بسم الله الرحمن الرحيم
"قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"1
الحمد لله الذي هدانا لدينه القويم، ومنّ علينا ببعثة هذا النبي الكريم، أحمده سبحانه على نعمه الغِزار، وأشكره على جوده المدرار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
يعيش أهل الإسلام في ظل هذا الدين حياة شريفة كريمة، يجدون من خلالها حلاوة الإيمان، وراحة اليقين والاطمئنان، وأنس الطاعة، ولذة العبادة. وتقف تعاليم هذا الدين حصنًا منيعًا ضد نوازع الانحراف وأهواء المنحرفين، تصون الإنسان عن نزواته، وتحميه من شهواته، وتقضي على همومه وأحزانه، فما أغنى من والى دين الله وإن كان فقيرًا، وما أفقر من عاداه وإن كان غنيًا.
وإن مما يحزن المسلمَ الغيورَ على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، ويبحثون عن البهجة فيما عداه، يضعون السموم مواضع الدواء، طالبين العافية والشفاء في الشهوات والأهواء. ومن ذلك.. عكوف كثير من الناس اليوم على استماع آلات الملاهي والغناء، حتى صار ذلك سلواهم وديدنهم، متعللين بعلل واهية وأقوال زائفة، تبيح الغناء وليس لها مستند صحيح، يقوم على ترويجها قوم فُتنوا باتباع الشهوات واستماع المغنيات.(1/1)
وكما نرى بعضهم يروج للموسيقى بأنها ترقق القلوب والشعور، وتُنمي العاطفة، وهذا ليس صحيحاً، فهي مثيرة للشهوات والأهواء..ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم.
…عباد الله من كان في شك من تحريم الأغاني والمعازف، فليزل الشك باليقين من قول رب العالمين، ورسوله صلى الله عليه وسلم الأمين، في تحريمها وبيان أضرارها، فالنصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني والوعيد لمن استحل ذلك أو أصر عليه. والمؤمن يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف إذا تكاثرت وتعاضدت الأدلة على ذلك؟! ولقد قال سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ?للَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ?لْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ?لاً مُّبِيناً."2
ونظراً لخطورة الأغاني، وأنها سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب منهم، قررت أن أجمع لكم هذا المبحث والذي يحتوي على بيان تحريم الغناء وآلات الطرب من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد يرى البعض أن مثل هذه الأمور (حرمية المعازف) ليست بذات الأهمية في ظل المواجهات التي تخوضها الأمة الآن.. رداً على ذلك أقول: أن ما تعانيه الأمة اليوم من ذل أو فساد فهو نتاج تجاهلها الكثير من أمور دينها، وكما قال الشاعر:
أمور يضحك السفهاء منها *** ويبكي من مغبًّتِها اللبيبُ
وأشير بالذكر إلى أن هذه المادة ما هي إلا محاولة أردت بها خدمة دين الله عز وجل ومنفعة المسلمين، سائلاً الله تبارك وتعالى أن ينفع بها وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
مدخل المبحث3(1/2)
إن تحديد ماهية الشيء وتصويرها أمر مهم جداً في إلحاق الحكم عليه، إذ أن الأحكام تبنى على المعنى الذي يحددها الشارع أو حددتها اللغة، أو مايرجع إلى عادة الناس وعرفهم. وفي هذا يقول شيخ الإسلام: "فصل الخطاب في هذا الباب ينبغي أن ينظر في ماهية الشىء، ثم يطلق عليه التحريم أو الكراهة أو غير ذلك."4
ولاشك أن هذا المنهج يسهِّل علينا أمرين:
الأول: يزيل علينا الأشكال في تحديد معنى الغناء
الثاني: يساعدنا على تصوير المسألة مما يسهِّل علينا إلحاق الحكم عليه
ولمعرفة الغناء المصحوب بالعزف من دونه كان لابد من تحديد ماهيته وتميزه عن النثر والشعر الموزون المقضى. فهو في كلماته شعر موزون لايخرج عن كونه شعراً مباحاً أو شعراً غير مباح.5
وتعريفهما وهما مجتمعان :
- تعريف الغناء في اللغة:
جاء في لسان العرب أن الغناء هو "كل من رفع صوته ووالاه، فصوته عند العرب غناء."6 والغناء من الصوت ماطرّب به قال حميد بن ثور: "عجبت لها أنَّى يكون غناؤها فصيحاً ولم يغفر بمطقها فما"7
وجاء في المصباح المنير: تغزلّ بها، وغنىَّ بزيد : مدحه أو هجاه، وغنىَّ الحمام تغنة: صوّت.8
ويطلق الغناء (بالمد والكسر): على الترنم الذي تسميه العرب (النصب) بفتح النون وسكون المهملة9، وعلى الحداء (بالمد والكسر) المعروف عند العرب وعلى مجرد الانشاد: قال ابن الأثير في النهاية10 في حديث عائشة (وعندي جاريتان تغنيان بغناء يوم بُعاث)11 أى تنشدان الأشعار التي قيلت يوم بعاث.
- تعريفه في الاصطلاح الشرعي:(1/3)
جاء تعريف الشرعي للغناء موافقا لعُرف اللغة في تسميته برفع الصوت وموالاته ويطلق كذلك على رفع الصوت وموالاته بطريقة التلحين والتطريب، وعلى هذا قال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"12 ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم"13 ومنها أن أبا موسى الأشعري، استمع النبي صلى الله عليه وسلم لصوته وأثنى على حسن الصوت وقال: "لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود" وقال له أبو موسى: لو أعلم أنك استمعت لحبرته لك تحبيراً - أى زينته وحسنته - ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع إنشاد الصحابة وكانوا يرتجزون بين يديه في حفر الخندق:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد مابقينا أحداً
ومنها سماعه صلى الله عليه وسلم قصيدة كعب بن زهير وأجازه وغيرها كثير.
- أما عند اصطلاح أهل الغناء والمتصوفة:
…الغناء هو رفع الصوت بالكلام الموزون المطرب المصاحب بالآلات غالباً، وعلى هذا فإن المتصوفة وأهل الغناء متفقون على الظاهر ، غير أنهم يختلفون من جهة الباطن، وهو كون سماع الغناء عند المتصوفة يكون بطريقة التعبد والتقرب إلى الله تعالى.
…وعلى هذا فإن الغناء المعروف عند العرب، ورفع الصوت وموالاته مع شيء من التطريب والتلحين ولم يكن معروفاً بضرب الكف أو القضيب أو غيرها من الآلات.
يقول شيخ الإسلام14: "وإذا عرف هذا: فاعلم أنه لم يكن في القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا بمصر والمغرب والعراق وخراسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة، من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية إنما حدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية، فلما رآه الأئمة أنكروه."
أدلة التحريم من القرآن الكريم
قال الله تبارك وتعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ"15(1/4)
حكى الطبري في تفسيره16 قائلاً: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: عُنيَّ به كلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله؛ لأن الله تعالى عمّ بقوله: (لَهْوَ الحَدِيثِ) ولم يخصص بعضا دون بعض، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك." وجاء عند الطبري أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لهو الحديث الباطل والغناء. وقال قتادة عن لهو الحديث: اللهو الطبل.
جاء في تفسير ابن كثير17 عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الآية "ومن الناس" فقال عبد الله بن مسعود: الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات18. وكذا قال ابن عباس19 وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول وميمون بن مهران وعمرو بن شعيب وعلي بن بذيمة. وقال الحسن البصري رحمه الله: "نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير"(1/5)
قال القرطبي20 في تفسيره : " ( ولهو الحديث ) : الغناء في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما . إلى أن قال : قال ابن عطية وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد وذكره أبو الفرج بن الجوزي عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعي . ثم قال القرطبي.. قلت : هذا أعلى ما قيل في هذه الآية وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أنه الغناء روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال : سئل عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) فقال الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وعن ابن عمر أنه الغناء وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول . وروى شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال : قال عبد الله بن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب . وقاله مجاهد وزاد أن لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل . وقال الحسن : ( لهو الحديث ) : المعازف والغناء . " ثم ذكر القرطبي الأقوال الأخرى في تفسير الآية ثم قال : "قلت : القول الأول أولى ما قيل به في هذا الباب للحديث المرفوع وقول الصحابة والتابعين فيه . "
نقل ابن القيم عن الإمام الواحدي21 أنه قال: "قال أهل المعاني: ويدخل في هذا كل من اختار اللهو، والغناء والمزامير والمعازف على القرآن، وإن كان اللفظ قد ورد بالشراء فلفظ الشراء يذكر في الاستبدال والاختيار، وهو كثير في القرآن...ويدل على هذا ما قاله قتادة في هذه الآية: لعله أن لا يكون أنفق مالاً..وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق." 22 وقال أيضاً: "أكبر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث: الغناء." وفي موضع آخر قال: "وهذه الآية على هذا التفسير تدل على تحريم الغناء."(1/6)
قال الألوسي23 في تفسير الآية: "ذم الغناء بأعلى صوت وقد تظافرت الأثار واتفقت كلمة الأخيار على ذم الغناء وتحريمه مطلقاً لا في مقام دون مقام."
وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الحَدِيثِ) قال: الغناء والاستماع له وكل لهو.. وهذا قول عكرمة ومكحول.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رحمه الله قال : نزلت هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الحَدِيثِ) في الغناء والمزامير . وأخرج أيضاً عن عطاء الخراساني رضي الله عنه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الحَدِيثِ) قال : الغناء والباطل .
قال ابن القيم رحمه الله: "ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الحَدِيثِ)، فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء - يرددها ثلاث مرات -، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء..."
وقال تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا"24
جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل داع إلى معصية.. قال ابن القيم: "والغناء من أعظم الدواعي إلى معصية الله "عن مجاهد أنه قال: "صوت الشيطان الغناء والمزامير". وقال القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو..وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه."(1/7)
…قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: "ويستحيل في حكمة الحكيم الخبير أن يحرمّ مثل رأس الإبرة من المسكر، لأنه يدعوا إلى كثرة الذي يدعو إلى المفاسد، ثم يبيح ماهو أعظم سوقا إلى المفاسد من الخمر وهو الغناء."
وقال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)25
ذكر ابن كثير في تفسيره ما جاء عن محمد بن الحنفية أنه قال: الزور هنا الغناء، وجاء عند القرطبي والطبري عن مجاهد في قوله تعالى: (والذين لا يشهدون الزور) قال: لا يسمعون الغناء. وجاء عند الطبري في تفسيره: "قال أبو جعفر: وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه، أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه حق وهو باطل، ويدخل فيه الغناء لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحلي سامعه سماعه."
وفي قوله عز وجل: "وإذا مروا باللغو مروا كراما" قال الإمام الطبري: "وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما. مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه، وذلك كالغناء."
قوله سبحانه وتعالى: "أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ"26
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى "وأنتم سامدون": سامدون أى مغنون، والسمود الغناء على لغة حيمر.27 قال أيضاً رضي الله عنه: هو الغناء، وهي يمانية، يقولون اسمد لنا: تغن لنا. قال عكرمة: "كان المشركون إذ نزل عليهم القرآن تغنوا كيلا يسمعوا كلام الله." والسمو في اللغة: هو السهو، والغفلة، واللهو والاعراض. قال ابن القيم: "وهذه المعاني الأربعة كلها موجودة في الغناء."
أدلة التحريم من السنة النبوية الشريفة(1/8)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة"28 …
"المعازف" جمع معزفة، وهي آلات الملاهي29، وهي الآلة التي يعزف بها30، ونقل القرطبي رحمه الله عن الجوهري رحمه الله أن المعازف الغناء، والذي في صحاحه: آلات اللهو. وقيل: أصوات الملاهي. وفي حواشي الدمياطي رحمه الله : المعازف بالدفوف وغيرها مما يضرب به31.
وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين؛ أولهما قوله صلى الله عليه وسلم: "يستحلون"، فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم. ثانياً: قرن المعازف مع ما تم حرمته وهو الزنا والخمر والحرير، ولو لم تكن محرمة - أى المعازف - لما قرنها معها32. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها."33
وجهة دليل الحديث الأول على الحرمة هو قوله صلى الله عليه وسلم "يستحلون" أى يعدونها حلالاً بعد أن كانت حراماً، ولفظ "يستحلون" كما جاء في كتب اللغة "استحل الشيء عدَّه حلالاً"34
وقد اختلف أهل العلم في مبعث الاستحلال هو اعتقادهم بحلها أو هى بالتأويلات الفاسدة؟ قال ابن حجر في الفتح35 قوله صلى الله عليه وسلم "يستحلون" قال ابن العربي: "يحتمل أن يكون المعنى يعتقدون ذلك حلالاً، ويحتمل أن ذلك مجازاً على الاسترسال، أى يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال، وقد سمعنا ورأينا من يفعل ذلك."(1/9)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب إبطال التحليل: "لعل الاستحلال المذكور في الحديث إنما هو بالتأويلات الفاسدة، فإنهم لو استحلوها مع إعتقاد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرَّمها كانوا كفاراً، ولم يكونوا من أمته، ولو كانوا معترفين بأنها حرام لأوشك أن لايعاقبوا بالمسخ كسائر الذين لم يزالوا يفعلون هذه المعاصي، ولما قيل فيهم "يستحلون" فإنَّ المستحلَّ للشيء هو استحلالهم الخمر، يعني أنهم يسمونها بغير إسمها كما في الحديث، فيشربون الأشربة المحرمة، ولا يسمونها خمراً، واستحلالهم المعازف باعتقادهم أن آلات اللهو مجرد سمع صوت فيه لذة ، وهذا لايحرم ، كألحان الطيور ، واستحلال الحرير وسائر أنواعه بإعتقادهم أنه حلال للمقاتلة وقد سمعوا أنه يباح لبسه عند القتال عند كثير من العلماء فقاسوا سائر أحوالهم على تلك! وهذه التأويلات الثلاثة واقعة في الطوائف الثلاثة التي قال فيها ابن المبارك رحمه الله تعالى: وهل أفسد الدين إلا الملوك .. وأحبار سوء ورهبانها. ومعلوم أنها لاتغني عن أصحابها من نثر شيئاً بعد أن بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم وبيَّن تحريم هذه الأشياء بياناً قاطعاً للعذر، كما هو معروف في مواضعه."
ووجه الدلالة أن "المعازف" هى آلات اللهو لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ، فدل على حرمتها بكل أنواعها إلا ما استثناه الشارع كما سيأتي إن شاء الله. قال ابن القيم: "ووجه الدلالة منه، أن المعازف هى آلات اللهو كلها ، لاخلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالاً لما ذَمَّهم على استحلالها ، ولما قَرَن استحلالها باستحلال الخمر والخز، فإن كان بالحاء والراء المهملتين، فهو استحلال الفروج الحرام ، وإن كان بالخاء والزاى المعجمتين، فهو نوع من الحرير، غير الذي صحَّ عن الصحابة رضي الله عنهم لبسه إذ الخزُّ نوعان: أحدهما: من حرير، والثاني : من صوف، وقد روي هذا الحديث بالوجهين."36(1/10)
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنىِّ لم أنه عن البكاء، ولكنيّ نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو ، ولعب ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة ، لطم وجوه ، وشق جيوب، ورنّة شيطان."37
وفي روايه أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنىِّ لم أنه عن البكاء، ولكنيّ نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو، ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة، لطم وجوه، وشق جيوب، ورنّة شيطان"38
علق على هذا الحديث الإمام شمس الحق آبادي في كتابه عون المعبود شرح سنن أبي داوود قائلاً: "فانظر إلى النهي المؤكد تسمية الغناء صوتاً أحمق ولم يقتصر على ذلك حتى سماه مزامير الشيطان. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على تسمية الغناء مزمور الشيطان - أى في حديث الجاريتين -."
قال ابن تيمية في كتابه الاستقامة39: "هذا الحديث من أجود مايحتج به على تحريم الغناء، كما في اللفظ المشهور عن جابر بن عبدالله "صوت عند نعمة: لهو ولعب ومزاميرالشيطان..."
وقال ابن القيم: "فانظر إلى هذا النهي المؤكد، بتسميته صوت الغناء صوتاً أحمق ، ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور ، ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشبطان." ثم قال: "وقد اختلف في قوله " لا تفعل" وقوله "نهيت عن كذا" أيتهما أبلغ في التحريم ؟" والصواب بلا ريب: أن صيغة "نهيت" أبلغ في التحريم، لأن "لاتفعل" تحتمل النهى وغيره بخلاف الفعل الصريح.
وقال صلى الله عليه وسلم: "صوتان ملعونان، صوت مزمار عند نعمة، وصوت ويل عند مصيبة."40
وجاء في السلسلة الصحيحة للألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليكونن في هذه الأمة خسف، وقذف، ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف."41(1/11)
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم على أمتي الخمر، والميسر، والمزر، والكوبة، والقنين، وزادني صلاة الوتر"42. الكوبة هي الطبل، أما القنين هو الطنبور بالحبشية.
روى أبو داوود في سننه عن نافع أنه قال: "سمع ابن عمر مزماراً، قال: فوضع أصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئاً؟ قال: فقلت: لا! قال: فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا! فصنع مثل هذا"43. و علق على هذا الحديث الإمام القرطبي في تقسيره قائلاً: "قال علماؤنا: إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لا يخرج عن الاعتدال، فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم؟!"
وجاء في الصحيح الجامع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن النوح و التصاوير، و جلود السباع والتبرج، و الغناء و الذهب، و الخز، و الحرير"44…
بعض الموقوفات45 الصحيحة عن الصحابة
روي عن ابن مسعود رضى الله عنه: "ومن الناس من يشري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم.." فقال عبدالله: الغناء والذي لا إله إلا هو (يرددها ثلاث مرات).46 وعن عبدالله بن عباس رضى الله عنهما قال:" نزلت في الغناء وأشباهه."47
روي عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "أن ابن عمر مرَّ عليه يومُُ مُرْمون وفيهم رجلُُ يتغنىَّ ، فقال ألا لاتسمع الله لكم ، ألا لاسمع لله لكم."48
روي عن ابن عمر انه مرَّ بجارية صغيرة تغني، فقال: "لو ترك الشيطان أحداً ترك هذا"49
روي عن عائشة رضى الله عنها: "أن بنات أخي عائشة رضى الله عنها حُفضْ50، فألمن ذلك، فقيل لعائشة: يا أمَّ المؤمنين ألا ندعو لهنَّ مَنْ يُلهيهن؟ قالت : بلى، قالت: فأرسل إلى فلان المغنيِّ، فأتاهم، فمرّت به عائشة رضى الله عنها في البيت، فرأته يتغنىَّ ويحرك رأسه طرباً - زكان ذا شعر كثير - فقالت عائشة رضى الله عنها: " أفٍّ، شيطان، أخرجوه، أخرجوه، فأخرجوه."51(1/12)
روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل"52
أقوال أئمة أهل العلم ومسألة الإجماع
اتفاق الأئمة الأربعة:
قال الألباني رحمه الله: "اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها."53 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام...ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعاً"54
قول أبو حنيفة وأصاحبه:
قال الألوسي في روح المعاني، بتحريم الغناء، عن أبي حنيفة قال: "أن الغناء حرام في جميع الأديان، وقال السرخسي في المبسوط: لاتقبل شهادة صاحب الغنى.."55
وكذلك مذهب أهل الكوفة: "سفيان، وحمَّاد، وإبراهيم، والشعبي، وغيرهم لا إختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافاً أيضاً بين أهل البصرة في المنع منه." 56
قال ابن القيم: "مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب، وقوله فيه أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها، كالمزمار، والدُّفِّ، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية، يوجب الفسق، وترد به الشهادة، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: أن السماع فسق، والتلذذ به كفر."57
وقال أبو يوسف في دار يُسمع منها صوت المعازف والملاهي: "أُدْخُل عليهم بغير إذنهم، لأن النهي عن المنكر فرض ، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض."58
وروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: الغناء من أكبر الذنوب التي يجب تركها فوراً. وقال القاضي أبو يوسف تلميذ الإمام أبى حنيفة حينما سُئِل عن رجل سمع صوت المزامير من داخل أحد البيوت فقال: "ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض." …
وجاء فى كتاب البدائع للكاسانى فيمن تقبل شهادته ومن لا تقبل: "وأما الذى يضرب شيئا فى الملاهى فإنه ينظر إن لم يكن مستشنعا كالقضيب والدف ونحوه لا بأس به ولا تسقط عدالته وإن كان مستشنعا كالعود ونحون سقطت عدالته، لأنه لا يحل بوجه من الوجوه."59(1/13)
قول الإمام مالك وأصحابه:
وقد سئل رحمه الله: عما يُرَخْصُ فيه أهل المدينة من الغناء ؟ فقال: "إنما يفعله عندنا الفسَّاق"60 وقال: "إذا اشترى جارية فوجدها مُغَنية كان له أن يردها بالعيب."
وسأله تلميذه ابن القاسم رحمه الله عن الغناء، فأجابه:"قال الله تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال) أفحق هو؟!"61
وسئل الإمام مالك رحمه الله عن ضرب الطبل والمزمار، ينالك سماعه وتجد له لذة في طريق أو مجلس؟ قال: فليقم إذا التذ لذلك، إلا أن يكون جلس لحاجة، أو لا يقدر أن يقوم، وأما الطريق فليرجع أو يتقدم.62
وقد ثبت عن الامام مالك وابن عباد والقاسم بن محمد أنهم سئلوا جميعا ً - كلّ في عصره - عن حكم الله في الغناء فأجاب - كلّ في عصره -: "أيها السائل إذا كان يوم القيامة وجيء بالحق وبالباطل، ففي أيهما يكون الغناء، فقال في الباطل. فقالوا له - كلّ في عصره - والباطل أين يكون؟ قال في النار قالوا له: اذهب فقد أفتيت نفسك."
قال ابن عبد البر رحمه الله: "من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشا وأخذا الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء وعلى الزمر واللعب الباطل كله."63
وقال الإمام الطبري64: "أما مالك بن أنس، فإنه نهى عن الغنى وعن إستماعه..." وقال: وهو مذهب سائر أهل المدينة.
أما قول ابن الطاهر القيسراني أن إجماع أهل المدينة على إباحة الغناء فهو مردود، ونقل عن الإمام الأوزاعي أنه كان يرى قول من يرخص في الغناء من أهل المدينة من زلات العلماء التي تأمر باجتنابها وينهي الاقتداء بها.65(1/14)
وروى الخَلاَّل بسنده الصحيح عن ابراهيم بن المنذر - مدني من شيوخ البخاري - وسئل فقيل له: أنتم ترخصون في الغناء ؟ فقال: "معاذ الله ! مايفعل هذا عندنا إلا الفساق." قال الشيخ الطواري حفظه الله: والتحقيق في ذلك أنه قد وُجد من أهل المدينة من أفتى بإباحة الغناء مِنْ مَنْ لم يعتد بفتواهم يشير إلى ذلك الإمام الذهبي في ترجمة (يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون): "قلت (أى الذهبي) أهل المدينة يترخصون في الغناء، وهم معروفون بالتسمع فيه، وذكر فيها: أنه كانت جواريه في بيته يضربن بالمعزف" علق الطواري قائلاً: وقد صادفت هذه الفتوى هوى فساق أهل المدينة فاستحسنوها وغدت سمة من سماتهم ، وهو مخالف قول فقهاء المدينة بلا شك، ولهذا قال شيخ الإسلام66: "لم يكن إباحة الغناء من قول فقهاء المدينة وعلمائها ، وإنما كان يضع ذلك فساقهم."
قول الإمام الشافعي وأصحابه:
قال في كتاب أدب القضاء: "إن الغناء لهوُّ مكروه، يشبه الباطل والمحال، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته"
قال ابن القيم: "وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه، وأنكروا على من نسب إليه حِلَّهُ، كالقاضي أبي الطيب الطبري، والشيخ أبي إسحاق، وابن الصباغ."67
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم: "الرجل يغني فيتخذ الغناء صناعة يأتي عليه ويأتي له، ويكون منسوبا إليه مشهورا به معروفا والمرأة لاتجوز شهادة واحدة منهما، وذلك أنه من اللهو المكروه، الذي يشبه، وأن من صنع هذا كان منسوبا إلى السفة وسقاطه المروءة."
وقال في المهذب: "ولا يجوز على المنافع المحرمة ، لأنه محرم ، فلا يجوز أخذ العوض عنه كالميتة والدم."
وقد تواتر عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: "خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن." والتغبير هو شعر مزهد في الدنيا يغني به مغن ويضرب بعض الحاضرين بقضيب على نطع أو حجرة على توقيع غناء."
قول الإمام أحمد وأصحابه:(1/15)
قال عبدالله ابنه: "سألت أبي عن الغناء؟ فقال: الغناء يُنْبِتُ النفاق في القلب لايعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق."
وقال عبدالله: :وسمعت أبي يقول: سمعت يحيى القطان يقول: لو أن رجلاً عمل بكل رخصة يقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في المتعة، لكان فاسقاً."
قال ابن قدامة المقدسي في المقنع: "فلا تقبل شهادة المصافح والمتمسخر والمغني والرقاص واللآعب الشطرنج والزد والحمام"68
وسئل الإمام أحمد عن رجل مات وخلف ولداً وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال: "تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية، فقيل له: إنها تساوي ثلاثين ألفاً، ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفاً، فقال: لاتباع إلا أنها ساذجة." علّق ابن الجوزي على هذا قائلاً: "وهذا دليل على أن الغناء محظور، إذ لو لم يكن محظوراً ما جاز تفويت المال على اليتيم."69
وقال الإمام ابن القيم في رسالته: "ونص رحمه الله على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره، إذا رآها مكشوفة، وأمكنه كسرها..."70
قال ابن قدامة - محقق المذهب الحنبلي - رحمه الله: "الملاهي ثلاثة أضرب؛ محرم، وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها، والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته."71 وقال رحمه الله : "إذا دعي إلى وليمة فيها منكر، كالخمر والزمر، فأمكنه الإنكار، حضر وأنكر ، لأنه يجمع بين واجبين ، وإن لم يمكنه لا يحضر."72
بعض أقوال الأئمة الأعلام في حكم الغناء
أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الشعبي قال : لُعن المغني والمغنى له ؛ وعن فضيل بن عياض أنه قال : الغناء رقية الزنا ؛ وعن أبي عثمان الليثي أنه قال : "قال يزيد بن الوليد : يا بني أمية أياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وانه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنا ."(1/16)
ثبت عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال لمأدب أولاد له : "ليكن أول مايعتقدون من أدبك بغض الغناء الذي مبدأه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن، فقد حدثني عدد من ثقات أهل العلم أن سماع المزامير واستماع الغناء واللهج به ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب."73
قال القاسم بن محمد رحمه الله: الغناء باطل، والباطل في النار. وقال الحسن البصري رحمه الله: إن كان في الوليمة لهو - أى غناء ولعب -، فلا دعوة لهم.74
قال النحاس رحمه الله: هو ممنوع بالكتاب والسنة، ويقول الإمام الأوزاعي رحمه الله: لا تدخل وليمة فيها طبل ومعازف. و قال الضحاك: الغناء مَفسدة للقلب مُسخطة للرب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المعازف خمر النفوس، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حميا الكؤوس."75 وقال رحمه الله في بيان حال من اعتاد سماع الغناء: "ولهذا يوجد من اعتاده واغتذى به لا يحن على سماع القرآن، ولا يفرح به، ولا يجد في سماع الآيات كما يجد في سماع الأبيات، بل إذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية وألسن لاغية، وإذا سمعوا المكاء والتصدية خشعت الأصوات وسكنت الحركات وأصغت القلوب" (المجموع).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إنك لا تجد أحداً عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء". وقال عن الغناء: "فإنه رقية الزنا، وشرك الشيطان، وخمرة العقول، ويصد عن القرآن أكثر من غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه". وقال رحمه الله:
حب القرآن وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان
والله ما سلم الذي هو دأبه أبداً من الإشراك بالرحمن
وإذا تعلق بالسماع أصاره عبداً لكل فلانة وفلان
وأخرج ابن أبي شيبة رحمه الله : أن رجلا كسر طنبورا لرجل ، فخاصمه إلى شريح فلم يضمنه شيئا - أي لم يوجب عليه القيمة لأنه محرم لا قيمة له -.76(1/17)
وأفتى البغوي رحمه الله بتحريم بيع جميع آلات اللهو والباطل مثل الطنبور والمزمار والمعازف كلها ، ثم قال: "فإذا طمست الصور ، وغيرت آلات اللهو عن حالتها، فيجوز بيع جواهرها وأصولها، فضة كانت أو حديد أو خشبا أو غيرها."77
نقل الإجماع في تحريم الغناء:
…حكى أبو عمرو بن الصلاح: الإجماع على تحريم السماع الذي جمع الدُّفَّ والشَّبَابة، فقال في فتاويه: "وأما إباحة هذا السماع وتحليله ، فليعلم أن الدُّفَّ والشبابة إذا إجتمعت (فاستماع) ذلك حرام، عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين ، ولم يثبت عن أحد ممن يُعْتَدَّ بقوله في الإجماع والإختلاف أنه أباح هذا السماع. والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نُقِل في الشبابة منفردة، والدُّفَّ منفرداً، فمن لايحصل، أولا يتأمل، ربما اعتقد خلافاً بين الشافعيين في هذا السماع الجامع هذه الملاهي، وذلك وهم بيِّن من الصائر إليه، تنادي عليه أدلة الشرع والعقل، مع أنه ليس كلَّ خلاف يُستروح إليه، ويعتمد عليه ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرُّخص من أقاويلهم ، تزندق أوكاد..."78
ذكر ابن المنذر اتفاق العلماء على المنع من إجارة الغناء والنوح فقال : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية كره ذلك الشعبي والنخعي ومالك وقال أبو ثور والنعمان ويعقوب ومحمد : لا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح وبه نقول .
ونقل ابن حجر الهيثمي الإجماع على حرمة المعازف، وقال: "ومن حكى فيها خلافاً فقد غلط أو غلب عليه هواه حتى أصمَّه وأعماه."79 وقد حكى الإجماع كذلك أبو بكر الآجري.80(1/18)
قال الإمام أبو العباس القرطبي: الغناء ممنوع بالكتاب والسنة وقال أيضا: "أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق ومهيج الشهوات والفساد والمجون؟ وما كان كذلك لم يشك في تحريمه ولا تفسيق فاعله وتأثيمه."81
قال القرطبي: "فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بالسواد الأعظم)، (ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية)"82
قال الشيخ محمد المنجد حفظه الله: "وقد كان لفظ الكراهة يستخدم لمعنى الحرمة في القرون المتقدمة ثم غلب عليه معنى التنزيه، ويُحمل هذا على التحريم لقوله: والمنع منه، فإنه لا يمنع عن أمر غير محرم، ولذكره الحديثين وفيهما الزجر الشديد، والقرطبي رحمه الله هو الذي نقل هذا الأثر، وهو القائل بعد هذا: قال أبو الفرج وقال القفال من أصحابنا: لا تقبل شهادة المغني والرقاص، قلت: وإذا ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز."
قال العلامة الفوزان في كتابه الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام: "قلت : ما إباحه إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس هو كالغناء المعهود المثير للنفوس والباعث على الشوق والغرام المهلب لها من وصف الخد والعينين ورشاقة الشفتين . تقعد المغنية أمام المذياع فتؤدي غناها بصوت رخيم يبعث على الوجد والأنات . يسمع صوتها من بعد ومن قرب فحاشا هذين المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو في غاية الانحطاط ومنتهى الرذالة ."(1/19)
وقال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى وادخله فسيح جناته: "قلت وإبراهيم بن سعد وعبيد الله بن الحسن العنبري من ثقات أتباع التابعين ولعل ما نقل عنهما من سماع الغناء إنما هو في الشيء القليل الذي يزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة وحملهما على سماع الغناء المحرم وهكذا ما يروى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من سماع الغناء وشراء الجواري المغنيات يجب أن يحمل على الشيء اليسير الذي لا يصد عن الحق ولا يوقع في الباطل مع أن ابن عمر والحسن البصري قد أنكرا عليه ذلك."
ومعلوم عند أهل العلم والإيمان أن الحق أولى بالاتباع وأنه لا يجوز مخالفة الجماعة والأخذ بالأقوال الشاذة من غير برهان بل يجب حمل أهلها على أحسن المحامل مهما وجد إلى ذلك من سبيل، إذا كانوا أهلا لإحسان الظن بهم لما عرف من تقواهم وإيمانهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فاعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا مصر ولا المغرب ولا العراق ولا خراسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية لا بدف ولا بكف ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه."
الرد على من أباح الغناء مطلقاً
اشتهر الإمام أبو محمد علي بن أحمد المعروف بإبن حزم الظاهري الأندلسي برأيه في مسألة الغناء بجوازه مطلقاً، وتابعه في قوله الإمام أبو الفضل محمد بن طاهر الشيباني المقدسي (معروف باين القيسراني) في كتابه (كتاب السماع) ونحى نحوهما الإمام الجليل أبي بكر محمد بن عبدالله المعروف بإبن العربي في تفسير قوله تعالى: (ومَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ..الآية). واتبع هذه الأقوال من المعاصرين الشيخ محمد الغزالي رحمه الله وعف عنه والشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله وغيرهم.(1/20)
قال ابن حزم في مسألة بيع آلات اللهو: "لم يأت نص بتحريم شيء في ذلك واجتح المانعون بآثار لاتصح أو يصح بعضها، ولا حجة لهم فيها..."83 وقال "ولا يصح في هذا الباب شيئ أبداً، وكل مافيه موضوع..."84
وقال ابن العربي: "هذه الأحاديث التي أوردناها لايصح منها شيء بحال، لعدم ثقة ناقليها إلى مَنْ ذكر من الأعيان منها.."
وقال الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه الحلال والحرام85: "ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس وتطرب له القلوب وتنعم به الآذان الغناء وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم . ولا بأس أن تصحبه الموسيقى غير المثيرة واستحبه في المناسبات السارة إشاعة للسرور وترويحا للنفوس وذلك كأيام العيد والعرس وقدوم الغائب وفي وقت الوليمة والعقيقة وعند ولادة المولود. " ثم نقل المؤلف : عن الغزالي أنه ذكر في كتاب الإحياء أحاديث غناء الجاريتين ولعب الحبشة في مسجده صلى الله عليه وسلم وتشجيع النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي موضع آخر تحدث عن صحة أحاديث تحريم المعازف قائلاً: " وأما ما ورد فيه من أحاديث نبوية فكلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه."
وبذلك هم يرون أن الغناء على الأصل الذي هو الإباحة، مالم يأت دليل صحيح ينص على تحريم. لاسيما أن هناك أدلة تثبت هذا الأصل وتبقيه عليه وهى صحيحة.. ولعل أكثر حديث تمسكوا به - أى القائلون بالإباحة - هو حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت:(1/21)
"دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا قالت وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال تشتهين تنظرين فقالت نعم فأقامني وراءه خدي على خده ويقول دونكم بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي"86
وجه دلالة الحديث عندهم:
فال ابن حزم: "إنهما كانتا تغنيان، فالغناء منها قد صح، وقولها ليستا بمغنيتين، أى ليستا بمحسنتين، وهذا كله لاحجة فيه، إنما الحجة في إنكاره صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قوله أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصح أنه مباح مطلق لا كراهة فيه."87
واحتج ابن حزم بحديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن نافع أنه قال: "سمع ابن عمر مزماراً، قال: فوضع أصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئاً؟ قال: فقلت: لا! قال: فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا! فصنع مثل هذا" قال ابن حزم تعليقاً على الحديث: "لو كان المزمار حراماً سماعه لما أباح صلى الله عليه وسلم لابن عمر سماعه، ولو كان عند ابن عمر حراماً سماعه لما أباح لنافع سماعه ولأمر رضي الله عنه بكسره ولا بالسكوت عنه، فما فعل ؤضي الله عنه شيئا من ذلك، وإنما تجنب رضي الله عنه سماعه كتجنبه أكثر المباح من أكثر أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئاً..."88
واستدلوا ببعض أحاديث منها مارواه البخاري عن عائشة قالت: زفت إمرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليهم وسلم: "يا عائشة ماكان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو"89(1/22)
ومنها حديث جابر قال: "أنكَحَت عائشة ذات يوم قرابة لها رجلً من الأنصار، فجاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهديتم الفتاة؟ قالوا: نعم، قال: أرسلتم معها؟ فقال أبو محمد: كلمة ذهبت عني. فقالت: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم"90
ومنها حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن)91
كما استدلوا ببعض الآثار عن الصحابة منها: أن عمر مرَّ برجل يتغنى، فقال: إن الغناء زاد المسافر.92 وعن ابراهيم النخعي أن أصحاب ابن مسعود كانوا يستقبلون الجواري في المدينة معهن الدفوف فيشققونها93 وحكى الماوردي أن معاوية وعمرو بن العاص قد سمعا العود عند ابن جعفر. وعن سعيد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف أنه كان يغني بالعود94.. وغير ذلك من الآثار الموقوفة.
وقد ردَّ ابن حزم في كتابه المحلى على الأثار الموقوفة على بعض الصحابة الذين ينكرون الغناء، وهى كثيرة جداً. قال رحمه الله: "أنه لاحجة لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الآثار قد خالفت غيرهم من الصحابة والتابعين، إن نص الآية يبطل احتجاجهم بها، لأن فيها: (ومِنَ النَاسِ مَنْ يَشْتَرِىَ لَهْوَ الحَدِيثَ...الآية)..وهذه الصفة من فعلها كان كافراً بلا خلاف إذا اتخذا سبيل الله تعالى هزوا، ولو أن إمرءاً اشترى مصحفاً ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزواً لكان كافرا ، فهذا هو الذي ذم الله تعالى ، وما ذم قط عز وجل من اشترى لهو الحديث ليسلي به ويروِّح نفسه لا ليضل عن سبيل الله فبطل تعلقهم."95(1/23)
كما أن ابن الطاهر القيسراني شنع على من أورد آية اللهو حملها على الغناء قال: "هذه التفاسير، هل عَلِمَ هؤلاء الصحابة الذين أوردتم أقاويلهم في هذه الآية ما عَلمهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يعلمه؟ فإن قالوا: لم يعلمه وعَلِمَهُ هؤلاء كان جهلاً عظيماً بل كفراً. وإن قالوا: علمه، قلنا: ما نقل إلينا عنه في تفسير هذه الآية مثل مانقل عن هؤلاء من الصحابة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز بحال، ومن أمحل المحال أن يكون تفسير قوله عز وجل: (ومِنَ النَاسِ مَنْ يَشْتَرِىَ لَهْوَ الحَدِيثَ...) هو الغناء. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها: أما كان معكن من لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟.."
وقد إستدل ابن طاهر على إجماع أهل المدينة بإباحة الغناء، ثم أرجع ابن حزم في كتاب المحلى المسألة إلى النية، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات...) فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء ومننوع به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها وقعوده على باب داره متفرجاً أو غير ذلك..."
…هذا مجمل ما استند إليه من يرون إباحة الغناء مطلقاً والله تعالى أعلم.
الشبهة الأولى: حديث البخاري محلول بالانقطاع
رد جمهور العلماء على ما ذهب إليه ابن حزم من أن حديث محلول بالانقطاع، لأن البخاري لم يصل سنده به، وإليكم تفصيل ذلك:
- الاعتراض الأول: ذهب رحمه الله إلى أن هذا الحديث لايصح
زعم ابن حزم أن الحديث منقطع، لم يتصل مابين البخاري وصدقة بن خالد، قال في مجموع رسائله: "وأما حديث البخاري: فلم يُوردْهُ البخاريُّ مسنداً، وإنما قال فيه: قال هشام بن عمَّار"96 وفي المحلىَ قال: "هذا منقطع، لم يتصل مابين البخاري وصدقة بن خالد."97
أخطأ ابن حزم في زعمه من عدة وجوه، إليكم بيانها:(1/24)
أولاً: البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه، فإذا قال: قال هشام فهو بمنزلة قوله: عن هشام.
ثانياً: لو لم يسمع البخاري من هشام ما استجاز الجزم به عنه (وما كان البخاري مدلساًً!).
ثالثاً: أدخل البخاري الحديث في كتابه المسمى بالصحيح محتجا به.
رابعاً: أنه علقه بصيغة الجزم دون صيغة التمريض.
خامساً: لو طرحنا الأوجه السابقة جانباً، لظل الحديث صحيحاً لأنه متصل عند غيره.
ويأتي تفصيل العلماء للأوجه التي ذكرتها كما يلي:
قال الحافظ العراقي في تخريجه لهذا الحديث98: "وذلك لأن الغالب على الأحاديث المعلقة أنها منقطعة بينها وبين معلِّقها، ولها صور عديدة معروفة، وهذا ليس منها، لأن هشام بن عمَّار من شيوخ البخاري الذين احتج بهم في صحيحه..."
وقال الحافظ أبو عمرو بن الصَّلاح في علوم الحديث: "ولا التفات إلى ابن محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري...من جهة أن البخاري أورده قائلاً فيه: قال هشام بن عمار، وساقه بإسناده، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابا هم الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح."
وقال الزركشيُّ في التوضيح، نقله عن الحافظ: "معظم الرواة يذكرون هذا الحديث في البخاريُ معلِّقاً، وقد أسنده أبو ذَرٍّ عن شيوخه فقال: "قال البخاري: حدثنا الحسن بن إدريس: حدثنا هشام بن عمار99 وقال الحافظ: فعلى هذا يكون الحديث صحيحاً ـ على شرط البخاري ـ. ورده الحافظ في الفتح100 فقال: "وهذا الذي قاله خطأ نشأ عن عدم تأمل، وذلك أن القائل : حدثنا الحسين بن إدريس هو العباس بن الفضل شيخ أبي ذر لا البخاري، ثم هو الحسين بضم أوله وزيادة التحتانية الساكنة، وهو الحروي، لقبه " خُرَّم "بضم المعجمة وتشديد الراء، وهو من المكثرين."(1/25)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الإستقامة101: "والآلات الملهية قد صح فيها مارواه البخاري في صحيحه تعليقاً مجزوما به، داخلاً في شرطه."
وقد رد كلام ابن حزم الإمام ابن القيم في أكثر من موضع من كتبه: قال في تهذيب سنن أبي داود102: "وقد طعن ابن حزم وغيره في هذا الحديث، وقالوا: لايصح، لأنه منقظع، لم يذكر البخاري مَنْ حدَّثه به، وإنَّما قال: "وقال هشام بن عمَّار" وقال في لإغاثة اللهفان: "هذا الحديث صحيح، أخرجه البخاري في صحيحه محتجاً به، وعلقه تعليقاً مجزوماً به. ثم لو سلمنا جدلاً كلام ابن حزم بالانقطاع، فإنه قد جاء موصولاً من طرق جماعة من الثقات الحفاظ سمعوه من هشام بن عمَّار." وقال ابن القيم في موضع آخر: "ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي، وزعم أنه منقطع لأن البخاري لم يصل سنده به."
بيان اتصال الحديث من طرق أخرى:
قال الطبراني في مسند الشاميين103: "حدثنا محمد بن يزيد بن (الأصل: عن) عبدالصمد الدمشقي: ثنا هشام بن عمَّار به. وقال ابن حبَّان في صحيحه104: أخبرنا الحُسين بن عبدالله القطَّان قال: حدثنا هشام بن عمَّار به إلى قوله: "المعازف"
وأوصله أبو نعيم في المستخرج على الصحيح والبيهقي: 10/221 وابن عساكر في التاريخ: 19/79 من طرق كثيرة عن هشام بن عمار، وأخرجه الحسن بن سفيان في "مسنده"105 وأبو بكر الإسماعيلي في المستخرج وأبو ذر الهروي راوي "الصحيح" وغيرهم كثير.
خلاصة القول في هذه المسألة106(1/26)
أن الحديث ليس منقطعاً بين البخاري وشيخه هشام كما زعم ابن حزم، فإن هشام بن عمَّار شيخ البخاري، لقيه وسمع منه، وخرَّج عنه في "الصحيح" حديثين غير هذا، ثم إن قول الراوي "قال فلان" فهو بمنزلة قوله "عن فلان" إذ أن قائلها (البخاري رحمه الله) غير موصوف بالتدليس، فهى محمولة على الإتصال على الصحيح الذي عليه جماهير أهل العلم إضافة إلى أن اللقاء بين البخاري وهشام ثابتة فتحقق شرط البخاري، وهو ثبوت اللقاء فكان صحيح على شرط البخاري.
وقد أقر بصحة هذا الحديث أكابر أهل العلم منهم الإمام ابن حبان، والإسماعيلي، وابن الصلاح، وابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والطحاوي، والصنعاني، والنووي، وغيرهم كثير.
قال العلامة ابن باز رحمه الله: "وقد أخذ علماء الإسلام بهذا الحديث، وتلقوه بالقبول، واحتجوا به على تحريم المعازف كلها، وقد أعله ابن حزم وأبو تراب بعده، تقليدا له بأنه منقطع بين البخاري رحمه الله وبين شيخه هشام بن عمار، لكونه لم يصرح بسماعه منه، وإنما علقه عنه تعليقا، وقد أخطأ ابن حزم في ذلك، وأنكر عليه أهل العلم هذا القول، وخطأه فيه، لأن هشاما من شيوخ البخاري، وقد علقه عنه جازما به، وما كان كذلك فهو صحيح عنده، وقد قبل منه أهل العلم ذلك، وصححوا ما علقه جازما به إلى من علقه عنه".
- الاعتراض الثاني: أن الحديث مضطرب سنداًً
قال ابن حزم رحمه الله في رسالته "ثم هو إلى أبي عامر أو أبي مالك، ولا يُدرى أبو عامر هذا."
الرد: الصحابي ثقة سواء عُرف أو لم يُعرف
قول ابن حزم "ولا يُدري أبو عامر هذا" دليل على أن (أبا عامر) مجهول عنده، ومن مذهبه أنه لايقبل حديث من ذُكر بالصحبة حتى يسمى ويعرف فضله. وأبو عامر عنده ليس كذلك، فالعلة عنده في هذا الحديث هو لكونه متردداً فيه بين معروف ومجهول وليس بالتردد في اسم الصحابي لذاته. 107(1/27)
وقد أجاب بعض العلماء على هذه الشبهة بترجيح أنه "عن أبي مالك".108 وذهب البخاري في "التاريخ"109 إلى ترجيح أنه عن أبي مالك فقال رحمه الله: "وإنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري..وهي رواية مالك بن أبي مريم عن ابن غَمْ عن أبي مالك بغير شك." وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب110: "والحديث لأبي مالك"
وعلى كل حال فقد تقرر عند أهل العلم ثبوت العدالة لجميع الصحابة رحمه الله تعالى عنه فالصحابي ثقة، سواء أعُرِفَ اسمه أم لم يُعرف، أو عرفت كنيتهُ أم لم تعرف كان عدلاُ مقبول الرواية، وهذا مذهب جماهير أهل العلم.
قال الذهبي في الموقظة: "ومن أمثلة اختلاف الحافظين: أن يُسمي أحدُهما في الإسناد ثقةً، ويُبدِله الآخر بثقة آخر أو يقول أحدهما: عن رجل، ويقول الآخر: عن فلان، فيُسميَّ ذلك المبهَمَ، فهذا لا يضر في الصحة."
وذهب ابن حزم أيضاً إلى اضطراب الحديث متناً من عدة وجوه:
الوجه الأول: أخرجه البخاري في صحيحه بلفظة "يستحلون" في "التاريخ" بدونها
الوجه الثاني: ذكره أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما بلفظ "ليشربن أناس من أمتي الخمر.."
الوجه الثالث: جاء فيه "يستحلون الحر" فقيل: "الحر" بالحاء والراء المهملتين، بل بالخاء والزاي المعجمتين
والرد: لا يمكن أن نقرر الاضطراب إلا إذا تكافأت الوجوه
لا يمكن تقرير اضطراب الحديث إلا إذا تكافأت الوجوه المختلفة من حيث القوة، ولا يمكن الترجيح أو الجمع بين طرقها، والحديث الذي بين أيدينا ليس كذلك، فإن كل ما أورد فيه ممكن فيه الجمع أو الترجيح، وأقل مايقال في هذا: أن هذا اللفظ زيادة عن ثقة ليس لها معارض فوجب قبولها، ثم أن البخاري رحمه الله لم يعنَ في كتابه "التاريخ" بمتون الأحاديث لأنه ليس هو مقصود الكتاب، فكم من حديث مختصره، فلا يورد منها إلا طرفاً يسيراً، ثم إن الرواية باللفظ المذكور فليست تقابل في قوتها رواية "يستحلون" والله أعلم.
الاعتراض الثالث: إعلال حديث المعازف بسبب هشام بن عمار(1/28)
لم يطعن أحداً في حديث المعازف الذي رواه البخاري معلقاً بسبب هشام بن عمار إلا الشيخ يوسف القرضاوي فقال: "والحديث وإن كان في صحيح البخاري، إلا أنه من "المعلقات" لا من "المسندات المتصلة" ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده، ومع التعليق فقد قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور علي هشام بن عمار (انظر: الميزان وتهذيب التهذيب) وقد ضعفه الكثيرون.
وهذا الإعلال ضعيف جداً.. وإنما يدل على ضعف صاحبه في الحديث، إذ أن الحديث قد جاء من طريق آخر غير هشام، وحيث أن البخاري لا يروي إلا عن الثقات.
الرد - الوجه الأول: البخاري لا يروي عن رجل حتى يعرف صحيح حديثه من سقيمه
قال الشيخ عبد الرحمن الفقيه حفظه الله: "إذا قلنا باتصال الرواية بين البخاري وهشام وهو الصحيح ففي هذه الحالة يكون الحديث صحيحا، وهشام بن عمار وإن كان فيه كلام إلا أن البخاري رحمه الله كان ينتقي من أحاديث مثل هذا الضرب ولا يخرج كل حديثهم، وهناك نقل مهم جدا عن الإمام البخاري رحمه الله ذكره الترمذي في العلل الكبير: "وسألت محمدا عن داود بن أبي عبد الله الذي روى عن ابن جدعان فقال هو مقارب الحديث، قال محمد: عبد الكريم أبو أمية مقارب الحديث، وأبو معشر المديني نجيح مولى بني هاشم ضعيف لا أروي عنه شيئا ولا أكتب حديثه...وكل رجل لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه لا أروي عنه ولا أكتب حديثه..ولا أكتب حديث قيس بن الربيع"111 أ.هـ. فبين الإمام البخاري رحمه الله أنه لايروي عن رجل حتى يعرف صحيح حديثه من سقيمه، فتكون روايته لهذا الحديث عن هشام بن عمار من هذا القبيل."
الوجه الثاني: كلام بعض العلماء في هشام بن عمار يعتبر من كلام الأقران(1/29)
قال الذهبي في السير عند ترجمة هشام بن عمار: "قال أبو بكر المروذي: ذكر أحمد بن حنبا هشام بن عمار، فقال: طياشٌ، خفيفٌ. قلت (أى الذهبي): أما قول الإمام فيه: طياشٌ، فلأنه بلغه عنه أنه قال في خطبته: الحمد لله الذي تحلى لخلقهِ بخلقهِ. فهذه الكلامة لا ينبغي إطلاقها، وإن كان لها معنىً صحيحٌ، لكن يحتج بها الحلولي والاتحادي. وما بلغنا أنه سبحانه وتعالى تجلى لشيء إلا بجبل الطور، فصيره دكاً. وفي تجليه لنبينا صلى الله عليه وسلم اختلاف أنكرته عائشة، وأثبته ابن العباس. وبكل حال: كلام الأقران بعضهم في بعضٍ محتمل، وطيه أولى من بثه، إلا أن يتفق المتعاصرون على جرح شيخ، فيعتمد قولهم والله أعلم."112
الشبهة الثانية: الاستدلال بحديث الجاريتين على إباحة الغناء
استدل ابن حزم على جواز الغناء مطلقاً بحديث عائشة الذي رواه البخاري ومسلم، قالت رضى الله عنها: "دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان ... الحديث"
وقد رد أهل العلم على زعم ابن حزم ومن تبعه في فهم الحديث بما يلي:
أولاً: لم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان.113
ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم (إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا) دليل على أن الأصل المنع، فلو كان في غير العيد لوافق نهى أبي بكر محله.
ثالثاً: ما كان لأبي بكر أن يتجرأ ويتقدم بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام وفي بيته بمثل هذا الإنكار الشديد إلا لعلم مسبق لديه بتحريم الغناء. ولكن في هذا الموضع ماكان يعلم أبو بكر أن يوم العيد يجوز فيه الغناء والضرب بالدف..مما يدل على أن التحريم عام، ويستثنى منه يوم العيد بالضوابط التي سأذكرها في موضعها من هذا المبحث إن شاء الله.
رابعاً: فالحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا استعجب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسماه مزمور الشيطان.114(1/30)
خامساً: قول عائشة رضي الله عنها (جاريتان) وقولها (ليستا بمغنيتين) يدل على أن هذه الرخصة كانت في غناء جاريتين صغيرتين، والصغار يرخص لهم مالا يرخص للكبار في باب اللهو واللعب.115
سادساً: أما أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الجاريتين فذلك لأنه يوم عيد ولا يشمل غيره.
قال العلامة الفوزان حفظه الله في كتابه الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام: "وأما حديث غناء الجاريتين فلا دلالة فيه أيضا على إباحة الغناء لأنه يدل على وقوع إنشاد شيء من الشعر العربي في وصف الحرب من جاريتين صغيرتين في يوم عيد - قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين116: وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة والحروب ومكارم الأخلاق والشيم فأين هذا من هذا ؟ والعجب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه التسمية ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ولا مفسدة في إنشادهما ولا استماعهما أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام . "(1/31)
وقال الحافظ في الفتح، تعليقا على قول الرسول صلى الله عليه وسلم (دعهما يا أبابكر): "فيه تعليل وإيضاح خلاف ماظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه عليه الصلاة والسلام لكونه دخل فوجده مغطىً بثوبه فظنه نائماً فتوجه له الانكار على ابنته من هذه الأوجه، مستصحبا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو، فبادر إلى إنكار ذلك قياماً عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، مستنداً إلى ماظهر له، فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم الحال، وعرَّفه الحكم مقروناً ببيان الحكمة بأنه يوم عيد ، أى سرور شرعي ، فلا ينكر فيه مثل هذا، كما لاينكر في الأعراس."117
وقال أبو الطيِّب الطبري: "هذا الحديث حجتنا، لأن أبا بكر سمَّى ذلك مزمور الشيطان، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قوله ، وإنما منعه من التغليظ في الإنكار لحُسن رفقته لا سيما في يوم العيد، وقد كانت عائشة رضى الله عنها صغيرة في ذلك الوقت، ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء، وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه، وقد أخذ العلم عنها." 118(1/32)
وقال ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس119: "والظاهر من هاتين الجاريتين صغر السن لأن عائشة كانت صغيرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرب إليها الجواري فيلعبن معها - ثم ذكر بسنده عن أحمد بن حنبل أنه سئل أي شيء هذا الغناء قال غناء الركب : أتيناكم أتيناكم ثم قال ابن الجوزي 120 : أما حديث عائشة رضي الله عنها فقد سبق الكلام عليهما وبينا أنهم كانوا ينشدون الشعر وسمي بذلك غناء لنوع يثبت في الإنشاد وترجيع ومثل ذلك لا يخرج الطباع عن الاعتدال وكيف يحتج بذلك في الزمان السليم عند قلوب صافية على هذه الأصوات المطربة الواقعة في زمان كدر عند نفوس قد تملكها الهوى ما هذا إلا مغالطة للفهم أوليس قد صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد . وإنما ينبغي للمفتي أن يزن الأحوال كما ينبغي للطبيب أن يزن الزمان والسن والبلد ثم يصف على مقدار ذلك وأين الغناء بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث من غناء أمرد مستحسن بآلات مستطابة وصناعة تجذب إليها النفس وغزليات يذكر فيها الغزال والغزالة والخال . والخد والقد والاعتدال . فهل يثبت هناك طبع؟ هيهات بل ينزعج شوقا إلى المستلذ ولا يدعي أنه لا يجد ذلك إلا كاذب أو خارج عن حد الآدمية - إلى أن قال : وقد أجاب أبو الطيب الطبري عن هذا الحديث بجواب آخر - فأخبرنا أبو القاسم الجريري عنه أنه قال : هذا الحديث حجتنا ... إلخ (قد سبق بيانه) ." أ.هـ .(1/33)
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم121 قال القاضي : "إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه إنما هو رفع الصوت بالإنشاد ولهذا قالت وليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل الغناء فيه الزنا وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا والعرب تسمي الإنشاد غناء."
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري122 : "واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب ( يعني حديث غناء الجاريتين ) على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها : ( وليستا بمغنيتين ) فنفت عنهما بطريق المعنى ما أثبته لهما اللفظ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه الأعراب النَّصْب بفتح النون وسكون المهملة وعلى الحداء ولا يسمى فاعله مغنيا . وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح ، قال القرطبي : قولها ( ليستا بمغنيتين ) أي ليستا ممن يعرف بالغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشتهرين به وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن - إلى أن قال : وأما التفافه صلى الله عليه وسلم بثوبه ففيه إعراض عن ذلك لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل - والله أعلم . "(1/34)
يتضح لنا من هذه النقول عن هؤلاء الأئمة في معنى هذا الحديث أنه لا يدل بوجه من الوجوه على ما ادعاه الغزالي أو غيره من المعاصرين من إباحة الغناء مطلقا والله أعلم .
الشبهة الثالثة: الاستدلال بحديث ابن عمر على إباحة الغناء مطلقاً
قال ابن حزم تعليقاً على الحديث: "لو كان المزمار حراماً سماعه لما أباح صلى الله عليه وسلم لابن عمر سماعه، ولو كان عند ابن عمر حراماً سماعه لما أباح لنافع سماعه ولأمر رضي الله عنه بكسره ولا بالسكوت عنه، فما فعل ؤضي الله عنه شيئا من ذلك، وإنما تجنب رضي الله عنه سماعه كتجنبه أكثر المباح من أكثر أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئاً..."123
الرد: ابن عمر لم يكن يستمع وإنما كان يسمع
رد على هذا الزعم شيخ الإسلام ابن تيمية124: "...فإن من الناس من يقول بتقدير صحة الحديث125 لم يأمر ابن عمر بسد أذنه، فيجاب بأن ابن عمر لم يكن يستمع، وإنما كان يسمع، وهذا الإثم فيه، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم عدل طلباً للأكمل والأفضل، كمن اجتاز بطريق فسمع قوماًيتكلمون بكلام محرم فسد أذنه كيلا يسمعه، فهذا حسن، ولو لم يسد أذنه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرب ديني لايندفع إلا بالسد."
جاء في رسالة في السماع والرقص لابن محمد المنجي الحنبلي رحمه الله: "...والأمر والنهى إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية، فإنه يتعلق بقصد الرؤية لأنها يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب إنما يُنهى المُحْرِم عن قصد الشم...وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع والبصر والشم والذوق واللمس إنما يتعلق الأمر والنهي في ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل..."126
…علق على هذا الدكتور طارق الطواري في رسالته قائلاً: "هذا أفقه دقيق يزيل الاشكال فتأمله."(1/35)
…وجاء في عون المعبود "وتقرير الراعي لايدل على إباحته، لأنها قضية عين، فلعله سمعه بلا رؤية ، أو بعيداً منه على رأس جبل، أو مكان لايمكن الوصوف إليه ، أو لعلَ الراعي لم يكن مكلفاً، فلم يتعيّن الإنكار عليه."
…وقال ابن الجوزي رحمه الله127: "إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لايخرج على الاعتدال، فكيف بغناء أهل الزمان وزمورهم ؟!"
الشبهة الرابعة: إباحة الغناء والمعازف ثبت عن الصحابة
قال القرضاوي في فتواه: "وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم استمعوا الغناء ولم يروا بسماعه بأسا ."
…الرد: والدعاوى إذا لم يقيموا بينات *** عليها أهلها أدعياء
إن من يرون إباحة الغناء مطلقاً من السابقين أمثال ابن حزمٍ أو من المعاصرين مثل الدكتور يوسف القرضاوي قد استدلوا بآثار موقوفة عن جمع من الصحابة (في زعمهم) أباحوا الغناء. وهذا تناقض غريب أن يبحث وينقب المحللون للغناء خلف البخاري ثم يطعنوا في حديثه ويروا اضطرابه سنداً ومتناً ولا نجد مثل هذا الجهد في تخريج الأثار التي استدلوا بها عن جمع من الصحابة أنهم أباحوا الغناء. والأحرى أن يفعلوا هذا مع من هو دون البخاري في العلم! وأناشد الدكتور يوسف القرضاوي أن يخرج إسناد تلك المرويات المذكورة في فتواه مع بيان صحتها. واذكر بما أخرجه مسلم عن عبد الله بن المبارك أنه قال: إن الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وحسبي ما قاله العلامة الفوزان في كتابه الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام: "هذا دعوى منه (أى الدكتور القرضاوي) ونحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم."
الشبهة الخامسة: رد تفسير ابن مسعود للهو الحديث أنه الغناء(1/36)
وقال ابن حزم في كتابه المحلي معلقاً على من احتج بقوله سبحانه وتعالى "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" الآية وقول ابن مسعود رضي الله عنه بأن لهو الحديث هو الغناء: "لا حجة في هذا لوجوه: أحدهما أنه لا حجة لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين. والثالث أن نص الآية يبطل احتجاجهم، لأن الآية بها وصف "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، ويتخذها هزوًا" وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، ولو أن امرءاً اشترى مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوًا لكان كافرًا، فهذا هو الذي ذمه الله تعالى، وما ذم قط عز وجل من اشترى لهو الحديث ليتلهى به، ويروح نفسه، لا ليضل عن سبيل الله تعالى."
الرد - الوجه الأول: مذهب جمهور أهل العلم قبول قول الصحابي
إن تقديم تفسير الصحابة (كعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنهما) علىفهم ابن حزم لمدلول الآية لاشك أنه الأحرى والأصوب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى128: "وكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين، ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ."
تكلم الحاكم في مستدركه عن تفسير الصحابي قائلاً: "ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند." قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان معلقاً على كلام الحاكم: "وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير مَن بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد الله من كتابه، فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول علماً وعملاً، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل."(1/37)
وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وإلا أنا أعلم فيما نزلت، و لو أعلم أن أحداً أعلم بكتاب الله مني تناله المطي لأتيته."
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين: "وأئمة الإسلام كلهم على قبول قول الصحابي."129 والمراد بقول الصحابي: هو ما ثبت عن أحد من الصحابة - ولم تكن فيه مخالفة صريحة لدليل شرعي- من رأي أو فتوى أو فعل أو عمل اجتهادي في أمر من أمور الدين. وتسمى هذه المسألة عند الأصوليين بأسماء منها: قول الصحابي أو فتواه أو تقليد الصحابي أو مذهب الصحابي. بل ذهب الشاطبي رحمه الله إلى أن السنة تطلق على ما عمل عليه الصحابة، وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد، لكونه اتباعاً لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهاداً مجتمعاً عليه منهم أو من خلفائهم.
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "فأما ما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يُعمل به، قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز - رضى الله عنه - خذوا من الرأي ما يوافق من كان قبلكم فإنهم كانوا أعلم منكم..."130
وإن معاني ومقاصد القرآن تجتمع معرفتها لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو أيسر لمعرفة مراد الله ورسوله.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمتابعة الآثار فيها الاعتدال والائتلاف والتوسط الذي هو أفضل الأمور."131 وقال أيضا: "كما أن اعتبار النصوص من غير اعتماد على الفهم الوارد عن السلف فهي مؤدية الى التعارض والاختلاف.."132
ويتبين لنا من خلال الروايات المذكورة عن أبي بكر، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم أن هناك جمعٌ من الصحابة على قول ابن مسعود، أى أنه لم ينفرد بهذا التفسير وحده دون الباقي.
الوجه الثاني: المغنيين لهم نصيب وحصة من الذم(1/38)
وضح ابن القيم رحمه الله أن المغنيين وإن لم يقعوا في الكفر فلهم نصيب وحصة من الذم المذكور في الآية.. قائلاً: "ولا تعارض بين تفسير لهو الحديث بالغناء وتفسيره بأخبار الأعاجم وملوكهم وملوك الروم ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث يحدث به أهل مكة يشغلهم به عن القرآن، وكلاهما لهو الحديث، ولهذا قال ابن عباس: لهو الحديث الباطل والغناء، فمن الصحابة من ذكر هذا ومنهم من ذكر الآخر ومنهم من جمعهما، والغناء أشد لهوا وأعظم ضررا من أحاديث الملوك وأخبارهم فإنه رقية الزنا ومنبت النفاق وشرك الشيطان وخمرة العقل، وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه، فإن الآيات تضمنت ذم استبدال لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا، وإذا يتلى عليه القرآن ولى مدبرا كأن لم يسمعه كأن في أذنيه وقراً، هو الثقل والصمم، وإذا علم منه شيئا استهزأ به، فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا وإن وقع بعضه للمغنين ومستمعيهم فلهم حصة ونصيب من هذا الذم."
الشبهة السادسة: المسألة ترجع إلى نية الإنسان
وفى المحلى133 لابن حزم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى) فمن نوى استماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شىء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها..وقعوده على باب داره متفرجا."
الرد: الأمر لا يتعلق بالنية(1/39)
سماع الغناء لا يتعلق بالنية لما تؤول إليه من مفاسد عدة، فإن تحريم الغناء بالمعازف من تمام حكمة الشارع.. فالشرع يحرم ما يشتمل على المفاسد وما هو وسيلة وذريعة إليها. فاحتجاج ابن حزم بهذا بمنزلة من يرى النظر إلى الأجنبية واستماع صوتها بحسن النية جائز، أو الخلوة بالمرأة جائز وغيرها. والمحرمات في الشريعة قسمان: قسم حرم لما فيه من المفسدة، وقسم حرم لأنه ذريعة إلى ما اشتمل على المفسدة.. وقد صدق ابن القيم134 عندما قال: "أنك لاتجد أحداً اعتنى بالغناء وسماع آلاته، إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى، علماً وعملاً، وفيه رغبةً عن إستماع القرآن إلى إستماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرأن ..."
قال الإمام المنبجي في رسالته135: "القاعدة الثالثة: إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء، هل هو الإباحة أو التحريم فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته، فإن كان مشتملاً على مفسدة راجحة ظاهرة، فإنه يستحيل على الشارع، الأمر به أو إباحته، بل يقطع أن الشرع يحرمه لا سيما إذا كان طريقه مفضياً إلى مايبغضه الله ورسوله..."136
خاتمة الرد على من أباح الغناء(1/40)
أعلم أخي في الله: كون ابن حزم أو غيره يبيح أمراً جاء النص الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريمه لا ينفعك عند الله. فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التعصب للآراء واتباع الأهواء، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبغض الرجال إلى الله الألّد الخِصّم."137 والألّد الخِصّم هو الذي كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر. وقال سليمان التيمي رحمه الله: لو أخذت برخصة كل عالم، أو زلة كل عالم، اجتمع فيك الشر كله. وقال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام. ويقول الإمام الشافعي رحمه الله فيما أخرجه عنه البيهقى في المعرفة بإسناد صحيح: "أجمع المسلمين على أن مَن استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز له أن يدَّعها لقول أحدٍ كائناً مَن كان." ومثل ما قاله اشتهر عند المتأخرين من علماء الأصول إذ قالوا: "إذا ورد الأثر بطل النظر"، "لا اجتهاد في مورد النص" ومستندهم في ذلك الكتاب الكريم، والسنة المطهرة. وقد قال الله جل وعلا: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا."138 وقال أيضاً: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ."139 ولله در القائل:
العلم قال الله قال رسوله…إن صح…… والإجماع فاجهد فيه…
وحذار من نصب الخلاف جهالة…… بين الرسول وبين رأي فقيه
حكم الأناشيد الإسلامية140
من المعروف أن الغناء ليس نوعاً واحداً، بل أنواع مختلفة ومتباينة بحسب المقصد والطريقة، وإن كان معنى الغناء هو رفع الصوت وموالاته عند العرب، إلا أنه أخذ أشكالاً عديدة، وأنواعاً كثيرة بعد ذلك. من بينها:
أولاً: الحداء(1/41)
قال الجوهري141: "الحَدْوُ: سوق الإبل، والغناء لها. وفي معناه أشعار الحداء في طريق مكة كقول قائلهم: …بشرها دليلُها وقالا ... غداً تَرَين الطلح والجبالا. وهذا لا خلاف بين العلماء في إباحته، كما حكى الحافظ ابن عبدالبر وغيره. قال ابن عبدالبر : " لاخلاف في إباحة الحُداء واستماعه ، ومن أوهمكلامه نقل خلاف فيه ، فهو شاذ أو مؤول على حاله يُخشى منها شيء غير لائق."142
ثانياً: النصب
جاء في اللسان143: "النصب ضرب من أغاني الإعراب، ويسمى أيضا غناء الركبان، وهو غناء لهم يشبه الحداء ، إلا أنه أرق منه." وعرفه بعض الفقهاء بأنه ضربُ من النشيد بصوت فيه تمطيط.144 وهذا النوع يشبه الحداء، إلا أنه أرق منه، فيأخذ نفس الحكم، وأصل ذلك ما روي عن أنس رضي الله عنه في قصة حفر الخندق، قال: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بنا من النصب والجوع قال: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة. فقالوا مجيبين: نحن الذين بايعوا محمدا، على الجهاد ما بقينا أبدا"145
وقد ذكر ابن الجوزي بعض أنواع الغناء المباح146، فقال: "...منها غناء الحجيج في الطرقات، فإنَّ أقواماً من الأعاجم يقدمون للحج فينشدون في الطرقات أشعاراً يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام، وفي معنى هؤلاء: الغزاة، فإنهم ينشدون أشعاراً يحرِّضون بها على الغزو، وفي معنى هذا إنشاء المبارزين للقتال للأشعار تفاخراً عند النزال..."
ومن ذلك أشعار يُنشدها المتزهدون بتطريب وتلحين تزعج القلوب إلى ذكر الآخرة ويسمونها (الزهديات) كقول بعضهم:
ياغاديا في غفلة دائما إلى متى تستحسن القبائحا
وكم وإلى كم لاتخاف موقفا يستنطق الله به الجوارحا
ثم روى ابن الجوزي بسنده عن أبي حامد الخلقاني أنه قال:
إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني ؟!(1/42)
فقال: أعد علىَّ، فأعدت عليه، فقام ودخل بيته، وردَّ الباب، فسمعت نحيبه من داخل البيت وهو يقول : إذا ماقال لي ربي...إلخ
ضابط الغناء المحرم:
قال الحافظ عبدالرحمن بن رجب الحنبلي147: "إن يقع على وجه اللعب واللهو فأكثر العلماء على تحريم ذلك148، أعني سماع وسماعآلات الملاهي كلها...(ثم قال) والمراد بالغناء المحرم: ماكان من الشعر الرقيق الذي فيه: تشبيب بالنساء ونحوه، مما توصف فيه محاسن في تهيج الطباع بسماع وصف محاسنه، فهذا هو الغناء عنه، وبذلك فسره الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمة (ثم قال) فهذا الشعر إذا لُحِّنْ، وأخرج بتلحينه على وجه: يُزعج القلوب ويخرجها عن الاعتدال ويحرك الهوى الكامن المحبول في طباع البشر فهو الغناء المنهي عنه، فإن أنشد هذا الشعر على غير وجه التلحين، فإن كان محركاً للهوى بنفسه فهو محرم أيضا، لتحريكه الهوى، وإن لم يسمَّ غناء فأما مالم يكن فيه شيء من ذلك فإنه ليس بمحرم، وإن سمى غناء..."
وقال الإمام الشاطبي في الاعتصام بعد أن أشار إلى حديث أنجشة: "وهذا حسن، لكن العرب لم يكن لها من تحسين النغمات مايجري مجرى ما الناس عليه اليوم. بل كانوا ينشدون الشعر مطلقاً، ومن غير أن يتعلموا هذه الترجيحات التي حدثت بعدهم، بل كانوا يرققون الصوت ويمَطِّطُونَهُ على وجه يليق بأمِيَّة العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى، فلم يكن فيه إلذاذ ولا إطراب يلهي، وإنما كان لهم شيء من النشاط، كما كان عبدالله بن رواحة يحدو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان الأنصار يقولون عند حفر الخندق: نحن الذين بايعوا محمداً...على الجهاد ماحيينا أبدا..."
حكم النشيد الإسلامي:
من خلال هذا البحث وما تضمنه من أقوال لأهل العلم فيما يجوز التغني به من الشعر وما لايجوز، والضابط في ذلك مستصحباً ما استطعنا من نقولات تقربنا إلى فهم ماهية الغناء، يمكننا أن نستخلص مايلي في حكم الأناشيد الإسلامية:(1/43)
لاشك أن ماهو مشاع في أيامنا هذه من تكوين فرق خاصة لإنشاد أشعار إسلامية تبعث فيها روح الجهاد والتضحية وغيرها من المعاني الإسلامية في نفوس المسلمين بألحان الأغاني الماجنة - في كثير من الأحيان - وعلى القوانين الموسيقية، وبنغمات شرقية أو حتى غربية، تحتاج منا وقفة لألقاء الضوء عليها من خلال النصوص الصحيحة وأقوال أهل العلم فيها:
أولاً: الأصل في إنشاد الأشعار، الجواز كما دلت عليه النصوص من السنة الصحيحة149، وقد سبق وأن أوردنا بعضاً منها، ولكن هل الجواز هنا على الإطلاق أم فيه قيود وضوابط يجب مراعاتها، لاشك من خلال تتبعنا للنصوص وأقوال أهل العلم وجدنا أن الجواز ليس على إطلاقه.
…ضوابط الأناشيد الإسلامية:
1. ألا يكون من الشعر الرقيق الذي فيه تشبيه بالنساء ونحوه.
أخرج ابن أبي شيبة بسند حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منحرفين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم، وينكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم عن شيء من دينه دارت حماليق عينه."150
……2. ألا يكون فيه محاسن من تهيج الطباع بسماع وصف محاسنه.
……3. أن يخلو من ألحان الأغاني الماجنة التي تطرب السامعين وترقصهم.
……4. ألا يطغى على سماع القرآن فيما يسبب هجر القرآن، لقوله تعالى: "وقَالَ الْرَسُولُ يارَبِ إنَ قَوْمِي إِتْخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً"
……5. ألا يكون المقصود هو اللحن والطرب، وليس النشيد بالذات.
……6. ألا يصاحبه موسيقى أو معازف إلا الدف151 وللنساء فقط.
……7. يجوز للنساء الضرب بالدف في المناسبات والأفراح المشروعة فقط152، بما فيها قدوم الغائب.153
……8. أن يكون القصد من الإنشاد مشروعا كتنشيط على العمل الشاق، أو لكلال النفوس، أو المنافحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الإسلام وعن أهله، أو يبعث في نفوس الناس روح الجهاد والتضحية وغيرها.(1/44)
……9. ألا يضيع فرضاً، أو ينهي عن معروف.
…
كيفية التخلص سماع من الأغاني
ربما يكون لسان حال بعضكم: "كيف أتخلص من سماع الأغاني؟ فأنا قد اعتدت سماعها.." إليك أخي الكريم هذه الخطوات المنهجية التي إن شاء الله جل وعلا تعينك على البعد عن اللغو واللهو، وتسهل عليك الإقبال على التوبة والإنابة، وطريق الحق والاستقامة:
أولاً: التوبة النصوحة والإنابة إلى الله عز وجل. روى ابن حبان وأحمد عن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ"154. وشروط التوبة كالأتي:
(1) الإخلاص. قال الله تبارك وتعالى: "إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا"155
(?) الندم على ما فات. قال صلى الله عليه وسلم: "الندم توبة، و التائب من الذنب كمن لا ذنب له"156
(3) العزم على عدم العودة. "وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ"157(1/45)
(4) إرجاع حقوق العباد ورد المظالم إلى أهلها أو تحللهم منها إذا كانت المعصية مظلمة في دم أو مال أو عرض، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء، فليتحلله منه اليوم، من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح ؛ أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات ؛ أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه."158 وإذا لم يتيسر استحلال أخيه من عرضه دعا له كثيرا وذكره بأحسن أعماله التي يعلمها عنه في المواضع التي اغتابه فيها، فإن الحسنات تكفر السيئات.
…ثانياً: التخلص من جميع شرائط الأغاني التي في حوزتك.. أو استغلالها لتسجيل المواد النافعة.
…ثالثاً: أن يستشعر الإنسان قبح ذنبه وضرره في الدنيا والآخرة. وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل. وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء والفوائد أضراراً كثيرة للذنوب منها: "حرمان العلم، والوحشة في القلب، وتعسير الأمور، ووهن البدن، وحرمان الطاعة، ومحق البركة، وقلة التوفيق، وضيق الصدر، وتولد السيئات، واعتياد الذنوب، وهوان المذنب على الله، وهوانه على الناس، ولعنة البهائم له، ولباس الذل، والطبع على القلب، ومنع إجابة الدعاء، وانعدام الغيرة، وذهاب الحياء، وزوال النعم، ونزول النقم، والرعب في القلب، والوقوع في أسر الشيطان، وسوء الخاتمة، وعذاب القبر والآخرة". فعندما يوسوس لك الشيطان الذنوب تذكر عقاب الله، وقبح المعاصي، وما لديها من عواقب وأثار مخزية.
…رابعاً: المواظبة على الفرائض، والمداومة على ذكر الله تعالى؛ لذلك قال الحسن البصري رحمه الله: القلوب..القلوب، إن القلوب تموت وتحيا، فإذا ماتت: فاحملوها على الفرائض، فإذا هي أحييت:
فأدبوها بالتطوع. وأن تشغل نفسك بكل ما هو مفيد، فإن لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل.(1/46)
…خامساً: الابتعاد عن مكان المعصية، وإيجاد الرفقة الصالحة: روى مسلم عن أبي سعيد في حديث قاتل المائة: "..ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.."159
سادساً: كثرة الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل. وأوصيك أخي بما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه فى الحديث الصحيح: "يا معاذ! والله إني لأحبك. قال له معاذ: بأبي أنت وأمي يارسول الله! وأنا والله أحبك. قال: أوصيك يا معاذ ألا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك. وأوصى بذلك معاذا الصنابحي، وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن، وأوصى به عبد الرحمن عقبة بن مسلم."160 فتأمل هذه الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم لحبيبٍ من أحبابه رضي الله عنه كيف أرشده إلى طلب المعونة من الله في أداء العبادة؛ لأن الإنسان إن حرم العون من الله فإنه محروم:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
…سابعاً: عليك أن تشغل نفسك بما ينفعك في دينك ودنياك وأن تكثر من الأعمال الصالحة، فإن النفس إذا لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. روى أحمد والترمذي عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن."161(1/47)
ثامناً: أن تختار من الرفقاء الصالحين من يعينك على نفسك ويكون بديلاً عن رفقاء السوء، قال صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل."162 وقال سبحانه و تعالى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً."163 ورحم الله من قال:
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِب خِيارَهم ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الرَّدِي
عن المرءِ لا تَسَلْ وسَلْ عن قرينهِ فكلُّ قرينٍ بالمقارَن يقتدِي
تاسعاً: احرص على حلق ومجالس العلم واملأ وقتك بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديك فراغاً ليذكرك بالمعاصي. قال عليه الصلاة والسلام: "مثل الجليس الصالح كصاحب المسك إما أن يحذيك - أي يهديك هدية - وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة"164
…عاشراً: المدوامة على قرأة القرآن يومياً خصوصا قراءة الآيات المخوفة للمذنبين. قال الله سبحانه وتعالى: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ."165(1/48)
…وإذا استهزأ بك أحدهم أو انتهرك على تركك سماع الاغاني فلا ترد عليه وقل: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ"166، واشغل لسانك بذكر الله حال مخاطبته لك، وقل له إذا انتهى من كلامه "هداك الله" فإن هذه الكلمة تؤنب نفسه واحرص على ما ينفعك ولا تخوض فى جدالات لا تفيد و لا تنفع.. وإن كان أحد والديك مِن مَن يستمع الأغاني وضح لهما حُكمها بكلمات مهذبة، وضع لهما نصائح رقيقة في أماكن جلوسهما وأخبرهما أنك متضايق من هذه الأغاني لأنها تشعرك بأنك بعيد عنهما..وأرجوك ألا تكون غليظ فى حوارك معهم بل كن رفيقاً شفيقاً ولا تنسي أن تدعوا الله أن يهديهما، قال الله عز وجل: "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ."167
واهدي إليك كلام من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الطريقة المُثلى لإنكار المنكر:
سُئل رحمه الله: نلاحظ كثيراً من الشباب المتحمس لإنكار المنكر، ولكنهم لا يحسنون الإنكار.. فما هي نصيحتكم وتوجيهاتكم لهؤلاء..وما هي الطريقة المثلى في إنكار المنكر؟
الجواب: نصيحتي لهم أن يتثبتوا في الأمر، وأن يتعلموا أولا حتى يتيقنوا أن هذا الأمر معروف أو منكر، بالدليل الشرعي، حتى يكون إنكارهم على بصيرة لقول الله عز وجل: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(1/49)
مع نصيحتي لهم بأن يكون الإنكار بالرفق والكلام الطيب والأسلوب الحسن، حتى يقبل منهم، وحتى يصلحوا أكثر مما يفسدون، لقول الله عز وجل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقول الله عز وجل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه) والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة.
ومما ينبغي للداعي إلى الله، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون من أسبق الناس إلى ما يأمر به، ومن أبعد الناس عما ينهي عنه، حتى لا يتشبه بالذين ذمهم الله بقوله سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) وحتى يتأسى به في ذلك، وينتفع الناس بقوله وعمله.. والله ولي التوفيق. أ.هـ
نصائح
…كلام للإمام ابن القيم رحمه الله:
…"اعلم أن للغناء خواصَّ لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء. فمن خواصه: أنه يُلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن الغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبداً لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغيّ، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيِّج النفوس إلى شهوات الغيّ فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصْل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبانٍ، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان..إلخ"(1/50)
…قال بقية السلف عبدالرحيم الطحان في محاضرة الغناء:
"ولا يزال في الحياة مفاسد مادام الغناء منتشراً فالاصابة به أعظم بكثير من الإصابة بسائر الأمراض الخبيثة من سكر ومخدر، أو غير ذلك لأن كل ذلك ليزول إذا فطمت النفس عن الغناء، ولذا تقدم تحريمه بمكة على الحدود التي شرعت في المدينة، وقبل أن تفرض الفرائض من زكاة وصلاة وحج ليبنى القلب على الطهارة والفضيلة من البداية."
…نصيحة العلامة ابن باز رحمه الله تعالى:
نصيحتي لجميع الرجال والنساء عدم استماع الأغاني، فالأغاني خطرها عظيم وقد بلي الناس بها في الإذاعات والتلفاز وفي أشياء كثيرة كالأشرطة وهذا من البلاء، فالواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء أن يحذروا شرها، وأن يعتاضوا عنها بسماع ما ينفعهم من كلام الله عز وجل، ومن كلام رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن كلام أهل العلم الموفقين في أحاديثهم الدينية وندواتهم ومقالاتهم، كل ذلك ينفعهم في الدنيا والآخرة.(1/51)
أما الأغاني فشرها عظيم وربما سببت للمؤمن انحرافا عن دينه والمؤمنة كذلك، وربما أنبتت النفاق في القلب، ومن ذلك كراهة الخير وحب الشر؛ لأن النفاق هو كراهة الخير وحب الشر، وإظهار الإسلام وإبطان سواه، فالنفاق خطره عظيم فالأغاني في تدعو إليه، فإن من اعتادها ربما كره سماع القرآن وسماع النصائح والأحاديث النافعة وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وربما جرته إلى حب الفحش والفساد وارتياد الفواحش والرغبة فيها، والتحدث مع أهلها والميل إليهم، فالواجب على أهل الإيمان من الرجال والنساء الحذر من شرها، يقول الله عز وجل في كتابه العظيم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
يقول علماء التفسير: إن لهو الحديث هو الغناء ويلحق بها كل صوت منكر كالمزامير وآلات الملاهي، هكذا قال أكثر علماء التفسير رحمة الله عليهم.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والله الغناء" وكان يقسم على ذلك ويقول: "إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" يعني الزرع، ومعنى ذلك: أنه يسبب للإنسان كراهة الخير وحب الشر، وكراهة سماع الذكر والقرآن ونحو ذلك، وحب الأغاني والملاهي وأشباه ذلك، وهذا نوع من النفاق.(1/52)
لأن المنافق يتظاهر بالإسلام وكراهة الباطل، يتظاهر أنه مؤمن وهو في الباطن ليس كذلك، يتظاهر بحب القرآن وهو في الباطن ليس كذلك، فالأغاني تدعو إلى ذلك، تدعو إلى كراهة سماع القرآن والاستماع له، وتدعو إلى كراهة سماع الذكر والدعوة إلى الله وتدعو أهلها إلى خلاف ذلك، وإلى حب المجون وحب الباطل وحب الكلام السيئ وحب الكلام بالفحش والفسوق ونحو ذلك، مما يسببه الغناء، ومما يجر إلى انحراف القلوب ومحبتها لما حرم الله وكراهتها لما شرع الله سبحانه وتعالى، وهذا واضح لكل من جرب ذلك، فإن من جرب ذلك وعرف ذلك يعلم هذا وهكذا الذين عرفوا أصحاب الغناء، وعرفوا أحوالهم وما يظهر عليهم من الانحراف والفساد بسبب حبهم للغناء وما فيه من شر عظيم وفساد كبير لمن اعتاد ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله." انتهى
خاتمة
أيها المسلمون: عجبًا من أمة تغني طربًا في حين أنها أمة مثخنة بالجراح والدماء، مثقلة بتلال الجثث والأشلاء، يُنال من كرامتها وعزتها، ويُعتدى على أرضها وعرضها ومقدساتها في الصباح والمساء.. تغني طربًا وكأن لم يكن حروب شديدة، ووقائع مبيدة، وقتال مستعر، وأمم من المسلمين تحتضر، نعوذ بالله من موت القلوب وطمس البصائر.
إخوتي في الله: نزهوا أنفسكم وأسماعكم عن اللهو ومزامير الشيطان، وأحلّوها رياض الجنان، حِلّق القرآن، وحلق مُدارسة سنة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، تنالوا ثمرتها، إرشادًا من غي، وبصيرة من عُمي، وحثًا على تقى، وبُعدًا عن هوى، وحَياةَ القلب، ودواء وشفاء، ونجاة وبرهانًا، وكونوا ممن قال الله فيهم: "وَ?لَّذِينَ هُمْ عَنِ ?للَّغْوِ مُّعْرِضُونَ"168 ويحضرني قول الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
يا نفس أنى تؤفكينَ ؟ حتى متى لا ترعوينَ
حتى متى، لا تعقلينا وتسمعينا وتبصرينا؟
يا نفس إن لم تصلحي فتشبهي بالصالحينا(1/53)
ختاماً.. فهذا ما قد تيسر لي جمعه، وأرجو أن أكون قد وافيت هذه المسألة حقها وبيان تفاصيلها. "رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ. رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ."169 وفق الله المسلمين للتمسك بدينهم والبصيرة في أمرهم.. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
جمعه ورتبه حامداً ومصلياً.. الفقير إلى عفو اللطيف الخبير
أحمد بن حسين الأزهري
غفر الله له ولوالديه
الفهرس
المقدمة..............................................................2
مدخل البحث.......................................................3
أدلة التحريم من القرآن الكريم.......................................6
أدلة التحريم من السنة النبوية......................................10
بعض الموقوفات الصحيحة.........................................14
أقوال أئمة أهل العلم ومسألة الإجماع..............................15
الرد على من أباح الغناء...........................................24
حكم الأناشيد الإسلامية...........................................42
كيفية التخلص من سماع الأغاني....................................46
نصائح............................................................51
خاتمة البحث......................................................53
1 سورة هود: ??
سورة الأحزاب: 362
3 بحث أحاديث المعازف حجيتها وأثرها في الفقه الإسلامي، إعداد الدكتور طارق الطواري والدكتور جاسم الدمخي، بتصرف بسيط
4 أصل هذا الكلام لابن الجوزي في تليس إبليس(1/54)
5 يقسم العلماء الشعر المباح إلى خمسة أقسام أولها: شعر في وصف الكون وخلق الله. ثانيها: شعر الحجيج تشويقاً للقاء البيت الحرام. ثالثها: شعر الزهد والفضائل. رابعها: أشعار العرس الخالية من البذاءة. خامسها: أشعار الجهاد والغزاة لتقوية النفس على لقاء العدو.
وأما الشعر الغير مباح فهو على أقسام خمسة كذلك: أولها: أشعار النياحة على الأموات، وهو مصحوب بالتسخط على الأقدار، ثانيها: أشعار السب والهجاء. ثالثها: أشعار المدح والفخر، وهو محرم، مثل شعر السب والهجاء مالم يكن بحق ومصلحة. رابعها: الأشعار الشركية التي يشبه بها المخلوق بالخالق. خامسها: أشعار التغني والفحش ووصف النساء. وهذا له حكم خاص به، وإن صحبته آلات من آلات اللهو صار له حكم آخر. ولذا كان لابد من تعريف الغناء منفرداً وآلات اللهو منفردة.
6 لسان العرب: 6/3309
7 لسان العرب: 6/3310
8 المصباح المنير: 2/109 بتصرف يسير
9 انظر الفتح: 2/442
10 انظر الفتح: 3/392
11 البخاري في التوحيد: رقم 6973/ أبو داود: الصلاة: رقم 1257، وأحمد: 1396
12 البخاري: التوحيد، والنسائي في الافتتاح: رقم 1005، وأبو داود في الصلاة : رقم 1256 ، وأحمد في المسند : رقم 17955 ، والدارمي في فضائل القرآن : رقم 3364
13 البخاري في فضائل القرآن: رقم 4660، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها: رقم 1321، والنسائي في الافتتاح: رقم 1009
14 مسألة السماع والرقص، تحقيق عبدالحميد شانوفة : ص 30
15 سورة لقمان: 6
16 تفسير الطبري 21/40
17 تفسير القرآن العظيم لابن كثير 6/145
18 صحيح، صححه العلامة الألباني رحمه الله في تحريم آلات الطرب (ص 143) (ط. مكتبة الدليل)
19 صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عن هذه الآية: "نزلت في الغناء وأشباهه"
20 تفسير القرطبي 14/55-56(1/55)
21 هو أبو الحسن الواحدي صاحب "البسيط" في التفسير. وقد قيل للغزالي: لم لا تصنف في التفسير؟ فقال: يكفي ماصنف فيه شيخنا الإمام أبو الحسن الواحدي. ومدحه القفطي فقال: "وصنف التفسير الكبير، وسماه البسيط، وأكثر فيه من الشواهد واللغة، ومن رآه علم مقدار ماعنده من العربية." ومع أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نقد تفاسير الواحدي وشيخه الثعلبي، إلا أنه قال: "وتفسيره -يعني الثعلبي- وتفسير الواحدي -البسيط والوسيط والوجيز- فيها فوائد جليلة."
22 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن القيم الجوزية / الجزء اللأول ص257، فصل: الاسم الأول: اللهو، ولهو الحديث. طبعة دار التراث - القاهرة. تحقيق محمد سيد كيلاني.
23 هو محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي، شهاب الدين، أبو الثناء أديب من المجددين، من أهل بغداد، صاحب كتاب "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني"
24 سورة الإسراء: 64
25 سورة الفرقان: 72
26 سورة النجم: 59-60
27 تفسير الطبري
28 هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري معلقاً برقم 5590، قال رحمه الله: وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثنا عبدالرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري ـ والله ماكذبني ـ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني 91
29 فتح الباري 10/55
30 المجموع 11/577
31 فتح الباري 10/55
32 السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 (بتصرف بسيط)
33 المجموع 11/577
34 المعجم الوسيط
35 فتح الباري 10/55
36 رسالة في أحكام الغناء - تحقيق محمد حامد الفقي - وفي إغاثة اللهفان : ص 392(1/56)
37 الحديث رواه الترمذي في سننه رقم (1005) من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر رضي الله عنه . قال الترمذي : هذا الحديث حسن وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/43) والبيهقي في السنن الكبرى (4/69) والطيالسي في المسند رقم (1683) والطحاوي في شرح المعاني (4/29) وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (5194).
38 أخرجه الحاكم ( 4/40 ) والبيهقي (4/69)، وأبي أبي الدنيا في "ذم الملاهي"( ق 159/ ظاهريّة). والبغويّ في"شرح السنة "(5/430ـ431) والطيالسي في مسنده 1683
39 1/292ـ293
40 إسناده حسن، السلسلة الصحيحة 427
41 صحيح بمجموع طرقه، السلسلة الصحيحة 2203
42 صحيح، صحيح الجامع 1708
43 حديث صحيح، صحيح أبي داوود 4116
44 صحيح، صحيح الجامع 6914
45 أى ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل أو تقرير.
46 أخرجه البيهقي في السنن1/411، وشعب الإيمان2/191، وابن الجوزي في تلبس إبليس.وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه ابن القيِّم.
47 أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1265) والبيهقي في السنن (10/221،223) من طرق عنه، وابن أبي شيبة (6/310)
48 أخرجه ابن أبي الدنيا قال حدثني عبيد الله بن عمرو وأبو خيثمة، قالا: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر قال حدثني نافع أن ابن عمر فذكره
49 أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (784)، والبيهقي في "السنن"(10/223) من طريق عبدالعزيز الماجشون عن عبدالله بن دينار قال: "مرَّ ابن عمر.." رجاله كلهم ثقات، رجال الصحيح فالاسناد صحيح.
50 أى ختن
51 أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1247)، والبيهقي (10/223-224) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه أن أم علقمة مولاة عائشة أخبرته أن بنات أخي عائشة فذكرته..وهذا الإسناد صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح.(1/57)
52 روي مرفوعا ولا يصح، وروي موقوفاً من طرق أصحها: رواية ابن أبي الدنيا وغيره من طريق حماد عن إبراهيم قال: قال عبدالله فذكره، وإسناده جيد قوي.
53 السلسلة الصحيحة 1/145
54 المجموع 11/576
55 حاشية الجمل : 5/380 ط. إحياء التراث ، حاشية ابن عابدين : 5/253، 4/384، حاشية الدسوقي 4/166، والمغني: 9/175، عمدة القاري : 6/271 ط. المنيرية، بدائع الصنائع: 6/2972، وأسنى المطال: 4/344، وإحياء علوم الدين: 2/282
56 وجزم به مؤيد زادة في الفتاوي والزيلعي في تبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق، وصاحب الفتاوي الهندية، و السفاريني في غذاء الألباب
57 ابن القيم، رسالة في أحكام الغناء: ص6
58 نفس المرجع
59 6/269
60 ذكر ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " ص 244 بالسند الصحيح عن إسحاق بن عيسى الطباع ـ ثقة من رجال مسلم
61 حكم الإسلام في الموسيقى والغناء : أبو بكر الجزائري ، وانظر نيل الأوطار : 8/104
62 الجامع للقيرواني 262
63 انظر الكافي
64 نقلا من كتاب تحريم النرد والشطرنج والملاهي للآجري : ص 121
65 نقله ابن رجب في نزهة الأسماع
66 فتاوي ابن تيمية: 11/577
67 رسالة في أحكام الغناء لابن القيم : ص 6
68 كتاب تحريم الزد والشطرنج والملاهي للآجري
69 الجامع لأحكام القرآن
70 رسالة في أحكام الغناء
71 المغني 10/173
72 الكافي 3/118
73 غذاء الألباب للسفاريني
74 الجامع للقيرواني ص 262-263
75 مجموع الفتاوى 10/417
76 المصنف 5/395
77 شرح السنة 8/288
78 إغاثة اللهفان لابن القيم : ص 350
79 كف الرعاع: ص 124
80 نقلا عن نزهة الإجماع في مسألة السماع ، لابن رجب الحنبلي: ص 25
81 الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي
82 تفسير القرطبي 14/56
83 المحلى: ص 55
84 المحلى: ص 59
85 ص 218-221
86 سبق بيان مصدره
87 المحلى: ص 62
88 المحلى : 9/62
89 صحيح البخاري، بشرح عمدة القاري: 20/149
90 ابن ماجه: 1/163، والحاكم في المستدرك: 1/571(1/58)
91 صحيح، رواه البخاري، انظر الجامع الصحيح للألباني رقم 5024
92 نقل هذا الآثر ابن طاهر القيسراني، قال: حدثنا يعلى بن عباد قال: حدثنا عثمان، حدثني زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر..."
93 المحلى: 9/63
94 المحلى: 9/63
95 المحلى: 9/60
96 مجموع رسائله 1/434
97 المحلى: 9/59
98 المغني عن حمل الأسفار: 2/271
99 ص 61 -62
100 1/52
101 1/294
102 5/270
103 1/334/ 588
104 8/265/ 6719 ـ ( الإحسان )
105 هدى الساري: ص 59
106 بحث أحاديث المعازف حجيتها وأثرها في الفقه الإسلامي بتصرف
107 بحث أحاديث المعازف حجيتها وأثرها في الفقه الإسلامي
108 أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان لعبد الله بن يوسف الجُديع..بتصرف شديد
109 1/1/305
110 12/144
111 قال الترمذي في العلل الكبير (2/978 حمزة ديب، ص 394 السامرائي)
112 سير أعلام النبلاء 11/431-432
113 رسالة في أحكام الغناء لابن القيم : ص 36
114 رسالة في السماع والرقص للشيخ محمد بن محمد المنبجي : ص 27
115 حكم الإسلام في الموسيقى بالغناء: ص 54
116 مدارج السالكين 1-493
117 فتح الباري: 2/442
118 نقلاً من كتاب ابن الجوزي: 1/253 - 254
119 تلبيس إبليس ص 217
120 تلبيس إبليس ص 229
121 شرح النووى على صحيح مسلم ( 6-182)
122 2/442-443
123 المحلى : 62/9
124 السماع والرقص لشيخ الإسلام : ص 27 تحقيق عبدالحميد شانومة
125 روى أبو داوود في سننه عن نافع أنه قال: "سمع ابن عمر مزماراً، قال: فوضع أصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئاً؟ قال: فقلت: لا! قال: فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا! فصنع مثل هذا" الحديث صحيح ، أخرجه ابو داود وأحمد في المسند ، وصححه الشيخ العلامة الألباني في صحيح أبي داود (سبق ذكره)
126 عون المعبود: 4/435
127 ص247
128 2/71
129 إعلام الموقعين 4/ 123(1/59)
130 من رسالة فضل علم السلف على الخلف لابن رجب الحنبلي
131 القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية - ص49
132 الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي (3/288)
133 9/60
134 إغاثة اللهفان: 363
135 رسالة في السماع والرقص: ص 40
136 أصل هذا الكلام منقول من بحب أحاديث المعازف حجيتها وأثرها في الفقه الإسلامي
137 أخرجه البخارى ومسلم بإسناد صحيح، السلسلة الصحيحة 3970
138 سورة الحشر: ?
139 سورة النور: 63
140 نقلاً عن رسالة الدكتور الطواري بتصرف
141 الصحاح: 6/2309 - 2310بإختصار
142 كف الرعاع: ص 60
143 لسان العرب: 7/4437
144 فتح الباري: 10/559
145 رواه البخاري 3/1043، ومسلم: 3/1432
146 تلبس إبليس، ابن الجوزي : ص 237
147 نزهة للإسماع في مسألة السماع
148 بل نقل الإجماع أكثر من واحد أهل العلم كما أسلفنا
149 صح أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد سمعوا الشعر وأنشدوه واستنشدوه من غيرهم، في سفرهم وحضرهم، وفي مجالسهم وأعمالهم، بأصوات فردية كما في إنشاد حسان بن ثابت وعامر بن الأكوع وأنجشة رضي الله عنهم، وبأصوات جماعية كما في حديث وفي المجالس أيضاً.
150 مصنف ابن أبي شيبة 8/711
151 وإباحة الدف مشروط على الجواري أو النساء، كما دلت عليه السنة، أما الرجال فلا يجوز لهم ذلك، لأن فيه تشبيها بالنساء، بل كان السلف يسمون من يفعل ذلك مخنثاً ويسمون الرجال مخانيث، ذكر هذا الكلام ابن قدامة في المغني: 9/147، وكف الرعاع لابن حجر الهيثمي: 1/77، وفي الفتح لابن حجر: 9/226. فائدة: أما السماع فيباح للرجال أيضا لورود ذلك في السنة الصحيحة.(1/60)
152 روى عن عمر: أنه أجاز الضرب بالدف في النكاح والختان ،والقول بإباحته في هذه المواضع مذهب الحنفية، والمشهور في مذهب مالك ، وجزم الشافعية بإباحته في الختان، وهو قول بعض الحنابلة. انظر: حاشية ابن عابدين: 5/482، الفتاوي الهندية، الشرح الكبير: 2/301، مغني المحتاج: 4/429، المغني: 12/410
153 قال الطواري حفظه الله: "دليل الإباحة الجارية التي نذرت أن تضرب بالدف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح قياس غيرها من الأوقات، لأن إباحة الدف مستثنى من أصل عام، وهو تحريم المعازف، ولا يصح أن يكون المستثنى أصلا يقاس عليه غيره، والله تعالى أعلم"
154 صحيح، صحيح الترغيب 680
155 سورة النساء: 146
156 صحيح، صحيح الجامع للألباني 6803
157 سورة آل عمران: 135
158 صحيح، رواه البخاري، صحيح الترغيب 2222
صحيح، صحيح الجامع للألباني 2706159
160 صحيح، صحيح الترغيب للألباني 1596
161 حسن، صحيح الترغيب 3160
162 حديث حسن: صحيح أبى داوود 4046
163 سورة الكهف: 28
164 أخرجه البخاري ومسلم، السلسلة الصحيحة للألباني 3214
165 سورة الحديد: 16
سورة الأعراف: 43166
سورة آل عمران: ?59167
168 سورة المؤمنون: ?
سورة آل عمران: 193-194169
??
??
??
??
9(1/61)