الإسلام اليوم- المسلمون حول العالم - تجارب -
التطوّر الإيجابي في سلوك مسلمي أوروبا
عبد الرحمن أبو عوف
………
22/5/1427
18/06/2006
أكد د. أحمد جاب الله مدير المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية بباريس أن أزمة الرسوم المسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم- عكست تطوراً إيجابياً في سلوك الجالية المسلمة في أوروبا، والتي نجحت في كسب تأييد ملايين الأوربيين لموقفها الرافض للجريمة التي اقترفتها الصحف الدنمركية في حق رسول الإسلام. ولفت "جاب الله" في حوار لـ(الإسلام اليوم) إلى حدوث تطوّر نوعي في الخطاب الديني لمسلمي أوروبا بشكل حرك العديد من الفعاليات السياسية والثقافية الأوروبية للدفاع عن حق المسلمين في احترام رموزهم ومقدساتهم، مطالباً منظمة المؤتمر الإسلامي بضرورة تأييد دعوة خافيير سولانا التي طالب فيها المنظمة الدولية بحظر ازدراء الأديان السماوية الثلاث.
وأرجع "جاب الله" نمو التطرف اليميني ضد مسلمي أوروبا إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها القارة، وتركيز بعض الاتجاهات المعادية للمسلمين، وعلى رأسها قضية الإسلاموفوبيا، واستغلالها لأحداث سبتمبر وتفجيرات لندن ومدريد لتشويه صورة الأقلية المسلمة التي نجحت في إفشال هذه المحاولات عبر الخطاب الوسطي والمعتدل، وهو ما نجح في طمأنة هذه المجتمعات ومشاركة مسلمي أوروبا في خدمة الأوطان التي يعيشون فيها ..
ونبه "جاب الله" إلى ضرورة اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية بحيث يكون اندماجاً إيجابياً يحافظ على الهوية العربية والإسلامية لهم، وليس بالذوبان في هذه المجتمعات.
التفاصيل الكاملة للحوار مع مدير المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية في السطور التالية:
في البداية نرجو أن تلقي لنا الضوء على المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية.(1/1)
منذ ثمانينيّات القرن الماضي بدأ اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا يفكر في إنشاء مؤسسة جامعية تسعى لنشر العلوم الشرعية في أوساط المسلمين في أوروبا، ومن ثم تثقيفهم ثقافة تتسم بالتأصيل الشرعي الإسلامي، وتراعي ظروف الواقع الأوروبي الذي يعيشونه، وتحقق الحلم بتأسيس أول مؤسسة جامعية إسلامية في أوروبا بإنشاء المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في مطلع التسعينيّات، وتبعه فرع ثانٍ في بريطانيا، ومع بداية عام 2001 افتُتح الفرع الثالث في ضواحي باريس. وقد شهد المعهد بعد خمس سنوات من إنشائه -وبتوفيق من الله- تطوراً ملحوظاً كماً ونوعاً؛ فمن حوالي (100) طالب في السنة الأولى وصل عدد المسجلين إلى ما يزيد عن (600) طالب في السنة الدراسية الماضية، موّزعين على خمسة تخصصات، وهي تحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية، وتخريج الأئمة المتخصصين في الشريعة وأصول الدين والدراسات الإسلامية باللغة العربية.
لا شك أن مؤسسي المعهد قد سعوا إلى تحقيق العديد من الأهداف من وراء إنشاء المعهد .. هل قابلتكم صعوبات خلال هذه المسيرة؟(1/2)
نعم . سعينا لتحقيق العديد من الأهداف، ومنها تكوين الأئمة المؤهلين الجامعين بين العلم الشرعي ومعرفة ثقافة المجتمع الفرنسي، وبالتالي حسن التعامل معه، وتكوين المتخصصين في مجال الدعوة والتعليم والبحث الأكاديمي الشرعي؛ إضافة إلى نشر العلوم والثقافة الشرعية وفق منهج وسطي يجمع بين الأصالة والمعاصرة والواقعية، يحقق الإشعاع الفكري والثقافي والدعوي للمعهد في أوساط المسلمين مع تحقيق الانفتاح الإيجابي على المحيط العلمي والديني والثقافي والاجتماعي من خلال التواصل والعمل المشترك مع المؤسسات العلمية الجامعية في فرنسا وخارجها، وعلى الرغم من وجود بعض الصعوبات التي لا أحب الحديث عنها، إلا أن المعهد يمارس دوراً دعوياً في فرنسا وخارجها من خلال مشاركة أساتذته وطلابه في المحاضرات والندوات التي تُقام هنا وهناك، وفي إقامة صلاة الجمعة وإمامة الصلوات الخمس في المساجد والمصليات وصلاة التراويح في رمضان، كما يشارك العديد من أعضائه في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، كما أن هناك دار فتوى تابعة لاتحاد المنظمات الإسلامي في فرنسا، والتي يجيب فيها الأساتذة يومياً على الأسئلة التي يطرحها المستفتون.
تحرك إيجابي
واجهت الأقلية المسلمة في أوروبا في الفترة الماضية تحديات متعددة كان أبرزها قضية الرسوم المسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم- .. كيف تقيّم ردّ فعل مسلمي أوروبا على هذه الأزمة؟(1/3)
المسلمون في أوروبا تحرّكوا بشكل إيجابي وحضاري لمواجهة الأزمة عبر المظاهرات والبيانات والندوات والمحاضرات وشرح موقف الإسلام من هذه الأزمة، وهو ما أجبر الأوروبيين على التوقف عند أسباب غضبة المسلمين والاستفسار عن هذا الأمر، وقد نجحنا عبر الردود على هذه التساؤلات في جذب تأييد وتعاطف آلاف الأوروبيين لموقفنا، وقد تعامل المسلمون مع هذه الأزمة بشكل هادئ، ويختلف كثيراً مع التعامل مع الأزمة في بعض بقاع العالم الإسلامي؛ حيث أُحرقت السفارات وديست أعلام تحت الأقدام، وهو ما قوبل بغضب من الأوربيين بهذا الشكل واستنفارهم ضد الإساءة لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأسهمت هذه المذكرة في تعديل شكل التفكير الأوروبي، وعدم غضبتهم على المظاهرات إلى جانب العديد من دول العالم الإسلامي .. وأعتقد أن هذا الخطاب الديني المعتدل قد استطاع أن يوصل رسالة ساعدت في تغيير ملموس في اتجاهات الرأي في أوروبا تجاه الأزمة لدرجة أن عديداً من استطلاعات الرأي في أوروبا أكّدت أن 56 % من الذين جرى استطلاعهم يتفهمون موقف المسلمين وحقهم في التظاهر، وهو تدليل على أن هذا الدين لا يحتاج إلى تعريف بل يحتاج إلى جهود وتوضيح صورته ومقدساته التي يجب أن يحترمها الأوروبيون وغيرهم.
التهجم على المقدسات
في ظل اشتعال أزمة الرسوم المسيئة تقدم خافيير سولانا بمقترح لتقديم مشروع قرار في المنظمة الدولية يمنع ازدراء الأديان أو التهجم على رموزها ..(1/4)
ما من شك أن هذا المقترح ممتاز، ويجب على منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتلقفه، وتضعه على أولويات أجندتها هي وكافة المنظمات الإسلامية مثل: رابطة العالم الإسلامي، والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة، والإغاثة واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وتبذل جهوداً في المنظمات الدولية لفرض ووضع ضوابط تؤدي إلى احترام كافة العقائد الدينية التي يحترمها الإسلام، ويُحرّم المساس بها والانتقاص من قدرها، كما أن مثل هذا القانون سيؤثر بشكل إيجابي ويخفض من حدة الاحتقان التي يعاني منها حالياً معتنقو الأديان السماوية الثلاث.
تحدثتم عن الاحتقان بين معتنقي الأديان السماوية .. برأيك لماذا أخفق حوار الأديان الذي يجري من أعوام في تخفيف هذا الاحتقان؟
مشكلة جولات الحوار التي تمت بين المنتسبين للأديان السماوية الثلاث أن القائمين على هذا الأمر ليسوا أصحاب قرار، وهو ما يجب أن نضعه نصب أعيينا؛ فمثلاً في أوروبا أو فرنسا هناك عشرات من الجمعيات مهتمة بالحوار بين أصحاب الديانات السماوية الثلاث، وهذا الحوار على الرغم من أهميته الشديدة في بناء جسور بين معتنقي هذه الديانات وآثاره الاجتماعية التي لا يستطيع أحد إنكارها، إلاّ أنه لم يكن ذا أثر واضح على المستوى السياسي؛ فالكنيسة الكاثوليكية مثلاً ليس لها تأثير كبير على صانع القرار، وهو ما عرقل تحقيق هذا الحوار للنجاح المرتجى منه، وإن كان هذا لا ينفي التأثيرات الاجتماعية الممتازة التي حققها، وهو ما يجعلنا نطالب بإعطاء هذا الحوار فرصة، ووقت أطول حتى يؤتي ثماره.
إسلاموفوبيا
بين الحين والآخر تتعالى صيحات ضد المسلمين في أوروبا متواكبة مع زيادة نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تعادي هذه الجالية..(1/5)
لا ينبغي أن نعمم الأمر فقد حصل في بعض البلدان الأوروبية فقط، وليس كل البلاد، في معظم دول الاتحاد الأوروبي هناك أحزاب يمينية، ولكن ليس لها تأثير كبير، ومجمل الأمر أن لنمو هذه الأحزاب عدة أسباب، منها الأزمة الاقتصادية؛ فكلما زادت حدة هذه الأزمة انعكست على أوضاع المهاجرين الذين حصلوا على حقوق اقتصادية واجتماعية قد يعدها البعض خصماً من رصيد مواطني هذه الدول، ناهيك عن أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتوابعها والحرب على الإرهاب وما حدث في مدريد ولندن من تفجيرات، هذا ساهم في زيادة نفوذ هذه الأحزاب والتفاف البعض حولها، مستغلين ما يُطلق عليه الإسلاموفوبيا التي حاولوا تكريسها، ونحن من جانبنا كمنظمات إسلامية نحاول مواجهة هذا التطرف اليميني عبر التأكيد على حاجة المسلمين في أوروبا أن يكون خطابهم خطاباً متوازناً ووسطياً لطمأنة المجتمعات الأوروبية بأن التجمعات الإسلامية تعمل لخدمة البلدان التي يعيشون فيها، مع رغبتهم في التمسك بعقيدتهم الإسلامية؛ فهؤلاء لا يريدون أن يكون اندماجهم في المجتمع على حساب تمسكهم بدينهم، ونأمل في القريب أن يؤثر هذا الخطاب العاقل على أوضاع الجالية المسلمة في المجتمعات الأوروبية.
اندماج إيجابي
لكن هذا الاندماج الذي تتحدث عنه تعرض لانتكاسة في المرحلة الماضية بعد أحداث الضواحي الباريسية، وما تلاها من تهديد بطرد المهاجرين، وإعادتهم إلى أوطنهم؟(1/6)
حين نتكلم عن الاندماج فنحن نتحدث عن الإيجابي منه، وليس السلبي فنحن مع الاندماج مع المحافظة على عقيدتنا وديننا، ولا تعني المحافظة الانغلاق، ولا التعاطي مع المجتمع بشكل قد يؤدي إلى الذوبان، وهي معادلة صعبة؛ فالحفاظ على الهوية الإسلامية يجب أن يشكل رأس الحربة لاندماجنا وتحويلنا إلى مواطنين مشاركين ومساهمين في بناء المجتمعات التي نعيش فيها، ولكن هذا الاندماج يُواجه بمشاكل عديدة أبرزها: أن الجيل الأول من المهاجرين كان محدود الثقافة، وليست لديه القدرة على التأثير في المجتمع أو الوصول إلى مناصب قيادية، وسيطرت عليهم فكرة الانطواء، مما سمح للمنظمات اليمينية والعنصرية باستغلال ذلك، والإساءة لهم، مستغلة وجود حالة رفض لاستقبال هذه الشرائح الجديدة، أما الآن فهذه المجتمعات تتجه إلى تغيير وجهة نظرها، خصوصاً أن الأجيال التالية من المهاجرين متعلمة ومثقفة، وتستطيع بشكل إيجابي الاندماج في هذه المجتمعات في ظل انتشارهم في جميع مؤسسات الدول التي يعيشون فيها، مما يجعل المسألة قضية وقت فقط، أما عن أحداث الضواحي فقد لعبت المشكلات الاجتماعية دوراً مؤثراً فيها، وهذه الأحداث لا تخص فرنسا وحدها بل يمكن أن يتكرر في عديد من الدول الأوروبية احتجاجاً من هذه الطوائف المهمشة على الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيش فيها من بطالة وفقر وطبقية وإقصاء، وقد تنبهت الدولة إلى هذه الأحداث، وتحاول حالياً علاج هذه المشاكل وتخفيف الاحتقان الاجتماعي، وكان قانون العمل الجديد نوعاً من الحل لهذه المشاكل، غير أن المزايدات من الأحزاب أدّت إلى سحبه، ومن ثم فأعتقد أن هذه الأزمة لن يكون لها أي تأثير سلبي على وضع الجالية المسلمة في فرنسا، وإن لم يكن العكس.
صعوبات
تحدّث الكثيرون عن معاناة المرأة المسلمة في أوروبا، ومحاولات بعض الجماعات في أوروبا تذويب هويتها، مستغلة حالة الفراغ الشديدة التي تعاني منها ..(1/7)
قضية المرأة المسلمة في أوروبا قضية حساسة للغاية، نتيجة اعتقاد الغرب الخاطئ بأن المرأة المسلمة تعاني تهميشاً شديداً وظلماً في المجتمعات الإسلامية، وتركز وسائل الإعلام على إحداث مفارقة بين المرأة في أوروبا التي حظيت بأكبر قدر من الحريات والرفاهية، وبين نظيرتها المسلمة التي تعاني من هيمنة المجتمع الذكوري ـ على حد زعمهم- لدرجة أن هناك من يعتقدون أن ضغوط الرجال على النساء المسلمات هو من يفرض عليهن الالتزام، وليس نابعاً من المرأة نفسها، وما من شك أن هذا الموضوع سيظل يحدث حالات شد وجذب بين الملتزمين بالدين والدعاة إلى التحرر والليبرالية، وأنا هنا لا أنفي أن هناك محاولات لتذويب هوية المرأة وإعطائها بعداً تغريبياً، لكن نحن متيقظون لهذه المحاولات، ونعمل على صون عفة المرأة المسلمة وهويتها الدينية، وليس أدل على ذلك من أن قانون الحجاب الذي حدّ كثيراً من حرية المرأة المسلمة في المؤسسات التعليمية يؤثر كثيراً على هوية هذه المرأة؛ إذ انتشر الحجاب بشدة في مختلف العواصم الأوروبية، مما يعطي انطباعاً بأن هذه المحاولات على الرغم من شراستها لم تحقق نتائج إيجابية.
خصوصية إسلامية
انتشرت في العالم العربي في الفترة الأخيرة موضة تغيير قوانين الأسرة والأحوال الشخصية بضغط من الأمم المتحدة، وبدأنا نسمع عن مدونة الأسرة والسيدوا .. ما تقييمك لهذا الأمر؟(1/8)
قضايا الأسرة والأحوال الشخصية قضايا حساسة جداً، وذلك لارتباطها بالدين والثقافة والأعراف، ومن المفروض أن نترك لكل أمة الحرية الكاملة في أن تعالج هذا الأمر، وفقاً لخصوصيتها، وليس من اللائق بأي شكل أن تمارس دول عربية هذه الضغوط على الدول الإسلامية لإعادة هيكلة نظمها الاجتماعية، وكما أنه من السخف أن تستجيب الدول الإسلامية لهذه الضغوط؛ فنحن دول ذات سيادة، بإمكاننا أن نتمسك بخصوصياتنا، ولا ننصاع لهذه الضغوط التي تفرض عولمة الأسرة، وتفرض نظم التفسخ الأخلاقي الذي يعاني منه الغرب علينا؛ فالكرة في ملعبنا، وعلينا التمسك بالنظام الأسري الإسلامي؛ لأن البحث عن بديل سيشكل كارثة ووبالاً علينا.
………
………
مجلةالإسلام اليوم …………………
الإسلام اليوم- بيت الأسرة - أزواج وزوجات - زواج البدل .. عربة في قطار أنواع الزواج
زواج البدل .. عربة في قطار أنواع الزواج
بشار دراغمة ومحمد جمال
………
24/5/1427
20/06/2006
صفحات من ظلم المرأة العربية. نجدها بحسرة في زوايا هذا الوطن الممتد على هامش كبير من الألم. عندما نكون في قرن يحمل الرقم (21) بينما لا تزال المرأة سلعة يهديها الأب أو الأخ لصديق، فيرد الصديق الجميل، ويقدم شقيقته أو ابنته دون أي حقوق شرعية تُذكر تحت اسم يُعرف مجازاً بـ"زواج البدل". تلك الحقوق التي حفظها ديننا الإسلامي الحنيف أضاعها الكثير منا بجهل وأحياناً بقصد.
ينتشر زواج البدل في العديد من البلدان العربية، وهنا في فلسطين، فهو ظاهرة لا زالت قائمة خاصة في المجتمع الريفي. وتتلخص قصته بأن يتزوج شخص ما من فتاة فيقوم هذا الشخص بتزويج أخته لأخ زوجته، وبذلك يتفق الاثنان على عدم دفع مهر المرأة. ويكتفيان بأن قدم كل منهما للآخر شقيقته كزوجة شرعية، دون أي حقوق في المهر الذي أوصى بها القرآن الكريم.
العائلية هي السبب(1/9)
وتروي عائشة الأسباب التي دفعت عائلتها إلى تزويجها عن طريق زواج البدل بسبب العائلية والقرابة؛ إذ إن "والدي يؤمن بالعائلية أكثر من غيره؛ فقد تحدث مع عمي، واتفّقا على أن نتزوج دون مهر، ولا ذهب، وغير ذلك من الحقوق المشروعة في الزواج العادي، وكانت ابنة عمي "لطيفة" مقابلي في هذا الزواج".
مضيفة:" لم يستمر زواجنا سوى أربع سنوات، تبعتها المشاكل نتيجة خلاف حصل مع زوجة أخي أدى في النهاية إلى انفصالهما. نتيجة لخلافهما انفصلت عن زوجي، وحصل خلاف حادّ داخل العائلة بحيث بات الخصام والصدام واضحاً بين والدي وعمي.
زواج كله مشاكل
وتذكر سامية بأن تجربتها مع هذا النوع من الزواج سيئة لكثرة المشاكل التي تحصل معها؛ إذ لا تمر بضعة أسابيع دون حصول مشكلة معهم، لكثرة تدخل الأهل في حياتهم الخاصة داخل البيت، الذي لا تستطيع من خلاله الإحساس بنوع من الاستقلالية الحقيقية بحيث لا توجد حرية كاملة حتى في الحياة الخاصة بيني وبين زوجي، لان أهل زوجي ما زالوا يعيشون على نظام العائلة الممتدة، وكل شيء بيننا مشترك من الطعام على راتب زوجي الذي لا ننعم به أبداً.
مضيفة: "لا أنصح الفتيات بزواج البدل؛ لأنه عادة قديمةه يجب أن تتلاشى آثارها من مجتمعنا، بشكل ينتقص من حقوق المرأة المسلمة التي كفلتها لها الشريعة الإسلامية، من المهر والذهب والبيت والحياة المستقرة داخل العائلة، بعيداً عن تدخل أحد في حياة الأزواج الخاصة.(1/10)
ومن جانبها ترى لطيفة الغزاوي متزوجة عبر زواج البدل قبل عشرين عاماً أن زواج البدل يمكن أن يكون ناجحاً إذا كان هناك تفاهم بين الزوج وزوجته، يحصل هذا من خلال منع الآخرين من التدخل في شؤون العائلة الداخلية، بهدف الحفاظ على الرباط الأسري، وحماية الأطفال، مع إعطاء الزوجة حقها الشرعي في المهر والمسكن وغيره. وتضيف: "والحمد لله استطعت أنا وزوجي الحفاظ على أسرتنا، وتربية أطفالنا حتى أصبحوا رجالاً في الجامعات، ولم تحصل معنا أي مشاكل صعبة، وفي حال حدوثها كنا نحلها داخلياً، وسراً، دون علم أحد من أهلنا، هكذا اتفقنا منذ البداية، حتى تكون حياتنا ناجحة".
وأضافت الغزاوي: مع كل هذا الأمر الذي أعيش فيه بسعادة، فإنني أحبذ أن يتم زواج الأبناء في هذه الأيام بعيداً عن زواج البدل، حتى لا تكون هناك مسوّغات لأحد في هدم أي أسرة نتيجة لحصول خلافات عائلية، ومشاكل بين الزوجين.
زواج مرفوض
ومن جانبها ترفض رانيا هذا النوع من الزواج على الرغم من أنها لم تتزوج بعد وتقول: بهذه الطريقة يتم الانتقاص من حقوق المرأة، وبالتالي تكون المشاكل الزوجية كثيرة، وأنا لن أقبل بزواج البدل أبداً، مهما كلف الأمر، وقد رأيت زميلتي في الجامعة تعاني من هذا الزواج، بعد إكراهها على الزواج من قريب لها، بالتالي لا يمكن أن تأخذ المرأة مهرها على الورق دون أن يكون مهراً حقيقياً، وفي أغلب الأحيان لا تحصل المرأة على حقوقها الشرعية المطلوبة في ذلك.
وتضيف: هذا الزواج يُعدّ بيعاً للمرأة وانتقاصاً من حقوقها الشرعية والقانونية، والتي كفلتها الشريعة الإسلامية، بحيث لا يمكن الانتقاص من تلك الحقوق المشروعة، ولا أحد يستطيع مصادرتها أبداً.
موقف الدين(1/11)
وقال محمد فخر الدين أستاذ الشريعة الإسلامية: إن هذا النوع من الزواج مباح من الناحية الشرعية، لكن بشرط حفظ حق المرأة في المهر، إلا إذا استغنت هي عنه عن طيب خاطر، ودون أن تكون مجبرة على ذلك امتثالاً لقوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً). [النساء:3-4] أوضح "فخر الدين" أن سلبيات زواج البدل كثيرة جداً على الرغم من أن مقاصد الزواج تهدف إلى تقوية العلاقات الاجتماعية مع الناس، ولكن إذا كان هذا النوع من الزواج يؤدي إلى كثير من المشاكل بين العائلات، فإنه يفقد المقاصد الأساسية المتضمنة حماية الأسرة وعيشها بجو من الرحمة والسكينة. مضيفاً بأن زواج البدل نادراً ما ينجح لكثرة المشاكل التي تحصل بين الزوجين، ممّا يعكر الحياة الزوجية، وقد يؤدي في كثير من الأحيان إلى انهيارها، عبر الوصول إلى الطلاق؛ إذ يترك الزوجان خلفهما الأطفال دون حماية وإعالة حتى عاشوا مع والدهم أو والدتهم، تبقى المعضلة الأساسية في عدم تحقيق المقاصد الشرعية من هذا الزواج.
ويضيف "فخر الدين": "تتعرض المرأة في حال حصول خلاف مع زوجة أخيها إلى إجحاف حقيقي، وخصوصاً إذا كانت تعيش حياة مستقرة مع زوجها؛ إذ تصل تلك المشاكل إلى حد الطلاق، إذا لم ينجح الزواج في الطرف الآخر، وإذا حصل طلاق يتم بدون دفع مستحقات الزوجتين؛ لأنه يقوم على التبادل بحيث لا تأخذ كل منهما مهرها من خلال هذا النوع من الزواج.
لا يجوز ربط زوجة بأخرى(1/12)
ويدعو الدكتور محمد شرف أخصائي علم الاجتماع والأسرة إلى فصل كل زيجة عن الأخرى، لأجل التعامل مع كل زوجه بمهر منفصل، لا أن يكون المهر على الورق دون تطبيقه على أرض الواقع، لوجود اتفاق بين أهل الأزواج، موضحاً: "لا يجوز بأي حال من الأحوال ربط أي زوجة بالأخرى، وبالتالي لا يحق ربط السابق باللاحق أي في حال حصول الطلاق يجب أن تحصل الزوجات المطلقات على حقوقهن كاملة".
ويذكر الدكتور شرف بأن زواج البدل له مفاهيم اجتماعية مختلفة تقوم في أساسها على تبادل الزوجات ويضيف: "وكانت هذه الظاهرة قديمة منذ عصر الجاهلية، بدأت في ذلك الوقت عن طريق عندما كان يبادل الأب ابنته ليتزوج هو امرأة مقابلها من العائلة التي يزوج ابنته لها".
ويختم قائلاً: "يتحمل مسؤولية إخفاق زواج البدل أكثر من طرف، وعلى رأسهم المحيطون بالأسرة من العائلة الممتدة حتى الأب والأم، وبطبيعة الحال سيعيش الأطفال بعيداً عن الأب والأم، وهذا بحد ذاته له تأثيرات سلبية على المجتمع بشكل عام".
………
الإسلام اليوم- بيت الأسرة - أزواج وزوجات - قبل أن تُغيّر عتبة بابك؟
قبل أن تُغيّر عتبة بابك؟
فوزية الخليوي
………
26/5/1427
22/06/2006
لماذا لا يتذمّر الفقراء من زوجاتهم...ويعدّدون مثالبهنّ كما يفعل الأغنياء؟
هل لأن الحظ أسبغ عليهنّ هالةً من الرحمة! ومسحةً من السكينة..رأفة بحالهنّ!!!
إن المشاهَد من حال بعض الرجال مع زوجته غريب... فبعد أن يتبدل عيشه من العسر إلى اليسر..ومن الجوع إلى الشبع..ومن الظمأ إلى الريّ.
يصبح مرآها يقضّ مضجعه وصوتها يؤلم مسمعه!!
عندها يطلقها أو يستبدلها بأخرى مع هجرانه لها....
إذا انصرفت نفسي عن الشيء
لم تكدْ إليه بوجه آخر الدهر تقبلُ
بعد أن كانت يداها تمتد إليه إذا أرِق ليلة..أو ضجِرساعة..(1/13)
تمسح على رأسه بطيب الكلام.. فما تلبث أن تطرد الآلام..فهي معه كالنهر الجاري المتدفق الذي يحمل معه كل الأقذار والأكدار!! لينوء بها كاهلها فتتجرع غصاتها .. وتبتلع آهاتها!!
فمنهنّ من كانت تسهر الليالي تحيك الملابس لتعينه.
ومنهنّ من كانت تقرأ وتكتب له درسه.
ولكل منهنّ أحلامها وآفاقها البعيدة.
فكان العالم كله مملكتها الواسعة.
تركب مطيّتها كل ليلة وهى تؤنس وحشتها...وتبعد غربتها مؤمّلة نفسها بالعيش الناعم المترف..فى ظل حبيبها ومع ذريتها!!
ولكن سرعان ما تنقلب هذه الحديقة إلى فلاة موحشة مظلمة لايضيئُها كوكب ولا يلمع فيها نجم ..
فيا أسفي عليك وطولَ شوقي
إليك لو أن ذلك ردّ شيئا
فليت شعرى ما الذي حلّ بها ..من خطب جسيم وبلاء عظيم.
حزينة تتلظى بنارها..وتعتلج أُوارها.
يجيش صدرها بكوامن الحب ولواعج الهوى..
فلماذا عندما حلّ المال فى جيبك فارقَت الرحمةُ قلبَك؟!
لماذا طار لبّك..واضطغن عليها صدرك،
وأصبح مرآها يقضّ مضجعك..ويطيل غمّك؟
إن الجمال الحقيقي الذي فقده الزوج بنكرانه كاللؤلؤ المكنون في صدفاته لايمكن إدراكه إلاّ بعد الغوص فى غياهبه.
عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً! منها، فغضب ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها! آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء!!
قالت عائشة: فقلت في نفسي لا أذكرها بعدها بسبة أبداً.
ولم يكن ينافح عنها فقط في القول بل كان يترجمه إلى أفعال، ففي الصحيح عن عائشة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا إلى أصدقاء خديجة!!
فقال: فذُكرت له يوماً فقال: إني لأحبّ حبيبها؟!
أنت روحي إن كنتُ لستُ أراها(1/14)
فهي أدنى إليّ من كلّ داني
ولهذا صدرت مواقف من بعض النساء يعجب لها السامع عند أول وهلة ولكن لها مسوّغاتها:
• فقد نشرت الصحف الأردنية عن عجوز طالبت زوجها بالطلاق حتى لاتكون زوجته في الجنة؟!!
• وقد حُدّث عن امرأة فى أوساطنا أوصت أولادها بعدم إشراكها هي وأبوهم فى أضحية واحدة بعد موتها؟؟
• ولأن الطبيعة البشرية واحدة ففى الغرب حيث انقلبت الأدوار، فقام الزوج بدور الزوجة والعكس, فكان تولستوي الروائي الروسي صاحب أشهر الروايات مبيعاً, بعدما هرب من منزله ذات ليلة على غير هدى, وقد ركب أحد القطارات فى جو بارد مثلج وُجد ميتاً بعد إحدى عشرة ليلة فى القطار, وقد ترك بجانبه ورقة أوصى فيها ألاّ تراه زوجته بعد موته, ولا تشارك فى جنازته؟!
………
الإسلام اليوم- بيت الأسرة - أبناؤنا - نقش طفولي
نقش طفولي
بدرية الغنيم
………
25/5/1427
21/06/2006
رأيتها طفلة حلوة في الثالثة تلمع عيناها بالذكاء والحيوية، تختبئ خلف أمها
حياء أو رغبة في لفت الانتباه لها حتى تُقابل بمزيد حفاوة، وتُستجدى للسلام
عليها. لا أدري أهكذا تستقبل الضيوف؟ أم أنها تشعر بمحبتي لها، وتعرف مكانتها المتميزة في نفسي فتزيد دلالاً...(1/15)
تبعتها خلف أمها، وأمسكت بها، وقد تعالت ضحكاتها، فسلّمت عليها. وهي تخبي وجهها بشعرها المنسدل عليه، بالكاد ترى بصيص عينيها. وأنفاسها اللاهثة تبعد خصلات شعرها عن وجهها. وتفضح سراً خلفها ..... فقد دعجت عينيها بالكحل، ورسمت شفتيها بالروج، وورّدت خديها بأحمر الخدود، سألتها: أحقاً ما تقوله أمك أنك مثل بيكاسو؟ ضحكت، وقالت: أنتِ تعرفين أبطال الديجتال؟! قلت: لا. قالت: وبيكاسو؟ قلت :رسام كبير. أخذت بيدي سريعاً لتريني رسومها اللطيفة، ففي غرفتها رسم لوجه بنت صغيرة مبتسمة. طبعت عليها قبلة، وقالت: هذه صديقتي. ثم أخذت بيدي للصالة، وأرتني رسماً لرجل مبتسم كأنه أصلع له شعر بسيط فوق أذنيه. قلت: من هذا؟ ضحكت ونظرت لأمها. جرت و قالت: سأخبرك لاحقاً. جرت لغرفة الألعاب. وفي خفة اندست تحت طاولة صغيرة ملصقة بالجدار، وأخذت تزحف بمعونة كوعيها تحت الطاولة. نادتني وأرتني ثلاثة رسوم لأولاد. وسمّت كل واحد باسمه. وقالت: هؤلاء في الصف الثاني. إنهم أصدقاء أخي. وكانت مفاجأة للأم؛ إذ لم تعلم بوجود هذه النقوش في هذا المكان القصيّ المظلم.
كانت الأم تبدي تذمرها لتلوين ابنتها لجدران المنزل؛ فهو جديد، ولم تُتمّ العائلة فيه سنة بعد، وكانت قد بذلت شتى السبل في إبعادها عن الرسم على الجدران أحضرت لها سبورة، وعلّقت لها أوراقاً على الجدار لترسم عليها. لكن كل ذلك لم يجد على الرغم من أن البنت لطيفة جداً، وليست من الصنف العنيد. تابعت الأم: وحينما كانت أصغر من ذلك كانت ترسم على ساقيها ويديها. ترسم دوائر صغيرة متتابعة، ثم تقوم بقراءتها. وقد أُحرجت مرة حينما ذهبت بها للطبيب فكشف عن بطنها ليفحصه .فإذا به يردّد بسم الله.... بسم الله ..... ثم يغرق في الضحك. ولم أعلم السبب، فنظرت فإذا بطنها مليء بالكتابات والدوائر. أُحرجت من الطبيب .ولم يدُرْ في بالي أنها ستغير هذه المرة من الكتابة على ساقيها إلىة على بطنها،(1/16)
وفي أثناء حديثي مع أمها عن الحل. وضعت يديها خلفها وفردت صدرها. وقاطعتني، وقالت: لم تري أجمل رسمة!! قلت: وهل يوجد أجمل من تلك الرسوم؟ فأخذت بيدي، وأرتني رسمة على جدار قريب من غرفة النوم، رأيت رسمة فتاة تلبس ملابس مقلمة، قد انسدل الشعر على وجهها بطريقة جميلة قد مدت ذراعيها وكأنها تستقبل أحداً.
ثم قالت الصغيرة: هل عرفتِ مَن هذه؟ فتحيّرت، ولا أريد أن أظهر جهلي قلت: لا شك أن هذه الحلوة هي أنتِ. قالت: لا إنها ماما حبيبتي، إنها ماما الحلوة. إذا
ذهبت ماما للمدرسة أحضن صورتها. وألصقت الصغيرة صدرها على الجدار، وفردت ذراعيها، وأخذت تطبع قبلاتها على الجدار. وأمها تنظر إليها. ولم أميز أكانت تبكي أم تضحك. وقد أُسقط في يدها. فعرفت حينها نقطة ضعف الأم. والتي استغلتها الصغيرة، إنها أم حنون تقدر للطفولة والمشاعر قدرها .
جميلة هي البراءة، جميلة هي الطفولة، فهي تغسل الكثير من همومكم. إذا أردتم
السعادة، عودوا صغاراً أو اتركوا الصغار ليعبروا عن حبهم بعفوية. دون تدخل
إنهم كرماء بنشر السعادة. لا يدّخرونها لأنفسهم. فللذين يبحثون عن جلسات الهدوء والاسترخاء، عودوا صغاراً، والعبوا مع صغاركم. ولتكن لهم السيطرة على قانون وأجواء اللعبة؛ حتى يطبعوها بطابعهم البريء، دون تدخل منكم في تفاصيل طفولية. وفي نهاية اللعبة. ستجدون أنكم نسيتم كثيراً من همومكم. بل اجتزتموها، وستجدون أنهم تعلّموا منكم برضاهم دون أمر أو نهي. ومتى أُشعروا
بالأمن، وبالحب أبدعوا في التعلم وفي التعبير عن حبهم. وأبدعوا في إيصال
مشاعرهم وآرائهم نحو كثير من أمور الحياة، فتحصلون على مفاتيح للتعامل معهم.
وسيكبرون ويتجاوزون تلك الخربشة على الجدران، وسوف تتمنون لو عادت أيام الخربشة على الجدران، وعادت تلك المشاكسات، وستظل تلك الذكريات رسوماً في مخيلة أطفالكم، وتكون دليلاً لهم في حياتهم، وفي تحديد علاقتهم بكم وبالآخرين.(1/17)
انتهت الخربشات، وبقيت الآثار، وردود الفعل.
………
الإسلام اليوم- منتدى الإسلام اليوم - المنتدى الفكري - الشباب المهاجر .. عندما يتحول إلى صناعة خارجية
الشباب المهاجر .. عندما يتحول إلى صناعة خارجية
مشرف النافذة
………
18/5/1427
14/06/2006
أحلام الشباب العربي غالباً تتطلع إلى الهجرة .. إلى أحضان شرق آسيا أو إلى أرصفة وميادين أوروبا وأمريكا.. لا يهم .. المهم هو الهجرة وحسب، تتعدد الأسباب، وتختلف الوجهات والمقاصد، ربما يكون أغلبها هو البحث عن المال، وبعضها القليل هو لاستكمال الدراسة والتعليم، وبين الأغلب والقليل هناك المهاجرون الباحثون عن المتعة واللهو بحله وحرامه ..
سؤالنا حول هجرة الشباب يصب في محور مهم .. ما تأثير هذه الهجرات على فكر الشباب، والمعتقدات، والأفكار التي يصطدمون بها؟ أهو واقع أمر إيجابي أم سلبي أن ينفتح الشاب على ثقافة شعوب أخرى قد تكون في معظمها مناقضة له في الفكر والتربية بل والعقيدة..؟!
إلى أي مدى يمكن أن تسهم الهجرات الشابة إلى الشرق والغرب في صناعة جيل جديد يحمل اتجاهات معلبة مختومة بعلامة "صنع في الخارج وجاهز للتصدير" لكي يحيل مجتمعه إلى عبارات صاحبت إعادة صناعته هناك مثل: عالم ثالث، متخلف، إرهابي، ذكوري، إقصائي، همجي، عدائي، .... الخ..
الهجرة الشابة .. كيف يمكن أن يُستفاد منها إيجاباً ..؟ وكيف يمكن أن نحصّن شبابنا من عواقبها السلبية ..؟
شاركنا برأيك؟
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
172&catid=174-7206
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- منتدى الإسلام اليوم - المنتدى السياسي - دارفور.. بين محنة الإنسان ومراوغات الساسة !
دارفور.. بين محنة الإنسان ومراوغات الساسة !
المحرر السياسي
………
6/4/1427
04/05/2006(1/18)
كلما انتعشت الآمال يقرب التوصل لحل نهائي للأزمة الإنسانية الملحة التي يشهدها إقليم دارفور منذ ثلاث سنوات ، والتي تهدد حاضر ومستقبل جمهورية السودان، وتزيد من عمق الهوة بين أقاليم وأبناء هذا البلد الذي عاني كثيرًا من صراعات داخلية تغذيها المؤامرات الإقليمية والدولية.. كلما انتعشت تلك الآمال تصطدم بواقع على الأرض أبرز معالمه تعنت بعض أطراف اللعبة، وتغليبه المصالح الضيقة للمليشيات والأفراد على مصالح السودان ككل حاضرًا ومستقبلاً.
خلال هذا الأسبوع قدم وفد وساطة الاتحاد الإفريقي في أزمة دارفور مقترحًا للسلام، يمثل حصيلة سنتين من المفاوضات الماراتونية الصعبة بالعاصمة النيجيرية آبوجا ، بين الحكومة السودانية وحركتي التمرد في دارفور (حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة)، في مسعى جديد لتسوية النزاع ، وعودة الأمن والاستقرار لإقليم دارفور . وقد تناول مقترح السلام الإفريقي القضايا الخلافية الجوهرية في الأزمة ،كموضوع تقاسم السلطة والثروة ، ومستقبل إقليم دارفور، ودمج المليشيات المسلحة في الجيش والأمن .. وغيرها من القضايا الخلافية .
وفيما رحبت حكومة الخرطوم بوثيقة السلام الإفريقية، فضلت حركتا التمرد -على الأقل حتى كتابة هذه السطور- رفض مقترح التسوية، لتعود القضية لنقطة الصفر من جديد !
هذا المأزق السياسي الذي يتهدد مقترح السلام الإفريقي دفع بالوسطاء والمراقبين الدوليين في آبوجا للتعبير عن قلقهم من ضياع هذه الفرصة التاريخية. بينما جدد رئيس لجنة الوساطة الإفريقية التحذير من أن الخاسر الأكبر، والمتضرر الحقيقي من ضياع الفرصة السانحة للسلام الآن هم مئات الآلاف من سكان دارفور ، الذين قد يتعين عليهم مستقبلاً تحمل فترات صعبة أخرى من التهجير والمعاناة .. وانتظار المجهول !(1/19)
فهل يعي قادة التمرد في دارفور هذه الحقائق ويزفوا البشرى لسكان الإقليم، بل وللسودان ككل، من خلال توقيعهم على اتفاق السلام .. خدمة لأهل دارفور بكل انتماءاتهم العرقية، وولاءاتهم السياسية، واختيارًا لمصلحة السودان الموحد والقوي، ولحاضن للجميع ؟؟
شارك برأيك...
………
الإسلام اليوم- منتدى الإسلام اليوم - المنتدى العام - أقبلت الإجازة .. فكيف نقضيها؟
أقبلت الإجازة .. فكيف نقضيها؟
مشرف النافذة
………
11/5/1427
07/06/2006
ما إن ينته موسم الامتحانات ومعه العام الدراسي حتى تتنفس الأسرة العربية الصعداء من عبء المذاكرة والدروس الخصوصية والطوارئ والتوتر العصبي، لكن سرعان ما تنتبه الأسرة أن الإجازة الصيفية نفسها أصبحت همًا وعبئًا يجب التخطيط له والاهتمام به، فالأطفال والشباب الذين أنهوا العالم الدراسي يريدون أن يتمتعوا بالإجازة كما يحلو لهم.
فمنهم من يعد العدة للاستفادة من الإجازة أكبر فائدة ممكنة،ومنهم من يضيع أوقاته دون اهتمام؛ بل دون إدراك منه أن الله محاسبه على هذا الوقت من عمره يوم القيامة.
ماهي خطتك في إجازة صيف هذا العام؟ ننتظر مشاركاتك معنا..
………
الإسلام اليوم- المنتدى السياسي - المنتدى السياسي - دارفور.. بين محنة الإنسان ومراوغات الساسة !
دارفور.. بين محنة الإنسان ومراوغات الساسة !
المحرر السياسي
………
6/4/1427
04/05/2006(1/20)
كلما انتعشت الآمال يقرب التوصل لحل نهائي للأزمة الإنسانية الملحة التي يشهدها إقليم دارفور منذ ثلاث سنوات ، والتي تهدد حاضر ومستقبل جمهورية السودان، وتزيد من عمق الهوة بين أقاليم وأبناء هذا البلد الذي عاني كثيرًا من صراعات داخلية تغذيها المؤامرات الإقليمية والدولية.. كلما انتعشت تلك الآمال تصطدم بواقع على الأرض أبرز معالمه تعنت بعض أطراف اللعبة، وتغليبه المصالح الضيقة للمليشيات والأفراد على مصالح السودان ككل حاضرًا ومستقبلاً.
خلال هذا الأسبوع قدم وفد وساطة الاتحاد الإفريقي في أزمة دارفور مقترحًا للسلام، يمثل حصيلة سنتين من المفاوضات الماراتونية الصعبة بالعاصمة النيجيرية آبوجا ، بين الحكومة السودانية وحركتي التمرد في دارفور (حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة)، في مسعى جديد لتسوية النزاع ، وعودة الأمن والاستقرار لإقليم دارفور . وقد تناول مقترح السلام الإفريقي القضايا الخلافية الجوهرية في الأزمة ،كموضوع تقاسم السلطة والثروة ، ومستقبل إقليم دارفور، ودمج المليشيات المسلحة في الجيش والأمن .. وغيرها من القضايا الخلافية .
وفيما رحبت حكومة الخرطوم بوثيقة السلام الإفريقية، فضلت حركتا التمرد –على الأقل حتى كتابة هذه السطور- رفض مقترح التسوية، لتعود القضية لنقطة الصفر من جديد !
هذا المأزق السياسي الذي يتهدد مقترح السلام الإفريقي دفع بالوسطاء والمراقبين الدوليين في آبوجا للتعبير عن قلقهم من ضياع هذه الفرصة التاريخية. بينما جدد رئيس لجنة الوساطة الإفريقية التحذير من أن الخاسر الأكبر، والمتضرر الحقيقي من ضياع الفرصة السانحة للسلام الآن هم مئات الآلاف من سكان دارفور ، الذين قد يتعين عليهم مستقبلاً تحمل فترات صعبة أخرى من التهجير والمعاناة .. وانتظار المجهول !(1/21)
فهل يعي قادة التمرد في دارفور هذه الحقائق ويزفوا البشرى لسكان الإقليم، بل وللسودان ككل، من خلال توقيعهم على اتفاق السلام .. خدمة لأهل دارفور بكل انتماءاتهم العرقية، وولاءاتهم السياسية، واختيارًا لمصلحة السودان الموحد والقوي، ولحاضن للجميع ؟؟
شارك برأيك...
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
177&catid=178-7473
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- عالم الكتب - سياسية - إلغاء نظام الرقّ .. هل من عبوديّة جديدة!
إلغاء نظام الرقّ .. هل من عبوديّة جديدة!
عرض : طارق ديلواني
………
26/5/1427
22/06/2006
-:إلغاء نظام الرق
خمسة قرون من النضال من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين
- الناشر: فايار ـ باريس 2006
- الصفحات: 412 صفحة من القطع الكبير
قليلة هي الكتب التي تحدثت بصدق وإنسانية عن قضية العبودية قديماً وحديثاً .. هذا الشرخ الإنساني الموغل في الامتهان لكرامة الإنسان .
و مؤلفة هذا الكتاب هي الباحثة الفرنسية نيلي شميدت مديرة قسم في المركز القومي للبحوث العلمية الفرنسية، وهي أيضاً عضوة في اللجنة الفرنسية المشرفة على ذكرى العذاب الذي لاقاه العبيد السود نتيجة نظام الرق الذي تاجر بهم طيلة عدة قرون.
وأبحاثها تتركز عموماً على إلغاء نظام الرق في الغرب والعالم كله، وعلى السياسات الاستعمارية الأوروبية بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين.
ينقسم هذا الكتاب إلى اثني عشر فصلاً وفصله الأول يتحدث عن السياق التاريخي الذي حصلت فيه الأحداث المأساوية التي أدّت إلى أسر السود من بلادهم في إفريقية السوداء وتحويلهم إلى عبيد مسلوبي الحرية والإرادة.(1/22)
وأما الفصل الثاني من الكتاب فهو مكرّس للبحث في العبودية داخل القارة الأمريكية، وفي الكتاب عموماً استعراض دقيق لتاريخ الرق منذ القرن التاسع الميلادي، حين حصلت ثورة الزنج في جنوب العراق، وكانت أول انتفاضة للسود ضد نظام الرق أو الاستعباد، ثم تلتها ثورة القرامطة الشهيرة.
ولم تلبث أن هبت ثورات مشابهة في المستعمرات الفرنسية والأمريكية.
وفي الفصل الثالث تتجاوز المؤلفة الحديث عن معاناة السود في أمريكا وفرنسا وغيرها إلى الحديث عن مقاومة السود والعبيد لهذا الاستغلال وهذه الإساءة.
أما الفصل الرابع من الكتاب فتخصصه المؤلفة للتحدث عن موقف فلاسفة التنوير من قضية استبعاد السود، في حين أن الفصل الخامس يشرح كيف استطاع السود أن يزعزعوا النظام الاستعماري والاستعبادي في جزر الكاريبي بعد أن ثاروا عليه.
وتتحدث الفصول التالية من الكتاب عن السيرة الطويلة والمتعرجة للسود نحو الحرية وإجبار أسيادهم البيض على الغاء نظام الرق في نهاية المطاف. كما وتتحدث عن نضال التقدميين البيض من أجل تحرير العبيد، فليس كل الأوروبيين استعماريين أو ساديين، وإنما ظهرت فيهم حركات طيبة ذات نزعة إنسانية تشفق على الإنسان الأسود، وتستنكر معاملته بهذه الطريقة اللا إنسانية.
لكن ما لم تتطرق إليه المؤلفة هو تلك العبودية الجديدة التي نلمسها يومياً من عبودية الجيد، إلى عبودية رب العمل والأنظمة الاقتصادية .. الخ
وعموما فإن العبودية نوع من الأشغال الشاقة القسرية طوال الحياة، وممارسة العبودية ترجع لأزمان ما قبل التاريخ عندما تطورت الزراعة بشكل متنامٍ، فكانت الحاجة ماسة للأيدي العاملة. فلجأت المجتمعات البدائية للعبيد لتأدية أعمال تخصصية بها.(1/23)
وكانت العبودية متفشية في الحضارات القديمة لدواعٍ اقتصادية واجتماعية. لهذا كانت حضارات الصين وبلاد الرافدين والهند تستعمل العبيد في الخدمة المنزلية أو العسكرية والإنشائية والبنائية الشاقة. وكان قدماء المصريين يستغلون العبيد في تشييد القصور الملكية والصروح الكبرى. وكانت حضارات المايا والإنكا والأزتك تستخدم العبيد على نطاق واسع في الأعمال الشاقة والحروب. وفي بلاد الإغريق كان الرق ممارساً على نطاق واسع، لدرجة أن مدينة أثينا -على الرغم من ديموقراطيتها- كان معظم سكانها من العبيد، وهذا يتضح من كتابات هوميروس للإلياذة والأوديسا.
العبودية أيضاً كانت سائدة في روما أيام الإمبراطورية الرومانية، و متأصلة في الشعوب القديمة. وفي القرن السابع جاء الإسلام وكان من أولوياته التعرض للرق والعبودية بشكل مباشر. فدعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى حسن معاملة الأسرى والعبيد والرفق بهم. وجعل لهم حقوقهم المقدرة لأول مرة في التاريخ الإنساني.
وفي منتصف القرن العشرين دخلت إنجلترا حلبة تجارة العبيد في منافسة، وادّعت حق إمداد المستعمرات الأسبانية بالعبيد وتلاها في هذا المضمار البرتغال وفرنسا وهولندا والدنمارك. ودخلت معهم المستعمرات الأمريكية في هذه التجارة اللا إنسانية.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
21&catid=27-7453
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- ثقافة ونقد وإبداع - سرديات - رسالة إلى أسرة (غالية)
رسالة إلى أسرة (غالية)
م. محمد محمود آل حرم
………
23/5/1427
19/06/2006
يا غالية...
يا أسرةً عاشتْ حياةً هانية
من قبلِ أنْ تغدو الشواطئُ مِن أساها دامية.
يا غالية... قضتِ القلوبُ الحانية
وتمزّقتْ كلُّ الدعاوى الواهية
وتحشرجتْ بعضُ النفوسِ بحسرةٍ وبدتْ رؤوسَ زبانية.
يا غالية...
لا تطلبي نصراً، فنصرُ اليوم تقبضُه الأيادي الباغية
مَن تاجرت بمحارمٍ
وتعاونت بمآثمٍ(1/24)
وتفرّدت بجرائمٍ تندى لها كل النفوسُ العالية.
يا غالية...
لا ترغبي عن محنةٍ؛ فالموتُ أفضلُ من حياةٍ هاوية
لا تغضبي من قسوةٍ؛ فالنارُ تسحقُ كلَّ كفٍّ قاسية
لا تضجري من زمرةٍ رقصتْ على آلامنا بالغانية.
يا غالية...
إن الدماءَ رخيصةٌ في عُرفهم
لكنها عند الإله لغالية.
إن الخنوعَ مهارةٌ في عصرهم
لكنه سوطٌ بكفّ زبانية
إن المهانةَ حنكةٌ وسياسةٌ في علمهم
لكنها واللهِ لهيَ القاضية
فليقرؤوا التاريخَ لحظةَ جوْرهم... ولْيعلموا أنّ المذلةَ لا محالة آتية
يا غالية...
ها قد رحلْتِ عزيزةً... والناسُ حولك باكية
ما بالُ مَنْ يُرمى بألف حقارةٍ ومهانةٍ
وتراهُ في كلّ المحافل يستغيثُ الراعية
ما بالُ مَنْ يرعى حصاراً غاشماً في شعبه
وتراهُ يركضُ للعدو طواعية
ما بالُ من باع الحياة بمنصب وبحفنةٍ
وإذا قضى لم تبكِ فيه الباكية.
يا غالية
إن الحياةَ رخيصةٌ إن قُورنت بالباقية
إن الشعوبَ عزيزةً وكريمةً أنْ ندّدت بالطاغية
لكنها والله تُرمى خسةً ومهانةً
إنْ عدّدتْ أملاكها وتفاخرتْ بالآنية.
يا غالية
لا تحزني، فالحزنُ لا يجلي النفوسَ الراضية
لا تبأسي، فالبؤسُ لا يُحيي العزائم ثانية
بل فاصرخي في وجهِ عُبّادِ الهوى
إني سأبقى غالية .... إني سأبقى غالية!!
بالرغم من تجويعِكم ..
بالرغم من ترويعِكم
بالرغم من مكرٍ يهزّ لهولِه كلَّ الجبال الراسية.
يا غالية...
لا تسأمي من حالِ أمتِنا التي غطّت بسابعِ نومها
وتجاوزت بثمانية.
لا تجزعي من كثرةِ الأشواك في دربٍ طويلٍ حوله
أرضٌ يبابٌ خاوية.
فالشعبُ لا يصحو بصوت خافتٍ.. والأرضُ لا تحيا بماءِ الآنية
فتهيّئي يا غالية
فتهيّئي للثأرِ ممن أجرموا وتغطرسوا
فلقد بدتْ تلك الرؤوسُ إلى الزوال لدانية
وتهيّئي للعيش في ظل العقيدة وارقُبي
نصراً عزيزاً شامخاً يُرضي النفوسَ السّامية.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
21&catid=28-7471
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…(1/25)
الإسلام اليوم- ثقافة ونقد وإبداع - شعريات - لن تنحني .. يا أمتي
لن تنحني .. يا أمتي
عبدالناصر رسلان
………
26/5/1427
22/06/2006
(إنَّ الرماحَ إذا افترقْنَ حُطامُ)
ولَكَمْ يُفلُّ معَ الحسامِ حُسامُ
يا أمة َّ الإسلامِِ يا خيرَ الورى
وبَنوكِ أحفادَ الكرامِ كرامُ
يا أمة َّ المليارِ لا لنْ تنحني
فاليأسُ جُبنٌ .. والقنوطُ حرامُ
يا أمة َّ المبعوثِ فينا رحمةً
خدعتكُمُُُ بضيائها الأحلامُ
ناداكُمُ اتّحدوا فكنتمْ مثلما
شَرَدَتْ أمامَ ذئابها الأغنامُ
وأرادكمْ جسداً فصارتْ بينكمْ
تتباينُ الأصواتُ والأجسامُ
يا أمَّة الإسلامِ كيفَ المُلتَقى
وجُموعُكمْ عاثتْ بها الأقزامُ؟؟
والغربُ يفتكُ بالعقولِ وأنتمُ
قدْ عربدتْ في سمْعكمْ أنغامُ
يتربصُ الأعداءُ منكمْ خيفة
فالغدرُ طبعٌ .. هكذا الأيامُ
يا أمَّةَ الإسلامِ دونكِ كيدُهمْ
فالصمتُ يأسٌ .. والجهادُ وسامُ
والماكرونَ وإنْ تطاولَ مكرُهمْ
فحبالُهمْ .. تحتَ الرُغامِ رُغامُ
والدينُ يحفظهُ الإلهُ بجندهِ
وإلى عُلاهُ .. تنتهي الأحكامُ
يا قدسُ لا تهِني وأنتِ حبيبة
يا قدسُ صبراً..فالخطوبُ جسامُ
أنرومُ عزًّا دونكِ نرقى بهِ
والعزُّ دونَ القدسِ.. كيفَ يُرامُ؟
صبراً على مكرِ اليهودِ وحقدِهمْ
وامضوا .. فلا خوفٌ ولا إحجامُ
هذا التراجعُ .. ليسَ إلا كبوةً
عَبَرَتْ .. وهلْ يُثني الخيولَ لثامُ؟
لا يبرحُ الليثُ الشجاعُ إنِ انثنى
أنْ يستعيدَ الصيدَ وهوَ هُمامُ
أينَ الرجالُ ولا تزالُ عِراقُنا
يزدادُ في أنهارها الإضرامُ
أينَ الرجالُ ولا تزالُ جبالُها
يهوي عليها الموتُ وهوَ زُؤامُ
أينَ الرجالُ وفي السجونِ أحبّة
ذاقوا الأسى .. والغادرونَ لِئامُ
أننامُ ملءَ العينِ وهيَ سليبة
والصحبُ في حَزَنٍ ..فكيفَ ننامُ
لغة ُ الجهادِ بأنْ تقولَ سُيوفُنا
لا ليسَ في عُرفِ الجهادِ كلامُ
عودوا إلى الدينِ الحنيفِ وأثبتوا
للجاحدينَ بأنّكمْ أهرامُ
بوابة ُ التاريخِ قدْ فرحتْ بكمْ(1/26)
لمّا انحنتْ في ظلّها الأقلامُ
عودوا إلى ظلِّ الحبيبِ وهدْيهِ
في عالم ٍ ماجتْ بهِ الآثامُ
عودوا كما كنتمْ بقلبٍ واحدٍ
فإذا اشتكى عمرٌو حماهُ هشامُ
سأظلُّ منْ خوفي أردِّدُ صارخاً
( إنَّ الرماحَ إذا افترقْنَ حُطامُ)
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
21&catid=35-7464
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- ثقافة ونقد وإبداع - متابعات - د. العريني: أدب الفضيلة سيصلح ما أفسده الناس!!
د. العريني: أدب الفضيلة سيصلح ما أفسده الناس!!
الرياض: هيثم السيد
………
24/5/1427
20/06/2006
يُعدّ الدكتور عبدالله بن صالح العريني من أبرز الأسماء الأدبية في المملكة في مجال القصة والرواية؛ إذ قدم خلال تجربته عدداً من الأعمال التي تدخل ضمن إطار الأدب الإسلامي الملتزم، والذي يعتمد على إرساء جوانب الفضيلة والمبادئ السامية في صميم العمل الإبداعي، بحيث يحتوي من البعد الديني والقيمة الأخلاقية مايجعله أداة تأثير إيجابية على سلوك المتلقي، تؤدي دورها في إطار رسالة فكرية متكاملة تعتبر الكلمة أمانة، وتسعى لأدائها على النحو الذي يحقق أهدافها ثقافياً واجتماعياً.(1/27)
وقد تحدث الدكتور العريني في محاضرة ألقاها في النادي الأدبي الطلابي مؤخراً عن فن كتابة القصة ومراحل تكونها؛ وقد أكد أن العرب اهتموا بها؛ إذ كان العنصر القصصي يستهويهم منذ القدم، ثم أشار إلى احتفاء القرآن الكريم بالقصة واحتوائه على قصص الأنبياء وسيرهم، والتي كان لها دور كبير في تثبيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقوية إرادته وصبره، واعتبر الدكتور العريني أن قصص القرآن تحتوي عالماً من التأثير والانبهار خصوصاً أنها تبدأ بدايات مثيرة وبأسلوب مشوق، واستشهد بمقولة المستشرق الإيطالي البرتو مورافيا، والذي قال: "إن عند المسلمين من قصص القرآن مالم يستفيدوا منها حتى الآن"، كما تناول الدكتور العريني الجوانب القصصية في السنة النبوية، وكيف أنها لعبت دوراً كبيراً في الدعوة والوعظ والتذكير.
وقد أكد على أن العرب كانوا يميلون إلى القصص القصيرة في الماضي بسبب حبهم للإيجاز، إلى أن جاء العصر الحديث، وترجموا النمط القصصي الجديد المعروف بالرواية، وبدأ هذا الشكل في الظهور في الأدب العربي، وكانت أول قصة عربية حديثة هي قصة زينب لمحمد حسين هيكل.(1/28)
يتحدث الدكتورالعريني عن بداية كتابة القصة لديه فيقول: "في صغري قرأت مقابلة لنجيب محفوظ يتحدث فيها عن تشكل فكرة القصة لديه؛ إذ تناول جوانب الحياة المعتادة، والتي يراها يومياً في المنزل أو الشارع أو العمل، وأنه كان يحاول أن يجعل من أي شخصية يراها موضوعاً لقصة معينة، تتفاوت أحداثها بتفاوت الأشخاص أنفسهم، أو يتقمص شخصيات معينة، ويحاول تفسير تصرفاتها، واستقراء أوضاعها الانسانية والاجتماعية". وأضاف العريني: "هناك الكثير من القضايا التي لا تحتاج إلى تخيّل، ولكنها تحتاج إلى مَن يستنطقها من الواقع، وهذا يجعل من المهم جداً أن يزداد طابع الفضول لدى القاص لكي يبتكر فكرة جديدة، كماهي الاختراعات تحتاج فضولاً كالذي كان عند نيوتن عندما رأى سقوط التفاحة، وفكر بعدها في اكتشاف قانون الجاذبية".
وأشار إلى أن بدايته كانت بعد أن قرأ عدداً من الروايات العربية الشهيرة ومنها: (عصفور من الشرق) لتوفيق الحكيم و(موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح، فقال: "لاحظت أن هذه الروايات كانت تقدم صورة سلبية عن المهاجرين إلى الغرب، وتساءلت: لماذا يرسخ هذا التصور لدى القارئ؟ بينما ليس بالضرورة أن كل من يذهب إلى هناك يفقد دينه وأخلاقه، فكّرت في كتابة رواية تقدم الوجه المُشرق للعربي عندما يذهب إلى الغرب ـ وذات مرة قرأت في رسالة جامعة الملك سعود تعزية بوفاة أحد المعلمين المشهود لهم بحسن الخلق؛ وقد تأثر الطلاب كثيراً لفقده، وقرّرت أن أجعل منه موضوع قصة، وفعلاً نقلته إلى أمريكا وأسميته عبدالمحسن، وأوجدت معه شخصيات أخرى سلبية تختلف معه وبالتالي تتبلور الصورة الإيجابية المطلوبة".(1/29)
يؤكد الدكتور العريني أن القاص يمكنه أن يستلهم مواضيعه من أي مشهد واقعي سواء كان خبراً في جريدة أو في التلفاز أو في الحياة عموماً، الأهم أن يكتب القصة، وهو يضع في اعتباره أنه سيُسأل عنها، وانتقد الذين ينحون بأحداث القصص إلى النزعة الانحرافية، وقال: "الأدب له دور مؤثر على المجتمع لذا علينا أن نحسن اختيار موضوعاتنا، وأن نسعى لتقديم أدب راقٍ يقيم الفضيلة، ويصلح ما أفسده الناس، ولنا أجر المستفيدين من هذا". وأشار في هذا الجانب إلى قصة واقعية جسدت تقاعل أحد القراء مع رواية (مهما غلا الثمن)، وقام بتفعيل تأثره بعمل خيري بعد أن استقرى حالة شبيهة لواقعه في الرواية.
وحول عناصر كتابة القصة قال العريني: "كثير من الناس لديهم موضوعات، لكنهم لايملكون الأداة لتحويلها إلى قصص، وهنا تأتي أهمية الموهبة، واستشعار الرغبة في الكتابة، كما أنه لايمكن البداية في كتابة القصة من غير تكوين خلفية عامة مبنية على القراءة، والتي من خلالها يتعرف القاص على عناصر القصة المتعددة: كالبداية والشخصيات والصراع والعقدة والحل والزمان والبيئة وغيرها". كما اعتبر البداية المثلى لكتابة القصة هي التي تكون من خلالها القصص التاريخية التي تحتوي على العناصر الفنية من بداية ونهاية وصراع، ودعا المبتدئين إلى عدم تأجيل الأفكار الروائية؛ إذ إن كثيراً من القرارات التي تؤجّل لا يُعمل بها في العادة.
وفي تعليقه على موضوع اختفاء حل العقدة في بعض الروايات قال: "الأصل هو أن تنتهي العقدة غالباً بحل معقول، هناك ما يُسمّى بالنهاية المفتوحة، واختفاء الحل ربما يدخل في هذا الجانب، وأنا لا أشجع المبتدئين عليه، فعناصر القصة ينبغي أن تكون متكاملة في الأصل بحيث لا يشعر القارئ بأن شيئاً ما قد سقط منها".(1/30)
سألته عن الصورة الحديثة للروايات، وعن كيفية نشر الأعمال الجيدة، في حين أن كل رواية ممنوعة مرغوبة حالياً، فأجاب: لاشك أن هذه أزمة ثقافية فعلاً، وأنا أرى أن إقبال الناس يرجع أساساً إلى وعيهم، من يكتب قصة جيدة، وتدعو إلى الخير، فسيجد الأجر إن شاء الله، وسيوفقه الله في الوصول إلى المجتمع، و كما قال الشاعر
من يفعلِ الخيرَ لايعدمْ جوازيَه ..لايذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
ودافع الدكتور العريني عن الرواية الإسلامية أمام من يتهمونها بالضعف الفني والأسلوبي قائلاً: من خلال خبرتي في النقد الأدبي أقولها وبكل موضوعية إن الرواية الإسلامية متكاملة فنياً، ولاينقصها إلا الحضور الإعلامي، وهي لو وجدت الاهتمام الذي تحظى به الروايات المنحرفة لحققت نجاحاً منقطع النظير، في اعتقادي أنه على الرغم من كل ما يُمارس من الإقصاء ضد الرواية الاسلامية إلا أنها لم تفقد حضورها وقراءها، لاسيما أننا في مجتمع أخلاقي محافظ، وقد حققت بعض هذه الأعمال رواجاً كبيراً، وطلب بعضها للترجمة، ومن ذلك رواية (دفء الليالي الشاتية).
وتناول تحويل بعض الكتاب مذكراتهم الشخصية إلى أعمال روائية قائلاً: "هذا يدخل ضمن ما يُسمى بأدب الاعترافات، وقد كتبه (جان فورسو) الفرنسي في الماضي، وسجّل فيه كل انحرافاته، وأمْر كهذا لا يليق بنا، للفرق الاجتماعي بيننا وبين الغرب؛ فنحن أمة تدعو إلى الستر، أنا أعرف بعض من كتبوا روايات، ولم يعترفوا بكونها سير على الرغم من أنها كذلك، وعموماً لا أرى مايمنع ذلك، إذا استطاع الكاتب أن يفصل بين الجانبين إلى حدٍ ما ويدخل فيها شخصيات وأحداث معينة".(1/31)
وحول دخول النزعة الشعرية إلى العمل القصصي علق قائلاً: "عنصر الشعرية دخل القصة القصيرة؛ لأن مجالها ضيق نوعاً ما، بعكس الرواية التي ينقطع فيها النفس الشعري بسبب طولها، وإن كانت بعض الجوانب في الرواية تشهد تألقات شعرية، أعتقد أن القصة التي تقترب من الشعر تكون عرضة للفشل". وأشار الدكتور العريني إلى أن القصص الشعرية لم تنجح كثيراً لدى العرب لقيودها الفنية؛ إذ كانوا يفضلون عليها الحكمة أو الأمثال، بعكس اليونانيين الذين نجحت لديهم بسبب عدم خضوعها للوزن أو الايقاع.
وفي تعليقه على تغلّب الرواية على الشعر مؤخراً في المشهد الثقافي العربي: "مازال العرب يحبون الشعر، على الرغم من أن المنابر الشعرية قد خفتت عن الماضي، وقد اقتنعت بهذا بعد مشاهدتنا حجم الإقبال الكبير الذي وجده الشعراء خلال أسبوع الأدب الإسلامي الذي أقيم في السودان مؤخراً، العرب أمة شاعرة متى ما وجدوا شاعراً يهز وجدانهم على نحو قول الشاعر (أهز بالشعر أقواماً ذوي وسنٍ)، في اعتقادي أن الشعرسيبقى ديوان العرب، وستأخذ الرواية حظها أيضاً بشكل أو بآخر؛ فهناك شعراء كبار كالجواهري والبردوني وغيرهم استطاعوا أن يعيدوا هيبة الشعر".
كما أكد عدم اقتناعه بالنمط القصصي الذي ظهر مؤخراً، والذي عُرف بالفلاشات أو القصص القصيرة جداً معتبراً أنها غير قادرة على البقاء، وأنه يُخشى أن يأتي من يكتب القصة القصيرة جداً جداً، وبذلك تفقد النصوص قيمتها الأدبية، فالقصة في نظره تحتاج بناءً وعناصر فنية متكاملة، وهذا النمط الجديد لاينطبق عليه ذلك، وبالتالي فهو أقرب ما يكون إلى الخاطرة.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
7413
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - ولنا في حرّ الصيف عبرة
ولنا في حرّ الصيف عبرة
سامي بن عبد العزيز الماجد
………
17/5/1427
13/06/2006(1/32)
فقد مُلِئ هذا الكون الفسيح دلائلَ وآياتٍ، تدل بعظمتها على العظيم سبحانه، ويكشف ما فيها من عجائب الخلق وبدائعه قدرةَ الخالق وجميلَ خلقه وإتقانَ صنعه (صنع الله الذي أتقن كل شيء). وإتقان صنعه يتجلّى لنا في كل شيء في هذا الوجود الفسيح، فلا فلتة ولا مصادفة ولا خلل ولا نقص، ولا تفاوت ولا نسيان. ويتدبر المتدبر آثار صنع الله المعجز، فلا يعثر على خَلَّةٍ واحدة متروكة بلا تقدير ولا إتقان؛ فكل شيء بتدبير وتقدير يُدهش العقول التي تتابعه وتتملاه.
ويربط القرآن بين القلب ومشاهد الكون؛ لينبه الحس الخامد، والقلب المغلق، إلى بدائع صنع الله المبثوثة حول الإنسان في كل مكان؛ كي يَقْدُرَ اللهَ حقّ قدره، ويُجِلَّه حقَّ جَلالِه، ويشاهدَ عظمتَهُ في بدائع صنعه، ويشعرَ به كلما وقعت عينه على آية من خلقه؛ ويتصلَ به في كل ساعة تفكُّر ولحظةِ تأمُّل.
وتتابعتْ آي التنزيل تدعو الإنسانَ للتفكر في ملكوت السموات والأرض، وأن يعيد إليها النظر كما لو كان يراها أول مرّة؛ بحسٍ مرهف وقلب يقِظٍ وعين مبصرة؛ ليلحظ ما فيها من آيات الإبداع والإتقان، وما تصوِّره أجرامها من عظمة الخالق وقدرته وحسن تقديره، فيزداد إيماناً به، ومهابةً له وتوقيراً.(1/33)
ويتجدد له هذا الشعور تُجاه خالقه كلما جدد النظر في أجرام الكون الفسيح بقلب شاهد وبصر نافذ وحسِّ متيقّظ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37] لنستمع إلى دعوة القرآن للتفكر في هذا الكون: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس:101]. (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ...)[الأعراف: من الآية185]، (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...)[سبأ: من الآية9]، (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف:105]. وكما يصِلنا التفكر في هذا الملكوت العجيب بالخالق -جل جلاله- فإن التفكّر في هذا الملكوت وفي تقلّب الليل والنهار واختلافهما، وفي تعاقب فصول السنة، وما يتبع ذلك من حياة النباتِ ثم إيناعِه واخضرارِه ثم يُبسه وموته؛ ليصِلُنا بعالم الآخرة ويذكِّرنا بها؛ حتى ليتخيَّلُ لنا مشهد البعث والعرضِ الأكبرِ يوم القيامة، ومشهدُ الجنة والنار في نظرات التفكر هذه.
(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ). [يونس:6]. وكيف يكون التفكّر في ذلك باعثاً على التقوى لولا ما في اختلاف الليل والنهار وبديع خلق السموات والأرض من إيماء وتذكير بالآخرة.(1/34)
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191]. وتأخذنا الدهشةُ أمام هذا الارتباط العجيب بين التذكّر والتفكّر، تذكرِ النار عند لحظات التفكر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)، أيُّ مناسبة تلك التي اقتضت هذا الارتباط العجيب بين المشهدين: بين مشهد السموات والأرض ومشهدِ عذاب النار؟! ويا لله العجب كيف قادهم هذا التفكر في ملكوت السموات والأرض إلى تذكر الآخرة وما فيها من العذاب الشديد؟!
أما إنه لتفكرٌ فريدٌ ، هو أعمق أثراً، وأطول تأملاً، وأرق مشهداً، وأرهف حساً، وأوسع تدبراً، إنه تفكّر انفرد به نظر أولي الألباب المتحفِّزة لكل مشهد من مشاهد عظمة الله لا كنظر الغافلين، الذين يمرون بالآيات، وهم عنها معرضون، وينظرون إلى بديع هذا الخلق العجيب نظرَ مَن ألفه حسه، بتكرّر منظره فلم يَعُدْ يتيقّظ له.
إن التفكر في هذا الملكوت وفي تعاقب الليل والنهار وحركة الأجرام وتتابع فصول العام لهو عبادة تزيد الإيمان وتذكر بالآخرة، وتملأ القلب من تعظيم الله ومهابته.(1/35)
وكل ما في الدنيا فهو مذكر بالآخرة ودليل عليها، وها هي دورةُ حياةِ النبات تكشف للمرء قِصر الأمد في هذه الحياة، وتذكِّر بحقيقة الدنيا وتفضح زخرفها الزائل، (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس:24-25]. ويحضرنا في هذه الأيام مشهدٌ آخر من مشاهد الاعتبار وآيةٌ من آيات التفكر...مشهدٌ يصِل القلوب بخالقها، وينفذ بها إلى عالم الآخرة؛ حيث كربة الموقف في العرصات، وحيث النارُ بسمومها وعذابها.(1/36)
إنه هذا القيظُ الشديد بسَمومه اللافح وحرِّه المؤذي وشمسِه اللاهبة وظلِّه اليحموم. وليس هو بالحدث الجديد الذي يلفت كلَّ نظر، بل هو فصل معتاد مألوف معروف السبب، ومهما اعتدناه وألِفْناه وعرفنا تفسيرَه وتجلّت لنا أسبابه فذلك لا يُذهب ما فيه من مشهد العظة والذكرى، فلقد كان القرآن يعطف بصائرَنا إلى تذكّر الآخرة عند لحظات التفكر، ويلفت أنظارنا إلى مشهد النار إذا ذُكر حرّ القيظ، (... وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التوبة: من الآية81], وفي نار الدنيا ما يذكر بنار الآخرة (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ) [الواقعة:71-73]. وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم، كان يجعل من مشاهد الحياة المألوفة صلةً لتذكر عالَم الآخرة، "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم". وقال صلى الله عليه وسلم: "أشد ما تجدون من الحر من سَموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم".
فلنتذكر إذا لفحنا سمومُ هذا القيظ عذابَ السموم يوم القيامة، وإذا آذانا حر الهاجرة فلنتذكر حرَّ جهنمَ، ولْنتمثَّلْ حين نفرّ من لهيب الشمس إلى الظل ذلك اليوم العظيم...يومَ العرض على الله وقد دنتِ الشمس من الخلائق قدر ميل، لا يجدون ظلاً إلا ظل عرشه جل جلاله، ولا يُظل فيه إلا من يستحقه من صالحي عباده، فإين هي شمس الدنيا من شمس الآخرة، وما تبلغ سويعات الهاجرة من يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة.
إن الاستباق إلى الظل في عرصات يوم القيامة لا يتأتى بحث الخطا والإسراع إليه ركضاً، إنما هو بالاستباق بالخيرات والمنافسةِ في الطاعات.(1/37)
وكم يُشعرنا هذا بمنة الظل الذي يقينا حر الشمس، والقرآن يذكرنا هذه النعمة في آيتين من آياته: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) [النحل:82 -83] وقال جل جلاله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) [الفرقان:45]. ـ وكما للقيظ في حره وسمومه آية، فله في سببه آيه، فما القيظ إلا نتيجةٌ لدنوّ الشمس نحونا قليلاً، كما أن زمهرير الشتاء من انصرافها عنا قليلاً، حالتان متضادتان، سببهما دنوّ يسير أو انصراف يسير، ولو دنت أكثر لأحرقت، ولو بعدت أكثر لأماتت.
والشمس ـ كما أخبر صلى الله عليه وسلم ـ آيةٌ من آيات الله، يخوف الله بها عباده، سخرها لهم لتكون سبباً لبعض النعم التي يجود بها عليهم، فهي نعمة من النعم وآية من الآيات الباهرات. ولها في حركتها وتنقلها في منازلها شأن عجيب؛ إذ لها في كل يوم من أيام السنة الشمسية مطلِع، ولها في كل يوم منها مغرِب، مطلِعٌ ومغرِبٌ ثابت في كل سنة لا تحيد عنه الشمس ولا تميد، وإلى هذا يشير القران في قوله تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ومغربهما، وفي قوله (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ). وكلما اختلف مطلعها ومغربها اختلف تبعاً لذلك طول الليل والنهار، فأخذ هذا من ذاك، أو أخذ ذاك من هذا، كما قال تعالى: (...يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ...)[الحج: من الآية61].(1/38)
إن هذا القيظَ وإن كان يؤذي إلا أنه نافع تقتضيه ضرورة الحياة لبعض الكائنات، وبه يكتمل نموها ويينعُ ثمرُها، ولو لم يكن قيظٌ لما كان لها ثمر، فلا يُنسينا إيذاؤه تذكّرَ ما لله فيه من حِكَم بالغة وآياتٍ ظاهرة. والله سبحانه لا يقدّر ولا يخلق عبثاً، إنما خلق لحكمة وقدر لغاية، وله في كل تحريكة وتسكينة شاهد، (... وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: من الآية2). تبارك الله...
ألا وإن التفكّر في شدة القيظ وتذكّر الآخرة به لا يستدعي التعرض للحر ولا البروزَ للشمس، فالأمر لا يتطلب سوى حسّ متيقّظ مرهف وقلب شاهد ونظر ثاقب، وأما التعبّد لله بالبروز للشمس والتعرض للسَّموم من أجل تذكر الآخرة ووعظ النفس به فذلك بدعةٌ من ضلالات الجهال، ومن تعبّد الله بذلك فقد أعظم عليه الفرية، وأساء وتعدى وظلم.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "وأما مجرد بروز الإنسان للحر والبرد . بلا منفعة شرعية , واحتفاؤه وكشف رأسه , ونحو ذلك مما يظن بعض الناس أنه من مجاهدة النفس, فهذا إذا لم يكن فيه منفعة للإنسان, وطاعة لله, فلا خير فيه, بل قد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً قائما في الشمس, فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا أبو إسرائيل, نذر أن يقوم في الشمس, ولا يستظل, ولا يتكلم, ويصوم. فقال: مروه فليجلس, وليستظل, وليتكلم, وليتم صومه" (الفتاوى الكبرى 2/148)
ثم كيف يكون ذلك مستحباً وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا اشتدّ الحرّ أن نُبردَ بالصلاة. وعلى هذا فلا يجوز للمسلم أن يتعنى المشقّة طريقاً للعبادة وهو يجد طريقاً إليها أيسر، وإنما المشقة التي يُؤجر المرء على تحملها تلك المشقة الملازمة للعبادة، بحيث لا يتأتّى تحقيقها إلا باحتمال تلك المشقة، فمثلاً لا يشرع الوضوء بالماء الحميم مع وجود غيره، ولا الوضوء بالماء البارد في الليلة الشاتية مع وجود الدافئ، وإنما يُؤجر من توضأ بذلك وهو لا يجد غيره.(1/39)
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
7414
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - أقبلت الإجازة... فكيف نقضيها ؟
أقبلت الإجازة... فكيف نقضيها ؟
د. ليلى بيومي
………
17/5/1427
13/06/2006
ما إن ينته موسم الامتحانات ومعه العام الدراسي حتى تتنفس الأسرة العربية الصعداء من عبء المذاكرة والدروس الخصوصية والطوارئ والتوتر العصبي، لكن سرعان ما تنتبه الأسرة أن الإجازة الصيفية نفسها أصبحت همًا وعبئًا يجب التخطيط له والاهتمام به، فالأطفال والشباب الذين أنهوا العالم الدراسي يريدون أن يتمتعوا بالإجازة كما يحلو لهم.
فمنهم من يعد العدة للاستفادة من الإجازة أكبر فائدة ممكنة،ومنهم من يضيع أوقاته دون اهتمام؛ بل دون إدراك منه أن الله محاسبه على هذا الوقت من عمره يوم القيامة.
لنتعرف على بعض اهتمامات الشباب من خلال هذا التحقيق:
(مدحت راضي) - طالب بالمرحلة الثانوية ويستعد لامتحانات الثانوية العامة يقول: إنني أتمنى الانتهاء من الامتحانات حتى أتفرغ للإجازة، ففيها أنام كما يحلو لي، ولا أستيقظ إلا عند الظهر، وأسهر حتى الفجر مع زملائي وأصدقائي في النادي، أو عند أحدنا نتسامر ونسهر، فالصيف بالنسبة لي هو الحرية والتحرر من أعباء المذاكرة ولا أقوم بأي شي سوى اللهو والاستمتاع.
أما (سالم زهران) طالب بالمرحلة الجامعية؛ فيقول: إنني أنتمي إلى أسرة ريفية، وبمجرد أن تنتهي الامتحانات حتى أبد العمل في الحقل مع والدي وإخوتي توفيرًا لنفقات استئجار عمال زراعيين، كما نقوم برعاية المواشي فهي مصدر دخلنا الأساسي، ونتيجة لذلك؛ فالإجازات كلها لدينا عمل، نبذل جهداً كبيرًا، لكننا نستمتع بها؛ لأنه يتخللها بعض الفراغ نقضيه مع الأهل والأصدقاء والأقارب، ونحضر الأفراح والمناسبات الاجتماعية.(1/40)
بينما يقول (رضا ثروت) الطالب بكلية الحقوق: إن والده لديه ورشة لصناعة وتصليح الأحذية، وإن الإجازة لديه تعني الانهماك الكامل في أمور الورشة، وتخفيف العبء عن والده الذي كبر سنه، ووهنت صحته لدرجة أن العطلات الأسبوعية وغيرها أثناء العام الدراسي أفتح فيها الورشة وأساعد والدي .
ويضيف (رضا) أنه ليس لديه وقت للفسحة والذهاب للمصيف؛ لأن ذلك يحتاج لتكاليف لا يقدر عليها كما سيتأثر دخل الأسرة.
ويؤكد رضا: منذ صغري لا أعرف غير العمل والتعب وتحمل المشاق.
أما (أحمد سويلم) الطالب بالمرحلة الثانوية التجارية؛ فيقول: إن والده يعمل عاملاً باليومية، وليس له معاش أو تأمين صحي، ولا دخل ثابت، فالأسرة تعيش في ضيق مادي؛ ولذلك أعمل بالأجر طيلة الإجازة؛ لتوفير نفقات الدراسة، ولمساعدة والدي في الإنفاق على الأسرة وتربية إخوتي الصغار، أما اللعب واللهو فلا دخل لي به ولا أعرفه، إنني أقضي الإجازة كلها في العمل، إضافة إلى أول شهر من الدراسة فالعمل أصبح عندي أهم من الدراسة.
الآباء يتكلمون
المهندس (عيسى عبد الباسط) لديه ثلاثة أبناء ذكور أكبرهم في المرحلة الإعدادية والآخران في المرحلة الابتدائية.
يقول: إنني أحمل هم الإجازة كثيرًا لأن فراغ الأبناء أثقل على قلبي من انشغالهم بالدراسة، ولذلك فقد اشتريت جهاز كمبيوتر؛ كي يقضي الأبناء بعض الوقت عليه لمشاهدة بعض الأفلام التي اخترتها بعناية مع بعض الأناشيد الإسلامية وكذلك الكتب والدروس والمناظرات الدينية والثقافية، التي تعمق الوعي، وتنمي المعرفة، كذلك أحرص على تزويد مكتبة الأسرة بالكتب العلمية والثقافية والقصص وكتب التاريخ لنفس الغرض.(1/41)
أما عن طفولته وصباه وكيف كان يقضي الإجازة؛ فيقول المهندس (عيسى): في الطفولة وحتى المرحلة الابتدائية كانت الإجازة كلها لهو ولعب وعدم تحمل أي أعباء، أو القيام بأية أعمال، أما في مرحلة المراهقة والصبا فكنا نقضي الإجازة في الأعمال الزراعية المختلفة والعمل في الحقل.
بينما يقول دكتور (سالم الغول) -طبيب صيدلي-: إنه قضى إجازات الطفولة والصبا والشباب في الاستمتاع باللعب والسهر مع الأصدقاء، والهروب من الأعمال المنزلية، لدرجة أن أهلي كانوا يبحثون عني لأتناول طعام الغداء فلا يجدوني، وكنت في الشباب كثير السهر مع زملائي، ولم أكن أعود للمنزل إلا عند الفجر وكان والدي يطلب مني مساعدته، ولكني كنت أتهرب، لذلك فأنا حريص على معالجة ما أخطأت فيه في صغري، ولذلك أحاول تنظيم وقت الأبناء فبجوارنا نادٍ رياضي يشترك فيه الأبناء، فيخرجون من العاشرة صباحًا ويعودون في الثالثة بعد الظهر ثم نتناول جميعًا الغذاء، ثم ينام الأبناء بعض الوقت، وفي المساء ينشغل الجميع إما بقراءة الجرائد والمجلات أو الاستماع إلى أشرطة الكاسيت والفيديو المسجل عليها أموراً نافعة، وأقوم بفحصها والتأكد منها حتى لا تتسرب أمور غير مرغوبة، وأقوم بتوجيه الأبناء لحضور بعض الدروس في المساجد والمراكز الثقافية، وأيضا نحاول قدر الإمكان الخروج في رحلات خلوية معًا، وكذلك نزور الأقارب وندعوهم لزيارتنا.(1/42)
أما (سعيد درويش) محاسب بإحدى الشركات الكبرى؛ فيقول: إننا نبالغ هذه الأيام في رعاية أبنائنا، وتقديم كل أشكال الراحة والترفيه لهم، فلا وجه للمقارنة بين طفولتنا وطفولتهم، ومع ذلك فقد حققنا برغم المعوقات نجاحات كثيرة، وكانت مستوياتنا الدراسية أعلى من أبنائنا الآن، ويضيف (سعيد درويش) أن أسرتنا تستعد للمصيف منذ فترة لدرجة أنه يكلفنا مبالغ كبيرة فأحيانا نصطاف في مكانين مختلفين ونصطحب أولادنا معنا، ونقضي شهرًا من الإجازة في القرية، حيث منزل الأسرة الكبير والقديم وقبل بداية العام الدراسي نبدأ في الدروس الخصوصية للأبناء حتى ننتهي منها قبل الامتحانات بوقت كاف.
الترفيه الهادف
يقول دكتور (مسعد سيد عويس) أستاذ التربية والرئيس السابق لجهاز الرياضة: إن للإجازة والترفيه دور مهم وخطير في نفسية الطالب، ويجب الاستمتاع بها تمامًا، وأن يُغسل الطالب من هموم الدراسة وضغوطها النفسية والعصبية، ويحصل على أكبر قدر ممكن من الراحة، وللترفيه مدارس واتجاهات، ونحن نفضل الترفيه الهادف ولا نقصد به منع الأطفال من اللعب؛ بل تكون الأمور متوازنة، أي: يكون هناك وقت للعب، ووقت لزيارة الآثار وتنمية الملكات التاريخية والجغرافية، ثم المسابقات والأنشطة الرياضية، ونحن نفضل أن يشترك الطالب في الإجازة في المسابقات الرياضية والثقافية، وفي الرحلات والمعسكرات التي تنظمها الجهات المسؤولة؛ لأن ذلك سيفتح نظره على عوالم جديدة، ويكتسب صداقات جديدة، ويتعلم التعاون وحب الغير، وكذلك يتعلم معنى التنافس والمنافسة سواء في مسابقة رياضية أو ثقافية تدفعه إلى القراءة والتثقيف.
ويضيف د. مسعد عويس أن اشتراك الشباب في المعسكرات التي تجوب القطر أمر هام، ويجب الحرص عليه، لاسيما إن وجد من يحسن القيام عليها وتنظيمها بشكل جيد، بعيدًا عن الابتذال والخروج عن الآداب العامة.
الاستمتاع بالإجازة(1/43)
أما دكتور (سليمان عزت) أستاذ التربية والمناهج؛ فيقول: إننا لا ننادي بشروط قياسية يجب توافرها لقضاء الإجازة، وإنما الأمر متروك لكل أسرة حسب طبيعتها وإمكانيتها، فمثلا لا أقول: يجب على كل أسرة أن تذهب إلى المصيف في حين أن هناك أسر كثيرة فقيرة، ولا تستطيع تدبير نفقات المصيف، وإنما هذه الأسر الفقيرة لابد أن لديها وسائل فعالة لقضاء الإجازة؛ فالمدارس تقيم مواسم صيفية ومسابقات يمكن الاشتراك فيها، والمساجد الكبرى تقيم مسابقات ودروس لتحفيظ القران يمكن الاشتراك فيها، والنوادي الرياضية ومراكز الشباب توجد بها العديد من الأنشطة الرياضية المجانية، وهناك المعسكرات الصيفية وفرق الكشافة، وهناك الأنشطة الثقافية والمكتبات، وهذه كلها أمور ونشاطات مجانية يمكن الاستفادة منها.
أما الذين يقضون الإجازة في الاستعداد للعام الدراسي المقبل؛ فهذا مجهود إضافي وتكلف ضرره أكبر من نفعه.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
7415
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - مقترحات مفيدة لإجازة سعيدة
مقترحات مفيدة لإجازة سعيدة
التحرير
………
17/5/1427
13/06/2006
أقبلت الإجازة بما فيها من فراغ لا يحسن الاستفادة منه إلا من وهبهم الله عقلاً راجحاً يعرفون به كيف يخططون للاستفادة من أوقاتهم فيما يفيدهم ويفيد أمتهم ومجتمعاتهم. وحول كيفية الاستفادة من الإجازة هذه بعض المقترحات للاستفادة منها:
أولا:أهمية الوقت
إذا أردت أن تستفيد من الإجازة حق الاستفادة، وأن تكون فيها من الفائزين فعليك بما يلي :
1) أن تستشعر قيمة الوقت، وأن له شأناً عند الله، فبه أقسم في غير ما آية من كتابه، والله إذا أقسم بشيء دل على عظمته؛ بل إنه أقسم بجميع أجزاء اليوم فأقسم بالنهار وأجزائه: الفجر، والضحى، والعصر، وأقسم بالليل.
2) أن تعلم أن هذا الوقت هو رأس مالك؛ فإن ضيعته ضاع رأس مالك، وإن حفظته فالربح حليفك.(1/44)
3) أن تعلم أن مفاتيح استغلال الوقت بيدك فلا تحتاج إلى شرائها ولا استئجارها، فليس عليك سوى أن تشمر عن ساعد الجد فإن الوقت يمضي والعمر قصير.
4) أن تعلم أن بهذا الوقت حفظت العلوم، وجمعت السنة، وحررت المسائل، وكتبت القصائد، وأنه ما من عالم رفع شأنه؛ إلا واستغلال الوقت كان مركبه، وما من داعية رفع ذكره؛ إلا واستغلال الوقت كان همه.
5) أن تعلم أن الناس صنفان: علماء وعامه، والذي ميز العلماء عن العامة هو استغلال العلماء لأوقاتهم. فإن كنت مضيعاَ لأوقاتك فقد شاركت طلاب العلم في هيئتك ولباسك وفارقتهم في استغلالك لأوقاتك.
6) أن تعلم أنه لن يكون لك تأثير في واقع أمتك إلا بالعلم والعمل ولن يتحققا لعشاق الدعة والكسل.
7) أن تقرأ سير أصحاب الهمم العالية .
ثانيا:مقترحات عامة
بدأت الإجازة وزادت ساعات الفراغ عند الكثيرين ، وأخذ هذا السؤال يُطرح كثيراً: كيف أستفيد من الإجازة؟
إليك أخي القارئ الكريم هذه المقترحات :
1- الالتحاق بإحدى الدورات العلمية أو العملية النافعة والمفيدة، مثل: دورة في الخط أو الكمبيوتر أو الرسم أو الكاراتيه وغيرها كثير .....
2- إعداد صحيفة ثقافية متنوعة خاصة بالبيت وتكون في مكان بارز.
3- المشاركة الفعّالة والقوية في برامج المراكز الصيفية .
4- الالتحاق بوظيفة في الإجازة الصيفية .
5- مشروع المراسلة وإيصال الخير للناس في شتى البقاع .
6- رحلات للعمرة أو للمناطق السياحية مع محاولة إيجاد مناطق جديدة .
7- المشاركة في إثراء المجلات بمقالات ومواضيع ترى أهمية طرحها .
8- الاستعداد المبكر جداً في فهم المواد الدراسية للسنة الدراسية القادمة .
9- أخذ فصل دراسي صيفي، وإنهاء الدراسة الجامعية في أقل وقت ممكن.
10- تبني مشروع تجاري والعمل على إنجاحه ومضاعفة الجهد في ذلك .
11- جمع بعض الأشرطة وكذلك الكتيبات والمجلات وتوزيعها علي المستوصفات أو صوالين الحلاقة وأماكن الانتظار بالمرافق العامة.(1/45)
12- تقديم بعض الأشرطة المرئية والمسموعة لسيارات النقل والأجرة ليستفاد منها في الطريق.
13- السفر للدعوة إلى الله عز وجل عن طريق إحدى المؤسسات الخيرية.
14- حضور الدورات العلمية المقامة في كل مكان.
15- محاولة التأليف والكتابة الصحفية والتدرب على ذلك.
16- دعوة غير المسلمين للإسلام عن طريق الكتب والنشرات والمطويات.
17- حاول أن تتعلم شيئاً جديداً مثل التبريد والميكانيكا والكهرباء والسباكة وأسرار الكمبيوتر... إلى آخره.
18- زيارة المستشفيات والمؤسسات الإيوائية.
19- زيارة الأقارب وصلة الرحم وخصوصاً من هم خارج مدينتك.
20- المسابقة الاجتماعية في البيت لأفراد أسرتك للحث على الانضباط.
ثالثا:أفكار للمرأة
المرأة صنو الرجل وشريكته في صنع الحياة، وهي المحضن الذي يترعرع فيه رجال الغد، ومنه تنبت فسيلة الأسرة الصالحة؛ فإليها وهي البنت والأخت، والأم..إليها هذه التوجيهات:
1-لا تخلو مدينة من دور أو مراكز صيفية لتحفيظ القرآن؛ فلتحرصي أيتها الأخت على المشاركة، ولتحرصي أيتها الأم على مشاركة بناتك في هذه المراكز، واحرصي على توجيه وتشجيع أخواتك للالتحاق بهذه المراكز لاستثمار الإجازة، ولو لم يكن إلا أن تتعرف تلك الأخت على أخوات صالحات يتعاون على الخير وفعله، لكفى.
2- تكثر مناسبات الزواج والأفراح والاجتماعات في الإجازة الصيفية، وتجتمع أعداد كثيرة من النساء، فلماذا لا تستغل هذه المناسبات والاجتماعات من قبل بعض الصالحات في إلقاء بعض النصائح والتوجيهات، وإن لم تكوني أنت المتحدثة؟! فلماذا لا تكوني مفتاح خير للناس، فتكونين أنت الداعية لإحدى الأخوات القادرات؟(1/46)
قال الحق -عز وجل-:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71)وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ َالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
هذه المناسبات فرصة عظيمة لتعليم الأخوات كيف تُستثمر الأوقات.
3- الحرص على المشاركة في الدورات العلمية المقامة بمدينتك ومتابعة هذه الدروس وتقييدها والاستفادة منها، وإن لم تستطعي المشاركة كلية فإنك -على الأقل- تختارين من الدروس ما يناسبك فتحرصين على متابعتها والإفادة منها.
4- يجب على الأخت ألا تأتي وحدها لهذه الدورات؛ بل تحرص على مشاركة أخواتهن فتشجعهن وتحثهن من خلال الاتصال المتكرر بهن.
وما أكثر الأوقات التي تقضيها المرأة بالمهاتفات! فلماذا لا تستغل هذه المكالمات في التوجيه والإرشاد والدلالة على الخير في كل مكان؟
فكوني مشجعة وحاثة لأخواتك على المشاركة، وإن لم تتمكني أنت من المشاركة لظروف خاصة فإنك تنالين الأجر وإن لم تحضري؛ والدال على الخير كفاعلة.
رابعا:برامج وأفكار للأطفال
هذه مجموعة من البرامج والأفكار التي حاولنا جمعها وهي أطروحة يمكن تطويرها أو التعديل عليها أو التفكير في أفضل منها:
1ـ برنامج دعاة المستقبل:
فكرة البرنامج هي تعويد الابن على الإسهام في أعمال الخير، وذلك بعدة طرق؛ منها:
- زيارة إحدى المؤسسات الخيرية أو مكاتب الدعوة؛ ليتعرف عليها الابن ويسهم بأي شكل مهما كان يسيراً .(1/47)
- إذا كان الابن يجيد استخدام الحاسب الآلي أو صاحب خط جميل يمكن أن يقوم بطباعة حديث أو فائدة أو قصة جميلة، ومن ثم يعلقها في البيت أو في المسجد بعد التنسيق مع إمام المسجد.
- شراء بعض الكتيبات والمطويات النافعة وجعل الطفل يقوم بتوزيعها بعد الصلاة عند باب المسجد بعد التنسيق مع إمام المسجد.
2ـ برنامج اللقاء الأسبوعي:
فكرة البرنامج تحديد وقت في الأسبوع يجتمع فيه أفراد البيت، ويقوم الأطفال بإعداد وطرح برنامج متنوع الفقرات، ويمكن للأب أو الأم مساعدتهم في البدايات، ثم سترى - بإذن الله- أشكالاً من الإبداع قد لا تفكر فيها أنت.
3ـ برنامج السؤال الأسبوعي:
فكرته عبارة عن سؤال يعلق أسبوعياً في صحيفة معدة لذلك في البيت، وليكن مثلاً يوم السبت، وآخر موعد لتسليم الإجابات هو يوم الجمعة، ومن ثم يعلق الجواب الصحيح واسم الفائز، ويطرح سؤال آخر وهكذا، ويكون الفائز هو الذي يتكرر اسمه في الشهر أكثر وتقدم له جائزة.
4ـ فكرة الكسب الحلال:
وتقوم الفكرة على الاتفاق مع الطفل للقيام بعمل إضافي ليس من الواجبات المعروفة لديه، على أن يكون له مقابل على جهده مثل طباعة بحث أو خطاب بالكمبيوتر، سواء كان لأحد والديه أو أحد الأقارب؛ فيتعود بذلك الابن أو البنت على الكسب الحلال وتحمل المسؤولية .
5ـ فكرة حصالة الخير:
تقوم الفكرة على شراء حصالة كهدية للطفل؛ ليقوم بجمع التبرعات لإخواننا المسلمين في فلسطين مثلاً ، سواء كانت من مصروفه الخاص، أو في الاجتماعات العائلية مع الأقارب والأصحاب، ومن ثم تقوم مع طفلك بإيصالها لأحد اللجان الخيرية، فما أروعها من تربية!.
6ـ فكرة الطفل البار :
تقوم الفكرة على تعويد الطفل مساعدة أمه في أعمال البيت، ولو بشكل يسير جداً؛ لكي لا يمل من العمل المطلوب منه، وتشجيعه بالكلام والثناء أو بهدية، ولكن لا تُجعل عادة حتى لا يكون عمله من أجلها.
7ـ فكرة الطفل المنظم :(1/48)
تقوم الفكرة على وضع منافسة بين الأطفال في البيت على ترتيب ما يخصهم من ألعاب وملابس ونحوها، ويمكن جعل المكافأة هي المشاركة في رحلة أو زيارة للأقارب.
8ـ فكرة المنافسات والألعاب الحركية لحاجة الطفل لها:
- للأبناء سباق (على الأقدام ، الدراجات ونحوها..)
- للبنات أعمال منزلية، وتقاس فيها المهارة والسرعة ( إعداد شاي أو غسيل أواني أو تنظيف أو تطريز..)
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
7416
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - دواء الحب!
دواء الحب!
سلمان العودة
………
17/5/1427
13/06/2006
الحب ليس داءً بإطلاق، بل هو علاج للكثير من الإخفاقات والمشكلات، ولكنه قد يتحول إلى داء إن تفاقم وتجاوز حده، أو وضع في غير موضعه، وفي مثل هذا يطلب له العلاج، وقد قال عروة بن حزام:
جعلت لعراف اليمامة حكمه
وعراف نجد إن هما شفياني
فقالا نعم يشفى من الداء كله
وقاما مع العواد يبتدران
فما تركا من رقية يعلمانها
ولا سلوة إلا وقد سقياني
فقال شفاك اللّه واللّه ما لنا بما ضمنت منك الضلوع يدان
ولكن السنة جاءت بأنه ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، ومن دواء الحب:
أولاً: الوقاية خير من العلاج.
فاصرف بصرك، فإن لك الأولى وليست لك الثانية؛ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ)[النور: 30-31].
لاحظ كيف فصل الله في الآيات (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ)، فلخطورة غض البصر وأهميته خاطب الله عز وجل الرجال على حدة والنساء على حدة؛ لأن الأمر يهم كلاًّ من الطرفين بمفرده.
وهذا من المرات القليلة التي يفرد كل جنس فيها بخطاب.(1/49)
والنظرة هي البداية؛ ولذلك عقب الله عز وجل بقوله: (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، فالبداية نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فموعد، فلقاء ثم وصول إلى هذه النتيجة:
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وتر
يسر مقلته ما ضر مهجته
لا مرحباً بسرور جاء بالضرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها
في أعين الغيد موقوف على الخطر
فالوقاية خير من العلاج!
*احفظ هذه الآية الكريمة: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) احفظها، وكررها، واكتبها وعلقها في غرفتك، أو في سيارتك إذا احتاج الأمر إلى ذلك.
ثانياً : التفكر في العواقب.
فإن هذا من الخصائص التي تميز الإنسان عن الحيوان.
وليس كل ما خطر في بال الإنسان أو تيسر له فعله أقدم عليه حتى يعرف ما وراءه فقد يسير الإنسان في طريق آخره مرض الإيدز؛ الذي أصبح ضحاياه اليوم بعشرات الملايين في العالم.
وبعض من وقع في مرض الإيدز! كان نتيجة علاقة مع امرأة واحدة وكان هناك كشوف وفحوص ومع ذلك أصابهم المرض!!
وكذلك الأمراض الجنسية الأخرى التي قد ينقلها الإنسان إلى زوجه وإلى الطاهرات العفيفات من نساء المسلمين!
كذلك قد تكون النتيجة للمعصية الحمل من السفاح وما يتبعه من عقابيل تصيب الفتاة وتصيب ذلك المخلوق الذي نتج عن هذا اللقاء المحرم.
يقول لي شخص بعد ما تاب الله عليه: إنه واقع امرأة عقيماً لا تحمل وأراد ربك -عز وجل- أن تحمل بتوأم!
فيا من لا تفكر في العواقب! هل تريد أن تكون مسؤولاً عن إنسان يأتي إلى هذه الدنيا وهو لا يعرف من أبواه! فيعيش شريداً طريداً تائهاً معذباً؟!
* قد تبتلى بفضيحة في الدنيا تفسد عليك دنياك وتخزي بها أسرتك وإذا سترك الله -عز وجل- في الدنيا توقع أنه قد تقع لك فضيحة في الآخرة على رؤوس الأشهاد.(1/50)
* فساد النفس؛ فإن الإنسان لا يعجبه شيء إذا تعلق بالنساء وتنويعهن ولا يأنس بشيء وربما حُرم من لذة الحلال بسبب الحرام وربما فقد مشاعره وأحاسيسه.
وإن من الشباب من يقضي في الخارج أوقاتاً مع المومسات والبغايا ولو علم أن زوجته تخالس النظر إلى شخص آخر لطلقها.
" إنني أتخلى راضياً عن كل النساء من أجل امرأة واحدة يساورها القلق إذا تأخرت قليلاً عن موعد العشاء". هكذا يقول كل حكيم .
ثالثاً: الوصال الحلال.
إن قصص الحب الخالدة في التاريخ هي التي حُرم فيها أبطالها من الوصل؛ كجميل بثينة أوكثير عزة أو قيس وليلى.
وقد جعل الله -تعالى- في الحلال غنية وكفاية بالمحبوبة أو حتى بغيرها.
ولهذا روى ابن ماجه (1847)، والحاكم (2724)، وغيرهما -وسنده جيد- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: "لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ".
فالوصال الحلال؛ يشفي قلب الإنسان ويزيل عنه هذه الغمة؛ فإذا لم يتمكن من هذه الفتاة فمثلها في النساء كثير.
رابعاً: اليأس والمباعدة. مهما وجد الإنسان من ألم الفراق، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ" [انظر صحيح البخاري (1469) وصحيح مسلم (1053)]،
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
فإن سأل الواشون فيما هجرتها؟
فقل: نفس حرٍ سُليت فتسلّتِ
تقول أم الضحاك المحاربية:
سألت المحبين الذين تحملوا
تباريح هذا الحب من سالف الدهر
فقلت لهم ما يذهب الحب بعدما
تبوء ما بين الجوانح والصدر؟
فقالوا: شفاء الحب حب يزيله
لآخر أو نأي طويل على الهجر
أو اليأس حتى تذهل النفس بعدما
رجت طمعاً واليأس عون على الصبر(1/51)
خامساً : صرف العواطف والقوى والطاقات إلى ما هو أعلى وأغلى وأسمى من: محبة الله عز وجل، ونفع عباده، والزُّلفى إليه بالطاعة, والصلاة, والصوم, والذكر, والقرآن، وصحبة الأخيار، وكثرة الدعاء والتضرع، والانهماك بمعالي الأمور والاشتغال الدائب بما ينفع المرء ديناً أو دنياً، والاشتغال بما يصرف طاقة الشاب إلى خير الدنيا والآخرة، كما قال الله عز وجل: (وَاستعينوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الخاشعين)[البقرة: 45] وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3].
إن القلب المملوء بهموم الأمة, وهموم الناس قد يخفق بالحب, ولكنه لا يقع في أسره.
أما القلوب الفارغة؛ فهي التي تصبح نهباً لكل طارئ وطارق وتقول له: هيت لك!
فاستثمر حياتك في: عمل جاد، أو تفكير سليم، أو إبداع نافع، أو قربة صالحة!
عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: "إِنْ قَامَتِ الساعة وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل" [انظر مسند أحمد (12981)].
كن عاشقاً، ولكن للعلم! محباً، ولكن للعمل الصالح!
تولاك الله بحفظه, وكلأك برعايته, وأوزعك شكر نعمته, حفظ لك قلبك وعقلك, ودينك, ودنياك !
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
7417
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - هي لباس.. وأنت لباس
هي لباس.. وأنت لباس
سلمان بن فهد العودة
………
17/5/1427
13/06/2006
وهذا تعبير رباني: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ)[البقرة:187].
إن الله –عز وجل- عبّر بلفظ اللباس دون غيره، وجعل الرجل لباسًا للمرأة، وجعل المرأة لباسًا للرجل ؟!.
لأن للباس هنا معاني عظيمة، قد لا نحيط بها؛ ولكن نحاول بالتأمل أن نوضح شيئًا منها:
أولاً: اللباس: هو الشيء الذي يتصل بك اتصالاً جسديًّا مباشرًا دون حواجز.
يقول النابغة:(1/52)
إذا ما الضجيع ثنى جيدَها
تداعت فكانت عليه لباسًا
ثانيًا: لفظ اللباس للرجل والمرأة فيه معنى التكافؤ النفسي, والبدني.
فللمرأة دورها, وللرجل دوره.
والمرأة ليست مجرد موضع لقضاء الوطر أو الحاجة الخاصة؛ بل هي شخصية إنسانية, مكافئة للرجل؛ ولهذا كان كل منهما لباسًا للآخر في الحياة كلها.
ثالثًا: اللباس زينة.
يقول الله - سبحانه وتعالى-: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف:31].
فالمرأة زينة للرجل، والرجل زينة لها.
عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهم- قال: "إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ, كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) و َمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنْطفَ –أي استخلص- جَمِيعَ حَقِّي عَلَيْهَا؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)" انظر تفسير الطبري (1/625).
إنها زينة مادية؛ فالمحب الصادق يرى من الجمال في محبوبه ما لا يراه الآخرون.
وهي زينة معنوية؛ فالوفاء و"حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ" كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- انظر المستدرك (41)، وصحيح الجامع (2056).
والمرأة تتزين بزوجها؛ فهي تتحدث عنه عند رفيقاتها وصديقاتها, وربما تشبعت بما ليس فيه؛ فتقول: إنه أعطاها كذا، وإنه يحبها و يؤثرها ولو لم يكن الأمر كذلك! وكل ذلك من التزين للزوج.
رابعًا: اللباس ستر.
يقول الله - سبحانه وتعالى-:"لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا"[الأعراف:26].
فيستر نفسه, وأهله بالحلال عن الحرام.
ويستر نفسه وأهله، فلا يبوح بأسرار الحياة الزوجية؛ سواء كانت أسرار المعاشرة الجسدية، أو أسرار العلاقة، أو كانت المشكلات التي تقع بين الزوجين، ولا يجوز أن تكون مضغة تُلاك على ألسن الأقارب, والأباعد.
خامسًا: اللباس طهارة .(1/53)
ولهذا قال ربنا - سبحانه وتعالى-: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[المدثر:4].
وفي ذلك نفيٌ للاستقذار الذي يستشعره بعض مرضى النفوس من الزواج، أو العلاقة الزوجية، أو أنهم يستعيبون الحديث الشرعي المفصل عنها.
إن الله - سبحانه وتعالى- جعل الزواج من سنة الأنبياء: (ولقد أرْسلنا رُسلاً مِن قبلِكَ وجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّة)[الرعد:38].
وكانت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- مباثة في قوله: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ! وَأَتْقَاكُمْ لَهُ! لَكنّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ, وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"انظر صحيح البخاري (5063)، وصحيح مسلم (1401).
وعلى هذا فاللباس طهارة وعفة لا يستحى منها.
سادسًا: اللباس غنى واستغناء.
ولهذا قال الله - سبحانه وتعالى-:"وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ"[المؤمنون:6،5].
سابعًا: اللباس نعيم ولذة.
ولذا جعله الله - سبحانه وتعالى- من نعيم أهل الجنة: (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)[فاطر:33]، (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ)[الكهف:31].
فالزوجية لباس لذة ونعيم: نعيم للبدن، ونعيم للروح؛ يحدث التوازن، ويزيل التوتر.
والمحرومون من ذلك يخيم عليهم - غالبًا- نوع من الكآبة, والحزن والقلق وعدم الاستقرار النفسي.
ثامنًا: اللباس وقاية وحماية ودفء.
كما قال الله - عز وجل-: (سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ)[النحل:81]، وقال - سبحانه وتعالى-:"وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُم...."[الأنبياء:80]، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل يستدفئ أحيانًا بعائشة -رضي الله عنها-.(1/54)
فقد روي عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها- قَالَتْ: "رُبَّمَا اغْتَسَلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ جَاءَ؛ فَاسْتَدْفَأَ بي فَضَمَمْتُهُ إِلَيّ وَلَمْ أَغْتَسِلْ" انظر جامع الترمذي (123).
تاسعًا: اللباس هدوء وسكينة.
ولهذا قال - سبحانه وتعالى-: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا)[النبأ:10].
فالمرء يجد في الزواج: سكينته, وطمأنينته.
ولهذا بشَّر النبي - صلى الله عليه وسلم- السيدة خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا وصب.
فعَنْ أَبِي هريرة –رضي الله عنه- قَالَ: " أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ, أَوْ طَعَامٌ, أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِي أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّى، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ في الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ" انظر صحيح البخاري (3820)، وصحيح مسلم (2432).
قال أهل العلم: إنما بشرها بذلك؛ لأن بيتها في الدنيا كان كذلك.
ولم يكن ككثير من البيوت، ترتفع فيه الأصوات ويكثر فيه الصراخ والخلافات، وتعصف به المشاكل الزوجية.
عاشرًا: اللباس حفظ لعورة الإنسان وجسده.
فالمرأة تحفظ الرجل في نفسها، وماله، وولده، وهو يحفظها في نفسه، وفي سرها، وفي الوفاء بعدها.
كما قال الله - عز وجل-: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء:34].
الحادي عشر: اللباس طِيب.
كما قال الله - عز وجل-: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)[النور:26].
الثاني عشر: اللباس مباشرة.
فهو يلي بدنك وجلدك، وكأن كلاًّ من الزوجين يستغني بالآخر عن اللباس حال الاتصال الجسدي، أو يجعله شعارًا يباشر بدنه في الحياة كلها، وليس فقط في لحظة الجنس العابرة.
الثالث عشر: اللباس نظافة وغسل.(1/55)
يتجدد به الثوب، وتتجدد به الحياة, كلما طرأ عليها شيء من الكدر أو الاتساخ، أو البِلى والتقادم.
وهكذا تحتاج الحياة الزوجية إلى التجديد؛ كما يجدد الإنسان ملابسه يومًا بعد يوم.
الرابع عشر: اللباس خصوصية.
فلا أحد يلبس ثيابك، و أنت لا تلبس ثياب الآخرين، قال الله - سبحانه وتعالى-: (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)[المؤمنون:6].
الخامس عشر: اللباس تجدد وتنوع.
من منا لا يملك إلا ثوبًا واحدًا؟! ولهذا قال لنا ربنا - سبحانه وتعالى-:(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة:223].
وقد سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن حدود استمتاع الرجل بزوجته, وأباح صور الاستمتاع الشرعي كلها، لم يستثن من ذلك إلا أمرين:
الأول: الإتيان في الدبر.
الثاني: الجماع حال الحيض، كما قال - صلى الله عليه وسلم-:"اصْنَعُوا كُلَّ شَيء إِلاَّ النِّكَاحَ" انظر صحيح مسلم (302)، يعني: حال الحيض.
العلاقة الزوجية بلغة راقية
ذكر الله - عز وجل- الجماع في القرآن الكريم في عشرات المواضع؛ لكن اللغة التي وردت فيها هذه الكلمة لغة سامية راقية، فمن ذلك:
1- المس: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ)[البقرة:237] فعبّر بالمس عن الجماع.
2- اللمس, أو الملامسة: كما قال الله - سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ)[المائدة:6].وفي قراءة سبعية: (أو لَمَسْتُم النساء)، والراجح أن المقصود بذلك هو الجماع أيضًا.
3- الإفضاء: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء:21].
4- المباشرة: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)[البقرة:187].(1/56)
5- الدخول: (مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ)[النساء:23]. والدخول: الجماع, على القول الراجح.
6- الغشيان: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِه)[الأعراف:189].
7- الرفث: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)[البقرة:187] .
8- القربان: (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ)[البقرة:222].
9- الإتيان: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)[البقرة:222].
10- الطمثْ: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ)[الرحمن:56] .
11- النكاح: في بعض المواضع يقصد به الجماع، وفي أكثر المواضع يقصد به العقد بين الزوجين؛ وكذلك في السنة النبوية تجد معاني أخرى مثل: الوطء، و الطواف؛ كما في قصة سليمان - عليه السلام- قال - صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِئَةِ امْرَأَةٍ - أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ - كُلُّهُنَّ يَأْتِى بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ" انظر صحيح البخاري (3424)، وصحيح مسلم (1654).
12- العُسَيْلَة: عبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم- لما جاءت امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىِّ له - صلى الله عليه وسلم-؛ فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ ! فَقَالَ: ( أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ ! حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك) انظر صحيح البخاري (2639) وصحيح مسلم (1433).(1/57)
ومن هذا؛ يتبين أن ذكر الوصال الجسدي بين الرجل والمرأة, ورد مرات كثيرة في القرآن والسنة، لكنه بأسلوب راق رفيع، يتناسب مع الذوق السليم، ويحول هذه اللحظة العضوية الجسدية إلى حالة من القبول, والرضا, والاستحسان؛ بل إنه يرتقي بها إلى درجة العبودية، والعمل الصالح، وإلى درجة الصدقة، كما قال - صلى الله عليه وسلم-:"..... وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه!ِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟! قَال:"أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟! فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ"انظر صحيح مسلم (1006).
وهذا يدل على إمكانية تناول هذه الموضوعات:تعليمًا، وتربية، ودرسًا؛ دون خدش للحياء.
فالجهل بها؛ قد يكون من أسباب الغواية والفساد والانحراف.
اقرأ للمشرف أيضاً: قطرة غيث! مشاركة متميزة حقًّا ! كونوا أنصار الله المسارات المتعددة الإسلام والعلم المادي بل نفر من القدر ..! لماذا تشتد مخاوفنا؟
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-6851
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - مشروع مقترح للفتوى
مشروع مقترح للفتوى
هاني بن عبد الله بن محمد الجبير
………
15/1/1427
14/02/2006
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن منصب الإفتاء منصب خطير بدون شك، فهو منصب تولاه الله تعالى بنفسه، قال تعالى: "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن".
والمفتي يقوم بعمل الأنبياء، فالله تعالى قال عن نبيه: "إنما أنت نذير".
وقال عن أهل العلم: "فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون".(1/58)
ولا عجب فإن العلماء ورثة الأنبياء، وفقدان المفتي المؤهل سبب ضلال الأمة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا من صدور العلماء ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" متفق عليه.
ولا يمكن للأمة المسلمة أن تبقى بدون مفتٍ يوجه السائلين، ويعلم المسترشدين ويدلهم إلى حكم الله تعالى فيما يعرض لهم.
وفي هذه البلاد المباركة نرى تجنيد عدد كبير من طلبة العلم في موسم الحج للقيام بهذه المهمة، كما نجد رئاسة شؤون الحرمين تتولى تنسيق وجود عدد من المفتين في الحرمين سواء في أوقات المواسم أو غيرها.
وهذا كله يصب في مسار يبين بجلاء أن الأمة لا تستغني عن وجود المفتين أهل الكفاية عددًا ونوعًا؛ لأن الحاجة تظهر أن الناس يحتاجون من المفتين إلى أعداد أكبر من الموجود منهم.
ولما كان المفتي محتاجًا لأن يتصف بصفات خلقية تؤسس تأهله للإفتاء من العمل بالعلم والإخلاص والقدرة العلمية، فهو مطالب أيضًا بخصائص تمكنه من القيام بعمله على الوجه المحقق لمقصد الشارع، من مثل الاستعداد النفسي لتحمل ضغط الناس والمران على الإفتاء وأسس التعامل مع الناس.
ولا يشك أحد في أهمية التدريب والإعداد لكل عمل دنيوي أو ديني، ومن تأمل هدي السلف وجده مفيدًا لهذا المعنى، فيدرب الشخص على العمل الذي سيوكل إليه.
ومن ذلك: الإفتاء، فقد درب النبي –صلى الله عليه وسلم- أصحابه على الإفتاء وأفتوا بحضرته، وهو تمرين لهم على الاجتهاد والإفتاء، وقد ذكر محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي في الفكر السامي (1/220) عشرة أمثلة لذلك.(1/59)
وقد قال أبوالأصبغ -عيسى بن سهل-: "الفتوى صنعة، وقد ابتليت بالإفتاء فما دريت ما أقول في أول مجلس وأنا أحفظ المدونة والمستخرجة الحفظ المتقن.. والتجربة أصل في كل فن ومعنى مفتقر إليه". وقال محمد بن عبد السلام: "تجد الرجل يحفظ كثيرًا من الفقه ويعلمه غيره، فإذا سئل عن واقعة لبعض العوام من مسائل الصلاة أو مسألة من مسائل الأعيان لا يُحسن الجواب، بل ولا يفهم مراد السائل إلا بعد عسر". انظر المعيار المعرب (10/79).
وقال الإمام مالك: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك ولو نهياني انتهيت.
ويقول القرافي: "هذا باب عظيم يحتاج إلى فراسة عظيمة، ويقظة وافرة، وقريحة باهرة، ودربة مساعدة، وإعانة من الله عاضدة" (الإحكام ص28).
وإذا كان هذا الأمر ملاحظ في زمن مضى، فالعناية به الآن مع تطوّر الزمن وتغير الأحوال أشد وآكد، إذ الضغوط الحياتية كثرت، والتفرغ قل جدًا، والنوازل ازدادت، وكثر عدد الناس. وإذا كان خبراء الإدارة والتطوير يقررون أن الإنسان لا يتجاوز مدى تذكره لربع ما يراه، فإنه في المقابل يتذكر 90% من الذي يعمله ويؤديه فعلاً.
ومن هنا جاء هذا المشروع الذي هو إعداد معهد لإعداد وتأهيل المفتين وتطويرهم.
وهو معهد يتولى إعداد طلبة العلم ليكونوا مؤهلين للإفتاء، فهو مرحلة متقدمة من التدريب والتطوير لطلبة العلم؛ ليكونوا بعد ذلك مستعدين لتحمّل هذا العمل.
وإذا كان الأئمة، والدعاة، والقضاة قد أسست لهم معاهد تتولى مهمة التدريب والارتقاء، أفلا يكون للمفتين معاهد تتولى هذه المهمة لهم؟
طريقة التنمية:
لهذا المعهد –المقترح- شقان:
الأول منهما: تدريب وتأهيل المفتين داخل هذه البلاد، والمأمول أن يكون نتاج هذا المعهد هم نخبة طلبة العلم ممن يمكنه تولي مهام الإفتاء في وقت المناسك وفي الحرمين ونحوها من مواضع الإفتاء.(1/60)
الثاني: هو تأهيل المفتين من أبناء الدول الإسلامية عامة.
ولكلا الشقين تقدم دورات قصيرة تتضمن تقديم عرض مهم لبعض ما يحتاجه المفتي لتكمل في نهايتها البرنامج المطوّل.
والبرنامج المطوّل يتضمن دراسة لسائر ما في البرنامج المقترح لهذا المعهد.
والدورات القصيرة نافعة لإقامتها في عدة مناطق في المملكة وخارجها بحيث تكون في غير مقر المعهد، أما البرنامج المطول فيتم داخل المعهد، ولا يقبل للدراسة في المعهد إلا حملة الشهادات الشرعية العليا، أو من يماثلهم علمًا بعد اجتياز مقابلة شخصية يعرف منها استعداده وتأهله.
أهداف المشروع:
1) تأهيل وإعداد نخبة من طلبة العلم المتمكنين علمًا وعملاً.
2) تأمين النخب الممتازة من المفتين ممن تحتاجهم الأمة.
3) سد النقص الحاصل في الأمة من المفتين الثقات على منهج سلف هذه الأمة.
4) رفع مستوى طلبة العلم ليكونوا أقدر على القيام بالدور المطلوب منهم.
الخطوط العريضة للمعهد:
المواد المقدمة:
1-…أصول الفتوى.
2-…دراسة نظرية لعدد من المسائل العلميّة وكيفية الإفتاء فيها.
3-…دراسة لعدد من فتاوى العلماء المتقدمين والمتأخرين، وبحث أساليبهم وطريقة كتاباتهم، والنتيجة التي خرّجوا بها، ومناهجهم في الإفتاء.
4-…طرق البحث ومناهجه.
5-…أدب الفتوى وخلق المفتي.
6-…قواعد عامة في الشريعة فقهية وأصولية مع تطبيقات عليها.
7-…تطبيق عملي للإفتاء.
8-…مهارات الإلقاء والتواصل مع الآخرين، والتعامل مع المواقف المحرجة.
9-…إدارة المشاريع الإفتائية وتطويرها.
طريقة الدراسة:
وتكون الدراسة بطريقة ورش العمل وحلقات النقاش مع التكليف بالأبحاث.
وابتداء المعهد قد يحتم أن يكون بشكل الدورات القصيرة، حتى يتم إعداد مقره وتجهيزه كاملاً.(1/61)
وخطوات المعهد المتقدمة لا حصر لها من القيام بالأبحاث والأنشطة العلمية التي تصب في خدمة الفتوى وأهل الإفتاء. وإعداد برامج تدريبية واقتراح مواد تدرّس في الكليات الشرعية حول الفتوى، وتقديم مواد علمية مبسّطة للمستفيدين في أدب الاستفتاء، وتصرف المستفتي عند اختلاف الفتوى ونحوها عبر الوسائل الممكنة.
تسويق المشروع:
يبقى أن مشروعًا كهذا قد لا يجد من الراغبين في الالتحاق به من يكفي لتحقيق أهدافه، ولحل هذا الأمر يستلزم أن يقدّم بشكل اشتراط حكومي لمن يلتحق ببعض الأعمال، أو يسوّق لدى الجهات الخيرّية المتولية للإفتاء، كما يكون بنشر الوعي بأهمية التدرب على الفتوى.
وبعد.. فهذا عرض موجز لمشروع يخدم هذه الأمة، وهو يحتاج لمن يتولاه فكرةً وهماً، إنشاء وترتيبًا.
ولن يعدم المساعدة على ذلك من كاتب هذه الأسطر ومن غيره... فهل من راغب؟!
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-6941
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - الوصية
الوصية
د. إبراهيم بن ناصر الحمود (*)
………
7/2/1427
07/03/2006
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، أما بعد:
فهذه وصية الفقير إلى الله: فلان بن فلان(1/62)
بأني أشهد أن لا إله إلا الله شهادة حق وصدق، وأن محمدًا عبده ورسوله، أدى الرسالة وبلغ الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه ما أظلم ليل وأسفر نهار، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الموت حق، والساعة حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيين حق، والملائكة، حق وأن القدر خيره وشره حق، وأن الله يبعث من في القبور، وأسأل الله سؤال مفتقر إلى إجابته أن يحسن لي الخاتمة، وأن يكتبني في عداد الشهداء في سبيله، وأن يقيني من شر الشيطان وفتنته وتسويله، وأن يخلفني ذرية تعبد الله وتجاهد في سبيله.
هذا وإني أوصي أولادي وأحبابي جميعًا أن لا يخرجهم الحزن إلى الجزع، فمن أحبني منهم فليصبر وليحتسب، وليعوض حزنه بالصدقة عني، حيث أكون أحوج ما أكون إليها.
وأوصيهم أن لا ينسوني في دعائهم، فما قدموا لي شيئًا أنفع منه، ولا بروني بشيء يفضله فليحرصوا عليه، خصوصًا في مواسم الخيرات والأوقات التي يتحرى فيها الدعاء.
وأوصيهم بأن يجعلوا همهم الله والدار الآخرة، فقد قال نبيهم محمد –صلى الله عليه وسلم-: من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه وجمع شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له.
كما أوصي أولادي جميعًا أن يتقوا الله في أولادهم، وأن يجتهدوا في تربيتهم وتعليمهم، وأن يحذروا أشد الحذر من أن تدخل سموم الفكر الفتاكة بالأذهان والأديان إلى بيوتهم، ومتى رأوا شيئًا مما خلفت لا يرضي الله فعليهم أن يتخلصوا منه؛ لئلا يصل إلي وزره وشرّه.(1/63)
ثم إني أوصي أهلي وأولادي من بعدي أنه كما وحّدتهم الأخوة والقربى والرحم ألا يفرقهم اختلافهم على درهم أو دينار مما تركته أو من غيره، فإن الدنيا أهون عند الله من جناح بعوضة، كما أوصيهم أن يصلوا أرحامهم ولا يقطعوها؛ فإنه لا يدخل الجنة قاطع رحم، ولا يغب عن بالهم معرفة قريب أو صديق إلا وصلوه وتعاهدوه بالزيارة فإنه من البر بي، وأن يطلبوا من كل من يعرفني -من الأقارب والأباعد- أن يحللني من أي أذى وصله مني. ثم يذكر وصاياه المالية فيقول:
1-…أوصي بثلث مالي، أو يقول بخمسه صدقة لله، وذلك بأن يُجْعَل في أوقاف مثمرة من عقارات أو أسهم أو غيرها، وريعها يقسم قسمين: فنصف في أعمال البر المختلفة من بناء المساجد وطباعة الكتب وإطعام المساكين وكفالة الأرامل والأيتام وتحفيظ القرآن الكريم وتفطير الصائمين وتحجيج المنقطعين وكفالة الدعاة وغير ذلك من أبواب البر والإحسان. وعلى الوصي أن يجتهد في اختيار أنفعها وأحسنها وأكملها، وأن يجتهد في الصدقات الجارية. والمحتاجون من قرابتي مقدمون على غيرهم.
والنصف الآخر يكون لتنمية الوقف وإعادة استثماره، وهذا كله بعد صيانة الوقف، ويقوم على تنفيذ وصيتي (فلان بن فلان)، ثم بعده (الصالح من ذريتي، أو من يراه الوصي مناسبًا ممن يوثق بدينه وأمانته وحرصه.
وللقائم على تنفيذ الوصية 10% من صافي الربح؛ جزاء له على جهده وعمله.
2-…أملاكي هي: كذا وكذا، فيذكر كل ما هو في ملكه وتحت تصرفه.
3-…حساباتي هي: كذا وكذا، فيذكر حساباته البنكية ومساهماته التجارية.
4-…وأما مالي عند الغير من حقوق وأموال فهو كذا وكذا، فيذكر بالتفصيل أمواله التي في ذمة الناس.
5-…وأما ما للغير عندي وفي ذمتي فهو كذا وكذا، فيذكر ما عليه من ديون حالة أو مؤجلة.
وأوصي ورثتي أن يعجلوا بقضاء ما علي من الديون والحقوق إن وجدت، وأنا أبتهل إلى الله ألا أموت ولأحد من الخلق عليّ حق في عرض أو مال.(1/64)
6-…الوصي على أبنائي وبناتي القصر هو : (فلان بن فلان فيذكر اسمه).
هذا ما أوصيت به وأنا في كامل قواي العقلية والحسية، والأوصاف المعتبرة شرعًا.
استجابة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا وصيته مكتوبة عند رأسه".
وصلى الله على نبينا محمد.
الموصي/ ............................................. الكاتب/ ..................................
التوقيع/ ............................................... التوقيع/ ..................................
الشاهد الأول/ ........................................ الشاهد الثاني/ ..............................
التوقيع/............................................... التوقيع/.......................................
تاريخ تحرير الوصية: / / 14هـ .
(*) وكيل المعهد العالي للقضاء وأستاذ علم الفقه المشارك في المعهد.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-6942
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - تعلمت للحياة
تعلمت للحياة
الشيخ/ محمد بن صالح الدحيم (*)
………
7/2/1427
07/03/2006
1- إن الأشياء التي تزعجنا في الآخرين، هي الدروس التي يجب أن نتعلمها بأنفسنا. وين دبليو. داير
2- أخالفك الرأي، ولكني أقاتل دفاعًا عن حريتك في التعبير عن رأيك. فولتير.
3- ثق بالمتدين وإن كان على غير دينك. ابن حزم
4- من قرر أن يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون. ابن حزم.
5- الكره يصلح لهدم العدو، لكن بناء الأمم لا سلاح له إلا الحب. د/ حسان حتحوت.
6- أفاضل الناس أغراض لذي الزمن *** يخلو من الهم أخلاهم من الفطن. أبو الطيب المتنبي.
7- الدفاع عن هويتنا لا يتحقق من خلال الحفاظ عليها كما هي، ولكن من خلال إعادة بنائها من أفق المستقبل، أي بناء العالمية فيها. برهان غليون.(1/65)
8- الإنسان عرضة للغلط، ولا يكون عرضة إلا دليلاً على سعة الجوانب واضطلاعه بأعباء الصواب. العقاد.
9- الشريعة تكميل للفطرة الطبيعية، والفطرة الطبيعية مبدأ وعون على الإيمان بالشرع والعمل به. ابن تيمية.
10- إن الله يقبل نصف الجهد في سبيله، لكنه لا يقبل نصف النية. محمد الغزالي.
11- الإنسان محتاج دائمًا إلى منشطات الأمل وكوابح الغرور، فإن يأسه من النجاح يقوده إلى السقوط، واغتراره بما عنده يمنعه السبق. محمد الغزالي.
12- إذا ذكر الناس شيئًا معينًا على أنه واضح وضوح الشمس وأعادوا التذكير بذلك وكرروه مرارًا فالأحرى أن يكون هذا الشيء زائفًا. نعوم تشومسكي.
13- بالعسل وليس بالخل تصداد الذباب الذ يؤذيك. القائل/ مجهول.
14- قم بتذكير نفسك بأن ظروفك لا تصنعك بل تكشف عنك فقط. وين بليو. داير
15- إن التحدي الذي يواجهنا هو كيف نصبح منارة يهتدي بها الآخرون لا أن ننصب أنفسنا قضاة يصدرون على الآخرين أحكامًا. ستيفن. كوفي
16- "الحب ليس أعمى" إنك تتوافق مع الذين لهم نفس قيمك وقناعاتك. بريان تراسي.
17- "العادة قد تكون أفضل خادم أو أسوأ سيد". ناثانيال إيمونز.
18- "إن من بدأ المهمة أنجز نصفها" هوراس.
19- "بعض الطلبة ينهلون من نبع المعرفة، والبعض الآخر يتغرغر فقط" كولن ب. سيزون.
20- إذا نظرت إلى الزبيب على أنه فاكهة ذاوية أو جافة فلن تستفيد منه كما لو نظرت إليه عنبًا ذا قيمة غذائية، إذًا غيِّر تصوراتك الذهنية.
21- "التعريف الجيد للقرار هو: معلومات وضعت موضع التنفيذ".
22- "ليس من المهم في البداية أن تعرف كيف تتوصل إلى نتيجة، بل أن تصمم على التوصل إلى ذلك... إذ أنك بمجرد أن تلزم نفسك بصدق بأن تعمل على حدوث أمر ما فإن موضوع (كيف) سيكشف نفسه بنفسه". أنتوني روبنز.
(*) القاضي في محكمة الليث سابقاً.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-6993
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…(1/66)
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - نبوة خالد بن سنان
نبوة خالد بن سنان
د. نايف بن أحمد الحمد (*)
………
19/2/1427
19/03/2006
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطَّلعت على المقالة التي كتبها الأستاذ/ فهد بن عامر الأحمد في جريدة (الرياض) عدد (13775) في 12/2/1427هـ وتحدث فيها عن خالد بن سنان، وقرر من خلال عرضه أنه نبي عربي من نسل إسماعيل، وذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم – قال عنه: (ذاك نبي ضيعه قومه)، وذكر بعض معجزاته !!...إلخ.
كما أنني اطلعت على بعض المنتديات في الشبكة العنكبوتية، والتي تتحدث كذلك عن نبوته، ولم اطلع على من ردَّ على ذلك، لذا أحببت بيان الحق في هذه المسألة، فأقول مستعينا بالله تعالى:(1/67)
لاشك أن هذا القول الذي ذكره أخونا الكاتب قد ذكره بعض المؤرخين، ولكن العبرة بثبوت هذا الخبر من عدمه، وهل كان هناك نبي بين عيسى -عليه السلام -ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث ذكر من ترجم لخالد بن سنان أنه بُعث قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن النبي - صلى الله عليه وسلم – رأى ابنته وسأل عنه، فقالوا: قد مات، فقال: (ذاك نبي ضيعه قومه)، ومن ذلك ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلا من بني عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه: إني أطفىء عنكم نار الحدثان. قال: فقال له عمارة بن زياد -رجل من قومه -: والله ما قلت لنا يا خالد قط إلا حقا فما شأنك وشأن نار الحدثان تزعم أنك تطفئها ؟ قال:فانطلق وانطلق معه عمارة بن زياد في ثلاثين من قومه حتى أتوها وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة أشجع، فخط لهم خالد خطة فأجلسهم فيها، فقال: إن أبطأت عليكم فلا تدعوني باسمي. فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضا. قال: فاستقبلها خالد فضربها بعصاه، وهو يقول: بدا بدا بدا كل هدى زعم ابن راعية المعزى أني لا أخرج منها وثناي بيدي. حتى دخل معها الشق قال: فأبطأ عليهم. قال: فقال عمارة بن زياد: والله لو كان صاحبكم حيا لقد خرج إليكم بعد. قالوا : ادعوه باسمه. قال فقالوا: إنه قد نهانا أن ندعوه باسمه، فدعوه باسمه، قال: فخرج إليهم وقد أخذ برأسه فقال: ألم أنهكم أن تدعوني باسمي قد والله قتلتموني فادفنوني فإذا مرت بكم الحمر فيها حمار أبتر فانتبشوني فإنكم ستجدوني حيا. قال: فدفنوه فمرت بهم الحمر فيها حمار أبتر، فقلنا: انبشوه فإنه أمرنا أن ننبشه. قال عمارة بن زياد: لا تحدث مضر إنا ننبش موتانا والله لا ننبشه أبدا. قال: وقد كان أخبرهم إن في عكن امرأته لوحين، فإذا أشكل عليكم أمر فانظروا فيهما فإنكم سترون ما تسألون عنه. وقال : لا يمسهما حائض. قال: فلما رجعوا إلى امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما وهي حائض. قال: فذهب بما كان(1/68)
فيهما من علم. قال فقال أبو يونس قال سماك بن حرب سأل عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ذاك نبي أضاعه قومه)، وقال أبو يونس قال سماك بن حرب أن ابن خالد بن سنان أتى النبي -صلى الله عليه وسلم - فقال: (مرحبا بابن أخي). رواه الحاكم (2/655)، و الطبراني في المعجم الكبير (11793)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، فإن أبا يونس هو الذي روى عن عكرمة هو حاتم بن أبي صغيرة، وقد احتجا جميعا به واحتج البخاري بجميع ما يصح عن عكرمة ا.هـ.
وقد تعقب العلماءُ الحاكمَ ولم يرتضوا قوله، وردوا تصحيحه، فقال الذهبي: " منكر " ا.هـ وقال الحافظ ابن حجر: قلت لكن معلى بن مهدي ضعفه أبو حاتم الرازي ا.هـ الإصابة (2/371)، وقال الهيثمي: " رواه الطبراني موقوفا وفيه المعلى بن مهدي ضعفه أبو حاتم، قال: يأتي أحيانا بالمناكير قلت: وهذا منها " ا.هـ مجمع الزوائد (8/213).
وعَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -قال: جَاءَتْ بنتُ خَالِدِ بن سِنَانَ إلى النبي -صلى اللَّهُ عليه وسلم- فَبَسَطَ لها ثَوْبَهُ وقال: (بِنْتُ نَبِيٍّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ). رواه الطبراني في المعجم الكبير (12250)، وابن عدي في الكامل (6/46)، والأصبهاني في التاريخ (2/149)، قال ابن عدي: " وهذا الحديث لم يوصله، فقال فيه عن ابن عباس غير قيس بن الربيع " ا.هـ وقال الذهبي: "قلت لا يصح هذا" ا.هـ ميزان الاعتدال (8/222)، وقال الحافظ ابن حجر: "وقيس ضعيف من قبل حفظه" ا.هـ الإصابة (2/373).
وقد رواه ابن شبة في أخبار المدينة (786) بإسناد مرسل. وقال الهيثمي: " وفيه قيس بن الربيع وقد وثقه شعبة والثوري، ولكن ضعفه أحمد مع ورعه وابن معين.... قال البزار: رواه الثوري عن سالم بن سعيد بن جبير مرسلا. ا.هـ المجمع (8/314)، وانظر: فتح الباري (13/79)، وفيض القدير (3/47)، وقد ذكر ابن شبة آثارًا في أخبار المدينة (1/235) لا تخلو من مقال.(1/69)
كما أن هذه الآثار لا تصح رواية فكذلك لا تصح دراية:
أولا: قال تعالى: [وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ] {الصَّف:6
وعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه –قال: قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: ( أنا أَوْلَى الناس بِعِيسَى الْأَنْبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلَّاتٍ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى نَبِيٌّ) رواه مسلم (2365).
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى -: " وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي يقال له خالد بن سنان كما حكاه القضاعي وغيره ". تفسير ابن كثير (2/ 36).
وقال السيوطي – رحمه الله تعالى -: " هذا يبطل قول من قال إنه بعث بعد عيسى في زمن الفترة نبي أو نبيان أو ثلاثة، ولم يرد في ذلك حديث يعتمد عليه، وهذا الذي في مسلم نص قاطع للنزاع " ا.هـ الديباج على مسلم (5/349).
ثانيا: قال الحاكم بعد روايته: "قد سمعت أبا الأصبع عبد الملك بن نصر وغيره يذكرون أن بينهم وبين القيروان بحرًا في وسط جبل لا يصعده أحد، وإن طريقها في البحر على الجبل، وإنهم رأوا في أعلى الجبل في غار هناك رجلاً عليه صوف أبيض، وهو مختب في صوف أبيض ورأسه على يديه كأنه نائم لم يتغير منه شيء، وإن جماعة أهل تلك الناحية يشهدون أنه خالد بن سنان " ا.هـ قال الحافظ ابن حجر متعقبا الحاكم: "قلت وشهادة أهل تلك الناحية بذلك مردودة فأين بلاد بني عبس من جبال المغرب" ا.هـ الإصابة (2/373).(1/70)
وفي الجملة لا يصح شيء من الأحاديث الوارد فيها ذِكْر خالد بن سنان، والصحيح المقطوع به أنه لا نبي بين عيسى ومحمد – صلى الله عليهما وسلم – وقد ذكر ابن كثير عددًا ممن قيل إنه نبي، ومنهم خالد بن سنان، فقال: "والظاهر أن هؤلاء كانوا قوماً صالحين يدعون إلى الخير" ا.هـ فيض القدير (3/47)، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. (*) قاضي المحكمة العامة بمحافظة رماح
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7026
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - ورقات من تأملات في معاني الآيات
ورقات من تأملات في معاني الآيات
الشيخ/ صالح بن عبد الرحمن القاضي –رحمه الله-
………
27/2/1427
27/03/2006
1- قال تعالى: "فَاتَّقُوا النَّارَ" (1) لماذا كانت هنا معرفة، مع أنها جاءت نكرة في قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا" (2) ؟
الجواب: نزول آية التحريم متقدم وأهل مكة وقتها لم يسمعوا بالنار ولم يعرفوا عنها في أول بدء الرسالة ثم لما انتشر الإسلام ونزل من القرآن ما نزل، أصبح خبر النار معلوماً فجاءت آية البقرة معرفة لعلمهم بها.
2- قال تعالى: "فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ" (3) ومعلوم أن الكتابة لا تكون إلا باليد. فلم لم يكتف بقول: "يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ"؟
الجواب: ليدل على أنهم باشروا ذلك بأنفسهم من التحريف ليدل على قبح جرأتهم على التوراة.
3- قال تعالى في البقرة: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا" (4) وقال في سورة إبراهيم: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا" (5) ، كان نكرة ثم صار معرفة لماذا؟
ج: في الدعوة الأولى كان مكاناً قفراً ليس فيه سكان وفي الثانية كان بدلاً مأهولاً وإن لم يكن آمناً.(1/71)
4- قوله تعالى: "فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ" (6) كان يمكن أن يكفي قوله (خذ) عن (صرهن إليك) فلماذا جاء بهما جميعا؟
الجواب: لكي يتبيّنهن ويدقق النظر فيهن، ويتفحصهن قبل حصول الآية المعجزة، حتى لا يتوهم إذا عدن إليه أنهن أخريات.
5- "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ" (7) ؟ لماذا لم يقل: "على العبد"
الجواب:إما فيه حذف المضاف أي (إنما قبول التوبة على الله) أو أن معنى التوبة من الله وذلك برجوعه على عبده بالمغفرة والرحمة.
6- قوله تعالى: "ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ" (8) لم قال (من قريب) مع أن العاصي لو تاب بعد الذنب بزمن بعيد قبلت توبته؟
الجواب: ليس القريب بمعنى قرب زمنه من الذنب إنما المقصود القرب قبل موعد الوفاة ليدرك العاصي نفسه بالتوبة ويترك التسويف.
7- إن قيل كيف قال هابيل لأخيه قابيل "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" (9) مع إن إرادة الشر للأجنبي حرام، فكيف بها للأخ؟
الجواب: فيه إضمارٌ تقديره (أن لا تبوء) مثل قوله تعالى "وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ" (10) تقديره (أن لا تميد بكم).
8- ما فائدة قوله تعالى: "قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ" بعدما قال: "وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ" (11) ؟
الجواب: الضلال الأول ضلالهم عن الإنجيل، والضلال الثاني ضلالهم عن القرآن. أ.هـ
(1) سورة البقرة الآية 24.
(2) سورة التحريم الآية6.
(3) سورة البقرة الآية 79.
(4) سورة البقرة الآية 126.
(5) سورة إبراهيم الآية 35.
(6) سورة البقرة الآية 260.
(7) سورة النساء الآية 17.
(8) سورة النساء الآية 17.
(9) سورة المائدة الآية 29.
(10) سورة النحل الآية 15.
(11) سورة المائدة الآية 77.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7075
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…(1/72)
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - سوق الأسهم ومصائبه
سوق الأسهم ومصائبه
الشيخ/ عبد الله بن سليمان المنيع
………
10/3/1427
08/04/2006
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد :
الحديث عن سوق الأسهم حديث مرير، تنبعث منه روائح الشؤم، والاضطرابات النفسية، وعوامل القلق، وضيق النفوس . وتزداد به أمراض العصر – ارتفاع الضغط ،اضطراب درجات السكر ، اختلال أداء القلب – وتنتشر به الخلافات الأسرية والزوجية، والعلاقات العامة، وتزداد به النكسات السلوكية، ولا سيما بعد أن زال السراب عن أوهام تحولت إلى خسائر فادحة، في الأموال، وفي الذمم، وهكذا فللباطل صولة، ثم تزول، ويبقى الصحيح، ولا شيء غير الصحيح – وقل جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا –(1/73)
فإذا قلنا بأن سوق الأسهم وضع غير طبيعي، وسوق تخيم عليه أوهام التضليل، والتغرير، والمغامرة، فيتضح ذلك من آثاره السلبية على الاقتصاد الهادف إلى إشاعة الرخاء في العمارة، وتنشيط أسواق الإنتاج، من زراعة وصناعة، وتأمين فرص عمل واستثمار . حيث إن الثروة النقدية التي هي عصب الحياة الاقتصادية قد حجبت عن وسائل الإنتاج، والعمل، وأصبحت هي محل التعامل في البيع والشراء . وما هذه الأسهم إلا وسيلة صورية لهذا التعامل . حيث إن مشتري السهم، أو بائعة لا يدري في الغالب عن الشركة التي ينتمي إليها هذا السهم، أهي شركة ناجحة أم فاشلة ، أهي شركة رابحة أم خاسرة ، أهي شركة ذات وجود حقيقي، أم هي شركة وهمية . المهم أن سهمها قابل للتداول بيعا وشراءً، وقابل للتلاعب بقيمته ارتفاعا وانخفاضا . ولهذا اتجه لدى مراقبي هذه الأسواق، وجاهة القول بتشبيهها بصالات القمار من حيث تجمع المتعاملين في هذه الصالات حول شاشات العرض، كتجمع المتقامرين حول آلية اللعب بالقمار، وكل واحد من المتعاملين في هذه الأسواق أو في صالات القمار يضرب بآلية خطه وتظهر النتيجة رابحا أم خاسرًا . فثروة البلاد محجوبة عن وسائل الإنتاج، مجمعة أمام محترفي السوق، أشبه ما تكون في صندوق مفتوح ، الرابح يأخذ منه ربحه، والخاسر يضع فيه خسارته . فإذا أغلق السوق كانت حصيلته مع المتعاملين معه مثل حصيلة إغلاق سوق القمار هذا خاسر وهذا رابح .
كما اتجه لدى مراقبي هذه الأسواق وجاهة القول بتشبيهها بالمتاجرة بالأثمان، – المصارفة – من حيث إن الأسهم محل البيع، والشراء، ليست في الحقيقة مقصودة حيث إن مشتري السهم في أي شركة لا يدري عن الشركة، ولا عن نشاطها، بل ولا يدري أهي شركة حقيقيِّة أم هي شركة وهمية، أو شبه وهمية، وإنما قصده من الشراء أمله في ارتفاع قيمة هذا السهم، وهذا الواقع يؤكد حقيقة أن التعامل في هذه الأسهم هو تعامل في أثمانها ، وقيمتها معيار للتعامل بأثمانها .(1/74)
فلهذه الأسواق شبهٌ بصالات القمار ولها شبهٌ بالمتاجرة بالأثمان . والشارع الحكيم يقف من هذين الشبهين موقف المانع للقمار، والمنظم للمتاجرة بالأثمان من حيث التماثل في اتحاد جنس العوضين، والتقابض في مجلس العقد .
وفضلا عن ذلك كله ففي المتاجرة بالأسهم في هذه الأسواق مجموعة من السلبيات أهمها ما يلي :
1-…حجب الثروة الثمنية – النقدية – عن التنمية الاقتصادية للبلاد، فيما يتعلق بعمارتها وتوسيع نشاط وسائل الإنتاج فيها، من صناعة، وزراعة، وتجارة، تتمثل بتنشيط الأسواق، والاستيراد، والتصدير، وتوجيه السيولة المتوفرة لدى الشركات إلى توسيع نشاطها ووسائل إنتاجها، وفي حال حاجتها إلى السيولة ترجع لتغطية هذه الحاجة إلى المصارف الإسلامية . هذه من أهم سلبيات سوق الأسهم .
2-…إقبال محدودي الدخل على الدخول في هذه الأسواق، بأموال ما بين ديون محملة بها ظهورهم، وأموال هي قيم بيوتهم، وسياراتهم، ومواشيهم، وحلي نسائهم ، وهم بذلك في حال مغامرة ما بين رابح وهم قليل، وخاسر وهم الأكثر .
3-…التفريط في الأداء الوظيفي، من تعليم، وعمل، وفي القطاعين العام، والخاص . فقد استهوت أسواق الأسهم كافة شرائح المجتمع بما في ذلك المدرسون، والموظفون، فصرفت بذلك أفكارهم عن أعمالهم، بل صرفت أجسادهم عن كراسي أعمالهم، حينما يتسربون إلى أماكن يختفون بها عن أعمالهم ليباشروا مراقبة السوق عبر الشاشات المختلفة .
4-…انصراف مجالس إدارة الشركات إلى استثمار السيولة المتوفرة لديهم في سوق الأسهم، وحجبها عن توسيع نشاط الشركة، وتنمية إنتاجها، مما يعود عليها خاصة، وعلى البلاد عامة بالنفع، والرخاء، والازدهار .(1/75)
ولا شك أن وضع السوق وضع خطير، بدأنا نجني ثماره المرّه، وآثاره السيئة، ولا شك أن التمادي فيه يضاعف تلك النتائج، ويعطي الكثير من المشاكل، وتحمل الدولة لآثار هذه المشاكل، وفي نفس الأمر ضياع الكثير من المديونيات المتعثر سدادها . هذا الوضع الخطير يحتاج إلى علاج فما هو العلاج ؟
العلاج في رأيي يتلخص فيما يلي :
أولا: تسعير القيمة المعنوية لكل شركة في سوق التداول بحيث لا تتجاوز أربعمائة في المئة 400% من القيمة الدفترية للشركة .
ثانيا: الاشتراط على كل شركة ترغب دخول سوق الأسهم، أن تكون لها ميزانية سنوية، تظهر فيها القيمة الدفترية للشركة، حتى تتيسر معرفة أعلى قيمة يباع بها السهم، وحتى يتيسر ما زاد في القيمة عن ذلك .
ثالثا: بالأخذ بتسعير القيمة المعنوية، فلا حاجة للإلزام بنسبة الارتفاع، أو الانخفاض للسهم، حيث إن الحد الأقصى لقيمة السهم يحمي السوق من التقلبات، ومن التلاعب، والتحايل، أو يقلل من ذلك .
رابعا: منع أي شركة تريد الدخول بأسهمها في السوق من الدخول فيه، إلا بعد مباشرتها نشاطها وظهور ميزانيتها السنوية .
خامسا: منع البنوك الوسيطة في التداول، من تمويل الأفراد لمضاعفة نشاطهم في السوق .
سادسا: منع البنوك الدائنة من رهن الأسهم، وأخذها ضمانا لمديونياتهم ثم التنفيذ عليها، ببيعها متى وصل سعرها إلى قيمة مقاربة للدين، حيث إن في ذلك إضرارًا بملاك الأسهم، وإضاعة فرص انتظارهم تحسن السوق .(1/76)
لا شك أن الأخذ بهذا العلاج سيؤثر على ملاك الأسهم، ولكن يمكن الأخذ بذلك على سبيل التدرج . ويهمني في هذا العلاج أن يكون فيه حد من نشاط هذا السوق، حتى يتوزع هذا النشاط إلى مجالات مختلفة من وسائل التنمية الاقتصادية، واعتقد أن ما ذكرته من علاج وضع أسواق الأسهم، هو أفكار لا شك أن تنفيذها لا يكون من غير ولاة الأمر ولكن طرحي إياها في مثل هذه الصحيفة إتاحة الفرصة لإخواني لمناقشة هذه الآراء قبل التوجه بها لقادتنا الكرام .
وقبل أن أختم حديثي هذا أحب التعليق على ما يقال بأن تجزئة الأسهم من أسباب تخفيف مصائب السوق في حال هبوط سعره . هذا القول لا تظهر لي وجاهته، فهو رأي لا يقدم متأخرًا ولا يؤخر متقدما، فمن أراد شراء ألف سهم اشتراها لو جزأت إلى مائة ألف سهم، حيث إن القيمة متقاربة والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7086
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة
الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة
الشيخ/ علي بن عبد العزيز إبراهيم المطرودي
………
12/3/1427
10/04/2006
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقاعدة: "الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة" من القواعد الفقهية التي نص عليها الزركشي والسيوطي وابن نجيم، كما عبر عنها ابن عابدين بقوله: "الولاية الخاصة مقدمة على العامة".(1/77)
ومعنى ذلك: أنه عند تعارض رأي صاحب الولاية الخاصة مع العامة في أمر يتعلق بالولاية الخاصة فإن المقدم هو ما رآه صاحب الولاية الخاصة؛ لأنه ألصق بولايته وأعرف بها وبما يناسبها، بينما صاحب الولاية العامة قد يفوته بعض الأمور التي ينبغي مراعاتها في مثل ذلك، ولذا نص الفقهاء في هذه القاعدة على تقديم صاحب الولاية الخاصة، لئلا يُفتات عليه في ولايته، وقد نص الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" على ما يدل على معنى هذه القاعدة، وهنا صاحب الولاية الخاصة هو الراعي وهو المسؤول، ولذا لا ينفذ التصرف عليه فيما اختص به.
ومن فروع هذه القاعدة:
1_ أنه لا يتصرف القاضي مع وجود الولي الخاص وأهليته.
2_ للولي الخاص استيفاء القصاص، والعفو على الدية، والعفو مجاناً وليس للإمام العفو مجاناً.
3_ لو زوج الإمام لغيبة الولي وزوجها الولي الغائب بآخر في وقت واحد وثبت ذلك بالبينة قُدم الولي.
وعلاقة هذه القاعدة بمقاصد الشريعة بينها العز بن عبدالسلام رحمه الله بقوله:" ولما علم سبحانه أن من عباده من لا يقدر على القيام بجلب مصالح نفسه إليها ودرء مفاسدها عنها شرع الولاية الخاصة على المجانين والأطفال واللقطاء للأقوم بجلب مصالح المولى عليه ودرء المفاسد عنه مع الشفقة، فجعل النظر في أمور الأطفال وأموالهم إلى الآباء والأجداد؛ لأنهم أقوم بذلك من النساء؛ كما قدم النساء على الرجال في الحضانات؛ لأنهن أعرف بذلك وأقوم به، وكذلك قدم في كل ولاية عامة أقوم الناس بتحصيل مصالحها ودرء مفاسدها حتى في إمامة الصلوات".
فصاحب الولاية الخاصة يدرك في ولايته ما يتحقق به جلب المصالح ودفع المضار على أكمل وجه؛ وذلك لأن تخصصه في ذلك جعل عنده المقدرة على تمييز ما يصلح لمن يتولى أمره، ويدفع عنه الضرر، بينما صاحب الولاية العامة قد يفوته كثير من الأمور التي تناسب المولّى عليه.(1/78)
وبما أن الشارع جعل هذه الولاية لتحقيق المصلحة ودفع المضرة لذا نجده يسلبها من مستحقها إذا ثبت مخالفته لمقتضى ولايته كما لو عضل الولي موليته، أو نحو ذلك.
وهذه القاعدة لا يتفرع عليها قواعد بالمعنى المشهور للقاعدة، لكن هناك بعض الضوابط المتعلقة بها، والتي تدل على بعض مدلولها ومنها:
1_ لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر له ولو كان الناظر معيناً من قبله.
2_ ليس للإمام أن يخرج شيئا من يد أحدٍ إلا بحق ثابت معروف.
هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7101
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - قراءة في مآسي الأسهم
قراءة في مآسي الأسهم
د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى
………
15/3/1427
13/04/2006
لم يفق الناس بعد من مأساة الأسهم قريبة العهد حتى حدثت هذه الهزة الجديدة ...
لست محللاً اقتصادياً ولا خبيراً مالياً ولا (هاموراً ) ولكني في جلسة تأمل كتبت شيئاً لعله يضيف جديداً أو يدعو إلى المراجعة .
ثمة أسباب منظورة وأخرى غير منظورة ، وأسباب للهبوط الأول دون الثاني ، وأسباب يؤمن بها الجميع وأسباب قد لا يعتبرها إلا قلائل ، بيد أني سأشير إلى كل منها دون قصد الاستيفاء وما توفيقي إلا بالله :
1)…المضاربات الخيالية الحادثة على أسهم شركات لا يمكن أن تصل أسهمها إلى هذا السعر مهما بالغنا بالمقاييس الطبيعية إما لأنها دون هذا المستوى أو أنها شبه خاسرة ، هذه المضاربات أحدثت ورماً وانتفاخاً غير طبيعي كان المحللون ينتظرون انفجاره في أية لحظة .
ولا يخفى من وراء تلك المضاربات ليمتص دماء الضحايا الذين يتهافتون كالفراش .(1/79)
2)…أسلوب النجش المنظم والجماعي ( أيضاً في بعض الحالات ) وصوره كثيرة، لكن يجمعها أن يشتري المستثمر السهم قاصداً رفع سعره لبيعه مرةً أخرى ، أو لا يشتري رغبةً في السهم ذاته أو تربصاً بارتفاع السوق الطبيعي ، وإنما بطرق مختلفة مؤداها إيهام الناس بأن الشركة مرغوبة، وقد يتخذ أسلوب الشراء الوهمي من محفظة إلى أخرى لشخص واحد أو( عصابة واحدة ) أو اتفاق ( العصابة ) على الشراء إلى سقف معين ثم البيع دفعة واحدة وقد نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن النجش كما في البخاري ومسلم ، ولا يتورع مثل هؤلاء عن إثارة شائعات عن طريق وسائل متعددة ( الانترنت ، المجالس والسوا ليف ، وغيرها ) لتخدم أسلوب النجش المشار إليه .
3)…هرولة أكثر الناس في مجال الأسهم بلا وعي ولا تروي ، بل تسيّرهم الشائعات والمبالغات، حتى إن أغلبهم لا يعرف حقيقة الشركة التي يشتري أسهمها ، ويكتفي بمجرد مقارنة الأسعار، حتى غدا التداول في بعض أحواله كالقمار ، وفي الفقه الإسلامي أن الجهل بالمبيع نوع من الغرر المنهي عنه كما في الصحيحين " نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر".
4)…فتنة الأسهم أعمت طائفة من الناس ( أرجو ألا يكونوا أكثرية ) عن السؤال عما يباح من الأسهم وما لا يباح ، . والله عز وجل قد قال : "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" [النحل:43].
كما أنها أيضاً جرّأت طوائف أخرى على تتبع الفتاوى التي تناسبهم، حتى وإن لم يقتنعوا بها في قرارة أنفسهم، وقد حذر العلماء قاطبةً من التشهي في إتباع الفتاوى وملاحقة الأسهل ، قال ابن عبد البر : "لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً" ، وقال الإمام أحمد :" لو أن رجلاً عمل بكل رخصة كان فاسقاً" وقال الغزالي : "لا يجوز للمستفتي أن يأخذ بمذهبٍ بمجرد التشهي، أو أن ينتقي في كل مسألة أطيبها عنده".(1/80)
ولعلي في مقال لا حق، أو بحث، أتناول بعض المسائل في الأسهم بشكل أكثر تفصيلاً ، ولكني أنبه هنا إلى ما في الصحيحين : عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال : "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ".
لو تأملنا في قوله -صلى الله عليه وسلم- " الحلال بيّن والحرام بيّن .." وربطناه أيضاً بقوله-صلى الله عليه وسلم- " الإثم ما حاك في نفسك " أي ترددـ وقوله –صلى الله عليه وسلم- " استفت قلبك ..." لأدركنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وضع لنا ميزاناً دقيقاً سهل الاستخدام سريع النتائج، ولكنه يحتاج من المسلم صدقاً مع نفسه حتى تخرج النتيجة مطابقة ، وإلا أصبح كمن يُدخل معلومات خاطئة إلى برنامج جيد فالنتيجة قطعاً لن تخرج صحيحة، والخلل في الإدخال وليس في البرنامج .
ثم لو تأملنا في قوله " وبينهما أمور مشتبهات ..... " فقد حذرنا النبي –صلى الله عليه وسلم- من الوقوع في الشبهات بأن ذلك وقوع في الحرام .
وكثير من الناس لو سألته عن بعض الأسهم مع أخذه بقول من يرى الإباحة إلا أنه سيعترف لك بأن فيها شبهة ، وهكذا من أفتاه بذلك يرى كثير منهم أن فيها شبهة .(1/81)
5)…بناءً على ما تقدم، يمكن أن ننظر إلى ما حدث من منظور آخر كما في قوله تعالى : "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [الروم:41] وقوله سبحانه وتعالى : "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [ آل عمران:165] فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم أصيبوا في أحد بسبب مخالفةٍ واحدة، فينبغي أن نرفع مستوى الحسّ الإيماني لدينا بحيث نتهم أنفسنا لا لتحطيمها ولكن لتصحيح ما عسى أن نكون أخطأنا فيه كما في الصحيحين " كل ابن آدم خطَّاء وخير الخطّائين التوّابون" ، لذا لا نستبعد أن يكون ما حدث نوع من الابتلاء من أجل أن نعود وننظر في أحوالنا ، مع العلم أن الله تعالى قد يعاقب بعض الناس بذنب لو عمله آخر لم يعاقبه به، وذلك لكون الأول أعلم بحرمة هذا الذنب من الثاني، أو لغير ذلك من الاعتبارات ، وقد قال الله تعالى في شأن أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- : "يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا" [الأحزاب:30].
6)…إن احتكار الوساطة في الأسهم ( المحافظ ) لدى البنوك، ثم احتكار صناديق الاستثمار لديها أيضاً، جعل السوق غير متوازن ، فكيف يكون البنك وسيطاً ومستثمراً في وقت واحد ؟! ربما كان هذا سبباً فيما حدث حين الهبوط؛ لكنه أيضاً في حالة الارتداد كان سبباً لحسرة صغار المستثمرين إذ إن الصناديق الاستثمارية استحوذت على الشراء حتى لا يستطيع كثيرون تنفيذ أوامرهم ( بوسائط متعددة )، والاحتكار مما نهى الشرع عنه بكل صوره .(1/82)
7)…كما أن البنوك أيضاً كان لها أسلوب آخر له سلبياته في سوق الأسهم، حيث إن التسهيلات التي تمنحها البنوك أغرت مجموعة ممن لا مال لهم أن يستثمروا من غير خط رجعة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد كان أسلوب هذه التسهيلات في حال الخسارة بالغ الخطورة على هؤلاء المغررّ بهم، حيث إن البنك يسحب مبلغ القرض في هذه الحال (وهو ما يسمى تسييل المحفظة) ، وهذا الإجراء من جميع البنوك، إلى جانب إضراره بالمقترضين، كذلك أضر بالسوق، لأنه دفع بالانهيار إلى التسارع، كمثل كومة الحصى حين تبدأ بالانهيار يجر بعضها بعضاً .
ومما يشاد به في الهبوط الأول، توقف بنكي الراجحي والبلاد عن هذا الإجراء، حفاظاً على أموال المستثمرين .
8)…وقبل أن نتجاوز البنوك فإن التأخر في تنفيذ الأوامر لديها من أسباب الخلل في أداء السوق، ومن ثم الاضطراب الذي ينعكس اضطراباً نفسياً، ولا يخفى مدى تأثير العوامل النفسية دائما في ميزان سوق الأسهم وتداعياته ، وللأسف فإن كثيراً من البنوك لا تعير ذلك اهتماماً كبيراً لأن لسان حالها يقول : أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك .
9)…لقد كان للأسهم سحرها الذي دفع عدداً لا يستهان به من المتعاملين فيها إلى جمع أي مبلغ للدخول به بأية وسيلة، فمن الاقتراض المشار إليه سابقاً إلى التورّق إلى بيع الضروريات ..... إلى غير ذلك .... إن سوقاً يشكل أمثال هؤلاء فيه عدداً مؤثراً، لا شك أنه سوق فاقد لأساسيات الاستقرار والعرض والطلب الطبيعية، وهو كالبناء الهش يتأثر سريعاً بأية هزة، لأن مثل هؤلاء يستثمرون بروح المتلهّف المتخوّف، الذي ينتابه الهلع في أسرع لحظة، كما أن التهالك في سبيل الاستثمار والاستكثار مع التقصير في الضروريات والواجبات هو أيضاً في الشرع من المحذورات .(1/83)
10)…قال الله جل وعلا : "يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ" [البقرة:276]، إن المحق للمال له صور كثيرة، ليس محق البركة إلا واحداً منها، لذا فإن سوق الأسهم بل والاقتصاد كله ينبغي أن يُراجع في ضوء هذه الآية .
كم من الناس دخل سوق الأسهم عن طريق التسهيلات البنكية التي أشرنا إليها مع اتفاق الفقهاء المعاصرين على تحريمها لأنها قرض ربوي مهما كان مسماه أو اختلاف صوره ( إلا قليلاً من البنوك ولا تخلو من المخاطرة والشبهة ) . وكم من الناس لا يتورع عن شركات متفق على نسبة الربا العالية فيها ، وتحريمها . وكم من الناس يتساهل في غير ذلك .
11)…إن من أهم ما يجعل التعامل في السوق يتم بهذا الشكل الغريب، هو عدم العناية بالأرباح لدى الشركات ومن ثم لدى المستثمرين، وكان ينبغي متابعة الشركات في توزيع أرباح حقيقية دورية ، وحينئذ سينظر المساهمون لهذه الأرباح وستأخذ حيزا كبيراً في تقدير الأسهم وتعتدل النظرة ولو جزئيا ، وهذه الأرباح المشار إليها من حق صاحب السهم، ولا يجوز بحال حرمانه من هذا الحق، ولا بخسه إياه، ولا المماطلة فيه.
12)…يتحدث كثيرون عن دور هيئة السوق، وعن قراراتها، وتوقيت تلك القرارات وما إلى ذلك، ولن أستطرد في تحليل ذلك ؛ ولكن لا أحسب مثل هذه الهيئة التي أصبحت محط أنظار الناس وترقبهم لما يصدر عنها وأثر ذلك على الاقتصاد إلا ستدرس كل قرار بملابساته وتوقيته، وستشرك أهل الاختصاص وتستفيد من مرئياتهم، وتراعي الأمور من جميع جوانبها .. فإن فعلت ذلك، واجتهدت حقاً بكل آليات الاجتهاد، فلا تلام في قدر لا يد لها فيه ..(1/84)
13)…نعم مما يدعو للاستغراب أن لائحة شروط التسجيل والإدراج التي أصدرتها الهيئة، نصّت في المادة الثامنة منها من شروط إدراج الشركة في سوق الأسهم : فقرة (ج) يجب أن يكون مقدم الطلب قد أعلن قوائمه المالية المراجعة عن السنوات المالية الثلاث السابقة على الأقل، وأن يكون تم إعدادها وفقاً لمعايير المحاسبة الصادرة عن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين ..
ومع ذلك نرى التسارع في إدراج الشركات ، وهذا بدوره يؤثر على خلق المضاربات على أسهم لم تتمكن بعد كما حدث في أزمة المناخ المعروفة في الكويت حيث كان هذا من أسبابها، ولذا نصّت لائحة سوق الكويت فيما بعد على مرور سنتين ربحيتين على الشركة قبل إدراجها، ولم تترك ثغرة الاستثناء التي تركتها هيئة السوق السعودية حيث استثنت من المادة السابقة بقولها : "ويجوز للهيئة في أحوال استثناثية أن تقبل قوائم مالية لفترة أقصر من ثلاث سنوات مالية إذا كان في ذلك تحقيق مصالح مقدم الطلب والمستثمرين "، وهذا استثناء ينبغي للهيئة إعادة النظر فيه كثيرا.
14)…يقول أحد الفلاسفة "إن الذين لا يستطيعون تذكر التاريخ محكوم عليهم بتكراره " فهلا اعتبرنا بمن سبقنا....فقد كان من أسباب الانهيار للسوق الأمريكية سنة 1929 وكذلك الانخفاض الحاد عام 1962 الإفراط في المضاربة، والارتفاع غير الاعتيادي في معدل السعر، ويسمى أحياناً بمضاعف سعر السهم ( القيمة السوقية منسوباً إلى الأرباح الموزعة على ذلك السهم وبالتالي ارتفاع النسبة ) .انظر كتاب التحليل الاقتصادي ص34 ، كتاب دليل التعامل في سوق الأسهم لمايكل سينسير ص94.(1/85)
ويقول هذا الأخير في وصف هذا الانهيار: وبعد سلسلة من التوقفات , والانطلاقات المخفية انهار السوق في النهاية في 24 أكتوبر 1929 . وتلاشى ما يزيد على 10 مليارات دولار من أموال المستثمرين قبل ظهر ذلك اليوم . وتجمعت حشود هائلة من المستثمرين الغاضبين , والمذعورين في قاعة الزوار في بورصة نيويورك لمشاهدة الفشل التام . وبحلول الظهر كان السوق في حالة " موت حلزوني " حيث كان المستثمرون في كل أنحاء العالم مذعورين بسبب حجم الخسارة المالية .
وبحلول 29 أكتوبر 1929 كانت جميع أرباح السوق عن العام السابق قد تبددت . وفي النهاية هبط السوق 89 % بعد أن حقق أقصى ارتفاع له في عام 1929 وهو 381 نقطة ، وبعد الانهيار حاول رجال الاقتصاد اكتشاف الخطأ الذي حدث . وكان من الواضح أن العديد من الناس لم يدركوا الإشارات الدالة على الارتفاع غير الحقيقي للأسعار في السوق , فمثلاً كانت نسبة السعر مقابل الربح في العديد من الأسهم مرتفعة , وأبعد بكثير مما كان يعتبر " منطقة آمنة "
ويقول أيضاً : نظراً لحجم التعامل المنخفض على الأسهم الرخيصة فإنها تصبح الاستثمار المفضل لدى عديمي الأخلاق الذين يعملون في شركات الوساطة التي تتبع أساليب ضغط ملتوية ( boiler rooms) يتم فيها استئجار مجموعة من الناس لإقناع آخرين ممن ليس لهم بهم سابق معرفة هاتفياً بشراء أسهم لا قيمة لها تقريباً . وعندما يرتفع سعر السهم (بسبب دفع الناس وحثهم على شراء الأسهم ) فإن عاملي شركات الوساطة هذه يقومون ببيع أسهمهم بربح كبير . وعندما تريد بيع أسهمك يكون الوقت قد تأخر جداً , ومن المتوقع أن يكون احتمال أن تخسر معظم أو كل استثماراتك كبيراً جداً .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7128
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - عدة الصابرين وذخيرة المساهمين
عدة الصابرين وذخيرة المساهمين
د. نايف بن أحمد الحمد
………
21/3/1427
19/04/2006(1/86)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد فقد أصيب المضاربون في الأسهم بانهيارات متتابعة خلال الأسابيع الماضية، حيث هبطت أسعار كثير من الأسهم أكثر من ستين في المائة ولا زالت في هبوط وقد سمعت وقرأت شيئا مما أصاب الناس بسبب ذلك من وفاة بعض المساهمين وجنون آخرين، وهلوسة آخرين، وأصبح هذا الهم هو حديث الناس في مجالسهم فأحببت أن أواسي إخواني بشيء مما جاء في فضيلة الصبر وحرمة الجزع والسخط فأقول مستعينا بالله تعالى :(1/87)
أولا : لا يخفى على الجميع أن جملة من الأسهم المتداولة هي محرمة شرعا، باتفاق العلماء كأسهم البنوك الربوية/ ومع ذلك فإنك ترى من يتداولها بيعا، وشراء، ولا شك أن هذا من السحت الذي تُمحق بسببه البركة قال تعالى ( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) (البقرة:276) فهذا المرابي خسر ماله في الدنيا، وبقي حسابه يوم القيامة إن لم يتب من ذلك قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) (البقرة:279) ولعل ما حدث يكون درسا لهؤلاء وبابا للتوبة . عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما ظَهَرَ في قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إلا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عز وجل ) رواه أحمد (3809) وأبو يعلى (4981) وابن حبان (4410) قال الهيثمي : " رواه أبو يعلى وإسناده جيد " ا.هـ مجمع الزوائد 4/118فهذا الذي حدث عقوبة للمرابين قال تعالى ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) (الشُّورى:30) وابتلاء لغيرهم قال تعالى [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ] {البقرة:155(1/88)
ثانياً : لعل من أسباب الانهيار امتناع جملة من المساهمين من إخراج زكاة الأسهم متذرعين بأسباب واهية كعدم وجود السيولة لديهم فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يقول : ( ما خالطت الزكاة مالا قط إلا أهلكته ) رواه الشافعي، والبخاري في تاريخه والحميدي (237) والبيهقي 4/159 وقيل في تفسير الحديث : " يكون قد وجب عليك صدقة فلا تخرجها فيُهلك الحرامُ الحلالَ " . ( مشكاة المصابيح 1/562 المطالب العالية 5/589 مرقاة المفاتيح 4/250) وقال تعالى ذاكرا عقوبة من منع المساكين حقهم [إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا اليَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (:27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ العَذَابُ وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (القلم:33) فإن قيل: هناك المزكون وغير المرابين في السوق، وقد شملتهم الخسارة، أقول: أذكرهم بحديث أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها – قالت : قلت : يا رَسُولَ اللَّهِ(1/89)
أَنَهْلكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قال : ( نعم إذا كَثُرَ الْخَبَثُ ) رواه البخاري (3403) ومسلم ( 2880) .
ولعل من أهم ما ينبغي فعله عند هذا الابتلاء :
أولا : الرجوع إلى الله تعالى وتذكر أحكامه والعمل بها قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) (الأعراف:130) .
ثانياً : الصبر وهو : حبس النفس عن الجزع والتسخط وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن التشويش . ( مدارج السالكين 2/ 156خطب السعدي /290) " والصبر هو الأساس الأكبر لكل خلق جميل , والتنزه من كل خلق رذيل، وهو حبس النفس على ما تكره , وعلى خلاف مرادها طلبا لرضى الله وثوابه " ( فتح الرحيم الملك العلام للسعدي /107 ) .
وهو عبادة غفل عنها الكثير، لذا لابد منه، واستحضار الأجر العظيم، والثواب الكبير، الذي أعده الله تعالى للصابرين ومن ذلك :
1/ محبة الله تعالى لهم : قال تعالى [وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ] (آل عمران:146) وعن أنس -رضي الله عنه - قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن . ( رياض الصالحين /18 الترغيب والترهيب 4/143) .(1/90)
2/ أن الصبر سبب لرفع الدرجات وتكفير السيئات قال تعالى [إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] {الزُّمر:10 قال سليمان بن القاسم : كل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر . عدة الصابرين /58 عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها ) رواه البخاري 5324 وقال – صلى الله عليه وسلم – ( ليس من مُؤْمِنٍ يُصِيبُهُ نَكْبَةٌ شَوْكَةٌ وَلاَ وَجَعٌ إِلاَّ رَفَعَ الله عز وجل له بها دَرَجَةً وَحَطَّ بها عنه خَطِيئَةً ) رواه أحمد (25846) وابن حبان (2919) من حديث عائشة - رضي الله عنها – .
والصبر مثل اسمه مر مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل
(مدارج السالكين 2/158)
3/ انه سبحانه جعل الصبر على المصائب من عزم الأمور، أي مما يعزم من الأمور التي إنما يعزم على أجلِّها وأشرفها فقال [وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] {الشُّورى:43 وقال لقمان لابنه [وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] {لقمان:17 .
4/ قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- :" إنه تعالى جمع للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم وهى الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى [وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {:155 الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {:156 أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ] {البقرة:157 وقال بعض السلف وقد عُزِّي على مصيبة نالته فقال : ما لي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها " ا.هـ عدة الصابرين / 58(1/91)
صابر الصبرَ فا ستغاث به الصبرُ *** فصاح المحبُّ بالصبر صبرا
سأصبر حتى يعلم الصبر أنني *** صبرت على شيء أمرَّ من الصبر
5/ أنه سبحانه جعل الصبر عونا، وعدة، وأمر بالاستعانة به، فقال [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ] {البقرة:45 فمن لا صبر له، لا عون له . عدة الصابرين / 58
ثالثاً : أن نعلم أن الله تعالى هو المعطي، وهو المانع، بيده ملكوت كل شيء قال تعالى (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (النحل:96) وفي الحديث القدسي ( يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا من أَطْعَمْتُهُ، فاستطعمونى أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلا من كَسَوْتُهُ فاستكسونى أَكْسُكُمْ - إلى قوله - يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقَصَ ذلك مِمَّا عِنْدِي إلا كما يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ الْبَحْر ) رواه مسلم ( 2577) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - .(1/92)
رابعاً : أن نعلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يخش الفقر علينا فعن عمرو بن عوف – رضي الله عنه – قال : قَدِمَ أبو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ من الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتْ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِ أبي عُبَيْدَةَ فَوَافَوْا صَلَاةَ الْفَجْرِ مع رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فلما صلى رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا له فَتَبَسَّمَ رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حين رَآهُمْ ثُمَّ قال : ( أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ من الْبَحْرَيْنِ ) فَقَالُوا : أَجَلْ يا رَسُولَ اللَّهِ . قال : (فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا ما يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ ما الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كما بُسِطَتْ على من كان قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ ) رواه البخاري (2988) ومسلم (2961) .
وكيف أخاف الفقر والله رازقي *** ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلهم *** وللوحش في الصحراء والحوت في البحر
( من أعذب الشعر لليامي / 105)
خامساً : سوق الأسهم من أكثر الأسواق صدمات :
فيومٌ علينا ويوم لنا *** ويوم نساء ويوم نسر وقال أبو الأسود :
وإن امرئ قد جرب الدهر لم يخف *** تقلب عصريه لغير لبيب
وما الدهر والأيام إلا كما ترى *** رزية مال أو فراق حبيب وقيل :
إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبة *** فافرغ لها صبرا ووسع لها صدرا
فإن تصاريف الزمان عجيبة *** فيوما ترى يسرا ويوما ترى عسرا قال محمود الوراق :
إني رأيت الصبر خير معول *** في النائبات لمن أراد معولا
(المستطرف 2/142 )(1/93)
لذا لابد أن يربي المشارك في الأسهم نفسه ويهيئها لتحمل الصدمات مع الاحتساب، ففي الحديث ( إنما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى ) رواه البخاري ( 1223) ومسلم (926) من حديث أنس - رضي الله عنه - .والاسترجاع عند وقوع المصيبة من العبادات التي نسيها كثير من المساهمين قال تعالى ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) وفي صحيح مسلم عن أم سلمة – رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها ) فهذا إخبار الصادق المصدوق، بأن من قال ذلك سيُعوضه الله خيرا مما فقد لذا لابد من التزام ذلك والثقة به، مع عدم الاستعجال، عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ ما لم يَعْجَلْ يقول دَعَوْتُ فلم يُسْتَجَبْ لي ) رواه البخاري ( 5981) ومسلم (2735) وهذا " يقتضي الإلحاح على الله في المسألة، وأن لا ييأس الداعي من الإجابة ولا يسأم الرغبة، فإنه يستجاب له، أو يكفر عنه من سيئاته، أو يدخر له " ا.هـ الاستذكار 2/526 فالدعاء تجارة رابحة على كل حال .
وما مسني عسر ففوضت أمره *** إلى الملك الجبار إلا تيسرا
( المستظرف 2/142)
قال العلامة السعدي – رحمه الله تعالى - : " متى مرن العبد نفسه على الصبر ووطنها على تحمل المشاق والمصاعب وجد واجتهد في تكميل ذلك , صار عاقبته الفلاح والنجاح , وقل من جد في أمر تطلبه واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر " ا.هـ فتح الرحيم الملك العلام / 108
قال نهشل :(1/94)
صبرنا له صبرا جميلا وإنما *** تفرج أبواب الكريهة بالصبر
( المستظرف 2/142)
سادساً: أن نعلم أن الصبر يحتاج إلى مجاهدة وتحمل، فلا يأتي بسهولة ويسر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله وما أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ من الصَّبْرِ ) رواه البخاري (1400) ومسلم (1053) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه –
فصبرا يا بني الأحرار صبرا *** فإن الدهر ذو سعة وضيق وهذه سنة الله تعالى الكونية في تغير أحوال الناس، كتغير فصول العام، من غنى، وفقر، وصحة، وسقم.
اصبر لدهر نال منـ *** ـنك فهكذا مضت الدهورُ
فرحٌ وحزنٌ تارةً *** لا الحزنُ دام ولا السرورُ
( من أعذب الشعر / 105 )2/158)(1/95)
سابعاً : لابد أن نعلم أن من أركان الإيمان : أن نؤمن بالقضاء، والقدر، خيره وشره، قال تعالى ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (الحديد:22) وعَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما – قال : كنت رَدِيفَ النبي -صلى الله عليه وسلم – فقال : ( يا غُلاَمُ أو يا غُلَيِّمُ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ الله بِهِنَّ ) ؟ فقلت : بَلَى . فقال : ( احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إليه في الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ وإذا سَأَلْتَ فسأل اللَّهَ وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قد جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هو كَائِنٌ فَلَوْ أن الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعاً أَرَادُوا أن يَنْفَعُوكَ بشيء لم يَكْتُبْهُ الله عَلَيْكَ لم يَقْدِرُوا عليه وإن أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء لم يَكْتُبْهُ الله عَلَيْكَ لم يَقْدِرُوا عليه وَاعْلَمْ أن في الصَّبْرِ على ما تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وأن النَّصْرَ مع الصَّبْرِ وأن الْفَرَجَ مع الْكَرْبِ وان مع الْعُسْرِ يُسْراً ) رواه أحمد (2804) .لذا ذكر العلماء أن أنواع الصبر ثلاثة : صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله . مدارج السالكين 2/156
" ولهذا قال غير واحد من السلف، والصحابة، والتابعين لهم بإحسان، لا يبلغ الرجل حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالإيمان بالقدر والرضا بما قدره الله من المصائب، والتسليم لذلك هو من حقيقة الإيمان " ا.هـ منهاج السنة 3/26
هوِّن عليك فإن الأمو *** ر بكف الإله مقاديرها
فليس بآتيك منهيُّها *** ولا قاصر عنك مأمورها
( من أعذب الشعر / 120 )(1/96)
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - : " إنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام، ومقامات الإيمان كلها، فقرنه بالصلاة، كقوله [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ] {البقرة:45 وقرنه بالأعمال الصالحة عموما، كقوله [إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] {هود:11 وجعله قرين التقوى، كقوله [إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ ] {يوسف:90 وجعله قرين الشكر، كقوله [ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ] {إبراهيم:5 وجعله قرين الحق، كقوله [وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] {العصر:3 وجعله قرين الرحمة، كقوله [وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ] {البلد:17 وجعله قرين اليقين، كقوله [لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ] {السجدة:24 وجعله قرين الصدق، كقوله [وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ] {الأحزاب:35 وجعله سبب محبته، ومعيته، ونصره، وعونه، وحسن جزائه، ويكفي بعض ذلك شرفا وفضلا " ا.هـ عدة الصابرين /61 ولأهمية الصبر فقد ذكره الله تعالى في مواضع كثيرة قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - : ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعا .ا.هـ عدة الصابرين /57 مدارج السالكين 2/152رسالة في التوبة لابن تيمية /250 التحفة العراقية /54 طريق الهجرتين /400
قال الأبشيهي : " فلو لم يكن الصبر من أعلى المراتب وأمنى المواهب، لما أمر الله تعالى به رسله ذوي الحزم وسماهم بسبب صبرهم، أولى العزم وفتح لهم بصبرهم أبواب مرادهم، وسؤالهم، ومنحهم من لدنه غاية أمرهم ومأمولهم ومرامهم، فما أسعد من اهتدى بهداهم، واقتدى بهم، وإن قصر عن مداهم، وقيل العسر يعقبه اليسر، والشدة يعقبها الرخاء، والتعب يعقبه الراحة " ا.هـ المستطرف 2/149(1/97)
ثامناً : أن نعلم أن بعد العسر يسرا قال تعالى [فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا] {الشرح:6 وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود بإسناد جيد من طريق قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال : ( لن يغلب عسر يسرين إن شاء الله ) . فتح الباري 8/712 وقال في تغليق التعليق 4/372 " رواه عبد بن حميد من حديث ابن مسعود موقوفا بسند جيد " ا.هـ
قال ابن مسعود -رضي الله عنه- : " لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه " الطبراني في المعجم الكبير ( 9977 )
إذا ضاقت بك الدنيا *** ففكر في " ألم نشرح "
فعسر بين يسرين *** متى تذكرهما تفرح وقيل :
أيها البائس صبرا *** إن بعد العسر يسرا وقيل :
اصبر قليلا فبعد العسر تيسير *** وكل أمر له وقت وتدبير
فكم من رجل رأيناه باكيا *** فما دارت الأيام حتى تبسما وهذه ليست بأول شدة تمر على البلاد، أو العباد، بل قد مر عليها غير ذلك، وكشفها الرحمن الرحيم
هي شدةٌ يأتي الرخاء عقيبها *** وأسى يبشر بالسرور العاجل وقيل :
وكل شديدة نزلت بقوم ***سيأتي بعد شدتها الرخاء وقيل :
اصبر لأحداث الزمان فإنما***فرج الشدائد مثل حلِّ عقال وقيل :
بالصبر تدرك ما ترجوه من أمل*** فاصبر فلا ضيق إلا بعده فرج
أما والذي لا يعلم الغيب غيره*** ومن ليس في كل الأمور له كفو
لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه *** لقد يجتني من بعده الثمر الحلو
( المستطرف 2/144 )
تاسعاً : أنه عند حلول المصائب انظر إلى من مصيبته أعظم من مصيبتك وخسارته أكثر من خسارتك فسيهون ذلك عليك عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عن – قال : قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( انْظُرُوا إلى من أَسْفَلَ مِنْكُمْ ولا تَنْظُرُوا إلى من هو فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ) رواه مسلم ( 2963 ) .(1/98)
بنا فوق ما تشكو فصبرا لعلنا *** نرى فرجا يشفي السقام قريبا
أما الجزع عند المصائب فهو من المحرمات عن عبد اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه – قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( ليس مِنَّا من لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ) رواه البخاري ( 1232) "وكل هذا حرام باتفاق العلماء " (الكبائر 1/183)
للبكاء النساءُ عند الرزايا ولحسن العزاء الرجالُ
وعن أنس -رضي الله عنه - قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( إن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن . ( رياض الصالحين /18 الترغيب والترهيب 4/143) . قال تعالى [وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ] {النحل:126 .
ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله*** عند الإله وأنجاه من الجزع
من شد بالصبر كفا عند مؤلمه *** ألوت يداه بحبل غير منقطع
( المستطرف 2/144 )
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى - " الصبر باعتبار متعلقه ثلاثة أقسام : صبر على الأوامر، والطاعات، حتى يؤديها , وصبر عن المناهي، والمخالفات، حتى لا يقع فيها , وصبر على الأقدار، والأقضية، حتى لا يتسخطها " العدة / 19 مدارج السالكين 2/156 وانظر : التحفة العراقية /54 طريق الهجرتين /400 مؤلفات السعدي 1/76
وجاء في الحديث ( ولا يحبط جزعُك أجرَك فتندم، واعلم أن الجزع لا يرد شيئا ولا يدفع حزنا وما هو نازل فكان قد ) رواه الحاكم 3/306 والطبراني في الأوسط (83) والكبير 20/155 وابن عساكر في التاريخ 58/449 من حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه – وقال الحاكم : " غريب حسن إلا أن مجاشع بن عمرو ليس من شرط هذا الكتاب " ا.هـ قلت : مجاشع ضعيف ، ومعنى الحديث صحيح .
ضجرُ الفتى في الحادثات مذمَّة *** والصبر أحسن بالرجال وأليق(1/99)
قال أبو بكر - رضي الله عنه - : " ليس مع العزاء مصيبة، وليس مع الجزع فائدة " ا.هـ رواه ابن عبد البر في التمهيد 19/325 وابن عساكر في التاريخ 30/336
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : " إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك وأنت مأثوم " ا.هـ رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 9/139وأنظر : كنز العمال 15/315 وفيض القدير 4/378 .
واصبر ففي الصبر خير لو علمت به *** لكنت باركت شكرا صاحب النعم
واعلم بأنك إن لم تصطبر كرما *** صبرت قهرا على ما خُط بالقلم
قال يحيى بن زياد – رحمه الله تعالى - : " أما بعد فإن المصيبة واحدة إن صبرت، ومصائب إن لم تصبر " ا.هـ تاريخ دمشق 64/222 .
وقال ابن السماك - رحمه الله تعالى -: " عليكم بتقوى الله والصبر، فإن المصيبة واحدة إن صبر لها أهلها، وهي اثنتان إن جزعوا " ا.هـ شعب الإيمان 7/248 حلية الأولياء 8/208.
وقال ابن القيم – رحمه الله تعالى - : " وأُمر المصاب بأنفع الأمور له وهو الصبر والاحتساب، فإن ذلك يخفف مصيبته، ويوفر أجره، والجزع والتسخط والتشكي، يزيد في المصيبة ويذهب الأجر " ا.هـ مدارج السالكين 2/155وقال السيخ السعدي – رحمه لاله تعالى - : " إن العبد لا بد أن يصاب بشيء من الخوف والجوع , ونقص من الأموال والأنفس والثمرات , وهو بين أمرين : إما أن يجزع ويضعف صبره, فيفوته الخير والثواب , ويستحق على ذلك العقاب , ومصيبته لم تقلع ولم تخف , بل الجزع يزيدها ; وإما أن يصبر فيحظى بثوابها , والصبر لا يقوم إلا على الإيمان ; وأما الصبر الذي لا يقوم على الإيمان كالتجلد ونحوه , فما أقل فائدته , وما أسرع ما يعقبه الجزع , فالمؤمنون أعظم الناس صبرا، ويقينا، وثباتا في مواضع الشدة " ا.هـ تيسير اللطيف المنان /214
لا تيأسن إذا ما ضقت من فرج *** يأتي به الله في الروحات والدلج
وإن تضايق باب عنك مرتتج *** فاطلب لنفسك بابا غير مرتتج(1/100)
فما تجرع كأس الصبر معتصم *** بالله إلا أتاه الله بالفرج
( من أعذب الشعر / 63 )
ومهما يكن فإنه مع كل ما حدث، وزعْم أكثر المساهمين أنه قد أخطأ في دخول سوق الأسهم، وأنه يتمنى الخروج منه برأس، المال مع ذلك كله، وكثرة مرددي ذلك، إلا أني أجزم بأن السوق لو عاد إلى هيئته لعادوا إليه ونسوا كل ما حدث [وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ] (الأنعام:28) أسأل الله تعالى أن يفرج هم المهمومين، وينفس كرب المكروبين، ويقضي الدين عن المدينين، إنه جواد كريم، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7149
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - دجاجتا الدبلوماسي !
دجاجتا الدبلوماسي !
د. يوسف بن أحمد القاسم
………
8/4/1427
06/05/2006
حدث (ديل كارنيجي) في كتابه النافع ( دع القلق وابدأ الحياة ) عن رجل باع كل ما يملك , وأخذ ما جمعه فاشترى به أرضاً في غرب أمريكا , حين كانت أرضها بكراً , فطمع أن تكون أرضاً خصبة , يستثمرها بزراعتها , ويجمع المال من ثمرتها , فلما بلغها رآها مملوءة بالحيات والثعابين , كلما قتل واحداً منها رأى عشرة , فكاد يفقد من هول الصدمة عقله ويهيم على وجهه مجنوناً , أو يعلق حبلاً في شجرة فيشنق به نفسه , ثم قعد يفكر فرأى أن هذه النقمة يمكن أن تنقلب نعمة ؛ لأنه ما في الدنيا شيء إلا وفيه بعض النفع , فهداه الله بتفكيره إلى أن يجعل الأرض لتربية الحيات والثعابين , يبيع منها لمن يربيها ويهتم بشأنها , وجاء بخبراء يأخذون جلودها لتصنع منها الحقائب والأحذية , ويستخرجون سمها ليصنع منه ترياق فيه الدواء بعد أن كان منه الداء , فاغتنى من ذلك !! ولولا هذا التفكير لكان له شأن آخر .(1/101)
فأين منا من يأخذ العبرة من هذا المشهد , ويبحث عن المنح في طيات المحن ؟ ومن منا يلتمس رزق الله , ولا ييأس من روح الله حين تنزل به مصيبة أو تحل بماله كارثة ؟ لاسيما ونحن المؤمنون بقضاء الله وقدره , الموقنون بأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين , الذي ضمن رزق كل حي على هذه البسيطة , حتى الطيور المحلقة في السماء , ما دامت قد أخذت بأسباب الرزق فتغدو خماصاً وتروح بطاناً , وإذا كان هذا حال الحيوان , فالمسلم أكرم على الله تعالى منه إذا أخذ بالأسباب , وأدام قرع الباب , وما أبلغ تلك القصة التي رواها أديب الفقهاء وفقيه الأدباء, الأستاذ الكبير والمربي القدير : علي الطنطاوي - رحمه الله - إذ يقول في رسالته (الرزق مقسوم والعمل له واجب):" حدثني الشيخ صادق المجددي-رحمه الله -الذي كان من علماء أفغانستان الكبار, وكان عميد السلك الدبلوماسي في مصر أيام الملكية زمناً طويلاً , أنه كلف يوماً بمهمة رسمية في البلاد الروسية , فخاف أن لا يجد فيها لحماً ذبحه مسلم , ولا يجوز للمسلم أن يأكل ذبيحة شيوعي ملحد , فأمر فذبحت له دجاجتان كانتا في داره , وطبختهما زوجته , ووضعتا في سفرة , وحملها معه لتكون طعامه , فلما وصل وجد في المدينة مسلمين , ودعاه شيخ مسلم إلى الغداء , فاستحيا أن يحمل الدجاجتين معه , ووجد على الطريق أسرة مسلمة فقيرة دلوه عليها , فدفع الدجاجتين إليها .(1/102)
فما استقر به المقام , حتى جاءته برقية بأن المهمة قد ألغيت , وأن عليه الرجوع إلى أفغانستان في الحال . فرجع , وكأنه ما سافر هذه السفرة , ولا قطع مسافة ألفي كيل , ولا حمل هذه المشقة , إلا لأن الدجاجتين اللتين كانتا ملكه , واللتين طبختهما زوجته , لم تكونا من رزقه , بل كانتا من رزق تلك الأسرة الفقيرة !! " أهـ فما أعظم رزق الله , وما أجزل عطاءه لمن سعى في الأرض أو مشى في مناكبها وابتغى من رزقه , ونأى بنفسه عن الحرام , وعن المشتبهات من الآثام , حتى إذا ادلهمت به حادثة , أو حلت به كارثة , رفع يديه إلى السماء وقال ملحاً على ربه منكسراً بين يديه : يارب يارب , فيستجيب الله دعاءه ؛ لأن مأكله حلال , ومشربه حلال , وملبسه حلال , ومسكنه حلال , فكيف يرد الكريم الرحيم هاتين اليدين صفرا ؟ فإن ألححنا في الدعاء , ولم نستعجل الإجابة , وما انكشف الضر , وما ارتفع البلاء , فلنفتش في مأكلنا، وملبسنا، ومسكننا , ولنحاسب أنفسنا , ولنراجع حساباتنا , فربما كان فيها مايستحق المراجعة والمحاسبة , كما يراجع التاجر حساباته , أو أكثر دقة .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7150
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - الرأسمالية بأبشع صورها
الرأسمالية بأبشع صورها
د. يوسف بن أحمد القاسم
………
25/3/1427
23/04/2006(1/103)
لا يخفى أن من أبرز سمات الرأسمالية الغربية أنها تزيد الغني غنى، وتزيد الفقير فقراً . والسؤال الذي يطرح نفسه، هو : ما الفرق بين الربا الذي تمارسه البنوك الغربية والشرقية, والذي يجعل العميل مديناً حياً وميتاً، فيولد وهو مدين، ويعيش وهو مدين، ويموت وهو مدين !! ما الفرق بين ذلك الربا الجاهلي والمعاصر، وبين هذا الربا المقنن الذي تجريه بعض البنوك والمصارف باسم: (التورق المنظم) ؟! وما الفرق بين المواطن الذي ابتزه الغني أو البنك بالربا، وبين هذا المواطن الذي ابتزه المصرف أو البنك بالتورق المصرفي السيء الصيت، حتى ركبته الديون وورثها صاغراً عن صاغر ؟!!
في الواقع أن الفرق بينهما كالفرق بين من يلغ في الحرام باسم الزنا، وبين من يقنن الزنا ويلغ فيه باسم المتعة !! ولا فرق، بل هذا الأخير أشد حرمة من الأول ؛ لأنه استحل محارم الله بأدنى الحيل، وهي من أبرز صفات اليهود الذين حين حرمت عليهم الشحوم، أذابوها، ثم باعوها، فأكلوا ثمنها ! وحين حرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت عمدوا إلى البحر فحفروا حوله الحياض، وشرّعوا منه إليها الأنهار، ثم فتحوا تلك الأنهار عشية الجمعة، فأقبل الموج بالحيتان إلى الحياض، فلم تقدر على الخروج لبعد عمق الحياض وقلة مائها، فلما جاء يوم الأحد أخذوها، فأنكر الله ذلك عليهم بقوله :( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) .(1/104)
وهكذا الحال فيمن أكل الربا وأموال الناس بالباطل على سبيل المكر والخديعة والاحتيال، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ارتكاب الحيل، فقال : ( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ) . وهذا بخلاف من وقع في الذنب وهو مقر بخطيئته، فقد اقترن بمعصيته اعترافه بالخطيئة، وبأنه مذنب عاص، مع انكسار قلبه من ذل المعصية، وازدرائه على نفسه، ورجائه لمغفرة ربه، وعد نفسه من المذنبين، فلعل ما يقوم بنفسه من هذه المعاني يفضي به إلى الخير، والإقلاع عن هذه المعصية .
وهنا يرد تساؤل عن التورق المنظم، ما هو ؟ وما موقف العلماء منه قديماً وحديثاً ؟ وما أثر هذه المعاملة وأشباهها على اقتصادنا المعاصر ؟(1/105)
والجواب : أن التورق المنظم، هو : أن يتولى المصرف البنك أو المصرف ترتيب الحصول على النقد للمتورق، بأن يبيعه سلعة بأجل، ثم يبيعها نيابة عنه نقداً ويقبض الثمن من المشتري، ثم يسلمه للمتورق . ثم إن البنك أو المصرف قد يكون مالكاً للسلعة ابتداء، وقد لا يكون مالكاً لها، فيسبقه مرابحة للآمر بالشراء . وبالنظر إلى واقع هذه المعاملة، نجد أنها غالباً ما تكون من العقود الصورية لا الحقيقية، حيث يقصد من ورائها دفع النقد لتحصيل نقد أكثر منه مؤجلاً، وأنها كما قال ابن عباس رضي الله عنه : ( دراهم بدراهم بينهما حريرة !! ) وهذا التورق المنظم ليس من العقود الحديثة، كما يظن البعض، بل جاء عن السلف بعض الآثار الدالة على وقوعه والنهي عنه، كما في مصنف عبدالرزاق ( 8/294) وابن أبي شيبة (7/275) . ولأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم، لذا فقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في أواخر سنة (1424هـ) بتحريم التورق المنظم، وأنه يأخذ حكم العينة الثنائية . وقد أفتى بموجب هذا القرار جمع كبير من علمائنا المعاصرين، بل ومن خبرائنا في مجال الإقتصاد الإسلامي، وصرحوا بأن هذا النوع من العقود قد نتج عنه تراجع للأهداف الحقيقية التي لأجلها أنشئت المصارف الإسلامية، وعلى رأس قائمتها دعم التنمية، والإسهام في النشاط الحقيقي للإقتصاد في البلد، وذلك من خلال المشاركة,والاستصناع ,والإجارة, ونحوها من العقود التنموية الحقيقية، حتى تم اختزال ذلك كله في بيع النقد بالنقد باسم التورق، تحقيقاً للأرباح بأقل وقت ممكن، ودون مخاطرة أو مشقة، ولو كان ذلك على حساب ديننا, وأخلاقنا, واقتصادنا !! حتى أصبح المال دولة بين الأغنياء منا، ولذا أصبحوا يمارسون الرأسمالية في بلادنا بأبشع صورها !
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7154
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…(1/106)
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - النقود: أثمان أم سلع؟
النقود: أثمان أم سلع؟
د. يوسف بن أحمد القاسم
………
26/3/1427
24/04/2006
قبل أكثر من ستة قرون، صرخ أحد علماء القرن الثامن الهجري صرخة اهتز لها جبل قاسيون بالشام، ووجد لها صدى في أنحائه، إلا أنها لم تجد لها صدى في بني قومه، فوقع ما لم يكن بالحسبان، وحل ما حذر منه عالم ذلك الزمان، ثم هاهو التاريخ يعيد نفسه، فحل بنا ما حل بهم !! فمن هو يا ترى ذلك الإمام ؟
وما هي تلك الصرخة التي اهتز لها قلمه، وعبر عنها بنانه ؟
وما هي نتيجة تجاهل تلك الصرخة ؟
وكيف أعاد التاريخ نفسه ؟
أما الإمام، فهو: العلامة ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) وأما الصرخة، فهي: إنكاره على بني قومه اتخاذهم النقود سلعاً، يتاجرون بها، ويعدونها للربح، فكانت النتيجة المؤسفة ؛ حيث عم الضرر، ووقع الظلم .هذا ملخص ما جرى، وأدع الحديث للإمام ابن القيم، فهو حي بيننا بكتبه, شاهد عدل بعلمه وفقهه,إذ يقول في كتابه إعلام الموقعين(3/401) : " الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض، إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سلع، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تقوم به الأشياء، ويستمر على حالة واحدة، ولا يقوم هو بغيره، إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض, فتفسد معاملات الناس, ويقع الخلف, ويشتد الضرر, كما رأيت من فساد معاملاتهم, والضرر اللاحق بهم، حين اتخذوا الفلوس سلعة تعد للربح, فعم الضرر, وحصل الظلم... فالأثمان لا تقصد لأعيانها، بل يقصد التوسل بها إلى السلع"أهـ(1/107)
وقال في الطرق الحكمية(صـ350) : " ويمنع من جعل النقود متجراً ؛ فإنه بذلك يدخل على الناس من الفساد ما لا يعلمه إلا الله، بل الواجب أن تكون النقود رؤوس أموال يتجر بها، ولا يتجر فيها "أهـ
وهاهو التاريخ يعيد نفسه، وكأن ابن القيم يعيش واقعنا الحاضر، أو كأنه ينظر إليه من ستر رقيق ! ولذا، فإنه يستحق شهادة دكتوراه فخرية في المال والاقتصاد، وإن كنت أشك في حفاوته بها لو كان حياً .
نعم,أعاد التاريخ نفسه؛لأننا اليوم نرى ونسمع كثيراًعن تذبذب أسعار العملات,وما نتج عنه من تضخم في النقود وضعف قوتها الشرائية, كما هو مشاهد في بعض بلاد الشرق والغرب، وهذا له أسبابه السياسية, والأمنية، والاقتصادية ومن أبرزها العبث بهذا النقد الذي استخدم في غير ما صنع له, وهذا ماحذر منه العلامة ابن القيم آنفاً, وألمح إليه الفقيه الشافعي أبو حامد الغزالي(ت505هـ) في إحياء علوم الدين(4/91) والفقيه الحنفي ابن عابدين(ت1252هـ) في مجموعة رسائله(صـ57) حيث قال:" رأينا الدراهم والدنانير ثمناً للأشياء، ولا تكون الأشياء ثمناً لها.. فليست النقود مقصودة لذاتها, بل وسيلة إلى المقصود"أهـ
وأصرح من هذا ما قاله الشيخ محمد رشيد رضا, حيث قال في تفسير المنار(3/108):"وثم وجد أمر آخر لتحريم الربا من دون البيع، وهو أن النقدين إنما وضعا ليكونا ميزاناً لتقدير قيم الأشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم، فإذا تحول هذا وصار النقد مقصوداً بالاستغلال, فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس, وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال "أهـ
وبهذا نقف على إحدى الحكم التي حرم لأجلها الشارع الربا، وهي أن المرابي يشتغل بالنقد عن المشاريع الإنتاجية، فيقل المعروض من السلع والخدمات, وبالتالي يزيد الطلب عليها, ومع كثرة النقد يقع التضخم، وهو ما عبر عنه بعض الاقتصاديين :( نقود كثيرة، تطارد سلعاً قليلة ) .(1/108)
ومن هذا الوجه- وغيره- ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى المنع من المتاجرة بالعملات -لا بيعها وشراؤها للحاجة- ومن المضاربة بفروق الأسعار في سوق المال؛ ومن هؤلاء الفقهاء الدكتور محمد الشباني,كما في بحثيه( الربا والأدوات النقدية المعاصرة,والمضاربة بالأسهم والمشتبهات من المكاسب) وعلل ما ذهب إليه بأدلة, ومقاصد شرعية, جديرة بالنظر والتأمل، ومنها : أنه عد من المفاسد التي يؤدي إليها هذا النوع من التعامل، الضرر على الاقتصاد ككل؛ حيث يتوجه المال المدخر إلى المضاربة فيه، بحيث يصبح دولة بين المضاربين في الأسهم، يتحرك في دائرة واحدة لا يتعداها إلى غيرها ... الخ .
وقد أشار إلى هذا المحذور وما يؤدي إليه من كساد,الشيخ أبوحامد الغزالي في إحياء علوم الدين(4/45) حيث قال:" إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب ؛ وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة الربا من تحصيل درهم زائد نقداً أو آجلاً خف عليه اكتساب المعيشة,فلا يكد ويتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات,والحرف, والصناعة, والإعمار"أهـ
وبنظرة خاطفة إلى واقعنا منذ أربعة أشهر أو أكثر، نجد أن أموالنا أصبحت تصب في فوهة السوق حين غلت القيمة السوقية لبعض الشركات غلاء غير مسبوق, واقتصرت المضاربة على فروق الأسعار بعيداً عن الواقع الاقتصادي للشركات المساهمة، فأصبحت السلع هي النقود في الحقيقة,حتى ظهرت مقدمات الكساد في سوق العقارات, والسيارات ,...الخ، ولمس كثير من الناس ارتفاع قيمة إيجار الدور والمنازل ؛ لقلة المعروض, وأصبح هذا حديث الناس، كل هذا في فترة زمنية محدودة ! فما الظن لو استمر الحال سنة أو أكثر !!(1/109)
ثم ألا يكفي هذا حافزاً- على الأقل-لإعادة النظر في حكم اتخاذ النقود سلعاً, وما تفضي إليه هذه المعاملات من مفاسد وأخطار على الفرد والمجتمع ؟ أم نحتاج إلى جنائز ومرضى ومفلسين أكثر عدداً، حتى تتحقق لدينا القناعة بذلك ؟!!
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7189
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - الحَدِيْثُ الصَّالِحُ للتَّقْوِيَةِ
الحَدِيْثُ الصَّالِحُ للتَّقْوِيَةِ
هاني بن عبد الله الجبير
………
3/4/1427
01/05/2006
للحديث عند المحُدِّثين أقسامٌ ثلاثة مشهورة . وهي الصحيح، والحسن والضعيف، وللصحيح والحسن قسمان، صحيحٌ لذاته ولغيره، وحَسَنٌ لذاته ولغيرِهِ .
والفرق بين الحكم على الحديث بالوصف لذاته أو لغيره : أنّه متى صدق عليه الوصف لذاته دون نظرٍ إلى متابعٍ له أو شاهد، قيل له : صحيحٌ لذاته، أو حَسَنٌ لذاته .
ومتى لم يصدق عليه الوصف لذاته، بل وصل إلى هذه المرتبة بعد ورود ما يؤيِّده ويقوِّيه ويرفع رتبته سُمي الحَسَنُ : صحيحًا لغيره، والضعيف : حسنًا لغيره .
فالحسن بكثرة الطرق يُصَحّح . والضعيف بتعددها يُحَسّن .
وهذا شيء مُسْتَقِرٌّ في النفوس ؛ فإن الضعيف إذا كثر تغلّب على الصحيح .
لا تحارب بواحدٍ أهل بَيْتٍ فضعيفان يغلبان قَويًّا .
على أن المهم هنا هو أن القوم قد اصطلحوا على تقوية الأحاديث بتعدد طرقها، فترتفع رتبتها وتقوى الحجة بها .
ومن هنا كان اهتمام علماء السُّنّةِ بالاعتبار وهو : التنقيبُ عن الشواهد والمتابعات .(1/110)
والذي يعنينا في هذا البحث هو : الحديث الضعيف الذي قد ورد ما يجبره، ويرفع رتبته حتى زال عنه الوصف بالضعف، وغدا حديثًا مقبولاً، وهو المسمّى : [ الحسن لغيره ]، والذي يشكل في هذا النوع من الأحاديث هو حَدُّ الضعف المنجبر، وحَدُّ الجابر له، فلذا صار هذا الموضع من محال الإشكال عند علماء المصطلح، والمؤلفين فيه (1) ؛ وذلك لأنه ليس كل حديث صالحًا لأن يكون جابرًا، فما أطلقه المتأخرون من أن الحديث الضعيف بتعدده يصير حسنًا إطلاق ليس بصواب، بل الصواب أن يُقَيِّد ما إذا كان الضعف ليس قَويًّا [ وعلى هذا فلابُدَّ لمن أراد أن يقويّ الحديث بكثرة طرقه أن يقف على رجال كل طريق منها حتى يتبيّن له مبلغ الضعف فيها ] (2) وهذا أمرٌ مقرّر عند علماء المصطلح ولا إشكال فيه (3) .
الحَدِيْثُ الصَّالِحُ للتَّقْوِيَةِ
الذي ظهر للباحث أن الحديث المقويّ : ما ليس في رواته متروك - وسيأتي بيان المتروك وحده - فكل راو أقوى من المتروك فحديثه صالح للتقوية، فشرط [ تقوّي الحديث بكثرة الطرق هو خلوها من متروك أو متهم ] (4) ؛ [ فإنّه إذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهام بالكذب، ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع ازداد ضعفًا إلى ضعف ؛ لأن تفرّد المتهمين بالكذب، أو المجروحين في عدالتهم ؛ بحيث لا يرويه غيرهم، يرفع الثقة بحديثهم ويؤيّد ضعف روايتهم وهذا واضح] (5) .
ويؤيده أن علماء الجرح والتعديل عند ذكرهم لألفاظ الجرح جعلوا منها : متروك وتركوه، ومتروك الحديث ... ثم قالوا عن أهل هذه المرتبة لا يحتج بهم ولا يستشهد ولا يعتبر بهم (6) . [ أي لا يعتد بالحديث الذي يأتي من طريقه متابعًا ولا شاهدًا لحديث آخر ليقوي به ذلك الحديث المتابَع ؛ لأن ضعف هذا الراوي شديد، لا يحتمل أن يقوَّى بحديثه حديث غيره، فلا يصلح للمتابعات ولا للشواهد ] (7) .(1/111)
أمّا الراوي الموصوف بالنُّكر، فلا شك في أنّه يُقَوّي ؛ وذلك لأنّه الوصف بالنكارة، وصفٌ في المروي لا يلازم الراوي، الحديث المخالِفْ منكر، فإذا روى راويه حديثًا لم يخالف فليس حديثه منكرًا بخلاف المتروك، فالترك وصفٌ في الراوي يلازم كلّ ما يرويه (8) - ويؤيده أنّ علماء الجرح ذكروا من ألفاظ الجرح منكر الحديث أو حديثه منكر، وجعلوه صالحًا للاعتبار (9) .
أمّا الحديث المنكر فإنه يُطلق بإزاء معنيين : مخالفة الضعيف للثقة، وغريب الضعيف الذي لا يحتمل تفرّده (10) وهو أحسن حالاً من المتروك كما قال الحافظ في شرح النخبة (11) . فهل المنكر يقوّي ؟ الجواب : أن المنكر بمعنى غريب الضعيف غير داخل في حديثنا ؛ لأنه فردٌ لا مُقوِّي له . وإلاّ لم يُقَوِّ ؛ لأنه فقد شرطًا من شروط الصحة والحسن وهو عدم الشذوذ، فمن باب أولى عدم النكارة (12) . فلذا لا يصير حديثه حسنًا ولا صحيحًا .
هذا وينبغي أن نشير إلى أن بعض المتقدمين يطلق المنكر ويريد به المعنى اللُّغوي : أي مجرد التفرد ولو كان ثقة، فيكون حديثه صحيحًا غريبًا (13) .
حكم الحديث غير المُقَوِّي إذا وردت له متابعات
إذا وردت للحديث متابعات، وشواهد قاصرة عن درجة التقوية والجبر، فإنها لا ترفعه إلى الحسن لقصورها، ولكنها مع ذلك تنفعه في جانبٍ آخر وهو إخراجه عن حَدِّ النكارة، أو عن كونه لا أصل له [ بل ربما كثرت طرقه حتى أوصلته إلى درجة المستور السّيئ الحفظ بحيث إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن ] (14) .
وهذا ما يؤكد أهمية تتبع الطّرق، ولو كانت ضعيفةً تتقاعد عن حَدِّ الجابر .
قال السيوطي في ألفيته في المصطلح (15) :
.. .. .. .. ..وما *** كان لفسقٍ أو يرى مُتَّهمًا
يرقى عن الإنكار بالتعدُّدِ *** بل ربما يصير كالذي بُدِي(1/112)
أي أن ما كان رواته مضعفون بسبب الفسق أو التهمة فإنه يرْقى عن حَدِّ المنكر بتعدُّدِه بل ربما صار كالذي بُدي - أي الذي ابتدأ به الكلام وسبق أن تحدث عنه وهو الحديث القريب الضعف الذي يرقى لرتبة الحسن بتعدّده .
المتروك
المتروك لغةً : اسم مفعول من ترك الشيء إذا خَلاّه وطرحه يقال تركه يتركه تركًا (16) .
واصطلاحًا : الحديث الذي في رواته متروك .
والراوي المتروك : من وجدت فيه خصلةٌ أو أكثر من الخصال الآتية :
1- أن يكون متهمًا بالكذب، وذلك يتبيّن بصور :
أ. أن يعرف بالكذب في حديثه دون تحديثه .
ب. أن لا يروي الحديث إلاّ من جهته ويكون مخالفًا للقواعد المعلومة .
ج. أن يروي عن الثقات ما لا يتابعه عليه غيره، أو ما لا يعرف عنهم، ولا يُشْبه حديثهم (17) .
د. أن يكون مجهولاً ولا يروي عنه إلاّ الضعفاء . (18)
2- أن يكون فاسقًا ظاهر الفسق، وبه تسقط عدالته . (19) أن يكون كثير الغلط في حديثه حتى يفحش . (20)
3- أن يكون كثير الوهم كثير الغفلة . (21)
فالمتروك هو الحديث الذي رواه راوٍ متهم بالكذب أو ظاهر الفسق أو كثير الغلط والغفلة والوهم .
والشاهد لكل ما مَرَّ ما يلي :
قال السيوطي في تدريب الراوي : [ فالحديث الذي راويه متهم بالكذب : بأن لا يُرْوَى إلاّ من جهته وهو مخالف للعواعد المعلومة، أو عرف به في غير الحديث النبوي، أو كثير الغلط، أو الفسق أو الغفلة : سُمّي المتروك ] (22) .
ويقول أيضًا في ألفيته :
وسَمِّ بالمتروك فردًا تُصِبِ راوٍ له متهم بالكذب
أو عرفوه منه في غير الأَثَر ... أو فسقٍ أو غفلةٍ أو وَهْمٍ كَثُر (23) .(1/113)
وفي مقدمة اللسان (24) لابن حجر مما يؤكد ما سبق ذكره .. [ قال ابن مهدي : قيل لشعبة : من الذي يترك حديثه ؟ قال إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر : طرح حديثه، وإذا أكثر الغلط طرح حديثه، وإذا اتهم بالكذب طرح حديثه، وإذا روى حديثًا غلطًا مجمعًا عليه فلم يتهم نفسه عليه طرح حديثه ... إلى أن قال .. قال ابن مهدي : الناس ثلاثة ... والآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه .. ] أ.هـ
وقال ابن رجب في شرحه لعلل الترمذي : [ رواه الحديث أربعة أقسامٍ : من هو متهم بالكذب، ومنهم من هو صادق لكن يغلب على حديثه الغلط والوهم لسوء حفظه وهذان القسمان متروكان ]أ.هـ (25) .
الأحاديث المردودة بَيْن التقوية وعَدَمها
بعد أن ذكر الباحث مَنْ من الرواة يصلح حديثه للتقوية ناسب أن يذكر في ختام البحث حال الأحاديث وما الذي يصلح منها لأن يَتَقَوّى، ونحتاج لذلك أن نعدد أقسام الأحاديث المردودة . (26)
فالمردود من الحديث إمّا أن يكون لسقط أو طعن - سقط في السند، أو طعن في الرواة -
فالسقط يشمل المعلق والمنقطع والمعضل والمرسل والمدلس .
فالمرسل والمدلس يتقويان وأما سواهما فلا ؛ لأنا لا نعرف عن الساقط شيئًا، فهل هو ثقة أو لا ؟ وهل هو واحد أو أكثر ؟ وإذا وجد له متابع فهل المذكور فيه هو الساقط أم لا ؟
لأجل هذه الاحتمالات كلها صار الحديث الذي لم نعرف راويه كالعدم : لا يقوّى .
هذا، وإن المرسل وإن وجد فيه السقط، فإن وجوده في العصر الأول، وقبل أن يفشُوَ الكذب وتُقَعَّد قواعد الرواية على وجهها يجعله أحسن حالاً من غيره، فلذا صالح للتقوّي .
وأمّا الطعن فيشمل الموضوع والمتروك والمنكر وكلها سبق الحديث عنها .
وأيضًا المعلل وما فيه مخالفة [ بالإدراج والقلب والاضطراب والتصحيف ] . وأحاديث المبهم والمجهول والمستور وسيئ الحفظ [ سواءً كان لازمًا، أو طارئًا - كالمختلط- ] .
فسيئ الحفظ والمستور حديثهما يقوّى ..(1/114)
وأما المعلل وما فيه مخالفة فإنه غير صالح للتقوية ؛ لما سبق في المنكر – فإن وجود المخالفة مانع للحكم على الحديث بالحُسْن ..
وأمّا المجهول والمبهم فحديثهما لا يُقَوِّي ؛ لما سبق في المنقطع .
هذا آخر ما تيسر إيراده في هذه العجالة وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه ،،،
(1) انظر : تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف ، للدكتور / ربيع بن هادي عمير المدخلي ، ص 13 – 19، فقد ساق كثيرًا من تعريفاتهم للحسن وذكر ما فيها من إشكال .
(2) تمام المنة ص 31 ، 32 .
(3) انظر : مثلاً الباعث الحثيث ص 43 ، وحاشية أحمد شاكر عليه ، وشرح النخبة ص 258 ، والتدريب ( 1/176 ) .
(4) تمام المنة 410 .
(5) شرح الباعث الحثيث لأحمد شاكر ص 43 .
(6) قال في التدريب ( 1/346 ) : [ وإذا قالوا متروك الحديث ... فهو ساقط لا يكتب حديثه ولا يعتبر به ولا يستشهد ] وقال أيضًا ( 1/243 ) : [ .. متروك الحديث لا يصلح للمتابعات ] . وانظر : شرح الباعث لأحمد شاكر ص 116 ، وانظر : شفاء العليل لمصطفى بن إسماعيل ( 1/213 ) .
(7) حاشية الرفع والتكميل ص 153 .
(8) هذه الفائدة أخذتها عن فضيلة الشيخ د. إبراهيم بن محمد الصبيحي جزاه الله خيرًا . ثم وجدت التهانوي في قواعده ص 403 يقول : [ فتلخص منه أن قولهم منكر الحديث ونحوه لا يؤثر في رواية الراوي إلاّ إذا لم يتابع على روايته ] إ.هـ .
(9) شرح ألفية الحديث للعراقي ص 177 . الرفع والتكميل ص 154. قواعد التهانوي ص 258 .
(10) التدريب ( 1/238 فما بعدها ) . الباعث ص 63 . شرح النخبة ص 239 ، 240 .
(11) شرح النخبة ( 247 ، 248 ) . وانظر : تيسير مصطلح الحديث ص 95 . والتدريب ( 1/295 ) .(1/115)
(12) فإن الصحيح والحسن يشتركان في جميع الشروط إلاّ تمام الضبط كما في النخبة وغيرها . قال في التدريب ( 1/65 ) : [ إن اشتراط نفي الشذوذ - يعني في حد الصحيح - يقتضي اشتراط نفي النكارة بطريق الأولى ] إ.هـ . وقال في النخبة : [ وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته ... فإن خفَّ الضبط فالحسن لذاته].
(13) قال ابن حجر في هدي الساري ص 436 [ المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له ] . وانظر : قواعد التهانوي ص 258 . وقال ابن كثير في الباعث ص 63 [ وأمّا إن كان الذي تفرد به عدلٌ ضابط حافظ قُبِل شرعًا ولا يقال له منكر وإن قيل له لُغةً ] . على أن لبعض المحدثين اصطلاحًا خاصًا في لفظ المنكر . فانظر : مثلاً لسان الميزان [ 1/5 ] .
(14) التدريب ( 1/177 ) عن الحافظ ابن حجر .
(15) ص 45.
(16) اللسان مادة ترك ( 10/405 ) ، دار الفكر مصورة عن دار صادر . المعجم الوسيط ( 1/84 ) الطبعة الثانية .
(17) انظر : مثلاً لسان الميزان ترجمة أبان بن المحبر ( 1/11 ) وترجمة إبراهيم بن إسحاق الصيني ( 1/16 ) وترجمة إبراهيم بن أبي خيثمة ( 1/40 ) وترجمة أصرم بن حوشب ( 1/515 ) وغيرهم كثير جدًا جعلهم أئمة الجرح من المتروكين لهذا الغرض .
(18) جاء في مقدمة لسان الميزان ص 25 عن ابن حبان : [ فأمّا المجاهيل الذي لم يرو عنهم إلاّ الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها ] أ.هـ [ هذا وإن مما لا يقوى رواية الضعفاء عن المبهمين فإنها كروايتهم عن المجاهيل بل هي عند التدقيق أشد ضعفًا فإنه لا يعرف حاله ولا يعرف عينه فإذا روى الضعيف عن مبهم لم يكن حديثه صالحًا للتقوية ] .(1/116)
(19) انظر : اللسان ( 7/117 ) ترجمة أبي نواس قال عنه : [ فسقه ظاهر وتهتكه واضح فليس بأهل أن يروى عنه ] أ.هـ . وانظر : اللسان ( 5/233 ) ترجمة محمد بن الضوء بن الصلصال و( 6/60 ) ترجمة مطيع بن إياس . وفي تهذيب التهذيب ( 4/337 ) ترجمة صالح بن حسان النضري .
(20) قال السيوطي في التدريب ( 1/64 ) [ من كثر الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك ] أ.هـ . وانظر لسان الميزان ( 1/29 ) .
(21) انظر : اللسان ترجمة أيوب بن خوط قال عنه عمر بن علي : [ كان أميًّا لا يكتب وهو متروك الحديث ولم يكن من أهل الكذب ، كان كثير الغلط والوهم ] أ.هـ ( 1/536 ) وفي تهذيب التهذيب ( 6/193 ) ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله العمري [ قال ابن حبان : كان يروي عن عمه ما ليس من حديثه وذلك أنه كان يهم فيقلب الإسناد ويلزق بالمتن ففحش ذلك في روايته فاستحق الترك ] أ.هـ
(22) ( 1/240 ) ، وانظر : منه ( 1/295 ) .
(23) الألفية ص 94 .
(24) لسان الميزان المقدمة ( 1/23 ) .
(25) ص 193 . هذا ، وقد يرد على ما تقدم ما قاله الحافظ ابن حجر في النخبة حيث سَمّى حديث من طعن فيه لفحش غلطه أو غفلته أو فسقه بالمنكر على رأي .. والجواب أن مراد الحافظ أن من لم يشترط في المنكر المخالفة سَمّى حديث هؤلاء منكرًا ، والتحقيق أنه من المتروك والله الموفق . انظر : شرح النخبة ص 250 . وانظر : شرح قصب السكر لعبد الكريم مراد ص 73 .
(26) الترتيب مأخوذ عن ابن حجر كما في النخبة وقد قال فيها [ ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل والمدلس صار حديثهم حسنًا لا لذاته بل بالمجموع ]أ.هـ .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7267
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - كارثة الأسهم... والمخرج منها
كارثة الأسهم... والمخرج منها
أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
………
17/4/1427
15/05/2006(1/117)
إن ما حدث من انهيار لسوق الأسهم في المملكة لكارثة من الكوارث ونازلة من النوازل لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة، حيث أصاب ضررها كل طبقات المجتمع غنيهم وفقيرهم وإن كان الفقراء والمساكين والأرامل والمعاقون والقصّر ونحوهم هم الذين احترقوا بنارها وسقطوا في أتونها، وسأذكر بعض الأسباب، وما أراه ممكناً من وسائل العلاج فأقول مستعيناً بالله:
أولاً: إن حصول أي حدث أو كارثة في هذا الكون، إنما هو بقضاء الله وقدره، وبتسبب ومباشرة من بني آدم، قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" وقال لرسوله وحبيبه "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً" إن من أخص صفات المؤمن أن يشكر ربه في السراء، ويحمده في الضراء، وعند الشدائد تتبين قوة الإيمان أو ضعفه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" مسلم (2999) وإن كثيراً ممن مني بخسارة في ماله في هذه الأسهم، دخل السوق برأسمال قليل فنمى وكثر أضعافاً مضاعفة ولما حصل الانهيار في الأسهم، خسر ما سبق أن كسب، وبقي له رأسماله الأول وربما أزيد منه، ومع هذا يحسب نفسه ممن خسر، ولو كان عاقلاً لشكر ربه وعلم أنه قد ربح فحمد الله على ذلك حتى وإن خسر ماله كله فليحمد الله على أن المصيبة لم تكن أعظم، حيث لم تكن في صحته، أوحياته، أو في ولده وأهله، وقد جاء في الأثر (ما نزلت عقوبة إلا بذنب وما رفعت إلا بتوبة) أولا يذكر هذا وأمثاله نعمة الإسلام أولاً، والأمن ثانياً، والصحة والعافية ثالثاً "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" أولا يفقه هذا وأمثاله قول الله "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ(1/118)
أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" أفيرضى أن يكون ممن قال الله عنهم "وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ" ألا يتعظ بقوله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ".
ثانياً: إنني لأحسب أن مارآه الناس من الخسارة في الأموال بسوق الأسهم إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي الكثيرة كل بحسبه الدولة، والمجتمع، والفرد، ولا أظنني مبالغاً إذا قلت: إن في مقدمة هذه الذنوب التضييق على الجمعيات الخيرية، وإغلاق كثير منها، حيث حرم كثير من الناس خاصة خارج المملكة زمناً طويلاً من تعليم الجاهل، وإطعام الجائع، وعلاج المريض، وإغاثة الملهوف، وسد خلة المحتاج، مما يذكر ويشكر للحكومة والشعب مما دفع الله عنا بسببه فتناً ومحناً داخلية وخارجية كادت تأكل الأخضر واليابس ولكن الله سلم وفي الحديث "إن الرجل يحرم الرزق بالذنب يصيبه" صحيح ابن حبان (872) وفي الأثر (إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم) مسند أحمد (21779) وهل الخسارة في الأسهم إلا حرماناً وضيقاً في الرزق والمعاش؟ وهل ما يعيشه إخواننا المسلمون في كل مكان وفي فلسطين خاصة من الحصار والتضييق وما هم فيه من الحاجة والمسبغة ونحن ننظر إلى حالهم ولم نقم بنصرتهم، ألا يمكن أن يكون ما أصابنا من كارثة الأسهم بسبب ذلك؟ بلى والله.(1/119)
ثالثاً: من الأسباب -في نظري– الجهل بأنظمة السوق المالية لدى كثير من المضاربين صغاراً وكباراً، والقلة القليلة من أصحاب رؤوس الأموال استغلت جهل عامة المضاربين فأوقعتهم في الفخ ثم نجا أولئك (الهوامير) وتركوا الصغار ومن في حكمهم يبكون ويصرخون، وقد ركبتهم الديون والهموم والأمراض، بل وتنتظرهم السجون لعدم السداد!! ولا يمكن أن يبرأ هؤلاء الصغار من التبعة فقد ساعدوا على ذلك بأنفسهم، حيث باع كثير منهم بيته الذي يسكنه أو سيارته التي يستعملها ووضع قيمتها في الأسهم.
إن مثل هذا جنون وسفه لو قيل بالحجر على فاعله لكان حقاً.
رابعاً: التقصير الشديد من قبل هيئة سوق المال ومؤسسة النقد حيث لم تقوما بالتوعية لعامة للمساهمين في وسائل الإعلام عن حقيقة السوق وتقلباته ولم تضع الحلول المناسبة قبل وبعد نزول الأسهم.
وما نشر في الصحف - بعد وقوع الفأس في الرأس –لا يسمن ولا يغني من جوع، بل الأمر أعجب، إذ باستطاعة الجهة المالية المسؤولة أن توقف التداول بعض الوقت على الأقل لتقل الخسائر، أما أن تبقى تشاهد المؤشر يهبط والناس يصيحون ويبكون وتكتفي بالسكوت فالأمر عجيب جداً!!
خامساً: بل إن الشركات –الفردية- تتسابق في التحول إلى شركات مساهمة ويحدد أصحابها –بمباركة من وزارة التجارة قبل أن تثبت وجودها في السوق –عدد الأسهم المطروحة للتداول، واحتفاظ أصحاب الشركة بالنصيب الأكبر ووضع علاوة إصدار على السهم المطروح مغالى فيها كثيراً، وربما كانت الشركة لم تقم على أقدامها بعد.(1/120)
سادساً: إن البنوك كلها ضالعة وواقعة في الإثم، حيث تتنافس فيما بينها بتقديم الإغراءات والتسهيلات في الاقراض بفائدة (ربا)، أو بالتحايل لأخذ المال ببيع ما لا تملك وطلب أن يوكلها المقترض بشراء الأسهم وبيعها، كما يقوم كثير منها بالبيع والشراء لنفسه وهذا من بيع (العينة) المحرم الذي جعله الرسول –صلى الله عليه وسلم- سبباً لتسليط الذل والمهانة والخسارة لا يرفع الله ذلك عنهم حتى يراجع الناس دينهم فيتوبوا من ذلك.
ومن وسائل العلاج للخروج من هذه الكارثة:
أولاً: التوبة إلى الله والرجوع والعمل الجاد على رد المظالم إلى أهلها بالأساليب المشروعة والممكنة.
ثانياً: أن تقوم الدولة بشراء كمية من الأسهم وتحتفظ بها ثلاث سنين أو أكثر، حتى يستقر السوق فإذا استقر بدأت بإنزالها بالبيع بالتدرج لا سيما والدولة تملك النصيب الأكبر في الشركات الكبرى كسابك، وفروعها، والمصافي، والتعاونية ونحوها.
وقد ربحت الدولة أثناء طفرة الأسهم أضعاف رأسمالها، فلا أقل أن ترد ما كسبته ولو عن طريق التفضل والإحسان، وإن كان الواجب عليها أن تحل هذه المشكلة ممثلة بولي الأمر، والأجهزة المعنية بذلك.
ثالثاً: منع الشركات التي تطرح للاكتتاب من احتفاظها بالنصيب الأكبر من أسهمها، وطرح الأقل للناس مع علاوة إصدار بغير حق.
إذ سرعان ما تطرح للتداول فيقفز السهم إلى أرقام خيالية لا تتناسب مع قيمة السهم الاسمية أو الحقيقية، فالخاسر من ذلك هم صغار المساهمين، والرابح الأكبر هي الشركة مع أنها لم تباشر عملها الجديد بجدارة، والغريب في الأمر أن هذا الأمر لا يزال يجري حتى بعد انهيار السوق.(1/121)
رابعاً: بما أن البنوك ساهمت في إيجاد وتفاقم هذه المشكلة حين تسابقت بوضع الحوافز والتيسير للقروض بفائدة ربوية أو عن طريق (مسألة التورق)، أو البيع بالتقسيط فيتعين عليها أو تلزم بدفع مبالغ تتناسب مع ما كسبته من الضعفاء، والمساكين، ويتعين على الدولة إلزامها بتمديد مدة السداد لها من أولئك المدينين وأرى أن يوجه ولي الأمر بعدم سجن من لم يستطع السداد لهذه البنوك ونحوها في قضية الأسهم خاصة، حتى يأذن الله وتنكشف الغمة إن شاء الله.
خامساً: محاسبة كل المتسببين في كارثة الأسهم هذه، وتغريمهم الغرامة الرادعة لقاء ما أجرموه في حق الأمة، وذلك بمصادرة أموالهم التي اكتسبوها من فعلتهم الشنيعة هذه ولا يبقى لهم إلا رؤوس أموالهم الأصلية التي دخلوا بها سوق الأسهم ابتداء.
سادساً: وضع صندوق مالي تجمع فيه هذه الأموال ونحوها من المحسنين ثم توزع على صغار المتضررين بنسبة ما لحقهم من ضرر. وفق الله الجميع إلى كل خير آمين.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7271
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - سوق المال , وصورة طبق الأصل !
سوق المال , وصورة طبق الأصل !
د. يوسف بن أحمد القاسم
………
18/4/1427
16/05/2006
كم هي القرارات والتوصيات التي تصدرها المجامع الفقهية الموقرة , والتي يوقع عليها عدد كبير من علمائنا الأفاضل من شتى البلاد الإسلامية , ويشارك فيها العديد من الباحثين , والخبراء في التخصصات المختلفة, ومع هذا كله يطويها النسيان , وتحفظ في ملف الحفظ , ويوقع عليها بلسان الحال بالعبارة المألوفة:(للحفظ مع التحية!!) ثم توضع في الرف السيء الصيت ! فتذهب كثير من تلك القرارات والتوصيات أدراج الرياح , وكأن شيئاً لم يكن !(1/122)
وهذا التجاهل من الجهات ذات الاختصاص هو في الحقيقة خطيئة من الخطايا, وهو إن كان صغيرة من الصغائر , فإنه مع الإصرار يصبح كبيرة , ويعكس حجم اللامبالاة تجاه ما تتخذه تلك المجامع العلمية من قرارات , وربما لو كانت في بلاد غربية لكان لها شأن آخر .
ومن تلك القرارات التي طواها النسيان : القرار الصادر من مجمع الفقه الإسلامي بشأن الأسواق المالية, رقم(59), وتاريخ(17-23 /8 /1410هـ) في البند الثاني منه , ونصه:( إن هذه الأسواق المالية- مع الحاجة إلى أصل فكرتها- هي في حالتها الراهنة ليست النموذج المحقق لأهداف تنمية المال واستثماره من الوجهة الإسلامية . وهذا الوضع يتطلب بذل جهود علمية مشتركة من الفقهاء والاقتصاديين لمراجعة ما تقوم عليه من أنظمة , وما تعتمده من آليات وأدوات , وتعديل ما ينبغي تعديله في ضوء مقررات الشريعة الإسلامية ) أهـ . وقبل ذلك أوصى مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم(38) وتاريخ(18-23/6/1408هـ) بعدة توصيات,منها:( إقامة اقتصاد إسلامي, لا شرقي ولا غربي , بل اقتصاد إسلامي خالص , مع إقامة سوق إسلامية مشتركة ....) أهـ .
لقد أدرك علماؤنا الأفاضل بأن أسواقنا المالية لا تفي بمتطلباتنا,ولا تتفق مع قيمنا الإسلامية ؛ لأنها في أصلها نموذج غربي قائم على مفهوم الربا والقمار,ولهذا لا يصح أن نقوم بعملية استنساخ لذلك النموذج الغربي , دون إعادة هيكلته , وتعديل أنظمته بما يتفق مع شريعتنا الغراء , والمشكلة أننا نحن العرب والمسلمين قد تعودنا على عدم الخروج عن مسار ونمط الأجنبي , حتى أصبحنا صورة طبق الأصل له في كثير من سلوكنا.
وتعاملاتنا , ولو كان ذاك الأجنبي لا يتفق مع مبادئنا وقيمنا , ولهذا صدق فينا قول نبينا صلى الله عليه وسلم :" حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه!" وما أضيق جحر الضب , وما أوحشه و أوعر مسالكه !!(1/123)
ومتى يأتي اليوم الذي نؤمن فيه بثرواتنا ومقدراتنا , بل وبعقولنا , حتى نكف عن مد يد السؤال , فلا نشحذ من غيرنا النظم المالية والاقتصادية , كما نشحذ منهم الخردوات , وأدوات الزينة !
ولم لا نعيد النظر في واقع أسواقنا, ونرجع البصر كرتين في أنظمتها وقوانينها , فنعيد صياغتها بما يزيل عنها المشتبهات من المكاسب , وبما يحصنها من وقوع مثل هذه الانهيارات المالية التي عصفت باقتصادنا, وبمدخرات من هم من جلدتنا, والتي سرعان ما تلاشت في أيام , وربما في ساعات , حتى رجع أكثر من مليوني مواطن بخفي حنين .(1/124)
وكم هي الأسواق التي انهارت بين عشية وضحاها في طول العالم وعرضه , وأبلغ شاهد على هذا, ما وقع في الأسواق المالية لدول النمور الآسيوية , حيث أدى حمى المضاربات إلى انهيار البورصة , وقد تولى كبرها الملياردير جورج سورس , الذي قام بعملية بيع جماعي لاستثماراته مما ترتب عليه انخفاض حاد في قيمة الأصول , ثم عاد واشترى في اليوم التالي بالسعر المنخفض , فتحسنت الأسعار , ثم قام بعملية بيع أخرى , مما ترتب عليه تأكيد الانهيار , حتى قال رئيس وزراء ماليزيا مقولته الشهيرة:" أصبحنا فقراء بفعل المضاربة في العملات , أخذت منا ما يقارب (60%) من ثروتنا الوطنية ! " وهكذا سائر أسواق الأسهم والمال , يكون مصيرها,بل ومصير اقتصاد الدولة أحياناً,مرهوناً بنظام لا يدعم الاستثمار بقدر ما يزيد من حمى المضاربات الآثمة التي يمارسها مصاصو الأموال والدماء , ممن يملكون الأموال الطائلة, ويفتقدون أدنى مقومات الأخلاق الفاضلة, وقد شهد شاهد من أهلها, حين صرح مدير الصندوق الدولي عقب أزمة سوق المكسيك عام (1995م) فقال وهو يعالج هذه الأزمة:" العالم في قبضة هؤلاء الصبيان" مشيراً إلى المضاربين, وذكر بأنهم صبيان لصغر سنهم في الغالب ! وهذا هو عين ما وقع في سوقنا المحلية , حيث أصبح السوق في قبضة أصحاب الأموال الطائلة , والضحية مليونان أو أكثر ! فهل يوثق في سوق يتحكم فيه أفراد , ويكون الضحايا فيه بالملايين ؟! وهل يقر شرعنا الحنيف الذي جاء بدرء المفاسد الراجحة وبسد الذرائع مثل هذا النوع من الأسواق الذي أثبت الواقع بأنها لا تستطيع السيطرة على مجموعة من التعاملات المحرمة , كبيع الغرر, و النجش , وغيرهما ؟(1/125)
وإذا كانت شريعتنا الإسلامية السمحة قد منعت بعض البيوع التي لا يطال ضررها إلا شخص البائع أو المشتري فقط , كبيع حبل الحبلة , وبيع الحمل في البطن , واللبن في الضرع , وبيع ما لا يقدر على تسليمه , كالآبق والشارد , وبيع الرجل على بيع أخيه , والسوم على سومه , إذا كانت هذه البيوع ونحوها قد حرمها الشارع,ومنع منها, مع أن أثرها لا يتعدى شخص البائع أو المشتري , فما الظن إذاً بسوق يعصف بالملايين في غمضة عين , ولهذا ينبغي أن تفعّل قرارات المجامع العلمية بإنشاء سوق لا يتحكم فيه أفراد , ويكون الهدف منه دعم الاستثمار والاقتصاد على مستوى الفرد والدولة, ووضع الضمانات الكافية لمنع أسلوب حمى المضاربات التي ما إن تطل برأسها في سوق ما إلا ويكون نذيراً بانهيارها , وأن يؤخذ ببعض المقترحات التي من شأنها أن تدفع الشركات نحو الاستثمار , لا أن تدفعها باتجاه المضاربات التي لا تسمن ولا تغني من جوع , ومن تلك المقترحات الجديرة بالنظر , والتي ذكرها أحد خبراء الاقتصاد ( في مجلة اقتصاديات في عددها الرابع والعشرين)وهي كفيلة-بإذن الله- بتنشيط الاستثمار,وعلاج حمى المضاربات :
1- أن يتم تحديد سعر السهم على أساس القيمة الدفترية للسهم مضافاً إليها نسبة مئوية على القيمة الدفترية للسهم , وتحدد هذه النسبة وفقاً لمؤشرات ربحية الشركة في الماضي والحاضر , وتتغير هذه النسبة كل أربعة أشهر , وفقاً للبيانات والمعلومات عن الشركة نفسها وعن القطاع الاقتصادي الذي تنتمي إليه هذه الشركة, وتتولى هيئة السوق المالي تحديد هذه النسبة .
2- أن يتم تحديد مدة زمنية بين حركة البيع والشراء , بحيث يمنع بيع السهم إلا بعد مرور هذه الفترة لمنع (حمى) المضاربة في الأسهم , ومن أجل العمل على استقرار السوق المالي .(1/126)
وبهذه المقترحات ونحوها , تسعى جميع الشركات المساهمة إلى تفعيل استثماراتها ودفعها نحو الأمام , ونقطع الطريق على العبث بالأموال في مضاربات وهمية تدفع بالناس نحو الانهيار والإفلاس .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7334
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - القواعد العشر في فقه الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر
القواعد العشر في فقه الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر
د. أحمد بن سعد بن غرم الغامدي
………
2/5/1427
29/05/2006
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد:
فهذه قواعد في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رجوت أن يستفيد منها من يراها من إخواني المسلمين، لا سيما الشباب والشابات منهم لما ألمسه فيهم من تتيم بهذه الشعيرة المباركة .
والحديث لا يدور هنا عن فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا عن أدلة وجوبه، وما شابه ذلك، وإنما هي قواعد كلية تكون بمثابة المنارات في طريق الحسبة.
والله تعالى أسأل أن ينفع بها، وأن يجعلها عملا خالصاً لوجهه الكريم.
القاعدة الأولى : إن المعروف ما عرف في الشرع والعقل حسنه، والمنكر خلافه، فلا خلاف بين نص صحيح صريح، وعقل سليم صحيح ، فالقياس الفاسد، والإستحسان الباطل لا يقررهما.
القاعدة الثانية: إن الآمر والناهي هو الشارع الحكيم، وغيره آمر وناهي، ومأمور ومنهي منه، خلافاً لأرباب البدع.
القاعدة الثالثة: إن الأصل في الحسبة تعبيد الخلق لله تعالى، وامتثال الأمر، وتحصيل الأجر، ودرء المفاسد، وجلب المصالح، فحظوظ النفس سراديب الشرك.
القاعدة الرابعة: ليس من شأننا التنقيب عن المنكر الخفي، فالمتضرر صاحبه.(1/127)
القاعدة الخامسة: إنه ليس مراد الشارع الأمر والنهي المجردين فقط، بل إيقاع المأمور به، والمنهي عنه، من أهله على أهله، مع مراعاة الحال، والمقال، والزمان، والمكان . فمن حمل الناس على أمر واحد تعب وأتعب.
القاعدة السادسة: إن الآمر والناهي: إما عالم وأمر بالحكمة، فأصاب مقاصد الشريعة، أو بغيرها فمفسدته راجحة، ومثل الأ خير الجاهل المخطئ، ولا يكون جهله إلا مركباً.
فالأول لله هو كم من نائم أيقضه، وشارد رده، وعابد بصره، وفتنة دهماء صدها.
ومن أمر بغير حكمة من أهل العلم، فقد صد عن سبيل الله تعالى، ووقف على أبواب الهدايه، فنفر, وأجلب العداوة بخيلها ورجلها.
والجاهل فيما جهله ليس من أهل الأمر والنهي، لافتقاره إليه، فإن احتسب، فحاصل احتسابه مفسدة محققة، تدور بين صغرى البدع وكبراها، وفي أهل التصوف والتشيع عبر.
القاعدة السابعة: المأمور إما عالم، وما جاهل، مستجيب أو مكابر، فالمستجيب محمود في الدنيا والآخرة، والمكابر يلزم بالحق من السلطان أو نائبه انتهاء .
القاعدة الثامنة: إن المأمور به لا يخرج عن حق أو باطل، أو فيه حق وباطل، أو موهم، فالحق مقبول مع شكر قائله، والباطل مردود في ألطف عبارة، مع حمل قائله على إرادة الإصلاح، وما فيه حق وباطل يقبل الحق، ويرد الباطل كما سبق، والموهم نتوقف ونستفصل عن المراد منه، فإن كان حقاً قبل، وإن كان باطلاً رد، ومن ظهر بطلان احتسابه احتسبنا عليه بمقاصد الشريعة، والجاهل يسأل أهل العلم.
القاعدة التاسعة: الحرص على طلاقة الوجه، و مجانبة اليأس في إصلاح الناس، والرفق واللين في الاحتساب عليهم، واعتقاد إرادة الصلاح منهم، وحرصهم على الامتثال فوراً، وتوطين النفس على قبول أعذارهم، ومحبتهم والدعاء لهم .
القاعدة العاشرة: إذكاء روح الحسبة في قلوب الناس، بالوسائل المشروعة، من غير غلو ولا تفريط.(1/128)
هذا ما أردت وقد شرحت هذه القواعد في رسالة بعنوان: (القواعد والأصول في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). عسى أن تنشر قريباً.
وفق الله الجميع والحمد لله أولاً وأخراً، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
202-7343
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - الجوامع - لا تصح عن الشيخ ابن عثيمين
لا تصح عن الشيخ ابن عثيمين
د. عمر بن عبد الله المقبل
………
3/5/1427
30/05/2006
انتشرت عبر رسائل الجوال رسالة منسوبة لشيخنا محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - هذا نصها:
" سئل شيخنا ابن عثيمين – رحمه الله – عن أفضل الدعاء؟.
فقال: اسألوه الأنس بقربه فمن آنسه بقربه أعطاه أربع : (عز من غير عشيرة ، وعلم من غير طلب ، وغنى من غير مال ، وأنس من غير جماعة). أغنانا الله بالأنس به عما سواه ".
ولما كثر تداولها بين الناس، والتساؤل عنها من بعض الإخوة أحببت التنبيه على ذلك فأقول:
إن نسبة هذه الرسالة إلى شيخنا محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - لا تصح، ولقد أنكرت هذا أول ما وصلتني الرسالة، وزيادة في التثبت سألت من هم أكثر مني ملازمة لشيخنا رحمه الله فوافق الخُبْر الخبَر، ولا أعلم أن هذا النص يوجد في شيء من كتبه وأشرطته الصوتية، ولا أعرف أحدًا يوثق به ينسبها له – رحمه الله -.
وكل من لازم شيخنا فترة من الزمن، وثنى ركبته متعلما عنده، وعرف منهجه في العلم والعمل – كما شرفني الله بذلك – أدرك شديد عناية الشيخ بالأدعية الواردة في الكتاب والسنة، وحرصه عليها، وحث الناس على التزامها، وكراهته الخروج عن الأدعية الواردة في الكتاب والسنة.
وبهذه المناسبة، أوصي إخواني المسلمين بوجوب التثبت فيما ينسب إلى آحاد الناس، فضلا عن علمائهم وأئمتهم الذين يقتدى بقولهم وفعلهم، فإن الكذب عليهم أشد وأعظم، والله الموفق.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
1108
…
…(1/129)
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - تعقيب على فتوى"العامي الذي تربى على عقيدة فاسدة"
تعقيب على فتوى"العامي الذي تربى على عقيدة فاسدة"
د. أحمد بن سعد الغامدي
………
14/4/1423
25/06/2002
ورد إلى بريد الموقع تعقيب حول فتوى بعنوان الحكم في العامي إذا تربّى على عقيدة فاسدة لفضيلة الشيخ أحمد بن سعد الغامدي والتي تفيد بأن العامي الذي تربى على عقيدة فاسدة ولم يجد من يصحح له عقيدته أنه لا مؤاخذة عليه، وقد عرضنا هذا التعقيب على فضيلته فتكرم بالتوضيح والبيان...
التعقيب:(1/130)
أحب أن أنبه والنصيحة عامة للمسلمين، أن الفتاوى التي تصدر يجب أن تكون محكمة وفق الدليل من الكتاب والسنة، وإلا كل قول مخالف للكتاب أو السنة فهو مردود ولا عبرة في المخالف وتبياني لسؤالي المطروح أو المذكور وهو إنسان عامي نشأ وتربى على العقيدة الفاسدة من الصغر حتى نشأ وأصبح ينكر المعتقد الصحيح، ويرى أنه على حق وغيره على الباطل، وخصوصاً في أمور العقائد من الشرك والكفر، وأنتم أجبتم على سؤاله أنه معذور في التلبيس الذي نشأ عليه من الصغر، وهذا مخالف لكلام الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإجماع أهل العلم، حيث لا عذر فيمن تلبس في الكفر والشرك، وهو يظن أنه على هدى، أو يحسب أنه مهتدٍ؛ لأنه لا عذر في المسائل التي تعلم من الدين بالضرورة، والتي هي من أصل الدين وقاعدته، والله –سبحانه- شدد في مسائل العقائد، ولن يعذر الله –سبحانه- من تلبس في الكفر أو الشرك وهو جاهل نص القرآن، والآيات الكثيرة، أما العذر في المسائل الخفية فجائز إذا كان لا توجد مظنة العلم أو كان في بادية أو كان حديث عهد بالإسلام، والله –سبحانه- أخذ الميثاق على العباد وهم كانوا ذراً من قبل الخلق على أن لا يشركوا به، قال –تعالى-: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" [الأعراف:172-173]، أي: لن يعذر الله –تعالى- أحداً التبس عليه في الشرك حتى لو كانوا صغاراً، أو تلبس عليهم، وأثبت لهم الوعيد وعدم العذر، وهذه الآية تخص حتى قبل البعثة على أنه من فعل الشرك هو مشرك، وعلى أن من ترك الشرك ولم يعبد الله لعدم وصول النذير(1/131)
فهو مسلم مالم يمسخ فطرته بفعل الشرك، أما الآية التي هي:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"[الإسراء: 15]، فتخص بالشرائع التي تكون بعد البعثة من الأمور المفصلة وليس فعل الشرك والكفر، أي: أن الله لا يعذب أحداً على ترك الشريعة من العباد إلا بعد وصول النذير أو الرسول إليه وأعرض أو لم يقبل، ولم تخص هذه الآية عذر من فعل الشرك والكفر؛ لأن الله قال في آية الميثاق أنه لا عذر في فعل الشرك وإن كانوا ذرية وأثبت لهم العذاب، فيعلم أن آية:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" [الاسراء: 15]، تخص، إذاً الشرائع، أي: الأمور المفصلة من فعل العبادات، وسائر شرائع الإسلام من غير فعل الشرك؛ لأن وظيفة الرسل تبليغ أمور الشريعة بالإجمال والتفصيل، ولكن الله فرق بآية الميثاق على من تلبس بالشرك، فأرجو النظر في تلك المسألة، -وجزاكم الله خيراً-، وهذا الكلام يرجحه الشيخ الشاطبي، والشيخ محمد عبدالوهاب، والشيخ محمد بن إبراهيم، وسائر أئمة الدعوة الداعين إلى التوحيد –رحمهم الله تعالى-.
*****
التوضيح:
اشتمل الاعتراض على عدة مسائل نذكر خمساً منها، ثم نذكر جوابها -إن شاء الله تعالى-، والمسائل، هي:
1-وجوب إحكام الفتوى.
2-الإشارة بأن كل قول يخالف الكتاب والسنة فهو مردود.
3-أن الفتوى مخالفة للكتاب والسنة والإجماع.
4-أن لا عذر لمن تلبس بالشرك والكفر بنص القرآن.
5-تفسير آية عدم المؤاخذة بأن المراد به في الشرائع.
هذه هي أهم المسائل التي اشتمل عليها اعتراض المعترض، والإجابة على هذا الاعتراض من عدة أوجه:
الوجه الأول: زيادة إيضاح الفتوى بذكر أقوال المفسرين وبعض علماء الأمة لبيان أن الفتوى اعتمدت على كتاب الله -عز وجل- ولم تخرج عنه فهم علماء الأمة،(1/132)
قال –تعالى-:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" [الإسراء: 15] قال قتادة: "إن الله -تبارك وتعالى- ليس يعذب أحداً حتى يسبق إليه من الله خبر"، [تفسير الطبري 15/54].
وقال الطبري: "يقول الله –تعالى ذكره-: وما كنا مهلكي قوماً إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم" [المصدر السابق].
قال ابن تيمية –رحمه الله- بعد أن قرر أن معرفة الخالق فطرية، وأن تلك المعرفة حجة عليهم يوم القيامة، ولكنه –عز وجل- لا يعاقبهم إلا إذا خالفوا الرسل، فقال –رحمه الله- بعد أن أورد هذه الآية السابقة، وعقب عليها ببعض الكلام: "ثم إن الله بكمال رحمته وإحسانه لا يعذب أحداً إلا بعد إرسال رسول إليهم وإن كانوا فاعلين لما يستحقون به الذم والعقاب، كما كان مشركو العرب وغيرهم ممن بعث إليهم رسول فاعلين للسيئات والقبائح التي هي سبب الذم والعتاب، والرب –تعالى- مع هذا لم يكن معذباً لهم حتى يبعث إليهم رسولاً" [درء التعارض8/491-492].
وقال ابن كثير: " إخبار عن عدله –تعالى- وأنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه كقوله تعالى: "كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير؟ قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير" [الملك:8-10]، وكذا قوله: " وسيق الذي كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين" [الزمر:71]، إلى أن قال –رحمه الله- إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله –تعالى- لا يدخل أحداً النار إلا بعد إرسال الرسل إليه" [تفسير ابن كثير3/28]
فهذه العبارات كلها تؤكد أن العذاب لا يكون إلا بعد إرسال الرسل.
وابن القيم له بحث طويل نجتزيء ما يخص موضوعنا هنا:(1/133)
قال –رحمه الله- بعد تقسيم الكفار: "نتأمل هذا الموضع والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل...ثم ذكر أربعة أصول في المسألة الأولى: أحدهما أن الله –سبحانه- لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة كما قال –تعالى-: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" (سبق تخريجها)، إلى أن قال: "وهذا كثير في القرآن يخبر أنه إنما يعذب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة وهو المذنب الذي يعترف بذنبه.
وقال تعالى: "وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين"[ الزخرف/76].
والظالم من عرف ما جاء به الرسول أو تمكن من معرفته ثم خالفه وأعرض عنه.
وأما من لم يكن عنده من الرسول خبر أصلاً ولا تمكن من معرفته بوجه وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟!
الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها.
الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها.
فالأول: كفر إعراض
والثاني: كفر عناد.
وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل، (طريق الهجرتين 727-729).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى الشريف: "وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي هو قبة عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فتاوى ومسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب/صـ11/آخر القسم الثالث.
وقال الشيخ الشنقيطي بعد إيراد الآية السابقة: "ظاهر هذه الآية الكريمة أن الله -جل وعلا- لا يعذب أحداً من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة حتى يبعث إليه رسولاً ينذره ويحذره فيعصى ذلك الرسول ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار.
ثم ذكر –رحمه الله- اختلاف العلماء في هذه المسألة ثم قال: "الظاهر أولاً هو أنهم معذورون بالفترة في الدنيا وأن الله يوم القيامة يمتحنهم..."، (أضواء البيان/3/429).(1/134)
الوجه الثاني: الإجابة على المسائل التي أوردها المعترض.
1-قوله: الفتوى التي تصدر يجب أن تكون محكمة وفق الدليل من الكتاب والسنة.
بعد عرض زيادة الإيضاح أظن أنه تبين أن الفتوى محكمة وأنها وفق الكتاب والسنة وتقرير علماء الأمة.
2-قوله: كل قول مخالف لكتاب الله –عز وجل- أو للسنة فهو مردود ولا عبرة في المخالف.
كلام صحيح ولكن لا ينطبق على الفتوى كما رأينا.
3-قوله عن الفتوى إنها: مخالفة لكلام الله والسنة وإجماع أهل العلم.
أهذا الحكم يليق بطالب العلم أن يطلقه جزافا؟ فيزعم أن الفتوى مخالفة لكتاب الله وقد رأى أيضاً الآيات التي تدل على صحتها؟
ثم يزعم أنها مخالفة لإجماع أهل العلم!!
أيليق بطالب علم يفهم ما يقول أن يطلق هذا الحكم وقد رأينا أن علماء أجلاء قرروها واعتمدوها؟!
4-قوله: لن يعذر أحد من تلبس في الشرك..، قال بعد آية الميثاق.
والرد عليه قاله الشيخ الشنقيطي فقد أورد –رحمه الله- قوليه في الآية ورجح أن الحجة لا تقام إلا ببعثة الرسل فقال: "والآيات القرآنية مصرحة بكثرة بأن الله –تعالى- لا يعذب أحداً حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل" ثم استرسل بذكر الآيات الدالة على هذا المعنى.
5-قوله أن: الآية التي هي: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" (سبق تخريجها) –ذكر أنها- تخص الشرائع التي تكون بعد البعثة من الأمور المفصلة وليس الشرك والكفر.
فهذا قول لم أجد أحداً قال به.
وأخيراً أنصح هذا الأخ أن لا يتعجل في إطلاق الأحكام وأن يراجع كلامه وليعلم أن الرجوع إلى الحق فضيلة والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
1213
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - تعقيب على فتوى "شراء البيوت بالقرض الربوي"
تعقيب على فتوى "شراء البيوت بالقرض الربوي"
د. سامي بن إبراهيم السويلم
………
22/5/1423
01/08/2002(1/135)
كثيرة هي الفتاوى التي تردنا عن موضوع شراء البيوت عن طريق القرض الربوي حيث انتشر هذا الأمر في بعض البلدان ، ولأهمية هذا الموضوع فقد نشرنا في وقت سابق فتوى بعنوان شراء البيوت بالقرض الربوي لفضيلة الشيخ الدكتور سامي السويلم والتي تقضي بتحريم هذا النوع من المعاملات،،
إلا أنه وردنا تعقيب على هذه الفتوى من أحد زوار النافذة ، وقد عرض هذا التعقيب على فضيلة الشيخ فتكرم بالتوضيح والبيان...
التعقيب:
أود أن أبدي بعض الملاحظات حول فتوى حرمة الاقتراض من البنوك لأجل شراء البيوت ، وهي ملاحظات تلجلجت في صدري كثيرا ، وكنت أتساءل بداية قائلا من المعلوم أن التمر بالتمر يجري فيه الربا ، ولا بد له من شرطين الأول التقابض ، والمثلية ، ومع أن الربا ذنبه عظيم وخطره جسيم ، إلا أن نجد في الشريعة إباحة بيع العرايا وحقيقته أنه ربا ، أبيح لحاجة الناس إلى التفكه بالرطب ، وهذا حكم معروف لديكم ، فقلت في نفسي متسائلا النبي صلى الله عليه يبيح الربا لحاجة يمكن أن يقال إنها نوع من الترفيه ، فكيف بنا اليوم نحرم الاقتراض بفائدة من أجل شراء بيت ومعلوم أن البيت بالنسبة للإنسان الواجد لمن يؤجره من الحاجات العظيمة ، هذا من جانب من جانب آخر وجدت العلماء قد اتفقوا على الضرورات تبيح المحظورات وصحيح أن شراء البيوت ليس من الضرورات لكنهم في المقابل أيضاً قالوا إن الحاجة تنزل منزلة الضرورة ، هذا بعض ما تلجلج في نفسي حيال هذه القضية وثمة أمر أود لو استجاب له وهو التخلي عن الخلط بين لغتي الوعظ والفتوى ، حتى تحرر المسألة تحريرا علميا أما أن يقول المفتي إن هذه المسألة لاتحتاج إلى فتوى ولا سيما أنه قد أفتى بها علماء آخرون هو نوع من المصادرة التي لا تنبغي وشكرا وجزاكم الله خيرا.
*****
التوضيح:(1/136)
1. أما مسألة العرايا فهي أولاً مقيدة بما دون خمسة أوسق، وثانياً هي استثناء من ربا الفضل وليس من ربا النسيئة. وبحسب اطلاعنا لم ينقل في السنة أي استثناء من ربا النسيئة في الأموال الربوية، وهي المنصوص عليها في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مسلم(1587). إذا تقرر ذلك فربا الفضل حرم لحكم متعددة، منها كونه ذريعة لربا النسيئة، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله. وما حرم سداً للذريعة أبيح للحاجة. يقول ابن القيم رحمه الله: "وما أبيح سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب ..." (إعلام الموقعين 2/161).
أما ربا النسيئة فهو محرم تحريم المقاصد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الربا في النسيئة" رواه البخاري(2179)،مسلم(1596) واللفظ له. فلا يصح قياس ما حرم تحريم المقاصد على ما حرم تحريم الوسائل، لأنه قياس مع الفارق المؤثر.
ولو أبيح ربا النسيئة لشراء البيوت، ما الذي يمنع إباحته لشراء السيارات، وهي أيضاً في حق كثيرين من الناس حاجة تنزل منزلة الضرورة، وما الذي يمنع إباحته للزواج ابتداء، وهو أهم من المنزل ومن السيارة؟ وما الذي يمنع إباحته لتمويل التنمية وإنشاء المرافق الضرورية كالكهرباء والماء والهاتف وبناء المدن، وهي حاجة عامة أولى بأن تنزل منزلة الضرورة من الحاجة الخاصة؟ ثم لا تزال الحاجات تتوالى، ولا يوجد مرجع للناس يحدد ما هي الحاجة المستثناة من غير المستثناة، والنتيجة في نهاية الأمر هي استفحال الربا في الاقتصاد، وتفاقم الفوائد عليه، حتى تصبح ثروات المجتمع رهناً للمرابين على حساب الأجيال القادمة، وحتى يصبح الأصل في الربا الحل وليس المنع.(1/137)
2. وأما ما اعتبره الأخ الكريم خلطاً بين الوعظ والفتوى، فهذه هي طريقة القرآن. فإذا تتبعت القرآن، وجدت فتاواه تجمع بين بيان الحكم وبين الوعظ. قال تعالى: "يسألونك عن الأهلة. قل هي مواقيت للناس والحج. وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون"[البقرة:189]. وقال تعالى: "يسألونك عن المحيض. قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين"[البقرة:222، 223]. فهذه فتاوى اقترنت بالأمر بالتقوى والاستعداد للآخرة، وهذا من الوعظ الذي أمر الله به.
وأما في موضوع الربا، فآيات الربا هي التي حذرت من الحرب على الله ورسوله لبيان شدة حرمة هذا الأمر. فهي جمعت بين بيان الحكم وبين التخويف والتهديد.
3. أما اعتراض الأخ الكريم على عبارة "لا تحتاج إلى فتوى" وأنها نوع من المصادرة لفتاوى علماء آخرين، فلا ريب أن حرمة الربا مما لا يحتاج إلى فتوى مع النصوص الصريحة الصحيحة الجلية وإجماع الأمة عليها، إلا إذا كان المقصود هو بيان معاني هذه النصوص والتأكيد عليها. وأما فتوى بعض أهل العلم بجواز الاقتراض بربا لشراء المنازل لمن يقيم في الغرب، فقد أشير إلى أن ذلك محمول على حال الاضطرار. فالفتاوى ليست متعلقة بحكم الربا، بل الأمة مجمعة على حرمته، ومن يقول الربا حلال فقد خالف المعلوم من الدين بالضرورة، لكنها متعلقة بحالات خاصة قد يرى المفتي أنها من الضرورة التي تبيح المحرمات، ويرى غيره خلاف ذلك. لكن الأصل متفق عليه بين الجميع.
والله تعالى أعلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
1477
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - صالون الحلاقة في البلد الكافر(1/138)
صالون الحلاقة في البلد الكافر
د. حمدبن إبراهيم الحيدري
………
18/8/1423
24/10/2002
ورد إلى بريد النافذة سؤال عن حكم فتح محل للحلاقة مع ما يتضمنه من حلق للَّحى، وعمل لبعض القصات الأجنبية، وهل الكسب الحاصل من هذا المحل حلال أم حرام؟!
فكانت إجابة الشيخ/ د. حمد الحيدري تقضي بتحريم هذا الفعل، وتحريم الكسب الحاصل منه.
إلا أنه ورد سؤال من أحد الزوار عن حكم فتح محل بالصورة المذكورة، ولكن في بلد كافر فعرضنا السؤال على فضيلته فقال:
الذي يظهر من النصوص والله تعالى أعلم حُرمة ذلك، أيضاً يدل على ذلك ما في الصحيح عن ابن عباس قال: إن رجلاً أهدى لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – راوية خمر، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "هل علمت أن الله حرمها؟" قال: لا، فسار إنساناً، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "بم ساررته؟"، فقال: أمرته ببيعها، فقال: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها". قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها. رواه مسلم (1579)، والنسائي (4664) وأحمد (2041)، و (2978) و(3373) وغيرهم، واللفظ لمسلم.(1/139)
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لعن الله اليهود ثلاثاً إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه" رواه أبو داود (3488)، وأحمد (2221)، وابن حبان (4938) فهذا يدل على حرمة ثمنها وبيعها على المسلم وعلى غيره يؤيده أن أبا طلحة سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن أيتام ورثوا خمراً قال أهرقها قال أفلا أجعلها خلا، قال لا "رواه أبو داود (3675)، وأحمد (12189)، وأصله في مسلم (1983)، ولو كان بيعها لغير المسلمين مباحاً لوجهه ببيعها لليهود مثلاً حفظاً لمال الأيتام الذين أمر القرآن بحفظ أموالهم، ولكن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم أخذ ثمنه، وأخذ الأجرة عليه من أي شخص مسلماً كان أو كافراً فكذلك هنا يقال: إن الله تعالى حرم حلق اللحى وحرم التشبه بالمشركين فيحرم أخذ الأجرة عليه مطلقاً، وفي الحلال مندوحة عن الحرام وعن المشتبهات، والله تعالى أعلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
1680
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - بزناس والتسويق الهرمي عوداً على بدء
بزناس والتسويق الهرمي عوداً على بدء
………
17/11/1425
29/12/2004
سبق نشر فتوى للدكتور / سامي بن إبراهيم السويلم حول نشاط شركة بزناس والتسويق الهرمي وقد وردت إلينا رسالة تعقيبية من الأخ/ إبراهيم الكلثم تناقش هذا الرأي وقد عرضناها على الشيخ الدكتور / سامي السويلم وفضيلة المشرف العام على الموقع الشيخ/ سلمان بن فهد العودة للتعقيب عليها.
وها نحن ننشر رسالة الأخ إبراهيم الكلثم والتعقيبات حولها شاكرين للجميع تعاونهم، مع يقيننا أن الحوار العلمي حول القضية هو السبيل الأمثل لاتضاح الرأي والوصول إلى الرؤية الواضحة المكتملة.
رسالة إبراهيم الكلثم:
فضيلة الشيخ ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...وبعد :
فأود منك أن تبدي رأيك في هذه المسألة وتوجيهي إذا كنت مخطئا(1/140)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد : فإن سبب الخلاف في شركة بيزناس هو عدم التصور الكامل لها والحكم على الشيء فرع عن تصوره, وقد اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول: التوقف.
القول الثاني: التحريم.
القول الثالث: الجواز إذا كان إحضار الزبائن غير مشروط
الذين قالوا بالتوقف توقفوا لما فيها من التعقيد والغموض .
حجة أصحاب القول الثاني الذين قالوا بالتحريم :
(1) أنه أكل للمال بالباطل لأن هذا النوع من البرامج لا يمكن أن ينمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، سواء توقف النمو أم لم يتوقف. فالخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال، وبدونها لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا. والخاسرون هم الأغلبية الساحقة كما سبق، والرابحون هم القلة , أي أن القلة كسبوا مال الأكثرية بدون حق، وهذا أكل المال بالباطل.
(2) قياسها بالدولار الصاروخي، الذي أفتى عدد كثير من لجان الفتوى بأنه مقامرة محرمة.
ووجه الشبه بين الاثنين:
أ. أن العضو لا يحصل على أي عمولة قبل الشهر الثالث، أي أنه لا بد من نمو الهرم تحته بثلاثة مستويات قبل أن يحصل على العمولة .
ب. وأن الأكثرية تخسر لكي تربح الأقلية. ففيها تدليس وتغرير وبيع للوهم للجمهور لمصلحة القلة أصحاب الشركة.
ج. أي أن نحو 94% من أعضاء البرنامج خاسرون، بينما 6% فقط هم الرابحون.
فالخسارة لازمة لنمو الهرم ولا يمكن في أي لحظة من اللحظات أن يصبح الجميع رابحاً بحال من الأحوال.
وأما بالنسبة للمنتجات:
فقالوا أن السلعة في هذه البرامج هي مجرد ستار وذريعة للبرامج الممنوعة، إذ النتيجة واحدة, وأن الهدف هو التسويق لما لجأ الأعضاء إلى إغراء الجدد بعمولات التسويق؛ ولذلك لا يمكن أن يسوّق العضو هذه المنتجات دون ذكر عمولات التسويق .(1/141)
وأن هذه المنتجات، مهما كانت فائدتها، لا يمكن أن تحقق للمشتري منافع تتجاوز في قيمتها تلك العمولات الخيالية الناتجة من التسويق. والعبرة، كما هو مقرر شرعاً، بالغالب. فقصد العمولات هو الغالب على قصد المنتجات، فيكون الحكم مبنياً على ذلك.
وأن الشركة تشترط للاستمرار في البرنامج لأكثر من سنة دفع نفس المبلغ مرة أخرى.
وواضح أن هذا لا لشيء سوى استمرار التسويق، فالبرامج تم شراؤها من المرة الأولى، والبرامج الجديدة إن وجدت لا تعادل في القيمة المبلغ المطلوب , ولو كانت الشركة تبيع المنتجات فعلاً لكانت توجه دعمها لمنتجاتها، في حين تقدم الدعم لبرامج التسويق وكسب الأعضاء، كما تنص عليه اللائحة , فهل هذا صنيع من يبيع منتجات حقيقية؟
(3) ابتناؤه على الغرر المحرم شرعا ؛ لأنه مقامرة , وأنها تشتمل على الغش والخداع وبيع الوهم وتتضمن غررا ولما فيه من الغبن الذي يقع على العميل أو العضو المسوّق من هذا الأسلوب فإن مقابل كل 9 أعضاء جدد يحصل المسوّق على 55 في حين يحصل أصحاب الشركة على صافي ربح 620 دولاراً. وهذا غبن فاحش، فكيف يقال مع ذلك إن تكاليف التسويق تصرف للأعضاء ؟! فهذا المبلغ، وهو 75 دولار، هو في الحقيقة رسوم الاشتراك في البرنامج، ومعظمه كما ترى يذهب لأصحاب الشركة.
(4) أن التسوية بين هذا الأمر وبين السمسرة كالتسوية بين البيع والربا من الذين حكى الله تعالى عنهم في القرآن: {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا , وهي كالتسوية بين البيع وبين العينة الممنوعة بالنص .
(5) أن المنتجات التي تباع غير محسوسة كما نقل لي ذلك عن أحد العلماء .
(6) أن هذه المسألة هي بيعتين في بيعة وعقدين في عقد .
حجة أصحاب القول الثالث الذين قالوا بالجواز واشترطوا لجواز ذلك:
(1) أن تكون صادقا وألا تغش أحدا أو تغرر به من أجل الحصول على الربح .
(2) وأن تكون هذه المنتجات خالية من الأمور المحرمة .
حجتهم:(1/142)
أن الشراء للمنتج ليس مشروطا بإحضار زبائن آخرين وهذا يسمى عمولة أو سمسرة وهذه نفسها هي صورة الجعالة الجائزة ودليلها قوله تعالى : " ولمن جاء به حمل بعير " وحديث اللديغ وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد.
قال صاحب الزاد : والجماعة إذا عملوه يقتسمونه بالسوية لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العوض فاشتركوا فيه . انظر حاشية الروض المربع ج 5 ص 497 ط 6
الترجيح:
عندما تتبعت أقوال العلماء وأدلتهم واطلعت على أوراق الشركة وكيفية تعاملها تبين لي والله أعلم صحة القول الثالث ونجيب عن أدلة أصحاب القول الثاني القائلين بالتحريم بما يلي:
قولهم: أنه أكل للمال بالباطل لأن هذا النوع من البرامج لا يمكن أن ينمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، سواء توقف النمو أم لم يتوقف. فالخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال، وبدونها لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا. والخاسرون هم الأغلبية الساحقة كما سبق، والرابحون هم القلة. أي أن القلة كسبوا مال الأكثرية بدون حق، وهذا أكل المال بالباطل .
الجواب عنه :
أن هذا ليس أكلاً للمال بالباطل بل إن الزبائن دفعوا مقابل منتجات نافعة مفيدة وقد سألت من جربها فامتدحها، وقمت بتجربتها بنفسي فوجدت فيها النفع الكثير حيث إنها اشتملت على برامج تعليمية بالصوت والصورة والتطبيق وموقع شخصي بسعة كبيرة جدا يمكن بناءه بكل سهولة حيث إنه الموقع الوحيد ـ كما أعلم ـ الموجود حاليا ويمكن بناءه باللغة العربية , بالإضافة إلى البريد الاكتروني بمساحة كبيرة أيضا , فأين أكل المال بالباطل وأين الخسارة ؟
وقولهم: الخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال .
الجواب عنه:
لا نسلم لكم ذلك, لماذا ننظر إلى التسويق، ونترك السلعة المباعة ؟ فالمسألة بيع وشراء قبل أن تكون سعيا, وبالتالي أين الخسارة ؟(1/143)
ولو سلمنا لكم جدلا أنه لا يوجد بيع أصلا فإن الخسارة ليست وصفا لازماً للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال بل إن المستويات الأخيرة قد تربح بسعيها أضعاف ما ربحه من في المستوى الأعلى بل إن الذي في الأعلى قد لا يربح شيئا أبدا ويربح من تحته .
قياسهم لها بالدولار الصاروخي، الذي أفتى عدد كثير من لجان الفتوى بأنه مقامرة محرمة.
ووجه الشبه بين الاثنين:
أ. أن العضو لا يحصل على أي عمولة قبل الشهر الثالث، أي أنه لا بد من نمو الهرم تحته بثلاثة مستويات قبل أن يحصل على العمولة .
ب. وأن الأكثرية تخسر لكي تربح الأقلية. ففيها تدليس وتغرير وبيع للوهم للجمهور لمصلحة القلة أصحاب الشركة.
ج. أي أن نحو 94% من أعضاء البرنامج خاسرون، بينما 6% فقط هم الرابحون.
فالخسارة لازمة لنمو الهرم ولا يمكن في أي لحظة من اللحظات أن يصبح الجميع رابحاً بحال من الأحوال.
الجواب عنه :
هذا قياس مع الفارق وتشبيه هذا الأمر وبين الدولار الصاروخي كالتسوية بين البيع والربا من الذين حكى الله تعالى عنهم في القرآن: " ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ". وهي كالتسوية بين البيع وبين العينة الممنوعة بالنص .
ولكنني أرى القوم عفا الله عنهم قلبوا المسألة وجعلوا من قال بالجواز هم الذين شبهوا هذا بذاك .
والبيع هنا ليس وهما بل حقيقة مشاهدة وأوصافها معروفة دون أي جهالة أو غرر ويعرفها من جربها بل إن أثر المنتج في تعليم الناس وتوجيههم لما فيه صالحهم واضح وضوح الشمس .
قولهم: وأما بالنسبة للمنتجات فإن السلعة في هذه البرامج هي مجرد ستار وذريعة للبرامج الممنوعة، إذ النتيجة واحدة .
وأن الهدف هو التسويق لما لجأ الأعضاء إلى إغراء الجدد بعمولات التسويق. ولذلك لا يمكن أن يسوّق العضو هذه المنتجات دون ذكر عمولات التسويق .(1/144)
وأن هذه المنتجات، مهما كانت فائدتها، لا يمكن أن تحقق للمشتري منافع تتجاوز في قيمتها تلك العمولات الخيالية الناتجة من التسويق. والعبرة، كما هو مقرر شرعاً، بالغالب. فقصد العمولات هو الغالب على قصد المنتجات، فيكون الحكم مبنياً على ذلك.
وأن الشركة تشترط للاستمرار في البرنامج لأكثر من سنة دفع نفس المبلغ مرة أخرى.
وواضح أن هذا لا لشيء سوى استمرار التسويق، فالبرامج تم شراؤها من المرة الأولى، والبرامج الجديدة إن وجدت لا تعادل في القيمة المبلغ المطلوب.
ولو كانت الشركة تبيع المنتجات فعلاً لكانت توجه دعمها لمنتجاتها، في حين تقدم الدعم لبرامج التسويق وكسب الأعضاء، كما تنص عليه اللائحة.
فهل هذا صنيع من يبيع منتجات حقيقية؟
الجواب عن ذلك :
ما المانع من تسويق المنتجات؟ ولماذا ننظر من زاوية ضيقة ونغفل كل الغفلة ونتناسى المنتجات, وهي منتجات مباحة شرعا، فتسويقها عن طريق السمسرة وإن كانت العمولات التي تدفع خيالية فهل هذا يكفي في تحريمها أو تحريم التعامل معها .
فانظر إلى مكاتب العقار وكيف يأخذون السعي هل هذا حرام أم حلال ؟ فإن كان حلال فما الفرق بينه وبين مسألتنا.
أحرام على بلابله الدوح *** حلال للطير من كل جنس
وإن كان حراما فيلزم منه تحريم ما أحل الله وهي الجعالة والعياذ بالله .
قولهم: ابتناؤه على الغرر المحرم شرعا، لأنه مقامرة .
وأنها تشتمل على الغش والخداع وبيع الوهم وتتضمن غررا ولما فيه من الغبن الذي يقع على العميل أو العضو المسوّق من هذا الأسلوب فإن مقابل كل 9 أعضاء جدد يحصل المسوّق على 55 في حين يحصل أصحاب الشركة على صافي ربح 620 دولاراً. وهذا غبن فاحش، فكيف يقال مع ذلك إن تكاليف التسويق تصرف للأعضاء ؟! فهذا المبلغ، وهو 75 دولار، هو في الحقيقة رسوم الاشتراك في البرنامج، ومعظمه كما ترى يذهب لأصحاب الشركة.
الجواب عنه :
أين المقامرة والغش والخداع والغرر مع أن السلعة موجودة والفائدة متحققة.(1/145)
وأين الغرر والجهالة بل هو منفي في هذه المسأله ولك أن تسأل من شارك في بزناس هل غررت به الشركه أو وعدته بأمر وتملصت منه . هذا غير وارد في عمل الشركة بل إن كل من اشترى المنتج يعرفه جيدا ويعرف فائدته وفوق ذلك فإن الشركة تعطي الخيار لمن اشترى المنتج أن يجرب المنتج لمدة ثلاثة أيام وإن وجد فيه خلاف ما قيل له فله أن يعيده ويستلم ما دفع مقابله، وأما كون البعض منهم لم يحصل على عمولات فلم تعد الشركة الناس بأرباح بل فتحت المجال لمن آراد أن يسوّق وبينت طريقة التسويق وأوضحت شروط التسويق والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أوحرم حلالا, ولمن استهان بجدوى المنتج أوأنه غير مجد فإنّه يتحدث عن مناسبة المنتج له هو شخصيا فليس كل الناس مثله وليس كل الناس يحملون شهادات الدكتوراه أو التخصص في الحاسب .
وأما قولهم : إن صافي الربح وهو 620 دولار يكون للشركة .
فهو غير صحيح و إلا فأين المسوق الثاني الذي تحته الذي سيأخذ على الثمانية المتبقين في أسفله بعد أن يزيد عليهم واحداً فقط 55 دولار، والمسوق الثالث بعد أن يزيد إثنين، والمسوق الرابع .....، بل وأين المسوق الذي أعلى منه حيث سيأخذ على هذا المسوق مع ثمانيةٍ من هؤلاء التسعة 55 دولار والذي أعلى منه وهكذا ...
أرأيتم عدم التصور الكامل للمسألة .
قولهم: أن التسوية بين هذا الأمر وبين السمسرة كالتسوية بين البيع والربا من الذين حكى الله تعالى عنهم في القرآن: {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا, وهي كالتسوية بين البيع وبين العينة الممنوعة بالنص .
الجواب عن ذلك :
هذا قلب للمسألة رأسا على عقب وقد بينت ذلك أعلاه .
قولهم: أن المنتجات التي تباع غير محسوسة .
يلزم من ذلك تحريم بطاقات الانترنت وسداد فاتورة الكهرباء والهاتف وشراء المواقع في الانترنت وهذا لم يقل به أحد .
قولهم: أن هذه المسألة هي بيعتين في بيعة وعقدين في عقد .
الجواب عنه :(1/146)
هذه المسألة إذا كانت فيها عقدان لازمان، وأما هنا فهو عقد لازم (شراء) وعقد جائز (تسويق) وأنت غير ملزم بتسويق هذا المنتج ففرق بين المسألتين .
وبناء على ما سبق بيانه وتوضيحه فإن الشراء والتعامل مع هذه الشركة جائز وما تدفعه الشركة مقابل السعي جعالة جائزة .
أسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه, والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وعقب الدكتور / سامي السويلم على هذه الرسالة وما يشابهها بالتعقيب التالي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.
فقد وقفت على بعض الردود على المقال الذي كتبتُه سابقاً عن شركة "بزناس"، ولم أكن حريصاً على الجواب عنها، إيماناً بحق الباحث المنصف في إبداء ما يراه صواباً، وبأن الحق سيظهر في نهاية الأمر لا محالة. لكن طلب عدد من الإخوة التعقيب على هذه الردود والجواب عما تضمنته من الإشكالات أملاً في بيان الصواب في هذه القضية. فرأيت أن أتناول الموضوع من زاوية تعالج الإشكالات من أساسها، دون الخوض في التفاصيل الفرعية، ورجوتُ أن يكون ذلك أنفع لي وللقارئ الكريم. نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا محبته واتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا بغضه واجتنابه، فهو سبحانه الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
حقيقة التسلسل الهرمي:
ليس غريباً أن تختلف وجهات نظر الباحثين في هذا الموضوع الجديد على الساحة. فالجديد بطبيعته لا تتضح معالمه وخصائصه من أول وهلة، بل يحتاج الأمر إلى شئ من الوقت لتتبين الصورة كاملة. ومن أقرب الأمثلة على ذلك اختلاف الفقهاء في حكم الدخّان أول ما ورد للبلاد الإسلامية، بين مجيز ومانع. فلما تبيّن لهم ما فيه من المفاسد والأضرار الراجحة على منافعه، لم تختلف كلمتهم في تحريمه.(1/147)
والتسلسل الهرمي نظام نشأ أساساً في الغرب، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، تفتقت عنه أذهان هواة جمع المال بأقصر السبل وأيسرها دون اعتبار لحق أو باطل. فلما تبيّن لعقلائهم ما فيه من التغرير والخداع، حكموا بمنعه. هذا مع كونهم يجيزون الربا والقمار والميسر أساساً. فإذا كان هذا شأنهم، عُلم أنهم لم يمنعوا هذا النظام إلا لكثرة ما فيه من المفاسد. والشريعة الإسلامية هي أولى الشرائع بالعدل والإصلاح. فما من خير ومصلحة راجحة إلا تأمر به، ولا شر أو مفسدة راجحة إلا تنهى عنه. حتى قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه، بأي طريق كان، فثم شرع الله (1) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالعدل هو الشرع، والشرع هو العدل. ... والذي أنزل الله هو القسط، والقسط هو الذي أنزله الله." (2)
والتسلسل الهرمي يكفي تصوره على الوجه الصحيح للحكم ببطلانه، فينطبق عليه قول الليث بن سعد رحمه الله أنه: "أمرٌ لو نظر فيه ذو البصيرة بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز." (3)
التسلسل
والفكرة في جوهرها بسيطة، لكنها تتعقد إذا أبرزت في صورتها النهائية. سأذكر فيما يلي جوهر العملية، وأما التفاصيل فأحيل على المقال السابق.
يبدأ الأمر بأن تدفعَ مبلغاً من المال لزيد، على أن تحصل من وراء ذلك على عمولات أو عوائد أو أرباح. لكن هذه العمولات التي تحصل عليها أنت تأتي من المبلغ الذي يدفعه عمرو لزيد. والعمولات التي يحصل عليها عمرو بدوره تأتي من المبلغ الذي يدفعه بكر. وهذا بدوره يحصل على العمولات مما يدفعه عبيد، وهكذا.
فما يحصله الأول هو مما دفعه الثاني، والثاني مما دفعه الثالث، والثالث مما دفعه الرابع، وهكذا. ولا يرتاب عاقل أن هذا النظام، من حيث هو، باطل، لأن كل واحد في السلسلة إنما يربح مما يدفعه الذي يليه، فالأخير خاسر دائماً، ولا يربح إلا إذا وجد من يعقبه في السلسة.(1/148)
ومآل هذه السلسلة إلى التوقف حتماً، لأن هذا تسلسلٌ في العلل أو في الفاعلين، إذ علة ربح الأول هي اشتراك الثاني، وعلة ربح الثاني اشتراك الثالث، وعلة ربح الثالث اشتراك الرابع، وهكذا. والتسلسل في العلل ممتنع باتفاق العقلاء كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله. (4) وإذا كان ممتنعاً لزم توقفه عاجلاً أو عاجلاً، وإذا توَقَفَ كان الأخير خاسراً لمصلحة من قبله، وهذا هو أكل المال بالباطل المحرم بالنص والإجماع.
الهرمية:
وهذه السلسلة تكبر تدريجياً، بحيث تكون كل حلقة فيها أو كل طبقة أكبر من التي قبلها. وسبب ذلك أن مقدار الاشتراك الذي يدفعه الأعضاء ثابت. فإذا أراد الأول أن يحصل على رأسماله مع الربح لزم أن يليه في السلسلة ما لا يقل عن شخصين (بحيث يغطي اشتراك أحدهما رأسمال الأول، بينما يغطي اشتراك الآخر مقدار الربح، والباقي يذهب لمصلحة صاحب المشروع). ثم كل من هؤلاء لكي يربح يحتاج ما لا يقل عن شخصين، فيتطلب ذلك أن يكون أعضاء الطبقة الثالثة لا يقلّون عن أربعة، وهكذا. فلا بد من النمو المطرد للسلسلة، فتصبح من ثم على شكل هرمي، كل طبقة فيه أكبر من التي فوقها.
وفي كل مرة ينمو الهرم يصبح استمرار نموه أصعب من ذي قبل، حتى يؤول ذلك إلى التوقف التام لتعذر وجود العدد الكافي من الأعضاء لبقاء النمو. وهذا سبب آخر يضاف لما سبق حول ضرورة توقف الهرم. وفي هذه الحالة تصبح الطبقات الأخيرة خاسرة بالضرورة لمصلحة الطبقات العليا. وقد أشرت في المقال السابق أن الطبقات الأخيرة الخاسرة تمثل رياضياً 94% من الأعضاء، في حين تمثل الطبقات الرابحة 6% فحسب. وهذا مما يؤكد أن هذا النظام مبني على الاستغلال والتغرير بالأكثرية الساحقة لمصلحة الأقلية الرابحة.
ما يقابل الاشتراك(1/149)
لما برزت فكرة التسلسل الهرمي، في غياب أي منتج أو بضاعة، وتبيّن فساد هذا النظام، حكمت المحاكم الغربية ببطلانه ومنعه. فاحتالوا لذلك بإدخال سلع أو منتجات يمتلكها الأعضاء مقابل الاشتراك، لا لشيء إلا لتجنب الملاحقة القانونية. وقد سبب وجود المنتج إشكالاً عند كثيرين، جعلهم يصححون هذا التعامل على أساسه. وسنبين إن شاء الله أثر المنتج في نظام التسويق، وأيهما تابع للآخر. إذ الحكم للمتبوع، والعبرة بالمقصود، كما هو متقرر شرعاً. لكن من المهم قبل كل شئ الاتفاق على أن النظام الهرمي في ذاته باطل، وأنه أكل للمال بغير حق. وإذا تقررت هذه النتيجة، يمكن النظر في وجود المنتج: هل يغير من مفاسد التسلسل الهرمي شيئاً؟ وهل مصلحته تجبر مفاسد النظام أم لا؟
ومن أجل تحرير محل النزاع، من الأفضل بيان الحالات المختلفة للمشترك في هذا البرنامج في وجود المنتج، وهي لا تخرج عن ثلاث:
(1) أن يكون قصد المشترك هو التسويق وليس المنتج.
(2) أن يكون قصده المنتج وليس التسويق.
(3) ألا يتبيّن ما هو مقصوده، أو أن يتردد بينهما، أو يريدهما معاً.
الحالة الأولى: المقصود هو التسويق وليس المنتج(1/150)
بمعنى أن المشترك هدفه التسويق أو السمسرة وما يترتب عليه من عمولات وأرباح، وليس شراء المنتج ولا الانتفاع به. ومن المتقرر فقهاً واقتصاداً وواقعاً أن السمسار يقوم بدور الوسيط بين التاجر بائع السلعة وبين المشتري. فإذا نجح السمسار في بيع السلعة نيابة عن التاجر أخذ عمولة مقابل عمله. لكن لا يقول أحد إن السمسار يجب أن يشتري من التاجر سلعة لكي يسمح له بتسويق بقية السلع. فالسمسار ليس قصده السلعة وإنما التسويق، وهذا هو الافتراض الذي انطلقنا منه في هذه الحالة. فإذا كان الهدف هو التسويق وليس السلعة فإن إلزامه بالشراء من أجل الحصول على عمولة السمسرة شرط ملجئ لا يجوز بنص الحديث النبوي في النهي عن بيعتين في بيعة. فالشراء بيعة شرطت في عقد السمسرة، والأخير نوع من البيع (لأن الإجارة بيع للمنفعة). فاشتراط أحدهما في الآخر ممنوع بالنص.
وإذا نظرنا إلى أنظمة شركة "بزناس" وجدناها تضع من الشروط ما يلجئ المسوّق إلى الشراء ولو لم يكن له أي رغبة في السلعة. فأنظمة الشركة تسمح لمن يرغب بالتسويق فقط ألا يشتري المنتج. لكنها لا تسمح له باستعمال موقع الشركة على الإنترنت في تسويق المنتج وعرضه على العملاء الجدد، بل من خلال الفاكس (تماماً كما هو حال الشركة الأمريكية سكاي بز التي سبق الحديث عنها في المقال السابق). وفوق ذلك فإن المسوق لن يحصل على أي عمولة إلا إذا قام المسوّقون الذين يلونه في الهرم بالشراء. والقول في هؤلاء كالقول في الأول، سواء بسواء. فصارت النتيجة أنه لا يحصل المسوّق على أي عمولة إلا بالشراء، وهذا شرط باطل شرعاً، كما سبق.(1/151)
وحكمة النهي عن بيعتين في بيعة، وعن شرطين في بيع وعن سلف وبيع، التنبيه إلى وجود خلل في الصفقة أساساً، وأن مقصود الطرفين ليس ظاهر الصفقة، بل هو أمر محرم لم يتمكنا من تحقيقه مباشرة، فاحتالوا على ذلك بإدخال صفقة أخرى غير مرادة ولا تغير من حقيقة الأمر شيئاً، توصلاً للمراد الممنوع. فبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذه الشروط لا تجعل الحرام الذي قصده الطرفان حلالاً، وأن العبرة في ما قصده الطرفان حقيقة، لا فيما أظهراه من البياعات والشروط الشكلية. والمحرّم الذي قصده الطرفان هنا هو الاشتراك في التسلسل الهرمي بقصد الكسب. ولما كان هذا محرماً شرعاً وممنوعاً قانوناً، أدخلوا السلعة احتيالاً وتلبيساً على الناس. وهذا التحايل قد يروج على بعض القوانين الأرضية، لكنه لا يروج على هذه الشريعة السماوية الكاملة. فالله تعالى عند قلب كل عبد ولسانه، ومهما حاول هؤلاء خداع الخلق فلن يفلحوا في خداع الخالق: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.
الحالة الثانية: المقصود هو المنتج وليس التسويق
أي أن المشترك في هذه الحالة لا يريد التسويق ولا يطمح إليه، وإنما يريد المنتج والاستفادة منه فحسب. وإذا أردنا أن نتعرف على حقيقة هذه الصورة، دعنا نسأل السؤال التالي:
لنفترض أن أحد التجار أعلن أن من يشتري من السلع التي لديه فسيدخل تلقائياً في عملية سحب على جائزة نقدية قيمتها عشرة آلاف ريال، مثلاً. وأن التاجر من أجل تمويل هذه الجائزة، رفع سعر السلع لديه بنسبة 10%. بمعنى أن من أراد أن يشتري سلعة ويدخل في السحب، فسيدفع مقابل السلعة التي قيمتها 10 ريالات ثمناً مقداره 11 ريالاً. فما حكم دفع هذه الزيادة؟(1/152)
لا ريب أن دفع هذه الزيادة محرم، لأنها جاءت مقابل الدخول في السحب على الجائزة، وعملية السحب من الميسر المحرم بالنص والإجماع. فمن أراد أن يشتري فيجب أن يدفع الثمن الأصلي للسلعة، أو ثمن المثل، دون أي زيادة، ومن ثم عدم الدخول في عملية السحب.
والآن نسأل سؤالاً آخر. ما الحكم إذا قال التاجر: أنا لا أبيع السلعة إلا بالسعر الزائد ابتداء، أي 11 ريالاً، ولا أسمح بالشراء بسعر المثل؟ الجواب: لا شك أن هذه الحالة أسوأ من التي قبلها، لأنها جمعت بين الميسر وبين الإلجاء.
وإذا نظرنا للثمن الذي تطلبه شركة بزناس، بحسب ما تعلنه الشركة على الملأ وبوضوح ودون تردد، نجد أنه يتكون من جزئين: أحدهما لتمويل التسويق الهرمي، والآخر الثمن الفعلي للمنتج. فالثمن الإجمالي هو 99 دولاراً. ثلاثة أرباعه، أي 75 دولاراً، مخصص للتسويق، بينما يخصص المتبقي، وهو 24 دولاراً، للمنتج. وهم يقولون: بدلاً من صرف هذا المقدار المخصص للتسويق على الدعاية والإعلان وما إلى ذلك، من الأفضل أن يصرف على الأعضاء أنفسهم من خلال التسلسل الهرمي.
لكن من حقنا أن نسأل: من الذي سيحصل على عوائد مخصص التسويق؟ أليسوا هم الذين يباشرون التسويق؟ فما ذنب المشتري الذي يريد المنتج ولا يريد التسويق؟ أليس في هذا إلجاء للمشتري بأن يمارس التسويق طلباً للعمولات الكبيرة التي يعدونه بها، طالما هو قد دفع ثمن الاشتراك مقدماً ودون اختيار؟
فإن كانت الشركة لا تلزم المشتري بالتسويق كما تزعم، فيجب أن تلغي مخصص التسويق من الثمن، وتبيعه السلعة بثمن المثل فحسب. أما أن تلزمه بدفع قيمة الاشتراك في التسلسل الهرمي مقدماً، مع كونه لا يريد التسويق ولا الاشتراك في الهرم، فهذا إلجاء واحتيال، شأنه شأن الاحتيال في الحالة الأولى. وإذا رضي المشتري بذلك كان حكمه حكم من رضي بدفع الزيادة في الثمن مقابل الدخول في الميسر في المثال السابق.(1/153)
وهذا الاحتيال في الحقيقة مقصود للشركة، لأنها لا تجرؤ على فصل التسلسل الهرمي عن السلعة، إذ الأول ممنوع شرعاً وقانوناً كما سبق. فاضطروا لأجل ذلك إلى دمج ثمن السلعة مع ثمن الاشتراك، ليبدو للناظر أن الثمن كله مقابل السلعة. والحال، بتصريح أصحاب الشركة أنفسهم، ليس كذلك. فلو لم يكن التسلسل الهرمي مقصوداً لما كان ثمن السلعة بهذا الشكل. فيقال هنا ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله: " أفلا أفردت أحد العقدين عن الآخر ثم نظرت هل كنت مبتاعها أو بايعه بهذا الثمن أم لا؟" (5) .
فلو فصل نشاط التسلسل الهرمي عن المنتج لما كان الأخير بهذا الثمن. وإذا كان ثلاثة أرباع الثمن للتسلسل الهرمي، دل على أن المراد من الصفقة أساساً هو النشاط المحرم. وإذا كان كذلك، فالحكم للغالب، كما هو مقرر شرعاً.
وأما الزعم بأنهم يدفعون مخصص التسويق للأعضاء بدلاً من صرفه على الدعاية والإعلان، فهو تضليل وتلبيس تلقفوه عمن سبقهم من الغربيين المنبوذين في بلادهم فضلاً عن بلاد الإسلام. وذلك أن الأفضل من ذلك هو إعادة هذا المبلغ للمشتري، وتخفيض الثمن من 99 إلى 24 دولاراً. وهذا أفضل في تسويق المنتج لمن يرغبون فعلاً الاستفادة منه. لكنهم بإلزام المشتري بدفع مخصص التسويق الهرمي، يلجئونه إلى الاشتراك في الهرم من أجل الانتفاع بما دفعه. فإن أراد المشتري الاشتراك في التسلسل الهرمي وقع في المحذور، وإلا كان مغبوناً لأنه دفع مقابل ما لا ينتفع به، وإذا رضي بذلك كان معيناً للشركة على أكل المال بالباطل.
الحالة الثالثة : غموض القصد، أو التردد، أو إرادة الأمرين معاً
من السهل الحكم على هذه الحالة بعدما تبيّن الحكم في الحالتين السابقتين. وذلك أن ما تردد بين أمرين كلاهما محرم، فهو محرم بالضرورة. أما الزعم الذي يقوله كثيرون من المنتسبين لهذه الشركة، من أنهم يريدون الأمرين معاً ومن ثم فلا خسارة عليهم، فيقال:(1/154)
إن الله تعالى أعطانا العقل لنستدل على ما غاب عنا بما شهدناه. فإذا عُرض على العاقل شراء محفظة لا تتجاوز قيمتها 100 ريال، بداخلها مبلغ نقدي قدره عشرة آلاف ريال، فهل تكون رغبته في الأمرين واحدة؟ وهل يستوي عنده هذا المال وهذه المحفظة؟ لا يمكن أن يقر بهذا عاقل يبحث عن مصلحته في معاوضة يراد بها الربح. وعلى أحسن الأحوال فإن رغبته لكل منهما ستكون بحسب قيمته. فإذا كان نسبة قيمة المحفظة إلى المال لا تتجاوز 1%، كان المقصود هو المال بنسبة 99%، والمحفظة بنسبة 1%.
وفي التسويق الهرمي تَعِد الشركة الأعضاء بعمولات يبلغ مجموعها في نهاية السنة الأولى خمسين ألف دولار، أي ما لا يقل عن 187.500 ريال، بينما لا تتجاوز قيمة المنتجات التي تبيعها الشركة 385 ريالاً. فهل يعقل أن تكون رغبة الشخص في الأمرين متساوية؟ إن منطق العدل يقتضي أن تكون الرغبة في التسويق بحسب العائد المأمول، وفي المنتجات بحسب قيمتها المعلنة. ونسبة قيمة المنتجات إلى العائد لا تتجاوز 0.3%. أي أن العاقل يقصد عمولات التسلسل الهرمي بنسبة 99.7%. وسبق أن الحكم للغالب، فيكون الغالب هو إرادة التسلسل الهرمي. وإذا كان الأخير في ذاته محرماً لأنه أكل للمال بالباطل، لزم حرمة الشراء بناء على ذلك.
التسويق على من؟
ومما يبيّن الفرق بين التسويق الهرمي والسمسرة المعروفة، أن السمسار يحصل على عمولة مقابل بيع السلعة لشخص أو عدد محدد من الأشخاص، لكن لا علاقة له بما يفعله المشترون بالسلعة. فعلاقة السمسار بالمشتري تنتهي بمجرد الشراء.(1/155)
أما في التسويق الهرمي، فإن المسوّق لا يحصل على عمولة إلا إذا سوّق لمسوّقين آخرين، وهؤلاء بدورهم يسوّقون لمسوّقين (حتى يصل مجموع المسوّقين في الهرم إلى ما لا يقل عن تسعة، حسب أنظمة الشركة). فهو يسوّق لمن يسوّق لمن يسوّق، ولا يحصل على عمولة إلا بهذه الطريقة. فليس من مصلحة أحد في الهرم أن يبيع على من يشتري السلعة لينتفع بها أو يستخدمها لنفسه دون أن يسوّقها. بل يحرص كل منهم على أن يبيع لمسوّقين. وهذا يؤكد أن السلعة غير مقصودة إطلاقاً، بل هي مجرد ذريعة لنمو هرم المسوّقين فحسب.
بينما تهدف السمسرة العادية إلى البيع لعملاء هدفهم في النهاية الانتفاع بالمنتج وليس السمسرة. فمهما طالت سلسلة السماسرة الوسطاء إلا أنها لا بد أن تنتهي عند المشتري النهائي. والمشتري النهائي هو مصدر الربح والعمولات لكل منهم، وهذا هو المنطق الاقتصادي وهو الواقع العملي. أما في التسويق الهرمي فالأمور مقلوبة تماماً، لأن مصدر الربح ليس هو المشتري النهائي، بل هو الطبقات التالية من المسوّقين، الذين بدورهم يربحون ممن يليهم، وهؤلاء ممن يليهم، ... إلخ. وهذا هو التسلسل الباطل الذي سبق الحديث عنه. فكيف يقال بعد هذا إن التسويق الهرمي من جنس السمسرة العادية؟
خاتمة(1/156)
وبعض الردود التي وقفت عليها لم يتصور أصحابها للأسف حقيقة الأمر، فهم يشبهون التسويق الهرمي بالسمسرة المشروعة. ولا يمكن أن يقول بهذا التشبيه من تصور الأمر على حقيقته. ولا أجد أفضل من أن أطلب من هؤلاء الإخوة التريث في الأمر وإعادة دراسته دراسة متأنية. فتشبيه التسويق الهرمي بسمسرة العقار أو السلع العادية، كتشبيه بيع الوفاء بالإجارة، أو العينة بالمرابحة. ولو كان أصحاب هذه الشركة يقومون بالسمسرة فعلاً لما احتاجوا إلى الاستفتاء أصلاً، فهل رأيت مكاتب عقارية تحرص هذا الحرص على استصدار فتاوى بجواز عملها؟ فلولا ما يجدونه في أعماق قلوبهم من الشك والريبة لما حرصوا هذا الحرص، وقد قال أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم: "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه الناس." (6) وقال عليه الصلاة والسلام: "البرّ ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك." (7)
"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم."
والحمد لله رب العالمين.
كما عقب الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف العام على موقع (الإسلام اليوم) على رسالة الأخ إبراهيم الكلثم بالتعقيب التالي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،،،
قرأت بحثكم المرفق المتعلق بشركة (بزناس) وحكايتكم للأقوال وأدلتها، وأرى أنه بحث جيد وإن كانت المسألة من الفرعيات التي يسوغ الخلاف فيها.
وقد سبق أن قرأت بحثاً آخر جيداً للأستاذ / سامي السويلم حول الموضوع وهو منشور في موقع (الإسلام اليوم) وإليك (رابط الفتوى) .
وذهب فيه إلى التحريم.(1/157)
والذي أميل إليه أن الحكم في هذه المسألة وما شاكلها يعتمد على حقيقة الحال، فإن كانت الخدمات المتوفرة قوية وملائمة ولها تميز عن غيرها ، إما بجودة وإما برخص، وعلى هذا تم الاشتراك فيها للاستفادة من خدماتها وتسويقها للآخرين، فهذا جائز، وهذا ما أكده لي عدد من المشتركين في الشركة.
ولو كانت الخدمات أو البرامج أو السلع في هذه الشركة أو في أي شركة أخرى تعتمد النظام ذاته صورية أو ضعيفة ولا قيمة حقيقة لها وإنما الناس يشتركون ويسوقون من أجل الحصول على المقابل المادي الذي ينتظرهم إذا أقنعوا أشخاصاً آخرين.. ففي هذه الحالة يكون الأمر محرماً والله أعلم.
1-.إعلام الموقعين، دار ابن الجوزي، 6/513.
2- النبوات، مكتبة أضواء السلف، 2/615.
3- إعلام الموقعين 3/169.
4- درء تعارض العقل والنقل 1/321.
5- بيان الدليل في بطلان التحليل، المكتب الإسلامي، ص 238.
6- أخرجه مسلم. صحيح الجامع (2880).
7- أخرجه الإمام أحمد. صحيح الجامع (2881).
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
1889
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - فتوى أنقذتني
فتوى أنقذتني
عبدالله بن عبدالوهاب سردار
………
3/1/1424
06/03/2003
سبق نشر فتوى لفضيلة الشيخ: عبدالله بن عبدالوهاب سردار جواباً لسؤال وردنا من إحدى الأخوات، وقد تلقينا هذه الرسالة التي تفيض بمشاعر الأخت تجاه ما قرأت، وتدل على أثرها في نفسها، ومدى انتفاعها بها.
وإن هذه الرسالة تعبر عما في نفوس كثير ممن يجدون ضالتهم في فتوى محررة، ورأي سديد، وإشارة ناصحة.
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو منكم إيصال رسالتي هذه الى الشيخ:عبدالله سردار
فضيلة الشيخ أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يدخلك الفردوس الأعلى من الجنة بلا حساب ولا عقاب فبعد إجابتك على سؤالي المعنون بـ (هل نحن في آخر الزمان ؟)(1/158)
أحسست وكأن حملا ثقيلا من فوق صدري قد أزاحه الله عني بفضله ومنه وكرمه ثم بفضل مساعدتك الكبيرة لي بالإجابة على هذا السؤال
لقد كنت يا شيخ قبل قراءة السؤال والإجابة عليه أشعر بضيق في صدري فظيع وكلما نظرت إلى أمي واخوتي الصغار وهم نائمون رحمتهم وازددت ضيقا وبكاء فذهبت ودعوت الله وبكيت حتى خشيت إيقاظهم من صوت بكائي وكنت واثقة من إجابة الله لدعائي ثم فتحت الإنترنت لتمضية الوقت الكئيب فقرأت مقالا مليء بالتفاؤل لأحد الكتاب فأراحني ذلك نوعا ما ثم قلت: لأفتح على موقع الشيخ سلمان العودة لأرى الأخبار ولم يخطر ببالي أن أرى الإجابة على سؤالي فقد قطعت الأمل وقلت لعل سؤالي لم يصل إليهم وإذا بي أجده وأجد إجابة رائعة عليه ومختوم بدعاء أروع فبكيت لأنني أحسست أن هذه استجابة من الله جل شأنه في تفريج همي فجزاك الله كل خير وفرج عنك كل كرب من كرب الدنيا والآخرة وأرجو أن تدعو لي في صلاتك وسجودك خاصة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
1917
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - تعقبات على حكم تمثيل الحيوانات
تعقبات على حكم تمثيل الحيوانات
د. أحمد الخضيري
………
10/1/1424
13/03/2003
السؤال (ملاحظات على سؤال التمثيل والأناشيد المصحوبة بالدف ): هناك بعض الملاحظات على هذه الفتوى حيث أنها نازلة معاصرة وهي محل اجتهاد:
1)…إشارة الشيخ المفتي –حفظه الله- إلى عدم جواز تمثيل دور الحيوانات وأن التشبه بها جاء في النصوص بصيغة الذم، فقد صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه كان يجلس على أربع ويركب الحسن والحسين على ظهره ويقول:"نعم المطية مطيتكما"، رواه الطبراني وإسناده حسن وفي بعض الروايات "نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما" فدل على أن التشبه بالحيوان ليس مذموماً بكل حال.(1/159)
2)…منع الشيخ من استعمال الدف إلا في الأعراس أمر محل مناقشة فإن إباحة النبي –صلى الله عليه وسلم- استخدامه بالعرس يدل على استثناء هذه الآلة من التحريم ولا يقتصر على العرس فالحادثة لا تخصص العام ونظير هذا تحديد بعض الفقهاء عدم جواز الصلح مع الكفار إلا بقدر عشر سنين لأنه هو الذي حصل من النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو مذهب مرجوح كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ومما يدل على جواز سماع الدف في غير الأعراس ما رواه أصحاب السنن أن امرأة نذرت أن تضرب الدف أمام النبي –صلى الله عليه وسلم- فأقرها ولو كان ممنوعاً في غير الأعراس لمنعها.
أرجو نشر ملاحظاتي إن لم يكن مانع أو إرسالها إلى الشيخ إن وجد مانع، وأنتم محسنون ولكم الخيار وما على المحسنين من سبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أجاب عن السؤال الشيخ/د. أحمد الخضيري (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام)
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيمكن توضيح الفتوى في تمثيل دور الحيوانات والأناشيد المصحوبة بالدف، والإجابة عن ملحوظات الأخ فيما يلي:(1/160)
أولاً: ينبغي أن يعلم أن التمثيل في أصله محل خلاف بين فقهاء العصر، فهناك من أهل العلم من يمنعه مطلقاً، وهناك من يجيزه بقيود معينة، وليس هذا مقام التوسع في ذكر الخلاف وأدلته، ولكن الذي يهمنا منه أن من أجاز التمثيل قيده بقيود يلزم توافرها، ومن هذه القيود ألا يشتمل التمثيل على محاكاة البهائم ومشابهتها، لأن محاكاة البهائم ومشابهتها إذا نظرنا إليه في الكتاب والسنة نجد أنه يرد في مقام الذم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:"التشبه بالبهائم في الأمور المذمومة في الشرع مذموم منهي عنه، في أصواتها وأفعالها، ونحو ذلك، مثل: أن ينبح نبيح الكلاب، أو ينهق نهيق الحمير، ونحو ذلك، وذلك لوجوه: أحدها: أنا قررنا في اقتضاء الصراط المستقيم، نهي الشارع عن التشبه بالآدميين الذين جنسهم ناقص كالتشبه بالأعراب وبالأعاجم وبأهل الكتاب ونحو ذلك في أمور من خصائصهم، وبينا أن من أسباب ذلك أن المشابهة تورث مشابهة الأخلاق، وذكرنا أن من أكثر عِشرة بعض الدواب اكتسب من أخلاقها: كالكلاّبين، والجمالين، وذكرنا ما في النصوص من ذم أهل الجفاء وقسوة قلوب: أهل الإبل، ومن مدح أهل الغنم، فكيف يكون التشبه بنفس البهائم فيما هي مذمومة؟ بل هذه القاعدة تقتضي بطريق التنبيه النهي عن التشبه بالبهائم مطلقاً فيما هو من خصائصها، وإن لم يكن مذموماًَ بعينه، لأن ذلك يدعو إلى فعل ما هو مذموم بعينه، إذ من المعلوم أن كون الشخص أعرابياً أو عجمياً خير من كونه كلباً أو حماراً أو خنزيراً، فإذا وقع النهي عن التشبه بهذا الصنف من الآدميين في خصائصه؛ لكون ذلك تشبهاً فيما يستلزم النقص ويدعو إليه، فالتشبه بالبهائم فيما هو من خصائصها أولى أن يكون مذموماًَ ومنهياً عنه.(1/161)
الوجه الثاني: أن كون الإنسان مثل البهائم مذموم، قال تعالى:"ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون".
والوجه الثالث: أن الله سبحانه إنما شبه الإنسان بالكلب والحمار ونحوهما في معرض الذم له كقوله:"فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون" وقال تعالى:"مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً" الآية، وإذا كان التشبه بها إنما كان على وجه الذم من غير أن يقصد المذموم التشبه بها، فالقاصد أن يتشبه بها أولى أن يكون مذموماًَ، لكن إن كان تشبه بها في عين ما ذمه الشارع صار مذموماً من وجهين، وإن كان فيما لم يذمه بعينه صار مذموماً من جهة التشبه المستلزم للوقوع في المذموم بعينه.(1/162)
يؤيد هذا الوجه الرابع: وهو قوله –صلى الله عليه وسلم- في الصحيح:"العائد في هبته كالعائد في قيئه، ليس لنا مثل السوء"، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يذكر هذا المثل إلا ليبين أن الإنسان إذا شابه الكلب كان مذموماً، وإن لم يكن الكلب مذموماً في ذلك من جهة التكليف، ولهذا ليس لنا مثل السوء، والله سبحانه قد بين بقوله:"ساء مثلاً" أن التمثيل بالكلب مثل سوء، والمؤمن منزه عن مثل السوء، فإذا كان له مثل سوء من الكلب كان مذموماً بقدر ذلك المثل السوء"، ثم ذكر شيخ الإسلام –رحمه الله- الوجه السادس وهو: حرمة تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال فيما يختص به كل جنس وقال عقب ذلك:"فإذا كانت الأمور التي هي من خصائص النساء ليس للرجال التشبه بهن فيها، والأمور التي هي من خصائص الرجال ليس للنساء التشبه بهم فيها، فالأمور التي هي من خصائص البهائم لا يجوز للآدمي التشبه بالبهائم فيها بطريق الأولى والأحرى، وذلك لأن الإنسان بينه وبين الحيوان قدر جامع مشترك، وقدر فارق مختص، ثم الأمر المشترك: كالأكل والشرب، والنكاح والأصوات والحركات، لما اقترنت بالوصف المختص كان للإنسان فيها أحكام تخصه ليس له أن يتشبه بما يفعله الحيوان فيها، فالأمور المختصة به أولى، مع أنه في الحقيقة لا مشترك بينه وبينها، ولكن فيه أوصاف تشبه أوصافها من بعض الوجوه، والقدر المشترك إنما وجوده في الذهن لا في الخارج. وإذا كان كذلك فالله تعالى قد جعل الإنسان مخالفاً بالحقيقة للحيوان وجعل كماله وصلاحه في الأمور التي تناسبه، وهي جميعها لا يماثل فيها الحيوان، فإذا تعمد مماثلة الحيوان، وتغيير خلق الله فقد دخل في فساد الفطرة والشرعة، وذلك محرم والله أعلم". مجموع الفتاوى (32/256-260).(1/163)
وأما ما ذكره الأخ السائل من كون النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يركب الحسن والحسين على ظهره ويقول:"نعم المطية مطيتكما" رواه الطبراني وغيره، وفي بعض الروايات:"نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما".
فليس في هذا ما يعارض ما سبق لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يداعب الحسن والحسين ويقول هذا عندما يبتدرانه بالركوب على ظهره، وهذا النوع من المداعبة شائع بين الأب وأبنائه ويتم بطريقة عفوية، ولم يقصد النبي –صلى الله عليه وسلم- بذلك تمثيل حال الحيوان ومشابهته وحاشاه من ذلك.
وبهذا تبقى القاعدة على عمومها وهو أن التشبه بالحيوان جاء في الكتاب والسنة في مقام الذم.
وعلى التسليم بكون التشبه بالحيوان في أحيان قليلة لا يكون وارداً في مقام الذم فهذا لا يؤثر في صحة الاستدلال بهذه القاعدة على منع تمثيل الحيوانات في الجملة، ويبقى الجواز قاصراً على ما ورد تخصيصه بالنص، وهو حال مداعبة الرجل لأبنائه كما في قصة الحسن والحسين مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، ومن المعلوم أن الحال المستثناة من النص العام لا يقاس عليها.
ثانياً: الضرب بالدف وقع فيه خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال: فهناك من قصر جوازه على الأعراس، وهناك من أجازه أيضاً في الأعياد وقدوم الغائب وبعض الولائم على خلاف في بعضها، وهناك من أجازه مطلقاً.
والذي يظهر لي أنه ينبغي أن يقتصر في الضرب بالدف على ما ورد النص به دون ما عداه، ومن أشهر ما ورد النص به، وهو محل اتفاق بين الفقهاء الضرب بالدف في الأعراس كما جاء ذلك في نص الفتوى.(1/164)
ويلحق به أيضاً الضرب بالدف في الأعياد وعند قدوم الغائب لما جاء عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي –صلى الله عليه وسلم-؟ فأقبل عليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال:"دعهما، فلما غفل غمزتهما، فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب...." متفق عليه.
وعن عائشة –رضي الله عنها- قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا" متفق عليه.
وما جاء عن بريدة –رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، قال لها:"إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا" فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر وهي تضرب فألقت الدف تحت استها ثم قعدت عليه، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"إن الشيطان ليخاف منك يا عمر..."، رواه أحمد والترمذي وصححه.
ولم تذكر هاتان الحالتان في الفتوى المنشورة لأن الغرض كان ذكر الحكم العام لاستعمال الدف والاختصار بذكر أشهر ما ورد النص بجوازه وهو الضرب بالدف في حال النكاح، والتنبيه بهذا المثال على الاقتصار على ما جاء به النص.(1/165)
وأما قول الأخ: إباحة النبي –صلى الله عليه وسلم- واستخدامه بالعرس يدل على استثناء هذه الآلة من التحريم ولا يقتصر على العرس فالحادثة لا تخصص العام...إلخ، فهو استدلال غير وجيه في هذه المسألة، لأن تحريم الغناء والدف عام، والترخيص بهما في الأعراس والأعياد وقدوم الغائب خاص ومستثنى من الأصل العام، فلا يصح أن يكون المستثنى أصلاً يقاس عليه غيره، بل يجب أن يقتصر على محل الرخصة، ويبقى ما عداه داخلاً في حيز العموم.
وطريقة الاستدلال التي ذكرها الأخ هي التي تمسك بها وسلكها من أباح الغناء، والمعازف، وهي لا شك طريقة خاطئة، فإباحة الغناء والدف في الأعياد والأعراس وقدوم الغائب على هيئة مخصوصة وصفة مخصوصة لا يكون مبيحاً للغناء بجميع أنواعه واللهو بجميع أدواته، وفي قول أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-:"مزمارة الشيطان؟!" ما يدل أنه على علم سابق بأن الغناء والدف منهي عنهما، ولهذا بادر في الإنكار، فاحتاج النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يعلل لهذا الحكم المخالف لما تقرر من منع الغناء والدف بقوله:"إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا" وكذلك فيما يتعلق بموقف عمر –رضي الله عنه- مع الجارية التي كانت تضرب بالدف بين يدي النبي –صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
2322
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - هل مرتب التقاعد ميراث؟
هل مرتب التقاعد ميراث؟
هاني بن عبدالله الجبير
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
………
28/3/1424
29/05/2003
وردنا سؤال من أحد الإخوة حول منحة التقاعد في الجزائر، وهل تعد ميراثاً أم لا؟ فأجاب فضيلة الشيخ هاني الجبير بأنها لا تعد إرثاً، ثم جاءنا تعقيب حول هذه الفتوى يبين ماهية هذه المنحة وخصائصها، وقد عرضناها على الشيخ المفتي فتكرم بالتوضيح والبيان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/166)
فضيلة الشيخ ـ هاني الجبير ـ حفظه الله جزاكم الله خيرا على إرسالكم لنا الفتوى بخصوص منحة التقاعد التي سألناكم عنها والمتعلقة بتقاعد فرنسي لأخ جزائري كان يعمل هناك، وقد أرسلتم بأن ما يعطى من منحة التقاعد لا يعتبر إرثا. وإني يا فضيلة الشيخ: أريد أن أبين لكم بعض التوضيح في خصوص هذه المسألة واستميحكم مبدئيا، فأقول: إن منحة التقاعد التي تعطى هاهنا في الجزائر أو ما أشبهها من الدول كفرنسا فالأمر يختلف يا شيخ حيث أن هذه المنحة ليست تكريما لهم، وإنما هي حصيلة ما كان يأخذه صندوق الضمان الاجتماعي من العامل حيث يأخذون من مرتبه ما نسبته 9 بالمائة وتخزن له في صندوق خاص ـ وهذه تؤخذ جبرا دون دخل للعامل فيها ـ وقد تختلف النسبة من بلد لبلد، ثم هذه الأموال يكون منها استرجاع قيمة الأدوية وتكون أيضا في حالة وقوع الحوادث، وفي آخر الأمر عند الكبر وبلوغ سن 60 سنة يعطى من ذلك منحة التقاعد وإذا مات فيعطى باسم زوجته، وعلى هذا يا شيخ: هل الفتوى تبقى كما هي مع هذه المعطيات أم تتغير.
نرجو أن ترسلوا لنا الجواب مرة أخرى ومعذرة ثم معذرة على هذا التوضيح ولكن ربما تستدعيه الفتوى والله أعلم وبارك الله فيكم.
البيان:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشكر الأخ السائل الكريم على تواصله واستفهامه فهذا ما يسعد ويثلج الصدر زاده الله توفيقاً.
وما ذكره من إيضاح للتقاعد كان معلوماً، وهو ما بنيت عليه جوابي السابق، وزيادة في الإيضاح فإني أقول:
أولاً: إن خصم نسبة التقاعد من الراتب هو فيما يظهر خصم صوري لا حقيقي وذلك لأمور منها:
1. أن الموظف يخصم منه جبراً ولو لم يوافق ولم يرغب.
2. أن الموظف لا خيار له في زيادة أو نقص مقدار الخصم.
3. أن الموظف يعرف عند تقدمه للوظيفة راتبه مخصوماً منه تلك النسبة، فهو مدرك أن الراتب هو مقدار ما يستلمه بعد الخصم.
4. أن الموظف قد يعرف بالتحديد مقدار ما يخصم منه.(1/167)
ثانياً: إن الموظف قد يتقاعد أو يموت بعد عمله بمدةٍ يسيرة فيستحق هو أو ورثته تقاعداً قد يكون أكثر مما خصم منه، بل هذا في الواقع هو الغالب أن مقدار التقاعد المصروف يفوق نسبة الخصم.
فلذا وحيث إن الخصم صوري في الواقع ولأنه قد يأخذ أكثر مما خصم منه علماً أن التقاعد منحة من الدولة للموظف ولمن لا يستقل بنفسه ممن كان ينفق عليهم في حياته، لكن جاء حسابها باعتبار زيادة تسعة في المائة من الراتب ثم خصمها منه شهرياً ليحسب بعد ذلك مقدار ما يأخذه بعد مقارنته بسنوات الخدمة.
ويتضح ذلك أكثر إذا عرفنا أن منشأ التقاعد إنما كان إعمالاً لمبدأ التأمين فالحكومة تؤمن مصدر دخل لكل من انقطع دخله بتوقفه عن العمل أو موت مورثه الموظف بهذا التقاعد ولذا فإنه متى استطاع الاستقلال بنفسه أو استغنى عنه مُنع استحقاقه وكذلك يقسم بين الورثة حسب قسمة الإرث الشرعيّة.
هذا هو الظاهر لي وعليه فتوى بعض مشايخنا وممن وقفت على رأيه في ذلك فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع (مجموع فتاوى وبحوث 4/173).
وهو على كل حال محض اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب والله أعلم. وفي المقابل لو كان الذي تدفعه الدولة هو نفس مقدار الخصم الذي يؤخذ من راتب الموظف تماماً فإن الحال يختلف إذ لا يكون الخصم صورياً بل حقيقياً أجبر الموظف عليه أو أخر تسليمه له.
وفي هذه الحال فإنه يحتم قسمته بين ورثته حسب الإرث الشرعي ويكون جزءاً من حق الموظف لورثته تحصيله بما يستطيعون.
ولعل هذه الفتوى إذا نشرت كان في تواصل الإخوة والمشايخ تعزيزاً أو استدراكاً لها.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
2549
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - أخذ الأطفال إلى المسجد
أخذ الأطفال إلى المسجد
د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
………
12/5/1424
12/07/2003(1/168)
وردنا سؤال من أحد الإخوة حول آداب الطفل في المسجد من حيث (الصلاة في الصف – الجري في المسجد – وما يتعلق بالمساجد من آداب ومسائل تتعلق بالأطفال)، فأجاب عنه فضيلة الشيخ: د. محمد بن سليمان المنيعي ، ثم جاءنا تعقيب حول هذه الفتوى، وقد عرضناها على الشيخ المفتي فتكرم بالتوضيح والبيان.
التعقيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الذي فهمته من الشيخ أنه لا يجوز أخذ الأطفال إلى المسجد، لكيلا يزعجوا المصلين، ما هو الدليل على هذه الفتوى؟ ماذا يقول الشيخ فيما ورد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقصر من الصلاة عندما كان يسمع بكاء الأطفال؛ حتى لا تفتن أمهاتهم عن صلاتهن، ومع ذلك فلم يمنع هؤلاء الأمهات من إحضار أبنائهن للمسجد، وأيضاً الرواية التي ذكر فيها أن الحسن والحسين كانا يركبان على ظهره – صلى الله عليه وسلم – في السجود، ولم يقل شيئاً لوالديهما، وعلاوة على ذلك لم يشأ أن يزعج الولدين، جزاكم الله خيراً على الفتوى، ولكن دعموا فتواكم بالأدلة.
*****
التوضيح(1/169)
فهمك للفتوى غير مستقيم، بل الذي أجبت باختصار أن الطفل دون سن التمييز ينبغي أن يجنب المسجد؛ حتى لا يلوث المسجد أو يشوش على المصلين، إلا أن يحتاج المصلي إلى دخوله إلى المسجد لحاجة عارضة، أو تريد المرأة الصلاة في المسجد فلا بأس والحالة هذه، وأما ما ذكر من أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقصر الصلاة عندما يسمع بكاء الطفل فهذا ورد في جوابي حيث قلت: (أو تريد المرأة الصلاة في المسجد وليس معها من يجلس عند طفلها)، ثم لو تأملت حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – في المدينة وقد مكث عشر سنوات فيها فتساءلت كم ورد أنه خفف الصلاة لسماعه بكاء طفل؟ أو أن الحسن أو الحسين ركبا على ظهره لوجدت ذلك مرة أو مرتين، فآلاف الفرائض تقام في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمدينة، ثم لم ترد مثل هذه الحالة إلا مرات يسيرة مع تواجد أولاد الصحابة – رضي الله عنهم – والتزامهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصلاة الجماعة مع الرسول – صلى الله عليه وسلم – في المسجد النبوي دليل واضح على تجنيبهم الصبيان ممن هم دون التمييز المساجد، وهو الأقرب إلى مقصد الشرع من بيوت الله، قال تعالى: "وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ"[الحج: من الآية26]، والله أعلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
2695
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - خلاف العلماء في الشروط في النكاح
خلاف العلماء في الشروط في النكاح
نايف بن أحمد الحمد (القاضي بمحكمة رماح)
………
16/6/1424
14/08/2003
ورد إلينا تعقيب من أحد القراء الأعزاء يستشكل منه عدم بسط المفتي لآراء الفقهاء وأدلتهم على فتوى (طلب الطلاق إذا تزوج الزوج) وقد أجاب المفتي على تعقيبه وذكر الشيخ – حفظه الله- في نهاية المطاف السبب في عدم بسط آراء الفقهاء في هذه المسألة وفي غيرها، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:(1/170)
شيخنا الفاضل سلمان بن فهد العودة حفظه الله تعالى وجميع العاملين في نافذتنا المطلة على عالم اليوم، بإسلام اليوم والغد والأمس؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولا إني أحبكم في الله تعالى ونسأله أن يثبتنا وإياكم آمين .
أما بعد :فإني أود من فضيلتكم عند الإجابة على الأسئلة الفقهية طرح آراء الفقهاء وأدلتهم، لا طرح الرأي الراجح عند المفتي فقط، لاسيما وموقعكم الطيب لا يطلع عليه فقط العوام الذين يريدون فتوى دون أدلة الأطراف المتنازعة في الدليل وأرجحيته، وإن كنت معكم في أن العامة يحسن في مثلها تلك الإجابة القصيرة الواضحة ،ولقد أجاد الشيخ نايف الحمد عندما قال :وهو أصح قولي العلماء هذا في نظره ونظر شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحا نحوه من المتقدمين ،أما رأي الجمهور المتقدمين كالشافعي وأبي حنيفة ومالك فيرون أنه إذا تزوجها على شرط ألا ينكح غيرها عليها أو يتسرى أو بألا يخرجها من بلدها فالشرط باطل والنكاح جائز، ولا يخفى على فضيلتكم الدليل، والمسألة مبسوطة في مظانها، والخلاصة لو يفيدنا المفتي -حفظه الله تعالى- بالخلاف المختصر مع أدلته وما يراه هو راجحاً من قولي العلماء فذلك يعطينا مرجعا موثقا مختصرا ،أقول هذا وأستغفر الله على هذا التعليق الذي لست أهلا له ،والسلام عليكم.
*****
التوضيح
الحمد لله وحده، وبعد: فإني أشكر الأخ الفاضل على نصيحته الموفقة بإذن الله تعالى، والتي عرضها بثوب قشيب، وبأدب رفيع، وبعبارات منتقاة، فله مني كل شكر وتقدير واحترام، ودعاء بأن يرفع الله قدره، وأن يجزيه خير الجزاء، هذا أولاً.(1/171)
وثانياً: ما ذكره الأخ الكريم من أن مذهب الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي من أن الشرط باطل فصحيح، ولكن ما أفتينا به هو ما تبين لنا رجحانه بالدليل الصحيح الذي رواه عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" رواه البخاري رقم (2572) ومسلم رقم (1418)، ونحن لم نذكر أن النكاح يفسد أو يبطل بزواج الزوج من ثانية؛ بل قلنا إن لم يف به الزوج فللزوجة الفسخ؛ أي عند رغبتها به، أما إذا لم ترغب الفسخ فالنكاح باق والحمد لله، واتباع الدليل ليس فيه أي انتقاص للأئمة رحمهم الله تعالى، بل فيه تكريم لهم، أما مطالبتكم حفظكم الله ببسط المسألة والأدلة وذكر الراجح فلا يخفى عليكم أن الأسئلة كثيرة، والوقت ضيق لانشغالنا بأمور كثيرة، فلو بسطنا القول في كل مسألة فلن أتمكن من الإجابة إلا عن سؤال واحد في الأسبوع، وفي هذا ضرر بالغ على بقية المستفتين بسبب تأخر الإجابة على أسئلتهم، والتي كثيراً ما يطالبون فيها بسرعة الإجابة، فنحن نذكر ما ندين الله تعالى به مع دليله من غير انتقاص لمن خالفناه من العلماء الأجلاء، كما أن هذه النافذة هي نافذة للفتاوى، وليست نافذة للبحوث والدراسات، بحيث تبسط المسألة بذكر الأقوال، والأدلة، والترجيح، والجواب عن دليل القول الآخر، فهذا له نافذة أخرى في الموقع، هي نافذة بحوث ودراسات.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وأعنا على اجتنابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
2717
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - مراجعات على فتوى الفضائيات
مراجعات على فتوى الفضائيات
سامي بن عبد العزيز الماجد
………
23/6/1424
21/08/2003(1/172)
نذكِّر الإخوة القراء أن هذه الزاوية (في البدء)؛ افتتحت لتكون إطلالة تواصل مع الإخوة (زوار الموقع)، نعرض فيها قضايا نافذة الفتاوى، مع ما يمكن من الكلمات النافعة والفتاوى المختارة، كما نعرض فيها قضايا رسائل الزوار المتعلقة بوضع النافذة بشكل عام.
حيث وردنا تعقيب من أحد الإخوة على فتوى (وضع الدش والتحكم فيه) يرى فيه إغلاق هذا الباب جملة وتفصيلاً؛ حتى لا يكون ذريعة توصل إلى ما حرم الله، وقد عرضنا هذا التعقيب على فضيلة الشيخ المفتي فتكرم بالتوضيح والبيان.
التعقيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مع احترامي وتقديري لرأي الشيخ في هذه الفتوى إلا أنه فتح علينا باباً لا يغلق، أتعلم يا شيخ أن أقل دش تشتريه يحمل في طياته أكثر من خمسين أو ستين قناة، النافع منها واحدة أو اثنتان ؟ إن أولادنا الآن - ومع تطور العلم - يستطيع ذو العشر سنوات منهم أن يفك التشفير، أو الحجب الذي قام بوضعه الأب, والأب لا يدري عن ذلك، ظانا أن الأمر كما تركه عليه، مستنداً إلى فتوى الشيخ سامي الماجد؟ يا شيخ لقد فتحت بفتواك هذه - في هذا الموقع الموثوق - باباً من الشر لا يعلمه إلا الله، وليس فقط فتح باب ولكن ذريعة لأهل الفساد أن يستهزئوا بأهل الخير، ولتعلم يا شيخ أن عامة الناس يعتبرون أناساً محافظين عاديين، يتأرجحون بين شراء الدشوش وبين عدمه، وبفتواك هذه أعطيتهم دفعة قوية للمضي قدما فيما ترددوا فيه، ويأتيهم الشيطان بقول لقد أفتاكم سامي الماجد، نسأل الله أن يغفر لك يا شيخ، وأرجو أن تراجع كلامك وتدرس المصالح والمفاسد من الدش، وتخرج لنا الرأي الشرعي, واعلم يا شيخ أن الخمر أيضا فيها منافع.
*****
التوضيح
الأخ الفاضل: وفقه الله لكل خير.
أشكرك على غيرتك ونصحك لأخيك وصدق غيرتك على إخوانك.(1/173)
اعلم ـ أخي ـ أن جانب التورع والاحتياط في الفتوى أوسع من دائرة (الحذر من تحليل الحرام)، إذ أول ما يجب أن يسعه الاحتياط في الفتوى (الحذر من تحريم الحلال). ولقد كان أيسر شيء عليّ في الجواب على سؤالٍ كهذا أن أقول: (لا يجوز ذلك؛ لما فيه من الخطر المرتقب أو المحتمل).
هذا جوابٌ لم يعزب عني عند أول وهلة في إعداد الجواب، وهو كما تراه كليمات قليلات أستطيع أن احتاط فيها لنفسي، وأرضي بها كثيرين، وأدرأ عن نفسي غضبهم وسخطهم وانتقاداتهم.
ألا ترى هذا الجواب ـ لو أجبتُ به ـ جواباً مختصراً في أمر يحتاج إلى تفصيل يفرضه اختلاف أحوال الناس وقدراتهم، فأنت تعلم ـ يا رعاك الله ـ أن الناس ليسوا كلهم موسرين قادرين على الاشتراك في هذه القناة، ولا كل الناس لديهم أبناء مراهقون متمرسون على فك التشفير وكشف المحجوب.
يجب أن تكون خشيتنا من أن نحرِّم على الناس أمراً حلالاً كخشيتنا من أن نحلل لهم حراماً أو أشد خشية؛ لأن الأصل في الأشياء الحل، وهذا الأصل يقين لا يزول إلا بيقين.
وانطلاقا من هذا الواجب فإني لا أستجيز لنفسي أن أحرم على أحدٍ أمراً يتأتى أن يكون حلالاً بضوابط مستطاعة.
وأما قولك ـ أخي الفاضل ـ: إن الدش الذي سيشتريه الأخ السائل يمكّنه أن يستقبل عشرات القنوات، فذلك لم يكن خافياً علي، ولأجل هذا قلت في الجواب: (فلا حرج إذن أن تقتنوا الدش، ولكن بشرط أن تحجبوا كل القنوات الفاسدة).
أما مسألة قدرة الأبناء على فك التشفير وفتح القنوات المحظورة، فلا أظن هذه أهون عليهم من زيارةٍ لإحدى المقاهي المنتشرة والتي تعرض قنوات مشفرة أفجر وأخلع من تلك القنوات التي يمكن أن يستقبلها الدش الموجود في البيت.
كما أن هذا الاحتمال المخوف من الممكن درؤه بوضع جهاز الاستقبال (ما يسمى بالرسيفر) في صندوق محكم لا تنفذ إليه إشارات (الريموت)، فلا يقدر أحد على فتحه أو تغيير قنواته وفك تشفيره.(1/174)
وإذا كنا نرى التخوف من قدرة الأبناء على فك التشفير ومشاهدة القنوات المحجوبة يوجب علينا منع الناس من اقتناء الدش مطلقاً ولو لمشاهدة قناة المجد سداً للذريعة، فليوجب هذا التخوف علينا أن نمتنع من تصفح الإنترنت في بيوتنا؛ لأنه ربما كان لأحدنا أبناء مراهقون قادرون على دخول المواقع الإباحية بطرقٍ هم أدرى بها منّا.
ألا ترانا أخي نبالغ أحياناً في مسألة سد الذرائع حتى أصبح الاستثناء أصلاً والأصل استثناء، وأصبح الاحتمال السيء حاكماً على أمور حسنة راجحة ذات مصالح متحققة؟!
أخي الحبيب: يجب ألا نجعل هذه الاحتمالات البعيدة موجباً لتحريم شيء ليس حراماً في ذاته، وغاية ما تدفعنا إليه هذه الاحتمالات أن نحكم الرقابة على هذه الأجهزة حتى لا تنقلب وسيلةً للمحرم.
وشيء آخر مهم أُنبِّه إليه، وهو أن الفتوى ليست خاصة لأهل الجزيرة، والذين يغلب عليهم الاقتدار على الاشتراك في قناة المجد، فالموقع يتصفحه القاصي والداني، والمقيم في هذه الجزيرة والمقيم خارجها، فمن الحكمة أن يُراعى في شأن الفتوى العامة أحوال الناس المختلفة باختلاف الأقطار.
كما أن السائل من أهل مصر، والاشتراك في قناة المجد في بلادهم وإن كان متاحاً لكنه على نطاق ضيق محدود جداً ـ كما أخبرني بذلك أحد المسؤولين في القناة ـ وقيمته باهظة بالنسبة لأكثر الناس هناك.
فإذا كان من الممكن أن يفيد أحد هؤلاء (غير القادرين على الاشتراك في القناة) من برامجها مع تأتِّي حجب القنوات الفاسدة، فهل من الحكمة والحيطة أن نمنعه منها تخوفاً من أن يستطيع أبناؤه أن ينفذوا إلى القنوات المحجوبة؟ وما هو من قبيل هذا الاحتمال البعيد، والذي يمكن أن يُدرأ كما بينته سابقاً؟!(1/175)
وأما اعتراضك بكون الخمر أيضاً فيه منافع للناس، ومع ذلك حرَّمها الإسلام، فهو اعتراض معتبر لو أن السؤال كان عن مشاهدة القنوات كافة، والتي إثمها أكبر من منافعها، غير أن السؤال كان عن اقتناء الدش لمشاهدة قناة المجد التي لا نعلم عنها إلا خيراً.
أراه رأياً فطيراً تُنتجه نظرة قاصرة محدودةٌ بحدود إقليمٍ أو بلد ما حين نجعل الناس كلهم محصورين بين خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يشتركوا في قناة المجد فلا يشاهدونها إلا عبر جهازها الخاص، أو ليبقوا محرومين منها ما داموا غير موسرين.
ألا يشرع لهم خيار ثالث يمكن أن تتحقق فيه المصلحة مع القدرة على درء المفسدة: وهو أن يقتنوا أي جهاز يستقبل هذه القناة بشرط أن يحجبوا القنوات الفاسدة .
إني لأجد في القول بالمنع من اقتناء غير دش المجد تخوفاً من اطلاع الأولاد على القنوات المحجوبة ـ أجد فيه حرماناً عظيماً لأناس كثيرين يرغبون في الإفادة من برامج هذه القناة ولكنهم عاجزون عن شراء طبقها الخاص.
ينبغي أن تتسع جهودنا في تربية أولادنا لأدوات التربية كلها، فلا تقتصر على جانب دون آخر، ومن التقصير أن تنحصر جهودنا في وقايتهم من ذرائع الشر أن تصل إليهم بالمنع والحجب، فهذا وإن كان واجباً لا يغني شيء عنه، لكنه وحده لا يكفي قطعاً، فهناك وسائل تحصينية تربوية لا بد من الأخذ بها، وأن يكون لها الاهتمام الأكبر والوقت الأكثر؛ لتغذي عقول أولادنا بالفكر النير، وتنمّي في قلوبهم رقابة ذاتية تحصنهم وتمنعهم أن يسعوا للشر، أو يسارعوا إليه إذا غاب عنهم الرقيب.
وقناة المجد بما فيها من برامج جادة مفيدة وأخرى مسلية هادفة أداة تُسهم في هذا المجال، فتملأ فراغ أولادنا وتشبع رغباتهم في الممتع المباح، وتفقههم في دينهم وتعلمهم الآداب الفاضلة وتغذي فكرهم وترقق قلوبهم.(1/176)
ولعل هذه القناة إذا أشبعت رغبات الأولاد، وملأت فراغهم، وشغلت أوقاتهم بالمفيد والممتع أن تكون عوناً لأوليائهم على صرفهم عن ابتغاء القنوات الفاسدة والخليعة، سواء بارتياد المقاهي أو فك التشفير واختراق القنوات المحجوبة.
ومن الإجحاف والحيف أن نحسب هذه القناة الرائدة مجرد تسلية وترف، فلا تُقتنى إلا لتزجية أوقات الفراغ.
نسأل الله القدير أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يبصرنا ويفقهنا في الدين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
# # #
كما وردنا تعقيب آخر على الفتوى المذكورة يؤكد على أن الأولى هو دعم هذه القناة عن طريق الاشتراك المباشر معها، وعلى ضرورة حجب القنوات الفاسدة عند اللجوء إلى شراء الأطباق العامة وفيما يلي نص هذا التعقيب.
التعقيب:
لعل من المهم اعتباره في هذا الصدد: أن المجد تحتاج دعماً مادياً بالاشتراك فيها، لكن هذه الطريقة تقلل من الاشتراكات، مما قد يرهق كاهل القناة، وهي إن لم ندعمها لم تستمر، لا قدر الله، ولذا تمنيت أن لو عرض الأمر على القناة أولاً لاستشارتها في الطرح العلني لمثل هذا النوع من الأسئلة، عذراً لا علاقة لي بالقناة إلا محبتها، والعزم على الاشتراك فيها، أمر آخر هو: هذا لو اشترط الجواب وجوب إلغاء القنوات السيئة قبل إدخال الطبق للمنزل، سداً للذريعة.
*****
التوضيح
أخي الكريم:
لو تأملت الفتوى لوجدتني قد اشترطت أن تحجب جميع القنوات الفاسدة، أما مسألة الاشتراك فلم أقترحها على السائل؛ لأنه من مصر، ولا تخفى عليك أحوالهم المادية.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
2867
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - قراءة الفاتحة وعقد النكاح
قراءة الفاتحة وعقد النكاح
محمد بن سليمان المسعود (القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة)
………
28/7/1424
25/09/2003(1/177)
وردنا تعقيب من أحد الإخوة على فتوى (جماع المخطوبة) يستدرك فيه أن المراد بقراءة الفاتحة في الخطوبة العقد الشرعي، وقد عرضنا هذا التعقيب على فضيلة الشيخ المفتي فتكرَّم بالتوضيح والبيان
التعقيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الظاهر أن المراد بقراءة الفاتحة: العقد الشرعي، كما يطلقه الناس في الشام، وحينئذ لا تكون الفعلة زنا، والله أعلم آمل التأكد من مراد السائل والتوضيح.
*****
التوضيح
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فجواباً لهذه الملحوظة كما أعلم أن قراءة الفاتحة ليست عقداً شرعياً، وإنما هي عادة جرت عندهم، والذي يظهر مما أعلمه أنها ليست إيجاباً أو قبولاً، وإنما هي وعد بالتزويج، وهذا لا يعتبر عقداً شرعياً، وإنما العقد الشرعي لا بد فيه من الإيجاب والقبول، وهما ركنا العقد الشرعي وبدونه لا يعتبر عقداً شرعياً، ولذلك فإن السائل - كما ذكر - إذا لم يكن إيجاب وقبول فلا تحل له، وإذا قرئت الفاتحة مع العقد الشرعي فإنها حينئذ تحل له، مع العلم أن قراءة الفاتحة لم يرد بها الشرع، وإنما هي أمر مبتدع، والسنة أن تكون خطبة النكاح: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ...) كما صح بذلك الحديث انظر مسند الطيالسي (336)، وصحيح مسلم (868) وسنن أبي داود (2118)، والمستدرك (2798)، وخطبة الحاجة للألباني، هذا ما لزم إيضاحه – وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
2893
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - وظيفة المحامي في الشريعة الإسلامية
وظيفة المحامي في الشريعة الإسلامية
أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
………
6/8/1424
02/10/2003(1/178)
ورد إلى نافذة الفتاوى سؤال يتعلق بالمحاماة، فأجاب فضيلة الشيخ/ أحمد الرشيد - حفظه الله - عنه وكان عنوان الفتوى (دراسة الحقوق والعمل في المحاماة) ثم وردنا تعقيب من أحد قرائنا الأعزاء على هذه الفتوى، يستشكل أن القوانين المتَّبعة في وظيفة المحاماة لا تستند إلى الشريعة الإسلامية، فيكون الأساس الشرعي ساقطاً شرعاً لهذه الوظيفة.
وقد تم عرض هذا التعقيب على الشيخ المجيب، فتفضَّل بالإجابة. جزاه الله عنا خيراً، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
لي تعليق على فتوى فضيلة الشيخ الرشيد، وأرجو من الشيخ أن يتَّسع صدره لجهلي، والفتوى على العنوان التالي: (دراسة الحقوق والعمل في المحاماة)
أولا : هل هناك مجال لوظيفة المحامي المتعارف عليها في ظل تحكيم الشريعة الإسلامية؟ وإذا كان كذلك فهناك فرع في علوم الشريعة يهتم بتدريس هذا المجال وفق الضوابط الشرعية، وهنا لا خلاف إذا كان الجواب بنعم.
ثانيا : إذا لم يكن كذلك فالشيخ تجاهل كون وظيفة المحاماة - التي يتخرَّج صاحبها بعد دراسة القوانين الوضعية من الجامعة - ومن ثم فهي تتحاكم إلى القوانين الوضعية، والقضايا المتَّصلة بها بالمحاكم يتم التعامل معها وفق الدستور والقوانين القضائية للدولة التي لا تستند إلى الشريعة الإسلامية، فضلاً عن إقصائها لها، إلا ما حصر في شيء من القوانين المدنية أو المحاكم الأسرية إذا صحّ الاصطلاح، وغير ذلك في الدوائر المختلفة بالمحاكم ، ووفق ذلك فالأساس الشرعي لهذه الوظيفة يكون ساقطاً شرعاً لتحاكمه للطاغوت واعتماده عليه، وجزاكم الله خيراً.
*****
التوضيح(1/179)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فإن وظيفة المحاماة المشهورة في العصر الحاضر لا يمكن إطلاق القول فيها بأنها حلال أو حرام ؛ لأنه ليس لها حكم في ذاتها ، ولكن حكمها يتبع الأمر الذي يقوم المحامي بالدفاع عنه ، فإن كان أمراً واجباً أو جائزاً فإن المحاماة حينئذٍ تكون مشروعة. وإن كان الأمر الذي يقوم المحامي بالدفاع عنه محرماً فإن المحاماة حينئذٍ تكون غير مشروعة .ولذلك فإنه إذا طلب أحدٌ من المحامي الدخول في أي قضية ، فإن عليه أن ينظر : فإن كان الحق معه دخل فيها ، وإلا فإنه يحرم عليه أن يدافع عن باطل ، بل ويجب عليه أن ينصحه ويبين له بطلان دعواه . ومن خلال ما سبق يتبين أن المحاماة عن الحق والدفاع عنه له أصل في الشريعة ، وذلك داخل في أمر الشريعة بمساعدة المظلوم والانتصار له ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" رواه البخاري ، وفي هذا العمل ردٌ للأمانات لأهلها، والله سبحانه وتعالى يقول: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" ، وفي العموم فإن في المحاماة عن الحق والدفاع عنه تعاوناً على البر والتقوى، والله سبحانه وتعالى يقول :" وتعاونوا على البر والتقوى".(1/180)
أما ما سألت عنه حول وجود فرع في علوم الشريعة يهتم بتدريس هذا المجال وفق الضوابط الشرعية ، فالجواب : نعم ، وذلك من خلال معرفة الأحكام الشرعية للأمور التي يُحَامَى عنها، وما هو حلالٌ منها وما هو حرامٌ ، ومن خلال معرفة الأصول والقواعد العامة التي تراعيها الشريعة وتأمر بها ، وكذلك فإن المحامي يستفيد مما كتبه العلماء فيما يتعلق بدلالات الألفاظ والتراكيب ؛ ليعرف ما تدل عليه الألفاظ الدائرة بين الناس ، وكذلك ما كتبه العلماء فيما يتعلق بالتعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية ومدلولاتها ، ونحو ذلك ، وكل ما سبق ذكره يجده الإنسان في المؤلفات التي كتبها العلماء في مجالات : الفقه ، وأصول الفقه ، والقواعد الفقهية . وكذلك من الكتب المهمة في هذا الجانب ما كتبه العلماء في الطرق الشرعية للقضاء ، ومن ذلك : كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم (ت:751) ، وكتاب : تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون المالكي (ت:799هـ) ، وكتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام للطرابلسي الحنفي (ت:844هـ) ، وغيرهم . أما إذا كان الإنسان يعيش في بلد يُتحاكم فيه إلى القوانين الوضعية ، فإنه يجب عليه ألاّ يدخل في أي قضيةٍ إلا بشرط أن يعرف أن الحكم الذي يطالب به لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ، وذلك لأنه لا تعارض بين جميع القوانين الوضعية وأحكام الشريعة الإسلامية ، فما كان منها موافقاً جاز للمحامي المطالبة به ، وما كان منها مخالفاً حرم عليه المطالبة به ؛ عملاً بما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب التحاكم إلى ما شرعه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام . والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
3143
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - الزواج عبر الإنترنت
الزواج عبر الإنترنت
سامي بن عبد العزيز الماجد
………(1/181)
17/10/1424
11/12/2003
ورد إلى نافذة الفتاوى سؤال يتعلق بموضوع الزواج عبر الإنترنت، فأجاب عنه فضيلة الشيخ/سامي بن عبد العزيز الماجد - حفظه الله - وكان عنوان الفتوى (الزواج عبر الإنترنت) ذكر فيها بعض الضوابط للمراسلة، وحذر فيها النساء من الانخداع بالطرف الآخر، ثم وردنا تعقيب من أحد قرائنا الأعزاء على هذه الفتوى، وذكر أن المراسلة خطوة أولى من خطوات الشيطان؛ لأن المرأة ضعيفة، فعرضنا هذا التعقيب على الشيخ المجيب، فتفضَّل بالإجابة. جزاه الله عنا خيراً، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أسأل الله أن ينفع بكم وبعلمكم، وأن يهدينا وإياكم إلى سواء السبيل، عندي استفسار يا شيخ بخصوص فتوى الزواج من خلال الإنترنت، وقد ذكرتم بعض الضوابط للمراسلة، وحذرتم النساء من الانخداع بالطرف الآخر، ولكن مع ذلك ألا ترى أن هذه هي الخطوة الأولى من خطوات الشيطان؛ لأن المرأة أضعف من أن تتصدى للهجوم بمعسول الكلام، ولو تركت مراسلته فقد يستمر هو، ثم هل يرضى أحدنا لابنته مثل هذه الرسائل؟ أو لأخته مثلاً؟ لا أظن ذلك، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينكم على كل خير، وأن يعينكم علي وعلى أمثالي. والله يرعاكم.
*****
التوضيح
الأخ الفاضل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خيراً على نصحك لأخيك، وعلى حسن أدبك ولطفك في حوارك.
ما تساءلت عنه أمر وجيه، جدير أن يحترم مهما كانت درجة الاختلاف.
لكن ألا ترى يا أخي أن المرأة التي ترتاب في رسائل التعارف قبل الزواج هي غير تلك المرأة التي تنساق بلا تردد ولا تساؤل إلى تلك المراسلات، بل برغبة ملحَّة وتلهف لا يني.
ألست تجد الأولى يحيط بها شعور الحذر والاحتياط، بينما الأخرى لا يحيط بها إلا الشعور بالزهو والإعجاب، بثناء الطرف الآخر واللهث وراء معسول كلامه؟.(1/182)
إن من تأتيك لتستفتيك في هذه المكاتبات التي يعني كل طرف فيها أن يتعرف على شخصية الآخر وصفاته- لا تحتاج إلى هذا الاحتياط والتحرز الذي تطالب به، لأنها لم تسأل إلا وهي متخوفة مرتابة في نوايا الطرف الثاني.
وهل يجسر أحد على تحريم هذه الرسائل ما دامت لم تند عن هذه الضوابط؟.
والمرأة إذا هي انهزمت وانساقت للرجل في رسائل خارجة عن المقصود، فإنما ذلك لأنها قد أخلَّت بشيء من ضوابط المراسلة المباحة.
أجده سائغاً أن تمنع المرأة من محادثة الرجال مباشرة بواسطة ما يعرف بـ (الماسنجر)؛ لأن هذه المخاطبة المباشرة كثيراً ما تفضي بالمتحاورين إلى الاستطراد والخروج عن الهدف المقصود، وقد يستجرهما الشيطان بعد حين إلى الخوض في أمور لا تحمد عقباها.
ولكن ثمة فرقاً بين هذه المحادثة المباشرة وبين المراسلة عبر البريد الإلكتروني؛ فخطورة الاستطراد والاستدراج في المكاتبة المباشرة أشد منها في المراسلة غير المباشرة إلى حد بعيد، ففي الحديث المباشر يسهل على الشاب أن يختلق للفتاة أجواءً من الرومانسية، فيسيطر على مشاعرها ويستدرجها إلى مآرب غير معلنة بادئ الأمر، كما أن الفتاة قد تسرع إلى الاستجابة لمعسول كلامه من غير تفكير ولا روية، لأنهما يتداوران الكلام كما لو كانا يتحادثان عبر الهاتف، فمجال التروي والتفكير فيه قصير قصر ما بين تعاقبهما في الحوار.
فالقول بتحريم المراسلة عبر البريد الإلكتروني بغرض الزواج -سداً للذريعة وخشية على المرأة أن تضعف وتستجيب لحبال أهل الشهوات - أراه من البالغة في العمل بسد الذرائع، فليس هو بمظنة الفتنة، وفي ذلك تضييق لمساحة المباحات والرخص.
إن الإذن للمرأة بمراسلة الشاب فيما يخص موضوع الزواج ليس هو الذي يجعلها تضعف أمام تلك الرسائل التي تخرج عن الموضوع المقصود إلى العلاقات العاطفية المريبة.(1/183)
إنما الذي جعلها تضعف لمعسول الكلام، وتستجر لأهداف مريبة هو التقصير في توعيتها بالخطاب المؤثر، حتى خبت جذوة الإيمان في قلبها، وهان عليها مخالفة أمر الله.
إن الأولى من انتهاج المبالغة في سد الذرائع أن نضاعف جهودنا في تجديد خطاب الوعظ، وأساليب الترهيب والترغيب، وأن نتوخى في ذلك ما هو أشد تأثيراً وأعذب لفظاً وألين أسلوباً، بحيث يبرز فيه احترام ذات المرأة وإحسان الظن بها بقدر ما تختفي فيه لغة الاتهام وإطلاق الأحكام جزافاً، وبحيث يجمع بين مخاطبة العقل وإحياء العاطفة، وبين المنطق العقلي والأسلوب البليغ المؤثر، والمرأة بحاجة إلى من يقنعها لا إلى من يقرعها ويضفي عليها الأوصاف المشنوءة.
إن المرأة قد تخطئ وتزل قدمها في مزالق الشيطان، فيتعين حينئذ الأخذ بيدها وتخويفها،غير أن تحذيرها من هذه المزالق المردية لا يضطرنا أبداًَ إلى أن نسيء بها الظن، أو نطلق عليها الأحكام جزافاً، ونرميها بالتهمة، ونؤاخذها بالظنة.
وأحسب أننا نخطئ التقدير حين نظن أن المرأة أضعف من الرجل أمام المغريات وذرائع الفتنة، وأنها أسرع استجابة وأيسر استدراجاً إلى مهيع الفاحشة.
والذي يظهر أن الرجل هو الأضعف والأسرع استجابة،والأيسر في الاستدراج بشهادة الواقع.
وخطاب الوحي المقدَّس يشي بهذا، كما في قوله تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما...الآية"، فبدأ بالأنثى قبل الذكر، لأن الإغواء والإغراء أكثر ما يقع منها هي، يظهر أمامه ضعف الرجل، فيسارع للاستجابة والمطاوعة، ولكن في السرقة بدأ بالذكر قبل الأنثى، لأن حب المال في جنس الرجال أكثر منها في جنس النساء: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما...الآية".(1/184)
وإنما توهمنا أن المرأة هي الأضعف، لأن الرجل في الغالب طالب، والمرأة مطلوبة، ومن كان شأنه أن يكون مطلوباً ليس بمستغرب أن يرى الضعف والاستجابة والمطاوعة أكثر مما يرى من الرجل؛ لأنه في الغالب هو الذي يطلب الطرف الآخر، ويسعى للاستحواذ عليه.
وحتى يستبين لك هذا جلياً: انظر إلى كيف هو ضعف الرجل حين يكون مطلوباً تتعرض له المرأة بالإثارة والإغراء فهو- بلا شك- أمام إغراء المرأة أضعف وأقل صبراً وأسرع استجابة من المرأة أمام دعوته وتسويله.
إننا لا نعترض على العمل بسد الذرائع، فهو دليل من الأدلة الشرعية، ولا على الغيرة على الأعراض، فقد أثنى النبي –صلى الله عليه وسلم- على بعض الصحابة – رضي الله عنهم- غيرتهم، ولا على حماية المرأة من وسائل الإغواء، فزماننا قد كثر فيه الفساد وتسلَّط فيه أهل الشهوات، لكن الاعتراض يتوجه إلى المبالغة المفرطة في سد الذرائع، وفي المنع والتحرز إلى حد تشعر فيه المرأة أنها مسلوبة الثقة،وأنا هنا لا أتكلم بخصوص مراسلتها عبر البريد الإلكتروني فقط، بل عن أسلوب معاملتنا لها على وجه العموم، فمنعت من الإفادة من الإنترنت، وأحياناً من اقتناء الجوال، وكأن دخولها لعالم الإنترنت واقتناءها للجوال هو في ذاته وقوع في شرك الذئاب البشرية التي تتصيد النساء، وتستدرجهن إلى درك الفاحشة، نفعل ذلك في الوقت الذي منحنا فيه أبناءنا الشباب حق الإفادة والاستمتاع بهذه الوسائل، أحياناً برقابة، وأحياناً بلا رقابة!.
يجب أن يضبط العمل بسد الذرائع؛ حتى لا نقع في دائرة التشديد وتحريم الحلال، وفي هذا السبيل يجب أن نحقق النظر بتأمل وتجرد وموضوعية في كل وسيلة من الوسائل، هل هي مظنة للفتنة وذريعة إلى الحرام؟(1/185)
فمثلاً ذهاب الفتاة وحدها إلى الأسواق غير النسائية مظنة للفتنة يجب أن تمنع منه، ودخول الإنترنت باستخفاء في آخر الليل مدعاة للريبة يجب أن يمنع منه الابن والبنت على السواء، وخلوتها ب- الأجنبي حتى ولو كان سائقاً على كفالة والدها - ذريعة للفساد يجب أن تسدَّ.
ومع كل ذلك يبقى من المبالغة في سد الذرائع، منع الفتاة من الإفادة من الإنترنت مطلقاً حتى ولو بمرآى من جميع الأسرة وفي وضح النهار، ومن الإفراط في الحذر وسلب الثقة أن تحرم من الجوال وهي محتاجة إليه، في الوقت الذي يمنح الابن حق الإفادة من الحاسوب والجوال بحرية مطلقة أو رقابة غير جادة.
وهذا لعمر الحق من التناقض العجيب،وهو يدل على أن أسلوب تعاملنا مع المرأة فيه شيء من الإفراط والحذر وعدم الثقة، وأننا نأخذ بالرقابة وأسباب المنع أكثر مما نأخذ بأساليب التوعية ودعائم تحصين الفكر، فبالغنا في الاحتياط والرقابة والمنع، وأهملنا الجوانب الأخرى من التوعية والتثقيف والتحصين والتهذيب.
والحاصل أن هذه المبالغة في سد الذرائع هي بلا شك مجانفة واضحة عن المنهج الوسط، لا يمكن تقويمه إلا بأن ينقص من هذه المبالغة بقدر ما يزاد من الحرص على تنويع الخطاب وتهذيبه والارتقاء بأسلوبه؛ حتى يكون مقنعاً لعقل المرأة مؤثراً في وجدانها.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
3151
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - في السعودية هل فاتنا يوم من رمضان؟
في السعودية هل فاتنا يوم من رمضان؟
عبد الله بن سليمان بن منيع
………
19/10/1424
13/12/2003(1/186)
انتشرت أخيراً شائعة بأن شهر رمضان قد ثبت دخوله ليلة الثلاثين من شعبان، وأن على من أفطر هذا اليوم باعتباره الثلاثين من شعبان قضاؤه، وعليه فإن على سكان المملكة قضاء يوم من رمضان، ولكثرة ما وردنا من تساؤلات حول هذا الموضوع عرضنا السؤال على سماحة الشيخ/ عبد الله بن سليمان بن منيع(عضو هيئة كبار العلماء).
*****
فأجاب – حفظه الله-:
لا شك أن أمر ثبوت الهلال مبني على ثبوته شرعاً برؤية معتبرة لدى الجهة المختصة بإثبات الهلال،وذلك لقوله – صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، ولم يثبت لدى هذه الجهة المختصة رؤية معتبرة بأن يوم الأحد هو اليوم الأول من أيام رمضان،وإنما ثبت بأن يوم الأثنين هو أول أيام شهر رمضان بالنسبة لما عليه الأمر في المملكة العربية السعودية؛ ولئن كان الهلال مولوداً مساء السبت الساعة الرابعة إلا تسع دقائق، وأنه يتأخر عن الشمس في الغروب أربع دقائق، بحيث تغرب الشمس قبله يوم السبت بأربع دقائق، ويتخلف عنها بهذا العدد من الدقائق، فيستبعد أن يُرى في المملكة؛ لقصر المسافة الزمنية بين غروب الشمس وغروبه؛ ولئن ثبت في بعض البلدان الإسلامية كجمهورية مصر العربية والأردن واليمن والسودان، فهذا يعني أن هذه البلدان نحو الغرب بالنسبة للمملكة، فيحتمل أن يكون بين غروب الشمس وغروب القمر مدّة زمنية أكثر من أربع دقائق يتمكَّن فيها متراؤا الهلال أن يروه في هذا الوضع، وقد سبق أن صدر قرار من هيئة كبار العلماء ببحث موضوع ما إذا ثبت في إحدى البلدان الإسلامية هل يكون ملزماً للبلدان الأخرى أم لا؟ بحث هذا الموضوع في هيئة كبار العلماء، وكانت نتيجة البحث هو أن يوكل لأهل الحل والعقد في كل بلد إسلامية أمر ما يختارونه من أحد أمرين: وذلك في حال ثبوت الهلال في إحدى البلدان الإسلامية: فإما أن يختار أهل الحل والعقد في البلد التي لم ير فيها الهلال تقليد البلد الإسلامي الذي رآه، أو يختارون(1/187)
الاستقلال بالرؤية وعدم التقليد، ونظراً لأن الموضوع محل خلاف قوي، فقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قراراً بأن ذلك راجع إلى أهل الحل والعقد في كل بلد إن اختاروا الاستقلال في الرؤية فلهم ذلك، وإن اختاروا تقليد غيرهم من البلدان الإسلامية الأخرى التي ثبت لديها الهلال، فلهم ذلك، ولكل رأي أو قول من هذين القولين، أنصار وعلماء قالوا بذلك، وفي الأمر نفسه لا يخفى أنه لا يجوز لدى مجموعة كبيرة من أهل العلم العمل بالحساب الفلكي في حال الإثبات، لقوله – صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، ولم يجعل – صلى الله عليه وسلم- المعيار أو الضابط في ذلك الحساب الفلكي، وإنما كان الأمر في ذلك راجع إلى الرؤية، والله – سبحانه وتعالى- يقول في محكم كتابه: "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"[البقرة: من الآية185]، أما في حال النفي فيجب العمل بالحساب الفلكي، فإذا قال الحساب الفلكي بأن الهلال لا يولد إلا بعد غروب الشمس، ثم جاء من يقول إنه رأى الهلال قبل غروب الشمس، فهذا في الواقع باطل؛ لأن هذه الشهادة لم تنفك عما يكذبها، فوجب ردُّها مهما كان قائلها، ومهما تعدَّد الشاهدون بها، والحاصل أنه ليس على من صام في المملكة قضاء يومٍ على أنه الأول من رمضان بل صومهم تام إن شاء الله. والله أعلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
3175
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - رقية المعيون بـ(حَبسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابسٌ، وشهابٌ قابسٌ..)
رقية المعيون بـ(حَبسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابسٌ، وشهابٌ قابسٌ..)
د. عبد الله بن عمر الدميجي
………
24/10/1424
18/12/2003(1/188)
نذكِّر الإخوة القراء أن هذه الزاوية (في البدء)؛ افتتحت لتكون إطلالة تواصل مع الإخوة (زوَّار الموقع)، نعرض فيها قضايا نافذة الفتاوى، مع ما يمكن من الكلمات النافعة والفتاوى المختارة، كما نعرض فيها قضايا رسائل الزوار المتعلقة بوضع النافذة بشكل عام.
وقد وردنا تعقيب من أحد الإخوة على فتوى (ما يقال للعائن لاتقاء عينه؟) نقل فيه قصة أبي عبدالله الساجي، وأنه قال : حبس حابس .... إلى آخر ما ذكر، فعرضنا هذا التعقيب على فضيلة الشيخ المفتي، فتكرَّم بالتعقيب والتوضيح.
التعقيب:
بسم الله الرحمن الرحيم، ذكر في فتوى للدكتور الدميجي إجابة على استفتاء أحد الإخوة حول ما يقال للعائن عند إلقاء عينه ما يلي: "أما ما سمعه السائل: (حبس حابس ...الخ) فهذه خرافة يقولها المستعينون بالجن، وهذا شرك لا يجوز أن يقال، وضرره مؤكد ولا نفع فيه" أ هـ.
فأنقل للشيخ ما يلي: "فصل في الرُّقى التي تَرُدُّ العين: ومن الرُّقى التي ترُدُّ العين ما ذكر عن أبي عبد الله الساجي، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فَارهة، وكان في الرفقة رجل عائن، فما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبي عبد الله: احفَظ ناقَتك من العائن، فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل، فأُخبرَ العائنُ بقوله، فتحين غيبة أبي عبد الله، فجاء إلى رحله، فنظر إلى الناقة، فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبد الله، فأُخبرَ أن العائنَ قد عانها، وهي كما ترى، فقال: دلُّوني عليه، فدُل، فوقف عليه، وقال: بسم الله، حَبسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابسٌ، وشهابٌ قابسٌ، رددتُ عينَ العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، {فارجع البَصَرَ هَل تَرَى من فُطُورٍ. ثم ارجع البَصَرَ كَرتَين يَنقَلب إلَيكَ البَصَرُ خَاسئاً وهُوَ حَسيرٌ فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقةُ لا بأسَ بها". فهل هذا زلة من الدكتور أم اجتهاد منه في موضعه؟ أرجو التوضيح من أصحاب الفضيلة.
*****
التوضيح(1/189)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإني أشكر الأخ السائل على استفساره، وحرصه على التثبُّت في أمور دينه، وهذا هو المطلوب من كل مسلم، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، كما قال سعيد بن جبير لحصين بن عبد الرحمن، وكان عليه الرجوع إلى الحق إذا تبين، وسؤال أهل الذكر إذا كان لا يعلم، والتثبُّت مما يقف عليه أو يقال له، خاصة فيما يتعلَّق بعقيدته وإيمانه الذي هو أغلى ما يملك في هذا الوجود .
ثم إن جميع الكلام المذكور في الاستفسار عدة ملاحظات منها:
1. أما بخصوص الرقى التي ترد العين فالصحيح أن ذلك موقوف على ما ورد به الشرع، وهذا ما لم يتوفر في هذه الرقية المذكورة، ونسبتها إلى أحد العلماء إذا لم يذكر دليلها الشرعي فإنه لا يعطيها الصبغة الشرعية، ولا تجوز المتابعة له في ذلك بغير دليل، خاصة وقد بين لنا النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم - الرقية الشرعية لمثل هذه الحالة، فلا يجوز العدول عن بيان النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى كلام غيره مهما كانت منزلته.
2. ثم إن هذا الكلام المذكور ليس دعاءً ولا استعاذة بأسماء الله تعالى وصفاته، وإنما هو من السجع المتكلف الذي هو أقرب إلى سجع الكهان، وليس له معنى ظاهراً يحكم عليه من خلاله، فما معنى حابس ومن هو هذا الحابس؟ وما المقصود بالحجر اليابس؟ وما علاقة الحجر اليابس والشهاب القابس بالرقية من العين ؟
3. ثم إن في العمل بهذه الرقية عدول عما دلنا عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى كلام غير ظاهر المعنى والمراد، وغير معروف المصدر كما تقدم، وهذا لا يجوز.
4. ثم إن في هذا الكلام المسجوع عدة مخالفات شرعية منها:
أ. ما ورد فيه من قوله : "رددت عين العائن عليه، وعلى أقرب الناس إليه"، والسؤال ما ذنب أقرب الناس إليه؟ وقد بين لنا القرآن الكريم أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى" و "وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى".(1/190)
ب. أن فيه استشهاد بالآية في غير ما سيقت إليه ومن غير مناسبة، وليس البصر المذكور في الآية هو بصر العائن كما هو ظاهر وجه الاستدلال.
5. ثم إن في صحة نسبة هذا الكلام إلى أبي عبد الله السياجي نظراً وذلك من وجوه :
أ. أنه لم يذكر هذا القول بإسناد يمكن أن يحكم عليه من خلاله، ويتثبت من صحته إليه.
ب. أنه يذكر في كتب التواريخ والسير والتراجم من القصص والحكايات ما لا يصح نسبته إلى قائلها، وخاصة فيما يتعلق بالكرامات والأمور الخارقة للعادة، ولا يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل هذه الحكايات التي لا زمام لها ولا فطام، ونترك ما ثبت عندنا من قول المعصوم – صلى الله عليه وسلم – الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
ج. أنه لو ثبت ذلك – وهيهات أن يثبت – فلا تجوز لنا متابعته عليه، وإنما المتابعة للمعصوم – صلى الله عليه وسلم – كما ذكر آنفاً.
6. نعم قد روى أبو يعلى في مسنده (9/177) وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (510) والطبراني في الكبير (10/267 رقم (10518) حديثاً مفاده ما روى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فلينادي يا عباد الله احبسوا ، فإن لله حاضراً سيحبسه" فهذا الحديث مع أنه ليس موضوعنا صراحة إلا أنه لا يصح أيضاً؛ لأن فيه معروف بن حسان وهو منكر الحديث كما قال الذهبي في الميزان (4/143)، وأعله الحافظ ابن حجر في الفتوحات الربانية (5/150) بالانقطاع، وفيه سعيد بن أبي عروبة مختلط ومدلس، وقد ضَّعف الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد (10/132) والبوصيري كما في الإتحاف بذيل المطالب العالية (3/239 رقم 3375) ومن المعاصرين الألباني في الضعيفة رقم (655).
وأما دعوى أنه قد تعتبر هذه الرقية شركاً، فهذا على اعتبار أن الحابس من الجن، وأن هذا دعاء له واستعانة من دون الله تعالى، فهذا لا يكون إلا بالجن والاستعانة بالجن في مثل هذا الأمر هو ضرب من ضروب الشرك .(1/191)
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
3246
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - حول نكاح الكتابية
حول نكاح الكتابية
د. محمد بن سليمان المنيعي
………
16/11/1424
08/01/2004
سبق وأن نشرنا في النافذة حول (نكاح الكتابية) و (الزواج من النصرانية) ثم وردنا تعقيب من أحد الإخوة يشير إلى أن منع الحاكم الزواج من الكتابية - إن رأى ذلك - هو تحريم لما أحله الله - تعالى - إلى آخر ما ذكر- .فعرضنا هذا التعقيب على فضيلة الشيخ المفتي، فتكرَّم بالتوضيح والبيان، فإليكم فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
السلام عليكم.
بالإشارة إلى جواب الشيخ محمد المنيعي، والذي قال فيه إنه يجوز للحاكم المسلم منع الزواج من نساء أهل الكتاب مع كون ذلك حلالاً في القرآن الكريم، لكن الحاكم المسلم يكون بعمله هذا قد حرم ما أحل الله بآية صريحة في القرآن، فكيف نطيع الحاكم في ذلك؟ إذا جاز للحاكم أن يمنع زواج المسلم بامرأة نصرانية فهل يجوز أن يمنع تعدد الزوجات وأموراً أخرى صرَّح القرآن بإباحتها؟.
*****
التوضيح
فَرْقٌ يا أخي بين المنع والتحريم، خذ مثالاً على ذلك، لو منعت ولدك من أكل نوع من الطعام في الليل لمصلحة تراها فهل يعني هذا أنك حرمت أكل هذا النوع من الطعام على ابنك؟ وهل يجوز لولدك أن يقول: لم تحرم ما أحل الله لي؟ وعلى ذلك أقول: لولي الأمر أن يمنع شيئاً من المباحات أو يحرم العمل بها؛ لمصلحة يراها، تعود بالنفع على المسلمين.
وهذا له شواهد كثيرة.
فمنها أن عمرو بن العاص – رضي الله عنه- كان أميراً على جيش رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في إحدى المغاري، فنهاهم عن إيقاد النار في الشتاء مع حاجتهم لذلك، ونهاهم عن أخذ الغنائم لمصلحة يراها، فالتزم صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذلك وأقرهم الرسول –صلى الله عليه وسلم- ولم يعترض عليهم(1/192)
ومن ذلك منع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- النكاح بنساء أهل الكتاب لمصلحة يراها، وامتثل ذلك صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم-.
ومن ذلك أمر عثمان بن عفان زيد بن صوحان – رضي الله عنهما- أن يترك المدينة، ويرحل إلى الشام لخطأ ارتكبه، فامتثل ذلك، وسافر إلى الشام، وغير ذلك من الأمثلة الكثير،. انظر مصنف عبد الرزاق (7/176 – 179)، ومصنف ابن أبي شيبة (33656)، وتفسير ابن جرير (2/390)، وسنن البيهقي (7/172)، وتاريخ دمشق (46 / 144 – 145) وسير أعلام النبلاء (3/66) وتفسير ابن كثير (2/540)، والدر المنثور (1/576)، ويكفيك من ذلك كله قوله – تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" [النساء:59].
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
3541
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - غرابة محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم التردي
غرابة محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم التردي
د. الشريف حاتم بن عارف العوني
………
18/2/1425
08/04/2004
ورد إلى نافذة الفتاوى سؤال يتعلق بخبرِ همّ النبي عليه الصلاة والسلام بإلقاء نفسه من ذروة جبل وهو في صحيح البخاري فأجاب عنه فضيلة الشيخ/ د. الشريف حاتم بن عارف العوني - حفظه الله - وذكر أن القصة لا تصح أصلاً وقد أظهر البخاري ضعفها.
ثم وردنا تعقيب من أحد قرائنا الأعزاء على هذه الفتوى مفاده " لعل الانتحار لم يكن حرم في ذلك الوقت؟ " فعرضنا هذا التعقيب على الشيخ المجيب؛ فتفضَّل بالإجابة. جزاه الله عنا خيراً، فإليكم التعقيب والتوضيح
التعقيب:
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/193)
لماذا لم يذكر الدكتور حاتم أن المبرر في همِّ الرسول بإلقاء نفسه من الجبل هو أن الانتحار لم يكن محرمًّا في ذلك الوقت؟ فمن المؤكد أن الواقعة المذكورة كانت في بداية الوحي والرسالة في مكة المكرمة، أما الحديث الشريف: "من قتل نفسه بحديدة...." إلى آخر الحديث، فقد كان في المدينة المنورة بعد الهجرة، وكما هي القاعدة فإن الأحكام اللاحقة تنسخ الأحكام السابقة. أرجو إفادتي وتصحيح المعلومة إن كانت خطأ والنشر إن كانت صواباً، وجزاكم الله خيراً.
*****
التوضيح:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فإن غرابة (أو نكارة) خبر محاولة النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يتردى من جبال مكة ليست من قِبل أنه فقط قتل للنفس وانتحار، بل من عدة جهات:
أولاً: هل يُتصوّر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- شكَّ في كونه نبيًّا بعد نزول الوحي عليه؟! فإن شك هو فمن بُعث إليهم أولى بالشك!!!
ثانياً: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- من حين علم أن ما جاءه من الوحي يقتضي أن يتحمل أعباء الرسالة، فقد ألزمه ربه – عز وجل- أن يستعد لذلك للبلاغ والدعوة العظمى. فكيف يجوز له أن يتخلى عن أداء ما كلفه وشرفه به ربه – عز وجل-؟! وما أجل وأعظم ذلك التكليف والتشريف!!!، ولا شك أن تَرْك مهمة التبليغ بهذه الصورة من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمر مستنكر جداً، وقد عوقب نبي من الأنبياء لأمر أقل من هذا، كما قال تعالى: "وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [الأنبياء: 87]، وقال تعالى: "ولا تكن كصاحب الحوت..." [القلم: 48].(1/194)
ثالثاً: أن قتل النفس مما ارتكز في الفطر استقباحه، واتفقت عليه جميع الأديان والمذاهب والقوانين، فليس استقباح ذلك منوطاً فقط بورود الشرع به. وإلا فهل استجاز أحدٌ من المسلمين قَتْل نفسه قبل ورود الشرع به، مع ما كان ينالهم من الأذى والتعذيب، بل كانوا يؤمرون بالصبر وعدم الاستعجال. هذا والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
4154
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها
بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها
د. سامي بن إبراهيم السويلم (*)
………
17/7/1425
02/09/2004
سبق وأن نشرنا في نافذتنا فتوى حول (بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها ) ثم وردنا تعقيب من أحد الإخوة يستشكل فيه جواز بيع هذه القسيمة بأقل من قيمتها إلى آخر ما ذكر- .فعرضنا هذا التعقيب على أحد المشائخ المشاركين معنا في الإجابة على أسئلة السائلين فتكرَّم بالتوضيح والبيان، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
الإخوة الكرام ب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نسأل الله أن ينفع بكم، ولقد قرأت فتوى بموقعكم تحت عنوان: (بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها)، ولي على هذه الفتوى هذا الاستشكال، وأرجو عرض هذا الاستشكال على أهل العلم بفقه المعاملات من موقعكم، وخاصة الشيخ السويلم، نص الاستشكال: قسيمة الشراء هي بمثابة سند بقيمة مالية معينة تمنحها بعض الشركات لموظفيها إما على سبيل القرض، أو على سبيل الهبة، أو على سبيل المكافأة.
هذه القسيمة بمثابة سند للموظف بقيمة مالية معينة، بشرط أن يشتري بها من مكان مخصوص، فهو داخل في مفهوم الأوراق التجارية كالشيك، والسند، والكمبيالة.(1/195)
فهل أجاز أحد من الفقهاء بيع الشيك أو السند؟ أو الكمبيالة بأقل من قيمتها؟! أليس هذا هو ربا الفضل المحرم؟ أليس هذا ما تحدث عنه علماء العصر مما يعرف بخصم أو حسم الأوراق التجارية بداية من الشيخ الهمشري، ونهاية بوقتنا هذا ... فكانت الفتوى على التحريم؟.
إن إجازة هذه الصورة ينتج عنها جواز بيع بطاقة الائتمان بأقل من قيمتها.
وخلاصة الأمر أن هذه القسيمة إما أن تمثل مالاً أو عروضاً.
فإذا مثلت مالا فيجوز بيعه، ولكن لا يجوز بيعه بأقل من جنسه، وإلا وقع ربا الفضل.
وإما أن يمثل عروضاً، والعروض يجوز بيعها بالثمن الذي يتفق عليه، ولكن البيع هنا لا يجوز؛ لأنه بيع قبل الشراء، وبيع قبل القبض، وبيع مجهول للطرفين.
التوضيح: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إذا كانت القسيمة المشار إليها صادرة من المحل التجاري، كما يفهم من السؤال من أنها باسم المحل وليست باسم الشركة، وتعطي حاملها الحق في الحصول على بضاعة من هذا المحل قيمتها 500 ريال، وليس الحصول على النقد، فهذه القسيمة تمثل سلعاً في الذمة، بمثابة دين السَّلم، ولكن هذا الدين لم يتحدد فيه نوع المبيع وقدره، وإنما تحدد مصدره وقيمته، وهذه الصورة لا حرج فيها شرعاً على الأظهر؛ إذ يجوز للرجل أن يسلم مبلغاً من المال للبقال على أن يأخذ منه كل يوم بضاعة بحسب حاجته، وبحسب سعرها، والتزام البقال بذلك من جنس دين السلم، وهو نظير التزام المحل هنا بالبيع لحامل القسيمة، وثمن القسيمة قد يكون دفعته الشركة مقدماً للمحل، وقد يكون التزم به صاحب المحل ابتداء، وفي كلتا الحالتين هو بمثابة دين السلم كما سبق.(1/196)
إذا تقرر ذلك فدين السلم يجوز بيعه - قبل قبضه - عند الإمام مالك، ومنع من ذلك الجمهور؛ لأنه بيع لما لم يقبض، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية جواز بيع دين السلم قبل قبضه بشرط ألا يربح منه (أي لا يكون ثمن البيع أكبر من رأسمال السلم)؛ لئلا يقع في ربح ما لم يضمن.
والأقرب -والله أعلم- هو جواز بيع دين السلم قبل قبضه؛ لأنها معاملة تخلو من الربا، فليس فيها نقد بنقد، وإنما نقد مقابل سلع في الذمة، وفيما يتعلق بالقسيمة فالربح غير متصور؛ لأن الموظف حصل على البطاقة دون دفع مقابل، ثم يبيعها بأقل من قيمتها، وعدم تحديد نوع السلع وقدرها لا يضر بالعقد؛ لأنه لا يؤدي للنزاع، والجهالة المحرمة شرعاً هي التي تفضي للنزاع، والنزاع هنا منتف بتحديد المحل التجاري، وتحديد القيمة الكلية.
وبهذا يتبين الفرق بين هذه القسيمة، وبين الورقة التجارية (الشيك والكمبيالة) التي أشار إليها الأخ الفاضل، فهذه الأوراق تمثل نقوداً في الذمة، بينما القسيمة تمثل سلعاً في الذمة، والفرق بينهما ظاهر، وبيع السلع في الذمة مقابل نقود حاضرة لا حرج فيه، بل هذا هو عقد السلم، إذ هو بيع لسلع في الذمة مقابل نقود حاضرة، وإنما المحذور بيعها مقابل نقود في الذمة؛ لأن ذلك من بيع الدين بالدين المجمع على تحريمه.
أما مقارنة القسيمة ببطاقة الائتمان، وفق ما ذكره الأخ في رسالته، فالفرق بينهما من وجوه:
(1) أن بطاقة الائتمان تصدر من البنك ولا تمثل سلعاً في ذمة البنك، بل ضماناً من المصرف بالسداد، بخلاف القسيمة فإنها تمثل سلعاً في ذمة المحل التجاري، فبيع البطاقة يعني المعاوضة على الضمان، وهو محرم شرعا؛ً لأنه يؤول إلى الربا.(1/197)
(2) أن مشتري البطاقة لا تنتهي مسئوليته بقبض السلع من المحلات التجارية، بل يجب عليه سداد قيمتها للمصرف، فبيع البطاقة في هذه الحالة، حتى لو كانت تمثل سلعاً في الذمة، بمثابة بيع الدين بالدين، وهو ممنوع بالإجماع، بخلاف القسيمة فإن مشتريها لا يترتب في ذمته أي دين، فلا تتضمن بيع الدين بالدين.
(3) أن البطاقة تسمح بالحصول على النقد من خلال أجهزة الصرف الآلي، بخلاف القسيمة، فبيع البطاقة بيع لحق الاقتراض من البنك، وهو يؤول إلى الاقتراض بفائدة، فقياس بيع القسيمة على بيع البطاقة الائتمانية قياس مع الفارق المؤثر.
وبناء على ما سبق فالأظهر -والله أعلم- هو جواز بيع القسيمة المشار إليها إذا كانت تمثل سلعاً أو منافع في ذمة مصدرها، ولا تسمح لحاملها بالحصول على النقد، وكان ثمنها مدفوعاً نقداً. والله الهادي إلى الصواب، والحمد لله رب العالمين.
(*) مدير مركز البحث والتطوير بالمجموعة الشرعية بشركة الراجحي المصرفية للاستثمار .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
6233
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - حول فتوى اليوم الوطني
حول فتوى اليوم الوطني
د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
………
22/8/1426
26/09/2005
سبق أن نشر فتوى لمعالي الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه حول الاحتفال باليوم الوطني بتاريخ 16/12/1424هـ وتلقى الموقع رسائل تناقش رأى معالى الشيخ في هذه القضية، ولذا نعيد نشر فتوى معالي الشيخ - حفظه الله - وأهم ما ورد من الرسائل حولها:
السؤال:(1/198)
أصحاب الفضيلة المشايخ: سؤالي يا أصحاب الفضيلة عن اليوم الوطني، هل يجوز حضور الحفل؟ وإذا ألزمنا به كأعضاء سفارة ماذا علينا فعله؟ وهل يجوز لنا الحضور بنية إلقاء كلمة ذكر أو محاضرة نذكر فيها بطاعة الله ورسوله -عليه السلام-؟ أرجو إعطائي نصيحة ألقيها في هذا اليوم، أرجو الرد بأسرع وقت لأن اليوم الوطني قرب وأنا محتارة ولا أعرف ماذا أقول لزوجة السفير إذا دعتني؟.
الجواب:
اليوم الوطني ليس عيداً، والأعياد التي لا يجوز إحداثها هي الأعياد الدينية وليست التجمعات التي يتجمع الناس بها لسبب أو لآخر، قد يحتفلون بالزواج وقد يحتفلون بالولادة، وقد يحتفلون بأي شيء فهذا ليس من الأعياد الدينية، لهذا يجب أن نزيل هذا الوهم، وهذه الشبهة التي يتعلق بها كثير من الناس، فيدخلون على الناس حرجاً وشغباً في دينهم، بحيث يصبح المتدين أو الملتزم في حرج يشعر وكأنه يأتي كبيرة ويأتي منكراً، هذا ليس بمنكر، فالأصل في الأشياء الإباحة، فلا حرج عليك أن تحضري فقد أجاز الحنابلة – رحمهم الله تعالى- العتيرة وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يعملونها في رجب كرهها المالكية باعتبار أنها كانت فعل الجاهلية ولكن الحنابلة أجازوها؛ لأنه لا يوجد نص يمنع من ذلك. أهل الجاهلية كانوا في رجب يذبحون ذبيحة اسمها الرجبية، واسمها العتيرة، فبعض العلماء يرى أن هذا باق على أصل الجواز، فإذا اجتمع الناس وذبحوا ذبيحة في رجب أو في شعبان أو في أي زمن فهذا لا مانع منه أن يحتفل الناس أو يفرحوا بحدث زوال الاستعمار في بلد مثلاً، هذا ما يسمى باليوم الوطني غالباً عندنا في أفريقيا، أو في البلاد التي كانت مستعمرة، فالأمر إن شاء الله لا حرج فيه، أما إذا كان ينبغي لك أن تلقي محاضرة فهذا شيء حسن إذا كانت المناسبة تسمح بإلقاء محاضرة أو خطبة تذكير ونحو ذلك فهذا لا بأس به، أما أن نتشبث: بأن أبدلنا الله عيدين، هذه أعياد كانت للأنصار وكانت أعياد جاهلية وأصنام، فالنبي –(1/199)
صلى الله عليه وسلم- ذكر أن أعياد الإسلام الدينية عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذا لا يفهم منه أنه يمنع أن يتجمع الناس في تجمع حتى ولو كان كرهه المرء ورأى أنه إذا لم يكن هناك منكر فلا داعي إلى التشويش على الناس، وإثارة بعض الفتن والخصومات في أمور ليست ممنوعة، نصاً من كتاب أوسنة، ولا إجماعاً للعلماء ولا اتفاقاً داخل المذاهب، لأن التيسير في مثل هذه الأمور التي لا حرج فيها قطعاً، والأقوال التي تقول تحرج لا تستند إلى قاطع وهي أقوال ضعيفة ، فلا مانع من أن نفسح للناس المجال وأن نيسر لهم، فاليسر أصل من أصول هذا الدين "، وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج: 78]، "يريد الله أن يخفف عنكم" [النساء: 28]، "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" [الشرح: 5-6]، "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" رواه البخاري(69)، ومسلم(1734] من حديث أنس –رضي الله عنه-، فالأصل في هذا الدين اليسر نكررها مرة أخرى، والاجتهادات الأخرى للعلماء اجتهادات محترمة، لكنها ليست نصوصاً من الشارع. والسلام عليكم.
هذه الملاحظة من: بندر الحازمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد استوقفني استشهاد الشيخ عبد الله بن بيه –حفظه الله- لجواز الاحتفال باليوم الوطني؛ إجازة الحنابلة للعتيرة ، وأردت أن أجمع لنفسي الإجمال في المسألة من دون ذكر تأصيل لها:
• اختلف العلماء في تفسير العتيرة واتفقوا في أنها ذبيحة تذبح في رجب .
• (العتيرة)، وقد كان أهل الجاهلية يذبحونها فأبطل الإسلام ذلك، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا عتيرة في الإسلام". أخرجه أحمد: (2/229).
قال أبو عبيدة: العتيرة: هي: الرجبية، ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لأصنامهم. [فتح الباري لابن حجر (9/512)].
• اتفقوا أنها كانت من أمر الجاهلية، واختلفوا في حكمها في الاسلام بين الاستحباب والجواز والكراهة والتحريم .(1/200)
• قال بن القيم رحمه الله : قال ابن المنذر – بعد أن ذكر الأحاديث في عتيرة رجب -: (وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية، وفعله بعض أهل الإسلام , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما , ثم نهى عنهما فقال : "لا فرع ولا عتيرة"، فانتهى الناس عنهما؛ لنهيه إياهم عنها , ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيئ قد كان يفعل , ولا نعلم أن أحدا ً من أهل العلم يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عنهما ثم أذن فيهما , والدليل على أن الفعل كان قبل النهي، قوله صلى الله عليه وسلم في حديث نبيشة الهذلي – رضي الله عنه - قال : نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب , فما تأمرنا ؟ قال : "اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله عز وجل وأطعموا". رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي .
وفي إجماع عوام علماء الأمصار على عدم استعمالهم ذلك , وقوف عن الأمر بهما مع ثبوت النهي عن ذلك بيان لما قلنا . ا. هـ [ الاعتبار (ص 159 -160) ].
• قال ابن رجب: ويشبه الذبح في رجب اتخاذه موسمًا وعيدًا كأكل الحلوى ونحوها. [لطائف المعارف: (27)].
• ومال ابن المنذر إلى هذا، وقال : كانت العرب تفعلهما وفعلهما بعض أهل الإسلام بالإذن، ثم نهى عنهما، والنهي لا يكون إلا عن شيء كان يفعل، وما قال أحد إنه نهى عنهما ثم أذن في فعلهما ثم نقل عن العلماء تركهما إلا ابن سيرين، وكذا ذكر عياض أن الجمهور على النسخ، وبه جزم الحازمي. [فتح الباري – كتاب العقيقة].(1/201)
• فقد كان استحباب بعض العلماء استنادا لحديث مخنف بن سليم –رضي الله عنه- قال: كنا وقوفا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفات فسمعته يقول: "يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي تسمونها الرجبية". وضعفه ابن حزم في المحلى (7/356 ) وعبد الحق - كما في تهذيب السنن (4/92) والخطابي في المعالم (4/92)، وقال ابن كثير : وقد تُكلم في إسناده " ا.هـ
• حديث آخر : حديث محنف بن سليم – رضي الله عنه - : "على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة"، وسيأتي، قال ابن الجوزي : وهذا متروك الظاهر، إذ لا يسن العتيرة أصلًا، ولو قلنا بوجوب الأضحية كانت على الشخص الواحد، لا على جميع أهل البيت، انتهى .
قوله : والعتيرة منسوخة، وهي شاة تقام في رجب على ما قيل. قلت : روى الأئمة الستة في " كتبهم " [ عند البخاري في العقيقة، في باب الفرع، وفي باب العتيرة (ص 822 - ج 2)، وعند مسلم في الأضاحي فيه (ص 159 - ج 2)، وعند أبي داود فيه (ص 35 - ج 2)، وعند النسائي فيه (ص 188 - ج 2) وعند الترمذي فيه (195 - ج 1 )] من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، قال : قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ : " لا فرع ولا عتيرة " ، انتهى . زاد أحمد في مسنده : "في الإسلام " ، وفي لفظ للنسائي أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ نهى عن الفرع والعتيرة، وفي " الصحيحين " قال : "والفرع أول النتاج، كان ينتج لهم، فيذبحوه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب"، انتهى . [نصب الراية( ج4)].
• قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: ( المراد بـ "لا فرع ولا عتيرة" نفي كونهما سنة أي خلافاً لما يراه بعض أهل الجاهلية من أن ذلك سنة , لكن النفي يفيد البطلان كـ "لا عدوى ولا طيرة" أفلا يكون "لا فرع ولا عتيرة" إبطال لذلك ؟! .
فالأصل سقوط ذلك , ولا حاجة إلى تأويل , بل هو ساقط بالإسقاط النبوي , سقط سنة وفعلاً .(1/202)
هذا مع دلالة "من تشبه بقوم فهو منهم" مع دلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من مشابهة الجاهلية .[الفتاوى (ج6)].
"نسال الله أن يهدينا إلى الحق ، وأن يجمع الأمة على كتابه وسنة نبيه و صلى الله عليه وسلم.
هذه الملاحظة من : أبي ماجد:
اطلعت على فتوى سماحة الشيخ عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه , والشيخ عالم له اجتهاده ورأيه المعتبر .
ولكن في هذه المسألة أقوال أخرى يحسن عرضها , ولذا أرغب إليكم نشرها ليحصل اكتمال عرض المسألة في موقعكم .
(فتوى رقم 9403- 3/59). اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أولاً: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أموراً منها: يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة، ومنها: الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها: الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.(1/203)
ثانياً: ما كان من ذلك مقصوداً به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم، مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد، وعيد الأم، والعيد الوطني، لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار، وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلاً لمصلحة الأمة وضبط أمورها، كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة، والاجتماع بالموظفين للعمل، ونحو ذلك مما لا يفضي إلى التقرب به والعبادة والتعظيم بالأصالة، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فلا حرج فيه، بل يكون مشروعاً، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. والله أعلم.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز :
اطلعتُ على ما نشرته صحيفة (الندوة) في عددها الصادر بتاريخ (30 / 11 / 1384) هـ تحت عنوان (تكريم الأم.. وتكريم الأسرة) فألفيت الكاتب قد حبذ من بعض الوجوه ما ابتدعه الغرب من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه بالأم وأَوْرَدَ عليه شيئا غفل عنه المفكرون في إحداث هذا اليوم وهي ما ينال الأطفال الذين ابتلوا بفقد الأم من الكآبة والحزن حينما يرون زملائهم يحتفلون بتكريم أمهاتهم واقترح أن يكون الاحتفال للأسرة كلها واعتذر عن عدم مجيء الإسلام بهذا العيد ؛ لأن الشريعة الإسلامية قد أوجبت تكريم الأم .(1/204)
ولقد أحسن الكاتب فيما اعتذر به عن الإسلام وفيما أورده من سيئة هذا العيد التي قد غفل عنها من أحدثه، ولكنه لم يشر إلى ما في البدع من مخالفة صريح النصوص الواردة عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا إلى ما في ذلك من الأضرار ومشابهة المشركين والكفار فأردت بهذه الكلمة الوجيزة أن أنبه الكاتب وغيره على ما في هذه البدعة وغيرها مما أحدثه أعداء الإسلام والجاهلون به من البدع في الدين، حتى شوهوا سمعته ونفروا الناس منه وحصل بسبب ذلك من اللبس والفرقة ما لا يعلم مدى ضرره وفساده إلا الله سبحانه.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحذير من المحدثات في الدين وعن مشابهة أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
والمعنى : فهو مردود على ما أحدثه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة : " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " خرجه مسلم في صحيحه.
ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته المرضيون ، فوجب تركه وتحذير الناس منه ، والاكتفاء بما شرعه الله ورسوله .(1/205)
وقد سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم الأم والتحريض على برها كل وقت، وقد صدق في ذلك فالواجب على المسلمين أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسمع لها في المعروف كل وقت، وأن يحذروا من محدثات الأمور التي حذرهم الله منها والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم واستحسان ما استحسنوه من البدع, وليس ذلك خاصا بالأم بل قد شرع الله للمسلمين بر الوالدين جميعا وتكريمهما والإحسان إليهما وصلة جميع القرابة وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة وخص الأم بمزيد العناية والبر؛ لأن عنايتها بالولد أكبر ما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته أكثر قال الله سبحانه: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" [الإسراء:23]، وقال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" [لقمان:14]، وقال تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ" [محمد:22 ، 23].
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"؟ قالوا: بلى يا رسول الله ، قال: "الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين"، وكان متكئا فجلس فقال: "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور". وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله، أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" ، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك ثم الأقرب فالأقرب".(1/206)
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنة قاطع"، يعني: قاطع رحم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أجَله فليصل رحمه" ، والآيات والأحاديث في بر الوالدين وصلة الرحم وبيان تأكيد حق الأم كثيرة مشهورة، وفيما ذكرنا منها كفاية ودلالة على ما سواه، وهي تدل مَنْ تأملها دلالة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعا واحترامهما والإحسان إليهما وإلى سائر الأقارب في جميع الأوقات، وترشد إلى أن عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات والكبائر التي توجب النار وغضب الجبار، نسأل الله العافية من ذلك.
وهذا أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب من تخصيص الأم بالتكريم في يوم من السنة فقط ثم إهمالها في بقية العام مع الإعراض عن حق الأب وسائر الأقارب، ولا يخفى على اللبيب ما يترتب على هذا الإجراء من الفساد الكبير، مع كونه مخالفا لشرع أحكم الحاكمين، وموجباً للوقوع فيما حذر منه رسوله الأمين .
ويلتحق بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالموالد وذكرى استقلال البلاد أو الاعتلاء على عرش الملك وأشباه ذلك فإن هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه وهذا مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"، قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: "فمن!"،(1/207)
وفي لفظ آخر: " لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع"، قالوا : يا رسول الله فارس والروم ؟ قال : "فمن!"، والمعنى: فمن المراد إلا أولئك، فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من متابعة هذه الأمة إلا من شاء الله منها لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلاقهم وأعمالهم حتى استحكمت غربة الإسلام وصار هدي الكفار وما هم عليه من الأخلاق والأعمال أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به الإسلام وحتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة عند أكثر الخلق بسبب الجهل والإعراض عما جاء به الإسلام من الأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة المستقيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون
ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في الدين وأن يصلح أحوالهم ويهدي قادتهم وأن يوفق علماءنا وكتابنا لنشر محاسن ديننا والتحذير من البدع والمحدثات التي تشوه سمعته وتنفر منه إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن سلك سبيله واتبع سنته إلى يوم الدين .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 189 ).
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
664
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - -
الشريف حاتم بن عارف العوني
………
28/12/1423
12/03/2002
تسعدنا كثيراً تعليقات وتعقيبات إخواننا زوار الموقع على ما ينشر في هذه النافذة، وليس من منهجنا تجاهل أي رسالة مهما كانت، بيد أنا نراوح -حسب الإفادة- بين أن نخص المرسل بالجواب أو ننشر سؤاله والجواب عليه إذا ظننا أن في ذلك فائدة لآخرين.(1/208)
وكان ممن راسلونا قريبا أحد الإخوة الذي عقب على فتوى فضيلة الدكتور/ الشريف حاتم العوني عن صحة ومعنى حديث (لا يدخل الجنة ولد زنى). فقد أعجبه الجواب فيما يبدوا فكتب يسأل راغباً في التعرف على الشيخ الشريف، وإعطائه نبذة عن حياته وآثاره العلمية، وقد أحلنا طلبه إلى فضيلة الشيخ الشريف فأجابنا مشكوراً مثاباً إلى طلبة أخينا. وهي فتح لباب التعريف العلمي بأعمدة باب الفتيا من المشايخ الفضلاء المتعاونين مع الموقع. وبذا ستكون هذه الحلقة خاصة بالشيخ الشريف حاتم وسيعقبها إن شاء الله حلقات أخر معرفة ببقية المشايخ المشاركين. والله الموفق
مشرف النافذة00
*******
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد:
فالاسم والنسبة: حاتم بن عارف بن ناصر بن هزاع بن ناصر بن فواز بن عون، الذي ينتسب إليه آل عون من العبادلة الأشراف الحسنيين ، أي من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما .
مكان وتاريخ الولادة: الطائف في رجب عام 1385 هـ
النشأة ومراحل التعليم الأولى: نشأت وتعلمت في مدينة الطائف، و دخلت المدارس الحكومية من الابتدائية إلى آخر الثانوية بها .
ثم التحقت بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. واخترت قسم الكتاب والسنة، بكلية الدعوة وأصول الدين. فحصلت على البكالوريوس سنة (1408)هـ، ثم الماجستير بسنة (1415)هـ ثم الدكتوراه سنة (1421)هـ وأنا الآن أعمل أستاذاً مساعداً بقسم الكتاب والسنة .(1/209)
وقد حببت لي القراءة من الصغر، ثم التفتُّ إلى علم السنة أول الأمر في المرحلة المتوسطة ، ولي نحو الثلاثة عشر عاماً أو أقل ، لكن بجهد فردي ، ثم انتبهت لكتب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- فازددت إقبالا على علوم السنة ، ولا يكاد يشارك عنايتي بالسنة إلا كتب الأدب والشعر ، والتاريخ أحياناً، وفي التاسعة عشرة من عمري أو بعدها بعام أقام فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان درساً في شهور الصيف بمدينة الطائف، بعد الفجر، وبعد العصر، انتظمت بها السنتين الأوليين انتظاماً بالغاً ثم كان في السنتين الثالثة والرابعة حضور لبعض الدروس. وفي هذه المرحلة نفسها أكثرت من سماع أشرطة الشيخ الألباني -عليه رحمة الله-، وقد سمعت منها عدداً ضخماً. أحسبها بالمئات. ومن أوائل دروس المصلطح التي استفدت منها أشرطة الشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله- في شرح الباعث الحثيث ، وهي أربعة وعشرون شريطاً ، سمعتها سنة 1406 هـ أو قبلها بسنة .
ومن عام 1404 هـ إلى عام 1414 هـ اعتزلت اعتزالاً شديداً لطلب العلم ، من خلال القراءة والبحوث غالباً وحتى بعد عام (1414هـ) إلى عام (418هـ) كنت شحيحا على وقتي ، ثم بعد ذلك انفلت الزمام لصالح طلبة العلم ، وما زلت أحاول الإمساك به !!
ومن أعظم ما استفدته أن ابن آدم ضعيف جهول كثير العثرات، إلا أن يحوطه ربه -عز وجل- بعنايته وهدايته وتوفيقه .
ولي إجازات عالية -بحمد الله تعالى-، من جماعة المُسْندين، من أهل الحجاز، ومن خارج الحجاز، في المغرب واليمن وغيرها .
أما المؤلفات والأعمال العلمية:
فأولاً: التحقيقات:
1 - وفيات جماعة من المحدثين لأبي مسعود الحاجّي الأصبهاني . نشر دار الهجرة بالخبر سنة 1414 هـ .
2 – جزء خبر شعر ووفادة النابغة الجعدي على النبي -صلى الله عليه وسلم- . المنسوب لأبي اليمن الكندي. دار الهجرة بالخبر . 1414 هـ .(1/210)
3 - مشيخة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن ابراهيم الرازي المعروف بابن الحطاب ، بانتقاء أبي طاهر السلفي . دار الهجرة . الخبر . 1414 هـ .
4 - مشيخة أبي طاهر ابن أبي الصقر . مكتبة الرشد : الرياض . 1415 هـ .
5 – معجم مشايخ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق . مكتبة الرشد : الرياض . 1415 هـ .
6 – مجلس إملاء للدقاق في رؤية الله -تبارك وتعالى-. مكتبة الرشد: الرياض، 1415 هـ .
7 – أحاديث الشيوخ الثقات (المشيخة الكبرى) . لأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري . دار عالم الفوائد . مكة المكرمة (1422)هـ . وهي رسالة الدكتوراه .
8 – تسمية مشايخ أبي عبد عبدالرحمن النسائي، وكتاب المدلسين له. وهو مقدم إلى كلية أصول الدين بالأزهر، وقد حكم، وفي طريقه للنشر -إن شاء الله تعالى- .
ثانيا : المؤلفات والبحوث :
1 – منهج المقترح لفهم المصطلح . دار الهجرة بالخبر . 1416 هـ .
2 – المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس دراسة نظرية وتطبيقية على مرويَّات الحسن البصري . دار الهجرة بالخبر . 1418 هـ (وهو رسالة الماجستير) .
3 – نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية . دار عالم الفوائد بمكة المكرمة . 1418 هـ.
4 – ذيل لسان الميزان . دار عالم الفوائد بمكة المكرمة 1418هـ .
5 – العنوان الصحيح للكتاب . دار عالم الفوائد بمكة المكرمة . 1419 هـ .
6 – خلاصة التأصيل لعلم الجرح والتعديل . دار عالم الفوائد بمكة المكرمة . 1421 هـ .
7 – إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين . دار عالم الفوائد بمكة المكرمة . 1421 هـ .
8 – بيان الزمن الذي يمتنع فيه الحكم على الأحاديث عند ابن الصلاح . بحث حكم في مجلة الأزهر ، وهو في طوره للنشر -إن شاء الله تعالى- .
وأسأل الله علماً نافعاً، وعملاً صالحاً متقبلاً، وخاتمة حسنة.
وأستغفر الله العلي العظم
23/12/1422هـ
كتب الشريف حاتم بن عارف العوني
………
………
مجلةالإسلام اليوم(1/211)
…………………
6770
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - جوابكم غير مقنع
جوابكم غير مقنع
عمر بن عبد الله المقبل
………
29/12/1426
29/01/2006
ورد نافذةَ الفتاوى سؤالٌ عن (مخالفة الصحابي للسنة هل تدل على نسخها؟! ) فأحيل إلى الشيخ عمر بن عبد الله المقبل (عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم) ، ثم نشر جوابه في ، فوردنا تعقيب من أحد الزوار يستشكل فيه بعض المسائل، وبعد عرض التعقيب على الشيخ أرسل إلينا هذا التوضيح، فإليكم التعقيب والتوضيح.
التعقيب:
قرأت جوابكم عن مخالفة الصحابي لسنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو غير مقنع، بل شممت فيه روح التبرير. فأريد جواباً مقنعاً حول حرب السيدة عائشة –رضي الله عنها- لسيدنا علي، ولحرب معاوية، ولحرب الخوارج لسيدنا علي –رضي الله عنه-. لأني لو نظرت لامرأة، أو ارتكبت أي ذنب سيعاقبني الله، أما الذين خاضوا في دماء المسلمين، وقتلوا الآلاف فنظل نمجدهم لقرون ونبرر لهم، فبصراحة –ياسادتنا العلماء- إن مسألة: اجتهد فأخطأ فله أجر واحد لها قوانينها إن صحت، وفي مسائل فقهية بسيطة لا في أمور سياسية تقود لدماء وأحقاد. ثم ما الداعي لأن نعصم أو نقول بعصمة كل الصحابة بدون أن نصرح بذلك؟ فأزواج النبي كن أقرب إليه من أصحابه، ومع ذلك فالقرآن هددهن -إن هن عصين- بأن يضاعف لهن العذاب، فلماذا لا يحاسب من خاض في دماء الآلاف؟
أرجو جواباً مقنعاً يرضي الله. وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التوضيح:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأشكر للسائل تواصله، وحرصه على الاستيضاح، آملاً أن يحاول أن يكتب الاستشكال والإيراد بنفس متأملة، ولغة هادئة؛ لأني لاحظت أن السائل كتب ما كتب بنوع من الانفعال -هكذا بدا لي- والذي يكتب بهذه الحال -إن صحّ ظني- قد لا يتصور الأمر كما ينبغي.(1/212)
ووصية أخرى، أن يكون رائدنا عند السؤال هو طلب الحق -كما قلتَ في آخر سؤالك- "أرجو جواباً مقنعاً يرضي الله"، فإن الإنسان إذا كان يبحث عن الحق فسيوفق له بإذن الله، أما إذا كان يسأل من أجل المماراة، أو ترسيخ قناعةٍ سابقة، ولو ظهر له -بالأدلة العلمية- أنها غير صحيحة، أو مجانبة للصواب، فقد يعاقب بحرمان التوفيق للحق، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً" أي فرقاناً تفرقون به بين الحق والباطل، رزقني الله وإياك هذا بمنه وكرمه.
أعود إلى المهم، وهو الإجابة على الإشكال، وسألخصه في النقاط التالية -حسب إيراد الأخ السائل- سائلاً الله التوفيق للصواب:
أولاً: كان جوابي -بورك فيك- يتعلق بالتقعيد للمسألة من ناحية حديثية وأصولية، بغض النظر عن الصحابي الذي اجتهد، هل هو أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي، فضلاً عن بقية الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- فلا أدري لماذا حشر السائل قضية القتال بين الصحابة في هذه المسألة؟
ولا أدري –أيضاً- لماذا حشر حربَ الإمام السيد الكبير عليّ بن أبي طالب –رضي الله عنه- للخوارج، مع القتال الذي وقع بينه وبين معاوية وعائشة -رضي الله عن الجميع-؟
فقتال الخوارج كان قتالاً شرعياً لا إشكال فيه عند أهل العلم قاطبة، ولا يترددون أن الحق فيه كان مع علي –رضي الله عنه- وقتال الخوارج من أفضل القربات التي نال عليٌ –رضي الله عنه- شرفها.
أما قتال الفتنة -الذي وقع بين الصحابة –رضي الله عنهم- فكلام أهل العلم فيه طويل جداً، والذي تدل عليه الأدلة -وهو قول جمهور السلف- أن علياً كان أولى بالحق من معاوية -رضي الله عنهما- كما ثبت في الصحيحين -في شأن ذي الثدية الخارجي-: "تقتله أولى الطائفيتن بالحق"، وليس هذا مجال بسط الأدلة في ذلك.(1/213)
إلا أن الذي يجب أن يُعْلم هنا، أن ذلك لا يبيح وصف أحدٍ من الطرفين بالفسق، فضلاً عن التكفير -والعياذ بالله- فإنهم مجتهدون، وراغبون في الوصول إلى الحق -رضي الله عنهم- بغض النظر عن المصيب منهم في هذه القضية-، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص –رضي الله عنه- أنه قال : "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجرٌ واحد"، ولا يختلف أهل العلم أن كبار الصحابة الذين شاركوا في القتال هم من المجتهدين، وليس كل مجتهدٍ مصيب.
ثانياً: من حيث العموم -وبعيداً عن قضية الاقتتال بين الصحابة- فقد أثبت الله تعالى الإيمان بين المقتتلين، فقال تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... الآية) ، [الحجرات:9]، فتأمل قوله: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا" فسماهم مؤمنين مع سل السيوف، وإزهاق النفوس! وهذا الحكم يشمل المؤمنين إلى قيام الساعة، وإذا كان هذا الحكم ثابتاً، ولو كان القتال على سبيل البغي والعدوان، فما ظنك إذا كان القتال بتأويل واجتهاد؟!
كما أن الله –عز وجل- أثبت عقد الأخوة بين القاتل والمقتول في آية سورة البقرة، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ...الآية"، [البقرة:17].
فتأمل -بارك الله فيك- كيف سمّى الله القاتل أخاً؟ كلُّ ذلك حفاظاً على أصل الأخوة الإيمانية حتى وإن وجد ما ينغصها، ويكدرها، وهو القتل.
ثالثاً: قولك -وفقنا الله وإياك للصواب-: "فبصراحة -يا سادتنا العلماء- إن مسألة "اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحدٌ" لها قوانينها -إن صحت-..." ،فأقول:(1/214)
قد ذكرتُ لك قبل قليل -بورك فيك- أن هذا الحديث متفق على صحته، فلا مجال للتشكيك فيه، بل هذا الحديث من أعظم الأدلة على رحمة الله بهذه الأمة، وبأهل العلم خصوصاً، وهو من أعظم ما يعين على بذل العلم، والاجتهاد في البحث، إذْ الباحثُ لن يعدم أجراً -إذا بذل وسعه- والحمد لله على هذا.
رابعاً: قولك: "...لها قوانينها -إن صحت- وفي مسائل فقهية بسيطة، لا في أطماع سياسية تقود لدماء وأحقاد،وو ... ".
أما قولك: "لها قوانينها"، فهذا صحيح من جهة أنه ليس كل أحدٍ له حق في الاجتهاد، بل هذا منوط بمن يحق لهم الاجتهاد، إما الاجتهاد المطلق، أو الاجتهاد الجزئي -كما هو معروف عند الأصوليين-.
واسمح لي أن أسألك سؤالاً -بعد هذا-: ما دليلك على تخصيص عموم حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- بمسائل فقهية بسيطة؟! وما حجتك في تخصيصها بمسائل الفقه؟ ثم ما ضابط البساطة فيها؟! وهل المسائل الفقهية المتعلقة بالصلاة –مثلاً- أو بالزكاة، أو المتعلقة بالأنكحة والحدود، أو بغيرها من المسائل الكبرى= لا يعذر فيها المخالف؟! وهل قال بهذا التخصيص -الذي أشرت إليه- أحدٌ من أهل العلم؟!
دعني أضرب لك مثلاً بهذه المسألة من المسائل الفقهية التي وقع فيها خلاف قديم بين الصحابة، ومن أشهر المخالفين لجمهور الصحابة -ومن بعدهم- فيها: أمير المؤمنين علي، وابن عباس –رضي الله عنهما- وهي عدة الحامل التي مات عنها زوجها:(1/215)
فجمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم، أن عدتها بوضع حملها، بينما ذهب أمير المؤمنين علي –رضي الله عنه- وابن عباس –رضي الله عنهما- في أصح الروايتين عنه- إلى أنها تعتد بأطول الأجلين: إما الولادة، أو انتهاء العدة، فيا أخي: هل نؤثم علياً، أو ابن عباس لأنهما خالفا قوله تعالى -في سورة الطلاق-: "وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ"؟! معاذ الله! فلهم عذرهم وتأويلهم، وليس هذا مقام بحث المسألة فقهياً، إنما أردت أن أبين لك خطورة هذا التشطير للحديث، والتخصيص له من دون دليل علمي.
وأما قولك -غفر الله لك-: "... لا في أطماع سياسة ... الخ" فكم تمنيت أن يعف لسانك عن هذا الكلام، فإن هذه تهمه خطيرة، وهي تدخلك في متاهات لا نهاية لها، ومحاذير كبيرة، وورطات عظيمة، إذ يلزم منها تفسيقُ وتضليل من قاتل علياً في وقعة الجمل! وهذا يجرك إلى الوقوع في المحذور الذي نهى عنه النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: "لا تسبوا أصحابي"، وسيترتب على هذا هدم جزءٍ من السنة ليس باليسير روته عائشة، ومعاوية، وعمرو بن العاص، فضلاً عن بقية من كان معهم من الصحابة -رضي الله عن الجميع- إلى غير ذلك من المفاسد الكثيرة.
فضلاً عن مخالفة هذا كله، لما أخبر الله تعالى به عن أهل الإيمان الذين يأتون من بعد الصحابة -من المهاجرين والأنصار-، بقوله عنهم: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر:10].
فقوله: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ" يشمل جميع المؤمنين إلى يوم القيامة -جعلني الله وإياك منهم-.(1/216)
فمن طعن في أحد من الصحابة بمثل هذه المسائل التي اجتهدوا فيها، فقد أعان على إخراج نفسه من هؤلاء الذين أثني عليهم في هذه الآية، ولهذا اتفق أهل السنة على أن أسلم طريق في التعامل مع هذه الفتنة الكبيرة، هو كف الألسن في الخوض في تفاصيلها -خصوصاً أمام عامة الناس- لأن الدخول في التفاصيل يوقع في إشكالات كثيرة -ذكرت بعضها قبل قليل-.
ثم لنفترض -أخي السائل- أن معاوية وعائشة -ومن شاركهم من الصحابة في القتال -رضي الله عن الجميع- كانوا مخطئين خطأً لا صواب فيه، بل اتبعوا أهواءهم، ورغبوا في مطامع سياسية -كما قلتَ أنت- أو أغراض شخصية، أفيصح أن تهدر بقية فضائلهم وحسناتهم بمثل هذا؟ أين فضائلهم، وعظيم حسناتهم، وسابقتهم في الإسلام؟! أليس لهم النصيب الأوفى من قوله تعالى: "أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ"؟! وكيف تخرجهم من قوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة:100) فمعاوية ومن كان مثله من مسلمة الفتح، داخلون بلا ريب في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ"، وقد بيّن الله تعالى أنه رضي عنهم ورضوا عنه "وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، وهم –أيضاً- موعودون بالحسنى، كما في قوله تعالى: "لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ(1/217)
اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" فأخبر الله أن بين الفريقين تفاوتاً، وأثبت أن الجميع موعودون بالحسنى، ومعاوية ومن كان على شاكلته -كعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد- داخلون في هذه الآية، إذ هم ممن أنفق من بعد الفتح، وقاتل، ولو لم يكن لهم منقبة إلا خروجهم مع النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك لكفاهم، فهل بعد هذا تعشى العين، أو يعمى القلب عن إدراك الحقيقة؟!.
ولهذا كان من أعظم مناقب الحسن رضي الله عنه وعن أبيه، أنه تنازل بالخلافة لمعاوية –رضي الله عنه- وتحققت فيه نبوءة جدِّه -صلى الله عليه وسلم-كل ذلك حقناًً لدماء المسلمين، والسؤال: أفكان الحسن -وهو أفضل أهل البيت في وقته- يتنازل بالخلافة لرجلٍ فاسق، فضلاً عن كافر -كما يقوله بعض الرافضة عن معاوية-؟!
وعلى مذهب من يفسق معاوية، أو يكفره -عياذاً بالله- يجب أن تنقلب هذه المنقبة -التي مدحه بها النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى نقيصة ومذمة، وهذا هو الضلال المبين، نعوذ بالله من ذلك.
قال ابن تيمية -رحمه الله- "وإن قُدِّرَ أن لهم ذنوباً فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً، إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة، منها: التوبة، ومنها: الاستغفار، ومنها: الحسنات الماحية، ومنها: المصائب المكفرة، ومنها: شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنها: شفاعة غيره، ومنها- : دعاء المؤمنين، ومنها ما يهدى للميت من الثواب والصدقة والعتق، ومنها: فتنة القبر، ومنها: أهوال القيامة.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خير القرون القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وحينئذ فمن جزم في واحدٍ من هؤلاء بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً، فهو كاذبٌ مفترٍ، فإنه لو قال ما لا علم له به لكان مبطلاً، فكيف إذا قال ما دلت الدلائل الكثيرة على نقيضه؟!.(1/218)
فمن تكلم فيما شجر بينهم، وقد نهى الله عنه من ذمهم، أو التعصب لبعضهم بالباطل، فهو ظالم معتد، وقد ثبت في الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق"، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال -عن الحسن-: "إن ابني هذا سيدٌ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، وفى الصحيحين -عن عمار أنه قال- "تقتله الفئة الباغية"، وقد قال تعالى : "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فثبت بالكتاب والسنة، وإجماع السلف على أنهم مؤمنون مسلمون، وأن علي بن أبي طالب -والذين معه- كانوا أولى بالحق من الطائفة المقاتلة له، والله أعلم" [ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 4/432].
خامساً: قولك: "ثم ما الداعي لأن نعصم، أو نقول بعصمة كل الصحابة بدون أن نصرح بذلك؟" والجواب عن ذلك بأن أقول:
من قال بأن الصحابة معصومون؟ لا أحد يقول بذلك ممن يعتد به من أهل العلم، بل هم -بالإجماع- يصيبون ويخطئون!
ولم نسمع عن العصمة لغير الأنبياء -في أمة محمدٍ –صلى الله عليه وسلم- إلا عند الشيعة الإمامية الذي يدعون العصمة لأئمة أهل البيت، وقدوتهم في ذلك ابن سبأ الذي ادعى العصمة لعلي –رضي الله عنه-.
وأفهم من قولك: "بعصمة كل الصحابة" أنك ترى أن بعضهم قد يكون معصوماً! وهذا ما لم يقل به أحدٌ أبداً من السلف -كما قلت لك- بل لن يستطيع أحدٌ أبداً أن يأتي بحرف واحدٍ عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- يقول فيه بعصمة أحدٍ منهم، وإذا كان هذا في حقهم ممتنعاً شرعاً، أفتظن أن العصمة ستكون لمن جاء بعدهم؟!(1/219)
سادساً: الآية التي استدللت بها لا تصلح للاستدلال على عدم ثبوت العصمة؛ لأن هذا في مقام بيان عقوبة مَن خالف الأمر والنهي، ولا يلزم منه الوقوع أصلاً، وهذا يستوي فيه جميع المكلفين، حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ألم تقرأ قول الله –عز وجل-: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الزمر:65] ؟! وقوله تعالى : "وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً" [الإسراء:75-74]؟!
ولا يمكن لأحد أن يقول بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- يمكن أن يشرك شرعاً، أو يركن إلى الذين كفروا -حاشاه من ذلك-.
والذي يصلح أن يستدل به على عدم العصمة لغير النبي –صلى الله عليه وسلم- هو اتفاق أهل العلم على أن كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي –صلى الله عليه وسلم- وهناك أدلةٌ أخرى ليس هذا مجال الحديث عن العصمة، فالبحث فيها طويل متشعب.
سابعاً: قلت في ختام إيرادك -وفقني الله وإياك للحق-: "لماذا لا يحاسب من خاض في دماء الآلاف"؟!.
وأنا أسألك -وفقك الله-: من هو الذي تريده أن يحاسب الصحابة في الذين شاركوا في تلك الفتنة؟!.
ولعل قصدك -في كلامك هذا-: لماذا لا ينتقد من شارك في القتال؟ ولماذا لا يبين خطأه؟!
وما هذا الكلام -الذي تقدم- إلا جواب عن هذا السؤال، وأجزم أنها إنما هي إشارات فقط، أرجو أن تكون كافية في إيضاح الحق، وإلا فإن المسألة كتب فيها كتب، وسطرت فيها مجلدات، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وأختم جوابي بأمرين:(1/220)
الأول: كما أن الإنسان يشكر على بحثه عن الحق، فإنه يشكر أكثر ويغبط أكثر وأكثر، ويسلم دينه أكثر وأكثر حينما يعيش ويموت وقلبه سليم على إخوانه المسلمين، فضلاً عن أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- حملةِ الشريعة، ومبلغي السنة لبقية الأمة –رضي الله عنهم وأرضاهم- وجزاهم عن الإسلام وأهله خير الجزاء-.
والله العظيم لن يسلم دين المرء، ولن يرتاح باله إلا بهذا المسلك، وتجارب إخواننا الذين تابوا من هذا المسلك الوخيم –أعني: سب الصحابة كالشيخين، أو معاوية أو عائشة- أكبر شاهد على ذلك، فاسألهم تجد عندهم الخبر اليقين.
واعلم –بارك الله فيك- أن القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول –صلى الله عليه وسلم- يجرُّ إلى القدح في الرسول عليه الصلاة والسلام، كما قال الإمام مالك –وغيره من أئمة العلم-: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله، وإنما طعنوا في أصحابه؛ ليقول القائل: رجلُ سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً؛ لكان أصحابه صالحين.
وبهذا المسلك –أعني مسلك التسليم وترك الخوض فيما جرى- تسلم من بدعتين قبيحتين:
الأول: بدعةِ الرافضة الذين أعملوا ألسنتهم في شتم الشيخين، وعثمان، ومعاوية وجمع غفير من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
الثاني: بدعةِ النواصب الذين يشتمون علياً وأشياعه –عياذاً بالله من ذلك-.
وأنا –يا رب- أبرأُ إليك من هؤلاء، وأسألك بما سألك به عبادك الصالحون –الذين جاءوا من بعد أصحاب نبيك –صلى الله عليه وسلم-: "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ".
وأرجو أن تتأمل معي هذين الموقفين اللذين وقفهما اثنان من كبار أئمة هذه الأمة :
أما الموقف الأول: فهو موقف الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز عندما قيل له: ما تقول في أهل صفين؟ فقال: تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أخضب لساني بها.(1/221)
وأما الموقف الثاني: فهو موقف الإمام أحمد، حينما قال: إن علياً كان الأحق بالأمر، وكانت طاعته واجبة، فأورد عليه بعضهم فقال: إذا قلت كان إماماً واجبَ الطاعة، ففي ذلك طعن على طلحة والزبير، حيث لم يطيعاه، بل قاتلاه! فقال لهم الإمام أحمد: إني لست من حربهم في شيء !
علق الإمام ابن تيمية على هذا الكلام، مفسراً كلمة الإمام أحمد، فقال:
(يعنى أن ما تنازع فيه عليٌّ وإخوانه لا أدخل بينهم فيه؛ لما بينهم من الاجتهاد والتأويل الذي هم أعلم به مني، وليس ذلك من مسائل العلم التي تعنيني حتى أعرف حقيقةَ حالِ كل واحد منهم، وأنا مأمور بالاستغفار لهم، وأن يكون قلبي لهم سليماً، ومأمور بمحبتهم وموالاتهم، فلهم من السوابق والفضائل ما لا يهدر) [ينظر مجموع الفتاوى 4/440].
فهذان موقفان يريحان قلب المسلم، ويسلم له دينه، ويمثلان منهجاً وسطاً في التعامل مع هذه المسائل الكبار، والتي الخلل فيها –سببٌ من أسباب الضلال والانحراف في الاعتقاد- كما هو ظاهر في التاريخ، بل والواقع-.(1/222)
الثاني: مما أختم به جوابي –أن هذه الفتنة- التي أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- وقعت ومضت بما فيها "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" فليس من العقل ولا من الشرع أن نختصر ديننا وعقيدتنا، وفهمنا للشريعة في هذه الفتنة العمياء! بل علينا أن نقرأها في سياقها التاريخي الذي يعين على فهم ملابساتها وأسبابها، وأن ننزلها منزلتها اللائقة بها، والتماس العذر فيها لمن أخطأ، فإن الفتنة إذا وقعت عمي أكثر الناس عن فهمها، وإذا أدبرت أدركها كل أحد، وأن نتجاوزها لنقف كثيراً عند السيرة المعصومة –التي أمرنا بالاقتداء بها، والتأسي بها –سيرة محمد –صلى الله عليه وسلم- (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)، فهي السيرة الخطية التي ستجد فيها الترجمة الحقيقية لهذا الدين: تحقيقاً للتوحيد، وعناية ببقية الأركان، ونصاعة في الأخلاق، وعظمة في حسن المعاملة، وأن نحاول التأسي بها، وأن نطبقها عملياً في حياتنا قدر الإمكان، فذلك –والله- خير وأبقى.
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شرور أنفسنا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم".
وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
6928
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - تعقيب على فتوى كروية السماء!
تعقيب على فتوى كروية السماء!
د. عبد العزيز بن عمر الغامدي
………
5/2/1427
05/03/2006
تم نشر فتوى بعنوان " كروية السماء " للدكتور/ عبد العزيز بن عمر الغامدي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد.(1/223)
وقد ورد إلى الموقع تعقيب من أحد الإخوة الزوار – على الموضوع المذكور – وبعد عرضه على الدكتور عبد العزيز الغامدي أجاب عنه بما يلي:
الاعتراض:
بخصوص الإجابة عن كرويه السماء. أولا السؤال هام لأن الإسلام يهاجم بأنه لا يتفق مع العلوم الحديثة وهذا يؤدي إلى الشك في صحة الدين إذا لم توضح الحقائق ولم يتم توبيخ أي سؤال. أما عن الإجابة فليس فيها ما يدل على أن السماء كرويه والعلم الحديث يصف الفضاء أو السماء بأنها ممتده ولا يصف لها شكل مثلما وصفها المجيب أنها مثل الكرة التي تحتوي في داخلها الكواكب؟؟؟ أي تحيط بها من كل جانب. وقد ذكر في الإجابة أن اشمس والقمر سوف يكورا يوم القيامة؟ أي حالياً ليستا كرويتين وهذا على الأقل غير صحيح بالنسبة للقمر كما صورته كاميرات الفضاء... فهل من توضيح أكثر لهذا السؤال الهام في عصر الهجوم العلمي على الإسلام وكل الأديان. وشكراً.
الرد:(1/224)
بالنسبة لموضوع كرويّة السماء واعتراض الأخ الفاضل هانيء على جوابنا السابق وأن العلم الحديث يصف الفضاء بالامتداد لا بالكروية فهذا غير صحيح فإن العلم البشري حديثاً كان أو قديماً أو مستقبلياً لا يمكن له أن يثبت كروية الفضاء وذلك لاتّساعه ولم يستطع العلم أن يثبت كروية الأرض إلا في الآونة الأخيرة على ضآلة حجمها بالنسبة لشمس، فكيف بالفضاء الذي لا يعلم مداه إلا من خلقه تعالى؟! وفي قوله تعالى: "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" وامتدادها لا يمنع كرويتها، ثم هذا كله من باب الاجتهاد الذي لا نص فيه وهو اجتهاد العلماء القابل للصواب كما هو قابلٌ للخطأ، أما بالنسبة لتكوير الشمس والقمر يوم القيامة فليس معناه أنهما الآن ليسا كرويين وإذا فهم السائل هذا فهذا من سوء فهمه أما أنا فلم أقل بأنهما ليسا كرويين بل هما كرويان الآن وتكويرهما يوم القيامة يعني تجمعان معاً وتلقيان في النار زيادة في عذاب أهلها والله أعلم، كما أن موضوع كروية الفضاء ليس من المواضيع التي يجب أن يكثر فيها القيل والقال لأنه علمٌ لا ينتفع به الذكي ولا يتضرر بجهله الغبي! وقد نُهينا عن سؤال ما لا فائدة لنا فيه، ولنا في منهج القرآن الكريم الأسوة الحسنة فقد كان يُعرض عما لا فائدة من ذكره كنوع الشجرة التي أكل منها آدم عليه السلام، والطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم عليه السلام وغير ذلك.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
6929
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - استدراك وجواب على فتوى ضرب المتهم
استدراك وجواب على فتوى ضرب المتهم
أ.د. سعود بن عبد الله الفنيسان
………
5/2/1427
05/03/2006
في زاوية الفتاوى، تم نشر فتوى بعنوان ( ضرب المتهم عند التحقيق ) للشيخ/ أ.د. سعود بن عبد الله الفنيسان، وقد وردت إلى الموقع إشكالات على الفتوى المذكورة، من الأخ/ مؤيد، وبعد عرضها على الشيخ أجاب عنها بما يلي:
الإشكالات:(1/225)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،سؤالي هو عن الفتوى: ( ضرب المتهم عند التحقيق ) أرجو من فضيلة الشيخ توضيح بعض الإشكاليات التي أعاني منها في الرد:
1- كيف يكون القياس في السماح بالضرب بين الحادثة في موقعة بدر حيث أن الأسرى من الكفار، وبين ضرب المسلمين؟
2- ما هو الفاصل في تحديد كون الشخص فاسد ويجوز ضربه؟
3- ألم يتوصل العلم الآن (كما قال عليه الصلاة والسلام قبل 1400) أن الضرب يؤدي لاعتراف الشخص بما يريد المحقق حتى يتوقف؟ فتوافق علمه صلى الله عليه وسلم مع علم ودراسات اليوم!
4- ألم تعرض نفس المسألة لعمر بن عبد العزيز ورفض أن يسمح بالضرب؟ في حادثة اختلاس أموال بيت المال؟
5- أليس درء المفاسد أولى من جلب المصالح؟ فمع علمنا بأن أفراد الشرطة اليوم يضربون وينتقمون وينكلون، أليس من الأولى عدم الفتوى بالجواز وهذه الحال؟
أرجو العلم أني لست أسأل انتقاصاً من قدر الشيخ (حاشا لله) ولكن هذا ما انتهى إليه علمي وأرجو من فضيلة الشيخ الرد. جزاكم الله خيراً.
الردود:
أشكر الأخ مؤيد من نيوزيلنده على مداخلته واستشكاله على موضوع (ضرب المتهم) وأقول:
1- ليس كفر الكافر سبباً موجباً للاعتداء عليه وإنما موجب هذا ظلمه واعتداءه على الغير كحصول الظلم من المسلم لغيره لأن الله يقول "ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" وقد حرم الله الظلم على نفسه وعلى عباده جميعاً "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" فالقياس ظاهر جلي في وقعة بدر المشار إليها. ثم هذه سنة الرسول بقوله وإقراره فهي تشريع وعامة التشريعات النبوية هي قياس وتمثيل للأفعال في زمن الكفر أو على الكافرين يتعظ بها المسلمون.(1/226)
2- والفاصل في تحديد كون الشخص المتهم فاسداً يجوز ضربه –مبين في الجواب عليه وهو كون المتهم مشتهراً بين الناس بالفساد أو كانت له سوابق معروفة ومسجلة عليه والناس شهداء الله في أرضه كما جاء في الحديث.
3- قد يؤدي الضرب إلى اعتراف المتهم وعند توقف الضرب يرجع عن اعترافه وقد يبقى على اعترافه أحياناً –بعد توقف الضرب عنه- فهذا يختلف باختلاف الأشخاص والجرائم والظروف والأحوال.
4- توقف الخليفة عمر بن عبد العزيز عن ضرب من اختلس من بيت مال المسلمين إنما كان لوجود الشبهة وهي أن الاختلاس من بيت المال العام وللمختلس نصيب منه لأنه فرد من المسلمين فدفع الخليفة عنه حد التهمة –الضرب- لوجود الشبهة عملاً بالقاعدة الشرعية (ادرؤا الحدود بالشبهات) لأن التهمة لم تتحقق في نظر الخليفة عمر.
5- إعمال قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) يختلف في نظر المجتهد واحتساب المحتسب من شخص إلى آخر حسب اجتهاده وفهمه للقاعدة وفق النازلة –القضية المنظورة- وإذا كان بعض رجال الشرطة اليوم يظلمون ويضربون هل يترك الحق ولا يبين للناس وهل ظلم الظالم يجعلنا نكتم الحق ومتى كان بيان العلم ونشره سبباً لزيادة الظلم!!؟
وشكراً مرة أخرى للأخ مؤيد على مداخلته واستشكاله. وصلى الله على نبينا محمد.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
6966
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - استدراك وتعقيب على فتوى (علاقة الحب قبل الزواج)
استدراك وتعقيب على فتوى (علاقة الحب قبل الزواج)
سامي بن عبد العزيز الماجد
………
14/2/1427
14/03/2006
نشرت فتوى بعنوان: ( ( الحب بهدف الزواج!) ) للشيخ / سامي بن عبد العزيز الماجد، وقد ورد إلى الموقع استدراك من أحد الزوار على الفتوى المذكورة، وبعد عرض لاستدراك على الشيخ أجاب عنه بما يلي:
الاستدراك:(1/227)
شيخي الفاضل: يستدل من جوابكم للسائلة في عدم جواز ممارسة الحب قبل الزواج أن علاقة الحب جائزة بين الرجل والمرأة، أرجو إيضاح جواز هذه العلاقة بالأصل أم لا؟. وجزاكم الله خيراً.
الإجابة:
كون الرجل يجد في نفسه ميلاً نحو امرأة ما،وحباً لها بحيث لا يتجاوز الأمر هذا الشعور الداخلي، ولم تترجمه الجوارح إلى أفعال وأقوال كلحظات العين ولفظات اللسان وسعي الرِّجْل،وبطش اليد، فلا مؤاخذة عليه في ذلك؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تكلم".
أما إذا استحال هذا الشعور (الحب) إلى علاقات آثمة ومراسلات غرامية ولقاءات مثيرة ومهاتفات مهيجة، فهوا حرام بلا شك، ولم أقل إن الحب جائز بين الرجل والمرأة الأجنبية بإطلاق،ولكن قلت: إن الله العليم الحكيم لا يغضب من ممارسة الحب بين الحبيبين، لكنه اشترط لذلك شرطاً، وهو أن تكون الممارسة في نطاق بيت الزوجية، بعد أن تأخذ المرأة من الرجل ميثاقاً غليظاً – عقد النكاح-، وأظن أن الفتوى واضحة لو أعدت فيها النظر مرة أخرى. وفقك الله لكل خير، والسلام عليك.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
7027
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - مراجعة فتوى البسملة في الفاتحة
مراجعة فتوى البسملة في الفاتحة
سعد بن عبد العزيز الشويرخ
………
27/2/1427
27/03/2006
نشرت فتوى عن (حكم البسملة) وأنها ليست من الفاتحة، لفضيلة الشيخ/ سعد بن عبد العزيز الشويرخ ، وقد ورد إلى الموقع إشكال متعلق بالفتوى المذكورة من أحد الزوار، وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
أولاً: الإشكال:
الشيخ الفاضل: سعد الشويرخ - حفظه الله-
قرأت لك فتوى أن البسملة ليست من الفاتحة، فأرجو إلقاء الضوء على قوله صلى الله عليه وسلم عن الفاتحة: "السبع المثاني"، وإذا لم تدخل البسملة ضمن آياتها لا تصبح سبعاً. فكيف التوفيق بين هذا الحديث وغيره؟ جزاك الله خيراً.(1/228)
ثانياً: الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وبعد:
البسملة ليست آية من أول الفاتحة ولا غيرها، بل هي آية مستقلة يفتتح بها كل سورة من القرآن ما عدا براءة، قال شيخ الإسلام: البسملة آية من كتاب الله في أول كل سورة سوى براءة، وليست من السور على المنصوص عن أحمد، وهو أوسط الأقوال وأعدلها، وبه تجتمع الأدلة.
وقد دلت لذلك أدلة كثيرة، منها:
1- ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ماسأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله : حمدني عبدي، ولو كانت آية لعدها وبدأ بها.
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً: سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى يغفر له، تبارك الذي بيده الملك" أخرجه أحمد والأربعة ولا يختلف العادون أنها ثلاثون آية بدون البسملة.
أما حديث "السبع المثاني" فقد أخرجه البخاري وأحمد عن أبي سعيد بن المعلى وفيه" الحمد لله رب العالمين" هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" ورواه الترمذي والنسائي عن أبي بن كعب، وقال الترمذي: حسن غريب.
فقد استدل به بعض أهل العلم على أن البسملة ليست من الفاتحة، لأنه لو كانت منها لبدأ بها.
والفاتحة أجمعت الأمة على أنها سبع آيات، واختلفوا في السابعة، فمن نفى أن تكون البسملة آية منها، قال" صراط الذين أنعمت عليهم" سادسه، وغير المغضوب عليهم" إلى آخر السورة هي السابعة، ويترجح هذا لأن به يحصل حقيقة التنصيف في حديث أبي هريرة المتقدم، فيكون لله ثلاث آيات ونصف، وللعبد مثلها، وموضع التنصيف، إياك نعبد وإياك نستعين" فلو عدت البسملة آية ولم يعد" غير المغضوب عليهم" صار لله تعالى أربع آيات، وللعبد آيتان ونصف وهذا خلاف تصريح الحديث بالتنصيف، والله تعالى أعلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
7039
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…(1/229)
الإسلام اليوم- الفتاوى - - استدراك وتعقيب على فتوى دية المرأة
استدراك وتعقيب على فتوى دية المرأة
أ.د. سعود بن عبد الله الفنيسان
………
1/3/1427
30/03/2006
نشرت فتوى بالموقع بعنوان ( هل دية المرأة على النصف من دية الرجل ) ، للشيخ الدكتور/ سعود الفنيسان ، وقد ورد إلى الموقع استدراك من أحد الإخوة الزوار على الفتوى المذكورة وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي: الاعتراض:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد ذكر فضيلة الدكتور سعود الفنيسان – حفظه الله وأحسن إليه- في ترجيحه أن دية المرأة نصف دية الرجل في قتل الخطأ، وذكر في أول دليل له قال: (إجماع الصحابة على هذا الأمر – أي التنصيف- حيث لم ينقل عن أحد منهم قال بخلافه، ثم اتفاق الأئمة الأربعة على هذا بمثابة الإجماع أيضاً، والإجماع عند العلماء أقوى من النص، فهو يَنسخ ولا يُنسخ؛ لأنه لا يكون إجماعاً إلا وهو مستند على نص شرعي، سواء علمنا هذا النص أو جهلناه)، وسؤالي: هل ورد أن هذه القضية عرضت أمام الصحابة –رضي الله عنهم- وحكم بها أمامهم بتصنيف دية المرأة وسكتوا عنها؟ وهل الإجماع السكوتي حجة ليعارض بها ظاهر النصوص العامة؟ وهل شهرة الحديث بين الفقهاء دليل على صحته؟ أنا لست ممن يعترض عليك فضيلة الدكتور – حفظك الله- ولا ينبغي لي، ولكني وجدت في مقدمة الفتوى قوة دليل للقول بتسوية الرجل والمرأة في هذه القضية قبل ترجيحكم. فلا أدري حفظكم الله، أرشدوني إن كنت مخطئاً وسامحوني دفع الله بكم أمة الإسلام، والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وصحابته أجمعين، وبعد:(1/230)
فقد تلقيت من بعض الإخوة من طلاب العلم اعتراضاً على الفتوى التي أفتيت بها في موقع (الإسلام اليوم) عن دية المرأة في القتل الخطأ، ورد دعوى أنها كالرجل تماماً وليست بنصف ديته، وأنا أشكرهم على اهتمامهم ومتابعتهم وحسن خطابهم، وأحب أن أبيّن لعامة زائري (نافذة الفتاوى) وهؤلاء الإخوة خاصة ما يلي:
أولاً: بسطت رأي الجمهور ومخالفيهم في دية المرأة في القتل الخطأ، وناقشت أدلة الطرفين معاً، وظهر لي أن ظواهر الأدلة مع القائلين بعدم تنصيف الدية، ورجحت أخيراً مذهب الجمهور القائلين بالتنصيف بأدلة استنباطية عملية وواقعية، ويبدو أن عرض أدلة المخالفين للجمهور رجحت في أذهان الإخوة الكرام واستغربوا أن أرجح خلافها بعد وضوحها، وإنما فعلت ذلك مبسطاً للمسألة وإنصافاً واحتراماً للرأي المخالف والقائل به، والمشير له اليوم فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي – وفقه الله-. وهذا من تمام العدل الذي أمرنا الله به "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تتذكرون"، وبقوله: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، والأخذ بظواهر الأدلة – ما لم تكن نصًّا في المسألة- من الفقه الظاهري أقل ما يقال فيه: إنه اجتهاد مقابل اجتهاد مثله، ولا مانع للمجتهد الناظر في الأدلة أن يرجح أحد الرأيين، وما ذكرته من أدلة للقائلين بتماثل الدية بين الرجل والمرأة إنما هو على طريقة العلماء في إعمال الذهن في نقد الأقوال لا غير.
ثانياً: قال أحد الإخوة – وفقه الله- متسائلاً: هل عُرضت قضية تنصيف دية المرأة على الصحابة – رضي الله عنهم- وحكم بها إمامهم وسكتوا عنها؟ وهل الإجماع السكوتي حجة تعارض به ظواهر النصوص؟ وهل شهرة الحديث بين الفقهاء دليل على صحته؟(1/231)
وأنا أجيبه بالنفي عن سؤاليه الأول والثاني، فلا إجماع قولي و لا حجة في الإجماع السكوتي، ولكني أقلب عليه سؤاله، فأقول: هل نقل عن أحد من صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذين توفي عنهم وعددهم يزيد عن مائة ألف- هل نقل عن واحد منهم أنه قال بمساواة دية المرأة في القتل الخطأ لدية الرجل؟! بل هل نقل عن أحد الخلفاء الراشدين المهديين – خاصة شيء من هذا- إن وجد في هذه المسألة نقل عن صحابي تعين المصير إليه والوقوف عنده، وأنا أول من يقول به ويشهره بين الناس.(1/232)
ثالثاً: نعم إن شهرة الحديث عند العلماء إذا تلقي بالقبول دون نكير تغني عن إسناده سواء كان الإسناد ضعيفاً أو لم يعرف له إسناد أصلاً. وقد سئل الإمام أحمد عن حديث تلقين الميت بعد دفنه فاستحسنه واحتج عليه بالعمل – كما ذكره- ابن القيم في كتاب (الروح)، وقال الإمام مالك: صحة الحديث بالمدينة تغني عن إسناده، وسئل القاسم بن محمد عن عدة الأَمة، فقال الناس يقولون حيضتان، وليس هذا في كتاب الله ولا سنة رسول الله، ولكن عمل به المسلمون)، وقال ابن عبد البر في التمهيد: (روي عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- بإسناد لا يصح أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "الدينار أربعة وعشرون قيراطاً"، وهذا الحديث وإن لم يصح إسناده ففي قول جماعة العلماء به وإجماع الناس على معناه ما يغني عن الإسناد فيه) ا.هـ. وقال الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح: ومن جملة صفات قبول الحديث التي لم يتعرض لها شيخنا الحافظ العراقي أن يتفق العلماء على العمل بمدلول الحديث، فإنه يقبل، بل يجب العمل به)، وقال السخاوي بشرح ألفية الحديث: (وكذا إذا تلقت الأَمة الحديث الضعيف بالقبول يعمل به على الصحيح حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به، ولهذا قال الشافعي – رحمه الله- في حديث: "لا وصية لوارث" إنه لا يثبته أهل الحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخاً لآية الوصية) ا.هـ، وقد نقل عن الإمام أحمد الأخذ بالحديث الضعيف كحديث "الناس أكفاء إلا الحائك والحجام والكساح"، فقيل له أتأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: إنما نضعف إسناده ولكن العمل عليه، وفي رواية عنه أنه قال: إنما نضعفه على طريقة أهل الحديث، ونأخذ به على طريقة العلماء، أو قال الفقهاء.(1/233)
رابعاً: القول بتنصيف دية المرأة مستند إلى الإجماع العملي منذ عهد الصحابة – رضي الله عنهم- إلى يومنا هذا، وهو أقوى من الإجماع القولي والسكوتي معاً-، وهذا الإجماع من التواتر العملي الذي هو أقوى من التواتر اللفظي كما هو معلوم عند أهل الحديث.
خامساً: إن القول بمساواة دية المرأة للرجل في القتل الخطأ – لمن الأمر العجب كيف يخالف سلف الأمة من العلماء والفقهاء والقضاة والحكام في حكم استقر منذ خمسة عشر قرناً ولم يعرف لهم مخالف يعتد بخلافه، ثم يجيء بعض الناس في هذا العصر ليخرج على إجماعهم العملي بدعوى أنه لا يتفق مع القول بتكريم المرأة واحترامها! وكأن علماء المسلمين من السلف والخلف أهانوا المرأة ولم ينصفوها حين لم يساووا ديتها بدية الرجل! وهذه الدعوى لم تعرف إلا في العصر الحاضر، أطلقه الأعداء والمستغربين المهزومين من أبناء المسلمين، ثم كيف يجمع العلماء – إجماعاً عملياً منذ عهد الصحابة – رضي الله عنهم- والتابعين، ومروراً بعصر الأئمة الأربعة، وانتهاء بالأئمة المجتهدين كابن تيمية والعز بن عبد السلام وأبي بكر بن العربي والنووي، والحافظ ابن حجر وابن عابدين وعبد العزيز بن باز، وغيرهم كثير، كيف لم ينقل عن واحد من هؤلاء أو في مجمع أو هيئة شرعية القول بمساواة دية المرأة لدية الرجل في القتل الخطأ، ثم يأتي من يُخطِّئ كل هؤلاء ويصوب رأيه بلسان الحال أو المقال. وأكرر شكري للإخوة الذين أبدوا ملاحظاتهم وتساؤلاتهم، وفق الله الجميع إلى العلم النافع والعمل الصالح، آمين.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
7063
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - استدراك وتعقيب على فتوى مشروعية الأذان الأول للجمعة
استدراك وتعقيب على فتوى مشروعية الأذان الأول للجمعة
د. يوسف بن أحمد القاسم
………
6/3/1427
04/04/2006(1/234)
نشرت فتوى بعنوان: ( مشروعية الأذان الأول يوم الجمعة )، للشيخ الدكتور/ يوسف بن أحمد القاسم "عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء"، وقد ورد إلى الموقع تعقيب على الفتوى المذكورة من أحد الإخوة الزوار، وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
التعقيب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ الفاضل: يوسف القاسم.
تعليقاً على فتوى مشروعية الأذان الأول يوم الجمعة فقد ذكرتم عمل المسجد الحرام، والمسجد النبوي بهذه السنة الراشدة، والذي أراه أن في المسجدين الشريفين ليس السنة، إذ ليس بين الأذانين وقت حتى يستعد فيه من لم يستعد للجمعة، فهل هذا يعد من البدعة إذ ليس هو يقيناً من السنة، إذ السنة إما أذان واحد حين يجلس الإمام كما كان في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما- أو أذانين بينهما ما يستعد فيه الغافل كما في عهد عثمان – رضي الله عنه- أما ما يحدث الآن فماذا يسمى؟ ولماذا لم تنته هذه العادة التي لم توافق ما كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر – رضي الله عنهما- ولا وافقت ما كان عليه عثمان – رضي الله عنهم- جميعاً، وأما أثر الزهري عن السائب فقد توفي الزهري سنة (125)، فبقاء هذا العمل إلى هذه السنة لا يستدل به على العمل في وقتنا هذا، ولم تتوفر الوسائل في عهد الزهري كما توفرت الآن وجزاك الله خيراً. الرد:
فما ذكره السائل من عدم وجود وقتٍ كافٍ بين الأذان الأول والثاني في الحرمين الشريفين، فلا يتحقق المقصود من مشروعية الأذان الأول، هو كلام صحيح، وقد أشرت إلى ذلك في الجواب على السؤال عن مشروعية الأذان الأول، حيث قلت: (...مع قرب الأذان الأول للثاني بما لا يحقق الحاجة المعتبرة)، والواجب حينئذ أن يتقدم الأذان الأول على الثاني بوقت يحقق المقصود من مشروعية الأذان.(1/235)
وأما أثر الزهري المشار إليه، فلا يفهم منه كما فهم السائل حيث ذكر أن وفاة الزهري – رحمه الله- في سنة (125هـ) فيبقى العمل بالأذان الأول إلى تلك السنة (!!) بل يفهم منه إجماع الأمة في ذلك العصر على هذا الأذان إجماعاً سكوتياً، كما صرح بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مجموع الفتاوى [(24/193-194)]، حيث قال: (...ويتوجه أن يقال: هذا الأذان لما سنه عثمان – رضي الله عنه- واتفق المسلمون عليه، صار أذاناً شرعياً...) اهـ. وبهذا الإجماع السكوتي احتجت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، كما في فتاوى اللجنة المنشورة (8/198-199).(1/236)
وأيضاً فإن العلة التي لأجلها شرع هذا الأذان هي كثرة الناس، كما أشار إلى هذا السائب بن يزيد حيث قال: (...فلما كان في خلافة عثمان –رضي الله عنه- وكثروا ، أمر عثمان...) الأثر، وإذا كثر الناس تباعدت المنازل، وكثرت الأشغال الصارفة عن العبادة، فكان من المصلحة تذكير الناس بالجمعة ليستعدوا لها، وهذه العلة متحققة في هذا العصر بشكل أكبر، حيث كثر الناس ، وضعف الوازع الديني لدى كثيرين، وأما الوسائل فلا أدري ما يعني بها السائل – تحديداً- وبكل حال فإن الأصل بقاء هذه الشعيرة، لحاجة الناس إلى التذكير بهذه الصلاة للاستعداد لها، ويمكن أن يقال: بأن بعض المراكز الإسلامية الموجودة في بلاد الكفر والتي لا يصرح لها برفع الأذان عبر المكبرات بأنه لا يسن لهم هذا الأذان، لعدم تحقق المصلحة المقصودة من هذا الأذان، ولكنه يبقى مشروعاً في سائر الأمصار، كما قاله الإمام بدر الدين العيني (ت855هـ) تعليقاً على قول السائب (فثبت الأمر على ذلك)، حيث قال: أي ثبت أمر الأذان على أذانين وإقامة، كما أن اليوم العمل عليه في جميع الأمصار اتباعاً للخلف والسلف) اهـ عمدة القاري (6/214)، ومع هذا فإنه يبقى أن الأمر واسع في هذه المسألة؛ لأنه لم يقل أحد بوجوب هذا الأذان، فهو سنة يثاب على فعلها، ولا يعاقب على تركها، ولذا فإنه لا ينبغي تفرق بعض المسلمين واختلافهم لمجرد الخلاف في بعض المسائل الاجتهادية من حيث تنزيلها على الواقع، كما هو الحال في بعض المراكز الإسلامية في بلاد الكفر. والله تعالى هو الموفق والهادي.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
7130
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - تعقيب على فتوى (اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير)
تعقيب على فتوى (اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير)
د. سامي بن إبراهيم السويلم
………
2/5/1427
29/05/2006(1/237)
نشرت فتوى بعنوان: ( اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير )، للشيخ الدكتور/ سامي بن إبراهيم السويلم "باحث في الاقتصاد الإسلامي"، وقد ورد إلى الموقع تعقيب على الفتوى المذكورة من أحد الإخوة الزوار، وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
التعقيب:
آمل من فضيلة الدكتور بيان كيف كانت المسألة من قبيل ربا الجاهلية، ووجه السؤال أن الغرامة ليست في جانب دافع المال، وإنما في جانب بائع البضاعة -إن كان فهمي صحيحاً- وهذه الغرامة فيما يظهر لي من قبيل الشرط الجزائي. ولو أن التحريم بني على ما فيها من الضرر البالغ فلا إشكال. مجرد تساؤل أرجو أن يتسع له صدر فضيلة الدكتور. وشكراً للجميع.
الرد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أشكر الأخ الكريم على ملاحظته، وأرجو ألا يبخل القارئ بما يراه لأن هذا من النصيحة في الدين التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأود أن أنبه الأخ إلى أن السؤال نص على أن الغرامة هي ألف ريال لكل يوم تأخير، دون أن يذكر تحديداً للحد الأقصى من الغرامة، ودون أن يربط الغرامة بالضرر الواقع على المشتري.
وهذا يعني أنه بمجرد مضي الوقت يستحق المشتري مبلغ ألف ريال على البائع دون أي مقابل. ولا ريب أن هذا الشرط بهذه الصيغة من الظلم البين على البائع، ومن أكل المال بالباطل بالنسبة للمشتري، لأنه يحصل على هذا المبلغ دون أي مقابل لمجرد مضي الزمن، وهذا هو الظلم الحاصل في ربا الجاهلية، حيث يحصل الدائن على مبالغ مالية لا لشئ إلا لمجرد تأخر المدين في السداد.(1/238)
والشرط الجزائي الذي أجازه مجمع الفقه وهيئة كبار العلماء له شروط تحول بينه وبين أن يكون من باب الربا. فليس في الشرط الجزائي غرامة مفتوحة مرتبطة بمجرد التأخير، بل إما أن تكون مرتبطة بالضرر الذي تحمله الطرف الآخر، وإما أن تكون محددة بما لا يتجاوز مبلغاً محدداً (5% مثلاً من قيمة العقد)، وفي هذه الحالة يعتبر الشرط الجزائي نظير العربون، كما أشار لذلك عدد من البحوث التي تناولت الموضوع (انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة 12، مجلد 2). وفي جميع الأحوال لا يمكن أن تصل غرامة التأخير إلى ما يساوي ثمن المبيع كله (أي 100% من قيمة العقد) لأن هذا يناقض أصل العقد القائم على المعاوضة، ويجعل الشرط سبباً للكسب وليس المبيع الذي هو سبب العقد ابتداء.
وأما ما أشار له الأخ بأن الغرامة هي من جانب البضاعة وليس من جانب النقد، فإن هذا لا ينفي عنها الربا، كما أن الفائدة يمكن أن تكون خدمة، أو سلعة، إذا اشترطت في الدين ولا يلزم أن تكون نقوداً.
فالزيادة في الدين مقابل التأخير ربا مطلقاً، سواء كان الدين نقوداً أو سلعاً، وسواء كانت الزيادة نقوداً أو سلعاً، ولهذا منع المجمع الشرط الجزائي في السَّلَمْ لأنه زيادة في الدين، مع أن الدين سلعة وليس نقوداً.
والشرط الجزائي المتضمن للتعويض المالي، يشترط فيه ما يلي:
1. ألا يكون التعويض على المدين في عقد مداينة، فلا يجوز اشتراط التعويض على البائع في عقد السَّلَمْ، ولا على المشتري في البيع الآجل. وكذلك لا يكون على المشتري في عقود الاستصناع والتوريد ونحوها. ومن الفقهاء المعاصرين من يمنع التعويض عن التأخير مطلقاً في كل العقود لأن فيه شبهة ربا النسيئة (راجع بحوث المجمع ومناقشاته).(1/239)
2. أن يرتبط التعويض بالضرر الذي يلحق بالمشتري في عقود المقاولات والاستصناع والتوريد. وقد نص قرار المجمع على أن الضرر هنا يشمل الضرر المالي الفعلي، ولا يشمل الضرر الأدبي، أو المعنوي، ولا فوات الكسب المحتمل.
3. أن يكون هذا الضرر ناتجاً عن تفريط البائع وإهماله في الالتزام بالعقد، وليس لأمر خارج عن إرادته. كما لا يصح اشتراط التعويض إذا كان الضرر ناتجاً عن سبب آخر لا علاقة له بالبائع، ولا إذا انتفى الضرر.
4. وقد نص عدد من الفقهاء على أنه لا يجوز أن يتجاوز مقدار التعويض عن الضرر المالي قيمة الصفقة الإجمالية (كما في بحوث المجمع ومناقشاته), لئلا يجتمع للمشتري الثمن والمثمن، فيفضي إلى الربح بدون مقابل. كما أنه من المقرر عند الفقهاء أن ضمان المتلفات يكون بالمثل أو بالقيمة، فإذا تأخر البائع في تسليم المبيع فإنه على أسوأ الأحوال يكون كما لو أتلف المبيع، فليس عليه حينئذ سوى المثل أو القيمة. فلا يجوز اشتراط تعويض مالي يزيد عن قيمة الصفقة (كما أفاده فضيلة الشيخ علي الندوي).
وفي الصورة محل السؤال فإن الغرامة وإن كانت على البائع لكنها غير محددة بالضرر، بل بمدة التأخير فحسب. وهذا لا يمكن أن يكون مقبولاً لأنه يؤدي إلى أن يربح المشتري من مجرد التأخير، وهذه هي حقيقة الربا. كما أنه يؤدي إلى أن يربح المشتري أكثر من قيمة الصفقة، فيكون كسباً دون مقابل وأكلاً للمال بالباطل. كما أنها تؤدي إلى ظلم البائع بتحميله مبالغ طائلة تتجاوز ما يستحقه المشتري. فسبب المنع هنا أمران: الظلم والربا، وهما متلازمان. والله تعالى أعلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
769
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - صرف الزكاة في عمارة المسجد
صرف الزكاة في عمارة المسجد
د. سعود الفنيسان
………
25/1/1423
08/04/2002(1/240)
تسعدنا كثيراً تعليقات وتعقيبات إخواننا زوار الموقع على ما ينشر في هذه النافذة، وليس من منهجنا تجاهل أي رسالة مهما كانت، بيد أنا نراوح – حسب الإفادة- بين أن نخص المرسل بالجواب، أو ننشر سؤاله والجواب عليه إذا ظننا أن في ذلك فائدة لآخرين.
وكان ممن راسلونا قريباً أحد الإخوة الذي عقب على فتوى فضيلة الشيخ ( سعود الفنيسان) عن حكم صرف الزكاة في عمارة المساجد- المصليات.." والموجودة في " وكأنه استدرك على فضيلة الشيخ سعود نقله عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وشيخه محمد بن إبراهيم رحمهما الله، أنهما يجيزان صرف الزكاة للمساجد.
وقد أحلنا هذا الاستدراك إلى فضيلة الشيخ سعود فأجاب عنه :
مشرف النافذة00
*******
اطلعت على ما كتب احد متابعي نافذة الفتاوى في موقع الاسلام اليوم تنبيهاً لي على الفتوى التي أفتيت بها في موقع (الإسلام اليوم) عن جواز صرف الزكاة على المسجد والمدرسة الإسلامية، وأراد الأخ –جزاه الله خيراً- تنبيهي إلى فتوى للشيخين الإمامين سماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم، وسماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن باز –عليهما رحمة الله ورضوانه- وأنهما لا يريان صرف الزكاة في المساجد.
أحب أن أنبه الاخ أنني أعرف رأيهما في هذين الموضعين الذيْن أشار إليهما، وأطلب منه يعيد قراءة ما أفتيت به في موقع (الإسلام اليوم) فإنني قلت بالحرف الواحد: "وقد أفتى بها بعض العلماء في هذا العصر كسماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن باز، وشيخه/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ –عليهما رحمة الله-، والشيخ يوسف القرضاوي أجازوا صرف الزكاة في عموم مجالات الدعوة إلى الله من إنشاء المراكز وطبع الكتب وتعليم الناس ...الخ.(1/241)
فقد أجاز الشيخان صرف الزكاة في عموم مجالات الدعوة إلى الله من بناء المراكز والمدارس وطبع الكتب النافعة (انظر فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاواه 4/142) وأجازها كذلك الشيخ ابن باز في أكثر من فتوى له، والنص على ذلك بما فيه المساجد انظره في قرارات مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة (القرار الرابع من قرارات المجلس المنعقد في ربيع الآخر سنة:1405هـ).
والشيخ عبدالعزيز بن باز هو رئيس المجلس وقد وافق عليه أغلبية المجلس مع الرئيس، ولم يخالف فيه من الأعضاء الحاضرين البالغ عددهم (17) عضواً سوى ثلاثة فقط من المشايخ هم: صالح الفوزان، وبكر أبو زيد، ومحمد السبيل، وأحب أن أنبه إلى أن السائل المستفتي لموقع (الإسلام اليوم) هو في أمريكا، ومعلوم أنها تبنى على هيئة خاصة مخصصة للصلوات، بل المسجد لا يعدو أن يكون غرفة أو صالة تستعمل مسجداً وقت الصلاة المفروضة، وقبلها وبعدها هي مكان للأكل والشرب واللعب والمزاح مما تنزه عنه المساجد –عادة- فهو أشبه ما يعبر عنه في أكثر الدوائر الحكومية والمؤسسات عندنا بـ(المصلى) ومعلوم أن (المصلى) لا يأخذ حكم المسجد دائماً.
ولو استفتي الشيخان –عليهما رحمة الله- عن هذا المصلى المسمى مسجداً والذي لا يكاد يعدو أن يكون غرفة حيناً، ومستودعاً حيناً آخر، ومجلساً في بعض أحيان أخرى، لو فصّل لهما ذلك أكاد أجزم أن يفصّلا في حكم صرف الزكاة في بناء المساجد إن لم يرجعا عن رأيهما، فضلاً عن أن الشيخ/ عبدالعزيز بن باز له رأيان في المسألة: رأي يجيز صرف الزكاة في بناء المساجد، ورأي مع قول الجمهور بعدم الجواز.
ثم إن المفتي يفتي السائل على نحو سؤاله لا غير، وفقاً لما يفهمه من مصطلحات عنده في سؤال السائل كلفظة (مسجد) مثلاً، ونظرا لاختلاف المصطلحات وتجدد المفاهيم تختلف الفتاوى.(1/242)
فالمسجد في سؤال السائل ليس (المسجد) عند جمهور المانعين لصرف الزكاة فيه، فليس له مئذنة ولا محراب ولا منبر وأحب أخيراًَ أن أضيف أنني بحثت هذا الموضوع مستوفى بأقوال العلماء السابقين والمعاصرين، رصدت فيه أقوالهم من كتب التفسير والحديث والفقه، نشرته في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد(40) سنة: 1419هـ، تحت عنوان (مصرف "في سبيل الله" بين العموم والخصوص)، ثم نقحته وزدت عليه كثيراً واطمأننت على ما توصلت إليه من جواز دفع الزكاة في بناء المساجد وما يلحق بها من وسائل الدعوة إلى الله ، والكتاب تحت الطبع الآن وسيصدر قريباً بإذن الله.
جزى الله أخانا خيراً على تنبيهه ورزقنا وإياه العلم النافع والعمل الصالح آمين، وصلى الله على نبينا محم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
857
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - التنويم بالإيحاء ليس المغناطيسي
التنويم بالإيحاء ليس المغناطيسي
عبدالسلام بن محمد الحمدان
………
9/2/1423
22/04/2002
شكر الله للأخ الكريم على تعقيبه، وعلى المعلومات التي زوّدنا بها، وهي معلومات مهمة من شخص ممارس للعمل ، نسأل الله له التوفيق والسداد .
د.خالد القاسم
******
مقدمة
التنويم طريقة تعمل للوصول إلى إحدى مراحل النوم الطبيعية التي تحدث لكل إنسان وهي حالة ألفاtrans(التي تسبق النوم مباشرة) وتتميز بالسكون التام وهي الطريق الموصل إلى الاستغراق في النوم وفيها –كما يقول النفسانيون- يتبرمج العقل الباطن ويستقبل الرسائل الإيجابية التي يطلقها المعالج عن طريق الإيحاء بالكلمات المناسبة(وتسمى بالاقتراحات)،
مراحل النوم:
عندما يهم أحدنا بالنوم يمر المخ بأربع مراحل من حيث الذبذبات التي تنطلق من المخ وتقاس بعدد الدورات في الثانية(أشواط) في الثانية الواحدة.
- مرحلة بيتا :دورات سريعة(الصحو) وهي عندما يكون الإنسان واعياً وعياً تاماً.(1/243)
- مرحلة ألفا : دورات أبطأ من الأولى، وهي المرحلة التي تسبق النوم مباشرة وتسمى النشوة.
- مرحلة ثيتا : أبطأ من الثانية، وهي الدخول في النوم (غير العميق).
- مرحلة دلتا: وهي أبطأ الجميع، وهي مرحلة الاستغراق في النوم والأحلام.
وفي هذه المرحلة الساكنة(ألفا) ثبت أن العقل الباطن يستجيب مع الاقتراحات التي تملى عليه من قبل المعالج أو المنوٍّم وهذه الإيحاءات مثل ما نقوله لأنفسنا أو أولادنا من رسائل سواء كانت إيجابية أم سلبية، فلو قلت لابنك مثلاً أنت ممتاز وقد أعجبتني في عملك وأخذت تشجعه وترفع معنوياته .... أنت بذلك توحي(رسالة) له بأنه على قدر المسؤولية،... وينطبق –أيضًا- في حالة الفشل والإحباط... وهذه الاقتراحات المستمرة في حياتنا لا تقف، ابتداءً من حديث النفس، وحديث الناس وحديث الإعلام والدعايات.... وعندما نرى في التلفاز منظراً خلاَّباً وعبارة جميلة كـ(هذا وغيره الكثير يوجد في ربوع تركيا) هذه رسالة للمشاهد أن تركيا جميلة، ولابد من زيارتها.. إذاً هي دعوة إلى السفر والترحال....
هذا العلم قد ضرب بأطنابه في أصقاع المعمورة، واستعمل في العلاج لكثير من الحالات المرضية النفسية والعضوية، بل واستخدم في الطب بشكل واسع وله أفرع في كثير من جامعات العالم يسمى التنويم العلاجي، أو العلاج بالتنويم الإيحائي، واستخدمه بعض أطباء الأسنان بدلاً عن التخدير في علاج الأسنان مثلاً، وفي التحكم بالألم وفي التوقف عن التدخين والمخدرات، والبعد عن بعض السلوكيات السيئة.
العقل الباطن(1/244)
يقسم العلماء العقل قسمين : واع مدرك وهو ما ندركه بالحواس الخمس، وعقل باطن أو غير واع وهو ما لا يظهر لنا كعمل القلب والرئة والتنفس وعمليات الخيال والإبداع.... - وسبحان الله- ما لهذا العقل من قوة خيالية مبدعة، فقط قد يعمل المعالج على قوة واحدة: قوة الخيال، الذي هو من أسس علم التنويم أو البرمجة اللغوية العصبية، وقد جمع بعض علماء الغرب قوانين خاصة بالعقل الباطن، من أبرزهم الكاتب الأمريكي: برايان تريسي.. وغيره
بعض الأغاليط حول التنويم بالإيحاء
- تسميته (بالتنويم المغناطيسي)، ليس لها أصل بل هي من نتاج الأفلام والخدع الكاذبة التي كانت تروج في تلك الأزمان يوم أن كان التنويم غامضاً.
- (أن المنوَّم (بفتح الواو) يقع تحت سيطرة من يعالجه ولا يملك من أمره شيئاً وأن المعالج (الأخصائي) يكشف أسرار المريض (وفضائحه)، والعكس صحيح فلا يمكن للمريض وهو في حال التنويم أن يبوح بسر لا يريد البوح به ، أو أن ينطق بكلمة دون علمه.. بل إن من يخضع للتنويم له كامل حريته في كلامه وأفعاله وتصرفاته، ولا يمكن أن ينطق بكلمة أو فعل يخالف عقيدته أو مبادئه.
- (أن التنويم من عمل الشياطين أو مساعدتهم) والحق أنه ظاهرة طبيعية، الغرض منها تطوير قدرات الشخص والتحكم بسلوكه نحو الأفضل.
- (ربما يستغل هذا العلم ضعاف النفوس أو أصحاب النوايا الخبيثة)، وهذا لا يخص هذا العلم وحده بل العلوم الأخرى مليئة بمثل هذا، فالتخدير ألا يمكن أن يستغل في الفساد؟؟
- استعجل بعض المشايخ الفضلاء بالإفتاء بتحريم التنويم؛ لأنهم لم يتعرفوا عليه.
تطبيقات حية:
بعض المختصين في هذا المجال- وكاتب هذه السطور منهم- قد مروا بتجارب ناجحة ومشجعة، باستخدام تقنية التنويم والبرمجة اللغوية العصبية، وهي تقنيات تعرف في بعض الأوساط (بتقنية إدارة العقل) أو الهندسة النفسية، وإليكم بعض الأمثلة التي عايشتها :(1/245)
- الشاب(عمر.ب)، يدرس في الصف الثاني/الشرعي، كان لديه حالة من عدم التوازن، والاضطرابات النفسية التي تنتابه كل فترة، وحالات من الغضب المفاجئ،وبعد جلسات البرمجة تغيرت حاله.
- الأستاذ (فهد.أ) يقول عن نفسه : أنا لا أخاف من أي شيء .. ولكن سافرت من حائل إلى الرياض عبر الطائرة,فوافقت أنها كانت في مطبات هوائية شديدة ,أيقن الجميع أنها النهاية، حتى أن الأكل في الطائرة وأدوات الملاحين سقطت، فانتابني خوف شديد من هذه الطائرة، وما وصلنا إلى الرياض إلا وأنا في منتهى الخوف من ركوب الطائرة ,فصرت كلما ركبت الطائرة وأغلقت الأبواب بدأت أرتجف ويقول أخوه :كان لا يحب الطائرات ودائما ً يؤذينا في السفر إلى مكة أو الدمام، ويصر على السفر بالسيارة، وبعدما عمل له بعض التقنيات في الخيال والبرمجة قال إنني ذاهب إلى مصر وشرم الشيخ أي أربع رحلات، وسأكتشف حقيقة هذه البرمجة، وبعد ذلك سافر مراراً بالطائرة وذهب عنه ذلك الخوف .
مع أنني أقول – كما يقول النفسانيون والأطباء عموماً- لابد من المواصلة في العلاج وتوصيات المعالج وإلا انتكس المريض إلى حالة أسوأ من ذي قبل.
ولدي العشرات من القصص في تشافي المرضى من أمراض وعوارض كانت تؤرقهم سنوات فبعضهم كان يعاني من القلق، الوسواس، الاكتئاب، الخوف(الفوبيا) .. وزال عنه ما كان يجد أو خفّت حدة المرض.
وقبل أن أودعك أخي القارئ أبوح لك بسر من أسرار التراث الإسلامي، وهو لابن القيم طبيب القلوب والأبدان، في كتابه الجامع : زاد المعاد فهلا قرأته وتمعنت فيه؟
يتحدث العلامة ابن القيم عن أمور لابد أن توجد عند الطبيب وهي عشرون التاسع عشر منها:
أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية، والعلاج بالتخييل ، فإن لحذاق الأطباء في التخييل أموراً عجيبة لا يصل إليها الدواء ، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين.(1/246)
زاد المعاد – الجزء الرابع (الطب النبوي) – فصل : والطبيب الحاذق هو الذي يراعي ... ص 130
طبعة دار الرسالة - الجديدة – مع الفهارس
والتخييل من صميم عمل الممارس بالتنويم والبرمجة اللغوية العصبية، وهناك كثير من الشواهد من القرآن والسنة في هذا المجال لعلها تبسط في حينها.
وأخيراً قد يعترض بعض المختصين في علم النفس ذوي التوجه الشرعي ويقولون: الحديث عن العقل الباطن يذكر بفرويد ومدرسته في التحليل النفسي، فأقول: قد أفاد فرويد في بعض الجوانب، وأخطأ في بعضها فماذا يضير المسلم أن يأخذ الحق ممن جاء به؟ والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها..
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
873
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - حول شرعية الترافع للمحاكم القانونية
حول شرعية الترافع للمحاكم القانونية
د.الشريف حمزة الفعر
………
14/2/1423
27/04/2002
فضيلة الشيخ : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.. فآمل منكم إعادة النظر في الفتوى الصادرة منكم بعنوان(العمل في المحاماة في بلد غير مسلم) ،حيث إن السائل يقصد أمراً مهماً، هو: شرعية الترافع لدى المحاكم القانونية.
******
أجاب عن السؤال الشيخ/ د.الشريف حمزة الفعر (عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى)
الجواب:
أشكر للقارئ الكريم غيرته، وأسأل الله لنا وله السداد والرشاد.
أما فيما يخص تعليقه على الفتوى، فأقول للتوضيح:
إن الأصل المقرر في ديننا: عدم جواز التحاكم إلى غير شرع الله، كما قال الحق –تبارك وتعالى-: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به..."الآية [النساء:60].
وقوله: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم..."الآية [النساء:65]، وقوله: "وأن احكم بينهم بما أنزل الله..."الآية [المائدة:49].(1/247)
وهذا في حال الاختيار عندما يكون للمتحاكم مندوحة، أما هذه الحال التي وقع السؤال عنها فهي حال اضطرار، حيث لا توجد محاكم شرعية، وحيث تلزم أنظمة البلدان التي تحكم بالقوانين الوضعية بتعيين محام للدفاع وهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذا الحكم مبني على الموازنة بين المصالح والمفاسد، وهو أصل شرعي مقرر لا مجال للتفصيل في الاستدلال عليه هنا، وبناء عليه يقال: إن صاحب الحق أو المتهم، إما أن يعين للدفاع عنه محامياً لا يلتزم بأحكام الشرع، وإما أن يعين محامياً يعمل على إعادة حقه إليه، أو دفع التهمة الظالمة عنه، مع عدم مخالفة الشرع بأن لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً.
ولا شك أن الثاني هو المتعين في مثل هذه الحال شرعاً وعقلاً، ولنمثل لذلك بمثالين:
الأول: إنسان اعتدى معتد على سيارته، أو أرضه فاستولى عليها، فلجأ إلى محام مسلم في تلك البلاد التي لا تحكم بشرع الله، فقام المحامي بالمطالبة بحقّه حتى أعاده إليه من خلال أحكام القانون السائد هناك، وليست هناك وسيلة لاستعادة هذا الحق إلاّ باللجوء إلى هذا العمل.
والمثال الثاني: إنسان اتهم ظلماً بما يقتضي قتله، أو تغريمه مبلغاً من المال في بلاد لا تحكم بشرع الله، فقام المحامي المسلم بالدفاع عنه حتى أخلى سبيله، أفلا يكون عمل المحامي في هذين المثالين وما أشبههما من الأمور مشروعة؟!
أرجو أن يتأمل صاحب التعليق الموقر في أن الجواب يتركز على أمرين:
1-عدم وجود محاكم شرعية.
2-الالتزام بعدم مخالفة ما تقضي به الشريعة، وهذا الأخير قد التزم به السائل في سؤاله، واشترط عليه في الجواب، وبالله التوفيق.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
926
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- الفتاوى - - مناقشة فتوى صيام يوم لنصرة فلسطين
مناقشة فتوى صيام يوم لنصرة فلسطين
د.رياض بن محمد المسيميري
………
24/2/1423
07/05/2002(1/248)
لقد نشرت فتوى الدكتور/ رياض بن محمد المسيميري والتي كانت تحت عنوان: (تخصيص صيام يوم وقيامه لنصرة فلسطين) بين أصحابي
وكان رد أحدهم كما يلي، وأرجو من المشايخ الأفاضل توضيح هذه النقطة ولكم جزيل الشكر، إخواني وأخواتي في الله، عندما ينادى بنا لتخصيص يوم للقيام بعبادة معينة جماعيا بنية الدعاء لإخواننا المستضعفين في أرض الله المقدسة لا يدرج تحت بند البدعة؛ لأنه -والله أعلم بالنيات- النية التوجه لله وحده لا شريك له ، على عكس كثير من أعمالنا اليوم نعتمد على المخلوق أولاً -والعياذ بالله- ثم الخالق، إذا كنا إخواني لم نتجمع على كلمة واحدة في الدنيا فاتركونا نتجمع ولو لفترات قصيرة على كلمة و رأي واحد مقصده ابتغاء مرضاة الله عنا؛ لأنه يا إخواني لن تنزل بنا نصرة الله ونحن لم ننل مرضاته عنا. أخيراً أحب أن أشارككم حكمة سمعتها " من وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟" تأملوا معناها، و هيا نجد الله في كل أعمالنا، وحتى لا نغضب أصحاب الرأي الموافق لهذه الفتوى فإن وجدنا الله حقاً فلِمَ تمنعني من تخصيص أيام للعبادات دون غيرها؛ لأنه والله عندما يرضى الله عنا ستكون جميع أعمالنا عبادة.(1/249)
في حديث قدسي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، -معنى الحديث-: "مازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى صرت بصره الذي يبصر به، و سمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش بها ... " إلى آخر الحديث ،فطوبى لمن نال هذا الشرف والتقدير العظيم، وبالتأكيد لن يكون حال المسلمين كما هو عليه اليوم إن نلنا هذه المنزلة، ووالله العملية ليست بصعبة، فقط أردت الرد على هذه النقطة المطروحة في رد الشيخ على الفتوى، واستناده بالتالي:" وقد ثبت عنه –عليه الصلاة والسلام- النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام أو يومها بصيام، فقال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" أخرجه مسلم ، من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، ومن هنا يتبين أن أصل التطوع بالصيام والقيام مشروع، لكن التخصيص بأيام أو ليال معينة لا يجوز إلا في حدود المنصوص عليه والوارد شرعاً، وبناءً عليه فإن تخصيص يوم الاثنين الموافق السابع والعشرين من شهر الله المحرم بالصيام، وليلة الأحد بالقيام لنصرة فلسطين أمر محدث لا يجوز بالكيفية التي قصدت، حديث الرسول واضح وصريح و الكلام عن يوم الجمعة بالذات و لا تلميح فيه أنه يطبق على أي يوم. فلا يكفي لعدم إجازة موضوع الفتوى المطروح. هذا والله أعلم.
أجاب عن السؤال الشيخ/ د.رياض بن محمد المسيميري (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام)
الجواب:
إنني أشكر الأخ صاحب التعقيب على أدبه الجمّ، ورغبته الشجاعة في التوصل إلى حقيقة الأمر في القضية محل البحث والمناقشة، أعني: تخصيص يوم للصيام وليلة للقيام نصرة لفلسطين العزيزة.
وملخص ما أود الإعراب عنه ما يلي:
1-أن الله –تعالى- تولى بعدله وحكمته تشريع ما يحتاجه العباد وما تقتضيه الحكمة، دون أن يخوّل لأحد من البشر التقدم بين يديه –سبحانه- أو بين يدي رسوله –عليه السلام-.(1/250)
قال –جل وعز-: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله"، (الشورى).
2-أن الله –تعالى- أعلن كمال الدين، وتمام النعمة بقوله الكريم: "اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا"، فليس لأحد أن يجيء بجديد أو يبتدع من عند نفسه عبادة لا أصل لها مهما حسنت نيته، وسما قصده، وعلت همته.
3-أن العبادات مبنية على التوقيف أي:على الشارع الحكيم –سبحانه- فلا تخضع للأذواق، ولا تنطلق من الأهواء، ولا يمليها العقل البشري.
أرأيت صلاة الظهر والعصر، ما بال ركعاتهن أربع فأربع؟ ولمَ لم تكن خمساً؟ إن العقل يعجز عن تفسير أمر كهذا فما عليه إلا أن يذعن للإرادة الإلهية، ويرضخ للحكمة الربانية الباهرة.
4-أننا لو أخضعنا عباداتنا للمقاييس العقلية، والمعايير الحسابية والأذواق الشخصية لوقعنا في دوامة من الحيرة والقلق، ولوجدنا أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، بل نتخبط في متاهة مهلكة من الفتاوى المتضاربة، والانتقادات التعبدية المتصادمة، والأحكام الفقهية المتناقضة دون أن نجد مرجعية يتفق عليها الجميع لحل النزاعات المستشرية تلك، فلا مناص إذاً من ردّ النزاع في كل مسألة من المسائل أو قضية من القضايا إلى الله ورسوله –عليه السلام- امتثالاً لقوله –سبحانه-: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول"، (النساء).
وإذا رددنا المسألة هذه إلى الله ورسوله –عليه السلام- وجدنا نبينا قد نهى عن محدثات الأمور ووصفها بأنها ضلالات، ومن ذلك تخصيص أيام وليال للتعبد خلاف ما شرع وسنّ –عليه الصلاة والسلام-.(1/251)
أما ما ذكر السائل الكريم من قوله –عليه السلام-: "مثل المؤمنين في توادهم..." الحديث فهو حديث صحيح لا مطعن فيه خرجه مسلم وغيره، ولكن لا وجه للاستشهاد به في مسألتنا هذه فنحن نمنع إحداث عبادات بلا دليل ولا نمنع أن يتواد المؤمنون ويتراحموا ويعطف بعضهم على بعض، بل شيوع المودة والمرحمة والمحبة بينهم هو غاية المنى، وبهجة الصدور ويمكن أن نحقق شيئاً من هذا المطلب بدوام الدعاء لبعضنا البعض، ووقوف بعضنا مع بعض في السراء والضراء، وهكذا.
وأما دعوة وأمنية السائل بأن نجتمع ونتوحد فهذا مطلب لكل مسلم غيور، وينبغي أن يسعى إليه الجميع لكن لا سبيل للاجتماع إلا بذات الأسلوب والمنهج والركيزة التي اجتمع عليها سلفنا الصالح من التسليم المطلق إلى حكم الله ورسوله، ونبذ الأهواء المضلة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
وأما الحكمة التي أعجبت السائل: (من وجد الله فماذا فقد...إلخ)، فأحسن وأبلغ منها قوله –تعالى-: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، فمن ادّعى محبة الله فليثبت صدق محبته بمتابعة النبي –صلى الله عليه وسلم- في كل صغيرة وكبيرة من أمور شريعته، ولذا سمّى العلماء هذه الآية آية المحنة؛ لأن فيها امتحان لصدق الناس من كذبهم في مسألة المحبة.
وأما الحديث القدسي الذي استدل به الأخ الكريم فهو حديث صحيح كذلك، لكن نيل محبة الله بأداء الفرائض والنوافل لا تتحقق إلا إذا كانت الفرائض والنوافل تؤدى بإخلاص لله –تعالى- وبمتابعة للرسول –صلى الله عليه وسلم- ثانياً أي: حسب السنة، وعلى سبيل المثال لو أراد أحد أن يصلي نافلة بعد العصر، فهل يؤجر عليها؟ الجواب: لا طبعاً مهما كان مخلصاً محتسباً، وذلك لأن النبي –عليه السلام- جعل هذا الوقت من أوقات النهي الثلاثة، فلا تجوز مخالفته أليس كذلك؟ وعلى هذا قس، والله يرعاك والسلام.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
971
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…(1/252)
الإسلام اليوم- الفتاوى - - تعقيب فتوى "هل مس الزوجة ينقض وضوؤها"
تعقيب فتوى "هل مس الزوجة ينقض وضوؤها"
د. أحمد بن محمد الخضيري
………
4/3/1423
16/05/2002
ورد إلى بريد الموقع تعقيب حول فتوى بعنوان هل مس الزوجة ينقض وضوؤها؟
لفضيلة الشيخ أحمد الخضيري والتي تفيد بأن طهارة المرأة لا تنتقض بمجرد مس زوجها لفرجها، وقد عرضنا هذا التعقيب على فضيلته فتكرم بالتوضيح والبيان...
التعقيب:
أفتى أحد الفقهاء –يرحمه الله- في موقعكم بأن الزوج إذا مس فرج امرأته فلا وضوء عليها! واحتج بالحديث المرفوع بأن اللامس هو الذي عليه الوضوء وقاسه على لامس فرج نفسه،
والحق أن العلة في وجوب الوضوء من لامس فرج نفسه هو التأثر، أو نحو ذلك وليس مجرد اللمس وقد اشترطه مالك، وعلى ذلك فالعلة موجودة في تلك الزوجة أكثر منها في الزوج اللامس، فكان من الواجب تقييد الحكم بأن تكون لم تتأثر بهذا اللمس على الأقل، أو يحكم بنقض وضوئها عموماً دون قيد تخريجاً على الأغلب وهو التأثر في تلك الحالة، كما أفتى فقيه آخر –جزاهم الله خيراً جميعاً- أن الودي من المرأة لا ينقض الوضوء وليس بنجس، وقد أجمع العلماء بأن كل ما يخرج من السبيلين ناقض للوضوء، ثم اختلفوا في هل هو نجس أم لا؟ وكذلك اختلفوا فيما لا يخرج من السبيلين من قيء ونحوه، وقياساً على المذي هو ناقض للوضوء، ولكن ليس فيه إلا رش الماء على الثوب، وإن كَثُر يقاس على سلس البول ولا يقال: إن المرأة تجد إفرازات من فرجها فلا تذهب لتعيد الوضوء وتصلي! فأرجو إعادة النظر في تلك الفتاوى.
*****
التوضيح:
ما ذكرته الأخت السائلة من الملاحظة على الفتوى ورأيها بأن الحكم بعدم انتقاض طهارة المرأة ينبغي أن يقيد بما إذا لم تتأثر المرأة بهذا المس، أو يحكم بنقض وضوئها مطلقاً؛ لأن الغالب وجود التأثر من المرأة في هذه الحالة.(1/253)
يجاب عنه: بأن السؤال جاء عن مطلق المسّ، فقيدت الإجابة بهذا المفهوم، ونص الإجابة: "لا تنتقض طهارة المرأة بمجرد مس زوجها لفرجها"، فكلمة (مجرد) تقصر الحكم على المسّ وحده، أما لو كان مع المسّ شيء آخر كخروج شيء من الفرج فإنه لا يدخل هذا في الحكم، وعلى المرأة حينئذ أن تتوضأ، وقد انتقضت طهارتها لا لمجرد المسّ، بل لما خرج منها، وأما الاتجاه إلى القول بانتقاض الطهارة مطلقاً؛ لأن الغالب وجود التأثر من المرأة في هذه الحالة فلا يظهر لي رجحانه؛ لأن ذلك ليس بلازم، ومجرد وجود الشهوة لا ينقض الطهارة أيضاً ما لم يخرج من الإنسان شيء على الصحيح، بل قد ذهب عدد من محققي أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام/ ابن تيمية، إلى عدم انتقاض طهارة الذي وقع منه المسّ للفرج بمجرد المسّ، وحملوا قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من مس فرجه فليتوضأ"(النسائي(444)،ابن ماجه(481)،أحمد(21689)، على الاستحباب، ولهذا ربما تلحظين أننا في الإجابة عن السؤال لم ننص على انتقاض طهارة الزوج، بل قلنا: "وإنما الذي يتوضأ هو الزوج؛ لأنه الذي وقع منه المس"، ولم نصرّح بالوجوب، والله أعلم.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
37&catid=185-7423
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- مقالات - أتجاهات فكريه - الجوّ الفكري
الجوّ الفكري
محمد الدحيم
………
17/5/1427
13/06/2006
الإنسان يتأثر بما يقرأ وبما يسمع ويشاهد فيتكوّن لديه -بسبب ذلك- جو فكري معين، قد يكون هذا الجو المتكوّن إيجابياً أو سلبياً أو خليطاً منهما، وهذا هو الأغلب. والإنسان لا يستطيع الانفكاك من هذا الجو؛ إذ إنه يتكوّن لا شعورياً، ونحن نتعرف على جوّنا الفكري من خلال أحكامنا وألفاظنا وأفعالنا وردود أفعالنا الصادرة.(1/254)
ولذا فإن من المهم جداً أن نرقب الجوَّ الفكري لنا ولغيرنا إذا ما أردنا إصدار الأحكام واتخاذ القرارات؛ فالجو الفكري المحدود سينتج أحكاماً قاصرة وقرارات مخفقة، والجو الفكري المأزوم سينتج قرارات مأزومة وهكذا..
ولما كان الجو الفكري يتكوّن لا شعورياً فإن الإنسان الناجح لا بد أن يتعرّف على (اللاشعور)، ويحسن الدخول فيه ليدري أين هو، وأين يتجه، حتى لا يُفاجأ بما لا يفكر فيه أو يتوقعه.
في كثير من الأحيان نلوم أشخاصاً على تدني مستوى تفكيرهم أو حتى على شموخ تفكيرهم ونظرتهم للأمور من دون أن نراعي الجو الفكري لهؤلاء وهؤلاء؛ فأطفالنا –فضلاً عن غيرهم- يعيشون جواً فكرياً معيناً تمتزج فيه براءة الطفولة ودرس المعلم وبرامج الأطفال، وَ... وَ...، وحينما يحاول الأب نقل الطفل لمصافّ الرجال وكبار القوم فإنه يرتقي صعباً، وقُلْ مثل ذلك بل وأعظم منه لتجد جواباً عن أسئلة كثيرة مثل:
لماذا تحدث الخطيب بهذه الصورة؟
ولماذا فهم الكاتب الموضوع على هذا النحو؟
بل لماذا جاءت الفتوى هكذا؟
وكيف صدر هذا القرار؟
إنه الجو الفكري الذي ينشحن فيه الخطيب والكاتب والمفتي والمدير والأب و... و....
قلنا: إن الإنسان لا يستطيع الفكاك من الجو الفكري؛ فهو متأثر به أياً كانت نسبة التأثر، لكن المهارة في أن تتدخل في صنع الجو الفكري الذي تريد العيش فيه ليكون تأثيره فيك تأثيراً إيجابياً، فسلْ نفسك:
ماذا تقرأ؟ ماذا تسمع؟ من تجالس؟ …؟
وبعد أن تجيب عن هذه الأسئلة اسألْ:
وما الذي يجب تحسينه؟ وكيف...؟ وهكذا في تحسين مستمر.
وحتى يتسع فضاؤنا فعلينا أن نعدّد مصادر غذائنا الفكري لننعم بجو لطيف يسمح بالتعدد والالتقاء في آن واحد؛ (وعلّم آدم الأسماء كلها) (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات...) و (...ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرِياً).
وكلما اتسع الجو الفكريّ للإنسان كلما التقى هذا الإنسان وانسجم مع الكون والحياة في متعة تعني الحياة، وعلى الأموات السلام…(1/255)
تمنياتي لك بجوّ فكريّ ساحر…
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
37&catid=185-7446
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- مقالات - أتجاهات فكريه - إعلام المشارقة بأعلام المغاربة
إعلام المشارقة بأعلام المغاربة
طه أحمد المراكشي
………
22/5/1427
18/06/2006
فضل المشارقة على غيرهم في العلم ظاهر, وقد حازوا قصب السّبق في فنون العلم وألوان المعارف, واشتهروا بالتأليف والتصنيف, وأرضهم زاخرة بالأعلام، فائضة بأيمة الدنيا على مدى الأيام, وهذا لا يرتاب فيه أحد, ولا أخذ فيه ولا رد.
وقد كان المغاربة منذ صدر الأمة الأول يقصدونها للأخذ عن علمائها، والسماع منهم ضروب العلوم الشرعية والعقلية, والآداب على اختلاف أنواعها, وجلب الكتب النافعة والتواليف الصالحة, في التفسير والحديث, والفقه والنحو والبيان، والفلسفة, صابرين على وَعْثاء السفر, وذلّ الغربة، وجولان الأرض, بل إنني أزعم -وأنا مغربي- أنه لولا المشرق لما ذهب المغرب ولا جاء, وربما نبغ في المغرب من بلغ في العلم شأْوا بعيداً لا يلحق, لكنه لا يشتهر ويلمع نجمه ويذيع صيته إلا إذا كانت له رحلة إلى الديار المشرقيّة.
وفي هذا المعنى يقول العلامة الأوحد السميذعي, أبو محمد بن حزم الظاهري:
أنا الشمسُ في جوّ العلوم منيرةٌ لكن عيْبي أن مطلعيَ الغربُ
ولو أنّني من جانب الشرق طالعٌ لجدّ على ما ضاع من ذكريَ النهبُ
وربما لم يكن ليذيع صيت أمثال بدر الدين الحسني, والطاهر الجزائري, وأحمد عليش-شيخ المالكية بالديار المصرية، وهو مغربي الأصل-والشنقيطي, وغيرهم من المتأخرين, لولا استيطانهم المشرق.(1/256)
والحق أن المشرق قُبّة الإسلام و مطلع أنواره الزاهرة, قد اختصه الله بهذه الخصيصة, وجعله كعبة العلماء المقصودة, وزاده فضلاً فجعل قلوب الناس تهوي إليه, (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)، ولهذا وذاك وغيرها من الأسباب كالبعد المكاني والموقع الجغرافي, بقي كثير من المشارقة بمعزل عن الحركة العلمية الحادثة في الديار المغربية, وأخبار أعيان علمائها, وخاصة فضلائها, ممن لا يقل علماً وديانة وصلاحاً وصيانة, عن أماثلهم في المشرق, فالمغرب كُنيف مُلئ علماً, بقل فيه أساتذة أهل الأرض, قَمِنٌ بالمشارقة أن ينظروا في الورث العلمي الذي خلّفه المغاربة, والاجتهاد في طلبه وتحصيله, وإحياء ذكره في أمصارهم, وجامعاتهم، وفي ذلك أعظم فائدة, وأحسن عائدة للترقي والصعود في مدارج الإصلاح المنشود, والجهود المبذولة إلى الآن غير كافية, والنتائج غير خافية.
وقد كان للمغاربة مذاهبهم المشهورة، ومسالكهم المذكورة, في العلوم الشرعية والمعارف الدنيوية, فلم يكونوا مقلّدين للمشرق في كل أحوالهم, وسائر شؤونهم, مع الاعتراف بالفضل لأهله, ولكن كانوا متميزين بخصائصهم, منفردين بأساليبهم, فكان لهم مسلك معروف في النحو, واختيارات في الفقه, وترجيحات في الحديث, ومذهبهم في تفضيل صحيح مسلم على البخاري مشهور.
ولئن كان لهذا الانعزال أسبابه الوجيهة, وعلله المقبولة الرجيحة, في ما مضى من الزمان, من تباعد الأوطان, وافتراق الأجسام, فإن الله فتح على أهل هذا الآوان ما لم يكن من قبل فِعله بالإمكان, وأهمها ما اصطُلح عليه بثورة الاتصالات, وأنواع الاختراعات, جعلت الدنيا والمستخلفين فيها, في تواصل دايم, وتعارف ناهض, وصار الذي في أقصى الشرق يعلم أدقّ أحوال الذي في أقصى الغرب وأخفاها.(1/257)
فأجدِرْ بالمشارقة وأليِقْ بالمغاربة,أن يقرّبوا الشُقّة، ويرتُقوا الفتْق الحاصل, ويدفعوا بُعد الديار, باغتنام هذه النعم التقنية والعطايا الإلكترونية. ولعمري إن هذا من مقاصد الشريعة وغاياتها العليا, وترغّب فيه نصوص الشرع الكلية, وتدعو إليه, وهو مسلك محمود العواقب, خالٍ من المثالب, في التأليف والاجتماع.
هذا وإن كان المغاربة يعرفون عن المشارقة وأعلامهم وأخبارهم وأحوالهم, أكثر مما يعرفه هؤلاء عن أولئك, في الجملة-وقد تقدمت بعض أسباب ذلك-فلا بد أن تتساوى الكفتان, ويتعادل النصيبان, وتسرب مياه الفريقين في المشرقين, وتمتزج أفكار أهل العدوتين.
فإن قال قائل: كل قد اكتفى بذاته, واستغنى بأدواته.
قيل له:
في الاتحاد قوة, وفي الفرقة عذاب, الواحد إلى الواحد أقوى من الواحد منفرداً. ولاتزال الشريعة تأمر بالتقارب والتعارف بين الشعوب المختلفة في العقائد, فما بالك بأهل الملة الواحدة, والديانة الجامعة؟! والحال الذي يعيشه أهل الاسلام اليوم لهو أشد باعث يحرك الهمم إلى التقارب والتآلف, لدفع الصائل, وجلب المصالح.
فمن سمع من المشارقة بشيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي, وهو عندنا كمسند الوقت بدر الدين الحسني, أو السيد رشيد رضا عند المشارقة, و"أبي شعيب الدكالي" الذي كان آية في الحفظ, حتى إنه حفظ الآجرومية في يوم وألفية ابن مالك في عشرة أيام, ومختصر خليل في الفقه المالكي في خمسة أشهر, وهو عندنا كالشيخ محمد عبده أو الشيخ محمود الألوسي عندهم, والعلامة المحدث"عبد الحي الكتاني" صاحب التراتيب الإدارية, وهو كالشيخ الفهّامة محمد بن ابراهيم, والزعيم الأديب علال الفاسي, وهو عندنا كالأمير شكيب أرسلان, وقد حققا معاً المقدمة للولي ابن خلدون, والأديب الشاعر العالم المختار السوسي صاحب"المعسول" و"سوس العالمة", وهو عندنا كالشيخ بهجة البيطار عندهم, وهلم جراً, من المتأخرين, وانسجْ على منواله في المتقدمين.
………
………(1/258)
مجلةالإسلام اليوم
…………………
37&catid=188-7433
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- مقالات - تربية ومجتمع - التعصّب (2/2)
التعصّب (2/2)
د. عبد الكريم بكار
………
19/5/1427
15/06/2006
نتابع في هذا المقال الحديث عن التعصّب الذي بدأناه في المقال السابق.
2- التعصّب حين يطول أمده، فإنه يؤثر في الشخصية تأثيرًا بالغًا، إنه يصبح عبارة عن مصنع للنظارات التي يرى المتعصّب الأشياء من خلالها، فهو في كل موقف يتعلق بمن يوجه التعصّب ضدهم، يفكر، ويفهم، ويدرك، ويعي، ويشعر، ويسلك ويتصرف ويحكم وفقًا للصورة الذهنية التي شكّلها عنهم؛ وعلى سبيل المثال فإن المتعصّب حين يعتقد أن القبيلة الفلانية قبيلة منحطّة في نسبها أو سجلها التاريخي أو مكانتها الاجتماعية الحاضرة، فإن نظرته إلى تصرفات أفرادها وأحكامه عليهم ومشاعره نحوهم، تتجسد في الآتي:
o…إذا رأى واحدًا من أفراد القبيلة، فإنه ينظر إليه نظرة دونية، فهو غير جدير بالتفوق الظاهر، وإذا احتل منصبًا كبيرًا نظر إليه على أنه أصغر من أن يحتل ذلك المنصب، وإذا طالب بحق ثابت له، رأى أنه يبالغ في طلب ذلك الحق.
o…إذا حدثت سرقة أو جناية، أو وقعت فعلة شنيعة، ولم يُعرف مرتكبها فإن المتعصّب يتهم واحدًا من أبناء تلك القبيلة -لا على التعيين- بفعل ذلك، ويبعد التهمة عن أبناء القبائل الشريفة والرفيعة.
o…حين يقع ظلم على رجل ينتمي إلى قبيلة وضيعة فإن المتعصّب لا يجد في نفسه الحماسة للدفاع عنه ومناصرته، ربما لأنه يعتقد أنه لا يُعقل أن يكون مظلومًا، أو يعتقد أن من المؤكد أنه هو الذي تسبّب في إيقاع الظلم على نفسه.
o…يحاول المتعصّب الابتعاد في معاملاته وعلاقاته الاجتماعية عن أفراد القبيلة المنحطة وذلك خوفًا من العار أو الأذى أو الخيانة.
o…ينظر إلى ابن القبيلة المنحطة على أنه غير موثوق في كلامه، ويفسر الغامض منه تفسيرًا سيئًا.(1/259)
إن كل ما ذكرناه يتم من خلال الرؤية الاجمالية، ومن غير أدلة وبراهين يمكن الاعتماد عليها. وأنت ترى أنما أشرنا إليه يشكل في الحقيقة نوعًا من التمييز الشبيه بالتمييز العنصري الذي مارسه البيض في جنوب إفريقية، ويمارسه اليهود اليوم في فلسطين السليبة. إن التعصّب والذي يعزز التمييز بالصورة التي رأيناها يقسِّم أبناء الملة الواحدة إلى طبقتين متمايزتين: طبقة القبائل النبيلة ذات الحسب والنسب والتفوق والشرف وطبقة القبائل الدنيئة الوضيعة التي لا تمت إلى المكرمات بأي صلة!
وفي هذا من الحيف والظلم والنجس الذي تمقته الشريعة الغرّاء، حيث يقول الله -تعالى-: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) [الأعراف: 85]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعظم الناس جرمًا إنسان يهجو القبيلة من أسرها، ورجل تنفَّى من أبيه" (رواه ابن ماجة). وقال: "لا يُؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة أخيه" (رواه النسائي).(1/260)
3 – من الواضح من خلال ما ذكرناه عن التعصّب ضد (القبيلة المنحطة) أن المتعصّب يقوم بعملية (تنميط) لجميع أفراد القبيلة؛ فهم جميعًا لديه يتخلقون بأخلاق واحدة، ويفكرون بطريقة واحدة، ولهم تطلعات واحدة... وهذه العملية (التنميط) هي النتيجة الحتمية لعجزنا عن العيش في عالم واسع الأرجاء كثير التعقيدات، فنحن غير مهيئين للتعامل مع كل الأحداث الموجودة بشكل مباشر، ولهذا فإننا نعيد بناءها في نماذج بسيطة كي تصبح سهلة الإدراك. ومن المشاهَد أن (التنميط) يقوم على الاختصار والتعميم، فالجماعات الإسلامية –مثلاً- حين تحاول ملامح بعضها بعضًا، تعمد إلى (الاختصار): هذه الجماعة تشتغل بالدعوة، واهتمامها بالعلم الشرعي محدود، المثقفون فيها قليلون، وهي لا تشتغل بالسياسة، ولا تهتم بالجهاد (قتال الأعداء) ولديها بدع كثيرة. هذه السمات هي ما توصف به إحدى الجماعات الإسلامية العاملة على الساحة والمنتشرة في شبه القارة الهندية على نطاق واسع. الصفات المذكورة هي كل ما تتصف به في نظر الجماعات المتعصّبة ضدها والمناوئة لها. ولا يُذكر في العادة ما لديها من أعمال عظيمة في الدعوة، ولا يذكر ذاك العدد الضخم من الناس الذين تغيّرت أحوالهم إيجابًا بسبب دعوتها لهم.(1/261)
بعد الاختصار يأتي التعميم، فكل من ينتمي إلى تلك الجماعة وسواء أكان من أعمدتها وأركانها، أو كان يتحرك في هامشها –كل أولئك يتسمون بالسمات العامة لتلك الجماعة، وعند معاملته ومناظرته وتقويمه... يُعامل وكأنه فعلاً متمثل لكل صفات جماعته، ومتشرب على نحو كامل لكل مبادئها و أخلاقها، ويحمل كل عيوبها ونقائصها... وإذا نظرنا إلى الواقع وجدنا أن في أفراد تلك الجماعة، من يمضي معها، وهو لا يعرف إلاّ القليل عن إيجابياتها وسلبياتها، ومنهم من يمضي معها، وهو يناقشها في بعض ما يُؤخذ عليها، وهذا موجود في الحقيقة لدى كل التجمعات والجماعات والأحزاب، بل هو موجود بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث يظهر أبناء الأسرة أمام الناس، وكأنهم شيء واحد، مع أن بينهم الكثير من التباين والاختلاف. التعصّب يقوم على الاختصار المخلّ والتعميم المحجف، أي هو مولود لأبوين غير شرعيين، ولذا فإنه مذموم بمعايير الشرع والمنطق والإنسانية.
للحديث بقية.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
37&catid=188-7440
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- مقالات - تربية ومجتمع - الإعلام السعودي... إلى أين؟؟
الإعلام السعودي... إلى أين؟؟
ياسر بن علي الشهري
………
21/5/1427
17/06/2006
(1)
لا يمكن أن يُتصوّر أن الحكومات لا تضع الأنظمة والقوانين التي تعطيها المشروعية إذا ما أرادت الوقوف ضد وسائل الإعلام, بل إن بعض الحكومات تتلاعب بالقوانين والأنظمة لتحقيق ذلك. كما أن الإعلاميين (الصحفيين) يتحالفون ويبنون الصيغ التشريعية لحقهم في حماية أنفسهم ومؤسساتهم ونتاجهم وحرية تعميم أفكارهم!! وتتبّع مصالحهم وخدمتها. و"المعلنون" أيضا -أصحاب المصالح الاقتصادية- يضعون البنود في الاتفاقيات التي تضمن لهم حقوقهم ومصالحهم مع الحكومات ومع وسائل الإعلام.(1/262)
وهنا تبرز المشكلة، فالعوامل الثلاثة -"الحكومات, الإعلاميون, المعلنون"- تؤثر تأثيراً بالغاً على عمل وسائل الإعلام, ويكون العامل الأهم والمستفيد الرئيس من الإعلام وهو المجتمع "الفرد - الجماعة" محيّداً عن دائرة التأثير في مضامين الإعلام التي يُفترض أن تتوجه لحاجاته الأساسية، وما يتوافق معها من رغبات.
وهكذا...., يكون المجتمع -بأصوله وقيمه وثقافته- ضحية تحالفات مصلحيه يتزايد تعقيدها كلما "انحدرت" إلى الدول والمجتمعات الفاقدة للأنظمة, ويتضخم خطرها كلما افتقد المجتمع إلى مؤسساته المدنية التي تعمل في المجتمعات الحديثة للحد من التجاوزات, وبناء تصورات حول المرغوب وعكسه, وتتولى تفعيل التقاضي والتحاكم إلى القضاء بين الأفراد ومؤسسات مجتمعهم.
(2)
المراقب للإعلام السعودي يرى أنه لم يعد يخضع لأي قوانين أو أنظمة عدا (عدم المساس بالمصالح السياسية "الظاهرة" للدولة)، أما غير ذلك فمتاح لمدى قدرة الإعلام على اختراق الذوق العام، والقدرة على ترويضه تدريجياً حتى يتوحّد الذوق المحلي مع الذوق العالمي، ويدخل تحت مظلة "الذوق الإنساني"! ومن الواضح أنه لم يعد هناك جهة تملك ضمانات لتنفيذ أي نظام على وسائل الإعلام السعودي إلا المؤسسة السياسية.
مما زاد الأمر سوءاً كثير من الأكاديميين والمهنيين –الإعلاميين- الذين يناقشون قضايا الحرية الإعلامية تحت مظلة جدلية الديموقراطية وحرية الإعلام: هل تشجع حرية الإعلام ديموقراطية أكبر, أم أن الديموقراطية الفاعلة تشجع حرية الإعلام؟, ويتجاهلون أن وسائل الإعلام لا يمكن أن تملك الاستقلالية المطلقة, (أي: الحرية المطلقة في تلقي المعلومات وإبلاغها دون التخوّف من العقوبات). وأنه لا يوجد إعلام لا تسيطر عليه مصالح, وإن اختلفت في أحجامها وأنواعها ودرجات التأثير.(1/263)
كما يتضح من نقاشهم أن الربط بين الديموقراطية وحرية الإعلام يفتقد إلى المنهجية العلمية, ويلغي عوامل أخرى قد تكون أكبر تأثيراً، فالربط بين الديموقراطية وحرية الإعلام؛ يفترض أن الديموقراطية هي الحالة المثلى "الصحية" للنظام السياسي في المجتمعات البشرية! ومعلوم أن هذا الفهم وما يتبعه؛ فُرض تبعاً لزعامة المعسكر الغربي بصفته المفهوم الأصلح والأقدر، وليس لجودته كنظام.
كما يجب ألاّ نغفل النظرة العالمية "الرأسمالية" للإعلام التي تعد الإعلام وسيطاً للوصول إلى المستهلكين الحاليين والمرتقبين، حتى وإن استلزم الأمر تغيير ثقافات الشعوب "النامية" لتحويلهم إلى مستهلكين, وهذه الأمور جميعها كفيلة بتغيير مفاهيم الحرية الإعلامية.
(3)
الذين يتحدثون عن حرية الإعلام السعودي -دون اعتبار لطبيعة الثقافة والنظام السياسي- يتجاهلون أكثر من عشرين مليون مواطن "مسلم" يعيشون على أرض هذه البلاد الطاهرة, والغالب من هؤلاء الناس لا يعاني من إرهاب الإعلام المحلي والفضائي على قيمهم وأخلاقهم وحسب, بل يفتقرون إلى الوسائل التي توصل صوتهم إلى صانع القرارات التي تؤثر على حياتهم, ويُضاف إلى ذلك, عمل وسائل الإعلام المحلية على تزوير هذا الصوت وتحميله ما لم يقل!
ليس هناك شك في أن تقدماً قد تحقق في التواصل بين الحكومة والشعب, إلاّ أن هذا التواصل يتعرض لعمليات تشويه وفلترة متعمدة ومتعددة أفقدته وهجه وحقائقه التي يحملها بين الطرفين, وبراهين ذلك وأدلته كثيرة، أكتفي منها بالتغطيات الصحفية لمؤتمرات الحوار الوطني؛ إذ يمكن كشف الإطار المصمم لاحتواء كافة المعلومات المنشورة في الصحف المحلية عن تلك المؤتمرات من خلال دراسة تغطيات صحيفتين أو أكثر لأحد المؤتمرات.
(4)(1/264)
من الواضح أن العقوبة التي يخشاها الإعلاميون تتعلق بالجانب السياسي فقط, أما الجوانب الدينية والاجتماعية والثقافية فلوسائل الإعلام الاستقلالية المطلقة في ذلك, بل يُعدّ بعض منظري الحرية الإعلامية الوصول إلى هذه الحالة تقدماً إيجابياً بهدف الفصل بين مصالح الدولة والمجتمع من جهة، وبين المجتمع ومؤسساته التي يُفترض أن تعمل لخدمته -الإعلام إبرازها أبرزها- من جهة أخرى. ومخالفة الأصل الذي تكون فيه مصالح وسائل الإعلام مرتبطة بمصالح الجمهور، وتهدف إلى حمايته فكرياً وثقافياً, وكل ذلك مرتبط بمصالح الدولة، كما في الأسس التي قام عليها النظام وكافة مكوناته وعناصره.
إن الدولة هي الطرف الأهم في مثلث عوامل استمرار واستقرار وسائل الإعلام، فالنظام هو أساس شرعية عمل هذه الوسائل, ويأتي الجمهور في الطرف الثاني, والمعلنون ثالثاً, وهنا يتضح أن نظام الإعلام يجب أن يقوم على احترام الأطراف الثلاثة، والدولة هي المسؤولة عن الوصول بالإعلام إلى هذه الحالة دون اعتبار لـ"أغاني" الحرية الزائفة التي لم يتوقف منظروها عن المطالبة بتكبيل الصوت الديني! –أو المؤسسة الأم لكافة مؤسسات المجتمع بحسب أسس النظام السعودي!!
لقد أخفقت وسائل إعلامنا السعودية في تحقيق التوازن بين هذه الأطراف الثلاثة، وهنا يمكن التأكيد على أن الزاوية الأهم في هذا المثلث الصعب؛ هي النظام (الدولة) وبتوافقها مع تطلعات الطرف الثاني الجمهور "الضحية" يمكن أن تتضافر مع سياسات المعلنين لبناء واقع إعلامي مميز، ولكن يبدو أن تراخي الجهة المشرفة على تنفيذ النظام -السياسة الإعلامية للمملكة- في حماية المجتمع السعودي "المسلم" سيؤدي إلى مزيد من الانفلات حتى تلتفت الدولة لذلك، وتصلح ما يمكن إصلاحه.
(5)(1/265)
بينت التجارب أن استقلال وسائل الإعلام عن الدولة أمر غير وارد, بل ينظر الشعب إلى أن الإعلام مقيد بسياسة الدولة ومصالحها, وإذا ما فكّرنا تفكيراً منطقياً فسوف نحسب كل نتاج هذا الإعلام على الدولة لما تملكه من القدرة على السيطرة والضبط، ولما يربط هذه المؤسسات من المصالح الخاصة والقوية معها.
إن الإعلام السعودي يكاد يكون الأبرز في تهميش الرأي العام, بدليل التباين الكبير بين صورة المجتمع عبر مناشطه المتنوعة وصورته في وسائل الإعلام, ويمكن الجزم بأن وسائل الإعلام المحلي ناقل لآراء النخب المزيفة إلى الجمهور العام، كما أنها تتلاعب بصياغة الموضوعات والمناقشات العامة التي يتبناها المجتمع, وأكتفي بمثال واحد فقط يكشف التلاعب بأولويات المجتمع, وضيق دائرة الحوار والمتحاورين, وتغييب القدوات أو النماذج المثالية حول القضايا الاجتماعية, والدعوات الصريحة إلى سلوك اجتماعي أقل ما يُقال في حقه أنه سلوك غير سليم, ذلكم هو موضوع المرأة وتحت غطاء الحرية!! أو حرية تعميم الفكر الشخصي للإعلامي!
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
64&catid=195-7459
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- قلم المشرف - متابعات إعلامية - الدخيني: إدارة "المجد" هي من أمرتني بترك برنامج "أول اثنين"
الدخيني: إدارة "المجد" هي من أمرتني بترك برنامج "أول اثنين"
الرياض/الإسلام اليوم
………
25/5/1427
21/06/2006
نشرت مجلة نون في عددها السابع هذا الشهر حواراً مطولاً مع مذيع قناة المجد محمد الدخيني، في سؤال وجهه له المحاور الأستاذ وهيب الوهيبي حول برنامج "أول اثنين" الذي كان يقدمه، وهل ندم في عدم استمراره في البرنامج؟ وهل يتمنى أن يعود إليه؟(1/266)
فأجاب الدخيني : لقد كنت سعيداً جداً بهذا البرنامج، الذي أعتبره الانطلاقة الأولى التلفزيونية لي، والتي عرفني الجمهور جيداً من خلالها، فلقد كان هذا البرنامج الإطلالة الأولى المباشرة للشيخ الدكتور سلمان العودة – حفظه الله- وفوزي بتقديم هذا البرنامج، الذي أعتبره فوزاً، كان نقلة في حضوري الإعلامي على المستوى الشخصي، ومطلباً لكل مذيع يبدأ مشواره الإعلامي ويكون مع رجل مهم وله جمهوره العريض، وقد كان هذا البرنامج بالنسبة لهم هدية من نوع خاص يلقون من خلالها من أحبوه وعشقوا كلماته وتوجيهاته وطرحه المتجدد عوضاً عن أن البرنامج تطرق لموضوعات لم يكن من السهل التطرق لها في ذلك الوقت ولم يعتد الناس الحديث عنها بتلك الجرأة التي عهدناها من الدكتور سلمان – حفظه الله- إضافة إلى تكامل أدواته الإعلامية المختلفة من إعلانات متكررة على شاشة المجد، وإعلانات صحفية مميزة، إضافة إلى موقع متميز، ومنوع عني بهذا الجانب أشد العناية، لهذه الأسباب ولغيرها أيضاً كان ذلك البرنامج حاضراً بقوة ويتمتع بجماهيرية عالية وكان انطلاقة ناجحة لي، وأرجو أني كنت من عناصر نجاح ذلك البرنامج.
أما عن تركي لذلك البرنامج فهي حاجة القناة لأن أكون حاضراً في برامج أخرى ستطرحها المجد، ورأت القناة أن أستلم أحدها وطلب من الشيخ د. سلمان النظر في الأمر، ولم يكن من بد من الموافقة، وتم ذلك وكانت آخر الحلقات التي قدمتها في شهر شوال عام 1424هـ وبعد ذلك واصل تقديم البرنامج الأخ: أنور عسيري الذي لا يزال متألقاً في هذا البرنامج، وانتقلت إلى برنامج جلسة.(1/267)
أما العودة إلى هذا البرنامج فكم أتمنى بصدق ألا أترك هذا البرنامج الذي بدأت معه ليس للبرنامج كبرنامج، بل لذلك الرجل الكبير القامة الذي أحببته قبل أن أكون بجانبه في هذا البرنامج، والذي وهبني من نصحه وحرصه الشيء الكثير ورأيت عن قرب تواضعه، ورحابة صدره وجوانب هي أكثر روعة مما يخرج أمام المشاهدين على الشاشة، وأحاول أن أعوض ما فقدته من خلال التواصل معه في البرامج التي أقدمها سواء بالهاتف أو من خلال الحضور في الأستوديو لنستفيد من آرائه وأطروحاته المتميزة حفظه الله.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
64&catid=198-7444
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- قلم المشرف - طفولة قلب - الإمام الأكبر!
الإمام الأكبر!
د. سلمان بن فهد العودة
………
22/5/1427
18/06/2006
اعتاد مؤرخو ومترجمو الإسلام على تلقيب علمائهم با لألقاب الكبار؛ من تقي الدين إلى نوره، محيي الدين، شيخ الإسلام، تاج الدين.. إلخ، أما لقب الإمام الأكبر فهو يُطلق على بعض شيوخ الأزهر –حديثاً-، والناس يتوسّعون في الألقاب من باب الإشادة والإطراء ورسم القدوة، وتحقيق مبدأ العرفان..
وكان ابن خزيمة يُسمَّى إمام الأئمة.
وفي السِّجال العلمي هناك من يتحفّظ على كثير من هذه الألقاب؛ خوفاً من الغلو والتقديس, أو أوصاف لا تصح إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالعموم فلا مشاحة في الاصطلاح.
وإذا كان لي أن أصف أحداً بالإمام الأكبر؛ فلن يكون في هذا العصر سوى عبد العزيز بن باز.
لا أتذكر على وجه الدقة أوّل مرة سمعت باسمه.
لكنني أتذكر أول مرة رأيته فيها، إذ كان في زيارة فريدة لمدينة بريدة، وزار أخوال ولده (الخضير) وشاهدت سيارته، ومن خلف زجاج تلك السيارة قرأت اسم كتاب في الداخل.. هأنذا أقرأه كأنه أمامي الآن: إنه كتاب الإيمان للدكتور حسن الترابي.. ما ألذّ ذاك الفضول الثقافي!(1/268)
ثم بدأت علاقتي بالشيخ عبد العزيز تنمو في مقابلات عديدة، أثناء دراسة الجامعة، وما بعدها، واستقرّ لنا لقاء شهري في منزله، اقترحته عليه فأيّده وأجراه, واستمرّ بحضور لفيف من المشايخ وطلبة العلم من أنحاء المملكة؛ يقاربون العشرين, ينتقل بحسب إقامة الشيخ في الرياض والطائف ومكة.
يُدار في المجلس حديث عن الأحوال والحوادث، وقضايا العصر والمسلمين إلى جانب بعض مسائل العلم ومشكلاته.
وإن كان السَّكن في بريدة منع من حضور دروسه ومتابعة محاضراته؛ إلا أن استماع فتاواه ودروسه -مذاعة في إذاعة القرآن الكريم، أو مسجلة على أشرطة- كان دورياً وقوياً.
وأول شريط مُسجّل سمعه ذاك الشاب كان محاضرة للأستاذ محمد قطب، علق الشيخ عبد العزيز بن باز عليها، وأثنى على الأستاذ، وأشاد به، ودعا له ولأخيه سيد قطب -رحمه الله-.
كان الشيخ سهلاً سمحاً، ليس له مشكلة مع أحد، وإن كان رضا الناس غاية لا تدرك؛ إلا أن أخلاق ابن باز كانت تُذكِّر بأخلاق الأنبياء مع الموافق والمخالف.
كان يترحم على الأموات، ويستغفر للأحياء، ويدعو لهم بالهداية، وينصح بلطف، ولا يعنّف، ولا يزجر، ولا يرفع صوته، وقُصَارَى ما يقول حين يِسْتَفزّه أحمق أو طائش (سبّح .. سبّح) ..!
يؤمن بالحكمة، ويحافظ على كرامة الآخرين، ويجتهد في التثبت والأناة، مع أنه قد يُبتلى بمن يضايقه بكثرة النقل، وتكرار التّهم والمغالبة، والمطالبة والتخويف.
وصلته مقالة من الشيخ عبد البديع صقر -فيما أتذكر- تَنْسبُ إلى التّرابي أقوالاً شاذة؛ فسارع الشيخ إلى مكاتبته؛ متحرياً سائلاً متثبتاً، وَرَدّ التّرابي بالتفنيد، واتهام النَقَلَة؛ بيد أن الفتاوى التي نشرت أخيراً على لسان التّرابي، وبعضها بصوته؛ تؤكد أن للموضوع أصلاً صحيحاً، وربما كان يقولها لخاصّته، أو كان متردداً فيها ثم اعتقدها وجهر بها، وقد خالف في بعضها الإجماع القائم لدى المسلمين على مدى العصور!(1/269)
ابن باز رجل بسيط, بعيد عن التكلف، واضح العبارة، قريب المأخذ، عظيم الفقه بالحياة وتجاربها، عميق الإدراك لمقاصد الشريعة العامة.
لا يظهر عليه الحماس الشديد لما يراه، وقد يقرّره بهدوء وسكينة، وإن اعترضه معترض وكان في الأمر تردد أظهر التجاوب.. وقال: الأمر محتمل..، والله أعلم..، وما ذكرته ممكن..، وهو محل نظر.. يُتّأَمّل.. يُبْحَث.. وقد يطلب من بعض الحاضرين مراجعة المسألة وبحثها.
فإن كان الأمر واضحاً ولا إشكال، رد على المعترض، وقال: هذا غلط..، هذا لا ينبغي..، ليس بصواب..، وقد يقول: هذا غلط بَيّن..
الناس عنده سواسية، حَدَثَ أن دعا الرئيس الفلسطيني على غداء، وحين حضر ومن معه، ظل الشيخ منتظراً.. أين فلان الفتى الكويتي الذي زارنا بالأمس ووعدنا بالحضور؟
أين الشيخ فلان؟
أين الموظف فلان؟
حتى ازدحم المكان بالمدعوين.
ثم أقبل على الرئيس ياسر عرفات يحادثه، ويسأله ويدعو له ولشعبه بالنصر، ثم ظل ينتقل إليهم واحداً واحداً، ويسأل الشابّ عن أهله، وعن دراسته وعن طريقه.. عفوية تامّة، وصفاء وحسن نيّة، وملكة هائلة في استيعاب الناس جميعاً دون أدنى تكلّف!
تكثر عليه الأعمال فلا تُربكه، ولا تفقده هدوءَه، ولا تعجله، يمضي به بدأَب وصبر وسعة بال؛ مستمداً من إيمانه بالله وقوداً يمضي به في دربه الطويل، لا يحاول أن يتنصّل, أو يعتذر عن شيء يقدر عليه، ولو كان احتمال النفع قليلاً.
قلائل هم أولئك الذي يحتفظون بنفسية سليمة هادئة، بعيدة عن التعقيد والإشكال، وهو من هؤلاء القليل.. لا كآبة ولا توتر، ولا قلق, ولا حالات عارضة؛ إلا ما لا بد للبشر منه.
يتحدث الكثيرون عن حفظه وذاكرته؛ وهو كما يقولون ...
ويجد آخرون عبرة باستنباطه, واستخراجه للفوائد؛ وهو كذلك ..
ويثني أقوام على عبادته، وهو عابد, رقيق القلب, سريع الدمعة..
ويطري فئام كرمه، وهو من الأجواد الذين لا يجدون للمال معنى إلا في إنفاقه..(1/270)
وهذا كله جزء من نسيج شخصيته الفذّة، غير أن محل نظر صاحبنا هو سهولة شخصيته, وبعدها عن التكلف، وعفويتها وقربها الفطري من الناس جميعاً، حتى يقتنع كل من حادثه أو جالسه أنه واضح وضوح الشمس، لا يُخفي شيئاً، ولا يضمر شراً، وما في قلبه يبوح به لسانه، دون أن يكون هذا غلظة أو جفاء أو قسوة، كما يقع للآخرين، بل هو الرفق والسماحة والسكينة التي لا تفارق مجلسه، حتى في الحالات الصعبة والأخبار المفاجئة؛ تجده يسبّح ويحوقل، ثم يحتسي كأس قهوة, ثم يسأل بهدوء.. ثم يكمل مجلسه, أو قراءته, وكأن شيئاً لم يكن..
إن هؤلاء بهدوئهم يصنعون التاريخ، بينما يصخب أقوام لا يصنعون إلا الضجيج!
ألقى مرّة درساً بعنوان ( نسيم الحجاز في سيرة ابن باز ), وحين سمعه الشيخ بكى , واستغفر, وتمنى ألّا يتحدّث عنه أحد ؛ فحادثه كاتبه الفاضل الشيخ محمد الموسى بأن هذا طيب, وفيه سبب للقدوة والتأثير؛ فقال: إن كان هذا فلا بأس.
ويشده في الشيخ أمرٌ آخر؛ أن شخصيته كانت عاملاً مهماً في حفظ توازن المجتمع, بسبب ثقة الجميع به، وإحكام الروابط مع الدوائر الرسمية والشرائح الشعبية، ومع العلماء وطلبة العلم، ومع الموافق والمخالف, ومع كل التيارات.
وكل إنسان –عنده- فيه خير وجوانب طيبة وفضل؛ فهو يقرأ في الناس الوجه الإيجابي الجميل ما أمكن؛ فإذا جلستَ عنده ترى العلماء, وطلبة العلم, ورجال الأعمال, ورجال السياسة, والحرفيين, والفقراء, و"الشّحّادين", لا تفصله عنهم أيّة رتبة أو منصب أو حاجب.. على مائدة واحدة، وفي جلسة واحدة....(1/271)
وعندما تراه، وتحادثه؛ فالدنيا خير وطيبة وسعة وعمل إسلامي وتوجيه علمي، .. وكل من أدّى عملاً علمياً أو دينياً أو دنيوياً.. فهو على خير وفضل .. هكذا الشيخ يرى الناس.. وهكذا هم أيضاً يرونه.. وهو لم يقل في أي يوم من الأيام (هلك الناس..) أو ضاعوا أو لم يتبق من الإسلام شيء، بل كلمته المفضلة (الحمد لله.. الناس فيهم خير كثير..) وهو أيضاً فيه خير كثير..
سلام الله على تلك الروح الزكية الطيبة التي أحبت الناس فأحبوها, وذكروها بكل الحب والخير.
12/4/1427هـ
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
64&catid=38-7394
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- قلم المشرف - مقال المشرف - وأحسنوا
وأحسنوا
د. سلمان بن فهد العودة
………
22/5/1427
18/06/2006
الإحسان.. هو الإطار الذي يستوعب أعمال الإنسان الحميدة، يقول نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم- عنه: (أن تعبُد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).(1/272)
إن هذا الحديث يستطبن معنىً عميقاً لم يعد الناس يهتمون به من كثرة سماعهم لهذا الحديث، فإن الإحسان ليس أن تعبد الله وتدري أنه يراك، بل أن تعبد الله كأنك أنت تراه، فإن هذا المعنى يولّد مجموعة عظيمة من المعاني، يولد العمل مع حب الله سبحانه وتعالى؛ لأنك إذا رأيت الله، واستشعرت أسمائه وصفاته من الرحمة والعظمة، والحلم والعلم، والكرم والجود، والعفو والصفح، ولّد هذا حباً لله سبحانه وتعالى، وأوجد عندك التعظيم له، فيعمل المؤمن وهو يحب الله ويرجوه، ويخافه ويعظمه، ويتذلل لله؛ لأنه يستشعر ضعفه أمام الله وحاجته في كل ذرة ونفس من كيانه في كل لحظة من عمره، وأنه يفتقر أشد الفقر لله سبحانه، وإذا عمل المؤمن بهذا الشعور، وطلبه بهذا المستوى فإنه سيؤدي العمل والعبادة على أكمل وجه؛ لأن جميع الطبائع البشرية وجميع المشاعر تتحرك في جسده لله عز وجل، فهو بالله يأكل ويشرب، ويعمل ولله يفعل، (فإن لم تكن تراه فإنه يراك): لا أحد يرى الله سبحانه في الدنيا، ولا أحد يستطيع ذلك، ولكن إن لم تستطع أن تكون كأنك ترى الله فلا يفوتنك أن تشعر برؤية الله لك ومراقبته.
هذا هو أعظم الإحسان وأساسه، ومنه تنبثق فروع الإحسان؛ الإحسان إلى: الخلق، إلى الوالدين "وبالوالدين إحساناً"، وإلى القريب والجار، والصديق والعشرة الزوجية والناس، بل حتى الطلاق يحتاج لإحسان "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ"، والتشريع الإسلامي يذهب إلى أبعد من هذا؛ إلى الإحسان في القتل أيضاً!، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان إلى كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته ويرح ذبيحته).(1/273)
فالإحسان، إحسان القلب يحب الله وخوفه ورجاءه، وإحسان الجوارح بعبادة الله، وإحسان اللسان بطيب الكلام، إحسان إلى الأقربين والأبعدين، وإحسان إلى الأصدقاء والأعداء، وإلى المؤمنين وغير المؤمنين، يقول الله عز وجل: "وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً"، قال ابن عباس: الناس: المؤمن والكافر واليهودي والنصراني..
عمر بن الخطاب يحسن إلى قبطي، ويرد إليه حقه، وقال لعمرو بن العاص: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحراراً؟
وعمر بن عبد العزيز يأمر بسحب الجيش الإسلامي من بخارى؛ لأنه يفتقد الشرعية الدينية .
فهذه النماذج وغيرها سيرة حياتية عملية مطبّقة لم تكن شعارات ترفع، بل كانت ممارسة حقيقة عفوية تنطلق من قلوب صادقة؛ أحسنت بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، فأحسنت إلى عباد الله.
ووجوه الإحسان هي بحسب الإنسان، وبحسب موقعه، وبحسب قدرته، وبحسب اهتمامه، إحسان بالمال والجهد والعلم والعمل والجاه والمنصب، والشفاعة والمشورة والنصيحة والتوجيه، وبذل الوقت والمؤانسة والكلام الطيب، يقول أبو الطيب:
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ
فليسعف النطق إن لم تسعف الحالُ
وإحسان بالكرم والجود، وحسن الخلق وحسن العشرة، وإحسان للحيوان، كما في البغي التي سقت كلباً..
كل ذلك من الإحسان، فأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
إن أنفسنا لها حق علينا عظيم، وعلينا واجب الإحسان إليها، بالتطوير الذاتي، وتنمية القدرات، وتحسين أداءها، ورعايتها نفسياً وصحياً، والأهم: عملياً وعقلياً، ومحاسبتها، ومراقبة خطواتها، من أجل تحسين وضعها؛ لتكون بقدر المهمة التي تستحقها من الاستخلاف في الأرض، والقيام بعمارتها على أتم وجه وأحسنه، كما يريد الله سبحانه وتعالى، وإن كل إحسان يقدمه المرء فهو لنفسه، وعائد عليه بالحسنى والتفضل، يقول الله عز وجل: "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ"، ولن يعدم المحسن عرفاناً بالجميل في الدنيا أو الآخرة، أو كليهما:(1/274)
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله الناسِ
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-6456
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [1/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [1/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
15/10/1426
17/11/2005
الحلقة الأولى:
خطر الفتوى وآداب الإفتاء ومسئولية المفتي:
حكم الفتوى الوجوب كفائياً فهو فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط عن البعض الآخر شأن فروض الكفاية ولكنها تجب عيناً إذا كان الفقيه مؤهلا ولم يوجد مفت غيره.
قال السيوطي في كتاب آداب الفتيا: باب وجوب الفتيا على من يتأهل لذلك وتحريم أخذ العوض عنه" أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة وإنه لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاّعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)
فالفتوى لها شأن عظيم في الإسلام، فهي خلافة للنبي صلى الله عليه وسلم في وظيفة من وظائفه في البيان عن الله تعالى ، فبقدر شرفها وأجرها يكون خطرها ووزرها لمن يتولاها بغير علم ولهذا ورد الوعيد.
ففي حديث الدارمي عن عبيد الله بن جعفر مرسلاً: "أجْرَؤُكُمْ عَلَى الفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ".
وأخرج الدارمي والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيا مِنْ غَيرِ تَثَبُتِ فَإِنَمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ".(1/275)
وأخرج البيهقي عن مسلم بن يسار قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوأْ بَيْتاً فِي جَهَنَم ومَنْ أَفْتَى بِغَيَّرِ عِلْمِ كَانَ إِثْمُه عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ ومَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرِ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ" سنن البيهقي الكبرى.
وأخرج الشيخان عن ابن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" إنَّ الله لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمُ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُساً جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيرِ علْمِ فَضَلُّوا وأَضَلُّوا".
وأخرج سعيد بن منصور في سننه و الدارمي و البيهقي في المدخل عن ابن عباس قال:" مَنْ أفْتَى بِفُتْيا وهُو يٌعْمِي فيها كان إِثْمُها عَلَيه".
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أَشَدُ النَّاسِ عَذَاباً يَومَ القِيامَةِ رَجُلُ قَتلَ نَبِياً أو قَتَلَهُ نَبِيُّ أو رَجُلُ يُضِلُ النَّاسَ بِغَيرِ عِلْمِ أو مُصَورُ يُصَورُ التَّمَاثِيلَ".(المعجم الكبير 10 / 211)
وفي أثر مرفوع ذكره أبو الفرج وغيره " مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِغَيرِ عِلْمِ لَعَنَتْهُ مَلائِكَةُ السَّمَاءِ ومَلائِكَةُ الأَرْضِ".
وكان الصالحون يخافون الفتوى فيستخيرون ويدعون قبل أن يفتوا.
ذكر ابن بشكوال في كتابه الصلة في تاريخ أئمة الأندلس أن عبد الله بن عتاب كان يهاب الفتوى ويخاف عاقبتها في الآخرة ويقول:
من يحسدني فيها جعله الله مفتياً، وإذ رُغِب في ثوابها وغبط بالأجر عليها يقول: وددت أني أنجو منها كفافاً لا علي ولا لي ويتمثل بقول الشاعر:
تُمَنُونِيَّ الأَجْرَ الجَزِيلَ ولَيْتَنِي
نَجَوْتُ كَفَافاً لا عَلَيَّ ولا لِيَا(1/276)
وقال أحمد بابا التنبكتي وهو يتحدث عن فترة مقامه بمراكش بعد محنته:.. (وأفتيت بها لفظاً وكتباً بحيث لا تتوجه الفتوى فيها غالباً إلا إليَّ وعينت إلي مراراً فابتهلت إلى الله تعالى أن يصرفها عني).
وكان ثابت البناني يقول إذا أفتى: قد جعلت رقبتي جسراً للناس.ثم ترك الفتوى. ذكر ذلك الزمخشري في ربيع الأبرار.
أخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي عن ابن مسعود قال: من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: من أفتى الناس في كل ما يسألونه فهو مجنون.
آداب الفتيا:
وللفتوى آداب يجب أن يتحلى بها المفتي نسوقها فيما يلي:
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال :
أوّلها: أن تكون له نيّة فإن لم تكن له نيّة لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور.
والثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة. الثالثة: أن يكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته.
الرابعة: الكفاية "أي من العيش" وإلاّ مضغه الناس. الخامسة: معرفة الناس ( أعلام الموقعين4/199).
المفتي المستبصر:
لقد أشار المقري إلى نصائح للمفتي تصلح أن تندرج في الضوابط : إيّاك ومفهومات المدونة فقد اختلف الناس في القول بمفهوم الكتاب والسنّة فما ظنّك بكلام الناس .. إلى قوله .. ولا تفتِ إلاّ بالنَّص إلاّ أن تكون عارفاً بوجوه التعليل ، بصيراً بمعرفة الأشباه والنظائر ، حاذقاً في بعض أصول الفقه وفروعه إما مطلقاً أو على مذهب إمام من القدوة ، ولا يغرّك أن ترى نفسك أو يراك الناس حتى يجتمع لك ذلك والناس العلماء ، واحفظ الحديث تقوى حُجَّتك ، والآثار يصلح رأيك والخلاف يتسع صدرك ، واعرف العربية والأصول وشفّع المنقول بالمعقول والمعقول بالمنقول.(المعيار 6/377").(1/277)
قال الشاطبي: المفتى البالغ ذِروة الدرجة هو الذي يَحمِلُ الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهبَ الشِّدَّة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال.
والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة، فإنه قد مر أن مقصد الشارع من المكلفِ الحملُ على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع، ولذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين.
وأيضاً: فإن هذا المذهب كان المفهومَ من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأكرمين، وقد رد عليه الصلاة والسلام التبتل.
وقال لمعاذ لمَّا أطال بالناس في الصلاة :"أفتان أنت يا مُعاذ ؟". وقال: "إن منكم مُنَفِّرين".
وقال:"سَدِّدوا وقارِبوا واغدُوا ورُوحوا وشيءُ من الدُّلْجة والقصدَ القصدَ تَبلُغُوا." وقال: "عَلَيْكُم مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فإنَّ اللهَ لا يمَلُّ حتى تمَلُّوا". وقال: "أَحَبُّ العَمَلِ إِلَى اللهِ مَا دَاومَ عَلَيْهِ صَاحِبُه وإِنْ قَلَّ".
ورد عليهم الوصال. وكثير من هذا.
وأيضا: فإن الخروج إلى الأطراف خارج عن العدل، ولا تقوم به مصلحة الخلق. أما في طرف التشديد فإنه مهلكة، وأما في طرف الانحلال فكذلك أيضا.
لأن المستفتي إذا ذٌهب به مذهب العنت والحرج بغض إليه الدين ، وأدى إلى الانقطاع عن السلوك طريق الآخرة وهو مشاهد.
وأما إذا ذهب به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي مع الهوى والشهوة.
و الشرع إنما جاء بالنهي عن الهوى، وإتباع الهوى مهلكة. والأدلة كثيرة.(الموافقات 5/277)
قال الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله قلت: وينبغي أن يكون قوي الاستنباط، جيد الملاحظة، رصين الفكر، صحيح الاعتبار، صاحب أناة وتؤدة، وأخ استثبات وترك عجلة، بصيراً بما فيه المصلحة، مستوقفا بالمشاورة، حافظ لدينه، مشفقاً على أهل ملته.(1/278)
مواظباً على مروءته حريصاً على استطابة مأكله فإن ذلك أول أسباب التوفيق. متورعاً عن الشبهات صادفاً عن فاسد التأويلات صليباً في الحق دائم الاشتغال بمعادن الفتوى وطرق الاجتهاد.
ولا يكون ممن غلبت عليه الغفلة. واعتوره دوام السهر، ولا موصوفاً بقلة الضبط منعوتاً بنقص الفهم معروفا بالاختلال يجيب عما يسنح له ويفتي بما خفي عليه.( الفقيه والمتفقه 2/158)
قلت: ما ذكره الشيوخ الثلاثة المقري والشاطبي وأبو بكر الحافظ هو المفتي المستبصر الذي يجب الحرص على إيجاده في حياة الأمة.
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله عن المفتين الجهلة: ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطبُّ الناس بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مُداواة المرضى فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين؟
قال ابن القيم: (الفائدة الثالثة والثلاثون: من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص ومن أقره من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضاً.
وكان شيخنا رضي الله عنه شديد الإنكار على هؤلاء فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء: أجعلت محتسباً على الفتوى؟ فقلت له يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب؟) ( إعلام الموقعين 4/166)
قال ابن عابدين: فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك لا ينبغي للمفتي أن يفتي بمجرد المراجعة من كتاب وإن كان ذلك الكتاب مشهوراً.
قلتُ: نعم هو كذلك:
لا تَحْسَبِ الفِقه تَمْراً أنْتَ آكِلُه
لَنْ تَبْلُغِ الفِقْهَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَبْرَا
إذ لو كان الفقه يحصل بمجرد القدرة على مراجعة المسألة من مظانها لكان أسهل شيء ولما احتاج إلى التفقه على أستاذ ماهر وفكر ثاقب باهر.(1/279)
لَوْ كَانَ هَذَا العِلمُ يُدركُ بالمُنى مَا كُنْتَ تُبصِرُ في البَرِيِّةِ جَاهِلا
فكثيراً ما تذكراً المسألة في كتاب ويكون ما في كتاب آخر هو الصحيح والصواب. وقد تطلق في بعض المواضع عن بعض قيودها وتقيد في موضع آخر.
ولهذا قال العلامة ابن نجيم في ما نصه: ومن هنا يعلم كما قال ابن الغرس رحمه الله تعالى إن فهم المسائل على وجه التحقيق يحتاج إلى معرفة أصلين: أحدهما: أن اطلاقات الفقهاء في الغالب مقيدة بقيود يعرفها صاحب الفهم المستقيم الممارس للأصول والفروع وإنما يسكتون عنها اعتماداً على صحة الفهم الطالب.
والثاني: أن هذه المسائل اجتهادية معقولة المعنى لا يعرف الحكم فيها على الوجه التام إلا بمعرفة وجه الحكم الذي بني عليه وتفرع عنه وإلا فتشتبه المسائل على الطالب ويحار ذهنه فيها لعدم معرفة المبنى ومن أهمل ما ذكرناه حار في الخطإ والغلط.
وقال في البحر من كتاب القضاء عن التتارخانية : وكره بعضهم الإفتاء والصحيح عدم الكراهة للأهل ولا ينبغي الإفتاء إلا لمن عرف أقاويل العلماء وعرف من أين قالوا فإن كان في المسألة خلاف لا يختار قولاً يجيب به حتى يعرف حجته وينبغي السؤال من أفقه أهل زمانه فإن اختلفوا تحرى.( رسائل ابن عابدين 316).
مسؤولية المفتي:
ولهذا ضمن العلماء غير المجتهد إن انتصب أي ضامناً لما أتلفه من نفس ومال قال الزرقاني في شرحه لخليل: لا شيء على مجتهد أتلف شيئا بفتواه ويضمن غيره إن انتصب و إلا فقولان وأغلظ الحاكم على غير المجتهد وإن أدبه فأهل إلا أن يكون تقدم له اشتغال فيسقط عنه الأدب وينهى عن الفتوى إذا لم يكن أهلا.(الزرقاني 6/138)
قال ابن القيم : الفائدة الحادية والأربعون: إذا عمل المستفتي بفتيا مفت في إتلاف نفس أو مال ثم بان خطؤه قال أبو إسحاق الاسفرائني من الشافعية : يضمن المفتي إن كان أهلا للفتوى وخالف القاطع وإن لم يكن أهلا فلا ضمان عليه لأن المستفتي قصر في استفتائه وتقليده.(1/280)
ووافقه على ذلك أبو عبد الله بن حمدان في كتاب:"آداب المفتى والمستفتي" له ولم أعرف هذا لأحد قبله من الأصحاب ثم حكى وجهاً آخر في تضمين من ليس بأهل قال: لأنه تصدّى لما ليس له بأهل وغر من استفتاه بتصديه لذلك. (4/173)
وفي المسألة كلام طويل نكتفي منه بما ذكرنا وهو يدل على ما وراءه إلا أنه يمكن أن نستخلص:
-…أن المفتي لا بد أن يكون عالماً مستبصراً
-…أن يكون ذا ديانة.
ومن شروط الكمال أن يكون ذا أناة وتؤدة متوخياً الوسطية بصيراً بالمصالح وعارفاً بالواقع متطلعاً إلى الكليات ومطلعاً على الجزئيات موازناً بين المقاصد والوسائل والنصوص الخاصة، ذلك هو الفقيه المستبصر.
وأن على الجهات المختصة أن تردع ويمنع غير الأهل من الفتوى، وأن ضمان المفتي قد يكون وجيهاً، إذا أصر على الفتوى، وألحق الأذى بالناس، وكان لا يرجع إلى نص صريح بفهم صحيح، أو إجماع، أو قياس عار عن المعارضة، أو دليل راجح وليس مرجوحاً في حالة التعارض كما أشار إليه الأصوليون قال في مراقي السعود :
تَقْويةُ الشَِّق هِيَ التَّرْجيحُ
وَأوْجَبَ الأَخْذَ بِهِ الصَّحيحُ
وإذا عمل بالمرجوح فلا بد من توفر شروط العمل من مصلحة تبتغى أو مفسدة تنفى.
فهل عرض مفتوا الشاشات –وما أبرئ نفسي-أنفسهم على هذه والآداب؟
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-6516
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [2/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [2/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
25/10/1426
27/11/2005(1/281)
قد يكون من المناسب في بداية هذه الحلقات أن نتحدث عن معنى "الصناعة" التي وردت في عنوانها حيث إن مفهوم الصناعة ليس متداولاً في مجال الفتوى وميدان إصدار الأحكام الشرعية ولهذا فقد استشكل بعض زملائنا هذا العنوان موعزاً بتغييره إلى مصطلح يناسب الفتوى ويلائم البحوث الشرعية ولكن الأمر مختلف -حسب رأينا– فالفتوى صناعة لأن الصناعة عبارة عن تركيب وعمل يحتاج إلى دراية وتعمل فهي ليست فعلا ساذجاً ولا شكلاً بسيطاً بل هي من نوع القضايا المركبة التي تقترن بمقدمات كبرى وصغرى للوصول إلى نتيجة هي الفتوى إذاً فالفتوى منتج صناعي ناتج عن عناصر عدة منها الدليل ومنها الواقع والعلاقة بين الدليل بأطيافه المختلفة التي تدور حول النص وبين الواقع بتعقيداته.
قال السبكي في الإبهاج : وقد يطلق العلم باصطلاح ثالث على الصناعة كما تقول :علم النحو أي صناعته، فيندرج فيه الظنُّ واليقين، وكل ما يتعلق بنظر في المعقولات لتحصيل مطلوبٍ يُسمى علماً ويُسمى صناعة.
وعلى هذا الاصطلاح لا يرد سؤال الظنِّ لكنهم كلهم أوردوه فكأنهم لم يريدوا هذا الاصطلاح، أو أرادوه ولحَظوا معه معنى العلم في الأصل، ويطلق النحاة العلم أيضا على المعرفة.(الإبهاج2/79)
وقال ابن رشد الحفيد في كتابه الضروري في علم الأصول وهو يتحدث عن صناعة الفقه وأصوله في مقدمته:
وإما معرفة تعطي القوانين والأحوال التي بها يتسدد الذهن الصواب في هاتين المعرفتين كالعلم بالدلائل وأقسامها وبأي أحوال تكون دلائل وبأيها لا وفي أي المواضع تستعمل النقلة من الشاهد إلى الغائب وفي أيها لا. وهذه فلنسمّها سباراً وقانوناً فإن نسبتها إلى الذهن كنسبة البركار والمسطرة إلى الحس في ما لا يؤمن أن يغلط فيه.
وبين أنه كلما كانت العلوم أكثر تشعباً والناظرون فيها مضطرون في الوقوف عليها إلى أمور لم يضطر إليها من تقدمهم كانت الحاجة فيها إلى قوانين تحوط أذهانهم عند النظر فيها أكثر.(1/282)
وبين أن الصناعة الموسومة بصناعة الفقه في هذا الزمان وفي ما سلف من لدن وفاة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وتفرق أصحابه على البلاد واختلاف النقل عنه –صلى الله عليه وسلم- بهاتين الحالتين ولذلك لم يحتج الصحابة رضي الله عنهم إلى هذه الصناعة كما لم يحتج الأعراب إلى قوانين تحوطهم في كلامهم ولا في أوزانهم.
وبهذا الذي قلناه ينفهم غرض هذه الصناعة ويسقط الاعتراض عليها بأن لم يكن أهل الصدر المتقدم ناظرين فيها وإن كنا لا ننكر أنهم كانوا يستعملون قوتها وأنت تتبين ذلك في فتواهم رضي الله عنهم بل كثير من المعاني الكلية الموضوعة في هذه الصناعة إنما صححت بالاستقراء من فتاويهم في مسألة مسألة.( الضروري 35)
قال الشاطبي في الاعتصام: وأما تقديم الأحداث على غيرهم، من قبيل ما تقدم في كثرة الجهال وقلة العلم، كان ذلك التقديم في رتب العلم أو غيره، لأن الحدث أبداً أو في غالب الأمر غر لم يتحنك، ولم يرتض في صناعته رياضة تبلغه مبالغ العلماء الراسخين الأقدام في تلك الصناعة، ولذا قالوا في المثل:
وابنُ اللبُونِ إذَا مَا لُزّ في قَرَن لَمْ يَسْتَطِعْ صَولَةَ البُزْلِ القَنَاعِيسِ.(الاعتصام2/95)
قال أبو الأصبغ عيسى بن سهل : كثيراً ما سمعت شيخنا أبا عبد الله بن عتاب رضي الله عنه يقول : الفُتيا صنعة وقد قاله أبو صالح أيوب بن سليمان بن صالح رحمه الله قال: الفتيا دربة وحضور الشورى في مجالس الحكام منفعة وتجربة.
وقد ابتليتُ بالفتيا فما دريت ما أقول في أول مجلس شاورني فيه سلمان بن أسود وأنا أحفظ المدونة والمستخرجة الحفظ المتقن .. والتجربة أصل في كل فن ومعنى مفتقر إليه.( المعيار 10/79)
وتكلم ابن خلدون عن الصناعة باعتبارها ملكة راسخة في النفس.
وابن العربي في المحصول والغزالي في المستصفى وغيرهم من كبار العلماء.(1/283)
ووجه كون الفتوى صناعة أن المفتي عندما ترد إليه نازلة يقلب النظر أولا في الواقع وهو حقيقة الأمر المستفتى فيه إن كان عقداً من العقود المستجدة كيف نشأ وما هي عناصره المكونة له كعقود التأمين والإيجار المنتهي بالتمليك مثلا والديون المترتبة في الذمة في حالة التضخم فبعد تشخيص العقد وما يتضمنه.
عندئذ يبحث عن الحكم الشرعي الذي ينطبق على العقد إن كان بسيطاً وعلى أجزائه إن كان مركباً مستعرضاً الأدلة على الترتيب من نصوص وظواهر إن وجدت و إلا فاجتهاد بالرأي من قياس بشروطه واستصلاح واستحسان إنها عملية مركبة وصنعة بالمعنى الآنف كما سترى.
وباختصار فإن مرحلة التشخيص والتكييف للموضوع مرحلة معقدة وكذلك مرحلة تلمس الدليل في قضايا لا نص بخصوصها ولا نظير لها لتلحق به.
وسنرى من خلال مباحث هذا الكتاب كيف تطورت صناعة الفتوى من عهد الصحابة إلى عهود الأئمة المجتهدين والفقهاء المقلدين لا من حيث تطبيق النصوص أو الأدلة على القضايا ولكن أيضا من حيث التوسع في الاستدلال والتعامل مع عامل الزمان كمرجح في ميزان معادلة النص والواقع في جدليتي المقاصد الكلية العامة والأحكام الجزئية الخاصة.
هذا التطور المتدرج في خطوط متعرجة لم يقتصر على الدليل والواقع وإنما شمل أيضا القائم على الفتوى الذي لم يعد المجتهد المطلق على ما سنصف بل يصبح طبقاً لقانون الضرورة والحاجة الفقيه المقلد الناقل.
ويصبح اختيار المقلدين بمنزلة اجتهاد المجتهدين فيما سماه المالكية "بإجراء العمل" لترفع القول الضعيف إلى مرتبة القوي والرأي السقيم إلى درجة الاجتهاد الصحيح بناء على مصلحة متوخاة أو مفسدة متحاماة.
ذاك ما سميناه صناعة الفتوى.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-6611
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [3/21](1/284)
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [3/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
19/11/1426
21/12/2005
ما به الفتوى من الأدلة في عهد الصحابة : وأسباب الاختلاف
إن الفتوى لابد أن تعتمد على دليل منصوص في الأصلين الكتاب والسنّة أو مستنبط منهما بالاجتهاد على حد الترتيب الذي ورد في حديث معاذ – رضي الله عنه -.
1. فبالنسبة للكتاب لا خلاف يعترى العمل به إلا فيما يتعلق بدلالة اللفظ وسنتحدث عنها في حلقة لاحقه.
2- السنة :
أما بالنسبة للسنة فإننا سنشير إلى خلاف ظهرت بوادره في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وهو: الموقف من خبر الواحد، والغالب على الصحابة العمل بخبر الواحد: وسنكتفي بكلام للإمام المازري في شرحه للبرهان حيث يقول عن رجوع الصحابة إلى خبر الواحد:
فمن ذلك رجوع الصحابة في أن النبي – صلى الله عليه وسلم- لا يورث إلى خبر الصديق رضي الله عنه بذلك.
ورجوعهم لمّا اختلفوا في الغسل من التقاء الختانين إلى أزواج النبي عليه السلام .
ورجوعه أيام الطاعون إلى خبر عبد الرحمن بن عوف.
وهكذا أيضا رجع إلى خبره في أخذ الجزية من المجوس لمّا أخبر بقوله عليه الصلاة والسلام: سُنُّوا بِهُم سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ".( الموطأ)
وهكذا رجع رضي الله عنه في دية الأصابع إلى خبر عمرو بن حزم في الديات.
- ورجع أيضا عثمان بن عفان رضي الله عنه في خبر السكنى إلى الفريعة بنت مالك.
- ورجع عليُّ إلى خبر المقداد في خبر المذي.
وقد رجع ابن عمر رضي الله عنه في المخابرة إلى رواية رافع بن خديج.
ورجع زيد بن ثابت في جواز أن تنفر الحائض قبل طواف الوداع إلى الحديث الذي روي له في هذا.(1/285)
وهذا لو تتبع خرج عن الحد والحصر وأنت إذا طالعت ما صنف في هذا من كتب المحدثين والفقهاء التقطت من هذا الجنس ما لا يكاد يحصى ومثل هذا يدل على أنهم رضي الله عنهم مجمعون على العمل بخبر الواحد لأن مثل هذه الكثرة من القصص لا تكاد تنكتم وتخفى فكانوا ما بين راو لخبر وعامل به ومسلم للرواية والعمل فصار ذلك منهم إطباقا على العمل إذ لو كان العمل به حراما لكانوا أجمعوا على خطأ ومعصية لأنهم ما بين عامل وراض بالعمل ومسلم له.
وهذه عمدة يعول عليها في إثبات العمل بخبر الواحد وهي معتمد الحذاق من الأصوليين.
وقد رويت أخبار تتضمن ردهم لخبر الواحد وهي سبب الاختلاف في إجراء الخبر مجرى الشهادة فلا يقبل فيه إلا اثنان.
وقد يتعلق بها أيضا من يُنكر العمل بخبر الواحد جملة وإن كان راوي الخبر رجلين ويرون ذلك دلالة سمعية ونحن نورد عليك الآثار التي تعلق بها هؤلاء ثم نجيب عنها:
فمن ذلك قولهم: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لمّا سأل عن ميراث الجدة فروى له المغيرة بن شعبة أن النبي عليه السلام أعطاها السدس لم يقبل ذلك منه حتى روى له محمد بن مسلمة أن النبي عليه السلام ورّثها.
وهكذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد خبر فاطمة بنت قيس في السكنى والنفقة.
ورد خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان عليه ثلاثا حتى أتى أبو سعيد الخُدري فأخبره بمثل خبره.
وهكذا رد عليّ رضي الله عنه الخبر الذي روي له في نكاح التفويض في قصة بروع بنت واشق.
وهكذا ردت عائشة خبر ابن عمر لمّا روى أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه.
وأجاب المازري بأجوبة عن هذه الأخبار وغيرها منها أنها تتعلق بشهادة يدفع بها المرء عن نفسه فلهذا احتيج إلى مزيد من الاستيثاق ويكفي – حسب رأينا- أن نقول : إنها وقائع أعيان لا عموم لها واستفاضة عملهم بخبر الآحاد يكفي في ترجيح العمل به.(1/286)
3-الإجماع : كان الاهتمام به اهتماماً بدليل لم يكن له رواج في الفترة النبوية لأنه لا يمكن أن يكون مرجعاً في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- وقد برزت بوادر العمل به في وقت مبكر.
فقد أخرج الدارمي عن ميمون بن مهران قال :كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضى بينهم قضى به وإن لم يكن في كتاب الله وعلم من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في ذلك الأمر سنة قضى بها فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع النفر كلهم يذكر من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فيه قضاء فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبيّنا.
فإن أعياه أن يجد فيه سنّة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به.(1 /58) .
4- الاجتهاد
أما الاجتهاد بالرأي من قبل الصحابة فهو أمر شائع وذائع.
فقد فهموا : أن الشارع جوز لهم بناء الأحكام على المعاني التي فهموها من شرعه لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ: بم تحكم ؟ وتقريره على قوله: أجتهد رأيي. ولقوله لعمر: "أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ" ؟ ولقوله للخثعمية : "أرأيت لو كان على أبيك دين" ؟ ولقوله : "إنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ".
لهذا فإنّ أبا بكر رضي الله عنه كان يقول برأيه كما فعل في توريثه للجد وحجبه للإخوة فأنه قال فيه برأيه.
وقال أبو بكر رضي الله عنه :أقول في الكلالة برأيي.(1/287)
وهكذا كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشريح: "إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ولا يلفتك عنه الرجال ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر بسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فاقض بها ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنّة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولم يتكلّم فيه أحد قبلك فاختر أي الأمرين شئت ، إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم وإن شئت أن تتأخر فتأخر.
وكان عمر مع ذلك يقول بالرأي ويحث عليه فيما ليس فيه كتاب ولا سنّة، فقد ذهب إلى زيد يطلب رأيه في الجد وكما في رسالته لأبي موسى الأشعري:"الفهم الفهم في ما أدلي إليك فما ليس في قرآن ولا سنّة ثم قس الأمور على ذلك واعرف الأمثال والأشباه ثم اعمل فيها بأحبها إلى الله تعالى وأشبهها بالحق".
وقد ورث أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه تماضر الأسدية زوج عبد الرحمن بن عوف لأنه طلقها في مرض الموت وهو اجتهاد.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : كان رأيي ورأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ألاّ تباع أمهات الأولاد وأرى الآن أن يبعن .
قال الأستاذ أبو منصور البغدادي في كتاب "الأصول الخمسة عشر": أربعة من الصحابة تكلموا في جميع أبواب الفقه وهم : عليّ وزيد وابن عباس وابن مسعود .
وهؤلاء الأربعة متى أجمعوا على مسألة على قول فالأمة فيها مجمعة على قولهم غير مبتدع لا يعتد بخلافه .
وكل مسألة انفرد فيها عليّ بقول عن سائر الصحابة تبعه ابن أبي ليلى والشعبي وعبيدة السلماني.
وكل مسألة انفرد فيها زيد بقول تبعه الشافعي ومالك في أكثره وتبعه خارجة بن زيد لا محالة.
وكل مسألة انفرد بها ابن مسعود تبعه علقمة والأسود وأبو أيوب. (الزركشي البحر المحيط 4/372)(1/288)
وانتهى العلم بالأحكام الشرعية لستة من الصحابة عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبيّ وعبد الله بن مسعود وعليّ قاله مسروق .
وأكثر الصحابة إفتاء على الإطلاق ابن عباس قاله أحمد.
ويليه ستة عمر وعليّ وابن مسعود وابن عمر وزيد بن ثابت وعائشة. قال ابن جزي يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم.
قال وتلا هؤلاء السبعة عشرون بحيث يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير وهم أبو بكر وعثمان وأبو موسى ومعاذ وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاصي وسلمان وجابر وأبو سعيد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعمران بن حُصين وأبو بكرة وعبادة بن الصامت ومعاوية وابن الزبير وأم سلمة.
المكثرون من الفتيا: والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مائة ونيف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة وكان المكثرون منهم سبعة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر قال أبو محمد بن حزم ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم.
قال وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب ابن أمير المؤمنين المأمون فتيا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في عشرين كتابا وأبو بكر محمد المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث.
المتوسطون في الفتيا: قال أبو محمد والمتوسطون منهم فيما روى عنهم من الفتيا أبو بكر الصديق وأم سلمة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخُدريّ وأبو هريرة وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير وأبو موسى الأشعري وسعد ابن أبي وقاص وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل فهؤلاء ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير جدا ويضاف إليهم طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعمران بن حصين وأبو بكرة وعبادة بن الصامت ومعاوية بن أبي سفيان.(1/289)
المقلون من الفتيا: والباقون منهم مقلون في الفتيا لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة على ذلك يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث وهم أبو الدرداء وأبو اليسر وأبو سلمة المخزومي وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد والحسن والحسين ابنا علي والنعمان.
قد تبين مما مضى وقوف الصحابة عند الكتاب والسنة ثم الإجماع ثم الرأي بالقياس أو ما ينحو منحاه.
فلماذا اختلفوا في الفتوى وأختلف علماء الأمة من بعدهم تبعاً لهم في كثير من الحالات ؟
أولاً: يجب أن نقرر أن الاختلاف ليس كله ممقوتاً بل إن العلماء قرروا أن الاختلاف قد يكون رحمة.
قال ابن عابدين في تعليقه على قول صاحب الدّر المختار: "وعلم بأن الاختلاف من آثار الرحمة فمهما كان الاختلاف أكثر كانت الرحمة أوفر".
وقد انتبه لذلك العلامة ابن القيم عندما يقول: وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه.
أسباب الاختلاف بين الصحابة فيما بينهم وكذلك أسباب بين العلماء المجتهدين بعد عصرهم.
الخلاف ينشأ من أربعة أوجه تعتبر عناوين كبيرة لأسباب الخلاف الكثيرة والمتنوعة.
1- اختلاف في دلالات الألفاظ وضوحاً وغموضاً واعتباراً ورداً.
2- اختلاف في أدلة معقول النص التي ترجع إلى مقاصد الشريعة قبولاً ورفضاً
3- اختلاف في وسائل ثبوت النصوص الشرعية ودرجات الثبوت.
4- اختلاف في ترتيب الأدلة عند التعارض قوة وضعفاً.
فهذه العناوين الأربعة يرجع إليها اختلاف العلماء وقد ذكر ابن السيّد ثمانية أسباب لاختلاف العلماء .
أحدها:الاشتراك الواقع في الألفاظ واحتمالها للتأويلات وجعله ثلاثة أقسام : "اشتراك" في موضوع اللفظ المفرد كالقرء و أو في آية الحرابة و"اشتراك" في أحواله العارضة في التصريف نحو"ولا يُضارَ كاتب ولا شهيد".(1/290)
و"اشتراك" من قبل التركيب نحو "والعمل الصالح يرفعه" "وما قتلوه يقينا".
الثاني : دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز وجعله ثلاثة أقسام : ما يرجع إلى اللفظ المفرد نحو حديث النزول"الله نور السَّماوات والأرض".
وما يرجع إلى أحواله نحو:"بل مكر الليل والنهار" ولم يبين وجه الخلاف.
وما يرجع إلى جهة التراكيب كإيراد الممتنع بصورة الممكن ومنه"لئن قدر الله عليّ" الحديث.
وأشباه ذلك مما يورد من أنواع الكلام بصورة غيره كالأمر بصورة الخبر والمدح بصورة الذّم والتكثير بصورة التقليل وعكسها.
الثالث: دوران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه كحديث الليث بن سعد مع أبي حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة في مسألة البيع والشرط وكمسألة الجبر والقدر والاكتساب .
الرابع :دورانه بين العموم والخصوص نحو "لا إكراه في الدِّين" "وعلَّم آدم الأسماء كلها".
الخامس : اختلاف الرواية وله ثمان علل.
السادس : جهات الاجتهاد والقياس.
السابع : دعوى النسخ وعدمه.
الثامن : ورود الأدلة على وجوه تحتمل الإباحة وغيرها كالاختلاف في الأذان والتكبير على الجنائز ووجوه القراءات.
هذه تراجم ما أورد ابن السيّد.( الموافقات 4/211)
وبالنسبة للرواية فقد ذكر أن لها ثماني علل: فساد الإسناد ونقل الحديث على المعنى أو من المصحَّف والجهل بالإعراب والتصحيف وإسقاط جزء الحديث أو سببه وسماع بعض الحديث وفوت بعضه.
وهذه الأشياء ترجع إلى معنى ما تقدم إذا صح أنها في المواضع المختلف فيها علل حقيقية فإنه قد يقع الخلاف بسبب الاجتهاد في كونها موجودة في محل الخلاف .
وإذا كان على هذا الوجه فالخلاف معتد به بخلاف الوجه الأول .(الموافقات 4/173)
وأما الحافظ ابن رجب فقد قال عن أسباب الخلاف: منها أنه قد يكون النص عليه خفياً، لم ينقله إلا قليل من الناس، فلم يبلغ جميع حملة العلم.(1/291)
ومنها: أنه قد ينقل فيه نصان، أحدهما: بالتحليل والآخر: بالتحريم، فيبلغ طائفة منهم أحد النصين دون الآخر فيتمسكون بما بلغهم: أو يبلغ النصان معاً من لا يبلغه التاريخ فيقف لعدم معرفته بالناسخ.
ومنها: ما ليس فيه نص صريح، وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس، فتختلف أفهام العلماء في هذا كثيراً.
ومنها: ما يكون فيه أمر أو نهي، فتختلف أفهام العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب، وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه.( جامع العلوم والحكم 1/131)
ورد ابن رشد أسباب الاختلاف إلى ستة أنواع لا تخرج عما ذكرنا تراجع المقدمة الأصولية لبداية المجتهد.
ومن أمثلة الاختلاف في دلالات الألفاظ:
بين الحقيقة الشرعية والحقيقة الوضعية فيقدم أبو حنيفة الحقيقة الشرعية للصوم في حديث عائشة في الصحيح عندما سأل عليه الصلاة والسلام هل عندكم من طعام فقالت عائشة لا فقال إني صائم ،وذلك في وسط النهار فيقول أبو حنيفة انه أحدث الصوم الآن لأن صوم التطوع لا يحتاج إلى تبيت النية التي وردت في حديث ابن ماجه"لا صيام لمن لم يبتنه من الليل".
وقال مالك إن الصوم لغوي فمعنى إني صائم أي إني إذا صائم أي ممسك عن الأكل فقد قال الحقيقة الوضعية.
بين الظاهر وبين التأويل:
في الحديث الصحيح " الجَارُ أَحَقُّ بِسَِقْبِهِ " أي بعموده وهو كناية فقال الثلاثة إن الجار هنا يراد به الشريك للحديث الصحيح أيضا "فَإِذا وَقَعَتِ الحُدُودُ وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ ".( البخاري باب الشفعة)
أما أبو حنيفة فحمله على ظاهر العموم من وجوب الشفعة للجار مطلقا سواء كان شريكا أو غير شريك وبالتالي فأبو حنيفة لا يعتبر معارضة المخصص.
ويأخذ الأحناف بحديث "الأَيِّمُ أَحَقُ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيَّهَا" ويتأولون حديث "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلُ".(1/292)
على أن المراد المرأة الصغيرة بينما يحمله الجمهور على ظاهره في العموم في كل امرأة فأوجبوا الولي للنكاح.
وتأول الأحناف حديث غيلان بن سلمة الذي فيه"أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعاً وفَارِقْ سَائِرَهُنْ"بأن معنى أمسك منهن أربعا أي اعقد عليهن بينما يرى الجمهور إبقاء الحديث على ظاهره الذي يعني استمرار النكاح،بين اعتبار مفهوم المخالفة(دليل الخطاب)وعدم اعتباره ،إن الأحناف لا يقولون بدليل الخطاب أصلا.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-6666
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [4/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [4/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
4/12/1426
04/01/2006
نظرة إلى منهجية المذاهب الأربعة اتفاقاً واختلافاً:
بالنظر فيما نقل عن مختلف المذاهب ندرك بداهة أنها لا تختلف في اعتبار الكتاب والسنة مصدر التشريع وهو أصل عقدي للمسلم كما أنها تعتبر الإجماع والقياس مصدرين مبنيين على الأصلين وهذا في الجملة.
أما في التفصيل فإن ملامح الاختلاف تتحدد على ضوء اجتهاد يتوسع في معتبر الحديث فيعمل بالمراسيل والبلاغات والمنقطع والضعيف أحياناً مقدماً ذلك في الرتبة على معقول النص المدرك بالاجتهاد.
وبين مقتصر على اعتبار ما صح بمعايير حديثية صارمة تاركاً للاجتهاد بالقياس وما في حكمه أو للاستصحاب مساحة أوسع وربما قدم عمل الراوي على العمل بمرويه.
كما أن تفاصيل التعامل مع الإجماع يعرض فيها الاختلاف بين موسع لمفهوم ليشمل الإجماع السكوتيّ وسائر القرون والعصور.ومعتبر إجماع أهل المدينة.
وبين مضيق في مفهوم الإجماع لحصره في النطقي ومن يحصره في إجماع الصحابة فقط.
إلى غير ذلك من التفاصيل.(1/293)
وكذلك فإن قياس العلة يتفق على اعتباره أكثر العلماء غير أن الاختلاف يعرض في أنواع أخرى من القياس كقياس الشبه وقياس العكس وكذلك بعض مسالك العلة.
أما الأدلة الأخرى كالمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان وقول الصحابي وشرع من قبلنا.
وبصفة عامة يختلف الأئمة في الأخذ بالمقاصد فمن متوسع في الأخذ بها متعمق في أغوارها دائر إيرادها وإصدارها ومن متشبث بالنصوص متمسك بأهدابها.
وكل المذاهب بدون استثناء اعتمدت قادة مجتهدين ومجتهدى مذهب ومقلدين متبصرين ومقلدين ناقلين وجعلت من سلك سبيلهم من عوام المسلمين في سعة في دينه وسداد في أمره كما أنها اعتمدت ما اشتهر من أقوال هؤلاء وترجح لكنها أيضاً ذكرت جواز العمل بغير الراجح وبغير المشهور لضرورة أو حاجة منزلة منزلتها بضوابطها التي ستراها في مبحث مستقل.
وبعد ما رأينا من منهجية المذاهب الأربعة في الفتوى وقبل ذلك منهجية أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فإن فتاوى العلماء المتأخرين بعد عصر المجتهدين يمكن أن تساعد في استقصاء مرجعية الفتوى في العصور المتأخرة مما يسعف في تجلية بعض الجوانب المساعدة على ضبط منهجية الإفتاء في هذه الزمان وبخاصة في فقه الأقليات الذي هو مجال تطبيق هذا الكتاب.
فإنه بدراسة هذه الفتاوى وتصنيفها إلى مجموعات بحسب معتمد الفتوى وطريقة الاستنباط يمكن إبراز ثلاثة نماذج بعد عصر الاجتهاد.
الأنموذج الأول: فتاوى تعتمد الينبوع الأصلي من الكتاب والسنّة والقياس وأقوال الصحابة والتابعين ، ويمثل هذا التوجه مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يعتمد اعتماداً واصباً على الكتاب والسنّة وأقوال السلف ، يصحح ويرجّح أقوالاً للصحابة والتابعين شبه مهجورة إذا ظهر له أنها أسعد بالدليل والقواعد وهو لذلك يقرر أن الإجماع لا ينعقد بعد خلاف الصحابة.(1/294)
الأنموذج الثاني من الفتاوى : هو فتاوى مجتهدي المذهب والفتيا ، وهذه الطبقة تعتمد مذهب إمامها لكنها ترجح في نطاق المذهب وفي بعض النوازل تستشهد بالكتاب والسنّة تعضيداً لما تذهب إليه وتتصرف تصرف المجتهدين إلاّ أن الغالب على هذه الطبقة أنها لا تخرج عن المذهب ولكنها تختار وتستظهر وتضع القواعد وتقسم وتقيس وتخرّج ، وتمثّل هذه الطبقة فتاوى ابن رشد وهو يلجأ إلى ذلك غالباً في قضايا يلح فيها النزاع بين جمهرة العلماء ، فترفع إليه أو يرد فيها على من انتقد قوله في مسألة .
أما الأنموذج الثالث : فهو طبقة المقلدين التي لا ترتقي في استدلالها إلى نصوص الشارع ولكنها تعتمد على روايات المذهب وأحياناً على أقوال المتأخرين وتخريجاتهم كفتاوى قاضيخانة من الأحناف ، وعليش من المالكية وغيرهما ، وهو الأنموذج الشائع الفاشي في القرون الماضية.
إن هذا التصنيف سيكون مقدمة ضرورية للتعامل مع البحر المتلاطم من الأقوال والآراء التي تزخر بها فتاوى الطبقات الثلاث من المفتين للتعرف على ضوابط الفتوى بالنسبة لكل طبقة ومرجعيتها في الإفتاء .
أن الضوابط في مجملها لا يختلف عليها فالمفتي يجب أن يكون عالماً ورعاً.
ولكن الاختلاف في ماهية العلم المشترط في الفتوى ، فالعلم بالنسبة للمجتهد هو علم بالكتاب والسنّة كما قدمنا، وبالنسبة للمقلد علم بنصوص إمامه وفي كلتا الحالتين عليه أن يكون ورعاً غير متساهل في الفتوى.
والمراد من هذا أن الفتاوى التي تصدر عن فقهاء هذا الزمن على أصحابها أن يصنّفوها في إحدى الطبقات حتى يلتزموا بالضوابط الشرعية لكل طبقة ، فعندما يقيس المفتي عليه أن يلتزم بشروط القياس ، وعندما يقلّد قولاً عليه أن يقلّد القول الصحيح ، وعندما يقلّد الضعيف عليه أن يبيّن سبب ذلك.(1/295)
إن فتاوى أهل زماننا بحاجة إلى التأصيل على ضوء أصول فتاوى الأولين انطلاقاً من مجموع الضوابط والشروط التي وضعها العلماء سواء في العصور الأولى لازدهار الاجتهاد ، أو تلك التي وصلوا إليها للضرورة والحاجة عندما أجازوا قضاء المقلّد وفتواه ، بشرط أن يحكم بالراجح والمشهور وما عليه العمل بشروط أو ما به الفتوى الذي يوازي عند غير المالكية العمل عند المالكية.
كما تسوغ الفتوى بالضعيف للضرورة التي ليست ضرورة بالمعنى الفقهي ،التي هي الأمر الذي إذا لم يرتكبه المضطر هلك أو قارب الهلاك ، فهذه تبيح المحرّم ولا يحتاج إلى قول لتستند عليه. لكنها الضرورة التي تعنى الحاجة وهو تعبير مستفيض في كلام الفقهاء سنشرحه لاحقاً.
وأخيراً : الفتوى الجماعية
إنه من حسنات هذه الأمة المحمدية المحروسة المرحومة المعصومة إنها كما وصفها نبينا – صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحاديث:"مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره".
رواه أحمد والترمذي عن أنس وأحمد عن عمار وأبو يعلي عن عليّ والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا بدأ العصر الأول بالفتوى الجماعية وأشرنا إليها في حديثنا عن دليل الإجماع في عهد أبي بكر عليه رضوان الله حيث كان يجمع رؤوس الناس وخيارهم ويستشيرهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به كما في حديث الدارمي.
وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وكذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان يستشير عشرة من فقهاء المدينة وبعض الناس يسمى ذلك بالاجتهاد الجماعي وليس الأمر كذلك.
فالاجتهاد في تعريفه إنما يرجع إلى قناعة شخصية لأنه بذل المجتهد وسعه للوصول إلى الحكم الشرعي ولكنه إفتاء جماعي.
وقد أحيا العالم الإسلامي في مطلع القرن الرابع عشر والخامس عشر الهجري الفتوى الجماعية بإنشاء المجامع الفقهية العالمية سواء كانت رسمية أو شعبية مستقلة.(1/296)
إن هذه المجامع يجب أن تعني بالقضايا العامة التي من شأنها أن يكون لها أثر على الأمة سواء كانت قضايا سياسية كقضايا النظم : الشورى والديمقراطية ومشاركة المرأة.
أو قضايا اقتصادية كالاشتراك في الشركات العملاقة عابرة القارات مع ما يشوب معاملاتها من أوجه الفساد الشرعية. والانخراط في المنظمات كمنظمة الغات للتجارة العالمية.
وقد ركزت هذه المجامع على بعض القضايا الاجتماعية كالعلاقة بين الرجل والمرأة من حيث الواجبات والحقوق المتبادلة.
ويحتاج الأمر في بحث هذه القضايا إلى محددين أساسين:
أولاً: إلمام واسع بالواقع من كل جوانبه ورؤية شاملة لكن زواياه. وهو أمر يوجب على المجامع أن تعطى مكانة كبيرة للخبراء السياسيين والاقتصاديين وأيضا للاجتماعيين دون إفراط في منحهم وظيفة إصدار الحكم الشرعي.
أما المحدد الثاني: فهو أن يرتفع أعضاء المجالس في معالجتهم للقضايا إلي النظر المتوازن بين الكلي والجزئي لتضع نصب عينيها المقاصد الشرعية الأكيدة دون أن تغيب عن بصرها وبصيرتها النصوص الجزئية التي تؤدي إلى إيجاد نسبية لاطراد المقصد وشموله إن ذلك بعينه هو الوسطية.
وهو أيضا إحياء سنة الصحابة في عرض الأمور العامة على الجماعة كما فعل عمر في مسألة الأراضي الخراجية وانتشار ظاهرة الخمور فلم يرد عمر أن تعالج قضايا الأمة من طرف أفراد مهما كانت درجتهم العلمية وإنما يصدر فيها حكم جماعي يكون مستنداً للأمة ومراعياً للمصلحة العامة.
كيف نستفيد من هذه الفتاوى؟
يمكن الاستفادة منها من وجهين:(1/297)
أولا دراسة نماذج من فتاويهم للتعرف على القواعد والضوابط والأسس التي أقام عليها أحكامهم وفتاويهم في مختلف العصور ، وهي قواعد تنير دروب تطبيق النصوص على الوقائع المتجددة ، فقد كانت القواعد والمبادئ العامة خير معين على مقارعة صعاب النوازل وتقويم اعوجاج ملتويات المسائل . وهذه القواعد تتعلق برفع الحرج : المشقة تجلب التيسير ، والأمر إذا ضاق اتسع ، وجلب المصالح ودرء المفاسد ، ونفي الضرر وارتكاب أخف الضررين ، والنظر في المئالات ، والعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني ، وسد الذرائع وتحكيم العرف ، وتحقيق المناط والإذن في العقود وفي مدونات الفتاوى تطبيق حي للقواعد والضوابط على الواقعات نقتطف منه بعض الأمثلة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة ولا يحرم ولا يبطل إلاّ ما دلَّ للشرع على تحريمه نصاً أو قياساً.
وقد قال الشاطبي : إن الأصل في المعاملات الإباحة حتى يدل دليل على خلافه.
وسُئل الشاطبي رحمه الله عن الاشتراك في الألبان وخلطها لإخراج الزبد والجبن فتختلف النسبة ويجهل التساوي ، فقال إنه لا يعرف فيه نصاً بعينه ولكنه أجازه لقوله تعالى: "وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ" وذلك في شأن الأيتام واعتبر هذا النوع من الشركة من المخالطة رفعاً للحرج و اغتفاراً للغرر اليسير والربا اليسير قائلاً: وله نظائر في الشرع كبيع العارية بخرصها تمراً أو رد القيراط على الدرهم في البيع".
إنها أمثلة لتطبيق قاعدة رفع الحرج والتخفيف فيما يصلح الناس في مقابل المزابنة المحرمة بالنص وقد ذكر ذلك في مقابل قاعدة الشك في التماثل كتحقق التفاضل .
ثانياً : الاستفادة من الفتاوى القديمة في القضايا المعاصرة(1/298)
وذلك بالبحث عن بعض النوازل التي تشبه القضايا المعاصرة في وجه من الوجوه وصورة من الصور فيطبق عليها أو يستأنس بها لإيجاد حل للقضية المعاصرة . ومن الواضح أن كل زمان يطرح قضاياه ونوازله وبخاصة في زماننا الذي أمحت فيه الحدود وزالت فيه الحواجز ، وغزت العالم الإسلامي في عقر داره أعراف العالم الآخر ونظمه وقوانينه والمبادلات على أسس لا توافق في أحايين كثيرة الأسس الفقهية المعروفة . بيد أن الأمر ازداد تعقيداً بظهور المخترعات العلمية الحديثة التي قطرت معها قطاراً من المسائل نشأت عن الحاجات التي أوجدتها لدى المجتمع كتلك المتعلقة بالطب من زراعة الأعضاء ونقلها ، إلى الهندسة الوراثية.
ولهذا فإن الفتاوى والنوازل القديمة قد لا تجدي فتيلاً في حل المسائل المعاصرة التي يمكن أن تحل من خلال القواعد كما أسلفنا ، ومع ذلك فإنه بإمعان النظر في كتب الفتاوى والعمل يستطيع المتوسم أن يعثر على فروع ومسائل تشبه تلك التي تطرحها المعاملات المعاصرة .
وينبغي التنبيه على أن دلالتها عليها قد لا تكون دلالة مطابقة ومفهومها قد لا يكون مفهوم موافقة ، بل إنها تدل عليها دلالة تضمن أو التزام بوجه من الوجوه وشكل من الأشكال تنبئ عما وراء الأكمة بدون غوص في مضامينها أو تعمق في محتواها غير ملتزم بترجيح وجه من أوجه الخلاف ، إذ أن المقصود إثارة الموضوع ليعلم أن له شواهد في النوازل تبيحه أم تحرّمه أو تحكي الخلاف فيه وهو أمر سيتيح للفقيه عندما يعالج أياً من هذه النوازل سنداً يستند إليه ليرجح من الخلاف على أساس من المرجحات ويكفيه منقبة لهذا الخلاف أنه يرفع عن الباحث إصر مخالفة الإجماع ويسلكه في مسلك الإتباع .
السلم المتوازي :
من أسلم ذهباً إلى شخص في قمح وباع منه قمحاً بذهب إلى أجل . فأجاب الفقيه ابن الحاج : (إن ذلك جائز إذا كان في صفقتين ولا يجوز إذا كان في صفقة واحدة لأنه ذهب وطعام بذهب وطعام ) . " المعيار6/162) .(1/299)
المؤجر يأخذ الأجرة مقدماً لا يجب عليه دفع الزكاة إلاّ لما مضى من الزمان.
مسألة التسالف بين الأحباس وقول ابن حبيب في الواضحة إن الأموال المرصودة في وجه من أوجه البر يمكن أن تُصرف في أوجه أخرى من أوجهها ، وهذا يوسع على هيئات الإغاثة لتبادل الاقتراض ومساعدة بعضها البعض .
مسألة التضخم :
سُئل فقهاء طليطلة عمن أوصى لرجل بسكة فحالت السكة إلى سكة أخرى فشوور فيها فقهاء قرطبة فأجابوا بوجوب الوصية في السكة الجارية يوم مات الموصي لا يوم أوصى وأقاموها من مسألة الخيش والمسح والخريطة .
وذكر كلام المتيطي لو اكترى داراً لكل شهر بكذا فاستحالت السكة وتمادى المكتري في السكنى حتى مضت مدة وكانت السكة التي استحالت إليها أحسن من القديمة التي عقد عليها الكراء ، فهل يجب للمكري على المكتري من القديمة أو من الحديثة ؟ فقال ابن سهل : له من السكة القديمة التي عقد عليها الكراء ، كما لاحجة لبعض على بعض بغلاء أو رخص لا يحتمل النظر غير هذا ولا يجوز على الأصول سواه. (المعيار6/228 وما بعدها) .
وفي قياس التضخم على الجائحة سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عمن استأجر أرضاً فلم يأتها المطر المعتاد فتلف الزرع هل توضع الجائحة ؟ فأجاب : أما إذا استأجر أرضاً للزرع فلم يأت المطر المعتاد فله الفسخ باتفاق العلماء ، بل إن تعطلت بطلب الإجارة بلا فسخ في الأظهر . وأما إذا نقصت المنفعة فإنه ينقص من الأجرة بقدر ما نقصت المنفعة . نصَّ على هذا الإمام أحمد بن حنبل وغيره ، فيُقال : كم أجرة الأرض مع حصول الماء المعتاد ؟ فيُقال: ألف درهم ويُقال : كم أجرتها مع نقص المطر هذا النقص ؟ فيُقال : خمسمائة درهم ، فيحط عن المستأجر نصف الأجرة المسماة فإنه تلف بعض المنفعة المستحقة بالعقد قبل التمكن من استيفائها فهو كما لو تلف بعض المبيع قبل التمكن من قبضه.(1/300)
وكذلك لو أصاب الأرض جراد أو نار أو جائحة أتلف بعض الزرع فإنه ينقص من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة. (الفتاوى لابن تيمية3/257).
مسألة تغيّر السكة أو انقطاعها :
وأفتى ابن عتاب بقرطبة حين انقطعت سكة ابن جهور بدخول ابن عباد بسكة أخرى أن يرجع في ذلك إلى قيمة السكة المقطوعة من الذهب ويأخذ صاحب الدين القيمة من الذهب ، وكان أبو محمد بن دحون رحمه الله يفتي بالقيمة يوم القرض ويقول : إنما أعطاها على العوض ( المعيار6 /163) .
كان أبو عمر بن عبد البر يفتي فيمن اكترى داراً أو حماماً بدراهم موصوفة جارية بين الناس حين العقد ، ثم غيرت دراهم ذلك إلى أفضل منها أنه يلزم المكتري النقد الثاني الجاري حين القضاء دون النقد الجاري حين العقد وخالفه الباجي .
وقد نزل ببلنسية حين غيرت دراهم السكة التي كانت ضربها (6/164) .
وقال أبو حفص العطار من لك عليه دراهم وقطعت ولم توجد فقيمتها من الذهب بما تساوي يوم الحكم.
وفي كتاب ابن سحنون إذا أسقطت تتبعه بقيمة السلعة يوم قبضت لأن الفلوس لا ثمن لها.(المعيار6/106)
مسألة الإيجار يجتمع مع البيع فيشتري المستأجر الدار المستأجرة:
في المعيار: وفي مسألة المكتري يبتاع الدار المكتراه ويشترط أن الكراء عنه محطوط . سُئل عنها فقهاء قرطبة : أجاب عبدالله بن موسى الشارقي بعدم الجواز لأنه ابتاع الدار والكراء الذي عليه بالثمن الذي دفع فصار ذهباً وعرضاً بذهب وعرض ، وإن باعه من غير المكتري بعد عقد الكراء فإن لم يعلم الأجنبي فهو عيب إن شاء رد وإن شاء أمسك وإن علم به فلا رد له ولاحق له في الكراء مع البائع المكري إلاّ أن يشترطه . وفصل تفصيلاً فيما يتعلق بالإيجار إن كان ذهباً أو ورقاً :(1/301)
ابن الحاج إن باع مع الكراء عرضاً والثمن عيناً جاز للمشتري أخذه ولو باعها من المكتري ، فقال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو عمران الفاسي وأبو عمر بن عبد البر في الكافي إن ذلك جائز وهو فسخ لما تقدم من الكراء في قول أبي بكر وفسخ لما بقي من المدة في قول أبي عمران . وقال في جواب ابن دحون والشارقي وابن الشقاق المتقدم الذكر وجواب هؤلاء لا يدل على أن الكراء يفسخه الشراء .
وفي فتاوى المعيار بيع الدار على أن يقبضها مشتريها بعد عشر سنين على مذهب ابن شهاب جائز . وأما في القاعة فيجوز إلى عشر سنين أو أكثر لأنها مأمونة وقد مر العمل هنا بجواز ذلك إلى عشرين وثلاثين سنة لأمنها . وأما قسم القاعات بين مالكيها وتبقى كل قاعة تحت يد مكتريها إلى انقضاء المدة فيجوز ذلك كما يجوز بيعها على أن لا يقبضها المشتري إلاّ إلى أمد بعيد وقد سبق بيان ذلك (هذا باختصار وحذف من أجوبة أبي الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي 6/464).
مسألة استهلاك العين المنغمرة (الأدوية تكون فيها مادة الكحول مستهلكة).
أجاب أبو الفرج في مسألة الجلود التي فيها الذهب تغزل فيها خيوطه تباع بالذهب . فأجاب : إنها تباع لأنها كالعروض لوجود الاستهلاك وعدم تيسره وهذا الوصف يسقط عنه حكم العين ويعدم منه حكم العلة الموجبة لحكم التحريم . وهي كونه ثمناً للمبيعات ونظير هذا فى أن الاستهلاك ينقل الحكم عن العين ما قالوه في لبن المرأة إذا خلطوه في طعام أو دواء واستهلك فيه ثم لو شربه الصبي أن لا حكم له في التحريم على الأصح الأظهر. ( المعيار 6/311)(1/302)
هذا ما يتعلق بالجزء الأول من هذه الدراسة وهو تأصيل للفتوى بصفة عامة لكنه محاولة لتوسيع دائرة الفهم عند القارئ وترسيخ جملة من المعاني تنافي ضيق الأفق إذا طالع بتؤدة وقرأ على مكث معتمد الفتاوى عند سلف هذه الأمة وتدبر في تعلقهم بالمعاني والمصالح وفكر في تشعب طرق الاستنباط ووسائل الاستنتاج فيتهيأ بذلك ذهنياً لقبول ما سنعرضه من فقه الأقليات تأصيلا وتفريعاً حيث سنزيد الأمر بياناً.
ذلك أن مفتى الأقليات يجب أن يكون واضح الرؤية دقيق الملاحظة مستوعباً بالإضافة إلى المادة الفقهية في تنوعها وثرائها تفاصيل الواقع وتضاريس خريطته ملاحظاً الطبقة التي تنتمي إليها فتواه محققاً مناط دعواه.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-6715
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [5/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [5/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
17/12/1426
17/01/2006
معالم فقه الأقليات : تعريف وتكييف وتأصيل وتفصيل.
إن هذا المصطلح مصطلح حديث لم يكن معروفاً في الماضي وقد نشأ في القرن الماضي وتأكد في مطلع القرن الخامس عشر الهجري مع قيام الهيئات الإسلامية المهتمة بأوضاع الجاليات المسلمة والمجتمعات المسلمة في بلاد الغرب وفي مقدمة هذه الهيئات رابطة العالم الإسلامي وبعدها منظمة المؤتمر الإسلامي حيث استعملت كلمة الأقلية وهي ترجمة لكلمة minorite التي تعنى مجموعة بشرية ذات خصوصيات تقع ضمن مجموعة بشرية متجانسة أكثر منها عدداً وأندى منها صوتاً تملك السلطان أو معظمه.
وقد وقع جدل كثير حول هذه التسمية "فقه الأقليات" وبالإضافة إلى ما ذكرنا من الجواب فيجب أن نذكر أن الإضافة تقع لأدنى سبب كإضافة الضحى إلى العشية في قوله تعالى(إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَـٰهَا).(1/303)
وقد حسم المجلس الأوربي هذا الجدل في دورته المنعقدة بدبلن.
واستقر المجلس على صحة استعمال مصطلح (فقه الأقليات) حيث لا مشاحة في الاصطلاح، وقد درج العمل عليه في الخطاب المعاصر، إضافة إلى كون العرف الدولي يستعمل لفظ (الأقليات) كمصطلح سياسي يقصد به: "مجموعات أو فئات من رعايا دولة تنتمي من حيث العرق أو اللغة أو الدين إلى غير ما تنتمي إليه الأغلبية".
كما استقر رأي المجلس على أن موضوع (فقه الأقليات) هو: الأحكام الفقهية المتعلقة بالمسلم الذي يعيش خارج بلاد الإسلام.
قد تكون خصوصيات الأقلية دينية أو نسبية "إثنيه" ولهذا فإن الأكثرية تنحو في الغالب إلى تجاهل حقوق هذه الأقلية إن لم تضايقها في وجودها المادي أو المعنوي لأنها تضيق ذرعاً بالقيم والمثل التي تمثلها تلك الأقلية وهذه أهم مشكلة تواجهها الأقليات في المواءمة بين التمسك بقيمها والتكيف والانسجام مع محيطها.
لقد شهد التاريخ مئاسي كثيرة للأقليات بسبب الخصومة بين الأقليات وبين الأكثرية ولسنا بصدد سرد تاريخي لمجازر للأقليات ما زال العالم يعيشها في نهاية القرن العشرين في كوسوفو والبوسنة والهرسك.
إلا أنه وفي العصر الحديث حصل تطور مهم في العالم حيث أصبح نظام حقوق الإنسان وسيلة لعيش الأقليات بين ظهراني الأكثرية وبخاصة في ديار الغرب التي تبنت حقوق الإنسان وكان في الأصل وسيلة للتعايش بين أتباع الكنيستين البروتستانية والكاثولوكية إلا أنه سمح مع الزمن بوجود أقليات أفريقية وآسيوية نشأت هذه الأقليات لأسباب شتى أهمها العلاقة الاستعمارية التي أدت إلى نزوح عمال المستعمرات إلى البلاد المستعمرة.
وفي فترة من التاريخ كانت الحضارة الإسلامية الوحيدة بين الحضارات البشرية التي تنظم حقوق الأقليات في ممارسة شعائرها والتحاكم إلى محاكمها.
وهكذا عاشت الأقلية القبطية في مصر 14قرناً محمية بحماية الإسلام كما هي حال الأقلية اليهودية في المغرب.(1/304)
ولقد اهتمت كثير من المعاهدات الدولية بعد الحرب العالمية الأولى بحماية الأقليات كما كانت مسألة الأقليات من أهم المشكلات التي واجهت عصبة الأمم المتحدة.
أن أوضاع الأقلية المسلمة في ديار غير المسلمين يمكن أن توصف بأنها أوضاع ضرورة بالمعنى العام للضرورة الذي يشمل الحاجة والضرورة بالمعنى الخاص.
ولهذا احتاجت إلى فقه خاص ولا يعني ذلك إحداث فقه جديد خارج إطار الفقه الإسلامي ومرجعيته الكتاب والسنة وما ينبني عليهما من الأدلة كالإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والاستصحاب إلى آخر قائمة الأدلة التي اعتمدها الأئمة في أقوالهم وآرائهم العديدة والمتنوعة والتي تمثل ثراء وسعة الفقه الإسلامي، فقضايا الأقليات قديمة بالجنس حديثة بالنوع.
أما إضافة الفقه إلى الأقليات فهي من نوع الإضافات التي يراد بها تمييز المضاف وتخصيصه وهي من نوع الإضافة شبه المحضة فقد ذكر ابن مالك في الألفية نوعين من الإضافة هما الإضافة اللفظية والإضافة المعنوية وهي الإضافة المحضة.
وهذه منها لأن المضاف إليه يخصص الأول أو يعرفه قال ابن مالك:
.............. واخْصُصَ أَوَّلا *** أو أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ بالَّذي تَلاَ وأشار إلى هذه الإضافة بقوله بعد أبيات :
..................... *** وتِلْكَ محْضَةُ ومَعْنَوِيَّهْ
والمطلوب هنا أن نبين أن إضافة الفقه للأقليات لا تعنى إنشاء فقه خارج الفقه الإسلامي وأدلته المعروفة وإنما تعنى أن هذه الفئة لها أحكام خاصة بها نظراً لظروف الضرورات والحاجيات كما تقول فقه السفر أو فقه النساء وسيتضح ذلك أثناء نشرنا لطي هذا الموضوع وبسطنا لبساطه ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقول العلماء.
وقد نظمت أبياتاً في إحدى دورات المجلس الأوربي عندما كنا نناقش تأصيل فقه الأقليات لا بأس من إثباتها هنا وهي:
عُقُودُ المُسلِمينَ بدَارِ غَربٍ *** تَجَاذَبَها المَقَاصِدُ والفُرُوعُ(1/305)
ومِيزَانُ الفَقِيه يَجُورُ طَوراً *** إلى طَرَفِ فَيُفْرِطُ أو يُضِيعُ
فَفِي الجُزْئِيِّ ضِيقُ وانْحِصَارُ *** وفي الكُلِيِّ مُنْفَسَحُ وَسِيعُ
ونُورُ الحَقِّ مَصْلَحَةُ تُوازَى *** بِجُزئيِّ النُصُوصِ لَه سُطُوعُ
مَآلاتُ الأُمُورِ لَهَا اعتِبَارُ *** وحَاجِيُّ الضَرُورةِ قَدْ يُطِيعُ
فَزِنْ هذَا بذَاكَ وذَا بِهذَا *** يَكُنْ في القَيسِ مَنْهَجُك البَدِيعُ
"فِإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أمراً فَدَعْهُ *** وجَاوزهُ إلى مَا تَسْتَطِيعُ".
التأصيل لفقه الأقليات:
فقه الأقليات كسائر فروع الفقه يرجع إلى مصدري الشريعة : الكتاب والسنة إلا أنه عند التفصيل يرجع أولا : إلى كليات الشريعة القاضية برفع الحرج وتنزيل أحكام الحاجات على أحكام الضرورات واعتبار عموم البلوى في العبادات والمعاملات وتنزيل حكم تغير المكان على حكم تغير الزمان ودرء المفاسد وارتكاب أخف الضرين وأضعف الشرين مما يسميه البعض فقه الموازنات والمصالح المعتبرة والمرسلة دون الملغاة.
"فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد".كما يقول ابن القيم في إعلام الموقعين.
وهي كليات شهدت الشريعة باعتبار جنسها فيما لا يحصر ولا يحصى من النصوص.
ثانياً: يرجع فقه الأقليات إلى نصوص جزئية تنطبق على قضايا وموضوعات ماثلة في ديار الأقليات وتشاركهم في حكمها الأكثريات المسلمة.
ثالثاً: يرجع فقه الأقليات إلى أصل خاص ببعض العلماء يعتبر حالة المسلمين في أرض غير المسلمين سبباً لسقوط بعض الأحكام الشرعية مما عرف بمسألة الدار التي نعبر عنها بحكم المكان وهو منقول عن عمرو بن العاص من الصحابة وعن أئمة كالنخعي والثوري وأبي حنيفة ومحمد ورواية عن أحمد وعبد الملك بن حبيب من المالكية.
وهو مؤصل من أحاديث كالنهي عن إقامة الحدود في أرض العدو أصله حديث أبي داود والترمذي وأحمد بإسناد قوي :"لا تقطع الأيدي في السفر".(1/306)
ومرسل مكحول :"لا ربا بين مسلم وحربي".
فانطلاقا من هذه الأسس التي سنتوسع فيها ومن الأدلة الإجمالية والأدلة التفصيلية وآراء أهل العلم يكون اجتهاد العلماء ترجيحاً انتقائياً أو إبداعياً إنشائياً وإن كنت شخصياً أميل إلى النوع الأول ولا أجسر على النوع الثاني إلا بشاهد أي بنوع من التخريج لأن النوع الأول اختيار من أقوال العلماء لمصلحة اقتضت هذا الاختيار أو لدرء مفسدة قد يؤدي إليها تطبيق القول المتروك وبصفة أكثر دقة فسيكون الاجتهاد هنا على ثلاثة أضرب : اجتهاد جديد لإحداث قول في قضية جديدة قياسا على المنصوص في الأصلين الكتاب والسنة.
واجتهاد في تحقيق المناط وهو اجتهاد لا ينقطع أبدا كما يقول الشاطبي لأنه تطبيق القاعدة المتفق عليها على واقع جديد تنطبق عليه هذه القاعدة وليس كالاجتهاد الأول الذي يختص به المجتهدون بل يستوي فيه المجتهد والمقلد.
أما النوع الثالث فهو اجتهاد ترجيحي وهو اختيار قول قد يكون مرجوحاً في وقت من الأوقات إما لضعف المستند - وليس لانعدامه- فيختاره العلماء لمصلحة اقتضت ذلك وهذا ما يسمى عند المالكية جريان العمل.
فلهذا فتسليط الأنواع الثلاثة للاجتهاد يكون في ضوء العناصر الثلاثة التي تحكم الفتوى وهي واقع الأقلية والأدلة الإجمالية والأدلة التفصيلية.
من كل ذلك تنشأ الفتوى في جدلية وتداخل وتكامل وتفاعل ينتج منه توازن بين الدليل والواقع يضبط به الفقيه طبيعة الفتوى ويرى به الحكم من خلال مرتبة الحاجة ومرتبة الدليل ومرتبة الحكم وكذلك من خلال التعامل بين الكلي والجزئي وهو تعامل دقيق لا يجوز فيه إهمال أي منهما بل يعطى كل منهما قدر ما يستحق من الحكم ولهذا أصل المالكية لما سموه بالقاعدة البينية وهي إعطاء قضية واحدة ذات وجهين حكمين مختلفين باعتبار وجود دليلين.(1/307)
وسترى هذه الأنواع من الاجتهاد من خلال مطالعة مشهد أوضاع الأقليات فيما يتعلق بأنكحتهم ومعاملتهم المالية وعوائدهم في الأكل واللباس وفي التعامل مع الناس في تهاني الأفراح والتعازي في الأحزان والأتراح في الانخراط في الأحزاب والترشح والانتخاب إلى آخر القائمة.
فالأقليات تواجه تحديات عنيدة على مستوى الفرد الذي يعيش وسط بيئة لها فلسفتها المادية التي لا مجال فيها للوازع الديني وعلى المستوى الأسرة التي تحاول التماسك في خضم مجتمع تفككت فيه الروابط الأسرية واستحالت فيه العلاقة الزوجية بين الزوجين والأبوية بين الأبناء والأبوين علاقة غير قائمة على أسس من القوامة الإيجابية.
أما على مستوى المجتمع المسلم الصغير الذي يساكن هذه المجتمعات فهو مبعثر لا ينتظمه ناظم ولا يجمع شتاته جامع فالتحديات تطاول العقيدة التي نعنى بها أن يكون المرء مسلماً مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله وليس بالضرورة أشعرياً ولا سلفياً ولا معتزلياً وغير ذلك من التفسيرات التي تشوش على العامي.
ولعل العقيدة التي كتبها محمد بن أبي زيد القيرواني في صدر الرسالة والتي ترجع إلى نصوص الكتاب والسنة لا يختلف عليها طوائف أهل السنة هي أفضل شيء يتعلمه المسلمون في المهاجر لبساطتها وسلامتها من الجدل والتشويش.
كما تطاول ممارسة العبادة مع ما يتطلبه من تكوين الجماعة المسلمة والمؤسسات الإسلامية من مساجد ومدارس ومراكز.
كما تطاول العلاقة بالآخر وإيجاد وسائل التعايش التي تجنب المسلم الذوبان الثقافي. وكذلك تحرسه من التقوقع والعزلة ليصبح في النهاية عضواً فعالاً في المجتمع ممكناً أسوة بنبي الله يوسف عليه السلام عندما خاطب ملك مصر بقوله: "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".
كل ذلك يحتاج إلى فقه نفس يوازن بين الدليل وبين الواقع مع ورع لا تشوبه وسوسة وجسارة لا ينغصها تهتك ولا جرأة.
وينقسم التأصيل لفقه الأقليات إلى مقاصد وقواعد:(1/308)
القسم الأول: المقاصد:
أولاً: مقصد عام وهو المحافظة على الحياة الدينية للأقلية المسلمة على مستوى الفرد أو الجماعة.
ثانياً: التطلع إلى نشر دعوة الإسلام في صفوف الأكثرية مع ما يستتبع ذلك من تمكين تدريجي للإسلام في الأرض.
ثالثاً : التأصيل لفقه العلاقة مع الغير في الواقع الحضاري والعالمي وهو أمر قد لا يختص بالأقلية لتداخل الأوضاع العالمية لإيجاد حالة من الثقة المتبادلة والقبول.
رابعاً : التأصيل لفقه الجماعة في حياة الأقلية بمعنى الانتقال من الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية.
أما القواعد فإنها لا تعنى إحداث قواعد أصولية أو فقهية بقدر ما تعنى التركيز في الاتجاه البحثي على قواعد موجودة في الموروث الأصولي والفقهي أكثر التصاقاً وأقرب وشيجة بواقع الأقليات لتمحيصه من جديد واستكشاف إمكاناتها في التعامل مع أوضاع الأقليات.
القسم الثاني: قواعد كبرى تعتمد في فقه الأقليات:
ومن أبرز هذه القواعد: قاعدة التيسير ورفع الحرج، وتغير الفتوى بتغير الزمان، وتنزيل الحاجة منزلة الضرورة، والعرف، والنظر في المآلات، وقيام جماعة المسلمين مقام القاضي.
ونتقصر في هذه الحلقة على القاعدتين الأوليين:
أولاً: قاعدة التيسير ورفع الحرج وتجلياتها
قال الشاطبي : إن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه والدليل على ذلك أمور :(1/309)
أحدها: النصوص الدالة على ذلك كقوله تعالى: "وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَْغْلَـٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ " [الأعراف:157[ وقوله: "رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا" ]البقرة: 286/2 [وفي الحديث : " قال الله تعالى قد فعلت " وفي الحديث:" بُعِثتُ بالحَنِيفية السمحة"، وحديث : " ما خُيِّرَ رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُما أَيْسَرُ من الآخَرِ إلاّ اخْتَار أَيْسَرَهُما مَا لَمْ يُكنْ إِثْماً فَإنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ".
ولو كان قاصداً للمشقة لما كان مريداً لليسر ولا التخفيف ولكان مريداً للحرج والعسر وذلك باطل.
والثاني : ما ثبت أيضاً من مشروعية الرخص وهو أمر مقطوع به ومما علم من دين الأمة ضرورة كرخص القصر والفطر والجمع وتناول المحرمات في الاضطرار ، فإن هذا نمط يدل قطعاً على مطلق رفع الحرج والمشقّة ، وكذلك ماجاء من النهي عن التعمق والتكلف والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال.
ولو كان الشارع قاصداً للمشقة في التكلف لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف.(الموافقات:2/121-122) .
فالنصوص سالفة الذكر عامة في المشقّة بنوعيها الشديد والمتوسط ، وإذا فرضنا أن رفع الحرج مفقود فيه صيغة عموم فإنا نستفيده من نوازل متعددة خاصة مختلفة الجهات متفقة في أصل رفع الحرج كما إذا وجدنا التيمم شرع عند مشقة طلب الماء والصلاة قاعداً عند مشقة طلب القيام ، والقصر والفطر في السفر ، والجمع بين الصلاتين في السفر والمرض والمطر ، والنطق بكلمة الكفر عند مشقة القتل.
وقد عبر العلماء بعبارات مختلفة عن أسباب رفع الحرج منها:
عموم البلوى:
وهو الحالة أو الحادثة التي تشمل كثيراً من الناس ويتعذّر الاحتراز منها.
أو ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال كنجاسة النعل والخف تطهر بالدلك.
الغلبة:(1/310)
الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة .
عسر الاحتراز :
ومعناها صعوبة التحفظ عن أمر وهي في العبادات وغيرها.
وعبّر عنه القرافي بالتعذر حيث قال:" المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف".
وأما خليل فقد قال: " لا إن عسر الاحتراز منه".
وعفى عما يعسر كحدث مستنكح.
ويرى ابن تيمية ترك بعض المستحبات تأليفا قائلا: لان مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي صلى عليه وسلم تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب .
و أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متما وقال: الخلاف شر.( الفتاوى 22-407)
- العذر باختلاف العلماء :
عدم الإنكار في مسائل الاختلاف ومسائل الاجتهاد يقول ابن القيم : إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل فيها مجتهداً أو مقلداً . ( إعلام الموقعين 3- 365)
ويقول العز بن عبد السلام : من أتى شيئا مختلفا في تحريمه إن اعتقد تحليله لم يجز الإنكار عليه إلا أن يكون مأخذ المحلل ضعيفاً ( قواعد الأحكام 1- 109) .
وقد قدمنا تأصيل الاختلاف وأسبابه المشروعة في حديثنا عن اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم ونضيف هنا: أن معرفة الاختلاف ضرورية للفقيه حتى يتسع صدره وينفسح أفقه.
فقد قال قتادة: من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه.
وعن هشام بن عبيد الله الرازي: من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه.
وعن عطاء: لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالمان باختلاف الناس.
وقال يحي بن سلام: لا ينبغي لمن لا يعرف الاختلاف أن يفتي ولا يجوز لمن لا يعلم الأقاويل أن يقول: هذا أحب أليّ.
إلى غير ذلك من الأقوال يراجع الشاطبي في الموافقات وقد عدَّ معرفة الاختلاف من المزايا التي على المجتهد أن يتصف بها.(1/311)
إذا تقرر ما تقدم من جواز الاختلاف بين أهل الحق فاعلم أن هذا الاختلاف قد يكون سبباً للتيسير والتسهيل والتيسير مقصد من مقاصد الشريعة بنص الكتاب والسنة كما مر عن الشاطبي وغيره.
القول بالأخف :هذا قد يكون بين المذاهب وقد يكون بين الاحتمالات المتعارضة أماراتها وقد صار إليه بعضهم لقوله تعالى: "يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ "، وقوله: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" وقوله – صلى الله عليه وسلم-" بُعثْتُ بالحَنِيفِيةِ السَّمْحَةِ ".
وهذا يخالف الأخذ بالأقلِّ فإن هناك يشترط الاتفاق على الأقل ولا يشترط ذلك هاهنا وحاصله يرجع إلى أن الأصل في المضار المنع إذ الأخف منهما هو ذلك .
وقيل : يجب الأخذ بالأشق كما قيل هناك يجب الأخذ بالأكثر.( الزركشي في البحر المحيط 4/340)
قال الطوفي في الترجيح عند تعارض الدليلين:
الثاني : يأخذ بأشد القولين لأن " الحق ثقيل مري والباطل خفيف وبي". كما يروى في الأثر وفي الحكمة : إذا ترددت بين أمرين فاجتنب أقربهما من هواك .
وروى الترمذي من حديث عائشة قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: مَا خُيِّرَ عَمَّارُ بَيْنَ أَمْرَيْنَ إلا اخْتَارَ أَشَدَّهُما. وفي لفظ :" أَرْشَدَهُما".
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . ورواه أيضا النسائي وابن ماجه. فثبت بهذين اللفظين للحديث أن الرشد في الأخذ بالأشد .
الثالث : يأخذ بأخف القولين لعموم النصوص الدالة على التخفيف في الشريعة كقوله عز وجل "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" [البقرة 185].
وقوله "وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج 78]
وقوله – صلى الله عليه وسلم-:" لا ضرر ولا ضرار ". وقوله – صلى الله عليه وسلم -:" بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ".
قال شيخنا المزني : من قواعد الشريعة أن يستدل بخفة أحد الأمرين المتعارضين على أن الصواب فيه أو كما قال .(1/312)
قلت : وثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه ما خُيِّر بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلاّ اخْتَار أَيْسَرَهُما مَا لَمْ يُكنْ إِثْماً".
قلتُ: والفرق بينه وبين عمار فيما حكينا عنه من الأخذ بأشد الأمور: أن عماراً كان مكلفا محتاطاً لنفسه ودينه والنبي – صلى الله عليه وسلم- كان مُشرعا موسعاً على الناس لئلا يحرج أمته . وقال :" يَسُروا ولا تُعَسروا".
وقال لبعض أصحابه في سياق الإنكار عليه إن فيكم منكرين منفرين".( شرح مختصر الروضة 3/669)
وبناء على هذه القاعدة فقد رجحنا في قضايا الخلاف التيسير وسنذكر أمثلته في بحث الحاجة.
ثانياً: قاعدة تغيير الفتوى بتغير الزمان:
كان لعمل أمير المؤمنين عمر نصيب كبير في تأصيل هذه القاعدة فمن ذلك أن عمر لم يعط المؤلفة قلوبهم مع وروده في القرآن ورأى أن عز الإسلام موجب لحرمانهم.
وكذلك إلغاؤه للنفي في حد الزاني البكر خوفاً من فتنة المحدود وإلتحاقه بدار الكفر لأن إيمان الناس يضعف مع الزمن.
وأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يأمر بالتقاط ضالة الإبل وبيعها وحفظ ثمنها لصاحبها كما رواه مالك رحمه الله تعالى عن ابن شهاب الزهري مع نهيه – صلى الله عليه وسلم - عن التقاط ضالة الإبل وذلك لما رأى من فساد الأخلاق وخراب الذمم وورث تماضر الأسدية لمّا طلقها عبد الرحمن في مرض موته.
وأمير المؤمنين علي رضي الله عنه يضمن الصناع بعد أن كانت يد الصانع أمانة قائلا : لا يصلح الناس إلا ذاك.(1/313)
ويقول الأستاذ صبحي المحمصاني مسجلا موقف الصحابة في كتابه " تراث الخلفاء" : وقد أقروا مبدأ تغير الاجتهاد فتوسع عمر الفاروق بوجه خاص في الاجتهاد وفي تفسير النصوص بما يلائم حكمة التشريع وفلاح العباد ويناسب تطور الزمان والمكان وتقلبات الأحوال . وتعرض في ذلك ل مسائل عديدة منها المؤلفة قلوبهم والطلاق الثلاثي المتسرع وبيع أمهات الأولاد وعدم التغريب في الحدود وإعفاء السارق من القطع عام المجاعة وتطوير عقوبة التعزير تأديباً وزجراً للمذنبين والمجرمين وتحديد عاقلة الدية في القتل والجراح وتفصيل أمور ضريبة الخراج.(تراث الخلفاء الراشدين": 589)
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز قوله: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
وقد قال ابن رشد إن لله أحكاماً لم تكن أسبابها موجودة في الصدر الأول فإذا وجدت أسبابها ترتبت عليها أحكامها.
هذه القاعدة وردت في مجلة الأحكام العدلية بعنوان : لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان".
وهي قاعدة ليست على إطلاقها فليست كل الأحكام تتأثر بتغير الزمان فوجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج وبر الوالدين والكثير من أحكام المعاملات والأنكحة وكذلك فإن المنهيات القطعية كالاعتداء على النفس والأموال والأعراض وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأكل أموال الناس بالباطل ومنها الغش والخيانة ومحرمات عقود الأنكحة ومحرمات عقود البيوع المشتملة على الربا أو الغرر الفاحش أو الجهالة فكل تلك لا تستباح إلا بالضرورات التي تبيح المحظورات.
وبصفة عامة فمحرمات المقاصد التي تعنى أن العقد يشتمل على المفسدة التي نهى الشارع عنها لا تجيزها الحاجة.(1/314)
وبالعكس من ذلك فإن محرمات الذرائع التي يتوصل بها إلى المفسدة وواجبات الوسائل التي يتوصل بها إلى مصلحة فإنها تتغير بتغير الزمان لأنها تدور مع المصالح جلباً والمفاسد درءاً فإذا رجحت مصلحة على المفسدة التي من أجلها كان الحظر فإن النهي يستحيل تارة إلى تخيير وتارة إلى طلب.
وقد أشار الشارع إلى ذلك في مسائل كان نهى عنها أو أمر بها فمن قبيل النهي: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها".
وقد كان – صلى الله عليه وسلم - نهى عن ادخار لحوم الأضاحي ثم رفع النهي قائلا: إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا.
وإذا غلبت المشقة سقط الأمر :" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك..
فالذي يتغير هو الأحكام الاجتهادية وأما القطعيات من الأحكام فلا تتغير فلا يمكن أن تتغير المواريث بدعوى أن المرأة أصبح لها شأن ولا يمكن أن يتغير تحريم ربا النسيئة في بلاد الإسلام ولا تحريم أكل الميتة والخنزير.
فأما الثابت فيبقى ثابتا ما دام الإنسان على هذه الأرض له ضروراته التي لا ينفك عنها يتصف بكل صفاته التي تحتاج إلى ضبط من الشرع فهو ضعيف أمام شهواته "وخلق الإنسان ضعيفا" وهو ظلوم جهول لا يقدر مسئولية أمانته وخلافته في هذا الكون .
وكذلك فإن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان أمر معهود نص عليه غير واحد من العلماء كابن القيم والقرافي ولهم سلف من أعمال الصحابة رضوان الله عليهم كما أشرنا وفتاويهم وليس ذلك إلا لترجح مصلحة شرعية لم تكن راجحة في وقت من الأوقات أو لدرء مفسدة حادثة لم تكن قائمة في زمن من الأزمنة والزمن لا يتغير فهو كما قال الشاعر :
ومَا الدَّهْرُ إِلا لَيلَةُ ونَهَارُهَا وإلا طُلُوعُ الشَمسِ ثُمَ غِيارُهَا
والذي يتغير هو أحوال أهل الزمن والمصالح التي تبنى عليها الأحكام جلباً والمفاسد التي تراعيها الشريعة درء.(1/315)
ومن رد المحتار : فقد اتفقت النقول عن أئمتنا أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن الاستئجار على الطاعات باطل لكن جاء من بعدهم من المجتهدين الذين هم أهل التخريج والترجيح فافتوا بصحته على التعليم للقرآن للضرورة فإنه كان للمعلمين عطايا من بيت المال وانقطعت فلو لم يصح الاستئجار وأخذ الأجرة لضاع القرآن وفيه ضياع الدين لاحتياج المعلمين إلى الاكتساب وأفتى من بعدهم أيضا من أمثالهم بصحته على الأذان والإمامة لأنهما من شعائر الدين فصححوا الاستئجار عليهما للضرورة أيضا فهذا ما أفتى به المتأخرون عن أبي حنيفة وأصحابه لعلمهم بأن أبا حنيفة وأصحابه لو كانوا في عصرهم لقالوا بذلك ورجعوا عن قولهم الأول.
(والحاصل) أن ما خالف فيه الأصحاب أمامهم الأعظم لا يخرج عن مذهبه إذا رجحه المشايخ المعتبرون وكذا ما بناه المشايخ على العرف الحادث لتغيير الزمان أو للضرورة ونحو ذلك لا يخرج عن مذهبه لأن ما رجحوه لترجح دليله عندهم مأذون به من جهة الأمام وكذا ما بنوه على تغير الزمان والضرورة باعتبار أنه لو كان حياً لقال بما قالوه لأن ما قالوه إنما هو مبني على قواعده أيضا فهو مقتضى مذهبه.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-6827
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [6/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [6/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
9/1/1427
08/02/2006
ثالثاً: قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة:
في طليعة هذا البحث أود أن أنبّه وأنوّه بما قد يعتبر بداراً بالاعتذار قبل خوض الغمار أو أنه من باب تبرير التقصير أو هو نوع من التخدير.(1/316)
والحقيقة أنه إهابة بالناظر وشحذ لهمّته لمشاطرتي في الشعور بصعوبة الموضوع وهي صعوبة ناشئة عن السهولة الظاهرة التي تجعل كثيراً من الباحثين يصلون إلى نتائج غير وافية ولا كافية في الفصل في مسألة علاقة الحاجة بالضرورة.
إن دقّة الفروق بين القاعدتين جعل القرافي يرى أن السؤال عن الفرق أنجح وسيلة لتحقيق القاعدة قائلاً: "وإن وقع السؤال عن الفرق بين القاعدتين فالمقصود تحقيقهما ويكون تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك. فإن ضم القاعدة إلى ما يشاكلها في الظاهر وبضادها في الباطن أولى لأن الضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتميز الأشياء."(الفروق: 1/3) .
إن إعمال الحاجة في الأحكام أصبح من المشتبهات التي لا يعلمها كثير من الناس أضف إلى ذلك أن أكثر القضايا الفقهية المعاصرة سواءً تلك التي وقع البت فيها من طرف المجامع أو تلك التي لا تزال منشورة أمامها ترجع إلى إشكالية تقدير الحاجة وتقدير الحكم الذي ينشأ عنها: هل تلحق بالضرورة فتعطي حكمها أو لا تلحق بها؟
سواءً كانت قضايا طبية تتعلق بعلاج العقم مثلاً أو الإجهاض، أو قضايا اقتصادية تتعلق بالعقود الجديدة من إيجار ينتهي بالتمليك أو تأمين بأنواعه، أو أحكام الشركات والأسهم وعقود التوريد والشروط الجزائية الحافزة على الوفاء بمقتضى العقد. مما يعني أن تحديد علاقة الحاجة بالضرورة أصبح مفتاحاً لأقفال معضلة المعاملات الفقهية في العصر الحديث مع الإشارة إلى أهمية هذا الموضوع في فقه الأقليات.
وسأحاول الآن – عوداً على بدء – أن أنثر كنانة هذا الموضوع لأعجم عيدانها وأغور في أغوارها وأصعد في قنانها "وكم بالقنان من محل ومحرم".
وذلك حسب الخطة التالية :
تعريف الضرورة :
لغة واصطلاحاً: من نصوص اللغويين ونصوص الأصوليين والفقهاء .
أصل مشروعية الضرورة .
تعريف الحاجة :(1/317)
لغة واصطلاحاً: من نصوص اللغويين ونصوص الأصوليين والفقهاء مع أمثلة فقهية تبرز الفرق بينها وبين الضرورة .
أصل مشروعية الحاجة .
نتيجة التعريفين: التشابك اللغوي والتداخل الفقهي والأصولي، منشأه الاشتراك أو التشكيك.
المصطلحات ذات العلاقة بموضوع الضرورة والحاجة .
إجمال الفروق بين الضرورة والحاجة بناءً على ما ذكرناه من الفقهاء والأصوليين واللغويين .
وأخيراً تطبيقات معاصرة من قرارات المجلس الأوربي للإفتاء ومجمع الفقه الإسلامي بجدة مع التعليق على هذه القرارات.
خاتمة تتضمن النتائج.
الضرورة لغة:
قال مجد الدين الفيروز أبادي في القاموس ممزوجاً بشرحه: (والاضطرار الاحتياج إلى الشيء) وقد (اضطر إليه) أمر ( أحوجه وألجأه فاضطُر بضم الطاء) بناؤه افتعل جعلت التاء طاء لأن التاء لم يحسن لفظه مع الضاد (والاسم الضرة) بالفتح. قال دريد بن الصمة :
وَتُخرِجُ مِنهُ صَرَّةُ القَومِ جُرأَةً *** وَطولُ السُرى ذَرِّيَّ عَضبٍ مُهَنَّدِ
أي تلألؤ عضب.
وفي حديث علي رضي الله عنه رفعه أنه نهى عن بيع المضطر.
ومعنى البيع هذا الشراء أو المبايعة أو قبول البيع .
وقوله عزَّ وجلَّ: "فمن اضطُرَّ غير باغٍ ولا عادٍ" أي فمن أُلجيء إلى أكل الميتة وما حرم وضيّق عليه الأمر بالجوع وأصله من الضرر وهو الضيق.
وقال الليث: الضرورة اسم لمصدر الاضطرار تقول حملتني الضرورة على كذا وكذا.
الضرورة اصطلاحاً:
والضرورة في الاصطلاح فقهية وتطلق إطلاقين أحدهما: ضرورة قصوى تبيح المحرّم سوى ما استُثني. والثانية: ضرورة دون ذلك وهي المعبّر عنها بالحاجة إلاّ أنهم يطلقون عليها الضرورة في الاستعمال توسعاً.
1 – الضرورة الفقهية بالمعنى الأخص :(1/318)
عرّفها السيوطي بقوله: (فالضرورة بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب وهذا يبيح تناول الحرام) (الأشباه والنظائر: ص61). وهذه هي الضرورة التي قال عنها إمام الحرمين أنها لا تثبت حكماً كلياً في الجنس بل يعتبر تحقيقها في كل شخص كأكل الميتة وطعام الغير.
قال في مغني المحتاج وهو" شافعي": ومن خاف" من عدم الأكل "على نفسه موتاً أو مرضاً مخوفاً" أو زيادته أو طول مدته أو انقطاعه عن رفقته أو خوف ضعف عن مشي أو ركوب ولم يجد حلالاً يأكله ووجد محرماً كميتة و لحم خنزير وطعام الغير "لزمه أكله".(6/158)
الدردير في الشرح الصغير "مالكي":"الضرورة هي حفظ النفوس من الهلاك أو شدة الضرر".(الدردير:2/183)
عرّفها الجصاص(حنفي): "هي خوف الضرر أو الهلاك على النفس أو بعض الأعضاء بترك الأكل"(أحكام القرآن:1/195)
قال القرطبي: الاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراه من ظالم أو بجوع من مخمصة والذي عليه الجمهور من الفقهاء والعلماء في معنى الآية هو من صيره العدم والغرث وهو الجوع إلى ذلك، وقيل معناه أكره وغلب على أكل هذه المحرّمات.(القرطبي: 2/225).
2- الضرورة بالمعنى الاستعمالي الفقهي الموسع والتي تعني الحاجة :
قال خليل: " وصح قبله (أي بدو الصلاح) مع أصله أو ألحق به أو على شرط قطعه إن نفع واضطر " أي احتيج كما في التوضيح عن اللخمي لا بلوغ الحد الذي ينتفي مع الاختيار".(الزرقاني: 5/187)
ومن استعمال الضرورة ويُراد بها الحاجة قول المازري في شروط اغتفار الغرر اليسير: قال ابن عرفة: " زاد المازري كون متعلق اليسير غير مقصود وضرورة ارتكابه، وقرره بقوله منه بيع الأجنة وجواز بيع الجبة المجهول قدر حشوها الممنوع بيعه وحده وجواز الكراء لشهر مع احتمال نقصه وتمامه وجواز دخول الحمام مع قدر ماء الناس ولبثهم فيه والشرب من الساقي إجماعاً، في الجميع دليل على إلغاء ما هو يسير دعت الضرورة للغوه ".(1/319)
وممن استعملها بمعنى الحاجة من الشافعية صاحب نهاية المحتاج قائلاً: " نعم الأولى بيعه ما زاد عليها ما فضل عن كفايته ومؤنة سنة " ويجبر من عنده زائد على ذلك في زمن الضرورة.
3- المعنى الأصولي للضرورة :
للضرورة معنى ثالث هو المعنى الأصولي ونبَّه عليه إمام الحرمين في البرهان في القسم الثالث، وقد ذكرناه. وقد زاد الأمر وضوحاً عندما قال: "وهو يعتبر البيع من الضروري ويلتحق به (الضروري) تصحيح البيع فإن الناس لو لم يتبادلوا ما بأيديهم لجرّ ذلك ضرورة ظاهرة فمستند البيع إذا آل إلى الضرورة الراجعة إلى النوع والجملة ثم قد تمهد في الشريعة أن الأصول إذا ثبتت قواعدها فلا نظر إلى طلب تحقيقها في آحاد النوع.(ص 923 وما بعدها)
وقد أوضح الشاطبي بأنها إحدى الكليات الثلاث التي ترجع إليها مقاصد الشريعة حيث يقول:" فأما الضرورية فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين " وتكلم الشاطبي عن مراعاة الضرورة من جانب الوجود ومراعاتها من جانب العدم ومثَّل لذلك بأصول العبادات والمعاملات. (فليراجع: 2/8-9)
وهذا هو الكلي المعبّر عنه بالضروري لأنه من ضرورات سياسة العالم وبقائه وانتظام أحواله حسب عبارة الطوفي.(3/209)
ومثله قول الشوكاني:" أنها إن كانت تلك المصلحة ضرورية قطعية كلية كانت معتبرة فإن فقد أحد هذه الثلاثة لم تعتبر، والمراد بالضرورية أن تكون من الضروريات الخمس وبالكلية أن تعم جميع المسلمين، لا لو كانت لبعض الناس دون بعض أو في حالة مخصوصة دون حالة ".(الشوكاني: إرشاد الفحول: ص242)
وقال الشاطبي:" مجموع الضروريات خمس وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل."(الموافقات: 3/10).(1/320)
وأما لماذا سُميت بالضرورة ؟ إما لأنها ضرورة لانتظام حياة الناس كما تقدم أو لأن اعتبارها (التفات إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصودة للشرع لا بدليل واحد بل بأدلة خارجة عن الحصر.(إرشاد الفحول: ص242).
وبعد التعريف بالضرورة لغة وبالضرورة في اصطلاح الفقهاء والأصوليين نلاحظ أن الضرورة أمر يورث ضيقاً ومشقة إلاّ أن هذا الضيق يتفاوت في شدته فالضرورة من باب الكلي المشكك عند المناطقة وهو كما قال الأخضري في شرحه لنظمه (السلم) في المنطق: "وإن اختلف فيها بالشدة والضعف سمي كلياً مشككاً كالبياض فإنَّ معناه في الورق أقوى من معناه في القميص مثلاً. وهذا بخلاف المتواطيء وهو الذي اتحد معناه في أفراده كالإنسان". (يُراجع شرح السلم عند قوله) :
ونِسْبَةُ الأَلْفَاظِ للمَعَانِي *** خَمْسَةُ أَقْسَامِ بِلا نُقْصَانِ
تَوَاطُؤ تَشَاكُكُ تَخَالُفُ *** والاشْتِراكُ عَكْسُه التَرَادُفُ
وأرى أن التنبيه على الضرورة والمشقة والحاجة ثلاثتهن من باب الكلي المشكك قد يكون مفتاحاً لفهم اختلاف عبارات اللغويين والفقهاء فالضرورة يمكن أن تُطلق في حال الشدة القصوى كما يمكن أن تُطلق في حالات دون ذلك وبالتالي تترتب أحكام مختلفة على ذلك كما رأيت.
أصل مشروعية حكم الضرورة:
في قول الله تعالى:"وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" ] الأنعام:119 [
قال الجصاص: ذكر الله تعالى الضرورة في هذه الآيات وأطلق الإباحة في بعضها لوجود الضرورة من غير شرط ولا صفة وهو قوله تعالى: "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" فاقتضى ذلك وجود الإباحة بوجود الضرورة في كل حال وُجدت فيها. (أحكام القرآن للجصاص: 1/147) .(1/321)
وقال تعالى: "فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَۤ إِثْمَ عَلَيْهِ" ]البقرة:173[ قال ابن عطية:" ومعنى اضطر عدم " وغرث، هذا هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء والفقهاء.
وقيل: معناه أكره وغلب على أكل هذه المحرمات.(المحرر الوجيز لابن عطية: 2/71).
والنصوص كثيرة بهذا المعنى.
وبالوقوف عند قوله تعالى:"وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ"، يفهم المرء معنيين: المعنى الذي ذكره الجصاص وهو وجود الإباحة حيثما وجدت الضرورة. ومعنى آخر وهو إنما فصّل من المحرمات لا تبيحه إلاّ الضرورة. وهذا ما يشير إليه الحصر في استثناء عموم من عموم يمكن أن يفهم منه بسهولة أن الحاجة إنما تدخل المجملات ولا تدخل في المفصلات والله أعلم.
تعريف الحاجة:
الحاجة لغة: قال الفيروز أبادي ممزوجاً بشارحه :
(والحاجة) المأربة (م) أي معروفة وقوله تعالى: "وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ" ]غافر:80[. قال ثعلب: يعني الأسفار. وعن شيخنا: وقيل أن الحاجة تُطلق على نفس الافتقار وعلى الشيء الذي يفتقر إليه، وفي اللسان تحوج إلى الشيء احتاج إليه وأراده (ج حاج) تقول: لا يمنعه قضاء الحاجة الأولى عن قضاء الحاجة الأخرى، كما قال الشاعر:
وأُرْضِعُ حَاجَةً بِلبَانِ أُخْرَى*** كَذَاكَ الحَاجُ تُرْضَعُ باللِّبَانِ
أما الحاجة في الاصطلاح فعلى ضربين: حاجة عامة قد تنزل منزلة الضرورة وهذه هي الحاجة الأصولية وقد سمّاها بعضهم بالضرورة العامة كما أسلفنا، وحاجة فقهية خاصة حكمها مؤقت تعتبر توسيعاً لمعنى الضرورة.
أولاً:الحاجة العامة (الأصولية)(1/322)
قال إمام الحرمين في المعنى الأول: " والضرب الثاني ما يتعلق بالحاجة العامة ولا ينتهي إلى حد الضرورة ومثل هذا تصحيح الإجارة فإنها مبنية على الحاجة إلى المساكن مع القصور عن تملكها وضنة ملاكها بها على سبيل العارية فهذه حاجة ظاهرة غير بالغة مبلغ الضرورة المفروضة في البيع وغيره ولكن حاجة الجنس قد تبلغ مبلغ الضرورة للشخص الواحد من حيث إن الكافة لو منعوا عما تظهر الحاجة فيه الجنس، لنال آحاد الجنس أضرار لا محالة تبلغ مبلغ الضرورة في حق الواحد، وقد يزيد أثر ذلك في الضرر الراجع إلى الجنس على ما ينال الآحاد بالنسبة إلى الجنس، وهذا ما يتعلق بأحكام الإيالة والذي ذكرناه مقدار غرضنا الآن".(البرهان:924)
وسلك تلميذه أبو حامد الغزالي مسلكه في كتابه "شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل" حيث قال في معرض كلامه عن الضرورة الذي سنعود إليه في محله: "والحاجة العامة في حق كافة الخلق تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق الشخص الواحد.(ص 246)
وإلى جانب هذا الكلام نرى الغزالي نفسه عندما يتحدث عن المصلحة يقول " إنها وإن وقعت في موضوع الحاجة أو التتمة لم تعتبر وإن وقعت في موضع الضرورة جاز أن يؤدي إليها اجتهاد مجتهد بشرط أن تكون قطعية كلية كما أسلفنا".
وقفى على أثره تلميذه أبو بكر بن العربي المالكي حيث قال في كتابه القبس (القاعدة السابعة) :"اعتبار الحاجة في تجويز الممنوع كاعتبار الضرورة في تحليل المحرّم " وبعد أن ضرب مثلاً لذلك باستثناء القرض الذي يضرب له أجل عند مالك من بيع الذهب بالذهب إلى أجل. أضاف: " ومن ذلك حديث العرايا وبيع التمر فيها على رؤوس النخيل بالتمر الموضوع على الأرض وفيه من الربا ثلاثة أوجه: بيع الرطب باليابس والعمل بالخرص والتخمين في تقدير المالين الربويين وتأخير التقابض إن قلنا أنه يعطيها له إذا حضر جذاذ النخل.(القبس: 2/790-791) .(1/323)
إلاّ أن بعض الفقهاء كابن نجيم والسيوطي نقلوا الحاجة من مفهومها الأصولي إلى القواعد الفقهية دون تقديم ضوابط مما أوهم بعض الباحثين المعاصرين أنه كلما لاحت لوائح مشقة أو عرضت حاجة يعلن الإباحة وكأنه يستند إلى قاعدة قطعية تدل على الحكم بلا واسطة شأن الضرورة الفقهية بمعناها الأخص لا فرق بينهما.
مناقشة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة :
قلت: إن الحاجة لا يمكن اعتبارها قائمة مقام الضرورة بصفة مطلقة في إباحة المحرّم، بل إن الأصل أن الضرورة وحدها تبيح المحرّم وأن هذا الحكم لا ينسحب على الحاجة كما قال الشافعي: "وليس يحل بالحاجة محرّم إلاّ في الضرورات". (الأم: 3/28)
وقال الشافعي:"الحاجة لا تحق لأحد أن يأخذ مال غيره ".(نفس المرجع: ص77)
والسيوطي نفسه صرّح بذلك: "أكل الميتة في حالة الضرورة يقدم على أخذ مال الغير". (الأشباه والنظائر:ص62)
ذلك أن أكل الميتة فيه حق الله تعالى فقط وأخذ مال الغير ومنه الربا فيه حق الله تعالى وحق الآدمي. قال القرافي: " وقد يوجد حق الله تعالى وهو ما ليس للعبد إسقاطه ويكون معه حق العبد كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات.(الفروق1/140-141)
فهذه العقود محرّمة لحق الله وحق العباد فكيف يمكن تنزيل الحاجة فيها منزلة الضرورة بإطلاق.
وأكثر العلماء رأوا أن المصلحة الحاجية لا يترتب عليها حكم.
قال الطوفي في شرحه لمختصر الروضة:" لا يجوز للمجتهد أنه كلما له مصلحة تحسينية أو حاجية اعتبرها ورتّب عليه الأحكام حتى يجد لاعتبارها شاهداً من جنسها.(الطوفي: 3/207)(1/324)
وقال ابن قدامة في الروضة في سياق حديثه عن المصالح المرسلة التي لم يشر لها الشرع بإبطال ولا باعتبار معين، وهذا على ثلاثة ضروب: أحدها ما يقع في مرتبة الحاجات (وضرب له أمثلة). الضرب الثاني ما يقع في موقع التحسين (وذكر له أمثلة) ثم قال: " فهذان الضربان لا نعلم خلافاً في أنه لا يجوز التمسك بهما من غير أصل فإنه لو جاز ذلك كان وضعاً للشرع بالرأي ولما احتجنا إلى بعثة الرسل.(روضة الناظر:1/413 وما بعدها).
ومن قال بتأثير المصلحة في محل الحاجي شرط أن تكون جارية على أصول الشرع وقواعده متفقة مع مبادئه ومقاصده بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله ولا دليلاً من أدلته. (الشاطبي "الاعتصام": 2/129).
لأن الحنيفية السمحة إنما أتى فيها بالسماح مقيداً بما هو جار على أصولها، وليس تتبعاً للرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها. (الموافقات للشاطبي:4/145) .
ولإيضاح ما نريده نورد كلمات القرافي الآتية في فروقه: (الفرق الحادي والثلاثون بين الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين قاعدة من الإباحة إلى الحرمة يكفي لها أيسر الأسباب). (الفروق للقرافي: 3/273)
إلاّ أن المحرم أنواع فمنه المحرم لوصفه كالميتة والدم ولحم الخنزير ومنه الحرام لكسبه: كالمأخوذ غصباً أو عقد فاسد وهذا التقسيم لابن تيمية.(الفتاوى: 29/320)
والمحرم لكسبه متفاوت فمنه محرم تحريم المقاصد ومنه المحرم تحريم الوسائل والذرائع. فالأول أشد من الثاني.
والربا أشد محرمات العقود، وحرم الربا لأنه متضمن للظلم فإنه أخذ فضل بلا مقابل وتحريم الربا أشد من تحريم الميسر (ابن تيمية). وقال أيضاً :" إن تحريم الربا أشد من تحريم القمار لأنه ظلم محقق ".
والربا متفاوت: فربا الفضل لا يساوي ربا النساء، فإن تحريم هذا من تحريم المقاصد، وتحريم الآخر تحريم الوسائل وسد الذرائع، ولهذا لم يبح شيء من ربا النسيئة.(ابن القيم "أعلام الموقعين": 2/107)(1/325)
ولتوضيح ما ذكره ابن القيم نذكر قول القرافي: " الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ووسائل: وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد " (الفروق: 2/33)
والحاصل أن العزيمة راجعة إلى أصل كلي ابتدائي. والرخصة راجعة إلى جزئي مستعصي عن ذلك الأصل الكلي.(الموافقات للشاطبي :1/300-303)
وإذا كان كلام إمام الحرمين وتلاميذه يرمي إلى تعليل نصوص شرعية- غير اجتهادية – بالحاجة فإن المالكية توسعوا في بناء الفروع الاجتهادية على الحاجي الكلي.
قال المواق – بعد أن ذكر أنواعاً من عقود الإجارة التي لايجيزها مالك-: "وكان سيدي ابن سراج رحمه الله فيما هو جار على هذا لا يفتي بفعله ابتداء ولا يشنع على مرتكبه فقصارى أمر مرتكبه أنه تارك للورع.
وما الخلاف فيه شهير لا حسبة فيه ولا سيما إن دعت لذلك حاجة.
ومن أصول مالك أنه يراعي الحاجيات كما يراعي الضروريات فأجاز الرد على الدرهم، مع كونه يجعل مد عجوة من باب الربا وأجاز تأخير النقد في الكراء المضمون. إلى أن قال: ويُباح الغرر اليسير بخلاف باب الربا.
وسُئل سيدي ابن سراج رحمه الله: هل تجوز المشاركة في العلوفة أن يكون الورق على واحد وعلى الآخر الخدمة وتكون الزريعة بينهما على نسبة الحظ المتفق عليه ؟ فأجاب: قد أجاز ما ذكر بعض العلماء، فمن عمل بذلك على الوجه المذكور للضرورة وتعذّر الوجه الآخر فيرجى أن يجوز إن شاء الله.
ورأيت له فتيا أخرى قال فيها:" ويجري ذلك على مقتضى قول مالك في إجازة الأمر الكلي الحاجي".(1/326)
وقريب من هذا المنحى ما ذهب إليه بعض الأحناف في مسائل الإجارة حيث قالوا: " وجاز إجارة القناة والنهر مع الماء، به نفتي لعموم البلوى مضمرات " (الدر المختار). علّق ابن عابدين بقوله: قوله (مع الماء) أي تبعاً قال في كتاب الشرب من البزارية لم تصح إجارة الشرب لوقوع الإجارة على استهلاك العين مقصود إلاّ إذا أجر أو باع مع الأرض فحينئذٍ يجوز تبعاً".
وعنه قال: رأيت ابن الشجاع يقاطع نساجاً ينسج له كل سنة.(الحاشية: 5/38). وفي الدر المختار: ويفتي اليوم بصحتها " الإجارة " لتعليم القرآن والفقه والإمامة والأذان ويجبر المستأجر على دفع ما قبل".
علّق ابن عابدين بقوله: " قال في الهداية: وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن اليوم لظهور التواني في الأمور الدينية ففي الامتناع تضييع حفظ القرآن وعليه الفتوى".
وذكر مجموع ما أفتى به المتأخرون من مشايخنا وهم البلخيون على خلاف في بعضه مخالفين ما ذهب إليه الإمام وصاحباه.(حاشية ابن عابدين:5/34-35).
وهكذا نرى المتأخرين من أتباع الإمامين مالك وابن حنيفة يتوسعون في التعامل مع الحاجي أحياناً مع مخالفة منصوص الإمام بناءً على ما فهموه من قواعد الإمامين.
وقد احتج الشيخ تقي الدين بن تيمية لابن عقيل في مسألة إجارة الأرض والشجر بقوله:" فإن قيل إن ابن عقيل جوز إجارة الأرض والشجر جميعاً لأجل الحاجة وأنه سلك مسلك مالك لكن مالكاً اعتبر القلة في الشجر وابن عقيل عمم فإن الحاجة داعية إلى إجارة الأرض البيضاء التي فيها شجر وإفرادها عنها بالإجارة متعذر أو متعسر لما فيه من الضرر فجوز دخولها في الإجارة كما جوز الشافعي دخول الأرض مع الشجر تبعاً في المساقاة. (الفتاوى: 30/231).
وفي مذهب الشافعي ما حكى صاحب التلخيص عن نص الشافعي رحمه الله أن الأرزاق التي يخرجها السلطان للناس يجوز بيعها قبل قبضها.(1/327)
وبعد ذكره للخلاف في هذه المسألة، قال النووي: " ودليل ما قاله الأول وهو الأصح أن هذا القدر من المخالفة للقاعدة احتمل للمصلحة والرفق بالجند لمسيس الحاجة "(المجموع: 9/268).
وقد أصل أبو إسحاق الشاطبي هذا المفهوم الحاجي واضعاً إياه في إطاره الأصولي قائلاً: " ومما ينبني على هذا الأصل قاعدة الاستحسان". وهو في مذهب مالك الأخذ بمصلحة جزئية في مقابل دليل كلي. ومقتضاه الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس، فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك الأشياء المفروضة كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمراً إلاّ أنّ ذلك الأمر يؤدي إلى فوات المصلحة من جهة أخرى أو جلب مفسدة كذلك. وكثيراً ما يتفق هذا في الأصل الضروري مع الحاجي، والحاجي مع التكميلي فيكون إجراء القياس مطلقاً في الضروري يؤدي إلى حرج ومشقة في بعض موارده فيستثنى موضع الحرج وكذلك في الحاجي مع التكميلي أو الضروري مع التكميلي وهو ظاهر.(1/328)
وله في الشرع أمثلة كثيرة كالقرض مثلاً فإنه ربا في الأصل لأنه الدرهم بالدرهم إلى أجل، ولكنه أبيح لما فيه من الرفق والتوسعة على المحتاجين، بحيث لو بقي على أصل المنع لكان في ذلك ضيق على المكلفين. ومثله بيع العارية بخرصها تمراً فإنه بيع الرطب باليابس، لكنه أبيح لما فيه من الرفق ورفع الحرج بالنسبة إلى المعرِي والمُعَرى ولو امتنع مطلقاً لكن وسيلة لمنع الإعراء، كما أن ربا النسيئة لو امتنع في القرض لامتنع أصل الرفق من هذا الوجه، ومثله الجمع بين المغرب والعشاء للمطر وجمع المسافر، وقصر الصلاة، والفطر في السفر الطويل، وصلاة الخوف، وسائر الترخصات التي على هذا السبيل، فإن حقيقتها ترجع إلى اعتبار المآل في تحصيل المصالح أو درء المفاسد على الخصوص، حيث كان الدليل العام يقتضي منع ذلك لأنا لو بقينا مع أصل هذا الدليل العام لأدى إلى رفع ما اقتضاه ذلك الدليل من المصلحة، فكان من الواجب رعي ذلك المآل إلى أقصاه، ومثله الاطلاع على العورات في التداوي والقرض والمساقاة وإن كان الدليل العام يقتضي المنع وأشياء من هذا القبيل كثيرة .
هذا نمط من الأدلة الدالة على صحة القول بهذه القاعدة وعليها بنى مالك وأصحابه.
وقد قال ابن العربي في تفسير الاستحسان بأنه إيثار ترك مقتضى الدليل على طريق الاستثناء والترخيص، لمعارضة ما يعارض به في بعض مقتضياته.
وقال في أحكام القرآن: الاستحسان عندنا وعند الحنفية هو العمل بأقوى الدليلين فالعموم إذا استمر والقياس إذا أطرد فإن مالكاً وأبا حنيفة يريان تخصيص العموم بأي دليل كان من ظاهر أو معنى.
ويستحسن مالك أن يخص بالمصلحة، ويستحسن أبو حنيفة أن يخص بقول الواحد من الصحابة الوارد بخلاف القياس، ويريان معاً تخصيص القياس ونقص العلة.
ولا يرى الشافعي لعلة الشرع إذا ثبتت تخصيصاً.
وأجاز مالك تلاوة الحائض للقرآن حتى لا تنسى وهو مخصص لعام.(1/329)
وإذا قلت كيف تخصص الحاجة وهي ليست من المخصصات اللفظية من نصوص وظواهر الكتاب والسنّة وغيرها كالإجماع والمفهوم بنوعيه والقياس؟
قلت: إنما يعزى التخصيص للاستصلاح أو الاستحسان الذي يعتمد على الحاجة وذلك أمر معروف في المذهبين الحنفي والمالكي كما تقدم عن الشاطبي.
وإن الذي ينبغي التنبيه عليه أن هذه المسائل التي أجازها من أجازها للحاجة فإنها وإن كانت تخصيصاً من العموم في النهي عن قراءة الجنب للقرآن والنهي عن قرض يجر نفعاً والنهي عن بيع قبل القبض فإنه عموم ضعيف في المسائل المخصوصة لأن حديث الجنب جاء في معرض جنابة غير الحائض وهو حديث علي، فكان الحيض بمنزلة الصورة النادرة بالنسبة لراوي الحديث.
وكذلك فإن استثناء السفتجة وهي منفعة لا تشتمل على زيادة من الصور النادرة بالنسبة للمتكلم فإنه عندما يتحدث عن جر النفع فإنه يعني بالأصالة الزيادة أو الهدية أو نحو ذلك، وعلى هذا نبّه ابن قدامة من طرف خفي عندما قال إنه لا نص في تحريمها أي بخصوصها.
وقال مثل ذلك في مسألة الأرزاق ومعلوم أن نوادر الصور مختلف في دخولها في العموم كما أسلفنا.
ثانيا – الحاجة الفقهية:
الملحقة بالضرورة الفقهية وهي من باب التوسع في معنى الضرورة والاضطرار إذ الضرورة لفظ مشكك وهو كلي يكون معناه أشد في بعض أفراده من بعض، فمن توسع أطلق على الحد الوسيط (الحاجة) ومن لم يتوسع اقتصر على الحد الأعلى: الضرورة. وليس هذا من باب القياس وإنما هو من باب الأدلة اللفظية.
وهذه الحاجة الفقهية لا تحدث أثراً مستمراً ولا حكماً دائماً بل هي كالضرورة تقدّر بقدرها وقد ذكرنا مثالاً لذلك نعيده باختصار هو مسألة بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وشروط الاستثناء من المنع، حيث قال خليل (وصح قبله) أي بدو صلاحه مع أصله أو ألحق به أو على قطعه واضطر أي احتيج كما في التوضيح (له) من المتبايعين أو أحدهما كما يعطيه ترك تقيده مع بنائه للمجهول (الزرقاني5/187).(1/330)
وهذه حاجة فقهية لأنها تثبت حكماً فقط في محل الاحتياج وهي شخصية بمعنى أنها لا تجوز لغير المحتاج ولا تتجاوز محلها.
وهذا ما يفرق الحاجة الفقهية عن الحاجة الأصولية التي تثبت حكماً مستمراً ولا يطلب تحققها في آحاد أفرادها. فالسلم يجوز للمحتاج وغير المحتاج كما قدمنا، وكذلك قول خليل في مسألة تلقي السلع: " وجاز لمن على ستة أميال أخذ محتاج إليه ". ومعناه أن من كان بعيداً عن المدينة يجوز له اشتراء ما يحتاج إليه من السلع قبل وصوله السوق. قال الحطاب عن ابن رشد: " وأما إن مرت به السلع على قرية على أميال من الحاضرة فيجوز له أن يشتري ما يحتاج إليه لا لتجارة، لمشقة النهوض عليه إلى الحاضرة.(الحطاب4/380).
هذه هي الحاجة الفقهية وتعتبر توسعاً في معنى الضرورة فتقدّر بقدرها وهي حاجة شخصية.
هذا هو الفرق بين الحاجة الأصولية العامة التي تثبت بها الأحكام بالنص أو الاستحسان والاستصلاح، وبين الحاجة الفقهية الخاصة التي تعتبر توسعاً في الضرورة ؛ مهم جداً في تصنيف الحاجة وترتيب الأحكام عليها.
وبذلك ندرك وجود نوعين من الحاجة أحدهما حاجة عامة والأخرى حاجة خاصة شخصية.
وحيث إن الحاجة الفقهية ملحقة بالضرورة فقد يُختلف في بعض الفروع هل تشترط فيها الضرورة القصوى أو الحاجة ؟
في مسألة إيجاب بيع الأقوات على من هي عنده وقت الغلاء يختلف في الضرورة التي توجب ذلك.
فعند القرطبي إنما يجب البيع إن خيف بحبسه إتلاف المهج (أي الضرورة) فإن مست الحاجة ولم يكن الخوف المذكور بل دونه وجب عند ابن رشد.(الزرقاني 5/4).(1/331)
فابن رشد ألحق الحاجة هنا بالضرورة إلاّ أن الضرورة التي لا تعني الحاجة قد يصرح معها بما ينفي ذلك كما في رواية ابن القاسم في فسخ الدين في منافع يتأخر قبضها من الغريم، قال فيه إلاّ عند الضرورة التي تحل أكل الميتة مثل أن يكون في صحراء بحيث لا يجد كراء ويخشى على نفسه الهلاك إن لم يأخذ منه دابة يبلغ عليها، وأشهب يجيز أن يأخذ منه دابة لما بقي له وإن لم تكن له ضرورة.(الحطاب4/368).
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-6888
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [7/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [7/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
23/1/1427
22/02/2006
المصطلحات ذات العلاقة :
المصلحة :
مصدر ميمي من صلح يصلح بفتح عين الفعل وضمّها في الماضي والمضارع، وهي ضد المفسدة والصلاح ضد الفساد وأصلها جلب منفعة أو دفع مضرة. قال الشوكاني:" قال الخوارزمي: والمراد بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق".(إرشاد الفحول: ص 242)
وبين المصلحة والحاجة عموم وجهي، فقد تُطلق المصلحة على الحاجة وغيرها، وكذلك الحاجة قد تكون في محل المصالح واستعملت المصلحة بمعنى الحاجة العامة في قول العز بن عبد السلام: لأن المصلحة العامة كالضرورة الخاصة.( قواعد الأحكام: ص 326)
وقول ابن قدامة في السفتجة بعد أن ذكر الخلاف فيها حيث قال : " وقد نصّ أحمد على أن من شرط أن يكتب بها سفتجة لم يجز ومعناه اشتراط القضاء في بلد آخر . وروي عنه جوازها كونها مصلحة لهما جميعاً".
وبعد أن ذكر أقوال المجيزين والمانعين قال : " والصحيح جوازه لأنه مصلحة لهما من غير ضرر لواحد منهما.(1/332)
والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرّة فيها بل بمشروعيتها ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة (المغني : 6/436-437)
عموم البلوى :
وهو الحالة أو الحادثة التي تشمل كثيراً من الناس ويتعذّر الاحتراز منها.(ابن عابدين: الحاشية 1/310)
أو ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال.(كشف الأسرار: 3/16) كنجاسة النعل والخف تطهر بالدلك وإن كان رطباً على قول أبي يوسف وهو الأصح المفتى به لعموم البلوى.(ابن عابدين : 1/309-310) .
وعموم البلوى كالحاجة لا يرفع نصاً. قال ابن نجيم: لا اعتبار عند أبي حنيفة بالبلوى في موضع النص كما في بول الآدمي فإن البلوى فيه أعم.(الأشباه والنظائر ص 84)
الغلبة :
الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة . ألا ترى أن أسواق المسلمين لا تخلو عن المحرّم . (البدائع : 6/30)
عسر الاحتراز :
ومعناها صعوبة التحفظ عن أمر وهي في العبادات وغيرها. قال الكاساني: كل فضل مشروط في البيع ربا سواء كان الفضل من حيث الذات أو من حيث الأوصاف إلاّ ما لا يمكن التحرز عنه دفعاً للحرج. (بدائع الصنائع: 5/187) .
وعبّر عنه القرافي بالتعذر حيث قال : " المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف " (الفروق: 3/198)
وأما خليل فقد قال : " لا إن عسر الاحتراز منه " (الزرقاني: 1/17)
وعفى عما يعسر كحدث مستنكح :"أي عما يعسر الانفكاك عنه بعد وجود سببه وهو المشقة".(الزرقاني وبحاشيته البناني1/41)
كل ما لا يمكن الاحتراز منه معفو عنه.(ابن تيمية الفتاوى:1/592) وعسر الاحتراز هو عبارة عن المشقة اللاحقة في العبادة أو المعاملة.
المشقة :(1/333)
التي تكون بمعنى الحاجة هي الواقعة في مرتبة متوسطة. ولإيضاح ذلك ننقل كلام القرافي في الفروق على أقسام المشقة حيث يقول ممزوجاً بابن الشاط باختصار محمد بن علي بن حسين المالكي في تهذيب الفروق ما يلي:"الفرق الرابع عشر بين قاعدتي المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها":
اعلم أن التكليف إلزام الكلفة على المخاطب يمنعه من الاسترسال مع دواعي نفسه هو أمر نسبي موجود في جميع أحكامه حتى الإباحة.
ثم يختص غير الإباحة بمشاق بدنية بعضها أعظم من بعض . فالتكليف به إن وقع ما يلزمه من المشاق عادة أو في الغالب أو في النادر كالوضوء والغسل في البرد والصوم في النهار الطويل والمخاطرة بالنفس في الجهاد ونحو ذلك، لم يؤثر ما يلزمه في العبادة لا بإسقاط ولا بتخفيف لأن في ذلك نقص التكليف إن لم يقع التكليف بما يلزمه من المشاق كان التكليف على ثلاثة أقسام:
الأول : متفق على اعتباره في الإسقاط أو التخفيف كالخوف على النفوس أو الأعضاء والمنافع لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة فلو حصلنا هذه العبادة مع الخوف على ما ذكر لثوابها لأدى لذهاب أمثالها.
الثاني:…متفق على عدم اعتباره في ذلك كأدنى وجع في أصبع لأن تحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة لشرف العبادة وخفة المشقة.
الثالث:…مختلف فيه فبعضهم يعتبر في التخفيف ما اشتدت مشقته وإن بسبب التكرار لا ما خفت مشقته وهو الظاهر من مذهب مالك.
فيسقط التطهير من الخبث في الصلاة عن ثوب المرضع كل ما يعسر التحرز منه كدم البراغيث ويسقط الوضوء فيها بالتيمم لكثرة عدم الماء والحاجة إليه والعجز عن استعماله.
وبعضهم يعتبر في التخفيف شديدة المشقة وخفيفها.(1/334)
هذه الأقسام الثلاثة تطرد في جميع أبواب الفقه فكما وجدت المشاق الثلاثة في الوضوء، كذلك نجدها في العمرة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوقان الجائع للطعام عند حضور الصلاة والتأذي بالرياح الباردة في الليلة الظلماء والمشي في الوحل وغضب الحكام وجوعهم المانعين من استيفاء الفكر وغير ذلك . وكذلك الغرر في البيع ثلاثة أقسام وهكذا في كل أبواب الفقه.(1/131-132)
وبين أن لكل عبادة مرتبة. قلت : وكذلك منهيات المعاملات لكل منها مرتبة.
مجالات تدخل فيها الحاجة :
الحاجة والغرر :
من أهم المجالات التي تدخلها الحاجة عقود الغرر وتقدمت بعض النصوص التي تدل على اغتفار يسير الغرر للحاجة.
ونريد أن نذكر الآن ما هو الغرر ؟ وأصل النهي عنه ومدى تأثير الحاجة في إلغاء حكمه.
والغرر عرّفه القرافي بأنه: الشيء الذي لا يدري هل يحصل أو لا. وعرّف الجهالة بأنها: ما عُلم وجوده وجهُلت صفته.
وعرّف الجرجاني الغرر بأنه : ما يكون مجهول العاقبة لا يدري أيكون أو لا (التعريفات).
وقيل: ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول. قال الأزهري: ويدخل في بيع الغرر البيوع المجهولة التي لا يحيط بكنهها المتبايعان.(التاج: 3/443)
وبيع الغرر ممنوع شرعاً بعموم الكتاب لقوله تعالى: "وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُم بِـﭑلْبَاطِلِ" ]البقرة2/88[ .
ومحرّم بنصوص السنّة . ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلّى اله عليه وسلّم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر (شرح مسلم للنووي11/156). وأخرجه مالك في الموطأ مرسلاً عن أبي حازم بن دينار عن سعيد بن المسيب أن النبي – صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَعِ الغَرَرِ(المنتقى للباجي:5/41).(1/335)
علّق عليه الباجي بقوله " نهيه صلّى اله عليه وسلّم عن بيع الغرر يقتضي فساده ومعنى بيع الغرر – والله أعلم – ما كثر فيه الغرر وغلب عليه حتى صار البيع يوصف ببيع الغرر فهذا الذي لا خلاف في المنع منه ".
وأما يسير الغرر فإنه لا يؤثر في فساد عقد بيع فإنه لا يكاد يخلو منه عقد. وإنما يختلف العلماء في فساد أعيان العقود لاختلافهم فيما فيها من الغرر هل هو من حيز الكثير الذي يمنع الصحة أو من حيز القليل الذي لا يمنعها، فالغرر يتعلق بالمبيع من ثلاثة أوجه : من جهة العقد، والعوض، والأجل (المنتقى:5/41).
قلت: وجه ما ذكره الباجي وغيره أن مجرد وجود الغرر ليس مبطلاً للعقد حتى يكون غالباً ناشئاً عن كون إضافة البيع إلى الغرر هي من إضافة الموصوف إلى الصفة . ووصف ابن مالك – في التسهيل – هذا النوع من الإضافة بأنه من شبه المحضة ومثل له بمسجد الجامع لأن المسجد هو الجامع وذلك صفته ومعنى هذا أن النهي وارد على بيع غرر وليس عن بيع فيه غرر والفرق يدركه البصير بموارد الألفاظ.
وقال القرافي : " قاعدة : الغرر ثلاثة أقسام : متفق على منعه في البيع كالطير في الهواء ومتفق على جوازه كأساس الدار ومختلف فيه هل يلحق بالقسم الأول لعظمه أو بالقسم الثاني لخفته أو للضرورة إليه كبيع الغائب على الصفة والبرنامج ونحوهما ؟
ويقول النووي: "(فرع) الأصل أن بيع الغرر باطل لهذا الحديث والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز منه فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر وذكر أو أنثى وكامل الأعضاء أو ناقصها وكشراء الشاة في ضرعها لبن ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالإجماع.
قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلاّ بمشقة أو كان الغرر حقيراً جاز البيع وإلاّ فلا.(1/336)
أما الشيخ تقي الدين بن تيمية فإنه قيّد الحاجة بالشدّة عندما قال في حديثه عن الجوائح: " والحاجة الشديدة يندفع بها الغرر اليسير والشريعة مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرّم فكيف إذا كانت المفسدة منفية".(الفتاوى الكبرى4/32)
الغرر المضاف :
واعتبر المالكية أن الغرر إذا كان مضافاً لأصل جائز يغتفر للحاجة بخلاف ما لو كان الغرر أصلاً في العقد فيبطل العقد .
وهذا الكلام واضح في أمرين أحدهما أن الغرر قد يجوز تبعاً للحاجة ويجوز منه اليسير وأن الربا لا يجوز منه قليل ولا كثير.
وهذه نصوص تبين حدود تأثير الحاجة في المنهيات وذلك بحسب مرتبة النهي فما كان في مرتبة وسطى كالغرر تؤثر فيه بشروط وما كان في مرتبة عليا لا يتأثر بها.
ومن هذا القبيل تأثير الحاجة معتمدة على اشتمال العقد على معنى الرفق والمعروف فقد يكون العقد في أصله حراماً ولكنه يباح للحاجة بناءً على ما علم من التفات الشارع للمعروف والرفق.
ومن ذلك أنهم أجازوا إجارة لا تعرف فيها طبيعة المنافع المستأجر عليها ولا الذات المستأجرة وذلك في صيغة عرفت عند المالكية بـ"أعني بغلامك لأعينك بغلامي".
وتصور هذه المسألة من مختصر خليل ممزوجاً بشارحه الزرقاني : " وجاز أعني بغلامك على حرثي ونحوه لأعينك بغلامي. أراد أو نفسي على حرثك أو غيره . ولذا حذف متعلق حال كون ذلك، إجارة لا عارية ، لأنها بغير عوض وهذا بعوض، تحدث المنفعة أم لا، تساوى زمنها أو اختلف، تماثل المعان به للآخر أم لا، كحرث وبناء وغلام وثور فلا يشترط اتحاد المنفعة ولا عين المستعمل) . وهذه إجارة، ومعلوم أن الإجارة كالبيع . أركانها، والركن الثاني – الأجر- هو كالثمن يطلب كونه معروفاً قدراً وصفة " هذا كلام ابن عرفة (المواق:5/389).(1/337)
وهذه الصيغة التي اعتبرت تشتمل على جهل قدر الأجرة وصفتها ؛ لأنها قد تكون ثوراً في مقابل غلام، وقد تكون حرثاً في مقابل البناء لأن الإعانة معروف حسب عبارة الزرقاني (نفس المرجع) .
قلت : قوله فكان ذلك ضرورة إلى آخره معناها هنا الحاجة كما قدمنا . وكذلك نصّوا على أن (قولهم الصفقة تفسد إذا جمعت حلالاً وحراماً مخصوص بالمعاوضات المالية بالبيع والشراء.(في الزرقاني: 7/79)
الحاجة ترجح المختلف فيه بين العلماء :
وقد نصَّ المالكية على جواز العمل بالضعيف بثلاثة شروط : أن تلجئ إليه الضرورة، وأن لا يكون ضعفه شديداً جداً، وأن تثبت نسبته إلى قائل يُقتدى به علماً وورعاً . ذكره البناني في حاشيته على الزرقاني عن المسناوي(5/124).
ونظمه سيدي عبدالله في مراقي السعود حيث قال :
وذِكْرُ ما ضَعِّفَ لَيْسَ للعَمَلْ إِذْ ذاكَ عَنْ وِفَاقِهِمْ قَدِ انْحَظَلْ
بلْ للتَّرَقي في مَدارِجِ السَّنا ويَحْفَظَ المُدْرَكَ مَنْ لَهُ اعْتِنا
أولِمُراعَاةِ الخِلافِ المُشْتَهِرْ أوِ المُراعاةِ لِكُلِّ مَا سُطِرْ
وكَوْنِهِ يُلْجى إليهِ الضَّرَرُ إنْ كانَ لَمْ يَشْتَدّ فِيهِ الخَوَرُ
وثَبَتَ العَزْوُ وقَدْ تَحَقَّقَا ضُرّاً من الضُّرِّ بِهِ تَعَلَّقَا
أصل مشروعية الحاجة رفع الحرج والتيسير فهي تشترك مع الضرورة في مسألة رفع الحرج وهي مبنية على التسهيل والتيسير والتوسع.
إجمال الفروق بين الضرورة والحاجة :
بعد هذا العرض يتبين أن الفرق بين الضرورة والحاجة يرجع إلى :
التعريف في أن الضرورة في معناها الفقهي الأخص شدة وضيق في المرتبة القصوى تبيح المحرّم، وفي معناها الأصولي كلي ينتظم الأحكام التي بها قوام الأديان والأبدان .(1/338)
والحاجة مشقة في مرتبة وسطى في معناها الفقهي تلحق بالضرورة الفقهية في إباحة منهي ضعف دليله وتدنت مرتبته في سلم المنهيات وفي معناه الأصولي كلي أورث عدم اعتباره مشقة وحرجاً للعامة وأدى اعتباره إلى سهولة ويسر فكان أصلاً لعقود منصوصة حادت عن قياس أو خرجت عن قاعدة كلية أو أدى إليها اجتهاد مجتهد استصلاحاً أو استحساناً.
أصل المشروعية في أن النصوص المتعلقة بالضرورة نصوص واضحة محددة تتعلق برفع حرج وشدة من نوع خاص.
والنصوص التي ترجع مشروعية الحاجة إليها تتعلق برفع الحرج بصفة عامة أعم من تلك التي قبلها وأقل تحديداً.
وهذان الفرقان بين الضرورة وبين الحاجة ثابتان في الضرورة بالمعنى الأصولي (الضروري) ومتعلقها مستمر، أي أن الحكم الملحق من أجلها على خلاف القياس مستمر بناء على دليل الاستحسان أو المصلحة المرسلة وفي الضرورة بالمعنى الفقهي ومتعلقها مؤقت من باب الرخصة بالمعنى الأخص وهي تغيير حكم لعذر مع علة الحكم الأصلي.
وفي الحاجة بمعنى الحاجي وهو المعنى الأصولي ومتعلقها مستمر أي أن الحكم ثابت بها مستمر سواء كان منصوصاً معللاً بها كالسلم والإجارة …إلى آخره، أو منسوباً إليها استحساناً كالاستصناع للحاجة والتعامل أو استصلاحاً كجواز تلاوة الحائض عند مالك.
والحاجة بمعنى الحاجي يشترط فيها أن تكون عامة وأما الحاجة الفقهية وهي كالضرورة الفقهية لأنها ملحقة بها وتوسيع لمعناها وهذه ترفع الحرج مؤقتاً بخلاف الضرورة بمعناها الفقهي فإنها تبيح مع قياس النص المانع صريحاً فيما توجد فيه فترفعه مؤقتاً وتشاركها الحاجة الفقهية في التوقيت لكنها تختلف معها في مرتبة دليل الحكم الذي ترفقه فالأولى ترفع حكماً دليله قطعي كالنص بدليله الظاهر والاقتضاء والإشارة والمفهوم والقياس.(1/339)
أما الثانية فإنها ترفع حكماً دليله ظني كحال العام وبخاصة العام الضعيف في نوادر الصور كما أسلفنا وهذا الاختلاف في طبيعة الدليل الذي تواجهه كل منهما ناشئ عن اختلاف المشقتين فالمشقّة في محل الضرورة هي مشقّة كبرى بينما المشقّة في محل الحاجة هي مشقّة وسطى.
أما الضرورة بمعنى الضروري عند الأصوليين فإنها تكون تأصيلاً لأحكام منصوصة من الشارع أو مجتهد فيها عن طريق المصلحة المرسلة.
يكمن الفرق بين الضروري والحاجي في أن ما كان من قبيل الضروريات فهو أرفع مرتبة مما كان من قبيل الحاجيات تأصيلاً وتعليلاً، فما كان من الضروريات من حفظ نفس ودين ونسل ومال وعقل يقع في المرتبة العليا من المصالح الشرعية ولهذا فإنه معتبر في غيبة الشاهد الخاص عند من يعمل بالمصالح المرسلة وهو مالك رحمه الله تعالى ولم يستبعده من لا يعمل بها كالغزالي في المستصفى بشروط وابن قدامة في الروضة.
أما الحاجيات فلتدني مرتبتها فإن الاستصلاح في محلها نفاه كثير من العلماء كالغزالي في المستصفى وابن قدامة في الروضة.
وهذا في رأيي هو القول الفصل وإن وضعها قاعدة فقهية أحدث ارتباكاً عند كثير من الباحثين حيث أباحوا بالحاجة دون استفصال ودون النظر في شروط الاستصلاح والاستحسان.
ولم ينتبهوا إلى أن الحاجة لا تؤثر فيما ثبت النهي عنه بأدلة قوية بحيث تعتبر في مرتبة قوية من مراتب النهي فلا تؤثر في تحريم الخمر والميتة والدم . بل إنما تؤثر في عموم ضعيف كثرت أفراده وتناوله التخصيص وإنما تؤثر في مرتبة المنهيات لا توصف بأنها في أعلى درجات المنهيات فمن المعلوم أن محرّمات المقاصد ليست كمحرّمات الوسائل والذرائع وهذه فروق دقيقة توزن بميزان دقيق.
وباختصار فإن الفرق بين الضرورة وبين الحاجة يتجلى في ثلاث مراتب: مرتبة المشقّة ومرتبة النهي ومرتبة الدليل.
فإن الضرورة في المرتبة القصوى من المشقّة أو من الأهمية والحاجة في مرتبة متوسطة .(1/340)
والنهي الذي تختص الضرورة برفعه هو نهي قوي يقع في أعلى درجات النهي لأن مفسدته قوية أو لأنه يتضمن المفسدة فهو نهي المقاصد بينما تواجه الحاجة نهياً أدنى مرتبة من ذلك لأنه قد يكون نهي الوسائل .
أما مرتبة الدليل فإن الدليل الذي ترفع حكمه الضرورة قد يكون نصاً صريحاً من كتاب أو سنّة أو سواهما . أما الدليل الذي تتطرق إليه الحاجة فهو في الغالب عموم ضعيف يخصص، أو قياس لا يطرد في محل الحاجة، أو قاعدة يستثنى منها.
من خلال التعامل مع هذه المراتب الثلاث يتبين فقه الفقهاء وفطنة الأذكياء في التمييز بين الضرورة بمعنييها الفقهي والأصولي والحاجة بمعنييها الأصولي والفقهي.
تطبيقات معاصرة :
فيما يلي بعض التطبيقات المعاصرة لمبدأ الحاجة :
1 – فتوى المجلس الأوروبي بشأن شراء بيوت السكنى في ديار غير المسلمين:
نبدأ هذه التطبيقات بفتوى أثارت جدلاً في الساحة الفقهية وهي فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المتعلقة بقرار إباحة شراء بيوت السكنى في ديار غير المسلمين ترجيحاً لمذهب أبي حنيفة ومن قال بقوله انطلاقاً من مبدأ الحاجة.
نظر المجلس في القضية التي عمت بها البلوى في أوروبا وفي بلاد الغرب كلها، وهي قضية المنازل التي تشترى بقرض ربوي بواسطة البنوك التقليدية.
وقد قدمت إلى المجلس عدة أوراق في الموضوع ما بين مؤيد ومعارض قُرئت على المجلس، ثم ناقشها جميع الأعضاء مناقشة مستفيضة، انتهى بعدها بأغلبية أعضائه إلى ما يلي:
1- يؤكد المجلس على ما أجمعت عليه الأمة من حرمة الربا وأنه من السبع الموبقات، ومن الكبائر التي تؤذن بحرب من الله ورسوله، ويؤكد ما قررته المجامع الفقهية الإسلامية من أن فوائد البنوك هي الربا الحرام .(1/341)
2- يناشد المجلس أبناء المسلمين في الغرب أن يجتهدوا في إيجاد البدائل الشرعية التي لا شبهة فيها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً مثل (بيع المرابحة) الذي تستخدمه البنوك الإسلامية، ومثل تأسيس شركات إسلامية تنشئ مثل هذه البيوت بشروط ميسرة مقدورة لجمهور المسلمين، وغير ذلك.
3- كما يدعو التجمعات الإسلامية في أوروبا أن تفاوض البنوك الأوروبية التقليدية لتحويل هذه المعاملة إلى صيغة مقبولة شرعاً، مثل (بيع التقسيط) الذي يزاد فيه الثمن مقابل الزيادة في الأجل، فإن هذا سيجلب لهم عدداً كبيراً من المسلمين يتعامل معهم على أساس هذه الطريقة، وهو ما يجري به العمل في بعض الأقطار الأوروبية، وقد رأينا عدداً من البنوك الغربية الكبرى تفتح فروعاً لها في بلادنا العربية تتعامل وفق الشريعة الإسلامية، كما في البحرين وغيرها.
ويمكن للمجلس أن يساعد في ذلك بإرسال نداء إلى هذه البنوك لتعديل سلوكها مع المسلمين.
وإذا لم يكن هذا ولا ذاك ميسراً في الوقت الحاضر، فإن المجلس في ضوء الأدلة والقواعد والاعتبارات الشرعية، لا يرى بأساً من اللجوء إلى هذه الوسيلة وهي القرض الربوي لشراء بيت يحتاج إليه المسلم لسكناه هو وأسرته، بشرط ألا يكون لديه بيت آخر يغنيه، وأن يكون هو مسكنه الأساسي، وألا يكون عنده من فائض المال ما يمكنه من شرائه بغير هذه الوسيلة.
وقد اعتمد للمجلس في فتواه على مرتكزين أساسيين:
المرتكز الأول :(1/342)
قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) وهي قاعدة متفق عليها مأخوذة من نصوص القرآن في خمسة مواضع، منها قوله تعالى في سورة الأنعام : "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" ]الآية: 119[ . ومنها قوله تعالى في نفس السورة بعد ذكر محرّمات الأطعمة: "فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ]الآية:145[ومما قرره الفقهاء هنا أن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة.
والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلم في حرج وإن كان يستطيع أن يعيش بخلاف الضرورة التي لا يستطيع أن يعيش بدونها، والله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة بنصوص القرآن كما في قوله تعالى في سورة الحج : "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" ]الآية:78[، وفي سورة المائدة: "مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ" ]الآية:6[ والمسكن الذي يدفع عن المسلم الحرج هو المسكن المناسب له في موقعه وفي سعته وفي مرافقه بحيث يكون سكناً حقاً .
وإذا كان المجلس قد اعتمد على قاعدة الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، فإنه لم ينس القاعدة الأخرى الضابطة والمكملة لها، وهي أن ما أبيح للضرورة يقدّر بقدرها، فلم يجز تملّك البيوت للتجارة ونحوها .
والمسكن ولا شك ضرورة للفرد المسلم وللأسرة المسلمة، وقد امتن الله بذلك على عباده حين قال: "والله جعل لكم من بيوتكم سكناً" ]النحل: 80[(1/343)
وجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- المسكن الواسع عنصراً من عناصر السعادة الأربعة أو الثلاثة والمسكن المستأجر لا يلبي كل حاجة المسلم، ولا يشعره بالأمان وإن كان يكلف المسلم كثيراً بما يدفعه لغير المسلم ويظل سنوات يدفع أجرته ولا يملك منه حجراً واحداً، ومع هذا يظل المسلم عرضة للطرد من هذا المسكن إذا كثر عياله أو كثر ضيوفه، كما أنه إذا كبرت سنه أو قلّ دخله أو انقطع عرضة لأن يُرمى به في الطريق .
وتملك السكن يكفي المسلم هذا الهم، كما أنه يمكنه أن يختار المسكن قريباً من المسجد والمركز الإسلامي والمدرسة الإسلامية، ويهيئ فرصة للمجموعة المسلمة أن تتقارب في مساكنها عسى أن تنشئ لها مجتمعاً إسلامياً صغيراً داخل المجتمع الكبير، فيتعارف فيه أبناؤهم، وتقوى روابطهم، ويتعاونون على العيش في ظل مفاهيم الإسلام وقيمه العليا.
كما أن هذا يمكن المسلم من إعداد بيته وترتيبه بما يلبي حاجته الدينية والاجتماعية مادام مملوكاً له.
وهناك إلى جانب هذه الحاجة الفردية لكل مسلم الحاجة العامة لجماعة المسلمين الذين يعيشون أقلية خارج دار الإسلام، وهي تتمثل في تحسين أحوالهم المعيشية، حتى يرتفع مستواهم، ويكونوا أهلاً للانتماء إلى خير أمة أُخرجت للناس، ويغدوا صورة مشرقة للإسلام أمام غير المسلمين، كما تتمثل في أن يتحرروا من الضغوط الاقتصادية عليهم، ليقوموا بواجب الدعوة ويساهموا في بناء المجتمع العام، وهذا يقتضي ألاّ يظل المسلم يكد طول عمره من أجل دفع قيمة إيجار بيته ونفقات عيشه، ولا يجد فرصة لخدمة مجتمعه أو نشر دعوته.
المرتكز الثاني : (وهو مكمل للمرتكز الأول الأساسي)(1/344)
هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن الشيباني - وهو المفتى به في المذهب الحنفي – وكذلك سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وهو رواية عن أحمد بن حنبل، ورجحها ابن تيمية – فيما ذكره بعض الحنابلة – من جواز التعامل بالربا – وغيره من العقود الفاسدة – بين المسلمين وغيرهم في غير دار الإسلام .
ويرجح الأخذ بهذا المذهب هنا عدة اعتبارات، منها :
1- أن المسلم غير مكلف شرعاً أن يقيم أحكام الشرع المدنية والمالية والسياسية ونحوها مما يتعلق بالنظام العام في مجتمع لا يؤمن بالإسلام لأن هذا ليس في وسعه ولا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها، وتحريم الربا هو من هذه الأحكام التي تتعلق بهوية المجتمع وفلسفة الدولة واتجاهها الاجتماعي والاقتصادي . وإنما يطالب المسلم بإقامة الأحكام التي تخصه فرداً مثل أحكام العبادات وأحكام المطعومات والمشروبات والملبوسات وما يتعلق بالزواج والطلاق والرجعة والعدة والميراث وغيرها من الأحوال الشخصية بحيث لو ضيق عليه في هذه الأمور ولم يستطع بحال إقامة دينه فيها لوجب عليه أن يهاجر إلى أرض الله الواسعة ما وجد إلى ذلك سبيلاً.(1/345)
2- أن المسلم إذا لم يتعامل بهذه العقود الفاسدة – ومنها عقد الربا – في دار القوم، سيؤدي ذلك بالمسلم إلى أن يكون التزامه بالإسلام سبباً لضعفه اقتصادياً وخسارته مالياً، والمفروض أن الإسلام يقوّي المسلم ولا يضعفه، ويزيده ولا ينقصه، وينفعه ولا يضرّه، وقد احتج بعض علماء السلف على جواز توريث المسلم من غير المسلم بحديث أبي داود أن مُعاذاً قال سَمِعْتٌ رَسُولَ الله –صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: الإِسْلامُ يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ"فورث المسلم" أي يزيد المسلم ولا ينقصه، ومثله: " الإِسْلامُ يَعْلُو لا يُعْلَى " وهو إذا لم يتعامل بهذه العقود التي يتراضونها بينهم سيضطر إلى أن يعطي ما يطلب منه ولا يأخذ مقابله فهو ينفذ هذه القوانين والعقود فيما يكون عليه من مغارم ولا ينفذها فيما يكون له من مغانم، فعليه الغرم دائماً وليس له الغنم، وبهذا يظل المسلم أبداً مظلوماً مالياً بسبب التزامه بالإسلام، والإسلام لا يقصد أبداً إلى أن يظلم المسلم بالتزامه به، وأن يتركه – في غير دار الإسلام – لغير المسلم يمتصه ويستفيد منه، في حين يحرم على المسلم أن ينتفع من معاملة غير المسلم في المقابل في ضوء العقود السائدة والمعترف بها عندهم.
وما يُقال من أن مذهب الحنفية إنما يجيز التعامل بالربا في حالة الأخذ لا الإعطاء لأنه لا فائدة للمسلم في الإعطاء وهم لا يجيزون التعامل بالعقود الفاسدة إلاّ بشرطين الأول: أن يكون فيها منفعة للمسلم، والثاني : ألا يكون فيها غدر ولا خيانة لغير المسلم، وهنا لم تتحقق المنفعة للمسلم.
فالجواب: أن هذا غير مسلَّم، كما يدل عليه قول محمد بن الحسن الشيباني في السير الكبير، وإطلاق المتقدمين من علماء المذهب، كما أن المسلم وإن كان يعطي الفائدة هنا فهو المستفيد إذ به يتملك المنزل في النهاية.(1/346)
وقد أكّد المسلمون الذي يعيشون في هذه الديار بالسماع المباشر منهم وبالمراسلة: أن الأقساط التي يدفعونها للبنك بقدر الأجرة التي يدفعونها للمالك بل أحياناً تكون أقل. ومعنى هذا أننا إذا حرّمنا التعامل هنا بالفائدة مع البنك حرمنا المسلم من امتلاك مسكن له ولأسرته، وهو من الحاجات الأصلية للإنسان كما يعبّر الفقهاء، وربما يظل عشرين سنة أو أكثر يدفع إيجاراً شهرياً أو سنوياً ولا يملك شيئاً على حين كان يمكنه في خلال عشرين سنة – وربما أقل – أن يملك البيت .
فلو لم يكن هذا التعامل جائزاً على مذهب أبي حنيفة ومن وافقه لكان جائزاً عند الجميع للحاجة التي تنزل أحياناً منزلة الضرورة في إباحة المحظور بها.
ولاسيما أن المسلم هنا إنما يؤكل الربا ولا يأكله، أي هو يعطي الفائدة ولا يأخذها والأصل في التحريم منصب على (أكل الربا) كما نطقت به آيات القرآن، وإنما حرم الإيكال سداً للذريعة كما حرمت الكتابة له والشهادة عليه فهو من باب تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد .
ومن المعلوم أن أكل الربا المحرّم لا يجوز بحال، أما إيكاله – بمعنى إعطاء الفائدة – فيجوز للحاجة، وقد نصّ على ذلك الفقهاء وأجازوا الاستقراض بالربا للحاجة إذا سدت في وجهه أبواب الحلال .
ومن القواعد الشهيرة هنا : أن ما حرم لذاته لا يباح إلاّ للضرورة، وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة، والله الموفق.
وتعليقنا على هذا القرار : نقول عنه باختصار إنه لا يبيح التعامل بإطلاق بالربا في ديار غير المسلمين كما هو مقتضى مذهب أبي حنيفة ومن قال بقوله لكنه يبيحه في حالة الحاجة الشخصية التي لا تتجاوز محلها فهو ترجيح مقيد بالحاجة طبقاً لشروط الترجيح بالحاجة التي نقلناها عن مالك.
وإن كنت لا اتفق مع صياغة بعض الفقرات وبخاصة فيما يتعلق بالقول أن الحاجة وحدها تكفي في إباحة هذا التعامل.(1/347)
والحقيقة أن الحاجة لا تكفي في إباحة الربا وإنما تعتمد الفتوى على قول العلماء القائلين بهذا مرجحاً بأصل عام شهد الشرع باعتباره وهو الحاجة والتيسير.
2 – قرار مجمع الفقه الإسلامي : 63(1/7) بشأن شراء أسهم في شركات تتعامل أحياناً بالربا: فيما يلي بعض البنود التي وردت بقرار مجمع الفقه الإسلامي فيما يختص بهذا الموضوع :إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7 – 12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9-14 مايو 1992م .
بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "الأسواق المالية" الأسهم، الاختيارات، السلع، بطاقة الائتمان، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي :
أولاً ـ الأسهم :
1- الإسهام في الشركات :
أ-بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز .
ب-لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرّم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرّمات أو المتاجرة بها.
ج-الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرّمات كالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.
2 – تحديد مسؤولية الشركات المساهمة المحدودة :
لا مانع شرعاً من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها، لأن ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشركة.
ثانياً ـ التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة :
السلع : يتم التعامل بالسلع في الأسواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي:
الطريقة الأولى : أن يتضمن العقد حق تسليم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجود السلع أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه. وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثانية : أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق.(1/348)
وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثالثة: أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد أجل ودفع الثمن عند التسليم وأن يتضمن شرطاً يقتضي أن ينتهي فعلاً بالتسليم والتسلم وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين، ويمكن أن يعدّل ليستوفي شروط السلم المعروفة فإذا استوفى شروط السلم جاز . وكذلك لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلماً قبل قبضها.
- الطريقة الرابعة : أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمّة في موعد أجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن يتضمن العقد شرطاً يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يمكن تصفيته بعقد معاكس . وهذا هو النوع الأكثر شيوعاً في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلاً.
وتعليقنا على هذا القرار المتعلق بالأسواق المالية نرى أن المجمع تارة لم يعتبر الحاجة لما عارضها من الدليل الذي يجعل اعتبارها ملغي وتارة اعتبرها . فعلى سبيل المثال :
1- الفقرة (ج) : الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرّمات كالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة .
وبهذا يرى المجمع أن الربا لا تبيحه الحاجة ولا عبرة بقلته بالنسبة لأعمال الشركة وأنشطتها باعتبار ذلك وصفاً طردياً والمجمع في ذلك كان مصيباً كل الإصابة لأن الربا كما أسلفنا في مرتبة من النهي لا تبيحها إلاّ الضرورة.
وكان بودي أن تُحذف كلمة (الأصل) التي أصبح البعض يتذرّع بها لإباحة الاشتراك في هذه الشركات بدعوى التطهير، وقد بيّنا خطأ ذلك في بحث آخر.
2-قرر المجمع أن لا مانع شرعاً من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محددة برأس مالها .
والمجمع تجاوز عن مشكلة الديون التي على الشركة فإن أصحابها وإن كانوا يعلمون أنها مرتبطة برأس مال الشركة فإنهم مع ذلك إنما تعاقدوا مع أرباب الشركة وهذا القرار فرع عن الاعتراف بالشخصية المعنوية والأصل في الشريعة اعتبار الذمّة الشخصية والمجمع قرر ذلك للحاجة.(1/349)
3-في الفقرة الأخيرة من الطريقة الثالثة قرر المجمع أنه ( لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلماً قبل قبضها ) ولم يعتبر الحاجة مع أن مذهب مالك والأوزاعي جواز ذلك ما لم تكن السلعة طعاماً .
هذه القرارات تدل على تعامل حذر مع مبدأ الحاجة، ولعل بحثنا هذا يسهم في إيضاح معايير التعامل مع الحاجة.
بالإضافة إلى ما تقدم فقد منع المجمع عقود التوريد في قرارات سابقة وأكّد هذا المنع في دورته الأخيرة بالرياض بتاريخ 25 جمادى الثانية 1421هـ ، ماعدا ما يتعلق منها بالاستصناع بناءً على تأجيل العوضين.
والذي يظهر لي: أن عقود التوريد من المجالات التي تدخل فيها الحاجة لعدم وجود نص فيها وقد أجاز مالك تأجيل العوضين في السلم بشرط لثلاثة وإلى غاية أجل المسلم بلا شرط النقد وأجازه في الاستجرار في الشراء من دائم العمل كالخباز.
وأجازه في أكرياء الحج وهو كراء مضمون تأجل فيه العوضان بحاجة الناس إلى ذلك وقد نقلنا كلام ابن سراج عن المواق وفيه أن مالك : "أجاز تأخير النقد في الكراء المضمون".(التاج والإكليل:5/390) .
قال خليل :( أو في مضمونه لم يشرع فيها إلاّ كراء حج فاليسير) وكان مالك يرى أن لا بد أن ينتقد ثلثي الكراء في المضمونة إلى أجل، ثم رجع وقال :" قد اقتطع الأكرياء أموال الناس فلا بأس أن يؤخروهم بالنقد ويعربونهم الدينار وشبهه " (التاج والإكليل: 5/3939) .
قلت : قوله (ويعربونهم) أي : يعطونهم عربوناً .
كما أجيز الاستصناع للحاجة وقد أقر المجمع جوازه مع أن جواز تأجيل العوضين مذهب ابن المسيب رضي الله عنه.
وأنا أرى إعمال الحاجة في مثل هذه العقود مما لم يرد فيه نص إذا ثبتت الحاجة المعتبرة التي يؤدي عدم ارتكابها إلى مشقة وحرج يلحق العامة بغض النظر عن تحقق ذلك في آحاد صورها وقد شرحنا رأينا في تأجيل البدلين في بحثنا في البورصات المقدم إلى المجلس الأوروبي للإفتاء .
النتائج :(1/350)
في هذا الفصل عرفنا الضرورة لغة بأنها الضيق والشدة والحاجة وأنها اصطلاحاً " أمر إذا لم يرتكبه المضطر هلك أو قارب الهلاك " في معناها الأخص وأنها تطلق على الحاجة . وأنها أصولياً الكلي الذي ينتظم المحافظة على ضرورات الحياة الخمس من جهة الوجود ومن جهة العدم . وبيّنا أصل مشروعية الضرورة .
وعرّفنا الحاجة لغة بأنها الافتقار إلى الشيء وذلك هو المأربة والمأربة هي الحاجة.
وعرّفناها اصطلاحاً بأنها ما نزل عن الضرورة بحيث يؤدي فقده إلى مشقة وقلق وحصوله إلى سعة وتبسط.
ثم إن الحاجة منها ما هو حاجة عامة بشرية وهذه تحدث حكماً مستمراً وهي من باب الكلي الذي لا يجب تحققه في آحاد صوره فتكون أساساً للاستحسان والاستصلاح.
وحاجة خاصة فقهية تعتبر توسيعاً للضرورة تعطي حكمها وتقدر بقدرها وأنها رخصة بالمعنى الأخص، وذكرنا أمثلة لذلك وناقشنا وضع قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة في القواعد الفقهية وأخرجنا أصلها الأصولي مسلسلاً من الجويني إلى تلاميذه.
كما أوضحنا أن قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة ليست على إطلاقها وإن الحاجي لا يمكن أن يكون نداً للضرورة الفقهية وأن الأمثلة التي ذكروها منها – وهو أغلبها – منصوصة في الشرع فما معنى كون الحاجة تنزل منزلة الضرورة فيه إلاّ أنه استثناء من أصل يفيد التحريم كما الضرورة استثناء من نصوص تقضي بالتحريم.
وما عدا هذه المقارنة الجزئية فلا يبدو تنزيلها منزلة الضرورة مطرداً حتى يكون قاعدة فقهية قد بيّنا أنه لا تبيح ما كان النهي فيه قوياً كمحرمات المقاصد فلم تنزل منزلة الضرورة فيها.
وأشرنا إلى تفاوت درجة النهي في المنهيات وبيّنا أنها لا تواجه نصاً بالرفع ولا ترفع عامّاً في كل مدلوله بل ترفع جزئية من جزئياته وهي في الغالب جزئية تنتمي إلى العام بضعف وتلك نكتة لم يطلع عليها الباحثون وقد أيدناها بالاستقراء.(1/351)
كما أبدينا أوجهاً أخرى تدخل فيها الحاجة حيث لا يكون الخلل في العقد مقصوداً أو حيث يكون الغرض من العقد معروفاً أو فيه شائبة المعروف والارتفاق أو يكون الخلل تابعاً وليس متبوعاً، أو تتوخى الحاجة مواقع الخلاف لتكون مرجحاً لقول مرجوح عرف قائله وثبت عزوه.
وأجملنا الفروق الجوهرية في المراتب الثلاث: مرتبة المشقّة، ومرتبة النهي، ومرتبة الدليل.
وهكذا اتضحت الخطوط الدقيقة للفرق بين الضرورة والحاجة التي فصلناها في القائمة الملحقة.
وذكرنا بعض التطبيقات من قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة تراوحت بين الإقدام والإحجام طبقاً لتقدير النهي والحاجة والتفاتاً في الغالب إلى وجود نقل يستأنس به أو أصل يعتمد عليه بعد أن ذكرنا قراراً واحداً للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وعلقنا على هذه القرارات تعليقاً موجزاً دون مناقشة قد تطول وتخرجنا عن سياق المطلوب في هذا البحث وأبدينا وجهة نظرنا الخاصة التي توافق قرارات المجمعين أو تخالف وتباين القرارات وبخاصة في مسألة تأجيل البدلين.
كل ذلك باختصار تارة بالعبارة الصريحة أو بالإشارة السريعة التي يفهمها أهل الاختصاص.
الفروق :
من حيث التعريف : الضرورة شدة وضيق ومشقّة تبيح المحرّم كالميتة والدم ولحم الخنزير ومال الغير والحاجة : افتقار ونقص فهي أعم من الضرورة .
الضرورة : أدلتها نصوص واضحة، والحاجة : أدلتها عمومات.
الضرورة الفقهية : لا تحتاج إلى نص في كل حالة تنزل فيها بل إن الإذن بها عام سوى ما استثنى لأدلة أخرى وقرائن . والحاجة : تفتقر إلى نص لإثبات اعتبارها وأكثر الأمثلة المذكورة كالإجارة والقراض والمساقاة منصوصة.
الضرورة : ترفع النص وغيره، والحاجة مجالها هو تخصيص العموم عند من يراها وبخاصة ما كان تناوله بالعموم ضعيفاً، وقد تخالف قياساً وتستثنى من قاعدة.
الضرورة : أثرها مؤقت محدود بها والحاجة العامة أثرها مستمر.(1/352)
الضرورة شخصية لا ينتفع بها غير المضطر والحاجة لا يشترط فيها تحقق الاحتياج في آحاد أفرادها.
الضرورة رخصة بالمعنى الأخص والحاجة العامة ليست رخصة بالمعنى الأخص.
الضرورة ترفع نهياً في مرتبة عليا من سلم المنهيات كما ترفع غيره.
والحاجة لا ترفع نهياً في مرتبة عليا من مراتب النهي بل تتوخى محرّمات الوسائل دون محرمات المقاصد.
الضرورة تبيح العقود التي يكون الخلل فيها أصلياً أو تابعاً والحاجة تبيح العقد الذي يكون فيه الخلل تابعاً ومضافاً.
الضرورة تبيح الكثير واليسير والحاجة تبيح اليسير لا الكثير.
الضرورة تبيح الخلل المقصود وغيره، والحاجة تبيح غالباً الخلل غير المقصود في العقد.
الضرورة لا تختص بعقد دون آخر، والحاجة تبيح الممنوع أحياناً في سياق إرفاق ومعروف دون قصد المكايسة.
الضرورة لا تفتقر إلى خلاف، والحاجة ترجح الضعيف في محل الاختلاف بشروط.
وأخيراً لعلنا بهذه الفروق التي تسجل لأول مرة بهذه الطريقة أسهمنا في تجلية هذه المسألة أو على الأقل بيّنا الوجهة الصحيحة التي يجب على الباحثين أن ينموها والمسالك التي ينبغي للدارسين أن يسلكوها، وناقشنا مناقشة غير مسبوقة قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة في القواعد الفقهية مع أننا لا ندعي الاستيعاب.
وبالنسبة لفقه الأقليات فإن هذه القاعدة بالإضافة إلى الأمثلة المذكورة في أثناء البحث لها علاقة حميمة بكثير من مسائل فقه الأقليات وتمثل أساس الترجيح في القضايا الخلافية كالجمع بين الصلاتين لحاجة المغترب العامل بناء على ما ذهب إليه طائفة من الفقهاء منهم أشهب من المالكية وابن المنذر من الشافعية وابن سيرين وابن شبرمة إلى جواز الجمع لحاجة ما لم يتخذ ذلك عادة.(1/353)
قال ابن المنذر: يجوز الجمع في الحضر من غير خوف ولا مطر ولا مرض. وهو قول جماعة من أهل الحديث لظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما: إن النبي- صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر". فقيل لابن عباس لم فعل ذلك قال: أراد أن لا يحرج أمته
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-6946
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [8/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [8/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
8/2/1427
08/03/2006
رابعاً: قاعدة العرف:
هو ما يتعارف عليه الناس كالمعروف والعارفة وحجية العرف مستفادة من الكتاب والسنّة قال تعالى:"وللمطلقات متاع بالمعروف" "ومتّعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره" وقال تعالى: "من أوسط ما تطعمون أهليكم" وفي الحديث:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
ومن ما يستدل به لحجية العرف السنّة التقريرية كتقرير النبي –صلى الله عليه وسلم- للناس على صنائعهم وتجاراتهم . وقدم النبي – صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين. متفق عليه.
وقد أقرَّ – صلى الله عليه وسلم - القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية. رواه مسلم.
قال القرافي: وأما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرّحون بذلك فيها"شرح تنقيح الفصول ص 488،ويُراجع كتاب(العرف للدكتور عادل عبد القادر قوتة ص 129)
ولهذا اعتبرته المذاهب الفقهية فقد ورد عن الأحناف رحمهم الله تعالى حمل بعضهم قوله عليه الصلاة والسلام: "الطعام بالطعام". على البُر لأنه كان طعامهم . ذكر ذلك إمام الحرمين في البرهان ( 1 /446) .(1/354)
وعن مالك أنه خصص قوله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن" بالعرف قائلاً : إن المرأة الشريفة لا ترضع بناءً على العرف وهو يوجب الرضاع على غيرها (القرطبي 3/161).
أما الشافعي فالذي رآه أن عرف المخاطبين لا يوجب تخصيص لفظ الشارع.(البرهان 1/446)
ولكن الشافعي قد يأخذ بالعرف في ترتيب الأحكام على كلام الناس.
قال الرافعي: الشافعي يتبع مقتضى اللغة تارة وذلك عند ظهورها وشمولها وهو الأصل ، وتارة يتبع العرف إذا استمر واطرد . وقال ابن عبد السلام: قاعدة الأيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة.( السيوطي في الأشباه والنظائر ص67)
أما الإمام أحمد فإنه يقول في الجائحة: إني لا أقول في عشر ثمرات ولا عشرين ثمرة ولا أدري ما الثلث ولكن إذا كانت جائحة تعرف الثلث أو الربع أو الخمس توضع) وقال ابن قدامة إنه ظاهر المذاهب.(المغني6/179).
ما نُقل يدل على أن العرف قد يكون أساساً لاستنباط الحكم فيخصص العام في دليل الاستحسان، إلاّ أن العرف قد يكون أساساً لتغير الفتوى لهذا فإن العلماء فيما يتعلق بالعرف لم يفرقوا بين مجتهد ولا مقلّد.
قال في مراقي السعود في تعريف الاستحسان :
أَوْ هو تَخْصِيصُ بعُرْفٍ مَا يَعُمّْ *** ورعْيَ الاسْتِصْلاحِ بعضَهُم يَؤمّْ
ومن الواضح أنهم يرون أن المقلد يتصرف طبقاً للعرف فيمكن أن يراجع مذهب إمامه على ضوئه ، بل إنه يخالف ظاهر النص بسبب اختلاف العرف الذي كان قائماً عليه على خلاف في هذه المسألة لأنه من باب تحقيق المناط وبهذا الصدد نذكر اختلافهم في تغير العرف بالنسبة لضمان ما أتلفته الماشية كما في حديث ناقة البراء ، فإن على أهل الحوائط حفظ حوائطهم بالنهار وعلى أهل الماشية حفظ ماشيتهم بالليل ، وفي حال تغير العرف بأن كان أهل الحوائط يحفظونها ليلاً وأهل الماشية يحفظونها نهاراً.(1/355)
قال السيوطي: كما لو جرت عادة قوم بحفظ زرعهم ليلاً ومواشيهم نهاراً فهل ينزل ذلك منزلة العرف العام في العكس وجهان والأصح نعم.(الأشباه والنظائر ص 67) و (العرف د.عادل قوته ، ص215) .
كذلك نجد أن أبا يوسف يرى جواز معيار العد فيما معياره الوزن عند تغير العادة مع ورود النص.
قال في الدر المختار: وما نصّ الشارع على كونه كيليّاً كبُر وشعير وتمر وملح أو وزنياًّ كذهب وفضة فهو كذلك لا يتغير أبداً .. إلى قوله .. لأن النص أقوى من العرف فلا يترك الأقوى بالأدنى وما لم ينص عليه حمل على العرف وعن الثاني اعتبار العرف مطلقاً ورجحه الكمال.
قوله : ورجحه الكمال حيث قال عقب ما ذكرناه ولا يخفى أن هذا لا يلزم أبا يوسف لأن قصاراه أنه كنصه على ذلك وهو يقول يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناءً على أن تغير العادة يستلزم تغيّر النص حتى لو كان عليه الصلاة والسلام حياً نصَّ عليه.
وأطال ابن عابدين حيث أوضح: أن النص معلول بالعرف فيكون هو المعتبر في أي زمان كان. (حاشية ابن عابدين 4/112)
وقال أيضاً في رسالته " نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف" : فهذا كله وأمثاله دلائل واضحة على أن المفتي ليس له الجمود على المنقول في كتب ظاهر الرواية من غير مراعاة الزمان وأهله وألاّ يضيّع حقوقاً كثيرة ويكون ضرره أكثر من نفعه.(رسائل ابن عابدين ، 2-131)
" ليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما بظاهر الرواية ويتركا العرف ، والله أعلم.(نفس المرجع ، ص133)(1/356)
وله أيضاً : ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد أنه لابد فيه من معرفة عادات الناس ، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغيّر عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولا للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن أحكام ، ولهذا ترى مشايخ المذاهب خالفوا ما نصَّ عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمانهم لقال بما قالوا به أخذا من قواعد مذهبه.(رسائل ابن عابدين 2/125)
وقد عبّر العلماء عن ذلك تعبيراً قوياً فقال ابن القيّم في تغيّر الفتوى واختلافها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيّات والعوائد : هذا فصل عظيم النفع جداً وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله –صلى الله عليه وسلم-. (ابن القيّم ، إعلام الموقعين 3 /11)(1/357)
ومن تغير الفتوى بتغير الزمان قول الأحناف الأصل في المرأة إذا قبضت معجل صداقها تلزم بمتابعة زوجها حيث شاء ولكن المتأخرين من أهل المذهب لا حظوا فساد الأخلاق وغلبة الجور على النساء فأفتوا بأن المرأة لا تجبر على السفر مع زوجها إلى مكان إذا لم يكن وطنا لها وذلك لفساد الزمان والأخلاق وعلى هذا استقرت الفتوى والقضاء في المذهب .( المدخل للشيخ الزرقاء ص928)
وأجاز متأخروا الأحناف أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلوم الشرعية .
وفي مذهب مالك: أجاز المتأخرون بيع العقار الموقوف بشروط وأصل المذهب منع ذلك.
وهذه الشروط هي : أن يكون العقار خربا وليس في غلته ما يصلحه ولا يوجد من يقوم بإصلاحه تطوعا .
وأجاز أهل الأندلس صرف غلات الأحباس في غير المصرف الموقوف عليه.
وحلف المتأخرون من علماء فاس الشهود على شهادتهم لفساد الزمان فقال الفاسي في عملياته :
وحَلَفَ ابْنُ سُودَةَ الشُّهودَا *** مِنَ اللفِيفِ لفُجُورِ زِيدَا .
وفي المذهب الشافعي: اعتبر المتأخرون من علماء المذهب المقصد العرفي في الأيمان والمعاملات دون مقتضى اللغة الذي كان المعتبر في أصل المذهب.
قال القرافي في "الأحكام ":… إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغيّر تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغيّر الحكم فيه عند تغيّر العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة وليس هذا تجديداً للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد، بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد".(القرافي، الأحكام ص218) .(1/358)
(ثم اعلم) أن كثيراً من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناء على ما كان في عرفه وزمانه قد تغيرت بتغير الأزمان بسبب فساد أهل الزمان أو عموم الضرورة كما قدمناه من إفتاء المتأخرين بجواز الاستئجار على تعليم القرآن وعدم الاكتفاء بظاهر العدالة مع أن ذلك مخالف لما نص عليه أبو حنيفة ومن ذلك تحقق الإكراه من غير السلطان مع مخالفته لقول الإمام بناء على ما كان في عصره إن غير السلطان لا يمكنه الإكراه ثم كثر الفساد فصار يتحقق الإكراه من غيره فقال محمد باعتباره، وأفتى به المتأخرون.
الدخول بها بأنها لم تقبض ما أشترط لها تعجيله من المهر مع أنها منكرة للقبض وقاعدة المذهب أن القول للمنكر لكنها في العادة لا تسلم نفسها قبل قبضه. وكذا قالوا في قوله كل حل على حرام يقع به الطلاق للعرف قال مشايخ بلخ وقول محمد لا يقع إلا بالنية أجاب به على عرف ديارهم أما في عرف بلادنا فيريدون به تحريم المنكوحة فيحمل عليه نقله العلامة قاسم ونقل عن مختارات النوازل إن عليه الفتوى لغلبة الاستعمال بالعرف ثم قال قلت ومن الألفاظ المستعملة في هذا في مصرنا الطلاق يلزمني الحرام يلزمني وعلي الطلاق وعلي الحرام .هـ
وكذا مسألة دعوى الأب عدم تمليكه البنت الجهاز فقد بنوها على العرف مع أن القاعدة أن القول للمملك في التمليك وعدمه وكذا جعل القول للمرأة في مؤخر صداقها مع أن القول للمنكر. وكذا قولهم المختار في زماننا قولهما في المزارعة والمعاملة والوقف لمكان الضرورة والبلوى. وقول محمد بسقوط الشفعة إذا أخر طلب التملك شهرا دفعا للضرر عن المشتري.(1/359)
ورواية الحسن بأن الحرة العاقلة البالغة لو زوجت نفسها من غير كفء لا يصح. وإفتاؤهم بالعفو عن طين الشارع للضرورة وبيع الوفاء والاستصناع والشرب من السقا بلا بيان مقدار ما يشرب. ودخول الحمام بلا بيان مدة المكث ومقدار ما يصب من الماء. واستقراض العجين والخبز بلا وزن وغير ذلك مما بني على العرف وقد ذكر من ذلك في الأشباه مسائل كثيرة.
(فهذه) كلها قد تغيرت أحكامها لتغير الزمان إما لضرورة وإما للعرف وإما لقرائن الأحوال وكل ذلك غير خارج عن المذهب لأن صاحب المذهب لو كان في هذا الزمان لقال بها ولو حدث هذا التغير في زمانه لم ينص على خلافها وهذا الذي جرأ المجتهدين في المذهب وأهل النظر الصحيح من المتأخرين على مخالفة المنصوص عليه من صاحب المذهب في كتب ظاهر الرواية بناء على ما كان في زمنه كما مر تصريحهم به في مسألة كل حل علي حرام من أن محمداً بنى ما قاله على عرف زمانه وكذا ما قدمناه في الاستئجار على التعليم.(1/360)
(فإن قلت) العرف يتغير مرة بعد مرة فلو حدث عرف آخر لم يقع في الزمان السابق فهل يسوغ للمفتي مخالفة المنصوص واتباع العرف الحادث. (قلت) نعم فإن المتأخرين الذين خالفوا المنصوص في المسائل المارة لم يخالفوه إلا لحدوث عرف بعد زمن الإمام فللمفتي أتباع عرفه الحادث في الألفاظ العرفية وكذا في الأحكام التي بناها المجتهد على ما كان في عرف زمانه وتغيير عرفه إلى عرف آخر إقتداء بهم لكن بعد أن يكون المفتي ممن له رأي ونظر صحيح ومعرفة بقواعد الشرع حتى يميز بين العرف الذي يجوز بناء الأحكام عليه وبين غيره فإن المتقدمين شرطوا في المفتي الاجتهاد وهذا مفقود في زماننا فلا أقل من أن يشترط فيه معرفة المسائل بشروطها وقيودها التي كثيرا ما يسقطونها ولا يصر حون بها اعتمادا على فهم المتفقه وكذا لابد له من معرفة عرف زمانه وأحوال أهله والتخرج في ذلك على أستاذ ماهر ولذا قال في آخر منية المفتي لو أن الرجل حفظ جميع كتب أصحابنا لابد أن يتتلمذ للفتوى حتى يهتدي إليه لأن كثيراً من المسائل يجاب عنه على عادات أهل الزمان فيما لا يخالف الشريعة. انتهى.
وفي القنية ليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما على ظاهر المذهب ويتركا العرف. انتهى.
ونقله منها في خزانة الروايات وهذا صريح فيما قلنا من أن المفتي لا يفتي بخلاف عرف أهل زمانه.
(وفي) تصحيح العلامة قاسم فإن قلت قد يحكون أقوالاً من غير ترجيح وقد يختلفون في التصحيح قلت يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغيير العرف وأحوال الناس وما هو إلاّ رفق بالناس وما ظهر عليه التعامل وما قوى وجهه ولا يخلوا الوجود من تمييز هذا حقيقة لا ظناً بنفسه ويرجع من لم يميز إلى من يميز لبراءة ذمته.(1/361)
(فهذا) كله صريح فيما قلنا من العمل بالعرف ما لم يخالف الشريعة كالمكس والربا ونحو ذلك فلا بد للمفتي والقاضي بل والمجتهد من معرفة أحوال الناس وقد قالوا ومن جهل بأهل زمانه فهو جاهل وقدمنا أنهم قالوا يفتى بقول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لكونه جرب الوقائع وعرف أحوال الناس.
وقالوا إذا زرع صاحب في الأرض أرضه ما هو أدنى مع قدرته على الأعلى وجب عليه خراج الأعلى قالوا وهذا يعلم ولا يفتى به كيلا يتجرأ الظلمة على أخذ أموال الناس.
وكذا قال في فتح القدير قالوا لا يفتى بهذا لما فيه من تسلط الظلمة على أموال المسلمين إذ يدعى كل ظالم أن الأرض تصلح لزراعة الزعفران ونحوه وعلاجه صعب. انتهى. (فقد) ظهر لك أن جود المفتي أو القاضي على ظاهر المعقول مع ترك العرف والقرائن الواضحة والجهل بأحوال الناس يلزم منه تضييع حقوق كثيرة وظلم خلق كثير.
(ثم أعلم) أن العرف قسمان عام وخاص فالعام يثبت به الحكم العام ويصلح مخصصا للقياس والأثر بخلاف الخاص فإنه يثبت به الحكم الخاص ما لم يخالف القياس أو الأثر فإنه لا يصلح مخصصا.
تحقيق المناط:
والمناط هو العلة من النوط أي التعليق فالحكم معلق بها ، تقول ناط به نوطاً أي علقه.قال حسان :
وَأَنْتَ زَنِيمُ نيطَ في آلِ هاشِمٍ *** كَما نيطَ خَلفَ الراكِبِ القَدَحُ الفَردُ
ويُقال هو منه مناط الثريا ، أي : بعيد ، وهو تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع علة حكم ما في محله بنص أو إجماع فيبين المجتهد وجودها في الفرع. (شرح مختصر الروضة 2/233)
قال في مراقي السعود :
تَحقيقُ عِلَّةٍ عَلَيْها ائْتُلِفا *** في الفَرْعِ تَحْقيقَ مَناطِ عُرِفا
كتحقيق الطوافة في الفأرة فيحكم لها بحكم الهرة. وهو تطبيق القاعدة الشرعية المتفق عليها أو المنصوص عليها. وتحقيق المناط لا ينقطع فيه الاجتهاد إذ لا يمكن التكليف إلاّ به كما قال الشاطبي ، وأمثلته كثيرة وهي التي ركز عليها الفقهاء. (نشر البنود 2 /208)(1/362)
وقال الشاطبي: الاجتهاد على ضربين : أحدهما لا يمكن أن ينقطع حتى ينقطع التكليف وذلك عند قيام الساعة ، والثاني يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا . فأما الأول فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط وهذا الذي لا خلاف فيه بين الأمّة في قبوله ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله.(الموافقات4 /89-90)
خامساً:قاعدة النظر في المآلات:
ومما يصب في جداول المصلحة ويسير في دربها قاعدة النظر في المآلات في الأقوال والأفعال وقد نص الشاطبي على أن المفتى عليه أن ينظر في مآل فتواه.
وقد كان الإمام الشاطبي من أوفى من شرح هذا المدلول الاصطلاحي كما يقول الدكتور عبد المجيد النجار ونص الشاطبي : "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدّى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعة ربما أدّى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوى أو تزيد فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغبّ جار على مقاصد الشريعة".(الموافقات5/177-178)(1/363)
وأصل ذلك قوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" وقوله –صلى الله عليه وسلم-: لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم " وقوله في تعليل انصرافه عن قتل المنافقين:دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه أخاف أن يتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه " البخاري.
وهكذا فإن الصحابة فهموا مقصد الشارع والمقاصد هي المعاني التي تعتبر حكما وغايات التشريع فتصرفوا طبقا لذلك فهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يترك تغريب الزانى البكر مع وروده في الحديث حيث قضى عليه الصلاة والسلام بجلده مائة وتغريب سنة وذلك لما شاهد من كون التغريب قد يؤدي إلى مفسدة أكبر وهى اللحاق بأرض العدو وقال لا أغرب مسلما.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : كفى بالنفي فتنة.
وأيضا فإن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمّا تولى الملك أجل تطبيق بعض أحكام الشريعة فلمّا استعجله ابنه في ذلك أجابه بقوله : "أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعونه جملة ويكون من ذا فتنة".(الموافقات 2/148)
وقد فهم ذلك العلماء فرتبوا عليه أولويات الأمر والنهي فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية حينما مر بقوم من التتار يشربون الخمر فنهاهم صاحبه عن هذا المنكر فأنكر عليه ذلك قائلا : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذّرية وأخذ الأموال فدعهم .( إعلام الموقعين 3/13)
وقد قال الشاطبي إنه ينبغي على المجتهد : "النظر فيما يصلح بكل مكلف في نفسه بحسب وقت دون وقت وحال دون حال وشخص دون شخص إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزّان واحد ...فهو يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها بناء على أن ذلك هو المقصود الشرعي في تلقي التكاليف".(الموافقات 5/55)(1/364)
وسد ذرائع الحرج والمشقة وقد يسميه البعض بفتح الذرائع لأنه ترك لبعض فضائل الأعمال خوفاً من إعنات المكلفين كما ترك عليه الصلاة والسلام تأخير صلاة العشاء قائلا: هذا وقتها لولا أن أشق على أمتي".
وصار الأفضل مفضولاً خوفاً من المشقة.
وكذلك ترك الأمر بالسواك عند كل صلاة وكذلك الجمع بين الصلاتين من غير عذر فقال ابن عباس: لئلا يحرج أمته.
وترك بناء البيت على قواعد إبراهيم لحدثان عهد القوم بالكفر فيفتنون.
وترك قتل أهل النفاق المشهود عليهم بالكفر لما في ذلك من تشويه صورة الدين وتنفير الناس منه.
وترك بعض الصحابة لذبح الأضحية يوم العيد وترك عثمان رضي الله عنه للقصر في الحج خوفا من أن يقول جهلة الناس: إن الصلاة أصبحت ركعتين.
وترك عمر رضي الله عنه لإصدار بيان على الناس يشرح فيه قضية الشورى واختيار الحكام بناء على نصيحة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حتى لا يساء فهمه ويطير الناس إلى أقطارهم بتصورات خاطئة.
وعلى هذا ينبني كثير من قرارات المجلس الأوربي حيث يمنع أئمة المساجد من عقد النكاح قبل أن يعقد عقداً مدنياً أمام السلطة لأن من شأن تلك العقود وإن كانت مستوفية الشروط أن تؤل إلى خصومات وربما حرمان المرأة من حقوقها وحرمان الأولاد من نسبهم لعدم توثيق العقد وهذا من باب النظر في المئالات.
وقاعدة ارتكاب أخف الضررين وجلب المصالح ودرء المفاسد فكما يقول ابن تيمية : إن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وعلى هذا تعطل أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما ويرتكب أخف الشرين والضرين لتفويت أقصاهما.
ويقول الشاطبي: وقد يرتكب النهي الحتم إذا كانت له مصلحة راجحة ومثل بمسألة تقرير الزاني وفيها النطق بالكلمة التي ينهى عنها في غير هذا المقام.( 3/331)(1/365)
وبناء عليه فقد وضع المالكية قاعدة جريان العمل وهي قاعدة من خلالها يرجح قول كان في الماضي مرجوحاً ليصبح القول الضعيف راجحاً فيترك مشهور المذهب وراجحه ويعمل بهذا القول لكنهم ضبطوا ذلك بضوابط...
... كان مخالفاً للمشهور وهذا ظاهر إذا تحقق استمرار تلك المصلحة وذلك السبب وهذا ظاهر إذا تحقق استمرار تلك المصلحة وذلك السبب و إلا فالواجب الرجوع إلى المشهور هذا هو الظاهر.( البناني 5/124)
ومن المهم أن نعرف لماذا عدل العلماء عن المشهور والراجح إلى القول الضعيف؟
والجواب كما يقول السجلماسي في شرحه :"إن أصل العمل بالشاذ وترك المشهور الاستناد لاختبارات شيوخ المذهب المتأخرين لبعض الروايات والأقوال لموجب ذلك كما بسطه ابن الناظم في شرح تحفة والده من الموجبات تبدل العرف أو عروض جلب المصلحة أو درء المفسدة فيرتبط العمل بالموجب وجوداً وعدماً ولأجل ذلك يختلف باختلاف البلدان ويتبدل في البلد الواحد بتبدل الأزمان".( شرح نظم العمل المطلق 1/7)
وقد قدمنا أن شروط العمل بالضعيف ثلاثة : أن لا يكون القول المعمول به ضعيفاً جداً وأن تثبت نسبته إلى قائل يُقتدى به علماً وورعاً وأن تكون الضرورة محققة ومعناها الحاجة.
وقد يعتبر البعض أن هذا من باب التساهل في الفتوى المنهي عنه وليس الأمر كذلك فمعنى التساهل عند ابن الصلاح : "هو أن لا يتثبت" الفقيه" ويُسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر . وربما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعة والإبطاء عجز ومنطقة وذلك جهل. ولأن يُبطئ ولا يخطئ أكمل به من أن يعجل فيضل ويُضل وقد يكون تساهله وانحلاله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلباً للترخيص على من يروم نفعه أو التغليظ على من يريد ضره ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه".( أدب الفتوى وشروط المفتى لابن الصلاح ص 65).
سادساً: قاعدة: قيام جماعة المسلمين مقام القاضي:(1/366)
ويتفرع عليها: تصرفات المراكز الإسلامية في قضايا الأقلية المسلمة الشرعية ومستندها شرعا.ونحن نفصل الكلام فيه على ما يأتي :
إن الشريعة الإسلامية رتبت شئون الناس بناء على حكمة بالغة ومصالح قائمة وفي نفس السياق حددت المسئوليات و إناطتها بجهات معينة مكلفة بما اصطلح على تسميته"بالخطط الشرعية".
ومن هذه الخطط القضاء ويتولاه قضاة يعينهم ولي الأمر بمواصفات معروفة في كتب الفقه أولها العلم والديانة. وحيث أنه لا يوجد في المهجر قضاة شرعيون فإن المراكز الإسلامية يمكن أن تمنح صفة شرعية لفض بعض النزاعات وحسم بعض الخلافات بين المسلمين طبقا لما سماه الفقهاء تارة بجماعة المسلمين ومرة بالعدول الذين يقومون مقام القاضي وذلك أن الإمام في الأصل نائب عن الجماعة فلا يستبعد أن تنوب الجماعة إذا تعذر وجوده لما ورد في الأثر موقوفاً على ابن مسعود "ما رءاه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن" وقد صرح العلماء بأن جماعة المسلمين تقوم مقام القاضي عند عدمه وفي حالات نادرة في وجوده كما سنقف عليه.
وقد نص المالكية في باب أحكام زوجة المفقود على أن جماعة المسلمين تقوم مقام القاضي قال خليل في مختصره: "فصل ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي ووالي الماء و إلا فلجماعة المسلمين".
قال الحطاب وأما جماعة المسلمين فلا يصح ضربهم الأجل أي لزوجة المفقود إلا عند فقد من ذكر( القاضي - الوالي - ووالي الماء) ( مواهب الجليل 4/155)
وفى شرح المواق : (وقال القابسي وغيره من القرويين لو كانت المرأة في موضع لا سلطان فيه لرفعت أمرها إلى صالحي جيرانها ليكشفوا عن خبر زوجها ويضربوا لها أربعة أعوام ثم عدة الوفاة وتحل للأزواج لأن فعل الجماعة في عدم الإمام كحكم الإمام ) التاج والإكليل 4/156)
وقال الزرقاني عند قوله(فلجماعة المسلمين) من صالحي جيرانها وغيرهم العدول من معظم البلد لأنهم كالإمام الواحد كاف.( 4/211)(1/367)
وقال الدردير في الشرح الصغير على أقرب المسالك : "أو لجماعة المسلمين عند عدمه" ولو حكما كما في زمننا بمصر إذ لا حاكم فيها شرعي ويكفي الواحد من جماعة المسلمين إن كان عدلا عارفا شأنه أن يرجع إليه في مهمات الأمور بين الناس لا مطلق واحد وهو مجمل كلام العلامة الأجهوري وهو ظاهر لا خفاء به والاعتراض عليه تعسف.( 2/694)
والدردير في آخر كلامه يرد اعتراض البناني على قيام الواحد مقام القاضي وأصل كلام البناني للشيخ المسناوي.
ومثله فسخ البيع الفاسد انظر شرح ابن جماعة وكلام أبي الحسن الذي أشار إليه هو في كتاب المكاتب ونصه بعد أن ذكر عن أبي عمران أن المكاتب إذا بعث لسيده بكتابته فلم يقبلها لا يخرج عن الرق حتى يقضي عليه القاضي بذلك إلا أن يكون ببلد لا حاكم فيه فليشهد ويكون ذلك كالحكم.
الشيخ انظر جعل أبي عمران هذا الإشهاد مقام الحكم وكذلك في المحارب وكذلك في الهبات . وإذا ترك بنتا وعصبة ولا إمام.
وذكر ابن يونس في كتاب الحمالة أن جماعة العدول تقوم مقام الإمام.انتهى وقال البرزلي في أثناء مسائل الأقضية سئل السيوري عمن غاب إلى مصر وله زوجة لم يخلف لها نفقة إلا ما لا يفي بصداقها ( هكذا) وليس في البلد قاض وربما كان فيه أمين من قبله فحلف بالمشي إلى مكة أنه لا يحكم فيه ولا ينظر في طلاق وربما كان بين البلد والأمير نحو ثمانية أميال والخوف بينهم عام وربما انجلى الخوف وفي بعض الأوقات فهل تقوم الجماعة مقام القاضي في هذه النازلة وغيرها أو يجب على أمينه أن يحنث نفسه ويحكم أم لا ؟(1/368)
جوابها: لعدم القضاة أو لكونهم غير عدول فجماعتهم كافية في الحكم في جميع ما وصفته وفي جميع الأشياء فيجتمع أهل الدين والفضل فيقومون مقام القاضي في ضرب الآجال والطلاق وغير ذلك قال البرزلي قلت: تقدم أن الجماعة تقوم مقام القاضي إلا في مسائل تقدم شيء منها. وانظر مسائل السلم من البرزلي والجهاد من المشذالي وقد ذكر بعض كلامه في الوصايا وفي الأقضية شيء من ذلك والله أعلم ( مواهب الجليل 4/199)
وإذا كانت بعض الظواهر تفيد اعتبار الحاكم فقط دون العدول ( جماعة المسلمين) كقول خليل: "وفي إرسالها القول قولها إن رفعت من يومئذ لحاكم لا لعدول وجيران" فإنما ذلك مع وجود السلطان حيث يختلف العلماء في اعتبار العدول مع وجود السلطان كما يشير إليه النقل في هذه المسألة إذ يقول المواق عند النص المتقدم: وأما إن رفعت أمرها إلى عدول بلدها والثقات من جيرانها ولم ترفع أمرها إلى السلطان فإحدى الروايتين أن ذلك ليس بشيء وعلى هذه الرواية العمل وبها الفتيا وصوب الشيخ أبو الحسن الرواية الأخرى وأن رفعها إلى الجيران كرفعها إلى السلطان وكثير من النساء لا ترضى الرفع إلى السلطان وتراه معرة وفسادا مع زوجها إن قدم.
ابن عرفة الذي استمر عليه قضاة بلدنا أن الرفع إلى العدول كالرفع إلى السلطان.
ويقول ابن فرحون في كتابه "التبصرة" : تنعقد ولاية القضاء بإجماع ذوي الرأي وأهل العلم والمعرفة والعدالة لرجل منهم كملت فيه شروط القضاء وهذا حيث لا يمكنهم مطالعة الإمام في ذلك.( 1/ 201 بحاشية نوازل عليش)
وفي المعيار للونشريسي ما نصه : "إذا لم يكن بالبلد قاض زوج صالحوا البلد من أراد التزويج".
وسئل أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي عن امرأة أرادت التزويج وهي ثيب ولا حاكم بالبلد وأولياؤها غيب ترفع أمرها إلى فقهاء البلد فيأمر من يزوجها وكيف إذا لم يكن بالبلد عالم ولا قاض أترفع أمرها إلى عدول البلد في البكر والثيب ؟(1/369)
فأجاب: إذا لم يكن بالبلد قاض فيجتمع صالحوا البلد ويأمرون بتزويجها.
" كل بلد لا سلطان فيه فعدول البلد وأهل العلم يقومون مقامه في إقامة الأحكام"
وسئل أيضا عن بلاد المصامدة ربما لم يكن عندهم سلطان وتجب الحدود على السراق وشربة الخمر وغيرهم من أهل الفساد هل لعدول ذلك الموضع وفقهائه أن يقيموا الحدود إذا لم يكن سلطان وينظرون في أموال اليتامى والغيب والسفهاء ؟
فأجاب بأن قال: ذلك لهم وكل بلد لا سلطان فيه أو فيه سلطان يضيع الحدود أو سلطان غير عدل فعدول الموضع وأهل العلم يقومون في جميع ذلك مقام السلطان.
وسئل أيضا عن بلد لا قاضي فيه ولا سلطان أيجوز فعل عدوله في بيوعهم واشريتهم ونكاحهم؟
فأجاب:بأن العدول يقومون مقام القاضي والوالي في المكان الذي لا إمام فيه ولا قاضي.
قال أبو عمران الفاسي : أحكام الجماعة الذين تمتد إليهم الأمور عند عدم السلطان نافذ منها كل ما جرى على الصواب والسداد في كل ما يجوز فيه حكم السلطان وكذلك كل ما حكم فيه عمال المنازل من الصواب ينفذ.(المعيار10/102-103)
وفي "الدر النثير" لأبن الهلال في باب الغصب أن جماعة العدول في البلاد السائبة تنوب عن السلطان حيث يتعذر الإنهاء إليه في كل حكم وكذلك إن كان السلطان غير عدل أو يضيع الحدود.
وفي كتاب "شكر النعمة بنشر الرحمة" للعلامة محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي عند كلامه على شروط تزويج اليتيمة : وفي شرط إثبات موجبات نكاحها عند قاض قولان ثم استطرد قائلا "تنبيه" إن فقد القاضي فالجماعة تقوم مقامه في كل شيء.)
وفي مجموع النوازل الموريتانية نوازل نصوا فيها على أن جماعة المسلمين تقوم مقام القاضي ومنها تطليق الناشز يقول ابن حمى الله الشنقيطي في نظمه للنوازل :
ولا يَحِلُ تَركُ نَاشِزِ عَلى *** عِصْيَانِهَا والزُّوجُ حَتْماً قَبِلا
فِدَاءَها بِمَا أَحَبَ مُمْكِنا *** إلا يُطَلِقَها عَلَيهِ الأُمَنا(1/370)
وقاعدة قيام الجماعة مقام الحاكم والقاضي معروفة في المذهب المالكي على اختلاف في دخولها في بعض النوازل.
وفي المذاهب الفقهية الأخرى إشارات نلتقط بعضها باختصار فمن ذلك قول العلامة أبي يعلى الفراء الحنبلي في الأحكام السلطانية: ولو أن بلدا خلا من قاض أجمعوا على أن قلدوا عليهم قاضيا نظرت فإن كان الإمام موجودا بطل التقليد وإن كان مفقودا صح ونفذت أحكامه.(الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص73)
ويقول ابن عابدين في الحاشية: وفي بلاد عليها ولاة كفار فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين.( 3/253)
وقال قبل ذلك : ويتفرع على كونها دار حرب أن الحدود والقود لا يجري فيها.(نفس الصفحة)
فيفهم من كلامه أن من تراضى عليه المسلمون يمكن أن يحكم بينهم فيما سوى الحدود والدماء.
تطليق القاضي غير المسلم المرأة المسلمة:
إن هذه المسألة في كتب الفروع محسومة فغير المسلم ليس أهلا للحكم في شئون المسلمين لا قاضيا ولا حكما لقوله تعالى "وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً" والآية وردت بصورة الخبر ويراد به الأمر كما يقول الشاطبي وسلب أهلية القضاء والحكم عن غير المسلم أمر لا خلاف فيه فيما أعلم.(1/371)
ومع ذلك فإن أوضاع المسلمين في ديار غير المسلمين حيث لا يسمح بإنشاء محاكم إسلامية يتحاكمون أمامها وتخضع منازعاتهم بالكلية لقوانين قضاة البلد الذي يقيمون فيه تجعل حالهم مندرجا ضمن الضرورات التي لها أحكامها والتي تتخذ من المصالح معيارا للحكم والإمكان والاستطاعة أساسا للتكليف لقوله تعالى"فاتقوا الله ما استطعتم" ولهذا رأى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء أن أحكام المحاكم غير المسلمة ينفذ بالطلاق لما يترتب على عدم ذلك من وجود حالة من التعليق يكون الرجل متمسكا بعصمة زوجته وتكون فيها المرأة مرسلة خارج بيت الزوجية مستندة إلى الحكم الصادر من المحكمة وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى وجعلوا في حيثيات القرار الذي استند إلى تقرير فضيلة الشيخ الفقيه فيصل مولوي أن الزوج بعقده للنكاح في ظل قوانين هذا البلد التي تسمح للقاضي غير المسلم بإيقاع الطلاق كأنه وَكَّلَ القاضي غير المسلم بحل العصمة بدلا منه وهي وكالة ممتدة طيلة بقاء النكاح بين الزوجين.
وفي هذا التخريج من البعد ما لا يخفى "فالأعم كما يقول العلماء لا أشعار له بأخصّ معين" فعقد النكاح في تلك البلاد قد يكون صاحبه ذاهلا وغافلا عن مسألة الطلاق فضلا عن أن يكون عاقدا توكيلا – فكل ما احتاج إلى إذن فإنه يحتاج إلى صريحه كما تقول القاعدة – أخذا من الحديث: الثيب تعرب.(1/372)
ومع ما تقدم فإن القول بإنفاذ الطلاق لا يبعد وذلك بإيجاب طلاق الزوجة على الزوج وعلى جماعة المسلمين أن يحكموا بهذا الطلاق حتى لا تظل الزوجة على معصية كما قدمنا عن المالكية في الزوجة الناشز درءا للمفسدة وتوسيعا لمفهوم إنفاذ أحكام قضاة الجور المسلمين المولّين من طرف الكفار ليشمل القضاة الكفار درءا للمفسدة التي أشار إليها العز بن عبد السلام في الحالة الأولى حيث قال: ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلبا للمصالح العامة ودفعا للمفاسد الشاملة إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة لفوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها ممن هو أهل لها وفي ذلك احتمال بعيد.( القواعد 1/66)
وحيث يقول أيضا في الشهادة وهي صنو القضاء: بل لو تعذرت العدالة في جميع الناس لما جاز تعطيل المصالح المذكورة بل قدمنا أمثل الفسقة فأمثلهم و أصلحهم للقيام بذلك فأصلحهم بناء على أنا إذا أمرنا بأمر أتينا منه بما قدرنا عليه ويسقط عنا ما عجزنا عنه ولا شك أن حفظ البعض أولى من تضييع الكل وقد قال شعيب عليه السلام ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) وقال الله تعالى"فَـﭑتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ" فعلق تحصيل مصالح التقوى على الاستطاعة فكذلك المصالح كلها.( 2/219)(1/373)
وقال سيدي عبد الله الشنقيطي في " طرد الضوال والهمل عن الكروع في حياض العمل" : (فرع) شهادة اللفيف حيث وجد المستورون أما إذا كان أهل البلد كلهم فساقا فقد نقل القرافي في الذخيرة عن ابن أبي زيد إن لم يوجد في جهة إلا غير العدول أقيم أصلحهم وأقلهم فجورا للشهادة عليهم ويلزم مثل ذلك في القضاة وغيرهم لكيلا تضيع المصالح . قال وما أظن أنه يخالف أحد في هذا فإن التكليف مشروط بالإمكان . وفي المذهب لابن رشد أن الموضع إذا لم يكن فيه عدل قبلت شهادة أفضلهم ومثل هذا عن أحمد بن نصر.(ص25)
بل تجوز شهادة الكفار قال خليل المالكي في باب الخيار: وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين".
والكافر يشهد عند أبي حنيفة على مثله ويشهد في الوصية عند أحمد على المسلم بناء على قوله تعالى"أو آخران من غيركم" يراجع القبس (3/884)
وسبق كلام ابن عابدين في أن القاضي في دار الحرب يكون قاضيا بالتراضى بين المسلمين وأضاف : وعلى المسلمين أن يطلبوا منهم أن يعينوا لهم قاضيا .
وفي الختام: فقد القينا نظرة عجلى على وضع المسلمين في ديار غير المسلمين حيث تبين أن أوضاعهم أوضاع ضرورة بالمعنى العام لهذه الكلمة مما يقتضي اجتهاداً فقهياً بمعنى من معاني الاجتهاد الثلاثة المشار إليها وهو اجتهاد يستنفر النصوص والمقاصد والفروع والقواعد وقد رشحنا جملة من القواعد من خلالها يتعامل الفقيه مع قضايا فقه الأقليات وهي قواعد أساسها التيسير ورفع الحرج بضوابطه وشروطه وركزنا على الصق هذه القواعد بموضوع النازلة وهي قاعدة : إقامة جماعة المسلمين مقام القاضي.
باعتباره مستند تخويل المراكز الإسلامية صلاحية البت في قضايا التنازع بين الزوجين وبخاصة في دعوى الضرر وإيقاع الطلاق والخلع.(1/374)
وواصلنا حديثنا بكلمة عن أحكام التطليق والتفريق الصادر من قضاة غير المسلمين حيث اعتبرناها غير شرعية تصحح بأثر رجعي من طرف جماعة المسلمين تجنبا للحرج الديني وابتعادا عن المفاسد بحسب الإمكان.
ولما تقدم فإنه يجوز للمراكز الإسلامية وما في حكمها مما يعتبر مرجعا لجماعة المسلمين أن تقرر تطليق المرأة التي قد صدر لها حكم من محكمة غير إسلامية أو لم يصدر لها حكم ورفع الزوجان أمرهما إليها.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7020
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [9/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [9/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
1/3/1427
30/03/2006
الفصل الثالث: أمثلة لمسائل من فقه الأقليات
المثال الأول: حكم إقامة الأقلية المسلمة في ديار الأكثرية غير المسلمة.
أولاً: اعلم أن تعريف الدار أمر مختلف فيه بين من يرى "أن دار الإسلام هي كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة". كما في البدائع والصنائع.
أو "دار الإسلام هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام" حسب تعريف ابن القيم ناسباً للجمهور.
فهل العبرة بالأحكام أم بالسكان ؟ وهل العبرة بجريان الأحكام في وقت من الأوقات حتى ولو احتلها الكفار كما يراه الشافعي ؟
وما هو نوع الأحكام هل هي الأحكام السلطانية من حدود وغيرها أم يكفي أن تقام الشعائر ؟
وهل تكون الدار مركبة إذا كان للكفار السلطان مع إسلام السكان كما يراه شيخ الإسلام ابن تيمية ؟
لعلي أعفي القارئ من هذه الخلاف العريض الذي لا يوجد فيه دليل حاسم لأقول:
إن دار الإسلام هي كل دولة أكثر سكانها من المسلمين وحكامها مسلمون حتى ولو كانوا لا يطبقون بعض الأحكام الشرعية.
ودار غير المسلمين هي كل دولة أكثر سكانها غير مسلمين وحكامها غير مسلمين.(1/375)
والدار المركبة تتمثل في الدول الفدرالية فيها مسلمون وغير مسلمين. تحتفظ كل ولاية منها بسلطة سن القوانين. كما في نيجريا.
إذا كان الأمر ذكر فمسألة الإقامة قد اختلف فيها العلماء فذهب المالكية وابن حزم من الظاهرية في المحلى إلى أنه لا تجوز إقامة المسلم في دار غير المسلمين سواء خشي الفتنة أم لم يخشها لعدة أحاديث أصحها و أصرحها حديث الترمذي وأبي داود وفيه مقال " أَنَا بَرِيءُ مِنْ كُلَّ مُسْلِمِ يُقِيمُ بَيْنَ أظْهُرِ المُشْرِكِينْ ". حتى قال ابن حزم من دخل إليهم لغير جهاد أو رسالة من الأمير فإقامة ساعة إقامة . "أي حرام".
ومالك رحمه الله تعالى له رأي خاص في مسألة الإقامة في دار المعصية حتى أنه لا يجيز الإقامة ببلد يسب في الصحابة أو السلف الصالح.
ومن جهة المعقول أن المسلم يعرض نفسه للهوان ويشاهد المناكر.
والقول الثاني: قول جمهور الفقهاء وهم الأحناف والحنابلة والشافعية حيث أباحوا الإقامة للقادر على إظهار دينه الذي تتوفر له الحماية.
حيث قال الشافعية: أو قدر على الامتناع والاعتزال ثمَّ، ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقامه واجباً لأن محله دار الإسلام فلو هاجر لصارت دار حرب.( نهاية المحتاج8/ )
ودليلهم كما يقول الشافعي أن النبي عليه الصلاة والسلام أذن لقوم أسلموا بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم منهم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
وقال ابن حجر نقلا عن الماوردي: إذا قدر المسلم على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت للبلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يرتجى من دخول غيره في الإسلام.( فتح الباري 7/230)
وإسلام النجاشي وبقاؤه في قومه وقوله عليه الصلاة والسلام عنه " مَاتَ اليَوْمَ رَجُلُ صَالِحُ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلى أَخيكُمْ أََصْحَمَةَ." كما في البخاري .
وهذا الخلاف إنما هو إذا كان المسلم قادراً على إظهار شعائر دينه وممارسة عبادته.(1/376)
أما إذا كان المسلم معرضاً للفتنة في دينه ومدعو للانسلاخ منه بالكلية فيجب عليه الفرار بدينه من تلك الديار إلى دار الأمن والأمان إذا وجد دار إسلام فذلك المطلوب وإلا فدار كفر لا يفتن فيها عن دينه.
ومع ما تقدم من تفصيل الحالتين حالة الأمن على إظهار الدين الذي قال فيه بعض الشافعية بوجوب البقاء وقال فيه البعض الآخر بأن البقاء أفضل.
وحالة خوف الفتنة في الدين والحمل على الخروج من الدين وهي حالة لا رخصة فيها وتجب فيها الهجرة فإن الجمهور يستحبون للمسلم أن يهجر دار الكفر كما يظهر من مراجعة المبسوط والمعيار والمجموع والمغنى وفتح الباري.
ويتأكد طلب الخروج من ديارهم إذا كان لا يستطيع تربية أبنائه تربية إسلامية أو كان بيته مهدداً بالتحلل الأخلاقي ووجد سبيلاً إلى الإقامة في بلد إسلامي فيه بقية من الأخلاق.
فالعبرة في الموازنة بين البلدان من حيث الصلاح والفساد انظر مغنى المحتاج.(4/284)
والمسألة في بقاء المسلم في ديار غير المسلمين ترجع إلى قاعدة التيسير وتنزيل الحاجات والمشقات منزلة الضرورات وهي القواعد التي أشرنا إليها فعلى المسلم أن يقدر ضروراته وحاجاته بقدرها كما أن "العولمة" وانفتاح العالم بعضه على بعض لها تأثير على تقدير الحاكم.
وجاء في العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة: وإذا كانت المصلحة العائدة على طائفة المسلمين ببقائه ظاهرة كأن يكون له مدخل في بعض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب أن يبقى.
وسيأتي مزيد بيان في فتاوى المجلس الأوربي.
أما الجنسية فهي فرع عن الإقامة ويعرض لها ما يعرض للإقامة من عوارض التحريم عند الخوف من الخروج من الدين عليه أو على أولاده إذا وجد بلداً لا فتنة فيه.
أو الكراهة إذا كان لا يخاف الكفر إلا أنه يشاهد المناكر ويجد بلداً أقل مناكر.
أو الجواز عند التساوي.
أو الوجوب عندما توجد مصلحة قوية للإسلام والمسلمين في بقائه أو تحصل مفسدة في انتقاله.(1/377)
أو الاستحباب عندما يقوم بالدعوة إلى الدين مع وجود غيره من الدعاة.
وهي أمور تحتاج إلى تحقيق المناط والنظر في المآلات التي أشرنا إليها في جملة القواعد الآنفة الذكر.
المثال الثاني : ما هو تأثير المكان على أحكام التكليف؟ وبعبارة أخرى هل الدار موطن رخصة فتبيح المحظور وتسقط الواجب وترجح من الخلاف ؟
هذا السؤال يشتمل على شقين أولهما تأثير الدار في إباحة بعض المحظورات وفي أحكام التكليف بصفة عامة.
وللعلماء في هذه المسألة مذهبان :
مذهب الجمهور وهو أن المكان لا تأثير له في أحكام التكليف وأن العزائم والرخص متساوية في دار الإسلام ودار غير المسلمين وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد في الصحيح من مذهبيهما ولا يعرف فيه خلاف كبير عن الصحابة سوى ما نقل عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وقد عبر الشافعي عن هذا الاتجاه بعبارات واضحة قوية حيث قال: ومما يوافق التنزيل والسنة ويعقل المسلمون ويجتمعون عليه أن الحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله على ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً.( الأم 4/165)
وذهب الجمهور إلى هذا بناء على عموم النصوص وعدم تخصيصها في الزمان يدل على عدم تخصيصها في المكان.
ذكر القرافي في الفرق التاسع والسبعين والمائة : بين قاعدة معاملة أهل الكفر وقاعدة معاملة المسلمين" قول مالك أكره معاملة المسلم بأرض الحرب للحربي بالربا وجوز أبوحنيفة الربا مع الحربي لقوله عليه السلام: لا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمِ وحَرْبِي".
"لا رِبَا إِلا بَيْنَ المُسْلِمينَ". والحربي ليس بمسلم.
ووافقنا الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم أجمعين لأن الربا مفسدة في نفسه فيمتنع من الجميع ولأنهم مخاطبون بفروع الشريعة لقوله تعالى(وحرم الربا) وعموم نصوص الكتاب والسنة يتناول الحربي.
قال اللخمي وغيره : إذا ظهر الربا بين المسلمين فمعاملة أهل الذمة أولى.(1/378)
وعلل ذلك بأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة على أحد قولي العلماء.
أما المذهب الثاني فيرى تأثير المكان في الأحكام. فبعض المعاملات التي تحرم في بلاد المسلمين تجوز في ديار غير المسلمين.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وسفيان الثوري وإبراهيم النخعي وهو رواية عن أحمد وقول عبد الملك بن حبيب من المالكية.
وقد عبر عن هذا الاتجاه بعبارات واضحة الحاكم الحنفي في كتابه "الكافي" حيث قال : وإن بايعهم - غير المسلمين بدار غير المسلمين - الدرهم بالدرهمين نقداً أو نسيئة أو بايعهم بالخمر والخنزير والميتة فلا بأس بذلك لأن له أن يأخذ أموالهم برضاهم في قولهما - أبي حنيفة ومحمد بن الحسن - ولا يجوز شيء من ذلك في قول أبي يوسف.(ابن عابدين الحاشية 3/248)
ولا نتردد في كون هذا مذهب أبي حنيفة في ديار غير المسلمين بإطلاق ونتوقف مع إطلاق دار الحرب فالحكم عندهم لدار غير المسلمين وإن كانت دار موادعة.
فقد قال السرخسي إن الدار بالموادعة لا تصير دار إسلام وذكر نقولاً عن أبي عبيد في كتابه " الأموال" يجيز معاملات غير مشروعة في دار الموادعة مما يدل على أن مفهوم دار الحرب هي دار غير المسلمين.
وكذلك لا تردد في مسألة أن تكون الزيادة للمسلم شرطاً في جواز المعاملة كما ذكره متأخروا الأحناف بل العبرة أن يكون المسلم منتفعاً سواء كانت الزيادة له أو لغيره كما يدل عليه كلام الإمام محمد في السير الكبير في قضية "ضع وتعجل".
أدلة هذا المذهب:
ما قدمناه من مرسل مكحول و حديث جابر بن عبد الله أنّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع : " ألا إنَّ كُلَّ رباً كَانَ فِي الجَاهِليَّةِ فَهْو مَوضُوعُ وأَولُ رِباً يُوضَعُ رِبَا العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.(رواه أبو داود في المناسك ؟)(1/379)
وفي هذا ما يدل على إجازة الربا مع أهل الحرب في دار الحرب على ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف لأن مكة كانت دار حرب وكان بها العباس بن عبد المطلب مسلماً إما من قبل بدر - على ما ذكره ابن إسحاق من أنه اعتذر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - لمّا أسر يوم بدر وأمره أن يفتدي فقال له إني كنت مسلما ولم أخرج لقتالك إلا كرهاً فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم -:" أَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَكَ". أو من قبل يوم فتح خيبر – كما ذكره ابن إسحاق على ما دل عليه حديث الحجاج بن علاط من إقراره للنبي – صلى الله عليه وسلم - بالرسالة وتصديقه ما وعده الله به وقد كان الربا يوم فتح خيبر محرماً على ما روي أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم - أتي بقلادة وهو بخيبر من غنائمها فيها ذهب وخرز فأمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وبيع وحده. وقال الذهب بالذهب وزناً بوزن. ( أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/292)
فلمّا لم يردَّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم - ما كان من رباه بعد إسلامه - إما من قبل بدر أو من قبل خيبر- إلى أن ذهبت الجاهلية بمكة وإنما وضع منه ما كان قائما لم يقبض دل ذلك على إجازته إذ حكم له بحكم ما كان من الربا قبل تحريمه وبحكم الربا بين أهل الذمة والحربيين إذا أسلموا.
وحديث الحجاج بن علاط الذي دل على أن العباس كان مسلماً حين فتح خيبر.(1/380)
هو ما روى أنس بن مالك عنه أنه قال للنبي –صلى الله عليه وسلم - حين فتح خيبر: إن لي بمكة أهلاً ومالاً وقد أردت أن آتيهم فإن أذنت لي أن أقول فعلت فأذن له رسول الله –صلى الله عليه وسلم - في ذلك فأتى مكة وأشاع بها أن أصحاب محمد قد استبيحوا وأني جئت لآخذ مالي فأبتاع من غنائمهم ففرح بذلك المشركون واختفى من كان بها من المسلمين فأرسل العباس بن عبد المطلب غلامه إلى الحجاج يقول له ويحك ما جئت به ؟ فما وعد الله به ورسوله خير مما جئت به فقال له اقرأ على أبي الفضل السلام وقل له ليخل لي معه بيتاً فإن الخبر على ما يسره فلمّا أتاه الغلام بذلك قام إليه فقبل ما بين عينيه.ثم أتاه الحجاج بن علاط فخلا به في بعض بيوته وأخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قد فتحت عليه خيبر وجرت فيها سهام المسلمين واصطفى رسول الله –صلى الله عليه وسلم - منها صفية لنفسه وأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أباح له أن يقول ما شاء ليستخرج ماله وسأله أن يكتم ذلك عليه ثلاثاً حتى يخرج ففعل فلمّا أخبر بذلك بعد خروجه فرح المسلمون ورجع ما كان بهم من كآبة على المشركين والحمد لله رب العالمين. ( أخرجه ابن حبان ونقلته بالمعنى واختصرت منه كثيراً لطوله وبالله التوفيق).
واحتج الطحاوي لإجازة الربا مع أهل الحرب في دار الحرب بحديث ثور بن زيد الديلي أنه قال بلغني أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم - قال: أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية و أيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام".( أخرجه مالك في الموطأ).
وإنما اختلف أهل العلم فيمن أسلم وله ثمن خمر أو خنزير لم يقبضه : فقال أشهب والمخزومي هو له حلال سائغ بمنزلة ما لو كان قبضه وقال ابن دينار وابن أبي حازم يسقط الثمن عن الذي هو عليه كالربا وأكثر مذاهب أصحابنا على قول أشهب والمخزومي.( ابن رشد المقدمات 2/11)(1/381)
ابن تيمية في المحرر حيث قال : الربا محرم في دار الإسلام والحرب إلا بين مسلم وحربي لا أمان بينهما.( المحرر 1/318)
كما ورد ذكره كذلك عن آخرين من علماء الحنابلة كما ورد عن بعض علماء المالكية القول بكراهية ذلك وعدم تحريمه ففي البيان والتحصيل لابن رشد الجد قوله : وكذلك الربا مع الحربي في دار الحرب مكروه وليس بحرام لأنه لمّا جاز له أن يأخذ من ماله ما لم يؤتمن عليه لم يحرم عليه أن يربي معه فيه وكره من أجل أنه لم يأخذه على الوجه الذي أبيح له أخذ ماله وإنما أخذه بما عامله عليه من الربا. (البيان والتحصيل 17/291)
وقد روي عن أحمد أنه قال: لا يحرم الربا في دار الحرب.( الفروع لابن مفلح 4/147)
في الدر المختار: وحكم من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر كحربي فللمسلم الربا معه خلافاً لهم.( الحاشية 5/186)
وفي بدائع الصنائع للكاساني عند حديثه عن شرائط جريان الربا قال : ومنها: أن يكون البدلان متقومين شرعاً وهو أن يكونا مضمونين حقاً للعبد فإن كان أحدهما غير مضمون حقا للعبد لا يجري فيه الربا وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا دخل المسلم دار الحرب فبايع رجلا أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا درهما بدرهمين أو غير ذلك من البيوع الفاسدة في دار الإسلام أنه يجوز عند أبي حنيفة وعندهما لا يجوز لأن العصمة وإن كانت ثابتة فالتقوم ليس بثابت عنده.(بدائع الصنائع 5/192)
يقول السرخسي في المبسوط : وإن بايعهم المستأمن إليهم الدرهم بالدرهمين نقداً أو نسيئة أو بايعهم في الخمر والميتة والخنزير فلا بأس بذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولا يجوز شيء من ذلك في قول أبي يوسف رحمه الله لأن المسلم ملتزم أحكام الإسلام حيثما يكون ومن حكم الإسلام حرمة هذا النوع من المعاملة.(المبسوط10/95)(1/382)
وفي هذه المسألة قرار المجلس الأوربي بإجازة اشتراء البيوت بالقروض البنكية وهو يندرج في قاعدة رفع الحرج وتنزيل الحاجة منزلة الضرورة لترجيح القول الضعيف كما أشرنا إليه في ضوابط الحاجة من هذا الكتاب.
المثال الثالث: العلاقات الإنسانية وحسن التعامل في نصوص مختصرة تحكمها آية سورة الممتحنة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم".
والبر والقسط في غاية حسن التعامل ففي مسند الطيالسي عن هشام بن عروة عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قالت: يا رسول الله إِنَّ أُمِي أَتَتْنِي فِي عَهْدِ قُرَيْشِ وهْيَ رَاغِبَةُ مُشْرِكَةُ أَفَأَصِلُهَا قَالَ: نَعَمْ صِلِى أُمَكِ:".
وحديث الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قالَ لِي رَسُولُ الله –صلى الله عليه وسلم - ": اتَّقِ اللهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ وَأَتْبعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".
فبالنسبة للعوائد والتقاليد فإن لابن تيمية كلاماً يعتبر معياراً لما يمكن أن يسلكه المقيم في دارهم من موافقتهم في سلوكه الظاهر مما ليس مخالفاً للدين ولا هادماً لركن من أركانه.
وبعد أن قرر: أن المخالفة لهم "للكفار" لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه ...
قال: ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه من الضرر. بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة .( اقتضاء الصراط المستقيم 176- 177 )
وهذا الكلام يندرج في إطار تأصيل ابن تيمية لقاعدة مخالفة الكفار في الدين.(1/383)
ويمكن أن نعتبر أن الملابس الأفرنجية والقبعات والنعال وغيرها من هذا الهدي الظاهر ولا ينبغي أن نتوسع في ذلك لارتكاب محرم منصوص.
وكذلك يمكن أن يسمح للمرأة في الغرب بوصل شعرها بغير شعر الآدمي عملا بمذهب أبي حنيفة.
وقد جعل بعضهم منه عدم تحريم حلق اللحية في الغرب بناء على قول قوي للشافعية بالكراهة فهو قول النووي وهو قول عياض من المالكية خلافاً للجمهور إذا دعت إليه الحاجة.
مسألة الآداب:
في الإنصاف للمرداوي: قوله ( وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم: روايتان) .
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والمغني والشرح والمحرر والنظم وشرح ابن منجا.
إحداهما: يحرم وهو المذهب صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع .
والرواية الثانية:لا يحرم فيكره وقدمه في الرعاية والحاويين في باب الجنائز ولم يذكر التحريم.
وذكر في الرعايتين والحاويين رواية بعدم الكراهة فيباح وجزم به ابن عبدوس في تذكرته .
وعنه: يجوز لمصلحة راجحة كرجاء إسلامه اختاره الشيخ تقي الدين ومعناه: اختيار الآجري وأن قول العلماء يعاد ويعرض عليه الإسلام.
قلت: هذا هو الصواب وقد عاد النبي –صلى الله عليه وسلم - صبيا يهودياً كان يخدمه وعرض عليه الإسلام فأسلم .
نقل أبو داود : أنه إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم .
وحيث قلنا: يعزيه فقد تقدم ما في تعزيتهم في آخر كتاب الجنائز ويدعو بالبقاء وكثرة المال والولد.
زاد جماعة من الأصحاب منهم صاحب الرعايتين والحاويين والنظم وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم – قاصداً كثرة الجزية.
قال الشافعي : ولا أصل لإلباس الذمي لبساً مميزاً.
المثال الرابع: مسألة استحالة العين وتسمى بانقلاب العين.(1/384)
مسألة الأدوية والأغذية المشتملة على مواد حيوانية نجسة لأنها من أصل ميتة أو خنزير أو خمر بناء على قاعدة انقلاب العين تطهر هذه المواد كما أن ما لا تحله الحياة من الميتات طاهر فالأنفحه وعظام الميتة وعصبها كلها طاهرة والأنفحة هي المادة الغليظة التي تكون في الكرش
(قوله ويطهر زيت الخ) قد ذكر هذه المسألة العلامة قاسم في فتواه وكذا ما سيأتي متنا وشرحا من مسائل التطهير بانقلاب العين وذكر الأدلة على ذلك بما لا مزيد عليه وحقق ودقق كما هو دأبه رحمه الله تعالى فليراجع ثم هذه المسالة قد فرعوها على قول محمد بالطهارة بانقلاب العين الذي عليه الفتوى واختاره أكثر المشايخ خلافا لأبي يوسف كما في شرح المنية والفتح وغيرهما و عبارة المجتبي جعل الدهن النجس في صابون يفتي بطهارته لأنه تغير و التغير يطهر عند محمد ويفتي به للبلوى.
وظاهره أن دهن الميتة كذلك لتعبيره بالنجس دون المتنجس إلا أن يقال هو خاص بالنجس لأن العادة في الصابون وضع الزيت دون بقية الأدهان تأمل ثم رأيت في شرح المنية ما يؤيد الأول حيث قال وعليه يتفرع ما لو وقع إنسان أو كلب في قدر الصابون فصار صابونا يكون طاهرا لتبدل الحقيقة.
ثم اعلم أن العلة عند محمد هي التغير وانقلاب الحقيقة وأنه يفتي به للبلوى كما علم مما مر ومقتضاه عدم اختصاص ذلك الحكم بالصابون فيدخل فيه كل ما كان فيه تغير وانقلاب حقيقة وكان فيه بلوى عامة فيقال كذلك في الدبس المطبوخ إذا كان زيته متنجساً ولاسيما أن الفار يدخله فيبول ويبعر فيه وقد يموت فيه.(1/385)
وقد بحث كذلك بعض شيوخ مشايخنا فقال وعلى هذا إذا تنجس السمسم ثم صار طحينة يطهر خصوصا وقد عمت به البلوى وقاسه على ما إذا وقع عصفور في بئر حتى صار طينا لا يلزم إخراجه لاستحالته قلت لكن قد يقال إن الدبس ليس فيه انقلاب حقيقة لأنه عصير جمد بالطبخ وكذا السمسم إذا درس واختلط دهنه بأجزائه ففيه تغير وصف فقط كلبن صار جبنا وبر صار طحينا وطحين صار خبزا بخلاف نحو خمر صار خلا وحمار وقع في مملحة فصار ملحا وكذا دردي خمر صار طرطيراً وعذرة صارت رمادا أو حمأة فإن ذلك كله انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى لا مجرد انقلاب وصف كما سيأتي و الله أعلم.
- وانقلاب العين يعبر عنه بالاستحالة والاستحالة استفعالة من حال يحول إذا تغير أو انقلب أو زال أصلها استحوال بوزن استفعال أُعلت عينه بحذف حرف العلة وهو الواو وهو عين الفعل وعُوضت عنه بتاء التأنيث فصارت استحالة قال ابن مالك في اللامية :
ما عَيْنُه اعْتَلَتِ الإفعالُ منه والاستفعالُ بالتَّا وتَعويضُ بها حَصَلا
من المُزالِ.....................
وشرعاً: تغير يحصل في العين النجسة يؤدي إلى زوال أعراضها وتبدل أوصافها يزول بسببه الاسم الأول لزوال الصفات القديمة.
وهي من المطهرات لأنها أزالت العلة التي لأجلها وقع التحريم اتفاقا عند الأحناف والزيدية والظاهرية وأبي محمد بن حزم وعلى المشهور عند المالكية وعلى إحدى الروايتين عند الإمام أحمد.
وقد قطع شيخ الإسلام ابن تيمية من الحنابلة على أنها مطهرة لا فرق في ذلك بين الاستحالة الواقعة من الله ابتداء وبين الواقعة بكسب إنسان كما سيراه القارئ الكريم إن شاء الله تعالى.
-إذا حرق إنسان نجاسة حتى صارت رماداً فإن هذا الرماد يصبح طاهراً على المعتمد عند العلماء في المذهب المالكي وإذا كان هذا الرماد طاهراً ترتب على ذلك جواز حمله في الصلاة وفي الطواف وجواز تناوله إذا لم يكن فيه إضرار بالصحة وبالأحرى إذا خُلط بطعام آخر.(1/386)
-قال البناني في الخمر : فإذا انقلبت خلا انقلبت سائر الأجزاء التي دخلته فزال حكم النجاسة.( البناني حاشية على الزرقاني 1/28)
- قال الزرقاني على خليل : إذا كانت النجاسة ذاتية وتغيرت أعراضها جرى فيها قولان والمشهور الفرق بين ما استحال إلى صلاح كالبيض واللبن وما استحال إلى فساد فلا يطهر.( نفس المصدر 1/24)
- واستدل بحديث ابن أبي شيبة بسنده إلى أبي الدرداء رضي الله عنه في المريّ يجعل فيه الخمرة قال : لا بأس به ذبحته النار والملح.
- وجاء في الذخيرة قاعدة تبين ما تقدم وهي : أن الله تعالى إنما حكم بالنجاسة في أجسام مخصوصة بشرط أن تكون موصوفة بأعراض مخصوصة مستقذرة و إلا فالأجسام كلها متماثلة واختلافها إنما وقع بالأعراض فإذا ذهبت تلك الأعراض ذهاباً كلياً ارتفع الحكم بالنجاسة إجماعاً كالدم يصير منيّاً ثم آدميا …( الذخيرة 1/180)
وذكر ابن رجب الحنبلي في قواعده في الكلام على طين الطريق المختلط بالنجاسة بعد بحث طويل... والثاني: الاستحالة وفي المذهب خلاف يُبنى عليه طهارة الطين إذا بقيت فيه عين النجاسة ثم استُهلكت فيه حتى ذهب أثرها. (قواعد ابن رجب 1/334)
وهذا الفرع يوافق عليه المالكية قال في المختصر مشبهاً في العفو:" طين مطر وإن اختلطت العذرة بالمصيب لا إن غلبت وظاهرها العفو.( يعنى ظاهر المدونة) .
جاء في حاشية ابن عابدين على الدر المختار معلقا على ما جاء في رد المحتار من قول صاحب : والمسك طاهر حلال وكذا نافجته مطلقاً على الأصح . قال : لاستحالته إلى الطيبة لأنه وإن كان دماً فقد تغير فيصير طاهراً كرماد العذرة. وقال: والمراد بالتغيير الاستحالة إلى الطيبة وهي من المطهرات عندنا.( الدر المختار1/209)(1/387)
كذلك أومأ ابن قدامة إلى هذه العلة في المغنى بقوله في الكلام على دبغ جلد الميتة بعد أن ذكر القول الأول بأنه : لا يطهر عندهم قال : والثاني : يطهر لقوله –صلى الله عليه وسلم -:" أََيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ". ولأنه طهر بانقلابه فلم يفتقر إلى استعمال الماء كالخمر إذا انقلبت خلا.( المغنى 1/59-60)
ثم قال العلامة ابن تيمية : وأما دخان النجاسة فهذا مبني على أصل وهو : أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل : أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحاً طيباً كغيرها من الملح أو يصير الوقود رماداً ونحو ذلك .. ففيه للعلماء قولان:
أحدهما: لا يطهر كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وهو المشهور عن أصحاب أحمد وإحدى الروايتين عنه.
والرواية الأخرى: أنه طاهر وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك في أحد القولين وإحدى الروايتين عن أحمد ومذهب أهل الظاهر وغيرهم.
وهذا هو الصواب المقطوع به فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنى فليست محرمة ولا في معنى المحرم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحلِّ .. فهي من الطيبات وهي أيضا في معنى ما اتفق على حله.
فالنص والقياس يقتضى تحليلها.
ثم قال: وأيضا فإن الله تعالى حرم الخبائث لما قام بها من وصف الخبث كما أنه أباح الطيبات لما قام بها من وصف الطيب وهذه الأعيان المتنازع فيها ليس فيها شيء من وصف الخبث وإنما فيها وصف الطيب.(الفتاوى21/ 70)
وهذا التعليل الذي علل به واضح لا غبار عليه وعليه تواطأ العلماء كالقرافي وغيره وزاد ابن تيمية ما يؤيده فقال: إن الاستقراء دلنا على أن كل ما بدأ الله بتحويله وتبديله من جنس إلى جنس مثل: جعل الخمر خلا والدم منياً والعلقة مضغة ولحم الجلالة الخبيث طيباً فإنه يزول حكم التنجيس وتزول حقيقة النجس لا تمكن المنازعة في هذا.
المثال الخامس: قضية حجاب المرأة المسلمة.(1/388)
اعلم أن ستر المرأة لشعر رأسها واجب لقوله تعالى: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها".
وهذا النهي من نهي الوسائل والذرائع والنهي هنا يدل على الأمر بستر غير ما ظهر من الزينة.
فالستر واجب لغيره وكشف شعر الرأس حرام لأن شعر المرأة عورة كسائر جسدها على الصحيح.
وقد قال ابن عاشور في تفسيره: وقد فسر جمع من المفسرين الزينة بالجسد كله وفسر ما ظهر بالوجه والكفين قيل والقدمين والشعر. (التحرير والتنوير 18/207).
وشعر المرأة عورة مخففة في الصلاة خاصة عند مالك فلو كشفت المرأة عن شعرها ندب لها أن تعيد في الوقت.
ومعلوم أن النواهي ليست في مرتبة واحدة وكذلك الأوامر قال الشاطبي:
وبهذا الترتيب يعلم أن الأوامر في الشريعة لا تجرى في التأكيد مجرى واحدا وإنها لا تدخل تحت قصد واحد فإن الأوامر المتعلقة بالأوامر الضرورية ليست كالأوامر المتعلقة بالأمور الحاجية ولا التحسينية ولا الأمور المكملة للضروريات أنفسها بل بينها تفاوت معلوم بل الأمور الضرورية ليست في الطلب على وزان واحد كالطلب المتعلق بأصل الدين ليس في التأكيد كالنفس ولا النفس كالعقل إلى سائر أصناف الضروريات والحاجيات كذلك.(الموافقات3/209)
وبناء على هذا التفاوت في مراتب النهي ومراتب الأمر فقد رتب العلماء على ذلك نتائج عملية وهى أن النهي إذا كان نهي المقاصد ومعناها أن المنهي عنه يتضمن المفسدة التي من أجلها نهى الشارع عنه فهذا لا يباح إلا لضرورة قصوى وذلك كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير.
وإذا كانت مرتبة النهي متدنية بأن كان نهي الوسائل والذرائع التي لا تتضمن في نفسها المفسدة ولكنها وسيلة فهذا تبيحه الحاجة وهى مشقة وسطى كما نص عليه ابن القيم وهو يتكلم عن ربا الفضل وربا النسيئة : إن تحريم هذا من تحريم المقاصد وتحريم الآخر تحريم الوسائل وسد الذرائع ولهذا لم يبح من ربا النسيئة شيء.(إعلام الموقعين 2/117).(1/389)
وقال القرافي: الأحكام على قسمين مقاصد وهى المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ووسائل وهى الطرق المفضية وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد.(الفروق 2/33)
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وعلى المقاصد انبت أحكام الشريعة وبالمصالح أرتبطت.(القبس 3/1037)
ووضع المشقة له حكمه في الكشف عن أجزاء من البدن فقد جاء في الحديث الصحيح في معركة أحد عن أنس رضي الله عنه قال لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبى بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب. وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتقرغانه في أفواه القوم.( رواه البخاري ).
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7021
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - قانون العرض والطلب, بين تحكيمه, والتحكم فيه!
دراسات علمية رسائل جامعية
قانون العرض والطلب, بين تحكيمه, والتحكم فيه!
د . يوسف بن أحمد القاسم
………
30/3/1427
28/04/2006(1/390)
رجع أحمد إلى بيته من صالة التداول يجر رجليه في خطى متثاقلة، وعينين حائرتين، ونفس مثقلة بالهموم، وقد بدت على وجهه ملامح الدهشة والوجوم، فلم يأت لأهله وأولاده بوجبة الطعام كعادته, ولم يجلس مع أطفاله يمازحهم ويمازحونه كما عودهم, بل ألقى بنفسه على الأرض لا يلوي على شيء, مثقلاً بالهموم والديون التي ألقاها على عاتقه من يعبد الدرهم والدينار, والصبية من حوله يتضاغون عند قدمه من فرط الجوع والدهشة, وحين سألته أم أولاده عن حاله؟ أجابها بصوته المنكسر: لقد ظهرت هوامير بشرية في السوق تأكل اليابس والأخضر, وتلفظه فيتحول بقدرة الله تعالى إلى أحمر فاقع لونه لا يسر الناظرين!! وهذه الهوامير المخيفة وإن كانت كبيرة الحجم لكنها لا ترى في النور, يصطادون في وضح النهار صيوداً لا يذكرون اسم الله عليها؛ لأن الحلال عندهم ما حل في أيديهم, والحرام ما حُرِموه!!
واكتشف أحمد بعد فوات الأوان, أن السوق الذي ابتلع ماله فلم يبق منه إلا كالنقطة البيضاء في جلد الثور الأسود, أو كالرقمة في ذراع الحمار, أن ذلك السوق لا يتحكم فيه قانون العرض والطلب, بل يتحكم فيه من يعبث بكمية الأسهم بيعاً وشراء بقصد قلب موازين السوق لملء جيوبه, وشق جيوب الآخرين!! ألا ساء مايزرون.
وهذه قضية جد خطيرة, وهي العبث بقانون العرض والطلب لتحقيق مصالح شخصية, وإن كانت على حساب الآخرين، ولاشك أن من أبجديات نظام سوق البيع والشراء التي لا تحتاج إلى برهان:
أن ارتفاع قيم السلع وانخفاضها خاضع لقانون العرض والطلب, فكلما زاد الطلب على سلعة أو على أسهم ما زادت القيمة, وكلما انخفض الطلب وزاد العرض انخفضت القيمة, تبعاً لذلك.(1/391)
وحيث إن هذا القانون المألوف جزء لا يتجزأ من حياة السوق الطبيعية, لذا منع شرعنا الحنيف من التدخل في هذا النظام بأي أسلوب كان؛ لما يؤدي إليه هذا التدخل أو التحكم من إلحاق الضرر بالمتعاملين في السوق في أغلب الأحوال, وأقرب شاهد على هذا ما تشهده سوق الأسهم السعودية من تحكم بعض المضاربين في قوى العرض والطلب, حتى أصبح كثير من الأغرار عالة يتكففون الناس.
وفي سوق العصر القديم أساليب كثيرة للتحكم في قانون العرض والطلب, وقد حرمها الشارع وحذر منها, وهي ما يلي:
1- النجش في البيع والشراء, وهو أن يوهم الناجشون بأن لهم رغبة في السلعة -بأي أسلوب كان- مما يرغب فيها السوام الحاضرون للشراء, فيزيد ثمنها؛ إما ليجر الناجش لنفسه أو للبائع نفعاً, أو بقصد الإضرار بالمشتري, وحيث إن هذا الأسلوب مما لا يتفق مع خلق المسلم, لذا جاء النهي عنه, كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش) وفي رواية لهما (ولا تناجشوا) ومن صور النجش المعاصرة ما يقوم به بعض أولئك المضاربين في سوق الأسهم من تقديم عروض أو طلبات وهمية بأسعار معينة يقصد بها التأثير على أسعار السوق من أجل جني الأرباح ولو على حساب من يبحث عن لقمة عيش لأولاده! وهو أسلوب بالغ في القبح والدناءة.
2- ومن هذا الباب ممارسة الكذب, ونشر الشائعات في السوق, كإشاعة خبر تنامي الطلب على أسهم شركة ما, مما يرغب الناس في الشراء, حتى أصبح من المقولات السائدة في السوق: (اشتر على الإشاعة وبع على الخبر) وهذا السلوك الخاطئ حذر منه نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) وذكر منهم: (المنفق سلعته بالحلف الكاذب) وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن المتبايعين: (إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما , وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما).(1/392)
3- ومن أساليب التحكم في قانون العرض والطلب: الاحتكار للسلع التي تمس حاجة الناس إليها, حيث يحبس المحتكر السلعة عن المستهلكين حتى تقل في السوق ويكثر طلبها والبحث عنها, ثم يعرضها في السوق بعد ارتفاع قيمتها, وهو أسلوب ينم عن ضعة نفس صاحبه,ولهذا حرمه الشارع, كما في صحيح مسلم عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من احتكر فهو خاطئ) أي : مذنب؛ لأن الخاطئ في لغة العرب: من يتعمد الخطأ, ولهذا قال تعالى في طعام أهل النار: (لا يأكله إلا الخاطئون) وهذا بخلاف المخطئ, فهو من يقع منه الخطأ بغير قصد, وهذا مما عفا الله تعالى عنه.
4-ومن أساليب التحكم في قانون العرض والطلب: ما جاءت به النصوص الشريفة من النهي عن تلقي الجلب والركبان, وذلك بأن يتلقى المقيم من يقدم إليه من الباعة الغرباء, ممن يحملون معهم البضائع والسلع التي تمس الحاجة إليها, وذلك لبيعها في السوق, فمنع المقيم (الحاضر) من تلقيهم لحكم كثيرة, منها: أن الفرد إذا تلقى الركبان فاشترى منهم جميع البضاعة, أو كان لهم سمساراً, فإنه بطبيعة الحال سيقل العرض؛ لأن العارض واحد, وليسوا جماعة, وبهذا تغلو الأسعار, ويتضرر أهل السوق, ولهذا -وغيره- منع الشارع الحكيم من تلقي الركبان, كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الركبان, ولا يبع حاضر لباد) وفي لفظ لمسلم: (لا تلقوا الجلب).(1/393)
5- ومن أساليب التحكم في قانون العرض والطلب: تسعير السلع, وتحديدها بأثمان معينة, ولهذا لما طلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة أن يسعر لهم حين غلت الأسعار في المدينة, رفض ذلك, وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله هو المسعر القابض, الباسط الرازق, وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)، وفي هذا إشارة إلى أن التدخل في شأن السوق دون مسوغ شرعي ذريعة لإلحاق الظلم بالمتبايعين. والحديث أخرجه الخمسة إلا النسائي, وإسناده على شرط مسلم. واستثنى أهل العلم من المنع من التسعير, ما إذا احتكر بعض الباعة سلعة من السلع مما تمس الحاجة إليها, فإن لولي الأمر حينئذ أن يتدخل بتسعير تلك السلعة؛ حتى لا يصبح الناس بعامة ألعوبة بيد حفنة من الناس لا يهمها إلا مصالحها الخاصة, ولهذا كان من الأمر الرشيد أن تسعر بعض السلع والخدمات التي تحتكرها جهة واحدة, كالغاز, والكهرباء, والماء, ....الخ
ومما تقدم, يتبين لنا أن ما يقوم به بعض كبار المضاربين في سوق الأسهم من تحكم في قانون العرض والطلب أنه من الممارسات الخاطئة التي حرمها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً, ولهذا رأينا له آثاره الخطيرة في السوق, والتي أدت إلى انتكاسات لا يعلم عاقبتها إلا الله, ناهيك عما في أسلوب المضاربة-أصلاً- من إشكالات كثيرة أشرت إليها في المقال السابق.
ومن الواجب أن تقوم هيئة سوق المال بالقضاء على هذه المظاهر السلبية المؤدية إلى استنساخ عروض وطلبات وهمية لا طعم لها ولا رائحة, أثرت سلباً على القانون الطبيعي للعرض والطلب, كما أثر الاستنساخ في قانون التوالد الطبيعي عبر التكاثر غير المشروع, والذي ما يفتأ أن يموت في لحظته, أو بعدها بقليل.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7064
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…(1/394)
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [10/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات[10/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
6/3/1427
04/04/2006
الفتاوى:
حكم كشف المرأة المسلمة عورتها أمام غير المسلمة
أجاب المجلس عن سؤال حول عورة المسلمات أمام غير المسلمات واشتراكهن في مسبح آمن خاص بهن، بأنه لا مانع من هذا الاشتراك وأن عورة المسلمة تجاه غير المسلمة هي كعورة الرجل أمام الرجل، أي من السرة إلى الركبة، على ما هو المذهب المعتمد عند الحنابلة وقول صحيح في المذاهب الثلاثة. ويوصي المجلس الأخوات الصالحات بالحرص على غض البصر عما يظهر من العورات وعلى أن يتخذن من بينهن من تدربهن على السباحة، ونظراً لما بدا من حرص هؤلاء النسوة غير المسلمات على صورة من صور الحشمة في الابتعاد عن خلطة الرجال في هذا الموضع، فإن على المسلمات الاستفادة من ذلك في دعوتهن إلى الإسلام وقيمه.
السؤال:هل يحل لبس المعطف المصنوع من جلد الخنزير؟
الجواب:ما يتخذ من جلد الخنزير بعد دباغته هل يدخل في حكم الجلد النجس، أم يطهر بالدباغ؟
الذي تدل عليه الأدلة أن جميع الجلود النجسة تطهر إذا دبغت؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" (رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس)، وفي رواية: " أََيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ" (رواه الترمذي)، فأفاد هذا الحديث بروايتيه أن الدباغ مطهر لجلد ميتة كل حيوان، وذلك أن لفظ (أي) و(إهاب) لفظان عامان، فيشمل كل إهاب، ولم يأت من ذلك استثناء خنزير أو ميتة.
وعليه فلا حرج في استخدام جلد الخنزير المدبوغ في اللباس ونحوه.
تعليق:(1/395)
قلت : حديث الترمذي رواه النسائي وابن ماجه ومذهب جماهير العلماء استثناء جلد الخنزير من الطهارة بالدبغ لأنهم حملوا الإهاب في الحديث على ما تنفع فيه الذكاة لو ذكي خلافاً لرواية عن أبي يوسف ذكرها في المنية (تراجع الحاشية ابن عابدين)
وقد أشار الزرقاني إلى وجود قول ضعيف في مذهب مالك بطهارته بالدباغ وهو قول الإمام عبد المنعم بن الفرس من أن جلد الخنزير كغيره يطهر بالدبغ في اليابس والماء.(يراجع تعليق الصاوي على الشرح الصغير)
كما أن طهارة الخنزير بالدبغ هو مذهب داود وأهل الظاهر ورجحه الشوكاني في نيل الأوطار بناء على عموم الأحاديث.
قلت : ينبغى تقييد استعماله بالحاجة لقوة المعارض.
نقل الأعضاء:
1. حكم نقل الأعضاء وحالاته:
( أ ) يؤكد المجلس قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة "التابع لرابطة العالم الإسلامي".
وقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة "المنبثق عن منظمة المؤتمر العالم الإسلامي" رقم 26 (1/4) بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً كان أو ميتاً, ونصه:
من حيث التعريف والتقسيم:
أولاً: يقصد هنا بالعضو أي جزء من الإنسان, من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها, كقرنية العين. سواء أكان متصلا به, أم انفصل عنه.
ثانياً: الانتفاع الذي هو محل البحث, هو استفادة دعت ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة, أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه. على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعاً.
ثالثاً: تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1-…نقل العضو من حي.
2-…نقل العضو من ميت.
3-…النقل من الأجنة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي, تشمل الحالات التالية:
أ - نقل العضومن مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه, كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.
ب - نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر. وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.(1/396)
أما ما تتوقف عليه الحياة, فقد يكون فردياً, وقد يكون غير فردي, فالأول كالقلب والكبد, والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما تتوقف عليه الحياة, فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم بها. ومنه ما يتجدد تلقائياً كالدم, ومنه ما لا يتجدد, ومنه ما له تأثير على الأنساب والمورِّثات, والشخصية العامة, كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي, ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية : وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه طبياً.
الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً لا رجعة فيه طبياً. وقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة:
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة, وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
حالة الأجنة الني تسقط تلقائياً.
حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
حالة "اللقائح المستنبتة خارج الرحم".
من حيث الأحكام الشرعية:
أولاً: يجوز نقل العضو من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه, مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها, وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له, أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.
ثانيا: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر, إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً, كالدم والجلد, ويراعى في ذلك كون الباذل كامل الأهلية, وتحقق الشرعية المعتبرة.
ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر, كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان إلى إنسان آخر.(1/397)
خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، كنقل قرنية العينين كلتيهما, أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو, أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك, بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته, أو بشرط موافقة وليّ أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
سابعاً: وينبغي ملاحظة: أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها, مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو، إذ لا يجوز إخضاع الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد, ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً, فمحل اجتهاد ونظر.
ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة, مما يدخل في أصل الموضوع, فهو محل بحث ونظر, ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة, على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.
(ب) يؤكد المجلس أيضاً قرار مجمع الفقه الاسلامي الدولي بجدة رقم 57(8/6) بشأن زراعة الأعضاء التناسلية, ونصه:
أولاً :زرع الغدد التناسلية : بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية ( الشفرة الوراثية ) للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلقّ جديد، فإن زرعهما محرم شرعاً.
ثانيا : زرع أعضاء الجهاز التناسلي :زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التى لا تنقل الصفات الوراثية – ما عدا العورات المغلظة - جائز لضرروة مشروعة وفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم 26 (1 \ 4 ) لهذا المجمع، والله أعلم.
(ج) يؤكد المجلس أيضاً قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة رقم 54 ( 5\6 ) بشأن زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي ونصه :(1/398)
أولاً: إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه وفيه ميزة القبول المناعي؛ لأن الخلايا من الجسم نفسه فلا بأس من ذلك شرعاً.
ثانياً: إذا كان المصدر هو أخذها من جنين حيواني فلا مانع من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها ولم يترتب على ذلك محاذير شرعية.
وقد ذكر الأطباء أن هذه الطريقة نجحت بين فصائل مختلفة من الحيوان، ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي.
ثالثاً : إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو خلايا حية من مخ جنين باكر (في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر) فيختلف الحكم على النحو التالي.
ا : الطريقة الأولى : أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه، بفتح الرحم جراحياً، وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه، ويحرم ذلك شرعاً إلا إذا كان بعد إجهاض طبعي غير متعمد أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم وتحقق موت الجنين، مع مراعاة الشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة في القرار رقم 95 ( 8/6 ) لهذه الدورة.
ب : الطريقة الثانية وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع للإفادة منها ولابأس في ذلك شرعاً إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعاً، وتم الحصول عليها على الوجه المشروع.(1/399)
رابعاً : المولود اللادماغي : طالما ولد حياً، لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع، فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الإذن المعتبر، وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة وغيرها، ومما تضمنه القرار رقم 26 (1/4 ) من قرارات الدورة الرابعة لهذا المجمع. ولا مانع شرعاً من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الانعاش إلى ما بعد موت جذع المخ – والذي يمكن تشخيصه – للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل، توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المشار إليها.
تحديد المنتفع بالأعضاء، ووسيلة ذلك :
هذا وقد استكمل المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بعد المناقشة المسائل الآتية التي تتعلق بنقل الأعضاء، وهي:
أ-إذا حدد المتبرع أو ورثته شخصاً معيناً للانتفاع بالعضو المتبرع به أو فوض جهة معينة بتحديد الشخص المنتفع به فيجب الالتزام بذلك ما أمكن، فإن لم يمكن لسبب إرادي أو طبي فإنه يرجع في ذلك إلى ورثة المتبرع، فإن لم يتيسر فيرجع إلى الجهة المعنية بمصالح المسلمين في البلاد غير الإسلامية.
ب-إذا كتب الشخص وثيقة للتبرع بعضو من أعضائه بعد وفاته فتطبق على ذلك أحكام الوصية، ولا يجوز للورثة أو غيرهم تبديل الوصية.
ج- في حالة وجود قانون بأن من لم يصرح بعدم الرغبة في أن ينتفع بأعضائه بعد وفاته يعتبر موافقاً؛ فإن عدم التصريح بالرفض يعتبر موافقة ضمنية.
القرار رقم (2/12)
حول مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية:(1/400)
تداول أعضاء المجلس في موضوع مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية، واستمعوا إلى الدراسات الشرعية والفلكية المقدمة من بعض الأعضاء، والعروض التوضيحية للجوانب الفنية ذات الصلة التي تمت التوصية بها في الدورة الحادية عشرة للمجلس، وقرر ما يلي:
أولاً: تأكيد القرار السادس الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية ونصه:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد-صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406 هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ قد نظر في موضوع "أوقات الصلاة والصيام لسكان المناطق ذات الدرجات العالية".
ومراعاة لروح الشريعة المبنية على التيسير ورفع الحرج وبناءً على ما أفادت به لجنة الخبراء الفلكيين، قرر المجلس في هذا الموضوع ما يلي:
أولا. دفعاً للاضطرابات الناتجة عن تعدد طرق الحساب، يحدد لكل وقت من أوقات الصلاة العلامات الفلكية التي تتفق مع ما أشارت الشريعة إليه، ومع ما أوضحه علماء الميقات الشرعي في تحويل هذه العلامات إلى حسابات فلكية متصلة بموقع الشمس فوق الأفق أو تحته، كما يلي:
(1) الفجر: ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضاً في الأفق "الفجر الصادق" ويوافق الزاوية (18ْ) تحت الأفق الشرقي.
(2) الشروق: ويوافق ابتداء ظهور الحافة العليا لقرص الشمس من تحت الأفق الشرقي ويقدر بزاوية تبلغ (50َ) دقيقة زاوية تحت الأفق.
(3) الظهر: ويوافق عبور الشمس لدائرة الزوال ويمثل أعلى ارتفاع يومي للشمس يقابله أقصر ظل للأجسام الرأسية.(1/401)
(4) العصر: ويوافق موقع الشمس الذي يصبح معه ظل الشيء مساوياً لطوله مضاف إليه فيء الزوال، وزاوية هذا الموقع متغيرة بتغير الزمان والمكان.
(5) المغرب: ويوافق اختفاء كامل قرص الشمس تحت الأفق الغربي، وتقدر زاويته بـ(50َ) دقيقة زاوية تحت الأفق.
(6) العشاء: ويوافق غياب الشفق الأحمر حيث تقع الشمس على زاوية قدرها (17ْ) تحت الأفق الغربي.
ثانياً:عند التمكين للأوقات يكتفى بإضافة دقيقتين زمنيتين على كل من أوقات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإنقاص دقيقتين زمنيتين من كل من وقتي الفجر والشروق.
ثالثاً. تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام:
المنطقة الأولى: وهي التي تقع ما بين خطي العرض (45ْ) درجة و(48ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتتميز فيه العلامات الظاهرة للأوقات في أربع وعشرين ساعة طالت الأوقات أو قصرت.
المنطقة الثانية: وتقع ما بين خطي عرض (48ْ) درجة و(66ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر.
المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (66ْ) درجة شمالاً وجنوباً إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهاراً أو ليلاً.
رابعاً: والحكم في المنطقة الأولى: أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبيّن الفجر الصادق إلى غروب الشمس عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة والصوم، ومن عجز عن صيام يوم أو إتمامه لطول الوقت أفطر وقضى في الأيام المناسبة.(1/402)
خامساً: والحكم في المنطقة الثانية أن يعيّن وقت صلاة العشاء والفجر بالقياس النسبي على نظيريهما في ليل أقرب مكان تتميّز فيه علامات وقتي العشاء والفجر، ويقترح مجلس المجمع خط (45ْ) باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز، فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45ْ) درجة يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر.
سادساً: والحكم في المنطقة الثالثة أن تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض (45ْ) درجة، وذلك بأن تقسم الأربع والعشرين ساعة في المنطقة من (66ْ) درجة إلى القطبين، كما تقسم الأوقات في خط عرض (45ْ) درجة.
فإذا كان طول الليل في خط عرض (45ْ) يساوي (8) ساعات، وكانت الشمس تغرب في الساعة الثامنة، وكان العشاء في الساعة الحادية عشرة جعل نظير ذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وإذا كان وقت الفجر في خط عرض (45ْ) درجة في الساعة الثانية صباحاً كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه وبُدئ الصوم منه حتى وقت المغرب المقدّر.
وذلك قياساً على التقدير الوارد في حديث الدجّال الذي جاء فيه: (قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ومَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْماً، يَوْمُ كَسَنَةٍ ويَوْمُ كَشَهْرٍ، ويَوْمُ كَجُمُعَةُ وسَائُرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: فَذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ؟ قَالَ: لا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ" [أخرجه مسلم وأبو داود واللفظ له في كتاب الملاحم ]. والله ولي التوفيق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين". انتهى قرار المجمع الفقهي.(1/403)
ثانياً: نظراً إلى أن هذه القضية اجتهادية وليست فيها نصوص قطعية فلا يرى المجلس حرجاً في الاعتماد على تقديرات أخرى صادرة من هيئات فتوى إسلامية مثل الاعتماد على درجة انحطاط الشمس بدرجة (12) الموافقة لصلاتي الفجر والعشاء ومثل تحديد الفارق الزمني بين وقتي المغرب والعشاء ووقت الفجر وشروق الشمس بساعة ونصف.
وينصح المجلس الجهات الإسلامية المسئولة في المساجد والمراكز الإسلامية باتباع الطريقة التي ذكرها المجلس والمتفقة مع ما انتهى إليه المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة كما ذكر أعلاه.
ثالثاً: يؤكد المجلس قراره السابق رقم (3/3) بشأن مشروعية الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء عند ضياع علامة العشاء أو تأخر وقتها، رفعاً للحرج وتيسيراً على المسلمين المقيمين في ديار الغرب، والله أعلم.
السؤال:نحن هنا في بريطانيا، يحضر المسجد عندنا لشهود الجمعة من يفهم اللغة العربية ومن لا يفهمها، والجميع أو الأكثر يفهم لغة أهل البلد، فهل يجوز لنا إلقاء خطبة الجمعة بلغة المخاطبين وإن كانت غير العربية؟
الجواب:حيث إن المقصود بخطبة الجمعة هو التعليم والإرشاد، فمراعاة لغة المخاطبين هو الأصل في خطابهم، ونبه القرآن الكريم على هذا المعنى في الإبانة عن وظيفة الرسل، فقال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيِّنَ لهم" [إبراهيم: 4]، وقال عز وجل: "فهل على الرسل إلا البلاغ المبين" [النحل: 35]، والبلاغ لا يكون مبيناً إلا إذا كان بلسان يفهمه المخاطب.
والأصل في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية إذا غلب على المخاطبين فهمها، وذلك من أجل حاجة الخطبة إلى الاستدلال بالآية من القرآن، والحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وذكر الله تعالى، ليحصل بذلك الغرض منها، والأبلغ في كل ذلك أن يكون بالعربية، ثم تحقق حاجة من لا يفهمها بالترجمة له حسب ما تيسر.(1/404)
والأشبه أن يكون هذا هو المراد في رأي جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن تكون الخطبة بالعربية.
فإن قل أو انعدم من يفهم العربية من الحاضرين، فلا مانع في أن تكون بلغتهم، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة حيث أجاز الخطبة بغير العربية.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7092
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [11/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [11/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
14/3/1427
12/04/2006
محتويات هذه الحلقة:
- تشييع جنازة الأقارب غير المسلمين.
- دفن المسلم في مقابر غير المسلمين.
- تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.
- صفات الفقير الذي تصرف له الزكاة.
القرار 4/6
تشييع جنازة الأقارب غير المسلمين
لقد أمر الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما حتى ولو كانا غير مسلمين, قال تعالى:"وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" [الإسراء 23]. وقالى تعالى:"وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا" [لقمان 15].
كما أمر الإسلام بصلة الرحم وحث على ذلك.
ويتأكد واجب البرّ والصلة في مناسبات الفرح والسرور وفي مناسبات المصائب والكروب ومن أعظمها الموت الذي يجمع الأقارب عند فقدان أحدهم, والإنسان بفطرته يجد حاجة للتعبير عن عاطفته نحو الميت من أقربائه وممن تربطه به صلة. ولذلك فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه : زار النبي –صلى الله عليه وسلم- قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله, فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي, واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي, فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" رواه مسلم وأحمد وأهل السنن إلا الترمذي.(1/405)
ويضاف إلى هذا ما دعا إليه الاسلام من احترام الإنسان, مؤمناَ كان أو كافرا, في حياته وبعد مماته, وقد صحَّ عن النبي-صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم, قوله عن اليهودي الذي قام لجنازته, ردَّاَ على من أخبره أنه يهودي, فقال-صلى الله عليه وسلم-:" أليست نفساَ" فكيف إذا كانت نفس والدٍ أو والدة أو قريب ذي رَحِم.
وبناء على ما سبق ذكره, فإنه يجوز للمسلم أن يحضر تشييع جنازة والديه أو أحد أقربائه غير المسلمين, ولا حرج في حضوره للمراسم الدينية التي تُقام عادة للأموات في الكنائس والمعابد, على أن لا يشارك قي الصلوات والطقوس وغيرها من الأمور الدينية, وكذلك يجوز له حضور الدّفن, ولتكن نيته في ذلك وفاءً بحق البر والصلة, ومشاركة الأسرة في مصابها, وتقوية الصلة بأقربائه وتجنّب ما يؤدّي إلى الجفوة معهم في حال غيابه عن مثل هذه المناسبات.
القرار 5/6
دفن المسلم في مقابر غير المسلمين
هناك أحكام شرعية مقررة تتعلق بشأن المسلم إذا مات، مثل تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، ومن ذلك دفنه في مقابر المسلمين. ذلك : أن للمسلمين طريقة في الدفن واتخاذ المقابر، من حيث البساطة والتوجيه إلى القبلة، والبعد عن مشابهة المشركين والمترفين وأمثالهم.
و من المعروف : أن أهل كل دين، لهم مقابرهم الخاصة بهم، فاليهود لهم مقابرهم، والنصارى لهم مقابرهم، والوثنيون لهم مقابرهم، فلا عجب أن يكون للمسلمين مقابرهم أيضاً، وعلى المسلمين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا – بالتضامن فيما بينهم – إلى اتخاذ مقابرخاصة بهم، ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، لما في ذلك من تعزيز لوجودهم وحفظ لشخصيتهم.
فإذا لم يستطيعوا الحصول على مقبرة خاصة مستقلة، فلا أقل من أن يكون لهم رقعة خاصة في طرف من أطراف مقبرة غير المسلمين، ويدفنون فيها موتاهم.(1/406)
فإذا لم يتيسر هذا ولا ذاك ومات لهم ميت، فيدفن حيث أمكن ولو في غير مقابر المسلمين، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولن يضير المسلم إذامات في هذه الحالة، أن يدفن في مقابر غير المسلمين، فإن الذي ينفع المسلم في آخرته هو سعيه وعمله الصالح، وليس موضع دفنه "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى" [النجم: 39].
وكما قال سلمان الفارسي – رضي الله عنه - : إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس المرء عمله.
هذا، وإن القيام بدفن الميت حيث يموت هو الأصل شرعا ً، وهو أيسر من تكلف بعض المسلمين نقل موتاهم الى بلاد إسلامية، لما في ذلك من المشقة وتبديد الأموال.
و ليس بعد المقبرة الإسلامية عن أهل الميت مسّوغاً لدفنه في مقبرة غير المسلمين. لأن الأصل في زيارة المقابر إنما شرعت أساساً لمصلحة الزائر، للعبرة والاتعاظ، كما ثبت في الحديث : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها ترقق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة ". رواه أحمد والحاكم عن أنس.
أما الميت فيستطيع المسلم أن يدعو له ويستغفر له، ويصله الثواب بفضل الله تعالى في أي مكان كان الداعي والمستغفر له.
تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
مما لا شك فيه أن القضية قضية مهمة وحساسة، خاصة للمسلمين المقيمين في بلاد الغرب، وقد ورد إلى المجلس أسئلة كثيرة من الإخوة والأخوات، الذين يعيشون في تلك الديار، ويعايشون أهلها من غير المسلمين، وتنعقد بينهم وبين كثير منهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل، والرفقة في العمل، والزمالة في الدراسة، وقد يشعر المسلم بفضل غير المسلم عليه في ظروف معينة، مثل المشرف الذي يساعد الطالب المسلم بإخلاص، والطبيب الذي يعالج المريض المسلم بإخلاص، وغيرهما. وكما قيل: إن الإنسان أسير الإحسان، وقال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ!(1/407)
ما موقف المسلم من هؤلاء (غير المسلمين) المسالمين لهم، الذين لا يعادون المسلمين، ولا يقاتلونهم في دينهم، ولم يخرجوهم من ديارهم أو يظاهروا على إخراجهم؟
إن القرآن الكريم قد وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين من كتاب الله تعالى في سورة الممتحنة وقد نزلت في شأن المشركين الوثنيين، فقال تعالى: "لا يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَـٰتَلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَـٰرِكُمْ وَظَـٰهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَٰجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ" [الممتحنة: 8-9].
ففرقت الآيتان بين المسالمين للمسلمين والمحاربين لهم:
فالأولون (المسالمون) شرعت الآية الكريمة برهم والإقساط إليهم، والقسط يعني: العدل، والبر يعني: الإحسان والفضل، وهو فوق العدل، فالعدل: أن تأخذ حقك، والبر: أن تتنازل عن بعض حقك. العدل أو القسط: أن تعطي الشخص حقه لا تنقص منه. والبر: أن تزيده على حقه فضلا وإحسانا.
وأما الآخرون الذين نهت الآية الأخرى عن موالاتهم، فهم الذين عادوا المسلمين وقاتلوهم، وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
وقد اختار القرآن للتعامل مع المسالمين كلمة (البر) حين قال: (أن تبروهم) وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى، وهو (بر الوالدين).(1/408)
وقد روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها - أنها جاءت إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي مشركة، وهي راغبة (أي في صلتها والإهداء إليها) أفأصلها؟ قال: "صلي أمك".
هذا وهي مشركة، ومعلوم أن موقف الإسلام من أهل الكتاب أخف من موقفه من المشركين الوثنيين.
حتى إن القرآن أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم، بمعنى: أن يأكل من ذبائحهم ويتزوج من نسائهم، كما قال تعالى في سورة المائدة: "ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ" [المائدة:5].
ومن لوازم هذا الزواج وثمراته: وجود المودة بين الزوجين، كما قال تعالى: "وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21].
وكيف لا يود الرجل زوجته وربة بيته وشريكة عمره، وأم أولاده؟ وقد قال تعالى في بيان علاقة الأزواج بعضهم ببعض: "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ" [البقرة: 187].
ومن لوازم هذا الزواج وثمراته: المصاهرة بين الأسرتين، وهي إحدى الرابطتين الطبيعيتين الأساسيتين بين البشر، كما أشار القرآن بقوله: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا" [الفرقان:54].(1/409)
ومن لوازم ذلك: وجود الأمومة وما لها من حقوق مؤكدة على ولدها في الإسلام، فهل من البر والمصاحبة بالمعروف أن تمر مناسبة مثل هذا العيد الكبير عندها ولا يهنئها به؟ وما موقفه من أقاربه من جهة أمه، مثل الجد والجدة، والخال والخالة، وأولاد الأخوال والخالات، وهؤلاء لهم حقوق الأرحام وذوي القربى، وقد قال تعالى: "وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ" [الأنفال: 75] وقال تعالى: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى" [النحل:90].
فإذا كان حق الأمومة والقرابة يفرض على المسلم والمسلمة، صلة الأم والأقارب بما يبين حسن خلق السلم، ورحابة صدره، ووفاءه لأرحامه، فإن الحقوق الأخرى توجب على المسلم أن يظهر بمظهر الإنسان ذي الخلق الحسن، وقد أوصى الرسول الكريم أبا ذر بقوله: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" هكذا قال: "خالق الناس" ولم يقل: خالق المسلمين بخلق حسن.
كما حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على (الرفق) في التعامل مع غير المسلمين، وحذر من (العنف) والخشونة في ذلك.
ولمّا دخل بعض اليهود على النبي –صلى الله عليه وسلم- ولووا ألسنتهم بالتحية، وقالوا: (السام) عليك يا محمد، ومعنى (السام): الهلاك والموت، وسمعتهم عائشة، فقالت: وعليكم السام واللعنة يا أعداء الله، فلامها النبي –صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فقالت: ألم تسمع ما قالوا يا رسول الله؟ فقال:"سمعت، وقلت: وعليكم"، (يعني: الموت يجري عليكم كما يجري علي) يا عائشة:"الله يحب الرفق في الأمر كله".(1/410)
وتتأكد مشروعية تهنئة القوم بهذه المناسبة إذا كانوا –كما ذكر السائل- يبادرون بتهنئة المسلم بأعياده الإسلامية، فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة، وأن نرد التحية بأحسن منها، أو بمثلها على الأقل، كما قال تعالى: "وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" [النساء:86].
ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما، وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره، والمفروض أن يكون المسلم هو الأوفر - حظا، والأكمل خلقا، كما جاء في الحديث "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" وكما قال عليه الصلاة والسلام: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".!
ويتأكد هذا إذا أردنا أن ندعوهم إلى الإسلام ونقربهم إليه، ونحبب إليهم المسلمين، وهذا واجب علينا فهذا لا يتأتى بالتجافي بيننا وبينهم بل بحسن التواصل.
وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- حسن الخلق، كريم العشرة، مع المشركين من قريش، طوال العهد المكي، مع إيذائهم له، وتكالبهم عليه، وعلى أصحابه. حتى إنهم –لثقتهم به عليه الصلاة والسلام- كانوا يودعون عنده ودائعهم التي يخافون عليها، حتى إنه –صلى الله عليه وسلم- حين هاجر إلى المدينة، ترك عليا رضي الله عنه، وأمره برد الودائع إلى أصحابها.
فلا مانع إذن أن يهنئهم الفرد المسلم، أو المركز الإسلامي بهذه المناسبة، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام مثل (الصليب) فإن الإسلام ينفي فكرة الصليب ذاتها "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ" [النساء157].
والكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم، أو رضا بذلك، إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس.(1/411)
ولا مانع من قبول الهدايا منهم، ومكافأتهم عليها، فقد قبل النبي –صلى الله عليه وسلم - هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره، بشرط ألا تكون هذه الهدايا مما يحرم على المسلم كالخمر ولحم الخنزير.
ولا ننسى أن نذكر هنا أن بعض الفقهاء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم قد شددوا في مسألة أعياد المشركين وأهل الكتاب والمشاركة فيها، ونحن معهم في مقاومة احتفال المسلمين بأعياد المشركين وأهل الكتاب الدينية، كما نرى بعض المسلمين الغافلين يحتفلون بـ(الكريسماس) كما يحتفلون بعيد الفطر، وعيد الأضحى، وربما أكثر، وهذا ما لا يجوز، فنحن لنا أعيادنا، وهم لهم أعيادهم، ولكن لا نرى بأسا من تهنئة القوم بأعيادهم لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة، أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية،التي تقتضي حسن الصلة، ولطف المعاشرة التي يقرها العرف السليم.
أما الأعياد الوطنية والاجتماعية، مثل عيد الاستقلال، أو الوحدة، أو الطفولة والأمومة ونحو ذلك، فليس هناك أي حرج على المسلم أن يهنئ بها، بل يشارك فيها، باعتباره مواطناً أو مقيماً في هذه الديار على أن يجتنب المحرمات التي تقع في تلك المناسبات.
تعليق:
قلت : قد يكون من المناسب أن نضيف هنا أن تهنئة غير المسلمين مختلف فيها بين العلماء وفي مذهب الإمام أحمد ثلاث روايات بالمنع والكراهة والجواز وهذه الرواية الأخيرة هي اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية لما في ذلك من المصلحة وهي التي نختارها فتجوز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم نص على هذه الروايات في هذه الحالات كلها المرداوي في الإنصاف وما يذكر عن ابن تيمية في بعض الكتب الأخرى قد لا يتفق مع اختياراته الموثقة. والله ولي التوفيق.
صفات الفقير الذي تصرف له الزكاة
السؤال:ما هي صفات الفقير الذي تصرف له زكاة المال؟(1/412)
الجواب:الفقير الذي جعله الله سبحانه وتعالى من الأصناف التي تصرف لها الزكاة في قوله:"إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَآءِ" [التوبة: 60] اختلف في وصفه الفقهاء، والصحيح من أقوالهم: أنه الذي لا يملك مالا يكفيه في مطعمه وملبسه ومسكنه وسائر ما لا بد منه لنفسه ولمن تلزمه نفقته، من غير إسراف ولا تقتير، كمن يحتاج إلى عشرة ماركات ألمانية ولا يجد إلا ثلاثة أو اثنين.
على أننا ننبه إلى أن من كان ظاهر حاله الفقر، فلا مانع أن تعطى له الزكاة. وكذلك من ادعى أنه فقير فيصدق في قوله وتعطى له الزكاة. إلا إذا كان ظاهر حاله يدل على خلاف ذلك.
السؤال:يقع للقائمين على بعض المؤسسات الإسلامية، كالمراكز أو المساجد أو الجهات الخيرية، أنهم يدعون المسلمين إلى التبرع لصالح مشروع معين، ثم يفضل من المال شيء بعد تنفيذ المشروع، أو يلغى ذلك المشروع أصلاً، فما الحكم في تلك الأموال؟ هل للقائمين على تلك المؤسسة حق التصرف فيها في مصالح عامة أخرى دون إعلام المتبرعين؟ وإذا لزمهم إعلام المتبرعين، فكيف العمل في حال تعذر ذلك؟
الجواب:يُنْظر: فما أمكن تعيين كونه مال زكاة مفروضة، فإن المعطي لزكاة ماله لا يملك حق الاشتراط فيها أن تنفق في وجه مخصوص، وإنما محلها حيث مصارفها المبينة في كتاب الله تعالى بقوله: "إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْعَـٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَـٰرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [التوبة: 60]، فهذا يجعله القائمون على تلك المؤسسات في مصارفه باجتهادهم فيما يحقق مصلحة مجتمعهم.(1/413)
وما لم يتعين كونه مال زكاة مفروضة، فالمتبرع قصد به ذلك المشروع المحدد الذي دعي إلى التبرع لأجله، فهو بتبرعه بمنزلة الواقف، والأصل التزام شرط الواقف، فلا يصرف ذلك المال إلا حيث أراد، وعليه: فإن عُرِفَ المتبرع بعينه وأمكن استئذانه فالواجب فعل بذلك، وإن تعذر وأمكن استئذان جماعة المتبرعين، شأن الأموال التي تجمع من المصلين في المساجد مثلاً، فيفعل ذلك، فإن تعذر فعل شيء من ذلك، فلا مانع من صرف المال في مشروع مشابه للمشروع الذي جمع لأجله، والأصل في ذلك كله قوله تعالى:"فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16].
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7114
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - محبطات الأعمال [1/4]
دراسات علمية رسائل جامعية
محبطات الأعمال [1/4]
توفيق علي
………
18/3/1427
16/04/2006
- مقدمة
- لماذا هذا الموضوع
- معنى حبط لغة.
- الحبط في الاصطلاح الشرعي.
- من فوائد الأعمال الصالحة.
- هل الكبائر تحبط الأعمال؟
- خوف المؤمن أن يحبط عمله.
أولاً: الخوف من النفاق.
ثانياً: الإشفاق على العمل أن يصير إلى الضياع.
- حال السلف وتحقيرهم لأعمالهم.
ثالثاً: توفير الحسنات.
رابعاً: غيرة العبد لربه.
خامساً : الدعاء بعد إضاعة العمل.
مقدمة :
الحمد لله فاطر السموات و الأرض . الحمد لله القائل في كتابه الكريم :" "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ"[هود:114].(1/414)
فإن الحسنات و الذنوب هي أمراض قلبية، كما أن الحمى والأوجاع و السرطان أمراض بدنية، وكما الأمراض السرطانية تمثل تهديداً خطيراً فعلياً لحياة الإنسان المُصاب بها، فكذلك من الذنوب والمعاصي ما يؤدي إلى حبوط الأعمال الصالحة و بطلانها، و كما أن الأورام السرطانية تنتقل عبر الدم أو العقد الليمفاوية إلى بقية أعضاء الجسم، فإن محبطات الأعمال تنتقل إلى القلب و تؤدي إلى بطلان ثواب الأعمال .
و المريض إذا عُوفِيَّ من مرضه عافية تامة عادت إليه قوته و أفضل منها حتى كأنه لم يضعف قط .
فالقوة المتقدمة بمنزلة الحسنات ،و المرض بمنزلة الذنوب، و الصحة العافية بمنزلة التوبة.
و كما أن من المرضى من لا تعد إليه صحته أبداً لضعف عافيته ،و منهم من تعود صحته كما كانت لتقاوم الأسباب و تدافعها يعود البدن إلى كماله الأول ،و منهم من يعد أصح مما كان أقوى و أنشط لقوة أسباب العافية قهرها و غلبتها لأسباب الضعف المرض حتى ربما كان مرض هذا سبباً لعافيته كما قال الشاعر :
لعل عَتْبَك محمود عواقبه ***و ربما صَحَّتِ الأجسامُ بالعلل
و كما أن على المرء معرفة الأسباب التي تؤدي إلى إصابته بالأمراض فيتقيها، فعليه أيضاً معرفة محبطات الأعمال و مفسداتها، لأن الشأن ليس في العمل ،إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه .
لماذا هذا الموضوع؟
من أسباب اختيار هذا الموضوع :
1- تبصير المؤمنين بصيانة الأعمال الصالحة من المفسدات و المبطلات .
2- العمل بفقه حذيفة -رضي الله عنه- :عن حذيفة بن اليمان :قال : كان الناس يسألون رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.." (1) .
معنى حبط لغة :
حبط عمله : حَبْطاً :بَطَلَ (2) .
قال الراغب الأصفهاني :
أصل الحبط : من الحبط، وهو أن تكثر الدابة أكلاً حتى ينتفخ بطنها.
حبط العمل على أضرب:(1/415)
أحدها: أن تكون الأعمال دنيوية: فلا تغني في القيامة غناءاً: كما أشار إليه بقوله: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً" [الفرقان:23]. والثاني: أن تكون أعمالا ً أخروية: لكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى: كما روي : عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: فلان جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار... ) (3) .
والثالث: أن تكون أعمالا صالحة: ولكن بإزائها سيئات توفي عليها، وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان (4) .
و قال القاضي أبو بكر بن العربي الإحباط إحباطان:
أحدهما: إبطال الشيء للشيء وإذهابه جملة:
كإحباط الإيمان للكفر والكفر للإيمان وذلك في الجهتين إذهاب حقيقي .
ثانيهما إحباط الموازنة :
إذا جعلت الحسنات في كفة والسيئات في كفة فمن رجحت حسناته نجا ومن رجحت سيئاته وقف في المشيئة إما أن يغفر له وإما أن يعذب فالتوقيف إبطال ما لأن توقيف المنفعة في وقت الحاجة إليها إبطال لها والتعذيب إبطال أشد منه إلى حين الخروج من النار ففي كل منهما إبطال نسبى أطلق علي اسم الإحباط مجازاً وليس هو إحباط حقيقة لأنه إذا أخرج من النار وأدخل الجنة عاد إليه ثواب عمله.
الحبط في الاصطلاح الشرعي :
قال ابن عاشور – رحمه الله - :(1/416)
" وحبط الأعمال: زوال آثارها المجعولة مرتبة عليها شرعاً، فيشمل آثارها في الدنيا والثواب في الآخرة وهو سر قوله "في الدنيا والآخرة ".
فالآثار التي في الدنيا : هي ما يترتب على الإسلام من خصائص المسلمين وأولها آثار كلمة الشهادة من حرمة الأنفس والأموال والأعراض والصلاة عليه بعد الموت والدفن في مقابر المسلمين.
وآثار العبادات وفضائل المسلمين بالهجرة والأخوة التي بين المهاجرين والأنصار وولاء الإسلام وآثار الحقوق: مثل حق المسلم في بيت المال والعطاء وحقوق التوارث والتزويج فالولايات والعدالة وما ضمنه الله للمسلمين مثل قوله (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة).
وأما الآثار في الآخرة: فهي النجاة من النار بسبب الإسلام وما يترتب على الأعمال الصالحات من الثواب والنعيم.
والمراد بالأعمال : الأعمال التي يتقربون بها إلى الله تعالى ويرجون ثوابها بقرينة أصل المادة ومقام التحذير؛ لأنه لو بطلت الأعمال المذمومة لصار الكرم تحريضاً، وما ذكرت الأعمال في القرآن مع حبطت إلا غير مقيدة بالصالحات اكتفاء بالقرينة" (5) .
من فوائد الأعمال الصالحة :
• النجاة من النار .
• سرعة دخول الجنة .
• تبؤ الدرجات العُلا في الجنة .
و إحباط العمل قد يمنع من دخول الجنة، أو يبطئ في دخولها، أو يمنع نيل الدرجات العلا.
قال تعالى: "انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً" [الإسراء:21].
هل الكبائر تُحبط الأعمال ؟
قال الإمام ابن تيمية- رحمه الله - في الفتاوى : و " الخوارج والمعتزلة يقولون : إنه من فعل كبيرة أحبطت جميع حسناته،وأهل السنة والجماعة لا يقولون بهذا الإحباط، بل أهل الكبائر معهم حسنات وسيئات، وأمرهم إلى الله تعالى". .
و إذا كانت السيئات لا تُحبط جميع الحسنات، فهل تُحبط بقدرها وهل يحبط بعض الحسنات بذنب دون الكفر ؟(1/417)
قال ابن تيمية – رحمه الله - فيه قولان للمنتسبين إلى السنة :
• منهم من ينكره.
• ومنهم من يثبته. كما دلت عليه النصوص، مثل قوله : "لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى" [البقرة:264] . دل على أن هذه السيئة تبطل الصدقة، وضرب مثله بالمرائي، وقالت عائشة : ابلغي زيدًا أن جهاده بطل (6) .
وأما قوله : "أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ " [الحجرات:2] ، وحديث صلاة العصر ففي ذلك نزاع .
وقال تعالى : " وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ " [محمد:33].
• قال الحسن : بالمعاصي والكبائر.
• وعن عطاء : بالشرك والنفاق.
• وعن ابن السائب : بالرياء والسمعة.
• وعن مقاتل : بالمن . وذلك أن قومًا منوا بإسلامهم.
فما ذُكر عن الحسن يدل على أن المعاصي والكبائر تُحبط الأعمال" (7) .
خوف المؤمن أن يُحبط عمله:
أولاً : الخوف من النفاق :
قال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً.
وقال ابن أبي ملكية: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل.
ويذكر عن الحسن قال : ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق. وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة، لقول الله تعالى: "ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" [آل عمران:135].
ومن تأمل أحوال الصحابة -رضى الله عنهم- وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ،ونحن جمعنا بين التقصير ـ بل التفريط ـ والأمن !
فهذا الصديق-رضي الله عنه- يقول :وددت أني شعرة في جَنْب عبد مؤمن (8) .
وهذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله "إن عذاب ربك لواقع" [الطور:7] فبكى، واشتد بكاؤه، حتى مرض وعادوه .
وقال لابنه وهو في سياق الموت : ويحك ! ضع خدي على الأرض؛ عساه أن يرحمني . ثم قال: ويل أمي إن لم يغفر الله لي ؛ ثلاثا ثم قضى (9) .(1/418)
وهذا عثمان بن عفان –رضي الله عنه - كان إذا وقف على القبر ؛ يبكى حتى تبل لحيته (10) .
وقال : لو أنني بين الجنة والنار، لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي ؛ لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير (11) .
وهذا علي بن أبي طالب –رضي الله عنه - وبكاؤه وخوفه، وكان يشتد خوفه من اثنتين : طول الأمل، وإتباع الهوى . قال : فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة ،والآخرة قد أسرعت مقبلة ،ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل (12) .
وقرأ تميم الداري-رضي الله عنه- ليلة سورة الجاثية فلما أتى على هذه الآية : "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات" [الجاثية:21] جعل يرددها ويبكي حتى أصبح (13) .
وقال أبو عبيدة عامرُ بن الجراح : وددت أني كبش، فذبحني أهلي، وأكلوا لحمي وحسوا مرقي (14) .
ثانياً : الإشفاق على العمل أن يصير إلى الضياع :(1/419)
قال ابن القيم في منزلة الإشفاق :".. إشفاق على العمل أن يصير إلى الضياع .فيخاف على عمله أن يكون من الأعمال التي قال الله فيها :" "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا"(الفرقان :23).و هي الأعمال التي كانت لغير الله و على غير أمره و سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - و يخاف أيضاً أن يضيع عمله في المستقبل ،إما بتركه ،و إما بمعاصي تفرقه و تحبطه فيذهب ضائعاً .و يكون حال صاحبه كحال التي قال الله تعالى عن أصحابها : "أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" [البقرة:166].
قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- للصحابة – رضي الله عنهم - :" فيمن ترون هذه الآية نزلت ؟فقالوا :الله أعلم .فغضب عمر و قال : قولوا : نعلم أو لا نعلم .فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين . قال : يا ابن أخي قل و لا تحقرن نفسك . قال ابن عباس :ضُربت مثلاً لعمل .قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس :لعمل .قال ابن عمر قال ابن عباس :لرجل غني يعمل بطاعة الله فبعث الله إليه الشيطان .فعمل بالمعاصي حتى أغرق جميع أعماله " (15) .(1/420)
قال القرطبي : " روي عن ابن عباس وغيره: " إن هذا مثل ضربه الله تعالى للكافرين والمنافقين, كهيئة رجل غرس بستاناً فأكثر فيه من الثمر فأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء - يريد صبياناً بنات وغلماناً - فكانت معيشته ومعيشة ذريته من ذلك البستان, فأرسل الله على بستانه ريحاً فيها نار فأحرقته, ولم يكن عنده قوة فيغرسه ثانية, ولم يكن عند بنيه خير فيعودون على أبيهم. وكذلك الكافر والمنافق إذا ورد إلى الله تعالى يوم القيامة ليست له كرة يُبعث فيُرد ثانية, كما ليست عند هذا قوة فيغرس بستانه ثانية, ولم يكن عنده من افتقر إليه عند كبر سنه وضعف ذريته غنى عنه".
حال السلف و تحقيرهم لأعمالهم :
عن بن أبي مليكه قال جاء عائشة عبد الله بن عباس يستأذن عليها قالت لا حاجة لي به قال عبد الرحمن بن أبي بكر إن بن عباس من صالحي بنيك جاءك يعودك قالت فأذن له فدخل عليها فقال يا أماه أبشرى فوالله ما بينك وبين أن تلقى محمدا –صلى الله عليه وسلم -والأحبة إلا أن تفارق روحك جسدك كنت أحب نساء رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إليه ولم يكن يحب رسول الله إلا طيبة قالت وأيضا قال هلكت قلادتك بالأبواء فأصبح رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فلم يجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فكان ذلك بسببك وبركتك ما أنزل الله لهذه الأمة من الرخصة فكان من أمر مسطح ما كان فأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات فليس مسجد يذكر فيه الله إلا وشأنك يتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار فقالت يا بن عباس دعني منك ومن تزكيتك فوالله لوددت أنى كنت نسيا منسيا (16) .
ثالثاً : توفير الحسنات :
قال ابن القيم في منزلة الورع : توفير الحسنات من وجهين :
أحدهما : توفير زمانه على اكتساب الحسنات .فإن اشتغل بالقبائح نقصت عليه الحسنات التي كان مستعداً لتحصيلها .(1/421)
والثاني : توفير الحسنات المفعولة عن نقصانها ،بموازنة السيئات و حبوطها .لأن السيئات قد تحبط الحسنات ،و قد تستغرقها بالكلية أو تنقصها .فلابد أن تضعفها قطعاً ،فتجنُبِها يوفر ديوان الحسنات .وذلك بمنزلة من له مال حاصل .فإذا استدان عليه، فإما أن يستغرقه الدين أو يكثره أو ينقصه ،فهكذا الحسنات و السيئات سواء " (17) .
رابعاً : غيرة العبد لربه :
غيرة العبد لربه نوعان:ٍ
أحدهما : غيرة من نفسه : أن لا يجعل شيئاً من أعماله و أقواله و أوقاته و أنفاسه لغير ربه".
والثاني : غيرة من غيره : أن يغضب لمحارمه إذا انتهكها المنتهكون ،و لحقوقه إذا تهاون بها المتهاونون " (18) .
خامساً :الدعاء بعدم إضاعة العمل :
"فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِ مْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ" [آل عمران:195].
ومعنى نفي إضاعة عملهم نفي إلغاء الجزاء عنه: جعله كالضائع غير الحاصل في يد صاحبه. فنفي إضاعة العمل بالاعتداد بعلمهم وحسبانه لهم، فقد تضمنت الاستجابة تحقيق عدم إضاعة العمل تطميناً لقلوبهم من وجل عدم القبول، وفي هذا دليل على أنهم أرادوا في قولهم : " رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ"[آل عمران:194]. تحقيق قبول أعمالهم والاستعاذة من الحبط " (19) .
1 2 3 4
(1) صحيح مسلم ، باب الإمارة ،رقم الحديث ،(3434).
(2) المعجم الوسيط ، (ج1/152).(1/422)
(3) الحديث أخرجه مسلم والنسائي، والترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه. انظر: الترغيب والترهيب 1/29؛ وعارضة الأحوذي 9/226؛ ومسند أحمد 2/321؛ وسنن النسائي 6/23؛ ومسلم في الإمارة، باب من قاتل للرياء برقم (1905) ؛ وانظر: شرح السنة 14/334).
(4) مفردات ألفاظ القرآن ،ص 216
(5) تفسير التحرير و التنوير ، (ج3/603).
(6) عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت لأم ولد زيد بن أرقم :" أخبري زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب ". رواه الدارقطني في سننه ،كتاب البيوع، (3/52).
(7) مجموع الفتاوى ،ابن تيمية .
(8) في الزهد ص 135 .
(9) الزهد لأحمد ص 149و155 .
(10) أخرجه : الترمذي (2308) .
(11) أخرجه : أحمد في الزهد ص 160 .
(12) أخرجه : أحمد في الزهد ص 162-163 .
(13) أخرجه : أحمد في الزهد ص 227 .
(14) أخرجه : أحمد في الزهد ص 230 .
(15) مدارج السالكين ،ص247.
(16) صحيح ابن حبان ، فضائل الصحابة ،(ج1/834 )، رقم الحديث (7108).
(17) مدارج السالكين ، ص 265 .
(18) مدارج السالكين ، ص 471
(19) التحرير و التنوير ،(ج4/876).
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7125
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - حكم ممارسة المرأة للرياضة
دراسات علمية رسائل جامعية
حكم ممارسة المرأة للرياضة
د. عبد الرحمن بن أحمد الجرعي
………
20/3/1427
18/04/2006
الحمد لله وحده الصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
وبعد : فإن موضوع ممارسة المرأة للرياضة من الموضوعات المثارة على الساحة اليوم , مع وجود بعض المطالبات بتخصيص حصص دراسة لهذه الرياضة أسوة بالذكور, والمطالبة كذلك بفتح النوادي الرياضية النسائية أيضاً.
وفي هذه الكلمات الآتية محاولة لتلمس الموقف الشرعي من هذه القضية وسأتكلم عن هذا الموضوع في المباحث الآتية :
المبحث الأول: تعريف الرياضة:(1/423)
فالرياضة هنا هي الرياضة البدنية التي تعني القيام بحركات خاصة, تكسب البدن قوة ومرونة (1) .
المبحث الثاني : حكم الرياضة في الإسلام عموما :
حكم الرياضة في الإسلام عموما: الجواز والاستحباب لما كان منها بريئاً هادفاً إلى ما فيه التدريب على الجهاد, وتنشيط الأبدان وتقوية الأرواح (2) . على الأرجح من أقوال أهل العلم
المبحث الثالث : ضوابط ممارسة الرياضة عموما :
لقد تنوعت الرياضات في عصرنا هذا ودخلها كثير من المخالفات الشرعية إما في نظام الرياضة ذاتها أو في كيفية أدائها مما hستدعى معرفة الضوابط الشرعية في ممارسة الرياضة , ولعل من أهمها ما يلي :
1.…ألا تلهي الرياضة عن واجب شرعي:
كإقامتها في وقت الصلاة المكتوبة أو ما يقارب وقتها فإن ذلك لا يجوز بحال , وهو من المنكرات الواجب إنكارها , وحكمه في ذلك حكم ما يُلهي عن ذكر الله وعن الصلاة (3) .
2.…مراعاة المقاصد الحسنة " الشرعية " عند مزاولة الرياضة :
فالرياضة إما أن تكون وسيلة للإعداد لجهاد الأعداء, وهي أرفع صور الرياضة من حيث المشروعية, أو تكون وسيلة لتقوية الأبدان وتنشيطها, والاستجمام المباح ؛ لتعين المسلم على القيام بالواجبات المنوطة به في الحياة , فينبغي مراعاة المقصد الحسن عند مزاولة الرياضة ؛ حتى يُؤْجَر المرء فإنه قد تقرر عند الفقهاء رحمهم الله أن " الأمور بمقاصدها " (4) , استدلالاً بقوله –صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات" (5) وهذه قاعدة عظيمة تدخل فيها كل تصرفات المسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"وسائر ما يتلهى به البطالون , من أنواع اللهو, وسائر ضروب اللعب مما لا يستعان به في حق شرعي , فهو حرام .. " (6) .
3.…وجوب ستر العورات , والبعد عن مواطن إثارة الغرائز :
ستر العورة واجب عند أداء الرياضة, وبعض الرياضات, يكثر فيها كشف العورات, على وجه مثير للفتنة, وهذا لا يجوز.(1/424)
ومن الرياضات ما يمارسه النساء فقط, ويكشفن فيه المواطن التي نهى الشرع عن كشفها، سواءً كان ذلك الكشف بحضرة رجال أو نساء, وكل ذلك محظور شرعاً وبعض الرياضات تشتمل على ما يثير الغرائز, كالاختلاط المحرم الذي يمكن أن يحدث أثناء ممارسة الرياضة, والنصوص الشرعية تؤكد على خطورة اختلاط الرجال بالنساء (7) .
ومما يثير الغرائز أيضا: أداء الرياضة على أنغام الموسيقى, كرياضة الباليه, وهذا فعل محرم (8) فلا يجوز ممارسة هذه الرياضات المشتملة على هذه المحرمات.
4.…عدم اشتمال الرياضة على خطر محقق أو غالب :
فإن إلقاء النفس إلى التهلكة محرم, كما قال تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"[البقرة:195].
وقال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" [النساء:29] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " .
فإن كانت الرياضة خطرة , أو يغلب على الظن وجود الخطر فيها , سواءً كان هذا الأذى والضرر يلحق باللاعب أو يلحقه هو بغيره , فإنها ممنوعة ؛ لأن مفهوم الرياضة يقوم على أساس التمرين دون إيذاء أو ضرر .
5.…البعد عن المكاسب المحرمة في الرياضة :
مثل القمار , وأخذ العوض المحُرَّم في الرياضات التي لا يجوز أخذ العوض في مسابقاتها .
6.…ألا يترتب على إقامة المسابقات الرياضية موالاة أو معاداة بسبب تلك المسابقات :
فإن الموالاة والمعاداة إنما تكون من أجل الدين قال تعالى : "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" [التوبة:71] .
قال القرطبي: "أي قلوبهم متحدة , في التواد والتحاب والتعاطف" (9) .
المبحث الرابع : حكم ممارسة المرأة للرياضة :(1/425)
الأصل عموم الأحكام الشرعية للرجال والنساء وقد سبق أن الأصل في الرياضة الجواز . ومما يدل على أن هذا هو الأصل في ممارسة الرياضة للنساء ما ورد في سنن أبي داود (10) ومسند أحمد (11) عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر قالت : فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني . فقال : " هذه بتلك السبقة " وقال عنه الألباني (12) " صحيح " .
قال الخطابي في معالم السنن (13) " وفي الحديث دليل واضح على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرم الأخلاق وحسن المعاشرة مع الأهل وتطييب قلوبهم " .
وبناءً على هذا الأصل فإن للمرأة أن تمارس من الرياضة ما تحتاج إليه في تنشيط جسمها , فإن للرياضة أثراً في نشاط البدن وحيويته .
إلا أنه لا بد من التنبيه إلى طبيعة المرأة من حيث وجوب الستر وعدم كشف العورات , ومراعاة الضوابط لخروج المرأة من بيتها , ووجوب البعد عن الرجال في ممارسة الرياضة , والبعد عن مواطن الفتنه , فإن الفتنة بالنساء عظيمة كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ( ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء ) (14) ويتلخص لنا مما سبق أنه يجوز للمرأة في بيتها أن تمارس الرياضة التي تتناسب مع طبيعة جسمها كأنثى دون الرياضة التي تلحق الأذى بها عاجلا أو آجلا . مع مراعاة الضوابط العامة المذكورة في المبحث الثالث .
المبحث الخامس : ممارسة المرأة للرياضة خارج بيتها ( في النوادي والمدارس مثلاً ) :
يحرص الشرع على ستر المرأة، وأن تنفصل قدر الإمكان عن الاحتكاك بالرجال، وبالتالي فقد حبذ لها الشرع البقاء في بيتها، وألا تخرج إلا وهي محتشمة وغير مبدية للزينة الظاهرة وغير متطيبة مع عدم الضرب بالأرجل ليعلم ما تخفي من زينتها .
كل ذلك من أجل صيانتها عن أن تنتهبها الأعين الزائغة .
قال تعالى : "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن" [الأحزاب:33].(1/426)
قال صلى الله عليه وسلم في أمر الخروج إلى الصلاة وهي شعيرة دينية ( لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن ) (15) .
وجعل صلى الله عليه وسلم خير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها (16) .
كل ذلك لتتجنب المرأة مواطن الفتنة .
وبناءً على ما سبق فإن الأولى والأفضل للمرأة أن تمارس الرياضة المناسبة لها في بيتها، وإن احتاجت إلى ممارسة الرياضة خارج البيت فلابد من مراعاة الضوابط الآتية :
1. أن يكون المكان الذي تمارس فيه المرأة الرياضة خالياً من الرجال ومستوراً عن الأعين وأن يتأكد من عدم تركيب كاميرات التصوير التي قد يضعها بعض ضعاف النفوس لأن المرأة حال ممارسة الرياضة لا تكون في حال الاحتشام غالباً .
2. عدم كشف مالا يحل كشفه من العورات وألا تظهر المرأة مواضع الفتنة منها .
3. أن تكون الوسيلة التي توصل المرأة إلى موضع ممارسة الرياضة مأمونةً بحيث لايكون هناك خلوة وأن يكون الموصل لها-إلى مكان ممارسة الرياضة- من الثقات .
4. أن تمارس المرأة مالا يتعارض مع طبيعة جسمها من الرياضات المناسبة لأنوثتها بعيداً عن الرياضات العنيفة التي تؤثر على جسمها وربما أفقدتها بعض الخصائص التي أودعها الله فيها .
5. وجوب التستر والاحتشام عند الدخول والخروج من مكان مزاولة الرياضة .
6. أن يقوم الثقات من النساء على مثل هذه المناشط مع المتابعة التامة وملاحظة التجاوزات لدفعها وتلافيها
7. وجوب مراعاة الضوابط العامة المذكورة في المبحث الرابع .
8. يجب أن يعلم أن مقصد الشارع من حفظ الأعراض مقصد ضروري والرياضة على العموم لا تخرج عن المقصد التحسيني وبالتالي فإن خُشي على المقصد الضروري من الفوات فوت التحسيني في سبيل المحافظة على الضروري .
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
(1) انظر المعجم الوسيط ص 382 .
(2) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 8 / 115 .(1/427)
(3) ( انظر : مجموع الفتاوى 32 / 218 ، وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 8 / 114 والاختيارات الجلية 3 / 163 .
(4) انظر الأشباه والنظائر لابن نجم ص 27 .
(5) أخرجه البخاري 1 / 13 .
(6) الاختيارات الفقهية ص 160 .
(7) ومن ذلك ما رواه عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال : " المرأة عورة " فإذا خرجت استشرفها الشيطان " أخرجه الترمذي في جامعه , كتاب الرضاع , باب : استشراف الشيطان المرأة إذا خرجت 3 / 476 , وقال الترمذي " هذا حديث حسن غريب " .
(8) انظر : فتاوى إسلامية , لمجموعة من هيئة كبار العلماء ص 84 , جمع وترتيب محمد بن عبدالعزيز المسند .
(9) تفسير القرطبي 8 / 203 .
(10) سنن أبي داود 3 / 65 .
(11) ومسند أحمد 6 / 39 .
(12) إرواء الغليل 5 / 327 .
(13) معالم السنن 3 / 66 .
(14) مختصر صحيح مسلم , للمنذري , بتحقيق الألباني ص 550 .
(15) رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر وصححه الألباني كما في صحيح الجامع 2 / 1242
(16) مختصر صحيح مسلم للمنذري ص 77 .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7129
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [12/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [12/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
21/3/1427
19/04/2006
- طلب الطلاق من الزوج الفاسق.
- إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه.
- طلاق المرأة نفسها.
- حكم تطليق القاضي غيرالمسلم.
- مراعاة السنن في الأضحية.
- طلب الطلاق من الزوج الفاسق(1/428)
الزواج ميثاق غليظ، ورباط مقدس، يجمع بين الرجل والمرأة على كتاب الله تعالى وعلى سنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، ويجعل كلاً منهما لصاحبه بمنزلة اللباس له كما قال الله تعالى في تصوير هذه العلاقة بينهما: "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ" [البقرة 187]. بما توحي به كلمة (اللباس) من القرب واللصوق والستر والدفء والزينة.
ولهذا يجب على كل من الزوجين أن يحسن عشرة صاحبه، وأن يصبر عليه، ولا يجوز للرجل أن يطلق زوجته للإضرار بها، لأن في ذلك هدم هذه المؤسسة المشتركة، وكسر قلب الزوجة، وربما فرق بينها وبين أولادها منه بغير مبرر ولا ضرورة.
ومن هنا كان التفريق بين المرء وزوجه من الكبائر الموبقة، وهو من أحب الأعمال إلى إبليس كما جاء في بعض الأحاديث.
وإذا كان الزوج يحرم عليه إضرارامرأته بالطلاق بلا عذر، فكذلك لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بلا عذر موجب. وقد جاء فيما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة".
ومفهوم الحديث : أنها إذا طلبت الطلاق من بأس وبسبب، فلا إثم عليها.
فهل يكون فسق الزوج سبباً موجباً أو مجيزاً لطلب الطلاق من المرأة ؟
ولا ريب أن الفساق يختلفون في مدى فسقهم وفي معاشرتهم لنسائهم، فمنهم من يريد من امرأته أن تعينه على فسقه، بأن تقدم له الخمر مثلاً، وهو حرام عليها، فيجوز لها أن تطلب الطلاق تفادياً لما يمكن أن يصيبها من الإثم.
ومنهم من يسيء عشرته لامرأته ويضارها ويؤذيها، لهذا يعطيها الحق في طلب الطلاق وخصوصاً إذا استمر في ذلك، ولم ترج منه التوبة ولا استقامة الحال، ومنهم من لا يفعل هذا ولا ذاك، وهوحسن العشرة معها، فهذا هو الذي يختلف فيه.(1/429)
وجمهور الفقهاء يرون أن تارك الصلاة كسلاً إنما هو عاص فاسق لا كافر مرتد، وعلى هذا لا يجب التفريق بينه وبين امرأته.
والذي نرجحه هنا: أن المرأة إذا كانت تأمل في رجعة زوجها إلى الله، وأنه يمكن أن تؤثر فيه النصيحة والموعظة، وأن حاله يمكن أن يتحسن، فعليها أن تصبر عليه، وإن كان فاسقاً، بترك الصلاة وبشرب الخمر، وخصوصاً إذا كان لها أولاد من ذلك الرجل، وتخشى عليهم التشتت والضياع.
وهذا بشرط ألا يستحل ترك الصلاة أو شرب الخمر، فينتقل بذلك إلى الكفر الصريح المفرق بين المرء وزوجه.
- "إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه"
بعد اطلاع المجلس على البحوث والدراسات المختلفة في توجهاتها، والتي تناولت الموضوع بتعميق وتفصيل في دورات ثلاث متتالية، واستعراض الآراء الفقهية وأدلتها مع ربطها بقواعد الفقه وأصوله ومقاصد الشرع، ومع مراعاة الظروف الخاصة التي تعيشها المسلمات الجديدات في الغرب حين بقاء أزواجهن على أديانهم، فإن المجلس يؤكد أنه يحرم على المسلمة أن تتزوج ابتداء من غير المسلم، وعلى هذا إجماع الأمة سلفاً وخلفاً، أما إذا كان الزواج قبل إسلامها فقد قرر المجلس في ذلك ما يلي:
أولاً: إذا أسلم الزوجان معا ولم تكن الزوجة ممن يحرم عليه الزواج بها ابتداء (كالمحرمة عليه حرمة مؤبدة بنسب أو رضاع) فهما على نكاحهما .
ثانياً: إذا اسلم الزوج وحده ، ولم يكن بينهما سبب من أسباب التحريم وكانت الزوجة من أهل الكتاب فهما على نكاحهما .
ثالثاً: إذا أسلمت الزوجة وبقى الزوج على دينه فيرى المجلس :
أ - إن كان إسلامها قبل الدخول بها فتجب الفرقة حالاً.
ب - إن كان إسلامها بعد الدخول وأسلم الزوج قبل انقضاء عدتها ،فهما على نكاحهما.
ج - إن كان إسلامها بعد الدخول، وانقضت العدة, فلها أن تنتظر إسلامه ولو طالت المدة ، فإن أسلم فهما على نكاحهما الأول دون حاجة إلى تجديد له.(1/430)
د- إذا اختارت الزوجة نكاح غير زوجها بعد انقضاء العدة فيلزمها طلب فسخ النكاح عن طريق القضاء.
خامساً: لا يجوز للزوجة عند المذاهب الأربعة بعد انقضاء عدتها البقاء عند زوجها، أو تمكينه من نفسها. ويرى بعض العلماء أنه يجوز لها أن تمكث مع زوجها بكامل الحقوق والواجبات الزوجية إذا كان لا يضيرها في دينها وتطمع في إسلامه, وذلك لعدم تنفير النساء من الدخول في الإسلام إذا علمن أنهن سيفارقن أزواجهن ويتركن أسرهن, ويستندون في ذلك إلى قضاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في تخيير المرأة في الحيرة التي أسلمت ولم يسلم زوجها: "إن شاءت فارقته وإن شاءت قرت عنده", وهي رواية ثابتة عن يزيد بن عبد الله الخطمي. كما يستندون إلى رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إذا أسلمت النصرانية امرأة اليهودي أو النصراني كان أحق ببضعها لأن له عهداً, وهي أيضاً رواية ثابتة. وثبت مثل هذا القول عن إبراهيم النخعي، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان .
- طلاق المرأة نفسها
وفي مسألة مدى جواز طلاق المرأة نفسها، فإن المجلس قد قرر بعد بحث مستفيض ما يلي:
أولاً: أن الطلاق من حيث الأساس حق أعطاه الإسلام للرجل.
ثانياً: يمكن أن تطلق المرأة نفسها إذا اشترطت ذلك في عقد الزواج أو إذا فوضها زوجها بذلك بعد العقد.
ثالثاً: يمكن للمرأة أن تخالع زوجها إذا رغبت في ذلك أمام القاضي الذي يجب عليه أن يبذل كل جهد ممكن للإصلاح بينهما، فإن يئس قضى بالخلع.
رابعاً: يمكن للمرأة أن تتفق مع زوجها على الطلاق ضمن أي شروط مشروعة يتراضيان عليها.
خامساً: يمكن للمرأة أن تطلب من القاضي التفريق بسبب الضرر المعتبر شرعاً، وله أن يحكم بذلك إذا أثبتت الزوجة ادعاءها، وبعد أن يبذل جهده في الإصلاح بين الزوجين كما أمر الله تعالى، وخاصة اختيار حكمين يساعدانه في هذه المهمة.
القرار 3/5
- حكم تطليق القاضي غير المسلم(1/431)
الأصل أن المسلم لا يرجع في قضائه إلا إلى قاض مسلم، أو من يقوم مقامه، غير أنه بسبب غياب قضاء إسلامي حتى الآن يتحاكم إليه المسلمون في غير البلاد الإسلامية، فإنه يتعين على المسلم الذي أجرى عقد زواجه وفق قوانين هذه البلاد، تنفيذ قرار القاضي غير المسلم بالطلاق، لأن هذا المسلم لمّا عقد زواجه وفق هذا القانون غير الإسلامي، فقد رضي ضمناً بنتائجه، ومنها أن هذا العقد لا يحل عروته إلا القاضي. وهو ما يمكن اعتباره تفويضاً من الزوج جائزاً له شرعاً عند الجمهور، ولو لم يصرح بذلك. لأن القاعدة الفقهية تقول (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً). وتنفيذ أحكام القضاء ولو كان غير إسلامي جائز من باب جلب المصالح ودفع المفاسد وحسماً للفوضى، كما أفاده كلام غير واحد من حذاق العلماء كالعز بن عبدالسلام وابن تيمية والشاطبي.
القرار 4/5
ب – حول مدى ضرورة اشتراط مراعاة السن في الأضحية:
فأجاب بأن اعتبار السن المحدد للأضحية في الضأن والبقر هو للتحقق من الانتفاع بها ليكون ما يضحى به مجزئاً، والسن هو علامة أو أمارة على ذلك، سواء أتم ذلك بنمو طبيعي أم باستخدام طرق التسمين، فإن التضحية بها جائزة تحقيقاً للمقصود الشرعي من اشتراط السن، وقد أفتى بهذا بعض مشاهير المالكية، وينبغي مراعاة المتطلبات الصحية لتجنب الأضرار التي قد تحدث من ذبائح مريضة أو مشتملة على موانع معروفة، مثل جنون البقر، والله أعلم. وبالمناسبة فإن المجلس ينبه المسلمين إلى ما يلي:
الحرص على الالتزام بالقوانين الصحية التي تشترط رقابة الطبيب البيطري على الذبائح في المسالخ الرسمية.
يجوز شرعاً أن يوكِّل المسلم غيره بذبح أضحيته عنه، ولو في بلد آخر، خاصة في البلاد التي يتعرض فيها المسلمون للاضطهاد، أو المجاعة، أو الحاجة الملحة.
في حال تعذر حصول المضحي على أضحية من المسلخ في اليوم الأول من أيام العيد، فلا مانع أن يكون ذلك إلى اليوم الرابع من أيام العيد.
قلت:(1/432)
قولهم بعض مشاهير المالكية يشير إلى فتوى الشيخ ماء العينين في شأن المواشي التي يسرع بها الخصب إلى حالة من السمن وعظم الجسم لا تناسب سنها وذلك في مناطق تيرس الصحراوية.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5 16 17
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7143
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - محبطات الأعمال [2/4]
دراسات علمية رسائل جامعية
محبطات الأعمال [2/4]
توفيق علي
………
24/3/1427
22/04/2006
أسباب حبوط الأعمال في القرآن الكريم:
أولاً :كراهة ما أنزل الله
قال تعالى : "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ"[محمد:9].
قال سيد قطب – رحمه الله - :" وهو تصوير لما يعتمل في قلوبهم ويختلج في نفوسهم من الكراهية لما أنزل الله من قرآن وشريعة ومنهج واتجاه . وهذا هو الذي يدفع بهم إلى الكفر والعناد والخصومة والملاحاة . وهي حالة كثير من النفوس الفاسدة التي تكره بطبعها ذلك النهج السليم القويم , وتصادمه من داخلها , بحكم مغايرة طبيعتها لطبيعته . وهي نفوس يلتقي بها الإنسان كثيراً في كل زمان وفي كل مكان , ويحس منها النفرة والكراهية لهذا الدين وما يتصل به ; حتى إنها لتفزع من مجرد ذكره كما لو كانت قد لذعتها العقارب ! وتتجنب أن يجيء ذكره أو الإشارة إليه فيما تسمع حولها من حديث ! ولعلنا نشاهد في هذه الأيام حالة من هذا الطراز لا تخفى على الملاحظة !
وكان جزاء هذه الكراهية لما أنزل الله , أن أحبط الله أعمالهم . فالحبوط انتفاخ بطون الماشية عند أكلها نوعاً من المرعى سام . ينتهي بها إلى الموت والهلاك . وكذلك انتفخت أعمالهم وورمت وانبعجت . ثم انتهت إلى الهلاك والضياع ! إنها صورة وحركة , ونهاية مطابقة لحال من كرهوا ما أنزل الله ثم تعاجبوا بالأعمال الضخام . المنتفخة كبطون الأنعام , حين ترعى من ذلك النبت السام" ! (1) .(1/433)
ثانياً : اتباع ما أسخط الله
قال تعالى : "ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ" [محمد:28].
قال ابن عاشور – رحمه الله - : "وإتباعهم ما أسخط الله: هو إتباعهم الشرك. والسخط مستعار لعدم الرضى بالفعل. وكراهتهم رضوان الله: كراهتهم أسباب رضوانه وهو الإسلام.
والجمع بين الإخبار عنهم باتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه مع إمكان الاجتزاء بأحدهما عن الآخر للإيماء إلى أن ضرب الملائكة وجوه هؤلاء مناسب لإقبالهم على ما أسخط الله، وأن ضربهم أدبارهم مناسب لكراهتهم رضوانه لأن الكراهة تستلزم الإعراض والإدبار.
فكان ذلك التعذيب مناسباً لحالي توقيهم في الفرار من القتال وللسببين الباعثين على ذلك التوقي.
وفرع على اتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه قال "فأحبط أعمالهم" فكان اتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه سبباً في الأمرين: ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند الوفاة، وإحباط أعمالهم (2) .
" فهم الذين أرادوا لأنفسهم هذا المصير واختاروه . هم الذين عمدوا إلى ما أسخط الله من نفاق ومعصية وتآمر مع أعداء الله وأعداء دينه ورسوله فاتبعوه . وهم الذين كرهوا رضوان الله فلم يعملوا له , بل عملوا ما يسخط الله ويغضبه . .فأحبط أعمالهم ..التي كانوا يعجبون بها ويتعاجبون ; ويحسبونها مهارة وبراعة وهم يتآمرون على المؤمنين ويكيدون . فإذا بهذه الأعمال تتضخم وتنتفخ . ثم تهلك وتضيع ! " (3) .
ثالثاً : اتباع أهل الضلال من أهل الكتاب(1/434)
قال تعالى: "كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" [التوبة:69].
قال الطبري – يرحمه الله - :" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المنافقين الذين قالوا إنما كنا نخوض ونلعب: أبا لله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزءون, كالذين من قبلكم من الأمم الذين فعلوا فعلكم فأهلكهم الله, وعجّل لهم في الدنيا الخزي مع ما أعدّ لهم من العقوبة والنكال في الآخرة؟ يقول لهم جل ثناؤه: واحذروا أن يحلّ بكم من عقوبة الله مثل الذي حلّ بهم, فإنهم كانوا أشدّ منكم قوّة وبطشا, وأكثر منكم أموالاً وأولادا. فاسْتَمْتَعُوا بخَلاقِهِمْ يقول: فتمتعوا بنصيبهم وحظهم من دنياهم ودينهم, ورضوا بذلك من نصيبهم في الدنيا عوضا من نصيبهم في الآخرة. وقد سلكتم أيها المنافقون سبيلهم في الاستمتاع بخلاقكم, يقول: فعلتم بدينكم ودنياكم كما استمتع الأمم الذين كانوا من قبلكم الذين أهلكتهم بخلافهم أمري, بخلاقهم, يقول: كما فعل الذين من قبلكم بنصيبهم من دنياهم ودينهم, وخضتم في الكذب والباطل على الله كالذي خاضوا, يقول: وخضتم أنتم أيها المنافقون كخوض تلك الأمم قبلكم".
و عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَتَتّبِعُنّ سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرا بِشِبْرٍ, وَذِرَاعا بذِرَاعٍ, وَباعا بباعٍ حتى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبّ لَدَخَلْتُمُوهُ" قالوا: وَمن هم يا رسول الله, أهل الكتاب؟ قال: "فَمَهُ؟".(1/435)
وعن ابن عباس في قوله كالذين من قبلكم الآية قال : " ما أشبه الليلة بالبارحة" كالذين من قبلكم" هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم لا أعلم إلا أنه قال والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه".
" أولئك حبطت أعمالهم أي بطلت مساعيهم فلا ثواب لهم عليها لأنها فاسدة في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون لأنهم لم يحصل لهم عليها ثواب ".
رابعاً : الكفر و الصد عن سبيل الله و مشاقة الرسول –صلى الله عليه وسلم -
و قال تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ" [محمد:32].
قال ابن كثير – رحمه الله - :" يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله وخالف الرسول وشاقه, وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى أنه لن يضر الله شيئاً, وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها, وسيحبط الله عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير, بل يحبطه ويمحقه بالكلية كما أن الحسنات يذهبن السيئات" (4) .
و قال سيد قطب – رحمه الله - :" إنه قرار من الله مؤكد , ووعد منه واقع: أن الذين كفروا , ووقفوا في وجه الحق أن يُبَلغ إلى الناس ; وصدوا الناس عنه بالقوة أو المال أو الخداع أو أية وسيلة من الوسائل , وشاقوا الرسول- صلى الله عليه وسلم- في حياته بإعلان الحرب عليه , والمخالفة عن طريقه , والوقوف في غير صفه . أو بعد وفاته بمحاربة دينه وشريعته ومنهجه والمتبعين لسنته والقائمين على دعوته . وذلك (من بعد ما تبين لهم الهدى). . وعرفوا أنه الحق ; ولكنهم اتبعوا الهوى , وجمح بهم العناد وأعماهم الغرض , وقادتهم المصلحة العاجلة .(1/436)
قرار من الله مؤكد , ووعد من الله واقع أن هؤلاء (لن يضروا الله شيئاً). . وهم أضأل وأضعف من أن يُذكروا في مجال إلحاق ضرر بالله سبحانه وتعالى . فليس هذا هو المقصود إنما المقصود أنهم لن يضروا دين الله ولا منهجه ولا القائمين على دعوته . ولن يُحدِثوا حدثاً في نواميسه وسننه . مهما بلغ من قوتهم , ومهما قدروا على إيذاء بعض المسلمين فترة من الوقت . فإن هذا بلاء وقتي يقع بإذن الله لحكمة يريدها ; وليست ضراً حقيقيا لناموس الله وسنته ونظامه ونهجه وعباده القائمين على نظامه ونهجه . والعاقبة مقررة: (وسيحبط أعمالهم). . فتنتهي إلى الخيبة والدمار . كما تنتهي الماشية التي ترعى ذلك النبات السام ! " (5) .
خامساً : سوء الأدب مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" [الحجرات:2].
قال ابن عاشور :" ظاهر الآية التحذير من حبط جميع الأعمال لأن الجمع المضاف من صيغ العموم ولا يكون حبط جميع الأعمال إلا في حالة الكفر لأن من الأعمال الإيمان فمعنى الآية: أن عدم الاحتراز من سوء الأدب مع النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد هذا النهي قد يفضي بفاعله إلى إثم عظيم يأتي على عظيم من صالحاته أو يفضي به إلى الكفر.
قال ابن عطية: أي يكون ذلك سبباً إلى الوحشة في نفوسكم فلا تزال معتقداتكم تتدرج القهقرى حتى يؤول ذلك إلى الكفر فحبط الأعمال.(1/437)
وأقول: لأن عدم الانتهاء عن سوء الأدب مع الرسول – صلى الله عليه وسلم- يعود النفس بالاسترسال فيه فلا تزال تزداد منه وينقص توفير الرسول –صلى الله عليه وسلم - من النفس وتتولى من سيء إلى أشد منه حتى يؤول إلى عدم الاكتراث بالتأدب معه وذلك كفر. وهذا معنى "وأنتم لا تشعرون" لأن المنتقل من سيء إلى أسوأ لا يشعر بأنه آخذ في التملي من السوء بحكم التعود بالشيء قليلاً حتى تغمره المعاصي وربما كان آخرها الكفر حين تضرى النفس بالإقدام على ذلك.
ويجوز أن يراد حبط بعض الأعمال على أنه عام مراد به الخصوص فيكون المعنى حصول حطيطة في أعمالهم بغلبة عظم ذنب جهرهم له بالقول، وهذا مجمل لا يعلم مقدار الحبط إلا الله تعالى" (6) .
ففي قوله) وأنتم لا تشعرون(تنبيه إلى مزيد الحذر من هذه المهلكات حتى يصير ذلك دربة حتى يصل إلى ما يحبط الأعمال، وليس عدم الشعور كائنا في إتيان الفعل المنهي عنه لأنه لو كان كذلك لكان صاحبه غير مكلف لامتناع تكليف الغافل ونحوه.
يا أيها الذين آمنوا . . ليوقروا النبي الذي دعاهم إلى الإيمان . . أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون . . ليحذروا هذا المزلق الذي قد ينتهي بهم إلى حبوط أعمالهم, وهم غير شاعرين ولا عالمين , ليتقوه !
أثر هذا النداء في نفوس الصحابة :
ولقد عمل في نفوسهم ذلك النداء الحبيب , وهذا التحذير المرهوب , عمله العميق الشديد:(1/438)
قال البخاري: عن ابن أبي مليكة قال : كاد الخيران أن يهلكا . . أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . . رفعا أصواتهما عند النبي – صلى الله عليه وسلم- حين قدم عليه ركب بني تميم "في السنة التاسعة من الهجرة " فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس - رضي الله عنه - أخي بني مجاشع "أي ليؤمره عليهم" وأشار الآخر برجل آخر . قال نافع:لا أحفظ اسمه "في رواية أخرى أن اسمه القعقاع بن معبد" فقال:أبو بكر لعمر - رضي الله عنهما - ما أردت إلا خلافي . فقال:ما أردت خلافك . فارتفعت أصواتهما في ذلك . فأنزل الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي , ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض , أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون). قال ابن الزبير - رضي الله عنه -:فما كان عمر - رضي الله عنه - يسمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية حتى يستفهمه ! وروي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال لما نزلت هذه الآية:قلت:يا رسول الله , والله لا أكلمك إلا كأخي السرار "يعني كالهمس ! " .
منقبة عظيمة لثابت بن قيس – رضي الله عنه-:
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- :أن النبي – صلى الله عليه وسلم- افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته، منكسا رأسه، فقال: ما شأنك؟ فقال: شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حبط عمله، وهو من أهل النار. فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا. فقال موسى بن أنس: فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: (اذهب إليه، فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة) (7) .
قال أنس – رضي الله عنه- : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة.
قال النووي : في هذا الحديث :
- منقبة عظيمة لثابت بن قيس- رضي الله عنه - وهي أن النبي – صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه من أهل الجنة.(1/439)
- وفيه أنه ينبغي للعالم وكبير القوم أن يتفقد أصحابه ويسأل عمن غاب منهم.
فهكذا ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب , وذلك التحذير الرعيب ; وهكذا تأدبوا في حضرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- خشية أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون . ولو كانوا يشعرون لتداركوا أمرهم ! ولكن هذا المنزلق الخافي عليهم كان أخوف عليهم , فخافوه واتقوه !
ونوه الله بتقواهم , وغضهم أصواتهم عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في تعبير عجيب:
"إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله , أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى . لهم مغفرة وأجر عظيم".
فالتقوى هبة عظيمة , يختار الله لها القلوب , بعد امتحان واختبار , وبعد تخليص وتمحيص , فلا يضعها في قلب إلا وقد تهيأ لها , وقد ثبت أنه يستحقها . والذين يغضون أصواتهم عند رسول الله قد اختبر الله قلوبهم وهيأها لتلقي تلك الهبة . هبة التقوى . وقد كتب لهم معها وبها المغفرة والأجر العظيم .
إنه الترغيب العميق , بعد التحذير المخيف . بها يربي الله قلوب عباده المختارين ويعدها للأمر العظيم . الذي نهض به الصدر الأول على هدى من هذه التربية ونور .
وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم- قد ارتفعت أصواتهما , فجاء فقال: من أين أنتما ? قالا:من أهل الطائف . فقال:لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا !
وعرف علماء هذه الأمة وقالوا:إنه يكره رفع الصوت عند قبره – صلى الله عليه وسلم- كما كان يكره في حياته – صلى الله عليه وسلم- احتراماً له في كل حال .(1/440)
ثم أشار إلى حادث وقع من وفد بني تميم حين قدموا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في العام التاسع . الذي سمي "عام الوفود" . . لمجيء وفود العرب من كل مكان بعد فتح مكة , ودخولهم في الإسلام , وكانوا أعرابا جفاة , فنادوا من وراء حجرات أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم- المطلة على المسجد النبوي الشريف:يا محمد . اخرج لنا . فكره النبي – صلى الله عليه وسلم- هذه الجفوة وهذا الإزعاج . فنزل قوله تعالى:
"إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون , ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم , والله غفور رحيم"
فوصفهم الله بأن أكثرهم لا يعقلون . وكره إليهم النداء على هذه الصفة المنافية للأدب والتوقير اللائق بشخص النبي – صلى الله عليه وسلم- وحرمة رسول الله القائد والمربي . وبين لهم الأولى والأفضل وهو الصبر والانتظار حتى يخرج إليهم . وحبب إليهم التوبة والإنابة , ورغبهم في المغفرة والرحمة .
وقد وعى المسلمون هذا الأدب الرفيع , وتجاوزوا به شخص رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إلى كل أستاذ وعالم . لا يزعجونه حتى يخرج إليهم ; ولا يقتحمون عليه حتى يدعوهم . . يحكى عن أبي عبيد - العالم الزاهد الراوية الثقة - أنه قال:"ما دققت بابا على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه" (8) .
سادساً :الردة
قال تعالى : "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة:217].
قال القرطبي- رحمه الله - :" استظهر علماؤنا بقوله تعالى: "لئن أشركت ليحبطن عملك" [الزمر:65]:
قالوا: وهو خطاب للنبي- صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته; لأنه – عليه السلام - يستحيل منه الردة شرعاً.(1/441)
و قال أصحاب الشافعي: بل هو خطاب للنبي –صلى الله عليه وسلم - على طريق التغليظ على الأمة, وبيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله; فكيف أنتم! لكنه لا يشرك لفضل مرتبته.
وقال علماؤنا: إنما ذكر الله الموافاة شرطاً ها هنا لأنه علق عليها الخلود في النار جزاء; فمن وافى على الكفر خلده الله في النار بهذه الآية, ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى.
فهما آيتان مفيدتان لمعنيين, وحكمين متغايرين. وما خوطب به- عليه السلام - فهو لأمته حتى يثبت اختصاصه.
و قال السعدي – رحمه الله - :" دلت الآية بمفهومها ،أن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام ، أنه يرجع إليه عمله و كذلك من تاب من المعاصي ،فإنها تعود إليه أعماله المتقدمة (9) ".
قال ابن عاشور – رحمه الله - :" والمقصد منه التحذير، لأنه لما ذكر حرص المشركين على رد المسلمين عن الإسلام وعقبه باستبعاد أن يصدر ذلك من المسلمين، أعقبه بالتحذير منه، وجيء بصيغة يرتدد وهي صيغة مطاوعة إشارة إلى أن رجوعهم عن الإسلام إن قدر حصوله لا يكون إلا عن محاولة من المشركين فإن من ذاق حلاوة الإيمان لا يسهل عليه رجوعه عنه ومن عرف الحق لا يرجع عنه إلا بعناء" (10) .
" ومن يرتدد عن الإسلام وقد ذاقه وعرفه ; تحت مطارق الأذى والفتنة - مهما بلغت - هذا مصيره الذي قرره الله له . . حبوط العمل في الدنيا والآخرة . ثم ملازمة العذاب في النار خلوداً .
إن القلب الذي يذوق الإسلام ويعرفه , لا يمكن أن يرتد عنه ارتداداً حقيقيا أبداً . إلا إذا فسد فساداً لا صلاح له . وهذا أمر غير التقية من الأذى البالغ الذي يتجاوز الطاقة . فالله رحيم . رخص للمسلم - حين يتجاوز العذاب طاقته - أن يقي نفسه بالتظاهر , مع بقاء قلبه ثابتا على الإسلام مطمئنا بالإيمان . ولكنه لم يرخص له في الكفر الحقيقي , وفي الارتداد الحقيقي , بحيث يموت وهو كافر . . والعياذ بالله . .(1/442)
وهذا التحذير من الله قائم إلى آخر الزمان . . ليس لمسلم عذر في أن يخنع للعذاب والفتنة فيترك دينه ويقينه , ويرتد عن إيمانه وإسلامه , ويرجع عن الحق الذي ذاقه وعرفه . . وهناك المجاهدة والمجالدة والصبر والثبات حتى يأذن الله . والله لا يترك عباده الذين يؤمنون به , ويصبرون على الأذى في سبيله . فهو معوضهم خيراً:إحدى الحسنيين:النصر أو الشهادة" (11) .
سابعاً : الكفر بآيات الله و قتل النبيين و الذين يأمرون الناس بالقسط
قال تعالى : "إن الذين يكفرون بآيات الله , ويقتلون النبيين بغير حق , ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس , فبشرهم بعذاب أليم . أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ" [آل عمران:22].
قال الطبري – رحمه الله - :" أي يجحدون حجج الله وأعلامه فيكذّبون بها. وأما قوله: "وَيَقْتُلُوُنَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ"، فإنه يعني بذلك أنهم كانوا يقتلون رسل الله الذين كانوا يرسلون إليهم بالنهي عما يأتون من معاصي الله, وركوب ما كانوا يركبونه من الأمور التي قد تقدم الله إليهم في كتبهم بالزجر عنها, نحو زكريا وابنه يحيى وما أشبههما من أنبياء الله.(1/443)
عن أبي عبيدة بن الجرّاح, قال: قلت يا رسول الله, أيّ الناس أشدّ عذابا يوم القيامة؟ قال: «رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيّا, أوْ رَجُلٌ أمَرَ بالمُنْكَرِ وَنَهَى عَنِ المَعْرُوفِ». ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الّذِينَ يَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ» إلى أن انتهى إلى: {وَما لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا عُبَيْدَةَ قَتَلَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ ثَلاَثَةً وَأرْبَعِينَ نَبِيّا مِنْ أَوّلِ النّهارِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةً, فَقَامَ مِائَةُ رَجُلٍ وَاثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنْ عُبّادِ بَنِي إسْرَائِيلَ, فأمَرُوا مَنْ قَتَلَهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ المُنْكَرِ فَقُتِلُوا جَمِيعا مِنْ آخِرِ النّهَارِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ, وَهُمُ الّذِينَ ذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ" (12) .
وأما قوله: "أُولَئِكَ الّذِينَ حَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ"
فأما قوله: "فِي الدّنْيَا" : فلم ينالوا بها محمدة ولا ثناء من الناس, لأنهم كانوا على ضلال وباطل, ولم يرفع الله لهم بها ذكرا, بل لعنهم وهتك أستارهم, وأبدى ما كانوا يخفون من قبائح أعمالهم على ألسن أنبيائه ورسله في كتبه التي أنزلها عليهم, فأبقى لهم ما بقيت الدنيا مذمة, فذلك حبوطها في الدنيا.
وأما في الآخرة: فإنه أعدّ لهم فيها من العقاب ما وصف في كتابه, وأعلم عباده أن أعمالهم تصير بورا لا ثواب لها, لأنها كانت كفرا بالله, فجزاء أهلها الخلود في الجحيم" (13) .
" فهذا هو المصير المحتوم:عذاب أليم . لا يحدده بالدنيا أو بالآخرة . فهو متوقع هنا وهناك . وبطلان لأعمالهم في الدنيا والآخرة في تعبير مصور.. وهكذا أعمال هؤلاء قد تنتفخ وتتضخم في الأعين . ولكنه الانتفاخ المؤدي إلى البطلان والهلاك ! حيث لا ينصرهم ناصر ولا يدفع عنهم حام ! (14) .(1/444)
ثامناً :النفاق
قال تعالى : "أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا" [الأحزاب:19].
"إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشّحّ, ولم يخصُص وصفهم من معاني الشحّ, بمعنى دون معنى, فهم كما وصفهم الله به أشحة على المؤمنين بالغنيمة والخير والنفقة في سبيل الله, على أهل مسكنة المسلمين.
عن قتادة : فإذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ أما عند الغنيمة, فأشحّ قوم, وأسوأ مُقاسَمَة: أعطُونا أعطُونا, فإنا قد شِهدنا معكم. وأما عند البأس فأجبن قوم, وأخذله للحقّ.
وقوله: لَمْ يُؤْمنُوا فأحُبَطَ اللّهُ أعمالَهُمْ يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفتُ لك صفتهم في هذه الآيات, لم يصدّقوا الله ورسوله, ولكنهم أهل كفر ونِفاق. فأحبط الله أعمالهم يقول: فأذهب الله أجورَ أعمالهم وأبطلَها. وذُكر أن الذي وُصِفَ بهذه الصفة كان بَدْريّا, فأحبط الله عمله" (15) .
" فهذه هي العلة الأولى . العلة أن قلوبهم لم تخالطها بشاشة الإيمان , ولم تهتد بنوره , ولم تسلك منهجه . (فأحبط الله أعمالهم). . ولم ينجحوا لأن عنصر النجاح الأصيل ليس هناك" (16) .
و قال تعالى "وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ"[المائدة:53].(1/445)
قال الطبري – رحمه الله - : " يقول المؤمنون: أهؤلاء الذين حلفوا لنا بالله جهد أيمانهم كذبا إنهم لمعنا. يقول الله تعالى ذكره مخبرا عن حالهم عنده بنفاقهم وخبث أعمالهم: حَبِطَتْ أعمالُهُمْ يقول: ذهبت أعمالهم التي عملوها في الدنيا باطلاً لا ثواب لها ولا أجر, لأنهم عملوها على غير يقين منهم بأنها عليهم لله فرض واجب ولا على صحة إيمان بالله ورسوله, وإنما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم, فأحبط الله أجرها إذ لم تكن له فأصْبَحُوا خَاسِرينَ يقول: فأصبح هؤلاء المنافقون عند مجيء أمر الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر قد وكسوا في شرائهم الدنيا بالاَخرة, وخابت صفقتهم وهلكوا" (17) .
" لقد جاء الله بالفتح يوماً , وتكشفت نوايا , وحبطت أعمال , وخسرت فئات . ونحن على وعد من الله قائم بأن يجيء الفتح , كلما استمسكنا بعروة الله وحده ; وكلما أخلصنا الولاء لله وحده . وكلما وعينا منهج الله , وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا . وكلما تحركنا في المعركة على هدى الله وتوجيهه . فلم نتخذ لنا ولياً إلا الله ورسوله والذين آمنوا " (18) .
تاسعاً :التكذيب بآيات الله و لقاء الآخرة
قال تعالى "وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" [الأعراف:147].(1/446)
" وإن الإنسان ليصادف هذا الصنف من الخلق بوصفه هذا وسمته وملامحه , فيرى كأنما يتجنب الرشد ويتبع الغي دون جهد منه , ودون تفكير ولا تدبير ! فهو يعمى عن طريق الرشد ويتجنبه , وينشرح لطريق الغي ويتبعه ! وهو في الوقت ذاته مصروف عن آيات الله لا يراها ولا يتدبرها ولا تلتقط أجهزته إيحاءاتها وإيقاعاتها ! وسبحان الله ! فمن خلال اللمسات السريعة في العبارة القرآنية العجيبة ينتفض هذا النموذج من الخلق شاخصاً بارزاً حتى ليكاد القارئ يصيح لتوه:نعم . نعم . أعرف هذا الصنف من الخلق . . إنه فلان !!! وإنه للمعنيّ الموصوف بهذه الكلمات !!!
وما يظلم الله هذا الصنف من الخلق بهذا الجزاء المردي المؤدي إلى الهلاك في الدنيا والآخرة . . إنما هو الجزاء الحق لمن يكذب بآيات الله ويغفل عنها , ويتكبر في الأرض بغير الحق , ويتجنب سبيل الرشد حيثما رآه , ويهرع إلى سبيل الغي حيثما لاح له ! فإنما بعمله جوزي ; وبسلوكه أورد موارد الهلاك" (19) .
" و حبوط الأعمال مأخوذ من قولهم:حبطت الناقة . . إذا رعت نباتاً ساماً , فانتفخ بطنها ثم نفقت . . وهو وصف ملحوظ فيه طبيعة الباطل الذي يصدر من المكذبين بآيات الله ولقاء الآخرة . فهو ينتفخ حتى يظنه الناس من عظمة وقوة ! ثم ينفق كما تنفق الناقة التي رعت ذلك النبات السام !
وإنه لجزاء كذلك حق أن تحبط وتهلك أعمال الذين كذبوا بآيات الله ولقاء الآخرة .
ولكن كيف تُحبط هذه الأعمال ?
" من ناحية الاعتقاد: نحن نؤمن بصدق وعيد الله لا محالة , أياً كانت الظواهر التي تخالف هذه العاقبة المحتومة . فحيثما كذب أحد بآيات الله ولقائه في الآخرة حبط عمله وبطل , وهلك في النهاية وذهب كأن لم يكن .(1/447)
ومن ناحية النظر: نحن نجد السبب واضحاً في حياة البشر . . إن الذي يكذب بآيات الله المبثوثة في صفحات هذا الكون المنشور , أو آياته المصاحبة للرسالات , أو التي يحملها الرسل ; ويكذب تبعاً لهذا بلقاء الله في اليوم الآخر . . إن هذا الكائن المسيخ روح ضالة شاردة عن طبيعة هذا الكون المؤمن المسلم ونواميسه . . لا تربطه بهذا الكون رابطة . وهو منقطع عن دوافع الحركة الصادقة الموصولة بغاية الوجود واتجاهه . وكل عمل يصدر عن مثل هذا المسخ المقطوع هو عمل حابط ضائع , ولو بدا أنه قائم وناجح . لأنه لا ينبعث عن البواعث الأصيلة العميقة في بنية هذا الوجود ; ولا يتجه إلى الغاية الكبيرة التي يتجه إليها الكون كله . شأنه شأن الجدول الذي ينقطع عن النبع الأول ; فمآله إلى الجفاف والضياع في يوم قريب أو بعيد !
والذين لا يرون العلاقة الوثيقة بين تلك القيم الإيمانية وحركة التاريخ الإنساني ; والذين يغفلون عن قدر الله الذي يجري بعاقبة الذين يتنكرون لهذه القيم . . هؤلاء إنما هم الغافلون الذين أعلن الله - سبحانه - عن مشيئته في أمرهم , بصرفهم عن رؤية آياته , وتدبر سننه . . وقدر الله يتربص بهم وهم عنه غافلون . .
والذين يخدعهم ما يرونه في الأمد القصير المحدود , من فلاح بعض الذين يغفلون عن تلك القيم الإيمانية ونجاحهم ; إنما يخدعهم الانتفاخ الذي يصيب الدابة وقد رعت النبت السام ; فيحسبونه شحماً وسمنة وعافية وصحة . . والهلاك يترصدها بعد الانتفاخ والحبوط ! " (20) .
عاشراً: إرادة الحياة الدنيا و زينتها
قال تعالى "مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلََئِكَ الّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الاَخِرَةِ إِلاّ النّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"[هود:16-17].(1/448)
قال ابن كثير – رحمه الله - :" عن ابن عباس في هذه الآية: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا وذلك أنهم لا يظلمون نقيراً يقول من عمل صالحاً التماس الدنيا صوماً أو صلاة أو تهجداً بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا يقول الله تعالى: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا وهو في الآخرة من الخاسرين".
و قال مجاهد وغيره: " نزلت في أهل الرياء, وقال قتادة: من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطىَ بها جزاء وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة" (21) .
و عن أنس بن مالك – رضي الله عنه - قال: قال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها (22) .
وعن أنس بن مالك أيضاً أنه حدث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته (23) .
قال الطبري – رحمه الله - : " من عمل عملاً صالحا في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجراً في الدنيا يصل رحماً, يعطي سائلاً, يرحم مضطرّا في نحو هذا من أعمال البرّ يعجل الله له ثواب عمله في الدنيا, ويوسع عليه في المعيشة والرزق, ويقرّ عينه فيما خوّله, ويدفع عنه من مكاره الدنيا في نحو هذا, وليس له في الاَخرة من نصيب" (24) .(1/449)
" إن للجهد في هذه الأرض ثمرته . سواء تطلع صاحبه إلى أفق أعلى أو توجه به إلى منافعه القريبة وذاته المحدودة . فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فعمل لها وحدها , فإنه يلقى نتيجة عمله في هذه الدنيا ; ويتمتع بها كما يريد - في أجل محدود - ولكن ليس له في الآخرة إلا النار , لأنه لم يقدم للآخرة شيئاً , ولم يحسب لها حساباً , فكل عمل الدنيا يلقاه في الدنيا . ولكنه باطل في الآخرة لا يقام له فيها وزن وحابط [ من حبطت الناقة إذا انتفخ بطنها من المرض ] وهي صورة مناسبة للعمل المنتفخ المتورم في الدنيا وهو مؤد إلى الهلاك !
ونحن نشهد في هذه الأرض أفراداً اليوم وشعوباً وأمما تعمل لهذه الدنيا , وتنال جزاءها فيها، زينة , ولدنياها انتفاخ ! فلا يجوز أن نعجب ولا أن نسأل : لماذا ? لأن هذه هي سنة الله في هذه الأرض:(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون).
ولكن التسليم بهذه السنة ونتائجها لا يجوز أن ينسينا أن هؤلاء كان يمكن أن يعملوا نفس ما عملوه - ونفوسهم تتطلع للآخرة وتراقب الله في الكسب والمتاع - فينالوا زينة الحياة الدنيا لا يبخسون منها شيئاً , وينالوا كذلك متاع الحياة الأخرى" (25) .
" إن العمل للحياة الأخرى لا يقف في سبيل العمل للحياة الدنيا . بل إنه هو هو مع الاتجاه إلى الله فيه . ومراقبة الله في العمل لا تقلل من مقداره ولا تنقص من آثاره ; بل تزيد وتبارك الجهد والثمر , وتجعل الكسب طيباً والمتاع به طيباً , ثم تضيف إلى متاع الدنيا متاع الآخرة . إلا أن يكون الغرض من متاع الدنيا هو الشهوات الحرام . وهذه مردية لا في الأخرى فحسب , بل كذلك في الدنيا ولو بعد حين . وهي ظاهرة في حياة الأمم وفي حياة الأفراد . وعبر التاريخ شاهدة على مصير كل أمة اتبعت الشهوات على مدار القرون" (26) .
حادي عشر :الشرك :(1/450)
قال تعالى : "مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ" [التوبة:17].
فأعمالهم باطلة،و فاسدة أصلاً ، ومنها عمارة بيت الله التي لا تقوم إلا على قاعدة من توحيد الله.
إن العبادة تعبير عن العقيدة ; فإذا لم تصح العقيدة لم تصح العبادة ; وأداء الشعائر وعمارة المساجد ليست بشيء ما لم تعمر القلوب بالاعتقاد الإيماني الصحيح , وبالعمل الواقع الصريح , وبالتجرد لله في العمل والعبادة على السواء" (27) .
وقال تعالى : "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين" [الزمر:65].
والله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أوحى إليك كما أوحى إلى النبيين من قبلك أن الشرك يحبط العمل ويفسده، ويئول فى النهاية إلى الخسران الأكبر فى الآخرة بدخول النار والعياذ بالله.
و قال تعالى : "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا" [الفرقان:23].
" هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي :
إما الإخلاص فيها.
وإما المتابعة لشرع الله .
فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين وقد تجمعهما معا فتكون أبعد من القبول حينئذ.
ولهذا قال تعالى: "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً".
قال مجاهد والثوري "وقدمنا" أي عمدنا وكذا قال السدي. وبعضهم يقول أتينا عليه.(1/451)
وقوله تعالى: "فجعلناه هباء منثورا" قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه في قوله: "هباء منثورا" قال شعاع الشمس إذا دخل الكوة.
وكذا قال الحسن البصري هو الشعاع في كوة أحدكم ولو ذهب يقبض عليه لم يستطع.
و عن ابن عباس : "هباء منثوراً " قال هو الماء المهراق .
و عن علي: "هباء منثوراً ". قال الهباء وهج الدواب.
وقال قتادة في قوله: "هباء منثوراً " ، قال أما رأيت يبس الشجر إذا ذرته الريح ؟ فهو ذلك الورق. وعن عبيد بن يعلى قال : وإن الهباء الرماد إذا ذرته الريح .
" وحاصل هذه الأقوال التنبيه على مضمون الآية وذلك أنهم عملوا أعمالاً اعتقدوا أنها على شيء فلما عرضت على الملك الحكم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحداً إذا إنها لا شيء بالكلية وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية ".
إن الناس فى الجاهلية المعاصرة قد انتفخوا من كثرة ما أعطاهم الله استدراجاً عن طريق التقدم العلمى من سيارات وثلاجات وطائرات وصواريخ وقنابل ذرية ونووية وأموال وخيرات من كل الأنواع0
انتفخوا بكل ذلك حتى وصلت بهم ((النفخة)) إلى الاستكبار على الله، يقول الله عن أمثالهم: ((فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم)) (غافر : 83)0
ولكنه انتفاخ كانتفاخ الناقة الحابطة بالغذاء المسموم 0
فاستثمار خيرات الأرض وصل حالياً إلى حد لم يبلغه فى التاريخ، والفقر الجاثم على كثير من ربوع الأرض ليس له كذلك مثيل فى التاريخ !
وتقدم الطب بلغ درجة لم يصلها من قبل قط، ونسبة المرض كذلك فى تزايد مستمر، وتنشأ أمراض جديدة لا عهد للبشرية بها من قبل، وآخرها مرض نقص المناعة المكتسبة المسمى بالإيدز 0
والتنادى بالحريات السياسية والحريات الإنسانية يشبه الدوى فى برلمانات الأرض، وصحفها ووسائل إعلامها، والعبودية التى يعيش الناس فيها فى أكثر بقاع الأرض أبشع عبودية فى التاريخ0(1/452)
ووسائل المتاع التى اخترعها البشر ليتناولوا بها أكبر قسط من متاع الأرض لا مثيل لها فى كثرتها وتنوعها واستغراقها لحياة الناس، ودرجة الشقاء التى يحسها الناس من أول الاضطرابات النفسية إلى الجنون لا مثيل لها كذلك فى كل التاريخ (28) !
1 2 3 4 (1) في ظلال القرآن ،(ج 6/ 3289).
(2) التحرير و التنوير ،(ج17/4044).
(3) في ظلال القرآن ،(ج 6/ 3298).
(4) تفسير القرآن العظيم ،( ج4/195 ).
(5) في ظلال القرآن ،(ج6/ 3300 ).
(6) التحرير و التنوير ، (ج17/4090).
(7) صحيح البخاري ، كتاب المناقب ، باب: علامات النبوة في الإسلام،رقم الحديث (3417).
(8) في ظلال القرآن ،(ج 6 / 3340 ).
(9) تفسير السعدي ،(ص106).
(10) التحرير و التنوير ، الطاهر ابن عاشور ،(ج3/603).
(11) في ظلال القرآن ،( ج1/ 222).
(12) تفسير الطبري ،(ج3/216).
(13) تفسير الطبري ،(ج3/217).
(14) في ظلال القرآن ،(ج1/ 375-376).
(15) تفسير الطبري ،(ج10/276).
(16) المصدر السابق .
(17) تفسير الطبري ،( ج4/632).
(18) في ظلال القرآن ،(ج 2/917).
(19) في ظلال القرآن ،( ج3/ 1372).
(20) في ظلال القرآن ، (ج31373-1372 / ).
(21) تفسير القرآن العظيم ،( ج2/ 455).
(22) صحيح مسلم ،باب :جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا ،(ج1/97) ،رقم (2808).
(23) صحيح مسلم ،( ج1/98).
(24) (24) تفسير الطبري ،( ج7/14).
(25) (25) في ظلال القرآن ،(ج4/ 1862-1863 ).
(26) (26) في ظلال القرآن ،( ج4 / 1863 ) .
(27) (27) في ظلال القرآن ،(ج 3/ 1614).
(28) ركائز الإيمان ،محمد قطب ،(ص126).
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7147
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - سرعة الضوء في القرآن الكريم [1/2]
دراسات علمية رسائل جامعية
سرعة الضوء في القرآن الكريم [1/2]
د. محمد بن إبراهيم دودح
………
25/3/1427
23/04/2006(1/453)
ملخص البحث
في قوله تعالى: "يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ" [السجدة:5] ؛ وصف لحركة أمر ما يملأ ساحة الكون الفيزيائي كله بين الأجرام من السماء إلى الأرض وإن سميناه فضاء Space وبيان أن حركته بانحناء كحركة الأعرج في مشيته، وهو وصف يتفق مع المعلوم فيزيائيا اليوم بحركة القوى الفيزيائية Physical forces في الفضاء بين الأجرام بانحناء نتيجة لتأثير الأجرام, والتعبير (إليه) في حق الذات العلية لا يعني التحيز وإنما يعني عودة الأمر كله في نهاية المطاف إلى الله تعالى الخالق المدبر وحده لا إلى سواه كما قال تعالى: "وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ " [هود: 123] ، وقد اعتاد العرب منذ القدم التعبير عن المسافة بزمن قطعها فيقال مثلا المسافة بين مكة والمدينة "نصف شهر" بالجمل، ومع التقدم في الوسائل وتنامي سرعة الانتقال أصبحت نفس المسافة "نصف ساعة" بسرعة الطائرة؛ وعليه تكون "الساعة كشهر", وسرعة القوى الفيزيائية في الفراغ واحدة ويعبر عنها بقيمة سرعة الضوء في الفراغ وتعرف فيزيائيا بالثابت الكوني للحركة Universal Constant of Motion, وفي مقابل تلك القيمة الثابتة نجد قيمة ثابتة في مقام بيان سرعة قصوى يتضمنها التعبير "فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ" , والمقام قياس لما يقطع "في يوم" بتلك السرعة البالغة بمقياس سير "ألف سنة" لأن السياق يتعلق بقطع مسافة، والتعبير "كان مقداره" يعني في اللغة (كان مقياسه وحده) فلا يزيد المقياس عن هذا الحد في المسافة, واليوم الأرضي المعلوم للمخاطبين العرب والمسلمين لا يصلح أن يساوي ألف سنة من سنيهم في الزمن، وإنما في المسافة, والمسافة التي تقطع في يوم محدودة وإن قطعت بأعلى سرعة فهي لا تزيد عن مسافة ألف سنة من سنيهم المبنية على حركة القمر؛ أي بحركته حول(1/454)
الأرض, والتعبير "مّمّا تَعُدّونَ" وصف عائد على الألف سنة المتضمنة لحركة جسم نسبية يتعدد وصفها فيعوزها تحديد الوصف.
وفي قوله تعالى: "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ" [الحج: 47] ؛ تأكيد لمماثلة مسافة "يوم" بمسافة "ألف سنة" في مقام تصوير أمر يستعجل قوم النبي –صلى الله عليه وسلم- قدومه إنكارًا؛ مما يؤكد أنه يمضي بأقصى سرعة Uppermost speed, والتعبير "عند ربك" لا يعني في حق الذات العلية التحيز وإنما يعني وفق تدبير الله تعالى في الكون, وبذلك تقطع في مدة يوم واحد فقط نفس المسافة التي تقطع في ألف سنة نتيجة لتلك السرعة الثابتة القيمة على الدوام, ويستقيم من الناحية الفيزيائية أن يحمل ذلك الأمر القادم بأقصى سرعة فلا يحتاج معها مزيد استعجال على القوى الفيزيائية والمعبر عن سرعتها بسرعة الضوء, والسنة في عرف العرب منذ القدم مبنية على حركة القمر في 12 دورة حول الأرض, ويصلح الوصف "مّمّا تَعُدّونَ" لتمييز حركة القمر المتضمنة سياقا والتي تبنى عليها السنة، ولا يصلح أن يكون تمييزا للسنة القمرية لأنه يحدد مُختار من متعدد وهم لم يستخدموا غيرها في التقويم, وهو يعني "من الذي تحسبون وتظنون" وليست السنة محل ظن, وبذلك يشترط السياق لتعريف أقصى سرعة أن تكون حركة القمر وفق ما يحسبون ويظنون وإن كانت الحقيقة بخلافه, والمراقب للأرض لا يدرك بالعين المجردة نسبة التغير Variation Ratio في البعد أو السرعة فيظن أن مدار القمر يخلو منها، وكأن حركة القمر منسوبة للنجوم في دائرة كاملة الاستدارة Perfectly circular orbit, ولا يتبين حركة القمر مع الأرض حول الشمس إلا مراقب خارج النظام الشمسي وكأنها في نظام معزول Isolated System خالي من تأثير الشمس , ولذا بنسبة الحركة للنجوم واستبعاد نسبة التغير من القيمة الوسطية يتحقق المقياس(1/455)
المطلوب لبيان حد السرعة في معادلة ثابتة كلا طرفيها معزول عن التأثير الخارجي.
ويمكن عند أي نقطة على مدار ناقص الاستدارة Ellipse تحليل السرعة المدارية Orbital Velocity إلى مركبتين متعامدتين إحداهما عمودية على القطر وتسمى السرعة الزاوية Angular Speed وقيمتها ثابتة في كل النقاط على المدار والثانية تسمى السرعة القطرية Radial speed وهي المسئولة عن نسبة التغير وتختلف قيمتها من نقطة لأخرى (Zeilik and Smith, Introductory Astronomy and Astrophysics, 2nd edition., Saunders College Publishing - 1987, Philadelphia, p17), والسرعة الثابتة القيمة تسمى أيضا السرعة المماسية Tangential Velocity لأنها المسئولة عن الحركة الأمامية, وفي حالة القمر تكافئ نسبتها تماما نسبة مركبة السرعة الوسطية في الاتجاه الأصلي بعد دورة: 0.8915725423 (حوالي 0.89), ولذا نسبة التغير في السرعة حوالي 0.11 (Encyclopedia Britannica), ويسمى اليوم الأرضي بالنسبة للنجوم باليوم النجمي Sidereal day وطوله 86164.09966 ثانية , ويسمى الشهر بالنسبة للنجوم بالشهر النجمي وطوله 27.32166088 يوما, وقيمة السرعة الوسطية للقمر حوالي 1.023 كم\ثانية (Laros Astronomy, p.142), والقيمة 1.022794272 (حوالي 1.023) كم\ثانية تجعل قيمة مسافة دورة في النظام المعزول: 2.152612269 مليون كم, وتجعل المسافة المقطوعة في 12000 دورة: 25.831347230 بليون كم , وبالتالي تكون قيمة السرعة القصوى (مسافة 12000 مدار\يوم): 299792.458 كم\ثانية, وهي نفس القيمة تماما في الفيزياء (موسوعة أكسفورد ص316).
السرعة الكونية الحدية القصوى في القرآن = مسافة ألف سنة قمرية\يوم (في النظام الأرض قمري المعزول)
= 25.831347230 بليون كم\86164.09966 ثانية
= 299792.458 كم\ثانية (وهي نفس القيمة تماما في الفيزياء).(1/456)
وفي تاريخ الوحي ما يؤيد أن تعبير "يوما واحدا عند الرب كألف سنة" يعني: "سرعة مجيء يوم الرب" 2 بطرس 3\2-14, وهي أقصى سرعة في الكون كله حيث يقع الهلاك بغتة لا يسبقه نذير؛ ولذا وفق تعبير الكتاب: "سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" 2 بطرس 3\2-14, والكون كله بسمواته وأرضه قائم بأمر الله (كن) منذ بدء الخلق: "السماوات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة" 2 بطرس 3\2-14, فيرجع الكون كله إلى مادة بناء أساسية Essential building matter واحدة وإن تباينت اليوم أشكالها وسرعة محدودة مقدرة واحدة لا تتجاوزها قوة وإن كانت هائلة لأن كل شيء وجد بأمر واحد هو كلمة الله الواحد (كن), ووحدة السرعة الحدية للانتقال في الكون وثباتها مظهر في الكتاب للتقدير وسرمدية الخالق ووحدانيته لذا قال: "من قبل أن توجد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله.. لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم"؛ وإن بالغ الكاتب فنقض ثبات التقدير بقوله "لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر وكهزيع من الليل" المزامير 90\2-4, وفي الكتاب أمر الله قد أتى وقوى الدمار تقترب مسرعة: "ولولوا لأن يوم الرب قريب قادم كخراب من القادر على كل شيء" إِشَعْيَاء 13\6, "ليرتعد جميع سكان الأرض لأن يوم الرب قادم" يوئيل 2\1, "كلص في الليل هكذا يجيء لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتةً كالمخاض للحبلى فلا ينجون" 1تسالونيكي 5\2و3, "قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جدا" صفنيا 1\14.(1/457)
والتعبير (مما تعدون) الذي تفرد به القرآن هو "مفتاح القياس", وهو يجعل حركة القمر حول الأرض كمقياس للمسافة في نظام معزول ويقيم معادلة ثابتة تؤيد وحدة الأجرام في الأصل والنظام, وثبات التقدير في القرآن وتفرده بتكميل العلاقة يدفع شبهة النقل عما سبق, ألهذا قال النبي عيسى –عليه السلام- يوما ما لأتباعه: "إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" يوحنا 16\12-15, وقال لقومه: "أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه"! متى 21\42-44, ولا تبعد تلك الغلبة والتكميل وجمع ميراث النبوات في وصف النبي عيسى – عليه السلام- للنبوة بعده التي يكتمل بها البناء عن غلبة القرآن والتكميل وجمع ميراث النبوات في قوله تعالى: "وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ" [المائدة 48] .
التمهيد العلمي(1/458)
لم يقدم الدليل الأول على تحرك الضوء بسرعة غير لحظية إلا عام 1676 عندما نجح الفلكي أولاس رومر Olas Roemer للمرة الأولى في التاريخ من قياسها عن طريق ملاحظة وجود فارق زمني في تأخر ظهور أقمار كوكب المشتري عندما تكون الأرض في الجهة الأبعد منه خلال دورتها حول الشمس, وبمعرفة طول القطر الأكبر لمدار الأرض ومدة التأخر وفق الأجهزة المتاحة في القرن السابع عشر كانت النتيجة واسعة التقريب حوالي 227 ألف كم\ ثانية, ولكن أمكن تقديم الدليل الأول على أن سرعة الضوء محدودة وإن كانت هائلة, وبعد حوالي نصف قرن حصل برادلي عام 1728 على نتيجة مقاربة عن طريق قياس فلكي آخر, ولم تبدأ القياسات الدقيقة إلا في منتصف القرن التاسع عشر داخل المعمل, وفي القرن العشرين استخدمت في القياس تقنيات أكثر دقة ومع استخدام الليزر بلغت الدقة إلى حد أن الخطأ لا يتجاوز أجزاء قليلة من البليون, وأخيرا بعد جهود استمرت حوالي ثلاثة قرون أمكن عام 1983 في مؤتمر القياسات في باريس تعريف المتر دوليا بالزمن اللازم ليقطعه الضوء (0.000000003335640952 ثانية) بناء على قيمة سرعة الضوء في الفراغ وهي: 299792.458 (حوالي 300 ألف) كم\ثانية (1) .(1/459)
والكون فيزيائيا بناء واحد شديد الترابط ويتكون من لبنات معمارية أساسية واحدة تشيد هيكل الذرات وحشود النجوم والمجرات وقوى Forces تسري بينهن عاجلة كالملاط, وتحاول الفيزياء اليوم إثبات أن كل القوى ولبنات المواد ترجع إلى واحدة لم يتبق لوصفها سوى الحركة في عجل كلمح الضوء بالبصر هي أساس كل البناء, والنتيجة التي تؤيدها كافة القياسات العملية هي أن قيمة الحد الأعلى لسرعة القوى في الفراغ Vacuum ثابتة, وسرعة الضوء في الفراغ هي نفس سرعة كل أشكال الطيف مثل الأشعة فوق البنفسجية و الأشعة تحت الحمراء وموجات الراديو والتلفزيون ومن الجائز أيضا موجات الجاذبية, ويعبر فيزيائيا عن سرعة القوى الفيزيائية بسرعة الضوء باعتباره الجزء المرئي في الطيف الكهرومغناطيسي ويستوي في ذلك ضوء شمعة أو ومضات نجم, والفرضيات النظرية باختلاف سرعة الضوء عند نشأة الكون أو عند نهايته لا تنقض القياسات العملية حاليا ولا تنقضها بالمثل فرضية الجسيمات الأسرع من الضوء (التاكيونات Tachyons ) أو الأجسام سالبة الكتلة لو ثبتت, وسرعة الضوء في جو الأرض دون الحد الأعلى قليلا أما سرعته في الفراغ فلا تتجاوزها قوة ولا تبلغها مادة.(1/460)
ويقول الفيزيائي ستيفن هاوكنج Stephen Hawking: "تختلف سرعة الضوء عن سرعة أي شيء آخر, فلا يمكن وصف سرعة رصاصة بندقية أو سرعة القمر أو أي سرعة كوكب إلا بالنسبة إلى شيء ما آخر, بينما لا تنسب سرعة الضوء إلى أي شيء آخر, إنها قيمة ثابتة مطلقة Absolute Constant" (2) , وقيمة سرعة الضوء في الفراغ والمعلنة دوليا منذ عام 1983 في مؤتمر باريس للقياسات هي: 299792.458 (حوالي 300 ألف) كيلومتر في الثانية (3) , ويمكن التعبير عن تلك القيمة بأي وحدات قياس أخرى, وإن شئت استخدام وحدات فلكية غير اصطلاحية يشترك فيها جميع أهل الأرض فاليوم هو أدنى وحدة للتعبير عن زمن دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس, وإن شئت الدقة فطوله قياسا على نجم بعيد ثابت 86164.09966 ثانية ويسمى باليوم النجمي Sidereal Day بينما تبلغ الفترة بين شروقين متتاليين 86400 ثانية وتسمى باليوم الاقتراني Synodic Day, والزيادة الظاهرية (حوالي أربع دقائق) ناجمة عن حركة الأرض حول الشمس أثناء حركتها حول نفسها.
وقياسا على نجم بعيد تبلغ المسافة التي يقطعها الضوء في يوم 25.83134723 بليون كيلومتر, وهي قيمة لا تكفي المسافات المحدودة على الأرض للتعبير عنها إلا باستخدام مسافات تقطعها أجرام فلكية, والقمر أقرب الأجرام وعلى حركته في 12 دورة تتابع الحج عند العرب وساد تقويم السنة, ولكن حركته نسبية يتباين وصفها تبعا للراصد ونرصدها فلكيا أثناء حركتنا مع الأرض حول الشمس, ولذا إن شئت الدقة يجب نسبة حركته كذلك إلى نجم بعيد وكأن الأرض ثابتة لا تدور حول الشمس كما يعدها أهلها, وحينئذ ستذهلك مفاجأة ادخرها القرآن بتأكيده في مقام بيان سرعة قصوى ذات قيمة كونية ثابتة أن يوما كألف سنة, لأن سرعة القوى جميعا واحدة ذات قيمة كونية ثابتة وما تقطعه في يوم يماثل تماما في دقة مذهلة ما يقطعه القمر في ألف سنة باعتبار ما يعدون؛ أي كما لو كانت الأرض ثابتة لا تدور حول الشمس.(1/461)
التحليل الدلالي
ورد قياس في القرآن الكريم أحد طرفيه (يوم) والآخر (ألف سنة) في سياق الإنذار باقتراب نهاية الكون ودمار الأرض وهلاك أهلها بعذاب قادم بسرعة قصوى لا تحتاج مزيد استعجال؛ يقول تعالى: "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ" الحج 47، والأصل حمل العدد على ظاهر دلالته الإحصائية لا على مجرد التكثير أو التقليل إلا بقرينة صارفة, وكما يمكن حمل الإنذار على تقارب أطراف الكون تُحمل الألف سنة على مسافة السير في اليوم بيانًا لحد سرعة القوى المعبر عنها بسرعة الضوء, وأما التعبير (عند ربك) وما يماثله في القرآن فلا يعني التحيز وإنما يجعله القياس هنا بمعنى (وفق تقديره تعالى في الكون).(1/462)
وفي نفس سياق الإنذار بدمار الأرض وهلاك أهلها مع تقارب أطراف الكون وإن بدا حده بعيدا وردت نفس القيم في قياس أكبر يُمكن حمله على أقصى بعد؛ يقول تعالى: "سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ. لّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ. مّنَ اللّهِ ذِي الْمَعَارِجِ. تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً. إِنّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَنَرَاهُ قَرِيباً. يَوْمَ تَكُونُ السّمَآءُ كَالْمُهْلِ. وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ. وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيما" المعارج 1-10 ، و(المعارج) جمع لاسم المكان (مَعْرَج) كأدق وصف للآفاق الممتدة حيث تسري القوى بانحناء كمشية الأعرج, والاكتشاف بأن مسارات القوى منحنية دفع الفيزيائيين لإطلاق تعبير الكون المنحني Curved Universe, وفي اللغة: "تعارج حاكى مشية الأعرج وعرَّجه ميَّله وتعرَّج مال والتعاريج المنحنيات والعرجون العذق المعوج" (4) , والملائكة والروح رسل هداية لا تنقطع عن الإبلاغ إلى أن يعود كل شيء إلى الله لا سواه بيانا لوحدانيته تعالى وتفرده, وهم حضور في قياس مسافة لا يقطعها جسم مادي محدود السرعة في كون متغير الأبعاد مما يعني أنه عامر بالساجدين, قال جوهري: "أخذ يستأنف مبينا ارتفاع تلك الدرجات.. فليس المراد المدة بل بعد المدى.. وقدم الملائكة لأنهم في عالم الأرواح.. العالم المبرأ عن المادة (لأنه).. لا يُرتقى إلى تلك المعارج إلا بالكشف العلمي أو الخروج عن عالم المادة" (5) , وقال البيضاوي: "استئناف لبيان ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها" (6) , وقال البغوي: "المسافة من الأرض إلى (منتهى) السماء" (7) .. (يعني) "إلى منتهى أمر الله تعالى" (8) , وقال الألوسي: "الكلام بيان لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها.. والمراد أنها في غاية البعد والارتفاع" (9) .. و"العروج في الدنيا.. روِي(1/463)
(هذا) عن ابن إسحاق ومنذر بن سعيد ومجاهد وجماعة, وهو رواية عن ابن عباس أيضا" (10) .
وتُقاس الأبعاد فلكيا بوحدة الزمن المناسبة وأقصى سرعة, فنقول يبعد القمر حوالي ثانية ضوئية وتبعد الشمس ثمان دقائق ويبعد أقرب نجم 4.3 سنة, فإذا كانت القيمة (ألف سنة في يوم) تعبيرًا عن أقصى سرعة تكون القيمة (خمسين) في السياق تعدادا لأقصى وحدة زمن, وأكبر وحدة زمن فلكيا هي سنة الشمس وهي مدة دورتها حول مركز المجرة وقيمتها حوالي 250 مليون سنة, ولكي يقطع شعاع من الضوء المسافة إلى طرف الكون الممكن الرصد يحتاج إلى عمر الكون وقيمته حوالي 12.5 (10-15) بليون سنة (11) , والعجيب أنها تساوي القيمة (خمسين) تماما بسنوات الشمس مما يؤكد أن القيمة (ألف سنة في يوم) تعبير عن أقصى سرعة في الكون.(1/464)
وفي سياق بيان أن كل شيء مأمور أي قائم وفق تدبير لا تصنعه مصادفة ونظام واحد يشهد بوحدانية الخالق ورد نفس القياس بتفصيل أكثر يكشف وجود تقدير واحد ثابت يتعلق بالحد الأعلى للحركة في الكون المنظور كله, يقول تعالى: "يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ" السجدة 5 ، و(الأمر) المُدَبَّر يستقيم أن يعنى (المأمور) فيوحد كل شيء في أصل واحد ويجعل الكل منظما مقدرا, والانتقال إلى هيئة مواد الأرض ثم العودة إلى الانتقال الحر في انحناء كالأعرج يوحد القوى والمواد في البنية ويوجز قصة الكون فيزيائيا منذ بدايته, ويصور (إليه) نهايته بعودة الكل إلى الله لا إلى غيره بيانا لوحدانيته تعالى وتفرده, وتسبق الآية الكريمة مباشرة جملة آيات تحمل الدلالة على صدق القرآن الكريم وأن النبي محمد –صلى الله عليه وسلم - قد جاء إلى أمته بالمثل نذيرا: يقول تعالى: "تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رّبّ الْعَالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقّ مِن رّبّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مّآ أَتَاهُم مّن نّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ لَعَلّهُمْ يَهْتَدُونَ. اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكّرُونَ" السجدة 2-4 .(1/465)
وباشتراك ثلاث آيات تتأكد الدلالة على وجود حد أعلى للسرعة أو ثابت كوني للحركة تقابله في الفيزياء سرعة الضوء في الفراغ والعجيب أنها تسمى كذلك الثابت الكوني للحركة Universal constant of motion, والتشبيه "وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ" يُمكن حمله على أن ما تقطعه القوى في يوم لا يتجاوز مسافة ألف سنة بمقياس ما تُبنى على حركته السنة وفق ما يعدون لأن الأصل أن يكون المشبه به الأقوى في وجه الشبه, وبالمثل يدل التعبير "فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ" على أن حد ما يُقطع في يوم لا يتجاوز مسافة ألف سنة, فيتأكد أن حد سرعة القوى المعبر عنها بسرعة الضوء لا يتجاوز في اليوم تلك المسافة.
وسنة العرب هي المعتمدة في التشريعات الإسلامية كالحج وصيام رمضان وهي مبنية على حركة القمر حول الأرض في 12 دورة, قال تعالى: "إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ" التوبة 36 ، وبهذا يتعين الجسم الذي يقطع المسافة في ألف سنة وتصبح (مما تعدون) معيارا للقياس تأكيدا لنسبية حركة الأجسام بلا حاجة لتعريف المعروف بجعلها تعريفا للسنة لأنها تعني مما تَحْسَبُون وتظنون وليست السنة عندهم محل ظن, والمعلوم فلكيا أن القمر يدور حول الشمس أثناء دورانه حول الأرض ولذا حركته بالنسبة للفراغ مركبة Compound, ولكن حركته حول الشمس لا يعاينها إلا مراقب خارج النظام ولذا يعدون الأرض ساكنة والقمر يدور حولها في دائرة كاملة الاستدارة ولا تلحظ العين المجردة نسبة تغير سرعته, وبهذا الاعتبار يتحقق فيزيائيا النظام المعزول.(1/466)
وهكذا يتفق التعبير المذهل "مّمّا تَعُدّونَ " فيزيائيا مع نسبية حركة الأجسام واختلاف وصفها تبعا لموقع الراصد لأن التعبير يقتضى التعيين لمتعدد, ولا يصح رياضيا قياس القيمة المطلقة للحركة بحركة نسبية غير ثابتة لجسمين تتغير باطراد إلا في النظام المعزول حيث تصبح الحركة مجردة والعلاقة ثابتة منذ بداية تكون نظام حركة الجسمين؛ والتعبير يجعل حركة القمر حول الأرض في نظام معزول لأن حركتيهما حول الشمس لا يعاينها إلا راصد خارج النظام, والراصد من الأرض يعد حركة القمر بمجرد النظر دائرة كاملة الاستدارة غير مدرك لنسبة تغير سرعته, وبهذا توفرت كل العناصر اللازمة لقياس حركة القوى بحركة جسمين وصيغت علاقة في نظام معزول كما هي كافة قوانين الحركة, فتأمل كيف تضمن القياس الدلالة بلفظ سنة على القمر الذي يبنى قوم النبي محمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه على حركته السنة, وهو فلكيا أقرب الجيران ويتحرك بانتظام ومعرفتنا به أكثر من بقية الأجرام وحركته الفلكية هي الأنسب لوصف سرعة لا تناسبها مسافة على الأرض, وتأمل الدقة في تقييد حركة نسبية وفق ما يعدون مما يجعل القياس في نظام معزول!.
حد السرعة في الكون الفيزيائي = مسافة ألف سنة قمرية\يوم (في النظام المعزول في أي وقت منذ النشأة).
تفصيل الجانب الرياضي
يختلف وصف سرعة أي جسم تبعا لحركة الراصد أو نقطة الرصد ولذا توصف بأنها نسبية Relative بخلاف سرعة الضوء فإنها مطلقة Absolute قيمتها ثابتة لا تختلف مهما كانت قيمة أو اتجاه حركة الراصد, وفي أي نظام معزول Isolated System حركيا عن التأثيرات الخارجية لجسمين يدور أحدهما حول الآخر يمكن وصف سرعة الجسم الطرفي كقوة معزولة عن أي تأثير بأنها مُتَّجَه Vector لأنها ثابتة القيمة بدون نسبة تغير وثابتة الاتجاه بالنسبة للفراغ بعد كل دورة ولذا يكون المدار كامل الاستدارة Perfectly circular orbit.(1/467)
وفي حالة دوران التابع مع المتبوع ليقطع زاوية (Ø) حول نجم يكتسب نسبة إضافية إلى حركته الأساسية بنسبة حركته إلى الفراغ قياسا على نجم بعيد ثابت, وتنعكس زيادة التسارع Acceleration إلى نسبة تغير في سرعته وبالتالي تصبح سرعته وسطية (V) ويصبح مداره حول المتبوع ناقص الاستدارة Ellipse بنفس النسبة وكأن اتجاهه قد تغير على مداره الأصلي في النظام المعزول بنفس الزاوية, ويعبر عن مقدار نقصان الاستدارة بقيمة الانحراف عن الدائرة Eccentricity (e) وهي نصف نسبة التغير (2e), ولذا تتعين سرعة التابع في النظام المعزول باستبعاد نسبة التغير أو بتعيين قيمة مركبة السرعة الوسطية في الاتجاه الأصلي بعد دورة ( VجتاØ).
وحركة القمر حولنا لا تُرصد من أرض ساكنة كما يعدها أهلها وكأنه بالنسبة إلى الفراغ لا يتحرك حول الشمس وإلا كان مداره كامل الاستدارة وقيمة سرعته غير وسطية, ولكن القمر يقطع كل دورة حول الأرض زاوية Ø حول الشمس ولذا يوصف مداره بأنه ناقص الاستدارة وأن سرعته وسطية غير ثابتة وتعاني من نسبة تغير, والحاصل أن حركته المرصودة فلكيا من الأرض هي بالنسبة للفراغ حصيلة حركته حول الأرض وحركته حول الشمس, وكأي تابع يدور حول متبوع وحول نجم يمكن تعيين النسبة الثابتة من السرعة الوسطية للقمر باعتبار سكون حركته مع الأرض حول الشمس بتعيين قيمة مركبة السرعة كمتجه في الاتجاه الأصلي قياسا على نجم بعيد ثابت.(1/468)
يقول الفيزيائيان الفلكيان مايكل زيليك Michael Zeilik (جامعة نيو ميكسيكو) وإليسك سميث Elske Smith (جامعة فيرجينيا): "يمكن عند أي نقطة على المدار الناقص الاستدارة تحليل السرعة المدارية Orbital Velocity إلى مركبتين متعامدتين؛ إحداهما عمودية على القطر وتسمى بالسرعة المماسية Angular Speed وقيمتها ثابتة في كل نقاط المدار, والثانية في اتجاه القطر وتسمى بالقطرية Radial speed وتختلف قيمتها من نقطة لأخرى" (12) , والسرعة الوسطية Vإذن حصيلة النسبة الثابتة ( VجتاØ) مع نسبة إضافية ناتجة عن السرعة القطرية, ولذا يمكن تعيين قيمة السرعة في نظام معزول لجسمين Isolated two-bodies system باستبعاد نسبة التغير (2e V) (13) من القيمة الوسطية فتتبقى النسبة الثابتة أو بتعيين قيمة مركبتها في الاتجاه الأصلي بعد دورة ( VجتاØ) (14) .(1/469)
وتضيف الأرض بالنسبة لنجم بعيد كل دورة لها حول الشمس دورة كاملة حول نفسها: (سنة\يوم اقتراني) = (سنة\يوم نجمي) - 1, ولذا اليوم الاقتراني 24 ساعة والنجمي 86164.09966 ثانية حاليا, ويضيف القمر بالنسبة لنجم كل دورة مع الأرض حول الشمس دورة حول الأرض: (سنة\شهر اقتراني) = (سنة\شهر نجمي)-1, ولذا الشهر الاقتراني 29.5305881 يوما والشهر النجمي 27.32166088 يوما حاليا, والمعلوم أن السنة النجمية حاليا= 365.25636 يوما, ولذا يمكن حساب الزاوية التي يضيفها بالنسبة لنجم بعيد كل دورة حول الأرض: Ø = (شهر نجمي\سنة نجمية)× 360 = 26.92847817 (حوالي 27) درجة, ونسبة مركبة السرعة الوسطية للقمر في الاتجاه الأصلي بعد دورة كاملة (جتاØ) = 0.8915725423, ونسبة التغير في السرعة 2e = (1- جتاØ) = 0.1084274577, والمعلوم فلكيا أن قيمة السرعة الوسطية للقمر حوالي 1.023 كم\ثانية (15) , والقيمة 1.022794272 (حوالي 1.023) كم\ثانية تحقق تماما القيمة الفيزيائية المعروفة منذ عام 1983م لسرعة الضوء في الفراغ المعبرة عن سرعة كافة القوى وفق العلاقة المفترضة في القرآن؛ المسافة الفلكية المجردة التي يقطعها القمر في ألف سنة = (1.022794272 ×27.32166088 ×86400) ×(1000×12) ×(جتا Ø: 0.8915725423) كم = 25.83134723 بليون كم في الوقت الحالي, إذن:
حد السرعة في الكون الفيزيائي
=
مسافة ألف سنة قمرية\يوم
=
25.83134723 بليون كم\86164.09966 ثانية
=
299792.458 (حوالي 300 ألف) كم\ثانية؛
وهي نفس قيمة سرعة الضوء في الفيزياء:
299792.458 (حوالي 300 ألف) كم\ثانية.
التحقق من النتيجة(1/470)
لم تبلغ سرعة الضوء في الفراغ تلك القيمة المتناهية الدقة إلا بعد جهود مضنية, وأما القيمة التقريبية المستخدمة عمليا في القياسات الفلكية فهي 300 ألف كم\ثانية, وبالمثل يكفي التقريب فلكيا لتعيين قيم مدار القمر, ورغم تفاوت درجة التقريب قليلا من مرجع إلى آخر تتحقق المماثلة في العلاقة المفترضة في القرآن الكريم, وتدفع تلك المماثلة إلى المزيد من التدقيق في تعيين مدار القمر وفق العلاقات المعلومة للشكل الناقص الاستدارة.
Eccentricity (deviation from circle) e = ae/a; Variation ratio of velocity (V) or distance(R):
2e; Moon’s near distance (perigee) P = a (1 - e); Moon’s far distance (apogee) A = a (1+e);
Semi-major axis of the lunar orbit a = (A + P)/2 = 2R/ {1 + (1 - e²)0.5; Semi-minor axis b =
{a² - (ae) ²0.5; Mean distance R = (a + b)/2; orbit length L = 2π R = V × Revolution period T';
Mean velocity V = 2π R/T'; angle Ø = 360 (T'/Y'), where Y' is the revolution period of the earth.
Sidereal year Y: 365 days, 6 hours, 9 minutes, 9.5 seconds (31558149.5 seconds = 365.25636 days). Sidereal month T: 27 days, 7 hours, 43 minutes, 11.5 seconds (2360591.5 seconds = 27.32166088 days): (sidereal year/synodic month) + 1 = (sidereal year/sidereal month). Sidereal day t: 86164.09966 seconds: (sidereal year/synodic day) + 1 = (sidereal year/sidereal day). The Deviation angle of the earth-moon system in relation to vacuum (due to motion around sun every sidereal month) Ø: 26.92847817 [Ø = 360T/Y)], Cosine Ø: 0.891572542289913397, 2e = 1 - cosine Ø = 0.108427457710086603, e = 0.0542137288550433015 (about 0.055), π = 3.1415926535898.(1/471)
وباستخدام أدق معلومات علمية متاحة كانت النتائج على الوجه التالي: قيمة الانحراف عن الدائرة (e) = 0.054213728855043015 (حوالي 0.055), ونصف المحور الأكبر = 384546.3752 كم, ومتوسط بعد القمر عن الأرض (المسافة بين المركزين) = 384263.6095 كم, وأقرب مسافة = 363698.6823 كم, وأبعد مسافة = 405394.0681 كم, وهذه النتائج المستمدة من تلك العلاقة في القرآن تماثل القيم التي اعتمدها مايكل زيليك وإليسك سميث في كتابهما حول الفلك والفيزياء الفلكية باعتماد القيمة التقريبية للانحراف عن الدائرة (حوالي 0.055) والقيمة 384405 كم لنصف المحور الأكبر, وهي على النحو التالي: أقرب مسافة للقمر = 363263 كم, وأبعد مسافة = 405547 كم (16) , وهذا التماثل يضيف مزيدا من الاحترام لتلك العلاقة العجيبة.
(1) موسوعة اكسفورد ص316.
(2) Hawking’ universe, p.35
(3) موسوعة اكسفورد ص316.
(4) المعجم الوسيط 2\591.
(5) تفسير الجواهر لطنطاوي جوهري ج24ص260.
(6) تفسير البيضاوي ج5ص387.
(7) تفسير البغوي ج3ص498.
(8) تفسير البغوي ج4ص392.
(9) تفسير الألوسي ج29ص58.
(10) تفسير الألوسي ج29ص57.
(11) الكون لستيفن هاوكنج ص55, والانفجار الكبير لسيلك ص75.
(12) Zeilik and Smith, Introductory Astronomy and Astrophysics, 2nd ed., Saunders College Publishing - 1987, Philadelphia, p17.
(13) د. محمد دودح, البحث الأول حول سرعة الضوء في القرآن الكريم والذي أقرته هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة وقدم في المؤتمر العالمي بموسكو عام 1993 بمشاركة د فوزي زروق (جامعة اكسفورد) د محجوب عبيد طه (جامعة الرياض) د منصور حسب النبي (جامعة عين شمس).
(14) د. منصور حسب النبي, الكون ص369.
(15) Laros Astronomy, p.142
(16) Zeilik and Smith, Introductory Astronomy and Astrophysics, 2nd ed., Saunders College Publishing - 1987, Philadelphia,, p53
|1| 2 |(1/472)
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7148
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - دراسة لقوائم شركة (الورق)
دراسات علمية رسائل جامعية
دراسة لقوائم شركة الورق
خالد بن إبراهيم الدعيجي
………
25/3/1427
23/04/2006
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذه دراسة مختصرة لقوائم شركة "الورق"، علماً أن نشرة الإصدار ذكرت فيها القوائم المالية المدققة المنتهية في 31 ديسمبر 2005م. وهناك بعض الاستفسارات على القوائم تم إرسالها إلى الشركة، وجاء الرد منهم بخطاب واضح جلي أجاب على الاستفسارات بكل شفافية، فتشكر الشركة على تعاونها.
أولاً: دراسة قوائم الشركة المنتهية في 31 ديسمبر 2005م
1.… إجمالي الموجودات: (456.163.151) ريال سعودي.
2.…الودائع البنكية:
إجمالي الودائع: (18.942.580) ريال سعودي.
ونسبتها لإجمالي الموجودات 4.15 %. وتتكون من :
أ -…حساب جاري لدى البنوك بمبلغ (18.837.172) ريال سعودي. وليس مربوطاً بأي فوائد ربوية مطلقاً حسب خطاب الشركة.
ب -…نقد لدى خزينة الشركة بمبلغ (105.408) ريال سعودي.
3.…إيرادات الودائع.
لم يظهر في قوائم الشركة إيرادات للودائع البنكية.
4.…الاستثمارات:
إجمالي استثمارات الشركة: (3.994.580) ريال سعودي. ونسبتها للموجودات 0.87%. وتتألف من:
أ-…استثمار في شركة غاز الشرق المحدودة، وهي شركة تحت التأسيس، بمبلغ (3.900.000) ريال سعودي.
ب-…استثمار في الشركة المتحدة للتركيبات بمبلغ (94.679) ريال سعودي.
5.…إجمالي المطلوبات: 456.163.151 ريال سعودي.
6.… القروض:
إجمالي القروض : (182.477.290) ريال سعودي. ونسبتها لإجمالي المطلوبات 40%. وتتكون هذه القروض من :
أ -…قروض صندوق التنمية الصناعية السعودي بمبلغ : (36.000.000) ريال سعودي. ونسبتها لإجمالي المطلوبات (7.9%). ولا تعد هذه القروض ربوية عند المختصين.(1/473)
ب -…قروض مرابحة قصيرة الأجل بمبلغ (102.283.089) ريال سعودي. ونسبتها لإجمالي المطلوبات (22.42%) . وهي تمويل إسلامي متوافق مع ضوابط الهيئات الشرعية.
ج-…قروض مرابحة طويلة الأجل بمبلغ (19.263.150) ريال سعودي. ونسبتها لإجمالي المطلوبات (4.2%). وهي تمويل إسلامي متوافق مع ضوابط الهيئات الشرعية.
جاء في خطاب الشركة:" أما المرابحات التي تم ذكرها كقروض قصيرة وطويلة الأجل، فهي مرابحات شرعية تم تصنيفها حسب تواريخ استحقاق سدادها حسب شروط اللجان الشرعية لدى هذه البنوك، وتتم المرابحة بإبلاغنا للبنك بالرغبة في شراء مواد ذات مواصفات معينة من عدة موردين تم استلام عروض أسعارهم، فيقوم البنك بالاتصال بهم وفتح اعتمادات لصالحهم باسم البنك، وعند وصول المستندات يتم توقيع عقد المرابحة بيننا وبين البنك لشراء تلك المواد ويتم تحديد تاريخ السداد" أهـ.
د-…قروض لأطراف ذات علاقة بمبلغ (24.262.551) ريال سعودي. ونسبتها لإجمالي المطلوبات (5.3%) .
جاء في خطاب الشركة في طبيعة القروض:" وهي مبالغ مستحقة للشركاء على الشركة وليس عليها أي عائد أو فوائد"
وعند طلب الإيضاح أكثر تبين أن رئيس مجلس الإدارة ونائبه قاما بإقراض الشركة هذه المبالغ بدون فوائد.
هـ-…بنوك دائنة بمبلغ (662.500) ريال سعودي. ونسبتها لإجمالي المطلوبات (0.14%) .
وجاء في خطاب الشركة " تتمثل هذه المديونية في خطابات ضمان صادرة من البنوك للشركة لجهات حكومية وتجارية، من أجل توريد مخلفات ورقية ولا تحمل أي فوائد مرتبطة بها. بيانها كالتالي:
*…خطاب ضمان لصالح وزارة التربية بمبلغ (500.000) ريال سعودي.
*…خطاب ضمان لصالح الدار العربية للطباعة والنشر بمبلغ (100.000) ريال سعودي.
*…خطاب ضمان لمؤسسة الجزيرة بمبلغ (60.000) ريال سعودي.
*…خطاب ضمان لوزارة الصحة بمبلغ (2.500) ريال سعودي.(1/474)
7.…جاء في ختام الخطاب " ونفيد فضيلتكم بأن الشركة ومنذ بداية تأسيسها حرصت كل الحرص على أن تكون جميع تعاملاتها المالية وغيرها وفقاً للشريعة السمحاء، ونحن على استعداد لإطلاعكم في أي وقت على أي مستندات ترغبون الإطلاع عليها متعلقة بأية مواضيع مالية لدى الشركة"
8.…حكم الاكتتاب فيها:
من خلال ما سبق الذي يظهر لي جواز الاكتتاب فيها، لأنه لم يظهر في قوائمها ما يمنع ذلك. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7160
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - سرعة الضوء في القرآن الكريم [2/2]
دراسات علمية رسائل جامعية
سرعة الضوء في القرآن الكريم [2/2]
د. محمد بن إبراهيم دودح
………
28/3/1427
26/04/2006
فهم المفسرين(1/475)
قال ابن كثير: "سأل رجل ابن عباس عن (يوم كان مقداره ألف سنة) فقال له ابن عباس: (فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)؟ فقال له الرجل (إنما سألتك لتحدثني) فقال ابن عباس (هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما) فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم, و.. عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: (إنا لا نقول في القرآن شيئا).. كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن, و.. عن مسروق قال: (اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله), فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به, فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه ولهذا رويت عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه, وهذا هو الواجب على كل أحد فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى: "لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَه", ولِمَا جاء في الحديث.. (من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار), و.. عن عائشة قالت: (ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم -يفسر شيئا من القرآن إلا آيات تُعد علمهن إياه جبريل عليه السلام).., فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه ومنه ما يعلمه العلماء ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها ومنه ما لا يُعذر أحد في جهله كما صرح بذلك ابن عباس.. قال..: (التفسير على أربعة أوجه وجه تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله)" (1) .(1/476)
وبدون المعلومات الفلكية والفيزيائية التي توفرت حديثا بعد جهود مضنية يصعب فهم تلك القياسات المبنية على معرفة بالخفايا حتى على أكابر المفسرين, فمنهم من تورع ومنهم من اجتهد, وقد بلغت الصعوبة إلى أن قال الألوسي في تفسير إحداها: "هذا ما قالوه في الآية الكريمة في بيان المراد منها ولا يخفى على ذي لب تكلف أكثر هذه الأقوال ومخالفته للظاهر جدا وهي بين يديك فاختر لنفسك ما يحلو.. وأقول إن الآية من المتشابه" (2) , وتورع ابن عباس (رضي الله عنهما) في موطن عن الخوض في قياس لم تتضح كيفيته بعد ومع ذلك أصاب عين النبع بضربة معول موفقة فلم يبق إلا القليل ويفيض النهر عندما فسر سير الأمر بقوله: "لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم", قال القرطبي: "ذكره الزمخشري والمهدوي عن جماعة من المفسرين وهو اختيار الطبري" (3) .(1/477)
والقياس ثابت لأن (كان مقداره) أي: "كان حد مقياسه الذي لا يتجاوزه" (4) , و(كان) في مقام يفيد الدوام كالقياس تؤكد الدوام, ومنه قوله تعالى: "وَكَانَ رَبّكَ قَدِيراً" الفرقان 54، وقوله تعالى: "وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا" الإسراء 11, وقوله تعالى: "وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا" الإسراء 27, قال الشوكاني: "(و) المراد هو دوام التدبير والنفاذ", وقال ابن عاشور: "بقطع المسافات", وقال البغوي: "مدة أيام الدنيا", وقال القرطبي: "إلى ساعة انقضاء العالم", وقال أبو حيان (5) : "(و) السنة المعتبرة في هذه الشريعة هي السنة القمرية.. ؛ قال تعالى: "هُوَ الّذِي جَعَلَ الشّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَاب" يونس 5، وقال تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" البقرة 189, وقال الرازي: "السنة عند العرب عبارة عن اثني عشر شهراً من الشهور القمرية.. وكان ذلك شريعة ثابتة من زمان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.. (و) السنة معلقة بسير القمر" (6) , وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (مما يعدون) بالياء وحجتهم أن قبله "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ".. وقرأ الباقون "تَعُدّونَ " بالتاء وحجتهم أن التاء أعم لأنه عَنَى الناس كلهم فكأنه قال.. مما تعدون أنتم وهم" (7) , وفيه إعراض يؤكد التهديد تصويرا لحال المكابرين كأنهم كذبوا بالإنذار, وتخصيص الخطاب بخاتم النبيين تكريم, وهو تعيين للمقياس القائم على حركة جرم يختلف تقديرها لأنه يعني: مما "تظنون" و"تَحْسَبُون" أو "تقدرون" و"تعتقدون" (8) .(1/478)
والقياس عند ابن عباس هو: "مقدار سير الأمر" (9) , قال قتاده: "يقول مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة" (10) , وقال القرطبي: "في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة" (11) , وقال الألوسي: "في يوم مقدار مسافة السير فيه ألف سنة", وقال الطبري: "لأن المسافة مسيرة ألف سنة", وقال الرازي: "واليوم هنا زمان", وقال الزمخشري: "(وهو) يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد", وليس ما قالوه على فضلهم إلا صدى معول موفق أصاب عين النبع بقوله: "لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم", قال الألوسي مفسرا العلاقة: "وإن لم تبعد هذه السرعة.. عند من وقف على سرعة حركة الأضواء وعلم أن الله " على كل شيء قدير" (12) .. وقال: "وأي مانع أن يخلق الله تعالى .. من السرعة نحو ما خلق تعالى في ضوء الشمس.. (فإن) ضوءها ليصل إلى الأرض في مدة ثمان دقائق" (13) , وقال حفيده أن من النجوم: "ما لا يصل نوره إلى الأرض في مائة سنة بل أكثر مع شدة سرعة الضوء" (14) .(1/479)
ولفظ (الأمر) في قوله تعالى: "يُدَبّرُ الأمْرَ" يعني كل شيء لأن الكل مأمور بكلمة (كن) تجسيدا للمشيئة, قال الألوسي: "الأمر راجع إلى المراد لا إلى الإرادة.. (أي) الأشياء المرادة المكونة" (15) , وقال ابن تيمية: "وفي لغة العرب التي نزل بها القرآن أن يسمى المفعول باسم المصدر فيسمى المخلوق خلقا لقوله "هذا خلق الله".. ولهذا يسمى المأمور به أمرا" (16) , "والأمر الكوني كقوله..: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".. فهذا أمر تقدير كوني لا أمر ديني شرعي" (17) , "ولفظ الأمر يراد به.. المفعول.. كما قال تعالى: "أتى أمر الله".. فهنا المراد به المأمور به وليس المراد به أمره الذي هو كلامه" (18) , "(و) عن عمران بن حصين أن أهل اليمن سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أول هذا الأمر.. فقال (كان الله ولم يكن شيء غيره)" (19) , وقولهم (جئنا لنسألك عن أول هذا الأمر) كان مرادهم خلق هذا العالم.. فهذا الأمر إشارة إلى حاضر موجود.. وهو المأمور الذي كونه الله بأمره وهذا مرادهم" (20) , "(و) ألفاظ المصادر يعبر بها عن المفعول فيسمى المأمور به أمرا.. والمخلوق بالكلمة كلمة فإذا قيل في المسيح أنه كلمة الله فالمراد به أنه خُلِقَ بكلمة.. كن.. وإلا فعيسى -عليه السلام- بشر.. وكذلك إذا قيل عن المخلوق أنه أمر الله فالمراد أن الله كونه بأمره" (21) , "وهذا قول سلف الأمة وأئمتها وجمهورها" (22) , "وبهذا التفصيل يزول الاشتباه في مسألة الأمر" (23) .(1/480)
وفي معنى (إليه) قال الرازي: "ليس المراد منه المكان بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده كقوله تعالى: "وإليه يرجع الأمر كله" (24) , وقال الشوكاني: "كقول إبراهيم (عليه السلام): "إني ذاهب إلى ربي"أي إلى حيث أمرني ربي" (25) .. "وذلك حين ينقطع أمر الدنيا" (26) , يعني كما قال البيضاوي: "يدبر الأمر إلى قيام الساعة" (27) , قال ابن عطية: "وفي القرآن منه كثير نحو قوله تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب" وقوله تعالى: "ففروا إلى الله" وقوله تعالى: "بل رفعه الله إليه" وقوله تعالى: "ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا", وهذا كله بريء من التحيز" (28) , وقال الألوسي: "(وهذا الوجه) معنى لائق به تعالى مجامع للتنزيه مباين للتشبيه حسبما يقوله السلف في أمثاله" (29) , ولا يعني بالمثل "وَإِنّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ" النِدِّية أو المكان وإنما العلم والتقدير كقوله تعالى: ]وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ[ الرعد 8, قال أبو السعود: "(يعني) كل شيء من الأشياء عنده بمقدار لا يمكن تجاوزه.. كقوله "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" القمر 49" (30) , قال النيسابوري: "(لأنه سبحانه) موجد الزمان وليس عنده صباح ولا مساء" (31) , وقال سيد قطب: "فالزمن إن هو إلا تصور بشري ناشئ من دورة أرضهم الصغيرة ولا وجود له في حساب الله تعالى المطلق" (32) , وقال أبو حيان: "(و) المراد من العندية العلم" (33) , وقال الألوسي: "أي في حكمه" (34) , وقال الشوكاني: "وقضائه".(1/481)
وفي قوله تعالى: "إِنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ" القمر 49و50، ونظيره مع نسبة الأمر لساعة الدمار التي لا يدرك آنيا جنودها العاجلة نحونا سوى الله قوله تعالى: "وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَآ أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" النحل 77، واللمح وميض نجم أو برق, قال ابن فارس: "اللمح أصل يدل على لمع شيء", وقال ابن منظور: "لَمَعَ بمعنى أَضَاءَ" (35) , وفي بيان وجه التشبيه بومضة الضوء قال الألوسي: "الغرض من التشبيه بيان سرعته" (36) , وقال الرازي: "فاللمح بالبصر معناه (ضوء) البرق يخطف بالبصر أي يمر به سريعا وذلك في غاية السرعة", وقال أبو حيان: "لما كان أسرع الأحوال والحوادث في عقولنا هو لمح البصر ذكره.. فهو تشبيه بأعجل ما يحسه الناس" (37) , وبمثلهم قال جُل المفسرين,
وباء (بالبصر) أطلقته فجعلته على أصله بينما خصته الإضافة (كلمح البصر) فجعلته في الجو فناسبها الاستدراك (أو هو أقرب) أي أسرع خارجه, قال الشوكاني: "وليس هذا من قبيل المبالغة بل هو كلام في غاية الصدق" (38) .(1/482)
وفي معنى قوله تعالى: "يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ"؛ قال الألوسي: "فيه إشارة إلى أن الأمر وإن ظهر بالأشكال المختلفة والصور المتعددة أوله وآخره سواء" (39) , وقال أبو السعود: "(لأنه) أمر واحد وإن تجددت آثاره" (40) , وقال ابن عاشور: "(يعني قد) تطور الخلق والذات واحدة" (41) , وقال ابن تيميه: "والسماوات وإن طويت وكانت كالمُهل (وهو المعدن المنصهر من شدة الالتهاب).. أصلها باق بتحويلها من حالٍ إلى حالٍ" (42) , وقال الزمخشري: "كتبديل الحلقة خاتماً إذا أذيبت.. ونقلت من شكلٍ لآخر", وقال جوهري: "وتنزيل الأمر من السماء يقتضي النظر في منشأ هذا العالم فإن هذه العناصر لم تظهر في بادئ الأمر.. (لتضمنه) تنزيل الله للعوالم من حالها الأول حال البساطة والنور إلى حال الكثافة والتركيب.. (ومقتضى) رجوع الأمر إلى الله.. أن هذا العالم سائر من الكثافة إلى اللطافة كما أنه تنزل من اللطيف إلى الكثيف" (43) , "(يعني) لا وجود في الأصل إلا لمادة واحدة بسيطة والقوى الطبيعية كلها صادرة بالتسلسل عن قوة أصلية واحدة وتتباين القوى إنما جوهرها في الأصل واحد وكل ما يقع أو لا يقع تحت نظرك من الوجود فهو صادر عن مادة أصلية واحدة" (44) , "فهذا العالم كله أصله مادة واحدة هي الأصل لهذه الموجودات ومنها تكونت المادة والكهرباء والمغناطيسية والحرارة والضوء, فهذه كلها صفات وتنوعات في المادة الأساس.. ولا تزال المادة واحدة واختلاف المظاهر وقتي.., (وقد) خلق الله العالم من مادة واحدة ليستدلوا على وحدانيته وقدرته" (45) , وأضاف: "إذن الأمر إن هو إلا تجليات ومظاهر لقدرة المحيط علماً.. طُبعت في هذا الخلاء الفسيح طبعاً ظهرت لنا.. بهيئة حركات.. وتجلى لعيوننا بهيئة نبات وحيوان وشمس" (46) , "فما هذا العالم كله إلا حركات" (47) , "وهكذا الزرع.. والحيوان وأجسام الناس" (48) , وأتساءل مأخوذا؛ أليس بهذا(1/483)
نفهم قول الله تعالى: (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) الأنبياء 37.
واختيار (يوم) للتعبير عن مسافة يتفق مع أنه أقل وحدة زمن فلكية, ولكن العجيب أن اليوم الضوئي يتفق مع أن أبعد كوكب يتبع عالم المخاطبين أي النظام الشمسي لا يزيد بعده عن يوم ضوئي, وهو حد عالم الكواكب الأدنى أو "السماء الدنيا" في تعبير المفسرين؛ قال الشوكاني: "أراد بقوله (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) المسافة التى بين الأرض وبين سماء الدنيا" (49) , وقال الألوسي أن: "ألف سنة .. مسافة ما بين الأرض ومحدب السماء الدنيا" (50) .
والتعبير (مما تعدون) يحقق المقياس المطلوب لعلاقة ثابتة ولكنه يفيد أيضا معنى الظن غير المطابق للحقيقة, ولذا فهو يتضمن الدلالة على حركة الأرض ومعها القمر حول الشمس وحركة النجوم الثوابت بخلاف ما يعدون, قال جوهري: "أرضنا (إذن) دائرة غير دائرة نحن نراها ساكنة ولكنها دائرة لا تهدأ" (51) , "ومن جملة سيارات شمسنا هذه الأرض التي نحن عليها والقمر ملتزم بها ويدور عليها ومعها على الشمس" (52) , إذن: "دوران الأرض حول الشمس ليس غير مخالف للقرآن فحسب بل له منه دلائل" (53) , وقال الألوسي: "فيه دليل على أن الشمس متحركة.. على مركز آخر كما تتحرك الأرض عليها" (54) , وأن: "للثوابت حركة" (55) , وفي قوله تعالى: "لاَ الشّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلّيْلُ سَابِقُ النّهَارِ وَكُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" يس 40؛ قال القاسمي: "التنوين في لفظ (كُلٌّ) عوض عن الإضافة (للأجرام) والمعنى كل واحد من (الأجرام السماوية كالشمس والقمر) في فلك خاص به يسبح بذاته" (56) , وقال ابن عاشور: "المراد تعميم هذا الحكم للشمس والقمر وجميع الأجرام وهي حقيقة علمية سبق بها القرآن" (57) .
علاقة تؤيد وحدة الأجرام في الأصل والنظام(1/484)
من المعلوم رياضيا أن السرعة في النظام المعزول لجسمين Isolated two-bodies system ثابتة القيمة, وإذا كان التعبير "مما تعدون" يجعل سرعة القمر حول الأرض في نظام معزول لقياس الثابت الكوني للحركة فمعنى ذلك أنه يقيم علاقة ثابتة بين سرعته أو بعده وبين فترة دوران الأرض حول نفسها في النظام المعزول, فهل يمكن أن نستنطق تلك العلاقة المفترضة عن مولد النظام لتعيننا على حل إشكاليات الفرضيات المتضاربة؟.
والعلاقة الأساسية هي: (c = 12000 V' T'/t'), حيث c سرعة الضوء, V' سرعة القمر, T' الشهر النجمي, t' اليوم النجمي, ويمكن صياغتها كالتالي: (V'T'/t' = 24.98270483), وعندما يكون بعد القمر في النظام المعزول R' = صفر فهذا يعني أنه على طرف الأرض الأولية وتكون (T' = t'), ولذا تكون سرعة دوران الأرض حول نفسها = 24.98270483 كم\ثانية, وحينئذ لا يتبقى من بعد القمر حاليا R إلا قيمة تمثل نصف قطر الأرض الأولية r = 41664.7263 كم, وبالتالي يكون زمن دورة الأرض الأولية حول نفسها = 10478.73711 ثانية, أي ما يقارب 2.5 ساعة وهي نفس القيمة المفترضة فلكيا إذا كانت النشأة بنفس الآلية.
والنسبة (r/R) هي نفس نسبة تغير السرعة (2e) ولذا يمكن بمعرفة البعد R تعيين نسبة التغير في أي وقت على طول التاريخ لأن القيمة r ثابتة, وعند التماس: (r/R = 2 e = 1 - cos. Ø = 1) ولذا تنعدم مركبة سرعة القمر في الاتجاه الأصلي بعد دورة (cos. Ø = صفر), ولا يتبقى حينئذ من سرعة القمر سوى مركبة السرعة الناجمة عن الحركة حول الشمس مما يعني نشأة النظام على طرفها ولذا يكون اتجاه سرعة القمر حينئذ عموديا على الأرض مماسيا للشمس (Ø = 90 درجة), وعلى هذا قد نشأ القمر مع الأرض مع نشأتها نفسها على طرف الشمس, ولعل هذا يفسر خصوصياته الفريدة التي جعلته يسمى بالكوكب التوأم Twin Planet.(1/485)
وعند التماس مع الشمس يمكن معرفة زمن دورة الأرض Y' حول الشمس (Y' = T' 360/Ø = 4t'), ومن العلاقة: (سنة\يوم اقتراني) = (سنة\يوم نجمي) – 1؛ يمكن حينئذ تعيين طول اليوم الاقتراني للأرض الأولية, وقيمته حوالي 4 ساعات (13971,64948 ثانية) وهي نفس القيمة المفترضة جيولوجيا بإتباع أساليب أخرى.
والعلاقة الأساسية (2π R'/t' ×c = 12000) يمكن صياغتها كالتالي: (t' R' = 3.976120966), أي أن بعد القمر مرتبط بطول اليوم في علاقة ثابتة, فإذا كان بعد القمر وطول اليوم عند النشأة أقل فلا بد أن القمر في ابتعاد واليوم في ازدياد, وهذا معلوم فلكيا حاليا ولكن العلاقة في النظام المعزول تضيف قيمة رقمية محددة.
وبمعرفة نصف قطر الأرض عند النشأة واعتماد كتلتها M حاليا (5.9736×1024 kg.) يمكن معرفة كثافة الجسم الأم للأجرام الثلاثة (3M/4π r3): 19.7170496 كج\م3, وهي أقل بحوالي 50 مرة من كثافة الماء (1000 kg. /meter3) وأكبر بحوالي 15 مرة من كثافة الهواء عند سطح البحر (1.3 kg. /meter3) وتلك سمات سديم Nebula, ولذا يمكن الافتراض بتشكل النظام الحركي Dynamics للأرض والقمر عند تشكل سدم المجرة ذاتها منذ حوالي ضعف عمر قشرة الأرض, والقيمة (300934.1569 km.) هي الزيادة في بعد القمر منذ النشأة ولذا القيمة 8.4 بليون سنة لتشكل سدم المجرة تجعل معدل تباعده: 3.6 سم\سنة, وهي تماما نفس القيمة المعلومة فلكيا بالقياس بالليزر منذ رحلة أبوللو 11 عام 1969 ووضع عواكس على سطحه (58) .(1/486)
والكون إذن ليس أبدي وإنما تشكل في فترات مقدرة بلا توقف أو تردد كما لو كانت ستة أيام متلاحقة, وكالرضيع قدرت أيام حمله كذلك قدرت أحوال الأرض في يومين من الستة قبل الولادة, ومن بدء الحمل إلى البلوغ أربعة أيام, وهو نفس التمثيل في قوله تعالى: "قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ" فصلت 9و10, فإذا كانت النشأة الحقيقية حركيا للأرض ترجع إلى حوالي 8.4 بليون سنة قبل أن تعمر بالنبات الذي بدأ يطلق أكسجين الجو منذ حوالي 0.25 بليون سنة علامة على تكامل البناء؛ وإذا كان تشكيل الأرض في أربعة أيام تمثيلا يكون الكون في ستة أيام فيكون عمره الفعلي بنفس القيمة المعروفة الآن: حوالي 12.5 (10-15) بليون سنة.
وإذا كان الكون قد اكتمل منذ 0.25 بليون سنة وتطاول الزمن حتى أصبحت سنة التقويم 365.24219 يوما وبالشهور الحالية 12.368 شهرا في 8.4 بليون سنة؛ تكون السنة عند اكتمال الكون 12 شهرا مما يمنح فهما أعمق لقوله تعالى: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ" التوبة 36, ونظير الستة أيام يتأكد رياضيا أن عمر الكون بنفس القيمة المعروفة الآن: حوالي 12.5 (10-15) بليون سنة.(1/487)
وبعد القمر عند التماس (R' = صفر) انعكاس لبعد مداره الفعلي (R'=r) فيكون متوسط بعده R = 2r, وتكون نسبة تغير سرعته (r/R = 2 e = 1 - cos. Ø = 0.5), وهذا يعني أن مركبة سرعته في الاتجاه الأصلي بعد دورة والناجمة عن تأثير الأرض تماثل المركبة الناجمة عن الشمس (cos. Ø = 0.5), وبهذا يكون قد نشأ في نقطة الاتزان بين الشمس والأرض عند الزاوية المركزية Ø = 60 درجة, ومع تضاعف بعده تقل سرعته إلى النصف وتعكس مركبتها في الاتجاه الأصلي سرعة الهروب من الأرض (6.245676208 كم\ثانية), وبافتراض وحدة النشأة حركيا من جسم واحد متجانس؛ تتناسب سرعات الهروب مع الكتل أو أنصاف أقطارها (V1/V2= r1/r2, V13/V23= M1/M2), ولذا بمعرفة كتلة الشمس حاليا (1.99×1030 kg.) وكتلة القمر (7.35×1022 kg.) تكون قيمة سرعة الهروب من الشمس (432.963991 km. /sec.), ونصف قطرها (2888290.327 km.), وسرعة الهروب من القمر (1.441882483 km. /sec.), ونصف قطره (9618.756561 km.), وللتأكد من دقة الحساب تكون كثافة الشمس أو القمر مماثلة تماما لكثافة الأرض:
كثافة الأرض = 3×5.9736×1024/{4×3.1415926535898×(41664726.3)3 = 19.7170496 كج\م3.
كثافة الشمس = 3×1.99×1030/{4×3.1415926535898×(2888290327)3 = 19.7170496 كج\م3.
كثافة القمر = 3×7.35×1022/{4×3.1415926535898×(9618756.561)3 = 19.7170496 كج\م3.(1/488)
ويمكن تعيين قيمة ثابت الجاذبية العام G عند نشأة النظام بتطبيق قانون المقذوفات (V² = 2MG/r) حيث V سرعة الهروب, M الكتلة, r نصف قطر أي جرم؛ لتبين هل هو ثابت على الدوام أم هو ثابت نسبي الآن, وللتأكد من دقة الحساب نجد قيمته واحدة بتطبيق قانون المقذوفات (سواء على الأرض أو على الشمس أو القمر): 1.36038342×10-19 km.3/kg./sec.2؛ وهي تتفق مع ما توقعه الفيزيائي بول ديراك Paul Dirac (1902-1983) بأنها أكبر في الماضي لأنها حوالي ضعف القيمة حاليا (6.67×10-20 km.3/kg./sec.2).
وهكذا يمكن لتلك العلاقة المفترضة في القرآن أن تجيب على بعض ما يحيرنا بخصوص بدايات التكوين, فعند النشأة مثلا تتساوى مدة دورة القمر حول نفسه مع مدة دورته حول الأرض كحالته الآن مما يقوي احتمال مواجهته للأرض بنفس الوجه منذ النشأة خاصة أنه بيضي الشكل Ovoid مع اتجاه المحور الأكبر نحو الأرض, ولم يتقرر نظام حركة الأرض حول الشمس والقمر حولها عند تكون قشرتها وإنما يمتد إلى عهد تكون المجرة, ولو تأملنا تلك العلاقة بين الأرض والقمر رياضيا يتضح أنها ليست إلا وجها مما يعرف بقانون ثبات العزم الزاوي Angular momentum conservation, وهو يعني أن قيمة الحركة حول مركز دوران في النظام المعزول لأي جسم كحصيلة لكتلته M وسرعته V ثابتة مهما كان بعده R من مركز الدوران (MVR= ثابت), والعلاقة المفترضة هي: (R/t = ثابت), ونتيجة لوحدة القيم عند اتصال القمر بالأرض يمكن التعبير عنها كالتالي: (R/t = VR = ثابت), وكتلة القمر في النظام المعزول ثابتة فتكون (MVR= ثابت) وهي نفس صيغة القانون, ويمكن باستخدامه تأكيد فقدان القمر أثناء تكونه لنسبة من كتلته قيمتها حوالي 16.7% من قيمة كتلته الأصلية, وهي نسبة معقولة بالنظر لتبدد كل الغلاف الغازي للقمر نتيجة لقلة كتلته مقارنة بالأرض ذات السقف المحفوظ.(1/489)
ويمكن التحقق كذلك من فرضية وحدة النشأة باعتبار حركة القمر في النظام المعزول بصمة للماضي السحيق منذ تشكل المجرة ذاتها؛ لأن بعد الأرض عن الشمس باعتبار نظام حركتها معزولا ابتداءً سيظل بالمثل في علاقة ثابتة مع مدة دورة الشمس حول نفسها وفق القيمة الثابتة للسرعة الابتدائية (432.963991 km. /sec.), ومدة الدورة الاستوائية للشمس حاليا تزيد قليلا عن 25 يوما, والمذهل أن القيمة 25.12694896 يوما تحقق تماما البعد الوسطي للأرض حاليا والذي يُستخدم في القياسات باسم الوحدة الفلكية: 149597870 km., وكما ترى وحدت العلاقة بين حركة القوى والأجسام وتضمنت جملة حقائق كشفتها الأيام وكأنها رسالة مشفرة لأهل عصرنا خاطبتهم بلغة المعادلات كما يجيدون وتألقت ليدركوا الغرض كما صنعت عصا موسى عليه السلام.
فما الغرض؟(1/490)
تأمل النتائج تعرف الغرض؛ وحدة مادة الأجرام في الأصل كنسيج الثوب الملتئم الذي ظل بعد فتقه هو نفس النسيج, ووحدة الأجرام حركيا في الأصل وترابطها مع بعضها في منظومات وإن تباعدت, ووحدة سرعة القوى وتوحيدها مع الأجرام في علاقة واحدة, ووحدة الصنعة دليل حاسم على وحدانية الصانع ولا شك, وقد جاء القرآن ليؤكد مبدأ التوحيد وينذر بيوم الهلاك المهيب والحساب, قال تعالى:"وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ" المائدة 48, والتأكيد يقتضي سبق الإعلام, والعجيب أن الكتب السابقة تتحدث في سياق الإنذار بدمار العالم فعلا عن سرعة مجيء يوم الرب والتي جلاها القرآن بتفاصيل هي الآن مفخرة للعلم؛ "لتذكروا الأقوال التي قالها سابقا الأنبياء القديسون.. أنه سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون.. وقائلين أين هو موعد مجيئه؟.. لأن هذا يخفى عليهم.. أن السماوات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة.. وأما السماوات والأرض الكائنة الآن فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها محفوظة للنار إلى يوم الدين وهلاك الناس الفجار ولكن لا يخفى عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يوما واحدا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد لا يتباطأ الرب عن وعده.. ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها فبما أن هذه كلها تنحل أيّ أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وأرضا جديدة يسكن فيها البر لذلك أيها الأحباء إذ انتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب في سلام" (2بطرس 3\2-14).(1/491)
وأصل علاقة اليوم بالألف سنة منسوب إلى النبي موسى u وهو: (من قبل أن توجد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله.. لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر وكهزيع من الليل) المزامير (90\2-4), وقد تكون السنة في عرف الشعوب منذ القدم مبنية على حركة القمر ولكن العلاقة تخلو مما يقوم بدور (مما تعدون) كمعيار لقياس حركة نسبية, وهي أيضا علاقة غير ثابتة شوهتها العبارة (وكهزيع من الليل), وربما أضافها قلم الكتبة باعتبار الزمن لا يعني شيئا بالنظر إلى سرمدية الله فألف سنة كيوم أو برهة من ليل, فالمراد إذن بيان وحدانية الله تعالى وأن كل ما عداه مقدر حادث وجد بأمره لتأكيد السياق على أزليته وحده.
ودعوة الأنبياء تنشد عبادة الله تعالى وحده وتفيض الكتب بتراتيل تمجيده وإجلاله وتشدو بوحدانيته وكماله: "الله واحد" (1كورنثوس 12\6, غلاطية 3\20, يعقوب 2\19, رومية 3\30, مرقس 12\32), "وحدك الله وليس آخر" (إِشَعْيَاء 45\14), "إله واحد" (1تيموثاوس 2\5), "ليس إله آخر إلا واحدا" (1كورنثوس 8\4), "الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه هذا إذ هو رب السماء والأرض لا يسكن في هياكل مصنوعة" (أعمال 17\24), "أنا الأول وأنا الآخر" (إِشَعْيَاء 48\12), "أنت الإله الحقيقي وحدك" (يوحنا 17\3), "أنت يا رب في البدء أسست الأرض والسماوات هي عمل يديك هي تبيد ولكن أنت تبقى وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغيّر ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى" (عبرانيين 1\10-12).(1/492)
وقد قام خلاف بعد المسيح u حول طبيعته لما أجرى الله على يديه من معجزات وانتقلت المبالغة والغلو إلى التقديس ولكنه أعلن عبوديته لله وحده خاصة مع ما نقل عنه أنه: "قضى الليل كله في الصلاة لله" (لوقا 6\12), وأنه: "كان يعتزل في البراري ويصلي" (لوقا 5\16), وأنه قال: "لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (متى 4\10), وقال: "الحق الحق أقول لكم إنه ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مرسله" (يوحنا 13\16), وعندما سُئِل: "يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس؟" (متى 22\36), قال: "الرب إلهنا رب واحد" (مرقس 12\29), وقال: "هذه هي الوصية الأولى والعظمى" (متى 22\38), وقال: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء" (متى 5\17), وقد أعلن مرارا أنه ليس إلا رسولا لله كسابقيه: "ليعلم العالم أنك أرسلتني" (يوحنا 17\23), وقال: "أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا.. لا أطلب مشيئتي بل مشيئة.. الذي أرسلني" (يوحنا 5\30), وقال: "الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني" (يوحنا 12\44),وقال: "الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية" (يوحنا 5\24), ولما دعاه أحدهم صالحا قال: "ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله" (متى 19\17, مرقس 10\18, لوقا 18\19), وقال: "من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يُدينه, الكلام الذي تكلمت به هو يُدينه في اليوم الأخير" (يوحنا 12\48).
وتؤكد الكتب أن كل شيء خاضع لأمر الله تعالى وحده قد وجد بكلمته: "في البَدء خلق الله السماوات والأرض" (تكوين 1\1), "أمر فخلقت" (مزامير 148\5), "بكلمة الرب صُنِعَت السماوات وبنسمة فيه كل جنودها" (مزامير 33\6), "يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة" (رومية 4\17) ,"قال فكان هو أمر فصار" (مزامير 33\9), "صنع الجميع من العدم" (2مكابيون 7\27), "التفتوا إليّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض لأني أنا الله وليس آخر" (إِشَعْيَاء 45\21).(1/493)
فكلمة البدء إذن هي أمر التكوين (كن) وليست المسيح u كما زعم آخر كتاب تدوينا مع اشتداد الخلاف قائلا: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" (يوحنا 1\1), ويجمع المحققون على أن لفظ (الكلمة) (لوجوس (Logos الذي استخدمه الكاتب مستمد من الفلسفة اليونانية فأيد ما أشارت إليه الكتب من تحريف كلمة الرب: "كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا حقا إنه إلى الكذب حوّلها قلم الكتبة الكاذب" ( إرميا 8\8 ), "أما وحي الرب فلا تذكروه بعد إذ قد حرفتم كلام الله الحي" (إرميا 23\36), "يا لتحريفكم!" (أشعيا 29\16), "بلا عذر.. لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم.. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى.. عبدوا المخلوق دون الخالق" (رومية 1\20-25).
وهكذا نطق وحي الرب بالحق وإن غيرته الأيام حتى أتي الموعود من أمة لم تعهد كتاب ليصحح ما غيرته الأيام ويرشد إلى جميع الحق خاصة مع بيان الكتاب لاقتراب يوم الحساب وسرعة مجيء أمر الخراب ليفاجئ الجميع بلا سبق نذير: "أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة" (1يوحنا 2\18), "ولولوا لأن يوم الرب قريب قادم كخراب من القادر على كل شيء" (إِشَعْيَاء 13\6), "ليرتعد جميع سكان الأرض لأن يوم الرب قادم" (يوئيل 2\1), "كلص في الليل هكذا يجيء لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتةً كالمخاض للحبلى فلا ينجون" (1تسالونيكي 5\2و3), "قريب يوم الرب على كل الأمم" (عوبيديا 15), "قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جدا" (صفنيا 1\14).(1/494)
ألهذا قال المسيح u: "إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل بكل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يوحنا 16\12-15), "أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه"! (متى 21\42-44).
لقد تحقق فعلا مجيء خاتم النبيين مبرئا المسيح عليه السلام ومؤكدا بشارته ومؤيدا دعوته إلى عبادة الله تعالى وحده كسابقيه, ولو كان هذا القرآن ناقلا عن كتاب أسبق فَلِمَ أهمل الزيادة (وكهزيع من الليل) وأكمل النقص بتعبير يكشف نسبية حركة الأجسام ويجعلها في نظام معزول فضلا عن تفصيل كل ما تناوله بلا اختلاف صنعته جملة أيادي وتثنية للنبأ مهيمنا على كل ما سبق وفيض من الحقائق حيرت النبهاء حتى أتى بتأويلها عصر العلم!, يقول تعالى: "وَمَا كَانَ هََذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىَ مِن دُونِ اللّهِ وَلََكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رّبّ الْعَالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ كَذّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ" يونس 37-39.
المراجع العلمية العامة:
1. A E Shapiro, The gradual acceptance of Newton's theory of light and color, 1672-1727, Perspect. Sci. 4 (1) (1996), 59-140.(1/495)
2. A I Sabra, Theories of light : From Descartes to Newton (Cambridge-New York, 1981).
3. A Ziggelaar, How did the wave theory of light take shape in the mind of Christiaan Huygens?, Ann. of Sci. 37 (2) (1980), 179-187.
4. Anderson, L.W. Light and Color, rev. ed. (Raintree, 1987).
5. Asimov, Isaac. How Did We Find Out About the Speed of Light? (Walker, 1986).
6. Bhattacharyya, G., and R. Johnson, Statistical Concepts and Methods, (1977), John Wiley and Sons, New York.
7. Bova, Ben. The Beauty of Light (Wiley, 1988).
8. Broekel, Ray. Experiments with Light (Children's, 1986).
9. C Hakfoort, Nicolas Béguelin and his search for a crucial experiment on the nature of light (1772), Ann. of Sci. 39 (3) (1982), 297-310.
10. C. Grebogi, E. Ott, and J.\ Yorke, Chaos, strange attractors, and fractal basin boundaries in nonlinear dynamics, Science 238, pp. 632-638 (1987).
11. Crow, E. L., F. A. Davis, and M. W. Maxwell, Statistics, (1978) Coles Publishing, Toronto.
12. D. K. Arrowsmith and C. M. Place, An introduction to dynamical systems (Cambridge University Press: New York, 1990).
13. E J Atzema, All phenomena of light that depend on mathematics : a sketch of the development of nineteenth-century geometrical optics, Tractrix 5 (1993), 45-80.
14. E. A. Jackson, Perspectives of nonlinear dynamics, Vol. 1-2 (Cambridge University Press: New York, 1990).
15. F. Moon, Chaotic vibrations (John Wiley: New York, 1987).
16. Fisher, Chaos: The ultimate asymmetry, MOSAIC 16 (1), pp. 24-33 (January/February 1985).(1/496)
17. Froome, K. D. and Essen, L., The Velocity of Light and Radio Waves, Academic Press, London, 1967.
18. G. L. Baker and J. P. Gollub, Chaotic dynamics (Cambridge University Press: New York, 1990).
19. H Nakajima, Two kinds of modification theory of light : some new observations on the Newton-Hooke controversy of 1672 concerning the nature of light, Ann. of Sci. 41 (3) (1984), 261-278.
20. Hecht, Jeff. Optics: Light for a New Age (Scribner, 1987).
21. Hill, Julian and Hill, Julie. Looking at Light and Color (David & Charles, 1986).
22. I Newton, A new theory about light and colors, Amer. J. Phys. 61 (2) (1993), 108-112.
23. J Eisenstaedt, Dark bodies and black holes, magic circles and Montgolfiers : light and gravitation from Newton to Einstein, in Einstein in context (Cambridge, 1993), 83-106.
24. J Stachel, Einstein's light-quantum hypothesis, or why didn't Einstein propose a quantum gas a decade-and-a-half earlier?, in Einstein : the formative years, 1879-1909 (Boston, MA, 2000), 231-251.
25. J Z Buchwald, Kinds and the wave theory of light, Stud. Hist. Philos. Sci. 23 (1) (1992), 39-74.
26. J Z Buchwald, The rise of the wave theory of light : Optical theory and experiment in the early nineteenth century ( Chicago, IL, 1989).
27. J. Gleick, Chaos: Making a new science (Viking: New York, 1987).
28. J. P. Crutchfield, J. D. Farmer, N. H. Packard, and R. S.\ Shaw, Chaos, Sci. Am. 255 (6), pp. 46-57 (1986).
29. J. Thompson and H. Stewart, Nonlinear dynamics and chaos (John Wiley: New York, 1986).(1/497)
30. J.-P. Eckmann, Roads to turbulence in dissipative dynamical systems, Rev. Mod. Phys. 53 (4), pp. 643-654 (1981).
31. Jean Meeus, “Astronomical Algorithms”, 2000, 2nd edition, Willmann-Bell Inc, Virginia.
32. J-P Caubet, The great fugue of the Brownian theory of light, Stochastic Anal. Appl. 3 (2) (1985), 119-151.
33. The Cambrige Atlas of Astronomy, 2nd ed., edited by Jean Audouze and Guy Israel, Cambrige university press, 1986.
34. L Rozenfel'd, Gravitational effects of light (Russian), in Einstein collection, 1980-1981 "Nauka" (Moscow, 1985), 255-266; 335.
35. M N Mahanta, Nordström's theory in the light of the dualistic gravitation theory, Internat. J. Theoret. Phys. 26 (1) (1987), 63-70..
36. M Suffczy'nski, Velocity of light, in Isaac Newton's Philosophiae naturalis principia mathematica, Lublin, 1987 (Singapore, 1988), 69-71.
37. Marcuse, Dietrich. Light Transmission Optics, 2nd ed. (Krieger, 1989).
38. N Kipnis, History of the principle of interference of light (Basel, 1991).
39. P Langlois and A Boivin, Thomas Young's ideas on light diffraction in the context of electromagnetic theory, Canad. J. Phys. 63 (2) (1985), 265-274.
40. P. Bergé, Y. Pomeau, and C. Vidal, Order within chaos (John Wiley: New York, 1984).
41. P. Eckmann and D. Ruelle, Ergodic theory of chaos and strange attractors, Rev. Mod. Phys. 57 (3), pp. 617-656 (1985).
42. P. K. Seidelmann, "Explanatory Supplement to the Astronomical Almanac", ed., 1992, University Science Books, USA.
43. R Baierlein, Newton to Einstein (Cambridge, 1992).(1/498)
44. R W Home, Leonhard Euler's "anti-Newtonian" theory of light, Ann. of Sci. 45 (5) (1988), 521-533.
45. R. Abraham and C. Shaw, Dynamics--The geometry of behavior, Vol. 1-4 (Aerial Press: Santa Cruz, CA, 1988).
46. R. Shaw, Strange attractors, chaotic behavior, and information flow, Z. Naturforsch. 36a, pp. 80-112 (1981).
47. Riley, Peter. Light and Sound (David & Charles, 1986).
48. S D'Agostino, Absolute systems of units and dimensions of physical quantities : a link between Weber's electrodynamics and Maxwell's electromagnetic theory of light, Aspects of mid to late nineteenth century electromagnetism, Physis Riv. Internaz. Storia Sci. (N.S.) 33 (1-3) (1996), 5-51.
49. S D'Agostino, Experiment and theory in Maxwell's work. The measurements for absolute electromagnetic units and the velocity of light, Scientia (Milano) 113 (5-8) (1978), 469-480.
50. S D'Agostino, Maxwell's dimensional approach to the velocity of light, Centaurus 29 (3) (1986), 178-204.
51. S Sakellariadis, Descartes' experimental proof of the infinite velocity of light and Huygens' rejoinder, Arch. Hist. Exact Sci. 26 (1) (1982), 1-12.
52. S. Rasband, Chaotic dynamics of nonlinear systems (John Wiley: New York, 1990).
53. Setterfield, Barry and Norman, Trevor, The Atomic Constants Light and Time, Special Research Report prepared for Lambert Dolphin, SRI International, Menlo Park, CA., August 1987.
54. Stewart, Does god play dice? The mathematics of chaos (Basil Blackwell: Cambridge, MA, 1989).
55. T. Parker and L. Chua, Chaos: A tutorial for engineers, Proc. IEEE 75 (8), pp. 982-1008 (1987).(1/499)
56. Thomas Rackham, “Moon in Focus”, 1971, Academic Press, New York.
57. Troitskii, V. S., Physical Constants and Evolution of the Universe, Astrophysics and Space Science, 139, (1987) pp. 389-411.
58. Van Flandern, T. C., Is the Gravitational Constant Changing? Precision Measurements and Fundamental Constants II, B. N. Taylor and W. D. Phillips (editors), National Bureau of Standards Special Publication 617, 1984.
59. W Tobin, Toothed wheels and rotating mirrors : Parisian astronomy and mid-nineteenth century experimental measurements of the speed of light, Vistas Astronom. 36 (3) (1993), 253-294.
60 . Waldman, Gary. Introduction to Light (Prentice, 1983).
61. Webb, Angela. Light (Watts, 1988).
62. Wiggins, Introduction to applied nonlinear dynamical systems and chaos (Springer-Verlag: New York, 1990).
63. X Chen, Dispersion, experimental apparatus, and the acceptance of the wave theory of light, Ann. of Sci. 55 (4) (1998), 401-420.
64. X Chen, The debate on the "polarity of light" during the optical revolution, Arch. Hist. Exact Sci. 50 (3-4) (1997), 359-393.
65. Zeilik and Gregory, “Introductory Astronomy and Astrophysics”, 1998, Saunders College Publishing, Philadelphia.
66. Zeilik and Smith, Introductory Astronomy and Astrophysics, 2nd ed., Saunders College Publishing - 1987, Philadelphia, p53.
67. Encyclopedia Britannica 2003, ultimate reference suite, CD-Rom.
68. Oxford Interactive Encyclopedia, CD-Rom.
69. Compton's Encyclopedia 1998 Deluxe, CD-Rom.
70. Encarta Reference Library 2004, CD-Rom.
(1) تفسير ابن كثير ج1ص7.
(2) تفسير روح المعاني ج 21ص122.(1/500)
(3) تفسير القرطبي ج7ص59.
(4) المعجم الوسيط ج2ص71.
(5) أبو حيان في تفسير الآية 36 من سورة يس.
(6) تفسير أبي حيان, الآية 36 من سورة يس.
(7) حجة القراءات ج1ص480.
(8) المعجم الوسيط ج2ص587.
(9) الإتقان ج2ص76.
(10) الدر المنثور ج6ص538.
(11) تفسير القرطبي.
(12) الألوسي 29\58
(13) تفسير الألوسي 27\76.
(14) ما دل عليه القرآن ج1ص41.
(15) روح المعاني ج14ص144.
(16) دقائق التفسير ج1ص325.
(17) شفاء العليل ج1ص281.
(18) الفتاوى ج8ص412.
(19) بيان تلبيس الجهمية ج1ص152
(20) الفتاوى ج18ص215.
(21) الفتاوى ج17ص283.
(22) الفتاوى ج4ص227.
(23) شفاء العليل ج1ص280.
(24) تفسير الرازي المعارج5.
(25) فتح القدير ج5ص288.
(26) فتح القدير ج4ص248.
(27) البيضاوي ج4ص355.
(28) ابن عطية السجدة 5.
(29) روح المعاني ج21ص122.
(30) أبو السعود ج5ص8.
(31) النيسابوري ج17ص116.
(32) الظلال ص3441.
(33) أبو حيان 5\362.
(34) تفسير الألوسي 1\327.
(35) لسان العرب ج8ص324.
(36) لألوسي 14\198.
(37) تفسير البحر المحيط.
(38) فتح القدير 3\182.
(39) روح المعاني ج8ص97.
(40) أبو السعود 12\12.
(41) ابن عاشور 71\13.
(42) الفتاوى ج15ص110.
(43) الجواهر ج15ص200.
(44) جوهري 2\180.
(45) جوهري 1\146.
(46) الجواهر 24\93.
(47) الجواهر 20\32.
(48) الجواهر15\188.
(49) الشوكاني 4\249.
(50) روح المعاني 21\120.
(51) الجواهر 24\219.
(52) الجواهر يونس 5.
(53) الجواهر 6\21.
(54) الألوسي 23\239.
(55) الألوسي يونس 5.
(56) القاسمي 1\335.
(57) ابن عاشور يس 40.
(58) Laros astronomy, p62
| 1 |2|
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7177
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - محبطات الأعمال [3/4]
دراسات علمية رسائل جامعية
محبطات الأعمال [3/4]
توفيق علي
………
1/4/1427
29/04/2006
أولاً: ترك الصلاة(2/1)
ثانياً : المُفرِط في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها
ثالثاً: من تكلم فيما لا يعنيه
رابعاً: الرياء
خامساً: العجب
سادساً: الجرأة على المعاصي في الخلوات
سابعاً: ظلم الناس والاعتداء عليهم قولاً وعملاً
أسباب حبوط العمل في الحديث النبوي
أولاً : ترك صلاة العصر
عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة، في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر فإن النبي –صلى الله عليه وسلم - قال: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) (1) .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - من ترك صلاة العصر متعمداً فقد حبط عمله" (2) .
وعن َابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا : " مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"
قال ابن حجر في الفتح :" وأما الجمهور فتأولوا الحديث فافترقوا في تأويله فرقاً:
-…فمنهم من أَوَّل سبب الترك.
-… ومنهم من أوَّل الحبط.
-… ومنهم من أوَّل العمل.
أولاً : تأويل الترك : فقيل المراد من تركها جاحداً لوجوبها أو معترفاً لكن مستخفاً مستهزئاً بمن أقامها وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط ولهذا أمر بالمبادرة إليها وفهمه أولى من فهم غيره .
ثانياً : تأويل الحبط : وقيل المراد من تركها متكاسلاً لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وقيل هو من مجاز التشبيه كأن المعنى فقد أشبه من حبط عمله وقيل معناه كاد أن يحبط .(2/2)
ثالثاً : تأويل العمل : وقيل المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله فكأن المراد بالعمل الصلاة خاصة أي لا يحصل على أجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ وقيل المراد بالحبط الإبطال أي يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما ثم ينتفع به كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنه موقوف على المشيئة فإن غفر له فمجرد الوقف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك وإن عذب ثم غفر له.
وقد شرح الترمذي الحبط على قسمين :
القسم الأول : حبط إسقاط وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات.
القسم الثاني : وحبط موازنة وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلا أن تحصل النجاة فيرجع إليه جزاء حسناته .
وقيل المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة بمعنى أنه لا ينتفع به ولا يتمتع .
قال ابن حجر :" وأقرب هذه التأويلات قول من قال : "إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد والله أعلم".
لماذا خصَّ صلاة العصر :
قال النووي :" وإنما خصها بالذكر لأنها تأتي وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم".
و قال ابن تيمية- رحمه الله - في الفتاوى:" وحبوط العمل لا يتوعد به إلا على ما هو من أعظم الكبائر، وكذلك تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها:
-…فإنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها.
-… وهى التي فرضت على من كان قبلنا فضيعوها، فمن حافظ عليها، فله الأجر مرتين.
-… وهى التي لما فاتت سليمان- رضي الله عنه - فعل بالخيل ما فعل .
وفى الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال : [ من فاتته صلاة العصر فكأنما وَتِرَ أهله وماله ] . والموتور أهله وماله يبقى مسلوبًا ليس له ما ينتفع به من الأهل والمال، وهو بمنزلة الذي حبط عمله".
ثانياً : المُفرِط في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها(2/3)
عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه - :أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم - قام على المنبر، فقال: "إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض". ثم ذكر زهرة الدنيا، فبدأ بإحداهما وثنى بالأخرى، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، قلنا: يوحى إليه، وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير، ثم إنه مسح عن وجهه الرحضاء، فقال: (أين السائل آنفا، أو خير هو - ثلاثا - إن الخير لا يأتي إلا بالخير، وإنه كل ما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم (3) ، إلا آكلة الخضر (4) كلما أكلت، حتى امتلئت خاصرتاها (5) ، استقبلت الشمس، فثلطت (6) وبالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم لمن أخذه بحقه فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين، ومن لم يأخذه بحقه فهو كالآكل الذي لا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة). (7) .
قال ابن حجر في الفتح (8) :
قال الأزهري : وفيه مثلان :
أحدهما : للمفرط في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها : أي الذي يُقتل حبطاً.
والثاني : المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها : وهو آكلة الخضر فإن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع ولكنها الحبة والحبة ما فوق البقل ودون الشجر التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ولا منعها من مستحقها فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رجيعها في بطنها .
وقال الزين بن المنير:
آكلة الخضر: هي بهيمة الأنعام التي ألف المخاطبون أحوالها في سومها ورعيها وما يعرض لها من البشم وغيره.
والخضر النبات الأخضر وقيل حرار العشب التي تستلذ الماشية أكله فتستكثر .
وقال الطيبي: يؤخذ منه أربعة أصناف:
-…فمن أكل منه أكل مستلذ مفرط منهمك حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع فيسرع إليه الهلاك.(2/4)
-…ومن أكل كذلك لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه فأهلكه .
-…ومن أكل كذلك لكنه بادر إلى إزالة ما يضره وتحيل في دفعه حتى انهضم فيسلم.
-… ومن أكل غير مفرط ولا منهمك وإنما اقتصر على ما يسد جوعته ويمسك رمقه.
-…فالأول مثال : الكافر.
-…والثاني مثال : العاصي الغافل عن الإقلاع والتوبة إلا عند فوتها.
-… والثالث مثال: للمخلط المبادر للتوبة حيث تكون مقبولة.
-… والرابع مثال: الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة .
وقال الزين بن المنير في هذا الحديث : وجوه من التشبيهات بديعة:
-…أولها : تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره.
-…ثانيها : تشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب.
-…وثالثها : تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه.
-…و رابعها: تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعاً.
-…وخامسها: تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا وسكينة وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها .
-…وسادسها : تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها.
-…وسابعها تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببا لعقاب مقتنيه.
-…وثامنها : تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع.
وقال الغزالي: مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم ناقع فإن أصابها العارف الذي يحترز عن شرها ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة وان أصابها الغبي فقد لقى البلاء المهلك.
و من فوائد الحديث :
-…جلوس الإمام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها .
-…وفيه جلوس الناس حوله والتحذير من المنافسة في الدنيا.(2/5)
-… وفيه استفهام العالم عما يشكل وطلب الدليل لدفع المعارضة.
-…وفيه تسمية المال خيراً ويؤيده قوله تعالى: "وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ"[ العاديات:8] وقوله تعالى: "إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ " [البقرة:180].
-…وفيه ضرب المثل بالحكمة وان وقع في اللفظ ذكر ما يُستهجن كالبول فإن ذلك يغتفر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام .
-…ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل.
-… وفيه لوم من ظن به تعنت في السؤال وحمد من أجاد فيه ويؤيد أنه من الوحي قوله يمسح العرق فإنها كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في بدء الوحي "وإن جبينه ليتفصد عرقا".
-… وفيه تفضيل الغني على الفقير ولا حجة فيه لأنه يمكن التمسك به لمن لم يرجح أحدهما على الآخر.
-… وفيه الحض على إعطاء المسكين واليتيم وابن السبيل.
-… وفيه أن المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع.
-… وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنهم فيه وأن اكتساب المال من غير حله وكذا إمساكه عن إخراج الحق منه سبب لمحقه فيصير غير مبارك .
-…و قال النووي :" قوله-صلى الله عليه وسلم- : "أين السائل" بمعنى : " أن هذا هو السائل الممدوح الحاذق الفطن ولهذا قال وكأنه حمده".
-…قوله –صلى الله عليه وسلم - : "وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم" هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل فيه فضيلة المال لمن أخذه، بحقه وصرفه في وجوه الخير".
ثالثاً : من تكلم فيما لا يعنيه
عن جندب- رضي الله عنه - قال : إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - حدث "أن رجلاً قال: والله! لا يغفر الله لفلان. وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى (9) علي أن أغفر لفلان. فإني قد غفرت لفلان. وأحبطت عملك" أو كما قال (10) .(2/6)
قال النووي: "قوله – صلى الله عليه وسلم -: "أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى: "قال من ذا الذي يتألى على أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك" .
-…فيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها.
-… واحتجت المعتزلة به في إحباط الأعمال بالكبائر، ومذهب أهل السنة أنها لا تحبط إلا بالكفر.
-… ويتأول حبوط عمل هذا على أنه أسقطت حسناته في مقابلة سيئاته وسمي إحباطاً مجازاً، ويحتمل أنه جرى منه أمر آخر أوجب الكفر، ويحتمل أن هذا كان في شرع من قبلنا وكان هذا حكمهم" (11) .
قال ابن القيم – رحمه الله - :" فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله".
ثم قال أبو هريرة تكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته.
وفى الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالاً يرفعه الله بها درجات وأن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوي بها في نار جهنم .
وعند مسلم أن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها فى النار أبعد مما بين المغرب والمشرق.
وعند الترمذي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- من حديث بلال بن الحارث المزني إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه.
فكان علقمة يقول كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث .
وفى جامع الترمذي أيضاً من حديث أنس قال توفى رجل من الصحابة فقال رجل أبشر بالجنة فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أو لا تدري لعله تكلم فيما لا يعنيه أو بخل بمالاً ينقصه. قال حديث حسن.(2/7)
وفى لفظ أن غلاماً ما استشهد يوم أحد فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع فمسحت أمه التراب عن وجهه وقالت هنيئا لك يا بني الجنة فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع مالا يضروه .
في الصحيحين من حديث أبى هريرة يرفعه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت." (12) .
ثالثاً : المنَّ والأذى
قال الله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" [البقرة:264].
المنُّ: أن يمُنُّ بما أعطى .
أخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى فما بقي ثواب الصدقة بخطيئة المن والأذى.
جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال :" إياكم والمنّ بالمعروف فإنه يُبِطل الشكر ويمحُ الأجر ". ثم تلا الآية.
وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا عاق لوالديه ولا منان.
قال ابن حجر في الفتح :" قوله باب الرياء في الصدقة قال الزين بن المنير يحتمل أن يكون مراده إبطال الرياء للصدقة فيحمل على ما تمحض منها لحب المحمدة والثناء من الخلق بحيث لولا ذلك لم يتصدق بها .
قال الزين بن المنير : وجه الاستدلال من الآية أن الله تعالى شبه مقارنة المن والأذى للصدقة أو إتباعها بذلك بإنفاق الكافر المرائي الذي لا يجد بين يديه شيئا منه ومقارنة الرياء من المسلم لصدقته أقبح من مقارنة الإيذاء وأولى أن يشبه بإنفاق الكافر المرائي في إبطال إنفاقه .
قال بن عباس صلداً ليس عليه شيء .(2/8)
قال الضحاك: والذي يتبع نفقته مناً أو أذى فقال "فمثله كمثل صفوان" : وهو الصفا وهو الصخر الأملس "عليه تراب فأصابه وابل" هو المطر الشديد "فتركه صلدا" أي فترك الوابل ذلك الصفوان صلدا أي أملس يابسا أي لا شيء عليه من ذلك التراب بل قد ذهب كله أي وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وإن ظهرت لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب .
عن قتادة في هذه الآية قال : هذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة يقول لا يقدرون على
شيء مما كسبوا يومئذ كما ترك هذا المطر الصفا نقياً ليس عليه شيء .
سمع ابن سيرين رجلاً يقول لآخر :" أحسنت إليك وفعلت وفعلت ،فقال له ابن سيرين :" اسكُت فلا خير في المعروف إذا أحُصى " (13) .
و أنشد الشافعي :
لا تحملنَّ من الآثام *** بأن يمنوا عليك منه
و اختر لنفسك حظَها*** و اصبر فإن الصبرَ جُنة
مننُ الرجالِ على القلوب *** أشدُ من وقعِ الأسنة
و قال آخر :
أفسدت بالمنِّ ما قدمن من حسن *** ليس الكريمُ إذا أعطى بمنانِ
ممن يقع المن؟
قال القرطبي – رحمه الله - :" المن يقع غالباً من البخيل والمعجب :
فالبخيل : تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها .
والمُعجب : يحمله العُجب على النظر لنفسه بعين العظمة ،و أنه مُنعِم بماله على المُعْطَى .و موجب ذلك كله الجهل، و نسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه ".
رابعاً : الرياء
قال تعالى: " كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ " [البقرة:264] .
أي: " تبطل صدقة من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة ليشكر بين الناس أو يقال إنه كريم ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه .
و قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ" [فاطر:10].(2/9)
قال مجاهد : هم المراءون بأعمالهم يعني يمكرون بالناس يوهمون أنهم في طاعة الله تعالى وهم بُغضَاء إلى الله عز وجل يراءون بأعمالهم.
"ولا يذكرون الله إلا قليلا" وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هم المشركون.
والصحيح أنها عامة والمشركون داخلون بطريق الأولى ولهذا قال تعالى: "لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور" أي يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم بل ينكشف لهم عن قريب وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية.
و قال تعالى : "وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ" [الزمر:47].
قيل :" كانوا عملوا أعمالاً كانوا يرونها في الدنيا حسنات بدت لهم يوم القيامة سيئات ".
علامات المرائي :
قال علي –رضي الله عنه- : للمرائي ثلاث علامات :
1- يكسل إذا كان وحده .
2- ينشط إذا كان في الناس.
3-يزيد في العمل إذا أُثِنيَّ عليه ،ويُنقِص إذا ذُم به.
المُرائي رجل سوء :
قال الحسن :" المرائي يريد أن يغلب قدر الله فيه، هو رجل سوء، يريد أن يقول الناس هو صالح ،فكيف يقولون وقد حلَّ من ربه محل الاردياء ؟، فلابد من قلوب المؤمنين أن تعرفه" .
و قال قتادة :" إذا راءى العبد يقول الله :" انظروا إلى عبدي كيف يستهزئ بي" (14) .
وقال ابن القيم – رحمه الله - الرياء يفسد العمل :" فيشفق على سعيه من هذا المفسد شفقة تصونه عنه " (15) .(2/10)
وعن عقبة بن مسلم أن شفيا الأصبحي حدثه أنه دخل مسجد المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال من هذا قالوا أبو هريرة قال فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا قلت له أنشدك بحقي لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله-صلى الله عليه وسلم -عقلته وعلمته فقال أبو هريرة أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -عقلته وعلمته ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكث قليلا ثم أفاق فقال لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى فمكث كذلك ثم أفاق فمسح عن وجهه فقال أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -وأنا وهو في هذا البيت ما معه أحد غيري وغيره ثم نشغ نشغة شديدة ثم مال خارا على وجهه واشتد به طويلا ثم أفاق فقال حدثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي – صلى الله عليه وسلم- قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما علمت قال كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله تبارك وتعالى له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذاك ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما آتيتك قال كنت أصل الرحم وأتصدق فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة له كذبت ويقول الله بل إنما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له في ماذا قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جريء فقد(2/11)
قيل ذاك ثم ضرب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ركبتي فقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة قال الوليد بن أبي الوليد فأخبرني عقبة أن شفيا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا الخبر قال أبو عثمان الوليد وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافا لمعاوية قال فدخل عليه رجل فحدثه بهذا عن أبي هريرة فقال معاوية قد فعل بهؤلاء مثل هذا فكيف بمن بقي من الناس ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتى ظننا أنه هالك وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه فقال صدق الله ورسوله من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون (16) .
من أقوال السلف في الرياء :
قال الفضيل :" ترك العمل من أجل الناس رياء ،و العمل من أجل الناس شرك ،و الإخلاص أن يعافيك الله عنهما " (17) .
خوف السلف من الرياء :
كان أيوب السختياني في مجلس فجاءته عَبرة فجعل يتمخّط ويقول ما أشد الزكام " (18) .
عن سحنون قال :" كان بعض من مضى يريد أن يتكلم بالكلمة ولو تكلم بها لانتفع بها خلق كثير فيحبسها، ولا يتكلم مخافة المباهاة " (19) .
اتقاء الرياء :
عن أبي علي رجل من بني كاهل قال : خطبنا أبو موسى الأشعري-رضي الله عنه - فقال : خطبنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال : " أيها الناس ! اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل "، فقال له من شاء أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال " قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم " (20) .
و قال سفيان الثوري :" كم أجتهد في تخليص الرياء من قلبي كلما عالجته من جانب ظهر جانب ".
خامساً :العُجب(2/12)
قال تعالى :"لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ" [التوبة:25].
قال ابن كثير – رحمه الله - :" يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره لا بعددهم ولا بعدتهم ونبههم على أن النصر من عنده سواء قل الجمع أو كثر فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئاً فولوا مدبرين إلا القليل منهم مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ثم أنزل نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه، ليعلمهم أن النصر من عنده تعالى وحده وبإمداده وإن قل الجمع فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين".
تعريف العُجب :
قال عبد الله بن المبارك :" أن ترى أن عندك شيئاً ليس عند غيرك " (21) .
نصيحة أخ لأخيه :
قال يوسف بن الحسين للجنيد :"لا أذاقك الله طعم نفسك ،فإن ذقتها لا تُفلح " (22) .
ماذا لو أعجبتك نفسك ؟
خطب منذر بن سعيد البلوطي يوماً : فأعجبته نفسه فقال : "حتى متى أعظ ولا أتعظ، وأزجر وأزدجر، أدل على الطريق المستدلين ،و أبقى مقيماً مع الحائرين ،كلاَّ إنَّ هذا لهو البلاء المبين، "اللهم فرغبني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكلفت لي به " (23) .
قال َالدَّيْلَمِيُّ : " إنَّ الْعُجْبَ يُحْبِطُ عَمَلَ سَبْعِينَ سَنَةً ".(2/13)
وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ سِيمَا الصَّالِحِينَ يُسْرِعُ إلَيْهِمْ الْكِبْرُ، لَكِنَّ النَّاسَ يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهِمْ بِقَضَاءِ مَآرِبِهِمْ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إكْرَامِهِمْ فَيَرَوْنَ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ أَرْفَعُ وَأَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ النَّاسُ دُونَهُمْ لِعَدَمِ وُصُولِهِمْ إلَى صُوَرِ أَعْمَالِهِمْ، وَمَا دَرَوْا أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِسَلْبِهِمْ . كَمَا وَقَعَ أَنَّ خَلِيعًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ جَلَسَ إلَى عَابِدٍ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَأَنِفَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ وَطَرَدَهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى نَبِيِّهِمْ أَنَّهُ غَفَرَ لِلْخَلِيعِ وَأَحْبَطَ عَمَلَ الْعَابِدِ . فَالْجَاهِلُ الْعَامِّيُّ إذَا تَوَاضَعَ وَذُلَّ هَيْبَةً لِلَّهِ وَخَوْفًا مِنْهُ فَقَدْ أَطَاعَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ أَطْوَعُ مِنْ الْعَالِمِ الْمُتَكَبِّرِ وَالْعَابِدِ الْمُعْجَبِ . وَقَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِ الْعِبَادِ إلَى أَنَّهُ إذَا أُوذِيَ يَتَوَعَّدُ مُؤْذِيَهُ وَيَقُولُ : سَتَرَوْنَ مَا يَحِلُّ بِهِ، وَإِذَا نُكِبَ مُؤْذِيهِ يَعُدُّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ لِعِظَمِ قَدْرِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ وَاسْتِيلَاءِ الْجَهْلِ عَلَيْهِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ تَعَالَى (24) .
قال – صلى الله عليه وسلم - " شِرَارُ أُمَّتِي الْمُعْجَبُ بِدِينِهِ، الْمُرَائِي بِعَمَلِهِ، الْمُخَاصِمُ بِحُجَّتِهِ، وَالرِّيَاءُ شِرْكٌ " .
وَقال أَبُو نُعَيْمٍ : " مَنْ حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ فَقَدْ ضَلَّ شُكْرُهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ ".
سادساً :الجرأة على المعاصي في الخلوات(2/14)
عن ثوبان -رضي الله عنه- قال : عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال : " لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا قال ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا :قال :" أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها !!."(رواه ابن ماجه ،و صححه الألباني ).
وجوب مراقبة الله :
المراقبة : هي التعبد بأسمائه :" الرقيب ،الحفي ،العليم، السميع ،البصير"، فمن عقل هذه الأسماء ،و تعبد بمقتضاها، حصلت له المراقبة .
وصف المراقبة :
قال ابن القيم – رحمه الله - :" مراقبة الحق تعالى في السير إليه على الدوام، بين تعظيم مذهل ومداناة حاملة ،و سرور باعث .
فأما التعظيم المذهل فهو : امتلاء القلب من عظمة الله عز وجل، بحيث يذهله ذلك عن تعظيم غيره، عن الالتفات إليه .فلا ينسى هذا التعظيم عند حضر قلبه مع الله .بل يستصحبه دائماً .فإن الحضور مع الله يوجب أنساً ومحبة، إن لم يقارنهما تعظيم ،أورثاه خروجاً عن حدد العبودية ورعونة، فكل حب لا يقارنه تعظيم المحبوب فهو سبب للبعد عنه ،و السقط من عينه .
و بذلك تضمن هذا الوصف خمسة أمور : سيراً إلى الله، واستدامة هذا السير، حضور القلب معه ،و تعظيمه، والذهول بعظمته عن غيره .
و أما المداناة الحاملة فهي : الدنو الحامل له على هذه الأمور الخمسة ،و هذا الدنو يحمله على التعظيم الذي يذهله عن نفسه، وعن غيره ،فإنه كلما ازداد قرباً من الحق ازداد له تعظيماً وذهلاً عن سواه وبعداً عن الخلق .(2/15)
و أما السرور الباعث : فهو الفرحة والتعظيم، واللذة التي يجدها في تلك المُداناة فإن سرور القلب بالله وفرحه به، قرة العين به، لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا ألبتة ،و ليس له نظير يقاس به، وهو حال من أحوال أهل الجنة، حتى قال بعض العارفين :" إنه لتمر بي أوقات أقول فيها : إن كان أهل الجنة في مثل هذا ،إنهم لفي عيش طيب " (25) .
للعمل الصالح حلاوة في القلب :
قال ابن تيمية – رحمه الله - :" إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحاً فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور، يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا حلاوة يجدها في قلبه ،و قة انشراح وقرة عين فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول" (26) .
إن الله أعد لمن راقبه وخشيه أجراً عظيماً فقال - سبحانه -: "جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ" (10) وخص من خشيه في الغيب والسر فقال: "وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب (33) ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود (34) لهم ما يشاؤون فيها".
أما أولئك الذين خف قدر الله في قلوبهم وضعف يقينهم وإيمانهم فسارعوا في ارتكاب الموبقات والتورط في الذنوب والمعاصي في أوقات الخلوات ولم يرعوا حق رب الأرض والسماوات فنذكرهم بقول تعالى :" يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ".
و كان من دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-: " أسألك خشيتك في الغيب والشهادة" (27) .
وكان الإمام أحمد كثيراً ما ينشد قول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب(2/16)
سابعاً : ظلم الناس والاعتداء عليهم قولاً وعملاً
"وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ.مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء.وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ.وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ" [إبراهيم: 42-48].
" أي لا تحسبنه إذا أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم لا يعاقبهم على صنعهم بل هو يحصي ذلك عليهم ويعده عليهم عدا ".
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه (28) .
و عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصيام وصلاة وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار (29) .
قال النووي :" المفلس : هو الهالك الهلاك التام ،و المعدوم الإعدام المُقْطِع ،فتُأخذ حسناته لغرمائه ،فإذا فرغت حسناته ،أُخذ من سيئاته فوضع عليه ثم أُلقيَّ في النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه " (30) .(2/17)
قال المازري – رحمه الله - :" زعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى :"وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" [الزمر:7].
وهذا الاعتراض غلط منه وجهالة بينة، لأنه إنما عُوقب بفعله ووزره وظلمه ،فتوجهت عليه حقوق لغرامائه فدُفِعت إليهم من حسناته ،فلما فرغت وبقيت بقية، قُوبلت على حسب ما اقتضته حكمة الله تعالى في خلقه وعدله في عباده ،فأُخذ قدرها من سيئات خصومه فوضِع عليه فُعوقب به في النار ،فحقيقة العقاب إنما هي بسبب ظُلمه ولم يعاقب بغير جناية وظُلم منه ،و هذا كله مذهب أهل السنُة".
و عن عبد الله بن أنيس قال : سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول :" يُحشر العباد يوم القيامة حفاة عُراة غرلاً فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة لأحد من أهل النار وعنده ملمة أن أقصه حتى اللطمة فما فقها لا يظلم ربك أحداً .قلنا :يا رسول الله كيف وإنما نأتي حفاة عراة .فقال :بالحسنات السيئات جزاء ولا يظلم ربك أحداً .
1 2 3 4
(1) صحيح البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب: إثم من ترك العصر ،رقم الحديث(528).
(2) صحيح الترغيب والترهيب ، الألباني ،(ج1/89). رواه أحمد بإسناد صحيح
(3) يُلم :يقرب من الهلاك .
(4) الخضر : وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية وواحده خضرة.
(5) خاصرتاه :جانبا البطن من الحيوان
(6) ثلطت : أي القت ما في بطنها رقيقا.
(7) صحيح البخاري ،كتاب الجهاد والسير ، باب: فضل النفقة في سبيل الله، رقم الحديث ، (2687).
(8) فتح الباري (11/244)، باب ما يحذر من زهرة الدنيا، ومسلم رقم (1052)
(9) معنى يتألى : يحلف والآلية اليمين.
(10) صحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى،رقم الحديث (2621).
(11) صحيح مسلم بشرح النووي .
(12) الجواب الكافي ، ص 133.
(13) الكبائر ، الذهبي ،( ص152).(2/18)
(14) الكبائر ، الذهبي ،(ص144).
(15) مدارج السالكين ، ص248.
(16) صحيح بن حبان ، ذكر البيان بأن من راءى في عمله يكون في القيامة من أول من يدخل النار ،(ج1/412)،رقم (408).
(17) نزهة الفضلاء ،( ج2/774).
(18) نزهة الفضلاء ،( ج2/626).
(19) نزهة الفضلاء ،(ج3/983).
(20) مصنف ابن أبي شيبة ،كتاب الدعاء ،في التعوذ من الشرك ،(61).
(21) نزهة الفضلاء ،( ج2/769).
(22) نزهة الفضلاء ،( ج3/1147).
(23) نزهة الفضلاء ،( ج3/1279-1280).
(24) الزواجر عن ارتكاب الكبائر ، (ج1/87).
(25) مدارج السالكين ،(ص 282) .
(26) المرجع السابق ، (ص 283).
(27) أخرجه: أحمد (17861)، والنسائي (1305) من طريقين في كل منهما ضعف محتمل فيقوي بعضهما بعضاً على قاعدة التقوية بمجموع الطرق، وصححه الألباني.
(28) صحيح البخاري ، باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له هل يبين مظلمته ، (ج1 /38 ).
(29) صحيح مسلم ، باب : تحريم الظلم ، (ج1/92)، رقم الحديث (2581).
(30) صحيح مسلم بشرح النووي .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7188
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات [13/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [13/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
3/4/1427
01/05/2006
أولاً: الإسهام في الشركات
ثانياً: بيع الاختيارات
ثالثاً: التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة
الأسواق المالية وتطبيقاتها
تداول أعضاء المجلس في موضوع الأسواق المالية (البورصة) والتطبيقات التي تجري فيها والتعامل بأسهم الشركات المساهمة واستمعوا إلى الدراسات الشرعية والاقتصادية المقدمة من بعض الأعضاء والمناقشات التي دارت حولها، ومن ثَمَّ قرر ما يلي:(2/19)
يؤكد المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث القرار رقم 63(1/7) الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن الأسواق المالية، مع إضافة بعض وجهات النظر الشرعية التي اختارها المجلس، وذلك على النحو التالي:
قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي: "أولاً الأسهم:
أولاً: الإسهام في الشركات
أ - بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز.
ب - لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها.
ج - الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة".
قرار تكميلي من المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث:
قرر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بالنسبة للأقليات الإسلامية في الغرب - حيث لا تتوفر المؤسسات الإسلامية والشركات ذات الأغراض والأنشطة المشروعة – أنه: لا مانع من تعاملها بأسهم الشركات المساهمة التي غرضها الأساسي مشروع وتتجنب الأغراض المحرمة، مثل الخمور والخنزير والقمار، ولو كانت لها إيداعات أو قروض ربوية أو موجودات ثانوية غير مشروعة، شريطة مراعاة الضوابط التي قررتها الهيئات الشرعية وصدرت بها فتاوى في الندوات المصرفية، وهي:
أ - عدم تجاوز القروض من البنوك التقليدية ثلث موجودات الشركة.
ب - عدم تجاوز الفوائد 5% من العوائد.
ج - عدم تجاوز الموجودات غير المشروعة 10% من الموجودات.
على أن يتم التخلص من الفوائد والكسب غير المشروع مهما كانت نسبتها، بصرف ذلك في وجوه الخير، وأن يكون التداول في حالة زيادة الموجودات العينية والمنافع، على الديون والنقود.
ويرجع إلى الجهات المعتمدة من الهيئات الشرعية لتصنيف الشركات المقبولة، مثل مؤشر داو جونز الإسلامي المعتمد من الهيئة الشرعية للمؤشر وغيره.
بقية قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي يؤكده المجلس:
"2 - ضمان الإصدار (UNDER WRITING):(2/20)
ضمان الإصدار هو: الاتفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم أو جزء من ذلك الإصدار، وهو تعهد من الملتزم بالاكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره.
وهذا لا مانع منه شرعاً إذا كان تعهد الملتزم بالاكتتاب بالقيمة الاسمية بدون مقابل لقاء التعهد، ويجوز أن يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه – غير الضمان – مثل: إعداد الدراسات، أو تسويق الأسهم .
3 - تقسيط سداد قيمة السهم عند الاكتتاب:
لا مانع شرعاً من أداء قسط من قيمة السهم المكتتب فيه، وتأجيل سداد بقية الأقساط؛ لأن ذلك يعتبر من الاشتراك بما عجل دفعه والتواعد على زيادة رأس المال، ولا يترتب على ذلك محظور؛ لأن هذا يشمل جميع الأسهم، وتظل مسؤولية الشركة بكامل رأس مالها المعلن بالنسبة للغير؛ لأنه هو القدر الذي حصل العلم والرضا به من المتعاملين مع الشركة.
4 – السهم لحامله:
بما أن المبيع في (السهم لحامله) هو حصة شائعة في موجودات الشركة وأن شهادة السهم هي وثيقة لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة، فلا مانع شرعاً من إصدار أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها.
5 – محل العقد في بيع السهم:
إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة.
6 – الأسهم الممتازة:
لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال، أو ضمان قدر من الربح، أو تقديمها عند التصفية، أو عند توزيع الأرباح.
ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالأمور الإجرائية أو الإدارية.
7 – التعامل في الأسهم بطريقة ربوية:
أ – لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم، لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن، وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه.(2/21)
ب - لا يجوز أيضاً بيع سهم لا يملكه البائع، وإنما يتلقى وعداً من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم؛ لأنه من بيع مالا يملك البائع، ويقوى المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به، بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض.
8 – بيع السهم أو رهنه:
يجوز بيع السهم أو رهنه مع مراعاة ما يقضي به نظام الشركة، كما لو تضمن النظام تسويغ البيع مطلقاً، أو مشروطاً بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء، وكذلك يعتبر النص في النظام على إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة.
9– إصدار أسهم مع رسوم إصدار:
إن إضافة نسبة معينة مع قيمة السهم لتغطية مصاريف الإصدار لا مانع منها شرعاً ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديراً مناسباً.
10 – إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار:
يجوز إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة إذا أصدرت بالقيمة الحقيقية للأسهم القديمة (حسب تقويم الخبراء لأصول الشركة)، أو بالقيمة السوقية".
11 – ضمان الشركة شراء الأسهم (المؤجل حكمه في قرار المجمع):
قرر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أنه يجوز أن تصدر الشركة وعداً ملزماً بشراء الأسهم من بعض حملتها خلال مدتها، أو عند التصفية بالقيمة السوقية، أو بما يتفق عليه عند الشراء، ولا يجوز الوعد بالشراء بالقيمة الاسمية.
بقية قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي يؤكده المجلس:
"12 – تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة:
لا مانع شرعاً من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها؛ لأن ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة، وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشركة.
كما لا مانع شرعاً من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل لقاء هذا الالتزام، وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية.
13 – حصر تداول الأسهم بسماسرة مرخصين، واشتراط رسوم للتعامل في أسواقها:(2/22)
يجوز للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول بعض الأسهم، بأن لا يتم إلا بواسطة سماسرة مخصوصين ومرخصين بذلك العمل؛ لأن هذا من التصرفات الرسمية المحققة لمصالح مشروعة.
وكذلك يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق المالية؛ لأن هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة.
14 – حق الأولوية:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
15 – شهادة حق التملك:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
ثانياً: بيع الاختيارات
صورة العقد:
إن المقصود بعقود الاختيارات: الاعتياض عن الالتزام ببيع شيء محدد موصوف، أو شرائه بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة أو في وقت معين، إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
حكمه الشرعي:
إن عقود الاختيارات – كما تجري اليوم في الأسواق المالية العالمية – هي عقود مستحدثة لا تنضوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة.
وبما أن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه، فإنه عقد غير جائز شرعاً.
وبما أن هذه العقود لا تجوز ابتداءً فلا يجوز تداولها.
تعليق:
قلت : لنا موقف من هذه المسألة يراجع في بحث البورصات المقدم لهذا المجلس المنشور بمجلته علماً أن هذه القرار مبني على اجتهاد حنفي في مسألة الاعتياض عن الحقوق المجردة منفردة وهو في البدائع وغيرها بأن هذه الحقوق لا تحتمل التمليك ولا يجوز الصلح عنها فلم يجيزوا التنازل عن حق الشفعة مقابل مال ولا عن نوبة المرأة لضرتها مقابل مال.
ومع ذلك فقد ذكروا روايتين في بيع حق المرور في الطريق وأفتوا بجواز النزول عن الوظائف بمال على خلاف أصل المذهب وقالوا إن العلماء والحكام أفتوا به للضرورة .( يراجع ابن عابدين 4/14)(2/23)
أما المالكية فقد أجازوا بيع هذه الحقوق فأجاز المالكية اشتراء نوبة المرأة من ضرتها أومن زوجها قال خليل :" وجاز شراء يومها منها".
كذلك أجازوا الاعتياض عن الشفعة قال خليل:" بخلاف أخذ مال بعده ليسقط". ومعناه جواز الاعتياض عن حقه في الشفعة بعد وجوبها بالشراء.( الزرقاني 6/176)
إشكال بيع الخيار الذي منعته المجامع والذي يذهب أكثر الفقهاء المعاصرين إلى تحريمه بناء على أنه ليس متمولا وأن المالية لا تثبت إلا بالمتمول.
و"التمول حيازة الشيء وإحرازه" على حد عبارة الأحناف فبشرط إمكان الحيازة وإمكان الانتفاع به على وجه معتاد.
وإذا كان غير الحنفية جعلوا المنافع مالاً وإن كانت لا تحاز مستقلة فحيازتها بحيازة أصلها ومصدرها.
إلا أن المالكية قد أجازوا المعاوضة في بعض المعاملات فقالوا عن ابن رشد إذا قال شخص يسوم سلعة لآخر يريد أن يسومها : كف عني ولك دينار جاز ولزمه الدينار اشترى أو لم يشتر.
ولو قال: كف عني ولك بعضها على وجه الشركة جاز.
واستشكل ابن ملال ما قاله ابن رشد من جواز المعاوضة على ترك الزيادة قائلا: إنه من أكل أموال الناس بالباطل.
وقال ابن عبدوس:لا إشكال فيه لأنه عوض على ترك وقد ترك.( الزرقاني والبناني على هامشه 5/90-91)
ويجري على هذه المسألة من أراد أن يتزوج امرأة فقال له آخر: كف عن خطبتها ولك كذا.
وكذلك جواز أخذ شيء من دراهم ونحوها في نظير إباحة صيد من بركة ماء.(حسب عبارة الزرقاني 5/222)
قلت: ومعلوم أن السمك في الماء لا يجوز بيعه لأنه من الغرر والجهالة ولكن حق الإصطياد تجوز المعاوضة فيه.
لعل هذه الفروع عند المالكية تدل على أن العقود يمكن أن ترد على فعل أو ترك أو امتياز مما يرغب فيه المتعاقدان ويحقق لهما مصلحة.- والله تعالى أعلم-(2/24)
ومما يدل على جواز الاعتياض عن الحقوق ما نقله أبو يوسف في كتاب الخراج عن أبي الزناد قال كتبت إلى عمر بن الخطاب في بحيرة يجتمع فيها السمك بأرض العراق أن يؤجر فكتب إليّ أن افعلوا.
وإن كان الأحناف لا يقولون بهذا راجع ابن عابدين 4/107) فهو نص في الاعتياض في الحقوق فالتأجير وارد على حق الاصطياد وقد أخذ به المالكية وبنوا عليه جواز الاعتياض للنزول عن الوظائف على قولين في المذهب وعن بعض الشافعية في الاعتياض عن الوظائف بجوازه عقلا وشرعاً واستنبطه السبكي من هبة سودة ليلتها لعائشة.(الزرقاني 4/58)
ولهذا فإن قرار المجلس في هذا الموضوع تجب مراجعته وإعادة النظر فيه.
ثالثاً: التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة:
1 – السلع:
يتم التعامل بالسلع في الأسواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي التالية:
الطريقة الأولى:
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجود السلع أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه.
وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثانية:
أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق.
وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثالثة:
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم وأن يتضمن شرطاً يقتضي أن ينتهي فعلاً بالتسليم والتسلم.
وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين، ويمكن أن يعدل ليستوفي شروط السلم المعروفة، فإذا استوفى شروط السلم جاز.
وكذلك لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلماً قبل قبضها.
تعليق:
قلت: لنا موقف من هذه الطريقة الثالثة لا يتفق مع ما ذكر هنا يراجع في بحث البرصات المقدم إلى المجلس فالفقرة الأخيرة مخالفة لمذهب مالك والأوزاعي وداود من جواز بيع المسلم فيه قبل القبض إذا لم يكن طعاماً.
فسبحان الله كيف نحكم بالتحريم مع حاجة الناس إليه وقوة دليله راجعه في بحثنا.(2/25)
كما أن الفقرة الأولى والمتعلقة بتأجيل البدلين قد بينا في ذلك البحث عن سعيد بن المسيب جوازها.
الطريقة الرابعة:
أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم، دون أن يتضمن العقد شرطاً يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يمكن تصفيته بعقد معاكس.
وهذا هو النوع الأكثر شيوعاً في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلاً.
2 – التعامل بالعملات:
يتم التعامل بالعملات في الأسواق المنظمة بإحدى الطرق الأربع المذكورة في التعامل بالسلع.
ولا يجوز شراء العملات وبيعها بالطريقتين الثالثة والرابعة.
أما الطريقتان الأولى والثانية فيجوز فيهما شراء العملات وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف المعروفة.
3 – التعامل المؤشر:
المؤشر هو: رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة، يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق معينة، وتجري عليه مبايعات في بعض الأسواق العالمية.
ولا يجوز بيع وشراء المؤشر لأنه مقامرة بحتة، وهو بيع شيء خيالي لا يمكن وجوده.
4 – البديل الشرعي للمعاملات المحرمة في السلع والعملات:
ينبغي تنظيم سوق إسلامية للسلع والعملات على أساس المعاملات الشرعية، وبخاصة بيع السلم، والصرف، والوعد بالبيع في وقت آجل، والاستصناع، وغيرها.
ويرى المجمع ضرورة القيام بدراسة وافية لشروط هذه البدائل وطرائق تطبيقها في سوق إسلامية منظمة".
السؤال:تقوم بعض الشركات من باب الدعاية لمنتجاتها بإرفاق بعض الصور بها، فإذا قام شخص بتجميع بعض هذه الصور وإرسالها إلى الشركة فقد يحصل على جائزة رصدتها الشركة لمن يفعل ذلك، فهل لأحد أن يقوم بذلك لنيل تلك الجائزة؟
الجواب :هذه الجوائز المذكورة لا حرج على المسلم في أخذها؛ وذلك لأنها تتم من طرف واحد وهي الشركة المانحة لها دون اشتراط زيادة في سعر السلعة، وإنما هو من باب الترويج لبضائعها ولا يتحمل الطرف الثاني (المشتري) أي خسارة تدخله في أحكام القمار المحرم شرعاً.(2/26)
والممنوع فقط في هذه المسألة أن يشتري المسلم هذه السلع لغرض الحصول على هذه الجوائز، فهذا القصد يدخله في القمار المحرم.
الفتوى (8/12)
السؤال:أنا مقيم في المملكة المتحدة وأعمل مترجماً لمراكز صحية، خدمات اجتماعية، معونات مالية، إلى غير ذلك، وأواجه مشكلة في عملي، وهي: أن بعض الزبائن يأتون إليّ للقيام بترجمة أقوالهم، فأفعل ذلك وأنا أعلم أنهم يكذبون فيما يقولون، وليس لدي حق التدخل لتكذيب أقوالهم، فهل أنا مذنب بسكوتي عن ذلك؟
الجواب:عمل المترجم مشروع فيما تجوز ترجمته، ومن ذلك ما ينقله المترجم من أقوال الناس إلى مؤسسات الدولة، كدار القضاء ومراكز الخدمات الصحية والاجتماعية وغيرها.
فإذا كنت موظفاً في مؤسسة من هذه المؤسسات ويأتيك الناس لترجمة ما يصرحون به لهذه المؤسسات، فلا تكلف نفسك البحث في صدق هذه الأقوال؛ لأن الله لم يكلفك بذلك، وليس هو من مشمولات وظيفتك، فلا حرج عليك فيما تترجم من أقوال وإن كان أصحابها غير صادقين فيها، وغاية ما يطلب منك هنا إذا تحققت من كذبهم أن تنصح لهم، إذا كان ذلك لا يؤدي إلى مفسدة أكبر من مفسدة الكذب، ولا يتسبب في مخالفة قانونية.
وكذلك إذا كنت مترجماً خاصاً، فأنت غير مكلف بالبحث عن صدق زبائنك، ولا يجوز لك تتبع عوراتهم أو تسيء الظن بهم. فإن حصل لك علم يقيني أن القول الذي تترجمه كذب يؤدي إلى اقتطاع حق معصوم عاماً كان أو خاصاً، فلا يجوز لك أن تعين صاحبه على ذلك، لقوله تعلى: {وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [المائدة: 2].
الفتوى (9/12)
السؤال: ما هو حكم التأمين على ما يقع تحت مسؤوليتنا من الأماكن التي يرتادها الجمهور، كالمكتبات والمراكز وشبهها، والتي قد يسبب وقوع بعض الحوادث فيها عجزنا عن التعويضات المترتبة على ذلك؟(2/27)
الجواب:إن عقود التأمين التقليدي (المطبقة في الغرب) الأصل فيها أنها ممنوعة شرعاً بسبب قيام التأمين التقليدي على أساس المعاوضة بتملك الشركة الأقساط لصالحها والتزامها بالتعويضات، وفي ذلك غرر بسبب عدم الجزم بوقوع الخطر، بحيث يقع الاحتمال في حصول التعويض أو عدمه، وكذلك الاحتمال في استفادة الشركة من الأقساط أو خسارتها مع غيرها.
والبديل الشرعي لذلك هو التأمين التكافلي القائم على تكوين محفظة تأمينية لصالح حملة وثائق التأمين، بحيث يكون لهم الغنم وعليهم الغرم، ويقتصر دور الشركة على الإدارة بأجر، واستثمار موجودات التأمين بأجر أو بحصة على أساس المضاربة. وإذا حصل فائض من الأقساط وعوائدها بعد دفع التعويضات فهو حق خالص لحملة الوثائق، وما في التأمين التكافلي من غرر يعتبر مغتفراً؛ لأن أساس هذا التأمين هو التعاون والتبرع المنظم، والغرر يتجاوز عنه في التبرعات.
وبما أن التأمين التكافلي لا يزال حديث النشأة ومحدود الانتشار وغير قادر على التأمينات الكبيرة فقد أفتت الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية بجواز اللجوء إلى التأمين التقليدي في حال الحاجة الماسة إلى حماية الموجودات وتأمين الأنشطة، وذلك على أساس أن الغرر يغتفر للحاجة.
وعليه: فلا مانع من الدخول في عقود التأمين المتاحة في الغرب في حال فقدان التأمين التكافلي، أو عدم إمكانية تغطيته لبعض المخاطر.
التأمين وإعادة التأمين
ناقش المجلس البحث والأوراق المقدمة إليه في موضوع التأمين وما يجري عليه العمل في أوربا، واطلع على ما صدر عن المجامع الفقهية والمؤتمرات والندوات العلمية بهذا الشأن، وانتهى إلى ما يلي :(2/28)
أولا: مع مراعاة ما ورد في قرارات بعض المجامع الفقهية من حرمة التأمين التجاري (الذي يقوم على أساس الأقساط الثابتة دون أن يكون للمستأمن الحق في أرباح الشركة أو التحمل لخسائرها ) ومشروعية التأمين التعاوني ( الذي يقوم على أساس التعاون المنظم بين المستأمنين، واختصاصهم بالفائض – إن وجد – مع اقتصار دور الشركة على إدارة محفظة التأمين واستثمار موجوداتها ) فإن هناك حالات وبيئات تقتضي إيجاد حلول لمعالجة الأوضاع الخاصة، وتلبية متطلباتها، ولا سيما حالة المسلمين في أوروبا حيث يسود التأمين التجاري، وتشتد الحاجة إلى الاستفادة منه لدرء الأخطار التي يكثر تعرضهم لها في حياتهم المعاشية بكل صورها، وعدم توافر البديل الإسلامي ( التأمين التكافلي) وتعسر إيجاده في الوقت الحاضر، فإن المجلس يفتي بجواز التأمين التجاري في الحالات التالية وما يماثلها:
1-حالات الإلزام القانوني مثل التأمين ضد الغير على السيارات والآليات والمعدات، والعمال والموظفين ( الضمان الاجتماعي، أو التقاعد) وبعض حالات التأمين الصحي أو الدراسي ونحوها.
2-حالات الحاجة إلى التأمين لدفع الحرج والمشقة الشديدة، حيث يغتفر معها الغرر القائم في نظام التأمين التجاري.
ومن أمثلة ذلك:
1-التأمين على المؤسسات الإسلامية كالمساجد، والمراكز، والمدارس، ونحوها.
2-التأمين على السيارات والآليات والمعدات والمنازل والمؤسسات المهنية والتجارية، درءا للمخاطر غير المقدور علي تغطيتها، كالحريق والسرقة وتعطل المرافق المختلفة.
3-التأمين الصحي تفاديا للتكاليف الباهظة التي قد يتعرض لها المستأمن وأفراد عائلته، وذلك إما في غياب التغطية الصحية المجانية، أو بطئها، أو تدني مستواها الفني.
ثانيا : إرجاء موضوع التأمين على الحياة بجميع صوره لدورة قادمة لاستكمال دراسته.(2/29)
ثالثا : يوصي المجلس أصحاب المال والفكر بالسعي الحثيث لإقامة المؤسسات المالية الإسلامية كالبنوك الإسلامية، وشركات التأمين التكافلي الإسلامي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5 16 17
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7201
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - أحكام الإذن الطبي [1/3]
دراسات علمية رسائل جامعية
أحكام الإذن الطبي [1/3]
د. عبد الرحمن بن أحمد الجرعي
………
5/4/1427
03/05/2006
المبحث الأول : تعريف الإذن الطبي وتحته مطلبان :
المطلب الأول : تعريف الأذن والطب لغة .
المطلب الثاني : تعريف الإذن الطبي اصطلاحا .
المبحث الثاني : مشروعية الأذن الطبي .
المبحث الثالث : حكم إعطاء الإذن الطبي .
المبحث الرابع : اشتراط إذن المريض .
المبحث الأول: تعريف الأذن الطبي
المطلب الأول : تعريف الإذن , والطب لغة .
1. تعريف الإذن لغة :
من معاني الإذن في اللغة الإباحة : قال في اللسان " أذن له في الشيء إذناً : أباحه له . واستأذنه : طلب منه الإذن " (1) .
ومن معانيه أيضا : إطلاق الفعل ففي المصباح المنير " أذنت له في كذا : أطلقت له فعله " (2) .
ومن معاني الإذن : العلم بالشيء قال في العين " أذنت بهذا الشيء أي علمتُ , وآذنني : أعلمني وفعله بإذني أي بعلمي : وهو في معنى بأمري " (3) .
والإذن الحاجب (4) .
والمعاني السابقة تؤدي إلى معنى واحد : فإن إطلاق اليد في التصرف : رفع للقيود وإثبات الحرية للمتصرف (5) .
وفُرِّق بين الإذن والإجازة : بأن الإذن لما سيقع , والإجازة لما وقع والإذن يكون بمعنى الإجازة إذا كان لأمر وقع وعلم به الآذن (6) .
2.…أما الطب :
فيأتي في اللغة بمعانٍ منها : علاج الجسم والنفس , ورجل طبٌ , وطبيب : أي عالم بالطب (7) .
والمتطبب الذي يتعاطى علم الطب (8) .(2/30)
ويطلق في اللغة الحذق : يقال رجل طب ٌ وطبيب : الحاذق من الرجال الماهر بعلمه (9) .
ومنه قول الشاعر الجاهلي :
فإن تسألوني بالنساء فإنني *** خبير بأدواء النساء طبيب (10)
ويطلق على السحر (11) وفي الحديث ( من طبَّه ؟ قال لبيد بن الأعصم ) (12) أي من سحره , ورجل مطبوب أي مسحور , كَنَوا بالطب عن السحر , تفاؤلاً بالبرء , كما كَنَوا بالسليم عن اللديغ (13) .
المطلب الثاني : تعريف الإذن الطبي اصطلاحا
عرف بعض الباحثين الإذن الطبي : بأنه : إقرار المريض بالموافقة على إجراء ما يراه الطبيب مناسبا له من كشف سريري , وتحاليل مخبريه , ووصف الدواء ، وغيره من الإجراءات الطبية التي تلزم لتشخيص المرض وعلاجه (14) .
وليس في التعريف السابق إشارة إلى موافقة ولي أمر المريض عند تعذر أخذ موافقة المريض كما أن فيه شيء من الطول والتفصيلات التي يمكن أن يستغنى عنها .
ويمكن أن نعرف ( الإذن الطبي ) بأنه : موافقة المريض أو وليه على الإجراءات الطبية اللازمة لعلاجه.
…فكلمة ( أو وليه ) مهمة في التعريف لأن المريض قد لا يتمكن من إعطاء الإذن , إما لصغر أو إغماء ونحوه .
…وعبارة الإجراءات الطبية الواردة في التعريف تشمل: الكشف والتحليل والعلاج والعملية .
…كلمة ( اللازمة ) تخرج ما ليس لازما من العلاج ونحوه فلا يدخل ذلك في مسمى الإذن الطبي .
والله أعلم
وعلى هذا فأركان الأذن أربعة :
1.…الآذن .
2.…المأذون له ( الطبيب ) .
3.…المأذون به ( نوع المعالجة).
4.…الصيغة (15) بأنواعها ، كما سيأتي في أنواع الأذن .
المبحث الثاني: مشروعية الإذن الطبي
الإذن الطبي عبارة عن عقد بين الطبيب والمريض يتعهد الطبيب بموجبه أن يعالج المريض وفق الأصول المتعارف عليها عند أهل الطب (16) .(2/31)
والإذن الطبي يرجع إلى إذن الشارع بالتداوي عموما كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( تداووا عباد الله ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ، غير داء واحد ، الهرم) (17) .
وبالتالي لا يحلّ الإذن الطبي بالمداواة إلا فيما يجوز شرعاً , فلا يحل للمريض مثلاً أن يأذن لطبيبه بمعالجة محرمة أو قتل له .... الخ
ومما يمكن الاستدلال به على مشروعية إذن المريض بمعالجته ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنه قالت : ( لددنا (18) رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار أن لا تلدّوني فقلنا : كراهية المريض
للدواء . فلما أفاق قال : ألم أنهكم أن لا تلدوني , لا يبقى منكم أحد إلا لُدّ غير العباس فإنه لم يشهدكم) (19) .
قال النووي " فيه – أي في الحديث- تعزير المتعدي بنحو من فعله الذي تعدى به إلا أن يكون فعلا محرما " (20) .
ففي الحديث السابق بيان بأن " أذن المريض البالغ العاقل ضروري لإجراء أمر التداوي , فإذا صرّح المريض أوأشار أنه يرفض نوعاً من أنواع التداوي فله الحق في ذلك , ويكون إجباره على التداوي تعدياً , ويعاقب المتعدي تعزيراً بمثل ما فعل. . . إلا أن يكون ذلك الفعل محرماً كأن سقي المريض خمراً وهو مغمور فلا يسقى الفاعل ذلك , بل يعزر ويعاقب عقوبة رادعة " (21) .
فنخلص مما سبق إلى أنه لابد في الأذن الطبي من اجتماع أمرين :
أحدهما : إذن الشرع في المعالجة (22) .
الثاني : أذن المريض أو ولية (23) .
ويشار هنا إلى أنه لا يجوز الحصول على الأذن الطبي بالإكراه , ولا بإغراء مادي , فلا يجوز مثلاً استغلال حال بعض الأشخاص – كالمساجين مثلاً – فيكرهون على فعل طبي ما .
ولا يجوز استغلال حالة العوز عند بعض الأشخاص كالمساكين والفقراء والمشردين , فيغرون مثلاً ببعض المال لإجراء البحوث والتجارب عليهم (24) .(2/32)
وقبل إجراء العلاج يجب على الطبيب المعالج أن يبين للمريض تشخيص مرضه ومدى خطورة الحالة , ومدى نجاح العملية الجراحية , ومختلف المعلومات اللازمة لإيضاح أبعاد الحالة المرضية , حتى يتخذ المريض قراره بالموافقة على هذا العمل الطبي على بينّة من حقائق الأمور (25) .
المبحث الثالث:حكم إعطاء الإذن الطبي
إعطاء الإذن الطبي – طلب التداوي – أمر اختلف فيه العلماء على ثلاثة اتجاهات (26) :
الاتجاه الأول : المنع من التداوي ، وأصحابه على فريقين :
الفريق الأول : أنكر التداوي مطلقا وهم غلاة الصوفية (27) ، واستدلوا بأدلة منها :
1)قوله تعالى: ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) (28) .
ووجه الدلالة : أن الله قد علم أيام الصحة والمرض، ولو حرص الخلق على دفع المرض ما قدروا ، فالواجب على الخلق أن يتركوا التداوي اعتصاما بالله وثقة به .فما دام كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي (29) .
2)حديث : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) (30) ، ووجه الدلالة من هذا الحديث : إن الرقى والتمائم مما يتداوى به ،وفي ذلك إشراك لها مع الله في التوكل فلا تجوز .
الفريق الثاني من المانعين : يرى منع التداوي إن كان يرى الشفاء من الدواء ويعتقد أنه لو لم يعالج لما سلم . وإليه ذهب بعض الحنفية (31) ، واستدلوا : بأن الأصل في التداوي الجواز، لكن ما ورد من الأحاديث التي وردت في كراهة التداوي فهو محمول على من كان يرى الشفاء في الدواء ويعتقد أنه لو لم يعالج لما سلم ، ونحن نقول لا يجوز لمثل هذا التداوي ، جمعا بين الأدلة (32) .
الاتجاه الثاني : جواز التداوي وهذا الاتجاه على ثلاثة أقوال :
القول الأول : إباحة التداوي : وهو قول جمهور العلماء من الحنفية (33) ، والمالكية (34) ، والحنابلة (35) .
أدلتهم :(2/33)
1- حديث : ( نعم , يا عباد الله تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو قال دواء إلا داء واحداً قالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال الهرم ) (36) .
2- حديث : ( ما أنزل الله تعالى داء إلا وأنزل له شفاء ) (37) ، ثم اختلف أصحاب هذا الفريق أيهما أفضل الفعل أم الترك على فريقين :
- الفريق الأول : قالوا : التداوي أفضل ، واختاره جمع من الحنابلة (38) وأدلتهم ما سبق في القول بالإباحة .
- الفريق الثاني: قالوا : الترك أفضل ،وهو المنصوص عن أحمد (39) ، واستدلوا بما يأتي :
1- حديث ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) (40) . ووجه الدلالة : أن هؤلاء الممدوحين تركوا التداوي لتحقيق التوكل فكانت لهم هذه المنزلة العظيمة .
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي ، قال : ( إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك ) فقالت : أصبر ، فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها (41) ، ووجه الدلالة : أن هذه المرأة لما اختارت الصبر وترك التداوي دعا لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة فدل على أفضلية ترك التداوي .
القول الثاني : استحباب التداوي وأنه مندوب إليه .
وإليه ذهب الكاساني من الحنفية (42) ، واستدلوا بأدلة منها:
1- حديث: (تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يخلق داء إلا وخلق له دواء إلا السام والهرم) (43) .
2- حديث: ( لكل داء دواء فإن أصاب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى) (44) .
القول الثالث: كراهية التداوي وهم على فريقين ، الأول يرى كراهة التداوي مطلقا ، وهم بعض السلف (45) .
وحُجتهم :
1) حديث السبعين ألفا (46) .
2) حديث المرأة السوداء (47) .(2/34)
الفريق الثاني : يرى كراهة التداوي قبل نزول الداء . وهم المالكية (48) ، ولعل وجه الكراهة في ذلك أنه اشتغال بأمر يشك في تحققه، وحصول ثمرته موهوم، فيكون من باب العبث .
الاتجاه الثالث: وجوب التداوي ، وانقسم هذا الاتجاه إلى فريقين
الفريق الأول : يرى وجوب التداوي مطلقا ، وهو قول لبعض الحنابلة وهو وجه عند الإمام أحمد (49) .
ولعل حجة هذا القول : أن التداوي فيه دفع للهلاك عن النفس وهو أمر واجب .
الفريق الثاني : قالوا : يجب التداوي إن علم أن بقاء النفس لا يحصل بغيره ، وبه قال بعض الشافعية (50) . وبعض الحنابلة (51) . وقال به ابن تيميه (52) . ولعل دليلهم أن استبقاء النفس إذا كان في قدرة الإنسان أمر واجب ولذلك يحرم على من اضطر إلى أكل الميتة أن يدع الأكل منها وإلا كان آثما ، ومثال هذا التداوي الواجب التغذية للضعيف واستخراج الدم (53) .
والراجح أن التداوي مندوب إليه في العموم جمعا بين الأدلة التي فيها إرشاد للتداوي وأمر به والأحاديث التي تدل على أن ترك التداوي أفضل.
المبحث الرابع: اشتراط إذن المريض
إذا أراد الطبيب علاج المريض فهل يشترط أذن هذا المريض ؟
لا يخلو الأمر من حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون المريض مشرفاً على الهلاك , ولا يمكن أخذ إذنه , وتمكن معالجته، ويحتمل بقاؤه حياً بسبب هذه المعالجة . كمثل حوادث السيارات التي يغمى فيها على السائق ولا يوجد من أوليائه أحد, وحالته تستدعي سرعة العلاج حفظاً لحياته .
ففي هذه الحالة يجب على الطبيب مباشرة العلاج دون استئذان وذلك لإنقاذ هذا المريض من الموت (54) .
ودليل ما سبق قوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " (55) .
ووجه الدلالة :
1.…أن ترك علاج المريض إذا لم يتمكن من أخذ إذنه، أو إذن وليه في ضرر عظيم قد يؤدي إلى الهلاك فيكون ممنوعاً .(2/35)
2.…أن إنقاذ حياة المريض في هذه الحالة فرض عين على الطبيب مادام قادراً عليه , ولو امتنع عن ذلك كان آثما , وفي ضمانه له - إن مات لعدم وجود إذنه – خلاف (56) .
الحالة الثانية : ألا يكون المريض مشرفاً على الهلاك ففي هذه الحالة اتفق الفقهاء (57) على عدم جواز تطبيب المريض إلا بعد أخذ إذنه , فإن خالف ذلك وطببه ضمن الطبيب في هذه الحالة . فإن عالجه بإذنه فمات المريض أو تضرر فلا ضمان (58) .
وإنما قيل بتضمين الطبيب في حالة عدم أخذ إذن المريض لأنه فعل فعلا غير مأذون فيه فكان عليه الضمان (59) .
وقد نص نظام مزاولة مهنة الطب البشري السعودي في المادة ( 21 ) بأنه يشترط تدخل الطبيب أو الجراح بدون إذن المريض أو بموافقة من يمثله وعلى هذا فإنه إذا تدخل الطبيب أو الجراح بدون إذن المريض وبدون ضرورة توجب الاستشفاء حقت عليه المسؤولية الجزائية لخروج عمله من دائرة الإباحة إلى مجال التعدي (60) .
ونصت المادة 21 – 1 – ل : على أن تؤخذ موافقة المريض البالغ العاقل سواء كان رجلاً أو امرأة , أو من يمثله إذا كان لا يعتد بإرادته قبل القيام بالعمل الطبي أو الجراحي , وذلك تمشيا مع مضمون خطاب المقام السامي رقم 4 / 2428 / م , وتاريخ 29 / 7 / 1404 هـ , المبني على قرار هيئة كبار العلماء رقم 119 وتاريخ 26 / 5 / 1404 هـ كما نصت المادة 21 – 2 – ل على أنه : يتعين على الطبيب أن يقدِّم الشرح الكافي للمريض أو ولي أمره عن طبيعة العمل الطبي أو الجراحي الذي ينوي القيام (61) .
|1| 2 |
(1) ابن منظور ، لسان العرب, مادة ( اذن ) 13 / 10 (2) الفيومي ، المصباح المنير, ص 4 .
(3) الفراهيدي: الخليل بن أحمد ، العين , 8 / 200 .
(4) لسان العرب 13 / 10 .
(5) معجم لغة الفقهاء ص 74 .
(6) حاشية رد المحتار المعروفة بحاشية ابن عابدين 3 / 167 .
(7) لسان العرب , مادة طب , 1 / 553 .
(8) المرجع السابق الصفحة نفسها .(2/36)
(9) لسان العرب 1 / 553 , والزاوي : طاهر ، ترتيب القاموس المحيط , 1 / 50 .
(10) ابن قتيبة: الشعر والشعراء, ص126،والبيت لعلقمة بن عبده .
(11) لسان العرب 1 / 554 .
(12) أخرجه مسلم في صحيحه 4 / 1719 .
(13) النهاية في غريب الحديث والأثر , لابن الأثير 3 / 110 .
(14) كنعان : أحمد ، الموسوعة الطبية الفقهية , ص 52 .
(15) انظر : د . المختار : محمد , أحكام الجراحة الطبية , 226 , مكتبة الصديق الطائف .
(16) الموسوعة الفقهية الطبية ص 52 .
(17) أخرجه أحمد في المسند 4/278 ، والحديث صحيح كما قاله الألباني في صحيح الجامع 1/565. وسيأتي بيان حكم التداوي بشيء من التفصيل .
(18) أي جعلنا في جانب فمه دواه بغير إرادته ، وهذا هو اللدود ، فأما مايصب في الحلق فيقال له : الوجور (ابن حجر ، فتح الباري 8/147)
(19) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته . انظر صحيح البخاري مع الفتح (8/147)
(20) النووي : يحى بن شرف ، شرح صحيح مسلم المسمى بالمنهاج ، 14/199.دار الفكر - بيروت
(21) المسؤولية الطبية وأخلاق الطبيب .
(22) أنظر : المختار : محمد , أحكام الجراحة الطبية , ص 225 .
(23) أنظر : ابن القيم , تحفة المودود , ص 118 ، وأحكام الجراحة ص 237
(24) الموسوعة الطبية الفقهية, ص 53 , 55 .
(25) د . العربي: بالحاج , الأخطاء المدنية والجنائية للأطباء في الفقه الإسلامي , بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد 52 , ص 33، 34.
(26) انظر في تفصيل هذه الاتجاهات الى كتاب د . النتشة :محمد : المسائل الطبية في ضوء الشريعة الإسلامية، ، 1/23 وما بعدها .
(27) شرح النووي على صحيح مسلم 9 / 33 .
(28) سورة الحديد : 22 .
(29) انظر : تفسير القرطبي 17/ 194 ، والنووي على مسلم 9 / 23 .(2/37)
(30) رواه ابن مسعود وأخرجه أحمد( 1/381 ) ،وأبو داود (عون المعبود 10/367) وذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه (10/196) وصححه السيوطي في الجامع الصغير (فيض القدير 2 / 342 .
(31) انظر : الزيلعي: تبيين الحقائق 6 / 23 .
(32) انظر : تبيين الحقائق 6 / 32 .
(33) انظر : البابرتي: الهداية مع العناية ي 10 / 66 .
(34) انظر : الدردير , أحمد , الشرح الصغير بهامش بلغة السالك , 2 / 494 , دار الفكر , بيروت .
(35) انظر : المبدع 2 / 213 .
(36) أخرجه أحمد 4 / 278 ، و الترمذي في سننه 4 / 335 .
(37) أخرجه البخاري في صحيحه ( الفتح 10 / 134 ) .
(38) انظر : الإنصاف 2 / 363 ،والمبدع 2 / 213 .
(39) انظر : الفروع 2/165 ، والإنصاف 2/463 .
(40) أخرجه مسلم 1/ 198 برقم 218 .
(41) أخرجه البخاري ، الفتح 10 / 114 ، ومسلم 4 / 1994 برقم 2576 .
(42) انظر : بدائع الصنائع 5 / 127 وهو مذهب الشافعية ( المجموع 5/ 106) .
(43) سبق تخريجه.
(44) أخرجه مسلم 4/ 1729 برقم 2204 .
(45) انظر : القوانين الفقهية 295 ، والبحر الرائق 8/208 .
(46) سبق تخريجه .
(47) سبق تخريجه .
(48) انظر : التداوي والمسؤولة الطبية، نقلا عن القبس شرح الموطأ ص 103.
(49) انظر : الإنصاف 2/463 و مجموع الفتاوى21/564 .
(50) انظر : قليوبي وعميره 1/344 .
(51) انظر : الإنصاف 2 / 463 .
(52) انظر : الفتاوى 18/12.
(53) انظر : الفتاوى 18 / 12 .
(54) أنظر : الزرقاني : شرح مختصر خليل 8 / 8 , والجمل : حاشية شرح المنهج 5 / 7 والانصاف 10 / 50 , والموسوعة الفقهية الكويتية 3 / 154 .
(55) انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 3 / 154 .
(56) انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 3 / 154 .
(57) انظر : ابن عابدين : حاشية رد المحتار 6 / 69 , والدسوقي : الحاشية على اشرح الكبير 4 / 355 , والجمل : الحاشية على المنهج 5 / 24 , والبهوتي :شرح منتهى الإرادات 2 / 377 .(2/38)
(58) بشرط أن يكون الطبيب حاذقاً وألا تجن يده ( البهوتي , شرح منتهى الإرادات 2 / 377 ) .
(59) انظر : البهوتي , شرح منتهى الإرادات 2 / 377 .
(60) الأخطاء المدنية والجنائية للأطباء في الفقه الإسلامي (دراسة مقارنة مع النظام الطبي السعودي) , بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية , العدد 52 ص 32 .
(61) انظر : البار , المسؤولية الطبية , ص 70 .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7226
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - المجروح!! [1/3]
دراسات علمية رسائل جامعية
المجروح!! [1/3]
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
………
10/4/1427
08/05/2006
ألم فوق الطاقة
المجرحون يرون قصصهم
كسر حاجز الخجل!
ألم فوق الطاقة.
"ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به..".
من أكبر الآلام المعذبة للنفس، المتعبة للروح: أن تسمع بطفل، يعيش ويكبر من غير أبوين، ولا إخوة، ولا أسرة، ولا قرابة. وحيدا، غريبا، متوحشا، ليس له صلة بهذا العالم. لا يدري كيف جاء، ومن أين ؟.
يسمع بالعائلة والأسرة، فيذهب بخياله بعيدا، لعله يدرك ما يحدث فيها من حنان، ومحبة، ودفء، واهتمام، ورعاية !!.. لكنه يرجع بخيال عاجز عن الإدراك..!!.
فهو يوما لم يذق طعم الأسرة، وكيف يذوقه، وهو الغريب عنها بالكلية ؟!!، فكأنها في بلد، وهو في آخر .. وكأنها في زمن، وهو في زمن آخر .. وكأنها من الغيب، وهو في عالم الشهادة !!.
وإذا ما أراد أن يتصور العلاقة بين الطفل وأمه، والطفل وأبيه، فذاك أمر فوق التصور، وفوق الطاقة؛ فإنه لم يحسّ لحظة حنان الأم، و لم يلمس ساعة عطف الأب..!!.
إذا سئل عن أبيه، وعن لقبه، وعائلته: سكت حائرا، مهموما، باكيا؛ إذ لم يعثر على إجابة ؟!!..
فنفسه عاجزة عن الجواب.. هو الذي يسأل نفسه: من أنت، ومن أبوك ؟!!.
وإذ لم يجد أباه، بقي متسائلا مستنكرا: هل لا بد لكل طفل من أب ؟!.(2/39)
-…ينشأ محروما من أعز الناس، وأهم الضرورات، وأبسط الأماني وأقلها..!!.
-…ينشأ وإنسانيته مجروحة جرحا لا يلتئم أبدا ..!!.
-…ينشأ ولا أحد إلى جانبه. لا أحد تماما ؟!.. ينشأ وحيدا.. وحيدا.. غريبا.. غريبا..!!.
-…ينشأ كسير النفس، مهيض الجناح؛ فعزّ الإنسان وكرامته من: والديه، وإخوته، وقرابته. ولا شيء لديه من هذه المعزّات!!.
هل يستطيع أحد أن يحتمل هذا ؟.
فكيف بطفل ينشأ هكذا ؟!!.. إلى أي حال سيكون، وإلى أي شيء يؤول ؟!.
إنه لألم يحرك في الإنسان كل شيء:
-…يحرك فيه: الحرقة، والحزن، والكآبة، والضجر.
-…يحرك فيه: الغضب، والاستنكار.
-…يحرك فيه: الرغبة في البكاء.
-…يحرك فيه: الرغبة في الصياح. أليس المتألم يصيح ؟، لعل في الصياح تخفيفا لعبئ يفوق الطاقة، وتنفيسا عن نفس عجزت عن التحمل.
إليكم القصة :
*…*…*
المجروحون يرون قصتهم.
في جريدة الوطن السعودية، الإثنين 13صفر 1427هـ،13مارس2006، العدد (1991) جاء ما يلي:
(يقرون بوضعهم ويضيقون بالإهانات ويحلمون بالهجرة
لقطاء يكسرون حاجز الخوف والخجل ويكشفون عن مكابدتهم اليومية)
- كسر حاجز الخجل
جدة: عاصم الغامدي
قرر عدد من اللقطاء، أو مجهولي النسب، أو الأيتام - كما هو التوصيف الرسمي لهم - كسر حاجز الخجل، والتحدث إلى " الوطن " بكل صراحة عن واقعهم وأحوالهم ومكابداتهم اليومية، ولم يعبأوا كثيراً بنشر صورهم أو إعلان أسمائهم الحقيقية، ولم يتكتموا على شيء بدافع الخوف من الفضيحة، معتبرين كل هذا أقل ضرراً من حال الضياع التي يشعرون بها ويعيشونها فيما يعتبرون أنفسهم سائرين في نفق مظلم طويل، ويتمنون فقط أن يعثروا في نهاية النفق على بصيص نور أو بصيص أمل - كما يقولون!(2/40)
وعلى الرغم من سوء معاملة المجتمع لهؤلاء، ونظرته الازدرائية لهم، وعلى الرغم من تلقيهم الكثير من الإهانات اليومية حيث تطاردهم اللعنات، وترشقهم الألفاظ النابية، ويمقتهم الناس، محملين هؤلاء الذين لا ذنب لهم جريرة لم يقترفوها، فهم ضحايا، وليسوا مجرمين من دون أدنى مراعاة لأحاسيسهم ومشاعرهم كبشر، تطالهم الآلام، وتجرح أعماقهم نظرات الاتهام والنبذ والتحقير.
أمام واقع مؤلم - كهذا - أبدى حسان، وشريف، ومشهور، وعاطف، وسواهم استعدادهم الكامل للحديث، وبث شكواهم على صفحات " الوطن " بغية التنفيس أولاً، وإيصال صوتهم إلى الجهات المعنية ثانياً، وتوضيح الصورة لهذا المجتمع الذي ينبذهم كما لو أنهم هم الذين قاموا بارتكاب الآثام.
في هذا اللقاء تحدثوا عن مسيرة حياتهم منذ أيام الطفولة وما صادفوه من إحباطات، ومالازمهم من معاناة، وأحزان كثيرة وفرحٍ قليل.(2/41)
قال حسام: اكتشفت يتمي في العاشرة تحديداً، كنت في الصف الثالث الابتدائي عندما أخبرتني المربية بذلك إن كلمة " يتيم " - في نظري - كلمة مطاطة كونها تشمل من فقد الأبوين كليهما، أو من فقد أحدهما فقط، كما أن " اللقيط " لا يعرف أبويه، استقبلت الأمر برضا تام، خصوصاً وأنني وجدت من يعتني بي، فالإنسان ابن بيئته - كما يقولون - ولم أسأل عن التفاصيل، كيف وأين وجدت أو ماذا كان معي، بل حاولت أن أتغلب على أي شعور بروح الدعابة، وبالنظر إلى المستقبل المشرق بعينين صافيتين - كما قيل لي وقتها. وأول مشكلة واجهتني - يتابع حسام سرد مأساته - كانت عقب التحاقي بالمدرسة، وهي إحساسي بأنني وحيد في هذا العالم، وحيد وكأنني مقطوع من شجرة، وكنت ألوذ بالصمت القاتل عندما أرى جميع أقراني يتحدثون عن أمهاتهم وآبائهم وأشقائهم، وكنت فقط أتخيل ما يحدث في إطار العائلة من محبة ودفء وحدب واهتمام ورعاية وسواها من العواطف الرائعة وكانت تغيب عن ذهني الأفكار عن طبيعة العلاقة الأسرية بين الأب والأم والأبناء داخل المنزل وخارجه.… ويكمل حسام حديثه قائلا: ما ساعدني على تقبل وضعي ذلك التعاطف الكبير من زملائي في المدرسة، ومن آبائهم أيضاً، وعشت حياتي كما هي متخذاً من المصطفى عليه الصلاة والسلام قدوة لي، بوصفه نشأ يتيماً، وداخلني شعور رائع بأن كل هؤلاء الزملاء أصبحوا أسرتي، ومازلت على اتصال بالمربية التي تولت أمر تربيتي ورعايتي والتي أدعوها أمي، وكذلك مازلت على اتصال بسائر الزملاء في "الميتم"!.(2/42)
وعاد حسام بذاكرته إلى البدايات الأولى، قائلا: فتحت عيني على هذه الدنيا فيما كنت في دار الحضانة بالرياض، ومنها إلى دار التربية وبعدها انتقلت إلى دار التربية الاجتماعية بالمدينة المنورة، حيث مكثت بها حتى الصف الثالث المتوسط، ثم تم إرسالي إلى المؤسسة بجدة، وهنا بدأت معاناتي الحقيقية، وسببها معاملة الإدارة لنا، وأقمت فيها برغم المعاناة مدة تصل إلى الثلاث سنوات، توجهت بعدها إلى المعهد المهني، وقبل تخرجي بأسبوعين تم طي قيدي من المؤسسة بسبب تغيبي، وذلك لأنني كنت أشارك في معسكر رياضي لنادي الاتحاد، دون أن أثبت لهم ما يؤكد ذلك.
ونفى حسام ما يشاع عن هؤلاء الأيتام من أنهم ساخطون على المجتمع، موضحاً أنهم إذا ما تعرضوا للقسوة سيكونون ساخطين، وكشف عن أحلامه، قائلا: إنه يحلم بالهجرة إلى الغرب، وتحديداً فرنسا، لكونه يتوق إلى تعلم اللغة الفرنسية والعمل بالترجمة، فهو - كما يقول - لا يحمل أي مؤهل علمي أو أي شهادة دراسية تساعده في الحصول على عمل شريف يستطيع من خلاله أن يعيش حياة سوية. وحين سألته: ولماذا الهجرة إلى الغرب؟!.
أجاب: هناك، أي في الغرب، يعيش الكثيرون من دون أن يعرفوا آباءهم حياة طبيعية، ولا ينظر إليهم المجتمع تلك النظرة القاسية التي نشعر بها تجلدنا كما تفعل السياط!! فالناس في مجتمعنا يتعاملون معنا كما لو أننا نحمل الطاعون، ولسنا بشراً كسائر البشر، جريرتنا الوحيدة أننا وجدنا أنفسنا هكذا، فليس ذنبنا أن أتينا من المجهول وإنما هو ذنب من اقترف بحقنا هذه الجريمة!.
زميله عبدالقادر تحدث عن تجربته التي وصفها بأنها أكثر قسوةً ساهمت في حرمانه من التعلم، فهو لم يستطع إنهاء دراسته – كما هي حال حسام.(2/43)
قال عبد القادر: فتحت عيني على الدنيا في مدينة الرس "بمنطقة القصيم"، وأذكر أن جميع المربيات في تلك الحضانة التي احتضنتني كن من الآسيويات، وعندما بلغت السابعة تمت إحالتي إلى دار التربية في القصيم نفسها، وعندما وصلت إلى الصف الثالث الابتدائي تم إلحاقي بقسم البنين ببريدة، وعندما وصلت إلى الصف الخامس تم نقلي إلى دار التربية بحائل، وفي الصف الأول المتوسط كنا 14 يتيماً، وتم تقسيمنا إلى مجموعتين، إحداهما أرسلت إلى الرياض، والأخرى إلى جدة.
وحين سألته متى عرفت حقيقة كونك يتيماً، أجاب عبد القادر: كان ذلك في العاشرة من عمري - تقريباً، وقبلاً، كانت كلمة "يتيم" تمر على مسامعي دون أن تعني لي شيئاً، وكانت معرفتي بأني يتيم سبب شقائي وضياعي وتعاستي بقية عمري، إذ أخبرني أحدهم بأني دون أب أو أم أو اسم حقيقي أو لقب عائلي، وأفهمني أن كلمة "يتيم" يقصد بها الاستهزاء، والشتيمة، والإهانة والإساءة وعلى الرغم من أن كافة زملائي كانوا يعيشون وضعي نفسه، إلا أنني بعد هذه المعرفة القاتلة بحقيقة وضعي فقدت اهتمامي بالتحصيل الدراسي، وبكل شيء. ويتابع عبد القادر بحرقة قائلا:(2/44)
بعد أن أنهيت المرحلة الابتدائية، كنت قد تجاوزت السن القانونية، فتمت إحالتي إلى فرع المؤسسة في جدة، وتم إلحاقي بإحدى المدارس المتوسطة، لكنني لم أستطع إكمال دراستي، فتم تحويلي إلى المعهد المهني " قسم التجارة " الذي لم يكن يتوافق وميولي، فلم أكمل الدراسة فيه، ويرجع عبد القادر كل هذه الإخفاقات في الدراسة كما يعيد كل مشاكله في هذه الحياة إلى كونه يفتقد للرعاية الأسرية والبيئة المستقرة، وكما نفى زميله حسام، نفى عبد القادر بدوره مسألة الحقد على المجتمع، مطالباً بمنحه فرصة حقيقية لبناء نفسه ومستقبله وحياته التي يراها صارت أقرب إلى الشظايا، أما شريف، فوصف هو الآخر تجربته مع اليتم بأنها قاسية، وأنها لا تختلف عن تجارب " زملائه " في المؤسسة، قائلا: بدأت حياتي في دار الحضانة بجدة، وفيها تعرضت للضرب القاسي من إحدى المربيات، وعندما بلغت السابعة، تم نقلي إلى دار التربية بالمدينة المنورة، وفيها كنت أشعر بأن المدير أبي، وأن المشرفين إخوتي، وعندما وصلت إلى المرحلة المتوسطة، ثم نقلي إلى مؤسسة التربية النموذجية بمكة المكرمة، وللأسف هذه المؤسسة اسم بغير مسمى، فهي لا تعي شيئاً في أساليب التربية، كما أنها لا تحمل من "النموذجية" شيئاً أبداً، ويتابع شريف حديثه قائلا: بكل صراحة أقول، إنني في هذه المؤسسة لم أجد أي تربية، ولم أحظ بأي رعاية، إذ لم يكن يسمح لنا بالخروج من الدار مطلقاً، وكان هذا القرار الصارم، وغير الإنساني، سبباً في ضياعي!! نعم لقد بدأت رحلة الضياع، فيما كان عمري "14 سنة" حيث قمت بالهروب مع الزملاء الأقدم، وفي هروبي هذا تعرفت على عالم المخدرات، وظللت أندفع من هروب إلى آخر مهما اختلفت مستويات ومضامين هذا الهروب لأنأى بعيداً عن "حقيقتي" المرة!!.(2/45)
ويضيف: كنت أخفي عن أبناء الحي الذي تقع فيه المؤسسة "حقيقتي" خشية السخرية مني، ومخافة أن يتم دفعي إلى طريق الانحراف، واستغلال ظروفي استغلالاً بشعاً!!. لم أمكث في مكة المكرمة سوى سنة واحدة، تغيرت فيها كل القيم والمبادئ الحميدة التي كانت تسكنني، وذلك نتيجة الهرب، ولجوئي للشارع وأصدقاء السوء في الحي، بعد هذه التحولات العميقة، أصبح وضعي داخل المؤسسة لا يطاق، خصوصاً وأنني تعرضت للضرب وسوء المعاملة، لدرجة أنني أصبحت ألجأ إلى العمائر المهجورة لقضاء الليل، وتحديداً عندما تم طردي من السكن في الدار عقاباً على هربي من سكن المؤسسة….
ويضغط شريف على الكلمات وهو ينطق هذه العبارة المليئة بالذكريات المؤلمة، قائلا: "لن أنسى أبدا حياة التشرد التي كان لها دور كبير في مأساتي".
في الصف السادس الابتدائي، اكتشف شريف حقيقة كونه يتيماً وقال: عبر طرح العديد من الأسئلة علي من قبل زملائي في المدرسة، وهي أسئلة تتقصى حقيقة وضعي، وتبحث في أصلي وفصلي، وتتناول أبي، وهي الأسئلة التي لم أستطع أن أعثر لها على إجابة، الأمر الذي دفعني أن أطرح الأسئلة نفسها على المسؤولين في دار الأيتام، لكني لم أجد لديهم إجابة شافية، وحينما أصررت على معرفة الحقيقة، قيل لي إن أبي وأمي قضيا معاً في حادث سير، وعندما كبرت، وشببت عن الطوق قليلاً، استوعبت الحقيقة وتوقفت عن طرح الأسئلة، ولم أعد أبحث عن أبي أو من يكون؟!….(2/46)
روى شاب آخر اسمه عبد العزيز قصة حياة مترفة، عاشها ما يقارب 18 عاماً، واصفاً قصته هذه بأنها تختلف عن قصص الآخرين، وقال: كان بمقدوري أن أحيا حياة رائعة، وكان بوسع تلك الحياة لو استمرت أن تجعلني بعيداً جداً عن هذه المرارات، وأضاف عبد العزيز: " كفلني في بداية حياتي أحد رجال الأعمال الأثرياء ثراء ضخماً، فأتاح لي أن أتلقى تعليمي في الابتدائية والمتوسطة في أرقى مدارس جدة، وبعد أن رحل عن هذه الدنيا، كفلتني ابنته 10 سنوات أو يزيد، لكن، ومنذ فترة غير قصيرة، تم طردي من السكن الذي خصصته تلك السيدة الكريمة لي ولعدد من زملائي الأيتام وذلك لسوء سلوكي، فعدت للعيش في مؤسسة التربية، بعد أن خسرت تلك الرعاية المثالية التي حظيت بها، وها أنا الآن أشعر بندم شديد وحسرةٍ كبيرة على تلك الحياة الهانئة الرائعة التي عشتها، والتي تبددت معها كل أحلامي الجميلة، أما حقيقة وضعه، فقد اكتشفها عبد العزيز عندما كان في الثالث المتوسط، وحين لاحظت تلك السيدة الكريمة التي كانت تتولى رعايته ما طرأ على نفسيته من آثار سيئة قامت بعرضه على طبيب نفسي، وظل يراجع هذا الطيب حتى تم طرده وإعادته إلى سكن المؤسسة.
وقال عبد العزيز: صرت أكثر ميلاً للعزلة، وصرت عدوانياً، وانقطعت عن الدراسة بحجة تغيير مجرى حياتي التي اعتبرتها تعيسة وتكوين أسرتي الخاصة !! ولكن كل هذا كان مجرد وهم كبير.
وأضاف بأسى: كلمة يتيم في المجتمع تعني "اللقيط" ولا أنسى موقفاً حين تقدمت مع زملاء لي بشكوى لرجال الأمن ضد أشخاص تشاجروا معنا فسألنا المحقق عن مقر السكن ليكتبه في المحضر وحين ذكرنا دار الأيتام قال: تقصدون سكن اللقطاء، بخلاف شماتة الكثيرين من لفظ الإخوة الذي نستعمله فيما بيننا لاختلاف ألوان بشراتنا. الأمر الذي يجعلنا نتجنب المجتمع ولا نعترف بأننا من سكان الدار وندعي الانتساب لإحدى القبائل، كما أن سوء المعاملة حول الكثيرين منا إلى قنابل موقوته.(2/47)
وبرر عدوانية الأيتام ولجوئهم إلى العنف لغياب من ينصفهم في المجتمع وافتقادهم إلى الرعاية الأسرية والحنان معتبراً أن الموظف يؤدي عمله ليحصل على مرتب في نهاية الشهر ولا يمكن أن يقوم بدور الأب.
والمعاملة لا تتم بشكل مقنع بل تغلب عليها القسوة مما يؤدي بهم إلى ردة الفعل السلبية، ورأى أن كفالة الأسر لهم تزيد من شعورهم بالغربة فعندما يصل أحدهم إلى سن البلوغ تحتجب عنه نساء الأسرة التي تكفله فيشعر كأنه فقد أسرته مرتين.
وعلق زميل لهم على ما ذكروه قائلا: القسوة التي نتعرض لها في التربية تجعل الكثير منا عرضة للجوء للمخدرات التي تجعلنا نهجس بالانتقام ممن أساء لنا.
وطالب الأيتام بتأهيل وتعيين مشرفين من نفس أبناء الدار؛ لأنهم سيكونون أقدر على تفهم أوضاع المقيمين فيها، وأشاروا إلى تجربة ناجحة، تم تطبيقها في دار الأيتام بالمدينة المنورة، خاصة وأن اليتيم يكون عرضة للاستغلال الجنسي، والنفسي، لتلبية احتياجاته المادية من مالٍ وملابس، والنفسية من حب ورعاية وحنان، وباعتبار المراقب صاحب أهم دور في مراكز الرعاية، فإنه يتعين أن يكون من الأيتام.
-…مقتطفات واعترافات جريحة.
1-…لم يعبأوا كثيراً بنشر صورهم أو إعلان أسمائهم الحقيقية، ولم يتكتموا على شيء بدافع الخوف من الفضيحة، معتبرين كل هذا أقل ضرراً من حال الضياع التي يشعرون بها ويعيشونها.
2-…تلقيهم الكثير من الإهانات اليومية، حيث تطاردهم اللعنات، وترشقهم الألفاظ النابية، ويمقتهم الناس، محملين هؤلاء الذين لا ذنب لهم، جريرة لم يقترفوها.
3-…قال: اكتشفت يتمي في العاشرة تحديداً، كنت في الصف الثالث الابتدائي، عندما أخبرتني المربية.
4-…كنت ألوذ بالصمت القاتل، عندما أرى جميع أقراني يتحدثون عن أمهاتهم وآبائهم وأشقائهم، وكنت فقط أتخيل ما يحدث في إطار العائلة، من: محبة، ودفء، واهتمام، ورعاية، وسواها من العواطف.(2/48)
5-…يحلم بالهجرة إلى الغرب، وتحديداً فرنسا، يقول: هناك، يعيش الكثيرون من دون أن يعرفوا آباءهم حياة طبيعية، ولا ينظر إليهم المجتمع تلك النظرة القاسية التي نشعر بها، تجلدنا كما تفعل السياط!! فالناس في مجتمعنا يتعاملون معنا كما لو أننا نحمل الطاعون .. جريرتنا الوحيدة أننا وجدنا أنفسنا هكذا!.
6-…معرفتي بأني يتيم سبب شقائي وضياعي وتعاستي بقية عمري، إذ أخبرني أحدهم بأني دون أب أو أم أو اسم حقيقي أو لقب عائلي .. بعد هذه المعرفة القاتلة بحقيقة وضعي، فقدت اهتمامي بالتحصيل الدراسي.
7-… كنت أخفي عن أبناء الحي الذي تقع فيه المؤسسة "حقيقتي"، خشية السخرية مني، ومخافة أن يتم دفعي إلى طريق الانحراف، واستغلال ظروفي استغلالاً بشعاً!!.
8-…أصبحت ألجأ إلى العمائر المهجورة لقضاء الليل، وتحديداً عندما تم طردي من السكن في الدار، عقاباً على هربي من سكن المؤسسة.
9-…لن أنسى أبدا حياة التشرد التي كان لها دور كبير في مأساتي.
10-…طرح العديد من الأسئلة علي من قبل زملائي في المدرسة، وهي أسئلة تتقصى حقيقة وضعي، وتبحث في أصلي وفصلي، وتتناول أبي، وهي الأسئلة التي لم أستطع أن أعثر لها على إجابة.
11-…صرت أكثر ميلاً للعزلة، وصرت عدوانياً، وانقطعت عن الدراسة بحجة تغيير مجرى حياتي التي اعتبرتها تعيسة وتكوين أسرتي الخاصة !! ولكن كل هذا كان مجرد وهم كبير.
12-…كلمة يتيم في المجتمع تعني "اللقيط"، ولا أنسى موقفاً، حين تقدمت مع زملاء لي، بشكوى لرجال الأمن، ضد أشخاص تشاجروا معنا، فسألنا المحقق عن مقر السكن؛ ليكتبه في المحضر، وحين ذكرنا دار الأيتام، قال: تقصدون سكن اللقطاء.
13-…شماتة الكثيرين من لفظ "الإخوة" الذي نستعمله فيما بيننا؛ لاختلاف ألوان بشراتنا. الأمر الذي يجعلنا نتجنب المجتمع؛ ولا نعترف بأننا من سكان الدار؛ وندعي الانتساب لإحدى القبائل.
14-…سوء المعاملة حول الكثيرين منا إلى قنابل موقوته.(2/49)
15-…وبرر عدوانية الأيتام، ولجوئهم إلى العنف؛ لغياب من ينصفهم في المجتمع، وافتقادهم إلى الرعاية الأسرية والحنان، معتبراً أن الموظف يؤدي عمله؛ ليحصل على مرتب في نهاية الشهر، ولا يمكن أن يقوم بدور الأب، والمعاملة لا تتم بشكل مقنع، بل تغلب عليها القسوة، مما يؤدي بهم إلى ردة الفعل السلبية.
16-… كفالة الأسر لهم تزيد من شعورهم بالغربة، فعندما يصل أحدهم إلى سن البلوغ، تحتجب عنه نساء الأسرة التي تكفله، فيشعر كأنه فقد أسرته مرتين.
17-…القسوة التي نتعرض لها في التربية تجعل الكثير منا عرضة للجوء للمخدرات، التي تجعلنا نهجس بالانتقام ممن أساء لنا.
*…*…*
| 1 | 2 | 3 |
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7240
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - محبطات الأعمال [4/4]
دراسات علمية رسائل جامعية
محبطات الأعمال [4/4]
توفيق علي
………
12/4/1427
10/05/2006
- من صور الظلم.
- الحسد
- المؤمن الكامل
- من أقوال السلف
- الغيبة
- ثناء الناس لا يحبط العمل
من صور الظلم :
1- أكل مال اليتيم ظلماً : قال تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا" [النساء:10].
2-…المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء : عن همام بن منبه أخي وهب بن منبه أنه سمع أبا هريرة – رضي الله عنه - يقول قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - مطل الغني ظلم (1) .
3-…ظلم المرأة حقها من صداقها ونفقتها وكسوتها .
عن ابن مسعود قال :" يؤخذ بيد العبيد أ والأمة يوم القيامة فينادي به على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه .فال :فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أ وأخيها أ وزوجها ثم قرأ :" فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ".(2/50)
وقال تعالى : "يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه"ِ [عبس:34]. قال القرطبي – رحمه الله – :" أي يهرب, أي تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه، وأمه وأبيه .قيل: إنما يفر حذراً من مطالبتهم إياه, لما بينهم من التبعات".
4-…أن يستأجر أجيراً أ وإنساناً في عمل ولا يعطيه أجرته : عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول –صلى الله عليه وسلم- قال: الله ثلاثة أنا خصمهم في القيامة ومن كنت خصمه اخصمه رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره (2) .
5-…الركون إلى الظلمة ومداهنتهم : عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "سيكون من بعدي أمراء يغشاهم غواش من الناس فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأنا منه بريء وه ومني بريء ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأنا منه وه ومني (3) .
قال سعيد بن المسيب – رحمه الله - :" لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تُحبط أعمالكم الصالحة ".
قال أحد الشعراء :
توق دعا المظلوم إن دعاءه*** ليرفع فوق السحب ثم يجاب
توق دعا من ليس بين دعائه*** وبين إله العالمين حجاب ثامناً : الحسد :
قال تعالى :"أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ" [النساء:54].
الحسد : تمني زوال النعمة عن صاحبها، سواء كانت نعمة دين أ ودنيا .
والحسد :مركوز في طباع البشر، وه وأن الإنسان يكره أن يتفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل " (4) .
أقسام الحسد :
قال النووي :" الحسد قسمان : حقيقي ومجازي .
أما الحقيقي :" تمني زوال النعمة عن صاحبها، وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة .(2/51)
قال ابن رجب – رحمه الله - :" وهو شرهما وأخبثهما، وهذا هو الحسد المذموم المنهي عنه، وهو ذنب إبليس حيث حسد آدم – عليه السلام - لما رآه قد فاق على الملائكة، بأن خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخراجه من حتى أُخرج منها" (5) .
أما المجازي: فه والغبطة، وه وأن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة" (6) .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق. ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلمها" متفق عليه.
قال السعدي – رحمه الله - :" وأعظم من يغبط: من كان عنده مال قد حصل له من حِلَّه، ثم سُلّط ووفق على إنفاقه في الحق، في الحقوق الواجبة والمستحبة؛ فإن هذا من أعظم البرهان على الإيمان، ومن أعظم أنواع الإحسان.
ومن كان عنده علم وحكمة علمه الله إياها، فوفق لبذلها في التعليم والحكم بين الناس. فهذان النوعان من الإحسان لا يعادلهما شيء.
الأول: ينفع الخلق بماله، ويدفع حاجاتهم، وينفق في المشاريع الخيرية، فتقوم ويتسلسل نفعها، ويعظم وقعها.
والثاني: ينفع الناس بعلمه، وينشر بينهم الدين والعلم الذي يهتدي به العباد في جميع أمورهم: من عبادات ومعاملات وغيرها.(2/52)
ثم بعد هذين الاثنين: تكون الغبطة على الخير، بحسب حاله ودرجاته عند الله. ولهذا أمر الله تعالى بالفرح والاستبشار بحصول هذا الخير، وإنه لا يوفق لذلك إلا أهل الحظوظ العظيمة العالية. قال تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُ وخَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" [يونس:58]، وقال: "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُ وحَظٍّ عَظِيمٍ"[فصلت:34-35].
وقد يكون من تمنى شيئاً من هذه الخيرات، له مثل أجر الفاعل إذا صدقت نيته، وصمم عن عزيمته أن لو قدر على ذلك العمل، لَعَمِلَ مثله، كما ثبت بذلك الحديث. وخصوصاً إذا شرع وسعى بعض السعي" (7) .
المؤمن الكامل :
قال ابن رجب – رحمه الله - :"إذا وجد من نفسه الحسد، سعى في إزالته وفي الإحسان إلى المحسود بإسداء الإحسان إليه، والدعاء له، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وُجِدَ في نفسه من الحسد حتى يبدله بمحبة أن يكون أخوه المسلم خير منه وأفضل، وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (8) .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال لا يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله وقيح جهنم ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد (9) .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال :" إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب " (10) .(2/53)
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - :" سيصيب أمتي داء الأمم قالوا : يا نبي الله، وما داءُ الأمم ؟ قال " الأشر، والبَطَر، والتكاثر، والتنافس في الدنيا، والتباغض، والتحاس،د حتى يكون البغي ثم الهرج " (11) .
من أقوال السلف :
قال عبد الله بن مسعود: لا تُعَادوا نعم الله. قيل له: ومن يُعَادي نعم الله ؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
يقول الله تعالى في بعض الكتب: الحسود عدو نعمتي مُتسخِط لقضائي غير راض بقسمتي.
ومن الشعر قال منصور الفقيه:
ألا قل لمن ظل لي حاسداً *** أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه *** إذا أنت لم ترض لي ما وهب ويقال: الحسد أول ذنب عُصِيَ الله به في السماء, وأول ذنب ُعصِيَ به في الأرض; فأما في السماء فحسد إبليس لآدم, وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل.
ولأبي العتاهية في الناس:
فيا رب إن الناس لا ينصفونني *** فكيف ولو أنصفتهم ظلموني
وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه *** وإن شئت أبغي شيئهم منعوني
وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم *** وإن أنا لم أبذل لهم شتموني
وإن طرقتني نكبة فكهوا بها *** وإن صحبتني نعمة حسدوني
سأمنع قلبي أن يحن إليهمـ و*** وأحجب عنهم ناظري وجفوني وقيل: إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك.
ولرجل من قريش:
حسدوا النعمة لما ظهرت *** فرموها بأباطيل الكلم
وإذا ما الله أسدى نعمة *** لم يضرها قول أعداء النعم ولقد أحسن من قال:
اصبر على حسد الحسود *** فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها *** إن لم تجد ما تأكله وقال الشاعر:
إن الغراب وكان يمشي مشية *** فيما مضى من سالف الأحوال
حسد القطاة فرام يمشي مشيها *** فأصابه ضرب من التعقال تاسعاً :الغيبة :(2/54)
تعريف الغيبة : عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته (12) .
الغيبة مُضِّيعة للحسنات :
قال جعفر بن محمد:" إذ بلغك عن أخيك ما يسوؤك، فلا تغتم، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عُجِّلت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنةً لم تعملها " (13) .
وقال عبد الرحمن بن مهدي :" لولا أنَّي أكره أن يُعصى الله، لتمنيت أن لا يبقى أحد في المصر إلا اغتابني ! أي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته لم يعمل بها؟ !" (14) .
من لم يغتب أحد قط :
قال أبو عاصم :" منذ عقلت أن الغيبة حرام، ما اغتبت أحدا قط " (15) .
وقال البخاري :" ما اغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها" (16) .
علاج الغيبة :
قال عبد الله بن وهب: "نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركتُ الغيبة " (17) .
ثناء الناس لا يحبط العمل :
عن أبي ذر. قال : قيل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال " تلك عاجل بشرى المؤمن" (18) .
قال النووي :" قال العلماء: معناه : هذه البشرى المعجلة له بالخير وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق، ثم يوضع له القبول في الأرض، هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرُض منه لحمدهم وإلا فالتعرُض مذموم".
وقال الشيخ السعدي – رحمه الله – في كتابه بهجة قلوب الأبرار :" أخبر –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: أن آثار الأعمال المحمودة المعجلة أنها من البشرى؛ فإن الله وعد أولياءه – وهم المؤمنون المتقون – بالبشرى في هذه الحياة وفي الآخرة.(2/55)
و"البشارة" الخبر أ والأمر السار الذي يَعرف به العبد حسن عاقبته، وأنه من أهل السعادة، وأن عمله مقبول.
أما في الآخرة فهي البشارة برضى الله وثوابه، والنجاة من غضبه وعقابه، عند الموت، وفي القبر، وعند القيام إلى البعث يبعث الله لعبده المؤمن في تلك المواضع بالبشرى على يدي الملائكة، كم تكاثرت بذلك نصوص الكتاب والسنة، وهي معروفة.
وأما البشارة في الدنيا التي يعجلها الله للمؤمنين؛ نموذجاً وتعجيلاً لفضله، وتعرفاً لهم بذلك، وتنشيطاً لهم على الأعمال فأعمها توفيقه لهم للخير، وعصمته لهم من الشر، كما قال –صلى الله عليه وسلم- : "أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة".
فإذا كان العبد يجد أعمال الخير ميسرة له، مسهلة عليه، ويجد نفسه محفوظاً بحفظ الله من الأعمال التي تضره، كان هذا من البشرى التي يستدل بها المؤمن على عاقبة أمره؛ فإن الله أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين. وإذا ابتدأ عبد بالإحسان أتمه. فأعظم منة وإحسان يمن به عليه إحسانه الديني. فيُسرّ المؤمن بذلك أكمل سرور: سرور بمنة الله عليه بأعمال الخير، وتيسيرها؛ لأن أعظم علامات الإيمان محبة الخير، والرغبة فيه، والسرور بفعله. وسرور ثان بطمعه الشديد في إتمام الله نعمته عليه، ودوام فضله.
ومن ذلك ما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: إذا عمل العبد عملاً من أعمال الخير – وخصوصاً الآثار الصالحة والمشاريع الخيرية العامة النفع، وترتب على ذلك محبة الناس له، وثناؤهم عليه، ودعاؤهم له - كان هذا من البشرى أن هذا العمل من الأعمال المقبولة، التي جعل الله فيها خيراً وبركة.
ومن البشرى في الحياة الدنيا، محبة المؤمنين للعبد: لقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا" [مريم:96] أي محبة منه لهم، وتحبيباً لهم في قلوب العباد.(2/56)
ومن ذلك الثناء الحسن؛ فإن كثرة ثناء المؤمنين على العبد شهادة منهم له. والمؤمنون شهداء الله في أرضه.
ومن ذلك الرؤيا الصالحة يراها المؤمن، أو تُرى له؛ فإن الرؤيا الصالحة من المبشرات.
ومن البشرى أن يقدر الله على العبد تقديراً يحبه أو يكرهه. ويجعل ذلك التقدير وسيلة إلى إصلاح دينه، وسلامته من الشر".
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال:- " قال رجل: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل فيسره فإذا اطلع عليه أعجبه، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : له أجران: أجر السر وأجر العلانية" (19) .
وقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث: " إذا اطلع عليه فأعجبه" :
إنما معناه : أن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : "أنتم شهداء الله في الأرض" فيعجبه ثناء الناس عليه لهذا.
فأما إذا أعجبه ليعلم الناس منه الخير ويُكّرم ويُعظّم على ذلك فهذا رياء .
وقال بعض أهل العلم: إذا اطلع عليه فأعجبه رجاء أن يُعمل بعمله، فتكون له مثل أجورهم، فهذا له مذهب أيضاً.
1 2 3 4 (1) صحيح البخاري، الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (ج1/18)، رقم 2270.
(2) صحيح بن حبان، (ج1/189)، رقم 7339.
(3) صحيح ابن حبان، البر والإحسان (ج1/419)، رقم 286.
(4) جامع العلوم والحكم، (ج2/260).
(5) جامع العلوم والحكم، (ج2/262).
(6) صحيح مسلم بشرح النووي.
(7) بهجة قلوب الأبرار، السعدي، ( ص123).
(8) المرجع السابق .
(9) صحيح ابن حبان، (ج1/383 )،رقم الحديث (4606).
(10) رواه أب وداود، رقم(4903).
(11) رواه الحاكم، (ج4/168).صححه الحاكم ووافقه الذهبي .
(12) صحيح مسلم، باب: تحريم الغيبة، ( ج1 /100)، رقم( 89).
(13) نزهة الفضلاء، (ج2/648).
(14) نزهة الفضلاء، (ج2/817).
(15) نزهة الفضلاء، ( ج2/836).
(16) نزهة الفضلاء، (ج3/1016).
(17) نزهة الفضلاء، ( ج2/819).(2/57)
(18) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره،(2642).
(19) سنن الترمذي، بواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،رقم (2491). هذا حديث غريب.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7251
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - أحكام الإذن الطبي [2/3]
دراسات علمية رسائل جامعية
أحكام الإذن الطبي [2/3]
د. عبد الرحمن بن أحمد الجرعي
………
15/4/1427
13/05/2006
- الأذن الخاص والإذن العام:
- الإذن الشفوي والإذن المكتوب
- من لا يعتبر إذنه
-إذن الأولياء
الأذن الخاص والإذن العام:
ينقسم الأذن الطبي إلى نوعين:
أولا: الأذن المقيد ( الخاص ):
وفيه يفوض المريض الطبيب بإجراء طبي محدد كالختان، أو جراحة استئصال اللوزتين، أو علاج ورم ما، في جسده (1) .
وهذه الصفة من الإذن هي الأصل , ولا إشكال في جوازها شرعا مادامت صادرة من صاحب الحق في الإذن وهو المريض, أو من ولية إن لم يكن أهلا للإذن (2) .
ثانيا: الإذن المطلق ( العام ):
وفيه يفوض المريض الطبيب بالإجراء الطبي الذي يكون مناسبا دون تقييد وذلك كقوله ( أذنت لك بعلاجي حسب ما تستدعي حالتي ) .
وهذا النوع من الإذن يطلبه الأطباء في حالة خوفهم من وجود أمراض تحتاج إلى جراحة مفاجئة لم يكن يعلم عنها المريض , بل ولا الطبيب إلا بعد مباشرة العمل الجراحي .
فيحتاط الطبيب بأخذ هذا النوع من الإذن المطلق لكي يستطيع المعالجة دون تردد أو خوف من المسؤولية (3) .
ومثاله: أن يكون الطبيب قد حدد له الإذن باستئصال الزائدة الدودية ( Appendectomy ) مثلا فيجد نفسه أمام سرطان في البطن ( Abdominal Cancer ) أو حمل خارج الرحم ( Ectopic Pregnancy ) (4) .(2/58)
وفي مثل هذا النوع ينبغي أن تقيد الأذن بما فيه مصلحة للمريض فلو فعل مالا مصلحة فيه للمريض أو فعل ما ليس له فعله فهو ضامن , ويجب تقييد هذا الإذن بالمعتاد من الأعمال.
وإذا بدأ الطبيب الجراح العملية بإذن مقيد ( خاص ) , ثم وجد نفسه مضطراً إلى إجراء جراحي آخر , فإن كان ولي أمر المريض حاضراً أخذ الإذن منه , وإلا نظر الجراح في الحالة , فإن كانت لا تحتمل التأجيل , أو كان في تركها خطر على حياة المريض جاز له إتمام الجراحة بما يراه مناسباً دون انتظار الإذن (5) .
لأن الأذن هنا متعذر, ودرءا لمفسدة هلاك المريض فيجوز إجراء العملية بلا إذن في هذه الحالة وأرى أن يكون تصرّف الطبيب هذا مؤيداً برأي لجنة طبية تقدر بقدر الإمكان لمزيد التوثيق من صحة قرار الطبيب, والله أعلم , ويجب على الطبيب هنا أن يسجل في تقرير العملية الأسباب التي دعته لهذا الإجراء الجراحي غير المأذون به (6) .
لكن إذا وجد الطبيب أن حالة المريض تحتمل التأجيل فهل له أن يجري هذه العملية الجراحية التي لم يأذن بها المريض؟
أشار بعض الباحثين: إلى أن الطبيب في هذه الحالة مخير بين إجراء العملية وبين تأجيلها فإن أجراها فليس عليه شيء مادام لها مسوغ طبيّ , إن كان إتمامها أصلح للمريض , أو كان تأجيلها يعرّضه لأخطار التخدير والجراحة مرة أخرى (7) .
والذي يظهر لي والله أعلم أن جواز إجراء العملية في هذه الحالة ينبغي أن يكون مقيدا بما إذا كان سيترتب على تركها خطر محقق أو غالب في المستقبل , وليس مجرد المسوغ الطبي , لأن جواز إجراء مثل هذه العملية بدون إذن المريض إنما كان على خلاف الأصل وهو وجوب إذن المريض فلا يتجاوز به حالات الخطر المحتملة , سداً لذريعة التساهل والتوسع في إجراء مثل هذه العمليات , والله أعلم .
الإذن الشفوي والإذن المكتوب.
أولاً :ا الإذن الشفوي:(2/59)
هناك من المعالجات مالا يحتاج إلى إذن مكتوب فيكتفى فيه بالإذن الشفوي , لعدم خطورة هذه الفحوصات والمعالجات على جسم المريض في العادة, ومن أمثلة ذلك:
تحليل الدم، والبول, والبراز, والبصاق, والأشعة العادية التي ليس فيها أي تدخل في جسم المريض وخلع الأسنان ومعالجة الفم ونحوها مما يتم في العيادة دون الحاجة إلى دخول المستشفى أو إعطاء المخدر العام أو النصفي.
ثانياً: الإذن المكتوب:
يرى الدكتور البار أن الإذن المكتوب من المريض البالغ العاقل أو إذن ولي المريض القاصر أو المجنون أو المغمى عليه ينبغي الحصول عليه في الأمور التالية:
1. أي عملية جراحية ما عدا خلع الأسنان ومعالجة الفم التي في العيادة ودون الحاجة لدخول المستشفى أو إعطاء المخدر.
2. إعطاء أي مخدر وخاصة إذا كان التخدير عاما أو نصفياً.
3. إجراء فحوصات فيها تدخل في جسم المريض Invasive مثل المناظير للجهاز الهضمي أو البولي أو التناسلي , ومثل أخذ عينه من الكبد أو الكلى أو الأمعاء أو الرئتين ... ومثل القسطرة لشرايين القلب أو غيرها من الأوعية الدموية ومثل إجراء الأشعة التي فيها تدخل في جسم المريض.
4. إجراء أي علاج كيماوي لمعالجة السرطان أو علاج بالأشعة .
5. تصوير المريض بالآلة التصويرية أو الفيديو وخاصة إذا كان التصوير يشمل الوجه أما تصوير العمليات الجراحية أو غيرها التي لا توضح الوجه الذي يستدل به على الشخص فلا تحتاج إلى إذن
6. إذن المريض في الاستفادة من الأنسجة التي تم إزالتها أثناء عملية أو بعد ولادة, كالاستفادة من المشيمة أو من السقط الذي نزل ميتا لاستعماله في زرع الأعضاء, أو تحنيطه ووضعه في محلول (الفورمالين) لدراسته وتعليم طلبة الطب ليتعرفوا على أنواع الأمراض .
ولا حاجة للإذن في الأنسجة والإفرازات التي قد تشكل خطرا على الصحة العامة , والتي يجب التخلص منها فينبغي الالتزام بالإجراءات التي تفرضها الأنظمة الصحية في هذه الحالة (8) .(2/60)
ثالثا: الإذن بالإشارة:
فإذا كانت إشارة المريض مفهومة اعتبرت في الإذن أو عدمه لما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت " لددنا (9) رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار أن لا تلدوني, فقلنا كراهية المريض للدواء , فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني , لايبقى منكم أحد إلا لُد , غير العباس فإنه لم يشهدكم" (10) فلإشارة منه صلى الله عليه وسلم لما كانت مفهومة لهم , اعتبرها كالتصريح برفض العلاج. والله أعلم .
من لا يعتبر إذنه:
وهم أربعة:
الأول: إذن الصغير:
إذا عالج الطبيب صبياً بإذنه أو بإذن غير وليّه, فأصابه شيء بسبب هذه المعالجة فهو ضامن (11) وذلك لأن الصبي ليس أهلية الإذن بالمعالجة , فلا بد من إذن وليه , والطبيب ضامن في هذه الحالة , لأنه فعل فعلاً غير مأذون فيه (12) .
هذا هو الحكم من حيث الأصل, ويستثنى من ذلك الحالات التي جرى العرف فيها بالمسامحة وعدم استئذان الأولياء , فالعرف معتبر, عملاً بالقاعدة المعروفة " العادة محكمة" (13) .
ومن أمثلة ذلك: المعالجات البسيطة التي لا خطر في فعلها, وكذلك ما جرى به العرف من إذن الأولياء بمعالجة أبنائهم عندما يحتاجون للعلاج أثناء فترة الدراسة.
وبالتالي فلا حرج ولا مسؤولية على الطبيب لو أقدم على العلاج في هذه الحالة في هذه الحالات المستثناة (14) .
الثاني: المكره:
فالمكره فاقد الاختيار. وقد سبق الكلام عن أخذ الإذن الطبي تحت ضغط الإكراه عند الحديث عن مشروعية الإذن الطبي (15) .
الثالث: المغمى عليه أو فاقد الوعي:
سواء كان ذلك فقدانً مؤقتاً بنوم أو مرض أو دواء أو حادثة أو سكر أو تخدير, أو فقداناً دائما بسبب مرض من الأمراض . لعموم الحديث" رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ ,وعن المبتلى- وفي رواية :وعن المجنون- حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر" (16) .
الرابع: المجنون: سواء أكان الجنون وفقدان الإدراك والعقل دائما أو مؤقتا , للحديث السابق (17) .(2/61)
إذن الأولياء:
وتحته مسألتان:
المسألة الأولى: اعتبار إذن الأولياء: من حكمة الشريعة أنها اعتبرت الولاية على الغير عند الاحتياج إليها كما في حال السفيه والصبي والمجنون فإن هؤلاء لا يحسنون التصرف لأنفسهم إما بالكلية أو لا يحسنونه على نحو مرضيّ .
وقد رأينا في المبحث السابق أن الصغير والمجنون ونحوها لا يعتبر إذنهما لأنهما لا يحسنان التصرف, واعتبار إذنهما في هذه الحالة فيه ضرر وغبن عليهما .
وكان من حكمة الشارع أن اعتبر إذن وليهما الذي ينوب عنهما في اختيار ما يصلح أمرهما, ولم يكلفهما شططا , ويأمرهما بالانتظار وحتى البلوغ أو الإفاقة, لما في ذلك من تفويت مصالحهما وحصول الضرر عليهما.
فكان ذلك – أي اعتبار الولي – محققا لمصالح الصبي والمجنون ورافعاً للمفاسد المترتبة على عدم وجود هذه الولاية (18) .
وقد نص ابن قدامه – رحمة الله – على اعتبار إذن الولي في حال عدم أهلية المريض للإذن فقال "وان ختن صبياً بغير إذن وليه , أو قطع سلعة (غدة) من لسانة بغير إذنه, أو من صبي بغير أذن وليه, فسرت جنايته ضمن , لأنه قطع غير مأذون فيه (19) .
ومفهوم الكلام السابق أن القطع إذا كان بإذن الولي فهو جائز , وهذا يدل على اعتبار إذن الولي على المريض إذا لم يكن أهلاً لإعطاء الإذن (20) .
المسألة الثانية: ترتيب الأولياء في الإذن: يكون ترتيب الأولياء في الإذن بحسب قرابتهم من المريض فالأقرب أولى من الأبعد , فالأبناء أحق القرابة لأن التعصيب بالبنوة مقدم على غيره , ثم الأبوة ويقدم فيها الأب على الأم , لأن ولاية الأب أقوى من ولاية الأم كما أشار إليه بعض الحنفية (21) .
ويقوم مقام الأب الجد وإن على, ثم الإخوة الأشقاء ثم الاخوة لأب, ثم بنو الإخوة الأشقاء ثم بنو الإخوة لأب, ثم الأعمام الأشقاء ثم الأعمام لأب, ثم بنو الأعمام الأشقاء ثم بنو الأعمام لأب.(2/62)
وقد اعتبر الفقهاء يرحمهم الله الترتيب السابق في الإرث وهو مبني على قوة التعصيب (22) .
قال الدكتور محمد المختار الشنقيطي " ونظراً لكونه – أي الترتيب السابق بيناً على مراعاة قوة القرب فإنه لا مانع من اعتباره في مسألة الإذن هنا , لأن الترتيب فيها مبني على قوة القرب كالحال في الإرث , وقد اعتمد الفقهاء – رحمهم الله – في ترتيبهم القرابة في بعض المسائل على ترتيبهم في الميراث كما في مسألة تكفين الميت وغسله والصلاة عليه (23) .
وبناءً على هذا الترتيب فإنه لا يرجع إلى القريب الأبعد في حال وجود من هو أقرب للميت " اهـ
ويظهر لي والله أعلم – وجاهة ما ذكره الشيخ الفاضل , إلا أنني أرى تقديم ولاية الزوج لزوجته عند الحاجة - كما لو أغمي عليها – على جميع الأقارب لما يلي:
1. ما ورد من النصوص بشأن عظم حق الزوج وتقديم أمره على غيره كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" (24) .
2. أن له ولاية على هذه الزوجة .
3. ما بين الزوجين من المودة والرحمة التي امتن الله بها في قوله تعالى: "وجعل بينكم مودة ورحمة:. (25) والله أعلم
| 1 |2|
(1) انظر : أحكام الجراحة ص 277 , والموسوعة الطبية الفقهية ص 55 .
(2) انظر : آل الشيخ مبارك : قيس بن محمد , التداوي والمسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية , ص 198 .
(3) انظر : أحكام الجراحة ص 227 .
(4) انظر : الموسوعة الطبية الفقهية , ص 55 .(2/63)
(5) انظر : الموسوعة الطبية الفقهية , ص 55 , ويرى الدكتور قيس آل الشيخ مبارك أن هذا الأمر يُعد من الإذن بالدلالة , لأنا نعلم يقيناً أن أحداً من الناس لا يرضى بإتلاف نفسه ومنافعه وأمواله , ولا يرضى أيضاً بتعريضها للهلاك والتلف , وعدم , رضاه بذلك ينبئ بإذنه في كل ما يكون سبباً في بقائها والحفاظ عليها , ولا شك أن عمل الطبيب هنا فيه حفاظ على حياة المريض وإبقاء بصحته في حالة نفسية حسنة ولذلك فإن فعله يعتبر مأذون فيه دلالة ( انظر : التداوي والمسؤولية الطبية , ص 206 ) .
(6) انظر : الموسوعة الطبية الفقهية , ص55.
(7) انظر : الموسوعة الطبية الفقهية , ص 50 .
(8) انظر: البار : المسؤولية الطبية 87 .
(9) أي جعلنا في جانب فمه دوءاه بغير إرادته ، (ابن حجر ، فتح الباري 8/147)
(10) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته . انظر صحيح البخاري مع الفتح (8/147) .
(11) ابن قاضي سماوة : محمود بن محمد بن اسماعيل , جامع الفصولين , 2 / 186, المطبعة الأزهرية – مصر , الدسوقي، الحاشية على الشرح الكبير 4 / 355 دار إحياء الكتب العربية المصرية , الشافعي : محمد بن إدريس , ألام , 6 / 53 , مكتبة المعارف – الرياض , والمرداوي , الإنصاف , 6 / 75 وقيس آل الشيخ مبارك , التداوي والمسؤولية الطبية ص 209 .
(12) انظر : ابن قدامة , المغني , بتحقيق : د . عبدالله التركي , د . عبد الفتاح الحلو، 8/117، دار هجر – القاهرة.
(13) انظر : السيوطي , جلال الدين , الأشباه والنظائر , 89 .
(14) انظر : التداوي والمسؤولية الطبية ( مرجع سابق ) ص 210 , 211 .
(15) انظر : ص 6 من هذا البحث .
(16) أخرجه أبو داود في سننه ، كتاب الحدود ، باب: في المجنون يسرق أو يصيب حدا ، 4/558 ، والحديث صحيح كما قاله الألباني في إرواء الغليل 2/4 .
(17) انظر : البار : المسؤولية الطبية وأخلاق الطبيب , ص 79(2/64)
(18) أحكام الجراحة ( مرجع سابق ) ص 230 , 231 .
(19) المغني ( مرجع سابق ) 8/117.
(20) انظر : أحكام الجراحة ص 230 .
(21) انظر : الفتاوى الهندية 5 / 357 , وأحكام الجراحة ص 231 .
(22) انظر : الفوزان : صالح , التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية , ص 114 , 115 , وأحكام الجراحة ص 231 , 232 .
(23) انظر : أحكام الجراحة , ص 232 .
(24) أخرجه الترمذي في جامعه , كتاب الرضاع , باب : ماجاء في حق الزوج على المرأة , 3/465 وقال الترمذي عنه: حديث حسن غريب . وصححه الألباني . انظر: صحيح الجامع 2/937
(25) سورة الروم آية 21 .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7265
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - المجروح!! [2/3]
دراسات علمية رسائل جامعية
المجروح!! [2/3]
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
………
17/4/1427
15/05/2006
مساحة الجرح
كيف حصل هذا الجرح
أطراف الجناية ، المتسببون لها!
- مساحة الجرح.
من كلام هؤلاء المكسورين ندرك أبعاد وآثار هذا الجرح:
- فمن طفولة محرومة من: الأبوين، والإخوة، والأقرباء. محرومة من الأسرة والبيت..
- إلى ألم نفسي، وجرح عميق يكبر مع العمر واكتشاف الحقيقة.
-…ومن عجز عن تصور ماهية وكيفية العلاقة الأسرية، ودفء الأمومة، وعاطفة الأبوة..
-…إلى إحباط وتحطيم نفسي، ورغبة عن: الجد، والاجتهاد، والتحصيل.
-…ومن نظرة سيئة من المجتمع، وإهانة وشتم يجرح الجرح نفسه، فيزيد في ألمه..
-…إلى خوف من استغلال الآخرين لهم، لضعفهم وانعدام السند والعضد.
-…ومن انعدام الحاضن والراعي، واللجوء إلى البيوت المهجورة، والانحراف الخلقي..
-…إلى الميل إلى العدوانية، والانتقام.
-…ومن الغربة، والوحشة، والوحدة القاتلة..(2/65)
-…إلى الرغبة في الهجرة إلى دول أوربية، غير مسلمة، لا تعير للأسرة قيمة، ولا تشترط لتقدير الإنسان واحترامه: ولادته من طريق شرعي؛ لعله يسترد شيئا من كرامة مفقودة، ويداوي نفسا مجروحة. مع ما قد يتعرض له من الفتنة في الدين؛ بالكفر بعد الإيمان..!!.
هي جروح، وليست واحدة: جرح في النفس، وجرح في العزة والكرامة، وفي العلاقة بالمجتمع.
فمن المتسبب في هذا القدر الكبير من الجروح المتشابكة، المتداخلة، الدائمة، التي إن حل بعضها، فبعضها الآخر لن يحل أبدا ؟.
إنها من قبيل النار إذا أحرقت شيئا، فكل شيء له علاج إلا الموت، والحرق .. ؟.
*…*…*
كيف حصل هذا الجرح؟!.
ما ورد مؤلم، ومؤسف، ومحزن؛ فإنسانيتهم مظلومة، منتهكة، مجروحة جرحا لا يزول.. نعم لا يزول، وكيف له أن يزول ؟!!. وإن أول ما يقوله القائل هنا:
-…من الذي جنى عليهم، فجرحهم هذا الجرح البليغ ؟، وهل يمكن القَوَد منه ؟.
الذي جرحهم: نصل حادّ؛ نافذ، قاطع، يهتك هو: العلاقة الجنسية المحرمة (= الزنا).!!.
والقصة تبدأ من النفس، التي جعل فيها غريزة الشهوة للجنس، والتلذذ به، وبها مال الذكر إلى الأنثى، والأنثى إلى الذكر . ولم يكن هذا الميل – في أصله – معيبا؛ إذ به تتحقق: المودة، والرحمة، والسكن، والتناسل. إنما العيب إذا اتخذ للتعبير عنه وسيلة غير مشروعة، هو: الزنا. دون الوسيلة المشروعة: الزواج.
وفي هذه القصص الجريحة: اتخذت وسيلة غير مشروعة..؟!.
ليس شيء يحدث فجأة، بل بمقدمات، فقد كان لهذا الميل غير المشروع مقدمات، أغرت به، هي كذلك غير مشروعة، من : نظرة – فتقارب – فكلام – فغزل – فلين – فميل وتعلق – فموعد – فلقاء – فعلاقة آثمة أنتجت: طفلا مجروحا..!!. من قبل اثنين، هما رجل وامرأة، التقيا على سخط الرب تعالى، وافترقا عليه، وتحملا جروح وآلام هذا الوليد الضعيف؛ الذي يفترض أنه ولد لهما، لو كان من طريق مشروع.(2/66)
كلاهما اشتركا في هذه المقدمات عن قصد ودراية بالعواقب، وكان لكل منهما في هذه الجناية نصيب.
ولم يكونا وحدهما صاحبا هذه الجناية، بل كانا الممثلان المنفذان لخيوطها الأخيرة، المتصلان بها مباشرة:
-…ومن ورائهما الذي نسج، وخطط، وأحب هذا المشهد، وتمناه وسعى إلى إيقاع الجنسين فيه.
-…من ورائهما الذي ساعد، وخدم، وأعان، وفتح الباب، دون أن يدرك أنه يعين على جريمة.
فتلك الجناية ومقدماتها من فعل هذين، أما الخطوات الأولى فهي من فعل غيرهما؛ إذ لم تكن المقدمات والجناية إلا ثمرة وأثرا عن خطوات يسرتها، وأغرت بها، وفتحت الطريق إليها، هي:
1-…قنوات فضائية: تعرض النساء كاسيات عاريات، يلبسن ما يبدي ويجسم، متغنجات، مائلات مميلات، يمثلن أدوار الزوجات والعشيقات، في: الأفلام، والفيديو كليب، وأكاديمي استار.. وغيرها من برامج الانحلال. يحصل فيها ما يكون بين زوجين، إلا النكاح الصريح، الذي تكفلت به القنوات الإباحية..
2-… مجلات وصحف تفعل الفعل نفسه الذي تفعله القنوات، بالصورة والكلمات.
3-…قصص وروايات تحسن، وتشجع، وتصف العلاقات المحرمة وصفا، يميل بالنفوس إليها.
هذه الأسباب خطيرة؛ لأنها تدعو بالتصريح، وبالإشارة والتلميح إلى إقامة مثل هذه العلاقة المحرمة.
وهذا أمر لا يخفى على أحد، يعرف حال هذه الوسائل، ومع ذلك فهي لم تكن لتكون فعالة، ذات أثر، لولا جملة من الأسباب الأخرى، التي فتحت الباب لحصول هذا الإثم. وهي:
1-… خروج المرأة من بيتها، في زينة ظاهرة، وفتنة بادية، في عباءة كأنها الفستان، في الجمال وبيان المفاتن.
فإن خروجها على هذا الحال: حرك في النفوس – التي أفسدتها وسائل الإغراء الآنفة – نوازع الجنس والشهوة والميل غير المشروع، فصارت تسعى لتحصيل المتعة من خلال هذه المتزينة، الفاتنة، المفتنة، المفتتنة. بكل وسيلة تقرب هذه المتعة. وكم حصل من وراء هذا جناية وجرح..!!.(2/67)
2-… اختلاط المرأة بالأجانب، بداعي التعليم، وبداعي العمل.
فإن هذا الاختلاط قرب المرأة، فصارت هذه الفاتنة، التي هي فتنة الرجل، كما جاء في الوصف النبوي، في مرمى المتمني الراغب في الإثم. وهو يرى، ويسمع، ويقرأ كل يوم ما يدعو ويرغب في علاقة آثمة.
فإذا صارت المرأة قريبة إليه، فما عساه يفعل ؟!!.
3-…غياب الرقيب، وهو ولي أمر المرأة، وتضييعه الأمانة، بغفلته عن حالها..!!.
فالمرأة مطبوعة على حسن النية، والغفلة عن مواضع الشر، والعاطفة تتحكم بها، يعرف هذا من له أدنى المعرفة، وينكره من أطبقت عليه الغفلة، أو استحكمت نفسه على المكر والخديعة..!!.
فإذا لم يقم وليها بصونها ورعايتها، وإلا فقد ضيعها..؟!!.
وأسّ هذه الأسباب ورأسها، الذي تحمل كل البلية: اختلاط المرأة بالرجال الأجانب؛ فإن الأمور التي تغري وتزين العلاقة المحرمة (= الزنا) موجودة في كل زمان ومكان، لكن أثرها يبقى محدودا إذا التزم شرط الإسلام في المرأة في العلاقة بين الجنسين، وهو: الفصل بينهما، ومنع الاتصال.
دل على هذا الشرط: أمر المرأة بالحجاب. والحجاب في المصطلح اللغوي والشرعي: الحاجز المانع من النظر.
فإذا ما سقط هذا الشرط، فحينئذ تبدأ الأسباب كلها بالعمل والتأثير، وهذا أمر طبيعي..
فإن الغرائز مهما استثيرت؛ فأنى لها أن تتجه إلى المحرم من العلاقات الجنسية، ولا سبيل إلى المرأة أصلا؛ لبعدها وانفصالها عن الرجال، إلا عن طريق الزواج ؟.
أما إذا كان السبيل إليها قريبا؛ وذلك:
-…إذا صارت تخرج وتلج من بيتها، كما يخرج الرجل، في زينة ظاهرة، بفتنة بادية، فتركت القرار.
-…أو صارت تختلط بالرجال بداعي العمل، والعلم.
-…وولي أمرها غافل، تارك للمسؤولية، لا يرعاها، ولا يصونها من الأشرار.
فإن الغرائز المستثارة ستجد مكانا لإشباعها، ومنه ينتج هذا: المجروح المعذب، والمتألم، والخائف، والحاقد، والمنتهك، والكسير المجروح. المسمى باللقيط..!!.
*…*…*(2/68)
- أطراف الجناية ، المتسببون لها.
وأطراف هذه الجناية والمصيبة، المتسببون لها على نوعين: قاصد، عامد.. وغافل، أو جاهل، أو مشتبه عليه.
فالأول: نوع تسبب في الجناية بعلم، وقصد، ودراية، ورضى بحصول العلاقات المحرمة.
وهؤلاء يتحملو من إثم معاناة هذا المجروح: طفلة، أو طفل. ما يتحملو، وهم:
-…الزانية والزاني.
-…الداعي للعلاقات المحرمة، والمروج لها.
-…الذي أذن بالاختلاط، ومنع منه، وحماه، حبا في الفاحشة.
*…*…*
1-…الزانية، والزانية. وهما يحتملان الوزر الأكبر؛ لأن بفعلهما المباشر، وهو فعل الفاحشة، كان هذا المولود.
إن ذنب الزنا في المرتبة يأتي بعد الشرك والقتل، فقد جاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود:
-…: قلت (يا رسول الله!، أي الذنب أعظم؟. قال: أن تجعل لله ندا، وهو خلقك. قلت: ثم أي؟. قال: أن تقتل ولدك، من أجل أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟. قال: أن تزاني حليلة جارك) (1) .
وعقوبة الزانية والزاني مقدرة، قال تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابها طائفة من المؤمنين".
الزاني والزانية يجلدان مائة جلدة، ويغربان عاما، إن كانا بكرين. أما إن كانا محصنين، فالرجم بالحجارة جزاؤهما؛ فلا عذر لهما في الحرام، وقد بسط الله لهما في الحلال.
والآثار التي تحذر من الزنا، تخبر أنه ذنب يزيل الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام:
-…(إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، وكان عليه كالظلة) (2) .
وفي الصحيح أن رسول الله رأى الزواني والزناة قال:
-…(فانطلقنا إلى نقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا، حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة) (3) .(2/69)
فهو ذنب: ليس أكبر منه إلا الشرك، وقتل الولد.. وهو يزيل الإيمان.. ويترتب عليه جلد وتغريب، أو رجم حتى الموت.. وعقوبته في الآخرة أن يحبس الزانية والزاني في تنور من نار.
وهذا الذنب قبيح عند العقلاء، حتى عند بعض البهائم، ففي صحيح البخاري عن عمرو بن ميمون قال:
-…( رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة، قد زنت، فرجموها، فرجمتها معهم) (4) . قال ابن تيمية: "ومثل ذلك قد شاهده الناس في زماننا، في غير القرود، حتى في الطيور" (5)
2-…الداعي، والمروج للعلاقات المحرمة، بأية طريقة كانت، سواء: عبر الفضائيات، أو المجلات، أو الصحف، أو القصص والروايات. الذي يزين، ويحسّن هذا الإثم، سواء: بكلامه، أو بفعله، أو قلمه، أو بماله. الذين يحبون ذلك، ولا يتأثمون منه، بل يقصدونه، ويسعون في نشره.
وهذه فئة إلى النفاق أقرب، فقد أخبر تعالى عن المنافقين، أنهم يحبون شيوع الفاحشة في المؤمنين، قال تعالى:
-…"إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
3-…الذي أذن بالاختلاط، وحماه، ومنع منه، راضيا بكل ما يحدث فيه من إثم، عالما به، غير متأثم له، سواء كان مسؤولا في عمل، أو تعليم، أو غير ذلك، أو كان ولي أمر المرأة:
-…فأما الذي أذن بالاختلاط وحماه، عن رضى بكل ما يحدث فيه من الإثم، وعلم بما ينتج عنه من علاقات محرمة، فهذا يدخل في حكم الفئة الآنفة، وما جاء فيها من وعيد؛ فإنه من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
-…وأما الولي الذي أذن لمحارمه بالاختلاط بالأجانب، مع علمه بما قد يحدث لهن، ورضاه بذلك، فهذا في مصطلح الشارع يسمى: ديوثا. وعقوبته: أنه لا يدخل الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخُبث) (6) .(2/70)
فهؤلاء يحتملون الإثم، وهم مشاركون في معاناة هذا الإنسان المجروح؛ لأنه من خلال الوصف السابق، هم يعلمون بأن نتيجة التقارب، والاختلاط بين الجنسين، وخروج المرأة في زينة ظاهرة، هو: العلاقة المحرمة.
وهم يعلمون أن ما يصنعونه من المقدمات، والمغريات الجنسية نتيجتها: العلاقات المحرمة. فهم راضون بذلك، ويحبونه، وإلا لما وقعوا في أمور، لا يجهل أحد أنها تدعو إلى الإثم والفجور، مصرين عليها. وبعضهم يعلن ذلك، ويستهجن ما يسمى بالعفة، وحفظ الأعراض.؟!!.
*…*…*
والثاني: نوع تسبب في الجناية بغفلة، أو جهل، أو اشتباه؛ أي لم يدرك أن قوله، أو فعله، أو قلمه يسهم في هذه المشكلة، ويتسبب فيها، وهم:
-…ولي أمر فتاة سمح باختلاط بالأجانب، ظنا منه أنه لا يضرها.
-…مسؤول سمح بالاختلاط، ظنا منه أنه لا يفضي إلى علاقات محرمة.
-…متفقه اشتبه عليه الأمر، فزعم أن الشريعة تبيح الاختلاط.
*…*…*
1-…الولي الذي أذن لمحارمه بالاختلاط بالرجال، بداعي التعليم، أو العمل.
هناك من أولياء الأمور من يظن أن التربية الصحيحة، والتوعية كافية لتجنب هذه المشكلات، وعليه فلا مانع لديه من الإذن لمحارمه في: عمل مختلط، أو السفر بدون محرم، أو الخروج من البيت دون ملاحظة.
فهذا مشكلته: النظر إلى قضية العلاقة بين الجنسين من زاوية دون أخرى. نعم التربية والتوعية مهمة، بتنمية جانب الخوف والخشية من الله تعالى، والتعريف بخطر العلاقات المحرمة من جهة: الضرر بالأسرة، والحياة الزوجية المقبلة، وما قد ينتج عنها من أمراض.. إلخ.
لكن ليس هذا هو الأمر الوحيد الكافي لتجنب هذه المشكلة، هناك أمر مهم، دل على أهميته: عناية الشارع به. وهو: اجتناب الفتنة، والبعد عنها. فمن تعرض للفتنة تعرضت له، ومن تجنبها سلم منها.
وإن الفتنة هنا هي: الغرائز المشتعلة بين الجنسين. التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، إلا إذا أراد أن يعبث بالحقيقة، وعقول من يقبلون العبث بعقولهم..!!.(2/71)
أو أراد أن يكذب النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول:
( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) (7) .
وإذا أراد هذا الولي أن يعرف قدر هذه الفتنة، فعنده شاهد من نفسه، فليختبرها:
-…كيف هي عند امرأة أجنبية، أعجبه جمالها، ودلّها ودلالها ؟.
فإن كانت نفسه ماتت لكبر سنّ، أو مرض، أو همّ، فليتذكر:
كيف كانت لما كان شابا، نشطا، خاليا من الأوهام، والأمراض ؟.
هذا الشاهد يعطيه فتوى بخطأ ما أقدم عليه، اتكالا على التربية، والتوعية وحدها؛ فالعقل والدين يقول:
-…اجتنبوا الاختلاط. فإنه يفضي إلى المحرمات من العلاقات؛ لأن النفس تجوع إلى الجنس الآخر كل حين.
2-…المسؤول الذي سمح بالاختلاط، في المكان الذي هو مسؤول عنه: مؤسسة، أو شركة، أو جامعة
فهناك من هذا الصنف من يظن: أنه لا بأس بهذا الاختلاط. وأنه ينفع العمل، ولا يضره، ما دام قائما على الحشمة، والحجاب؛ يقصد تغطية الرأس.. مادام الوعي موجود، وهو في هذا:
-…مأخوذ بقوانين الحضارة الغربية، يظنها مفروضة لازمة للتطور.
-…مأخوذ بفكرة المساواة بين الجنسين، وأنه لا فرق بينهما.
فهذا يقال له ما قيل لولي أمر المرأة آنفا: أن عنده شاهد من نفسه، فليختبرها عند فتاة أعجبه دلّها.
ويضاف إليه: أن التجربة كفيلة بالبرهان؛ فالمجتمعات الغربية بدأت بالاختلاط، في كل المجالات، ثم تبعتها مجتمعات عربية وإسلامية، فماذا جنت من هذا الاختلاط ؟.
-…جنت وحصدت العلاقات المحرمة، وما ينتج عنها من اللقطاء، وما يتبعها من المآسي.
-…جنت ظلم المرأة، وامتهانها، وسلبها كرامتها، وتحميلها ما لا تطيق، فعليها العمل في البيت والوظيفة.
-…جنت الأمراض النفسية، والعصبية، حتى كثرت العيادات النفسية، وكثرت مراجعة النساء لها خصوصا.
ويكفي لبيان خطر الاختلاط ونتائجه السيئة: أن دولا من هذه بدأت تفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات، وهذا موجود في أمريكا، وبعض دول أوربا.(2/72)
3-…المتفقه الذي زعم أن الشريعة تبيح الاختلاط، ولا تحرمه.
فهذا يقال له: انظر وتأمل في الشاهدين الآنفين: الشاهد الذي من النفس، والشاهد الذي من التجربة.
فإنه كاف في نقض ما زعمته، ومع ذلك فإن لديك شبهة، تظنها دليلا معتمدا في دعواك:
-…أن النساء كن يخرجن للأسواق، للبيع والشراء.
- وإلى المساجد للعبادة.
- وفي الجهاد، للعون والمساعدة، وتمريض الجرحى.
- وكن يختلطن في الطواف بالرجال.
فهذه أدلة يحتج بها هؤلاء، لكنها ليست محل النزاع، ولم يمنع منها أحد، والذي حرموا الاختلاط لم يقصدوا هذا النوع، إنما قصدوا:
- الاختلاط الذي يزول به الحجاب، والحاجز بين الجنسين: حتى تغدو العلاقة بينهما كالعلاقة بين الجنس الواحد. فتكون المرأة زميلة وصديقة للرجل، وكذا الرجل زميل وصديق للمرأة.. وكل اتصال بينهما ليس له حاجة شرعية.
فالمقصود بالمنع من الاختلاط: أن يكون للمرأة عالمها الخاص، وللرجل عالمه الخاص، فلا يتحد العالمان إلا بطرق مشروعة: محارم، زواج. ليس الالتقاء والاجتماع العابر، لسبب صحيح، يقبل به الشرع.
فإذا طبق هذا التعريف على ما ذكر من الأدلة المحتج بها: لم تنطبق. فلذا قلنا: إنها في غير محل النزاع.
ثم ليتأمل هذا المبيح للاختلاط في النصوص التالية:
- نصوص تأمر بغض البصر.
- نصوص تصف المرأة بأنها فتنة الرجال.
- نصوص تجعل صفوف النساء آخر المسجد، وتخبر أن شرها أولها؛ كونها أقرب للرجال، وخيرها آخرها؛ كونها أبعد عن الرجال.
- نصوص تجعل للنساء بابا خاصا في المسجد.
- نصوص تنهى عن مخالطة النساء الرجال في الطرقات، وتأمر النساء بالمشي في الحافات.
- نصوص تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص للنساء يوما للتعليم.
- نصوص تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم ما جمع الرجال والنساء في مجلس علم، أو شورى.
- نصوص تأمر المرأة بالقرار في البيت، وأن صلاتها فيه خير من صلاتها في مسجده.(2/73)
- نصوص تأمر المرأة بالحجاب، وعدم اللين في الكلام مع الرجال.
كيف لكل هذه الأحكام أن تطبق مع الاختلاط، مع كون المرأة والرجل الأجنبي في غرفة واحدة، ومكان واحد يلتقيان دوما، كل يوم بداعي العمل، أو العلم ؟.
إنه الحق واضح، كالشمس في رابعة النهار، لا يزيغ عنه إلا هالك، وإن الشارع لا يأمر بالشيء ونقيضه..
وإذا كانت هذه النصوص مع كثرتها لا تفيد منع الاختلاط، فأي فائدة إذن في سوقها، وكثرتها ؟!.
(1) - رواه البخاري في المحاربين، باب: إثم الزناة.
(2) رواه أبو داود وتمامه: (فإذا أقلع رجع إليه الإيمان)، انظر: السلسلة الصحيحة للألباني 509.
(3) رواه البخاري في الجنائز، باب: ما قيل في أولاد المشركين.
(4) كتاب مناقب الأنصار باب القسامة في الجاهلية، الفتح 7/156.
(5) الفتاوى 11/545.
(6) رواه أحمد، صحيح الجامع 3052.
(7) رواه البخاري في النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة وقوله: " إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم..".
| 1 | 2 | 3 |
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7277
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات[14/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [14/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
19/4/1427
17/05/2006
- التأمين على الحياة
- الفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التقليدي
- العناصر الأساسية للتكافل
- توريث المسلم من أقاربه غير المسلمين
- الوفاء بالعقود
- ضوابط التعامل بين الجنسين
- حكم استفادة الهيئات الخيرية من عوائد الحسابات الربوية
التأمين على الحياة
ناقش المجلس البحوث المقدمة إليه حول التأمين على الحياة، واطلع عل ما صدر عن المجامع الفقهية والمؤتمرات والندوات العلمية بهذا الشأن.(2/74)
وبعد المناقشة والتحاور حول جوانب هذا الموضوع، وما عليه أحوال المسلمين في أوروبا وسائر البلاد غير الإسلامية، ومع مراعاة ما يجري عليه العمل في شركات التأمين التجاري، والتأمين التعاوني في أوروبا، انتهى إلى ما يأتي:
أولاً: تأكيد ما صدر عن المجلس في دورته السادسة حول موضوع التأمين وإعادة التأمين .
ثانياً: تأكيد ما صدر عن بعض المجامع الفقهية من حرمة التأمين التجاري على الحياة، وجواز التأمين التعاوني إذا خلا عن الربا والمحظورات الشرعية ، وعلى ما صدر من الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي التي حضرها ثلة من الفقهاء المعاصرين والاقتصاديين في 1413 هـ - 1992 م وانتهت إلى إصدار الفتوى التالية :
1 - التأمين على الحياة بصورته التقليدية القائمة على المعاوضة بين الأقساط والمبالغ المستحدثة عند وقوع الخطر أو المستردة مع فوائدها عند عدم وقوعه هو من المعاملات الممنوعة شرعاً لاشتماله على الغرر، والربا، والجهالة .
2 - لا مانع شرعاً من التأمين على الحياة إذا أقيم على أساس التأمين التعاوني (التكافلي) وذلك من خلال التزام المتبرع بأقساط غير مرتجعة (1) ، وتنظيم تغطية الأخطار التي تقع على المشتركين من الصندوق المخصص لهذا الغرض، وهو ما يتناوله عموم الأدلة الشرعية التي تحض على التعاون، وعلى البر والتقوى وإغاثة الملهوف ورعاية حقوق المسلمين، والمبدأ الذي لا يتعارض مع نصوص الشريعة وقواعدها العامة.
ثالثاً: ومع ما سبق فإن حالات الإلزام قانونياً ، أو وظيفياً، مسموح بها شرعاً، إضافة إلى ما سبق إثباته في قرارات الدورة السادسة.
تعليق:
قلت : لأهمية موضوع التأمين أردت أن أعلق عليه تعليقاً موجزاً، لكنه يبين باختصار حقيقة التأمين التجاري، والتأمين التكافلي، وعناصرهما، والفرق بينهما.(2/75)
أولا: التأمين التقليدي يعرف بأنه : ضمان يقدمه مؤمن إلى مومن له بتعويضه عن خطر محتمل، مقابل نقود يدفعها، أو اشتراك.( لاروس الصغير الفرنسي)
ويعرفه الفرنسي هيمار : بأنه عقد بموجبه يحصل أحد المتعاقدين وهو المؤمن له في نظير مقابل يدفعه على تعهد بمبلغ يدفعه له، أو للغير إذا تحقق خطر معين، المتعاقد الآخر وهو المؤمن الذي يدخل في عهدته مجموع من هذه الأخطار يجري مقاصة فيما بينها طبقاً لقوانين الإحصاء."(الوسيط للسنهوري 7/1090)
أهم مميزات التأمين التجاري:
الانفصال الكامل لشخصية المأمن "صاحب المشروع" عن شخصية المؤمن له "مالك وثيقة التأمين".
تهدف الهيئات الممارسة للتأمين التجاري أساساً إلى تحقيق الربح، فالمال الذي يجمع من الأقساط يصبح ملكاً للمؤمن، والربح أو الخسارة عبارة عن الناتج عن زيادة الأقساط المتحصلة أو نقصها عن التكلفة الفعلية للتأمين، مع ملاحظة تحمل قسط التأمين التجاري المقدر منذ بداية العقد بجزء لمقابلة الأرباح المراد تحقيقها.
يتميز التأمين التجاري بأن الأقساط التي يدفعها المؤمن لهم ثابتة منذ إبرام العقد تتحرر على أسس معينة، وتبقى كذلك طيلة مدة العقد فيكون المؤمن لهم لهم على علم بما يلتزمون به منذ البداية.
أما التأمين التكافلي فقد ورد تعريفه في قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث بما نصه: والبديل الشرعي لذلك هو التأمين التكافلي القائم على تكوين محفظة تأمينية لصالح حملة وثائق التأمين، بحيث يكون لهم الغنم وعليهم الغرم، ويقتصر دور الشركة على الإدارة بأجر، واستثمار موجودات التأمين بأجر، أو بحصة على أساس المضاربة.
وإذا حصل فائض من الأقساط وعوائدها بعد دفع التعويضات فهو حق خالص لحملة الوثائق، وما في التأمين التكافلي من غرر يعتبر مغتفراً؛ لأن أساس هذا التأمين هو التعاون والتبرع المنظم، والغرر يتجاوز عنه في التبرعات.
وأهم مميزات التأمين التعاوني هي:(2/76)
اتحاد شخصية المؤمن "صاحب المشروع" وشخصية المؤمن له "حامل وثيقة التأمين" ومن هنا جاء وصف هذا النوع من التأمين بالتكافلي حيث يؤمن الأعضاء بعضهم بعضاً، فكل منهم مؤمن ومؤمن له في وقت واحد.
إن تعريف المجلس الأوربي إنما هو تعريف لصورة مفضلة من التأمين التكافلي لأن التأمين التكافلي قد يأخذ صوراً متعددة كأن تأسس جماعة شركة مضاربة تقوم بالتجارة في موجودات الشركة ويلحقون بنظام الشركة عقداً تكافلياً يلتزم فيه أعضاء الشركة بتأمين بعضهم البعض وحمايته من الأخطار سواء كان ذلك من ربح الشركة، وهو أمر جائز أن يتبرع المضارب بربحه.
وهناك صيغة أخرى طبقناها في بعض البلاد وهي تكوين شركة مضاربة بأموال يقوم فيها بعض أعضاء الشركة بالإدارة لصالح الجميع فيكون لهؤلاء مزيد من الأرباح لأنهم مؤسسون ومشتركون بأموالهم وأبدانهم وهو جائز على مذهب أحمد وقد بين ذلك ابن قدامة حيث قال : وأما المضاربة التي فيها شركة وهي أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما مثل أن يخرج كل واحد منهما ألفاً ويأذن أحدهما للأخر في التجارة بهما فمهما شرطا للعامل من الربح إذا زيد على النصف جاز لأنه مضارب لصاحبه في ألف ولعامل المضاربة ما اتفقا عليه بغير خلاف...
وبعد شرح طويل قال : فحصل مما ذكرنا أن الربح بينهما على ما اصطلحا عليه في جميع أنواع الشركة. (المغني 7/ 138-139-140 دار هجر).
ومما ذكرنا يتبين أنه قد تكون أفضل صيغة للتأمين الإسلامي أن تكون شركة مضاربة ومعها شركة أموال فيمنح المساهمون الكبار وهم المضاربون بأبدانهم لتوليهم الإدارة وأرباب المال لاشتراكهم بأموالهم حصةً من الربح أكبر من حصص المشتركين حملة الوثائق لوجود التراضى ولهذا فيكون لهؤلاء المشتركين في الجمعية العامة ممثلون.(2/77)
وهي صيغة مختصرة وبسيطة تقوم على تأسيس شركة تجارية من مساهمين كبار تبرعوا بجزء من أموالهم لجبر الأضرار التي تنزل بهم ويلتحق مشتركون صغار بنفس الصيغة أي أنهم شركاء بالأقساط التي دفعوها متضامنين مع الآخرين مع قبولهم بمنح جزء أكبر من الربح لهؤلاء المساهمين المؤسسين وهي شركة تلزم بالقول وهذا مذهب مالك قال خليل (ولزمت بما يدل عرفاً كاشتركنا).
ولا بأس أن نذكر بكلام للنووي مذكور في البحث السابق لتطبيقه على موضوع التأمين يقول النووي : " (فرع) الأصل أن بيع الغرر باطل لهذا الحديث والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز منه (فأما) ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار، وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر، ذكر أو أنثى، كامل الأعضاء أو ناقصها، وكشراء الشاة في ضرعها لبن ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالإجماع .
ونقل العلماء الإجماع أيضاً في أشياء غررها حقير (منها) أن الأمّة أجمعت على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها، ولو باع حشوها منفرداً لم يصح ، وأجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهراً مع أنه قد يكون ثلاثين يوماً وقد يكون تسعة وعشرين ، وأجمعوا على جواز دخول الحمام بأجرة، وعلى جواز الشرب من ماء السقاء بعوض مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء أو مكثهم في الحمام .
قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلاّ بمشقة أو كان الغرر حقيراً جاز البيع وإلاّ فلا.
وقد يختلف العلماء في بعض المسائل كبيع العين الغائبة، وبيع الحنطة في سنبلها، واختلافهم مبني على هذه القاعدة ، فبعضهم يرى الغرر يسيراً لا يؤثر ، وبعضهم يراه مؤثراً والله سبحانه وتعالى أعلم (المجموع للنووي: 9/258) .(2/78)
من هذا الكلام نستفيد أمرين أحدهما الغرر الخفيف الذي يغتفر للحاجة وهو ما بني عليه المجلس جواز التكافل بأنواعه، والغرر الكبير المؤثر وهو أصل التحريم إلا أن المجلس تجاوز عن هذا الغرر إذا لم يمكن الاحتراز منه في البيئة الأوربية ولعل ذلك ما أشار إليه النووي بقوله :" أما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز منه...".
ولهذا فإن هذه الفتوى مبنية على قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة في صورتي الغرر المغتفر في الأصل، وهو ما خف ودعت إليه حاجة وفي صورة المحرم اصلا وأشتدت وطأة الحاجة ولم يمكن الاحتراز في حالة التأمين التجاري في أوربا لفرضه بالقانون ولمسيس الحاجة المنزلة منزلة الضرورة إليه.
- الفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التقليدي :
1- أن التأمين التقليدي يغلب عليه الغرر فيمكن أن يعبر عنه بأنه هو الغرر بعينه، كما قدمنا عن الباجي، وبالتالي فهو من الغرر الشديد الغالب المحرم، فلا تجيزه الحاجة إلا في ظروف استثنائية.
وأن التأمين التكافلي يخف فيه الغرر، وذلك لعنصر التبرع القائم عليه ومحدودية المؤمنين فتجيزه الحاجة وهذا هو الفرق الأول.
2- أن التأمين التكافلي عقد إرفاق ومعروف لأنه مبني في نيته على التعاون ولهذا يغتفر فيه الغرر كما قدمنا في مسألة :" أعني بغلامك على أن أعينك" في بحث الحاجة.
وكما في مسألة الدينار الناقص والطعام فإن أراد التبايع حرم وإن اراد الإقالة جاز لأنه معروف في بحث الحاجة.
بخلاف التأمين التقليدي فالقصد الغالب فيه التجارة وكسب الربح، ولهذا لا يجوز فيه الغرر، وهذا هو الفرق الثاني.
3- الفرق الثالث أن الغرر في التأمين التقليدي أصل لأن المؤسسة قائمة على كسبها من الحوادث التي لم تحصل بينما الغرر في التكافلي إضافي وتبعي، وقد قدمنا مسألة الظئر والرضيع عن المواق.
- العناصر الأساسية للتكافل
وأهم شيء في شركة التكافل ثلاثة عناصر :(2/79)
1- عنصر التبرع وهو تبرع للمتضرر من أعضاء الشركة بجزء من الربح أو بالربح بكامله وهذا كما يجوز في المضاربة التبرع بجزء من رأس المال وهذا جائز لأنه يغتفر الغرر في التبرعات.
2- عنصر الشراكة وهو اعتبار كل قسط يدفع إلى الشركة، إنما هو قسط اشتراك وليس مدفوعاً في مقابل.
3- عنصر اتحاد الشخص ذي الجهتين بين المؤمن بصيغة اسم الفاعل والمؤمن بصيغة اسم المفعول سواء أداروا الشركة بأنفسهم كشركة أبدان وأموال، أو أداروها بواسطة جهاز إداري يمارس عملية وكالة بأجر.
أما بالنسبة للفتوى المتعلقة بالتأمين التجاري الذي أجازه المجلس في حالات محددة فإن الفتوى تستند إلى الحاجة الشديدة الناشئة عن الفرض بالقانون، أو الحرج الشديد والمشقة طبقاً لمقولة الشيخ تقي الدين ابن تيمية في حديثه عن الجوائح إن" الشريعة مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها مصلحة راجحة أبيح المحرم".
وهي مبنية من جهة أخرى على الخلاف الذي أسلفنا في مبحث الحاجة والذي يرجح به في العقود الفاسدة.
-توريث المسلم من أقاربه غير المسلمين
يرى المجلس عدم حرمان المسلمين ميراثهم من أقاربهم غير المسلمين ومما يوصون لهم به. وأنه ليس في ذلك ما يعارض الحديث الصحيح: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" الذي يتجه حمله على الكافر الحربي، مع التنبيه إلى أنه في أول الإسلام لم يحرم المسلمون من ميراث أقاربهم من غير المسلمين. وهو ما ذهب إليه من الصحابة معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان ومن التابعين جماعة منهم سعيد بن المسيب، ومحمد بن الحنفية، وأبو جعفر الباقر ومسروق بن الأجدع، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
- الوفاء بالعقود(2/80)
توقيع العقد في أي صفقة ملزم للطرفين شرعا، ولا يجوز لأحدهما أن يرجع فيه بإرادته المنفردة، دون رضا الطرف الآخر، فهذا مخالف لما أمر الله تعالى ورسوله –صلى الله علهي وسلم -، وأكدته نصوص القرآن والسنة.قال تعالى: "يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ" [المائدة:1] وقال عزوجل: "وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً" [الإسراء :34]. وقال تعالى:"وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَـٰهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَْيْمَـٰنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً" [النحل:91].
وحمل القرآن بشدة على الذين يتهاونون بالعهود وينقضونها من بعد ميثاقها، في آيات كثيرة، منها: "إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [آل عمران:77].
واعتبر النبي –صلى الله عليه وسلم - نقض العهد من شعب النفاق، وخصال المنافق الأساسية "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها....و ذكر منها : "إذا عاهد غدر ". رواه الشيخان عن عبدالله بن عمرو.
و ليس من الضروري أن يكون العقد مكتوبا، فمجرد الايجاب والقبول مشافهة يكفي في ايجاد العقد، ولكن له خيار المجلس على ما نرجحه، فلو تبين له عقد آخر، وهما لا يزالان في مجلس العقد، فمن حقه أن يرجع، كما جاء في الحديث الصحيح :" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " متفق عليه عن ابن عمر. فقد جعل الحديث فرصة للتراجع لمن تسرع في التعاقد دون روية.(2/81)
و مثل ذلك لو كان مغبونا غبنا فاحشا يرفع أمره إلى جهة تحكيم تثبت له خيار الغبن إذا تبين لها ذلك، عملا بمذهب الحنابلة وغيرهم.
و يستطيع المسلم أن يخرج من ورطة التراجع في العقد بعد إتمامه إذا اشترط لنفسه الخيار أياما معدودة، يستطيع فيها أن يرجع في صفقته خلالها، وهذا ما نصح به النبي –صلى الله عليه وسلم- أحد الصحابة، حين شكا إليه أنه كثيرا ما يخدع في البيع، فقال له :" إذا بايعت فقل : لا خلابة " أي لا خداع، وهذا في الصحيحين، وفي خارج الصحيحين :" ولي الخيار ثلاثة أيام " والمسلمون عند شروطهم.
أما فيما عدا ذلك، فالمسلم يحترم كلمته إذا قالها، وهذه إحدى القيم التي دعا إليها الإسلام، حتى يستقر التعامل، وتستقيم حياة الناس. وقد قال الشاعر :
و لا أقول : (نعم) يوماً، وأتبعها بـ (لا) ولو ذهبت بالمال والولد
بل يحرم الاسلام أن يبيع المسلم على بيع أخيه، أي يدخل عليه وقد أوشك أن يعقد الصفقة مع الآخر، فيزايد عليه، ليختطف الصفقة منه، وفي هذا جاء الحديث الصحيح : " لا يبيع المسلم على بيع أخيه".
والله أعلم.
- مدى حق الموظف في استخدام الأدوات العامة لديه لمصلحته الشخصية:الأصل في المال العام أو شبه العام ونعني به مال الدولة والمؤسسات العامة والشركات الخاصة هو المنع، وخصوصاً أن نصوص الكتاب والسنة قد شددت الوعيد في تناول المال العام بغير حق، وقد جعل الفقهاء المال العام بمنزلة مال اليتيم في وجوب المحافظة عليه وشدة تحريم الأخذ منه، ويستثنى من ذلك ما تعارف الناس على التسامح فيه من الأشياء الاستهلاكية فيعفى عنه باعتباره مأذوناً فيه ضمناً، على أن لا يتوسع في ذلك، مراعاة لأصل المنع، على أن الورع أولى بالمسلم الحريص على دينه، و"من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه".(2/82)
– ضوابط التعامل بين الجنسين: اللقاء والتعاون والتكامل بين الرجال والنساء أمر فطري، ولا يمكن منعه واقعاً، ولم يرد في دين الفطرة ما يحجره بإطلاق، وإنما أحاطه بالضوابط التالية:
ترك الخلوة (وهي وجود رجل وامرأة أجنبية عنه في موضوع لا يراهما فيه أحد) امتثالاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
توقي التماس (وهو التلاصق والتراص بالأبدان بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه) حذر الإثارة والفتنة.تجنب التبرج (وهو الكشف عما أمر الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بستره من البدن)، إذ يجب على المرأة حين اجتماعها بالرجال غير المحارم أن تستر كل جسدها ما عدا الوجه واليدين، على مذهب جمهور الفقهاء.
التزام المرأة الحشمة في حديثها وحركاتها، فلا تتصنع من الكلام والحركات ما يؤدي إلى إثارة الغرائز، قال تعالى: "إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" [الأحزاب 32] وقال تعالى: "ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن".
وعليه، فإذا التزم الرجال والنساء في أي لقاء أو نشاط بهذه الضوابط الشرعية، فلا حرج عليهم في ذلك، ما كان موضوع اللقاء أو النشاط جدياً، سواء أكان علمياً أم ثقافياً ونحو ذلك.
ولا فرق في ضرورة الالتزام بهذه الضوابط بين أن يتعلق الأمر بفتيات مسلمات أو غير مسلمات، لأن الإثارة محتملة في الحالتين، على أن الانفصال في المجلس الواحد في المقاعد بين الرجال والنساء هو الأفضل، خاصة إذا لم تكن هناك حاجة إلى خلافه.
-حكم استفادة الهيئات الخيرية من عوائد الحسابات الربوية من الأفراد والبنوك وما يرتبط بذلك من الدعاية لها، وفتح حساب خاص لهذه الأموال:(2/83)
عموم المسلمين في الغرب لا يجدون مناصاً من فتح حسابات في البنوك الربوية، ومعلوم أن هذه الحسابات تترتب عليها زيادات ربوية تلحق بحساباتهم، فيجدون أنفسهم بين خيارين:
إما ترك هذه الفوائد للبنك، وفي هذا تفويت مصلحة للمسلمين وربما كانت عوناً لمؤسسات تبشيرية، وإما أن يصرفوها في وجوه الخير العامة، وبما أن الحكم لا يتعلق بعين المال وإنما بطريقة تحصيله أو صرفه، فما كان منه حراماً فحرمته في حق من اكتسبه أو صرفه بطريقة غير مشروعة، فالذي يحرم في شأن هذا المال الربوي هو أن ينتفع به الشخص لنفسه، أما بالنسبة لغيره فلا يكون حراماً.
وبناء على ذلك، فإن المجلس لا يرى بأساً من أن تسأل المؤسسة الخيرية أصحاب هذه الحسابات أن يمكنوها من تلك الأموال، كما لا يجد فرقاً في تحصيل هذه الأموال من أي جهة أخرى كالمؤسسات والبنوك وغير ذلك.
وينبغي للمؤسسة أن تتحاشى ما وسعها ذكر اسم البنك المتبرع على وجه الدعاية له، بسبب عدم مشروعية أصل عمله.ولا مانع كذلك من أن يفتح حساب خاص تودع فيه تلك الأموال.
- وكان من ضمن الاستفتاءات التي أجاب عنها المجلس: مسألة الاختلاط بين الجنسين في المنتديات واللقاءات العامة، والمرابحة التي تزاولها بعض البنوك في الغرب، والتأمين، ومعاش التقاعد، واستفادة الجمعيات الخيرية من فوائد البنوك.- كما عهد المجلس إلى بعض أعضائه بمعالجة بعض المشكلات الأسرية التي وردت إليه من خلال الاتصال المباشر بأصحابها.
(1) أي أنها لا ترتجع بالكامل ، وإذا ارجع شئ فهو ما يسمى بالفائض الذي يوزع في أخر العام.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5 16 17
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7287
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - أحكام الإذن الطبي [3/3]
دراسات علمية رسائل جامعية
أحكام الإذن الطبي [3/3]
د. عبد الرحمن بن أحمد الجرعي
………
22/4/1427
20/05/2006(2/84)
- الحالات التي يسقط فيها الإذن الطبي
- شروط الإذن
- الإشهاد على إذن المريض
- انتهاء الإذن الطبي
- أسئلة مهمة في الإذن الطبي
- الخاتمة
- الحالات التي يسقط فيها الإذن الطبي
الأصل اشتراط الإذن الطبي, لكن أحوال المرضى, وظروف أوليائهم قد لا تمكنهم من إعطاء الإذن الطبي. ولهذا استثنيت بعض الحالات من اشتراط الإذن الطبي على النحو التالي :
1.…الحالات الخطرة التي تهدد حياة المريض بالموت, أو تهدد بتلف عضو من أعضائه, ويكون فيها فاقداً للوعي, أو أن حالته النفسية لا تسمح بأخذ إذنه, ولا يكون وليه حاضراً لأخذ الإذن منه (1) .
ومن الأمثلة على هذه: التهاب الزائدة الدودية التي بلغت درجة الخوف من انفجارها ما لم يجر استئصالها بالجراحة, وكذلك جراحات حوادث السيارات التي كثرت في الآونة الأخيرة, فيكون المريض عاجزاً عن إعطاء الإذن, ولا يمكن انتظار أوليائه , فلا مناص من علاجه دون إذن, لكن ينبغي ألا يتم ذلك, إلا بعد أن تقرر لجنة من الأطباء حاجته إلى هذا العلاج أو العملية, زيادة في التثبت لضرورة المعالجة, ولقطع التهمة عن الأطباء في أنهم يحرصون على الجراحة طلباً لمصلحتهم الذاتية (2) .(2/85)
2. الحالات التي تقتضي المصلحة العامة معالجتها, كالأمراض السارية المعدية والتي يشتد خطرها على المجتمع, فإن من حق الدولة أن تفرض التداوي قسراً على المريض حتى لا يضرّ المجتمع, كما أن من حقها أن تعزله في مستشفيات خاصة لذلك . تعرف باسم المحجر الصحي أو مستشفى الحميّات, كما أن هناك مستشفيات خاصة لمعالجة السل الرئوي (الدرن), ومستشفيات أو مستعمرات لمداواة المجذومين .. ويمكن فرض التداوي كذلك في حالة الإصابة بالأمراض الجنسية مثل السيلان والزهري والكلاميديا .. ومن حق الدولة أن تفرض التطعيم والتحصين ضد مجموعة من الأمراض الخطيرة التي تصيب الأطفال والمجتمع مثل تحصينات الأطفال ضد الحصبة والسعال الديكي والدفتريا وشلل الأطفال والدرن. وقد أضيف إليها التحصين ضد التهاب الكبد الفيروسي من نوع B , وللفتيات قبل البلوغ التطعيم ضد الحصبة الألمانية, وكانت الدول تفرض التطعيم عند السفر ضد الجدري والكوليرا والحمى الصفراء وخاصة عند السفر إلى المناطق الموبوءة .. وقد تم بفضل الله سبحانه وتعالى, ثم بفضل حملات التطعيم المتتالية استئصال الجدري الذي كان يقتل الآلاف كل عام (3) .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم لأن مرضه معدٍ فقال "فر من المجذوم كما تفر من الأسد" (4) ولأن في عدم علاج المرض المعدي ضرر والضرر يزال (5) .
ويُعد عمل الطبيب في هذه الحالة الطارئة واجباً عليه, مادام قادراً على علاج المصاب واستنقاذه, ولو امتنع الطبيب عن العلاج كان آثما (6) . فإن استنقاذ النفس مطلب شرعي.
2.…ويستثنى كذلك الحالات اليسيرة للصغار عندما يكون العرف السائد يقتضي ذهابهم دون إذن ولي أمرهم إلى طبيب الوحدة الصحية المدرسية , ونحوها مما يتسامح به الناس في العادة (7) .
- شروط الإذن:
يشترط للإذن الطبي شروط خمسة حتى يكون إذناً معتبراً:(2/86)
الشرط الأول: أن يكون الإذن صادراً ممن له الحق, وهو الشخص المريض، أو وليه في حالة تعذر الحصول على إذنه, أو من له الولاية كالحاكم (8) .
الشرط الثاني: أن يكون الآذن أهلاً للإذن والأهلية تعتبر بوجود أمرين أحدهما: البلوغ والثاني العقل (9) فإن أذن المريض وليس أهلاً للإذن فلا اعتبار بإذنه وكذلك الولي الفاقد للأهلية من باب أولى (10) .
الشرط الثالث : الاختيار , وعدم الإكراه (11) .
فالمكره في حقيقته غير آذن . قال تعالى : "إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان" (12) فلم يؤاخذ رغم قوله كلمة الكفر لأنه في حالة إكراه .
الشرط الرابع: أن تكون المعالجة المأذون بها مشروعة , فلو كانت محرمة لم يصح الإذن (13) .
كما لو أذن المريض للطبيب أن يجري له جراحة تغيير الخلقة , كتغيير الجنس , والوشم , وتغيير لون البشرة , وتصغير الأنف وتكبير الشفاه , ونحوها من الجراحات والعلاجات المحرمة بلا مسوغ شرعي.
الشرط الخامس : أن يعطي الإذن وهو على بينة وإدراك من أمره (14) فلابد من إيضاح الأمر له حتى يعرف ما هو مقدم عليه . وأرى أنه يجب ترك التهويل والتهوين , لأن طلبهما فيه تزييف للواقع , وتغرير بالمريض . وإذا كانت المعالجة عبارة عن جراحة تجرى للمريض فيزداد شرطان على ما سبق وهما :
1. أن يشمل الأذن على إجازة فعل الجراحة لأن ذلك هو المقصود من الإذن .
2. أن تكون دلالة الصيغة على إجازة فعل الجراحة صريحة أو قائمة مقام الصريح, كقول المريض لطبيبه: أذنت لك بفعل الجراحة ونحوه, ومثله الإشارة المفهومة التي تدل على رضاه بإجراء هذه الجراحة (15) .
- الإشهاد على إذن المريض
الأصل في الإشهاد أنه أداة للتوثيق , ويُفتقر إليه عند التنازع , ولذلك شرع عند التبايع والتداين وغيرها قال تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله" (16) لكن هل يشرع الإشهاد على إذن المريض؟(2/87)
ذكر بعض الباحثين أن "ينبغي الإشهاد على إذن المريض باثنين من الشهود, ولو كانا ضمن الهيئة الطبية " (2) والظاهر أن مشروعية الإشهاد تعم هذه المسألة, باعتباره تصرفاً يتعلق به حق الغير, وفيه – أي الإشهاد – حسم لمادة التنازع , خاصة إذا ترتب على العلاج وفاة أو إصابة.
ويمكن أن يقوم الإقرار المكتوب والموقع عليه من قبل المريض أو وليه مقام الإشهاد في تبرئة ساحة الطبيب المعالج وفريقه الطبي, لكن الإشهاد ـ خاصة في إجراء العمليات الخطرة ـ أولى لأنه مظنة قيام التنازع، وهو المعمول به حاليا في المستشفيات. والله أعلم.
وانظر في الملحق (17) في نهاية البحث،نموذجا للإقرار الذي يُشهد عليه.
- انتهاء الإذن الطبي
ينتهي الإذن الطبي في الحالات الآتية :
1. عند انتهاء مدته , فما بعد المدة المأذون فيها يحتاج إلى أذن جديد.
2. إذا شفي المريض من الداء المعَاَلج ْ , فالشفاء علامة انتهاء الإذن الطبي.
3. الموت , فإذا توفي المريض انتهى الإذن بعلاجه .
4. إذا انتفت الأهلية عن الإذن كما لو جُن جنوناً مطبقاً , فلا يصح إذنه حينئذ, ووجوده كعدمه (18) .
- أسئلة مهمة في الإذن الطبي
طرح الدكتور محمد بن علي البار مجموعة من الأسئلة المهمة التي تحتاج إلى أجوبة, وسأذكر أهمها ملخّصة, ثم أتبعه بما يظهر لي من إجابة, والله الموفق.
س1 / الأطفال الذين يصابون بأمراض مستعصية على العلاج ويرفض آباؤهم إجراء العمليات الجراحية لهم , ويفضلون أن يتركوهم حتى الموت حتى لا يحصلوا على أطفال مصابين بتخلف عقلي, ما الحكم في ذلك ؟
جـ1 : إذا كانت هذه العمليات مما يغلب على الظن إبقاؤها للمريض على قيد الحياة, وعدمها يعرضه للموت بشكل كبير, فأرى أنه يجب على الولي , بقدر إمكانه , الحرص على استنقاذ طفله بهذه العملية, فإذا كان لا يغلب على الظن حصول فائدتة من هذه العملية فلا يجب على الولي شيء من ذلك .(2/88)
س2 / الأب الذي يرفض إيصال ابنته الصغيرة المصابة بالكلى , لتُغسل لها الكلية Hemodialysis في مستشفى الدولة المجاني , ويحتج في رفضه بأنه قد فقد ابناً له بسبب عمليات الغسيل الكلوي . فتدخلت وزارة الصحة وأمرت بنقل الطفلة دون إذن والدها وقامت بإجراء الغسيل المتكرر للطفلة ؟ فهل هذا التدخل صحيح علماً بأن الغسيل ليس علاجاً شافياً للفشل الكلوي .
جـ2 : يظهر لي - والله أعلم – أن هذا التصرف في غير محله, لأن امتناع الأب يلحق الهلاك العاجل بهذه الطفلة, ويتسبب في قتلها، وهو ما يناقض مسؤليته المناطة به, فإنه يجب عليه أن يتصرف فيمن ولاه الله أمره بما يحقق مصلحته ويدفع عنه المفسدة, وإلا انتقلت عنه الولاية إلى من بعده من الأولياء الذين ينظرون في مصلحته، وكون العلاج غير شاف بالكلية، لا يمنع وجوب العلاج به في هذه الحالة، إنقاذا لحياة المريض.
س3 / إذا تعسرت ولادة الطفل, واستدعى ذلك سرعة إجراء عملية قيصرية لإنقاذ حياة الطفل, فرفض أحد الأبوين أو جميعهما, فما الحل؟
جـ 3 : إذا كان الرفض من الأم فلا تجبر على إجراء العملية طالما أنها تعي وتدرك ، وإذنها معتبر حتى لو رفض الأب، لكن لو كان الرفض من الأب والأم لا تستطيع إعطاء الإذن فلا اعتبار برفضه، وينتقل الإذن لمن بعده.
س4 / إذا رفض الزوج علاج زوجته وفحصها لدى طبيب بحجة أنه لا يريد أن يتولى ذلك إلا طبيبة, وما الحكم لو كان له ابنه راشدة أو قاصرة وهي فاقدة للوعي, وحالتها تستدعي التدخل الجراحي العاجل ولا يوجد إلا طبيب وهو يرفض أي الأب أن يتولى علاجها غير النساء؟(2/89)
جـ4 : الأمر يتوقف على حالة هؤلاء النسوة, فإن كانت الحالة خطرة بحيث يخشى على حياتهن, واستُفْرِغ الجهد في البحث عن طبيبة فلم توجد فيجب استنقاذهن وإجراء العمليات اللازمة حتى وإن قام بها طبيب. وامتناع الزوج أو الأب في هذه الحالة إضرار بزوجته أو ابنته, والضرورات تبيح المحظورات, بل يجب استنقاذ النفس بأكل الميتة وشرب الخمر، رغم أنها محظورات إذا توقفت الحياة على تناولها.
فتنتقل الولاية عن الزوج أو الأب لمن بعده من الأولياء الذين ينظرون في مصلحة المريض . والله أعلم
وأخيراً فإن هناك سؤالاً يتردد ومفاده أن بعض المرضى يحتاج إلى عملية مهمة لحياته , فإذا شرح له الطبيب ما يمكن أن يترتب على العملية من المضاعفات وهي نسبة ضئيلة فلن يوافق أبداً , أو يكون عامياً لا يدرك ولا يفهم معنى ما يقوله الطبيب من شرح بل يفهم أن هذه العملية سبب لهلاكه , وربما يكون من أقاربه من سيفهم شرح الطبيب فهل لابد من إبلاغ المريض بكافة المعلومات المعتادة حتى لو أدى ذلك إلى رفضه للعملية المهمة أم يكتفي بالقدر الذي يفهمه, ويفهم الباقي لقريبه فإن لم يوجد قريبه هذا, فيسكت الطبيب عن بقية التفصيلات؟
جـ : الذي يظهر لي – والله أعلم – أن المريض يُبلغ بكل المعلومات بطريقة مناسبة وهذا من حقه على الطبيب طالما أنه كامل الأهلية , ثم يكون القرار بيده في رفض العملية أو قبولها. والله أعلم
- الخاتمة
أهم النتائج التي توصل إليها البحث ما يلي :
1. الإذن الطبي هو موافقة المريض أو وليه على الإجراءات الطبية اللازمة لعلاجه .
2. الأصل عدم جواز المعالجة للمريض إلا بإذنه أو إذن وليه عند الحاجة ويستثنى من ذلك الحالات الخطرة التي لا يمكن فيها أخذ إذن المريض ولا وليه , وكذلك حالات الأمراض المعدية فلا بد من علاجها ولو بغير إذن المريض .
3. ترتيب الأولياء في الإذن بحسب قرابتهم في الميراث تعصيباً , ويقدم الزوج عليهم .(2/90)
4. الإشهاد على إذن المريض سائغ , ويمكن أن يُكتفى عنه بالإقرار الموقع عليه من قبل الطبيب .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
(1) انظر : الموسوعة الطبية الفقهية , ص 54 .
(2) انظر: أحكام الجراحة, ص 243 – 245 .
(3) انظر: د .البار, المسؤولية الطبية وأخلاقيات الطبيب, ص 76،77, والموسوعة الطبية الفقهية, ص54.
(4) انظر: صحيح البخاري, بتحقيق د. مصطفى البغا, 5 / 2158 , دار ابن كثير – بيروت, ط 3 .
(5) انظر: الأشباه والنظائر , ص 83 .
(6) انظر: السيوطي, الشاطبي, الموافقات 2 / 10 , الموسوعة الطبية الفقهية , ص 54 , وأحكام الجراحة , ص 244 .
(7) أنظر: التداوي والمسؤولية الطبية ( مرجع سابق ) ص 211
(8) انظر المغني, 8/117 وأحكام الجراحة و 235 .
(9) انظر: ابن القيم :تحفة المودود في أحكام المولود , ص 118
(10) انظر: أحكام الجراحة , ص 235 .
(11) انظر: ص 6 من هذا البحث.
(12) سورة النحل آية 106 .
(13) انظر: أحكام الجراحة ص 273 .
(14) انظر: الأخطاء المدنية والجنائية للأطباء ( مرجع سابق ) ص 33
(15) أنظر: أحكام الجراحة , ص 236 .
(16) سورة الطلاق آية 2 .
(17) انظر: د. البار , المسؤولية الطبية وأخلاقيات الطبيب , ص 88
(18) انظر : الموسوعة الطبية الفقهية , ص 56 .
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7313
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات[15/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات[15/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
26/4/1427
24/05/2006
- جمع الزكاة من المسلمين المقيمين في الغرب؟
- ماذا أفعل بالفوائد الربوية غير المقصودة؟
- بناء المساجد بتبرعات غير المسلمين
- بطاقة الفيزا
- العمل في محلات تبيع لحم الخنزير
- بيع الخمر والخنزير لأجل كسب العلماء؟
- مضاربة فاسدة
جمع الزكاة من المسلمين المقيمين في الغرب.(2/91)
السؤال : هل يجوز لنا أن نجمع الزكاة من المسلمين المقيمين في هذه البلاد ثم نقوم بعد ذلك بتوزيعها على المستحقين في صورة دفعات تستمر لسنة كاملة وليس دفعة واحدة في حالة معرفتنا أنه قد ينفد المال الذي يصل إلى المستحق ثم يحتاج ولا يجد من يعاونه أو أنه يحتاج إلى هذا المال في مواسم معينة ؟
الجواب :
نعم يجوز جمع أموال الزكاة وحبسها لتعطى إلى الفقراء على شكل دفعات بحسب ما يتناسب مع حاجاتهم حتى المزكي نفسه يمكنه أن يفعل ذلك إذا رأى مصلحة الفقير فيه لكن عليه أن يعزل ذلك المال من سائر ماله وأن لا ينتفع به انتفاعاً خاصا.
ماذا أفعل بالفوائد الربوية غير المقصودة؟
السؤال : أنا طالب كنت أدرس منذ سنتين في بريطانيا وكنت أتقاضى منحة دراسية من بلدي عن طريق أحد البنوك وكما تعلمون فإن البنوك تعطي فائدة بسيطة ولم أقم في ذلك الوقت بخصم هذه الفائدة من أموالي لأني لم أكن أعرف قيمتها بالضبط ولا كيفية خصمها حيث إنها لم تكن ذات قيمة ثابتة ولقد قمت بالتصرف في كل مالي تقريباً عدا القليل الذي ما يزال بحسابي بالبنك.
والسؤال هو : هل يجوز لي خصم هذه الفائدة الآن وكيف يمكنني أن أفعل ذلك ؟ وهل يمكنني تقدير قيمة الفائدة وبالتالي خصمها من المال بالعملة المحلية لبلدي ؟
والسؤال الثاني: بخصوص المال المتبقي في حسابي حوالي 1000دولار أمريكي منذ سنتين وهو ثابت القيمة هل يجوز لي أن أستخرج الزكاة على هذا المال كلما مر عليه الحول مع العلم بأني أدخر هذا المال لدفع رسوم دخول الامتحانات في بريطانيا في المستقبل.
الجواب :
بالنسبة إلي التصرف بالفائدة فاجتهد في طلب معرفتها عن طريق حسابك في البنك فإن تعسر عليك ذلك فلا بأس أن تقدرها بالتقريب والظن وتحتاط في ذلك التقدير بما تحسب أن ذمتك قد برئت به ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وحين تحدد مبلغ الفائدة فيجب عليك صرفها للفقراء ولا تنتفع بها لنفسك.(2/92)
أما ما سألت عنه بخصوص الزكاة على المبلغ المذكور فإن نصاب المال هو ما يعادل 85 غراماً من الذهب الخالص والذي يعلن عنه عادة في الصحف وأسواق المال فإذا بلغ مالك قيمة النصاب المذكور ومرت عليه في حسابك سنة وجبت عليك فيه الزكاة والظاهر من السؤال أنه لا زكاة عليك حيث إن المبلغ المدخر مرصود لحوائجك الأصلية.
بناء المساجد بتبرعات غير المسلمين
السؤال : بعض الأغنياء ممن لا تخلو أموالهم من شبهة إذا تبرعوا لبناء مسجد كلاً أو بعضاً فما هو الحكم الشرعي في قبول ذلك منهم؟ ولو تبرعت جمعية أو جهة أخرى من غير المسلمين لصالح بناء المسجد فهل يقبل منهم ذلك ؟
الجواب:
نعم يجوز قبول التبرع من الأفراد أو المؤسسات أو الحكومات مسلمة كانت أو غير مسلمة حتى ولو غلب على ظننا أنها أموال غير مشروعة من وجهة النظر الإسلامية، إلا إذا كانت محرمة العين مثل الخمر والخنزير وذلك لأن قبول التبرع منهم بمنزلة قبول الهداية، إذ التبرع نوع منها، هذا عند جمهور الفقهاء وعندما تنتقل هذه التبرعات إلينا يصبح من الواجب أن تخضع للأحكام الشرعية.
وفي حالة حصول التبرع من غير المسلمين يستثنى من القبول حالتان:
الأولى: ما إذا كان هذا التبرع يؤدي إلى إضعاف ولاء المسلم للإسلام وأهله.
الثانية: ما إذا كان هذا التبرع مشروطاً بما يضر بمصالح المسلمين. (الدورة الثانية)
تعليق:
قلت: قد نص شراح خليل على كراهة الصلاة في المسجد المبني بالمال الحرام.
بطاقة الفيزا
السؤال:إن بعض البنوك تصدر بطاقات ائتمان مثل الفيزا VISAبحيث يشتري حامل البطاقة بواسطتها من الأسواق ما يريد وفي آخر الشهر يرسل البنك إلى حامل بطاقة فيزا VISA كشف حساب ليسدد ما عليه خلال خمسين يوماً فإذا سدد قبل نهاية الخمسين يوماً فإنه لا يدفع سوى ما صرفه فعلا دون أي فائدة ربوية وإذا تأخر عن الخمسين يوماً فإن البنك يقوم بتحميله فوائد ربوية عن المدة التي تأخرها.(2/93)
ومعظم المسلمين في الغرب يحملون هذه البطاقات ويشترون بواسطتها ويسددون قبل نهاية المدة المتاحة وبذلك لا يستحق عليهم أي فوائد ربوية.
والإيجابيات لحامل بطاقة فيزا VISA أنه لا يحمل نقوداً تتعرض للضياع أو السرقة في بلد إقامته أو سفره، ويشتري بواسطتها من معظم دول العالم دون الحاجة لتصريف العملة وهي قرض حسن لمدة 50يوماً.
والإيجابيات للبنك الذي يصدر بطاقة فيزا VISA هي أن يأخذ من البائع الذي اشترى منه حامل بطاقة الفيزا VISA نسبة 2% من قيمة المشتريات ويأخذ فوائد ربوية من حاملي بطاقة فيزا الذين لا يسددون حسابهم خلال الخمسين يوماً.
وهناك عرض من أحد البنوك لإصدار بطاقة الفيزا باسم الهيئة الخيرية بحيث يظهر اسم الهيئة مكان اسم البنك وبذلك تظهر الهيئة كمصدرة لهذه البطاقة.وإدارياً لا تقوم الهيئة بأي جهد مطلقاً. فالبنك يقوم بكل ذلك.
والإيجابيات للهيئة الخيرية هي أنها تحصل على نسبة كأرباح من البنك كلما استعمل حامل البطاقة بطاقته فيزا ولا تتحمل الهيئة الخيرية أو حامل بطاقة الفيزا أي مصروفات تجاه هذا المشروع. وكل ما هو مطلوب من الهيئة الخيرية هو تزويد هذا البنك بعناوين متبرعي الهيئة ليرغبهم باقتناء بطاقة فيزا ومن الممكن أن توزع الهيئة حملاتها البريدية عن طريق البريد الصادر من البنك شهرياً لحملة البطاقات وبذلك توفر أجور البريد وعلى حامل بطاقة الفيزا توقيع اتفاقية مع البنك تشير أحد بنوده إلى أن حامل البطاقة عليه دفع فوائد ربوية إذا مضت مدة خمسين يوماً الممنوحة له ولم يسدد حسابه قبل نهاية تلك المدة.
والسؤال هو : هل يجوز لهذه الهيئة الخيرية أن تكون وكيلا عن بنك بتسويق بطاقات فيزا وذلك مقابل فرصة لدعم المشاريع الخيرية من ذلك البنك ؟
الجواب :(2/94)
في عدد من البلاد الإسلامية قامت المصارف الإسلامية بإصدار بطاقة فيزا شرعية خالية من الشبهات بعيدة عن الفوائد كما في بيت التمويل الكويتي ومصرف قطر الإسلامي وبنك قطر الدولي الإسلامي وشركة الراجحي بالسعودية وغيرهما من المؤسسات المالية الإسلامية.
وهذه لا حرج في استخدامها بعد أن أجازتها هيئات الرقابة الشرعية في تلك البنوك.
ولكن يبقى السؤال عن وضع هذه البطاقات خارج العالم الإسلامي وفي البلاد التي لا توجد فيها بنوك إسلامية : ما حكم هذه البطاقات ؟
والذي عليه الفتوى من أكثر علماء العصر فيما نعلم هو : إجازة استخدامها للحاجة الماسة إليها مع لزوم تسديد الحساب المطلوب قبل نهاية المدة الممنوحة له حتى لا تترتب عليه فوائد التأخير فيدخل في إثم مؤكل الربا. وهو الذي جرى عليه تعامل عامة المسلمين في بلاد الغرب من غير نكير عليهم من أحد يعتد به.
ويشترط فيمن يستخدم هذه البطاقة أن لا يستخدمها إذا لم يكن له رصيد في حسابه.
وإذا كانت الفتوى المعتمدة هي جواز استخدام هذه البطاقات للأفراد فلا مانع أن تقوم بعض الهيئات الخيرية الإسلامية بالوكالة عن البنك بتسويق هذه البطاقات بين متبرعيها وأن تصدر هذه البطاقات باسمها بحيث تظهر الهيئة كأنها المصدرة لهذه البطاقة ما دامت لا تتحمل الفوائد ولا يترتب عليها أية مسؤولية في ذلك ولا تتحمل أي مصروفات تجاه هذا المشروع.
وستحصل الهيئة على نسبة مئوية بوصفها أرباحاً من البنك كلما استعمل حامل البطاقة بطاقته. فالبنك يستفيد لنفسه ويفيد الهيئة بإعطائها نسبة معينة من ربحه.
ويشترط فيمن يستخدم هذه البطاقة أن لا يسحب بها أموالا نقدية إذا لم يكن في حسابه ما يغطيها. ( الدورة الأولى)
العمل في محلات تبيع لحم الجنزير(2/95)
السؤال: أنا مسلم أعمل في ما يعرف بمحلات الماكدونالدز وهي محلات تبيع الأطعمة والمأكولات الخفيفة وفي الواقع فإن هذا المحل يبيع لحوم الخنزير وكما تعلمون فإنه ليس من السهل أن يجد المرء عملا آخر يقتات منه وذلك بسبب ضعف المرتبات علماً بأن لدي زوجة على وشك أن تضع مولوداً وأنا الوحيد الذي أعمل من أجل أن أعولها.
كذلك أود أن أشير إلى أن المحل يبيع مأكولات أخرى مثل السندوتشات المحشوة بالبيض أو البيرجر فهل يتوجب علي أن أترك هذه الوظيفة وأبحث عن غيرها ؟
الجواب :
إن الله عز وجل حرم أكل لحم الخنزير بنصوص قطعية صريحة في كتابه أما بيعه فإنه مما ثبت في السنة تحريمه فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة: " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". (متفق عليه البخاري رقم 2121 ومسلم1581)
فالأصل في هذا العمل المقترن ببيع الخنزير تحريمه بنص حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فالواجب عليك أن تبحث عن سبب آخر للرزق فإن لم تجد عملاً حلالاً ولا مصدراً طيباً لكسب رزقك فإن كان لا يضر بك أن تطلب من المسؤولين عن العمل أن يعفوك من بيع الخنزير فيجب عليك أن تفعل ذلك أو تطلب من عامل آخر غير مسلم ممن يعمل معك أن يكفيك هذا الأمر وتعمل أنت فيما سوى ذلك من الأعمال التي ليس فيها حرمة فإن تعسر عليك كل ذلك فلا بأس باستمرارك في العمل الحالي إذا لم يكن عندك من الدخل ما يقوم بكفايتك مع بذل الوسع في الحصول على عمل آخر يخلو من الحرام.
بيع الخمر الخنزير لأجل كسب العملاء
السؤال: أخ مسلم قام بفتح مطعم في هذا البلد ويطلب الجواب عن المسائل التالية :
1- رأى الإقبال على الشراء من مطعمه ضعيفاً وذلك لأنه لا يبيع الخمر أو المشروبات المحرمة شرعاً فهل يجوز له أن يبيع الخمور أو بعض المشروبات المحرمة شرعاً ثم يتصدق بثمنها دون أن يمس منه شسئاً ؟(2/96)
2- بعض الزبائن يطلبون منه أن يؤجر لهم المحل لعمل بعض الحفلات وهم يحضرون معهم الخمور ولكنهم لا يستعملون أي أدوات من المطعم وصاحب المطعم لا يشاركهم في حفلاتهم فهل يجوز له ذلك ؟
3- سمعنا أن هناك نوعاً من البير "ماء الشعير" تباع في بعض الدول الإسلامية وهي لا تحتوي على الكحول كما يشاع فهل يجوز لنا أن نشربها ؟ وهل يجوز بيعها في المطعم المذكور؟
الجواب :
1- لا يجوز له أن يبيع الخمور وما هو محرم من الأطعمة أو الأشربة حتى مع عدم انتفاعه بأرباحها وتصدقه بها وعليه أن يتقي الله تعالى في كسب رزقه "وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" [الطلاق2-3].
ويعلم أن البركة في الحلال وإن قل في نظره والحرام ممحوق البركة لا خير فيه والمؤاخذة عليه باقية على مكتسبه إلا أن يغفر له الله ويرحمه.
تعليق:
قلت: مسألة بيع الخمر لغير المسلمين في دار غير المسلمين جائزة عند أبي حنيفة وكذلك بيع الخنزير وغيره فليراجع في هذا الكتاب.
2- لا مانع من تأجير المحل للغرض المذكور وبالصفة المذكورة وليس صاحب المحل مسؤولاً عما يفعلونه ضمن إجارتهم إنما هو مسؤول عن نفس عملية التأجير فما دامت خلت من الحرام في نفسها فهي جائزة.
تعليق:
قلت : هذا هو مذهب الشافعي خلافاً لمالك وأحمد .
3- كل مشروب لا يسكر فهو حلال فحيث أن هذا النوع من الشراب المسمى في السؤال لا يسكر لخلوه من مادة الإسكار فهو حلال وإن سمي باسم قبيح جرت العادة بإطلاقه على المسكرات فإن العبرة بالمسميات لا بالأسماء وما جاز شربه جاز بيعه. ( الدورة الثانية)
مضاربة فاسدة!(2/97)
السؤال : لي مبلغ من المال أعطيته لتاجر ليدخله إلى رأس ماله كي يتاجر به فيستفيد هو وأستفيد أنا كذلك. وأنا والذي نفسي بيده لا أرضى بالربا ولا أحبه وما نويته وما خطر لي على بال. وقد طلبت من هذا التاجر أن نتفق على نسبة في الربح والخسارة فأبى بحجة أن ذلك سيشق عليه بمعنى أنه سيضطر إلى إجراء حسابات وحسابات وهو لا يريد ذلك وأنا أظن أن هناك سبباً آخر لم يصارحني به وهو أنه لا يريد أن يطلعني على أشياء أخرى على سبيل المثال: كم هو ربحه الحقيقي وربما تكون هناك أسباب أخرى.
وخلاصة الأمر: فقد أكد لي هذا التاجر أن ماله سيربح ومن أجل أن يريح نفسه من الحسابات وغير ذلك فقد قرر أن يعطيني 10% سنوياً.
فقلت له أخشى أن يكون هذا ربا فأكد لي أن هذا ليس ربا لأن المال يربح أكثر من ذلك وهو إنما يريد أن يعطيني هذه النسبة كما ذكرت ليريح نفسه من عناء الحسابات فما هو الحكم الشرعي في هذه الحال؟
بالنسبة لي إذا كان المال يربح أكثر من 10% فأنا أسامح هذا التاجر بما هو فوق ذلك وأرضى بـ10% لأنها أفضل من أن يكون المال في درج طاولتي أو في حسابي في البنك.
وإذا كان ربح المال أقل من 10% أو أن المال سيخسر فإني سأستحلف هذا التاجر بالله أن يصدقني القول فإن قال لي إن المال ربح أقل من 10% أو خسر فإني سأخذ قدر ما ربح المال فقط بمعنى أني سأشاركه الربح وإن كان قد خسر المال فسوف أشاركه الخسارة.
أفتوني إخواني جزاكم الله خيراً في فعلي هذا هل هو مطابق للشرع أم لا ؟ وإن كان هذا لا يرضي الشرع فكيف يمكنني أن استثمر مالي بما يرضى الشرع الحنيف؟
الجواب :(2/98)
نيتك طيبة في حرصك على عدم أخذ الربا لكن العقد مضاربة فاسدة وذلك للجهالة في النسبة عند الاتفاق لذا يجب تصحيح ذلك العقد بتحديد نسبة صريحة في العقد فإذا تعذر عليك تصحيحه فلا يجوز أن تحدده إذا انتهت مدته كذلك لا يجب عليك أن تستحلف شريكك على الربح أو الخسارة وإنما يكفيك أن تطلب منه أن يخبرك بالخسارة عند وقوعها.
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5 16 17
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7323
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - المجروح!! [3/3]
دراسات علمية رسائل جامعية
المجروح!! [3/3]
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
………
29/4/1427
27/05/2006
- بين الفريقين
- المانع من الجناية
- اعتراض
- حكمة العقوبة
- بين الفريقين ؟.
فأما المفسدون، الذين يعلمون بثمرة عملهم، ويحبون ذلك، وهم:
- قلة من أولياء الأمور.
- وقلة من الذين يسمحون بالاختلاط في الأمكنة التي هم مسئولون عنها.
- وأولئك الذين يستغلون وسائل الإعلام لترويج الفساد.
فهؤلاء يحبون الفاحشة، ويعرفون أنهم متسببون في مآسي هؤلاء المساكين من الأطفال؛ لذا فهم ساكتون، وإن تكلموا فتعرف اللحن في كلامهم.
أما الذين تسببوا في الجناية بغير قصد، الذين لا يرضون بالإثم، وهم:
- بعض أولياء الأمور.
- وبعض الذين يسمحون بالاختلاط في الأمكنة، التي هم مسئولون عنها.
- والذين يفتون بجواز الاختلاط، من المشتغلين بالشريعة.
فإنهم قالوا: لسنا جزءا من المشكلة، ونحن لا نرضى بهذه العلاقات الآثمة. وإذ سمحنا بالجمع بين الجنسين فنحن نقصد تهيئة علاقات طبيعية بين الجنسين، ليس فيها شبق ناتج عن فصل متعسف، مبناها على الثقة المتبادلة والاحترام. فالمشكلة ليست في الاختلاط إذن، إنما في قلة الوعي، والتربية، وفي آلات الإعلام.(2/99)
وقبل الجواب يقال: قد تبين أن السبب ذاته يرتكبه فريقان، يكون أحدهما: آثما. والآخر: مغفورا له. فأولياء الأمور الذين أذنوا لمحارمهم بالاختلاط بالأجانب، وأولئك الذين يأذنون بالاختلاط فيما يقع تحت مسؤولياتهم:
- فيهم من هو آثم؛ كونه يعلم بما يترتب عليه من الآثام، ولا يبالي.
- وفيهم من هو مغفور له إن شاء الله تعالى، غافل غير مدرك، اشتبه عليه، لو أدرك الحقيقة لما أذن.
ثم يقال لهذين الصنفين، اللذين عندهما كثير من حسن الظن، وقليل من الإدراك والوعي:
قد أقررتم بأن آلات الإعلام لها دور في هذه المشكلة. وأنتم لا تملكون منعها، أفلا منعتم ما تقدرون منعه، فامتنعتم من انتهاك جدار الحجاب، فتركتموه كما هو ؟.
فما حاجتكم إلى دفع المرأة إلى الاختلاط، وقد علمتم أن آلات الإعلام تفعل فعلها إذا حصل الاختلاط ؟.
ثم من أين لكم أن التربية والتوعية وحدها تكفي في تجنب هذه المشكلة ؟.
هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه: ربى أصحابه فأحسن تربيتهم. وربى أهله بيته فأحسن تربيتهم.
- فهل رأيتموه جمع بعد ذلك بين: أصحابه، وأزواجه، وبناته، ونساء الصحابة في مجلس واحد: للشورى، أو للعلم، أو للعمل، أو للتحضير للغزو، أو في السفر، أو في الحضر ؟.
- هل رأيتموه يدعو إلى الجمع بين الجنسين ولو في نص واحد، بدعوى المساواة، وإعطاء المرأة حقوقها ؟
- هل رأيتموه يأمر المرأة أن تخرج من بيتها، لتشارك الرجل الأجنبي في بناء المجتمع المسلم ؟.
- أم رأيتموه يأمر بقرارها في البيت، حتى جعل صلاتها في بيتها خير من صلاتها معه في مسجده ؟.
- أم رأيتموه ينهى النساء عن التقارب مع الرجال حتى في الطرقات، ترسيخا لمبدأ الفصل ؟.
- أم رأيتموه يجعل للنساء مكانا في مؤخرة المسجد، وبابا خاصا، ترسيخا لمبدأ الفصل لا الجمع ؟.
- أم رأيتموه يخصص لهن يوما للتعليم ؟، أفلا جمعهن مع الرجال في الحلق كل يوم ؟.(2/100)
ألم تقفوا على هذه النصوص، وأنتم تحتجون بالثقة، أفكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يثق في بناته، ونسائه، وقريباته، ونساء الصحابة ؟!.
كلا، وحاشا، بل عين الدين والحكمة: أن تمنع أسباب المنكر والفاحشة، مع التحصين منه بالتربية.
- فالتحصين نافع إذا تورط الرجل والمرأة في اختلاط لم يرغبا فيه، ولم يسعيا من أجله.
- والمنع نافع في قطع الفتنة والبلية من أصلها.
وليس العاقل من تعرض أو عرض غيره للمهالك، بدعوى الثقة والخبرة.
كمن خرج في سفر، فبدل أن يحث السير، اشتغل بالبحث عن جحور الحيات والعقارب، بدعوى أنه خبير بها، فاشتغل بها، فقد ضيع وقته، فيما لو أنفقه في السير، لكان أسرع وصولا، وربما لدغته حية، فعطلته عن سفره، وربما قتلته.. فهل ما فعله فيه شيء من العقل أو الحكمة ؟!.
نعم هناك فئات نياتها حسنة، ومقاصدها طيبة، لكن أعمالها فتنة عمياء، وجزء خطير من المشكلة، فكم من مريد للخير لم يبلغه..؟!!.
*…*…*
- المانع من الجناية .
قد أصابنا ما أصابنا من الألم، في سماع هذه القصص، والأحوال المؤلمة لهؤلاء الفتية، وفيهم الفتيات كذلك، وما من أحد عاقل إلا يود لو منع حصول هذا من أصله، وإن أهم وسيلة لمنعه هو:
1- منع الأسباب المغرية بالعلاقات المحرمة، المنتشرة في: القنوات، المجلات، الصحف، الروايات، والقصص. والتي تغري إليها هذا الإثم، مثل: تكشف النساء، وميلهن، وما يمارس فيها من مقدمات النكاح علنا.
2- منع الاختلاط بين الجنسين، تحت أية دعوى كانت. فلا شيء مفيد ينتج عن الاختلاط، إنما ينتج عنه: طفلة أو طفل مجروح، وخراب البيوت، وفساد الأخلاق، وعلى قصير الفهم: أن ينظر في تجربة الدول المتقدمة.
3- منع المرأة من الخروج متزينة، في فتنة بادية، فليس كل عباءة اليوم تستر، بل فيها ما يغري ويزين.
4- قيام ولي أمر المرأة بواجبه مع محارمه، فلا يسافرن إلا بمحرم، وعليه أن يقوم بحاجتهن، وأن يخرج معهن.(2/101)
فإذا تحققت هذه الأربعة، فانظروا: هل توجد مشكلة كهذه المشكلة بعدها ؟.
كلا، لن توجد، وإن وجدت فبصورة محدودة جدا، فما هذه المشكلة إلا من تلك الأسباب.
وإذا أردنا ترتيب الأسباب، من حيث الأهمية:
- فأهم وسيلة لمنع العلاقات المحرمة: منع الاختلاط.
فكل ما سبق من مسببات للمحرم لن يكون له أثر مباشر كالاختلاط. المصيبة كلها في الاختلاط. ؟!!.. فإن التقارب، والتعارف، والصداقة، والكون معا، في مكان واحد: مكتب واحد، وفصل واحد، ومختبر، وعيادة، ومناوبة، ورحلات المشتركة.. ونحو هذا.
ليس شيء مثل هذا في الخطر؛ إذ به تستيقظ الغرائز، وتستجيب لداعي الهوى، فالرجل والمرأة إذا اجتمعا اشتعلت الغريزة، وتجاوبت النفس، وفي هذه الأحوال: تنسى المواعظ، وتختفي الأخلاق، ويرتفع الإيمان، وتذوب القيم، وتتلاشى التربية، وتتحلل الثقة بالنفس.. فكم من أديب سقط، وكم من عفيفة واثقة سقطت، وما زال الحكماء يرددون، ويحذرون من اختلاط وتقارب كهذا.
وليحذر من كل غرّ مخدوع، أو ماكر مخادع يريد أن يقنع: أن لا شيء من ذلك يكون. فكما قال القائل:
وليس يصح في الأذهان شيء …إذا احتاج النهار إلى دليل
- تأتى بعدها في الأهمية: قرار المرأة في بيتها.
فإذا خرجت فلحاجة وضرورة، من غير زينة؛ فإن المرأة إذا قللت من خروجها، فلم تخرج إلا لضرورة، تاركة الزينة، كان تقديرها أعظم من الفتنة بها؛ لزوال الفتنة، وحلول أسباب التقدير والتعظيم.
- بعدها في الأهمية: قيام ولي الأمر بواجبه، في صون وليته.
فهو مسؤول، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة المؤمنة موصوفة بالغفلة، في قوله تعالى، فقال: {المحصنات الغافلات المؤمنات...؛ لأنها لا تدرك الشر الذي يراد بها، فإذا لم يقم الولي بواجبه ضيعها.
- آخر الوسائل أهمية في هذه المعنى: منع وسائل الإعلام من المشاهد الآثمة.
من خروج المرأة كاشفة ستر الله عليها، إلى المناظر والأفعال المحرمة.(2/102)
ومع أن وسائل الإعلام خطيرة جدا، إلا أن تأثير لن يكون فعالا، ما دام أن المرأة لا تختلط بالرجال، ولا تخرج في زينة، والولي قائم برعايته. فإن الناس مهما رأوا في هذه الوسائل، فإن المتمني لن يستطيع فعل محرم، وهو لا يجد الوسيلة إلى ذلك، وإذا ما رأى امرأة تسير، فكانت محجبة بلا زينة، ولا فتنة، فإنه لن ينساق وراء شهواته، لشعوره أن هذه مصونة، ولا تصلح إلا للزواج، لا لشيء آخر.
وهكذا فإن تأثير هذه الوسائل حينئذ سيكون في الرغبة في الزواج السريع، لا غير ذلك.
أما إذا كانت المرأة هي الأخرى تتبدى بين الرجال، تصادقهم، وتزاملهم، مع كل تلك الوسائل المثيرة للغريزة: فهل يريد متذاكي أن يقنع الناس: أنه لا ضير من ذلك، وأن التربية كفيلة بمنع كل ما يخشى ؟!.
*…*…*
- اعتراض.
قال قائل، اشتبه عليه ما لا يشتبه: هل تريد القول: أن كل اختلاط، ففيه علاقة محرمة ؟.
فالجواب: ليس كل اختلاط فيه علاقة محرمة. فالمعادلة ليست كذلك، بل كما يلي:
- كل اختلاط، فبيئة ملائمة مهيئة، لعلاقة محرمة، قد ينتج عنها: وليد مجروح أبد الحياة.
فكونه بيئة يفيد أنه: ليس من اللازم حدوث علاقة. بل مظنّة قوية، وداع قريب غير بعيد، كما يقال:
- هذه الأرض وباء. ولا يلزم من ذلك مرض كل من فيه، لكن الكل معرض للمرض.
- الحرب مظنة الموت. وليس كل من ذهب فهو مقتول، لكن الكل معرض للقتل.
فكون الظن قويا: فإن من المعقول والحكمة إعمال هذا الظن، باجتناب ما يؤدي إلى الهلكة.
والناس يعرفون هذا، ويطبقونه في كل شيء، فإذا ما جاءوا إلى الاختلاط نسوا، وما تذكروا إلا الأغلوطات، وضيعوا كل القواعد والأصول..!!.
*…*…*
قال القائل: ألا ترى أنك تبالغ في خطر الاختلاط، فقد صوّرته وكأنه كارثة محققة ؟.
فالجواب: ليست مبالغة، بل حقيقة. المبالغة هي التي لم تسند بأدلة، أما والأدلة كلها وتنطق بالخطر، فلا.(2/103)
فهذا العالم يشتكي من الفجور وانتشار الزنا، بشكل لم يعرف، وإذا نظرنا إلى السبب الذي تغير فيما يتعلق بهذه المشكلة خصوصا: وجدناه خروج المرأة واختلاطها بالرجال. بصورة لم تكن معهودة من قبل.
فبان أن العلة هو: الاختلاط.
حتى البلاد الإسلامية تئن من هذا المصاب؛ ليعلم أن بلية الاختلاط وأثره: لا يحمي منه الانتماء إلى الإسلام.
*…*…*
- حكمة العقوبة.
لقد كان من عقوبة الزانية والزاني، إذا كان محصنين: رجمهما بالحجارة حتى الموت.
ويمكن أن تلتمس الحكمة من هذه العقوبة، الشديدة البالغة: أن هذين بفعلهما، هدما بيتيهما، وأسرتيهما، فكانا في المثال، كمن هدم بنيان بيته، فشرد منه أهله وساكنيه، فاستحق بذلك أن يرجم بحجارته، فيُشّرد
بها كما شرد أهلها، فيذوق الألم، كما أذاقه.
فالمحصن هو: الذي تزوج، وأنشأ أسرة.
- فعلم وأدرك عظم حاجة الطفل إلى الأسرة، وأن يكون ذا أبوين.
- وفهم واستوعب الآلام والوحشة، التي يعانيها المحروم من الأسرة والأبوين.
- وعرف أن العلاقة الجنسية هي سبيل نتاج الأطفال.
فإذا جنح بعد هذا العلم والإدراك، والفهم والاستيعاب، والمعرفة: فاقترف جناية محرمة. فهو كمن يتعمد إيذاء وجرح إنسان في قلبه، وروحه، وعقله، هو ذلك الطفل الوليد، جرحا لا يلتئم، أبد الحياة.
فهل عرفنا لم استحق الرجم، ومثله تلك المحصنة الزانية ؟.
وإن كانا بكرين: فالجلد مائة، والتغريب عاما.
وفي هذا التغريب شعور بالوحشة، والوحدة، والكآبة، والبعد عن الإلف، والقرابة؛ لعله يتذكر حال مولود يجيء من هذا الطريق، فيعيش في: وحدة، وكآبة موحشة، وبعد، وغربة، وانفصال عن القريب.
ليتذكر كل من تمنى أو أراد فعل فاحشة: أن من الآثار الموحشة لفعله: الإساءة إلى طفل وإنسان، يعيش أبد حياته كسير النفس، مليء الحزن، يدعو باللعنة والانتقام على من تسبب في حاله.
ليتذكر هذا كل فتى وفتاة، وكل رجل وامرأة..
وليتذكره كل من أسهم ولو بشكل غير مباشر في هذا الجرح.
*…*…*(2/104)
أيها المستهين بالأعراض، الهاتك لستر الغافلات: هل شعرت بألم هذا الطفل أو الطفلة ؟.
أيتها المستهينة بالعفة، المتلاعبة بنفسها: هل شعرت بألم هذا الطفل أو الطفلة ؟.
هل شعرتما بالجرح الذي في نفس هذا المجروح المسكين البريء، الذي سيكبر، ويكبر الجرح معه ؟.
هل علمتما من كان الذي جرحه، فحطّمه، فجعله كسير النفس، معذبا، يتلوى ألما ؟.
-…أنتما ..!!.
| 1 | 2 | 3 |
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7335
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - العولمة وأثرها على الهوية [1/2]
دراسات علمية رسائل جامعية
العولمة وأثرها على الهوية[1/2]
د. خالد بن عبد الله القاسم
………
2/5/1427
29/05/2006
- تعريف العولمة
- تعريف الهوية وأهميتها
- الآثار السلبية للعولمة على الهوية
* تعريف العولمة
العولمة كظاهرة بدأ انطلاقها في بداية هذا القرن الهجري في الثمانينات الميلادي وهي مرتبطة بثلاث أحداث كبرى سياسية،وتقنية، واقتصادية.
1- السياسية: حيث انتهاء المواجهة بين الشرق والغرب، وانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك المعسكر الشرقي.
2- التقنية: وهي الثورة المعلوماتية، حيث شهدت هذه الفترة طفرة تقنية هائلة في مجال الاتصالات الإلكترونية وانتقال المعلومات، حيث ساهمت مساهمة فعالة في حدوث العولمة. .
3- الاقتصادية: وظهور منظمة التجارة العالمية عام 1995م، ومقرها جنيف لتخلف الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية (الجات) وكتتويج لانتشار مذهب التبادل الحر واقتصاد السوق الذي بات أيديولوجية تسيطر على العالم شرقه وغربه، وهو ما وافق عليه قادة العالم عام 1998م، أثناء مشاركتهم في الاحتفال بمرور 50 عاماً على الجات (1) ، وظهور الشركات متعددة الجنسيات.(2/105)
لم توجد العولمة في السابق مع سيطرة أمم عسكرياً واقتصادياً كالحضارة اليونانية والرومانية والإسلامية وبريطانيا ولكن في الوقت الحاضر اجتمع سيطرة القطب الواحد مع التقدم المذهل في الاتصالات والمواصلات ..
تختلف تعاريف العولمة بين المفكرين حيث يركز كثير من الكتاب على الجانب الاقتصادي وينبه على خطورتها من هذا الجانب بزيادة الفقر وتكدس الأموال وخدمة الشركات الكبيرة واضمحلال الصغرى أو إيجابيتها من انفتاح الأسواق وزوال الحواجز عن الأيدي العاملة، ومنهم من يبشر بها باعتبارها تحرر من الدول المغلقة وانطلاق نحو العالمية والتقدم.
ومنهم من يركز على الجانب الثقافي وأضراره، ومنهم من يأخذها بمفهومها الشامل، وهذا الاختلاف بسبب ذكر كل واحد جانباً من الموضوع وهو يذكرنا بمثل الذين دخلوا على الفيل في غرفة مظلمة فكل منهم عرفه بما لمسه منه.
ومع اختلاف تعريفات العولمة إلا أنها تأخذ عدة ظواهر:
- التقدم الهائل في وسائل الاتصال، لا سيما ظهور الإنترنت والقنوات الفضائية.
- هيمنة الغرب لا سيما أمريكا وسقوط المعسكر الشرقي، وتأخذ هذه الهيمنة أبعاداً عسكرية واقتصادية وثقافية وسياسية.
- بروز المؤتمرات المؤسسات الدولية والشركات متعددة الجنسيات.(2/106)
وهذه التعريفات تتباين في درجة قبولها وخطورتها، حيث نجد أن أكثر المفكرين المسلمين ينبه على خطورتها مع التركيز على الاقتصادي كما فعل د. سعد البازعي حيث يقول: ”العولمة هي الاستعمار بثوب جديد، ثوب تشكله المصالح الاقتصادية ويحمل قيماً تدعم انتشار تلك المصالح وترسخها، إنها الاستعمار بلا هيمنة سياسية مباشرة أو مخالب عسكرية واضحة. إنها بكل بساطة عملية يدفعها الجشع الإنساني للهيمنة على الاقتصادات المحلية والأسواق وربطها بأنظمة أكبر والحصول على أكبر قدر من المستهلكين، وإذا كان البحث عن الأسواق والسعي للتسويق مطلباً إنسانياً قديماً وحيوياً ومشروعاً، فإن ما يحدث هنا يختلف في أنه بحث يمارس منافسة غير متكافئة وربما غير شريفة من ناحية ويؤدي من ناحية أخرى إلى إضعاف كل ما قد يقف في طريقه من قيم وممارسات اقتصادية وثقافية“ (2) .
بينما يركز آخرين على الجانب الثقافي وربما سموها اختراقاً كما فعل الدكتور محمد عابد الجابري حيث قال: ”أن العولمة تعني: نفي الآخر، وإحلال الاختراق الثقافي .. والهيمنة، وفرض نمط واحد للاستهلاك والسلوك“ (3) . أو فرض النموذج كما يصفها الدكتور محمد سمير المنير حيث يقول: ”فالغرب يريد فرض نموذجه وثقافته وسلوكياته وقيمه وأنماطه واستهلاكه على الآخرين، وإذا كان الفرنسيون يرون في العولمة صيغة مهذبة للأمركة التي تتجلى في ثلاثة رموز هو سيادة اللغة الإنجليزية كلغة التقدم والاتجاه نحو العالمية، وسيطرة سينما هوليود وثقافتها الضحلة وإمكاناتها الضخمة، ومشروب الكوكاكولا وشطائر البرجر والكنتاكي .. “ (4) . أو غزو شامل كما اعتبرها أسعد السحمراني حيث قال: إن العولمة/الأمركة غزو ثقافي اجتماعي اقتصادي سياسي يستهدف الدين والقيم والفضائل والهوية، كل ذلك يعملون له باسم العولمة وحقوق الإنسان (5) .(2/107)
والتصريح بأنها أمركة تصريح صحيح باعتبارها المؤثر الأقوى وقد أكد على أن جوهر العولمة هو النمط الأمريكي، الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، حين قال في مناخ الاحتفال بالنصر في حرب الخليج الثانية: إن القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية، وأنماط العيش والسلوك الأمريكي (6) .
وربما تكون صهينة لا سيما واستثمار اليهود الذين يقودون الغرب وأمريكا تحديداً للعولمة للسيطرة على العالم من الاستعمار إلى الاستحمار (ركوب الأمم واستغلالها دون القضاء عليها) (7) .
بينما نجد البعض يجعلها مجرد انتماء عالمياً، كما عرفها الدكتور صبري عبدالله حيث قال: ”بأنها ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والثقافة والاجتماع والسلوك، ويكون الانتماء فيه للعالم كله، عبر الحدود السياسية للدول“ (8) .
بل إن البعض يجعل العولمة الثقافية مجرد خدعة لإلهاء الشعوب عن الغزو والمصالح الاقتصادية، حيث يقول حسن حنفي ”يتم تصدير صراعات الحضارات للنطق بما كان مسكوتاً عنه سلفاً ولتحويل العالم إلى دوائر حضارية متجاورة، ومتصارعة على مستوى الثقافات لإخفاء الصراع حول المصالح والثروات، وإلهاء الشعوب الهامشية بثقافاتها التقليدية، بينما حضارات المركز تجمع الأسواق، وتتنافس في فائض النتاج عوداً إلى النغمة القديمة، مادية الغرب وروحانية الشرق، الحضارة اليهودية المسيحية، في مواجهة الحضارة الإسلامية البوذية الكنفوشوسية“ (9) .(2/108)
ونجد سمير الطرابلسي ينبه إلى خطورة العولمة التي تشكلها الولايات المتحدة بجميع جوانبها المهمة حيث يعرفها بأنها الرؤية الاستراتيجية لقوى الرأسمالية العالمية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، والرامية إلى إعادة تشكيل العالم وفق مصالحها، وأطماعها، سائرة نحو ذلك الهدف على ثلاثة مسارات متوازية: الأول: اقتصادي وغايته ضغط العالم في سوق رأسمالية واحدة، يحكمها نظام اقتصادي واحد، وتوجه القوى الرأسمالية العالمية (الدول الصناعية السبع والشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات الاقتصادية العالمية، صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية) وتضبط حركته قوانين السوق وآلياته. والثاني: سياسي ويهدف إلى إعادة بناء هيكليات أقطار العالم السياسية في صيغ تكرس الشرذمة والتشتت الإنسانيين، وتفكك الأوطان والقوميات إلى كيانات هزيلة قائمة على نزعات قبلية عرقية أو دينية طائفية أو لغوية ثقافية، بغية سلب أمم العالم وشعوبها القدرة على مواجهة الزحف المدمر للرأسمالية العالمية والتي لا تستقر إلا بالتشتت الإنساني. وأخيراً المسار الثقافي الذي يهدف إلى تقويض البنى الثقافية والحضارية لأمم العالم، بغية اكتساح العالم بثقافة السوق التي تتوجه إلى الحواس والغرائز، وتشل العقل والإرادة، وتشيع الإحباط والخضوع، وتشهد منطقتنا العربية ترجمة لهذه التوجهات من خلال مشاريع الشرق أوسطية والمتوسطية (10) .(2/109)
وفي تقديري أن هذا أفضل تعريفات العولمة التي وقفت عليها، وبالإمكان القول أن العولمة:- وصف لظواهر متعددة يجمعها جعل العالم متقارباً مثل التقدم المذهل في وسائل الاتصال والمواصلات والفضائيات والإنترنت، والانفتاح المعلوماتي، مع سلطة القطب الواحد (أمريكا بقيادة صهيونية) الذي يسعى لعولمة اقتصادية وعسكرية تحقق مصالحه كما يسعى لعولمة ثقافية بفرض قيمه وثقافته (وهذه النقطة هي ما تعنينا) حول عولمة الثقافة المهدرة للهوية.
العولمة نموذج من مخططات الاستعمار التي نبه عنها وكتب فيها، الأمير شكيب أرسلان رحمه الله، وهذا قبل ظهور مصطلح العولمة، وقد كتب يقول: غوليامو فرير الفيلسوف الكاتب الإيطالي الشهير في علم الاجتماع والتاريخ لا في إيطاليا فحسب بل في أوروبا بأجمعها، وإذا كتب كتاباً أو نشر مقالة تجاوبت لها أصداء الشرق والغرب وتركت دوياً. نشر الفيلسوف المؤرخ المشار إليه كتاباً أخيراً باسم ”وحدة العالم“ لا يزيد على مئات معدودات من الصفحات طاف فيه على جميع الحوادث الجارية على سطح الكرة الأرضية، ودقق في مصادرها وأسبابها، فذهب إلى أنها مع تناقضها وتصادمها بعضها ببعض سائرة في الحقيقة على نظام ثابت مستقيم، ووصل إلى هذه النتيجة وهي:
أن مشروع الفتح والامتداد الذي يتابعه العالم المتمدن ”أي الأوروبي“ منذ أربعة قرون، والذي بدأ بطيئاً وانقلب سريعاً في آخر الأيام، يظهر للمتأمل أنه آيل إلى ”توحيد العالم الإنساني“ ولم يكن هذا ”التوحيد“ ليتم بدون جهد وبدون بلاء، لأن البشر خلقوا أطواراً، وبينهم من التدابر والتقابل ما يؤذن بالأخذ والرد والعكس والطرد، وهناك أسباب عديدة للحب والبغض والقرب والبعد، مع هذا كله تجد العالم سائراً إلى الوحدة، فإذا نظرنا إلى كيفية النظام السائد الآيل إلى هذه الوحدة وجدناها: بالإنجيل، وبالسيف، وبالإفناء، وبتبادل المساعدات، وبتبادل طلقات المدافع ....(2/110)
ثم يقول: هذه خلاصة نظريات الفيلسوف الإيطالي فريرو، وظاهر أنه يقصد بالإنجيل ”الثقافة الغربية“ التي هي وحدها تمشي في آسيا وأفريقيا وفي يدها الواحدة ”السيف“ وفي الأخرى ”ضماد للجرح“، وهي وحدها تفتنُّ في رق استئصال البشرية، وفي طرق توفير صحة البشر، تجمع في وقت واحد بين الضدين، وهي التي بين يديها الجندي من جهة، والقسيس من جهة أخرى (11) .
وبعد هذه الجولة في ماهية العولمة وحدودها لا سيما الثقافية؛ نسأل: هل العولمة أمر حتمي؟ فالجواب: نعم ولا، نعم باعتبار ما وصلنا إليه، ولا باعتبار إمكانية مقاومتها والحد من آثارها السلبية، وهذا ما سنتناوله في الفصل الثالث.
* تعريف الهوية وأهميتها
ما هي الهوية: الهوية مأخوذة من ”هُوَ .. هُوَ“ بمعنى أنها جوهر الشيء، وحقيقته، لذا نجد أن الجرجاني في كتابه الذائع الصيت ”التعريفات“ يقول عنها: بأنها الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب (12) .
فهوية الإنسان .. أو الثقافة .. أو الحضارة، هي جوهرها وحقيقتها، ولما كان في كل شيء من الأشياء –إنساناً أو ثقافة أو حضارة- الثوابت والمتغيرات .. فإن هوية الشيء هي ثوابته، التي تتجدد لا تتغير، تتجلى وتفصح عن ذاتها، دون أن تخلي مكانها لنقيضها، طالما بقيت الذات على قيد الحياة (13) .
”إن هوية أية أمة هي صفاتها التي تميزها من باقي الأمم لتعبر عن شخصيتها الحضارية“ (14) .
والهوية دائماً جماع ثلاثة عناصر: العقيدة التي توفر رؤية للوجود، واللسان الذي يجري التعبير به، والتراث الثقافي الطويل المدى (15) .
اللغة هي التي تلي الدين، كعامل مميز لشعب ثقافة ما عن شعب ثقافة أخرى (16) .
ثم يأتي التاريخ وعناصر الثقافة المختلفة في صنع الهوية.
وأهم عناصر الهوية الدين حيث في الحروب تذوب الهويات متعددة العناصر، وتصبح الهوية الأكثر معنى بالنسبة للصراع هي السائدة، وغالباً ما تتحدد هذه الهوية دائماً بالدين (17) .(2/111)
وبالنسبة لمن يواجهون احتياجاً لتحديد ”من أنا؟“، ”ولمن أنتمي؟“، يقدم الدين إجابات قوية، وتوفر الجماعات الدينية مجتمعات صغيرة عوضاً عن تلك التي فقدت أثناء عملية التمدين.
والهوية في غاية الأهمية ومنها تنطلق المصالح حيث الناس لا يمكنهم أن يفكروا أو يتصرفوا بعقل في متابعة مصالحهم الخاصة إلا إذا عرفوا أنفسهم، فسياسة المصالح تفترض وجود الهوية.
وإذا كانت هذه هي الهوية وهذه أهميتها لكل أحد فإن الهوية عند المسلمين أكثر أهمية، والإسلام بعقيدته وشريعته وتاريخه وحضارته ولغته هو هوية مشتركة لكل مسلم، كما أن اللغة التي نتكلم بها ليست مجرد أداة تعبير ووسيلة تخاطب، وإنما هي: الفكر والذات والعنوان، بل ولها قداسة المقدس، التي أصبحت لسانه بعد أن نزل بها نبأ السماء العظيم، كما أن العقيدة التي نتدين بها ليست مجرد أيديولوجية وإنما هي: العلم الكلي والشامل والمحيط، ووحي السماء، والميزان المستقيم، والحق المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهي منظومة القيم التي تمثل مرجعيتنا في السلوك، فهي ليست نسبية ولا مرحلية (18) .
وقد أدرك الأعداء ذلك حيث أن الصليبية والشيوعية والصهيونية اليوم ترى أن استعادة المسلمين لهويتهم الإسلامية وانتمائهم القرآني هو أكبر الأخطار، ومن ثم فإن كل قوى التغريب والغزو الثقافي ستطلق في هذا الاتجاه، ويقوم الاستشراق والتنصير بدور كبير (19) .
كما أن الغرب أحرص ما يكون على هوياتهم، وعلى ذوبان المسلمين المهاجرين في مجتمعاتهم، بل إن هناك مؤسسات ووزارات خاصة للاندماج وتذويب الهويات.
وأوروبا ترفض تركيا بسبب الهوية ليس إلا، وكما قال الرئيس أوزال في سنة 1992م: سجل تركيا بالنسبة لحقوق الإنسان سبب ملفق لعدم قبول طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، السبب الرئيسي هو أننا مسلمون وهم مسيحيون (20) .(2/112)
فالقوى الأوروبية يظهرون صراحة أنهم لا يريدون دولة إسلامية (تركيا) في الاتحاد الأوروبي، ولا يسعدهم أن تكون دولة إسلامية أخرى (البوسنة) أنها حرب هويات كما يقول هنتجنتون حيث نجد تركيا تعيد تأكيد دورها كحامية للبلقان وتدعم البوسنة، في يوغوسلافيا السابقة، وروسيا تساند الصرب الأرثوذوكسية، وألمانيا تساعد كرواتيا الكاثوليكية، والدول الإسلامية تهرع لمساعدة الحكومة البوسنية، والصرب يحاربون الكروات ومسلمي البوسنة ومسلمي ألبانيا (21) .
* الآثار السلبية للعولمة على الهوية
انطلاقاً من الفصل الأول من أن العولمة وصف لظواهر متعددة كالتقدم المذهل في وسائل الاتصال والانفتاح المعلوماتي وذهاب الحواجز بين الدول مع سلطة القطب الواحد الذي يسعى للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والثقافية والسياسية.
وهذا ما حدا بالبعض إلى أن يسميها الأمركة، وللأسف إن أمريكا لا تهدف إلى تطبيق قيمها فحسب، بل إنها تنطلق من مصالحها الذرائعية المجردة من المبادئ والتي تكيل بمكيالين والتي تشكل خطورة عظيمة على القيم والأخلاق والهويات لا سيما الإسلامية.
وهذه أمثلة:
يحرم الشيشان من الإنفصال عن روسيا .. ويجبر أهل تيمور على الانفصال من اندونيسيا بتدخل من استراليا ودعم من الغرب ..
وكذلك تنفصل تماماً دول البلطيق وجورجيا من روسيا بينما الدول الإسلامية فاستقلاها غير كامل.
ودية الأفغاني الذين قتلوا في عرس 200 دولار وقد اعترفت أمريكا بالخطأ بينما من قتل في لوكربي 10.000.000 دولار أي 50.000 ضعف.
العولمة أن تُهاجَم دولة ذات سيادة حتى دون إذن من الأمم المتحدة لشبهة أسلحة الدمار الشامل، وتُترَك دولة قريبة منها تمتلك أسلحة دمار شامل وتحتل أرض غيرها مخالفة لقرارات الأمم المتحدة ..(2/113)
أمريكا تمارس دوراً منفرداً حيث تدعم إسرائيل، وترفع الفيتو بعد الآخر لتتمكن من العدوان، وتعتدي على العراق بحجج واهية وحتى دون موافقة مجلس الأمن التي لها أكبر نفوذ فيه، وتأخذ المعتقلين من أفغانستان إلى قوانتنامو دون محاكمة عادلة، وتحارب الجمعيات الإسلامية وترهبها وتجمد أموال من تريد منها دون أدلة ..
المنظمات الفلسطينية المقاومة للاحتلال ارهابية، والمحتل مدافع عن نفسه، والجماعات الإسلامية في أفغانستان المقاومة للاحتلال الأمريكي وحكومته ارهابية، بينما نفس الوضع كان إبان الاحتلال السوفيتي ولكن تلك الجماعات كانت مقاومة مشروعة مدعومة، مما يعني وجود اختلال حاد في موازين العالم تحت إمرة الحضارة الغربية الصليبية الصهيونية.
وهذا صمويل هنتجنتون في صدام الحضارات والذي يدعو للتعصب للحضارة الغربية ومحاربة ما عداها لا سيما الإسلامي، وهو في كتابه مرة بعد مرة يمارس تحريضاً على الإسلام وتخويف الأوروبيين منه، للإنضواء تحت أمريكا والغرب وإشعال فتيل التعصب الديني.
وهذا ما حدا بتوم فريدمان للقول: نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق (22) .
وفي آخر سنة 2003م كانت استطلاعات الرأي في أوروبا أن أمريكا ثم إسرائيل تمثل أكبر خطورة على السلام العالمي.(2/114)
فالعولمة هجمة صهيونية شرسة لا تتقيد بالمبادئ، وفي أحسن أحوالها أمركة وتغريب ما لم نقم بدور فعال لتخفيف آثارها والتأثير فيها، وهي حتى لكثير من الغربيين ليست خير للعالم حتى في الجانب الاقتصادي الذي يبشر به البعض، حيث نجد أن هانس بيتر مارتين في كتابه الشهير (فخ العولمة) والذي ركز على العولمة الاقتصادية، يؤكد أن العولمة فخ كبير مليء بالأكاذيب وهي في النهاية تزيد الفقراء، ونجد في الفصل الخامس من الكتاب على سبيل المثال عنوان (أكاذيب ترضي الضمير: أسطورة الميزة على استقطاب الاستثمارات وخرافة العولمة العادلة) (23) كما أن الشعوب حتى الغربية تخرج في مظاهرات شعبية عارمة معارضة لكل مؤتمرات العولمة لما يرونه من إضرار بهم.
ونجد أن الغرب لا يسعى لنشر قيمه الاجتماعية فحسب رغم عدم الاقتناع الواسع بها كقيم، بل إنه يفرضها عبر المؤتمرات الدولية والضغط على الدول التي لا تستجيب، حيث توالت مؤتمرات المنظمات الدولية بهذا الخصوص، مثل مؤتمر نيروبي عام 1985م، مؤتمر القاهرة عام 1994م، ومؤتمر بكين عام 1995م، ومؤتمر اسطنبول عام 1996م، ثم مؤتمر نيويورك عام 1999م، ثم مؤتمر بكين، ثم نيويورك أيضاً عام 2000م، ومحور هذه المؤتمرات يدور حول الأسرة والمرأة والطفل، مركزاً على الحقوق الجنسية، والحق في الإنجاب والإجهاض، والشذوذ، وقضية المساواة بين الرجال والنساء، والمساواة في الميراث .. إلخ، وكل هذا من منظور الثقافة الغربية العلمانية المادية الإباحية (24) التي تبيح الزنى واللواط وتمنع تعدد الزوجات.(2/115)
وفي الفصل السابع من وثيقة مؤتمر السكان يتحدث عن هذه الإباحية الجنسية، فيقول: إنها حالة الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، المنطوية على أن يكون الأفراد (لاحظ تعبير الأفراد) من جميع الأعمار أزواجاً وأفراداً (كذا) فتياناً وفتيات، مراهقين ومراهقات، قادرين على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة (لاحظ عدم اشتراط الحلال والشرعية) هي كالغذاء، حق للجميع، ينبغي أن تسعى جميع البلدان لتوفيره في أسرع وقت ممكن، في موعد لا تجاوز عام 2015م. أي أنه أكثر من مباح، فالسعي لتحقيقه بجميع البلدان في أسرع وقت ممكن، وقبل سنة 2015م، واجب على جميع البلدان بل ولا تكتفي هذه الوثيقة بذلك، وإنما تتجاوز إباحة هذه الإباحية إلى حيث تدعو للتدريب والترويج والتعزيز لهذا السلوك الجنسي المأمون والمسئول (25) .
بل ونجد ممارسات منفردة، حيث نجد أن أمريكا تضغط تارة باسم حقوق الإنسان (والتي أهدرته في أبو غريب وجوانتامو ومذابح أفغانستان وقصف الفلوجة) وتارة باسم الديمقراطية والحرية لتمرير ما تريد على دول العالم التي لا توافقها.
بينما الحرية والديمقراطية الغربية والقانون الدستوري جعل الغرب يسقط نتائج الانتخابات في تركيا والجزائر ونيجيريا (مشهود أبيولا) لأن الناجحين إسلاميين!!
للأسف أن الغرب حريص على فرض قيمه الاجتماعية والثقافية وعولمتها والتي تمثل أسوأ ما عنده بينما لا يسعى إلى عولمة العلم والتقدم حيث يجب الاحتفاظ به.
إن مما يزيد خطورة العولمة ضعف العالم الإسلامي وهزيمته أمام الغرب وهذا ما يزيد اختراق العولمة الثقافية للهوية، كما قال ابن خلدون ”المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه وسائر أحواله وعوائده“ (26) .(2/116)
فضلاً أن العولمة تحمل فكرة استبداد القوي الذي يسخر إرادات الشعوب الضعيفة لصالحه، وتكمن في فكرة سيطرة المهيمن على الاقتصاد العالمي والقوة العسكرية والإدارة السياسية على شعوب العالم الفقيرة، بل والسعي لإفقار ما ليست فقيرة، وتكمن كذلك في فكرة الإذابة التي يقوى عليها من يمتلك أدوات الاتصال والتحكم بها، وبالمعلومات وبإنتاجها، وتدفقها دونما مراعاة لثقافات الشعوب وحاجاتها وخصوصياتها وإمكاناتها (27) .
كما أن مما يزيد خطورة العولمة ذراعها الإعلامي الخاضع للسيطرة الصهيونية والتي تمسك بخيوطها، تسير هذه القوة في السيطرة مع القوة الغاشمة العسكرية في فرض العولمة على الآخرين، فوظيفة المنظومة الإعلامية هي أن تتسلى وتتلهى وتعلم وترسخ القيم والمفاهيم والمعتقدات وأنماط السلوك الأمريكي على الآخرين، كما يرى أحد الخبراء الأمريكين، ولتحقيق ذلك صارت ميزانية الإعلام موازية تماماً لميزانية الدفاع في بعض الدول، فإحصاءات عام 1986م تقول إنه بلغ رقم اقتصاد الإعلام في الغرب والاتصالات مبلغ (1175) بليون دولار تقريباً منها (505) بلايين للولايات المتحدة الأمريكية، و (267) بليوناً للجماعة الأوروبية، و (253) بليوناً لليابان، و (150) بليوناً فقط للآخرين في العالم .. هذه الميزانيات الضخمة للإعلام في الشمال جعلته يتحكم بقوة في الإعلام المتدفق، في اتجاه الجنوب الأمر الذي أحدث خللاً في المنظومة الإعلامية، وقد فشلت جميع الجهود والمبادرات التي بذلت في إطار الأمم المتحدة لوضع أسس لقيام نظام إعلامي جديد يحقق التوازن بين الشمال والجنوب (28) .(2/117)
وهناك الدراسات الكثيرة التي تبين معاناة شعوب شرقية (ليست إسلامية) وسائرة في الفلك الغربي كاليابان وكوريا الجنوبية من العولمة ومن الدراسات الميدانية التي تمت لمعرفة تأثير المواد التلفزيونية الأمريكية على الشباب الكوري الجنوبي قام بها Kang & Morgan ومن نتائج هذه الدراسة أن هذه المواد أدت إلى تأثير بالغ على القيم التقليدية الكورية، فأصبحت الفتيات الكوريات أكثر تحرراً من القيم الأسرية والأخلاقية، ويعتقدن أنه لا حرج من الممارسة الجنسية خارج الزواج، وأن ذلك من قبيل الحرية الجنسية، وأصبحن يرتدين الملابس الأمريكية، ويحتقرن العقيدة الكونفوشيوسية (29) .
كما أننا نجد دولاً كالفلبين وهي دولة تصنف أنها نصرانية سائرة في الفلك الأمريكي حيث نجد في دراسة أجريت على (255) طالباً فلبينياً وجد أن التعرض للمواد التلفزيونية الأمريكية قد ارتبط إيجابياً بتأكيد هؤلاء الطلاب على قيمتي: ”المنفعة والمادية“، باعتبارهما القيمتين الأكثر أهمية في حياتهم، في حين تدنت لديهم قيم فلبينية أصيلة مثل: الصفح، والتسامح، والتضحية، والحكمة (30) .
وإذا كانت بعض دول الغرب نفسه أو من هو قريب منها يشكو من عولمة الثقافة على الهوية، حيث نجد أن فرنسا مع أنها غربية نصرانية، ولكن بسبب اختلاف اللغة فإنها أكثر الدول الغربية تشكو من عولمة الثقافة ومن هيمنة اللغة الإنجليزية، والخوف على الهوية الفرنسية ولذلك لجأ الفرنسيون إلى وضع الثقافة في خانة الاستثناء، لأنهم تنبهوا إلى أن قوة الإنتاج الثقافي الأمريكي تؤدي إلى التغيير التدريجي في معايير السلوك وأنماط الحياة (31) .(2/118)
بل أن هناك دراسة في استراليا وهي بلد غربي نصراني يتحدث الإنجليزية أي مشارك للولايات المتحدة في الهوية تقريباً يشكو من مواد التلفزة الأمريكية على الأطفال، لأنها تؤدي إلى فقدان الانتماء وإلى أزمة أخلاقية وغربة ثقافية (32) ، وكذلك كندا حيث عبرت وزيرة الثقافة الكندية شيلا كوبي عن انزعاجها من الهيمنة الثقافية الأمريكية، وتداخلها قائلة: من حق الأطفال في كندا أن يستمتعوا بحكايات جداتهم، ومن غير المعقول والمقبول أن تصبح (60%) من برامج التلفزيون الكندي مستوردة، وأن يكون (70%) من موسيقانا أجنبية، وأن يكون (95%) من أخلاقنا ليست أمريكية (33) .
وهذه الأمثال توفرها مئات الدراسات في أنحاء العالم من خوف المثقفين على هوية شعوبهم من العولمة الأمريكية، ألا يحق لنا كمسلمين ونحن نحمل أعظم عقيدة وخير لسان نزل به القرآن، وأعظم تاريخ بالإضافة إلى القيم الحضارية العالية أن نخشى على تلك الجواهر من أثر العولمة على الهوية إن أخطر ما تحمله العولمة تهديدها لأصل العقيدة الإسلامية، لما تدعو له من وحدة الأديان، وهي دعوة تنقض عقيدة الإسلام من أساسها، وتهدمها من أصلها،لأن دين الإسلام قائم على حقيقة أنه الرسالة الخاتمة من الله تعالى للبشرية، الناسخة لكل الأديان السابقة التي نزلت من السماء، ثم أصابها التحريف والتغيير، ودخل على أتباعها الانحراف العقائدي. ”كما أن العولمة تسعى لإعادة تشكيل المفاهيم الأساسية عن الكون والإنسان والحياة عند المسلمين، والاستعاضة عنها بالمفاهيم التي يروج لها الغرب ثقافياً وفكرياً، فالكون في نظر العولمة الثقافية والفكرية لم يخلق تسخيراً للإنسان، ليكون ميدان امتحان للناس لابتلائهم أيهم أحسن عملاً!!، والإنسان لم يخلق لهدف عبادة الله تعالى !! وهذه المفاهيم الأساسية للعقيدة الإسلامية، ليست في نظر العولمة الفكرية والثقافية سوى خرافة“ (34) .(2/119)
إن هذا العالم المادي لا يعرف المقدسات أو المطلقات أو الغائيات، وهدف الإنسان من الكون هو عملية التراكم والتحكم هذه، التي ستؤدي في نهاية الأمر إلى السيطرة على الأرض وهزيمة الطبيعة (35) .
إن المنظومة المعرفية الغربية المادية الحديثة بدأت بإعلان موت الإله باسم مركزية الإنسان، وانتهت بإعلان موت الإنسان باسم الطبيعة، والحقيقة المادية، وهذه هي الواحدية المادية: أن تصبح كل المخلوقات خاضعة تماماً لنفس القانون المادي الصارم وأن يسود منطق الأشياء على الأشياء وعلى الإنسان، وهذا هو حجر الزاوية في المشروع المعرفي الغربي، ثمة قانون واحد وثقافة واحدة وإنسانية واحدة تكتسب وحدتها من كونها جزءاً من النظام الطبيعي، ولذا فإن ثمة نموذجاً واحداً للتطور، ويلاحظ أن حركة البناء الفكري المادي تتجه دائماً نحو تصفية الثنائيات التي نجمت عن الثنائية الدينية (الخالق / المخلوق) وعن الثنائية الهيومانية (الإنسان / الطبيعة) (36) .
وإذا انتقلنا من العقائد التي هي أصل الهوية إلى اللسان واللغة التي هي أداة التفاهم والتواصل، وهي وعاء الفكر وقالبه الحي، وما نراه اليوم من طغيان الثقافة الغربية، حيث تشكل اللغة نسبة عالية من الإسهام في نقلها، ولا أدل على ذلك من أن (88%) من معطيات الأنترنت باللغة الإنجليزية، و(9%) بالألمانية، و(2%) بالفرنسية، و(1%) يوزع على باقي اللغات (37) .(2/120)
ويبين هنتجنتون في كتابه صدام الحضارات أهمية اللغة في الصراع حيث أن توزع اللغات في العالم عبر التاريخ يعكس توزع القوة العالمية فاللغات الأوسع انتشاراً: الإنجليزية، الماندارين، الأسبانية، الفرنسية، العربية، الروسية. إما أنها أو كانت لغات دول إمبراطورية جعلت شعوباً أخرى تستخدم لغتها. كما أن التحولات في توزع القوة، تؤدي إلى تحولات في استخدام اللغات، حيث قرنان من القوة البريطانية والأمريكية الاستعمارية والتجارية والصناعية والعلمية والمالية، تركا ميراثاً ضخماً في التعليم العالي والتجارة والتقنية في أنحاء العالم (38) .
أن إحصاءات منظمة اليونسكو عن الوطن العربي تشير إلى أن شبكات التلفزيون العربية تستورد ما بين ثلث إجمالي البث كما في سوريا ومصر، ونصف هذا الإجمالي كما في تونس والجزائر، أما في لبنان فإن البرامج الأجنبية تزيد على نصف إجمالي المواد المبثة إذ تبلغ (58.2%) (39) . ومعلوم أثر هذه البرامج على العقائد والقيم والأخلاق والعادات واللغة.
أما إذا انتقلنا إلى السلوك والأخلاق فإن المبادئ الأخلاقية التي تتهاوى في الغرب يوماً بعد يوم حيث سيادة المصالح والمنفعة واللذة و تعظيم الإنتاج والاستهلاك.
هذه الحضارة ابتداءً من حربيها العالميتين (أي الغربيتين) وانتهاءً بمشاكلها المتنوعة الكثيرة مثل تآكل مؤسسة الأسرة، وانتشار الإيدز والمخدرات، وتراكم أسلحة الدمار الكوني، والأزمة البيئية، وتزايد اغتراب الإنسان الغربي عن ذاته وعن بيئته (40) .
كما تسوق العولمة لوهم المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة. ”ومن خلال العولمة يروج للشذوذ الجنسي، ويحاول الغرب استصدار قوانين لحماية الشذوذ الجنسي في العالم، ومن أحدث محاولات العولمة: محاولة فرض مصطلح جديد يطلق عليه Gender بدل كلمة Sex“ (41) .(2/121)
والتأثير الأخلاقي هو أسرع من غيره، وقد أشارت دراسة في السعودية (لناصر الحميدي) إلى أن التأثير على الجوانب الأخلاقية يأتي في الدرجة الأولى، مثل: الترويج للإباحية، والاختلاط، وما إلى ذلك مما يخالف القيم الإسلامية، وإغراء النساء بتقليد الأزياء الغربية وأدوات الزينة، وكذلك التأثير على الروابط الأسرية (42) .
علماً أن العرب هم أكثر الشعوب مشاهدة للتلفاز (43) .
بل حتى في الجانب الاقتصادي فالإنسان الغربي الذي لا يشكل سوى نسبة ضئيلة من سكان الكرة الأرضية (20%) يستهلك ما يزيد على (80%) من مواردها الطبيعية (44) .
|1| 2 |
(1) انظر: مجلة حصاد الفكر، العدد 135، جماد الأول 1424هـ - 2003م، عرض لكتاب بدائل العولمة للدكتور سعيد اللاوندي، عرض عبدالباقي حمدي، ص: 36.
(2) سلسلة كتاب المعرفة (7) نحن والعولمة من يربي الآخر، بحث للأستاذ سعد البازعي بعنوان المثقفون والعولمة والضرورة والضرر، الطبعة الأولى 1420هـ 1999م، ص: 73.
(3) العولمة وقضية الهوية الثقافية في ظل الثقافة العربية المعاصرة، محمد بن سعد التميمي، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م، ص: 29.
(4) العولمة وعالم بلا هوية، د. محمود سمير المنير، دار الكلمة للنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، ص: 129.
(5) سلسلة كتاب المعرفة (7) نحن والعولمة من يربي الآخر، بحث للأستاذ أسعد السحمراني، أستاذ بكلية الإمام الأوزاعي بلبنان، بعنوان تسويق الاستهلاك وترويج الكاوبوي والهامبرجر، الطبعة الأولى 1420هـ - 1999م، ص: 129.
(6) المصدر السابق، ص: 28، نقلاً عن الأسبوع الأدبي، العدد 602، ص: 19، بتاريخ 14/3/1998م.
(7) انظر مجلة البيان، العدد 136، ص 91، مقالة العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة لـ خالد أبو الفتوح.
(8) العولمة وقضية الهوية الثقافية في ظل الثقافة العربية المعاصرة، محمد بن سعد التميمي، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م، ص: 28.(2/122)
(9) الثقافة العربية بين العولمة والخصوصية، حسن حنفي، بحث ضمن كتاب العولمة والهوية، المؤتمر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون، منشورات جامعة فلادليفيا، الطبعة الأولى 1999م، ص: 33.
(10) سلسلة كتاب المعرفة (7) نحن والعولمة من يربي الآخر، الطبعة الأولى، رجب 1420هـ - 1999م، مقال للأستاذ سمير الطرابلسي بعنوان العرب في مواجهة العولمة ص: 51-52 .
(11) المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، محمد محمود الصواف، دار الاعتصام، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1399هـ - 1979م، ص: 198-199.
(12) انظر: التعريفات، الشريف الجرجاني، دار عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ - 1987م، ص: 314.
(13) انظر: مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، د. محمد عمارة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، فبراير 1999م، ص: 6.
(14) ندوة الهوية العربية عبر حقب التاريخ، للمدة 25-26/6/1997م، المجمع العلمي بغداد، الكلمة الافتتاحية للندوة، ص: 7.
(15) انظر: العولمة وعالم بلا هوية، محمود سمير المنير، دار الكلمة للنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، ص: 146.
(16) صدام الحضارات إعادة صنع النظام العالمي، تأليف صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب وتقديم د. صلاح قنصوة، الطبعة الثانية 1999م، ص: 116.
(17) صدام الحضارات .. إعادة صنع النظام العالمي، تأليف صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب وتقديم د. صلاح قنصوة، الطبعة الثانية 1999م، ص: 103.
(18) انظر مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، د. محمد عمارة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، فبراير 1999م، ص: 46.
(19) انظر حتى لا تضيع الهوية الإسلامية والانتماء القرآني، أنور الجندي، دار الاعتصام، سلسلة الرسائل الجامعة، (د. ط. ت)، ص: 7.(2/123)
(20) صدام الحضارات .. إعادة صنع النظام العالمي، تأليف صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب وتقديم د. صلاح قنصوة، الطبعة الثانية 1999م، ص: 433.
(21) انظر: صدام الحضارات .. إعادة صنع النظام العالمي، تأليف صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب وتقديم د. صلاح قنصوة، الطبعة الثانية 1999م، ص: 204-205.
(22) العولمة وأثرها على اقتصاد الدول، ص: 28، نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2/3/1997م.
(23) فخ العولمة، هانس بيتر مارتن، هارالد شومان، ترجمة: د. عدنان عباس علي، مراجعة وتقديم: رمزي زكي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1998/1419هـ، ص: 253.
(24) العولمة الثقافية وموقف الإسلام منها، د. إسماعيل علي محمد، دار الكلمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1421هـ - 2001م، ص: 27.
(25) انظر وثيقة برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة 5-15/9/1994م، الترجمة العربية الرسمية، الفصل الثامن الفقرات 31-35. نقلاً عن مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، د. محمد عمارة، ص: 27.
(26) جعل هذا عنوان للفصل الثالث والعشرون من الفصل الثاني، انظر مقدمة ابن خلدون، عبدالرحمن بن خلدون، ص 147، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الخامسة، د. ت.
(27) انظر العولمة والهوية، المؤتمر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون 4-6/5/1998م، كلمة عميد كلية الآداب أ. د. صالح أبو ضلع، منشورات جامعة فلادليفيا، الطبعة الأولى، 1999م، ص: 11.
(28) انظر العولمة وعالم بلا هوية، محمود سمير المنير، دار الكلمة للنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، ص: 130-131.
(29) مجلة الرائد، تصدر عن الدار الإسلامية للإعلام بألمانيا، العدد (236) ربيع الأول 1424هـ/ مايو 2002م، دراسة بعنوان العولمة وأثرها على السلوكيات والأخلاق، د. عمار طالبي، ص: 11.(2/124)
(30) العولمة والتحدي الثقافي، د. باسم علي خريسان، دار الفكر العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2001م، ص: 132.
(31) مجلة الرائد، تصدر عن الدار الإسلامية للإعلام بألمانيا، العدد (236) ربيع الأول 1424هـ/ مايو 2002م، دراسة بعنوان العولمة وأثرها على السلوكيات والأخلاق، د. عمار طالبي، ص: 12 .
(32) مجلة الرائد، تصدر عن الدار الإسلامية للإعلام بألمانيا، العدد (236) ربيع الأول 1424هـ/ مايو 2002م، دراسة بعنوان العولمة وأثرها على السلوكيات والأخلاق، د. عمار طالبي، ص: 11.
(33) نحن والعولمة من يربي الآخر، مقال للأستاذ أنور عشقي، بعنوان: الشياطين تختبئ في التفاصيل، كتاب المعرفة (7) الطبعة الأولى، 1420هـ 1999م، ص: 177.
(34) انظر: العولمة وقضية الهوية الثقافية في ظل الثقافة العربية المعاصرة، محمد بن سعد التميمي، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م، ص: 274-275.
(35) العالم من منظور غربي، د. عبدالوهاب المسيري، منشورات دار الهلال، فبراير 2001م، ص: 129.
(36) العالم من منظور غربي، د. عبدالوهاب المسيري، منشورات دار الهلال، فبراير 2001م، ص: 127.
(37) العولمة وقضية الهوية الثقافية في ظل الثقافة العربية المعاصرة، محمد بن سعد التميمي، الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م، ص: 111.
(38) صدام الحضارات .. إعادة صنع النظام العالمي، تأليف صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب وتقديم د. صلاح قنصوة، الطبعة الثانية 1999م، ص: 103.
(39) العرب والعولمة، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، تعقيب نبيل الدجاني، الطبعة الثانية، 1998م، ص: 335.
(40) العالم من منظور غربي، د. عبدالوهاب المسيري، منشورات دار الهلال، فبراير 2001م، ص: 220.
(41) العولمة وقضية الهوية الثقافية في ظل الثقافة العربية المعاصرة، محمد بن سعد التميمي، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م، ص: 276-279.(2/125)
(42) مجلة الرائد، تصدر عن الدار الإسلامية للإعلام بألمانيا، العدد (236) ربيع الأول 1424هـ/ مايو 2002م، دراسة بعنوان العولمة وأثرها على السلوكيات والأخلاق، د. عمار طالبي، ص: 10.
(43) ضياع الهوية في الفضائيات العربية، د. عائض الردادي، كتيب المجلة العربية، العدد السابع والثلاثون، محرم 1421هـ، ص: 7.
(44) العالم من منظور غربي، د. عبدالوهاب المسيري، منشورات دار الهلال، فبراير 2001م، ص: 217.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7349
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - صناعة الفتوى وفقه الأقليات[16/21]
دراسات علمية رسائل جامعية
صناعة الفتوى وفقه الأقليات[16/21]
الشيخ العلامة/ عبد الله بن بيه
………
11/5/1427
07/06/2006
من فتاوى الزواج والطلاق
- زواج المصلحة
- التوثيق الشرعي لعقد الزواج المدني
- الطلاق لعدم وجود غشاء البكارة
- حضور الزوج وقت ولادة زوجته
- تقصير المرأة شعر رأسها دون إذن زوجها
- عقوبة الإجهاض
* زواج المصلحة:
- ما هو الحكم الشرعي فيما يسمى بزواج المصلحة وصورة هذا الزواج متعددة فيما يبدو لي ومنها على سبيل المثال:
*يتفق رجل وامرأة على عقد زواج مقابل مبلغ من المال يدفعه إليها وقد يكون هذا المبلغ مقطوعاً أو موزعاً على سنوات – حسب الاتفاق- وذلك في مقابل أن تذهب معه إلى مصلحة شرطة الأجانب عند تجديد الإقامة كل سنة إلى أن يحصل على الإقامة الرسمية ومن ثم يفسخ العقد وفي تلك الأثناء إما أن يعيش الرجل مع هذه المرأة عيشة الزوجين بمعنى أنه يضمهما بيت واحد يتعاشران فيه معاشرة الأزواج إلا أنهما يتفقان على فسخ العقد عند حصول الزوج على الإقامة الرسمية وهذا الاتفاق لا يصرح به طبعاً عند الجهة العاقدة لأن القانون لا يسمح بذلك.(2/126)
*وفي بعض الصور لا يعيش الرجل مع المرأة التي عقد عليها أمام السلطات ولا يخالطها ولا تخالطه بل يتفقان أن تذهب معه عند تجديد الإقامة كل سنة كي تقول للسلطات إنها مرتبطة به كزوج وتأخذ المبلغ المتفق عليه ويذهب بعد ذلك كل واحد إلى حال سبيله.
مع العلم بأن هذا اللون من ألوان الزواج قد يقدم عليه الرجل لأجل أن يحصل هو على الإقامة وبالمقابل قد تفعله المرأة مع الرجل لتحصل هي على الإقامة ويمكن أن يكون أحدهما غير مسلم ويمكن أن يكون الاثنان مسلمين!!! وفي كل الأحوال فإنه خلال هذه المدة تكون الزوجة محسوبة على زوجها من الناحية القانونية ويكون هو محسوباً عليها من الناحية القانونية كذلك ولو افترضنا أن هذه المرأة قد عاشرت رجلا آخر وأنجبت منه فإن المولود يسجل باسم هذا الزوج المؤقت، ولو طالبها بحق المعاشرة الزوجية فإنها لا تستطيع أن تمتنع عن ذلك قانوناً، وخاصة إذا كانت هي المحتاجة إلى الإقامة.
وهذا العقد بصورتيه المذكورتين إنما يتم في البلدية كسائر العقود المدنية في هذا البلد.
وقد يكون عقداً شرعياً بشروطه الشرعية المعتبرة، ولكن الجانبين لا يصرحان بذلك الاتفاق في صلب العقد. وإنما هو اتفاق بينهما بحضور بعض أفراد العائلتين (عائلة الزوج، وعائلة الزوجة).
*وهنالك صورة أخرى من صور الزواج في بلاد الغرب أوردها كما يلي:
يتزوج الرجل المرأة بصداق ولكنه مضمر في نفسه ويصرح لأصدقائه وأقاربه أن غرضه ليس الزواج، وإنما هو الحصول على الإقامة، فمتى حصل على الإقامة طلق زوجته هذه، وهو لا يستطيع أن يصرح بهذا أمام المرأة خوفاً من أن تطرده قبل الحصول على الإقامة.
الجواب :(2/127)
الصورة الأولى : حرام يأثمان عليه وذلك بسبب منافاة هذا العقد لمقصد الشريعة في الزواج إذ هو عقد صوري مقصود به أمر آخر غير الزواج، فهو لو استوفى شروط العقد، فإنه لا يحل لهذا المعنى، وكذلك لأجل أن قانون البلاد لا يسمح به يتأكد المنع بمجئ هذه الصورة مخالفة لقانون البلد، والقانون هنا متفق مع المقصد الشرعي.
كما أن هذه الصورة لا تخلو من شبه بنكاح المتعة الذي حرمه النبي -صلى الله عليه وسلم - كما في حديث سبرة بن معبد أنه كان مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال :" ياأيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً".أخرجه مسلم. (1406) من جهة التوقيت الذي فيه إلى فترة الحصول على الإقامة ثم يفسخ العقد بعد ذلك كما عبر السائل.
والصورة الثانية : مثل الأولى في التحريم وفيها قضية مقطوع بحرمتها وهي زواج المسلمة بغير المسلم، فإن مجرد العقد فاسد، سواء للغاية المذكورة في السؤال، أو لمجرد الزواج.
وأما الصورة الثالثة: فالعقد وإن كانت صورته صحيحة، إلا أن الزوج آثم بغشه المرأة، وذلك لإضماره نية الطلاق من حين العقد، والزواج في الإسلام يعنى الديمومة والبقاء والاستقرار للحياة الزوجية، والطلاق طارئ بعد العقد ولهذا السبب حرم الزواج المؤقت واعتبر فاسداً.
كذلك فإن الإيجاب والقبول في الزواج شرطان أساسيان فيه والمرأة حين قبلته زوجاً، فإنما كان مقصدها حقيقة الزواج ولو علمت أنه قبلها زوجة مؤقتة يطلقها متى شاء لرفضت ذلك، فإذا كان عازماً الطلاق عند العقد أثر ذلك في صحة العقد، لأن المرأة بنت قبولها على غير ما أراد. ( الدورة الثانية)
تعليق:(2/128)
قلت : إن بطلان هذا العقد ليس صحيحاً فالزواج في الإسلام ليس مقصوداً منه الديمومة والبقاء وإنما له قصود مختلفة ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: (تنكح المرأة لأربع خصال لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها..)
وقد ذكر الشاطبي قصوداً كثيرة قائمة من الحديث كالتناسل القائم من حديث " تزوجوا الولود الودود". والقيام على مصالح الزوج القائم لحديث جابر.
ولهذا فلا عبرة بقصد الطلاق عند النكاح لتحقق هذه القصود أو بعضها بالنكاح، وإليك القطوف التالية من الشاطبي:
الأسباب من حيث هي أسباب شرعية لمسببات إنما شُرعت لتحصيل مسبباتها، وهي المصالح المجتلبة أو المفاسد المستدفعة.
والمسببات بالنظر إلى أسبابها ضربان:
أحدهما: ما شرعت الأسباب لها إما بالقصد الأول وهي متعلق المقاصد الأصلية، وإما بالقصد الثاني وهي متعلق المقاصد التابعة، وكلا الضربين مبيَّن في كتاب المقاصد.
والثاني ما سوى ذلك مما يُعلم أو يظن أن الأسباب لم تشرع لها، أو لا يُعلم ولا يُظن أنها شرعت لها، أو لم تشرع لها فتجيء الأقسام ثلاثة:
أحدها: ما يُعلم أو يظن أنَّ السبب شرع لأجله فتسبُّب المتسبِّب فيه صحيح، لأنه أتى من بابه وتوسل إليه بما أذن الشارع في التوسل به إلى ما أذن أيضا في التوسل إليه، لأنا فرضنا أن الشارع قصد بالنكاح مثلا التناسل أولا، ثم يتبعه اتخاذ السَّكن، ومصاهرة أهل المرأة لشرفهم، أو دينهم، أو نحو ذلك، أو الخدمة، أو القيام على مصالحه، أو التمتع بما أحل الله من النساء، أو التجمل بمال المرأة، أو الرغبة في جمالها، أو الغبطة بدينها، أو التعفف عما حرم الله، أو نحو ذلك حسبما دلت عليه الشريعة، فصار إذا ما قصده هذا المتسبب مقصودَ الشارع على الجملة وهذا كاف وقد تبين في كتاب "المقاصد" أن القصد المطابق لقصد الشارع هو الصحيح فلا سبيل إلى القول بفساد هذا التسبب. (1/382)(2/129)
وفي مذهب مالك من هذا كثير جداً ففي "المدونة" فيمن نكح وفي نفسه أن يفارق أنه ليس من نكاح المتعة، فإذا تزوج المرأة ليمين لزمته أن يتزوج على امرأته، فقد فرضوا المسألة، وقال مالك: إن النكاح حلال فإن شاء أن يُقيم عليه أقام، وإن شاء أن يُفارق فارق، وقال ابن القاسم: وهو مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم مما علمنا أو سمعنا. قال: وهو عندنا نكاح ثابت، الذي يتزوج يريد أن يبر في يمينه، وهو بمنزلة من يتزوج المرأة للذة يريد أن يصيب منها لا يريد حبسها ولا ينوي ذلك، على ذلك نيتُه وإضماره في تزويجها فأمرهما واحد فإن شاءا أن يُقيما أقاما لأن أصل النكاح حلال. ذكر هذا في "المبسوطة".
وفي "الكافي" في الذي يقدم البلدة فيتزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها بعد السفر: أن قول الجمهور الجواز.
وذكر ابن العربي مبالغة مالك في منع نكاح المتعة وأنه لا يجيزه بالنية كأن يتزوجها بقصد الإقامة معها مدة وإن لم يلفظ بذلك ثم قال: وأجازه سائر العلماء، ومثل بنكاح المسافرين قال: وعندي أن النية لا تؤثر في ذلك فإنا لو ألزمناه أن ينوي بقلبه النكاح الأبديَّ لكان نكاحاً نصرانياً، فإذا سلم لفظه لم تضرّه نيته، ألا ترى أن الرجل يتزوج على حُسن العشرة، ورجاء الأدمة، فإن وجدها، وإلا فارق، كذلك يتزوج على تحصيل العصمة فإن اغتبط ارتبط، وإن كره فارق، وهذا كلامه في كتاب الناسخ والمنسوخ. وحكى اللخمي عن مالك: فمن نكح لغربة، أو لهوى ليقضي أربه، ويفارق فلا بأس.(2/130)
فهذه مسائل دلت على خلاف ما تقدم في القاعدة المستدل عليها، وأشدُّها مسألة حلِّ اليمين لأنه لم يقصد النكاح رغبة فيها، وإنما قصد أن يبرَّ في يمينه، ولم يُشرع النكاح لمثل هذا، ونظائر ذلك كثيرة وجميعها صحيح مع القصد المخالف لقصد الشارع، وما ذلك إلا لأنه قاصد للنكاح أولاً ثم الفراق ثانياً، وهما قصدان غير متلازمين، وإلا فإن جعلتهما متلازمين في المسألة الأولى بحيث يؤثر أحدهما في الآخر، فليكن كذلك في هذه المسائل، وحينئذ يبطل جميع ما تقدم. فعلى الجملة يلزم إما بطلان هذا كله، وإما بطلان ما تقدم. ( 1/387)
قال الزرقاني في شرحه لخليل : "تنبيه": حقيقة نكاح المتعة الذي يفسخ مطلقاً، أن يقع العقد مع ذكر الأجل من الرجل للمرأة أو وليها، بأن يعلمها بما قصده كما مر، وأما إذا لم يقع ذلك في العقد ولا اشترط ولكنه قصد الرجل وفهمت المرأة ذلك منه فإنه يجوز قاله مالك. وهي فائدة حسنة تنفع المتغرب. وفي الشرح والشامل التصدير بالفساد إذا فهمت ذلك منه أيضا، وظاهر ترجيح الصحة فيه لاقتصاره عليه تبعاً لجده وحكاه في الشارح وشامله عن مالك بعد ما صدر بالفساد فإن لم يصرح ولم تفهم فليس بمتعة اتفاقاً.( 3/190)
قلت: هذه الفتوى بالإضافة إلى ضعف مستندها فإنها مخالفة لقاعدة النظر إلى المئالات من جهة أن الشاب الذي يمنع من هذا النوع الأخير من الزواج قد يؤول به الأمر إلى ارتكاب المحرمات.
أما المئال الآخر فهو كسر نفس المرأة وبخاصة المسلمات الجدد، فينبغي أن ينبه إليه بتوجيه الشاب إلى إدامة الزواج وحسب الإمكان، وتمتيع المرأة بتقديم تعويض مالي كما هو المشروع بدلا من تحريم الحلال.
ثم إن الزواج إذا وقع بشروطه فإنه زواج صحيح، حتى ولو نوى عدم الاستمتاع بها، قال الشاطبي في الموافقات : إنَّ متعاطي السبب إذا أتى به بكمال شروطه وانتفاء موانعه ثم قصد لأن لا يقع مسببه فقد قصد محالاً وتكلف رفع ما ليس له رفعه ومنع ما لم يجعل له منعه.(2/131)
فمن عقد نكاحاً على ما وضع له في الشرع، أو بيعاً، أو شيئاً من العقود ثم قصد أن لا يستبح بذلك العقد ما عقد عليه فقد وقع قصده عبثاً، ووقع المسبب الذي أوقع سببه وكذلك إذا أوقع طلاقاً أو عتقاً قاصداً به مقتضاه في الشرع ثم قصد أن لا يكون مقتضى ذلك فهو قصد باطل ومثله في العبادات إذا صلى أو صام أو حج كما أمر ثم قصد في نفسه أن ما أوقع من العبادة لا يصح له أو لا ينعقد قربة وما أشبه ذلك فهو لغو.(1/354 )
فتوى 18
* التوثيق الشرعي لعقد الزواج المدني
أحد الأشخاص كان يعاشر امرأة كتابية دون عقد زواج شرعي ثم كتب عليها عقد زواج مدني بعد ذلك وقد أنجبت له طفلة وهو الآن يرغب أن يتزوجها بعقد شرعي فهل يمكننا أن نكتب له عقد زواج شرعي ؟ وما هو المطلوب منا قبل كتابة العقد؟
الجواب:
نعم، يمكنكم أن تكتبوا له مع زوجته صيغة عقد زواج شرعي، يكون بمثابة وثيقة تصديق وتوكيد للعقد المدني، إذا كان ذلك العقد قد استوفى شروط الصحة، ويجب أن تكون تلك الوثيقة مؤرخة بتاريخ العقد المدني، كما لا بأس بالإشهاد على ذلك وتكون تلك الشهادة على صحة العقد وليس هناك ما يدعو إلى تجديد العقد، ما دام ذلك العقد مستوفياً الشروط.
وأما المطلوب منكم قبل كتابة العقد فلا أكثر من تذكير ذينك الزوجين بالله تعالى والاستغفار لما وقع منهما قبل الزواج المدني من معاشرة ممنوعة.
( الدورة الثانية)
فتوى19
* الطلاق لعدم وجود غشاء البكارة
هل يجوز للزوج الجديد أن يطلق زوجته إذا تبين له أنها فقدت غشاء البكارة على الرغم من قسمها بالله تعالى وحلفها على المصحف أنها لم تزن قط وإنما فقدتها في ألعاب رياضية مثلا ؟
الجواب :(2/132)
الطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى، ولا يجوز للمسلم أن يسارع إليه لأدنى سبب، فيكسر قلب المرأة ويحطم أسرة، ويهدم بيتاً مسلماً، بغير مسوغ خطير موجب لذلك، وخصوصاً الطلاق في أول الحياة الزوجية فإنه يسيء إلى المرأة إساءة بالغة، ويشيع حولها الريبة وقالة السوء، فإذا كان كلام المرأة معقولا وقابلا للتصديق كما في الحالة المسئول عنها وهو أن تفقد الفتاة بكارتها في ألعاب رياضية في سن معينة، ولا سيما مع عدم التحفظ والعناية، فلا يبعد أن يحدث ذلك فينبغي للزوج أن يصدقها فيه.
وإذا كانت المرأة قد أقسمت بالله تعالى على أنها لم تمارس الزنا في حياتها فالأصل أن يصدق قولها في ذلك والقاعدة المشهورة تقول: " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" والزوج هنا في مقام من يدعى عليها دعوى لا يستطيع أن يثبتها، وليس له عليها بينة، فلم يبق إلا يمينها.
على أن الأصل الشرعي في التعامل هو: حسن الظن بالناس فإن بعض الظن إثم ويجب حمل حال المسلم والمسلمة على الصلاح ما أمكن ذلك وفي الصحيح :" إياك والظن فإن الظن أكذب الحديث".( متفق عليه من حديث أبي هريرة – البخاري رقم 4849،5717،5719،6345 ومسلم 2563)
على أننا لو افترضنا أنها أخطأت فيما مضى ثم تابت واستقامت فإن الله يغفر لها والتوبة تهدم ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والله تعالى يحب التوابين، ويحب المتطهرين، وأولى بنا أن نتخلق بأخلاق الله تعالى ونعفو عنها وكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. ( الدورة الأولى)
من فتاوى الأسرة والبيت المسلم
فتوى 20
* حضور الزوج وقت ولادة زوجته
- ما حكم أن يحضر الزوج عملية الولادة لزوجته ؟
الجواب :(2/133)
لا مانع شرعاً من حضور الزوج عملية الولادة لزوجته إن شاء ذلك ورأى في ذلك مصلحة كأن يسلّي زوجته بالتذكير بالله تعالى، والكلمة الطيبة، تخفيفاً من معاناتها، أو ليرى تلك المعاناة والآلام منها فيقدر لها ذلك ويعرف بذلك فضل أمه عليه، وما عانته من أجله ويحدث أولاده بذلك ليعرفهم فضل أمهم عليهم.
وهو على كل حال أمر جائز ليس هو بالواجب ولا بالمستحب، ولا بالحرام، ولا بالمكروه، إلا إن ترتب عليه ضرر مادي أو معنوي.
وربما تحرج بعض الناس من ذلك لما فيه من مشاهدة الزوج لعورة زوجته أثناء الولادة وقد يعتبر ذلك بعضهم مكروهاً وربما رددوا في ذلك بعض الأحاديث الناهية عن ذلك أو المنفرة منه.
والحق أن هذه الأحاديث لم تصح، بل صح عكسها وهو:اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم هو وبعض أزواجه من إناء واحد، وهو نص يحسم الخلاف، ويقطع النزاع.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت:كنت أغتسل أنا ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني حتى أقول : دع لي، دع لي، قالت: وهما جنبان.( متفق عليه واللفظ لمسلم أخرجه البخاري رقم 258 ومسلم رقم 321)
وعن ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:أدنيتُ لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- غُسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً ثم أدخل يده في الإناء ثم أفرغ به على فرجه وغسَله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء َكفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده.( متفق عليه واللفظ لمسلم أخرجه البخاري رقم 246 مسلم رقم 317) ( الدورة الأولى)
فتوى 21
* تقصير المرأة شعر رأسها دون إذن زوجها:
هل تحتاج المرأة إذا أرادت أن تقصر شعرها إلى إذن من زوجها ؟
الجواب :(2/134)
هناك نوع من التقصير الشعر للمرأة لا يحس به الرجل إذا كان شيئاً قليلا تعتاده المرأة بين الحين والحين، حتى لا يطول شعرها جداً، ويكلفها جهداً في ترجيله وتمشيطه، وهو معتاد من عامة النساء، ولا يحتاج فيه عادة إلى إذن من الزوج.
وهناك نوع آخر من التقصير الذي يغير شكل المرأة وصورتها أمام زوجها وقد ألفها على صورة معينة مدة من الزمن، فإذا هي تفجؤه بصورة أخرى غير مألوفة له فكأنما هي امرأة جديدة، فهذا اللون من التقصير الظاهر هو الذي يحتاج إلى تفاهم بين الزوجين قبل تنفيذه حتى تستمر المودة والوئام بينهما.
والأصل في المسلمة أنها لا تكشف شعرها في الطريق، ولا أمام الرجال الأجانب عنها، غير المحارم لها ومن ثم يكون الزوج هو أول من يحق له الاستمتاع بجمال شعر زوجته والنظر إليه على الصورة التي يحبها.
والزوجة العاقلة هي التي تحرص على كل سبب يبقى المحبة وحسن العشرة بينها و بين زوجها وينميها فبهذا تتكون البيوت الصالحة التي هي أساس المجتمعات الصالحة. ( الدورة الأولى)
فتوى 22
* عقوبة الإجهاض
-أود أن أعرف من حضرتكم مقدار المال الذي يجب أن أدفعه على إجهاض جنين قبل بلوغه 120يوماً، علماً بأن سبب الإجهاض هو الضغط النفسي على الأم، حيث إنها طالبة تدرس في كلية الطب وقد فعلت ذلك نتيجة عدم مقدرتها على التوفيق بين الدراسة وبين تربية الطفل، وقد تمت عملية الإجهاض على هذا الأساس–على أساس أن هذا الأمر يجيز الإجهاض- ولم يكن ذلك قد حدث عمداً، والأم الآن نادمة على ما حدث أشد الندم، وقد زاد من ندمها بأن الإجهاض محرم في الشريعة الغراء حتى منذ اليوم الأول للحمل فنرجو منكم أن تفيدونا في ذلك أفادكم الله تعالى.
الجواب :(2/135)
نعم لا يحل الإجهاض في شريعة الإسلام لا في الفترة الأولى للحمل ولا بعد ذلك وهو يتفاوت في الإثم بحسب مراحل الحمل ففي أول الحمل أخف إثماً، وكلما زادت مدة الحمل تأكد التحريم فإذا بلغ الحمل 120يوماً أصبح محرماً قطعاً وعُدّ نوعاً من القتل يستوجب دية قدرها 500 درهم أو نحو 213غراماً من الذهب تعطى للوارث الذي لم يشارك في عملية الإجهاض، ولا يستثنى في هذه الحالة إلا الخوف على حياة الأم، ولا يجوز الإقدام عليه حينئذ إلا بتقرير طبيب مختص يقضي بأن استمرار الحمل فيه تعريض الأم للموت.
وفي السؤال حيث إن الإجهاض وقع في فترة ما قبل 120يوماً فإنه لا تلزم معه دية ولا كفارة محددة لكنه معصية يجب الاستغفار منها والتوبة والعهد على عدم العودة لمثلها، ولو أن الأم التي أجهضت أرادت مع ذلك أن تتصدق فهو خير ينفعها -إن شاء الله- وقد قال تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" [هود:114].
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 1 5 16 17
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7358
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - عوامل ظهور الإرجاء والتكفير
دراسات علمية رسائل جامعية
عوامل ظهور الإرجاء والتكفير
هاني بن عبد الله الجبير
………
7/5/1427
03/06/2006
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أمّا بعد:
فلا شك (أن معرفة أصول الأشياء ومبادئها) واستطلاع العوامل المؤدية إلى نشأتها وظهورها (وأصل ما تولد فيها من أعظم العلوم نفعًا، إذ المرء ما لم يحط علمًا بحقائق الأشياء يبقى في قلبه حسكة) (1) .
وذلك أن استطلاع هذه العوامل أساس علاجها، ولذا كان (النظر في سبب المرض ينبغي أن يقع أولاً ثم في المرض ثانيًا ثم في الدواء ثالثًا) (2) .
كما أن معرفتها طريق قطع مادتها لمنع تكررُّها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) (3) .(2/136)
وإن الناظر في هذين الفكرين المتضادين – فكر الإرجاء، وفكر التكفير المعاصرين – والباحث في عوامل نشأتهما وظهورهما لابد أن يعيدهما جميعًا إلى سببين أصليين، ذكرهما الشاطبي فقال: (.. الاختلاف الحاصل بين الأمة له سببان .. أحدهما لا كسب للعباد فيه ، وهو الراجع إلى سابق القدر ، والآخر هو الكسبي ، وهو المقصود بالكلام) (4) .
فأما القدر فإن الله تعالى أراد –لحكمة عظيمة– أن لا يكون الناس كلهم أمة واحدة، بل منهم الشقي والسعيد؛ كما قال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" [سورة هود : 118 ، 119] . فأتباع الرسول الأمين هم المرحومون وهم الفرقة الناجية ، ومن سواهم فهو من أهل الوعيد على اختلاف درجاتهم (5) .
أما الأسباب الكسبيّة فهي التي ستكون موضع تناولنا في هذه العجالة الموجزة، بعد إيضاح مقدمتين:
المقدمة الأولى: الأفكار لا تموت! .
إن أية فكرة تطرأ على المجتمع فإنها تبقى مهما شاخت وأصابا الهرم، وهذا مما لا ينكر، فإن الناظر في التاريخ الإسلامي ومذاهبه يجد أن التيارات الفكريّة، تقوى حينًا وتستفحل، وتخبو حينًا وتضعف، ولكن لا تموت بل تبقى ضعيفة حتى تجد من يثيرها، وهكذا فإن أي مذهب وجد في تاريخ الأمة فإنه لا يستغرب أن يظهر إذا وجد من يتبناه، سواء كان ظهورًا تامًا أم ناقصًا؛ وسواء ظهر بصورته الأولى أو بصورةٍ مختلفة.
والاتجاه التكفيري والإخراج من الإيمان بفعل الكبائر، اتجاه له وجود في التاريخ الإسلامي في مذهبي الخوارج والمعتزلة، وهو اتجاه بقي وإن كان على ضعف إلى هذا العَصْر (6) .
كما أن مذهب الشيعة يعتمد على تكفير الغالي ممثلاً في تكفير الصحابة رضي الله عنهم (7) ، وهذا الفكر موجود في الأمة بقوّة في أماكن مختلفة يمثله طوائف متعددة .(2/137)
وكما أن التكفير موجود ، فالإرجاء أمره أظهر وأبين، فإنه انتشر في الأمة في العصور المتأخرة انتشارًا قويًا ، وحسبك أن تعلم أن الأشاعرة والماتريديّة يتبنون هذا الفكر (8) ، لتعلم بعد ذلك كم من المعاهد الإسلامية الكبرى قد تبنَّت هذا الاتجاه .
المقدمة الثانية : تغيير الظاهر لا يغير الباطن .
فإن من المعلوم أن العبرة بحقائق الأشياء ومعانيها، وليس بصورها ومبانيها ، ولذا كان مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيشرب ناسٌ من أمته الخمر يسمونها بغير اسمها (9) .
وهذا العصر شهد ظهورًا للتكفير والإرجاء، وقد ألبس ثياب منهج السلف ؛ فنسب إليه، واستدل بأقوالهم على إثباته، وادعى بأنه هو اعتقاد الفرقة الناجية، وربما ترك من الاتجاه أفكارًا معينة لتبرأ ساحة معتقده إذ لا يوافقهم في هاتيك الأفكار .
مع أنه لا يلزم عند نسبة طائفة إلى اتجاه عقدي أن تتلاقى جميع الأفكار بينهما بل العبرة في الاتفاق في أساس الاتجاه، ولذا لما عدد العلماء الفرق المبتدعة ردوها إلى فرقٍ أمات لها مع التفاوت بينها في الآراء .
وما ذكر أبو الحسن الأشعري المرجئة، ذكر اختلافهم في الإيمان على اثنتي عشرة فرقة (10) . وكذلك لما شرع في مقالات الخوارج ذكر جماع رأيهم، ثم اختلافهم بعد ذلك وتكفير بعضهم لبعض (11) !
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: (... لأن هؤلاء وأمثالهم لم يكونوا خبيرين بكلام السلف، بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن المتكلمين من الجهميّة ونحوهم من أهل البدع، فيبقى الظاهر قول السلف، والباطن قول الجمهيّة الذين هم أفسد الناس مقالة في الإيمان) (12) .
عوامل النشأة والظهور :
أوّلاً : عدم التلقي عن أهل العلم الأثبات :(2/138)
فبسبب انتشار التعليم وفشو الكتابة في هذا الزمن كثر التلقي والأخذ من كتب العلم مباشرة دون مشافهة العلماء، وترتب على ذلك خطأ كثير . كعدم فهم المصطلحات الشرعية على الوجه المطلوب وعدم تحرير مسائل النزاع ، وعدم التنبه لما في بعض الآراء من غلط .
وهذه المفاسد وغيرها جعلت السلف يمنعون من تلقي العلم ممن كانت وسيلته التي استفاد بها العلم هي التلقي من الكتب، كما قال أبو زرعة: (لا يفتي الناس صُحُفي) (13) ولعلي أشير إلى مسألتين أجعلهما مثالاً لما يترتب على الأخذ عن الكتب من سوء الفهم، المسألة الأولى: عدم فهم الفرق بين تولي الكافر الذي هو ناقض من نواقض الإسلام، وبين موالاة الكافر الذي هو معصية فقط.
والذي ترتب عليه التكفير بعموم، حصول المخالفة مع احتمال أن يكون الفعل الظاهر هو المعصية وليس الكفر . ومثال ذلك فعل حاطب ابن أبي بلتعة -رضي الله عنه- لما كاتب قريشًا بأمر مسير النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين إليهم، لفتح مكة، فهذا من موالاة الكفار ، ويحتمل أن يكون موالاة لغرض من أغراض الدنيا ( وهو حفظ أهله وماله بمكة ) كما يحتمل أن يكون مواليًا لهم في دينهم ولذا سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن فعله، فقال: (إني كنت امرءًا من قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدًا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرًا) (14) . وبذلك عرف أن فعله معصية وليس كفرًا، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه (إنه شهد بدرًا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم) . ولو كان كفرًا لحبط عمله وما نفعه حضوره بدرًا (15) كما قال تعالى: "لإن أشركت ليحبطن عملك" [سورة الزمر: 65].
فلما غفل من قرأ كلام أهل العلم عن التفريق بين ما يكون كفرًا، وما لا يكون كذلك، وقع الغلط في هذا الباب .(2/139)
المسألة الثانية : عدم معرفة المراد بأهل السنة والجماعة، فإنّ هذا المصطلح يطلق بإزاء اعتقاد سلف هذه الأمة، الأشاعرة والماتريدية على عقيدتهم ، كما أنهم يطلقون على مذهبهم مذهب السلف. فمثلاً في شرح القاري على منظومة بدء الأمالي - وهي في اعتقاد الأشاعرة - قال: (ليست العبادات المفروضة محسوبة من الإيمان، ولا داخلة في أجزائه .. وهذا ما عليه أكابر العلماء كأبي حنيفة وأصحابه، وجمهور الأشاعرة ومذهب مالك، والشافعي، والأوزاعي، وهو المنقول عن السلف، وكثير من المتكلمين ونقله في شرح المقاصد عن جميع المحدثين .. ولا ينتفي الإيمان بانتفائها) (16) .
وقال ابن حجر في تعريفه للإيمان: (فالسلف قالوا هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، وأراد بذلك أن الأعمال شرطٌ في كماله.. والمعتزلة قالوا: هو العمل، والنطق، والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته؛ والسلف جعلوها شرطًا في كماله) (17) .
وفي كل ما سبق عدم تحرير لمسائل الاعتقاد على نهج السلف، بل هو على طريقة المرجئة من تأخير العمل عن الإيمان ، ومع ذلك فقد نسب للسلف.
وهو إما عدم فهم لمرادهم ، أو استعمال لهذا المصطلح في معنى آخر . وهو على كُلٍّ مثال لما في الأخذ من الكتب من إشكاليّة سببّت الخلط في باب الإيمان .
قال الشاطبي: (وإذا ثبت أنه لابد من أخذ العلم عن أهله ؛ فلذلك طريقان :
أحدهما: المشافهة ، وهي أنفع الطريقين وأسلمهما؛ للخاصيّة التي جعلها الله تعالى بين المعلم والمتعلم ، يشهدها كل من زاول العلم والعلماء؛ فكم من مسألة يقرؤها المتعلم في كتاب ، ويحفظها ويردها على قلبه فلا يفهمهما ، فإذا ألقاها إليه المتعلِّم فهمها بغتة ..
الطريق الثاني : مطالعة كتب المصنفين وهو أيضًا نافع بشرطين :(2/140)
الأول: أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب، ومعرفة اصطلاحات أهله، ما تيم له به النظر في الكتب وذلك يحصل بالطريق الأول، ومن مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه، وهو معنى قول من قال: كان العلم في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال. والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئًا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد والشوط الآخر: أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم، فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين..) (18) .
الثاني : المواقف المضادّة
فإن لردود الأفعال دورًا واضحًا في ظهور الفكر الغالي، والتكفير، والإرجاء في هذا العصر.
فأما فكر التكفير فإنه (يكاد معظم الذين حللوا ظاهرة الغلو لدى هذه الجماعات، يتفقون على أن من أهم الأسباب التي دفعت بهؤلاء إلى اتخاذ هذا الموقف المتطرف: الحرب التي تعرّض لها أتباع هذه الجماعات وما نتج عنها من ردود فعل تجاه المجتمع حكامًا ومحكومين، فإن من شباب الجماعات الإسلامية ، الذين كانوا يمثلون خيرة الشباب في المجتمع المصري بدلا من أن يجدوا العون لتحقيق آمالهم في حياة إسلامية كريمة لفقت ضدهم التهم زورًا وبهتانًا. ووجدوا أنفسهم في غياهب المعتقلات وأصبحوا نهبًا لسياط الجلادين وآلات التعذيب، في الوقت الذي أطلقت فيه أيادي أعداء الإسلام يعملون بكل حرية لهدم قيم الإسلام وتعاليمه) (19) .
بل ربما أخذت النساء رهائن ووضعن في السجون وعذبن حتى يعود الرجال الهاربون (20) .
ونتيجة لما سبق فقد شعر هؤلاء بأن من قام بهذا العمل البشع ، زيادة على تقصيره في تطبيق الشريعة ، وغيرها من أنواع المخالفات؛ لا يمكن أن يكون مسلمًا وبذلك برز فكر التكفير قويًا لدى بعض الفئات .(2/141)
ولما وجد هذا الفكر تصدى له أهل العلم بالبيان، إلا أن المواقف الانفعالية والمناقشات العقلية، والمعارك الكلامية، ولدت ردّة فعل مقابلة، نتج عنها التوسع في استخدام شرط الاستحلال للتكفير، حتى اشترطوا في أعمال الكفر الصريحة كإهانة المصحف، وسب الرسول، وإلغاء شريعة الله، فقالوا: لا يكفر فاعلها إلا إذا كان مستحلاً بقلبه، وكل هذا بغرض التثبت في إطلاق الكفر! (21)
وحصروا الكفر بناء على ذلك في الجحود والاستحلال (22) .
وقد صرح من يعتقد ذلك بأنه فعله (ردًا على الوالفين في تكفير المسلمين، من الذين جعلوا مسألة تكفير الحكام من أصول مسائلهم الكبرى وفتنتهم العظمى)، و(أن الحركيين الإسلاميين بالغوا في تكفير العصاة والمخالفين وبخاصّة حكام المسلمين) (23) .
وهكذا كان لردود الأفعال دور في ظهور الغلو في كلا الجانبين المتقابلين .
ثالثًا : عدم القدرة على التعامل مع الوضع الراهن
فإن في هذا المعصر من المشكلات ما لم يمدَّ على الأمّة مثله، من هجر التحاكم لكتاب الله، والإيغال في إيذاء الناصحين، وتكالب الأمم، والتصريح بعداوة الدين من بعض من ينتمي إليه، وبأنه غير صالح للتطبيق، كل ذلك على نحو غالب، ولهذا يفارق ما مضى على الأمة فإنها وإن وجد فيها النقص والخطأ فإنها لم تشهده بشكل غالب إلا في العصور المتأخر.
وقد ترتب على ذلك احتياج الأمة إلى فقيه النفس، القادر على التعامل مع هذه المشكلات، وإبداء الحل الشرعي لها، الذي لا يحاول تسويغ الواقع على حساب الدين، ولا يغيّب نفسه عن تأمل ودراسة واقع الأمة والمجتمع.
وبدلاً من أن يخرج الفقيه المتمكن من الاجتهاد في نوازل العصر، فقد شهد القرنان الماضيان وما قبلهما سدًا لباب الاجتهاد ، ومنعًا منه، بل صار القول بالاجتهاد من الكبائر، بل ربما وصل حد الكفر، ولقد كان من التهم الموجهة من خصوم الدعوة السلفية إلى علمائها دعوى الاجتهاد! (24)(2/142)
وفي محاولة التعامل مع الواقع – في ظل غياب الفقهاء المتمكنين – برز الاتجاهان اتجاه لم يستطع التعامل مع الأخطاء، فدعا إلى عزلة الناس ومفاصلة المجتمع الجاهلي بمؤسساته ونظمه ، وحكم على المجتمعات بالكفر لرضاها به وعدم قيامها (بالحد الأدنى من الإسلام) (25) .
واتجاه آخر سوغ الواقع بكل أشكاله، وقرر أن من تكلم بالشهادتين فهو من أهل الإسلام ، ولو فعل ما فعل من ضروب الكفر، والشرك، حتى نعلم أنّه في قلبه جاحدًا أو مستحلًّ.
والحقيقة أن من أيقن بالإسلام وصدق به عالمٌ لا محالة أنه بقواعده العامة، وكلياته حالُّ لكل وضع ، شافٍ لكل عيي، ومن أتقن أصوله وفهم مقاصده، لن يعجزه أن يجد لكل نازلة من النوازل من الشرع حكمًا وحلاًّ إذا صدق النية ورزق التوفيق.
رابعًا : المقاصد السقيمة لأدعياء العلم
ومن أبرز هذه المقاصد والتي دفعت إلى ظهور هذين الاتجاهين ، التعصب للمشايخ ، ومحاولة تسويغ الواقع ، وعدم الرجوع للحق بعد تبينه. والجامع لكل ذلك أنه اتباعٌ للهوى.
واتباع الهوى اعتقادٌ يتبعه استدلال، ويتلوه تحريف لكل دليل مخالف ، بعكس أهل الحق الذين يتبعون الأدلة ثم ينقادون لها فيعتقدون بعدما يستدلون .
قال ابن تيمية: (إن السلف كان اعتصامهم بالقرآن، والإيمان، فلما حدث في الأمة ما حدث من التفرق والاختلاف صار أهل التفريق والاختلاف شيعًا، صار هؤلاء عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والإيمان، ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم ، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به ، وما خالفها تأولوه .. والمقصود أن كثيرًا من المتأخرين لم يصيروا يعتمدون في دينهم لا على القرآن، ولا على الإيمان الذي جاء به الرسول، بخلاف السلف، فلهذا كان السلف أكمل علمًا وإيمانًا، وخطؤهم أخف، وصوابهم أكثر كما قَدّمناه) (26) .
وقد يزيد من قوة تأثير هذا السبب أن يعرض العلماء (الربانيون) عن إيضاح الحق وبيان الموقف الصحيح لأي عذر.(2/143)
خامسًا: عدم رد المتشابه للمحكم
فقد أخبر الله تعالى أن من آياته المتشابه، ومنها المحكم، وبيّن سبيل مرضى القلوب من ابتاع المتشابه وعدم رده للمحكم، وفي المقابل يكون سبيل الراسخين في العلم رد المتشابه إلى المحكم .
والمتشابه، هو: غير واضح الدلالة مما له تصريف وتأويل فيمكن حمله على المعنى الفاسد من حيث لفظه وتركيبه (27) . قال تعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخرُ متشابهات فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله" [سورة آل عمران:7].
والواقع في من يتبنى مناهج مخالفة لهدي السلف أنّه يعمد إلى نص فيجعله عمدته وكأنه لا معارض له، كيف وقد عَارَضَهُ ما هو أرجح منه، أو يجعل ما ورد في مسألة مخصوصة هو القاعدة العامَّة دون العكس.
**…**…**
وبعد! فما سبق وقفات يسيرة في هذا الموضوع الذي يستحق أن يتوسع فيه أكثر والله الموفق لا إله إلا هو .
(1) ما بين القوسين تضمين من مجموع الفتاوى [10/368] . والحسكة: الشوكة .
(2) تضمين من زاد المعاد (4/8) .
(3) صحيح البخاري (6133)؛ صحيح مسلم (2998) . عن أبي هريرة رضي الله عنه .
(4) الاعتصام (2/164) .
(5) انظر: تفصيل هذا المعنى في تفسير ابن كثير (2/466 ) ؛ مجموع الفتاوى (4/236)؛ الاعتصام (2/170).
(6) انظر: بحثًا مستفيضًا عن حركة الإباضية وأماكن انتشارها في العالم الإسلامي وشيئًا من أبرز آرائها في كتاب دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين. د. أحمد محمد جلي ص 90 وما بعدها .
(7) نقل إحسان إلهي ظهير في كتابه السنة والشيعة ص 49 عن الكشي في كتابه رجال الشيعة ص 12 ، 13 أن كل الصحابة ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة: المقداد بن الأسود، أبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي .(2/144)
(8) فعند جمهور الأشاعرة أن الإيمان هو التصديق فقط ، وقيل ومعه إقرار اللسان وعليه الماتريدية ولهم تفصيل . انظر: شرح الطحاوية لعبد الغني الميداني ص 98؛ نظم الفرائد في المسائل الخلافية بين الماتريدية والأشاعرة لشيخ زاده ص 225 .
(9) سنن ابن ماجة (3385)؛ مسند أحمد (5/318) عن عبادة بن الصامت ؛ سنن ابن ماجة (3384) عن أبي أمامة ؛ صحيح ابن حبان (15/ 160) ؛ سنن أبي داود (3688)؛ مسند أحمد (5/432) عن أبي مالك الأشعري وله طرق.
(10) مقالات الإسلاميين (1/213) .
(11) المصدر السابق (1/167) .
(12) مجموع الفتاوى (7/143).
(13) الفقيه والمتفقه (2/97) . والصحفي الذي أخذ علمه عن الصُحُف ( وهي الكتب ) .
(14) صحيح البخاري (4890)؛ صحيح مسلم (161) .
(15) في كتاب ضوابط التكفير ص (294) مزيد تفصيل .
(16) ص(54). دار إحياء الكتب العربية عام 1345هـ .
(17) فتح الباري (1/61).
(18) الموافقات (1/145).
(19) تضمين من كتاب دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ص (108) بتصرف .
(20) انظر: التكفير جذوره أسبابه مبرراته، د. نعمان السامرائي ص (44).
(21) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي ص (391).
(22) صيحة نذير ص (39).
(23) الملحق ب لكتاب حقيقة الخلاف بين السلفية الشرعية وأدعيائها ص 161 . وهو المتضمن لنص توبة أحد المقصودين بفتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم 20212 في 7/2/1419هـ .
(24) انظر: مزيدًا من البحث في هذه المسألة في كتاب الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر لعلي بن بخيت الزهراني (2/89 فما بعدها) .
(25) البيّنة . جمال سلطان ص (50)؛ (والحد الأدنى) مبدأ لدى (جماعة المسلمين) المعروفة بالتكفير والهجرة . بين المراد به في المرجع السابق وانظر : ضوابط التكفير ، د. عبد الله القرني ص (105وما بعدها) .
(26) مجموع الفتاوى (13/58) .
(27) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/7 ، 9). دار عالم الكتب .
………
………(2/145)
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7372
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - العولمة وأثرها على الهوية [2/2]
دراسات علمية رسائل جامعية
العولمة وأثرها على الهوية[2/2]
د. خالد بن عبد الله القاسم
………
9/5/1427
05/06/2006
- سبل مقاومة الآثار السلبية
- سبل الاستفادة من العولمة في الحفاظ على الهوية
سبل مقاومة الآثار السلبية
مقاومة الآثار السلبية للعولمة على الهوية يأخذ أبعاداً متنوعة:
أولها: تعزيز الهوية بأقوى عناصرها، وهو العودة إلى الإسلام، وتربية الأمة عليه بعقيدته القائمة على توحيد الله سبحانه، والتي تجعل المسلم في عزة معنوية عالية "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" [المنافقون: من الآية8]، وبشريعته السمحة وأخلاقه وقيمه الروحية وتقوية الصلة بالله سبحانه وتعالى واليقين بنصره وتمكينه للمؤمنين إذا استجابوا لربهم وقاموا بأسباب النصر، فالهزيمة الحقيقية هي الهزيمة النفسية من الداخل حيث يتشرب المنهزم كل ما يأتيه من المنتصر، أما إذا عززت الهوية ولم تستسلم من الداخل فإنها تستعصي ولا تقبل الذوبان.
ثانيها: العناية باللغة العربية في وسائل الإعلام ومناهج التعليم وتسهيل تدريسها وتحبيبها للطلاب، ومن العناية باللغة العربية تفعيل التعريب والترجمة والتقليص من التعلق باللغات الأخرى إلا في حدود الحاجة اللازمة.
ثالثها: إبراز إيجابيات الإسلام وعالميته وعدالته وحضارته وثقافته وتاريخه للمسلمين قبل غيرهم، ليستلهموا أمجادهم ويعتزوا بهويتهم.(2/146)
"إن الرد الحقيقي على الطاغوت الحالي الذي يسمى العولمة، هو إبراز النموذج الصحيح الذي يجب أن يكون عليه الإنسان، لكي يصدق الناس –في عالم الواقع- أنه يمكن أن يتقدم الإنسان علمياً وتكنولوجياً واقتصادياً وحربياً وسياسياً وهو محافظ على إنسانيته، محافظ على نظافته، مترفع عن الدنايا، متطهر من الرجس، قائم بالقسط، معتدل الميزان" (1) "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" [الحديد: من الآية25].
إن العولمة يجب أن تكون – من أجل الإنسان- في العلوم والتقنيات والتعامل والتعاون الذي يحترم فيه البشر بعضهم، أما الديانات والثقافات والتقاليد فهي حضارات الشعوب ملك لهم تشكل تنوعاً غير ممل بشرط ألا يتعدى أحد على الآخر.
وأن نعلم أن هويتنا وذاتيتنا بعمقها الديني والحضاري لا بديل لها من أية حضارة أخرى مهما بدا في زينتها. فثقافتنا عالمية، أبدعت وأضافت وأعطت، ورغم خصوصيتها كانت إنسانية شاملة، لا بتراثها الإسلامي –وهو ذروة عطائها- ولكن بما تجاوزته من عناصر الحضارات الأخرى، وبلغتها العربية وفنونها وآدابها. وكما صنعت الأمة ثقافتها، صنعتها ثقافتها، وحافظت على هويتها عبر أداتها التعبيرية لغة القرآن، فلا تكاد تملك لغة من اللغات ما تملكه اللغة العربية من تراث فكري مكتوب، لا في الكم، ولا في النوع، ولا في النسق اللغوي المتماسك (2) .(2/147)
رابعها: العمل على نهوض الأمة في شتى الميادين دينياً وثقافياً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وتقنياً، ومحاربة أسباب التخلف والفساد، نغير ما بأنفسنا من تخلف وتقاعس، فإن من سنن الله سبحانه وتعالى التغيير "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد: من الآية11]، وقد نبه القرآن الكريم على أهمية العمل "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" [التوبة: من الآية105].
خامسها: مواجهة مساوئ العولمة بالتعليم والتدريب والتثقيف والتحصين ورفع الكفاءة وزيادة الإنتاج ومحاربة الجهل وخفض معدلات الأمية المرتفعة عند المسلمين.
سادسها: تقليص الخلافات بين المسلمين حكومات وشعوب وجماعات بالاعتصام بكتاب الله عز وجل "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا" [آل عمران: من الآية103] ثم التعامل معها إن وجدت بثقافة إيجابية فاعلة ناصحة حتى لا يجد الأعداء ثغرة من خلالها.
سابعها: ضمان الحرية الثقافية وتدعيمها، حيث أن حرية الثقافة، وإن كانت تنبع من العدالة في توزيع الإمكانات والإبداعات الإنسانية على الأفراد، فإنها في الوقت نفسه عامل أساسي في إغناء الحياة الثقافية وزيادة عطائها. ولكن لا يجوز فهم الحرية على أنها فتح للباب أمام كل تعبير، وقبول كل فكر، ولكن الحرية المقصودة هي الحرية المنضبطة بضوابط (3) .
ثامنها: أن نتعرف على العولمة الثقافية، والكشف على مواطن القوة والضعف فيها، ودراسة سلبياتها وإيجابياتها برؤية إسلامية متفتحة، غايتها البحث والدراسة العلمية (4) ، وإدراك وفهم التناقضات التي تكتنف فكرة العولمة وكشف الزيف الذي تتستر قواها خلفه (5) .(2/148)
ولكن لابد أن يواكب عملية النقد الكلية للحضارة الغربية، عملية أخرى هي عملية التخلص من الإحساس بمركزية الغرب ونزع صفة العالمية والعلمية والمطلقية عن حضارته وتوضيح أن كثيراً من القوانين العلمية التي يدافع عنها دعاة التغريب باعتبارها تصلح لكل زمان ومكان هي في واقع الأمر نتيجة تطور تاريخي وحضاري محدد وثمرة تضافر ظروف فريدة في لحظة فريدة، فإذا كان الغرب قد تحول إلى مطلق، فإنه يجب أن يستعيد نسبيته، وإذا كان يشغل المركز فإنه يجب أن يصبح مرة أخرى عنصراً واحداً ضمن عناصر أخرى تكِّون عالم الإنسان (6) .
تاسعها: التنسيق والتعاون بصورة متكاملة في وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي والثقافة والإعلام، و الأوقاف والشئون الإسلامية، والعدل، للمحافظة على الهوية الإسلامية من أي مؤثرات سلبية عليها.
عاشرها: أن تقوم وسائل الإعلام بواجباتها في الحفاظ على الهوية ودعمها، فضلاً عن استيراد البرامج التي تهدم الهوية دون نظر أو تحميص، كما أن على الدول والعلماء وقادة الرأي ورجال الأعمال الضغط على وسائل الإعلام الخاصة كل بما يستطيع لمراعاة هوية الأمة وقيمها.
حادي عشر: أن يقوم التعليم بتعزيز الهوية وكشف العولمة ومضارها، ويتحتم على الإعلام التربوي استخدام كافة الوسائل والأساليب والطرق المتاحة كي ينجح في تأصيل القيم والمهارات والمعارف والمعلومات في مؤسسات المجتمع ومنظماته، وبما أن البث المباشر يهدد هويتنا بتنشئة صغارنا على قيم وعادات تخالف فكر أمتهم وثقافتها فإن التربويين والإعلاميين مطالبين بتحصين الأطفال ضد ثقافة الاستهلاك والتغريب، ونحن نريد من الإعلام التربوي أن يتحدث عن المسائل التربوية المهمة واللصيقة بحياة المجتمع، كما نريد منه تقديم مادة غنية ثرية تحدث أثراً إيجابياً، وتترك صدى قوياً بنفس الصغير والتلميذ والطالب والشاب وتساعد على اكتشاف ما يملك من طاقات ومهارات (7) .(2/149)
ثاني عشر: تنشيط التفاعل والحوار الثقافي العربي مع ثقافات الأمم الأخرى (8) . وأن نثري ثقافتنا العربية الإسلامية بما نراه ينفعنا ولا يضرنا من الثقافات الكونية الأخرى، وفي الوقت نفسه نعرف تلك الثقافات العالمية بما لنا من تراث وتقاليد وقيم اجتماعية عريقة (9) .
وفي دراسة علمية عن العولمة في ضوء العقيدة الإسلامي كان من التوصيات (10) :
- ضرورة الانفتاح على الآخرين والاستفادة من فرص العولمة والتقدم العلمي والتقني، وتطوير ثقافتنا وتحسين أوضاعنا.
- أن من أهم التحصينات الثقافية لأمتنا قيم الانفتاح والتسامح والعدل والشورى.
- تطوير مشروع الإسلام الحضاري المتكامل.
- إعادة بناء الوحدة الإسلامية على أساس شرع الله تعالى.
- إنشاء السوق الإسلامية المشتركة.
- إعادة بناء وصياغة النظم التعليمية والتعاون في التعليم.
- الاهتمام بالإعلام.
ثالث عشر: تشجيع المؤسسات الدعوية داخل البلاد الإسلامية وخارجها على ممارسة عملها ودعمها بكل طريق مادياً ومعنوياً وتوجيهياً، وعدم السقوط في فخ الأعداء بتصيد أخطا\ها وتشويه سمعتها عند حدوث خطأ ما، وإنما بالنصيحة الإيجابية الفاعلة، وما نراه بفضل الله تعالى من مؤسسات إسلامية ودعوية مساعدة للمسلمين للحفاظ على هويتهم لا سيما خارج الدول الإسلامية، سواء كانت مراكز أو مدارس إسلامية أو وسائل إعلامية، كمواقع الإنترنت أو شركات الإنتاج أو إذاعات القرآن الكريم، أو مكاتب دعوة الجاليات التي تتميز بها المملكة العربية السعودية، وأثمرت آلاف المسلمين الجدد كل عام، أو مدارس تحفيظ القرآن الكريم، إلى غير ذلك من هذه المؤسسات، لتسهم ضد تأثيرات العولمة على الهوية، لذا لا نعجب من أن تكون هذه المؤسسات الخيرية أحد استهدافات العولمة، ومحاولة لرميها بالإرهاب بكل طريق بمحاربة أنشطتها وتشويه سمتعتها وتجفيف مواردها (11) .(2/150)
هذه بعض الأفكار وغيرها كثير في سبيل مواجهة العولمة وهي وإن فرضت علينا واقعاً ليس من اختيارنا، لكنها لا تستطيع منعنا من العمل.
والطريف المضحك المبكي أن يتحدث بعض النفر من مثقفينا عن العولمة، كقضاء وقدر، يجب إسلام الذات الثقافية له، في ذات الوقت الذي يتمردون فيه على القضاء والقدر، إذا كانا من الله، ولقد كتب أحدهم في أحد المؤتمرات التي عقدت عن العولمة يقول: إن العولمة هي ظاهرة التوحد الثقافي والاقتصادي، التي يشهدها العالم اليوم، مع عدم إغفال النواحي السياسية والاجتماعية، وإن الحداثة الغربية عموماً والعولمة المعاصرة خصوصاً، وما أفرزت من ثقافة في طريقها إلى أن تصبح ثقافة عالمية أو كونية شاملة بكل ما في الكلمة من معنى، فلا شيء قادر على الوقوف في طريقها، ولن تستطيع الثقافات التقليدية أن تصنع شيئاً أمام ثقافة العولمة التي لا تصدها الحدود، أحببنا ذلك أو كرهنا، وافقنا أو رفضنا (12) .
وأخيراً مادمنا مقاومين فاعلين قائمين بما أمرنا الله به فإننا موقنين ليس بحماية هويتنا فحسب، بل حتى في التأثير على غيرنا بنفس وسائل العولمة، وهذا هو الفصل القادم.
- سبل الاستفادة من العولمة في الحفاظ على الهوية
هل العولمة شر محض فنحصر أمورنا في الوقاية منها ومقاومتها؟ أم أنه يمكن التأثير من خلال العولمة، إن موقف نقد لا يعني حرمان النفس من إمكانيات الاستفادة من الفرص التي يتيحها، وذلك للتأثير الإيجابي أو على الأقل التخويف من مخاطر السقوط في الهرم والرثاثة (13) .
وإذا كان البعض يشبه العولمة بالقطار إما أن تركب إذا أردت التقدم والوصول أو البقاء في المكان مع التعرض للمخاطر ويفوتك الركب، والقطار يسير إلى قدر محتوم معلوم كما ذكره فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ وتأثر به كثير من الكتاب فإن هذا المثال غير صحيح لأن العولمة تتجاذبها قوى متعددة يمكن التأثير فيها.
وسنضرب بعض الأمثلة:(2/151)
أولاً: إن من مظاهر العولمة وسائل الاتصال من الإنترنت والفضائيات وأن هذه الوسائل من الممكن تسخيرها لخدمة البشرية عبر نشر الحقائق الإسلامية فالأمة العربية والإسلامية تملك أعظم مشروع حضاري .. إنها تملك الوحي الإلهي المعصوم، الذي ينظم العلاقة بين العباد وخالقهم "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذريات:56] ، وبين العباد بعضهم وبعض "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) ، ومع سائر المخلوقات "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" [البقرة:30]، وهو في النهاية يؤدي إلى السعادة الدنيوية والأخروية للعالم، هذه الرسالة العظيمة يجب أن تحملها البشرية وأن تستثمر كل أدوات العولمة المشروعة لإيصال رسالتنا "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" [آل عمران:110].
وثقافتنا وهويتنا قابلة للنمو والاعتناء أكثر من الإذابة والتبعية، لذا نؤمن بالتفاعل والتبادل الذي يتيح لثقافتنا فرصة النمو والانتشار لا الإذابة والتبعية (14) .(2/152)
بل إن الإسلام بعقائده الفطرية وشريعته العادلة القائمة على المساواة هو أكثر المستفيدين من العولمة إذا تساوت الفرص وخدمه أبناؤه فالإسلام بقيمه العالمية بخلاف العولمة التي هي فرض قيم وحضارة خاصة، بينما الإسلام يتجه نحو العالمية منذ نزوله، ويحث على التعايش والسلم، وعايش فعلاً في تاريخه مختلف الديانات وتسامح معها تسامحاً واضحاً بشهادة المؤرخين المنصفين، كما أنه مؤهل بتعاليمه الأخلاقية أن يشارك في وضع أخلاق جديدة لهذه العولمة المنفلتة لحد الآن، وهو يعترف بالقيم المشتركة بين الحضارات، ولا شك أن الدعوة إلى الفهم المتبادل للقيم الحضارية الشرقية والغربية من سمات الإسلام الرئيسية، فقد دعا إلى الحوار مع ديانات أخرى، منذ نزول القرآن، ونادى بالحوار بين الأديان وأزاح الغبار عما طرأ على بعض الديانات من خرافات وتحريفات، ودعا إلى الأصل المشترك بينها جميعاً، " "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" [آل عمران:64]، فعلى المسلم اليوم أن يحدد رسالته نحو العولمة ويبني موقفه على الفهم الصحيح للإسلام، وأن ميزانه ميزان أخلاقي (التقوى) حيث يتحاور ويتعاون مع البشرية في العالم إذا ألغي ميزان العصبية واللون، والطبقة والثروة، وجعل عمارة الكون والإحسان إلى العالمين من مبادئه ومقاصده، وكذلك المشاركة في توفير الخير للناس، وحفظ الحقوق، ومنع الظلم وإن كان مع عدو أو مخالف في الدين، " "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة: من الآية8] ، وعد القرآن الكريم اختلاف اللغات والألوان من آياته سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ(2/153)
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ" [الروم:22] (15) .
فإنتاج البرامج التلفزيونية للتعريف بالإسلام وكذلك المواقع في الإنترنت، ونشر الحقائق الإسلامية وبيان دين الإسلام، والرد على الشبهات المثارة، فتلك الوسائل يستفيد منها بالدرجة الأولى أهل الحق، فهي فرصة لكشف فريق الباطل.
وكذلك الاستفادة من السياحة في منطقتنا الإسلامية لاطلاع القادمين على ديننا وثقافتنا وتاريخنا، وكما أن المؤسسات الخيرية والدعوية الإسلامية التي تعاني الآن من هجمة العولمة واتهامها بدعم الإرهاب لها فرصة الاستفادة من وسائل العولمة لنشر الإسلام.
ثانياً: إن أدوات العولمة ربما ساعدت في الحفاظ على الهوية حيث يتاح للمسلم في الغرب الحفاظ على هويته وتقويتها عبر مواقع الإنترنت الإسلامية بل ويتفاعل معها وكذلك الفضائيات، وقد نشاهد جماعة من المهاجرين الأتراك مثلاً في ألمانيا يقتصرون على مشاهدة البرامج التركية وهم مقيمون في ألمانيا، ينقلون هويتهم معهم، ولا تنقطع الصلة بينهم وبين مجتمعهم الأصلي، وكذلك يفعل المهاجرون المسلمون في فرنسا، والأكراد في ألمانيا.
ثالثاً: العولمة المعاصرة أفرزت تهديداً ثقافياً، وهذا التهديد الثقافي والديني قد يؤدي أيضاً إلى فرار الناس إلى الدين، يلوذون به، ويحتمون بعقائدهم لدرجة التعصب والعنف والقتال، لأنهم يشعرون أنهم مهددون في أعز شيء عندهم، ولشدة خوفهم من الاستئصال والانسلاخ قصراً عن معتقداتهم، لأن الصراع يسهل أن ينشأ عندما يشعر الإنسان أنه مهدد في جانب من ذاتيته (16) .
يقول برنارد لويس: "في العالم الإسلامي يوجد ميل متواتر لدى المسلمين في أوقات الأزمة، لأن يبحثوا عن هويتهم الأساسية وانتمائهم في المجتمع الإسلامي" (17) .(2/154)
ويقول هنتجنتون: في عالم اليوم أدى التحسن الذي حدث في مجالات الانتقال والاتصال إلى تفاعلات وعلاقات أكثر تكراراً واتساعاً وتناسقاً وشمولاً بين شعوب من حضارات مختلفة، ونتيجة لذلك أصبحت هوياتهم الحضارية أكثر بروزاً. الفرنسيون والألمان والبلجيك والهولنديون يتزايد تفكيرهم في أنفسهم كأوروبيين، مسلمو الشرق الأوسط يتوحدون ويهرعون لمساعدة البوسنيين والشيشان، الصينيون في آسيا كلها يوحدون مصالحهم مع مصالح البر الرئيسي، الروس يتوحدون مع الصرب والشعوب الأرثوذوكسية الأخرى ويدعمونها، هذه الحدود الأوسع للهوية الحضارية تعني وعياً أعمق بالاختلافات الحضارية والحاجة إلى حماية ما يميز "نحن" عن "هم" (18) .
رابعاً: إن من إيجابيات العولمة القضاء على الحداثة بمعناها المعادي لكل ما هو قديم، وذلك هو مأزق الحداثة الفاضح عربياً، وذلك بعد عقود من مساعي الحداثيين إلى علمنة الثقافة والمجتمع، يكتسح الإسلام ساحة الفكر والعمل في غير بلد عربي، وفيما يصر أهل الحداثة على إحداث ثورة في الفكر الديني أو في العقل اللاهوتي، على غرار ثورة لوثر أو فولتير أو كنت، توضع الحداثة غربياً على مشرحة النقد والتفكيك بكل عناوينها ومسلماتها، بعد أن شهدت انفجاراتها المفهومية في أكثر فروع المعرفة والثقافة (19) .
المراجع
1- القرآن الكريم.
2- التعريفات، الجرجاني، دار عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ - 1987م.
3- الثقافة العربية بين العولمة والخصوصية، حسن حنفي، بحث ضمن كتاب العولمة والهوية، المؤتمر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون، منشورات جامعة فلادليفيا، الطبعة الأولى، 1999م.
4- ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، د. برهان غليون ود. سمير أمين، دار الفكر المعاصر بيروت، الطبعة الأولى 1420هـ/ 1999م.
5- حتى لا تضيع الهوية الإسلامية والانتماء القرآني، أنور الجندي، دار الاعتصام، سلسلة الرسائل الجامعة.(2/155)
6- حديث النهايات، فتوحات العولمة ومآزق الهوية، علي حرب، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2000م.
7- نحن والعولمة من يربي الآخر، سلسلة كتاب المعرفة (7)، مجموعة مقالات، مقالة للأستاذ سعد البازعي بعنوان المثقفون والعولمة والضرورة والضرر، الطبعة الأولى 1420هـ/ 1999م.
8- صدام الحضارات .. إعادة صنع النظام العالمي، تأليف صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب وتقديم د. صلاح قنصوة، الطبعة الثانية، 1999م.
9- صراع الثقافة العربية الإسلامية مع العولمة، د. محمد الشبيني ، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، 2002م.
10- ضياع الهوية في الفضائيات العربية، د. عائض الردادي، كتيب المجلة العربية، العدد السابع والثلاثون، محرم 1421هـ.
11- العالم من منظور غربي، د. عبدالوهاب المسيري، منشورات دار الهلال، فبراير 2001م.
12- العرب والعولمة، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، تعقيب نبيل الدجاني، الطبعة الثانية، 1998م.
13- العولمة الثقافية وموقف الإسلام منها، د. إسماعيل علي محمد، دار الكلمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1421هـ/2001م.
14- العولمة وأثرها على اقتصاد الدول،نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2/3/1997م.
15- العولمة، دراسة نقدية في ضوء العقيدة الإسلامية، ماجد بن علي الزميع، رسالة ماجستير قسم الثقافة الإسلامية، كلية التربية، جامعة الملك سعود، 1422هـ، لم تطبع.
16- العولمة والتحدي الثقافي، د. باسم علي خريسان، دار الفكر العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2001م.
17- العولمة وعالم بلا هوية، د. محمود سمير المنير، دار الكلمة للنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م.
18- العولمة وقضية الهوية الثقافية في ظل الثقافة العربية المعاصرة، محمد بن سعد التميمي، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م.(2/156)
19- العولمة والهوية، المؤتمر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون 4-6/5/1998م، منشورات جامعة فلادليفيا، الطبعة الأولى، 1999م.
20- فخ العولمة، هانس بيتر مارتن، هارالد شومان، ترجمة: د. عدنان عباس علي، مراجعة وتقديم: رمزي زكي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1419هـ - 1998م.
21- القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب، د. محمد بن عبدالله السلومي، كتاب البيان، الرياض، الطبعة الأولى، 1242هـ
22- ماضي المستقبل صراع الهوية والوطنية في عالم يتعولم، د. رجب بو دبوس، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2001م.
23- مجلة البيان، العدد 136، مقالة: العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة، للأستاذ خالد أبو الفتوح.
24- مجلة حصاد الفكر، العدد 135، جماد الأول 1424هـ - 2003م، عرض لكتاب بدائل العولمة للدكتور سعيد اللاوندي، عرض عبدالباقي حمدي.
25- مجلة الرائد، تصدر عن الدار الإسلامية للإعلام بألمانيا، العدد (236)، ربيع الأول 1423هـ/ مايو 2002م. دراسة بعنوان العولمة وأثرها على السلوكيات والأخلاق، د. عمار طالبي.
26- مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، د. محمد عمارة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، فبراير 1999م.
27- المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، محمد محمود الصواف، دار الاعتصام، الدمام، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1399هـ - 1979م.
28- مسئولية الإعلام في تأكيد الهوية الثقافية، د. ساعد العرابي الحارثي، نشر المجلة العربية، د. ط. ت.
29- المسلمون والعولمة، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى 1421هـ، 2000م.
30- مقدمة ابن خلدون، عبدالرحمن بن خلدون، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الخامسة، د. ت.
31- الهوية العربية عبر حقب التاريخ، ندوة علمية للمجمع العلمي ببغداد، 25-26/6/1997م.
The Cultural Globalization and its
Impact on the Islamic Identity(2/157)
Dr. Khalid Ibn Abdullah al-qassim
Associate Prof. Dept. of Islamic Culture
College of Education, King Saud University
Riyadh, Saudi Arabia.
Abstract: The research tries to answer the following questions:
What is Globalization in general and the cultural Globalization in particular? Is it an inevitable issue? What is identity? What are the impacts of Globalization on it? How to deal with Globalization in a way that protects the islamic identity? Is it possible to make use of Globalization for boosting the identity?
The study is divided into an introduction and five chaptres, as follows:
Chapter one: Definition of Globalization.
Chapter two: Definition of Identity.
Chapter three: The Negative Impacts of Globalization on the Muslim Identity.
Chapter four: The Most Important Meansof Resisting the Negative Influences of Globalization on the Identity.
Chapter five: How to Make Use of Globalization to Protect the Identity.
| 1 |2|
(1) المسلمون والعولمة، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى 1421هـ، 2000م، ص: 49.
(2) العولمة وقضية الهوية الثقافية في ظل الثقافة العربية المعاصرة، محمد بن سعد التميمي، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م، ص: 318.
(3) انظر: العولمة وقضية الهوية الثقافية في ظل الثقافة العربية المعاصرة، محمد بن سعد التميمي، الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م، ص: 263.
(4) صراع الثقافة العربية الإسلامية مع العولمة، د. محمد الشبيني ، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، 2002م، ص: 251.
(5) العولمة والهوية المؤتمر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون، 4-6/5/1998م، بحث للدكتور حسين علوان حسين بعنوان العولمة والثقافة العربية، منشورات جامعة فلادليفيا، الطبعة الأولى، 1999م، ص: 125.(2/158)
(6) العالم من منظور غربي، د. عبدالوهاب المسيري، منشورات دار الهلال، فبراير 2001م، ص: 253-254.
(7) مسئولية الإعلام في تأكيد الهوية الثقافية، د. ساعد العرابي الحارثي، المجلة العربية، د. ط. ت ص: 30.
(8) العولمة والهوية المؤتمر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون، 4-6/5/1998م، بحث للدكتور حسين علوان حسين بعنوان العولمة والثقافة العربية، منشورات جامعة فلادليفيا، الطبعة الأولى، 1999م، ص: 126.
(9) صراع الثقافة العربية الإسلامية مع العولمة، د. محمد الشبيني ، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، 2002م، ص: 251.
(10) العولمة، دراسة نقدية في ضوء العقيدة الإسلامية، ماجد بن علي الزميع، رسالة ماجستير، قسم الثقافة الإسلامية، كلية التربية، جامعة الملك سعود، 1422هـ لم تطبع، ص 444 - 458.
(11) انظر: كتاب القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب على المؤسسات الإسلامية، د. محمد بن عبدالله السلومي، كتاب البيان، الرياض، الطبعة الأولى، 1424هـ.
(12) القائل: تركي الحمد، انظر: مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، د. محمد عمارة، ص: 38، نقلاً عن تركي الحمد هوية لا هوية، نحن والعولمة، بحث في مؤتمر القاهرة إبريل سنة 1998م عن العولمة وقضايا الهوية الثقافية، انظر: صحيفة المدينة السعودية، ملحق الأربعاء في 15 إبريل سنة 1998.
(13) انظر: ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، د. برهان غليون ود. سمير أمين، دار الفكر المعاصر بيروت، دار الفكر المعاصر دمشق، الطبعة الأولى 1420هـ 1999م، ص: 187.
(14) انظر: العولمة والهوية، المؤتمر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون 4-6/5/1998م، كلمة عميد كلية الآداب أ. د. صالح أبو ضلع، منشورات جامعة فلادليفيا، الطبعة الأولى، 1999م، ص: 11.(2/159)
(15) انظر: مجلة الرائد، تصدر عن الدار الإسلامية للإعلام بألمانيا، العدد (236) ربيع الأول 1424هـ/ مايو 2002م، دراسة بعنوان العولمة وأثرها على السلوكيات والأخلاق، د. عمار طالبي، ص: 15.
(16) العولمة وأثرها على السلوكيات والأخلاق، د. عمار طالبي، مجلة الرائد، تصدر عن الدار الإسلامية للإعلام بألمانيا، العدد (236) ربيع الأول 1424هـ مايو 2002م، ص: 10.
(17) صدام الحضارات .. إعادة صنع النظام العالمي، تأليف صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب وتقديم د. صلاح قنصوة، الطبعة الثانية 1999م، ص: 161.
(18) صدام الحضارات .. إعادة صنع النظام العالمي، تأليف صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب وتقديم/ د. صلاح قنصوة، الطبعة الثانية 1999م، ص: 210.
(19) حديث النهايات، فتوحات العولمة ومآزق الهوية، علي حرب، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2000م، ص: 178.
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7391
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - نكاح المتعة بين الفقه السنّي والفقه الشيعي
دراسات علمية رسائل جامعية
نكاح المتعة بين الفقه السنّي والفقه الشيعي
خالد بن عبد العزيز السيف
………
14/5/1427
10/06/2006
توطئة
علاقة الذكر بالأنثى بكل أبعادها وتفاصيلها كانت حاضرة في الخطاب الإسلامي والتشريع القرآني على وجه الخصوص، فمن لباس المرأة إلى النظر في حقوقها، والعلاقة المتبادلة بينها وبين الرجل، سواء كانت علاقة شرعية كعقود الأنكحة الأولية، أم كانت غير شرعية قد تنشأ بينهما.(2/160)
وهذه التشريعات القرآنية جاءت واضحة مفصلة، سواء ما كان منها متعلقاً بالحقوق الزوجية والأسرية، كالمهور، والعشرة الزوجية، والطلاق والعِدد، أو ما كان منها متعلقاً بالحقوق الأخرى، كالميراث والولاية وغيرها، وما جاء في الحديث النبوي فالأمر فيه أكثر تفصيلاً وبياناً، وهذه التشريعات الإسلامية جاءت لتؤكد اهتمام الإسلام بالعلاقات المتبادلة بين الرجل والمرأة، وعلى قمة هرمها العلاقة الزوجية وما يصح منها وما لا يصح.
وقد جاء الإسلام بالحث على الزواج الشرعي، وحث عليه لما فيه من المصالح العظيمة، ولما فيه من السكن والمودة والنسل، ولهذا رتب الشارع على هذا العقد العظيم أموراً عظيمة ً، كالميراث والعدة وغيرها من الحقوق المتبادلة بين الزوجين.
المتعة في المدونات السنية
نكاح المتعة هو: أن يتزوج الرجل المرأة مدة محدودة، مؤقتة بوقت معين، تنتهي علاقتهما بانقضاء هذه المدة، وهذا النوع من النكاح عده العلماء من الأنكحة الفاسدة، واتفق الأئمة الأربعة على تحريمه كما نقل عنهم ذلك الإمام ابن تيمية (1) ، وهذا النكاح كغيره من الأنكحة الفاسدة، والتي تقوم على إسقاط شرط من شروط النكاح أو تغيير حكم ثابت في الشرع أو غير ذلك من مفسدات عقود الأنكحة . ويفرق أهل السنة بين إسقاط شرط من شروط النكاح حتى لو كان بتراضي الزوجين ؛ أو إسقاط حق من الحقوق المتبادلة بين الزوجين باتفاقهما وتراضيهما وسيأتي بيان ذلك قريباً .
والجدل الحاصل في نكاح المتعة بين أهل السنة والشيعة سببه أن النبي –صلى الله عليه وسلم - رخص في نكاح المتعة في وقت من الأوقات ثم حرمها، فاستمر الشيعة على عدم النسخ، وأجرى أهل السنة نسخ الحكم كما صحت الأحاديث به، على أن هناك فروقاً في جوهرية انعقاد زواج المتعة على القول بجوازه عند أهل السنة والشيعة سيأتي بيانه.(2/161)
ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه - قال: "كنا نغزو مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم - ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا رسول الله –صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ثم أمرنا أن ننكح المرأة في الثوب إلى أجل" (2) ، وقولهم للنبي –صلى الله عليه وسلم -: "ألا نستخصي؟" دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن يباح لهم الاستمتاع بها، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم هذا معنى، ثم رخص لهم في الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى أجل، ثم نهى عنها عام خيبر، فقد جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أن النبي–صلى الله عليه وسلم - "نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية" (3) ، ثم أذن فيها عام الفتح، ثم حرمها بعد ثلاث إلى يوم القيامة، فقد جاء في صحيح مسلم أيضاً عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن أبيه أنه غزى مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، فقال: "يا أيها الناس، إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فيخلِّ سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً" (4) ، وهذا التحريم كان نهائياً، بدليل قوله –صلى الله عليه وسلم -: "وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة"، وقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- :"لا أعلم شيئاً أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة" (5) .(2/162)
ومما يدل أيضاً على تحريم المتعة قوله تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون*إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" [سورة المؤمنون: 4-5 ، المعارج: 29-30] في موضعين من القرآن، ولم يذكر الله تعالى زواج المتعة, ولو كان حلالاً لذكره هنا، وقال تعالى أيضا: "ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات.." إلى أن قال: "ذلك لمن خشي العنت منكم" [سورة النساء:25]، أي أن من لم يستطع نكاح الحرة فلينكح الأمة, ولو كانت المتعة جائزة لأرشد إليها، فهي خير من نكاح الأمة، لأن نكاح الأمة يسبب رق الأولاد منها، وخاصة بعد أن ذكر العنت وهو المشقة مع عدم الزوجة، وقال تعالى أيضاً: "وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله" [سورة النور:33]، ولو كانت المتعة جائزة لأرشد إليها حتى يتيسر النكاح المعروف, وقال تعالى في سياق تعدد الزوجات: "..فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم.."[سورة النساء:3]، فمن خاف عدم العدل فليتزوج واحدة أو يستمتع بما ملكت يمينه، ولو كانت المتعة حلالاً لذكرها الله سبحانه في هذا الموضع.
ولم يُروَ في جواز المتعة عن أحد من العلماء ممن يعتد به إلا ما روي عن ابن عباس –رضي الله عنه-، وقد فهم ابن عباس أن الرخصة باقية للمضطر, فعن أبي جمرة قال: "سمعت ابن عباس –رضي الله عنه- يسأل عن متعة النساء فرخص فيها، فقال له مولى له: إن ذلك في الحال الشديدة، وفي النساء قلة ونحوه ، فقال ابن عباس: نعم" كما جاء ذلك عند البخاري، ومع أن ابن عباس لم يحكم بإباحتها مطلقاً وأنه قال هي للمضطر، وقد قيل لابن عباس: "لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء"، يعني المتعة، فقال: "والله بهذا أفتيت وما هي إلا كميتة لا تحمل إلا للمضطر" (6) .(2/163)
ولكن كبار الصحابة عارضوه في قوله هذا, ولم يعتبروا فتواه، وأنكروا عليه بشدة، كعلي بن أبي طالب –رضي الله عنه -، وقد قيل له: "إن ابن عباس لا يرى في متعة النساء بأساً"، فقال:"إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم - نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية"، كما جاء ذلك في البخاري، وكذلك أنكر عليه عبد الله بن عمر –رضي الله عنه-، ونقل الترمذي والطبراني أنه رجع عن فتواه هذه أخيراً .
وقد نقل ابن حجر أيضاً أنه رُوِيَّ رجوعه عن فتواه هذه (7) , ونقل القرطبي عن ابن العربي جزمه بثبوت رجوع ابن عباس عن فتواه في المتعة (8) , وذكر الترمذي بعد حديث علي المعروف في النهي عن المتعة قال: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم - وغيرهم, وإنما روي عن ابن عباس شيء من الرخصة في المتعة ثم رجع عن قوله، حيث أُخبر عن النبي–صلى الله عليه وسلم -" (9) .
وقد يكون ابن عباس قبل رجوعه لم يبلغه المنع، حيث كان يبيح متعة النساء ولحوم الحمر الأهلية جميعاً، كما ذكر ابن تيمية (10) ، أو فهم من المنع فهماً آخر, وهذا وارد في غالب النصوص واختلاف الصحابة موجود ، ولكن العبرة بما وافق النص، وقد انعقد الإجماع بعد ابن عباس على تحريمها من جمع من العلماء، وحكاه غير واحد من أهل العلم، منهم الخطابي، والقاضي عياض، وابن عبد البر، وغيرهم كثير، والعبرة بالدليل وما عليه جماعة الأمة (11) .(2/164)
والمتعة التي كانت في صدر الإسلام متحققة فيها شروط النكاح الشرعي المعروفة، وهي تعيين الزوجين ورضاهما وتوفر الولي والإشهاد، إلا أن نكاح المتعة يزيد عليه بتحديد مدة للنكاح وأن النكاح ينفسخ بانقضائها، وقد يلتبس نكاح المتعة المنسوخ في أول الإسلام مع ما عليه المذهب الشيعي، لكن المذهب الشيعي لا يشترط الولي ولا الإشهاد على النكاح، وهذا لم يكن موجوداً قط في الإسلام، وقد قال الإمام القرطبي: "من قال المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوماً ـ أو ما شابه ذلك ـ على أنه لا عدة عليك ولا ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك؟! وهذا هو الزنا بعينه، ولم يبح قط في الإسلام"، وقال أيضاً وكل ما حكي عن أن نكاح المتعة قبل النسخ كان بلا ولي ولا شهود ففيه ضعف" (12) .
وقد قال الله تعالى في أمر الولي: "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم.." [سورة النور (32)]، وقال: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن.." [سورة البقرة: 232]، ولو لم يكن للأولياء حق الولاية لما خوطبوا بذلك، وقد قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في هاتين الآيتين: إنهما أصرح آيتين في اعتبار الولي في النكاح (13) .
وأما في السنة، فأحاديث اشتراط الولي في النكاح كثيرة، منها ما جاء في السنن عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي –صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (14) ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج، أو زوّج أحداً بدون ولي .
وشرط الولي في النكاح، هو: مذهب الإمام الشافعي، ومالك، وأحمد، والشعبي، والزهري، وجماهير أهل العلم (15) .(2/165)
وأما بالنسبة للإشهاد على النكاح فمن العلماء، -كالإمام مالك رحمه الله تعالى – من صحح النكاح بغير شهود إذا أُعلن، بناءً على أن الزيادة في حديث: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" لا تصح (16) ، وأن الإشهاد لا يشترط بعينه، فإما الإشهاد وإما إعلان النكاح، ولأن الحكمة من الإشهاد التفريق بين النكاح الصحيح، والسفاح المبني على الخفية ، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (17) .
ومن العلماء من اشترط الإشهاد كالشافعي ، والمشهور عن الإمام أحمد، وجماهير أهل العلم . على أن جميع العلماء الذين اشترطوا الإشهاد أو لم يشترطوه اتفقوا على أنه لا يجوز نكاح السر (18) ، ولذلك جاء ت الأحاديث بالأمر بإعلان النكاح حتى يفترق عن السفاح ، كما جاء عن النبي صلى الله غليه وسلم :" أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالدف " (19) .
وعلى جميع الأحوال فالمتعة التي كانت في صدر الإسلام مع أنها قد اكتملت فيها شروط النكاح الشرعي، إلا أن الترخيص فيها جاء على نطاق ضيق، وفي السفر لا في الحضر، كما تشهد بذلك الأحاديث الصحيحة.
المتعة في المدونات الشيعية
كثرت المرويات في المدونات الشيعية حول المتعة، فمنها ما يتعلق بفضيلتها وأجر المتمتع، ومنها ما يتعلق بأحكامها، والقارئ في تلك المدونات يذهل من كثرة المرويات في أمر المتعة، حتى إنه يحتار أي المرويات أبلغ في صراحتها في الدلالة على المذهب، وهذه المرويات أشهر من أن تذكر، ولذا فسأكتفي بالإحالة عليها في الحاشية، خصوصاً ما يتعلق منها بالنواحي التشريعية ومن المدونات الشيعية نفسها .
فالمتعة عند الشيعة تختلف اختلافاً تاماً عما كان عليه الأمر في صدر الإسلام، فلا يلزم في المتعة الشيعية شهود، ولا إعلان، ولا ولي، ولا يشترط فيها عندهم سوى تسمية المهر، وذكر الأجل وصيغة الإيجاب والقبول (20) .(2/166)
ويجوز على المذهب الشيعي التمتع بذات الزوج! وسؤالها هل لها زوج ليس شرطاً في الصحة ، وسؤالها بعد العقد مكروه (21) ،ويجوز التمتع بالزانية أيضاً، كما نص على ذلك الإمام الخميني (22) ، مخالفين بذلك قول الله عز وجل: "الزاني لا ينكِح إلا زانيةً أو مشركةً والزانية لا ينكِحها إلا زانٍ أو مشركٌ وحُرم ذلك على المؤمنين" [سورة النور: 3]، وأيضاً يجوز التمتع بالصغيرة دون تسع سنين، بشرط عدم الإيلاج (23) .
وليس للرجل حد في عدد النساء اللاتي يجوز له التمتع بهن، بل له عدد غير محصور من النساء، والمتعة عند الشيعة أقرب إلى الزنا والدعارة، منها إلى أحكام الشريعة الإسلامية، بل إن الزنا غالباً ما يكون عن عوض وعن تراضٍ بين الطرفين، فلا يمكن والحالة هذه التفريق بين الزنا وبين المتعة التي رتب المذهب الشيعي عليها الفضائل العظيمة.
وتوسعُ المذهبِ الشيعي في أمر المتعة راجع إلى اعتبارات عديدة، من أهمها والمتعلق بهذا السياق: حضور الطرح الجنسي في المدونات الشيعية بشكل ظاهر، والمتعة حلقة في هذه المنظومة الجنسية التي يفترض أن يُنزه عنها فقه آل البيت.
فالتوسع في الجانب الجنسي لدى الشيعة في مدوناتهم ظاهر، فمن ذلك إجازة المذهب الشيعي وطأ المرأة في الدبر (24) ، وأما وطأ الحائض، فالأفضل أن يكفر عن وطئها في الحيض مع علمه بذلك (25) ، أما الأجنبيات فيجوز عندهم النظر إلى الحسناوات من النساء (26) ، ويجوز أيضاً النظر إلى نساء أهل الذمة لأنهن بمنزلة الإماء، لكن يشترط عدم التلذذ!! (27) ، وأما النظر إلى أجساد السافرات المتبذلات فيجوز، لكن بشرط عدم التلذذ أيضاً !! ولا فرق في الحكم بين الأعضاء المنظور إليها، ولا فرق أيضاً بين الكافرات وغيرهن (28) ، ولا بأس بالخلوة بالمرأة الأجنبية بشرط أمن الفساد (29) ، ويجوز على المذهب الشيعي أيضاً إعارة الفرج (30) .(2/167)
وهذه المرويات تزخر بها كتب الشيعة، وإن كان بعض فقهائهم يضعفها، إلا أن تواردها على الفقه الشيعي سواء الشعبي منه أم النخبوي، يشكل ضغطاً لا شعورياً في التوسع في أمر الأبضاع والفروج، والميل إلى ترجيح مسائل من هذا النوع، مما يصعب على المتجرد القول به، كبعض ما ذكر من الأحكام المتعلقة بنكاح المتعة، أضف إلى ذلك مسألة حظ النفس وحب اللذة، والذي يمارس دوره أحياناً في توجيه الترجيح الفقهي إلى ما تنزع إليه الغريزة، وقد كشف بعض علماء الشيعة التصحيحيين جوانب مظلمة من الممارسات الجنسية، والتي تمارس باسم المتعة، وبممارسة فقهاء الشيعة أنفسهم (31) .
موازنة
مما سبق بيانه حول نكاح المتعة عند السنة والشيعة، يتبين لنا إلى أي حد يفترق العقدان، بل نستطيع أن نقول: هما من باب المشترك اللفظي الذي لايشترك إلا في الاسم فقط، أما الحقيقة فمتباعدان جداً.(2/168)
ومع أن الفقه الشيعي استغنى بما يرويه عن أئمة آل البيت في المتعة، إلا أنه ربما شوش على بعض السنة في إباحة المتعة في القرآن، وذلك في قوله تعالى: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن.." [سورة النساء: 24] ، على أن هذا الحرف من القرآن يبيح المتعة، وهذا الاستدلال فيه نظر، ويتبين فساد هذا الاستدلال عندما نطلع على الآية كاملة، يقول الله تعالى: "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليماً حكيماً*ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من عض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أُحصِنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم" [سورة النساء: 24ـ25]، فالأجور المقصود بها المهور، كما جاء في غير آية من القرآن، كقوله تعالى في شأن جواز نكاح الكتابيات : " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " [ المائدة : 5 ] وقال تعالى أيضاً : " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن ... " [ الأحزاب : 50 ] وقال تعالى في شأن المهاجرات : " يا أيها الذين امنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن(2/169)
إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ..." [ الممتحنة : 10 ] فرتب الله سبحانه وتعالى النكاح على دفع الأجور، وهي: المهور، وطريقة التقديم والتأخير جائزة في اللغة، ويكون المعنى فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن أي إذا أردتم ذلك، كما في قوله تعالى : " إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا … " وها معروف في اللغة .
ومما يبين أن القول في الآية "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " لا يعني المتعة كما هي عند الشيعة، بل المقصود به النكاح الشرعي المعروف ، ولذلك قال في الآية التي بعدها وفي نفس السياق :" فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف .." ومعلوم أن النكاح بإذن الأهل، هو: النكاح الشرعي المعروف، الذي لا ينعقد إلا بالولي والشاهدين ، وأما نكاح المتعة فلا يلزم إذن الأهل، ولا يلزم الشهود والإعلان، كما مر تقريره عند علماء الشيعة . ومعنى الآية فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح، فآتوهن أجورهن، أي مهورهن فإذا جامعها مرة واحدة فقد وجب المهر كاملا ( كما ذكره القرطبي (32) ، أما إذا طلقها قبل أن يستمتع بها ـ أي يجامعها ـ فلها نصف الأجر أي نصف المهر كما قال تعالى :" وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح .." [ البقرة : 237 ] .(2/170)
ولهذا فاستدلال الشيعة بهذه الآي ليس في محله، والمتعة التي كانت في صدر الإسلام كانت بولي وشهود، ولا ينعقد النكاح إلا بذلك، كما سبق بيانه والاستدلال عليه، ولم يوجد في الإسلام متعة دون ولي أو إشهاد ، أما متعة الشيعة فلا يجب فيها إلا تسمية المهر والأجل، دون ولي ودون إشهاد، وكانت عدة المطلقة من نكاح المتعة، حيضة واحدة، كما هو رأي ابن عباس، وهو الذي كان يقول بها قبل رجوعه (33) ، أما متعة الشيعة فالظاهر من سياق أحكامها ألا عدة فيها على المطلقة.
وبهذا يسقط ادعاء كل من ادّعى أن أهل السنة يمارسون نكاح المتعة مع حذفهم لكلمة (متعة) لما تثيره من حساسية، معتبرين أن الزواج الذي يتفق فيه الطرفان على التنازل عن بعض الحقوق، والذي أجازه المجمع الفقهي في دورته الثامنة عشرة هو زواج المتعة، وهذه مراوغة في التوصيف، تحاول تمرير التشويش، تحت غطاء التدليس (34) .
أخيراً
المتعة الشيعية لا يمكن تمييزها من الزنا، إلا بأنها مشروعة من قبل فقهائهم، ومدعمة بمرويات عن آل البيت، مع أن علماء أهل البيت والأئمة منهم أجل وأرفع من أن يجيزوا هذه الصورة البعيدة عن تشريعات الإسلام، خصوصاً المتقدمين منهم، وعلى رأسهم علي –رضي الله عنه- وابناه الحسن والحسن، وابناه محمد وجعفر الصادق، وهؤلاء من أكابر الأئمة، وبعضهم من رجال البخاري ومسلم، فالأولى بفقهاء الشيعة أن ينزهوا الأئمة عن هذه المرويات المكذوبة عليهم قطعاً.(2/171)
مع العلم أنه قد روي عن الأئمة من آل البيت ما يحرم نكاح المتعة، ومسألة المتعة كغيرها من المسائل في الفقه الشيعي التي تتضارب فيها المرويات، فقد جاء عن الإمام الصادق في المتعة قال: "ذلك زنا"، وعن الباقر قال: "هي الزنا بعينه"، وروى الكليني بإسناده عن المفضل ابن عمر قال سمعت أبا عبد الله يقول: "دعوها، أما يستحي أحدكم أن يُرى في موضع العورة، فيُحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه" (35) ، وعن الصادق أيضاً أنه سئل عن المتعة فقال: "وما تفعلها عندنا إلا الفواجر" (36) ، والزيدية يظهرون القول بالتحريم، فقد جاء عن الإمام زيد عن آبائه عن أمير المؤمنين قال: "حرم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة" (37) ، وقد أظهر الإمام علي تحريم المتعة، خصوصاً أيام خلافته، وهو مبسوط اليد ولا يمكن أن يكون ذلك تقية.
والدليل القطعي على حرمة نكاح المتعة عند أهل الدليل من الشيعة، أن الأئمة من آل البيت لم يكن واحد منهم ابن متعة، ولا أحد من أولادهم أو ذرياتهم، وذلك على امتداد مدة زمنية تصل إلى ثلاثة قرون، مع أنهم عقدوا مئات الزيجات وأنجبوا منها مئات الأولاد ذكوراً وإناثاً، وكتب الأنساب مع حرصها على ذكر الأئمة وتعداد زوجاتهم وذراريهم لم تذكر أن واحداً منهم كان ابن متعة، أو أنه تمتع بفلانة، مع أنهم كانوا ينصّون على أن أم فلان كانت حرة، أو أم ولد، ولو كانت المتعة جائزة لمارسها الأئمة، خصوصاً مع ما روي عنهم في فضائلها، كما ورد عنهم أن من تمتع أربع مرات كانت درجته كدرجة الرسول –صلى الله عليه وسلم -، أيضاً فإن المرويات لم تذكر عن أحد أنه تمتع بامرأة من آل البيت.
مع أنه من الملاحظ بشكل عام أن من يفتي بجواز المتعة ويعدد فضائلها لا يرضاها لبناته وأخواته، بل قد يكون طلب ذلك مما يثير الصراع ويؤجج العداوة، مع أنهم يروون فيها الفضائل العظيمة!(2/172)
وعلى هذا فالمهمة تقع على عواتق علماء الشيعة في تنزيه علماء آل البيت عن الروايات المكذوبة في المتعة وغيرها، والتجرد في الترجيح وإبعاد حظوظ النفس في تتبع ما يصح من الدليل
ومما يبرر حضور القول بجواز المتعة أنه يمكن أن يوصف به نوع من إثبات الهوية، ومعروف في الفقه الشيعي وجاهة الآراء المخالفة لأهل السنة وتقديمها، فمجرد المخالفة قرينة إيجابية في الترجيح بين الروايات والآراء، وحيث إن ما اشتهر به المذهب السني من القول بحرمتها كان إثباتها من الطرف الشيعي نوعاً من المخالفة، لإثبات الهوية، أكثر من كونه تمسكاً بالدليل، ولذلك ظهرت بعض الروايات عن الإمام جعفر الصادق أنه قال : " ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ويستحل متعتنا " (38) ، كنتيجة للصراع الدائر بين السنة والشيعة، طبعاً هذا يقال في اللاشعور الشيعي، فيبقى القول بجواز المتعة هو الظاهر المشهور، ونزل القول بالتحريم من المتن إلى الهامش .
(1) انظر: مجموع الفتاوى 32/107.
(2) أخرجه مسلم في النكاح باب نكاح المتعة ح (1404)
(3) أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر ح(3979)، ومسلم في النكاح، باب نكاح المتعة ح(1407) وغيرهما، مع أن حديث علي مروي في المدونات الشيعية.وسيأتي بيانه .
(4) أخرجه مسلم في النكاح باب نكاح المتعة ح(1406)
(5) انظر: المغني 10/47.
(6) انظر: فتح الباري (9/171)، وانظر البيهقي في النكاح: باب نكاح المتعة (7/205).
(7) انظر: فتح الباري (9/173).
(8) انظر: الجامع في أحكام القرآن للقرطبي (5/87).
(9) انظر : سنن الترمذي (3/430).
(10) انظر : مجموع الفتاوى (33/96).
(11) انظر : فتح الباري (9/173) .
(12) انظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(5/87) .
(13) انظر : حاشية الروض المربع (6/462).(2/173)
(14) أخرجه أبو داود في النكاح باب في الولي ح(2083) والترمذي في النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا بولي ح(1102) وابن ماجة في النكاح باب لا نكاح إلا بولي ح(1879)، وصححه ابن حبان 9/384 والحاكم (2/182) وابن حجر في التلخيص (2/156 ، 157).
(15) انظر : حاشية الروض المربع (6/262).
(16) انظر : نصب الراية (3/181) .
(17) انظر : مجموع الفتاوى (32/127).
(18) انظر : بداية المجتهد ونهاية المقتصد ( 2/ 20) .
(19) أخرجه الترمذي في النكاح باب ما جاء في إعلان النكاح ح(1089)
(20) انظر: جامع الأحكام الشرعية (410)
(21) انظر: وسائل الشيعة للعاملي (14/457). تحرير الأحكام للعلامة الحلي (3/522 ، 523) .
(22) انظر: تحرير الوسيلة للخميني (2/292). تحرير الأحكام للعلامة الحلي (3/519) .
(23) انظر: جامع الأحكام الشرعية (405)، وقد أجاز الخمنيني ذلك ومارسه فعلياً لما كان في العراق، بل إنه أجاز التمتع حتى بالرضيعة! انظر: لله ثم للتاريخ للسيد حسن الموسوي ( 35 ).
(24) نظر: المسائل المنتخبة للسستاني (42).
(25) انظر: المسائل المنتخبة للسستاني (42).
(26) انظر نهاية المرام للسيد محمد العاملي( 56 ،58) .
(27) انظر: نهاية المرام للسيد محمد العاملي (53 )
(28) انظر: المسائل المنتخبة للسستاني المسألة (404).
(29) انظر: المسائل المنتخبة للسستاني المسألة (406).
(30) انظر: المقنع للشيخ الصدوق (308) ، المبسوط للشيخ الطوسي( 4/246) .
(31) انظر ما كتبه السيد حسين الموسوي وهو من علماء النجف في كتابه : لله ثم للتاريخ ، وأيضاً ما كتبه الإمام محب الدين عباس الكاظمي في كتابه : سياحة في عالم التشيع ، وأيضاً ما كتبه موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح وغيرهم كثير .
(32) انظر : القرطبي في أحكام القرآن ( 5/ 129) .
(33) نظر: الجامع لأحكام القرآن (5/87).
(34) انظر ما ادعاه حسن الصفار في جريدة الوطن عدد: ( 2049 ) في 12/4/1427 هـ(2/174)
(35) انظر:خلاصة الإيجاز للشيخ المفيد 57 ، جواهر الكلام للشيخ الجواهري (30/ 151).
(36) انظر: زواج المتعة للشيخ جعفر مرتضى (2/ 133) ، وسائل الشيعة للحر العاملي(21/ 30) .
(37) انظر : وسائل الشيعة (21/12).
(38) انظر : من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (3/458).
………
………
مجلةالإسلام اليوم
…………………
71&catid=73-7406
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
…
الإسلام اليوم- بحوث ودراسات - دراسات علمية - الاختلاط وكشف العورات في المستشفيات [1/2]
دراسات علمية رسائل جامعية
الاختلاط وكشف العورات في المستشفيات [1/2]
د. يوسف بن عبد الله الأحمد
………
16/5/1427
12/06/2006
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم . أما بعد.
فهذه رسالة أتقدم بها إلى كل مسلم؛ من العاملين في الميدان الطبي وغيرهم من العلماء والدعاة وعموم الناس، وهي تتضمن مشروعاً إصلاحياً لعدد من جوانب الانحراف الذي التصق بالقطاع الصحي. وكانت بداية اهتمامي بهذا الموضوع: رحلةٌ ميدانية قمت بها داخل المستشفيات الكبرى، وهذه الرحلة كانت من متطلبات بحث رسالة الدكتوراه والتي كان عنوانها (نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي) ودخلت خلال هذه الرحلة تسع عمليات: اثنتان في زراعة الكبد إحداهما من متبرع حي والأخرى من ميت دماغياً، واثنتان في زراعة الكلى إحداهما من متبرع حي والأخرى من ميت دماغياً، واثنتان في استئصال الأعضاء من ميت دماغياً، واثنتان في جراحة القلب المفتوح، وواحدة في جراحة باطنية بالمنظار.(2/175)