الموضوع الأول : النظر وأحكامه د.طارق الطواري
1- الحديث
{2068} عن جابر بن عبد الله ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن اصرف بصري. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي.
2- العين : هي الجارحة الصغيرة المركبة من ثمانية أجزاء، وقد تدخل الإنسان الجنة وربما تدخله النار ، فتدخله الجنة إن بكت من خشية الله أو باتت تحرس في سبيل الله وتدخله النار إذا نظرت إلى الحرام.
3- العين والنظرات : والعين هي العين، إلا أنها بحركاتها قد يختلف الحكم ، فبها تنظر نظرة احتقار، وبها تنظر نظرة تعجب وبها تنظر نظرة شوق وحب وبها تنظر نظر استرحام وبها تنظر نظرة تفكر أو نظرة عطف.
4- أحاديث أخرى :
- عن أبى أمامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "اكفلوا لي ستا اكفل لكم بالجنة : .. ومنها : وغضوا أبصاركم .." رواه البغوي.
- وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"عينان لا تمسهما النار:عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله"رواه الترمذي.
- وعنه قال : أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته وكان الفضل رجلا وضيئا فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها ... الحديث . رواه البخاري
* ونهى عليه الصلاة والسلام عن النظر في الصلاة فقال : " خير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها" رواه البخاري.
- وقال صلى الله عليه وسلم لعلي: "لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة". رواه أبو داود.
- قال الأصمعي : رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة، فجعلت أنظر إليها وأملا عيني من محاسنها، فقالت لي : يا هذا ما شأنك ؟ قلت : وما عليك من النظر؟(1/1)
فأنشأت تقول :
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا……لقلبك يوما ، أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ……عليه، ولا عن بعضه أنت صابر
5- الحكمة من غض البصر :
* قال ابن القيم : "والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، وفي هذا قيل الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده".
* وقال ابن مسعود : حفظ النظر أشق من حفظ اللسان.
* وقال القرطبي : "البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طريق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله" الجامع لأحكام القرآن (12/223)
وقال أيضا : "قوله تعالى :(قل للمؤمنات) خص الله سبحانه وتعالى الإناث هنا بالخطاب على طريق التأكيد ، فإن قوله "قل للمؤمنين يكفي لأنه قول عام يتناول الذكر والأنثى من المؤمنين ، حسب كل خطاب عام في القرآن .. وبدأ بالغض قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب، كما أن الحمى رائد الموت .. فأمر سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار عما لا يحل ، فلا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة ولا المرأة إلى الرجل ، فإن علاقتها به كعلاقته بها، وقصدها منه كقصده منها" الجامع لأحكام القرآن (12/226).
ولذا جاءت آية غض البصر في سورة النور بعد آيات الزنا.
* قال القاسمي : "سر تقديم غض الأبصار على حفظ الفروج هو أن النظر بريد الزنا ورائد الشهوة". والنظر ليس محرما بذاته وإنما ما يؤول إليه لهذا قال ابن القيم :"ولما كان النظر من أقرب الوسائل إلى المحرم اقتضت الشريعة تحريمه".
* وقال ابن كثير :" ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب ، كما قال السلف: النظر سهام سم إلى القلب، لذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث لذلك" تفسير القرآن العظيم (3/374).(1/2)
* قال ابن تيمية : "قد أمر الله في كتابه بغض البصر ، وهو نوعان غض البصر عن العورة، وغضه عن الشهوة. فالأول منهما : كغض الرجل بصره عن عورة غيره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة" ويجب على الإنسان أن يستر عورته.
وأما النوع الثاني : فهو غض البصر عن الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية وهذا أشد من الأول" مجموع الفتاوى (15/414).
6- فوائد غض البصر :
قال ابن القيم في روضة المحبين /113 : "وفي غض البصر عدة فوائد
أحدها : تخليص القلب من ألم الحسرة ، فإن من أطلق نظره دامت حسرته، فاضر شئ على القلب إرسال البصر، والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي منزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم يحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل:
كل الحوادث مبدأها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها
في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته
لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه وهو لا يشعر، فهو إنما يرمي قلبه، ولي من أبيات:
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا
أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له
توقه إنه يأتيك بالعطب
الثانية : أنه يورث القلب نوراً وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه. ولهذا والله أعلم ذكر الله سبحانه آية النور في قوله تعالى :(الله نور السماوات والأرض) عقيب قوله (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) وجاء الحديث مطابقا لهذا حتى كأنه مشتق منه وهو قوله :"النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن غض بصره عن محاسن امرأة أورث الله قلبه نورا"
الثالثة : أنه يورث صحة الفراسة فإنها من النور وثمراته ، وإذا استنار القلب صحت الفراسة.(1/3)
…وقال شجاع الكرماني : من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وأكل من الحلال لم تخطئ فراسته، وكان شجاع لا تخطئ له فراسة. والله سبحانه وتعالى يجزئ العبد على عمله بما هو من جنسه ، فمن غض بصره عن المحارم عوضه الله سبحانه وتعالى إطلاق نور بصيرته، فلما حبس بصره لله أطلق الله نور بصيرته، ومن أطلق بصره في المحارم حبس الله عنه بصيرته.
الرابعة : أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه ، ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، وانكشفت له بسرعة ، ونفذ من بعضها إلى بعض . ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم، وانسد عليه باب العلم وطرقه.
الخامسة : أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة.
السادسة : أنه يورث القلب سرورا وفرحة ، وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر.
السابعة : أنه يخلص القلب من أسر الشهوة، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه.
الثامنة : أنه يسد عنه بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعه الفعل، وتحريم الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول ، فمتى هتك الحجاب ضري على المحظور.
التاسعة: أنه يقوى عقله ويزيده ويثبته ، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب.
العاشرة : أنه يخلص القلب من سكرة الشهوة وركدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة.
……سكران سكر هوي وسكر مدامة……ومتى إفاقته من به سكران
كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (15/426).
* مسألة : ما حكم نظرة الفجأة ؟ أن يصرف بصره كما جاء في حديث جرير بن عبد الله.(1/4)
قال القرطبي : "إنما أمره أن يصرف بصره عن استدامة النظر إلى ما وقع عينه عليه أول مرة وإنما لم يتعرض إلى الأولى ، لأنها لا تدخل تحت خطاب التكليف، إذ وقوعها يتأتى أن يكون مقصوداً، فلا تكون مكتسبة فلا يكون مكلفا بها، فأعرض عما ليس مكلفا به، ونهاه عما يكلف به، لأن استدامة النظر مكتسبة للإنسان، إذ قد يستحسن ما وافقه بصره فيتابع النظر، فيحصل المحذور وهو النظر إلى ما لا يحل ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بني أبي طالب رضي الله عنه :"لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى ، وليس لك الثانية". المفهم (5/482).
الموضوع الثاني : السلام د.طارق الطواري
1- الأحاديث :-
{2069} عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد، والقليل على الكثير". رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي
{2070} وعن أبي طلحة ، قال : كنا قعودا بالأفنية نتحدث ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فقال : "مالكم ولمجالس الصعدات ؟! اجتنبوا مجالس الصعدات". فقلنا : إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدث! فقال : إما لا ، فأدوا حقها : غض البصر ، ورد السلام ، وحسن الكلام" رواه أحمد ومسلم
{2071} وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إياكم والجلوس بالطرقات، قالوا : يا رسول الله ! ما لنا بد من مجالسنا، نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا : وما حقه ؟ قال :"غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر". رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود.
{2073} وعن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان فلسم عليهم . رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.(1/5)
{2074} عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، إذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" رواه أحمد ومسلم وأبو داود
{2075} وعن انس : أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب يسلمون علينا، فكيف نرد عليهم ؟ قال :"وقولوا : وعليكم" رواه أحمد ومسلم.
{2076} وعن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام عليكم، فقل : عليك" وفي رواية :"فقولوا : وعليك" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
{2077} وعن جابر بن عبد الله، قال : سلم ناس من يهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : السلام عليك يا أبا القاسم ؟ فقال : "وعليكم" فقالت عائشة -وغضبت- : ألم تسمع ما قالوا ؟ قال : "بلى ، قد سمعت فرددت عليهم، وإنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا" رواه أحمد ومسلم.
2- تعريف السلام :-
…يقال : سلم يسلم سلاما وسلامة.
…قال ابن العربي : السلامة والعافية .
وقيل : البراءة كما في قوله تعالى :(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) الفرقان/63، ومنه قيل للجنة : دار السلام لأنها دار السلامة من الآفات.
وقول الله :(والسلام على من اتبع الهدى) طه/47
أي : أن من اتبع هدى الله سليم من عذابه وسخطه.
وقال الرازي : الصواب من القول سمي سلاما كما قال تعالى :(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلام) وذلك لسلامته من العيب والإثم.
…وإذا قال المسلم للمسلم :"السلام عليكم" فكأنه يخبره بالسلامة من جانبه ويؤمنه من شره وغائلته وأنه سلم له لا حرب عليه.
* السلام من أسماء الله تعالى :(1/6)
…قال عز وجل :(هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن ..) الحشر/23، وعن انس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض فافشوا السلام بينكم" أخرجه البخاري في الأدب المفرد. قال القرطبي : "السلام أي ذو السلامة من النقائص" الجامع لأحكام القرآن (18/46).
وقال ابن العربي :"اتفق العلماء رحمهم الله على أن معنى قولنا في الله "السلام" النسبة تقديره ذو السلامة وقيل فيها ثلاثة أقوال :
الأول : الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص.
الثاني : معناه ذو السلام ، أي المسلم على عباده في الجنة كما قال : (سلام قول من رب رحيم) يس/58
الثالث : معناه الذي سلم الخلق من ظلمه.
وقيل السلام معناه المسلَّم لعباده.
* فضل السلام :-
1- إفشاء السلام فيه محبة المسلمين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم.
2- أولى الناس بالله من بدأ بالسلام ، فعن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام" رواه أبو داود بإسناد جيد.
3- إفشاء السلام من خير الأعمال ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أي الإسلام خير؟ قال :"تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" رواه البخاري ومسلم
4- إفشاء السلام من أسباب دخول الجنة، فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"يا أيها الناس :أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.(1/7)
5- السلام أدب إسلامي اجتماعي ، فهو أدب محدد منظم أصيل، أمر به رب العزة في كتابه الحكيم فقال : (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) النور/27، وقال عز من قائل :(فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) النور/61.
6- أبخل الناس من لم يرد السلام، قال صلى الله عليه وسلم :"أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل منه من بخل بالسلام" رواه الطبراني ويصح رفعه وضعيف وقفه عن أبى هريرة.
7- تحية آدم عليه السلام وذريته، قال صلى الله عليه وسلم :"خلق الله آدم على صورته ، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك النفر -وهم نفر من الملائكة جلوس- فاستمع إلى ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال : فذهب فقال : السلام عليكم، فقالوا السلام عليك ورحمة الله" رواه البخاري ومسلم.
8- فضل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: "إن لله في الأرض ملائكة سياحي يبلغوني من أمتي السلام" رواه أحمد وقال :"إن ملكا أتاني فقال لي : يا محمد ، إن ربك يقول لك : أما يرضيك أن لا يصلى عليه أحد م أمتك إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك إلا سلمت عليه عشراً.. قال : قلت : بلى" أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
آداب السلام وأحكامه:-
1- حكم السلام : قال النووي في السلام :"هذا أدب من آداب الإسلام واعلم أن ابتداء السلام سنة ورده واجب".(1/8)
2- يستحب في السلام أن يؤتى بصيغته كاملة وتجزئ الأولى ، والثانية : وسط والثالثة مستحبة لما روى عن عمران قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم ، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عشر ، ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشرون، ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون.
3- يستحب في السلام أن يبتدئ بضمير الجمع وصيغته :"السلام عليكم" بالتعريف وبالجمع، سواء كان المسلم عليه واحداً أو جماعة، لأن الواحد معه الحفظة كالجمع من الأميين وهذه الصيغة هي المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح.
4- ويستحب في صيغة الرد أن يقول المسلم عليه :"وعليكم السلام" بتقديم الخبر والواو.
5- ويسلم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والقليل على الكثير، كما ورد بذلك الحديث. قال ابن حجر :"وقد تكلم العلماء على الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء، فقال ابن بطال عن المهلب: تسلم الصغير لأجل حق الكبير لأن الشارع أمر بتوقيره والتواضع له، وتسليم القليل على الكثير لأن حقهم أعظم ، وتسليم المار شبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع" الفتح (12/279)
6- ألا يصيح بالسلام ، لحديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه :"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجئ من الليل فيسم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان" رواه البخاري.(1/9)
7- تكرير السلام في كل لقاء وإن كان عن قرب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه" رواه أبو داود. ويشرع تكرار السلام إذا اقترن بالاستئذان والتعقب عليه، وحكى الحافظ ابن حجر رحمه الله: "انه يشرع الكرار أيضا إذا كان الجمع كثيرا ولم يسمح بعضهم وقصد الاستيعاب، وكذا لو سلم وظن أنه لم يسمع فتسن الإعادة فيعيد مرة ثانية وثالثة. وقد روي أنس رضى الله عنه :أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا. رواه البخاري
8- يجب الرد على الفور. قال الإمام أبو محمد القاضي حسين والإمام أبو الحسن الواحدي وغيرهما : ويشترط أن يكون الجواب على الفور فإن أخره ثم رد لم يكن جوابا وكان آثما بترك الرد.
5- المسائل المتعلقة بالسلام :
- الأولى : السلام على النساء : وهو على أقسام بحسب حال المرأة :
1- سلام المرأة على المرأة : يسن كسلام الرجل على الرجل.
2- سلام الرجل على المرأة :
أ) إن كانت تلك المرأة زوجة أو أمه أو من المحارم : فسلامه عليها سنة ورد السلام منها واجب.
ب) إن كانت تلك المرأة أجنبية :
* عجوزا أو امرأة لا تشتهى: فالسلام عليها سنة ورد السلام منها واجب.
* شابة يخشى الافتتان بها أو يخشى افتتانها هي أيضا بمن سلم عليها: فالسلام عليها وجواب السلام منها حكمه الكراهة عند الجمهور هذا إذا لم تقصده لحاجة كسؤال أو غيره.
3- سلام الرجل على مجموعة من النساء : جائز ، لما روي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت :"مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا" رواه أبو داود والترمذي وحسنه(1/10)
4- سلام الرجال على المرأة الواحدة إذا أمن الفتنة : جائز ، لحديث سهل:"كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة نخل بالمدينة فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في قدر وتكركر حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة، انصرفنا، ونسلم عليها، فتقدمه إلينا فنفرح من أجله وما كنا نقيل ولا نتغدى بعد الجمعة" أخرجه البخاري
* قال ابن بطال : سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائر إذا أمنت الفتنة.
* قال الكوفيون : لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الآذان والإقامة والجهر بالقراءة، قالوا : ويستثنى المحرم فيجوز لها السلام عليه فتح الباري (12/300)
* قال ابن الجوزي : إذا خرجت المرأة لم تسلم على الرجل أصلا.
* عن عطاء الخراساني يرفع الحديث قال : ليس للنساء سلام ولا عليهن سلام . وهذا منه يدل على أنها لا تسلم على الرجل ولا يسلم عليها مطلقا.
* قال حرب لأحمد : الرجل يسلم على النساء ؟ قال : إن كن عجائز فلا بأس.
وقال صالح : سألت أبي : يسلم على المرأة ؟ قال : أما الكبيرة فلا بأس وأما الشابة فلا تستنطق. الآداب الشرعية (1/328-329)
- الثانية : السلام على الصبيان
…يستحب السلام على الصبيان ذكورا وإناثا
- قال ابن بطال : في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب. (الفتح 12/298). وإن سلم الصغير على الكبير وجب على الكبير الرد، ورد السلام عليه واجب وحدث أنس :"أنه كان يمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بصبيان فسلم عليهم" أخرجه مسلم قال النووي:"ففيه استحباب السلام على الصبيان المميزين والندب إلى التواضع وبذل السلام للناس كلهم، وبيان تواضعه صلى الله عليه وسلم وكمال شفقته علي العالمين" شرح صحيح مسلم (7/404)
- الثالثة : ما حكم السلام على الأصم ؟ وما حكم السلام بالإشارة ؟(1/11)
* إذا سلم المسلم على أصم أو أولاد إجابة سلامه فإنه يجمع بين لفظ السلام والإشارة به -قال به جمهور العلماء- قال ابن عابدين :"لو كان المسلم أصم يجب علي الراد أن يحرك شفتيه ويريه بحيث لو لم يكن أصم لسمعه" وذكر النووي في الأذكار :"إذا سلم على أصم لا يسمع فينبغي أن يتلفظ بلفظ السلام لقدرته عليه، ويشير باليد حتى يحصل الإفهام ويستحق الجواب، فلو لم يجمع بينهما لا يستحق الجواب. قال : وكذا لو سلم عليه أصم وأراد الرد فليتلفظ باللسان ويشير بالجواب ليحصل به الإفهام ويسقط عنه فرض الجواب".
* أما السلام بالإشارة فقط فقد جاءت السنة ببيانه عن جابر رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال :"لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف) أخرجه النسائي ، قال القرطبي : " ولا تكفي الإشارة بالإصبع والكف عند الشافعي ، وعندنا تكفي إذا كان عن بعد".
…وإذا اقترن النطق بالإشارة، أو كان المسلم عليه بعيدا لا يسمع السلام فلا بأس بالإشارة لإعلامه على أن تكون مقترنة بالنطق.
قال ابن حجر :"وكذا من كان بعيدا بحيث لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارة ويتلفظ مع ذلك بالسلام" وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمل إشارة ، محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة.
- الرابعة : ما حكم السلام على أخلاط فيهم المسلمون وغيرهم ؟
…"وإذا مر أحد على جماعة فيهم المسلمون ولو واحد وكفار، فالسنة أن يسلم عليهم ويقصد المسلمين أو المسلم، لما روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم". انظر الموسوعة الفقهية (25/170)(1/12)
قال النووي :" السنة إذا مر بمجلس فيه مسلم وكافر أن يسلم بلفظ التعميم ويخص به المسلم". وقال الطبري :"فأما لو سلم عليهم بلفظ يقتضي خروجهم عنه كأن يقول :"السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" فهو جائز ، كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وغيره :"السلام على من اتبع الهدى" فتح الباري (12/306).
قال ابن عثيمين :"لا يجوز أن يسلم الإنسان على المسلم بقوله السلام على من اتبع الهدى لأن هذه الصيغة إنما قالها الرسول صلى الله عليه وسلم حين كتب إلى غير المسلمين ، وأخوك المسلم قل له السلام عليكم. أما أن تقول السلام على من اتبع الهدى فمقتضى هذا أن أخاك هذا ليس ممن اتبع الهدى، وإذا كانوا مسلمين ونصارى فإنه يسلم عليهم بالسلام المعتاد يقول السلام عليكم يقصد بذلك المسلمين". مجموع الفتاوى (1/211).
- الخامسة : ما حكم السلام على أهل الذمة ؟ وما حكم رد السلام عليهم إذا سلموا؟
* قال النووي في الأذكار :" لا يجوز ابتداؤهم -أي أهل الذمة- بالسلام. "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" وأجاز البعض : أن يجيبه بغير السلام بأن يقول : هداك الله أو أنعم الله صباحك" إن كانت له عنده حاجة.
قال أحمد : لا يعجبني السلام على أهل الذمة.(1/13)
قال ابن عثيمين : "البدء بالسلام على غير المسلمين محرم ولا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" ولكنهم إذا سلموا وجب علينا أن نرد عليهم لعموم قوله تعالى :(وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) النساء/86، وكان اليهود يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون "السام عليك يا محمد" والسام بمعنى الموت، يدعون علي رسول الله بالموت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام "إن اليهود يقولون السام عليكم فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم". فإذا سلم غير المسلم على المسلم وقال السام عليكم فإننا نقول وعليكم. وفي قوله صلى الله عليه وسلم "وعليكم" دليل على أنهم إذا كانوا قد قالوا السلام عليكم فإن عليهم السلام فكما قالوا نقول لهم. ولهذا قال بعض أهل العلم إن اليهودي أو النصراني أو غيرهم من غير المسلمين إذا قالوا بلفظ صريح "السلام عليكم" جاز أن نقول عليكم السلام. ولا يجوز كذلك أن يبدأ بالتحية كأهلا وسهلا وما أشبهها لأن في ذلك إكراما لهم وتعظيما لهم ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا فإننا نقول لهم مثل ما يقولون لأن الإسلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن المعلوم أن المسلمين أعلى مكانة مرتبة عند الله عز وجل فلا ينبغي أن يذل نفسه في هذا. أما إذا سلموا علينا فإننا نرد عليهم مثل ما سلموا. وكذا أيضا لا يجوز أن نبدأهم بالتحية مثل أهلا وسهلا ومرحبا وما أشبه ذلك لما في ذلك من تعظيمهم فهو كابتداء السلام عليهم". (مجموع الفتاوى 1/210).
قال الخطابي : "هكذا يرويه عامة المحدثين وعليكم بالواو، وكان سفيان بن عيينة يوريه الواو .. أي صار كما قالوه بعينه مردودا عليهم، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه". معالم السنن (4/143)
قال تقي الدين :"إذا سلم اليهودي أو النصراني رد عليه بمثله.(1/14)
- السادسة : ما حكم السلام على المقابر والموتى ؟
…قال ابن عثيمين في الشرح الممتع عند زيارة القبور والسلام على أصحابها قوله : "السلام عليكم" ، السلام : اسم من أسماء الله كما في قوله تعالى : السلام المؤمن ، لكنه في التحية لا يراد به اسم الله وإنما يراد به التسلم فهو اسم مصدر كالكلام بمعنى التكليم ، والمعنى التسليم عليكم، أي : الدعاء بالسلام عليكم.
والسلامة بالنسبة لأهل القبور تكون من العذاب فقد يكون الإنسان معذبا في قبره ولو عذابا خفيفا، فإذا سالت الله له السلامة سلم ، ثم أنت تسلم على عموم القبور، وقوله :"السلام عليكم" أتي بكاف الخطاب، فهل الكاف تدل على أنهم يسمعون لأنه لا يخاطب إلا من يسمع ما لم يكن دليل ظاهر على أن المخاطب لا يسمع وقد ذكر ابن القيم في كتاب الروح حديثا عن
النبي صلى الله عليه وسلم :"أن من سلم على قبر وهو يعرفه في الدنيا رد الله على صاحب القبر روحه فرد السلام" فلا يبعد أن يكون أهل المقبرة عموما إذا سلم عليهم يسمعون". أ.هـ بتصرف.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتى موتى أحد وسلم عليهم.
- السابعة : السلام على الفساق وأرباب المعاصي، والمبتدعة، ما الحكم فيه ؟
- الفاسق : من آتي بخارم من خوارم المروءة ويأتي لفظ الفسق في القرآن بمعنى الكفر والعصيان.
- البدعة : هي اختراع شئ في الدين على غير مثال سابق. الحكم فيه تفصيل وليس علي إطلاقه:
1- ذكر ابن عابدين :"أن السلام على الفاسق المجاهر بفسقه مكروه، وإلا فلا.
2- ذكر النووي :"وجهين في استحباب السلام على الفساق".
3- ذهب الشافعي :"غلى جواز السلام بقصد النصيحة". وقيل في سبب الجواز أنه أحوج ما يكون إلى الدعاء بأن يسلمه الله من خطر الذنوب والمعاصي، ولأن الفاسق لا يزال في دائرة الإسلام.(1/15)
4- قال النووي :"فإن اضطر إلى السلام بأن خاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم. وزاد وينوي أن السلام من أسماء الله تعالى : فكأنه قال : الله رقيب عليكم.
5- وقال في الأذكار:"أن المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه ينبغي ألا يسلم عليه ولا يرد".
6- وفي روح المعاني:"أما رد السلام على الفاسق والمبتدع فلا يجب لهما".
7- قال ابن دقيق العيد :"ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم والتبري منهم".
8- قال الشاطبي :"إذا ثبت أن المبتدع آثم، فليس الإثم الواقع عليه رتبة واحدة بل هو على مراتب مختلفة" ثم بين أقسام البدع وأحوال المبتدع، فمن البدع ما هو مختص بالإيمان ومنها ما هو مختص الأفعال ومنها ما يكون كفرا مخرجا عن الملة ومنها ما لا يخرج عن الملة، وأما أحوال المبتدع فإما أن يكون مستتر ببدعه أو معلنا بها، أو مصرا أو غير مصر، وربما يدعو إليها وقد لا يدعو وقد يخرج بها عن أهل السنة مثل الخوارج، وقد لا يخرج، وبدع متعلقة بالخواص وأخرى بالعوام، وبدع تكلم فيها العلماء وبعد لم يتكلموا فيها لأن ذلك حدث بعد موتهم. ثم قال بعد ذلك :"إن القيام عليهم بالتثريب أو التنكيل أو الطرد أو الإبعاد أو الإنكار هو بحسب حالة البدعة نفسها.. وكون صاحبها مشتهرا بها.." ثم ذكر خمسة عشر وجها لمعاملة أهل البدع منها : الهجران وترك السلام ، ومنها : التغريب أو السجن ، ومنها : القتال كما في الخوارج ، ومنها : القتل بعد استتابتهم إذا لم يتوبوا ، ومنها : تكفير من دل الدليل على كفره ن كما إذا كانت البدعة صريحة في الكفر كالإباحية والقائلين بالحلول كالباطنية ، ومنها ألا يرثهم ورثتهم من المسلمين ولا يرثون أحدا منهم ، ومنه تجريحهم فلا تقبل شهادتهم ولا روايتهم .. الخ انظر الاعتصام (1/167-177)
- الثامنة : السلام على من يظن أنه لا يرد السلام ؟(1/16)
- قال النووي :"إذا مر على واحد أو اكثر وغلب على ظنه أنه إذا سلم لا يرد عليه إما لتكبر المرور عليه، وإما لإهماله المار أو السلام ، وإما لغير ذلك، فينبغي أن يسلم ولا يتركه لهذا الظن، فإن السلام مأمور به والي أمر به المار أن يسلم ولم يؤمر بأن يحصل الرد، مع أن الممرور عليه قد يخطئ الظن فيه ويرد ، ثم قال النووي :"ويستحب لمن سلم على إنسان وأسمعه سلامه وتوجه عليه الرد بشروطه فلم يرد، أن يحلله من ذلك فيقول أبرأته من حقي في رد السلام ويستحب لمن لسم على إنسان فلم يردع عليه أن يقول له بعبارة لطيفة:"رد السلام واجب ، فينبغي لك أن ترد علي" الموسوعة الفقهية (25/172)
- التاسعة : ما حكم إرسال السلام وتبليغه ؟
"عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها :"إن جبريل يقرأ عليك السلام"، قالت عائشة وعليه السلام ورحمة الله .
…قال النووي:"في هذا الحديث مشروعية إرسال السلام ويجب على الرسول تبليغه لأنه أمانة ، وتعقب بأنه بالوديعة أشبه والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه الأمانة وإلا فوديعة ، والودائع إذا لم تقبل لم يلمزه شئ.
قال : وفيه إذا أتاه شخص بسلام من شخص أو في ورقة وجب الرد على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرج النسائي : عن رجل من بني تميم أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أبيه فقال:"وعليك وعلى أبيك السلام". فتح الباري (12/304)
* مواضع يكره فيها السلام :-
1- السلام على المصلي : قال بعض العلماء يكره وقيل ،لا يكره للعموم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أصحابه حين سلموا عليه وذلك في البخاري ومسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رد إشارة على بن عمر وصهيب. وقيل : إن علم كيفية الرد جاز وإلا كره.(1/17)
2- السلام على المتوضئ : ذكر ابن تميم عن الشيخ أبي الفرج أنه يكره وروى المهاجر بن قنفذ : أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه وقال:"إنه لم يمنعني أن أرد عليه إلا أني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهارة" رواه أبو داود وابن ماجة
3- السلام على من يقضي حاجته : عن جابر أن رجلا مر والرسول يبول فسلم عليه : فقال : إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فإنه إن فعلت ذلك لم أرد عليك"
4- ويكره على المشتغل بالقرآن حتى لا يقاطعه لأنه اشتغل بتلاوة ، والحق بعضهم الدعاء. وقيل : يكره على من كان مشغولا بالتلبية فإن سلم عليه رد.
…نص عليه الشافعي وأصحاب النووي، والحقوا به : يكره السلام عينا على مقاتل وتال للقرآن وذاكر وملب ومحدث وخطيب وواعظ وعلى من يستمع لهم وعلى من يكرر فقهاً.
قرائن السلام :-
أولا المصافحة :
1- تعريفها : إلصاق صفحة الكف بصفحة الكف الأخرى ولي الإبهام على الإبهام لن في الإبهام يورث المحبة.
2- كيفيتها : إلصاق باطن الكف بباطن الكف وإقبال الوجه بالوجه ، فأخذ الأصابع ليس بمصافحة.
3- أحكامها : تحرم المصافحة بين الرجال والنساء الأجنبيات.
1- لحديث عائشة:" .. والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قط إلا بما أمره الله تعالى، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط .." أخرجه البخاري ومسلم
2- عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" أخرجه الطبراني.
…ويستثنى من ذلك ما كان مسا بغير قصد في بيع أو شراء أو طواف
- تكره : كمصافحة ذي عاهة من برص أو جذام.
- تسن : …1- عند التلاقي سواء من سفر أو غيره.
……2- عند مبايعة الإمام المسلم ومن في حكمه.
……3- ولغير ذلك عند اتحاد الجنس.
4- فضلها :(1/18)
1- عن عطاء الخراساني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء" رواه مالك في الموطأ.
2- كذلك ما روى عنه صلى الله عليه وسلم:" ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا" أخرجه الترمذي وقالب : حسن غريب.
3- وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر" نصب الراية (2/259)
4- أقوال العلماء فيها : قال ابن بطال : المصافحة حسنة عند عامة العلماء.
قال النووي : المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري : دخلت على احمد بن حنبل أسلم عليه فمددت يدي إليه فصافحني فلما خرجت قال : ما أحسن أدب هذا الفتى لو أنكب علينا كنا نحتاج أن نقوم.
6- مسائلها :
1- * الأولى : ما حكم المصافحة عقب الصلاة ؟
اختلف فقهاء المذاهب في حكم المصافحة عقب الصلوات، وبخاصة صلاتي العصر والصبح، إلى ثلاثة أقوال: قول بالاستحباب ، وآخر بالاباحة، وثالث بالكراهة.
- أما القول بالاستحباب : فهو استنباط شراح الحنفية، لعموم النصوص الواردة في مشروعية المصافحة. وممن ذهب إلى هذا القول من الشافعية ، المحب الطبري، وحمزة الناشرة وغيرهما وقالوا : باستحباب المصافحة عقب الصلوات مطلقاً، واستأنس الطبري بما رواه أحمد والبخاري عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال :"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وبين يديه عنزة تمر من ورائها المرأة وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم، قال أبو جحيفة : فأخذت بيده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من رائحة المسك" أخرجه البخاري.(1/19)
- أما القول بالإباحة : فقد ذهب إليه العز بن عبد السلام، حيث قسم البدع إلى خمسة أقسام : واجبة ومحرمة ومكروه ومستحبة ومباحة، ثم قال : وللبدع المباحة أمثلة منها المصافحة عقيب الصبح والعصر. واستحسن النووي كلام ابن عبد السلام وقال في الأذكار :" واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما إعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، فإن أصل المصافحة سنة.
* أما القول بالكراهة : فقد نقله ابن عابدين حين قال : قد يقال إن المواظبة عليها بعد الصلوات خاصة قد يؤدي بالجهلة إلى اعتقاد سنيتها، ولم يفعلها أحد من السلف في هذه المواضع ، وذكر أن فهم من كرهها لأنها من سنن الروافض... لأن موضع المصافحة في الشرع إنما هو عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصلوات الخمس. انظر الموسوعة الفقهية (37/362)
2- * الثانية : ما حكم المصافحة بكلتا اليدين ؟
…ذهب الحنفية والمالكية : أن السنة أن تصافح بكلتا اليدين واستدلوا بقول ابن مسعود : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه وبوب البخاري في صحيحه : باب الأخذ باليدين، وقال صافح حماد بن زيد الإمام بن المبارك . وهو مشهور بين الصحابة.
** ويستحب : أن تدوم ملازمة الكفين فيها قدر ما يفرغ من الكلام والسلام والسؤال عن الغرض.
* ويكره : نزع المصافح يده من يد الذي يصافحه سريعا، لما روى عن أنس رضي الله عنه قال :"ما رأيت رجلا آخذ بيده -أي رسول الله- فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده" أخرجه أبو داود وضعفه المنذري، وفي رواية أخرى :"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقى الرجل لا ينزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه حتى يكون هو الذي يصرفه" عزاه ابن حجر إلى كتاب البر والصلة لابن المبارك.
3- * الثالثة ما حكم مصافحة النساء ؟
أ- مصافحة الرجل للمرأة العجوز التي لا تَشْتَهِىِ ولا تُشْتَهَيَ.(1/20)
ب- ومصافحة المرأة للرجل العجوز الذي لا يَشْتَهِىِ ولايتُشْتَهَيَ.
ج- ومصافحة الرجل العجوز للمرأة العجوز.
* عند الحنفية والحنابلة : جائز ما دامت الشهوة مأمونة من كلا الطرفين، لأن الحرمة لخوف الفتنة، فإذا كان أحد المتصافحين ممن لا يَشْتَهِىِ ولايتُشْتَهَيَ فخوف الفتنة معدوم أو نادر.
* ونص المالكية : على التحريم، لعموم الأدلة المثبتة للتحريم.
* أما الشافعية : فقالوا بالتحريم أيضا ولم يستثنوا العجوز.
د- مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية الشابة :
* قال الجمهور : بالتحريم ، مستدلين بحديث عائشة ، أن مبايعة صلى الله عليه وسلم للنساء لم تكن بالمصافحة أبداً. ولحديث معقل بن يسار. أنظر الموسوعة الفقهية (37/359)
ثانيا : الاستئذان :
وقد سبق تفصيله في موضوع آداب الاستئذان وأحكامه
ثالثا : المعانقة :
1- تعريفها : الضم والالتزام وقيل : جعل الرجل عنقه على عنق صاحبه.
2- حكمها : سنة حسنة خاصة عن القدوم من السفر.
3- دليلها : ما روى عن أبي ذر عندما سئل هل يصافحهم صلى الله عليه وسلم فقال : "ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلى يوم فلم أكن في أهلي، فلما جئت أخبر أنه أرسل إلى فأتيته وهو على سرير فالتزمني، فكانت أجود وأجود".
وعن ابن عباس قال :"لما قدم جعفر من الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم . وقال اسحق بن إبراهيم : إن أبا عبد الله احتج في المعانقة بحديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم عانقه قال : وسألت أبا عبد الله عن الرجل يلقى الرجل يعانقه قال : نعم فعل أبو الدرداء. وقال في الإرشاد ك المعانقة غير القدوم من السفر حسنة ، وقال الشيخ تقي الدين ، فقيدها بالقدوم من السفر. فتح الباري (12/328) الآداب الشرعية (1/696)
رابعا : التقبيل :
1- تعريفه : لغة : هو مصدر قبل ، والاسم منه قبلة ، والجمع قبل.
2- مسائله :
الأولى : ما حكم تقبيل اليد شرعاً ؟(1/21)
جائز : تدينا وإكراما واحتراما بدليل حديث أم أبان بنت الوازع بن ذراع عن جدها ذراع ، وكان في وفد عبد القيس ، قال : لما جئنا المدينة فجعلنا نتبادر من رواحلنا ، فنقبل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله .. الحديث أخرجه أبو داود (حسن)، وحديث صفوان بن عسال :"أن يهوديين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات " الحديث وفي آخره "فقبلا يده ورجله" أخرجه الترمذي (حسن)، وحديث عمر لما عاد أصحاب مؤتة أنهم "لما رجعوا من الغزو حيث فروا قالوا نحن الفرارون فقال : بل أنتم الكرارون .. قال فقبلنا يده".
الثانية : ما حكم تقبيل اليد والرأس ؟ ذكر ابن مفلح في الآداب الشرعية :
"إباحة المعانقة وتقبيل اليد والرأس".
قال المروزي : سألت أبا عبد الله عن قبلة اليد فقال : إن كان على طريق التدين فلا بأس ، وقد قبل أبو عبيدة يد عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، وإن كان على طريق الدنيا فلا، إلا رجلا يخاف سيفه أو سوطه.
وقال مهنا بن يحيى : رأيت أبا عبد الله كثيرا يقبل وجهه ورأسه وخده ولا يقول شيئا، ولا رأيته لا يمتنع من ذلك ولا يكرهه. وقال عبد الله بن أحمد : رأيت كثيرا من العلماء والفقهاء والمحدثين وبني هاشم وقريش والأنصار يقبلونه يعني أباه -بعضهم يده وبعضهم رأسه ويعظمونه تعظيما لم أرهم يفعلون ذلك بأحد من الفقهاء غيره.
خامسا : القيام :
اختلف العلماء في مسألة القيام للداخل : وقيل :
* يكره : لغير سلطان وعلام ووالد ، ولغير ذي دين وورع ، وكريم قوم وسن في الإسلام، كالقيام للظالمين على وجه التعظيم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ومنه قوله :"لا تقوموا حتى تروني" إنما ذلك في الصلاة لحرمة الصلاة إذا قام النبي صلى الله عليه وسلم قاموا للصلاة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :"من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار".
* يستحب : وهو القيام للتهنئة أو التعزية أو للقاء مسافرا وتلقي مريض(1/22)
قال ابن مفلح : "والقيام لمصلحة وفائدة مستحب" وسئل الإمام مالك عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها.
- واستدلوا بحديث "قوموا لسيدكم"
- وحديث كعب : "... فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره- فكان كعب لا ينساها لطلحة.."
- وحديث عائشة :"ما رأيت أحداً كان أشبه سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة ، كانت إذا دخلت عليه، قام إليها فأخذها بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها ، قامت فأخذت بيده فقبلته وأجلسته مجلسها" رواه النسائي والترمذي.
* قال الشيخ تقي اليدين في "الفتاوى المصرية" : ينبغي ترك القيام في اللقاء المتكرر المعتاد ونحوه ولكن إذا اعتاد الناس القيام، وقدم من لا يرى كارمته إلا به، فلا بأس فالقيام دفعا للعداوة والفساد خير من تركه المفضي إلى الفساد، وينبغي مع هنا السعي في الإصلاح على متابعة السنة.
8- أحاديث ضعيفة :
* عن سهل بن معافر بن انس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كيفية السلام ".. ثم أتي آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال : أربعون ، قال : هكذا تنكون الفضائل" ضعيف سنن أبي داود برقم (5196)
* عن شهر بن حوشب قال : سمعت أسماء بنت يزيد تحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم .. "ضعيف سنن الترمذي برقم (2851)
* عن سعيد بن المسيب قال : قال أنس : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم تكون بركة عليك وعلى أهل بيتك" ضعيف سنن الترمذي برقم (2851)
* عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "السلام قبل الكلام، ولا تدعوا أحدا إلى طعام حتى يسلم" موضوع ضعيف الجامع برقم (3374)
* "السلام تحية لملتنا وأمان لذمتنا" موضوع ضعيف الجامع برقم (3367)(1/23)
* "السلام تطوع والرد فريضة" ضعيف الجامع برقم (3368)
* "السلام اسم من أسماء الله عظيم جعله ذمة بين خلقه فإذا سلم المسلم على المسلم فقد حرم عليه أن يذكره إلا بخير" ضعيف الجامع برقم (3369)
* "لا تسلموا على شراب الخمر" ضعيف الجامع
??
??
??
??
1
(14)(1/24)