا لإهلال الناس به ، فإذا وُجد ولم يره أحد لم يسمّ هلالا ، لأن الناس لم يهلوا به أي لم يشتهر بينهم فلا يبدأ به شهرهم ، ومن جهة أخرى فإنه في حالات خاصة يُمكن أن يغرب الهلال قبل ميلاده (أي المحاق) بعد الشمس . وتحدث هذه الحالة في وضع مقارب للحالة السابقة المناقشة في " ثالثا " ، بحيث يكون الاقتران بالنسبة لموقع الراصد يقع بعد وصول القمر لأعلى نقطة في مستوى مداره حول الأرض . أي أنه سيكون في أعلى نقطة في مستوى المدار وهو لم يُولد بعد وسيغرب في هذه الحالة بعد الشمس ، بل وستكون فرصة رؤيته أفضل من الحالة عند الولادة بسبب أنه سيكون منحرفا عن الشمس وليس فوقها مباشرة ، مما يُبعد الهلال عن مواقع شدة الإضاءة . وفي هذه الحالة قد يختفي الهلال في اليوم التالي لاقترابه الشديد من الشمس ، لكنه يظل هلالاً شرعياً لان الشريعة لم تأمرنا بمتابعة الهلال لأكثر من يوم للتأكد من صدق الشهود .
والحالتان السابقتان (ثالثا ورابعا) إن حدثتا ، فيُتَوقع أن تكونا صعبتا الرؤية ، لكنهما ممكنتا الحدوث ويمكن لمن أعطاه الله الخبرة والقدرة أن يراهما .
( التعريف الرابع للشهر القمري عند الحساب )
4- اعتماد موقع القمر (الرؤية) :
وهذا التعريف هو أقرب التعاريف للرؤية . حيث لا يهتم بولادة القمر من عدمها ، بل يحسب موقع القمر بالنسبة للراصد والشمس ، ويحسب موقع الشمس ، ثم يقارن بين موقع الشمس والقمر عند غروب الشمس ليرى مدى ارتفاع القمر فوق الأفق ، أي أنه يعتمد حساب رؤية الهلال السابق ذكره ، وهنا يُؤخذ في الاعتبار ما يلي :(1/48)
( عوامل مؤثرة في صحة الحساب الفلكي لا يمكن تحديدها بيقين )
1- أثر الانكسار بسبب الغلاف الجوي الأرضي ، بأكثر دقة ممكنة .
2- موقع الراصد بدقة من حيث الموقع الجغرافي ، والارتفاع عن سطح الأرض وانبساط الأرض حوله - الذي يقف على جبل حادّ القمة ، قد يرى الهلال ، في حين أن راصداً على هضبة بالارتفاع نفسه لذلك الجبل يكون الهلال قد غرب عنده منذ فترة ، ويغرب الهلال قبل ذلك أيضا لمن يرصد من ارتفاع سطح البحر- والاعتباران السابقان لا يمكن أن يحسبا بدقة متناهية .
*** والحاسبون بهذا التعريف فريقان :
الأول :
يُعَيِّن حجما معينا للهلال إذا قل عنه لا يدخل الشهر على اعتبار أنه لا يمكن رؤية الهلال ، وكذلك يعتبر بُعد معين للهلال عن الشمس إن كان بعد الهلال أقل منه لا يدخل الشهر .(1/49)
وقد تضاربت الأقوال في أصغر هلال يُمكن رؤيته وأقل مسافة من الشمس يمكن رؤية الهلال منها . وهذا يعتمد على مقدرة العين ، ولا يُقبل شرعا أن نأخذ متوسط مقدرات الأعين ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يختبر عيون الراصدين ولم يُلْغِ شهادة ذوي الأبصار القوية ، بل كان يقبل الشهادة بدون تعقيد . خاصة مع ما يذكره بعض الراصدين للهلال في المملكة العربية السعودية ، من أنهم يرون الهلال والشمس عند الغروب يدخلان ما يسمى بمنطقة الكدر - وهو حزام من الأتربة القريبة من الأفق رآها الكاتب بنفسه وقدّر ارتفاعها بحوالي خمس درجات زاوية - ويقول الراصدون إن الشمس يخفت ضوئها في حين أن القمر يبقى أو يزداد ضوءه في هذه المنطقة، وهذا الكلام مقبول من ناحية علمية حيث أنه معلوم من الدراسات الفلكية أن ضوء النجوم عندما يعبر السدم الترابية الفضائية ، فإن هذه السدم تمتص الضوء الذي ينتج من طاقة عالية (الضوء الأزرق) ويمرّ الضوء ذو الطاقة الأقل (الضوء الأحمر) - ولهذا تبدو الشمس حمراء عند الغروب لكثرة الأتربة وزيادة كمية الهواء بين الراصد والشمس - وهذا ما يسمى بظاهرة احمرار النجوم ، وفي هذه الحالة يخفت الجسم اللامع كثيراً ولا يخفت الجسم الخافت إلا قليلا ، ولذا يستخدم الفلكيون مصفيات الضوء (الفلاتر) لرصد النجوم الخافتة . وحيث أن هذا الفريق يُهمل هذه الظروف فلا ينفع أسلوبهم في تكوين تقويم مناسب للمسلمين أو مقارنته بشهادات رائيي الهلال .
ويمكن أن نسمي هذه الطريقة "بحساب الرؤية المشروطة " .
الثاني :
لا يعتبر أي حجم أو بعد للقمر عن الشمس ، بل يحسبون مكان الهلال كما يُتوقع أن يظهر للراصدين ، مهما كان عمره أو بعده عن الشمس .
ويمكن أن نسمي هذه الطريقة " بحساب الرؤية " ، وتتم بطريقتين :(1/50)
* الأولى : نسميها " حساب الرؤية العام " : وتكون بحساب ظروف الرؤية لمساحة كبيرة من الأرض (دولة مثلا) ويحدد أفضل الأماكن للرؤية ، وهذه يحدث فيها خطأ حيث انه سيفترض أن ارتفاعات الراصدين عن سطح البحر، وظروفهم الجوية متقاربة.
* الثانية : نسميها " حساب الرؤية الخاص " : فيكون الحساب لكل موقع بحسب مكانه وارتفاعه وظروفه الجوية وهذا أدق ما يمكن ) ا.هـ
( كثير من الفلكيين يطبق نتائج حسابات غربية لم تصمم لرؤية الهلال ولا توافق الشرع )
قال د. محمد بخيت المالكي - دكتوراه في الفلك من جامعة جلاسكو-: ( وللأسف فإن كثيراً ممن يتحمس للحسابات يطبق نتائج حسابات غربية دون أن يفكر أن هذه الحسابات لم تصمم لغرض رؤية الهلال الشرعي أو لتوافق مفاهيم الشريعة الإسلامية ) وقال : ( وبالرغم من أن طريقة حساب الرؤية الخاص لم تعتمد عند كل الفلكيين إلا أن كثيراً يحسب على مبدئها، وقد قوُرنت نتائجها - وللحق لم يُعمل اعتبار كل الظروف بالدقة التي دعونا إليها سابقا - بشهادات رائي الهلال ، ولم يحدث اتفاق أيضا ) .
*** وذكر نتائج بحثه : " ملاحظات على أسباب الاختلاف بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي لهلال الشهر الإسلامي " ، فقال :
( خلص البحث إلى النقاط التالية :
1- أغلب الأساليب والتعاريف الفلكية لبداية الشهر الإسلامي لا تتفق مع التعريفات الشرعية .
2- تلك الطرق التي تحاول أن تتقرب من التعريف الشرعي لبداية الشهر الإسلامي ، لا زالت تواجه بعضاً من النواقص في تعريفات متغيراتها الأولية مثل:
أ) أثر الانكسار الجوي بدقة عالية (وهذا من الأمور الصعبة جداً) .
ب) أثر ظاهرة السراب (وهو من الأمور الصعبة جداً) .
جـ) الموقع الحقيقي للراصد وارتفاعه عن مستوى سطح البحر (وهذا ممكن لكن كل راصد سيُحسب له وحده) .(1/51)
3- المرصد الفلكي البصري لا يمكنه أن يكون بديلا منافسا للعين البشرية ، بل قد يصبح وبالا عليها في حالة محاولة رؤية الهلال وهو قريب من الشمس ، حيث أنه لن يمكن رؤية الهلال هنا ، لكن الراصد قد يفقد بصره خلال ثوان ) ا.هـ
وسيأتي مزيد بيان عن المراصد الفلكية إن شاء الله تعالى .
الوجه الحادي والعشرون : النسيء لازم للعاملين بالحساب الفلكي في دخول الشهر وخروجه :
قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني السابق ذكره : ( الشهر القمري عند الفلكيين يقصر فيصل إلى 29 يوما و 6 ساعات و 35 دقيقة ، ويطول فيصل إلى 29 يوما و19 ساعة و 55 دقيقة ، ومتوسطه 29 يوما و12 ساعة و 44 دقيقة . وهذا اصطدام مع النص النبوي القائل بأن الشهر إما 29 يوما أو 30 يوما ) .
قال : ( فإن قال قائل نجبر هذا الكسر في الشهر ؛ فإن حصلت رؤية رمضان الحسابية - على سبيل التمثيل - في الساعة الثامنة صباحا نمسك من بعد فجر ذلك اليوم ، وإن حصلت رؤية هلال شوال الحسابية الساعة الرابعة بعد الظهر نتم ذلك اليوم ، قلنا له : عُدْنا إلى الظن مرة أخرى ، ويجوز لنا بعد ذلك أن نختلف حول هذا الجبر متى يكون سلبا ومتى يكون إيجابا حتى يصبح مرة 29 يوما ومرة 30 يوما ) .
وقال : ( ثم إن محاولة الجبر لهذه الأشهر لكي تصبح إما 29 يوما أو 30 يوما ليس لها معادلة ثابتة ذلك أن ولادة الهلال تحدث في أوقات مختلفة من كل شهر ولذلك أصبح جبر كسر الشهر القمري عند القائلين بالحساب متكلفا ومعتمدا على القياس والعقول المتفاوتة والتي خرجت بنا عن كل معقول ومنقول ) ا.هـ
قلتُ : وهذا نوع من النسيء وهو لازم للعاملين بالحساب الفلكي في دخول الشهر وخروجه ، وقد ردَّه عليهم من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم بقوله : " إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ " رواه البخاري ومسلم .(1/52)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وَذَلِكَ ضَلَالٌ عَنْ دِينِ اللَّهِ ، وتَغْيِيرٌ لَهُ ، شَبِيهٌ بِضَلَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْهِلَالِ إلَى غَايَةِ الشَّمْسِ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الْقُرْصَيْنِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِسْرَارُ ؛ وَلَيْسَ بِالشُّهُورِ الْهِلَالِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَ النَّسِيءُ الَّذِي كَانَ فِي الْعَرَبِ : الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ - الَّذِي يَضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا - مَا ذَكَرَ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ والسِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " . فَمَنْ أَخَذَ عِلْمَ الْهِلَالِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ بِالْكِتَابِ وَالْحِسَابِ فَهُوَ فَاسِدُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ) ا.هـ
الوجه الثاني والعشرون : الاضطرابُ المشترَكُ عند جميع القائلين بالحساب ، واللوازم الفاسدة التي تلزمهم وتبين بطلان مذاهبهم :
قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني في بحثه السابق ذكره تحت عنوان :
( " الاضطراب المشترك عند جميع القائلين بالحساب "(1/53)
نحن نعلم أن ولادة الهلال في كل شهر قمري قطعية ولا تقبل الشك عند أحد سواء أكان عالما بالحساب أم غير عالم به ، وولادة الهلال تكون في وقت محدد . ومما هو معلوم أن مدينة الدمام تقع على الساحل الشرقي للملكة وتقع على خط طول 50.1 درجة وخط عرض 26.1 درجة ،ويقابلها من الجهة الغربية مدينة الوجه وتقع على الساحل الغربي من المملكة على خط طول 36.4 درجة وخط عرض 26.2 درجة أي على نفس خط عرض الدمام . ففي يوم 21 مارس و 21 سبتمبر يكون الاعتدال (الليل يساوي النهار) في هاتين المدينتين . ففي يوم 21 مارس لعام 1425هـ , على سبيل التمثيل , يكون الفجر في مدينة الدمام في الساعة 4.28 والشروق في الساعة 5.49 والمغرب في الساعة 5.49 وفي مدينة الوجه يكون الفجر في الساعة 5.22 والشروق في الساعة 6.43 والمغرب في الساعة 6.43 ويكون الفرق بين المغرب في الدمام والمغرب في الوجه 54 دقيقة كما أن الفرق بين الفجرين في المدينتين 54 دقيقة أيضا . ومتى علمنا أن ولادة الهلال قطعية في كل شهر قمري ، فإن احتمال ولادة الهلال في المملكة على هذا الخط بين مغربي الدمام والوجه ، أو فجري الدمام والوجه هو 3.75% . ولا بد أن تكون مدينة بين هاتين المدينتين يولد فيها الهلال وقت المغرب أو الفجر تماما بين مغربي أو فجري الدمام والوجه .
والآن نقول للفريق الأول الذي يرى وجوب الصيام متى ولد الهلال قبل الفجر ولو بدقيقة أو ثانية واحدة , إن ذلك يوجب على من كان شرقي تلك المدينة التى ولد بها الهلال وقت أذان الفجر ألا يصوم لأن هلاله ولد بعد فجره ويوجب على من كان غربي تلك المدينة أن يصوم لأن هلاله ولد قبل الفجر ، وبذلك ينقسم أهل الدولة الواحدة إلى نصفين نصف يجب عليه الصيام ونصف لا يجب عليه الصيام .(1/54)
بل أقول إن دقة الحساب الفلكي المتناهية سوف تجعل مدينتين لا يفصل بينهما إلا شارع صغير إحداهما تصوم والأخرى لا تصوم وربما تجاوز الأمر ذلك فيبلغ بيتين متجاورين بل بيتا واحدا فمن كان في شرقه لا يصوم ومن كان في غربه يصوم .
كما أن ما ذكرناه حيال الفريق الأول ينطبق على الفريق الثاني ذلك أن احتمال ولادة الهلال على خط عرض الدمام والوجه بين مغربي الدمام و الوجه هو أيضا 3.75%. ونقول للفريق الثاني أنه متى ولد الهلال على خط عرض الدمام والوجه بين وقتي مغربيهما فلابد أن تكون مدينة بينهما على خط العرض يولد فيها الهلال وقت أذان المغرب وذلك يوجب على من كان شرقي تلك المدينة الفطر ويوجب على من كان غربيها الصيام .
كما أن ما قلناه ينطبق على الفريق الثالث بجميع فئاته . ولو جاز للفريق الثالث أن يجتمع على رأي واحد ، وقال حتى نستطيع ان نرى الهلال لابد أن يولد قبل المغرب ب 10 ساعات . نقول له أيضا ما قلناه للفريق الأول والثاني إن احتمال ولادة الهلال على خط عرض الدمام والوجه قبل 10 ساعات بين مغرب الدمام ومغرب الوجه هو نفسه 3.75%. ولا بد من ولادة الهلال قبل 10 ساعات من أذان المغرب تماما في مدينة تقع بين الدمام والوجه وذلك يوجب على من كان شرقي هذه المدينة الفطر ويوجب على من كان غربيها الصيام .
ثم إن ماقلناه أيضا ينطبق على الفريق الرابع والذي يقول بالنفي دون الإثبات ) .
الوجه الثالث والعشرون : من مفاسد الحساب أنه فرق الأمة ، بل فرق الذين يعملون به :
قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني : ( إننا لم نحقق الوحدة المنشودة من الحساب الفلكي بل إن الحساب الفلكي زادنا تفرقا حتى أصبح لكل فلكي رأي في المسألة . والحساب الفلكي يجعل من بعضنا يصوم اليوم ، والبعض يصوم بعده بيومين .كما أن الحساب الفلكي أيضا يجعلنا نفرط أحيانا بيومين من شهر رمضان المبارك ونضطر للدخول في يوم أو أكثر من شهر شوال ) .(1/55)
ثم قال : ( وخلاصة القول إن العلة الحقيقية التي منعت الحساب الفلكي من تحقيق وسيلة أكمل وأوفى من الرؤية البصرية ؛ هي أن الشهر القمري الفلكي لايمكن أن يكون 29 يوما او30 يوما كما بينا من قبل ، وإنما يقصر إلى 29 يوما و 6 ساعات و35 دقيقة ويطول إلى 29 يوما 19 ساعة و55 دقيقة ، ومهما حاول الحساب الفلكي أن يجبر أيام الشهر القصير والطويل وما بينهما سلبا أو إيجابا إلى 29 يوما أو30 يوما لموافقة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن يصل إلى ذلك إلا بوسيلة ظنية توقع الأمة المسلمة في خلل واضطراب وتشتت وتفريق وتجعل من أبناء البلاد الواحدة بل المدينة الواحدة يصوم بعضهم ويفطر الآخرون ) ا. هـ
الوجه الرابع والعشرون : ثبت بالاستقراء كثرة مخالفة الحساب للرؤية الشرعية ، مما يرفع الثقة به :
*** قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني : ( من خلال دراسة قام بها الدكتور الفاضل أيمن كردي , أستاذ الفلك في جامعة الملك سعود , قارن فيها بين الرؤية البصرية والحساب الفلكي بين عام 1400 هـ وعام 1422 هـ وجد أنه :
1. تطابقت الرؤية مع الحساب 14 مرة من حيث وجود الهلال .
2. تطابقت الرؤية مع الحساب 24 مرة من حيث عدم وجود الهلال .
3. لم تتطابق الرؤية مع الحساب 18 مرة حيث تم التبليغ بالرؤية مع عدم ولادة الهلال فلكيا .
4. لم تتطابق الرؤية مع الحساب مرتين حيث ولد الهلال فلكيا ولم يتم التبليغ .
وخلصت الدراسة إلى أن نسبة التطابق بين الحساب الفلكي والرؤية هي 67 % ) ا.هـ(1/56)
*** وفي دراسة فلكية لـ "عدنان عبدالمنعم قاضي" تهدف إلى إظهار ما إذا كان يوم الإعلان الرسمي لدخول شهر رمضان الكريم وعيد الفطر للفترة من 1380 إلى 1425 هـ يوافق الشروط التي وضعها مؤتمر تحديد أوائل الشهور القمرية فلكيا ، الذي انعقد في اسطنبول بتركيا ، في الفترة 26 - 29 ذي الحجة 1398 هـ (27 - 30 نوفمبر 1978 م) ، وشروطهم هي : أن يبدأ الاقتران في اليوم السابق لبدء الشهر ثم غروب الشمس ثم غروب الهلال مع زاوية ارتفاع القمر عن الأفق تساوي على الأقل 5 درجات وزواية انفصال القمر عن الشمس تساوي على الأقل 7 درجات وذلك لأي شهر قمري . واستخدم أحدث وأدق برنامج علم فلك متاح للعامة والمختصين والمحترفين . وقُدِّم اليوم الرسمي لإعلان رمضان من مركز الدراسات والمعلومات في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر في جُدَّة .
1. لم يحصل قط أن أظهر الحساب الفلكي أن رمضان كان من المفروض أن يدخل قبل إعلانه رسميًا خلال الفترة ؛ لقد كان أهل الرؤية الشرعية دائمًا سباقين .
2. وافقت طريقة الرؤية الشرعية المتبعة الحساب الفلكي في إعلان دخول رمضان في 6 من 46 مرة ، أي بنسبة 13 %.
3. عارضت طريقة الرؤية الشرعية المتبعة الحساب الفلكي في إعلان دخول رمضان في 40 من 46 مرة ، أي بنسبة 87 %.
4. في ليلة إعلان دخول رمضان كان الهلال ، بعد غروب الشمس ، تحت الأفق في 29 من الـ 40 مرة ، أو بنسبة 63 % لكل الفترة . والـ 11 مرة الباقية كان الهلال في ليلة إعلان دخول رمضان فوق الأفق ما بين 1 إلى 3 لزاوية الارتفاع ، وهي أقل من القيمة المطلوبة وهي 5 درجات .
* وأما نتائج الدراسة لشهر شوال ، والفترة لهذه الدراسة هي 46 شوالا (= من 1 شوال 1380 هـ (17 مارس 1961 م) إلى 1 شوال 1425 هـ (13 نوفمبر 2004 م) ونتائجها كالتالي :(1/57)
1. لم يحصل قط أن أظهر الحساب الفلكي ان شوال كان من المفروض أن يدخل قبل اعلانه رسميًا خلال الفترة ؛ لقد كان اهل الرؤية الشرعية دائمًا سباقين .
2. وافقت طريقة الرؤية الشرعية المتبعة الحساب الفلكي في إعلان دخول شوال في 8 من 46 مرة او بنسبة 17 % .
3. عارضت طريقة الرؤية الشرعية المتبعة الحسابَ الفلكي في إعلان دخول شوال في 38 من 46 مرة أو بنسبة 83 % .
4. في ليلة إعلان دخول شوال كان الهلال بعد غروب الشمس تحت الأفق في 31 من الـ 38 مرة ، أو بنسبة 82 % ، الـ 7 مرات الباقية كان الهلال في ليلة إعلان دخول شوال فوق الأفق ما بين درجة واحدة إلى 4 درجات لزاوية الارتفاع ، وهي أقل من القيمة المطلوبة وهي 5 درجات ) ا.هـ.
*** وما كان بهذه المثابة فلا يُعْمَلُ به ، ولا تُرَدّ به الرؤية الشرعية ، بل ولا يستأنس به ، ولا يلتفت إليه ، ولا كرامة .
*** وهذا فيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم من وجوه :
منها : قوله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ ". وسيأتي في الوجه الثاني والثلاثين : وهو أن الله تعالى يطيل مدة بقاء الهلال وحجمه ليراه الناس فضلا منه تعالى ونعمة ، فله الحمد والشكر ، ولا اعتبار بكبره وصغره .
ومنها : نفيه صلى الله عليه وسلم للحساب في الصوم والإفطار ، وتحذيره أمته من الصوم والإفطار إلا بالرؤية البصرية الشرعية فقط .(1/58)
ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم : " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ " . رواه البخاري ومسلم واللفظ له . ومن الشروط الباطلة المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما اشترطه الفلكيون لصحة الرؤية ؛ فظهر لنا بالدلائل القطعية صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، آتاه ربه الكتاب والحكمة ، وقال عز وجل : ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) (النساء:113) . فصلى الله وسلم وبارك على هذا النبي الكريم ، الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم .
الوجه الخامس والعشرون : الحساب الفلكي لايفيد القطع بل هو ظني والخطأ فيه واقع ومتكرر ، ولا ترد به الرؤية الشرعية ، ويكذَّب الشهود المعدَّلُون في المحاكم الشرعية ، الذين قُبِلَتْ شهادتهم ، وصام وأفطر بموجبها المسلمون :
* قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد بن محمد رحمه الله : ( ظنية الحساب ، وذلك للأمور الآتية :
(1) أن قطعية الحساب لا تقبل إلا بنتائج فاشية تفيد العلم اليقيني بصدق نتيجته واطرادها ، وإخبار العدول على رسم الشرع من ذوي البصارة به بذلك ، ويبسط طريقته بمحضر من أهل العلم لمعرفة مدة سلامة مقدماته شرعاً ، هذا لو جعل الشرع المصير إليه .(1/59)
والواقع أنه ليس لدينا دليل متوفر على هذا المنوال ليكسب إفادة اليقين إلا شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم يقيني ، والأدلة المادية تقدح في مؤدى شهادتهم ، ويقوى ذلك بنفي نظرائهم في الفلك من عدم إفادته اليقين ، كما قررته اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها
المطبوعة ، إضافة إلى أن الشرع لا يعتبر صدق الخبر والشهادة إلا من مبرز في العدالة الشرعية .
(2) قيام دليل مادي في الساحة المعاصرة على أن الحساب أمر تقديري اجتهادي يدخله الغلط والاضطراب ، وذلك في النتائج الحسابية التي ينشرها الحاسبون في الصحف من تعذر ولادة شهر رمضان أو شهر الفطر مثلاً ليلة كذا ، ثم تثبت رؤية الهلال بشهادة شرعية معدلة ، أو رؤية فاشية في ذات الليلة التي قرروا استحالته فيها ) ا.هـ
* من ذلك ما ذكره الأمين محمد كعورة في كتابه مبادئ الكونيات (ص97) حيث قال : " والذي حدث في موعد بدء صيام رمضان لعام 1389 هـ يستحق الذكر ، ألا وهو أن بعض الدول الإسلامية - أي الجمهورية العربية المتحدة بالذات - اعتمدت على حساب الفلك والأرصاد في أن هلال رمضان لن يولد قبل منتصف ليلة الاثنين - أي لا تمكن رؤيته مساء الأحد - ، ولكن الذي حدث أن رؤية الهلال ثبتت في السعودية وبعض الدول الأخرى في مساء الأحد " .
* ومن ذلك ما حدث أيضاً في هلال شهر شوال في عام 1406 هـ ، وذكره الشيخ بكر أبو زيد في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408 هـ (2/836) ؛ قال : ( فإن الحاسبين أعلنوا النتيجة في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة السبت الثلاثين من رمضان ، فثبت شرعًا بعشرين شاهدًا على أرض المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة في عاليتها وشمالها وشرقها ، ورؤي في أقطار أخرى من الديار الإسلامية ) اهـ.(1/60)
* ومن ذلك أيضاً ما حصل في عام 1407 هـ : وذكره الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (15\127- 134) ؛ حيث أفاد الدكتور علي عبندة - مدير الأرصادات العامة وعضو لجنة المواقيت في وزارة الأوقاف الأردنية - بأن الحقائق العلمية تؤكد عدم إمكانية رؤية هلال رمضان مساء الاثنين مطلقاً ، حيث أفاد أن الهلال يغيب قبل غروب الشمس بحوالي 20 دقيقة ، ومع ذلك فقد ثبتت الرؤية لهلال رمضان في ليلة الثلاثاء لدى مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية .
*** ومن ذلك أيضاً ما حصل في عام 1408 هـ : قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله تعالى في رسالته : " قواطع الأدلة في الرد على من عول على الحساب في الأهلة " في معرض رده على من زعم استحالة رؤية الهلال عام 1408 هـ لغروبه قبل الشمس ، - وهو مشابه لما حصل في عامنا هذا 1427 هـ - قال رحمه الله تعالى : " اعتماده على ظنه وحسابه في دخول شهر شوال في سنة 1408 هـ فقد زعم أن القمر سيغرب قبل غروب الشمس يوم الأحد الموافق للتاسع والعشرين من رمضان ، وقد ظهر خطؤه في ظنه وحسابه الذي ليس بمنضبط وذلك بثبوت رؤية الهلال في ليلة الاثنين في عدد من المدن والقرى في المملكة العربية السعودية ، ورؤي أيضاً في غير المملكة العربية من البلاد المجاورة لها كما قد ذكر ذلك في بعض الإذاعات ) ا.هـ
* وما حصل في ثبوت شهر شوال لعام 1425 هـ ، حيث أن الفلكيين يفيدون أن هلال شوال لا يمكن أن يُرى مساء الجمعة ، وأن شهر رمضان سوف يكمل ، وأن أول أيام العيد هو يوم الأحد ؛ وذلك لكون القمر يغرب قبل غروب الشمس مساء ذلك اليوم . وذكر المهندس محمد شوكت عودة أن الاقتران المركزي لشهر شوال لهذا العام سيكون يوم الجمعة الموافق 12 تشرين الثاني في الساعة 27 : 14 بالتوقيت العالمي ومن المستحيل رؤية الهلال في ذلك اليوم من جميع دول العالم الإسلامي لغروب القمر قبل غروب الشمس ا.هـ(1/61)
ومع هذا كله فقد رُؤي هلال شهر شوال مساء يوم الجمعة في المملكة العربية السعودية ، وشوهد في أكثر من منطقة ، وشهد برؤية هلال شوال مساء يوم الجمعة أكثر من عشرين شاهداً ، منهم اثنان أتيا إلى نفس مكتب مجلس القضاء الأعلى في الرياض - كما أوضح ذلك المسؤول في مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية - وبذلك يكون شهر رمضان ناقص غير تام ، ويكون يوم السبت هو أول أيام العيد ، وليس كما قالوا ، وبذلك يتبين أن حساباتهم ليست دقيقة إطلاقًا ، وإنما هي ظنية .
* قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد : ( فهذا دليل مادي حاضر مشاهد على أن النتائج الفلكية المعاصرة في هذا ظنية وضعيفة ضعفًا غالبًا ، وهذا في ساعة المعاصرة التي ينادي فيها البعض إلى الاعتماد على الحساب ولا أرى هذا الدليل إلا إعلانًا على عدم صدق شهادة الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم قطعي ) ا.هـ
(3) قال : ( ومن الشواهد المعاصرة أيضًا على ذلك أنا رأينا بعض البلدان الإسلامية تعلن الصوم والفطر بموجب الحساب الفلكي ، والفارق بينها وبين البلدان التي تثبته بالرؤية يومان أو ثلاثة ، فهل يكون في الدنيا فارق في الشهور القمرية الشرعية كهذه المدة ؟ وهذا هو عين دخول الخلل في مواسم التعبد . مما يقطع كل عاقل بفساده . وقد بسط ابن تيمية رحمه الله تعالى ما يدخل على المسلمين من التلاعب في شعائرهم من جنس ما يحصل من أهل الكتابين وغيرهم ، إذ كانت الأحكام عندهم معلقة على الأهلة ثم جعلوها دائرة على السنة الشمسية على اصطلاحات لهم . ومن جنس النسيء الذي كان عند العرب) اهـ .
(4) ومما يدل على اضطرابهم ما ذكره أيضا الشيخ بكر أبو زيد في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408 هـ (2/836- 837) : ( ودليل آخر في ساحة المعاصرة وهو :(1/62)
التضارب الحاصل بالنتائج والتقاويم المنتشرة بحساب المعاصرين ، فإنها متفاوتة مختلفة في إثبات أوائل الشهور ، وما زال اختلافها قائمًا حتى في الولاية الواحدة ، ومن ولاية إلى أخرى . فهذا دليل على دفع يقينيته أو ظنيته الغالبة ) اهـ.
* وهذا يدل على دفع يقينيته أو ظنيته الغالبة ، وعلى اضطرابه ، فكيف نعلق أمورنا التعبدية بحساب مضطرب ؟ وهذا كله دليل مادي واضح على أن النتائج الفلكية المعاصرة في هذا ظنية وضعيفة .
(5) قال الشيخ بكر أبو زيد : أن الطب - مثلًا - بلغ في العصر الحاضر من الدقة والترقي ما هو مشاهد لعموم الناس ، ومع هذا فيقع لذوي البصارة فيه ومن دونهم من الخطأ والغلط ما يكون ضحيته نفس معصومة أو منفعة أو عضو محترم ، هذا مع أن لوازمه مدركة بالحواس العاملة فيه من سمع وبصر ولمس ، فكيف بحال الحساب الفلكي الذي ما زال عملة نادرة ولم تكن نتيجته فاشية باليقين ، ولوازمه غير محسوسة ، إذن فكيف يسوغ التحول من المقطوع بدلالته بحكم الشارع إلى المظنون ، ومن المتيقن إلى المشكوك في نتيجته .
(6) الحساب الفلكي المعاصر قائم على الرصد بالمراصد الصناعية الحديثة ، والمرصد كغيره من الآلات التي يؤثر على صلاحية نتائجها أيُّ خلل فني فيها قد لا يشعر به الراصد ، وهذا فيه ظنية من جهة أخرى غير الراصد وهي جهة الآلة . . والله أعلم ) اهـ كلامه رحمه الله .
(7) شهادات الفلكيين على ظنية حساباتهم ، وأنها تحتمل الخطأ ، ولا ترد بها الرؤية الشرعية ، ويكذَّب بها الشهود المعدَّلون في المحاكم الشرعية ، الذين قبلت شهادتهم ، وأفطر بموجبها المسلمون :
مما يدل على ظنية الحساب أنه قد شهد بذلك بعض أرباب هذا الفن - أعني الحساب الفلكي - ، وممن شهد بذلك الأمين محمد كعورة ، حيث قال في كتابه مبادئ الكونيات (ص 96- 97) ما ملخصه :(1/63)
" كثيرًا ما اختلفت الدول الإسلامية في بداية ونهاية شهر رمضان ، والسبب الأساسي في ذلك هو ما سبق أن ذكرت من أن حركة القمر معقدة للغاية ، ويكاد يكون في حكم المستحيل وضع تقويم مضبوط للشهور العربية ؛ لأن مواقع الأرض والقمر والشمس لا تتكرر في فترات منتظمة ، إن الحل في رأيي لهذه المشكلة هو أن يعتمد المسلمون على الرؤية ، وذلك يتمشى مع الدين كما جاء في الحديث الشريف «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» . ) اهـ
* قال الأستاذ فهد بن علي الحسون وفقه الله تعالى في كتابه " دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي " :
( الحساب الفلكي في إثباته للشهور القمرية يفيد الظن لا القطع ) اهـ وذكر الأدلة على ذلك .
* قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني - رئيس قسم الهندسة النووية بجامعة الملك عبدالعزيز - في بحثه " الحساب الفلكي بين القطعية والاضطراب " : ( أصبح لكل فلكي رأي في المسألة . والحساب الفلكي يجعل من بعضنا يصوم اليوم ، والبعض يصوم بعده بيومين .كما أن الحساب الفلكي أيضا يجعلنا نفرط أحيانا بيومين من شهر رمضان المبارك ونضطر للدخول في يوم أو أكثر من شهر شوال ) ا.هـ(1/64)
* قال د. محمد بخيت المالكي - دكتوراه في الفلك من جامعة جلاسكو - : ( ليس أمام الحاسبين إلا أن يقبلوا بأن هناك عوامل لم يضموها لحساباتهم الفلكية ، والأمر لا يسلم من الخطأ . وكما يعلم الجميع أن العلم قام على الملاحظة (مثل حركة القمر) ، ثم من مجموعة ملاحظات تُوضع نظرية حسابية معينة كقاعدة حسابية لهذه الملاحظات (الأرصاد) ، ومن هذه النظرية الحسابية نخرج بتوقعات لأرصاد مستقبلية (الهلال للأشهر اللاحقة) ، والتي نتأكد منها بأرصاد لاحقة، وأي خطأ في التوقعات الحسابية يؤدي لتصحيح للنظرية وهكذا تستمر الدورة التطويرية للنظريات. وفي حالتنا هذه إذا ناقضت الأرصاد الحسابات، فيكون علينا مراجعة وتصحيح حساباتنا والأخذ بالاعتبار العوامل التي قد نكون قد أهملناها ، والله أعلم . ومن مكامن الخطأ المحتملة ، آثار الغلاف الجوي بنسبة عالية - حيث أن حركة القمر خارج الغلاف الجوي مُتأكد من صحة حساباتها بدقة عالية كما ذكرنا سابقا - ، فقد يُؤثر الغلاف الجوي على شعاع ضوء القمر فيُظهر صورة القمر أعلى مما يتوقع الحاسبون ، حسب ظروف البلد الجوية ، بسبب ظاهرة الانكسار أو ظاهرة السراب ) وقال : ( وهنا من المناسب أن نجيب على سؤال مهم ، وهو : هل القمر عند الولادة يختفي ضوءه تماما ؟ وهذا شعور عام عند الناس وعند بعض الحاسبين . وللأسف هذا التصور خاطئ إذا عمم ، وهو موجود حتى في أشهر المراجع (Smart 1977,168) ، ... قال : وإتمامًا لهذا المبحث ، فإن هناك بعض الحاسبين الذين يقولون أن الهلال قبل الولادة لا يمكن أن يُرى ، أو أنه محاقا ولا يكون هلالا ، حسب التعريف الشرعي : ...(1/65)
والتعريف الشرعي للهلال ليس متعلقا بالاقتران أو الولادة ، فإن رُؤي الهلال بهذا الشكل وانتشر خبره بين الناس سمي هلالا لإهلال الناس به ، فإذا وُجد ولم يره أحد لم يسمّ هلالا ، لأن الناس لم يهلوا به أي لم يشتهر بينهم فلا يبدأ به شهرهم ، ومن جهة أخرى فإنه في حالات خاصة يُمكن أن يغرب الهلال قبل ميلاده (أي المحاق) بعد الشمس ... وفي هذه الحالة قد يختفي الهلال في اليوم التالي لاقترابه الشديد من الشمس ، لكنه يظل هلالاً شرعياً لان الشريعة لم تأمرنا بمتابعة الهلال لأكثر من يوم للتأكد من صدق الشهود ) ا.هـ(1/66)
* وقال الأستاذ مؤيد السعدي "صاحب خوارزمية هجرة" : ( لا تزال البرامج عالية الجودة لدي لا تعطي إمكان الرؤية لكنها تعطي الموقع أما إمكان الظهور فهو تخمين تجريبي empirical لا يوثق ) ( وهم الآن يُحَسِّّنون ذلك بأن يدخلوا عدة عوامل ؛ الارتفاع أو فرق الارتفاع بين القمر والشمس أو عرض الهلال معا ، كأن يقول نأخذ بعض الأشياء التي تزيد الرؤية فنضعها في البسط والتي تنقصها فنضعها في المقام لكن كل هذا تخمين تجريبي كما قلت ) ( تغيّر شيء لم يكن في حسبان الفلكيين ؛ الإنارة الصناعية ، الاحتباس الحراري ، الغازات الصناعية في الغلاف الجوي ... أو أي عامل أو ظاهرة مستجدة ) ( الفلكيون كلهم أغفلوا هذا الاحتمال ، وهو إمكانية رؤية الهلال قبل غروب الشمس ، فكل حساباتهم تدور بعد الغروب ) ( البرنامج لا يقطع بالرؤية من عدمها ) ( لكن هل يرى أم لا فهي لا تحدده المعادلات) ( القمر أكثر الأجرام اضطرابا ... حركته تتأثر مضطربةً بالأرض ... والشك في الحسابات الخاصة به أضعاف الشك في غيره ، "انظر دليل برنامج kstars" ... وتقول هذه الوثيقة أن من يقول بأن المسارات هي أشكال إهليليجية / بيضوية منتظمة لا يكون قوله صحيحا إلا إذا كان النظام الشمسي لا يحتوي سوى كوكب واحد وكانت كل الأجرام مجرد كتل نقطية لا أبعاد لها ويزيد الطين بلة قربه من الأرض وتأثره بما بقي من الترنح التكأفئي للأرض "الميد" ) ( أما نقد الخوارزميات فهي تنقد نفسها وكما يقول لينوس تورفادز "الكلام رخيص أرني الكود" كود تلك الخوارزميات يشهد أنها تجريبية فالقول بأن الهلال لا يرى إلا إذا كان عرض الجزء المضي مقسوما على الفرق بين ارتفاع القمر والشمس ...(1/67)
أقل أو أكبر من كذا فنقول طيب وهل أخذتم درجة الحرارة بعين الاعتبار ) ( هي مجرد حسابات رياضية تخمينية لا علاقة لها بموقع القمر ولا هل يرى أم لا ، لأن ذلك في نظري ميؤوس منه وأقولها وأنا صاحب الخوارزمية من صام أو أفطر بناء على حسابات برنامجي فإنه يأثم ! ) ( بالنسبة للسؤال الموجه لكل من ينتصر للفلك فأنا أعطيك ما تصفعهم به من بطلان قولهم ) ( إذا كنت تريد روابط علمية إنجليزية تؤكد على ضعف الحساب الفلكي في تقدير حركة القمر دون غيره فإني مستعد أن أزودك بها) ( واسمع أخي ... قد تحب أن تصفع المتفلكين بهذه الحقائق حتى يكفو عن المطالبة باعتماد الحساب ) ا.هـ
(8) قررت اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها المطبوعة ظنية الحساب الفلكي ونفت قطعيته :
ذكر الأستاذ أبو المنذر المنياوي وفقه الله في بحثه " حكم استخدام الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور " :
( ظنية الحساب الفلكي وذلك للأمور الآتية ، فذكر منها : نفي علماء في الفلك إفادته اليقين ، كما قررته اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها المطبوعة ) ا.هـ ملخصا(1/68)
(9) قال الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بالسعودية : ( كثر في شهر شوال هذا العام 1425هـ الحديث عن دخول هذ الشهر وكتب عنه في الصحف ، واستنكر أناس قبول شهادة من شهدوا برؤية الهلال بناء على الزعم بأنه لا يمكن ان يظهر ليلة السبت وانه لن يولد الا بعد الغروب بوقت غير قصير من مساء الجمعة ، وصار لمز وهمز ممن ليسوا من أهل العلم في الشريعة ، وتعدى ذلك الى كتابات غير صحفية فيها تكذيب للشهود . وكأن أمر الصيام والافطار يخضع للآراء والرغبات أو انه لا يتعلق بعبادة تحكمها نصوص الشريعة وهي من اركان الاسلام ، وكأن النبي صلى الله وعليه وسلم لم يعط ذلك الامر ما يستحقه من البيان ، أو أنه لم يصدر أمره الحاسم صلوات الله وسلامه عليه أو نهيه القاطع بشأن بَدء صيام الشهر وانتهائه ، الى غير ذلك من الاحتمالات .
فقد كنا عالمين بما قاله المتحدثون عن علم الفلك وما زعموه من استحالة الرؤية ، وكان متقررا لدينا انه لا بد من تحري الرؤية وتم ذلك ... وقد شهد ثلاثة شهود عدول لدى محكمة حوطة سدير مؤكدين رؤية الهلال ثم شهد شاهد في القصيم ثم شهد أربعة في القويعية ثم حضر بعد ذلك عدد من الشهود لدى محكمة القويعية وحضر اناس الى محكمة الرياض بعد ان صدر القرار من المجلس بثبوت دخول الشهر والعدد الذين بشهادتهم صدر القرار ثمانية والذين استغنى عنهم بمن سبقهم أكثر من العشرة لما حضروا الى المحكمة كما بلغنا انه رؤي في أماكن اخرى كما حضر شاهد الى مجلس القضاء الاعلى يفيد بأنه رأى الهلال وحضر غيره لمحكمة الرياض ، وفي يوم العيد مساء السبت رؤى الهلال عاليا ومكث يشاهد الى الساعة السادسة الا عشر دقائق ، ويتوقع ان لا يغيب الا الساعة السادسة .
إنني انصح من كتب في الصحافة أن يكف عن الحديث عن رؤية الهلال وعن امكانها أو عدمه .(1/69)
ثم انني انصح طلبة العلم بعدم التعجل أو الوقوف بموقف رادّ السنة ، وأن يراجعوا كلام علماء الامة الذين نقلوا الاتفاق والاختلاف وأقوال السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، وبينوا أن الذي عليه أهل الدراية والرواية - وهم الأئمة في الدين - منع الاعتماد على الحساب في دخول الشهر وخروجه .
كما أن أهل الحساب مختلفون في تحديد وقت الرؤية وفي دخول الشهر وهو خلاف قديم وحديث ، وحكايات إجماعهم لا حجة فيها ، فإن الحجة في كتاب الله وسنة رسوله ثم اجماع علماء الامة ، اما خلاف أهل الحساب في حسابهم فلا يضيرنا كما أن اجماهم لو صح ليس بحجة تقارع به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يتعسف لرد شهادة من تثبت عدالته بدعوى توهيمه في دعوى رؤية الهلال .
وقد شنع علماء الاسلام على من رد شهادة الشهود لمخالفتها في نظره حساب أهل الحساب وعامة من ينقل عنه العلم لا يرى سوى اعتماد الرؤى ، وقال العَيِْنيُّ : ان هذا مذهب جمهور فقهاء الامصار في الحجاز والعراق والشام والمغرب وعامة أهل الحديث ) ا. هـ ملخصا .
(10) أصاب البدوي رائي الهلال ، وأخطأ الحاسب الفلكي الغربي :
ذكر الأستاذ عبد الرحمن السديس وفقه الله : ( وقد كنا مرة في مجلس فيه عدد من المشايخ منهم الشيخ عبد الكريم الخضير ومحمد الدريعي وإبراهيم الصبيحي وغيرهم ، فحدثنا الأستاذ فهد السنيدي عن الرجل - رائي الهلال - بحكايات كثيرة : منها أنه قد حضر معه في أحد الشهور جمع من الفلكيين وكان مقدَّمُهم رجل غربي ، فاختلفوا معه قبل وقت ظهور القمر في مكانه الذي سيخرج منه القمر ، فحدده في مكان وعارضوه ، ثم خرج من المكان الذي حدده فقام هذا الغربي أمامَهم فقبَّل رأسه ، وله حكايات غيرها حتى أنه قد استدعاه أمير الرياض وحدث بينهما كلام على هذه المسألة . وقد أجري معه لقاء في إذاعة القرآن وقناة المجد ) اهـ(1/70)
(11) ردَّ الإمام الأمير الصنعاني في حواشي شرح العمدة 3/1062 على من رد شهادة الشهود إذا اقتضى الحساب عدم إمكانية الرؤية لأن الحساب قطعي بزعمه فقال : ( هذه القطعية المدعاة إن أراد أنها قطعية عند الحاسب وسلمنا له ذلك ، فهو رجوع إلى قول بعض أكابر الشافعية إنه يختص الحاسب بالعمل بذاك بالنسبة إليه .
وإن أراد أنه قطعي عند [غير] الحاسب ، فهذا باطل لأن غير الحاسب إنما يستفيد هذا الحكم وهو أن الحساب يحيل الرؤية التي قامت عليها الشهادة من كلام الحاسب ، وغاية ما يفيده خبره عند سامعه المحسن به الظن ظنه صدقه , فأين القطع الذي زعمه ) ا.هـ
(12) قالت هيئة كبار العلماء في ردها علي من ادعى أن علم الحساب مبني على مقدمات يقينية :
( ذلك غير مسلم ؛ لأن الحس واليقين في مشاهدة الكواكب لا في حساب سيرها ، فإنه أمر عقلي خفي لا يعرفه إلا النزر اليسير من الناس ، كما تقدم ؛ لحاجته إلى دراسة وعناية ، ولوقوع الغلط والاختلاف فيه ، كما هو الواقع في اختلاف التقاويم التي تصدر في كثير من البلاد الإسلامية ، فلا يعتمد عليه ولا تتحقق به الوحدة بين المسلمين في مواقيت عباداتهم ) . قرار رقم (34) وتاريخ 14/2/1395هـ .
*** قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في كتابه مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (30/ 279 ) : " ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها وفي إمكان رؤيته أو عدمها، ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته ، لم يكن إجماعهم حجة ؛ لأنهم ليسوا معصومين ، بل يجوز عليهم الخطأ جميعا ، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية ؛ لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة " ا.هـ(1/71)
*** وقال العلامة المحقق بكر أبو زيد : ( الحساب يدخله الخطأ كثيرًا ) ا.هـ
[ مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408هـ (2/821) ]
(13) الحسابات الفلكية في الهلال مبنية على معادلات نيوتن أو على نظريات أخرى أحدث ثبت أن منها الباطل ، وفيها نسبة خطأ ، مما يبطل قطعيتها ، ونظرية النسبية لآينشتاين أبطلت الكثير من القوانين الفلكية والفيزيائية التي ما زال العمل جاريا بمقتضاها في حساب الهلال ، وجاء بعده من يخطؤه أيضا ، وفي الواقع فإن كثيرا من الحسابات الفلكية قائمة على نظريات لم ترق إلى مستوى الحقائق العلمية .
(14) أخطاء الْحُسَّاب في ضبط مواقيت الصلوات معروفة ، والتقاويم وبرامج الحاسب الآلي المعدة لحساب وقت الصلاة بينها فروق واضحة في التوقيت ، ولهذا قال العلماء : لا ينبغي أن تناط به أوقات الصلاة والصيام من جهة الابتداء والانتهاء .
* فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (رقم 4100)
السؤال الأول : هل للتقويم الحالي مشروعية أم لا ؟
ج : التقويم من الأمور الاجتهادية ، فالذين يضعونه بشر يخطئون ويصيبون ، ولا ينبغي أن تناط به أوقات الصلاة والصيام من جهة الابتداء والانتهاء ؛ لأن ابتداء هذه الأوقات وانتهاءها جاء في القرآن والسنة ، فينبغي الاعتماد على ما دلت عليه الأدلة الشرعية ، ولكن هذه التقاويم الفلكية قد يستفيد منها المؤذنون والأئمة في أوقات الصلاة على سبيل التقريب ، أما في الصوم والإفطار فلا يعتمد عليها من جميع الوجوه ؛ لأن الله سبحانه علق الحكم بطلوع الفجر إلى الليل ، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة " (1) . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
_____ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء _____
......عضو .......... نائب الرئيس ............. الرئيس(1/72)
عبد الله بن غديان .. عبد الرزاق عفيفي .. عبد العزيز بن عبد الله بن باز
* قال العلامة المحقق الشيخ محمد بن صالح العثيمين في مجموع فتاويه :
( إن التقويم - تقويم أم القرى - فيه تقديم خمس دقائق في أذان الفجر على مدار السنة ، فالذي يصلي أول ما يؤذن يعتبر صلى قبل الوقت ، وهذا شئ اختبرناه في الحساب الفلكي ، واختبرناه أيضاً في الرؤية .... فلذلك لا يعتمد هذا بالنسبة لأذان الفجر لأنه مقدم وهذه مسألة خطرة جدًا ، لو تكبر للإحرام فقط قبل أن يدخل الوقت ما صحت صلاتك فريضة ) اهـ . وقال في فتاوى جلسات رمضانية : ( والعمل بالتوقيت ألجأت إليه الضرورة ؛ لأن الناس لا يصعدون على المنارات ، ولا يستطيعون رؤية الفجر تمامًا بسبب الأنوار ، فالضرورة ألجأتنا إليه ، وإلا فهو في الحقيقة كلجوئنا إلى التقويم أو إلى الحساب الفلكي في رؤية الهلال ، فما دمنا لا نعمل بالحساب الفلكي في رؤية الهلال ، فكذلك أيضًا لا نعمل بالتقويم في أوقات الصلوات أو أوقات الإمساك والإفطار ؛ لأن هذا كله مبني على حساب ، لكن نظرًا إلى أن الضرورة ألجأت إلى ذلك قلنا الضرورة لها أحكام نرجع إليها ) اهـ.
_____ حاشية _____________
(1) صحيح البخاري الصوم (1909) ، صحيح مسلم الصيام (1081) ، سنن الترمذي الصوم (684) ، سنن النسائي الصيام (2123) ، سنن ابن ماجه الصيام (1655) ، مسند أحمد (2/497) ، سنن الدارمي الصوم (1685) .
_____________________________________________(1/73)
* قال الإمام المجدد محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله : ( المؤذنون المؤتمنون الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغفرة ، و هم الذين يؤذنون لكل صلاة في وقتها ، و قد أصبح هؤلاء في هذا الزمن أندر من الكبريت الأحمر ، فقل منهم من يؤذن على التوقيت الشرعي ، بل جمهورهم يؤذنون على التوقيت الفلكي المسطر على التقاويم و(الروزنامات) ، وهو غير صحيح لمخالفته للواقع ، وفي هذا اليوم مثلا (السبت 20 محرم سنة 1406) طلعت الشمس من على قمة الجبل في الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة ، وفي تقويم وزارة الأوقاف أنها تطلع في الساعة الخامسة والدقيقة الثالثة و الثلاثين ! هذا و أنا على (جبل هملان) ، فما بالك بالنسبة للذين هم في (وسط عمان) ؟ لا شك أنه يتأخر طلوعها عنهم أكثر من طلوعها على (هملان) . ومع الأسف فإنهم يؤذنون للفجر هنا قبل الوقت بفرق يتراوح ما بين عشرين دقيقة إلى ثلاثين ، وبناء عليه ففي بعض المساجد يصلون الفجر ثم يخرجون من المسجد ولما يطلع الفجر بعد ، ولقد عمت هذه المصيبة كثيرا من البلاد الإسلامية كالكويت و المغرب والطائف و غيرها ، ويؤذنون هنا للمغرب بعد غروب الشمس بفرق 5 - 10 دقائق . ولما اعتمرتُ في رمضان السنة الماضية صعدت في المدينة إلى الطابق الأعلى من البناية التي كنت زرت فيها أحد إخواننا لمراقبة غروب الشمس وأنا صائم ، فما أذن إلا بعد غروبها بـ (13 دقيقة) ! وأما في جدة فقد صعدت بناية هناك يسكن في شقة منها صهر لي ، فما كادت الشمس أن تغرب إلا وسمعت الأذان . فحمدت الله على ذلك ) ا.هـ من السلسلة الصحيحة ( 6/ حديث 2780 )
(15) " من عَدَّ موجَ البحرِ عَدَّ طويلا " (شعر) ، الحساب المنعكس والفهم المنتكس :
أخطاء الحساب الفلكي كثيرة :
*** ولكن نختم بما حدث في عامنا هذا 1427 هـ في هلال رمضان وهلال شوال .(1/74)
** زعم كثير من الفلكيين استحالة رؤية هلال رمضان ليلة السبت ، فرؤي واضحا في عدد من الأماكن ، وثبت شرعا في المحاكم الشرعية بشهادة العدول في السعودية وغيرها ، وصامت لرؤيته نحو من خمس عشرة دولة ، وكذا صام المسلمون في أمريكا وبعض البلاد الأوروبية .
** وبعد ظهور الحق انبعث من الفلكيين من يجادل في الحق بعد ما تبين ، وزعم أن الذي رآه المسلمون كوكب عطارد لا الهلال ، وأثار فتنة عظيمة وشكك المسلمين في صومهم ، وتلقف منه هذا الإفك بعض السمَّاعين للكذب ، وادَّعوا أن السعودية تراجعت وأعلنت خطأ الرؤية وصحة الحساب الفلكي ، وزادوا أنه لن يُر هلال شوال ليلة الاثنين .
** فرؤي الهلال بحمد الله عزوجل في أماكن كثيرة . وأفطر المسلمون واجتمع إكمال العدة مع ظهور الهلال ، وظهر كذب الفلكي المذكور ، وفضحه الله عز وجل ، لأنه دأب على معارضة الرؤية الشرعية ، وتشكيك المسلمين في صومهم وفطرهم ، بفهمه المنتكس وحسابه المنعكس .
وصدق الله عز وجل : (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ) .
الوجه السادس والعشرون : لا تشرع صلاة الكسوف بخبر الحاسب ومن صلاها اعتمادا على خبرهم فقد خالف السنة :
(1) خطأ الاعتماد على الحساب الفلكي في الكسوف والخسوف ، وربطهما بإمكان رؤية الهلال من عدمها :
*** قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في كتابه مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (30/ 279 ) :(1/75)
( اطلعت على ما نشرته صحيفة ( الرياض ) في عددها رقم (6885) بتاريخ 3/9/ 1407 هـ بقلم الدكتور أ. ع. ل. عفا الله عنا وعنه ، من جزمه باستحالة أن يكون يوم الاثنين أول يوم من شعبان ؛ بناء على ما وقع في ليلته من الكسوف ، وبناء على ما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما ، وجزمه بأن يوم الاثنين هو تمام الثلاثين لشهر رجب وأن يوم الثلاثاء هو أول يوم من شعبان بشكل قطعي ، وعليه يستحيل على ما ذكره أن يكون يوم الثلاثاء هو أول يوم من رمضان .
** وبناء على ذلك رأيت أن أوضح للقراء ما في هذا الكلام من الخطر العظيم والجرأة على دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ونبذ ما صحت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء الظهر ، وتقديم أقوال الحسابين على ما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تعليق إثبات دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال أو إكمال العدة ، وحكمه صلى الله عليه وسلم يعم زمانه وما بعده إلى يوم القيامة ؛ لأن الله عز وجل بعثه إلى العالمَين بشريعة كاملة لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه ، كما قال الله سبحانه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } ، وهو سبحانه يعلم ما يقع من الكسوف في كل زمان ولم يخبر عباده بما يجب عليهم اعتباره وقت الكسوف ، من جهة إثبات الأهلة ، مع أنه سبحانه أخبرهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بما يشرع لهم وقت الكسوف من صلاة وغيرها .(1/76)
أما قول الفلكيين : إن كسوف الشمس لا يكون إلا في آخر الشهر في ليالي استسرار القمر ، فليس عليه دليل يعتمد عليه ويسوغ من أجله أن تخالف الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو أيده شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم عفا الله عنهما ، فإنهما ليسا معصومين ، ويجوز عليهما الخطأ في بعض أقوالهما كما يجوز على غيرهما من أهل العلم ، وقد أمر الله عباده عند التنازع أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يردوا ما اختلفوا فيه إلى حكمه وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } ، وقال عز وجل: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } الآية ، وقال سبحانه: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } .
** وقد صرح جمعٌ من أهل العلم بأن كسوف الشمس يمكن وقوعه في غير آخر الشهر ، وهكذا خسوف القمر يمكن وقوعه في غير ليالي الإبدار ، والله سبحانه على كل شيء قدير .(1/77)
وكون العادة الغالبة وقوع كسوف الشمس في آخر الشهر لا يمنع وقوعه في غيره ، وقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب اعتماد الرؤية في إثبات الأهلة أو إكمال العدة ، وهي أحاديث مشهورة مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما ، وحكمه صلى الله عليه وسلم لا يختص بزمانه فقط ، بل يعم زمانه وما يأتي بعده إلى يوم القيامة ؛ لأنه رسول الله إلى الجميع ، والله سبحانه أرسله إلى الناس كافة وأمره أن يبلغهم ما شرعه لهم في إثبات هلال رمضان وغيره ، وهو العالم بغيب السماوات والأرض ، والعاِلم بما سيحدث بعد زمانه من المراصد وغيرها ، ويعلم سبحانه ما يقع من الكسوفات ، ولم يثبت عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه قيد العمل بالرؤية بموافقة مرصد أو عدم وجود كسوف ، وهو سبحانه وتعالى لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء ، لا فيما سبق من الزمان ولا فيما يأتي إلى يوم القيامة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وخنس إبهامه في الثالثة ، والشهر هكذا ، وهكذا، وهكذا وأشار بأصابعه العشر » ، يرشد بذلك أمته عليه الصلاة والسلام إلى أن الشهر تارة يكون تسعا وعشرين وتارة يكون ثلاثين ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة » ، ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب ولم يأذن في إثبات الشهور بذلك .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة صنفها في هذه المسألة كما في المجلد 25 من الفتاوى صفحة 132 إجماع العلماء على أنه لا يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة، وهو رحمه الله من أعلم الناس بمسائل الإجماع والخلاف، ونقل الحافظ في الفتح ج 4 ص 127 عن أبي الوليد الباجي : إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب ، وأن إجماعهم حجة على من بعدهم .(1/78)
والأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها تدل على ما دل عليه الإجماع المذكور.
ولست أقصد من هذا منع الاستعانة بالمراصد والنظارات على رؤية الهلال ، ولكني أقصد منع الاعتماد عليها أو جعلها معيارا للرؤية ، لا تثبت إلا إذا شهدت لها المراصد بالصحة ، أو بأن الهلال قد ولد ، فهذا كله باطل .
** ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها وفي إمكان رؤيته أو عدمها، ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته ، لم يكن إجماعهم حجة ؛ لأنهم ليسوا معصومين ، بل يجوز عليهم الخطأ جميعا ، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية ؛ لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة .
** أما الاحتجاج بالكسوف فمن أضعف الحجج ؛ لأنه لا يوجد نص من كتاب الله عز وجل ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدل على أن الخسوف للقمر لا يقع إلا في ليالي الإبدار ، وأن الكسوف للشمس لا يكون إلا أيام الاستسرار كما يقوله بعض العلماء ، بل قد صرح جمع من أهل العلم بأنه يجوز أن يقع في كل وقت كما تقدم ، وذكر غير واحد منهم أنه يمكن وقوعه في يوم عيد الفطر وعيد النحر ، وهذان اليومان ليسا من أيام الإبدار ولا من أيام الاستسرار .(1/79)
** فنقابل قول من قال : إنه لا يقع الخسوف إلا في ليالي الإبدار ولا كسوف الشمس إلا في أيام الاستسرار ، بقول من قال : إنه يمكن وقوع ذلك في كل وقت وليس قول أحدهما بأولى من الآخر ، وتَسْلَم لنا الأدلة الشرعية ليس لها معارض ، وليس في شرع الله سبحانه ولا في قدرته فيما نعلم ما يمنع وقوع الخسوف والكسوف في كل وقت ؛ لأن الله عز وجل له القدرة الكاملة على كل شيء ، وله الحكمة البالغة في جميع ما يقدره ويشرعه لعباده ، وقد أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن كسوف الشمس وخسوف القمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده ، والعباد في أشد الحاجة إلى التخويف والإنذار من أسباب العذاب في كل وقت ، وهذا المعنى نفسه من الأدلة الدالة على صحة قول من قال من العلماء : بجواز وقوع الخسوف والكسوف في جميع الأوقات ، والرؤية لهلال رمضان هذا العام - أعني عام 1407 هـ ليلة الثلاثاء - قد ثبتت لدى مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية بهيئته الدائمة ، فهي رؤية شرعية يجب الاعتماد عليها لموافقتها للأدلة الشرعية وبطلان ما يعارضها ، وبموجبها يكون يوم الثلاثاء أول يوم من رمضان ؛ للأحاديث السابقة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون » أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن .(1/80)
** ولو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولا أو خروجا ، وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهم في ذلك بأس ، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ولو تركوا ذلك من أجل قول الحاسبين أو من أجل وقوع الكسوفات مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولا وخروجا لكانوا آثمين وعلى خطر عظيم من عقوبة الله عز وجل ؛ لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم التي حذر الله منها في قوله عز وجل: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وفي قوله عز وجل: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ، وقوله سبحانه: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } .
** وأرجو أن يكون فيما ذكرته مقنع لطالب الحق ، وكشف للشبهة التي ذكرها الدكتور أ. ع. ل وغيره ممن يعتمد على أقوال الحاسبين .
والله سبحانه المسئول أن يوفقنا والدكتور وجميع المسلمين لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد ، والتمسك بشرع الله المطهر ، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ومن القول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم على رسوله نبينا محمد وآله وصحبه ومن عظم سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ) ا.هـ(1/81)
(2) صلاة الكسوف لا تشرع بخبر أهل الحساب ومن صلاها اعتمادا على خبرهم فقد خالف السنة :
*** قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في مقال له نشر بـ ( مجلة الدعوة ) العدد ( 1525 ) بتاريخ 20/8/1416 هـ :
( فقد نشرت صحيفة الرياض في عددها الصادر في يوم الأحد 14 جمادى الأولى 1416 هـ ، نقلا عن عبد العزيز بن سلطان الشمري مدير مراصد الأهلة بمعهد بحوث الفلك والجيوفيزياء بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أن القمر سيكسف مساء اليوم المذكور ، كما نشرت الصحيفة المذكورة في عددها الصادر يوم الاثنين 29 جمادى الأولى 1416 هـ ، أن عبد الرحمن بن محمد أبو عمة ، عميد كلية العلوم في جامعة الملك سعود ذكر للرياض أن الشمس ستكسف صباح يوم الثلاثاء 30 جمادى الأولى 1416 هـ .
وبلغني أن بعض أئمة المساجد عملوا بذلك ليلة 15 من الشهر المذكور مع عدم وجود الكسوف .
** فرأيت أن من الواجب على مثلي بيان الحكم الشرعي في هذا الأمر ، فأقول : قد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بصلاة الكسوف والذكر والدعاء عندما يرى المسلمون كسوف الشمس أو القمر فقال صلى الله عليه وسلم : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم " ، وفي لفظ آخر : " فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره " ، فعلق صلى الله عليه وسلم الأمر بالصلاة والدعاء والذكر والاستغفار برؤية الكسوف لا بخبر الحسابين .
فالواجب على المسلمين جميعا التمسك بالسنة والعمل بها والحذر من كل ما يخالفها .
** وبذلك يعلم أن الذين صلوا صلاة الكسوف ليلة الاثنين 15/ 5 اعتمادًا على خبر الحسابين قد أخطئوا وخالفوا السنة .(1/82)
ويعلم أيضا أنه لا يشرع لأهل بلد لم يقع عندهم الكسوف أن يصلوا ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالصلاة وما ذكر معها برؤية الكسوف لا بالخبر من أهل الحساب بأنه سيقع ، ولا بوقوعه في بلد آخر ، وقد قال الله عز وجل: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) وقال سبحانه: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ، وهو صلى الله عليه وسلم إنما صلى صلاة الكسوف لما وقع ذلك في المدينة وشاهده الناس ، وقال عز وجل : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس وأنصح الناس ، وأنه هو المبلغ عن الله أحكامه . فلو كانت صلاة الكسوف تشرع بأخبار الحسابين ، أو بوقوع الكسوف في مناطق أو أقاليم لا يشاهدها إلا أهلها ، لبين ذلك وأرشد الأمة إليه . فلما لم يبين ذلك ، بل بين خلافه ، وأرشد الأمة إلى أن يعتمدوا على الرؤية للكسوف ، علم بذلك أن الصلاة لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده .
ولما شرع الله من بيان الحق والنصيحة للخلق والدعوة إلى سبيل الهدى والتحذير مما يخالف ذلك ، جرى تحرير هذه الكلمة .
والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل به ، وأن يعيذنا وجميع إخواننا من القول على الله بغير علم ، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا ويمنحهم الفقه في الدين. وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان ) ا.هـ
(3) زعَم الحاسب الفلكي صعوبة رؤية الخسوف ، فرؤي واضحا من كثير من الناس:
وذلك في خسوف القمر مساء يوم الخميس 14 شعبان 1427 هـ الموافق 7 سبتمبر 2006 م .(1/83)
*** ذكرت جريدة الرياض 31/8/2006 هـ عن الدكتور زكي بن عبدالرحمن المصطفى رئيس قسم الفلك بمعهد بحوث الفلك والجيوفيزياء في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ان المتابعين في المملكة سيتمكنون من مشاهدة الحدث حيث يبدأ القمر في دخول منطقة شبه الظل الساعة السابعة مساء واثنتين وأربعين دقيقة (23:42:19) بتوقيت السعودية ، ويليه بداية دخول القمر منطقة الظل حيث يبدأ الخسوف الجزئي بإذن الله الساعة التاسعة مساء وخمس دقائق (03:05:21) وسيستمر الخسوف الجزئي إن شاء الله حتى الساعة العاشرة مساء وسبع وثلاثين دقيقة (41:37:22) وهو الوقت الذي يخرج فيه القمر من منطقة الظل ومن ثم يخرج القمر من منطقة شبه الظل معلناً انتهاء فترة خسوف القمر وذلك عند الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل (20:00:24) وبين الدكتور المصطفى انه من الصعوبة مشاهدة التغير في ضوء القمر عند مروره في منطقة شبه الظل حيث يتطلب ذلك وجود أجهزة حساسة لقياس نسبة التغير في اضاءة القمر، بينما يمكن متابعة الخسوف عند دخول القمر منطقة الظل إلا أنه في خسوف هذا الشهر فإن الجزء المخسوف من القمر صغير جداً مما يصعب متابعته أو الاحساس به عند البعض ) . اهـ
*** قال الأستاذ عبد الرحمن السديس من أهل الرياض :
( هذا الكلام رأى معظم الناس أنه غلط وأن القمر في الساعة 9.10 دقائق تقريبا ظاهر خسوفه جدا ثم زاد بعد ذلك زيادة ظاهرة يراها كل من له عينان بكل وضوح ) . اهـ
الوجه السابع والعشرون : في بيان أن من عمل بالحساب فأصاب فقد أخطأ ، ومن عمل بالرؤية فأخطأ فله أجره عند ربه ، وخطؤه مغفور إن شاء الله تعالى :
*** ووقع في عهد النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم :(1/84)
فَعَنْ أَبي عُمَيْر بنِ أَنسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُما عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ من أصحاب النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم " أَنَّ رَكْباً جاءُوا إلى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يشهدون أَنّهُمْ رأَوُا الهِلالَ بالأمْسِ فأَمَرَهُم أَنْ يُفْطروا وإذا أَصْبحُوا أَنْ يَغْدُوا إلى مُصَلَّاهُمْ "
رواهُ أَحْمَدُ والنسائي وأَبُو داودَ وهذا لَفْظُهُ ، وأبو عمير بن أنس: وثقه ابن سعد و ابن حبان ، والحديث قال البيهقي وابن حجر : " إسنَادُهُ صحيح " ، وقال الدارقطني : " إسناد حسن ثابت " ، وصححه اسحاق وابن الجارود وابن المنذر وابن السكن والخطابي والحاكم والذهبي وابن حزم والألباني .
** وحدث في خلافة على بن أبي طالب رضى الله عنه :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( قال حنبل بن اسحاق حدثنى ابو عبد الله حدثنا يحيى بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن قال ابو عبد الله قلت ليحيى الذين يقولون الملائى قال نعم عن الوليد بن عقبة قال : " صمنا على عهد على بن أبي طالب رضى الله عنه ثمان وعشرين فأمرنا علىٌّ ان نتمها يوما " . أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ] = أحمد بن حنبل [رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ : الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَمَنْ صَامَ هَذَا الصَّوْمَ قَضَى يَوْمًا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ) ا.هـ
*** أما من عمل بالحساب فأصاب فقد أخطأ :
** قال ابن قدامة في المغني (3/9) : ( لو بنى على قول المنجمين وأهل المعرفة بالحساب فوافق الصواب , لم يصح صومه , وإن كثرت إصابتهم , لأنه ليس بدليل شرعي يجوز البناء عليه , ولا العمل به , فكان وجوده كعدمه , قال النبي صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيته , وأفطروا لرؤيته " . وفي رواية : " لا تصوموا حتى تروه , ولا تفطروا حتى تروه " ) ا . هـ(1/85)
** قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله : ( ولو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولاً أو خروجاً وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به السنة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهم في ذلك بأس ، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ولو تركوا ذلك لأجل قول الحاسبين مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولاً أو خروجاً لكانوا آثمين ، وعلى خطر عظيم من عقوبة الله عز وجل ؛ لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم التي حذر الله منها في قوله عز وجل : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة النور : 63) ، وفي قوله - عز وجل - : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (سورة الحشر : 7) ، وقوله سبحانه وتعالى : {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (سورة النساء : 14) ) ا.هـ
[ مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (15/ 133) ] .
الوجه الثامن والعشرون : لا يجوز اتباع من عمل بالحساب أو حَكَّمَهُ في الرؤية :
*** قال الإمام القرطبي في تفسيره (2/293-294) : ( روى ابن نافع عن مالك : في الامام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته ، وإنما يصوم ويفطر على الحساب ؛ إنه لا يُقْتَدَى به ولا يُتَّبَع ) ا.هـ(1/86)
*** قال الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : ( أما الحَسَّابون فلا يلتفت إليهم ، ولا يعول على حسابهم ، ولا ينبغي لهم أن ينشروا حسابهم ، وينبغي منعهم من نشر حساباتهم ؛ لأنهم بذلك يشوشون على الناس ) ا.هـ [ مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (15/135- 136) ] .
*** ( من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء )
** الفتوى رقم (3127)
س : لقد أجريت عملية جراحية في شهر رمضان والآن أريد أن أقضي ، مع العلم أن المسلمين في مدينتي انقسموا إلى قسمين :
القسم الأول : أفطر اتباعا للسعودية وبعض البلدان الإسلامية الأخرى (أي 29 يومًا). والقسم الثاني : أكمل الشهر (أي 30 يومًا) وهذا اتباعا للجزائر ، مع ملاحظة أن الجزائر تحدد بداية ونهاية الشهور العربية بواسطة الحساب الفلكي .
السؤال هو: كم يومًا أقضي 29 أم 30 .
ج1 : لا يعتبر الحساب الفلكي أصلًا يثبت به بدء صيام شهر رمضان ونهايته ، بل المعتبر في ذلك رؤية الهلال ، فإن لم يروا هلال رمضان ليلة ثلاثين من شعبان أكملوا شعبان ثلاثين يومًا من تاريخ رؤيته أول الشهر ، وكذا إذا لم يروا هلال شوال ليلة ثلاثين من رمضان أكملوا عدة رمضان ثلاثين يومًا . وعلى هذا يجب عليك صيام 29 يومًا قضاء لرمضان الذي عجزت عن صيامه من أجل العملية اتباعا للدول التي صامت لرؤيتة وأفطرت بها .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن قعود //عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
** السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 2036 )(1/87)
س2 : هناك خلاف كبير بين علماء المسلمين في تحديد بدء صوم رمضان وعيد الفطر المبارك فمنهم عمل بحديث : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) ومن العلماء من يعتمد على آراء الفلكيين حيث يقولون : إن علماء الفلك قد وصلوا إلى القمة في علم الفلك بحيث يمكنهم معرفة بداية الشهور القمرية ، وعلى ذلك يتبعون التقويم .
ج 2 :
أولا: القول الصحيح الذي يجب العمل به هو ما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ) من أن العبرة في بدء شهر رمضان وانتهائه برؤية الهلال فإن شريعة الإسلام التي بعث الله بها نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم عامة خالدة مستمرة إلى يوم القيامة .
ثانيا : أن الله تعالى علم ما كان وما سيكون من تقدم علم الفلك وغيره من العلوم ومع ذلك قال : " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " سورة البقرة الآية 185 ، وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) الحديث ، فعلق صوم شهر رمضان والإفطار منه برؤية الهلال ولم يعلقه بعلم الشهر بحساب النجوم مع علمه تعالى بأن علماء الفلك سيتقدمون في علمهم بحساب النجوم وتقدير سيرها ؛ فوجب على المسلمين المصير إلى ما شرعه الله لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من التعويل في الصوم والإفطار على رؤية الهلال وهو كالإجماع من أهل العلم ، ومن خالف في ذلك وعول على حساب النجوم فقوله شاذ لا يعول عليه .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
** الفتوى رقم ( 7882 )(1/88)
س : إنا مسلمي فرنسا أصبحنا في حيرة في الخلاف الدائم والقائم بين الدول العربية عن إعلان شهر رمضان المعظم فالعربية السعودية أعلنت عن حلول شهر رمضان يوم الخميس والكويت يوم الجمعة، وهنا بالنسبة للعربية السعودية أصبح شهر شعبان 29 يوما وبالنسبة للكويت أصبح شهر شعبان 30 يوما ، هذا وإن الحساب العلمي والفلكي الذي وقع درسه في باريس أن الهلال يلد يوم الأربعاء على الساعة السابعة وتسعة وأربعين دقيقة من بعد الظهر الموافق في 30 مايو سنة 1984 م .
الرجاء من سيادتكم أن تبين لنا ما هي الاعتمادات التي ارتكزت عليها المملكة العربية السعودية بالإعلان عن حلول شهر رمضان المعظم يوم الخميس الموافق 31 مايو من سنة 1984 م ؟ هذا ومن ناحية أخرى الرجاء من سيادتكم أن تفسر لنا الآية الكريمة : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) سورة البقرة الآية 185 ، إننا نعتمد على الله ثم عليكم بأن تمدنا في أقرب وقت ممكن بتوضيحاتكم جزاكم الله خيرا .
ج1 : أولا : خلاف العلماء في اعتبار اختلاف مطالع الأهلة وعدم اعتباره خلاف قديم بين أئمة الفقهاء .(1/89)
ثانيا : لم تثبت شرعا رؤية هلال رمضان عام 1404 هـ لدى المسئولين في المملكة العربية السعودية إلا ليلة الخميس ، فأصدروا أمرا بإكمال شعبان ثلاثين يوما عملا بالأحاديث الصحيحة في ذلك وأعلنوا أن بدء صيام شهر رمضان هذه السنة يوم الخميس، ثم تحروا رؤية هلال شوال عام 1404هـ فثبت رؤيته لديهم ليلة الجمعة فأعلنوا أن عيد الفطر عام 1404هـ يوم الجمعة فصار صومهم ثمانية وعشرين يوما ، والشهر القمري لا يكون ثمانية وعشرين إنما يكون تسعة وعشرين أحيانا وثلاثين أحيانا ، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، وتبين بهذا أن الخطأ في تأخير بدء صوم رمضان فأعلنوا عن ذلك وأمروا بقضاء يوم عن اليوم الذي أفطروه أول الشهر؛ إبراء للذمة وإحقاقا للحق . من هذا يتبين أن المسئولين بالسعودية عملوا بمقتضى حكم الشرع أولا وآخرا .
ثالثا : تفسير قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) أمر الله تعالى أمر إلزام من كان مقيما صحيحا أن يصوم شهر رمضان، أما من كان مريضا مرضا يشق معه الصوم أو يضره أو كان مسافرا فليفطر وليصم أياما أخرى على عدة الأيام التي أفطرها قضاء عنها؛ تيسيرا من الله على عباده ورحمة بهم .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
الوجه التاسع والعشرون : تَرْكُ النظرِ في علم الهيئة في ما يتعلق بالأهلة عمل بهدى القرآن العظيم :
قال العلامة المفسر الفقيه الأصولي محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " (6/347) :(1/90)
( تَرْكُ النظر في علم الهيئة عمل بهدى القرءان العظيم ؛ لأن الصحابة رضي اللَّه عنهم لما تاقت نفوسهم إلى تعلم هيئة القمر منه صلى الله عليه وسلم ، وقالوا له : يا نبيّ اللَّه ما بال الهلال يبدو دقيقًا ثم لم يزل يكبر حتى يستدير بدرًا ؟ نزل القرءان بالجواب بما فيه فائدة للبشر ، وترك ما لا فائدة فيه ، وذلك في قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ} .
وهذا الباب - الذي أرشد القرءان العظيم إلى سدّه - لما فتحه الكفرة ،كانت نتيجة فتحه الكفر والإلحاد وتكذيب اللَّه ورسوله من غير فائدة دنيوية .
والذي أرشد اللَّه إليه في كتابه هو النظر في غرائب صنعه وعجائبه في السماوات والأرض ، ليستدلّ بذلك على كمال قدرته تعالى ، واستحقاقه للعبادة وحده ، وهذا المقصد الأساسي لم يحصل للناظرين في الهيئة من الكفار ) ا.هـ
الوجه الثلاثون : وهو المتعلق بالمراصد الفلكية وأحكامها ، وأنها ليست بديلا عن الرؤية البصرية ، وإذا رأت الهلالَ العينُ ولم تَرَهُ المراصدُ ، فإنها رؤية صحيحة ، يجبُ قبولُها والعمل بها ، ولا تُرَدُّ لأجل عدم رؤية المراصد :
يجري الغلو وتضخيم دور المراصد في رؤية الهلال ، وأنها تغني عن الرؤية البصرية ، بدون تثبت ولا تحرٍّ ، مما يضعف من شأن الرؤية الشرعية بالعين المجردة وهي الأصل ، ويزهد الناس في ترائي الهلال ، ويعظم من شأن الكفار ، ويظهر المسلمين في صورة المتخلفين التابعين لفارس والروم ، ويعطي الفرصة للمستهزئين والعلمانيين للنَّيْلِ من الشرع الشريف ورجاله والعيث في شعائر الإسلام وصوم المسلمين وفطرهم ، فينقَلِبُون إلى الحسابِ الفلكيِّ الذي أبطله الشرع الشريف الحكيم ، ويقولون لم تر الهلالَ المراصدُ فكيف تراه العين .
والأمر بخلاف ذلك عند المنصفين من علماء الفلك :(1/91)
*** ذكر د. محمد بخيت المالكي - دكتوراه في الفلك من جامعة جلاسكو وله دراسات حول إنشاء المراصد وتقييم أدائها - أن الاستعانة بالمراصد الفلكية في رصد الهلال غير ممكن حاليا حسب الإمكانيات الموجود عالميا ، إلا في حالات يمكن للعين البشرية أن ترى فيها الهلال ببساطة ، مما يجعلها قليلة الجدوى ، وهذا هو نص كلامه في بحثه السابق ذكره :
( استخدام المراصد الفلكية :
يظن الكثير أن المراصد الفلكية (التلسكوبات) تُحسن فرصة رؤية الهلال ، والواقع قد يكون العكس . تقوم فكرة المراصد الفلكية على زيادة كمية الضوء الواصلة من الجسم المُراد رصده (القمر هنا) ، لا تكبير حجم ذلك الجسم، حيث يُعد ذلك خدمة ثانوية في المرصد الفلكي لأن أغلب الأجرام السماوية بعيدة جدا وإمكانية تكبيرها تكون صعبة بالنظر المباشر في المرصد، ولكن التكبير يحدث بتصويرها ضوئيا - وهذا يعتمد على كمية الضوء الساقط على اللوح التصويري- ومن ثم تكبير هذه الصورة إلى أقصاها.
وفي حالة الهلال ، فإن القمر يكون قريبا جدا من الشمس في الحالات الصعبة ، وهنا ستكون كمية ضوء الشمس من الكبر بحيث تُؤثر على عين الراصد مما قد يعرضه للعمى لا قدر الله . أما إذا كان القمر بعيدا عن الشمس فإمكانية رؤيته بصريا ستكون سهلة ولن يقدم المرصد الفلكي كبير خدمة هنا حيث أن منظاراً مكبراً بسيطاً سيكون كافيا ، في حالة عدم رؤية الهلال بصريا .(1/92)
ونُفَصِّل ، بأنه كلما زاد حجم المرصد الفلكي صغرت مساحة المنطقة المرصودة، وتركزت كمية الضوء الواصلة لعين الراصد، في حين أن الرصد بالعين المجردة سيمكن من النظر إلى نصف الأفق تقريبا مما يقلل من كمية الضوء المركزة التي تكون خطرةً. ولقد حاولت شركة زايس Zisse - وهي من أشهر الشركات المصنعة للمراصد الفلكية والعدسات - تصنيع مرصد فلكي خاص لرصد الهلال لكي تسوقه في العالم الإسلامي ، فوجدت ما يلي ، كما اتضح من الدراسة المقدمة لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية والمحفوظة في سجلات التعاون العلمي بين المملكة وألمانيا :
1- المراصد الكاسرة - المعتمدة على العدسات - أفضل من المراصد العاكسة -المعتمدة على المرايا المقعرة - .
( والسبب أن المرايا المقعرة تكون رقيقة فتتأثر سريعا بأبسط حرارة تصلها من ضوء الشمس القرب من الهلال ، فتتشطب سريعا ، ولذا نجد تحذيرا في أغلب هذه المراصد سواء كانت للهواة أو المتخصصين بعدم توجيهها قريبا من الشمس . وهذا بعكس العدسات التي تتحمل الكثير من الحرارة ، وإن كان يعيبها ثقلها كلما كبر حجمها ) .
2- لا يحتاج رصد الهلال لمرصد كبير الحجم ، حيث اقترحوا مرصداً بقطر خمسة عشر (15) سم . (وبالتجريب وجدوا صعوبة في رصد الهلال بهذا الجهاز ، ويذكر د. فضل محمد نور رئيس مشروع المرصد الوطني في ذلك الحين ، أنهم فشلوا في رصد الهلال وهو على ارتفاع سبع درجات ، ونجحوا وهو على ارتفاع سبعة عشرة درجة ، ولكنه كان واضحا في السماء لكل ذي عينين مبصرتين ) .(1/93)
3- لتفادي أشعة الشمس المهيمنة قرب الهلال ، اقترحوا وضع أجهزة لرصد الأشعة تحت الحمراء ( وهو غير النطاق الذي تُبصر فيه العين ، مثل النطاق في أشعة إكس الطبية ) . وبالرغم من استخدامهم هذه التقنية الجديدة في رصد الهلال ، فإنهم لا يتوقعون إمكانية رصد الهلال إذا كان أقرب من أربع درجات من الشمس . (وبناءً على نتائجهم المرسومة بيانياً و المرافقة للمشروع ، والذي أحيل للباحث - أي د. محمد بخيت المالكي - لدراسته ، قدر الباحث أنه لا يمكن الرؤية عند أقل من سبع درجات لا أربع كما ذكر نص المشروع . هذا مع العلم أن بعض الشهادات لرؤية الهلال بالمملكة التي سمع بها الباحث عن بعض الذين اطلعوا عليها من قضاة وغيرهم، كانت لأبعاد أقل أحياناً من أربع درجات عن الشمس ) .
وعلى ما سبق فإن المرصد الفلكي البصري ليس بديلًا جيدًا عن العين ، ولقد جرب كثيرا في أنحاء متفرقة في العالم الإسلامي ، ولم تسجل حالة واحدة على ما أعلم أنه أمكن رصد الهلال من خلال المرصد الفلكي ولم يشاهد بالعين المجردة . أما ما يُقال عن اختلاف المرصد الفلكي عن الرؤية ، فالمقصود هو حسابات المرصد الفلكي ، لا الرؤية من خلال المرصد الفلكي . وأما الرصد عن طريق مراصد الليزر أو المراصد الرادوية ، فيكون غير الرصد البصري ، وهذا يوقعنا في إشكالية القبول بها شرعا ، هذا عدا أن هذه التقنية لا تستخدم للقمر وهو قريب من الأفق لخطورة أشعة ليزر على البشر، ولتشتت الأشعة الرادوية بسبب الاتصالات البشرية وغيرها من المؤثرات.
وخلاصة القول : إن الاستعانة بالمراصد الفلكية في رصد الهلال غير ممكن حاليا حسب الإمكانيات الموجود عالميا، إلا في حالات يمكن للعين البشرية أن ترى فيها ببساطة .
(ملاحظة) :(1/94)
يظن البعض أن المرصد الفلكي البصري يمكنه الرؤية خلال الغيم ، وهذا محال علميا . ولكن يمكن الرصد في نطاقات غير النطاق البصري على أن يكون على القمر أجهزة تبث في هذا المجال ، وهنا يصبح صعبا رصد الهلال عندما يكون قريبا من الأفق بسبب التشويش الكبير هناك ، ومن المعلوم أن رصد الهلال يكون عادة وهو قريب من الأفق ، بعد غروب الشمس ) ا.هـ
*** أما حكمها في الشرع الشريف :
فقال العلامة المحقق عبد العزيز بن باز رحمه الله : ( أما الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها ، بل تكفي رؤية العين ، ولكن من طالع الهلال بها ، وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فلا أعلم مانعًا من العمل برؤيته الهلال ؛ لأنها من رؤية العين لا من الحساب) . وقال : ( إن استعان به فلا بأس ، ولكن العمدة على رؤية العين ) ا.هـ من مجموع فتاويه (15/69) .
وقال د. سعد بن تركي الخثلان في "حكم الاعتماد على المراصد الفلكية في رؤية الهلال" : ( من رأى الهلالَ عن طريق المرصد يصدق عليه أنه رأى الهلال ، وهذا الرأي اعتمده مجلس هيئة كبار العلماء ، وأصبح العمل عليه منذ عام 1403 ، سواء كانت المراصد الفلكية الكبيرة الضخمة ، أو حتى عن طريق المنظار الصغير ، أو ما يسمى بالدربين ونحوه . ولكن مع ذلك منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا لم ير الهلال عن طريق المراصد الفلكية ولو لمرة واحدة ) اهـ ملخصا .(1/95)
*** إذا لم تَرَ الهلالَ المراصدُ ورأتْهُ العين ، فإنها رؤية صحيحة ، يجب قبولها والعمل بها ، ولا تُرَد لأجل عدم رؤية المراصد ، لأن العمدة على رؤية العين ، كما قرر العلماء ، ولأن المثبت مقدَّمٌ على النافي ، ولأنه لم ير الهلال عن طريق المراصد الفلكية ولو لمرة واحدة كما سبق عن الشيخ الخثلان ، ولأن المراصد محدودة مهما كثر عددها واتسع مداها ولا يمكن أن تغطي سائر الأرجاء بخلاف الرائين كثرة وانتشارا ، ولأن المرصد آلة تعترضها الآفات والأعراض .
* قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد : ( الحساب الفلكي المعاصر قائم على الرصد بالمراصد الصناعية الحديثة ، والمرصد كغيره من الآلات التي يؤثر على صلاحيته نتائجها : أي خلل فني فيها قد لا يشعر به الراصد ، هذا فيه ظنية من حيث الآلة ، ورحم الله الشيخ أحمد شاكر إذ تحوط في بحثه من حيث الراصد فنص على الوثاقة ، والله أعلم ) ا.هـ
* وقال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع فتاويه (15/124) : ( لا يجوز لأحد أن يحتج على إبطال الرؤية بمجرد دعوى أصحاب المراصد أو بعضهم مخالفة الرؤية لحسابهم ، كما لا يجوز لأحد أن يشترط لصحة الرؤية أن توافق ما يقوله أصحاب المراصد ؛ لأن ذلك تشريع في الدين لم يأذن به الله ، ولأن ذلك تقييد لما أطلقه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واعتراض على صاحب الشريعة الذي لا ينطق عن الهوى ، وتكليف للناس بما لا يعرفه إلا نفر قليل من الناس ، فيُضَيِّقونَ بذلك ما وسعه الله . ومن المعلوم أنه لا أحسن ولا أكمل من حكم الله ورسوله في كل شيء كما قال الله سبحانه : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ) اهـ
الوجه الحادي والثلاثون : في بيان إمكان رؤية الهلال وإن قطع الحاسبون الفلكيون بتعذرها :(1/96)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( اعلم أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة أو لا يرى البتة على وجه مُطّرد وإنما قد يتفق ذلك أو لا يمكن بعض الأوقات ) . انتهى من مجموع الفتاوى 25/183 .
وقال الشيخ بكر أبو زيد : ( الحساب يدخله الخطأ كثيرًا ) .
[ مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408هـ (2\821) ]
قلت : إذا خالف الحسابُ الرؤيةَ البصرية الشرعية فإن الفلكيين يضعون سبع احتمالات ذكرها د. محمد بخيت المالكي - دكتوراه في الفلك من جامعة جلاسكو- في بحثه السابق ذكره ومنها : ( الاحتمال السابع رؤية الهلال : وفي هذه الحالة ليس أمام الحاسبين إلا أن يقبلوا بأن هناك عوامل لم يضموها لحساباتهم الفلكية ، والأمر لا يسلم من الخطأ . وكما يعلم الجميع أن العلم قام على الملاحظة (مثل حركة القمر) ، ثم من مجموعة ملاحظات تُوضع نظرية حسابية معينة كقاعدة حسابية لهذه الملاحظات (الأرصاد) ، ومن هذه النظرية الحسابية نخرج بتوقعات لأرصاد مستقبلية (الهلال للأشهر اللاحقة) ، والتي نتأكد منها بأرصاد لاحقة، وأي خطأ في التوقعات الحسابية يؤدي لتصحيح للنظرية وهكذا تستمر الدورة التطويرية للنظريات. وفي حالتنا هذه إذا ناقضت الأرصاد الحسابات، فيكون علينا مراجعة وتصحيح حساباتنا والأخذ بالاعتبار العوامل التي قد نكون قد أهملناها ، والله أعلم .
ومن مكامن الخطأ المحتملة، آثار الغلاف الجوي بنسبة عالية - حيث أن حركة القمر خارج الغلاف الجوي مُتأكد من صحة حساباتها بدقة عالية كما ذكرنا سابقا - ، فقد يُؤثر الغلاف الجوي على شعاع ضوء القمر فيُظهر صورة القمر أعلى مما يتوقع الحاسبون ، حسب ظروف البلد الجوية ، بسبب ظاهرة الانكسار أو ظاهرة السراب .(1/97)
ظاهرة السراب : عند السير في الصحراء يتوهم الإنسان رؤية الماء في أماكن متفرقة في الصحراء ، وهذا من أشهر أمثلة السراب ، والسبب هو اختلاف درجة الحرارة في طبقات الجو المتفرقة. فإذا كانت طبقة الجو العليا أعلى في درجة الحرارة عن الطبقة الأسفل منها، فإن صورة الأجسام التي عند الأفق أو تحته سوف تظهر مرتفعة فوق الأفق ومقلوبة، فظاهرة رؤية سراب الماء السابقة تكون بسبب انعكاس صورة السماء تحت الأفق على الأرض في تلك المواقع .
وهذا ما قد يحدث للقمر الذي يغرب قبل الشمس بنصف ساعة (وتكون فتحته عكس اتجاه الشمس) ستظهر له صورة في السماء على بعد معين حسب أثر الظاهرة ولكن ستكون فتحته أيضا عكس اتجاه الشمس، وحيث أننا مطالبون برؤية الهلال بالعين فلا يهم هل ما يُرى هو صورة الهلال الحقيقي (المتكونة بسبب الانكسار) أم صورة صورة الهلال الحقيقي (صورة الصورة المتكونة من الانكسار). مع ملاحظة أن الشمس ستكون قد سخنت الهواء فوق الأفق، أما الهواء تحت الأفق فسيكون أبرد مما فوقه . هذه الظواهر نحتاج إلى دراستها لمعرفة السبب في الاختلاف بين الرؤية والحساب .
لقد لُوحظ مؤخرا (وهذه الملاحظة ليست إحصائية) أنه إذا كان القمر يغرب قبل الشمس بحوالي نصف ساعة حضر من يشهد برؤيته ) .
وقال : ( بحث مسألة قدرة العين :(1/98)
وتبقى مشكلة إمكانية الرؤية بقدرة العين، وهذا باب مفتوح للبحث، لكثرة التضارب في الآراء الفلكية والعلمية فيه . حيث يقول علماء الفلك أن أخفت نجم يمكن للعين البشرية أن تراه هو ذو القدر السادس (تقدير فلكي معين) ، لكن علماء طب العيون يعرفون أنه بأساليب معينه يعرفها الممارسون للأرصاد بالعين ، يمكن للإنسان أن يميز إلى القدر الثامن (أخفت من السابق بست مرات) ، وذلك بتركيز النظر على الجسم اللامع ، وعدم تركيزه على الجسم المطلوب رصده ، فيظهر الجسم المطلوب للراصد واضحا . لكن هذه المقدرة تحتاج لتدريب وتعوُّد واهتمام من الإنسان لكي يُكوَّنها . لكنها ثابتة علميا في كتب طب العيون ) ا.هـ
الوجه الثاني والثلاثون : في بيان أن الله تعالى يمدُّ الهلالَ ليراه الناس فضلا منه تعالى ونعمة فله الحمد والشكر ، ولا اعتبار بكبره وصغره :
عن أبي الْبَخْتَرِيِّ قال : ( خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ ، فلما نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ ، قال : تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ ، فقال بَعْضُ الْقَوْمِ : هو ابنُ ثَلَاثٍ ، وقال بَعْضُ الْقَوْمِ : هو ابنُ لَيْلَتَيْنِ ، قال : فَلَقِينَا ابن عَبَّاسٍ ، فَقُلْنَا : إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلَالَ فقال بَعْضُ الْقَوْمِ هو ابن ثَلَاثٍ وقال بَعْضُ الْقَوْمِ هو ابن لَيْلَتَيْنِ ، فقال : أَيَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ ، قال : فَقُلْنَا لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا ، فقال : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ " فَهُوَ لِلَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ ) .
رواه مسلم في صحيحه .(1/99)
وبوب عليه الإمام النووي رحمه الله تعالى : ( باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره وأن الله تعالى أمده للرؤية فان غم فليكمل ثلاثون ) قال : (وهو ظاهر الدلالة للترجمة ) ونقل عن القاضي عياض : ( معناه أطال مدته إلى الرؤية ، يقال منه مد وأمد ، قال الله تعالى : (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ) (الأعراف:202) ، قرئ بالوجهين أي يطيلون لهم ) ا.هـ
وقال الشيخ علي القاري في شرح المشكاة : ( قال بعض القوم هو ابن ثلاث أي صاحب ثلاث ليال لعلو درجته وقال بعض القوم هو ابن ليلتين ، فقال ابن عباس : إن رسول الله مدة للرؤية أي جعل مدة رمضان زمان رؤية الهلال ذكره الطيبي قال القاري : والمعنى رمضان حاصل لأجل رؤية الهلال في تلك الليلة ولا عبرة بكبره بل ورد أن انتفاخ الأهلة من علامات الساعة ) اهـ
الوجه الثالث والثلاثون : قرار هيئة كبار العلماء حول الحساب الفلكي وفيه الرد على شبهات العاملين بالحساب الفلكي وتفنيدها :
قرار رقم (34) وتاريخ 14/2/1395هـ
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله ، وآله وصحبه ، وبعد :
وبعد دراسة المجلس للقرارات والتوصيات والفتاوى والآراء المتعلقة بهذا الموضوع ومداولة الرأي في ذلك كله قرر ما يلي :
أولا :
أن المراد بالحساب والتنجيم هنا معرفة البروج والمنازل ، وتقدير سير كل من الشمس والقمر وتحديد الأوقات بذلك ؛ كوقت طلوع الشمس ودلوكها وغروبها، واجتماع الشمس والقمر وافتراقهما ، وكسوف كل منهما، وهذا هو ما يعرف بـ ( حساب التسيير ) ، وليس المراد بالتنجيم هنا الاستدلال بالأحوال الفلكية على وقوع الحوادث الأرضية ؛ من ولادة عظيم أو موته ، ومن شدة وبلاء ، أو سعادة ورخاء ، وأمثال ذلك مما فيه ربط الأحداث بأحوال الأفلاك علما بميقاتها ، أو تأثيرا في وقوعها من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله ، وبهذا يتحرر موضوع البحث .
ثانيا :(1/100)
أنه لا عبرة شرعا بمجرد ولادة القمر في إثبات الشهر القمري بَدءًا وانتهاء بإجماع ، ما لم تثبت رؤيته شرعا ، وهذا بالنسبة لتوقيت العبادات ، ومن خالف في ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من قبله .
ثالثا :
أن رؤية الهلال هي المعتبرة وحدها في حالة الصحو ليلة الثلاثين في إثبات بدء الشهور القمرية وانتهائها بالنسبة للعبادات فإن لم يُرَ أكملت العدة ثلاثين بإجماع .
أما إذا كان بالسماء غيم ليلة الثلاثين : فجمهور الفقهاء يرون إكمال العدة ثلاثين ؛ عملا بحديث : ( فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) ، وبهذا تفسر الرواية الأخرى الواردة بلفظ : ( فاقدروا له ) . وذهب الإمام أحمد في رواية أخرى عنه، وبعض أهل العلم إلى اعتبار شعبان في حالة الغيم تسعة وعشرين يوما احتياطا لرمضان، وفسروا رواية: ( فاقدروا له ) بضيقوا ، أخذًا من قوله تعالى : ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) "سورة الطلاق الآية 7 " أي : ضُيِّق عليه رزقه .
وهذا التفسير مردود بما صرحت به رواية الحديث الأخرى الواردة بلفظ : (فاقدروا له ثلاثين ) ، وفي رواية أخرى : ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) .
وحكى النووي في شرحه على صحيح مسلم لحديث : ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) عن ابن سُرَيْجٍ وجماعة ، ومنهم مُطَرِّف بن عبد الله - أي : ابن الشخير - وابن قتيبة وآخرون ؛ اعتبار قول علماء النجوم في إثبات الشهر القمري ابتداء وانتهاء ، أي : إذا كان في السماء غيم .
وقال ابن عبد البر : ( روي عن مطرف بن الشخير، وليس بصحيح عنه ، ولو صح ما وجب اتباعه ؛ لشذوذه فيه ، ولمخالفة الحجة له ، ثم حكى عن ابن قتيبة مثله ، وقال : ليس هذا من شأن ابن قتيبة ، ولا هو ممن يعرج عليه في مثل هذا الباب . ثم حكى عن ابن خويز منداد أنه حكاه عن الشافعي ، ثم قال ابن عبد البر : والصحيح عنه في كتبه وعند أصحابه وجمهور العلماء خلافه ) . انتهى .(1/101)
وبهذا يتضح : أن محل الخلاف بين الفقهاء إنما هو في حال الغيم وما في معناه . وهذا كله بالنسبة للعبادات ، أما بالنسبة للمعاملات فللناس أن يصطلحوا على ما شاءوا من التوقيت .
رابعا :
أن المعتبر شرعا في إثبات الشهر القمري هو رؤية الهلال فقط دون حساب سير الشمس والقمر لما يأتي :
أ - أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها في قوله : ( صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ) ، وحصر ذلك فيها بقوله : ( لا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه ) ، وأمر المسلمين إذا كان غيم ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة ، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء النجوم ، ولو كان قولهم أصلا _ وحده أو أصلا آخر في إثبات الشهر _ لأمر بالرجوع إليهم ، فدل ذلك على أنه لا اعتبار شرعا لما سوى الرؤية ، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة ، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) "سورة مريم الآية 64 " .
*** ودعوى أن الرؤية في الحديث يراد بها العلم أو غلبة الظن _ بوجود الهلال أو إمكان رؤيته لا التعبد بنفس الرؤية _ مردودة ؛ لأن الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد ، فكانت بصرية لا علمية ، ولأن الصحابة فهموا أنها رؤية بالعين ، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة ، وجرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهدهم على ذلك ، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت .
*** ولا يصح أيضا أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) أراد أمرنا بتقدير منازل القمر لنعلم بالحساب بدء الشهر ونهايته ؛ لأن هذه الرواية فسرتها رواية : ( فاقدروا له ثلاثين ) وما في معناه، ومع ذلك فالذين يدعون إلى توحيد أوائل الشهور يقولون بالاعتماد على حساب المنازل في الصحو والغيم ، والحديث قيد القدر له بحالة الغيم .(1/102)
ب - أن تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة ؛ لأن رؤية الهلال أمرها عام يتيسر لأكثر الناس ، بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب فإنه يحصل به الحرج ويتنافى مع مقاصد الشريعة ، ودعوى زوال وصف الأمية في علم النجوم عن الأمة لو سلمت لا يغير حكم الشرع في ذلك .
ج - أن علماء الأمة في صدر الإسلام قد أجمعوا على اعتبار الرؤية في إثبات الشهور القمرية دون الحساب ، فلم يعرف أن أحدا منهم رجع إليه في ذلك عند الغيم ونحوه ، أما عند الصحو فلم يعرف عن أحد من أهل العلم أنه عول على الحساب في إثبات الأهلة أو علق الحكم العام به .
خامسا :
تقدير المدة التي يمكن معها رؤية الهلال بعد غروب الشمس لولا المانع من الأمور الاعتبارية الاجتهادية التي تختلف فيها أنظار أهل الحساب ، وكذا تقدير المانع ، فالاعتماد على ذلك في توقيت العبادات لا يحقق الوحدة المنشودة ؛ ولهذا جاء الشرع باعتبار الرؤية فقط دون الحساب .
سادسا :
لا يصح تعيين مطلع دولة أو بلد - كمكة مثلا - لتعتبر رؤية الهلال منه وحده ، فإنه يلزم من ذلك أن لا يجب الصوم على من ثبتت رؤية الهلال عندهم من سكان جهة أخرى ، إذ لم ير الهلال في المطلع المعين .
سابعا :
ضعف أدلة من اعتبر قول علماء النجوم في إثبات الشهر القمري . ويتبين ذلك بذكر أدلتهم ومناقشتها :(1/103)
أ- قالوا : إن الله أخبر بأنه أجرى الشمس والقمر بحساب لا يضطرب ، وجعلهما آيتين وقدرهما منازل ؛ لنعتبر ، ولنعلم عدد السنين والحساب ، فإذا علم جماعة بالحساب وجود الهلال يقينا وإن لم تمكن رؤيته بعد غروب شمس التاسع والعشرين أو وجوده مع إمكان الرؤية لولا المانع ، وأخبرنا بذلك عدد منهم يبلغ مبلغ التواتر وجب قبول خبرهم ؛ لبنائه على يقين ، واستحالة الكذب على المخبرين ؛ لبلوغهم حد التواتر ، وعلى تقدير أنهم لم يبلغوا حد التواتر وكانوا عدولا فخبرهم يفيد غلبة الظن ، وهي كافية في بناء أحكام العبادات عليها .
*** والجواب : أن يقال : إن كونها آيات للاعتبار بها والتفكير في أحوالها للاستدلال على خالقها ومجريها بنظام دقيق لا خلل فيه ولا اضطراب ، وإثبات ما لله من صفات الجلال والكمال - أمر لا ريب فيه .
أما الاستدلال بحساب سير الشمس والقمر على تقدير أوقات العبادات فغير مسلم ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الخلق بتفسير كتاب الله - لم يعلق دخول الشهر وخروجه بعلم الحساب ، وإنما علق ذلك برؤية الهلال أو إكمال العدة في حال الغيم ، فوجب الاقتصار على ذلك، وهذا هو الذي يتفق وسماحة الشريعة وسهولتها مع ما فيه من الدقة والضبط ، بخلاف تقدير سير الكواكب فإن أمره خفي عقلي لا يدركه إلا النزر اليسير من الناس ، ومثل هذا لا تبنى عليه أحكام العبادات .
ب - وقالوا : إن الفقهاء يرجعون في كثير من شؤونهم إلى أهل الخبرة فيرجعون إلى الأطباء في فطر المريض في رمضان ، وتقدير مدة التأجيل في العنين والمعترض ، وإلى أهل اللغة في تفسير نصوص الكتاب والسنة ، إلى غير ذلك من الشئون ، فليرجعوا في معرفة بدء الشهور القمرية ونهايتها إلى علماء النجوم .(1/104)
*** والجواب : أن يقال : هذا قياس مع الفارق ؛ لأن الشرع إنما جاء بالرجوع إلى أهل الخبرة في اختصاصهم في المسائل التي لا نص فيها . أما إثبات الأهلة فقد ورد فيه النص باعتبار الرؤية فقط ، أو إكمال العدة دون الرجوع فيه إلى غير ذلك .
ج- وقالوا : إن توقيت بدء الشهر القمري ونهايته لا يختلف عن توقيت الصلوات الخمس وبدء صوم كل يوم ونهايته، وقد اعتبر الناس حساب المنازل علميا في الصلوات والصيام اليومي فليعتبروه في بدء الشهر ونهايته .
*** وأجيب : بأن الشرع أناط الحكم في الأوقات بوجودها ، قال تعالى :( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) " سورة الإسراء الآية 78 " وقال : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) " سورة البقرة الآية 187 " وفصلت السنة ذلك ، وأناطت وجوب صوم رمضان برؤية الهلال ولم تعلق الحكم في شيء من ذلك على حساب المنازل ، وإنما العبرة بدليل الحكم .
د- وقالوا : إن الله تعالى قال: ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) "سورة البقرة الآية 185 " إذ المعنى: فمن علم منكم الشهر فليصمه ، سواء كان علم ذلك عن طريق رؤية الهلال مطلقا أو عن طريق علم حساب المنازل .
*** والجواب : أن يقال : إن معنى الآية : فمن حضر منكم الشهر فليصمه، بدليل قوله تعالى بعده : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) "سورة البقرة الآية 185 " وعلى تقدير تفسير الشهود بالعلم ، فالمراد : العلم عن طريق رؤية الهلال ، بدليل حديث : ( لا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه ) .(1/105)
هـ- وقالوا : إن علم الحساب مبني على مقدمات يقينية ، فكان الاعتماد عليه في إثبات الشهور القمرية أقرب إلى الصواب وتحقيق الوحدة بين المسلمين في نسكهم وأعيادهم .
*** وأجيب : بأن ذلك غير مسلم ؛ لأن الحس واليقين في مشاهدة الكواكب لا في حساب سيرها ، فإنه أمر عقلي خفي لا يعرفه إلا النزر اليسير من الناس ، كما تقدم ؛ لحاجته إلى دراسة وعناية ، ولوقوع الغلط والاختلاف فيه ، كما هو الواقع في اختلاف التقاويم التي تصدر في كثير من البلاد الإسلامية ، فلا يعتمد عليه ولا تتحقق به الوحدة بين المسلمين في مواقيت عباداتهم .
و- وقالوا : إن تعليق الحكم بثبوت الشهر على الأهلة معلل بوصف الأمة بأنها أمية ، وقد زال عنها هذا الوصف ، فقد كثر علماء النجوم ، وبذلك يزول تعليق الحكم بالرؤية أو بخصوص الرؤية ، ويعتبر الحساب وحده أصلا ، أو يعتبر أصلا آخر إلى جانب الرؤية .
*** والجواب : أن يقال : إن وصف الأمة بأنها أمية لا يزال قائما بالنسبة لعلم سير الشمس والقمر وسائر الكواكب ، فالعلماء به نزر يسير ، والذي كثر إنما هو آلات الرصد وأجهزته ، وهي مما يساعد على رؤية الهلال في وقته ، ولا مانع من الاستعانة بها على الرؤية وإثبات الشهر بها ، كما يستعان بالآلات على سماع الأصوات ، وعلى رؤية المبصرات ، ولو فرض زوال وصف الأمية عن الأمة في علم الحساب لم يجز الاعتماد عليه في إثبات الأهلة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالرؤية ، أو إكمال العدة ، ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب واستمر عمل المسلمين على ذلك بعده .
وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم .
حُرِّر في 14/2/1395هـ .
هيئة كبار العلماء
عبد العزيز بن باز ... عبد الله بن حميد ... عبد الرزاق عفيفي
محمد بن جبير ... عبد المجيد حسن ... عبد الله بن منيع
له وجهة نظر مرفقة ... لي وجهة نظر مكتوبة ... له وجهة نظر مرفقة(1/106)
صالح بن غصون ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ ... عبد العزيز بن صالح ...محمد الحركان ... عبد الله بن غديان ... سليمان بن عبيد
صالح بن لحيدان ... عبد الله خياط ... راشد بن خنين ) ا.هـ
الوجه الرابع والثلاثون : في الفرق بين حساب أوقات الصلوات ، وحساب دخول الشهر وخروجه :
* قال العلامة القَرَافي في الفروق : ( الفرق الثاني بعد المائة : بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ وَالْآلَاتِ وَكُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهِلَّةِ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ ، ... قَالَ سَنَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ ، ... وَالْفَرْقُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ هَاهُنَا وَهُوَ عُمْدَةُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبَ وُجُوبِ الظُّهْرِ .(1/107)
وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَوْقَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } أَيْ لِأَجْلِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حِينَ تُمْسُونَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَحِينَ تُصْبِحُونَ الصُّبْحُ وَعَشِيًّا الْعَصْرُ وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظُّهْرُ وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى سُبْحَةً ، وَمِنْهُ سُبْحَةُ الضُّحَى أَيْ صَلَاتُهَا ، فَالْآيَةُ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْوَقْتِ سَبَبٌ ، فَمَنْ عَلِمَ السَّبَبَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ لَزِمَهُ حُكْمُهُ ، فَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ الْحِسَابُ الْمُفِيدُ لِلْقَطْعِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ، وَأَمَّا الْأَهِلَّةُ فَلَمْ يَنْصِبْ صَاحِبُ الشَّرْعِ خُرُوجَهَا مِنْ الشُّعَاعِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ بَلْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ خَارِجًا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ هُوَ السَّبَبُ ، فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ الرُّؤْيَةُ لَمْ يَحْصُلْ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَ خُرُوجِ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } وَلَمْ يَقُلْ لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } ثُمَّ قَالَ : { فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ } أَيْ خَفِيَتْ عَلَيْكُمْ رُؤْيَتُهُ {(1/108)
فَاقْدُرُوا لَهُ } ، فِي رِوَايَةٍ : { فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ } ؛ فَنَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالَ أَوْ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِخُرُوجِ الْهِلَالِ عَنْ الشُّعَاعِ ، ... ، فَلِأَجْلِ هَذَا الْفَرْقِ قَالَ الْفُقَهَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ هَذَا الْحِسَابُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُنْضَبِطًا لَكِنَّهُ لَمْ يَنْصِبْهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا فَلَمْ يَجِبْ بِهِ صَوْمٌ وَالْحَقُّ مِنْ تَرْدِيدِ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا إشْكَالَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ، وَالْآخَرُ فِي رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ .(1/109)
(الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ) فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ بِتَيْسِيرِ دَرَجِ الْفَلَكِ فَإِذَا شَاهَدُوا الْمُتَوَسِّطَ مِنْ دَرَجِ الْفَلَكِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ دَرَجِ الْفَلَكِ الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّ دَرَجَةَ الشَّمْسِ قَرُبَتْ مِنْ الْأُفُقِ قُرْبًا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ أَمَرُوا النَّاسَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مَعَ أَنَّ الْأُفُقَ يَكُونُ صَاحِيًا لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَصَبَ سَبَبَ وُجُوبٍ لِلصَّلَاةِ ظُهُورَ الْفَجْرِ فَوْقَ الْأُفُقِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُ إيقَاعٌ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَبِدُونِ سَبَبِهَا ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ إثْبَاتِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ . فَإِنْ قُلْتَ هَذَا جُنُوحٌ مِنْك إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ ، وَأَنْتَ قَدْ فَرَّقْت بَيْنَ الْبَابَيْنِ ، وَمَيَّزْت بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ وَعَدَمِهَا ، وَقُلْت السَّبَبُ فِي الْأَهِلَّةِ الرُّؤْيَةُ وَفِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ تَحْقِيقُ الْوَقْتِ دُونَ رُؤْيَتِهِ فَحَيْثُ اشْتَرَطْت الرُّؤْيَةَ فَقَدْ أَبْطَلْت مَا ذَكَرْته مِنْ الْفَرْقِ .(1/110)
قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ ( وَالْجَوَابُ عَنْهُ ) أَنِّي لَمْ أَشْتَرِطْ الرُّؤْيَةَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لَكِنِّي جَعَلَتْ عَدَمَ اطِّلَاعِ الْحِسِّ عَلَى عَدَمِ الْفَجْرِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِهِ وَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ هِيَ السَّبَبُ وَنَظِيرُهُ فِي الْأَهِلَّةِ لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَالْجَمْعُ ثير وَلَمْ يُرَ الْهِلَالَ جَعَلْت ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ خُلُوصِ الْهِلَالِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ .(1/111)
وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَيْت الظِّلَّ عِنْدَ الزَّوَالِ مَائِلً لِجِهَةِ الْمَغْرِبِ ، وَلَمْ أَرَهُ مَائِلًا إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ بَلْ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ جَعَلْت ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَعَدَم السَّبَبِ فَفَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ الْحِسِّ سَبَبًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ فَإِنِّي فِي الْفَجْرِ جَعَلْته دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ لَا أَنِّي اشْتَرَطْت الرُّؤْيَةَ ، وَلِذَلِكَ أَنِّي لَمْ أَسْتَشْكِلْ ذَلِكَ إلَّا وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَالْحِسُّ لَا يَجِدُ شَيْئَانِ مِنْ الْفَجْرِ ، أَمَّا لَوْ كَانَ حِسَابُهُمْ يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ مَعَ الصَّحْوِ طَالِعًا مِنْ الْأُفُقِ وَيَخْفَى مَعَ الْغَيْمِ لَمْ أَسْتَشْكِلْهُ ، وَقُلْت : إنَّمَا يَخْفَى لِأَجْلِ الْغَيْم لَا لِأَجْلِ عَدَمِهِ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ لَمَّا رَأَيْت حِسَابَهُمْ فِي الصَّحْوِ لَا يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ عَلِمْت أَنَّ حِسَابَهُمْ يُقَارِنُ عَدَمَ السَّبَبِ فَإِنَّ الْحِسَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْفَجْرِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى عَدَمِهِ بِاتِّسَاقِ الظُّلْمَةِ وَعَدَمِ الضِّيَاءِ ، فَهَذَا جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ لَا أَنِّي سَوَّيْت بَيْنَ الْأَهِلَّةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ الْإِشْكَالَ الثَّانِيَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ جَعَلُوا رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَوَافَقَتْهُمْ الْحَنَابِلَةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ .(1/112)
وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَزَوَالَهُمْ وَعَصْرَهُمْ وَمَغْرِبَهُمْ وَعِشَاءَهُمْ فَإِنَّ الْفَجْرَ إذَا طَلَعَ عَلَى قَوْمٍ يَكُونُ عِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَعِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ النَّهَارِ وَعِنْدَ آخَرِينَ غُرُوبَ الشَّمْسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَمَا مِنْ دَرَجَةٍ تَطْلُعُ مِنْ الْفَلَكِ أَوْ تَتَوَسَّطُ أَوْ تَغْرُبُ إلَّا فِيهَا جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ بِحَسَبِ آفَاقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَقْطَارٍ مُتَبَايِنَةٍ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي أَقْصَى الْمَشْرِقِ كَانَ نِصْفَ اللَّيْلِ عِنْدَ الْبِلَادِ الْمَغْرِبِيَّةِ مِنْهُمْ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الْبُعْدِ عَنْ ذَلِكَ الْأُفُقِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي أَقْصَى الْمَغْرِبِ كَانَ نِصْفَ اللَّيْلِ عِنْدَ الْبِلَادِ الْمَشْرِقِيَّةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ قُرْبِ ذَلِكَ الْقُطْرِ مِنْ الْقُطْرِ الَّذِي غَرَبَتْ فِيهِ الشَّمْسُ ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَوْقَاتِ تَخْتَلِفُ هَذَا الِاخْتِلَافَ .(1/113)
وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ مَسْأَلَةٌ أَشْكَلَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي أَخَوَيْنِ مَاتَا عِنْدَ الزَّوَالِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ أَيُّهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ فَأَفْتَى الْفُضَلَاءُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْمَغْرِبِيَّ يَرِثُ الْمَشْرِقِيَّ ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمَشْرِقِ قَبْلَ زَوَال الْمَغْرِبِ فَالْمَشْرِقِيُّ مَاتَ أَوَّلًا فَيَرِثُهُ الْمُتَأَخِّرُ لِبَقَائِهِ بَعْدَهُ حَيًّا مُتَأَخِّرَ الْحَيَاةِ فَيَرِثُ الْمَغْرِبِيُّ الْمَشْرِقِيَّ إذَا تَقَرَّرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآفَاقِ ، وَأَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَزَوَالَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْأَهِلَّةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْبِلَادَ الْمَشْرِقِيَّةَ إذَا كَانَ الْهِلَالُ فِيهَا فِي الشُّعَاعِ وَبَقِيَتْ الشَّمْسُ تَتَحَرَّكُ مَعَ الْقَمَرِ إلَى الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ فَمَا تَصِلُ الشَّمْسُ إلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ إلَّا وَقَدْ خَرَجَ الْهِلَالُ مِنْ الشُّعَاعِ فَيَرَاهُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَرَاهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ هَذَا أَحَدُ أَسْبَابِ اخْتِلَافِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهَا هَاهُنَا إنَّمَا ذَكَرْت مَا يَقْرُبُ فَهْمُهُ ، وَإِذَا كَانَ الْهِلَالُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآفَاقِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ فِي الْأَهِلَّةِ كَمَا أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ، وَهَذَا حَقٌّ ظَاهِرٌ وَصَوَابٌ مُتَعَيِّنٌ أَمَّا وُجُوبُ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِقُطْرٍ مِنْهَا(1/114)
فَبَعِيدٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ ، وَالْأَدِلَّةُ لَمْ تَقْتَضِ ذَلِكَ فَاعْلَمْهُ ) اهـ
* قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد بن محمد رحمه الله : ( نقض قياسه على إثبات أوقات الصلوات بالحساب : فهذا القياس باطل من أصله ، لأن المقيس عليه مختلف فيه غير ثابت بنص ولا إجماع وثبوته بنص أو اتفاق الخصمين شرط للأصل المقيس عليه ، وشرط ثالث أن يكون الحكم معقول المعنى كتحريم الخمر إلا إن كان تعبديًا كأوقات الصلوات وأعداد الركعات لأن ما لا يعقل معناه لا يمكن تعديته إلى محل آخر . وعلى التسليم فهو قياس مع الفارق ) اهـ
الوجه الخامس والثلاثون : الْكَمَالُ وَالْفَضْلُ والهُدَى الَّذِي يَحْصُلُ للأُمَّةِ باتباعِ الرَّسُولِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ في رُؤْيَةِ الْهِلَالِ دُونَ الْحِسَابِ يَزُولُ بِمُرَاعَاةِ الْحِسَابِ الفلكيِّ :(1/115)
قال الله سبحانه وتعالى : " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)" (الأعراف:157-158) . وقال الله عز وجل : " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " (الجمعة:2)
وعَنْ عبدِ اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ " رواه البخاري ومسلم .(1/116)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( الْأُمِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا صِفَةُ مَدْحٍ وَكَمَالٍ مِنْ وُجُوهٍ : مِنْ جِهَةِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ بِمَا هُوَ أَبْيَنُ مِنْهُ وَأَظْهَرُ وَهُوَ الْهِلَالُ . وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ هُنَا يَدْخُلُهُمَا غَلَطٌ . وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِمَا تَعَبًا كَثِيرًا بِلَا فَائِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ شُغْلٌ عَنْ الْمَصَالِحِ إذْ هَذَا مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ نَفْيُ الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ عَنْهُمْ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ وَلِلْمَفْسَدَةِ الَّتِي فِيهِ كَانَ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ فِي ذَلِكَ نَقْصًا وَعَيْبًا بَلْ سَيِّئَةً وَذَنْبًا فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْأُمَّةِ الْأُمِّيَّةِ فِيمَا هُوَ مِنْ الْكَمَالِ وَالْفَضْلِ السَّالِمِ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَدَخَلَ فِي أَمْرٍ نَاقِصٍ يُؤَدِّيهِ إلَى الْفَسَادِ وَالِاضْطِرَابِ . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ هَذَا وَصْفًا لِلْأُمَّةِ . كَمَا جَعَلَهَا وَسَطًا فِي قَوْله تَعَالَى : { جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } فَالْخُرُوجُ عَنْ ذَلِكَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ . وَأَيْضًا فَالشَّيْءُ إذَا كَانَ صِفَةً لِلْأُمَّةِ لِأَنَّهُ أَصْلَحُ مِنْ غَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ غَيْرَهُ فِيهِ مَفْسَدَةٌ : كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ لِوَجْهَيْنِ : لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْكَمَالِ الَّتِي لِلْأُمَّةِ يَجِبُ حِفْظُهَا عَلَيْهَا .(1/117)
فَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ تَحْصِيلُ الْمُسْتَحَبَّاتِ فَإِنَّ كُلَّ مَا شُرِعَ لِلْأُمَّةِ جَمِيعًا صَارَ مِنْ دِينِهَا وَحِفْظُ مَجْمُوعِ الدِّينِ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ . وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ حِفْظُ جَمِيعِ الْكِتَابِ وَجَمِيعِ السُّنَنِ الْمُتَعَلِّقَةِ بالمستحبات وَالرَّغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَى آحَادِهَا . وَلِهَذَا أَوْجَبَ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمُسْتَحَبَّاتِ الْعَامَّةِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْأَفْرَادِ . وَتَحْصِيلُهُ لِنَفْسِهِ : مِثْلُ الَّذِي يَؤُمُّ النَّاسَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ دَائِمًا مَا يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ فِعْلُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُطَوِّلُ الصَّلَاةَ تَطْوِيلًا يَضُرُّ مَنْ خَلْفَهُ وَلَا يُنْقِصَهَا عَنْ سُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ : مِثْلِ قِرَاءَةِ السُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَإِكْمَالِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الصَّحَابَةَ بِعَزْلِ إمَامٍ كَانَ يُصَلِّي لِبُصَاقِهِ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ : { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ ؛ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً } - الْحَدِيثَ ، وَقَالَ : { إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ } .(1/118)
وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّ الْإِمَامَ الْمُقِيمَ بِالنَّاسِ حَجَّهُمْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِكَمَالِ الْحَجِّ مِنْ تَأْخِيرِ النَّفْرِ إلَى الثَّالِثِ مِنْ مِنًى وَلَا يَتَعَجَّلُ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ الَّتِي لَوْ تَرَكَهَا الْوَاحِدُ لَمْ يَأْثَمْ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَرْكُهَا لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ عُمُومِ الْحَجِيجِ مِنْ تَحْصِيلِ كَمَالِ الْحَجِّ وَتَمَامِهِ وَلِهَذَا { لَمَّا اجْتَمَعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَانِ فَشَهِدَ الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمْعَةِ قَالَ : إنَّا مُجَمِّعُونَ } فَقَالَ أَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَغَيْرُهُ : إنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ لَهُمْ الْجُمُعَةَ لِيَحْصُلَ الْكَمَالُ لِمَنْ شَهِدَهُمَا وَإِنْ جَازَ لِلْآحَادِ الِانْصِرَافُ . وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مِمَّا يُوجِبُ أَنْ يَحْفَظَ لِلْأُمَّةِ - فِي أَمْرِهَا الْعَامِّ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَعْمَالِ - كَمَالَ دَيْنِهَا الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } فَمَا أَفْضَى إلَى نَقْصِ كَمَالِ دِينِهَا وَلَوْ بِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ يُفْضِي إلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا كَانَ تَحْصِيلُهُ وَاجِبًا عَلَى الْكِفَايَةِ إمَّا عَلَى الْأَئِمَّةِ وَإِمَّا عَلَى غَيْرِهِمْ . فَالْكَمَالُ وَالْفَضْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ دُونَ الْحِسَابِ يَزُولُ بِمُرَاعَاةِ الْحِسَابِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ ) وقال : ( فمن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم ، بل يكون اتبع غير سبيل المؤمنين ) ا.هـ(1/119)
الوجه السادس والثلاثون : لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ رُؤْيَةِ الهلالِ بِحِسَابٍ فيُحْكَمُ بأنهُ يُرَى قَطْعًا أَوْ لَا يُرَى قَطْعًا ، وأسبابُ ذلك :
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ الرُّؤْيَةِ بِحِسَابٍ بِحَيْثُ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ يُرَى لَا مَحَالَةَ أَوْ لَا يُرَى أَلْبَتَّةَ عَلَى وَجْهٍ مُطَّرِدٍ وَإِنَّمَا قَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ أَوْ لَا يُمْكِنُ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ . ثم قال : أَمَّا كَوْنُهُ ( أي الهلال ) يُرَى أَوْ لَا يُرَى فَهَذَا أَمْرٌ حِسِّيٌّ طَبِيعِيٌّ لَيْسَ هُوَ أَمْرًا حِسَابِيًّا رِيَاضِيًّا . وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنْ يَقُولَ : اسْتَقْرَأْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى كَذَا وَكَذَا دَرَجَةً يُرَى قَطْعًا أَوْ لَا يُرَى قَطْعًا . فَهَذَا جَهْلٌ وَغَلَطٌ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجْرِي عَلَى قَانُونٍ وَاحِدٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ . بَلْ إذَا كَانَ بُعْدُهُ مَثَلًا عِشْرِينَ دَرَجَةً فَهَذَا يُرَى مَا لَمْ يَحُلْ حَائِلٌ وَإِذَا كَانَ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَذَا لَا يُرَى وَأَمَّا مَا حَوْلَ الْعَشْرَةِ فَالْأَمْرُ فِيهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الرُّؤْيَةِ مِنْ وُجُوهٍ :(1/120)
( أَحَدُهَا ) : أَنَّهَا تَخْتَلِفُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ تَخْتَلِفُ لِحِدَّةِ الْبَصَرِ وكلاله فَمَعَ دِقَّتِهِ يَرَاهُ الْبَصَرُ الْحَدِيدُ دُونَ الْكَلِيلِ وَمَعَ تَوَسُّطِهِ يَرَاهُ غَالِبُ النَّاسِ وَلَيْسَتْ أَبْصَارُ النَّاسِ مَحْصُورَةً بَيْنَ حَاصِرَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَرَاهُ غَالِبُ النَّاسِ وَلَا يَرَاهُ غَالِبُهُمْ : لِأَنَّهُ لَوْ رَآهُ اثْنَانِ عَلَّقَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ بِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ لَمْ يَرَوْهُ فَإِذَا قَالَ لَا يُرَى بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي حُكْمِ الشَّرْعِ وَإِنْ قَالَ يُرَى بِمَعْنَى أَنَّهُ يَرَاهُ الْبَصَرُ الْحَدِيدُ . فَقَدْ لَا يَتَّفِقُ فِيمَنْ يَتَرَاءَى لَهُ مَنْ يَكُونُ بَصَرُهُ حَدِيدًا فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى إمْكَانِ رُؤْيَةِ مَنْ لَيْسَ بِحَاضِرٍ .
( السَّبَبُ الثَّانِي ) : أَنْ يَخْتَلِفَ بِكَثْرَةِ الْمُتَرَائِينَ وَقِلَّتِهِمْ فَإِنَّهُمْ إذَا كَثُرُوا كَانَ أَقْرَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَرَاهُ لِحِدَّةِ بَصَرِهِ وَخِبْرَتِهِ بِمَوْضِعِ طُلُوعِهِ وَالتَّحْدِيقِ نَحْوَ مَطْلَعِهِ وَإِذَا قَلُّوا : فَقَدْ لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ فَإِذَا ظَنَّ أَنَّهُ يُرَى قَدْ يَكُونُونَ قَلِيلًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرَوْهُ وَإِذَا قَالَ : لَا يُرَى فَقَدْ يَكُونُ الْمُتَرَاءُونَ كَثِيرًا فِيهِمْ مَنْ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى إدْرَاكِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ غَيْرُهُ .(1/121)
( السَّبَبُ الثَّالِثُ ) : أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَكَانِ التَّرَائِي فَإِنَّ مَنْ كَانَ أَعْلَى مَكَانًا فِي مَنَارَةٍ أَوْ سَطْحٍ عَالٍ أَوْ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَكُونُ عَلَى الْقَاعِ الصَّفْصَفِ أَوْ فِي بَطْنِ وَادٍ . كَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ أَمَامَ أَحَدِ الْمُتَرَائِينَ بِنَاءٌ أَوْ جَبَلٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ يُمْكِنُ مَعَهُ أَنْ يَرَاهُ غَالِبًا وَإِنْ مَنْعَهُ أَحْيَانًا وَقَدْ يَكُونُ لَا شَيْءَ أَمَامَهُ . فَإِذَا قِيلَ : يُرَى مُطْلَقًا لَمْ يَرَهُ الْمُنْخَفِضُ وَنَحْوُهُ وَإِذَا قِيلَ لَا يُرَى فَقَدْ يَرَاهُ الْمُرْتَفِعُ وَنَحْوُهُ وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَلِفُ بِهَذَا اخْتِلَافًا ظَاهِرًا .(1/122)
( السَّبَبُ الرَّابِعُ ) : أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ وَقْتِ التَّرَائِي وَذَلِكَ أَنَّ عَادَةَ الحساب أَنَّهُمْ يُخْبِرُونَ بِبُعْدِهِ وَقْتَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الشَّمْسِ فَيَكُونُ نُورُهُ قَلِيلًا وَتَكُونُ حُمْرَةُ شُعَاعِ الشَّمْسِ مَانِعًا لَهُ بَعْضَ الْمَنْعِ فَكُلَّمَا انْخَفَضَ إلَى الْأُفُقِ بَعُدَ عَنْ الشَّمْسِ فَيَقْوَى شَرْطُ الرُّؤْيَةِ وَيَبْقَى مَانِعُهَا فَيَكْثُرُ نُورُهُ وَيَبْعُدُ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ فَإِذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُرَى وَقْتَ الْغُرُوبِ أَوْ عَقِبَهُ فَإِنَّهُ يُرَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ عِنْدَ هُوِيِّهِ فِي الْمَغْرِبِ وَإِنْ قَالَ : إنَّهُ يُضْبَطُ حَالُهُ مِنْ حِينِ وُجُوبِ الشَّمْسِ إلَى حِينِ وُجُوبِهِ فَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَضْبُطَ عَدَدَ تِلْكَ الدَّرَجَاتِ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُرْتَفِعًا بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْبُعْدِ أَمَّا مِقْدَارُ مَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الضَّوْءِ وَمَا يَزُولُ مِنْ الشُّعَاعِ الْمَانِعِ لَهُ فَإِنَّ بِذَلِكَ تَحْصُلُ الرُّؤْيَةُ بِضَبْطِهِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ - يَصِحُّ مَعَ الرُّؤْيَةِ دَائِمًا أَوْ يَمْتَنِعُ دَائِمًا - فَهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَبَدًا وَلَيْسَ هُوَ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا مُنْضَبِطًا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ .(1/123)
( السَّبَبُ الْخَامِسُ ) : صَفَاءُ الْجَوِّ وَكَدَرُهُ . لَسْت أَعْنِي إذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ كَالْغَيْمِ وَالْقَتَرِ الْهَائِجِ مِنْ الْأَدْخِنَةِ وَالْأَبْخِرَةِ وَإِنَّمَا إذَا كَانَ الْجَوُّ بِحَيْثُ يُمْكِنُ فِيهِ رُؤْيَتُهُ أَمْكَنَ مِنْ بَعْضٍ إذَا كَانَ الْجَوُّ صَافِيًا مِنْ كُلِّ كَدَرٍ فِي مِثْلِ مَا يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ عَقِبَ الْأَمْطَارِ فِي الْبَرِّيَّةِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ بُخَارٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْجَوِّ بُخَارٌ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ رُؤْيَتُهُ كَنَحْوِ مَا يَحْصُلُ فِي الصَّيْفِ بِسَبَبِ الْأَبْخِرَةِ وَالْأَدْخِنَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ كَمَا يُمْكِنُ فِي مِثْلِ صَفَاءِ الْجَوِّ . وَأَمَّا صِحَّةُ مُقَابَلَتِهِ وَمَعْرِفَةِ مَطْلَعِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ . فَهَذَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُمْكِنُ الْمُتَرَائِي أَنْ يَتَعَلَّمَهَا . أَوْ يَتَحَرَّاهُ . فَقَدْ يُقَالُ : هُوَ شَرْطُ الرُّؤْيَةِ كَالتَّحْدِيقِ نَحْوَ الْمَغْرِبِ خَلْفَ الشَّمْسِ فَلَمْ نَذْكُرْهُ فِي أَسْبَابِ اخْتِلَافِ الرُّؤْيَةِ . وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا مَا لَيْسَ فِي مَقْدُورِ الْمُتَرَائِينَ الْإِحَاطَةُ مِنْ صِفَةِ الْأَبْصَارِ وَأَعْدَادِهَا وَمَكَانِ التَّرَائِيِ وَزَمَانِهِ وَصَفَاءِ الْجَوِّ وَكَدَرِهِ .(1/124)
*** فَإِذَا كَانَتْ الرُّؤْيَةُ حُكْمًا تَشْتَرِكُ فِيهِ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الَّتِي لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا دَاخِلًا فِي حِسَابِ الْحَاسِبِ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ مَعَ ذَلِكَ يُخْبِرُ خَبَرًا عَامًّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ حَيْثُ رَآهُ عَلَى سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ دَرَجَاتٍ أَوْ تِسْعٍ أَمْ كَيْفَ يُمْكِنُهُ يُخْبِرُ خَبَرًا جَزْمًا أَنَّهُ يُرَى إذَا كَانَ عَلَى تِسْعَةٍ أَوْ عَشَرَةٍ مَثَلًا . وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ مُخْتَلِفِينَ فِي قَوْسِ الرُّؤْيَةِ : كَمْ ارْتِفَاعُهُ . مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَيَحْتَاجُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ : إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي الْبُرُوجِ الشَّمَالِيَّةِ مُرْتَفِعَةً أَوْ فِي الْبُرُوجِ الْجَنُوبِيَّةِ مُنْخَفِضَةً . فَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْبَيَانِ أَنَّ خَبَرَهُمْ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ جِنْسِ خَبَرِهِمْ بِالْأَحْكَامِ وَأَضْعَفَ ... فَالْقَوْلُ بِالْأَحْكَامِ النُّجُومِيَّةُ بَاطِلٌ عَقْلًا مُحَرَّمٌ شَرْعًا ... فَقَدْ تَبَيَّنَ تَحْرِيمُ الْأَخْذِ بِأَحْكَامِ النُّجُومِ عِلْمًا أَوْ عَمَلًا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مُتَعَذِّرٌ فِي الْغَالِبِ ...(1/125)
فَنُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَفِي الْأَحْكَامِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ يُعْلَمُ بِأَدِلَّةِ الْعُقُولِ امْتِنَاعُ ضَبْطِ ذَلِكَ وَيُعْلَمُ بِأَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَمَّا نَظُنُّ مِنْ مَنْفَعَتِهِ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ إنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ عُلُومٍ صَادِقَةٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مَنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَبَيْنَ ظُنُونٍ كَاذِبَةٍ لَا ثِقَةَ بِهَا وَأَنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ . وَلَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الْحَاسِبَ إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ فِي حِسَابِ الدَّقَائِقِ وَالثَّوَانِي كَانَ غَايَتُهُ مَا لَا يُفِيدُ . وَإِنَّمَا تَعِبُوا عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْأَحْكَامِ . وَهِيَ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ .
أَمَّا الْكَلَامُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَإِنْ كَانَ عِلْمًا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ ظَنًّا مِثْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ الرَّاجِحِ فَهُوَ عَمَلٌ بِعِلْمِ . وَهُوَ ظَنٌّ يُثَابُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " ا.هـ مجموع الفتاوى ( 25 / 173 - 201 )
الوجه السابع والثلاثون : لا يشترط أن تكون رؤية الهلال بعد غروب الشمس ، وقد عمل جماهير العلماء برؤية الهلال نهارًا ، ويكون الغد هو أول الشهر :(1/126)
وهذا فيه إبطال لشبهة الفلكيين : أن القمر في اليوم الذي رآه فيه المسلمون غرب قبل الشمس ، أو مكث بعدها مدة يسيرة لا تمكن معها الرؤية بزعمهم ، أو كان قريبا منها جدا ؛ فتستحيل رؤيته بعد غروبها ، لظنهم أن من شروط رؤية الهلال أن تكون بعد غروب الشمس .
والأدلة على العمل برؤية الهلال نهارًا كثيرة :
*** فعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدِمَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّهِ لَأَهَلَّا الْهِلَالَ أَمْسِ عَشِيَّةً فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا . زَادَ خَلَفٌ فِي حَدِيثِهِ : وَأَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُم " رواه أبو داود والدارقطني وقال : " إسناد حسن ثابت " ، وقال الألباني : " إسناده صحيح " .
* قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ في شرح سنن أبي داود : " ( عَشِيَّة ) الْعَشِيُّ مَا بَيْن الزَّوَال إِلَى الْغُرُوب " اهـ
* وفيه عملُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برؤية من رأى الهلال نهارًا .
*** وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
" إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له " أخرجه البخاري ومسلم.
* قال الإمام الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار : " ظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلا أو نهارا لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل " اهـ
* قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم : " وإن غم عليهم فجاءهم شاهدان بأن هلال شهر رمضان رئي عشية الجمعة نهارا بعد الزوال أو قبله فهو هلال ليلة السبت لأن الهلال يرى نهارا وهو هلال الليلة المستقبلة لا الليلة الماضية " اهـ(1/127)
* قال الإمام ابن قدامة في المغني (4/431 ، 432 - هجر) : ( مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( أي الخرقي ) : ( وَإِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا ، قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ الْهِلَالَ إذَا رُئِيَ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ رَمَضَان ، لَمْ يُفْطِرُوا بِرُؤْيَتِهِ . وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَأَنَسٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَاللَّيْثِ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ : إنْ رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . رَوَاهُ سَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } . وَقَدْ رَأَوْهُ ، فَيَجِبُ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ ، وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَقْرَبُ إلَى الْمَاضِيَةِ . وَحُكِيَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ . وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ ، قَالَ : " جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ - وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ - أَنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تُمْسُوا ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ عَشِيَّةً " (1). وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَخَبَرُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رُئِيَ عَشِيَّةً ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ .(1/128)
ثُمَّ إنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا يَقْتَضِي الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مِنْ الْغَدِ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَآهُ عَشِيَّةً . فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ فِي أَوَّلِ رَمَضَان ، فَالصَّحِيحُ أَيْضًا ، أَنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ . وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ . وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ ، فَيَلْزَمُ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَإِمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ فِي آخِرِهِ ، فَهُوَ لَهَا فِي أَوَّلِهِ ، كَمَا لَوْ رُئِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ ) اهـ
*** ولنضرب مثالا يوضح المسألة : إذا رؤي هلال شوال نهار الاثنين ( قبل الزوال أو بعده = أي قبل غروب الشمس ) لم يفطروا ذلك اليوم ( الاثنين ) ، ويكون الهلال لِلَّيْلةِ المستقبَلَةِ ، فيكون العيد الثلاثاء ، وهذا هو مذهب الجمهور ، والله أعلم .
_______ حاشية ___________________________
(1) رواه عبد الرزاق (4/ 162، 163) وابن أبي شيبة (3/ 67) و البيهقي في السنن الكبرى (4/ 213) . ________________________________________
*** فتوى الشيخ يوسف القرضاوي في العمل برؤية الهلال نهارًا ، وإمكانها بعد كسوف الشمس وبدونه :
* السؤال :(1/129)
تناقلت وكالات الأنباء خبرا مفاده : أن كسوفا جزئيا للشمس سيحدث يوم الاثنين القادم 29 شعبان 1426 هـ الموافق 3/10/2005 م ويستمر من الثانية عشرة ظهرا حتى الثالثة عصرا ، وسوف يكون من الممكن رؤية ولادة الهلال في منطقة الخليج بواسطة نظارات خاصة ، وفي ليبيا والسودان سيكون هناك كسوف كلي حلقي يمكن معه رؤية الهلال بصورة أوضح ؟ والسؤال : هل تعتبر هذه الرؤية التي تتم في وضح النهار رؤية شرعية يثبت بها دخول شهر رمضان المبارك ويصوم الناس على أساسها ؟ أم أن تحري الهلال لا بد أن يكون إلا بعد المغرب ؟ وفقكم الله لما فيه خير المسلمين .
* الجواب :
قال الشيخ يوسف القرضاوي : ( ما الحكم إذا رئي الهلال في النهار ، كما في الواقعة المسؤول عنها ، حين يرى الهلال نهارا ، بسبب كسوف الشمس ووجود الظلمة التي يؤكدها الكسوف الجزئي أو الكلي ؟
لقد ذكر الفقهاء هذه القضية ، واختلفوا فيها على عدة أقوال :
1- قول من لا يعتد بالرؤية إلا إذا كانت بعد الغروب ، وهو مروي عن أبي حنيفة ومحمد ، وما رئي بالنهار لا عبرة له (1). وكذلك نقل عن الشافعية : أنهم قالوا : لا تكفي رؤيته نهارا عن رؤيته ليلة الثلاثين .
2- وقول من يعتمد الرؤية النهارية ، ولكنه يفرق بين ما رئي قبل الزوال ، وما رئي بعده ، فما كان قبل الزوال فهو لليلة الماضية ، وما رئي بعد الزوال، فهو لليلة المقبلة ؛ لأن ما بعد الزوال ملحق بما بعد الغروب، فهو أقرب إليه . وقد جاء ذلك عن علي وعائشة ، وهو رواية عن عمر أيضا (2).(1/130)
3- وقول من يرى : أن الرؤية في النهار معتبرة شرعا ، وأن ما رؤي في النهار فهو لليلة القادمة ، سواء كان قبل الزوال أم بعده . وهو رواية أخرى عن عمر ، كما نقل عن ابنه عبد الله ، وعن ابن مسعود وعن أنس : أن رؤية الهلال بالنهار لليلة القادمة ، وهو المعتمد عند الجمهور : قال في الدر المختار : رؤيته بالنهار لليلة الماضية الآتية مطلقا على المذهب ، قال في الحاشية : سواء قبل الزوال أو بعده (3). وعن مالك في المدونة : من رأى هلال شوال نهارا فلا يفطر ، ويتم صيام يومه ذلك فإنما هو هلال الليلة التي تأتي (4).
وهذا الذي نرجحه ؛ لأن ما قبل رؤية الهلال لا يكون من الشهر ، إذ بها يعد الشهر ، فكيف يعتبر من رمضان فيصام ، إن كان هلال رمضان ؟ أو يعتبر من شوال فيفطر ويحرم فيه الصوم قبل ثبوت الشهر؟ وبهذا يتضح لنا : أنه إذا كانت رؤية الهلال بعد منتصف النهار ، وبتعبير آخر: بعد زوال الشمس ، فقد اتفق جمهورالفقهاء على أنه يعتبر لليلة القادمة ، ولا صيام على الناس في ذلك اليوم - أعني بقية النهار- إن كان هلال رمضان . كما لا فطر عليهم في ذلك اليوم وإعلان العيد ، إن كان هلال شوال . وذلك بالإجماع المتيقن ، كما قال الإمام ابن حزم . وإنما أجمعوا على ذلك ؛ لاتفاق الروايات عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم باعتبار رؤية الهلال بعد الزوال لليلة القادمة (5). وبما أن الواقعة المسؤول عنها : أن الكسوف سيكون بعد الثانية عشرة والنصف ، أي بعد الزوال ، فمعنى هذا : أن الهلال الذي يرى حينئذ هو لليلة المقبلة باتفاق . وعليه يكون ابتداء شهر رمضان - إذا ثبتت هذه الرؤية - يوم الثلاثاء الموافق الرابع من أكتوبر 2006 م .(1/131)
يؤكد هذا أن يوم الاثنين الذي يرى فيه الهلال ، هو اليوم التاسع والعشرون من شعبان ، ولا يتصور أن يكون الهلال لليلة الماضية ، ويكون يوم الاثنين من رمضان ؛ لأن معناه : أن الشهر يكون ثمانية وعشرين يوما ، وهو منافٍ لما هو ثابت شرعا : من أن الشهر إما ثلاثون أو تسعة وعشرون يوما ، كما هو ثابت في الأحاديث الصحاح . والله أعلم ) ا.هـ باختصار ، مع التنبيه أن الشيخ القرضاوي ممن يرى العمل بالحساب في النفي ، وسبق الرد على ذلك بدلائله واضحًا بحمد الله تعالى .
_________ حواشي ______________________
(1) انظر : حاشية ابن عابدين على الدر المختار (6/ 251) بتحقيق د. حسام الدين فرفور .
(2) راجع المحلى لابن حزم (3/540 - 543) والاستذكار لابن عبد البر (4/9- 11).
(3) انظر: المرجعين السابقين . (4) انظر: المدونة ( 1/ 175).
(5) راجع المحلى لابن حزم (3/540 - 543) والاستذكار لابن عبد البر (4/9- 11).
____________________________________________
الوجه الثامن والثلاثون : جواز انفراد المسلم الواحد برؤية هلال رمضان دون سائر المسلمين ، ولا يُعَدُّ ذلك تهمة توجب رد شهادته ، بل قبلها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعمل بها المسلمون :
*** عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " تراءَى الناسُ الهلالَ فأخبرتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أنى رأيتُهُ فصامَ و أمرَ الناسَ بصيامِهِ " رواه أبو داود ( 2342 ) ، وصححه الحاكم والنووي والذهبي وابن حزم وابن حجر وابن الملقن والألباني .(1/132)
* قَالَ الإمام الترمذي رحمه الله : ( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ - يعني حديثَ ابْنِ عَبَّاسٍ في شهادة أَعْرَابِيٍّ برؤية الهلال - عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الصِّيَامِ وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ قَالَ إِسْحَقُ لَا يُصَامُ إِلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْإِفْطَارِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ ) اهـ.
* قَالَ الإمامُ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله : ( فِيهِ أَنَّ شَهَادَة الْوَاحِد الْعَدْل فِي رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان مَقْبُولَة ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو يُوسُف يُجِيزَانِ عَلَى هِلَال رَمَضَان شَهَادَة الرَّجُل الْوَاحِد الْعَدْل ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة الْوَاحِدَة وَإِنْ كَانَتْ أَمَة ، وَلَا يُجِيزَانِ فِي هِلَال الْفِطْر أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ، وَكَانَ الشَّافِعِيّ لَا يُجِيز فِي ذَلِكَ شَهَادَة النِّسَاء ، وَكَانَ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ يَقُولُونَ لَا يُقْبَل عَلَى هِلَال شَهْر رَمَضَان وَلَا عَلَى هِلَال الْفِطْر أَقَلّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ . وَفِي قَوْل اِبْن عُمَر : " تَرَاءَى النَّاس الْهِلَال فَأَخْبَرْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " وَقَبُوله فِي ذَلِكَ قَوْله وَحْده دَلِيل عَلَى وُجُوب قَبُول أَخْبَار الْآحَاد وَأَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن أَنْ يَكُون الْمُخْبِر بِذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَنْ النَّاس وَحْده وَبَيْن أَنْ يَكُون مَعَ جَمَاعَة مِنْ النَّاس وَلَا يُشَارِكهُ أَصْحَابه فِي ذَلِكَ ) اهـ.(1/133)
*** وعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدِمَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاَللَّهِ لَأَهَلَّ الْهِلَالُ أَمْسِ عَشِيَّةً فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُودَاوُد وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ : ( وَأنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ ) . قال الدارقطني: " حسن ثابت " ، وقال الألباني : " إسناده صحيح " .
*** قال الإمام الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار : " قَدْ قَبِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِلَالِ شَهَادَةَ بَدَوِيٍّ ... وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَعْرَابِ وَأَنَّهُ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ " ا.هـ
*** وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ الْبَصَرِ فَرَأَيْتُهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي ، قَالَ : فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ أَمَا تَرَاهُ ، فَجَعَلَ لَا يَرَاهُ ، قَالَ : يَقُولُ عُمَرُ : سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي " رواه مسلم في صحيحه.(1/134)
*** وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال : " كنت جالسًا عند عمر ، فأتاه راكبٌ فزعم أنه رأى الهلال هلال شوال، فقال عمر : أيها الناس أفطروا " رواه أحمد بن حنبل في مسنده (193 ،307) وابن سعد (6/110) والبزار (1/358 / رقم 240) وأبو يعلى والبيهقي في السنن الكبرى (4/249) وأبو نُعَيم في حلية الأولياء ، وفي لفظ للبيهقي وغيره : عن عبدِ الرحمنِ بن أبي ليلى " أن عمرَ رضي الله عنه أجاز شهادة رجل واحد في رؤية الهلال في فطر أو أضحى " . قال العباس بن محمد الدوري : ( سئل يحيى بن معين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر ، فقال : لم يره ، فقلت له : الحديث الذي يروى كنا مع عمر نترايا الهلال ، فقال : ليس بشيء ) اهـ وسنده ضعيف لكن يشهد له ما سبق .
*** قال الإمام البغوي رحمه الله : ( وروي عن عَلِيٍّ رضي الله عنه " أن رجلا شهد عنده على رؤية هلال رمضان ، فصام وأمر الناس أن يصوموا ، وقال : أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان " . قال : وإليه ذهب أكثر أهل العلم ) .
*** قال أبو حامد الغزالي في المستصفى في علم الأصول : " وَأَمَّا انْفِرَادُ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمُمْكِنٌ ، وَقَدْ يَقَعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى لِخَفَاءِ الْهِلَالِ وَدِقَّتِهِ ، فَيَنْفَرِدُ بِهِ مَنْ يَحْتَدُّ بَصَرُهُ وَتَصْدُقُ فِي الطَّلَبِ رَغْبَتُهُ وَيَقَعُ عَلَى مَوْضِعِ الْهِلَالِ بَصَرُهُ عَنْ مَعْرِفَةٍ أَوْ اتِّفَاقٍ " اهـ .
الوجه التاسع والثلاثون : الأحكام لا تجب إلا بيقين لا شك فيه ، والرؤية عين يقين ، والحساب شك وظن ، واليقين لا يزول بالشك :(1/135)
* قال الإمامُ ابنُ عبدِ البرِّ رحمه الله تعالى في شرح حيث ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فان غم عليكم فعدوا ثلاثين " قال : ( في حديث ابن عباس هذا من الفقه ... أنَّ اللهَ تعبدَ عبادَهُ في الصوم برؤية الهلالِ لرمضانَ أو باستكمال شعبان ثلاثين يومًا وفيه تأويل لقول الله عز وجل : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه ) إن شهوده رؤيته أو العلم برؤيته ، وفيه أن اليقين لا يزيله الشك ولا يزيله إلا يقينٌ مثله لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس ألا يدعوا ما هم عليه من يقين شعبان إلا بيقين ؛ رؤية واستكمال العدة ، وإن الشك لا يعمل في ذلك شيئا ولهذا نهى عن صوم يوم الشك ؛ اطراحا لأعمال الشك ، وإعلامًا أن الأحكامَ لا تجبُ إلا بيقين لا شكَّ فيه ، وهذا أصل عظيم من الفقه أن لا يدع الإنسان ما هو عليه من الحال المتيقنة إلا بيقين من انتقالها ، وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يومًا " ، يقتضي استكمال شعبان قبل الصيام ، واستكمال رمضان أيضًا ) اهـ . أي إن لم ير الهلالُ بالبصرِ ، لا يعمل بالحساب الفلكي ، ويكمل الشهر ثلاثين يومًا ولا بد .
* قال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد بن محمد رحمه الله : ( أول الشهر لا يعتبر إلا بيقين . وهذا مطرد من قاعدة الشريعة في العبادات المؤقتة : أنه لا يصح وقوعها إلا في وقتها بيقين تام . ولهذا ربط الله أسبابها بعلامات يقينية لا مدخل للعباد فيها بل هي سنن كونية ثابتة يستوي في معرفتها عموم الخلق : علماء ، وعامة ، وحاضرة ، وبادية . وهذا من أجل أسباب اليسر ورفع الحرج في الشريعة ... الشرع علق الأحكام التعبدية الشهرية على الأهلة بطريقتي اليقين : الرؤية أو الإكمال . وذلك :
1- لسهولته ، ويسر يقينيته .
2- ولأنه لا يدخله الخطأ .(1/136)
3- ولأن كل نظام سواه الأصل فيه : الخطأ كالحساب فإنه - مع عسرِهِ
وندرة العارف به - يدخله الخطأ كثيرًا .
قال : اليقين في ذلك يتحقق بأمر محسوس : حقيقة أو حكمًا ؛ حقيقة محسوسة بالإهلال ، وفي حكم المحسوسة بالإكمال أي :
1- الهلال بالرؤية البصرية . وهذا أمر محسوس حقيقة .
2- الإكمال لشعبان مثلاً ثلاثين يوماً في حال تعذر الرؤية لغيم ونحوه . وهذا محسوس حكمًا ، يقيني في واقع الحال ، لعصمة التشريع بخبره الصادق والذي هو من سنن الله الكونية : أن الشهر القمري لا ينقص عن (29) يومًا ، ولا يزيد عن (30) يومًا . فالشرع أناط الحكم بأول الشهر بوجود الهلال حقيقة لا بوجوده تقديرًا ، وأن وجوده حقيقة بالرؤية البصرية بالإهلال ، أو بالإكمال . وأنه بأمرٍ لا مدخلَ للعبادِ فيه بل هو سنةٌ كونيةٌ ثابتةٌ . وصاحبُ الشرع أشعر بحصر السبب فيهما ولم ينصب سببًا سواهما . ووجه التيقن بالإكمال أيضًا هو : استصحاب الأصل ، إذ الأصل بقاء الشهر وكماله فلا يترك هذا الأصل إلا ليقين بناء على أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بمثله ) اهـ.
* وسبق في الوجه العشرين : وهو اختلاف الحُسَّاب فيما بينهم اختلافا كثيرًا يرفع الثقة بأقوالهم . و الوجه الخامس والعشرين : وهو الحساب الفلكي لايفيد القطع بل هو ظني والخطأ فيه واقع ومتكرر ؛ ما يؤكد أن الحساب شك وظن ، والصوم لا يجب إلا بيقين لا شك فيه ، والرؤية عين يقين ، واليقين لا يزول بالشك ، والله أعلم .
الوجه الأربعون : الحساب الفلكي منابذ للشرع في باب الصوم والإفطار :
*** قال الله عز وجل : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) (النساء:115)(1/137)
** قال العلامة شهاب الدين محمود الألوسي رحمه الله تعالى : ( (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ) أي يخالفه من الشق فإن كلًّا من المتخالفين في شق غير شق الآخر ، ... والتعرض لعنوان الرسالة لإظهار كمال شناعة ما اجترءوا إليه من المشاقة والمخالفة ، ... قال : فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيندرج فيه ذلك وغيره من المشاقين . (مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) أي ظهر له الحق فيما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم ... (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أي غير ما هم مستمرون عليه من عَقْدٍ وعَمَلٍ ، فيعمّ الأصولَ والفروعَ والكل والبعض (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى) أي نجعله والِيًا لما تولاه من الضلال ، ويؤول إلى أنَّا نضله ... واستدل الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه على حجية الإجماع بهذه الآية ) اهـ.
** قال العلامة الفقيه بكر بن عبد الله أبو زيد بن محمد رحمه الله :
( منابذته للشرع ، وذلك من وجوه :(1/138)
( أولًا ) : حقيقة الشهر عند الفلكيين هي المدة بين اجتماع الشمس والقمر مرتين بعد الاستسرار وقبل الاستهلال . وهذه المدة مقدرة عندهم بمقدار واحد وهو (29) يومًا ، (12) ساعة ، و (44) دقيقة . وتمثل هذه المدة دورة القمر حول الأرض أي دورته الاقترانية بالشمس بحيث يكون القمر واقعًا بين الأرض والشمس تمامًا . وعند اللحظة التي يغادر القمر فيها وضع الاقتران أي ينفصل فيها القمر عن الدائرة الشعاعية ويستمر إلى أن يجتمع معها مرة ثانية ؛ حينئذ يبدأ الشهر القمري الفلكي . واعلم أن (الاقتران) عند الفلكيين هو ما يسمى بالمحاق عند المتقدمين . واعلم أنه في حال الاقتران لا يرى القمر ؛ وذلك لأن نصف القمر المضيء يكون في اتجاه الشمس ، ونصفه المظلم يكون في اتجاه الأرض . ولكن عندما يتحرك القمر بعيدًا عن وضع الاقتران يتغير وضع القمر بالنسبة لسكان الأرض وتظهر حافة القمر لامعة والتي هي : قوس دقيق بشكل هلال . هذه هي حقيقة الشهر عند الفلكيين.وهذا مقداره عندهم .
أما حقيقته الشرعية : فهي الرؤية له عند الغروب أي أول ظهور القمر بعد السواد وهذا بالإجماع حكاه ابن رشد وغيره . ومقدار الشهر القمري الشرعي هو : لا يزيد عن (30) يومًا ، ولا ينقص عن (29) يومًا .
* وعليه فهناك فروق بين الاعتبارات الشرعية والاعتبارات الفلكية في عدة أمور:
1- الشهر يبتدئ عند الفلكيين قبل البَدء بالاعتبار الشرعي ، ونتيجة لذلك فهو ينتهي قبل .
2- الشهر مقدر بوحدة زمنية ثابتة عند الفلكيين هي (29) يومًا و (12) ساعة و (44) دقيقة . أما بالاعتبار الشرعي فهو إما (30) يومًا أو (29) يومًا .
3- أن الشهر يبتدئ باعتبار الشرع بطريق (الحس) والمشاهدة بالعين الباصرة أو بالإكمال بخروج الهلال حقيقة ، أما باعتبار الفلكيين فهو : بتقدير خروجه لا بخروجه فعلًا .(1/139)
4- عند الفلكيين لا فرق أن يتم الاقتران والانفصال ليلًا أو نهارًا ، فلو حصل الاقتران والانفصال قبيل الفجر فاليوم عندهم هو بعد الفجر مباشرة . ولو حصل أثناء النهار فإن الشهر يبتدئ في اللحظة التالية له . أما باعتبار الشرع فالمعتبر الرؤية بعد الغروب ؛ فلو رؤي نهارًا بعد الزوال فهو لليلة المقبلة ولا يصام ذلك النهار الذي رؤي فيه ، وهذا بلا نزاع بين أهل العلم بل حكي الإجماع عليه ، أما إذا رؤي نهارًا قبل الزوال فالجمهور ومنهم الأربعة أنه لا عبرة بذلك ، ويكون لِلَّيلةِ المقبلة ، والله أعلم .
( ثانيًا ) : دلالة النصوص النصية على أن إثبات أول الشهر بالإهلال أو الإكمال إذا لم ير الهلال وحال دون منظره قتام أو سحاب . ولو صار اللجوء إلى الحساب الفلكي وقرر الحاسب أن الشهر سيهل بمضي (29) يومًا لصار هذا ملغيًا لأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإكمال وقاضيًا على موجب النص .
( ثالثًا ) : إن صاحب الشرع جعل رؤية الهلال خارجاً من شعاع الشمس هو السبب فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم ، فألجأ الشرع إلى سبب شرعي آخر هو : إكمال العدة ثلاثين يومًا التي هي أقصى مدة للشهر القمري بنص الشرع .
* أما الحساب ففيه منابذة لهذا ؛ إذ جعل تقدير خروج القمر من الشعاع سببًا للصوم ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : " صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته " ، ولم يقل لتقدير خروجه عن شعاع الشمس . فطالما أن صاحب الشرع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشعر بحصر السبب : الإهلال أو الإكمال ، ولم ينصب صاحبُ الشرع الحسابَ لخروجه سببًا فلا يجب صوم ولا فطر . وهذا معنى ما قرره القرافي في الفروق ، والله أعلم .(1/140)
( رابعًا ) : أن الشرع وقَّت أول الشهر بأمر طبعي عام يدرك بالأبصار فلا يضل أحد عن دينه ، ولا يشغله مراعاته عن شيء من مصالحه ، ولا يدخل بسببه فيما لا يعنيه ، ويكون طريقًا إلى التلبيس في دين الله . ويستوي في معرفته أهل الإسلام كافة على اختلاف طبقاتهم .
وإثباته بالحساب الفلكي يفقد هذه المحاسن الشرعية كما هو بيِّن لمن تأمله.
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا أشد البسط في رسالته كما في : الفتاوى (25 / 134 - 136 ، 139 - 141) ، والله أعلم .
* الخلاصة :
أن طريقة إثبات أول الشهر شرعًا ، بالإهلال أو الإكمال ، وأن إجماع المسلمين منعقد على عدم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور ، وأن الخلاف الحاصل حادث ، ثم هو ليس على إطلاقه بل هو مقيد ، ثم إنه وقعت في حكايته أغاليط ، وأن كلمة المحققين والحفاظ على أن الخلاف الحادث في هذا شاذٌّ تنكبه الأئمة ، والله أعلم ) ا.هـ .
الوجه الحادي والأربعون : بطلان شروط الفلكيين ومن اغتر بهم التي لم يشترطها الشرع الشريف لصحة الرؤية :
*** عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ " . رواه البخاري واللفظ له ، ومسلم في صحيحيهما .
* وقال عمر وابن عمر رضي الله عنهما : " كُلُّ شَرْطٍ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ " علقه البخاري في صحيحه مجزومًا به .(1/141)
* قال أبو عمر ابن عبد البر : ( قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " ، يعني في حكم الله ، كما قال : ( كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) (النساء:24) يعني حكمه وقضاءه ، فكل شرط ليس في حكم الله وحكم رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] جوازه فهو باطل ، لأن الله قد قرن طاعة رسوله بطاعته في آيات كثيرة من كتابه ، وهذا أصح ما في هذا الباب ، والله الموفق للصواب ) اهـ .
* وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قضاء الله وشرطه : الصوم والفطر للرؤية البصرية ، ولا يعلم في نص كتاب الله ولا في دلالة صحيحة مقبولة منه أن يكون الصوم والفطر للحساب ، بل أبطله الشارع الحكيم بصرائح الدلالات .
* ومن الشروط الباطلة المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ما اشترطه الفلكيون ومن اغتر بهم لصحة الرؤية ، واتخذوه سُلَّمًا للعمل بالحساب الفلكي لكن في النفي دون الإثبات بزعمهم ، ويقصدون بذلك إبطال الرؤية الشرعية التي أبطلها الحساب ولم يشهد بصحتها ، يريدون أن يُبَدِّلُوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشروطهم أولى بالبطلان :
ومنها : أن تغرب الشمس قبل غروب الهلال ، وأن يمكث بعدها كذا وكذا دقيقة ، وزاوية ارتفاع القمر عن الأفق تساوي على الأقل كذا وكذا درجة ، وزاوية انفصال القمر عن الشمس تساوي على الأقل كذا وكذا درجة ، وأن يمرَّ عليه بعد الاقتران كذا وكذا ساعة .(1/142)
* وهذا يشهد الحِسُّ بخلافه ؛ فإن رؤية الهلال نهارًا تكررت ، وعَمِلَ بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم لليوم التالي . وتقدير الفلكيين لمدة بقاء الهلال بعد الغروب وزاوية انفصاله عن الشمس وصغره وكبره يخطئ في أحيان كثيرة كما سبق في الوجه الرابع والعشرين ، وذلك لأسباب كثيرة من أهمها قوله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ " رواه مسلم في صحيحه . ومعناه أن الله تعالى يطيل مدة بقاء الهلال وحجمه ليراه المسلمون فضلا منه تعالى ونعمة ، فله الحمد والشكر ، كما سبق في الوجه الثاني والثلاثين ، ولأن سرعة مسير القمر تسرع وتبطئ وتتغير ، وقد يولد ولا يراه أحد ، حسب تقدير العزيز العليم ، مما لا يتمكنون من حسابه بيقين لا خطأ فيه ، كما مرَّ عن فضلاء الفلكيين ، وتزكيتهم لأنفسهم وعلمهم مردودة غير مقبولة ، وإجماعهم غير معصوم من الخطأ ، بل يجوز عليهم الخطأ والغلط جميعًا كما سبق عن الشيخ ابن باز رحمه الله ، ولأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يراع هذه الشروط ولم يعمل بها ولم يأمر المسلمين بتعلمها ، ولو كانت لا تصح الرؤية إلا بمراعاتها لبيَّنَها الشرع الشريف - كما بيَّنَ صلى الله عليه وسلم الفروق بين الفَجْرَين الصادق والكاذب - لأنه ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب . وليست هذه الشروط من باب الاحتياط للرؤية وصيانتها من الغلط ، لأنه صلى الله عليه وسلم بلَّغ البلاغ المبين واحتاط لصحة العبادة أشد الاحتياط ، ولم يلتفت إلى شروطهم بل أبطلها ، فكأن الفلكيين يستدركون عليه صلى الله عليه وسلم ويتهمونه بالتقصير ، حاشاه بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه وآله وصحبه وأتباعه ، وهدانا الله والفلكيين لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، والله تعالى أعلى وأعلم .(1/143)
* قال صاحب " تلقيح الافهام العلية بشرح القواعد الفقهية " : ( القاعدة الثلاثون : الأصل في شروط العبادات المنع والحظر إلا بدليل : ... قد تقدم لنا أن الأصل في العبادات الحظر والمنع ، وهذا عام في أصل العبادة وشرطها وصفتها ، فلا يجوز اختراع عبادةٍ لا أصل لها ، ولا اختراع صفةٍ لها ، ولا اشتراط شرط فيها إلا بدليل صحيح صريح ... وبيانها أن يقال : إن الله تعالى قد تعبدنا بالفرائض والواجبات والسنن وأرسل لنا الرسل وأنزل لنا الكتب لتدلنا على هذه العبادات ولم يترك الله تعالى لعقولنا مدخلًا في باب العبادات ؛ لأن العقل لا يستقل بإدراك ما يجوز التعبد به مما لا يجوز . فإذا علم هذا فاعلم أن الذي فرض علينا الفرائض والواجبات وسن السنن جعل لها شروطًا لا تصح إلا بها ؛ لأنه يعلم أنها لا تكون عبادة إلا بهذه الشروط ، فمن هذه الشروط قائم على اشتراطه هو جل وعلا في القرآن أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلابد من الجمع بين العبادة وشروطها التي دلت عليها الأدلة الصحيحة كالصلاة وشروطها والزكاة وشروطها والحج وشروطه والصوم وشروطه وهكذا ، فلا يجوز لأحدٍ من الناس أن يربط صحة هذه العبادة بشرطٍ ما إلا إذا دل الدليل على اشتراطه ؛ لأن الشرط في العبادات لا يكون إلا من الشارع فقط ؛ لأن مبناه على الغيب والتوقيف ، فمن فتح لعقله باب الاشتراط في العبادة فقد جعل نفسه مشرعًا مع الله تعالى ، وكذلك لا يجوز ربط العبادة بشرط لم يدل عليه إلا دليل ضعيف فالأدلة الضعيفة لا يحتج بها في باب الأحكام . فمن عرف ذلك انكشف له زيف كثير من الشروط التي يمليها الفقهاء في بعض العبادات مما لا دليل عليه أصلًا أو عليه دليل ضعيف ...(1/144)
وخلاصة الكلام أن يقال : إن الأصل في العبادة هو الإطلاق عن جميع الشروط إلا بدليل فمن ربط صحة عبادة - أي عبادة - بشرطٍ - أي شرط - ؛ فقد خالف الأصل فيطالب بالدليل المصحح لذلك فإن جاء به فعلى العين والرأس ، وإن لم يكن ثمة دليل فلا ولا كرامة ) ا هـ.
* وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللهِ وَشَرْطَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَمَا خَالَفَهُ كَانَ شَرْطًا بَاطِلًا مَرْدُودًا ، وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ مِنْ رَدِّ حُكْمِ الْحَاكِمِ إذَا خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمِنْ رَدِّ فَتْوَى الْمُفْتِي ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَلَى رَدِّ وَصِيَّةِ الْجَانِفِ فِي وَصِيَّتِهِ وَالْآثِمِ فِيهَا ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِرَدِّ كُلِّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ ، فَهَذَا الشَّرْطُ مَرْدُودٌ بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَهُ وَيَعْتَبِرَهُ وَيُصَحِّحَهُ ... قال : وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الشَّرْطَ الْبَاطِلَ الْمُخَالِفَ لِكِتَابِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ نَصِّ الشَّارِعِ ، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ، بَلْ قَدْ قَالَ إمَامُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ : " كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ " ) ا.هـ
* ولعل بعض الفلكيين يكذب بقول الله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) (يس:38) أو يحرفه ويتأوله على غير وجهه الذي بيَّنَهُ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .(1/145)
* فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا : " أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسَ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهَا ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ ذَاكَ حِينَ ( لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) " . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، واللفظ لمسلم ، وزاد البخاري : " فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ".
* وكما تجري الشمسُ وتسجدُ ، كذلك القمرُ :(1/146)
قال الله تعالى : ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) (الرعد:2) وقال : ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ) (فاطر:13) ، وقال سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) (الحج:18) ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (يس:40) .
* وسبق في الوجه الرابع والثلاثين : الفرق بين حساب أوقات الصلوات ، وحساب دخول الشهر وخروجه . وسبق في الوجه الخامس والعشرين : فقرة (14) أخطاء الْحُسَّاب في ضبط مواقيت الصلوات معروفة ، والتقاويم وبرامج الحاسب الآلي المعدة لحساب وقت الصلاة بينها فروق واضحة في التوقيت ، ولهذا قال العلماء : لا ينبغي أن تناط بالتقويم أوقات الصلاة والصيام . فراجعه فإنه مهم . والله أعلم .
* وصدق الله عز وجل : ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) (الإسراء:85) ، والله أعلم.
_______________ فصل ________________
فوائدُ جَليلةٌ في اتباعِ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/147)
قال الله عز وجل : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (النور:63) ، وقال تبارك وتعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (الحشر:7) ، وقال سبحانه وتعالى : ( وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (النساء:14) وقال الله تعالى : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما ) (النساء:65)
* قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( قد أقسم سبحانه بنفسه المقدسة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] في كل ما شجر بينهم ولا يكفي ذلك في حصول الإيمان حتى يزولَ الحرجُ من نفوسهم بما حكم به في ذلك أيضًا حتى يحصل منهم الرضا والتسليم فقال تعالى : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما ) (النساء:65)
فأكد ذلك بضروب من التأكيد :
أحدها : تصدير الجملة المقسم عليها بحرف النفي المتضمن لتأكيد النفي المقسم عليه وهو في ذلك كتصدير الجملة المثبتة بـ" إن " .
الثاني : القسم بنفسه سبحانه .
الثالث : أنه أتى بالمقسَمِ عليه بصيغة الفعل الدالة على الحدوث أي لا يقع منهم إيمان ما حتى يحكموك .
الرابع : أنه أتى في الغاية بـ"حتى" دون "إلا" المشعرة بأنه لا يوجد الإيمان إلا بعد حصول التحكيم لأن ما بعد "حتى" يدخل فيما قبلها .(1/148)
الخامس : أنه أتى المحكم فيه بصيغة الموصول الدالة على العموم وهو قوله : ( فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) أي في جميع ما تنازعوا فيه من الدقيقة والجليلة .
السادس : أنه ضم إلى ذلك انتفاء الحرج وهو الضيق من حكمه .
السابع : أنه أتى به نكرة في سياق النفي أي لا يجدون نوعا من أنواع الحرج البتة .
الثامن : أنه أتى بذكر ما قضى به بصيغة العموم فإنها إما مصدرية أي من قضائك أو موصولة أي من الذي قضيته وهذا يتناول كل فرد من أفراد قضائه .
التاسع : أنه لم يكتف منهم بذلك حتى يضيفوا إليه التسليم وهو قدر زائد على التحكيم وانتفاء الحرج ، فما كل من حكَّم انتفى عنه الحرج ولا كل من انتفى عنه الحرج يكون مسلما منقادًا فإن التسليم يتضمن الرضا بحكمه والانقياد له .
العاشر : أنه أكد فعل التسليم بالمصدر المؤكد .
ونحن نناشد هؤلاء [...] بالله الذي لا إله إلا هو هل يجدون في أنفسهم هذا التسليم والانقياد والتحكيم للنصوص وهل هم مع الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وما جاء به بهذه المنزلة ، فوالله إن قلوبهم وألسنتهم وكتبهم لتشهد عليهم بضد ذلك كما يشهد به عليهم المؤمنون والملائكة وأولوا العلم والله سبحانه ، وكفى بالله شهيدا ) ا.هـ
* قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : ( أَقْسَمَ اللهُ تعالى بربوبيته لرسوله صلى الله عليه وسلم التي هي أخص ربوبية قسماً مؤكداً على أن لا إيمان إلا بأن نحكم النبي صلى الله عليه وسلم في كل نزاع بيننا ، وأن لا يكون في نفوسنا حرج وضيق مما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن نسلم لذلك تسليمًا تامًّا بالانقياد الكامل والتنفيذ .
وتأمل كيف أكد التسليم بالمصدر فإنه يدل على أنه لابد من تسليم تام لا انحراف فيه ولا توان .(1/149)
وتأمل أيضًا المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه ، فالمقسم به ربوبية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، والمقسم عليه هو عدم الإيمان إلا بتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم تحكيمًا تامًّا يستلزم الانشراح والانقياد والقبول ، فإن ربوبية الله لرسوله تقتضي أن يكون ما حكم به مطابقًا لما أذن به ربه ورضيه ، فإن مقتضى الربوبية الخاصة بالرسالة أن لا يُقِرَّهُ على خطأ لا يرضاه له ) ا.هـ
* وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :
( إن المعارضين للوحي بآرائهم خمس طوائف :
طائفة عارضته بعقولهم في الخبريات وقدمت عليه العقل فقالوا لأصحاب الوحي لنا العقل ولكم النقل .
وطائفة عارضته بآرائهم وقياساتهم فقالوا لأهل الحديث لكم الحديث ولنا الرأي والقياس .
وطائفة عارضته بحقائقهم وأذواقهم وقالوا لكم الشريعة ولنا الحقيقة .
وطائفة عارضته بسياساتهم وتدبيرهم فقالوا أنتم أصحاب الشريعة ونحن أصحاب السياسة .
وطائفة عارضته بالتأويل الباطن فقالوا أنتم أصحاب الظاهر ونحن أصحاب الباطن .
ثم إن كل طائفة من هذه الطوائف لا ضابط لما تأتي به من ذلك بل ما تأتي به تبع لأهوائها كما قال تعالى : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ) (القصص:50) وقال : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ) (المائدة:49) فما هو إلا الهوى أو الوحي ، كما قال تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ) (النجم:3-4) فجعل النطق نوعين ؛ نطقا عن الوحي ، ونطقا عن الهوى ) ا.هـ(1/150)
* وقال : ( أهل السنة ... الْمُستَحِقُّون للبشرى في الحياة الدنيا وفي الأخرة ، ونعم الله عليهم باطنة وظاهرة ، وهم أولياء الرسول وحزبه - ومن خرج عن سنته فهم أعداؤه وحربه - لا تأخذهم في نصرة سنته ملامة اللوام ، ولا يتركون ما صح عنه لقول أحد من الأنام ، والسنة أجلُّ في صدورهم من أن يقدموا عليها رأيا فقهيا أو بحثا جدليا أو خيالا صوفيا أو تناقضا كلاميا أو قياسيا فلسفيا أو حكما سياسيا ؛ فمن قدَّمَ عليها شيئا من ذلك فباب الصواب عليه مسدود ، وهو عن طريق الرشاد مصدود ) ا.هـ
* وقال : ( الانقياد لما جاء به الرسول والاستسلام له والإذعان وذلك بثلاثة أشياء :
(الأول) : أن لا يعارض شيئا مما جاء به بشيء من المعارضات الأربعة السارية في العالم المسماة : بالمعقول والقياس والذوق والسياسة ؛
فالأولى : للمنحرفين أهل الكبر من المتكلمين الذين عارضوا نصوص الوحي بمعقولاتهم الفاسدة ، وقالوا : إذا تعارض العقل والنقل : قدمنا العقل وعزلنا النقل إما عزل تفويض وإما عزل تأويل .
والثاني : للمتكبرين من المنتسبين إلى الفقه ، قالوا : إذا تعارض القياس والرأي والنصوص قدمنا القياس على النص ولم نلتفت إليه .
والثالث : للمتكبرين المنحرفين من المنتسبين إلى التصوف والزهد ، فإذا تعارض عندهم الذوق والأمر قدموا الذوق والحال ولم يعبأوا بالأمر . والرابع : للمتكبرين المنحرفين من الولاة والأمراء الجائرين ، إذا تعارضت عندهم الشريعة والسياسة قدموا السياسة ولم يلتفتوا إلى حكم الشريعة . فهؤلاء الأربعة : هم أهل الكبر . والتواضع : التخلص من ذلك كله .
(الثاني) : أن لا يتهم دليلا من أدلة الدين بحيث يظنه فاسد الدلالة أو ناقص الدلالة أو قاصرها أو أن غيره كان أولى منه ، ومتى عرض له شيء من ذلك فليتهم فهمه وليعلم أن الآفة منه والبلية فيه ،كما قيل :
وَكَم مِن عائِبٍ قَولاً صَحيحًا ... وَآفَتُهُ مِنَ الفَهمِ السَقيمِ(1/151)
ولكن تأخذ الأذهان منه ... على قدر القرائح والفهوم (1)
_________ حاشية ____________
(1) من قصيدة للمتنبي ، مطلعها : (من الوافر)
إِذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومٍ ... فَلا تَقنَعْ بِما دونَ النُجومِ
وفيها : (وَلَكِن تَأخُذُ الآذانُ مِنهُ ... عَلى قَدرِ القَرائِحِ وَالعُلومِ) .
________________________________________
وهكذا الواقع في الواقع حقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن المأفون في عقله وذهنه . فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل . وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك وينبو فهمك عنه فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعدُ ، هذا في حق نفسك ، وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ، فما لم تفعل ذلك فلستَ على شيء ولو ولو ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء ؛ قال الشافعي قدس الله روحه : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لم يحل له أن يدعها لقول أحد .
(الثالث) : أن لا يجد إلى خلاف النص سبيلا ألبتة لا بباطنه ولا بلسانه ولا بفعله ولا بحاله ؛ بل إذا أحس بشيء من الخلاف : فهو كخلاف المقدِمِ على الزنا وشرب الخمر وقتل النفس ، بل هذا الخلاف أعظم عند الله من ذلك ، وهو داع إلى النفاق ، وهو الذي خافه الكبار والأئمة على نفوسهم . واعلم أن المخالف للنص لقول متبوعه وشيخه ومقلده أو لرأيه ومعقوله وذوقه وسياسته ، إن كان عند الله معذورا ، ولا والله ما هو بمعذور ، فالمخالف لقوله لنصوص الوحي أولى بالعذر عند الله ورسوله وملائكته والمؤمنين من عباده .(1/152)
فواعجبًا إذا اتسع بطلان المخالفين للنصوص لعذر من خالفها تقليدًا أو تأويلا أو لغير ذلك ، فكيف ضاق عن عذر مَنْ خالف أقوالهم وأقوال شيوخهم لأجل موافقة النصوص ، وكيف نصبوا له الحبائل وبغوه الغوائل ورموه بالعظائم وجعلوه أسوأ حالا من أرباب الجرائم ، فرموه بدائهم وانسلُّوا منه لِوَاذًا ، وقذفوه بمصابهم وجعلوا تعظيم المتبوعين ملاذًا لهم ومَعَاذًا ، والله أعلم ) اهـ.
* هذا ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
_____________ ( تم بحمد الله تعالى ) _____________
" كتابُ بُطْلانِ العَمَلِ بالحسابِ الفَلَكِيِّ في الصومِ والإفطارِ ، وبيانِ ما فيهِ مِنْ مفاسدَ ، ووجوبِ العملِ بالرؤيةِ الشرعيةِ الثابتةِ عَن خيرِ البَرِيَّةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن أربعينَ وجهًا " .
وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك.
_______ كتبه ________
__________________ وَائِلُ بنُ عَلِيٍّ الدِّسُوقيُّ _______
__________________ غُرَّة شوال 1427 هـ ______
______________ ونقحتُه وزدتُ فيه في مجالس آخرها ____
_____________ يوم الجمعة 28 من شعبان 1429 هـ ___
________________ ثم في رمضان 1430 هـ _______
_________________ فهرس الكتاب ___________________
المقدمة .......................................................................
الوجه الأول : النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها وحصر ذلك فيها ....................................................................
الوجه الثاني : نهيه صلى الله عليه وسلم عن صيام رمضان والفطر منه حتى يرى الهلال أو تتم العدة ثلاثين يوما ......................................................(1/153)
الوجه الثالث : نفي النبي صلى الله عليه وسلم الحساب عن الأمة المحمدية فيما يتعلق بالصوم والإفطار .............................................................
الوجه الرابع : مخالفة السنة العملية المستمرة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ......................
الوجه الخامس : من عمل بالحساب الفلكي أو قدمه على الرؤية أو جمع بينهما يكون قد أحدث في الدين ما ليس منه ، ويكون عمله مردودا عليه ................................................................
الوجه السادس : مخالفة السنة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم في ترائي الهلال والتواصي بذلك ...................................
من مفاسد العمل بالحساب الظاهرة : وهو تزهيد الناس في ترائي الهلال .........
الوجه السابع : من مفاسد العمل بالحساب الظاهرة تلبيس الحق بالباطل .........
التقدم بين يدي سنته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته ......
تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به محبط للأعمال ..
الوجه الثامن : من مفاسد العمل بالحساب الظاهرة بلبلة أفكار العوام ................
الوجه التاسع : من مفاسد العمل بالحساب الطعن في شهود الشرع الشريف ........
من كذب الشهود العدول في رؤية الهلال واتبع الحساب الذين يقذفون بالغيب من مكان بعيد ، يكون قد اتبع الظن والهوى ، وأعرض عن الحق والهدى ..............
الوجه العاشر : من مفاسد اتباع الحساب نفيا أو إثباتا الطعن في قضاة الشرع الشريف ..................................................................
الوجه الحادي عشر : من مفاسد العمل بالحساب الطعن في ولاة الأمر ...............(1/154)
الوجه الثاني عشر : مَن ردَّ شهادة العدول على رؤية الهلال لقول الحاسب إنه يُرى أو لا يُرى ؛ يكون ممن كذب بالحق لما جاءه في ردِّه الرؤية الشرعية ، ويكون من السمَّاعين للكذبِ في قبوله قول الحاسب ......................................
الوجه الثالث عشر : من مفاسد العمل بالحساب إيقاع الأمة في الحرج والعسر ......
الوجه الرابع عشر : ظهور دين الإسلام معلق بالعمل بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومنها رؤية الهلال ، والعمل بالحساب يضعفه ........................
الوجه الخامس عشر : من اعتبر الحساب الفلكي شرطا لصحة الرؤية فقد استدرك على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .........................................
الوجه السادس عشر : العمل بالحساب الفلكي هو طريقة النصارى واليهود والشيعة الروافض بل هو طريقة شر فرقهم الإسماعيلية .................................
هؤلاء الذين ابتدعوا فيه ما يشبه بدع أهل الكتاب والصابئة أنواع ...............
الشيعة العبيديون يقتلون علماء السنة لمخالفتهم لهم ، وكان العلماء يصبرون على القتل ولا يعملون بالحساب الفلكي ............................................
الجداول والخوارزميات المعمول بها الآن في حساب الشهور الهلالية والتقويم الهجري ؛ مأخوذة عن الفاطميين الشيعة .................................................
الوجه السابع عشر : إجماع العلماء على بطلان العمل بالحساب الفلكي في الصوم والإفطار ........................................................................
ذكركلام العلماء في بطلان العمل بالحساب الفلكي في الصوم والإفطار ..........
بيان أن مخالفةَ من خالف من المتأخرين بعد المائة الثالثة لا تقدح في الإجماع ......
العاملون بالحساب قد يدخلون في تبديل الإسلام .................................(1/155)
إثبات تراجع المحدث أحمد شاكر عن القول بالحساب ؛ فلا يصح أن ننسب له القول به ..............................................................................
الوجه الثامن عشر : اضطراب الحساب وتناقضهم في إثبات الشهور القمرية وإمكان رؤية الهلال أو تعذرها .....................................................
المحققون من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب .....
الوجه التاسع عشر : إنكار الحساب ما هو ثابت بالتواتر من رؤية الهلال في أول النهار في المشرق ثم رؤيته بعد الغروب في ذلك اليوم من المغرب ....................
الوجه العشرون : اختلاف الحُسَّاب فيما بينهم اختلافا كثيرا يرفع الثقة بأقوالهم .....
مذاهب الفلكيين في حساب الهلال واضطرابها ................................
أسباب الاختلاف بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي ............................
تعريفات الشهر القمري عند الحساب .............................................
الاعتراضات الشرعية والعلمية على تعريف الشهر القمري عند الحساب : .......
الاعتراض الأول ................................................
الاعتراض الثاني ................................................
الاعتراض الثالث ...............................................
هل القمر عند الولادة يختفي ضوءه تماما ؟ .......................
الاعتراض الرابع ...............................................
التعريف الرابع للشهر القمري عند الحساب ....................
عوامل مؤثرة في صحة الحساب الفلكي لا يمكن تحديدها بيقين ....
الحاسبون بهذا التعريف فريقان : ...................................
(1) طريقة حساب الرؤية المشروطة ...............................(1/156)
تضارب أقوال الفلكيين في أصغر هلال يمكن رؤيته وأقل مسافة من الشمس يمكن رؤية الهلال منها ..................................................
(2) طريقة حساب الرؤية العام والخاص ......................................
كثير من الفلكيين يطبق نتائج حسابات غربية لم تصمم لرؤية الهلال ............
الوجه الحادي والعشرون : النسيء لازم للعاملين بالحساب الفلكي .............
الوجه الثاني والعشرون : الاضطراب عند القائلين بالحساب واللوازم الفاسدة التي تلزمهم .....................................................................
الوجه الثالث والعشرون : من مفاسد الحساب أنه فرق الأمة ، بل فرق الذين يعملون به ...................................................................
الوجه الرابع والعشرون : ثبت بالاستقراء كثرة مخالفة الحساب للرؤية مما يرفع الثقة به ..............................................................................
المقارنة بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي خلال ستة وأربعين عاما ............
وهذا فيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ........................
الوجه الخامس والعشرون : الحساب الفلكي لايفيد القطع بل هو ظني والخطأ فيه واقع ومتكرر ..........................................................
(4) تضارب التقاويم المبنية على الحساب الفلكي ...............
(7) شهادات الفلكيين على ظنية حساباتهم ، وأنها تحتمل الخطأ ......
(8) قررت اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها ظنية الحساب الفلكي ونفت قطعيته .................................................................
(10) أصاب البدوي رائي الهلال ، وأخطأ الحاسب الفلكي الغربي ..........
(11-12) العلماء يردون قطعية الحساب ..........................
(14) أخطاء الحساب في ضبط مواقيت الصلوات ..................(1/157)
فتوى اللجنة الدائمة : التقويم لا ينبغي أن تناط به أوقات الصلاة والصيام من جهة الابتداء والانتهاء .......................................
فتوى الشيخ العثيمين في خطأ تقويم أم القرى وأنه لا يعمل به إلا عند الضرورة ....
الإمام المجدد محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله يثبت خطأ التقاويم في أوقات الصلاة بفارق كبير ......................................
(15) " من عدَّ موجَ البحر عد طويلا " ، الحساب المنعكس والفهم المنتكس ......
الوجه السادس والعشرون : الحساب الفلكي في الكسوف والخسوف ، ولا تشرع صلاة الكسوف بخبر الحاسب ، ومن صلاها اعتمادا على خبرهم فقد خالف السنة .......................................................................
(1) خطأ الاعتماد على الحساب الفلكي في الكسوف والخسوف ، وربطهما بإمكان رؤية الهلال من عدمها ...........................
(2) صلاة الكسوف لا تشرع بخبر أهل الحساب ومن صلاها اعتمادا على خبرهم فقد خالف السنة ...................................
(3) زعم الحاسب الفلكي صعوبة رؤية الخسوف ، فرؤي واضحا ................
الوجه السابع والعشرون : في بيان أن من عمل بالحساب فأصاب فقد أخطأ ، ومن عمل بالرؤية فأخطأ فله أجره عند ربه ، وخطؤه مغفور إن شاء الله تعالى ........
الوجه الثامن والعشرون : لا يجوز اتباع من عمل بالحساب أو حكمه في الرؤية .....
قول الإمام مالك .................................................
فتوى الإمام عبد العزيز بن باز ....................................
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .................
الوجه التاسع والعشرون : ترك النظر في علم الهيئة في ما يتعلق بالأهلة عمل بهدى القرآن العظيم ........................................(1/158)
الوجه الثلاثون : وهو المتعلق بالمراصد الفلكية وأحكامها ، وأنها ليست بديلا عن الرؤية البصرية ، وإذا رأت الهلال العين ولم تره المراصد ، فإنها رؤية صحيحة ، يجب قبولها والعمل بها، ولا ترد لأجل عدم رؤية المراصد .......................
المرصد الفلكي البصري ليس بديلا جيدا عن العين ................
لم ير الهلال عن طريق المراصد الفلكية ولو لمرة واحدة .............
الوجه الحادي والثلاثون : في بيان إمكان رؤية الهلال وإن قطع الحاسبون الفلكيون بتعذرها ...............................................
الوجه الثاني والثلاثون : في بيان أن الله تعالى يمد الهلال ليراه الناس ، ولا اعتبار بكبره وصغره .........................................................
الوجه الثالث والثلاثون : قرار هيئة كبار العلماء حول الحساب الفلكي وفيه الرد على شبهات العاملين بالحساب الفلكي وتفنيدها ..............................
ضعف أدلة من اعتبر قول علماء النجوم في إثبات الشهر القمري ..............
الوجه الرابع والثلاثون : في الفرق بين حساب أوقات الصلوات ، وحساب دخول الشهر وخروجه ...................................................
الوجه الخامس والثلاثون : الكمال والفضل والهدى الذي يحصل للأمة باتباع الرسول النبي الأمي في رؤية الهلال دون الحساب يزول بمراعاة الحساب الفلكي ..........
الوجه السادس والثلاثون : لا يمكن ضبط رؤية الهلال بحساب فيحكم بأنه يرى قطعا أو لا يرى قطعا ، وأسباب ذلك .........................
الوجه السابع والثلاثون : لا يشترط أن تكون رؤية الهلال بعد غروب الشمس .....
عمل النبي صلى الله عليه وسلم برؤية مَن رأى الهلال نهارًا .........
فتوى الشيخ يوسف القرضاوي في العمل برؤية الهلال نهارا . وإمكانها بعد كسوف الشمس وبدونه .........................................(1/159)
الوجه الثامن والثلاثون : جواز انفراد المسلم الواحد برؤية هلال رمضان دون سائر المسلمين ...............................................
الوجه التاسع والثلاثون : الأحكام لا تجب إلا بيقين لا شك فيه ، والرؤية عين يقين ، والحساب شك وظن ، واليقين لا يزول بالشك ...........
الوجه الأربعون : الحساب الفلكي منابذ للشرع في باب الصوم والإفطار ..........
تفسير قوله تعالى : (ويتبع غير سبيل المؤمنين) أي غير ما هم مستمرون عليه من عقد وعمل ، فيعم الأصول والفروع .............................................
منابذة الحساب الفلكي للشرع ، وذلك من وجوه .............................
الفروق بين الاعتبارات الشرعية والاعتبارات الفلكية ..........................
* الخلاصة .................................................................
الوجه الحادي والأربعون : بطلان شروط الفلكيين ومن اغتر بهم التي لم يشترطها الشرع الشريف لصحة الرؤية ، واشتراطها يعود على الرؤية بالنفي والإبطال ......
ما اشترطه الفلكيون ومن اغتر بهم لصحة الرؤية .............................
القاعدة : الأصل في شروط العبادات المنع والحظر إلا بدليل وشرحها ............
*** فصل : فوائد جليلة في اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .........
أقسم سبحانه بنفسه المقدسة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأكد ذلك بعشرة ضروب من التأكيد .........................................
المعارضون للوحي بآرائهم خمس طوائف .....................................
الانقياد لما جاء به الرسول والاستسلام له والإذعان وذلك بثلاثة أشياء ..........
ختام الكتاب ...................................................................
____________ ( تم بحمد الله تعالى ) ______________(1/160)