المسح في وضوء الرسول (ص) - محمد الحسن الآمدي
المسح في وضوء الرسول (ص) محمد الحسن الآمدي(1/)
المسح في وضوء الرسول صلى الله عليه وآله دراسات مقارنة بين المذاهب الاسلامية تأليف محمد الحسن الآمدي(1/1)
اسم الكتاب: المسح في وضوء الرسول (صلى الله عليه وآله) دراسات مقارنة بين المذاهب الاسلامية تأليف: محمد الحسن الآمدي المطبعة: أمين الطبعة: الأولى / 1420 ه العدد: 1200 التنضيد الضوئي...دار المصطفى (صلى الله عليه وآله) لاحياء التراث(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله وآله الطاهرين، وأصحابه الميامين وبعد: فهذه رسالة صغيرة حول اختلاف الفقهاء في أهم مسألة من مسائل الوضوء، وهي مسألة المسح.
وقد قصرت البحث فيها على مسح الرأس، والمسح على الرجلين والخفين، دون المسح على الجبائر.
ورتبت الكلام فيها على مبحثين أساسيين: الأول: في طهارة الرأس.
والثاني: في طهارة الرجلين.
وأدرجت المسح على العمامة والاذنين في المبحث الأول، والمسح على الخف في الثاني.
وقد نقلت جميع الأقوال المنسوبة إلى أئمة المذاهب، وآراء أكابر علمائها عندما تكون مخالفة لرأي إمام مذهبهم، ولم أكتف بهذا، بل نقلت آراء الصحابة وأكابر التابعين وغيرهم، كل ذلك من مصادر أهل السنة والجماعة، ولم أنقل من كتب الشيعة إلا ما ذهبوا إليه.
ثم إنني أوردت أدلة كل قول بعد ذكره، حسب ما تيسر لي الحصول عليه، على أني وجدت حكاية بعض أقوالهم بلا دليل، ولكن عندما كنت أجد من بين(1/5)
رواياتهم ما يدل على ذلك القول أذكره.
وأخيرا ناقشت أدلة بعض الأقوال، وتركت مناقشة بعضها، إما لصحته، أو لشذوذه، أو لوضوح بطلانه، أو لكثرة الآراء المحكية في المسألة، وأن مناقشة الجميع تطويل للبحث بلا فائدة، فتركتها مكتفيا بنقل الأقوال المتعارضة، مع الإشارة إلى الصواب في المسألة.
وأرجو من الله تعالى أن يوفقني لما يحب ويرضى، وأن يريني وجميع المسلمين الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
محمد الحسن الآمدي(1/6)
المبحث الأول
في مسح الرأس معنى المسح المسح في اللغة كما نص عليه اللغويون: إمرار اليد على الشئ السائل أو المتلطخ لإذهابه (1).
قال الزمخشري: (يقال: مسحه بالماء والدهن ومسح رأسه، أمر يده عليه) (2).
وقال الطريحي وبعض الحنفية: (المسح - بفتح الميم فالسكون -: إمرار الشئ على الشئ) (3).
أما في الاصطلاح، فقال ابن العربي: (وهو في الوضوء: عبارة عن إيصال الماء إلى الآلة (بالآلة) الممسوح بها) (4).
وقال السيد سابق: (المسح معناه: الإصابة بالبلل، ولا يتحقق إلا بحركة عضو الماسح ملصقا بالممسوح) (5).
وقال الحلبي: (واريد به في الوضوء: إصابة اليد المبتلة بما امر بمسحه) (6).
__________
(1) القاموس المحيط 1: 494 باب الحاء / فصل الميم - مسح، تاج العروس 2: 222، مادة: مسح، لسان العرب 2: 593 - مسح، وقاموس القرآن 3: 256.
(2) أساس البلاغة 429.
(3) مجمع البحرين 2: 412، كتاب الحاء / باب ما أوله الميم - مسح.
رد المحتار على الدر المختار 1: 67، مختصر غنية المتملي في شرح منية المصلي: 6.
(4) أحكام القرآن 2: 59.
(5) فقه السنة 1: 43.
(6) مختصر غنية المتملي في شرح منية المصلي: 6.(1/7)
ثم إن في هذا المبحث مسائل:
المسألة الاولى: في القدر المجزئ من مسح الرأس قال الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * (1).
اتففقت الامة الإسلامية بجميع فرقها على وجوب طهارة الرأس في الوضوء، وأنه لا يصح الوضوء بدون طهارته، ولكنهم اختلفوا في كيفيتها والمقدار المجزئ منه.
فقال فقهاء الشيعة بإجزاء أقل ما يصدق عليه اسم المسح على مقدم الرأس، واستحباب ألا يقل عن مقدار ثلاث أصابع، مستندين في ذلك إلى نصوص صادرة عن الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) مفسرة لكتاب الله عز وجل.
فمنها: ما رواه زرارة بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ألا تخبرني من أين علمت، وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك وقال: " يا زرارة، قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونزل به الكتاب من الله عز وجل، لأن الله عز وجل قال: * (فاغسلوا وجوهكم) *.
فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل، ثم قال: * (وأيديكم إلى المرافق) *، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين، ثم فصل بين الكلام فقال * (وامسحوا برؤوسكم) * فعرفنا حين قال: * (برؤوسكم) * أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه، فقال: * (وأرجلكم إلى الكعبين) * فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) للناس فضيعوه " (2).
ومنها: ما رواه زرارة وبكير ابنا أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال في المسح: " تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك، وإذا مسحت بشئ من رأسك أو
__________
(1) المائدة: 6.
(2) اصول الكافي 3: 30 / 4، من لا يحضره الفقيه 1: 103 / 1، والاستبصار 1: 62 / 5، والتهذيب 1: 61 / 17، ووسائل الشيعة 1: 413، ب 23، ح 1.(1/8)
بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف أصابعك فقد أجزأك " (1).
ومنها: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " مسح الرأس على مقدمه " (2).
ومنها: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث، قال: وذكر المسح، فقال: " امسح على مقدم رأسك، وامسح على القدمين، وابدأ بالشق الأيمن " (3).
وغيرها من النصوص الكثيرة، والأخبار البيانية المستفيضة.
أقوال فقهاء أهل السنة في المسألة وأما جمهور الفقهاء من مدرسة الصحابة، فقد قال القرطبي وابن العربي: (إنهم اختلفوا في تقدير مسحه على أحد عشر قولا) (4).
وقال العيني للفقهاء في هذا ثلاثة عشر قولا (عدة القاري ج 2 ص 234) ولكن يظهر من تأليفاتهم أن أقوالهم أكثر من ذلك، فالمحكي عن الحنابلة ثمانية أقوال، وعن المالكية ستة أقوال، وعن الحنفية مثلهم، وعن الشافعية خمسة أقوال.
وإليك تفصيلها مع أسماء القائلين بكل واحد منها، حسب ما يسر الله لنا الحصول عليه في مصنفاتهم.
القول الأول: مسح جميع الرأس مع الاذنين وهو المحكي عن الحنابلة [ أ ] وإمامهم [ ب ] وبعض الحنفية [ ج ] وإمامهم [ د ] وإسحاق بن راهويه [ ه ] وبعض فقهاء الزيدية [ و ] (5).
__________
(1) الكافي 3: 26 / 5 بشئ من التفاوت، تهذيب الأحكام 1: 61 / 1، الاستبصار 1: 90 / 237، وسائل الشيعة 1: 414، ب 23، ح 4.
(2) تهذيب الأحكام 1: 60، تهذيب الأحكام 1: 62، 171، الاستبصار 1: 62، 171، وسائل الشيعة 1: 410، ب 22، ح 1.
(3) الكافي 3: 29 / 2، وسائل الشيعة 1: 418، ب 25، ح 1.
(4) أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60، والجامع لأحكام القرآن 6: 87.
(5) [ أ ] الفقه على المذاهب الأربعة 1: 61.
[ ب ] الإنصاف 1: 162.
=(1/9)
وقد استدلوا أولا: بأدلة القول بوجوب استيعاب الرأس بالمسح كما يأتي عن قريب مع ضم أخبار " الاذنان من الرأس " (1) إليه.
وثانيا: بما روي عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح برأسه واذنيه، ظاهرهما وباطنهما (2).
صححه الترمذي.
وما روي عن ربيع بنت معوذ: أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، وباذنيه: ظهورهما وبطونهما (3).
حسنه الترمذي.
أقول: قد يرد عليها - إضافة إلى ما يأتي - أن فعله (صلى الله عليه وآله) أعم من الوجوب، مع خلو الأخبار البيانية لوضوئه المروية في صحاحهم عن كل من أمير المؤمنين (عليه السلام) [ أ ] وعثمان بن عفان [ ب ] وعبد الله بن زيد [ ج ] وعبد الله بن عباس [ د ] وأبي هريرة [ ه ] عن مسحهما (4).
القول الثاني: وجوب استيعاب جميع الرأس دون الاذنين وهو قول مالك [ أ ] وبعض أصحابه [ ب ] وأحمد بن حنبل [ ج ] وجمهور أصحابه [ د ] والمروي عن المزني [ ه ] والجبائي [ و ] وابن العلية [ ز ] وبعض أهل
__________
= [ ج ] حلية العلماء 1: 153.
[ د ] بداية المجتهد 1: 14.
[ ه ] المجموع (النووي) 1: 416.
[ و ] شرح الأزهار 1: 89، الاعتصام بحبل الله المتين 1: 212.
(1) سنن الترمذي 1: 53 / 37.
(2) سنن الترمذي 1: 52 / 36، المنتقى 1: 98 / 262، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 69، سنن النسائي 1: 74.
(3) سنن الترمذي 1: 48 / 33، سنن أبي داود 1: 35 / 126.
(4) [ أ ] سنن الترمذي 1: 67 / 48، سنن النسائي 1: 7، سنن أبي داود 1: 32 / 112، 113، 117.
[ ب ] صحيح البخاري 1: 55، 56 / 159، 164، صحيح مسلم 1: 124، 125 / 3، 4.
[ ج ] صحيح البخاري 1: 62، 63، 64، 65 / 185، 186، 191، 192، 197، 199، صحيح مسلم 1: 124، 125 / 3، 4.
[ د ] صحيح مسلم 1: 132 / 34.
[ ه ] صحيح البخاري 1: 50 / 140.(1/10)
الظاهر [ ح ] وبعض الفقهاء من الزيدية [ ط ] (1).
وقد استدل لهذا القول بأدلة أقواها خبر عبد الله بن زيد.
أخرج البخاري: أن رجلا قال لعبد الله بن زيد - وهو جد عمر بن يحيى - أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم.
فدعا بماء...ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه (2).
وسئل مالك عن الذي يترك بعض رأسه في الوضوء فقال: أرأيت لو ترك بعض وجهه، أكان يجزيه (3)؟.
قال ابن رشد: والدليل على صحة قول مالك قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم) * كما قال في التيمم: * (فامسحوا بوجوهكم) * (4) فلما لم يجز الاقتصار في التيمم على بعض الوجه دون بعض، فكذلك لا يجوز الاقتصار على بعض الرأس دون بعض.
__________
(1) [ أ ] الموطأ 1: 18، المدونة الكبرى 1: 16، صحيح البخاري 1: 81، المقدمات 1: 13، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 6، الهداية 1: 12، بدائع الصنائع 1: 4، فتح القدير 1: 11، شرح العناية 1: 11، أحكام القرآن (الجصاص) 2: 341، فتح الباري 1: 232، عمدة القاري 2: 235، البحر المحيط 3: 437، الكشاف 1: 325، جامع البيان 6: 125، بداية المجتهد 1: 8، المبسوط 1: 63، والجواهر في التفسير 2: 129، تفسير المراغي 6: 62.
[ أ ]، [ ج ]، [ ه ] المجموع 1: 399، فتح العزيز 1: 354، نيل الأوطار 1: 154.
[ أ ]، [ ه ] شرح صحيح مسلم (النووي) 1: 109، إعراب القرآن (الدرويش) 2، 419، اعراب القرآن (الصافي) 3: 287، مجمع الأنهر مع بدر المتقى 1: 13، إرشاد الساري 1: 268، روائع البيان 1: 538.
[ أ ]، [ ج ] الميزان الكبرى 1: 117، الفتاوى الكبرى 1: 53، 54، رحمة الامة 1: 8، حاشية الصاوي على الجلالين 1: 254.
[ ط ] البحر الزخار 1: 64.
[ ب ] الفقه على المذاهب الأربع 1: 58، الشرح الكبير 1: 88، حاشية الدسوقي 1: 88.
[ ج ]، [ د ] الإنصاف 1: 161.
[ أ ]، [ ب ]، [ ج ]، [ ه ] حلية العلماء 1: 148، 149.
[ ه ] روح المعاني 6: 65، المغني (ابن قدامة) 1: 136، الشرح الكبير 1: 135.
[ و ]، [ ز ]، [ ح ] نيل الأوطار 1: 154.
(2) صحيح البخاري 1: 62 / 185، صحيح مسلم 1: 128 / 18، الموطأ (مالك) 1: 18 / 1، سنن الترمذي 1: 47 / 32.
(3) أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60.
(4) النساء: 43.(1/11)
وقال بمثل قوله ابن تيمية في فتاواه (1).
أقول: يرد على دليلهم الاول، بل على جميع أدلتهم أخبار مسح الناصية، وأخبار مسح مقدم الرأس، كما سيأتي عن قريب إن شاء الله.
ويرد على قياس مالك أن الرأس غير الوجه، وأن المسح شئ والغسل شئ آخر، هذا أولا.
وثانيا: بعد أن ثبت جواز الاقتصار على البعض من الشارع، فلا مجال لمثل هذا القياس، مع مجئ الباء في الآية على الرأس دون الوجه.
أما بالنسبة إلى قياس ابن رشد لمسح الرأس في الوضوء على مسح الوجه في التيمم، فنقول: أولا: يمكن أن ينفعه قياسه هذا في مقابل القائلين بوجوب مسح جميع الوجه في التيمم، وأما في مقابل القائلين بالتحديد، وأن الباء في: * (بوجوهكم) * أيضا للتبعيض، فلا يكاد ينفعه قياسه، بل ينعكس الأمر كما لا يخفى.
وثانيا: يمكن أن يقول مخالفو ابن رشد: إن التيمم بدل عن الوضوء، فحكم الوجه فيه الاستيعاب، فليكن في بدله أيضا كذلك.
وثالثا: إذا جعل الشارع لكل واحد منهما حكما غير حكم الآخر فالاتحاد محتاج إلى الدليل، وليس في البين دليل.
القول الثالث: مسح جميع الرأس إلا اليسير منه فيعفى عنه وهو المحكي عن أحمد [ أ ] والطرطوشي [ ب ] وبعض المالكية [ ج ] مع إمامهم [ د ] وبعض الحنابلة [ ه ] (2).
واستدلوا بنفس أدلة القول الثاني، مع الادعاء
__________
(1) المقدمات 1: 14، الفتاوى الكبرى 1: 53.
(2) [ أ ]، [ ه ] الإنصاف 1: 161.
[ ج ] حلية العلماء 1: 148.
[ ب ]، [ د ] عمدة القارى 2: 235، وذكر ابن العربي القول في أحكامه 2: 60.(1/12)
بأن تحقيق عموم الوجه بالغسل ممكن بالحس، وتحقيق عموم المسح غير ممكن، فسومح بترك اليسير منه دفعا للحرج.
وقد أورد ابن العربي على هذا الادعاء بعد أن ذكره بقوله: (وهذا لا يصح، فإن مرور اليد على الجميع ممكن تحصيله حسا وعادة) (1).
أقول: لو ثبت بالدليل وجوب الاستيعاب، فاستثناء اليسير يحتاج إلى الدليل، ولا دليل فحينئذ يبطل الوضوء لو تركه عمدا.
وأما إذا تركه من غير قصد فلا يرد ما ذكره ابن العربي.
القول الرابع: مسح ثلثي الرأس، أو أكثره وهو مروي عن محمد بن مسلمة [ أ ] ورواية عن الحسن البصري [ ب ] ومالك [ ج ] وبعض أصحابه [ د ] وأحمد بن حنبل [ ه ] وبعض من تابعه [ و ] (2).
وقد اصطنع ابن العربي لهذا القول مطلعا قائلا: (ومطلع من قال: إن ترك الثلث من غير قصد أجزأه، قريب مما قبله [ القول الثالث ] إلا إنه رأى الثلث يسيرا فجعله في حد المتروك، كما رأى الشريعة سامحت به في الثلث وغيره) (3).
ولا يخفى على القارئ أن الاعتبارات العقلية واهية أمام النصوص الشرعية.
القول الخامس: مسح نصف الرأس وهذا القول محكي عن أبي يوسف [ ز ] وأحمد بن حنبل [ ح ] والأشهب
__________
(1) أحكام القرآن 2: 62.
(2) [ أ ] أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60، البحر الزخار 1: 64، المقدمات (ابن رشد) 1: 13.
[ أ ]، [ ه ] حلية العلماء 1: 149، المجموع 1: 399.
[ ب ] مجمع الأنهر 1: 13، البدر المتقي 1: 13، المبسوط 1: 63.
[ ج ] بدائع الصنائع 1: 4، الكشاف 1: 327.
[ ه ]، [ و ] الإنصاف (المرداوي) 1: 161.
[ ه ] فتح العزيز 1: 354، ذكر القول في الفتوحات 1: 444.
(3) أحكام القرآن 2: 62.(1/13)
[ ط ] (1).
ولم أقف على مستند لهذا القول.
القول السادس: مسح ثلث الرأس وهو محكي عن أبي الفرج [ ى ] والأشهب [ ك ] ومروي عن أبي حنيفة [ ل ] وأبي يوسف [ م ] (2).
وقد نظر صاحب هذا القول - كما قال ابن العربي - إلى أن الشرع قد أطلق اسم الكثير على الثلث في قوله من حديث سعد: الثلث والثلث كثير (3).
أقول: لو صح هذا فانما يمكن الاستدلال به لو جعل الشارع الكثرة معيارا في المسح.
القول السابع: مسح مقدم الرأس وهذا محكي عن زيد بن علي (عليه السلام) [ أ ] والناصر من الزيدية [ ب ] والباقر (عليه السلام) [ ج ] والصادق (عليه السلام) [ د ] من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ومروي عن ابن عمر [ ه ] وعبد الرحمن بن أبي ليلى [ و ] والشعبي [ ح ] والأوزاعي [ ط ] والليث [ ي ] والثوري [ ك ] وسلمة بن الأكوع [ ل ] ومالك [ م ] وأحمد [ ن ] وعنه في المرأة [ س ] وعن أشهب [ ع ] (4).
وقد استدلوا بما روي عن أنس وهو قوله: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ، وعليه
__________
(1) [ ز ] المجموع 1: 399، [ ح ] واحكام القرآن (الصافي) 3: 287، [ ط ] حاشية الدسوقي 1: 88.
(2) [ ي ] المقدمات (ابن رشد) 1: 13 وأكام القرآن (ابن العربي) 2: 60.
[ ي ]، [ ك ]، [ ل ]، [ م ] عمدة القاري 2: 234، 235 وذكره في الفتوحات 1: 444.
(3) أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 62.
(4) [ أ ]، [ ب ]، [ ه ]، [ ح ] شرح الأزهار، 1: 89 [ ل ]، [ م ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 341 [ ه ]، [ ط ]، [ ي ]، [ ك ]، [ ل ]، [ ع ] عمدة القاري 2: 235 [ أ ] البحر الزخار 1: 64 [ ل ] البحر المحيط 3: 437 [ ه ] الجامع لأحكام القرآن 6: 89 [ ل ]، [ م ] المغني 1: 136، والشرح الكبير 1: 136.
[ أ ]، [ ب ]، [ ن ] نيل الأوطار 1: 154 [ و ] جامع البيان 6: 124.
[ ع ] المقدمات 1: 13، وأحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60 [ س ] فتح الباري 1: 222 [ أ ] إلى [ د ]، [ ط ]، [ ي ]، [ ك ]، [ ن ] المنار 6: 225.(1/14)
عمامة قطرية فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه (1).
وما روي عن مغيرة بن شعبة وهو قوله: إن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح على الخفين، ومقدم رأسه، وعلى عمامته (2).
وما روي عن ابن عمر أنه يمسح مقدم رأسه (3).
وتقدم مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في لزوم المسح على بعض من مقدم الرأس، ولا يبعد أن يكون رأي غيرهم من القائلين بمسح مقدم الرأس مثل قولهم في إجزاء ما يسمى مسحا على مقدم الرأس، ولا ينافيه ما حكي عنهم.
القول الثامن: مسح ربع الرأس وهو المشهور عن أبي حنيفة [ أ ] وأبي يوسف [ ب ] ومحمد [ ج ] وزفر [ د ] وبعض من تابعهم [ ه ] (4).
فهؤلاء يحملون أخبار مسح الناصية على مدعاهم، ويقدرونها بالربع، مع دعوى عدم مقصودية تعيين الناصية للشارع، بل المقصود تعلق العبادة بالرأس أنى كان (5).
واصطنع لهم بعض الحنفية وجها مقيسا على بعض الأحكام - هم قائلون بها - قائلا: (وجه التقدير بالربع، أنه قد ظهر اعتبار
__________
(1) سنن أبي داود 1: 40 / 147، وسنن الدارقطني 1: 187 / 564، والسنن الكبرى 1: 61 المنتقى 1: 96.
(2) صحيح مسلم 1: 142 / 82.
(3) المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 15، السنن الكبرى 1: 61.
(4) [ أ ] أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60، المحلى 2: 53، نيل الأوطار 1: 154، والبحر الزخار 1: 64، المجموع 1: 399، الهداية مع شرحه (فتح القدير) 1: 10، شرح صحيح مسلم (النووي) 1: 109، حلية العلماء (القفال) 1: 149، شرح الأزهار 1: 88، البدر المتقى 1: 13، الكشاف 1: 325، الميزان الكبرى 1: 117، تفسير المراغي 6: 62، اعراب القرآن (الدرويش) 2: 419، إعراب القرآن (الصافي) 3: 287، حاشية الصاوي 1: 254، الجواهر 2: 129، روائع البيان في تفسير آيات الأحكام 1: 538.
[ ه ] رد المحتار على الدر المختار 1: 67، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 56، الفتاوى الهندية 1: 5، شرح العناية 1: 11، فتح المعين 1: 39.
[ أ ]، [ د ]، [ ه ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 343، الفتاوى الكبرى 1: 54.
[ أ ]، [ ب ]، [ ج ] عمدة القاري 2: 34، 235، المبسوط 1: 63.
[ أ ]، [ د ] بدائع الصنائع 1: 40.
(5) الهداية 1: 12، فتح القدير 1: 11، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 62.
((1/15)
الربع في كثير من الأحكام، كما في حلق ربع الرأس أنه يحل به المحرم، ولا يحل بدونه.
وكما في انكشاف الربع من العورة في باب الصلاة أنه يمنع جواز الصلاة، كذا ههنا) (1).
أقول: كما أن التوجيه من عند أنفسهم، فالتقدير أيضا كذلك بدون سند من الشارع، فأخبار مسح الناصية أو مقدم الرأس أعم مما يقدرون، مع أن في تلك الأخبار إشعارا إن لم تكن دلالة بأقل مما يدعون.
القول التاسع: مسح الناصية وهو مروي عن ابن عمر [ أ ] وعبد الرحمن بن أبي ليلى [ ب ] وأبي العالية [ ج ]
وعكرمة [ د ] وحسن البصري [ ه ] وإبراهيم النخعي [ و ] وعطاء [ ز ] وفاطمة بنت المنذر [ ح ] وصفية بنت أبي عبيد [ ط ]، ومحكي عن إمام الحرمين [ ي ] والبغوي [ ك ] وأبي حنيفة [ ل ] وبعض من تابعه [ م ] وأحمد بن حنبل [ ن ] وبعض أصحابه [ س ] (2).
واستدل لهذا القول بما روي عن المغيرة بن شعبة من أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة (3).
وما روي عن جابر أنه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسر العمامة عن رأسه، ومسح على ناصيته، وكأن بلالا (رضي الله عنه) كان بعيدا منه فظن أنه مسح على العمامة، حين
__________
(1) بدائع الصنائع 1: 5.
(2) [ أ ] البحر المحيط 3: 437، الشرح الكبير 1: 136، جامع البيان 6: 125.
[ أ ] إلى [ ط ] المحلي 2: 53.
[ م ]، [ ن ] الفتاوى الكبرى 1: 54.
[ ل ]، [ م ] عمدة القاري، 2: 235، المبسوط 1: 63، الهداية 1: 12.
[ ل ]، [ ي ] المجموع 1: 339، [ ل ] حلية العلماء 1: 150، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60.
[ ك ]، [ ل ] فتح المعين 1: 39.
[ ن ]، [ س ] الإنصاف 1: 161.
(3) صحيح مسلم 1: 142 / 83، سنن الدارقطني 1: 192، السنن الكبرى 1: 58، 60.(1/16)
لم يضعها عن رأسه (1).
وقال علاء الدين الكاشاني: (وأما وجه التقدير بالناصية، فلأن مسح جميع الرأس ليس بمراد من الآية بالإجماع، فلا يمكن حمل الآية على جميع الرأس ولا على بعض مطلق، وهو أدنى ما ينطبق عليه الاسم، لأن ماسح شعرة أو ثلاث
شعرات لا يسمى ماسحا في العرف، فلابد من الحمل على مقدار ما يسمى عليه مسحا في المتعارف، وذلك غير معلوم.
وقد روى المغيرة بن شعبة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه بال وتوضأ ومسح على ناصيته.
فصار فعله (عليه السلام) بيانا لمجمل الكتاب، إذ البيان يكون بالقول تارة، وبالفعل اخرى.
فكأن المراد من المسح بالرأس: مقدار الناصية ببيان النبي (صلى الله عليه وآله)).
وذكر العيني قريبا من كلامه (2).
أقول: نحن نوافقه في كلامه بعد تصحيح فيه، بأنه لا يمكن حمل الآية على جميع الرأس، ولا على مسح مقدار شعرة أو ثلاث شعرات مما لا يسمى في العرف مسحا.
إلا أن استدلالهم لا يخلو عن موارد للنظر: أولا: في الحكم بمقدار الناصية وحمل الخبر عليه، كما فعلوا في رأيهم السابق، مع أنه ليس فيه ما يدل على أنه (صلى الله عليه وآله) مسح جميع ناصيته، لأنه كما يحتمل ذلك يحتمل أنه مسح بعضها، بل على العكس من ذلك، فإن لفظة الباء الداخلة على الناصية في خبر المغيرة مشعرة بمسح بعض الناصية إن لم تكن دالة عليه.
مع أنه لو فرض بأنه (صلى الله عليه وآله) مسح جميع ناصيته، ففعله هذا لا يدل على عدم جواز مسح أقل منها أو أكثر.
وثانيا: في دعوى عدم تعيين الناصية للمسح، وهذا أيضا لا دليل عليه.
ويقال لهم - بعد فرض صحة الادعاء بأن الخبر بيان لمجمل الكتاب -: إن محل المسح من الرأس أيضا مجمل، فلماذا لا تجعلون الخبر بيانا له، كجعلكم إياه بيانا
__________
(1) المبسوط 1: 101.
(2) بدائع الصنائع 1: 54، عمدة القاري 2: 236.(1/17)
للمقدار، مع أنه أولى وأظهر؟.
وثالثا: بعد حمل الآية على ما يسمى في المتعارف مسحا، فلا مجال لادعاء الإجمال في الآية، ولا ادعاء عدم معلومية القدر المتعارف.
القول العاشر: مسح مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد وهو مروي عن أبي حنيفة [ أ ] وأبي يوسف [ ب ] ومحمد [ ج ] وبعض من تابعهم [ د ] (1).
فنظر هؤلاء - كما قال الكاشاني الحنفي - بأن الأمر بالمسح يقتضي آلة، وآلة المسح هي أصابع اليد عادة، وثلاث أصابع اليد أكثر الأصابع، وللأكثر حكم الكل، فصار كأنه نص على الثلاث، وقال: * (وامسحوا برؤسكم) * بثلاث أصابع أيديكم (2).
أقول: قد يفهم من المسح أنه مسح باليد، لكن جعله بثلاث أصابع أو بباطن الكف أو بغير ذلك مسكوت عنه في الآية، والأحاديث التي أوردوها لا دليل فيها على حصر المسح به أو ترجيحه على غيره.
الحادي عشر: إجزاء المسح بإصبع واحدة وهو المحكي عن ابن سفيان [ أ ] والمروي عن الثوري [ ب ] (3).
ولم أقف لهذا القول على مستند.
والظاهر أن القائل به نظر إلى أقل ما يحصل به الاسم من آلة المسح والعضو الممسوح.
وهذا لا بأس به لا يأباه العرف، ولا ينفيه الشرع.
__________
(1) [ أ ]، [ ب ]، [ ج ] الجامع لأحكام القرآن 6: 89، البحر المحيط 3: 437، أحكام القرآن (الجصاص) 2: 344 وجامع البيان 6: 125.
[ أ ] أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60، المجموع 1: 399، عمدة القاري 2: 235.
[ د ] الهداية 1: 12، بدائع الصنائع 1: 4، حلية العلماء 1: 150، فتح القدير 1: 11، الفتاوى الكبرى 1: 54.
[ ج ] البدر المتقي 1: 13، وذكر القول في مجمع الأنهر 1: 13.
(2) بدائع الصنائع 1: 4.
(3) [ أ ] أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60 [ ب ] الجامع لأحكام القرآن 6: 89.(1/18)
الثاني عشر: إجزاء مسمى المسح، أو بعض الرأس وهذا مروي عن ابن عمر [ ج ] والحسن [ د ] والثوري [ ه ] والأوزاعي [ و ] والليث [ ز ] ومالك [ ح ] وبعض أصحابه [ ط ] وأحمد [ ي ] وعنه في المرأة [ ك ] وداود [ ل ] وبعض من تابعه [ م ] وأصحاب الرأي [ ن ]، وهو قول الشافعي [ س ] والمزني [ ع ] والطبري [ ف ] وأكثر الشافعية [ ص ] (1).
قال الحافظ: (قال الشافعي: احتمل قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم) * جميع الرأس أو بعضه، فدلت السنة على أن بعضه يجزئ.
والفرق بينه وبين قوله تعالى: * (فامسحوا برجوهكم) * في التيمم، أن المسح فيه بدل عن الغسل، ومسح الرأس أصل، فافترقا) (2).
قال النووي: (احتج أصحابنا بأن المسح يقع على القليل والكثير، وثبت في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح بناصيته، فهذا يمنع وجوب الاستيعاب، ويمنع التقدير بالربع والثلث والنصف، فإن الناصية دون الربع، فتعين أن الواجب ما يقع عليه الاسم.
والذي اعتمده إمام الحرمين في كتابه (الأساليب في الخلاف) المسح إذا
__________
(1) [ س ] الام 1: 23، البحر الزخار 1: 64، الكشاف 1: 325، المغني، الشرح الكبير 1: 135، شرح مسلم (النووي) 1: 109، إرشاد الساري 1: 268، البحر المحيط 3: 437، روح المعاني 6: 65، إعراب القرآن (الدرويش) 2: 419، إعراب القرآن (الصافي) 3: 87، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60، أحكام القرآن (الجصاص) 2: 344، مجمع الأنهر مع البدر المتقي 1: 13، تفسير المراغي 6: 62.
[ ص ] الفقه على المذاهب الأربعة 1: 61، المنهاج مع شرحه: (المغني) 1: 53، بداية المجتهد 1: 8، حلية العلماء 1: 148، رحمة الامة 1: 18، فقه السنة 1: 43، فتح المعين 1: 39.
[ ع ] مختصر المزني 1: 9.
[ ج ]، [ د ]، [ ه ]، [ ل ]، [ ص ] المجموع 1: 399.
[ م ] المحلى 2: 52.
[ ه ]، [ و ]، [ ز ]، [ ف ]، [ س ] نيل الأوطار 1: 154.
[ س ]، [ ط ] بداية المجتهد 1: 8.
[ د ]، [ ه ]، [ و ]، [ ز ]، [ ح ]، [ ي ]، [ ن ]، [ س ] عمدة القاري 2: 235.
[ ي ]، [ ك ] الإنصاف 1: 161، 162.
(2) الام 1: 22، أحكام القرآن (الشافعي) 1: 44، فتح الباري 1: 234.(1/19)
اطلق، فالمفهوم منه المسح من غير اشتراط للاستيعاب.
وانضم إليه أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح الناصية وحدها) (1).
والشوكاني الذي نسب إلى الزيدية، ينقل عن التفتزاني قائلا: (إن الباء تدخل في الآلة، والمعلوم أن الآلة لا يراد استيعابها، كمسحت رأسي بالمنديل، فلما دخلت (الباء) في الممسوح كان ذلك الحكم، أعني: عدم الاستيعاب في الممسوح).
ثم يستمر الشوكاني قائلا: (والإنصاف أن الآية ليست من قبيل المجمل وإن زعم ذلك الزمخشري وابن الحاجب في مختصره والزركشي.
والحقيقة لا تتوقف على مباشرة آلة الفعل جميع أجزاء المفعول، كما لا تتوقف في قولك: (ضربت عمروا) على مباشرة الضرب لجميع أجزائه، فمسح رأسه يوجد المعنى الحقيقي بوجود مجرد المسح للكل أو البعض.
وليس النزاع في مسمى الرأس فيقال هو حقيقة في جميعه، بل النزاع في إيقاع المسح على الرأس، والمعنى الحقيقي للإيقاع يوجد بمجرد المباشرة.
ولو كانت المباشرة الحقيقية لا توجد إلا بمباشرة الحال لجميع المحل لقل وجود الحقائق في هذا الباب، بل يكاد يلحق بالعدم) (2).
وقال العيني ناقلا عن بعض أكابر الحنفية: (قال أبو بكر الرازي في الأحكام: قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم) * يقتضي مسح بعضه، وذلك لأنه معلوم أن هذه الأدوات موضوعة لإفادة المعاني، وإن كان قد يجوز دخولها في بعض المواضع صلة، فتكون ملغاة، ويكون وجودها وعدمها سواء، ولكن لما أمكن ههنا استعمالها على وجه الفائدة لم يجز إلغاؤها، فلذلك قلنا: إنها للتبعيض.
والدليل على ذلك أنك إذا قلت: مسحت يدي بالحائط، كان معقولا مسحها ببعضه، دون جميعه، ولو قلت: مسحت الحائط، كان المعقول مسح جميعه، دون بعضه.
فوضح الفرق بين إدخالها وإسقاطها في العرف واللغة.
فإذا كان كذلك،
__________
(1) المجموع 1: 399.
(2) نيل الأوطار 1: 155.(1/20)
تحمل (الباء) في الآية على التبعيض توفية لحقها وإن كانت في الأصل للإلصاق، إذ لا منافاة بينهما، لأنها تكون مستعملة للإلصاق في البعض المفروض.
والدليل على أنها للتبعيض: ما روى عمر بن علي بن مقدم، عن إسماعيل بن حماد، عن أبيه حماد، عن إبراهيم، في قوله: * (وامسحوا برؤوسكم) * قال: إذا مسح بعض الرأس أجزأه.
قال: فلو قال: (وامسحوا رؤوسكم) كان الفرض مسح الرأس كله، وقد كان من أهل اللغة مقبولا القول فيها.
ويدل على أنه قد اريد بها التبعيض في الآية اتفاق الجميع على جواز ترك القليل من الرأس، والاقتصار على البعض، وهذا هو إستعمال اللفظ على التبعيض، فحينئذ إحتاج إلى دلالة في إثبات المقدار الذي هو حده.
فإن قلت: لو كانت للتبعيض لما جاز أن يقال: مسحت برأسي كله، كما لا يقال: مسحت ببعض رأسي كله.
قلت: قد بينا أن حقيقتها إذا اطلقت التبعيض، مع احتمال كونها ملغاة، فإذا قال: مسحت برأسي كله، علمنا أنه أراد أن تكون (الباء) ملغاة، نحو قوله تعالى: * (مالكم من إله غيره) *.
فإن قلت: قال ابن جني وابن برهان: من زعم أن (الباء) للتبعيض، فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه.
قلت: أثبت الأصمعي والفارسي والقينبي وابن مالك التبعيض.
وقيل: هو مذهب الكوفيين، وجعلوا منه: * (عينا يشرب بها عباد الله) * وقول الشاعر: شربن بماء البحر ثم ترفعت *...) (1) انتهى ما نقله العيني عن أبي بكر الرازي، وقد أجاد فيما أفاد وإن لم يكن كلاما خاليا من موارد للنظر.
__________
(1) أحكام القرآن (الجصاص) 2: 341، عمدة القاري 2: 236.(1/21)
قال فخر الدين الرازي عند ذكر دليل الشافعي: (فنقول: قوله: * (وامسحوا برؤوسكم) * يكفي في العمل به مسح اليد بجزء من أجزاء الرأس، ثم ذلك الجزء غير مقدر في الآية، فإن أوجبنا تقديره بمقدار معين، لم يكن تعيين ذلك المقدار إلا بدليل مغاير لهذه الآية، فيلزم صيرورة الآية مجملة، وهو خلاف الأصل.
وإن قلنا: إنه يكفي فيه إيقاع المسح على أي جزء كان من أجزاء الرأس، كانت الآية مبينة مفيدة.
ومعلوم أن حمل الآية على محمل تبقى الآية معه مفيدة أولى من حملها على محمل تبقى الآية معه مجملة، فكان المصير إلى ما قلناه أولى.
وهذا استنباط حسن من الآية) (1).
وقد أطال ابن حزم الظاهري، وابن جرير الطبري في الاستدلال على إجزاء المسح على بعض الرأس، والرد على المخالفين.
من أراد تفصيل ذلك فعليه
بمؤلفيهما (2).
الثالث عشر: إجزاء مسح ثلاث شعرات وهو محكي عن الشافعي [ أ ] وابن القاص [ ب ] وغيره من الشافعية [ ج ] (3).
الرابع عشر: إجزاء شعرتين وهو محكي عن بعض الشافعية (4).
__________
(1) مفاتيح الغيب 6: 164.
(2) المحلى 2: 52، 53 وجامع البيان 6: 126، 127.
(3) [ أ ] بدائع الصنائع 1: 4، البحر الزخار 1: 64، شرح الأزهار 10: 89، الهداية 1: 12، أحكام القرآن (الشافعي) 1: 44، رحمة الامة 1: 18، أحكام القرآن (ابن العربي) 1: 60، الميزان الكبرى 1: 117 [ أ ]، [ ج ] الفتاوى الكبرى 1: 53، 54، فتح القدير مع شرح العناية 1: 11.
[ ب ] حلية العلماء 1: 148، فتح العزيز 1: 354.
(4) المحلى 2: 52.(1/22)
الخامس عشر: إجزاء شعرة واحدة وهو مروي عن ابن عمر [ ا ] وأبي ثور [ ب ] والحسن البصري في المرأة [ ج ] ومحكي عن الشافعي [ د ] والثوري [ ه ] والغزالي [ و ] وغيره من الشافعية [ ز ] (1).
السادس عشر: إجزاء بعض شعرة واحدة قال العيني: صرح به أكثر الشافعية (2).
وقد استدل لهذه الأقوال الأربعة بوجوه واهية لا تنهض دليلا على المدعى، لذا لا حاجة لذكرها.
وأما بالنسبة إلى تعيين محل المسح في الرأس، فقد اختلفوا على قولين: الأول: القول بإجزاء أي موضع من الرأس مسح.
وهو قول الشافعي [ أ ]
والحنفية [ ب ] ومحكي عن إبراهيم [ ج ] والشعبي [ د ] (3).
الثاني: القول بتعيين مقدم الرأس للمسح.
ويندرج فيه قول القائلين بوجوب مسح الناصية، وقد تقدم الكلام عليه فلا نعيد.
النتيجة أقول: ما يحصل من الجمع بين أدلة الجمهور هو القول بإجزاء أقل ما يسمى
__________
(1) [ ا ]، [ ب ] البحر الزخار 1: 64.
[ د ]، [ ز ] شرح صحيح مسلم (النووي) 1: 109.
[ ز ] الوجيز مع فتح العزيز 1: 353، 354، الفتاوى الكبرى 1: 54، صحيح البخاري مع فتح الباري 1: 353، مغني المحتاج 1: 53، فتح المعين 1: 39.
[ ه ] المحلى 2: 52، جامع البيان 6: 125.
[ د ] أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 60 [ ج ] البحر المحيط 3: 437.
[ و ] شرح الأزهار 1: 89.
(2) عمدة القاري 2: 235، الفتاوى الكبرى 1: 54، مغني المحتاج 1: 53.
(3) [ أ ] الام 1: 22 [ د ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 342.
[ ج ]، [ د ] جامع البيان 6: 126، الجامع لأحكام القرآن 6: 89، مفاتيح الغيب 6: 164، البحر المحيط 3: 437 [ ب ] الفقه على المذاهب الأربعة 1: 56، بدائع الصنائع 1: 5.(1/23)
في العرف مسحا على مقدم الرأس، واستحباب ما زاد عليه، كما صرح به أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
وأخيرا نقول: فبعد أن رأيتم حكاية أقوال متعددة عن بعض الصحابة، يمكن أن يكون الواقع غير ذلك، مثلا: قد روي عن عبد الله بن عمر آراء مختلفة، ويمكن أن يكون مذهبه إجزاء ما يسمى مسحا على مقدم الرأس، واستحباب ما زاد عليه،
فحمل كل ذي رأي ما روي عنه على ما يرى.
ولا يبعد أن يكون الأمر بالنسبة إلى التابعين وبعض من أكابر الفقهاء أيضا كذلك.
المسألة الثانية: في مشروعية تكرار المسح، أو عدمها اتفقت الشيعة على عدم مشروعية تكرار المسح وعدم جوازه، لأنهم متعبدون فيه وفي أمثاله بأمر الشارع المقدس.
فالتكرار متوقف على ورود الإذن منه، ولم يرد.
والأحاديث البيانية للوضوء الصادرة عن الأئمة مستفيضة، ولم يذكر في واحد منها تكرار المسح.
فالتكرار بقصد التشريع بدعة، وكل بدعة ضلالة، بل ورد النص عن الأئمة (عليهم السلام) بالمسحة الواحدة، وهو يدل على أن ما زاد عليها ليس من الوضوء.
فقد روى الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في حديث...وفيه: " ومسح الرأس والرجلين مرة واحدة " (1).
وروى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في مسح القدمين والرأس قال: " مسح الرأس واحدة " (2).
أما فقهاء الجمهور، فقد اختلفوا فيها على خمسة أقوال: الأول: وجوب التثليث.
قال ابن حجر: (حكاه أبو حامد الإسفرائيني عن بعضهم) (3).
__________
(1) عيون أخبار الرضا 2: 121 / 1، وسائل الشيعة 1: 440، ب 31، ح 22، (2) تهذيب الأحكام 1: 82 / 215، الاستبصار 1: 61 / 181، وسائل الشيعة 1: 415، ب 23، ح 7.
(3) تلخيص الحبير 1: 412.(1/24)
الثاني: استحباب التثليث في المسح بماء واحد.
وهو المروي عن أبي حنيفة [ أ ] وعبد الخير [ ب ] (1).
الثالث: استحباب التكرار ثلاث مرات، مع أخذ الماء الجديد لكل مرة.
وهو
قول الشافعي [ ج ] ومروي عن أنس [ د ] وسعيد بن جبير [ ه ] وعطاء [ و ] وابن أبي ليلى [ ز ] وأبي حنيفة [ ح ] ومالك [ ط ] وأحمد [ ي ] وإبراهيم التيمي [ ك ] والخرقي [ ل ] وابن جرير [ م ] وإليه مال ابن الجوزي [ ن ] (2).
وقد استدل لهذه الأقوال بما روي عن كل من أمير المؤمنين (عليه السلام) [ أ ] وعثمان بن عفان [ ب ] وأبي هريرة [ ج ] من أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ ثلاثا ثلاثا (3).
وبما رواه أبو داود من أن عثمان بن عفان مسح رأسه ثلاثا، ثم رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) (4).
فحمل كل واحد من القائلين بالأقوال الثلاثة هذه الأخبار على رأيه.
وفيه نظر، لأن الطائفة الاولى من الروايات مقيدة ومفسرة بما يأتي من الأخبار، خاصة ماروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وابن عباس وأنس في تثليث الوضوء، إلا
__________
(1) [ أ ] الفتاوى الهندية 1: 5، المبسوط 6: 1، 7.
[ أ ]، [ ب ] تلخيص الحبير 1: 412.
(2) [ ج ] الام 1: 13، شرح صحيح مسلم (النووي) 1: 108، بداية المجتهد 1: 12، بدائع الصنائع 1: 22، مغني المحتاج 1: 58، الهداية على البداية 1: 13.
[ ج ]، [ د ]، [ و ]، [ م ] البحر المحيط 3: 437.
[ ج ]، [ ح ] الفتاوى اهندية 1: 5.
[ ج ]، [ د ]، [ ه ]، [ و ] الجامع لأحكام القرآن 6: 89.
[ ج ]، [ و ] تحفة الأحوذي 1: 139.
[ ج ]، [ ي ] الفتاوى الكبرى 1: 55.
[ ج ]، [ ح ]، [ ط ] رحة الامة 1: 19.
[ ج ]، [ ك ] فتح الباري 1: 209.
[ ج ]، [ ي ]، [ ل ] المغني (ابن قدامة) 1: 114.
[ ز ]، [ س ] تلخيص الحبير 1: 413.
[ ي ] الإنصاف (المرداوي) 1: 163.
(3) [ أ ]، [ ج ] سنن الترمذي 1: 63 / 43 و 44 [ ب ]، صحيح مسلم 1: 126 / 9، مصابيح السنة 1: 18، فتح الباري 1: 209.
(4) سنن أبي داود 1: 31 / 108.(1/25)
المسح فمرة واحدة.
وأما خبر عثمان فمطروح، لأنه مع ضعفه معارض بالصحاح المروية عنه وعن غيره، بأن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح رأسه مرة واحدة، ولا يجدي هنا التسامح في أدلة السنن، فالمتيقن هو المتعين.
الرابع: القول بالتكرار مرتين.
وهو مروي عن ابن سيرين (1).
ويستدل لهذا القول بما روي عن كل من جابر بن عبد الله [ أ ] وعبد الله بن زيد [ ب ] وعبد الله بن عمر [ ج ] وأبي هريرة [ د ] من أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ مرتين مرتين (2).
وبما روي عن ربيع بنت معوذ [ ا ] وعبد الله بن زيد [ ب ] من أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح برأسه مرتين (3).
وفيه ما في أدلة القول بالتثليث من النظر، فالكلام في الطائفة الاولى عين الكلام في الطائفة الاولى منها، وفي الثانية عين الكلام في ثانيتها.
الخامس: القول بعدم استحباب التكرار، وأن المشروع في المسح هو المرة الواحدة.
وهذا مروي عن ابن عمر [ أ ] وابنه سالم [ ب ] والنخعي [ ج ] ومجاهد [ د ] وطلحة بن مصرف [ ه ] والحكم [ و ] وقاسم بن محمد [ ز ] ونافع [ ح ] وأبي حنيفة [ ط ] ومن تابعه [ ي ] ومالك [ عليه ] وبعض الشافعية [ ل ] وأبي ثور [ م ].
قال الترمذي: (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
__________
(1) البحر المحيط 3: 437، الجامع لأحكام القرآن 6: 89، حلية العلماء 1: 151.
(2) [ أ ]، [ ج ] سنن ابن ماجة 1: 143 و 145 / 410 و 419.
[ ب ] صحيح البخاري 1: 55 / 158.
[ ج ] سنن الدار قطني 1: 80.
[ د ] سنن الترمذي 1: 62 / 43، سنن أبي داود 1: 37.
(3) [ ا ] سنن الترمذي 1: 48 / 33، سنن ابن ماجة 1: 150 / 438، سنن أبي داود 1: 35 / 126، المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 16.
[ ب ] سنن النسائي 1: 72، سنن الدارقطني 1: 82.(1/26)
ومن بعدهم، وبه يقول جعفر بن محمد [ ن ] وسفيان الثوري [ س ] وابن المبارك [ ع ] والشافعي [ ف ] وأحمد [ ص ] وإسحاق [ ق ]) (1).
وقال القرطبي: (هو قول الجمهور) (2).
وقال ابن قدامة: (قال ابن عبد البر: كلهم يقول: مسح الرأس مسحة واحدة.
وقال الشافعي: يمسح برأسه ثلاثا) (3).
وقال ابن حجر: (قال أبو عبيد: لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس، إلا إبراهيم التيمي) (4).
وقال أيضا: (وبه - عدم تكرار المسح - قال أكثر العلماء) (5).
واستدل لهذا القول بما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن زيد مبينا لوضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) (...فمسح برأسه، فأقبل به وأدبر مرة واحدة) (6).
وما أخرجه الترمذي وأبو داود عن ربيع بنت معوذ أنها رأت النبي (صلى الله عليه وآله)، يتوضأ، ومسح برأسه مرة واحدة.
وصححه الترمذي، ثم قال: (وقد روي من غير وجه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه مسح
برأسه مرة) (7).
وما أخرجوه عن علي: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح رأسه مرة واحدة " (8).
__________
(1) [ أ ]، [ ب ]، [ ج ]، [ د ]، [ ه ]، [ و ]، [ ط ]، [ ك ] المغني (ابن قدامة) 1: 114.
[ ط ]، [ ك ]، [ ف ]، [ م ] حلية العلماء 1: 150.
[ أ ]، [ ز ]، [ ح ] جامع البيان 6: 124.
[ ط ]، [ ك ]، [ ص ] الفتاوى الكبرى 1: 55، شرح صحيح مسلم (النووي) 1: 108، رحمة الامة 1: 19.
[ ن ]..إلى: [ ق ] سنن الترمذي مع شرحه: تحفة الأحوذي 1: 139.
[ ي ] المبسوط 1: 7 والفتاوى الهندية 1: 5.
[ ل ] رد المحتار على الدر المختار 1: 67.
(2) الجامع لأحكام القرآن 6: 89.
(3) المغني (ابن قدامة) 1: 114.
(4) فتح الباري 1: 209.
(5) تلخيص الحبير 1: 412.
(6) صحيح البخاري 1: 62 / 186 و 192، صحيح مسلم 1: 129 / 18.
(7) سنن الترمذي 1: 49 / 34، سنن أبي داود 1: 36 / 129.
(8) سنن الترمذي 1: 67 / 48، سنن ابن ماجه 1: 150 / 435.(1/27)
وما رووه عنه أيضا، أنه قال: " كان النبي (صلى الله عليه وآله) يتوضأ ثلاثا ثلاثا إلا المسح، مرة مرة " (1).
وما روي عنه أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله): " أن السنة في الوضوء مسح الرأس مرة واحدة " (2).
وما روي عن ابن عباس: أنه رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ...قال: ومسح برأسه
واذنيه مسحة واحدة (3).
وما روي عن عثمان بن عفان، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ، فمسح رأسه مرة (4).
وما روي عن سلمة بن الأكوع، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ، فمسح رأسه مرة (5).
وما روي عن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح رأسه مرة واحدة (6).
قال في (الهداية): (ولنا أن أنسا (رضي الله عنه) توضأ ثلاثا ثلاثا، ومسح برأسه مرة واحدة.
وقال: هذا وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)) (7).
قال العسقلاني: (قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة.
وكذا قال ابن المنذر: إن الثابت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في المسح مرة واحدة) (8).
وقول أبي داود هذا، كان بعد ذكر خبر عثمان المتقدم في تثليث المسح (9).
وقال ابن قدامة: (ولنا أن عبد الله بن زيد وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال:
__________
(1) كنز العمال 9: 444 / 26893، نقله عن ابن أبي شيبة.
(2) سن الدارقطني 1: 90.
(3) سنن أبي داود 1: 36 / 133.
(4) سنن ابن ماجة 1: 150 / 436، سنن أبي داود 1: 31 / 132.
(5) سنن ابن ماجة 1: 150 / 437.
(6) سنن أبي داود 1: 36 / 132.
(7) الهداية على البداية 1: 13.
(8) فتح الباري 1: 209.
(9) سنن أبي داود 1: 32 / 108.(1/28)
ومسح برأسه مرة واحدة).
متفق عليه.
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه توضأ ومسح برأسه مرة واحدة، وقال: " هذا وضوء النبي (صلى الله عليه وآله)، من أحب أن ينظر إلى طهور رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلينظر إلى هذا ".
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وكذا وصف عبد الله بن أبي أوفى وابن عباس (رضي الله عنه) وسلمة بن الأكوع والربيع، كلهم قالوا: ومسح برأسه مرة واحدة.
وحكايتهم لوضوء النبي (صلى الله عليه وآله) إخبار عن الدوام، ولا يداوم إلا على الأفضل الأكمل) (1).
قال ابن تيمية بعد أن نقل قول أبي داود المذكور: (وأيضا، فإن هذا مسح، والمسح لا يسن فيه التكرار، كمسح الخف، والمسح في التيمم، ومسح الجبيرة.
وإلحاق المسح بالمسح أولى من إلحاقه بالغسل) (2).
المسألة الثالثة: في المسح بالبلل الباقي على الأعضاء أما الإمامية فقد قالوا بوجوب المسح بنداوة الوضوء، وبطلان الوضوء باستئناف الماء الجديد، متمسكين في ذلك بما رووه عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام).
فمن ذلك ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث، وفيه: " وتمسح ببلة يمناك ناصيتك، وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى " (3).
ومنه ما رواه عمر بن اذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث الإسراء، وهو حديث طويل، جاء فيه: " ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء، ورجليك إلى كعبيك " (4).
__________
(1) المغني (ابن قدامة) 1: 114.
(2) الفتاوى الكبرى 1: 55.
(3) الكافي 3: 25 / 4، تهذيب الأحكام 1: 360 / 1083، وسائل الشيعه 1: 388، ب 15، ح 2.
(4) تهذيب الأحكام 1: 76، 81 / 191 و 211، الاستبصار 1: 71 / 216، وسائل الشيعة 1: 390، ب 15، ح 5.(1/29)
ومنه ما رواه محمد بن علي بن الحسين، قال: قال الصادق (عليه السلام): " إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شئ فخذ ما بقي منه في لحيتك، وامسح به رأسك ورجليك.
وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك، وامسح به رأسك ورجليك، وإن لم يبق من بلة وضوئك شئ أعدت الوضوء " (1).
وأما أهل السنة، فقد اختلفوا في المسألة على ستة آراء: الأول: المسح بماء جديد غير مستعمل.
وهو قول الشافعي [ أ ] ومن تابعه [ ب ] ومالك [ ج ] وفي رواية عن أحمد [ د ] (2).
وقد استند هؤلاء إلى ما أخرجه مسلم وغيره عن عبد الله بن زيد أنه رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح برأسه بماء غير فضل يده (3).
أقول: وفي الاستدلال بالخبر نظر من وجوه: أولا: أن فعل النبي (صلى الله عليه وآله) - لو سلمنا بصحته - أعم من الوجوب.
وثانيا: عدم صراحة قوله: (بماء غير فضل يده) في تجديد الماء، لاحتمال أن يكون المراد أنه أخذ البلل من لحيته أو من ذراعه.
وثالثا: خلو الأخبار البيانية للوضوء المروية حتى عن هذا الراوي وغيره من الصحابة، وغيرها من الأخبار كخبر: " لا يتم صلاة أحدكم "، وخبر: " لا يقبل الله صلاة أحدكم " عن التعرض لتجديد الماء للمسح، مع تعرض بعضها لتجديده
لغير المسح، وعلمنا في الخارج بلزوم أخذ الماء للغسل، لعدم إجزاء البلل له، بخلاف المسح، دليل على عدم وجوب تجديد الماء.
__________
(1) من لا يحضره الفقيه 1: 36 / 33، وسائل الشيعة 1: 409، ب 21، ح 5.
(2) [ أ ] الام (الشافعي) 1: 26.
[ ب ] الفتاوى الهندية 1: 5.
[ ج ]، [ د ] المغني (لابن قدامة) 1: 147، الشرح الكبير 1: 169.
(3) صحيح مسلم 1: 129 / 19، سنن الترمذي 1: 50 / 35.(1/30)
ورابعا: وجود الاضطراب في خبر عبد الله بن زيد نفسه، وإليك ما قاله شارح (سنن الترمذي) حول الخبر: (عن عبد الله بن زيد: أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ، وأنه مسح رأسه بما غبر (1) فضل يده).
وفي بعض النسخ: (بماء غبر)، كذا في النسخة المطبوعة الموجودة عندنا وفي نسخة خطية عتيقة صحيحة: (من فضل يديه) بزيادة لفظة من، وهو الظاهر.
والظاهر عندي: أن (من) بيانية، والمعنى: أنه لم يمسح رأسه بماء جديد، بل مسح بما بقي على يديه، أي ببقية من ماء يديه.
وأما على النسخة المطبوعة، فالظاهر أن (فضل يديه) - بالجر - بدل (ما غبر)، ويجوز أن يكون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي وهو فضل يديه.
هذا كل ما عندي) (2).
فيكون مجموع النسخ في الخبر أربعا: 1 - النسخة الخطية القديمة الصحيحة: مسح رأسه بما غبر من فضل يديه.
2 - النسخة التي شرحها كما رأيتها: مسح رأسه بما غبر فضل يده.
3 - النسخة المطبوعة الموجودة عنده: مسح رأسه بماء غبر فضل يده.
4 - النسخة المطبوعة المتداولة الآن: مسح رأسه بماء غير فضل يديه.
فبناء على النسخ الثلاث الاول أنه مسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء.
ويؤيده الأصل السالم عن المعارض في بعضها، والأخبار الآتية في المسح ببلل الوضوء.
وأما بناء على النسخة الحالية الموجودة عندنا فهو أنه مسح رأسه بماء جديد.
إذا تدبر القارئ في هذا علم بأن التصحيف موجود في الخبر، وهو كاف للتوقف عن الاستدلال به، مضافا إلى الشك في تحريفه، لأن التحريف والتبديل
__________
(1) غبر - بالغين المعجمة والباء الموحدة المفتوحتين - بقي، وما: موصولة.
(2) تحفة الأحوذي 1: 141.(1/31)
فيما يخالف المذهب الحاكم هو السنة الرائجة في الأزمان الخالية، كما أنه هو السيرة الجارية في الأيام الحالية.
وسواء كان ما وقع وهما من الرواة حين النقل، أو سهوا من النساخ عند الطبع، فهو كاف للتوقف في الاستدلال بالخبر.
الثاني: المسح بالبلل الباقي بعد الغسل لا المسح.
هذا رأي بعض الحنفية (1).
الثالث: المسح ببلل اليد، ولا يأخذ البلل من غير اليد من الأعضاء.
وهو قول أكثر الحنفية.
يعللون بأن الماء يصير مستعملا بعد الانفصال (2).
الرابع: المسح بالبلل الباقي على الأعضاء، وجواز أخذ الماء الجديد إن لم يبق بلل.
وهذا محكي عن بعض الحنفية (3).
الخامس: جواز المسح بالبلل الباقي على الأعضاء على الكراهة، وهذا قول بعض المالكية (4).
السادس: المسح بالبلل الباقي على الأعضاء مطلقا.
وهو مروي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) [ أ ] وعثمان بن عفان [ ب ] وإبراهيم النخعي [ ج ] والحسن البصري [ د ]
وعروة بن الزبير [ ه ] وسفيان الثوري [ و ] والأوزاعي [ ز ] وعطاء [ ح ] ورواية عن أحمد [ ط ] وحميد [ ي ] وعبد الملك [ ك ] وزفر [ ل ] (5).
واستدل هؤلاء بما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عن ربيع بنت معوذ من أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح رأسه ببلل يده.
وفي لفظ آخر للدارقطني: فمسح رأسه بما فضل في يده من الماء.
__________
(1) مجمع الأنهر والبدر المتقى 1: 13، ورد المحتار على الدر المختار 1: 68.
(2) المبسوط (السرخسي) 1: 63، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 56، روح المعاني الآلوسي 6: 65.
(3) تحفة الأحوذي 1: 142.
(4) حاشية الدسوقي 1: 88.
(5) [ أ ]، [ ج ]، [ د ]، [ و ]، [ ح ]، [ ي ] المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 21 و 22.
[ ج ]، [ د ]، [ و ]، [ ح ] المصنف (عبد الرزاق) 1: 9 / 17.
[ د ]، [ ه ]، [ ز ]، [ ط ] المغني (ابن قدامة) 1: 147، الشرح الكبير 1: 169.
[ ب ] كنز العمال 9: 443 / 26890.
[ ك ] أحكام القرآن (ابن العربي) 1: 66.
[ ل ] فتح القدير 1: 12.(1/32)
وفي لفظ أحمد: ومسح رأسه بما بقي من وضوئه في يده مرتين (1).
وبما أخرجه ابن أبي شيبة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه كان يمسح رأسه بفضل وضوئه.
وما أخرجه عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، قال: " إذا توضأ الرجل فنسي أن يمسح برأسه، فوجد في لحيته بللا أخذ من لحيته فمسح رأسه " (2).
وما رواه الطبراني عن أبي الدرداء...توضأ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومسح رأسه بفضل
ذراعيه (3).
وما روي عن أبي مالك الدمشقي أن عثمان بن عفان اختلف في خلافته في الوضوء، فأذن للناس، فدخلوا عليه، فدعا بماء...ثم مسح مقدم رأسه بيده مرة واحدة، ولم يستأنف له ماء جديدا (4).
فهذه هي أدلة القائلين بالمسح ببلل الوضوء، وحمل كل قائل منهم تلك الأخبار على رأيه.
وحمل القول الرابع لفظة الترمذي الدالة على أنه (صلى الله عليه وآله) مسح رأسه بماء جديد في خبر عبد الله بن زيد، على صورة عدم بقاء بلل الوضوء.
ولا يرد على هذا القول توقفية العبادة، فإن الجواز لا يحتاج إلى دليل، لأن العرف لا يأباه، بل التضييق محتاج إليه، فإذا لم يثبت دليل على المنع فالأصل هو الجواز.
فتأمل.
نعم، لم نقف في كتب القوم على أدلة مانعة، إلا أنك رأيت فيما أوردناه من طرق أهل البيت (عليهم السلام) ما يدل على استئناف الوضوء في تلك الصورة وإن لم يكن حجة على الجمهور، إلا إن الاحتياط في الدين مطلوب مهما أمكن.
ويرد على القول بعدم جواز أخذ البلل من غير اليد: أولا: أن القول بلزوم ألا يكون الماء مستعملا أول الكلام.
__________
(1) المصنف (العبسي) 1: 21، سنن الدارقطني 1: 87، كنز العمال 9: 432 / 26836، مسند أحمد بن حنبل 6: 358.
(2) المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 21.
(3) مجمع الزوائد 1: 19، 235 (4) كنز العمال 9: 443 / 26890.(1/33)
وثانيا: النقض بأخبار المسح ببلل اللحية، والذراع.
ويرد على القول بالمسح بالبلل الباقي بعد الغسل دون المسح: أولا: أن هذا الفرق يحتاج إلى حجة صادرة عن الشارع، ولا حجة.
وثانيا: أنه ليس قبل المسح إلا الغسل، لأنهم لا يقولون بالمسح على الرجلين، اللهم إلا أن يفترض وجود الجبيرة قبل مسح الرأس.
المسألة الرابعة: في إجزاء الغسل أو الرش عن المسح، أو عدمه أما فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فقد اتفقوا على عدم الإجزاء، لأن الغسل والمسح كما أنهما أمران متغايران في نظر العرف، فكذلك هما فرضان متفاوتان في نظر الشرع، فلا يجزئ أحدهما عن الآخر.
وكذلك الرش فإنه غير المسح شرعا وعرفا.
فالشارع أمر بالمسح، فلو اكتفى بالرش أو الغسل، لم يمتثل أمر الشارع، كما إذا عكس، بأن اكتفى بالمسح عن الغسل في الوجه واليدين، فكما أنه غير مجزئ فكذلك العكس.
والأخبار في ذلك عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) متظافرة، فمنها ما رواه زرارة، قال: قال (عليه السلام) لي: " لو أنك توضأت فجعلت مسح الرجلين غسلا، ثم أضمرت أن ذلك من المفروض، لم يكن ذلك بوضوء " (1).
ومنها: ما رواه محمد بن مروان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " إنه يأتي على الرجل ستون أو سبعون سنة، ما قبل الله منه صلاة ".
قلت: كيف ذاك؟ قال: " لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه " (2).
وأما الجمهور من فقهاء أهل السنة، فقد اختلفوا في إجزاء الغسل عن المسح أو
__________
(1) الكافي 3: 31 / 8، تهذيب الأحكام 1: 65 / 186، الاستبصار 1: 65 / 193، وسائل الشيعة 1: 420، ب 25، ح 12.
(2) الكافي 3: 31 / 9، تهذيب الأحكام 1: 65 / 184، الاستبصار 1: 64 / 191، وسائل الشيعة 1: 418، ب 25، ح 2.(1/34)
عدمه على خمسة أقوال: الأول: عدم الإجزاء.
وهو قول الظاهرية [ أ ] ووجه عن الشافعي [ ب ] ورواية عن أحمد [ ج ] وبعض الفقهاء من الزيدية [ د ] وأبي العباس بن القاضي [ ه ] (1).
الثاني: الإجزاء مطلقا.
وهو المحكي عن الشافعي وأكثر الشافعية (2).
الثالث: الإجزاء مطلقا، لكن مع الكراهة.
وهو المنسوب إلى الحنفية [ أ ] ورواية عن أحمد [ ب ] ووجه للشافعي [ ج ] وقول بعض المالكية [ د ] (3).
الرابع: الاجزاء بشرط إمرار اليد على الرأس، مع الكراهة.
وهو المروي عن أحمد [ ا ] وصحيح تابعيه [ ب ] (4).
الخامس: الإجزاء لو غسل بنية المسح، وعدمه بعدمها.
وهو قول يحيى بن حمزة، والحسن بن علي الناصر الأطروش، وعلي بن خليل من فقهاء الزيدية (5).
وأما في تعين اليد للمسح، أو عدمه، ففيه قولان: الأول: لزوم التعيين.
وهو منسوب إلى أبي حنيفة [ أ ] ومن تابعه [ ب ] ورواية عن أحمد [ ج ] وصحيح القول عند الحنابلة كما قال بعضهم [ د ] والقفال من الشافعية [ ه ] (6).
__________
(1) [ أ ]، [ ه ] البحر المحيط 3: 437، اختاره مؤلف الكتاب، الجامع لأحكام القرآن 6: 9، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 66.
[ ب ] فتح العزيز 1: 355، المجموع 1: 410، مغني المحتاج 1: 53.
[ ج ] المغني (ابن قدامة) 1: 147، الشرح الكبير 1: 169.
[ د ] شرح الأزهار 1: 89.
(2) فتح العزيز 1: 355، المنهاج مع شرحه: مغني المحتاج 1: 53، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 61، البحر المحيط 3: 437.
(3) [ أ ] الفقه على المذاهب الأربعة 1: 57.
[ ب ] الإنصاف (المرداوي) 1: 159.
[ ج ] المجموع 1: 410، فتح العزيز 1: 355.
[ د ] الشرح الكبير (الدردير) 1: 89، حاشية الدسوقي 1: 89.
(4) [ ا ]، [ ب ] الإنصاف 1: 159.
[ ب ] الفقه على المذاهب الأربعة 1: 62.
(5) شرح الأزهار 1: 89.
(6) [ أ ] رحمة الامة 1: 18 والميزان الكبرى 1: 117.
=(1/35)
الثاني: عدم تعيين اليد للمسح، بل يجوز بخرقة أو خشبة أو نحوهما.
وهو قول الشافعي [ ا ] وأكثر أتباعه [ ب ] وبعض الحنفية [ ج ] وبعض الحنابلة [ د ].
قال الأول: لو أمر من يمسح رأسه أجزأه (1).
وأما في وضع اليد على الرأس بدون التحريك، ففي الإجزاء أو عدمه ثلاثة أقوال: الأول: عدم اشتراط التحريك.
وهو القول الأصح عند الشافعية، كما قال النووي [ أ ] ومحمد من الحنفية [ ب ] (2).
الثاني: اشتراط التحريك.
وهو المحكي عن أبي حنيفة [ ا ] وأبي يوسف [ ب ] وقول للشافعي [ ج ] وبعض المعاصرين [ د ] (3).
الثالث: الإجزاء بدون التحريك لو أصاب اليد المقدار المفروض.
وهو المنسوب إلى زفر (4).
وأما لو أصاب الماء أو المطر الرأس، ففي إجزائه عن المسح سبعة أقوال:
الأول: عدم الإجزاء.
وهو محكي عن القفال من الشافعية (5).
الثاني: الإجزاء مطلقا.
وهو وجه للشافعي [ أ ] ومن تابعه من الشافعية [ ب ]
__________
= [ ب ] حاشية الچلبي 1: 11.
[ ج ]، [ د ] الإنصاف 1: 160.
[ ج ] المغني (ابن قدامة) 1: 148 والشرح الكبير 1: 159.
[ ه ] فتح العزيز 1: 351.
(1) [ ا ] كتاب الام 1: 22، رحمة الامة 1: 18، الميزان (الشعراني) 1: 117.
[ ب ] فتح العزيز 1: 356.
[ ج ] روح المعاني 6: 65.
[ د ] الإنصاف 1: 159.
(2) [ أ ] المنهاج مع شرحه: مغني المحتاج 1: 53.
[ ب ] المبسوط (السرخسي) 1: 63.
(3) [ ا ]، [ ب ] المبسوط (السرخسي) 1: 63.
[ ج ] مغني المحتاج 1: 53.
[ د ] تفسير المنار 6: 227، فقه السنة (السيد سابق) 1: 43 (4) المبسوط (السرخسي) 1: 63.
(5) فتح العزيز 1: 356.(1/36)
وبعض الحنفية [ ج ] (1).
الثالث: الإجزاء إذا جرى على رأسه.
وهو قول للشافعي (2).
الرابع: الإجزاء إذا نوى المسح.
وهو محكي عن بعض الحنابلة [ ا ] وبعض الشافعية [ ب ] (3).
الخامس: الإجزاء إذا مد يده على رأسه.
وهو مروي عن أحمد [ أ ] وصحيح الحنابلة كما قال المرداوي [ ب ] ووجه لدى الشافعي [ ج ] (4).
السادس: الإجزاء إذا نوى المسح، ومد يده على الرأس.
وهذا أيضا مروي عن أحمد بن حنبل، وبعض من تابعه (5).
السابع: الإجزاء لو أصاب الماء أو المطر القدر المفروض من الرأس.
وهذا قول بعض الحنفية (6).
وأما لو أدخل رأسه الإناء فقال أبو يوسف [ ا ] وبعض من تابعه [ ب ]: يجزئ عن المسح لو نوى المسح.
وقال محمد [ ج ] ومن تابعه من الحنفية [ د ]: لا يجزئ عنه (7).
واعلم أن من تعبد بأمر الشارع وبظاهر النصوص قال بلزوم المسح باليد على مقدم الرأس، وعدم إجزاء الغسل أو الرش أو المسح على غير المقدم عن المسح المأمور به.
وأما من استنبط بأن مقصود الشارع هو إصابة الماء الرأس أنى وقع وكيف وقع، فقد رأيتم ذهابهم إلى آراء مختلفة وتوجهات متفاوتة.
__________
(1) [ أ ] فتح العزيز 1: 356 [ ب ] بدائع الصنائع 1: 5، مغني المحتاج 1: 53 [ ج ] مجمع الأنهر،، البدر المتقى 1: 1 والمبسوط (السرخسي) 1: 64.
(2) المجموع (النووي) 1: 410، فتح العزيز 1: 356، مغني المحتاج 1: 53، أحكام القرآن (الجصاص) 2: 344.
(3) [ ا ] الإنصاف 1: 159 [ ب ] مغني المحتاج 1: 53.
(4) [ أ ]، [ ب ] اللإنصاف 1: 159، [ ج ] فتح العزيز 1: 356.
(5) الإنصاف 1: 159.
(6) روح المعاني 6: 65.
(7) [ ا ]، [ ب ]، [ ج ] فتح القدير 1: 12، روح المعاني 1: 65 [ ج ]، [ د ] مجمع الأنهر، البدر المتقى 1: 13.(1/37)
المسألة الخامسة: في مشروعية طهارة الاذنين في الوضوء، أو عدمها أما فقهاء الشيعة، فقد اتفقوا على عدم مشروعية طهارتهما في الوضوء، لا غسلا ولا مسحا.
معتصمين في ذلك بأدلة صادرة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
فمنها ما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، قلت: إن اناسا يقولون: إن بطن الاذنين من الوجه، وظهرهما من الرأس.
فقال: " ليس عليهما غسل ولا مسح " (1).
ومنها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " الاذنان ليستا من الوجه، ولا من الرأس " (2).
وأما غير الشيعة من فقهاء الجمهور، فقد اختلفوا فيه على أحد عشر قولا: الأول: أنهما من الرأس ويجب مسحهما معه.
وهو قول أحمد [ أ ] وأكثر أصحابه [ ب ] وبعض فقهاء الزيدية [ ج ] ومروي عن إسحاق بن راهويه [ د ] وأبي حنيفة [ ه ] وبعض أتباعه [ و ] (3).
وقد استدل لهذا القول بأخبار: " الاذنان من الرأس " (4).
وبما روي عن ابن عباس [ أ ] ومقدام بن معد يكرب [ ب ] وعثمان بن عفان [ ج ] وتميم الأنصاري [ د ] وربيع بنت معوذ [ ه ] من أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح برأسه واذنيه، ظاهرهما وباطنهما (5).
وقد تقدم الكلام عليه في المسألة الاولى، فراجع.
الثاني: أنهما من الرأس ويجب مسحهما بماء جديد.
وهذا محكي عن بعض
__________
(1) الكافي 3: 29 / 10، تهذيب الأحكام 1: 55 و 94 / 156 و 649، الاستبصار 1: 63 / 187، وسائل الشيعة 1: 404، ب 18، ح 2.
(2) الكافي 3: 29 / 2، وسائل الشيعة 1: 404، ب 18، ح 1.
(3) [ أ ]، [ ب ] الإنصاف 1: 162 [ ب ] الفقه على المذاهب الأربعة 1: 61 [ ج ] شرح الأزهار 1: 89، الاعتصام بحبل الله المتين: 212 [ د ] المجموع (النووي) 1: 416، حلية العلماء 1: 153 [ ه ]، [ و ]
بداية المجتهد 1: 14.
(4) سنن الترمذي 1: 53 / 37، سنن ابن ماجة 1: 151.
(5) [ أ ] سنن الترمذي 1: 52 / 36، سنن النسائي 1: 74، المنتقى 1: 98 / 262 [ ب ]، [ ه ] سنن أبي داود 1: 35 / 121، 126 [ ب ] السنن الكبرى 1: 65 [ ب ]، [ ج ]، [ د ] شرح معاني الآثار 1: 32.(1/38)
أصحاب مالك (1).
ويستدل لهذا القول بما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن زيد من أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ لاذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه (2).
مع ضميمة أخبار: " الأذنان من الرأس " إليه.
الثالث: أنهما من الرأس ويستحب مسحهما معه.
وهو مروي عن سفيان الثوري [ أ ] والأوزاعي [ ب ] وابن المبارك [ ج ] وأبي حنيفة [ د ] وأصحابه [ ه ] ومالك في رواية [ و ] وأحمد بن حنبل [ ز ] وبعض أصحابه [ ح ] (3).
فهؤلاء استدلوا بأدلة القول الأول نفسها، وحملوها على الاستحباب.
الرابع: أنهما من الرأس ويستحب مسحهما بماء جديد.
وهذا، مروي عن ابن عمر [ أ ] وأبي ثور [ ب ] ومحكي عن مالك [ ج ] وأحمد [ د ] والشافعي [ ه ] (4).
فلهم أدلة القول الثاني بحملها على الاستحباب.
الخامس: ما أقبل منهما فمن الوجه يغسل معه، وما أدبر منهما فمن الرأس يمسح معه.
وهو محكي عن الشعبي [ و ] وإسحاق [ ز ] والحسن بن صالح [ ح ] والطبري [ ط ] (5).
__________
(1) بداية المجتهد 1: 14.
(2) السنن الكبرى 1: 65.
(3) [ أ ]، [ ج ]، [ د ]، [ و ]، [ ز ] المجموع 1: 413 [ أ ]، [ ب ]، [ د ]، [ ه ]، [ و ] البحر المحيط 3: 438،
أحكام القرآن (الجصاص) 2: 353.
[ د ]، [ و ]، [ ز ] رحمة الامة 1: 19 والميزان الكبرى 1: 118 [ أ ]، [ د ] تحفة الأحوذي 1: 147 [ د ]، [ ه ] شرح معاني الآثار 1: 34 [ ز ]، [ ح ] الإنصاف 1: 163 [ ج ]، [ د ] أحكام القرآن (ابن العربي) 1: 69 [ د ]، [ ه ] شرح معاني الآثار 1: 34 [ ز ]، [ ح ] الإنصاف 1: 163 [ ج ]، [ د ] أحكام القرآن (ابن العربي) 1: 69 [ د ]، [ ز ] حلية العلماء 1: 153 [ د ] المبسوط (السرخسي) 1: 63 [ ح ] الجامع لأحكام القرآن 6: 90.
(4) [ ب ]، [ ج ]، [ د ]، [ ه ] تحفة الأحوذي 1: 147 [ ج ]، [ د ] الجامع لأحكام القرآن 6: 90 [ أ ]، [ ج ] المدونة الكبرى 1: 16 [ ج ]، [ ب ] حلية العلماء 1: 152.
[ ج ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 353 لمقدمات 1: 17.
(5) [ و ]، [ ح ]، [ ط ] أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 69 [ و ]، [ ز ]، [ ح ] المجموع (النووي) 1: 414 [ و ]، [ ح ] تحفة الأحوذي 1: 146، حلية العلماء 1: 153.
=(1/39)
وقد استدل لهذا القول بما رووه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنه حكى وضوء النبي (صلى الله عليه وآله)، فإنه أدخل يديه في الإناء جميعا، فأخذ بهما حفنة من ماء، فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من اذنيه...ثم مسح رأسه وظهور اذنيه (1).
وبما رووه عنه أيضا: داخلهما من الوجه، وخارجهما من الرأس (2).
وبما روي عن أبي أيوب، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا توضأ...وكان يبلغ براحته إذا غسل وجهه ما أقبل من اذنيه، وإذا مسح رأسه مسح بإصبعه ما أدبر.
رواه الطبراني في الكبير (3).
واحتج له بأن الله عز وجل قد أمر بغسل الوجه ومسح الرأس، فما واجهك منهما وجب غسله، لأنه من الوجه، وما لم يواجهك وجب مسحه، لأنه من
الرأس (4).
السادس: يمسح ما أقبل منهما مع الوجه، وما أدبر منهما مع الرأس.
وهو المنسوب إلى إسحاق (5).
ويمكن أن يستدل لهذا القول بما أخرجه الطحاوي وأبو داود عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما أخرجه الطبراني عن أبي أيوب، كما استدل بهما للقول الخامس.
وما روي عن وائل بن حجر، قال: حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد اتي بإناء فيه ماء...ثم أدخل كفيه في الإناء، فحمل بهما ماء فغسل وجهه ثلاثا، ثم خلل لحيته، ومسح باطن اذنيه، وأدخل خنصره في داخل أذنيه ليبلغ الماء، ثم مسح على رأسه
__________
= [ و ] جامع البيان 6: 164، رحمة الامة 1: 19، الميزان الكبرى 1: 118، شرح الأزهار 1: 88، البحر المحيط 3: 438، المصنف (الصنعاني) 1: 14، المصنف (العبسي) 1: 17، أحكام القرآن (الجصاص) 2: 353.
(1) سنن أبي داود 1: 33 / 117، شرح معاني الآثار 1: 35، تحفة الأحوذي 1: 147.
(2) مسند أحمد بن حنبل 1: 158.
(3) مجمع الزوائد 1: 233.
(4) الجامع لأحكام القرآن 6: 91.
(5) سنن الترمذي 1: 55.(1/40)
ثلاثا وظاهر اذنيه (1).
السابع: أنهما يمسحان مع كل من الوجه والرأس.
وهذا مروي عن إبراهيم النخعي وعطاء (2).
ولم أقف لهذا القول على مستمسك، إلا الاحتياط، والعمل بكلا الطائفتين من
الآثار.
الثامن: أنهما يغسلان مع الوجه، ويمسحان مع الرأس.
وهو مروي عن عطاء [ أ ] وابن سيرين [ ب ] ومحكي عن داود [ ج ] وأبي العباس بن سريج، إلا إنه يضيف عليه مسحهما على الانفراد ثلاثا [ د ] (3).
قال في شرح الترمذي: (ذكر الحافظ الزيلعي في (نصب الراية) في استدلال (ابن شريح) (4) أنه روى أصحاب السنن عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول في سجود القرآن: " سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره ".
فهذا الحديث يدل على أن الاذنين من الوجه.
فبهذا الحديث وحديث: " الاذنان من الرأس " استند ابن شريح فيما كان يفعله) (5).
التاسع: أنهما من الوجه ويجب أن يغسلا معه.
وهو قول بعض الحنفية [ أ ] والمنسوب إلى الزهري [ ب ] (6).
واستدل لهذا القول بخبر عائشة المتقدم (7).
وبما رووه عن علي (عليه السلام) أنه قال: " خارجهما وباطنهما من الوجه " (8).
__________
(1) مجمع الزوائد 1: 232، 2: 134.
(2) المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 18، المصنف (عبد الرزاق) 1: 14.
(3) [ ج ]، [ د ] تحفة الأحوذي 1: 147 [ أ ] المصنف (عبد الرزاق) 1: 14.
[ ب ] المصنف (العبسي) 1: 17 [ د ] المجموع 1: 416، حلية العلماء 1: 153.
(4) هكذا في الشرح، ولكن الظاهر المستفاد من الكتب الاخرى: (ابن سريج).
(5) تحفة الأحوذي 1: 147.
(6) [ أ ] غنية المتملي 1: 6 [ ب ] المجموع 1: 413، رحمة الامة 1: 19، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 69، البحر المحيط 3: 438، الجامع لأحكام القرآن 6: 87، شرح الأزهار 1: 88.
(7) أحكام القرآن (ابن العربي 2: 70.
(8) كنز العمال 9: 448 / 26908.(1/41)
وأما ما أخرجه البيهقي عن عثمان بن عفان من أنه مسح برأسه واذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما (1)، فعن الدلالة على جميع المطلوب قاصر.
العاشر: أنهما عضوان مستقلان، يستحب مسحهما بماء جديد.
وهو قول الشافعي [ أ ] وأصحابه [ ب ] ومروي عن الحسن [ ج ] وعطاء [ د ] وابن عمر [ ه ] وأبي ثور [ و ] ومالك [ ز ] وبعض أصحابه [ ح ] (2).
ويمكن الاستدلال لهذا القول برواية عبد الله بن زيد المتقدمة بأن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ لاذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه.
الحادي عشر: أنهما عضوان مستقلان، لا من الوجه ولا من الرأس، لا يجب طهارتهما ولا يسن، لا غسلا ولا مسحا.
هذا قول بعض أهل الظاهر [ ط ] ومروي عن ابن عباس (رضي الله عنه) [ ي ] (3).
أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس أنه قال: (الاذنان ليستا من الوجه ولستا من الرأس، ولو كانتا من الرأس لكان ينبغي أن يحلق ما عليهما من الشعر، ولو كانتا من الوجه لكان ينبغي أن يغسل ظهورهما وبطونهما مع الوجه) (4).
قال ابن العربي: (والذي يهون عليك الخطب أن الباري تعالى قال: * (برؤوسكم) * ولم يذكر الاذنين، ولو أنهما داخلتان في حكم الرأس ما أهملهما: * (وما كان ربك نسيا) *.
وقد روى صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) جماعة، لم أجد من ذكر الاذنين فيها إلا
__________
(1) السنن الكبرى 1: 64، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 7170.
(2) [ أ ] إلى [ و ] المجموع 1: 413 [ أ ]، [ و ] الجامع لأحكام القرآن 6: 87 [ أ ]، [ ز ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 353 [ أ ] سنن الترمذي مع شرحه: تحفة الأحوذي 1: 147، رحمة الامة 1: 19، الميزان
الكبرى 1: 118، البحر المحيط 3: 438، شرح الأزهار 1: 88 [ ب ] مختصر المزني 1: 9 والمبسوط (السرخسي) 1: 63 [ ح ] بداية المجتهد 1: 14.
(3) [ ط ] المحلي 2: 55 [ ي ] المصنف (عبد الرزاق) 1: 14.
(4) المصنف (عبد الرزاق) 1: 14 / 37، كشف الغمة عن جميع الامة 1: 40.(1/42)
اليسير من الصحابة) (1).
إنتهى.
ولكن لا شك أن الباري تعالى لم يذكر جميع أحكامه في كتابه الكريم، ولو ثبت عن نبيه (صلى الله عليه وآله) مشروعية طهارتهما لكان حجة ولو كان بواسطة اليسير من الصحابة.
وقال ابن حزم: (وأما مسح الاذنين فليس فرضا، ولا هما من الرأس، لأن الآثار في ذلك واهية كلها، قد ذكرنا فسادها في غير هذا المكان.
ولو كان الاذنان من الرأس لوجب حلق شعرهما في الحج، وهم لا يقولون هذا، فلو كان الاذنان من الرأس لأجزأ مسحهما عن مسح الرأس، وهذا لا يقول به أحد.
ويقال لهم: إن كانتا من الرأس فما بالكم تأخذون لهما ماء جديدا، وهما بعض الرأس؟ وأين رأيتم عضوا يجدد لبعضه ماء غير الماء الذي مسح به سائره؟) (2) انتهى كلام ابن حزم.
ولا يخفى أنه لو ثبت الدليل على مشروعية مسحهما أو غسلهما لما كان يجدي قياس ابن عباس المتقدم - لو ثبت عنه - وقياس ابن حزم، لعدم الملازمة، وإمكان استحباب طهارتهما ولو لم يكونا من الرأس أو من الوجه، مع أن الإشكال لا يرد على جميع أقوالهم.
إلا أن الشئ البعيد هو أن يكون هناك نص ولم يعلم به حبر الامة ابن عباس، ولا مانع من سماعه إلا ما ذكره ابن حزم من أن جميع الآثار في ذلك واهية.
هذا آخر ما يسر الله لنا الحصول عليه من أقوالهم.
وقد وجدنا فيما بين روايات القوم ما يدل على غير ذلك، ولكن لم أقف على قائل به، لذا لم نر حاجة إلى ذكرها.
__________
(1) أحكام القرآن 2: 71.
(2) المحلى 2: 55.(1/43)
المسألة السادسة: في مشروعية المسح على العمامة، أو عدمها أما التابعون لأهل بيت النبوة - سلام الله عليهم - فقد اتفقوا على عدم مشروعية المسح على العمامة، وعدم إجزائه عن مسح الرأس.
متشبثين في ذلك بظاهر كتاب الله تعالى، وبأذيال النصوص الواردة عن أئمتهم المعصومين (عليهم السلام)، فمنها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن المسح على الخفين، وعلى العمامة فقال: " لا تمسح عليهما " (1).
ومنها ما رواه حماد بن عيسى عن أحدهما (عليهما السلام)، في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قال: " يرفع العمامة بقدر ما يدخل أصبعه، فيمسح على مقدم رأسه " (2).
ومنها ما رواه الحسين عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل توضأ وهو معتم، فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟ فقال: " ليدخل أصبعه " (3).
أما التابعون لمدرسة الصحابة، فقد اختلفوا في المسألة على سبعة أقوال: الأول: إجزاء مسح العمامة عن مسح الرأس مطلقا.
رووه عن أبي بكر [ أ ] وعمر بن الخطاب [ ب ] وأنس [ ج ] وأبي امامة [ د ] وسعد بن مالك [ ه ] وأبي الدرداء [ و ] وعمر بن عبد العزيز [ ز ] وحسن البصري [ ح ] وقتادة [ ط ] ومكحول [ ي ] والأوزاعي [ ك ] وأبي ثور [ ل ] وابن المنذر [ م ] والثوري [ ن ] وأحمد بن حنبل [ س ] وبعض أصحابه [ ع ] وإسحاق بن راهويه [ ف ] والطبري [ ص ] وداود بن
علي [ ق ] ومن تابعه من الظاهرية [ ر ] والقاسم بن سلام [ ش ] (4).
__________
(1) تهذيب الأحكام 1: 109، 361، وسائل الشيعة 1: 459، ب 38 ح 8.
(2) تهذيب الأحكام 1: 90 / 238، الإستبصار 1: 60 / 178، وسائل الشيعة 1: 416، ب 24، ح 1.
(3) الكافي 3: 30 / 3، تهذيب الأحكام 1: 90 / 239، الاستبصار 1: 61 / 183، وسائل الشيعة 1: 416، ب 24، ح 2.
(4) [ أ ] إلى [ ل ] و [ ن ]، [ ف ]، [ ص ]، [ ق ] المجموع (النووي) 1: 407 [ ك ]، [ ن ]، [ س ]، [ ل ]، [ ف ]، [ ق ]، [ ش ] المقدمات 1: 14 [ أ ]، [ ب ]، [ ج ]، [ ك ]، [ س ]، [ ف ] سنن الترمذي مع شرحه: تحفة الأحوذي 1: 344 [ ك ]، [ ن ]، [ س ] مفاتيح الغيب 6: 164، البحر المحيط 3: 437، الجواهر في تفسير القرآن الكريم 2: 129 [ س ]، [ ل ]، [ ش ] بداية المجتهد 1: 10 [ ن ]، [ س ]، [ ق ] حلية العلماء 1: 151 =(1/44)
واستدل لهذا القول بما أخرجه مسلم وغيره عن المغيرة بن شعبة أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح بناصيته وعلى العمامة (1).
وبما أخرجه البخاري عن جعفر بن عمرو عن أبيه، قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) يمسح على عمامته وخفيه (2).
وبما أخرجه مسلم وغيره عن بلال أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح على الخفين والخمار (3).
وبما أخرجه أبو داود عن ثوبان، قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين (4).
وقد أورد بعض فقهاء الجمهور على أدلتهم المذكورة، فمنهم أبو بكر الرازي، يقول في (الأحكام): (قيل لهم: هذه أخبار مضطربة الأسانيد، وفيها رجال مجهولون.
وفي بعضها على جانب عمامته، وفي بعضها وضع يده على
عمامته) (5).
ومنهم ابن رشد المالكي، يقول في (المقدمات): (والآثار الواردة في ذلك - يعني المسح على العمامة - عن الني (صلى الله عليه وآله) مضطربة، فقد روي أنه مسح على عمامته، فأدخل يده من تحتها.
وإن ثبت أنه مسح فلعله فعل ذلك لعذر، أو لتجديد من غير حدث، والله أعلم) (6).
وقال ابن عربي في (الفتوحات): (وهو - خبر المغيرة بن شعبة - حديث قد
__________
= [ س ]، [ ع ] الإنصاف 1: 170 [ ك ]، [ ن ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 342 وروح المعاني 6: 65 [ ق ] البحر الزخار 1: 66 [ ر ] المحلى 2: 58.
(1) صحيح مسلم 1: 141 / 81، سنن الترمذي 1: 170 / 100، سنن النسائي 1: 76.
(2) صحيح البخاري 1: 66 / 205.
(3) صحيح مسلم 1: 142 / 84، سنن ابن ماجة 1: 186 / 561.
(4) سنن أبي داود 1: 39 / 146، السنن الكبرى 1: 62.
(5) أحكام القرآن 2: 351.
(6) المقدمات 1: 14.(1/45)
تكلم فيه، وقال أبو عمرو بن عبد البر: إنه معلول) (1).
أقول: لا شك في أن الله أمرنا بالمسح على الرأس، ومسح العمامة ليس مسحا للرأس يقينا.
وليت شعري كيف يترك القوم وظيفتهم المتيقنة لأمثال خبر المغيرة ابن شعبة مع أنه محتمل التأويل، لأنه ليس ببعيد أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يزيل الغبار عن عمامته أو أراد أن يصلحها، فتوهم بعض الحاضرين من أمثال المغيرة وبلال وغيرهما أنه يمسح عليها، كما يشعر بالأول كونه في السفر، وبالثاني قول المغيرة في لفظ: (ومسح بناصيته وجانبي عمامته) [ أ ]، وفي لفظ
آخر عنه: (وضع يده على عمامته) [ ب ] (2).
وقد تفطن لخطئهم بعض أكابر الصحابة، مثل جابر (رضي الله عنه)، فقد روي عنه أنه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسر العمامة عن رأسه، ومسح على ناصيته، وكأن بلالا (رضي الله عنه) كان بعيدا منه فظن أنه مسح على العمامة، حين لم يضعها عن رأسه (3).
الثاني: الإجزاء إذا لبسها على الطهارة، قياسا على الخف.
وهو محكي عن الأوزاعي [ أ ] وأبي ثور [ ب ] وفي رواية عن أحمد بن حنبل [ ج ] (4).
الثالث: الإجزاء إذا كانت ساترة لجميع الرأس، إلا ما جرت العادة بكشفه.
حكى شارح الترمذي هذا القول بدون ذكر القائل (5).
الرابع: الإجزاء إذا كانت محنكة.
وهو مروي عن سفيان الثوري [ أ ] والأوزاعي [ ب ] وإسحاق بن راهويه [ ج ] وأحمد بن حنبل [ د ] وبعض أصحابه [ ه ] (6).
__________
(1) الفتوحات المكية 1: 446، بداية المجتهد 1: 10.
(2) [ أ ]، [ ب ] أحكام القرآن (الكيا الهراسي) 3: 43 [ أ ] سنن النسائي 1: 77 [ ب ] سنن البيهقي 1: 58.
(3) المبسوط (السرخسي) 1: 101.
(4) [ أ ]، [ ب ] المجموع 1: 407 [ أ ] البحر الزخار 1: 66.
[ ب ] تحفة الأحوذي 1: 355، حلية العلماء 1: 151 [ ج ] الميزان الكبرى 1: 117، رحمة الامة 1: 18، روح المعاني 6: 65، المغني (ابن قدامة) 1: 340، الشرح الكبير 1: 183.
(5) تحفة الأحوذي 1: 348.
(6) [ أ ]، [ ب ]، [ ج ] بداية المجتهد 1: 13 [ د ] روح المعاني 6: 65، رحمة الامة 1: 18، الميزان 1: 117 =(1/46)
الخامس: الإجزاء إذا مسحها مع الناصية.
وهذا أيضا محكي عن الثوري [ و ] وعن مالك بن أنس [ ز ] وابن المبارك [ ح ] والشافعي [ ط ] ومن تابعه من الشافعية
[ ي ] وقد نسب إلى أبي حنيفة [ ك ] (1).
السادس: الإجزاء للمعذور.
وهو المنسوب إلى أبي حنيفة [ أ ] وأصحابه [ ب ] ومالك [ ج ] والشافعي [ د ] وأتباعه [ ه ] (2).
والمراد من العذر في هذا القول: ما يعم المشقة والعسر والحرج، وإلا فإن أكثر القائلين بغيره من الأقوال جوزوا للمضطر المسح على العمامة.
والقائلون بهذه الأقوال الخمسة منهم من استند إلى خبر المغيرة بن شعبة، ومنهم من استدل بحديث السرية، ومنهم من قاسها على الخفين.
السابع: عدم إجزاء مسح العمامة عن مسح الرأس مطلقا.
ادعى الآلوسي اتفاق الأئمة على هذا القول (3).
ونسبه الطنطاوي إلى الجمهور (4).
وهو مروي عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) [ أ ] وابن عمر [ ب ] وجابر [ ج ] وعروة بن الزبير [ د ] والشعبي [ ه ] والنخعي [ و ] والقاسم بن سلام [ ز ]، وهو محكي عن أبي حنيفة [ ح ] وغيره من أصحاب الرأي [ ط ]، وهو قول مالك [ ي ] وأصحابه [ ك ] والشافعي [ ل ] وأكثر من تابعه [ م ] وأبي حيان [ ن ] والحسن بن صالح [ س ] وأكثر العترة [ ع ] (5).
__________
= والبحر الزخار 1: 66، المجموع 1: 407 [ ه ] المغني (ابن قدامة) 1: 342، الشرح الكبير 1: 183، الإنصاف (المرداوي) 1: 185، حلية العلماء 1: 151.
(1) [ و ] إلى [ ط ] و [ ك ] نيل الأوطار 1: 166 [ ز ]، [ ط ]، [ ك ] الفتاوى الكبرى 1: 55 [ و ] إلى [ ط ] سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 1: 346 [ و ]، [ ز ] حلية العلماء 1: 151 [ ط ]، [ ي ] أحكام القرآن (الكياالهراسي) 3: 43 [ ط ] البحر الزخار 1: 66 [ ي ] المجموع (النووي) 1: 407، 408، مفاتيح الغيب 6: 164، مغني المحتاج 1: 60.
(2) [ أ ]، [ ج ]، [ د ] الميزان الكبرى 1: 117، رحمة الامة 1: 18.
[ ب ] الفقه على المذاهب الأربعة 1: 57 [ ج ] الفتاوى الكبرى 1: 54، المقدمات 1: 14 [ ه ] أحكام
القرآن (الكياالهراسي) 3: 43.
(3) روح المعاني 6: 65.
(4) الجواهر في التفسير 2: 129.
(5) [ أ ] إلى [ ز ] و [ ط ]، [ ي ] المجموع 1: 407 [ ط ]، [ ي ]، [ ل ]، [ س ] أحكام القرآن (الجصاص): 2 =(1/47)
روى علي بن عباس عن زيد بن علي عن الإمام الحسين بن علي - (عليهما السلام) - قوله: " إنا ولد فاطمة (رضي الله عنه) لا نمسح على الخفين ولا عمامة " (1).
وادعى الإمام القاسم بن محمد بن علي إجماع آل الرسول (صلى الله عليه وآله) عليه (2).
واحتجوا (بأن الله فرض المسح على الرأس، والحديث في العمامة محتمل التأويل، فلا يترك المتيقن للمحتمل، والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس، وبعد القياس على الخف) (3).
وبخبر جابر المتقدم.
ومثله ما روي عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه، ولم ينقض العمامة (4).
وما أخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ، فرفع العمامة، فمسح مقدم رأسه (5).
وبما روي عن أبي عبيدة أنه قال: سألت جابر بن عبد الله عن المسح على العمامة، فقال: (أمس الشعر الماء).
وفي لفظ آخر: (لا، حتى تمس الشعر بالماء) (6).
وما روي عن جرير بن عبد الله البجلي، عندما سأله رجل عن المسح على العمامة، فقال له: (أمس الشعر) (7).
__________
= 351 [ د ] إلى [ ي ] و [ ل ] تحفة الأحوذي 1: 345، 346 [ ب ]، [ ه ]، [ والمصنف (ابن أبي شيبة) 1: 24 [ ح ]، [ ي ]، [ ل ] بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1: 13، الميزان الكبرى 1: 117 ورحمة الامة 1: 18 [ ج ]، [ ي ] الموطأ 1: 35 [ ي ] الام 1: 22 [ ط ] الفقه على المذاهب الأربعة 1: 57، الفتاوى الهندية 1: 6 والمبسوط (السرخسي) 1: 101 [ ع ] البحر الزخار 1: 66 [ ي ] المدونة الكبرى 1: 16 [ ك ] المقدمات (ابن رشد) 1: 14 [ م ] المجموع 1: 408، مفاتيح الغيب 6: 164 وفتح العزيز 1: 426، مغني المحتاج 1: 60 [ ن ] البحر المحيط 3: 437.
(1) مسند الإمام زيد: 74.
(2) الاعتصام بحبل الله المتين 1: 214.
(3) نيل الأوطار 1: 166، تحفة الأحوذي 1: 345.
(4) المنتقى 1: 96 / 258، السنن الكبرى 1: 61.
(5) المصنف 1: 23.
(6) سنن الترمذي 1: 173 / 102، الموطأ 1: 35 والمصنف (العبسي) 1: 23، السنن الكبرى 1: 61، كشف الغمة عن جميع الامة 1: 37.
(7) كشف الغمة 1: 45.(1/48)
ثم إنه ليس من البعيد أن يكون كل قائل حاملا ومؤولا لأقوال من تقدم على مذهبه مما كان سببا لنقل أقوال متعددة عن شخص واحد من السلف.(1/49)
المبحث الثاني في طهارة الرجلين وسنبحث فيه عن مسألتين: مسألة كيفية طهارة الرجلين، ومسألة المسح على الخفين:
المسألة الأولى في كيفية طهارة الرجلين أجمعت الامة الإسلامية - بجميع مذاهبها - على أن الرجلين من أعضاء الوضوء، ولا يصح الوضوء بدون طهارتهما.
ولكنهم اختلفوا في كيفيتها.
فأما فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فقد أجمعوا على وجوب مسحهما، وبطلان الوضوء بدونه، وحرمة الغسل بقصد تشريعه، متمسكين في ذلك بظاهر كتاب الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * (1).
وبروايات مستفيضة، بل متواترة عن العترة الطاهرة (عليهم السلام)، منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث...قال: وذكر المسح فقال: " امسح على مقدم رأسك، وامسح على القدمين، وأبدأ بالشق الأيمن " (2).
ومنها ما رواه محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " إنه يأتي على الرجل ستون أو سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة ".
قلت: كيف ذاك؟ قال: " لأنه يغسل ما أمر
__________
(1) سورة المائدة: 6.
(2) الكافي 3: 29 / 2، وسائل الشيعة 1: 418، ب 25، ح 1.(1/51)
الله بمسحه " (1).
ومنها ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): " ألا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) "؟ فقلنا: بلى.
فدعا بقعب فيه شئ من ماء فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه، ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال: " هكذا إذا كانت الكف طاهرة " ثم غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه، ثم قال: " بسم الله ".
وسدله على أطراف لحيته، ثم أمر يده على وجهه وظاهر جبينه مرة واحدة، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمين فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على
أطراف أصابعه، ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه، ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة يساره وبقية يمناه.
الحديث (2)..وأما الجمهور من فقهاء أهل السنة والجماعة - فبعد اتفاقهم على جواز المسح لغير المحدث (3) اختلفوا في المسألة على خمسة أقوال.
القول الأول: وجوب الغسل.
وهو مذهب أكثرهم، خاصة المتأخرين منهم.
واستدل فقهاؤهم ومفسروهم لإثبات أن الواجب هو الغسل بثلاثة أنواع من الأدلة: النوع الأول: قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) *.
وقد ارتكب بعض علمائهم في الآية لحملها على رأيهم تأويلات بعيدة، وتكلفوا وجوها غريبة، وزيفها الآخر مرتكبا تأويلا أبعد من سابقه كما سترى، وهي: التأويل الأول: قال الكاشاني الحنفي: (الوجه الأول: ما قاله بعض مشائخنا: إن
__________
(1) الكافي 3: 31 / 9، تهذيب الأحكام 1: 65 / 184، وسائل الشيعة 1: 418، ب 25، ح 2.
(2) الكافي 3: 25 / 4، تهذيب الأحكام 1: 360 / 1083، وسائل الشيعة 1: 387، ب 15، ح 2.
(3) أحكام القرآن (الجصاص) 2: 347، روح المعاني 6: 68.(1/52)
قراءة النصب محكمة في الدلالة على كون الأرجل معطوفة على المغسولات وقراءة الخفض محتملة، لإنه يحتمل أنها معطوفة على الرؤوس حقيقة ومحلها من الإعراب الخفض، ويحتمل أنها معطوفة على الوجه واليدين حقيقة ومحلها من الإعراب النصب، الا أن خفضها للمجاورة وإعطاء الإعراب بالمجاورة طريقة
شائعة في اللغة بغير حائل وبحائل فثبت أن قراءة الخفض محتملة وقراءة النصب محكمة.
فكان العمل بقراءة النصب أولى) (1).
وقد تمسك بهذا الوجه كثير من علماء القوم، فقالوا: إن قراءة الجر محمولة على المجاورة (2).
وقد أورد الكاشاني على هذا الوجه فقال بعد نقله لكلام شيخه: (إلا أن في هذا الكلام إشكالا، لأن قراءة النصب محتملة أيضا، ونصب على المعنى لا اللفظ، والإعراب قد يتبع اللفظ وقد يتبع المعنى) (3).
أقول: مضافا إلى ذلك أن العيني حكى قول القائلين بوجوب المسح وذكر من بين أدلتهم أن قراءة الجر محكمة في المسح (4).
وسيتضح فيما يأتي أن قراءة النصب أيضا محكمة في المسح عكس ادعاء الشيخ الحنفي.
هذا بالنسبة إلى الجزء الأول من استدلاله.
قال العيني أيضا: بالنسبة إلى عطف الأرجل على الوجوه واليدين إن أبا علي قال: قد أجاز قوم النصب عطفا على * (وجوهكم) *، وإنما يجوز شبهه في الكلام المعقد، وفي ضرورة الشعر، وما يجوز على مثله محبة العي وظلمة اللبس ونظيره: (أعط زيدا وعمرا جوائزهما، ومر ببكر وخالدا)، أي وأعط خالدا أيضا.
فأي بيان
__________
(1) بدائع الصنائع 1: 6.
(2) المقدمات 1: 15، أحكام القرآن (الطبري) 3: 41، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 72، غرائب القرآن ورغائب الفرقان 6: 53، عمدة القارئ 2: 238، فتح القدير 1: 8، المجموع 1: 419، حاشية الصاوي على الجلالين 1: 254، نيل الأوطار 1: 168.
(3) بدائع الصنائع 1: 6.
(4) عمدة القاري 2: 238.(1/53)
في هذا؟ وأي لبس أقوى من هذا؟ ثم قال: ذكر المرسي حاكيا عنه في (ري الظمآن) (1).
وقال علي بن حزم: (وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس إما على اللفظ وإما على الموضع، لا يجوز غير ذلك، لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة) (2).
وقال أبو حيان: (وفيه الفصل بين المتعاطفين بجملة ليست باعتراض، بل هي منشئة حكما، وقال الاستاذ أبو الحسن بن عصفور وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه: وأقبح ما يكون ذلك بالجمل.
فدل قوله هذا على أنه ينزه كتاب الله عن هذا التخريج) (3).
وقال الإمام فخر الدين الرازي: (إن العاملين إذا إجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى فوجب أن يكون عامل النصب في قوله: * (وأجلكم) * هو قوله: * (وامسحوا) *، فثبت أن قراءة: * (وأرجلكم) * بنصب اللام توجب المسح أيضا) (4).
وقال الحلبي الحنفي: (والصحيح أن الأرجل معطوفة على الرؤوس في القراءتين ونصبها على المحل وجرها على اللفظ، وذلك لامتناع العطف على المنصوب للفصل بين العاطف والمعطوف بجملة أجنبية، والأصل ألا يفصل بينهما بمفرد فضلا عن الجملة.
ولم يسمع في الفصيح نحو (ضربت زيدا، ومررت بعمرو، وبكرا) بعطف بكر على زيد.
وأما الجر على الجوار فإنما يكون على قلة في النعت كقول بعضهم: هذا جحر ضب خرب، بجر خرب (5).
وأما بالنسبة إلى حمل قراءة الخفض على المجاورة، فقد قال الزبيدي وابن منظور حاكيين عن أبي إسحاق النحوي أنه قال: (الخفض على الجوار لا يجوز في
__________
(1) عمدة القاري 2: 238.
(2) المحلى 2: 57.
(3) البحر المحيط 3: 438 والنهر الماد 3: 438.
(4) مفاتيح الغيب 6: 165.
(5) في هامش مختصر غنية المتملي: 6، وأشار المؤلف إلى قوله هذا في مختصره، ونقل كلامه عن الشرح الكبير (غنية المتملي في شرح منية المصلي).(1/54)
كتاب الله عز وجل، وإنما يجوز ذلك في ضرورة الشعر) (1).
وقال أبو حيان: (وهو تأويل ضعيف جدا ولم يرد إلا في النعت حيث لا يلبس، على خلاف فيه) (2).
وقال الفخر الرازي: (هذا باطل من وجوه: الأول: أن الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر، وكلام الله يجب تنزيهه عنه.
وثانيا: أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: (جحر ضب خرب)، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتا للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.
وثالثها: أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب) (3).
وقال الخازن: (وأما من جعل كسر اللام في (الأرجل) على مجاورة اللفظ دون الحكم - واستدل بقولهم: (جحر ضب خرب)، وقال: الخرب: نعت للجحر، لا للضب، وإنما اخذ إعراب الضب للمجاورة - فليس بجيد) (4).
ثم ذكر الخازن الوجوه الثلاثة التي ذكرها الرازي على مدعاه.
وقال الطبري: (واعترض عليه بأن الأليق بكتاب الله تعالى مراعاة المعنى دون النظم، وكسر الجوار إنما يصير إليه من رام تغليب النظم على المعنى مثل الشعراء،
أما من رام تغليب المعنى فلا يصير إلى كسر الجوار، ومتى كان حكم الأرجل في المسح مخالفا لحكم الرأس لم يجز الجر بناء على المجاورة في النظم مع الاختلاف في المعنى.
وهذا كلام حسن) (5).
وقال ابن همام ناقلا كلام ابن الحاجب: (والحمل على الجوار ليس بجيد، إذ لم
__________
(1) تاج العروس 2: 222 / باب الحاء فصل الميم - مسح، لسان العرب 2: 593 - مسح.
(2) البحر المحيط 3: 438.
(3) مفاتيح الغيب 6: 165.
(4) لباب التأويل في معاني التنزيل 2: 16.
(5) أحكام القرآن (الطبري) 3: 40.(1/55)
يأت في القرآن ولا في كلام فصيح) (1).
وقال الصاوي المالكي: (واعترض على هذا الحمل بأنه لم يرد الجر بالمجاورة إلا في النعت ومع ذلك هو ضعيف) (2).
وقد تقدم كلام إبراهيم الحلبي على هذا التأويل قريبا.
فهذه آراء أكابر القوم في الوجه الأول من تأويلاتهم.
التأويل الثاني: أن قوله: * (وأرجلكم) * بالنصب معطوف على الوجه واليدين فحكمهما واحد وهو الغسل.
وأما بناء على قراءة الخفض فمحمول على مسح الخف.
وقد حكاه النووي عن أبي حامد، والدارمي، والماوردي، والقاضي أبي الطيب، بل التجأ إلى هذا الوجه كثير من علمائهم (3).
ويرد على هذا الوجه: أولا: أنه لا يخفى أن الأرجل شئ والخف شئ آخر، وأن تفسير القوم للكعبين مانع عن هذا الحمل.
ثانيا: قد ثبت عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس (رضي الله عنه) وغيرهما من الصحابة نسخ حكم المسح على الخفين بهذه الآية نفسها، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يمسح على الخفين بعد هذه الآية كما سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى، فكيف تستدلون بها على ما يخالفها؟.
وأخيرا: أن المذكور في الآية هو الأرجل، فبأي دليل تصرفونها عن ظاهرها؟ وبأي حجة تحملون كتاب الله على رأيكم، والواجب أن تحملوا آراءكم على كتاب الله عز وجل؟.
التأويل الثالث: أن قوله: * (وأرجلكم) * بناء على قراءة الخفض مجرور بفعل
__________
(1) فتح القدير 1: 8.
(2) حاشية الصاوي 1: 254.
(3) المجموع 1: 420، أحكام القرآن (الجصاص) 2: 348، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 72، حاشية ابن عربي على سنن الترمذي 1: 59، فتح الباري 1: 215، حاشية الصاوي على الجلالين 1: 254، عمدة القاري 2: 239، بدائع الصنائع 1: 6، المقدمات (ابن رشد) 1: 15.
(*(1/56)
محذوف يتعدى بالباء، أي (وافعلوا بأرجلكم الغسل) (1).
وحكى ابن همام عن ابن الحاجب أن العرب إذا اجتمع فعلان متقاربان في المعنى، ولكل متعلق جوزت حذف أحدهما وعطف متعلق المحذوف على متعلق المذكور وكأنه متعلقه كقولهم: علفتها تبنا وماء باردا.
والحمل على الجوار ليس بجيد، إذ لم يأت في القرآن ولا في كلام فصيح).
انتهى.
ثم أورد ابن همام على كلامه قائلا: (إنما يتم إذا كان إعراب المتعلقين من نوع واحد كما في (علفتها)، و (سقيتها)، وهنا الإعراب مختلف، لأنه معمول (اغسلوا) المحذوف، فحين ترك إلى الجر لم يكن إلا لمجاورة إعراب الرأس.
فما
هرب منه وقع فيه) (2).
وقال أبو حيان الأندلسي: (أو تؤول على أن الأرجل مجرورة بفعل محذوف يتعدى بالباء، أي (وافعلوا بأرجلكم الغسل)، وحذف الفعل وحرف الجر.
وهذا التأويل في غاية الضعف) (3).
أقول: لا يخفى على اللبيب أن الحذف والتقدير خلاف الأصل في الكلام لا يصار إليه إلا مع القرينة، وعند الضرورة، أما ما نحن فيه فالأمر أظهر من الشمس.
التأويل الرابع: ما قاله الصاوي بعد أن اعترض على حملهم الجر على الجوار: (والأولى أن يقال: إنه مجرور لفظا، ومعنى معطوف على الرأس والمسح مسلط عليه) (4).
وقال الخازن: (قال جماعة من العلماء: إن (الأرجل) معطوفة على (الرؤوس) في الظاهر، والمراد فيها: الغسل، لأنه قد ينسق بالشئ على غيره والحكم فيهما مختلف، مثل (علفتها تبنا وماء باردا) يعني: (وسقيتها ماء باردا).
وكذلك المعنى في الآية: (وامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم)، فلما لم يذكر الغسل وعطفت
__________
(1) البحر المحيط 3: 437، عمدة القارئ 2: 238، تاج العروس 2: 223 مادة: مسح.
(2) فتح القدير 1: 8.
(3) البحر المحيط 3: 438.
(4) حاشية الصاوي على شرح الجلالين 1: 254.(1/57)
(الأرجل) على الرؤوس في الظاهر اكتفى بقيام الدليل على أن (الأرجل) مغسولة من مفهوم الآية والأحاديث الصحيحة الواردة بغسل الرجلين في الوضوء) (1).
ويرد على هذا الوجه: أولا: أنه يمكن القول بصحة ذلك إذا كان هناك قرينة على المراد، وكان إعراب
المعمولين من نوع واحد، وحصل الأمن من الالتباس، كما في المثال المذكور.
وأما في الآية فالقرينة غير موجوددة، والإعراب مختلف، والأمن ليس بحاصل.
والشاهد عليه ذلك الاختلاف الهائل بين المسلمين حول طهارة الرجلين في الوضوء.
ثانيا: أن قوله: (ماء باردا) منصوب بفعل مقدر، أي (سقيتها ماء باردا)، لا بالفعل المذكور (علفتها) وإرادة غيره من الكلام حتى نقيس الآية عليه.
وقد تقدم كلام ابن الحاجب على المثال المذكور في التأويل الثالث.
وثالثا: أن ادعاء اكتفاء الشارع بمفهوم الآية والأحاديث الصحيحة عن ذكر الغسل، باطل، لأن الاستدلال بمفهوم الآية على المدعى مصادرة على المطلوب.
وأن الآية ظاهرة - بل صريحة - في المسح.
والأخبار الواردة في الغسل معارضة بالصحاح المروية في المسح، وممكنة الحمل على محامل قريبة دون أخبار المسح، كما سترى عن قريب إن شاء الله تعالى.
ورابعا: أنه يمكن أن يتصور هذا في حق من لم يعلم بمداليل الكلام ومفاهيم العبارات.
وأما بالنسبة إلى كتاب الله الكريم فلا يتفوه به جاهل فضلا عن عالم.
أما لو فرض وجود نكتة غائبة عنا، فإنا لا نتصور إمكان وجود نكتة تستوجب ارتكاب ذلك الاسلوب المخالف لأهل العرف واللغة، وما يترتب عليه من الخلاف واللبس.
التأويل الخامس: أن المراد بالمسح في الآية: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) * هو
__________
(1) لباب التأويل 2: 16.(1/58)
الغسل الخفيف، لأن العرب تسمي الغسل الخفيف مسحا.
حكوه عن ابن زيد الأنصاري وأبي علي الفارسي (1).
ويرد عليه ما قال عنه الصاوي: (وهو بعيد) (2).
وقال عماد الدين الطبري: (إن الشرع أراد تفرقة مابين البابين فقال: * (فاغسلوا وجوهكم) * ثم قال: * (وامسحوا) *.
فلو كانا متقاربين في المعنى لم يقصد إلى التفرقة، فإن تقارن مابين الغسل والمسح إن اقتضى إطلاق لفظ واحد عليهما، فتقارن ما بينهما يقتضي إطلاق لفظ الغسل على الجميع إطلاقا واحدا، ولم يرجع في الرؤوس إلى لفظ المسح) (3).
أقول: إن ادعى المؤول للآية اتحاد المعنى في المسح والغسل فقد يرد عليه - إضافة إلى ما تقدم من بني قومه: أن العرف واللغة يأبيان ذلك، والعرف يفرق بين مسح الشئ بالماء وبين غسله، بل يعتبر المأمور بمسح الشئ مؤاخذا إذا غسله، لأنه لم ينفذ الأمر المطلوب، بل نفذ غيره.
هذا أولا.
وثانيا: لماذا لا يقول في الرأس أيضا: إن المراد بمسحه هو الغسل الخفيف؟.
وان ادعى اختلاف المعنى فيهما، فكيف يجوز إطلاق لفظ واحد وإرادة معنييه الحقيقيين أو إرادة معنى حقيقي وآخر مجازي في استعمال واحد؟ ومخالفة الشافعي لا يؤخذ بها بعد ما حققه المحققون.
التأويل السادس: ما قاله الزمخشري: (إن الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة، تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت على الثالث الممسوح، لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في
__________
(1) المغني (ابن قدامة) 1:، الجامع لأحكام القرآن 6: 92، البحر المحيط 3: 438 وعمدة القاري 2: 239، حاشية الصاوي 1: 254، المقدمات (ابن رشد) 1: 15، تاج العروس 2: 223 باب الحاء / فصل الميم - مسح.
(2) حاشية الصاوي على شرج الجلالين 1: 254.
(3) أحكام القرآن (الطبري) 3: 4140.(1/59)
صب الماء عليها (1).
ويرد عليه ماقاله أبو حيان: (هذا التأويل - وهو كما ترى - في غاية التلفيق والتعمية في الأحكام) (2).
أقول: كان اللازم على الزمخشري قبل أن يحرر تأويله هذا أن يتصور بأن القرآن نزل من لدن عليم حكيم وأنه إذا أراد أن يعلم عباده مذمومية الإسراف في صب الماء فهو قادر على أن يعلمهم بطرق اخرى بدل هذا الاسلوب المشوش الذي ادعاه الزمخشري فأدخل العباد في اللبس والحيرة.
التأويل السابع: أن قراءة الخفض منسوخة مع بقائها ثابتة في الرسم.
قال ابن رشد بعد استدلاله بخير: " ويل للأعقاب " على وجوب الغسل: إن السنة ناسخة للقرآن [ أ ].
وقال بالنسخ الطحاوي [ ب ] وحكي عن السيوطي [ ج ] وابن حزم [ د ] (3).
ويرد عليه ما قاله الآلوسي بعد حكاية النسخ عن السيوطي: (ولا يخفى أنه أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت).
وقال في موضع آخر: (كما ظنه - يعني النسخ - من لا وقوف له) (4).
وما رواه القرطبي عن أبي ميسرة أنه قال: (المائدة من آخر ما نزل، ليس فيها منسوخ).
وروى أيضا أنه قال: روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قرأ سورة المائدة في حجة الوداع وقال: " أيها الناس، إن سورة المائدة آخر ما انزل، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها " (5).
وقال السيوطي: أخرج أبو داود والنحاس - كلاهما في (الناسخ) - عن أبي
__________
(1) الكشاف 1: 326، غرائب القرآن 6: 53، تفسير المنار 6: 131، البحر المحيط 3: 437 وعمدة القاري 2: 238، فتح الباري 1: 215.
(2) البحر المحيط 3: 438.
(3) [ أ ] المقدمات 1: 15 [ ب ] شرح معاني الآثار 1: 39 [ ج ] روح المعاني 6: 70 [ ب ] [ د ] تفسير المنار 6: 228.
(4) روح المعاني 6: 69، 70.
(5) الجامع لأحكام القرآن 6: 3130.(1/60)
ميسرة عمرو بن شرحبيل أنه قال: (لم ينسخ من المائدة شئ) وقال: أخرج عبد ابن حميد، وأبو داود في ناسخه، وابن المنذر عن أبي عون قال: قلت للحسن: نسخ من المائدة شئ؟ فقال: لا.
وقال أيضا: أخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس أنهما قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " المائدة من آخر القرآن نزولا، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها ".
وأخرج أحمد، وأبو عبيد في فضائله، والنحاس في ناسخه، والنسائي، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم.
فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه (1).
أقول: وقد ادعى الحازمي وغيره من أكابر القوم نسخ خبر أوس وغيره مما يدل على المسح.
فيفهم بناء عليه، أن حكم المسح استمر إلى نزول المائدة في المسح ثم نسخ بقراءة النصب، أو بخبر: " ويل للأعقاب ".
وهذا كما ترى رد قاطع على من ادعى عدم ثبوت المسح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما سيأتي كل ذلك.
وستري الحال في دلالة خبر: " ويل للأعقاب " عن قريب إن شاء الله تعالى.
التأويل الثامن: قال الكياالهراسي: (وإن سلمنا لهم أن اللفظ ظاهر في المسح
فاحتمال الغسل قائم، والذي يتصل به من القرائن يثبته، ومن القرائن * (الكعبين) *، ومنها خبر: " ويل للأعقاب من النار ") (2).
ويرد على هذا ما قاله فخر الدين الرازي: (والقوم أجابوا بوجهين: الأول: أن الكعب عبارة عن العظم الذي تحت مفصل القدم، وعلى هذا التقدير فيجب المسح على ظهر القدمين.
__________
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2: 251، 252.
(2) أحكام القرآن 3: 43، بدائع الصنائع 1: 6.(1/61)
والثاني: أنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق، إلا إنهم التزموا أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين.
وحينئذ لا يبقى هذا السؤال) (1).
أقول: لا يخفى أن كبرى القضية في الاستدلال - عدم التحديد في المسح - مصادرة على المطلوب.
مع أنه بناء على هذا الاسلوب في الاستدلال يصح أن نضع مع كل حكم شرعي وظهور قرآني احتمالا آخر ثم نحكم بالتخيير بينهما.
النوع الثاني من أدلة الجمهور على وجوب غسل الرجلين: وهو الاستدلال بصنفين من الأخبار: الصنف الأول: الأخبار اللفظية، فمنها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من محدثي القوم - واللفظ للبخاري - عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: تخلف النبي (صلى الله عليه وآله) عنا في سفرة سافرناها، فأدركنا، وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: " ويل للأعقاب من النار " مرتين أو ثلاثا (2).
وفي لفظ آخر: قال (عبد الله): رجعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكة إلى المدينة
حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضؤوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ويل للأعقاب من النار " (3).
ومنها: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من محدثيهم - واللفظ للبخاري - عن محمدد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة - وكان يمر بنا والناس يتوضؤون من المطهرة - قال: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم (صلى الله عليه وآله) قال: " ويل للأعقاب من النار " (4).
__________
(1) مفاتيح الغيب 6: 165.
(2) صحيح البخاري 1: 56 / 163 وصحيح مسلم 1: 131 / 27 والمحلى (ابن حزم) 2: 57 وشرح معاني الآثار (الطحاوي) 1: 39 والسنن الكبرى (البيهقي) 1: 68.
(3) صحيح مسلم 1: 131 / 26، المحلى 2: 57 وشرح معاني الآثار 1: 39، السنن الكبرى 1: 69.
(4) صحيح البخاري 1: 56 / 165، صحيح مسلم 1: 131 / 29، سنن الترمذي 1: 58 / 41، سنن البيهقي 1: 69.(1/62)
ومنها: ما رواه مسلم وغيره من أصحاب السنن - واللفظ لمسلم - عن سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) يوم توفي سعد بن أبي وقاص، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فتوضأ عندها فقالت: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " ويل للأعقاب من النار " (1).
وروى محدثو القوم خبر: " ويل للأعقاب من النار " عن جابر بن عبد الله، وعبد الله بن الحارث وغيرهما (2).
هذه هي العمدة في استدلال القوم على وجوب الغسل.
وقد استشكل عليها بعض علمائهم فإليك نص كلامهم: الإشكال الأول من ابن حزم الظاهري.
قال - بعد ذكر خبر: " ويل للأعقاب " -: (ولقد كان يلزم من يترك الأخبار الصحاح للقياس أن يترك هذا الخبر، لأننا وجدنا
الرجلين يسقط حكمهما في التيمم كما يسقط الرأس، فكان حملهما على ما تسقطان بسقوطه وتثبتان بثباته أولى من حملهما على مالا تثبتان بثباته.
وأيضا فالرجلان مذكوران مع الرأس فكان حملهما على ما ذكرا معه أولى من حملهما على ما لم يذكرا معه.
وأيضا فالرأس طرف والرجلان طرف فكان قياس الطرف على الطرف أولى من قياس الطرف على الوسط.
وأيضا فإنهم يقولون بالمسح على الخفين فكان تعويض المسح من المسح أولى من تعويض المسح من الغسل.
وأيضا فإنه لما جاز المسح على ساتر للرجلين ولم يجز على ساتر دون الوجه والذراعين دل - على اصول أصحاب القياس - أن أمر الرجلين أخف من أمر الوجه والذراعين.
__________
(1) صحيح مسلم 1: 130 / 25، المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 36، شرح معاني الآثار 1: 37، السنن الكبرى 1: 69.
(2) سنن الترمذي 1: 58، المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 36، شرح معاني الآثار 1: 37.(1/63)
فإذ ذلك كذلك، فليس إلا المسح، ولابد.
فهذا أصح قياس في الأرض لو كان القياس حقا).
وقال في موضع آخر: (وأبطلتم مسح الرجلين وهو نص القرآن، بخبر يدعي مخالفنا ومخالفكم أننا سامحنا أنفسنا وسامحتم أنفسكم فيه وأنه لا يدل على المنع من مسحهما) (1).
الإشكال الثاني من ابن رشد المالكي (الفيلسوف).
قال حول استدلال الجمهور بهذا الخبر: (وهذا ليس فيه حجة، لأنه إنما وقع الوعيد على أنهم تركوا
أعقابهم، دون الغسل.
وبالأثر الآخر الذي أخرجه أيضا مسلم أنه قال: فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى: " ويل للأعقاب من النار ".
وهذا الأثر وإن كانت العادة قد جرت بالاحتجاج به في منع المسح، فهو أدل على جوازه منه على منعه، لأن الوعيد إنما تعلق فيه بترك التعميم لا بنوع الطهارة، بل سكت عن نوعها وذلك دليل على جوازها) (2).
الإشكال الثالث من ابن التركماني المارديني.
قال معترضا على استدلال البيهقي بالخبر: (قلت: في الاستدلال بها نظر، فإن من يرى مسحهما قد يفرض في جميعهما، وظاهر الآية يدل على ذلك، وهو قوله تعالى: * (وأرجلكم إلى الكعبين) *، فالوعيد على ترك تعميم المسح.
وتدل على ذلك رواية مسلم: (فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء).
فتبين بذلك أن العقب محل التطهير فلا يكتفى بما دونه، فليس الوعيد على المسح، بل على ترك التعميم كما مر.
وهكذا الكلام على أمر أبي هريرة وعائشة بإسباغ الوضوء، وكذا حديث عبد الله بن الحرث، وعمر، وأنس رضي الله عنهم) (3).
الإشكال الرابع من ابن جرير الطبري، واستدلاله بالخبر على استيعاب المسح.
__________
(1) المحلى 2: 58 و 61.
(2) بداية المجتهد 1: 11.
(3) الجوهر النقي 1: 69(1/64)
قال: (فان قال قائل: وما الدليل على أن المراد بالمسح في الرجلين العموم دون أن يكون خصوصا نظير قولك في المسح بالرأس؟.
قيل: الدليل على ذلك تظاهر الأخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار "، ولو كان مسح بعض مجزيا عن عمومها بذلك، لما كان لها
الويل بترك ما ترك مسحه منها بالماء، فوجوب الويل لعقب تارك مسح عقبه في وضوئه أوضح الدليل على وجوب فرض العموم بمسح جميع القدم بالماء، وصحة ما قلنا وفساد ما خالفه) (1).
ثم يشرع ابن جرير في سرد أخبار: " ويل للأعقاب " مستدلا على عموم المسح.
والكلام الأخير من ابن حجر العسقلاني.
قال في شرح استدلال البخاري بالخبر على وجوب الغسل: (وهذا ظاهر الرواية المتفق عليها.
وفي إفراد مسلم: (فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء) فتمسك بها من يقول بإجزاء المسح، ويحمل الإنكار على ترك التعميم.
لكن الرواية المتفق عليها أرجح، فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل، فيحتمل أن يكون قوله: (لم يمسها الماء) - أي ماء الغسل - جمعا بين الروايتين) (2).
انتهى.
فيظهر من كلامه أنه استسلم للقول بظهور لفظ مسلم في المسح إلا أنه رجح اللفظ المتفق عليه، وحمل هذا عليه بالتأويل وإن كان عليه عكس ذلك، لأن اللفظ المتفق عليه أظهر في المسح.
وقد رأيتم كلام ابن رشد حوله، أعني قوله: (وهذا الأثر وإن كانت العادة قد جرت بالاحتجاج به في منع المسح، فهو أدل على جوازه منه على منعه، لأن الوعيد إنما تعلق فيه بترك التعميم لا بنوع الطهارة).
أقول: إن عجبت فاعجب لفقيه مثل ابن العربي كيف يرجح روايات الغسل على نص القرآن فيقول: (وطريق النظر البديع أن القراءتين محتملتان، وأن اللغة تقتضي بأنهما جائزتان، فردهما الصحابة إلى الرأس مسحا، فلما قطع بنا حديث
__________
(1) جامع البيان 6: 165.
(2) فتح الباري 1: 213، تفسير المنار 6: 228.(1/65)
النبي (صلى الله عليه وآله) ووقف في وجوهنا وعيده قلنا: جاءت السنة قاضية بأن النصب يوجب
العطف على الوجه واليدين) (1).
ولا أدري كيف يقبل هذا الفقيه على نفسه أن الصحابة فسروا الآية بالمسح ولم يصل إليهم الوعيد، ثم وصل إلى الذين من بعدهم.
فمن أين جاء هذا الوعيد الذي لم يسمع به الصحابة، ومن بينهم أخوه مولى المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وحبر الامة عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)، وخادمه أنس بن مالك، والخليفتان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وغيرهم ممن ثبت عنهم المسح من الصحابة وكانوا معه في تلك السفرة التي ادعوا فيها حديث التهديد والوعيد: " ويل للأعقاب "؟.
ثم لا أدري كيف اهتم هذا الفقيه بحديث: " ويل للأعقاب " ولم يهتم بما ورد عن فعل النبي (صلى الله عليه وآله) وعن صحابته من المسح دون الغسل؟ وليت شعري هل أخذ ابن العربي دينه من غير هؤلاء الصحابة الذين ردوا القراءتين إلى الرأس مسحا؟.
ثم نقول: على فرض صحة الرواية، يمكن المناقشة حولها إضافة إلى ما تقدم من جهات أخرى: الجهة الاولى: أن المستفاد من الجمع بين اللفظين أن ابن عمرو ومن معه من الصحابة كانوا يمسحون على أرجلهم والتهديد بالويل كان لغيرهم، لأنه جاء في اللفظ المتفق عليه: (فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا) فثبت أنهم كانوا ماسحين لأرجلهم.
وجاء في لفظ مسلم: (تعجل قوم عند العصر فتوضؤوا وهم عجال، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء "، فثبت أن التهديد كان للقوم العجال لا للماسحين.
الجهة الثانية: في سبب تهديده (صلى الله عليه وآله) بالويل.
قد تقدم نظرية بعض أكابر أهل السنة في أن الموجب للتهديد كان تركهم أعقاب أرجلهم بلا مسح، ونظرية جمهور متأخريهم بأن الموجب له هو ترك الأعقاب بلا غسل.
__________
(1) أحكام القرآن 2: 71، 72.(1/66)
ولكن نقول لهم: لماذا لا يكون الأمر بالعكس؟ بتقريب أن وظيفتهم كان المسح المحدود، فاجتهدوا في مقابل النص فغسلوا أو مسحوا جميع أرجلهم حتى الأعقاب فهددهم الرسول (صلى الله عليه وآله) بقوله: " ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء " أي أسبغوه في حدوده وكما أمركم الله؟.
ويؤيده ما ثبت عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ".
وغيرها من الروايات كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فظهر أن الشارع أمرنا بإسباغ الوضوء في حد معين وهو غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين.
هذا إذا كنا نتماشى مع القوم بأن المراد بالأعقاب في الخبر: أعقاب الأرجل لا الأعقاب من الرجال.
والجهة الثالثة: هي أن المستفاد من اللفظ المتفق عليه غير ذلك، فإن الراوي يقول: (تخلف النبي (صلى الله عليه وآله) عنا في سفرة سافرناها) هذه السفرة كان بعيد نزول آية المائدة عند رجوعهم من مكة إلى المدينة في حجة الوداع كما قال الحافظ ابن الحجر (1).
ثم يقول الراوي: (فأدركنا وقد أرهقنا العصر) يعني أن النبي (صلى الله عليه وآله) أدركهم في حال تأخيرهم صلاة العصر إلى أن دنا وقت المغرب، فحثهم على المبادرة والمسارعة لإقامة الصلاة فنادى بأعلى صوته: " ويل للأعقاب من النار ".
وكرره مرتين أو ثلاث مرات، أي ويل للأعقاب الذين يؤخرون الصلاة ويقيمونها بعد مضي وقتها.
كما قال مفسرو القوم حول قوله: * (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) * (2) أي غافلون، يؤخرونها عن وقتها تهاونا.
قال السيوطي: أخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في سننه عن سعد ابن أبي وقاص،
__________
(1) فتح الباري 1: 213.
(2) الماعون: 4 - 5.(1/67)
قال: سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن قوله: * (الذين هم عن صلاتهم ساهون) * قال: " هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها " (1).
وقد ورد في ذلك عن غير سعد من الصحابة والتابعين، ومن أراد التفصيل فعليه بتفسيري الطبري والسيوطي.
فظهر أن سبب تهديده (صلى الله عليه وآله) بالويل هو خطر خروج الصلاة عن وقتها - لذا نادى بأعلى صوته، وكرره كي يسمع جميع الحاضرين.
وفي رواية: نادى بلال (2) - لا ما توهم بأن السبب هو وجود لمعة في أعقاب بعض بدون مس الماء.
وبعد أن ثبت أن الصحابة كانوا يمسحون على أرجلهم حتى ذلك الوقت، فلنا أن نسأل: أكان المشروع لهم إلى ذلك الوقت هو الغسل فنسوا، أو خالفوا أمر الشارع ومسحوا بدل الغسل؟.
أم كان المسح عادة من عند أنفسهم بدون أمر من الشارع ولا إذن من رسوله (صلى الله عليه وآله)؟.
أم كان المشروع إلى ذلك اليوم هو المسح ونزلت آية المائدة قبله بأيام في عرفة كما قال بعضهم مؤيدة له ثم نسخت بعد مضي يسير من الوقت بخبر: " ويل للأعقاب " في ذلك اليوم؟ أم كان المشروع عموم المسح عليهما وترك بعضهم أعقاب أرجلهم بلا مسح فهددهم الرسول (صلى الله عليه وآله)؟.
أم كان المشروع هو المسح المحدود كما هو ظاهر كتاب الله وصريح الأخبار
المتواترة عن النبي والأئمة من أبنائه - صلوات الله عليه وعليهم - المروية بطرق السنة والشيعة، فاشتبه الأمر على القوم فجعلوا يترددون بين آراء مختلفة وتأويلات مشتتة؟.
__________
(1) الدر المنثور 8: 642، جامع البيان 15: 313، تفسير القرآن العظيم 4: 593.
(2) شرح معاني الآثار 1: 39.(1/68)
تذكرة: اعلم أنه لا يبعد أن يكون فهم بعض الصحابة مثل عبد الله بن عمرو من الآية أو من هذا الخبر إستيعاب الرجلين بالماء في الوضوء حين المسح كما فهمه ابن جرير الطبري، وكما فهم بعض أكابر الصحابة من التيمم، وتمرغ في التراب بدل الضربتين.
والقصة مشهورة.
بل لا يبعد أن يكون الأمر غير ذلك، وتكون الجمل المضافة إلى الخبر مثل: (وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء) أو: (كأنهم تركوا من أرجلهم شيئا) أو: (بقي في أرجلهم لمعة) من غير الصحابة من الرواة، مما كان سببا للإخلال في دلالة الخبر.
وتفاوت تلك الجمل وخلو اللفظ المتفق عليه منها شاهد على ذلك.
ومثل ذلك رواية عمر بن الخطاب وأنس بن مالك في رجل يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي (صلى الله عليه وآله) أن يعيد الوضوء والصلاة.
وهذا الخبر معروف ب (خبر المسئ في صلاته).
وسيأتي في رواية رفاعة بن رافع - وفيها ألزم النبي (صلى الله عليه وآله) الرجل بمسح رجليه - ما ينبئك بخطأ أنس والخليفة في فهمهما من سبب أمره بالإعادة.
وقد يمكن توجيه ذلك في مقام الجمع بأن يقال: إن الرجل لم يسبغ مسح ظهر قدمه وبقي فيه قدر درهم لم يصبها ماء المسح، لذا أمره النبي (صلى الله عليه وآله) بالإعادة.
الصنف الثاني من رواياتهم: الأخبار البيانية، وقد رووها عن كل من أمير
المؤمنين (عليه السلام)، وعثمان بن عفان وعبد الله بن زيد وعبد الله بن عباس (رضي الله عنه) وربيع بنت معوذ يحكون أن النبي (صلى الله عليه وآله) غسل رجليه في الوضوء.
أخرج الترمذي عن أبي حية قال: رأيت عليا توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض...ثم غسل قدميه إلى الكعبين، ثم قام، فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم ثم قال: " أحببت أن اريكم كيف كان طهور رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (1).
أخرج البخاري عن أبي اليمان...عن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى
__________
(1) سنن الترمذي 1: 67 / 48، سنن أبي داود 1: 33 / 116، سنن النسائي 1: 70 و 79.(1/69)
عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلها ثلاث مرات...ثم غسل كل رجل ثلاثا ثم قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) يتوضأ نحو وضوئي هذا (1)..أخرج البخاري أن عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي (صلى الله عليه وآله) فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم وضوء النبي (صلى الله عليه وآله)...ثم غسل رجليه إلى الكعبين (2).
أخرج البخاري عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أنه توضأ فغسل وجهه...ثم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة اخرى فغسل بها رجله اليسرى ثم قال: هكذا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ (3).
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن ربيع بنت معوذ أنها ذكرت صفة وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)...ومسح رأسه بما بقي من وضوئه في يديه مرتين بدأ بمؤخر الرأس...وغسل رجليه ثلاثا ومسح اذنيه.
وفي لفظ أبي داود: ووضأ رجليه ثلاثا ثلاثا.
وفي لفظ الدار قطني: ثم غسل رجليه (4).
وقد أخرج محدثو القوم قريبا من ذلك عن معاوية بن أبي سفيان وأبي هريرة.
أقول: أولا: إن فعل النبي (صلى الله عليه وآله) إذا صح عنه أعم من الوجوب، فإن العبرة عند الفقهاء والمحدثين بما روي لا بما رئي.
ونحن لا ننكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يغسل رجليه كثيرا للنظافة وربما أراق ما بقي من وضوئه على قدميه أحيانا للتبرد فتوهم منه بعض الناس مشروعية الغسل وأنه واجب في الوضوء.
__________
(1) صحيح البخاري 1: 56 / 164، صحيح مسلم 1: 124 / 3، سنن أبي داود 1: 31 / 106، سنن النسائي 1: 64.
(2) صحيح البخاري 1: 62 / 186 وصحيح مسلم 1: 128 / 18 وسنن أبي داود 1: 34 / 118.
(3) صحيح البخاري 1: 50 / 140، سنن النسائي 1: 73.
(4) مسند أحمد بن حنبل 6: 358، سنن أبي داود 1: 35 / 126، سنن الدارقطني 1: 96.(1/70)
وثانيا: قد وردت أخبار صحاح من طريق الجمهور عن كل من أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وعثمان بن عفان وعبد الله بن زيد وعبد الله بن عباس رضي الله عنه بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح ظهر قدميه حين الوضوء كما سيأتي تفصيلها عن قريب إن شاء الله تعالى.
وهي معارضة لصحاح غسلها، فإما أن نرجحها عليها لموافقتها للقرآن، وإما أن نقول: أنهما تتساقطان، لتعارضهما، فنرجع إلى القرآن الذي لا غسل فيه.
على أنه يصح القول بأن أخبار الغسل يمكن حملها على ما ذكر من التنظف والتبرد.
وأما رواية ربيع بنت معوذ فحسبها من الوهن نقاش حبر الامة عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) فيها فإنه بعد أن سمعها، ذهب إليها وسألها وأبدى تعجبه عندها قائلا: (أبى الناس إلا الغسل، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح) (1) - مع تطرق الوهن إلى خبرها من جهات اخرى، وهي أنها جاءت بما يخالف إجماع الامة في ثلاثة امور: 1 - ذكرت بأن النبي (صلى الله عليه وآله) تمضمض واستنشق بعد غسل الوجه.
2 - وذكرت في مسح الرأس بأنه (صلى الله عليه وآله) بدأ بمؤخر رأسه.
3 - وذكرت بأنه (صلى الله عليه وآله) مسح اذنيه بعد غسل الرجلين.
وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عباس (رضي الله عنه): (رجع الأمر إلى الغسل) فيكفيك ما قال ابن التركماني بالنسبة إلى الأول: (وفي سنده قيس بن ربيع سكت عنه البيهقي).
وقال: (ضعيف عند أهل العلم بالحديث) (2).
وما قال العيني بالنسبة إلى الثاني: (وما ذكر عن ابن عباس (رضي الله عنه) - يعني في المسح - قال محمد بن جرير: إسناده صحيح، الضعيف الثابت عنه أنه كان يقرأ: * (وأرجلكم) * - بالنصب - فيقول: عطف على المغسول) (3).
وما حكي عن التوسط: (فقد نقل ابن التين التخيير عن بعض الشافعيين ورئي عكرمة يمسح عليها، وثبت عن جماعة يعتد بهم في الإجماع بأسانيد صحيحة
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل 6: 358، سنن ابن ماجة 1: 146، سنن الدارقنطي 1: 96.
(2) الجوهر النهي على سنن البيهقي 1: 70.
(3) عمدة القاري 2: 239.(1/71)
كعلي وابن عباس و...) (1).
النوع الثالث من أدلة القوم: إستدلالهم ببعض اعتبارات استحسانية قال ابن رشد - بعد أن يئس من الأدلة النقلية على وجوب الغسل -: (ولكن من طريق المعنى فالغسل أشد مناسبة للقدمين من المسح، كما أن المسح أشد مناسبة للرأس من الغسل، إذ كانت القدمان لا ينقى دنسهما غالبا إلا بالغسل وينقى دنس الرأس بالمسح وذلك أيضا غالب.
والمصالح المعقولة لا يمتنع أن تكون أسبابا للعبادات المفروضة حتى يكون الشرع لاحظ فيها معنيين: معنى مصلحيا ومعنى عباديا.
وأعني بالمصلحي: ما رجع إلى الامور المحسوسة، وبالعبادي: ما رجع إلى
زكاة النفس) (2).
ونقول في جوابه: لا يمكن لأحد من أهل العلم أن يلتزم بأن الأحكام الشرعية تستنبط من العقل وظنونه واحتمالاته، حتى لو كان عقل فيلسوف كبير، خاصة إذا قام برد آيات الله تعالى، وتكثير الاحتمالات فيها للتخلص من ظاهرها.
وإذا أراد أحد أن يوافق ابن رشد على تصوراته عن المعنى المصلحي والعبادي وعن الطهارة الحسية والمعنوية فعليه أن يرفض التيمم الذي هو طهارة شرعية بينما هو في الظاهر وضع غبار على الوجه واليدين.
وعلى ابن رشد ألا يقبل الطهارة بالاستجمار، ويوجب الغسل وأن يوجب على أهل القرى طهارة أشد من أهل المدن، وعلى العمال أكثر من الموظفين..إلى آخره.
وأخيرا: إن سماحة ابن رشد يستطيع أن يقول هذا الكلام لمن كان شأنه سدى، وأمره هملا يختار لنفسه ما يشاء ويفعل ما يريد.
وأما من كان له رب وهو البارئ الكريم، ونبي وهو الرسول العظيم وكتاب وهو القرآن الحكيم فكيف يترك جميع ذلك وراءه ظهريا ويتشبث باعتبارات وهمية وتأويلات مزخرفة؟ إن المخلصين من عباد الله يفهمون بأنهم متعبدون بنصوص شرعية لا متحجرون على خيالات
__________
(1) عون المعبود 1: 119.
(2) بداية المجتهد 1: 16.(1/72)
مذهبية.
ومن الاستدلالات الواهية التي استدل بها بعضهم على صحة الغسل ما ذكره الآلوسي بعد أن أراد أن يجعل وجوب الغسل من المسلمات ثم تنزل قائلا: (لو فرض أن حكم الله تعالى المسح على ما يزعمه الإمامية من الآية، فالغسل يكفي عنه، ولو كان هو الغسل فلا يكفي عنه.
فبالغسل يلزم الخروج عن العهدة بيقين
دون المسح).
وقد تمسك بهذا الكلام أكثر علمائهم (1).
ونقول للآلوسي: إن قولك: (فبالغسل يلزم الخروج عن العهدة بيقين دون المسح) أول الكلام، لأن الغسل والمسح أمران متغايران، ولا يتحقق امتثال أحدهما بالآخر إلا إذا فرض أن حكم الله في المسح مطلق المسح كيفما حصل بلا حد ولا شرط ولو مع الغسل، ولكن هيهات.
وقد نقل بعضهم أن مديرا قال لخادمه: امسح طاولتي.
فصب عليها الماء وغسلها، فأنبه على فعله، فقال له: أنتم تقولون: المسح والغسل سواء، وقد غسلتها.
فهل يلتزم الآلوسي بأن الغسل يحقق امتثال أمر المسح في مثل هذه الحالات؟.
القول الثاني: التخيير بين المسح والغسل.
وهو مروي عن الحسن البصري [ أ ] وسفيان الثوري [ ب ] والأوزاعي [ ج ] وأحمد بن حنبل [ د ] وابن جرير الطبري [ ه ] وابن جريح [ و ] وداود الظاهري [ ز ] وأبي علي الجبائي [ ح ] واختاره محيي الدين بن عربي [ ط ] (2).
__________
(1) روح المعاني 6: 70 ومفاتيح الغيب 6: 165 وأحكام القرآن (الجصاص) 2: 346.
(2) [ ب ] [ ج ] [ د ] [ ه ] الميزان الكبرى 1: 118، رحمة الامة 1: 19 [ أ ] [ ه ] [ ح ] البناية في شرح الهداية: 1: 100 وعمدة القاري 2: 238، نيل الأوطار 1: 168 [ أ ] [ و ] [ ح ] البحر الزخار 1: 67 [ أ ] [ ه ] مفاتيح الغيب 6: 164، البحر المحيط، النهار الماد 3: 437، الجواهر في التفسير 2: 129، تفسير المنار 6: 228، غرائب القرآن ورغائب الفرقان 6: 53، لباب التأويل 2: 16 [ أ ] [ و ] شرح الأزهار 1: 89 [ ه [ ] ز ] بداية المجتهد 1: 11 [ ه ] [ و ] المجموع (النووي) 1: 417 [ ه ] [ ح ] معالم السنن 1: 43 [ أ ] بدائع =(1/73)
واحتج لهذا القول بأن القراءتين ثابتتان في القرآن، ويتعذر الجمع بين
موجبيهما - أي الغسل والمسح - إذ لا قائل به في السلف، فيخير المكلف بينهما، عملا بالقراءتين.
وأيهما فعل يكون إتيانا بالمفروض، كما في الأمر بإحدى الخصال الثلاث في بعض الكفارات.
قال ابن العربي: (اختار محمد بن جرير الطبري التخيير بين الغسل والمسح وجعل القراءتين كالروايتين في الخبر يعمل بهما إذا لم يتناقضا) (1).
أقول: لا يخفى أن الأصل هو التعيين إلا إذا قام دليل على التخيير، ولم يقم في المقام، لعدم صلاحية ما ذكر لذلك، ولأن قراءة النصب موجبة للمسح أيضا، كما عرفت.
القول الثالث: وجوب الجمع بين الغسل والمسح.
وهو محكي عن الحسن البصري [ أ ] وداود الظاهري [ ب ] ومن تابعه من أهل الظاهر [ ج ] والناصر للحق من أئمة الزيدية [ د ] والنحاس [ ه ] ونسبه في (المنار) إلى الطبري [ و ] وهو خطأ كما سترى (2).
فهؤلاء يقولون: إن القراءتين في الآية بمنزلة آيتين فيجب العمل بهما جميعا ما أمكن، وهو هنا ممكن لعدم التنافي بين الغسل والمسح في محل واحد.
فوجب الغسل لقراءة النصب، والمسح لقراءة الخفض، أو وجب الغسل لموافقة الأخبار، والمسح لموافقة الكتاب.
__________
= الصنائع 1: 5، المبسوط 1: 8، فتح الباري 1: 215 [ ه ] الجامع لأحكام القر 6: 92، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 71، المغني (ابن قدامة) 1: 121، الشرح الكبير 1: 117، معالم التنزيل 2: 16 [ ط ] الفتوحات المكية 1: 448.
(1) أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 71، حاشية سنن الترمذي 1: 58.
(2) [ ب ] [ د ] [ و ] تفسير المنار 6: 228 [ أ ] [ ب ] عمدة القاري 2: 238 [ ب ] [ د ] مفاتيح الغيب 6: 164، البحر المحيط والنهر الماد 3: 437، غرائب القرآن ورغائب الفرقان 6: 53 [ أ ] [ ج ] البناية في شرح الهداية 1: 100 [ ب ] الكشاف 1: 326، الجواهر في تفسير القرآن العظيم 2: 129، لباب التأويل 2: 16
[ د ] شرح الأزهار 1: 89 [ ج ] المجموع 1: 417، نيل الأوطار 1: 168، حاشية ابن العربي على الترمذي 1: 59، فتح الباري 1: 215، حلية العلماء 1: 155 [ ه ] الجامع لأحكام القرآن 6: 92.
وذكر الكاشاني القول في بدائع الصنائع 1: 5.(1/74)
وقال في المنار: (إذا أمكن المراء فيما قاله ابن جرير فلا يمكن أن يماري أحد في الجمع بين المسح والغسل بالبدء بالأول على الوجه الذي يقول به موجبو المسح والتثنية بالغسل المعروف) (1).
وفيه ما قد عرفت من عدم التنافي بين القراءتين حتى يكون سببا للقول باجتماع الحكمين المتغايرين فإن كلتيهما ظاهرتان في المسح كما رأيت، مع قصور الأخبار الواردة في الغسل عن الدلالة على المدعى - بعد فرض صحة سندها - وإمكان حملها على محامل قريبة كما تقدم.
وأما ما ذكره رشيد رضا فهو احتياط للجاهل بتكليفه كي يحصل على البراءة اليقينية في مقام العمل، فبعد تشخيص الوظيفة بالأدلة القاطعة لا يبقى له موضوع.
القول الرابع: وجوب استيعاب مسح الرجلين بالماء.
وهذا أيضا مروي عن الحسن البصري [ أ ]، واختاره ابن جرير الطبري [ ب ] (2).
قال ابن جرير: (والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم، وإذا فعل بهما ذلك المتوضئ كان مستحقا اسم ماسح غاسل، لأن غسلهما إمرار الماء عليهما ومسحهما إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما).
ثم قال: (ولاحتمال المسح المعنيان: مسح بعض، ومسح الجميع.
اختلفت قراءة القراء في قوله: * (وأرجلكم) *، فنصبها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل، وإنكارا منه المسح عليهما مع تظاهر الأخبار عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بعموم مسحهما بالماء.
وخفضها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح).
ثم يستنتج الطبري قائلا: (فمراد الله من مسحهما العموم، وكان لعمومهما
__________
(1) تفسير المنار 6: 236.
(2) [ أ ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 345، المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 18 [ ب ] جامع البيان 6: 130.(1/75)
بذلك معنى الغسل والمسح.
فبين صواب القراءتين جميعا.
فأحب القراءتين إلي أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا، لما وصفت، ولأنه بعد قوله: * (وامسحوا برؤوسكم) *، فالعطف به على الرؤوس مع قربه منه أولى من العطف به على الأيدي، وقد حيل بينه وبينها بقوله: * (وامسحوا برؤوسكم) *) (1).
ثم يستمر ابن جرير لإثبات أن المراد بالمسح العموم لا مسح البعض بأخبار: " ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار "، ويحمل الأخبار المروية في مسح بعض القدمين على تجديد الوضوء من غير حدث.
أقول: لقد أجاد ابن جرير في أول كلامه حيث تحرر من نير التقليد الأعمى، واقترب من الحق خطوة، إلا أنه لم يصل إلى الواقع كاملا، لأنه غفل عن الصحاح التي جاء فيها أنه (صلى الله عليه وآله) بال أو (بال قائما) أو (أراق الماء) ثم توضأ ومسح على ظاهر قدميه أو نعليه، كما ستراها عن قريب.
ولعله لم يجرؤ على مخالفة قومه كاملا فحاول أن يرضي الآية ويرضيهم.
القول الخامس: وجوب المسح.
وهو المذهب المشهور بين المتقدمين.
وقد رواه القوم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) [ أ ] وعمر بن الخطاب [ ب ] وعثمان بن عفان [ ج ] وعبد الله بن زيد [ د ] وجابر بن عبد الله [ ه ] ورفاعة بن رافع [ و ] وأوس بن أبي أوس [ ز ] وعباد بن تميم [ ح ] وعبد الله بن عمر [ ط ] وجابر بن زيد [ ي ]
وعبد الله بن عباس (رضي الله عنه) [ ك ] وأنس بن مالك [ ل ] وأبي مالك الأشعري [ م ] وتميم بن زيد المازني [ ن ] وحذيفة [ س ] وبلال الحبشي [ ع ] وأبي كاهل [ ف ] وعمرو بن حريث [ ص ] وعبد الرحمن بن أبي قراد [ ق ] وأبي جبير [ ر ] وأبي إياس [ ش ] وعبد الله بن عمرو [ ت ] وعائشة [ ث ] وعكرمة [ خ ] وعامر الشعبي [ ذ ] وقتاده [ ض ] والحسن البصري [ ظ ] وأبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) [ غ ] وأبي عمرو [ آ ] وعلقمة [ با ] وعروة بن الزبير [ جا ] ومجاهد [ دا ] وأبي العالية [ ها ] والأعمش [ وا ]
__________
(1) جامع البيان عن تأويل القرآن: 6: 130 - 132.(1/76)
والضحاك [ زا ] وابن جرير الطبري [ حا ] وحمزة [ طا ] وابن كثير [ يا ] وثعلب [ كا ] وإبراهيم النخعي [ لا ] وبعض أهل الظاهر [ ما ] (1).
ثم إنه لم تتفق روايات هؤلاء على نوع المسح بل جاءت على ثلاث طوائف: فطائفة روت عن النبي (صلى الله عليه وآله) المسح على القدمين وعملت به.
وطائفة روت ذلك فقط.
وطائفة عملت بالمسح على القدمين ولم تروه.
وينبغي الالتفات إلى أني لم أجد عن أبي العالية في المسح إلا روايتين، وكلتاهما تحكيان عنه المسح في حال المرض، ويمكن حملهما على وضوء المضطر.
ولكن وجدت في كتب الشيعة عنه روايات كثيرة في المسح.
وبعد هذا لا بأس أن نلفت نظر القارئ إلى ما قاله النووي: (ولم يثبت خلاف
__________
(1) [ ب ] [ ج ] [ د ] [ ه ] [ و ] [ ز ] [ ك ] [ ل ] [ خ ] [ ذ ] [ ض ] عمدة القاري 2: 238، 240 [ أ ] [ ج ] [ و ] [ ز ] [ ك ] [ خ ] [ ذ ] [ ل ] [ ش ] المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 8، 18، 19 [ ك ] [ ل ] [ خ ] [ ذ ] [ ض ] [ غ ] [ با ] [ وا ] [ زا ] [ س ] جامع البيان عن تأويل القرآن 6: 129، 14 [ ك ] [ ل ] [ خ ] [ ذ ] [ ض ] [ ط ] [ ي ] [ غ ] [ ظ ] [ دا ] تفسير القرآن العظيم 2: 27 [ أ ] [ ط ] [ ك ] [ خ ] [ ذ ] [ ض ] [ ها ] المصنف (عبد الرزاق) 1: 19، 20، 162، 201، 202 [ ب ] [ ك ] [ ل ] [ خ ] [ ذ ] [ ض ] [ و ] الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2:
164، 165 [ ك ] [ ل ] [ خ ] [ ذ ] [ غ ] [ آ ] [ طا ] [ يا ] [ ما ] تفسير المنار 6: 227، 228 [ ك ]، [ ل ]، [ خ ]، [ ذ ]، [ ض ]، [ آ ]، [ طا ]، [ يا ] مع عاصم وأبي بكر في: لباب التأويل 2: 16 [ أ ] [ ك ] [ ل ] [ خ ] [ ذ ] [ ض ] فتح الباري في شرح صحيح البخاري 1: 213، 215 [ أ ] [ ك ] [ ت ] [ خ ] [ ذ ] [ ظ ] [ حا ] المحلى 2: 56 [ أ ] [ و ] [ ط ] [ ك ] [ جا ] [ ت ] [ د ] [ جا ] شرح معاني الآثار 1: 34، 35، 39 [ أ ] [ ج ] [ ز ] [ ك ] [ ذ ] [ ش ] [ ن ] كنز العمال في السنن والأقوال 9: 429، 433، 435، 436، 442، 470، 476 [ أ ] [ ك ] [ ل ] [ خ ] [ ذ ] [ ض ] الجامع لأحكام القرآن 6: 92 [ ك ] [ ل ] [ خ ] [ ذ ] [ ض ] أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 71 [ ك ] [ ل ] [ خ ] [ ذ ] [ غ ] مفاتيح الغيب 6: 164 وغرائب القرآن 6: 53 [ أ ] [ ك ] [ ل ] [ ذ ] المغني (ابن قدامة) 1: 121 والشرح الكبير 1: 118 [ ك ] [ خ ] [ ظ ] [ طا ] [ يا ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 345 [ ك ] [ خ ] [ ذ ] [ ض ] الجواهر في التفسير 2: 129 ومعالم التنزيل 2: 16 [ ط ] [ س ] [ ت ] السنن الكبرى 1: 68، 100، 287 [ ع ] الجرح والتعديل (الرازي) 8: 125 [ ف ] المعجم الكبير 18: 360 [ ص ] [ ف ] [ ق ] مجمع الزوائد 1: 233، 235، 258 [ ث ] [ جا ] الخصائص الكبرى 1: [ م ] [ ش ] مسند أحمد بن حنبل 4: 10 و 5: 342 [ ت ] صحيح البخاري 1: 56 وصحيح مسلم 1: 131 [ لا ] الطبقات الكبرى (ابن سعد) 6: 282 [ ن ] [ ر ] اسد الغابة 1: 141 و 5: 156 [ ك ] المجموع 1: 417، الميزان الكبرى 1: 118 ورحمة الامة 1: 19 والمبسوط (السرخسي) 1: 8 [ كا ] تاج العروس 2: 222، لسان العرب 2: 593 [ نا ] البحر الزخار 1: 67 [ ح ] [ حا ] التحقيق في أحاديث الخلاف 1: 158، 161، ذكر القول في كل من الفتوحات المكية 1: 848، بداية المجتهد 1: 11، الكشاف في التفسير 1: 326، المقدمات 1: 15 [ ث ] سبل الهدى والرشاد 8: 54.(1/77)
الغسل عن أحد يعتد به) (1).
وأعجب منه من أغمض عينيه وروى عن الصحابة والتابعين المسح معترفا بصحته في صفحة، ثم قال في الصفحة التي بعدها: (ومن أوجب من الشيعة مسحهما كما يمسح الخف فقد ضل وأضل) (2).
وقد زيف بعض المنصفين من علمائهم أمثال هذه الكلمات، فمثلا شارح سنن أبي داود بعد نقله كلام النووي قال: (قال في (التوسط): وفيه نظر، فقد نقل ابن التين التخيير عن بعض الشافعيين، ورأي عكرمة يمسح عليهما، وثبت عن جماعة يعتد بهم في الإجماع بأسانيد صحيحة كعلي وابن عباس والحسن والشعبي وآخرين) (3).
وقد تقدم ما نقله العيني عن ابن جرير الطبري من أن الصحيح الثاب عن ابن عباس هو المسح لا الغسل.
وقال العيني أيضا: (ومنها خبر عثمان، ذكره أحمد بن علي القاضي في كتابه (مسند عثمان) بسند صحيح أنه توضأ ثم مسح رأسه ثم ظهر قدميه، ثم رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله)) (4).
وسيأتي عن قريب سلسلة الأخبار بأسانيدها مع الإشارة إلى ما صححه القوم منها.
أدلة القول بالمسح ثم إن للقائلين بالمسح نوعين من الأدلة: النوع الأول: كتاب الله عز وجل.
قال الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) *.
قال الإمام فخر الدين الرازي: (فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في
__________
(1) عون المعبود 1: 119.
(2) تفسير القرآن العظيم 2: 28.
(3) عون المعبود 1: 119.
(4) عمدة القاري 2: 239، 240.(1/78)
الأرجل النصب عطفا على محل الرؤوس والجر عطفا على الظاهر.
وهذا مذهب
مشهور للنحاة).
ثم قال: (إن العاملين إذا إجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله: * (وأرجلكم) * هو قوله: * (وامسحوا) * فثبت أن قراءة: * (وأرجلكم) * - بنصب اللام - توجب المسح أيضا) (1).
وقال الشيخ محيي الدين بن عربي: (إن النصب في اللام لا يخرجه عن الممسوح، فإن هذا الواو قد تكون واو (مع)، وواو المعية تنصب، تقول: مررت بزيد وعمرا تريد: مع عمرو فكذلك من قرأ: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) * بنصب اللام.
فحجة من يقول بالمسح في هذه الآية أقوى، لأنه يشارك القائل بالغسل في الدلالة التي اعتبرها (وهي فتح اللام)، ولم يشاركه من يقول بالغسل في خفض اللام) (2).
قال ابن حزم: (وأما قولنا في الرجلين، فإن القرآن نزل بالمسح، قال الله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) * وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها فهي على كل حال عطف على الرؤوس، إما على اللفظ، وإما على الموضع، لا يجوز غير ذلك، لانه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة) (3).
وقال أبو بكر بن العربي: (وجملة القول في ذلك أن الله سبحانه عطف الرجلين على الرأس، فقد ينصب على خلاف إعراب الرأس أو يخفض مثله...) (4).
وقال العيني عند ذكر أدلة المسح: (ولأن قراءة الجر محكمة في المسح، لأن المعطوف يشارك المعطوف عليه في حكمه، لأن العامل الأول ينصب عليهما
__________
(1) مفاتيح الغيب 6: 165.
(2) الفتوحات المكية 1: 448.
(3) المحلى 2: 57.
(4) أحكام القرآن 2: 71.(1/79)
انصبابة واحدة بواسطة الواو عند سيبويه، وعند آخرين يقدر للتابع من جنس الأول.
والنصب - أي قراءة النصب - يحتمل العطف على الأول - أي الوجوه - على بعد، ويحتمل العطف على محل: * (برؤوسكم) * كقوله تعالى: * (يا جبال أوبي معه والطير) * بالنصب عطف على المحل، لأنه مفعول به، وكقول الشاعر: معاوي إننا بشر فأسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا بالنصب عطف على محل الجبال.
فوجب أن يحمل المحتمل على المحكم) (1).
فبعد هذا لا بأس بأن يتذكر القارئ الكريم ما زعمه الشيخ الحنفي من أن قراءة الخفض محتملة وقراءة النصب محكمة في الغسل (2).
وبعد ذلك نخاطب الشوكاني الذي كتب في نيله: (وأما الموجبون للمسح وهم الإمامية فلم يأتوا مع مخالفتهم الكتاب والسنة المتواترة قولا وفعلا بحجة نيرة) (3).
فنقول له متسائلين: هل إن الموجبين للمسح خالفوا الكتاب، أم إن الموجبين للغسل خالفوا الكتاب والسنة الثابتة القطعية، وقد رأيت ظهور الكتاب في المسح؟.
ثم نقول: هل الموجبون للمسح لم يأتوا بحجة نيرة، أم قومك الموجبون للغسل لم يأتوا بدليل نير ولا نصف نير لحمل الآية على مذهبهم؟.
ولا يخفى أن تكرار لفظة (أو) في كلام القوم عند توجيهاتهم للآية، ولجوئهم من هذا التأويل إلى ذاك يعرب عن مدى ترددهم وتحيرهم في صرف الآية عن ظاهرها وحملها على رأيهم.
النوع الثاني من أدلة القائلين بالمسح: السنة الثابتة القطعية، وإليك الأخبار الثابتة
المروية في مصنفات القوم بأن النبي (صلى الله عليه وآله) وغيره من الصحابة قد مسحوا على أرجلهم، أرجو أن تكون حجة نيرة لسماحة الشوكاني.
__________
1 - عمدة القاري 2: 238.
2 - بدائع الصنائع 1: 6.
3 - نيل الأوطار 1: 169.(1/80)
1 - أول ما نزل حكم الوضوء على رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعروف ب (وضوء جبرائيل).
قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا يعقوب بن سنان قال: حدثنا عمرو بن خالد، وحسان بن عبد الله قالا: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير...وذكر القصة إلى أن قال: ففتح جبريل (عليه السلام) عينا من ماء فتوضأ، ومحمد (صلى الله عليه وآله) ينظر إليه فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح رأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم نضح فرجه وسجد سجدتين مواجهة البيت ففعل محمد (صلى الله عليه وآله) كما رأى جبريل (صلى الله عليه وآله) يفعل.
ثم قال: وذكر القصة بأجمعها شيخنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي جعفر البغداي عن أبي علاثة محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه عن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة (1).
وقد ذكر الذهبي القصة في تاريخه مثل ذلك (2).
قال الحلبي: قال بعض فقهائنا: فإن حديث جبريل (عليه السلام) ليس فيه إلا مسحهما، أي أن جبريل أول ما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) بالوحي توضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه ورجليه إلى الكعبين (3)...وفي الإسناد المذكور إرسال كما ترى إلا أنه ذكر موصولا من طرق اخرى قال العسقلاني: (وهو مرسل، ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضا، لكن قال: عن
الزهري عن عروة عن اسامة بن زيد عن أبيه.
وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعيد عن عقيل عن الزهري نحوه، لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند.
وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا.
ولو ثبت لكان على الشرط الصحيح لكن المعروف رواية ابن لهيعة) (4).
نعم أخرجه أحمد وابن ماجة والطبراني في الاوسط وكذا أخرجه الحاكم وابن
__________
(1) دلائل النبوة 2: 145 - 146.
(2) تاريخ الإسلام 1: 73.
(3) السير الحلبية 1: 253 باب ذكر وضوئه وصلاته (صلى الله عليه وآله) في أول البعثة.
(4) فتح الباري 1: 188.(1/81)
جرير وابن الجوزي والطبراني في الكبير، لكنهم اخرجوه باختصار (1).
وقال السيوطي: (أخرج البيهقي وأبو نعيم عن عروة بن الزبير أن جبريل (عليه السلام) لما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) في أول البعثة...ففتح جبريل عينا من ماء فتوضأ..) وذكر الحديث كما تقدم.
ثم قال: (وأخرجه أبو نعيم من وجه ثالث عن الزهري عن عروة عن عائشة موصولا، بالزيادة الأخيرة).
يعني قوله: ففتح جبريل عينا من ماء...إلى آخر الخبر (2).
2 - قال ابن قتيبة: حدثني الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير قال: قال علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله): " ما كنت أرى أن أعلى القدم أحق بالمسح من باطنهما حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على أعلى قدميه " (3).
وفي لفظ آخر ذكره الذهبي: " ماكنت أرى أعلى القدمين أحق من باطنهما حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على قدميه ".
قال المحشي: رجاله ثقات (4).
قال أبو داود: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: أخبرنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي قال: " ما كنت أرى باطن القدمين أحق بالغسل حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على ظهر خفيه ".
وقال أبو داود: ورواه أبو سوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: رأيت عليا توضأ فغسل ظاهر قدميه، وقال: " لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفعله "...وساق الحديث (5).
__________
(1) المسند لأحمد 4: 161 و 5: 203 سنن ابن ماجة 1: 157 / 462 - المعجم الاوسط 3: 536 / 3913 المستدرك 3: 217 المعجم الكبير 5: 85 / 4657 تاريخ الطبري 1: 535.
(2) الخصائص الكبرى 1: 233 باب ما وقع عند المبعث من المعجزات والخصوصيات.
(3) تأويل مختلف الحديث: 56.
(4) سير أعلام النبلاء 13: 300.
(5) سنن أبي داود 1: 42 / 164، المصنف (عبد الرزاق) 1: 19، البناية في شرح الهداية 1: 578.(1/82)
وفي لفظ البيهقي: " ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على ظهر خفيه " (1).
قال ابن شاهين: حدثنا أحمد بن المغلس قال: حدثنا أبو همام قال: حدثنا عيسى - يعني: ابن يونس - قال: حدثنا الأعمش عن رجال عن عبد خير عن علي (عليه السلام) قال: " كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالغسل حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح ظاهرهما " (2).
ولا يخفى على القارئ الكريم بأن صدر الخبر المتقدم يجهر بتحريف ذيله، لأن مسح باطن القدم تصح مقابلته مع ظاهره وليس ظاهر الخف.
وليت شعري،
هل يوجد فيما بين المسلمين من يقول بوجوب غسل ظاهر القدمين دون باطنهما، أو أن المحرف للخبر لما اكتسب حرفة التحريف والتبديل بدقة ومهارة فاصطنع شيئا يخالف إجماع الامة؟.
أخرج ابن حزم عن إسحاق بن راهويه قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن عبد خير عن علي: " كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح ظاهرهما " (3).
قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش، ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده عن عبد خير، قال علي: " كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على ظاهرهما ".
وأخرجه أحمد في مسنده، ونقله المتقي الهندي في كنزه (4).
قال الساعاتي: قال الحافظ في بلوغ المرام: اسناده حسن.
وقال في التلخيص: اسناده صحيح.
أخرج أبو يعلى عن ابي خيثمة حدثنا وكيع عن الأعمش عن ابي اسحاق عن
__________
(1) السنن الكبرى 1: 292.
(2) الناسخ والمنسوخ: 102 / 117.
(3) المحلى 2: 56.
(4) سنن أبي داود 1: 42 / 164، مسند أحمد 1: 95، كنز العمال 9: 606 / 27613، بلوغ الأماني: 2 / 69 ذيل ح: 343.(1/83)
عبد خير عن علي (عليه السلام): " كنت أرى ان باطن القدمين احق بالمسح من ظاهرهما، حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح ظاهرهما ".
قال المحشي: اسناده صحيح (1).
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أخبرنا أبو الطيب محمد بن عبد الله
الشعري: حدثنا محمد بن عصام: حدثنا حفص بن عبد الله: حدثني إبراهيم بن طهماز عن أبي إسحاق عن عبد خير الخيواني عن علي بن أبي طالب قال: " كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح على ظهر قدميه على خفيه " (2).
وإضافة: " على خفيه " في هذا اللفظ صورة اخرى من صور التحريف في هذا الخبر.
وقال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي قال: " لو كان الدين بالرأي كان باطن القدمين أحق بالمسح على ظاهرهما ولكن رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح ظاهرهما " (3).
قال الطحاوي: حدثنا أبو امية قال: حدثنا محمد بن الأصبهاني قال: أخبرنا الشريك عن السدي عن عبد خير عن علي (رضي الله عنه) أنه توضأ فمسح على ظهر القدم وقال: " لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعله لكان باطن القدم أحق من ظاهره ".
وذكره المتقي الهندي في (الكنز) (4).
أخرج أحمد في مسنده قال: حدثنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن السدي عن عبد خير قال: رأيت عليا (رضي الله عنه) دعا بماء ليتوضأ - الى أن قال - ومسح على ظهر قدميه ثم قال: " هذا وضوء من لم يحدث " ثم قال: " لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
__________
(1) مسند ابي يعلى: 1 / 287، 455، ح: 346، 613.
(2) السنن الكبرى 1: 292.
(3) المصنف 1: 19.
(4) شرح معاني الآثار 1: 35، كنز العمال 99: 474 / 27030، تحقيق الأعظمي على المصنف للصنعاني 1: 20.(1/84)
مسح على ظهر قدميه لرأيت أن بطونهما أحق ".
ثم شرب فضل وضوئه وهو قائم (1).
قال البيهقي: أخبرنا أبو علي الروذباري: حدثنا أبو محمد بن شوذب المقرئ بواسط: حدثنا شعيب بن أيوب: حدثنا أبو نعيم عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عبد خير قال: رأيت عليا توضأ ومسح...ثم قال: " لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على ظهر القدمين لرأيت أن أسفلهما - أو باطنهما - أحق بذلك ".
وكذلك رواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه (2).
أخرج الحميدي عن سفيان عن أبي السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب يمسح ظهور قدميه، وأحق: " لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح على ظهورهما لظننت أن بطونهما أحق " (3).
قال الدارمي: أخبرنا أبو نعيم: أخبرنا يونس عن أبي إسحاق عن عبد خير قال: رأيت عليا توضأ ومسح على النعلين، فوسع ثم قال: " لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل كما رأيتموني فعلت، لرأيت أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما ".
وأخرجه أحمد في مسنده ونقله القرطبي في تفسيره (4).
ثم قال أبو محمد الدارمي: هذا الحديث - حديث المسح - منسوخ بقوله: * (فامسحوا) * الآية.
أقول: هذا غريب من الدارمي، لأنه إن كان فهم من الحديث المسح على النعلين لا القدمين، وقال بنسخه بالآية، ففيه: أولا: أن أحدا لم يقل به، بل فسر الجميع أخبار المسح على النعلين بالمسح على القدمين في النعلين.
وثانيا: أن ذيل الخبر قرينة متصلة صريحة بأن المراد بالمسح على النعلين هو المسح على القدمين فيهما.
مع أنه جاء في ألفاظ الآخرين كما رأيت: (ومسح
__________
(1) مسند أحمد 1: 116.
(2) السنن الكبرى 1: 292.
(3) تحقيق حبيب الله الأعظمي على المصنف 1: 20.
المسند (الحميدي) 1: 26 / 47.
(4) سنن الدارمي 1: 177، مسند أحمد 1: 148، الجامع لأحكام القرآن 6: 102.
((1/85)
على قدميه)، أو: (ومسح على ظهر قدميه)، وغيرهما.
وإن كان فهم منه المسح على القدمين، وقال بنسخه بالآية فلا يصح أيضا وذلك للأسباب التالية: الأول: قد عرفت أن الآية بقراءتيها ظاهرة في المسح إن لم تكن صريحة، فكيف تكون ناسخة لحكم جاءت به؟.
الثاني: أن وضوء الإمام علي (عليه السلام)، الذي تحكيه رواية عبد خير كان في الكوفة بعد نزول المائدة بأكثر من عشرين سنة، فكيف تنسخ المتأخر عنها؟ وقد ذكر أهل الجرح والتعديل أن عبد خير كان صغيرا حين أسلم أبوه ولم يرو عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أو لم يلاقه (1).
وسيأتي عن غير هذا الراوي حكاية وضوئه (عليه السلام) ومسحه ثم صلاته بهم.
3 - أخرج أحمد بن حنبل عن محمد بن عبيد: حدثنا مختار عن أبي مطر قال: بينما نحن جلوس مع أمير المؤمنين علي (صلى الله عليه وآله) في المسجد على باب الرحبة إذ جاء رجل فقال: أرني وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وهو عند الزوال، فدعا قنبرا فقال: " ائتني بكوز من ماء " فغسل كفيه ووجهه ثلاثا، وتمضمض ثلاثا...ومسح رأسه واحدة فقال - يعني: الاذنين -: " داخلهما من الوجه، وخارجهما من الرأس "، ورجليه إلى الكعبين ثلاثا، ثم قال: " أين السائل عن وضوء رسول الله؟ كذا كان وضوء نبي الله (صلى الله عليه وآله) " (2).
وفي لفظ عبد بن حميد: فغسل يديه ووجهه ثلاثا...ومسح رأسه واحدة ثم قال
- يعني: الاذنين -: " خارجهما وباطنهما من الوجه "، ورجليه إلى الكعبين (3).
فأنت ترى أن لفظ ابن حميد خال من كلمة (ثلاثا) بعد قوله: (ورجليه إلى الكعبين).
ويمكن أن تكون مضافة إلى الخبر فتكون قرينة على الغسل إخلالا
__________
(1) تاريخ بغداد 11: 125 والاستيعاب 3: 127.
(2) مسند أحمد بن حنبل 1: 158.
(3) كنز العمال 9: 448 / 26908.(1/86)
بدلالته.
4 - قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني: حدثنا محمد بن مسلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن زيد بن ركانة عن عبد الله الخولاني عن ابن عباس (رضي الله عنه) في حديث قال: دخل علي علي بيتي...فقال: " يابن عباس، ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) "؟ قلت: بلى فداك أبي وامي...وفيه: ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء، فضرب بها على رجله وفيها النعل، ففتلها بها، ثم الاخرى مثل ذلك.
قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: " وفي النعلين ".
قال: قلت: وفي النعلين؟ قال " وفي النعلين ".
قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: " وفي النعلين " (1).
قال البيهقي: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب: حدثنا أبو عبد الرحمان عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن طلحة ابن يزيد بن ركانة عن عبد الله الخولاني عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: دخل علي (عليه السلام) علي بيتي فدعا بوضوء فجئنا بقعب يأخذ المد أو قريبه، حتى وضع بين يديه، وقد بال فقال: " يابن عباس، ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) "؟...ثم أخذ بكفيه من الماء فصك بهما على قدمه وفيها النعل فبلها به ثم على الرجل الاخرى مثل
ذلك...الحديث.
قال أبو عيسى الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: لا أدري ما هذا الحديث (2).
وأخرجه الطحاوي، وذكره ابن تيمية، ووضع عليه في (الكنز) رمز كل من أحمد بن حنبل، وأبي داود، وأبي يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان، والطحاوي، وضياء المقدسي (3).
__________
(1) سنن أبي داود 1: 29 / 117، معالم السنن 1: 42، الاعتصام بحبل الله 1: 207، كشف الغمة 1: 36.
(2) السنن الكبرى 1: 74.
(3) شرح معاني الآثار 1: 34، 35، المنتقى (ابن تيمية) 1: 93 / 248، كنز العمال 9: 459 / 26967.(1/87)
قال شمس الحق في شرحه على سنن أبي داود: واعلم ان الحديث وان كان رواته كلهم ثقات لكن فيه علة خفية اطلع عليها البخاري، وضعفه لأجلها (1).
أقول: ليس لضعف الحديث علة، لا خفية ولا جلية إلا مخالفته لرأي البخاري.
وليس هذا الاسلوب جديدا من ابن إسماعيل البخاري فإن من عادته طرح الصحاح من الروايات والتبديل في العبارات والإسقاط في الكلمات فيما يخالف مذهبه، فإنه كان يعلم بأن أئمته يقولون: الغسل هو الإسالة والمسح هو الإصابة.
فما في هذا الخبر ليس غسلا، ولا يجوز المسح على النعل العربي بدل الخف، فأراد التخلص من هذا الخبر ب (لا أدري)، بل هو يدري، ولابد أنه رأى أحاديث مسح القدم المستفيضة، ولكنه لا يدري كيف يوافق مذهب أهل البيت (عليهم السلام): فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم 5 - قال البيهقي: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك: أخبرنا عبد الله بن جعفر: حدثنا يونس بن حبيب: حدثنا شعبة أخبرنا عبد الملك بن ميسرة قال:
سمعت النزال بن سبرة يقول: صلى علي (رضي الله عنه) الظهر في الرحبة، ثم جلس في حوائج الناس حتى حضرت العصر، ثم اتي بكوز من ماء فصب منه كفا فغسل وجهه ويديه، ومسح على رأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضل الماء وهو قائم (2).
قال النسائي: أخبرنا عمرو بن يزيد قال حدثنا بهز بن أسد قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت النزال بن سبرة قال: رأيت عليا (رضي الله عنه) صلى الظهر، ثم قعد لحوائج الناس فلما حضرت العصر اتي بكوز من ماء فأخذ منه كفا فمسح به وجهه وذراعيه، ورأسه ورجليه، ثم أخذ فضله، فشرب قائما، وقال: " إن اناسا يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث " (3).
__________
(1) عون المعبود 1: 202 / حول ح: 117، بلوغ الأماني 2: 13 ذيل ح: 229.
(2) شعب الإيمان 5: 109 / 5982.
(3) سنن النسائي 1: 85.(1/88)
وأخرجه أحمد في (المسند) والطحاوي في الشرح بشئ من التفاوت (1).
واخرجه البيهقي في (السنن) عن أبي علي الروزباري.
وساق الحديث مثل لفظ النسائي ثم قال: رواه البخاري في الصحيح عن آدم بن إياس ببعض معناه (2).
قال شارح سنن البيهقي: (قلت: الذي في صحيح البخاري: (فغسل وجهه ويديه وذكر رأسه ورجليه)، وليس فيه: " هذا وضوء من لم يحدث ") (3).
أقول: هذا هو الاسلوب الثاني والثالث من سماحة ابن إسماعيل البخاري فيما يخالف مذهبه.
فبدل قوله: (ومسح على رأسه ورجليه) كما رأيت في اللفظ الاول للبيهقي - بقوله: (وذكر...)، وأسقط الجملة الأخيرة لان لا يخل بتوجيه قومه للخبر: بان مقصود امير المؤمنين منها ان وضوئه المذكور كان من غير حدث.
ثم إنه إذا تدبر القارئ في لفظ البخاري، واللفظ الأول للبيهقي علم بأن جملة:
(فمسح به وجهه وذراعيه) كانت بدلا من (فغسل وجهه ويديه)، للإخلال بدلالة الخبر، وحمله على توجيههم لكلام أمير المؤمنين: " هذا وضوء من لم يحدث "، الذي كان مراده منه: هذا وضوء من لم يحدث في وضوئه البدعة ولم يزد على حد الوضوء.
ورفع الرازي إلى شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن عليا (عليه السلام) صلى الظهر ثم قعد في الرحبة فلما حضرت العصر دعا بكوز من ماء فغسل يديه ووجهه وذراعيه ومسح برأسه ورجليه وقال: " هكذا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل "، وقال: " هذا وضوء من لم يحدث " (4).
6 - قال ابن جرير: حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال: حدثنا أبو مالك الجنبي عن مسلم عن حبة العرني قال: رأيت علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) شرب في الرحبة قائما ثم توضأ ومسح على نعليه وقال: " هذا وضوء من لم يحدث " (5).
__________
(1) مسند أحمد 1: 139، 153، شرح معاني الآثار 1: 34.
(2) السنن الكبرى 1: 75.
(3) الجوهر النقي 1: 75.
(4) أحكام القرآن (الجصاص) 2: 347.
(5) جامع البيان 6: 135.(1/89)
7 - قال البيهقي: أخبرنا أبو طاهر الفقيه: أخبرنا أبو عثمان البصري: حدثنا محمد بن عبد الوهاب: أنبأنا يعلى بن عبيد سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد ابن وهب قال: بال علي وهو قائم، ثم توضأ ومسح على النعلين.
وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع مع تفاوت يسير.
8 - قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب:
حدثنا الحسن بن علي بن عفان: حدثنا ابن النمير عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: رأيت علي بن أبي طالب بالرحبة بال قائما حتى أرغى فاتي بكوز من ماء فغسل واستنشق وتمضمض، وغسل وجهه وذراعيه، ومسح برأسه...ثم مسح على نعليه ثم اقيمت الصلاة فخلع نعليه ثم تقدم فأم الناس.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو طاهر الفقيه بإسناده قال: حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي ظبيان قال: بال علي وهو قائم، ثم توضأ ومسح على النعلين ثم خرج فصلى الظهر (1).
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أبي زياد عن أبي ظبيان الجنبي قال: رأيت عليا بال قائما حتى أرغى، ثم توضأ ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه فجعلهما في كمه ثم صلى.
قال معمر: ولو شئت أن احدث أن زيد بن أسلم حدثني عن عطاء بن يسار عن ابن عباس (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وآله) صنع كما صنع علي (عليه السلام) فعلت.
وأخرج أيضا عن الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: رأيت عليا بال وهو قائم حتى أرغى وعليه خميصة له سوداء، ثم دعا بماء فتوضأ فمسح على نعليه ثم قام فنزعها ثم صلى الظهر.
وأخرج أيضا عن ابن جريج قال: أخبرني قيس عن أبي إسحاق أنه أخبره من
__________
(1) السنن الكبرى 1: 287، 288 والمصنف (ابن أبي شيبة) 1: 190 والظاهر أن لفظ: (قائما) أو: (وهو قائم) خطأ من الرواة هنا وفيما ينسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، لنزاهتهما عن مثل هذا العمل الذي لا يقوم به عادي الناس، مضافا إلى كراهته شرعا.(1/90)
رأى عليا يمسح على نعليه (1).
وذكر المتقي الهندي خبر أبي ظبيان في كنزه بألفاظ متفاوتة، ووضع على كل
واحد منها رمز بعض المحدثين، ومن أرادها فليراجع (2).
ونقل فقهاء القوم هذا الخبر في كتبهم.
قال ابن قدامة: (روي عن علي أنه مسح على نعليه وقدميه ثم دخل المسجد فخلع نعليه وصلى) (3).
9 - قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار: أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: أنبأنا ابي ابن الاشجعي عن أبيه عن سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي (عليه السلام) أنه دعا بكوز من ماء ثم قال: " أين هؤلاء الذين يزعمون أنهم يكرهون الشرب قائما "؟ قال: فأخذ وشرب وهو قائم ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه ثم قال: " هكذا فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم يحدث ".
وبمعناه رواه إبراهيم بن أبي الليث عن عبيد الله الأشجعي...وفيه: ثم مسح على نعليه ثم قال: " هكذا وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) للطاهر ما لم يحدث ".
وقال أيضا: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان: حدثنا أحمد بن عبيد الصفار: حدثنا عباس بن الفضل الأسفاطي: حدثنا أبو الوليد: حدثنا زائدة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: صلى علي الفجر ثم دخل الرحبة...وساق الخبر إلى: " من أحب أن ينظر إلى وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهذا كان طهوره " (4).
أقول: إذا تأمل القارئ الكريم في ذيل رواية علقمة عن عبد خير، وتذكر ما نسبوه إليه (عليه السلام) من أنه: (بال وتوضأ ثم مسح على نعليه) أو: (بال قائما ثم توضأ ومسح على نعليه وقدميه) وغيرهما، علم بأن لفظ: " ما لم يحدث " أو: " للطاهر ما لم
__________
(1) المصنف (عبد الرزاق) 1: 201 / 783، 784 و 202 / 785.
(2) كنز العمال 9: 435 / 26856 و 518 / 27234 و 616 / 27666.
(3) المغني (ابن قدامة) 1: 120، الشرح الكبير (ابن قدامة) 1: 116.
(4) السنن الكبرى 1: 47: 50، 58، 75.(1/91)
يحدث " قد اضيف إلى الخبر في القرون المتأخرة، وأن ذلك تحريف لقوله (عليه السلام): " هذا وضوء من لم يحدث " أي من لم يغير في الدين ويبتدع وضوءا من عنده وهو تعريض بوضوء بني امية.
10 - قال البيهقي: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ: أنبأنا أبو العباس بن يعقوب: حدثنا الحسن بن المكرم: حدثنا عثمان بن عمر: حدثنا إسماعيل عن زبرقان بن عبد الله عن كعب بن عبد الله قال: رأيت عليا بال وتوضأ ثم مسح على نعليه وجوربيه (1).
فليعلم القارئ الكريم بأنه قد وردت روايات كثيرة من طرق الشيعة والسنة تقول: إن النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام المرتضى (عليه السلام) وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا.
وسببه أن نعالهم كانت مشقوقة وظهور الأقدام كانت مكشوفة، حتى إن المرء يستطيع أن يمسح ظهر قدميه بأصبع واحدة أو أكثر بدون استبطان الشراك.
فاستدل علماؤنا بتلك الأخبار على إجزاء مسح القدم بأصبع واحدة من أصابع اليد كما جاء في رواية زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في المسح: " تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك، وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك " (2).
واستدل بها بعض من أعلام أهل السنة على جواز المسح على بعض القدم وحمله على الوضوء من غير حدث كما تقدم (3).
وخبر ابن عمر الآتي صريح في المقام، فقد جاء فيه أنه كان إذا توضأ ونعلاه في قدميه يمسح ظهور قدميه بيديه، ويقول: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصنع هكذا) (4).
11 - قال الطبراني: حدثنا محمود نا وهب بن محمد عن عمرو بن قيس عن ابن
__________
(1) المصدر نفسه: 285.
(2) تهذيب الأحكام 1: 90 / 237، وسائل الشيعة 1: 414.
(3) جامع البيان عن تأويل القرآن 6: 134.
(4) شرح معاني الآثار 1: 35.(1/92)
اسحاق نا ناجية بن كعب، قال: رأيت عليا توضأ، فغسل وجهه ثلاثا والذراعين ثلاثا ومسح برأسه والقدمين ثلاثا إلى الكعبين.
ثم أخذ فضل وضوئه فشر به قائما، وقال: هكذا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) صنع (1).
12 - عن عبد الرحمن بن مالك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: رأيت عليا توضأ فمسح رأسه ثم مسح قدميه وقال: " هكذا رأيت نبي الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ " (2).
13 - قال السيوطي: أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنه قال: ذكر المسح على القدمين عند عمر، سعد وعبد الله بن عمر فقال عمر: سعد أفقه منك.
فقال عمر - أي بعد أن حكم له على ولده عبد الله -: يا سعد، إنا لا ننكر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح، ولكن هل مسح منذ انزلت سورة المائدة؟ فإنها أحكمت كل شئ وكانت آخر سورة من القرآن إلا البراءة (3).
14 - قال العيني عند ذكر استدلال القائلين بالمسح بالأخبار: (ومنها حديث عمر أخرجه ابن شاهين في كتابه " الناسخ والمنسوخ ") (4).
أقول: قد أسقطت يد الخيانة هذا الخبر من كتاب ابن شاهين، فلم نجده في النسخة الموجودة لدينا.
وفي رواية الطبراني عن ابن عباس (رضي الله عنه) تأمل سيأتي وجهه إن شاء الله تعالى.
15 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن بشر قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن مسلم بن يسار عن حمران قال: دعا عثمان بماء فتوضأ، ثم ضحك، فقال: ألا تسألونني مما أضحك؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ما أضحكك؟ قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ كما توضأت فمضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا، ومسح برأسه وظهر قدميه (5).
__________
(1) المعجم الأوسط 8: 414 / 7845.
(2) ميزان الاعتدال 2: 585، لسان الميزان 4: 290.
(3) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2: 165.
(4) عمدة القاري 2: 240.
(5) المصنف 1: 8.(1/93)
ونقله المتقي الهندي في (الكنز) عن ابن أبي شيبة (1).
وذكره الهيثمي في (الزوائد)، وقال: قلت: هو في الصحيح باختصار، وقد رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات (2).
وقال الساعاتي: قال المنذري: رواه احمد باسناد جيد وأبو يعلي ورواه البزار باسناد صحيح.
أقول: بعد ما تقدم، علم القارئ أن لفظة: (وظهر قدميه) في الخبر هي الجرم الذي استحق بسببه الاختصار من سماحة البخاري ومن نحا نحوه.
وأخرج أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر عن سعيد، وذكر الإسناد كما تقدم وساق الحديث قريبا منه...إلى: (ومسح برأسه وظهر قدميه ثم ضحك) الحديث (3).
وذكر المتقي الهندي هذا الخبر في (الكنز) ووضع عليه رمز كل من أحمد بن حنبل والبزار وأبي نعيم وأبي يعلى ثم قال: وصحح (4).
وذكره الهيثمي أيضا، وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وهو في الصحيح باختصار (5).
وقال العيني: حديث عثمان (رضي الله عنه) ذكره أحمد بن علي القاضي في كتابه (مسند عثمان) بسند صحيح أنه توضأ ثم مسح رأسه ثم ظهر قدميه، ثم رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) (6).
تذكرة: ينبغي الالتفات إلى أن المذكور في (مجمع الزوائد) في الطبعات الموجودة لدينا من خبر (ضحك عثمان): (وطهر قدميه)، وقد أسقطوا نقطة
__________
(1) كنز العمال 9: 436 / 26863.
(2) مجمع الزوائد 1: 224.
(بلوغ الأماني) 1: 305 / 190.
(3) مسند أحمد 1: 58، جامع المسانيد والسنن 17: 178 / 759.
وقال الدكتور القلعچي: رواه البزار في كشف الأستار، وإسناده صحيح.
(4) كنز العمال 9: 442 / 26886.
(5) مجمع الزوائد 1: 229.
(6) عمدة القاري 2: 240.(1/94)
الظاء المعجمة كالعادة المستمرة للإخلال بدلالة الخبر وأثبتناها من المصادر الأصلية التي أخذ الهيثمي الخبر منها.
وكذلك الحال بالنسبة إلى رواية أبي كاهل الآتية.
ولا نتهم العلامة الهيثمي بتلك الجناية، بل نقول: إن هذا طرأ على كتابه بعد وفاته.
16 - أخرج أحمد بن حنبل عن ابن الأشجعي: حدثنا أبي عن سفيان عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد قال: أتى عثمان المقاعد فدعا بوضوء...ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا، ثم مسح برأسه ورجليه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: رأيت رسول
الله (صلى الله عليه وآله) هكذا يتوضأ، يا هؤلاء أكذاك؟ قالوا: نعم.
لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنده (1).
17 - وروي عن أبي مليكة - رحمه الله تعالى - قال: رأيت عثمان (رضي الله عنه) يسأل عن الوضوء فدعا بماء فاتي بميضأة...فأخذ ماء فمسح برأسه واذنيه فغسل بطونهما وظهورهما مرة مرة، ثم رجلليه، ثم قال: أين السائل عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ (2).
18 - قال ابن شاهين: أنبأنا أحمد بن سليمان بن الحسن الفقيه قال: أنبأنا عبيد ابن شريك قال أنبأنا عبد الغفار - يعني ابن داود - قال: أنبأنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عباد بن تميم عن عثمان أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح على القدمين (3).
19 - قال الدارقطني: حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل: حدثنا أحمد بن المقدام: أنبأنا محمد بن أبي بكر: أنبأنا عبد الله بن أبي زياد القداح: انبأنا عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) قال: دعا يوما بوضوء ثم دعا اناسا من أصحاب رسول الله...ثم مسح برأسه ثم رجليه فأنقاهما، ثم قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ مثل هذا الوضوء.
الحديث (4).
__________
(1) مسند أحمد 1: 67.
(2) سبل الهدى والرشاد 8: 43.
(3) الناسخ والمنسوخ (ابن شاهين): 102 / 118.
(4) سنن الدارقطني 1: 85.(1/95)
أقول: هذا على ما يبدو أول مرحلة من مراحل التحريف في هذا الخبر.
أضاف المحرفون إلى الخبر لفظة: (أنقاهما) للإخلال بدلالة الخبر، لأن الإنقاء لا يكون في المسح، بل في الغسل.
ثم استمر التحريف في خبر عثمان إلى أن وصل إلى
نهايته، فإليك لفظا من ألفاظ آخر مرحلة التحريف: أخرج أبو داود والبيهقي عن عثمان بن عفان أنه دعا بماء فتوضأ...ومسح برأسه، ثم غسل رجليه الحديث (1).
وفي سنده كما في سند اللفظ المتقدم للدارقطني، عبد الله بن أبي زياد القداح، قال ابن التركماني: (قال ابن معين: ليس بشئ.
قال أبو داود: أحاديثه مناكير) (2).
20 - أخرج أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن بشر.
والبيهقي عن البيروتي عن جعفر بن عون...إلى هشام بن سعيد حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار - واللفظ لأبي داود - قال عطاء: قال لنا ابن عباس (رضي الله عنه): أتحبون أن اريكم كيف كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ...ثم قبض قبضة اخرى من الماء فرش على رجله اليمنى وفيها النعل ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل ثم صنع باليسرى مثل ذلك.
قال البيهقي: هذا أصح حديث روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا (3).
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا بشر بن موسى حدثنا خلاد بن يحيى...وذكر الإسناد كما تقدم، وساق الحديث وفيه: (ومسح بأسفل النعلين) (4).
وأخرج الطحاوي والبيهقي بإسناديهما إلى عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس (رضي الله عنه) واللفظ للطحاوي قال: توضأ رسول
__________
(1) سنن أبي داود 1: 32 / 109، سنن البيهقي 1: 47.
(2) الجور النقي 1: 47.
(3) سنن أبي داود 1: 37 / 137، السنن الكبرى 1: 73، عمدة القارئ 2: 240.
(4) السنن الكبرى 1: 72.(1/96)
الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذ ملء كفه ماء فرش به على قدميه وهو منتعل.
ثم قال البيهقي: ورواه البخاري عن محمد بن عبد الرحيم (1).
أقول: نعم رواه البخاري عن محمد بن عبد الرحيم مع رعاية عادته (2).
قال الطبراني: حدثنا احمد حدثنا امية بن بسطام قال: حدثنا يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، انه قال: ألا اريكم كيف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذ ماء بيده فمضمض واستنشق، ثم اخذ الماء بيده فضم إليها يده الأخرى فغسل وجهه، ثم اخذ بيده فغسل يده وذراعيه، ثم فعل مثل ذلك بالأخرى، ثم مسح برأسه، ثم اخذ بيده ماء فنضحه على قدميه ومسح بهما قدميه وعليه النعلان.
وقال أيضا: حدثنا أبو قرة قال: ذكر زمعة بن صالح بن زياد بن سعد عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، قال: ألا اريكم كيف رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ فأخذ الماء باحدى يديه فاستنشق ثم جمع إليها الأخرى فأفرغ فأفاض على وجهه وغسل يديه ثم مسح برأسه واذنيه ثم مسح على ظهور قدميه فوق النعل ثم قام فصلى (3).
21 - قال البيهقي: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الخايل: حدثنا أبو أحمد ابن عدي: حدثنا محمد بن بشر القزاز: حدثنا أبو عمير: حدثنا رواد عن سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ مرة مرة ومسح على نعليه.
ثم قال البيهقي: وروي عن زيد بن الحباب عن الثوري هكذا (4).
أقول: رواه البخاري عن محمد بن يوسف، مع إسقاط ما يخالف مذهبه (5).
22 - قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن قيس الخراساني عن ابن
__________
(1) شرح معاني الآثار 1: 39، السنن الكبرى 1: 72.
(2) صحيح البخاري 1: 50 / 140.
(3) المعجم الاوسط 1: 405 / 718 و 10: 87 / 9814.
(4) السنن الكبرى 1: 286.
(5) صحيح البخاري 1: 54 / 157.(1/97)
جريح عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: (الوضوء غسلتان ومسحتان) (1).
قال ابن كثير: وكذا روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (2).
وأخرج هذا الخبر عبد الرزاق في مصنفه، ونقله العالم الهندي في كنزه، وذكره مفسرو القوم في تفاسيرهم وفقهاؤهم في مؤلفاتهم (3).
23 - قال ابن كثير: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو معمر المنقري: حدثنا عبد الوهاب: حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) * قال: هو المسح.
ثم قال: وروي عن ابن عمر وعلقمة وأبي جعفر محمد بن علي والحسن في إحدى الروايات وجابر بن زيد ومجاهد في إحدى الروايات نحوه (4).
قال عبد الرزاق بعد ذكر خبر ابن عباس (رضي الله عنه): قال رجل لمطر الوراق: من كان يقول بالمسح على الرجلين؟ قال: فقهاء كثير (5).
24 - قال السيوطي: أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: (افترض الله غسلتين ومسحتين، ألا ترى أنه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين وترك المسحتين)؟ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة مثله (6).
ونقل الخبر ابن العربي في أحكامه والمتقي الهندي في كنزه (7).
25 - قال السيوطي: أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن ماجة عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: (أبى الناس إلا اللغسل، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح) (8).
__________
(1) جامع البيان 6: 128.
(2) تفسير القرآن العظيم 2: 27.
(3) المصنف (عبد الرزاق) 1: 19 / 55، كنز العمال 9: 433 / 26840، الجامع لأحكام القرآن 6: 92، الدر المنثور 2: 165، عمدة القاري 2: 238، البناية في شرح الهداية 1: 101، المغني (ابن قامة) 1: 120، الشرح الكبير (ابن قدامة) 1: 116 (4) تفسير القرآن العظيم 2: 27 والدر المنثور 2: 164.
(5) المصنف (عبد الرزاق) 1: 19 / 54.
(6) الدر المنثور 2: 164.
(7) أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 71 وكنز العمال 99: 433 / 26842.
(8) الدر المنثور 2: 164، سنن ابن ماجه 1: 156 / 458، المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 20.(1/98)
وأخرجه الدارقطني والبيهقي، ولفظ الدارقطني هكذا: (ما أجد في الكتاب إلا غسلتين ومسحتين) ونقله علماؤهم في مؤلفاتهم (1).
قال السرخسي: روي عن ابن عباس (رضي الله عنه): (نزل القرآن بغسلين ومسحين) (2).
26 - قال الطحاوي: حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا أحمد بن الحسين اللهبي قال: حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذؤيب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ ونعلاه في قدميه يمسح ظهور قدميه بيديه ويقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصنع هكذا (3).
أقول: خبر ابن عمر هذا وما يأتي مما رواه البيهقي عنه خير شاهد على أن المراد بالمسح على النعال في بعض الأخبار - كما أشرنا إليه سابقا -: هو المسح على الأقدام في النعال.
ومن المعروف أن النعال العربية في ذلك الوقت كانت لا تغطي إلا شيئا قليلا من ظهر القدم، والواجب من المسح هو مسماه فيصح المسح
على القدم بدون خلع النعال.
27 - قال البيهقي: أخبرنا أبو بكر بن علي الحافظ: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله محمد بن إسحاق بن خزيمة: حدثنا عبد الجبار بن العلاء: حدثنا سفيان: حدثنا محمد بن عجلان عن سعيد عن عبيد بن جريج قال: قيل لابن عمر: رأيناك تفعل شيئا لم نر أحدا يصنعه غيرك! قال: وما هو؟ قالوا: رأيناك تلبس هذه النعال السبتية! قال: إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلبسها، ويتوضأ فيها، ويمسح عليها.
وأخرج أيضا عن ابن عيينة عن ابن عجلان عن مقبري عن ابن جريح أنه قال لعبد الله بن عمر: رأيتك تصنع أربعا...إلى: (وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ فيها ويمسح عليها) (4).
وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف) والبخاري في (الصحيح) والنسائي في
__________
(1) سنن الدارقطني 1: 96، المجموع 1: 417، وعمدة القاري 2: 238، كنز العمال 9: 432 / 26837.
(2) المبسوط 1: 8.
(3) شرح معاني الآثار 1: 35.
(4) السنن الكبرى 1: 287.(1/99)
(السنن) وأبو العباس في (التجريد) مع إسقاط جملة: (ويمسح عليها) (1).
28 - أخرج البخاري ومسلم وابن حزم والطحاوي وابن الجوزي والبيهقي - واللفظ للأول - قال: حدثنا موسى قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو (بن العاص) قال: تخلف النبي (صلى الله عليه وآله) عنا في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: " ويل للأعقاب من النار " مرتين أو ثلاثا.
وفي لفظ الطحاوي: فنادى بلال: " ويل للأعقاب من النار " (2).
أقول: على الرغم من استدلال القوم بهذا الخبر على وجوب الغسل إلا انه ظاهر في المسح، بل وصريح فيه كما تقدم.
29 - رواية رفاعة بن رافع (حديث المسئ في صلاته)، وهو حديث طويل ومن أشهر الأحاديث في الباب، وقد أشرنا إليه سابقا فإليك بأسانيده: قال الدارقطني: حدثنا الحسين بن إسماعيل: نا يوسف بن موسى: نا هشام بن عبد الملك والحجاج بن المنهال - واللفظ لأبي الوليد - قالا: أنبأنا همام: نا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع...قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) - أو رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس ونحن حوله - إذ دخل عليه رجل فاستقبل القبلة وصلى فلما قضى الصلاة جاء فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى القوم...إلى: (فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويثني عليه " (3) و...وأخرجه الدارمي عن أبي الوليد بإسناده المذكور والطحاوي عن محمد بن
__________
(1) المصنف (عبد الرزاق) 1: 202، صحيح البخاري 1: 57 / 166، سنن النسائي 1: 80، التجريد الصريح 1: 25.
(2) صيح البخاري 1: 56 / 163، صحيح مسلم 1: 131 / 27، المحلى 2: 56، السنن الكبرى 1: 68.
(3) سنن الدارقطني 1: 96.(1/100)
خزيمة عن الحجاج بن المنهال (1).
وأخرجه الطبراني في (الكبير) عن علي بن عبد العزيز عن الحجاج بن المنهال، وعن محمد بن حيان المازني عن أبي الوليد الطيالسي بالسند نفسه (2).
وقال البيهقي: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أو أبو عبد الله الحافظ: حدثنا
علي بن حمشاذ: حدثنا علي بن عبد العزيز: حدثنا الحجاج بن المنهال - وساق السند بمثل ما تقدم - وفيه: " ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين " (3).
وأخرج الخبر كل من ابن حزم وابن ماجة من طريق همام عن إسحاق بسنده المذكور.
ولفظ ابن حزم هكذا: " إنها لا يجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل، ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ".
ونقله فقهاء القوم في كتبهم (4).
وذكره السيوطي في تفسيره.
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) بعدة أسانيد: الأول: حدثنا علي بن حمشاذ العدل: حدثنا علي بن عبد العزيز: حدثنا الحجاج بن المنهال...وساق الإسناد كما تقدم وذكر الحديث بطوله، ثم صححه على شرط البخاري ومسلم.
الثاني: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب: حدثنا محمد بن نصر الخولاني قال: قرأ علي بن وهب: أخبرك داود بن قيس: حدثنا علي بن يحيى بن خلاد: حدثنا أبي عن عمه...الحديث بطوله.
الثالث: أخبرنا الحسن بن الحكيم المروزي: أنبأنا أبو الموجه: أنبانا عبدان: أنبانا عبد الله: أنبأ داود...مثل ذلك.
الرابع: حدثنا بصحة ما ذكره البخاري في تاريخه الكبير، أبو بكر محمد بن
__________
(1) سنن الدارمي 1: 305، شرح معاني الآثار 1: 35.
(2) المعجم الكبير 5: 37 / 4525.
(3) السنن الكبرى 1: 44 و 2: 345.
(4) المحلى 2: 56، سنن ابن ماجة 1: 156 / 460، الدر المنثور 2: 262، المجموع 1: 418، تلخيص الحبير 1: 359، نيل الأوطار 1: 168.(1/101)
أحمد بن بالويه: حدثنا موسى بن الحسن بن عباد: حدثنا عثمان: حدثنا حماد ابن سلمة عن إسحاق...وذكر الإسناد كما تقدم والخبر بطوله.
الخامس: أخبرنا أحمد بن جعفر القطعي: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن محمد بن إسحاق حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الأنصاري: حدثني زريق عن أبيه عن عمه رفاعة...وساق الحديث.
السادس: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو: حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي: حدثنا قتيبة بن سعد الثقفي وعلي بن حجر السعدي قالا: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده رفاعة بن رافع...الحديث بطوله (1).
وتعقبه الذهبي في تلخيصه معترفا بصحة بعض اسانيده على شرط البخاري ومسلم (2).
وأخرج أبو داود هذا الحديث في سننه بخمسة طرق.
وأخرجه النسائي في سننه.
ومن أراد الاطلاع على أسانيدهما فعليه بمؤلفيها (3).
وذكر المتقي الهندي خبر رفاعة بن رافع في (الكنز)، ووضع عليه رمز كل من أبي داود، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم (4).
قال العيني: (خبر رفاعة بن رافع عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لا يتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين " حسنه أبو علي الطوسي (الحافظ) وأبو عيسى الترمذي وأبو بكر البزار وصححه ابن حبان وابن حزم) (5).
__________
(1) المستدرك على الصحيحين 1: 241 - 243.
(2) تلخيص المستدرك 1: 241 - 242.
(3) سنن أبي داود 1: 197 / 857 - 861، سنن النسائي 2: 226.
(4) كنز العمال 7: 427 / 19628.
(5) عمدة القاري 2: 240.(1/102)
قال البيهقي: احتج أصحابنا في نفي وجوب التسمية بهذا الحديث.
وقال في موضع آخر: احتج أصحابنا في ذلك بحديث رفاعة بن رافع (1).
أقول: هذا يدل على ثبوت صحة الحديث لديهم، وإلا لما احتجوا به.
وأما السر في عدم إخراج البخاري له في صحيحه مع صحته عنده، وإخراجه في تاريخه فمعلوم، لأنه جاء بما يخالف رأي ابن إسماعيل وزمرته، ويوافق مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فهذا هو ذنب الحديث الذي كان سببا لطرحه.
قال ابن الجوزي: أخبرنا ابن عبد الخالق قال: أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد: حدثنا محمد بن عبد الملك قال: حدثنا همام بن يحيى قال: حدثنا إسحاق بن عبد الملك بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله...ويمسح برأسه ورجليه " (2).
30 - قال الدارقطني: حدثنا الحسين: نا ابن حنان: نا بقية: نا أبو بكر بن أبي مريم: نا عبدة بن أبي لبابة عن محمد الخزاعي عن عائشة أنها قالت: ما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح منذ انزل عليه المائدة حتى لحق بالله عز وجل (3).
والخبر بهذا اللفظ مذكور في (سبل الهدى والرشاد) (4).
ثم إن أهل السنة حملوا خبر عائشة هذا على المسح على الخفين مع عدم وجود ما يدل على ذلك، بل إن ظهور الخبر في المسح على الرجلين واضح خاصة بعد أن ثبت
عنها قولها: إن المسح على الخفين كان قبل المائدة.
وقولها: لأن أخرهما بالسكاكين أحب إلي من أن أمسح عليهما.
يعني الخفين، أو: لأن أقطع رجلي بالموسى أحب إلي من أن أمسح على الخفين.
كما سيأتي تفصيل ذلك في المسح على الخفين إن شاء الله تعالى.
__________
(1) السنن الكبرى 1: 4844.
(2) التحقيق في أحاديث الخلاف 1: 380 / 498.
(3) سنن الدارقطني 1: 202 / 736.
(4) سبل الهدى والرشاد 8: 54.(1/103)
31 - أخرج أحمد بن حنبل عن عفان: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثني أبو جعفر عمير بن يزيد: حدثني الحرث بن الفضيل وعمارة بن خزيمة بن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي قراد قال: خرجت مع النبي (صلى الله عليه وآله) حاجا فرأيته خرج من الخلاء...ثم قبض الماء بيد واحدة، ثم مسح على رأسه، ثم قبض الماء قبضا بيده، فضرب به على ظهر قدمه، فمسح بيده على قدمه، ثم جاء فصلى لنا الظهر (1).
وفي لفظ آخر كما ذكره الهيثمي: (ثم قبض الماء قبضا بيده، فضرب به على ظهر قدميه فنضح بيده على ظهر قدميه).
ثم قال الهيثمي: (قلت: كذا هو الأصل، رواه أحمد، وروى النسائي وابن ماجة منه: (كان إذا أراد الحاجة أبعد) - يعني بحذف صدر الخبر - ورجاله ثقات) (2).
قال الساعاتي وفيه أنه (صلى الله عليه وآله) مسح على رأسه مرتين ومسح على ظهر قدمه وكان محدثا قبل ذلك (3).
32 - أخرج أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر: حدثنا سعيد عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه قال لقومه:
اجتمعوا اصل بكم صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فلما اجتمعوا قال: هل فيكم أحد غيركم؟ قالوا: لا، إلا ابن اخت لنا.
قال: ابن اخت القوم منهم.
فدعا بجفنة فيها ماء، فتوضأ ومضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه وظهر قدميه ثم صلى بهم فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة...(4).
وأخرجه الطبراني في الكبير عن قتادة بعدة أسانيد، فقال: حدثنا علي بن عبد العزيز: حدثنا عفان بن مسلم: حدثنا أبان بن يزيد: حدثنا قتادة: حدثنا شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه جمع أصحابه فقال: هل اصلي بكم صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وكان رجلا من الأشعريين، فدعا بجفنة من
__________
(1) مسند أحمد 3: 443 و 4: 237.
(2) مجمع الزوائد 1: 230.
(3) بلوغ الأماني 3: 13 ذيل ح: 229.
(4) مسند أحمد 5: 342.(1/104)
ماء فغسل يديه ثلاثا، ومضمض واستنشق ثلاثا...ومسح برأسه واذنيه، ومسح قدميه، وصلى الظهر.
وقال: حدثنا معاذ بن مثنى: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه قال: اجتمعوا اصل بكم صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فاجتمعوا، فقال: هل فيكم أحد من غيركم؟ فقالوا: لا، إلا ابن اخت لنا.
قال: فذلك من القوم.
فدعا بجفنة فيها ماء فتوضأ - وهم شهود - فمضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، ومسح برأسه وظهر قدميه، ثم صلى بهم الظهر.
وقال: حدثنا أسلم بن سهل الواسطي: حدثنا القاسم بن عيسى الطائي: حدثنا
طلحة بن عبد الرحمن عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه قال: اجتمعوا اصل بكم صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فاجتمعوا، فقال: أفيكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا، إلا ابن اخت لنا.
قال: ابن اخت القوم منهم.
فدعا بجفنة، فتوضأ منها، فمضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا، ومسح برأسه وظهر قدميه، وتقدم فصلى بهم الظهر (1).
أقول: إذا تفكر القارئ الكريم في علة خوف أبي مالك الأشعري من الإجهار بصلاة النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في الصدر الأول، وفي خير القرون على حد تعبير القوم، فإنه سيعرف ما جاء على شريعة الإسلام من المصيبة والبلاء وهي في عنفوانها، وسيفهم بأن هناك سلطة أموية جبرية غاشمة عازمة على تغيير السنة النبوية " الهاشمية "! فهذا هو السبب في خوف أمثال أبي مالك الأشعري من إظهار صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل أن يعرف الحاضرين.
وإذا كان الصحابة يستعملون التقية من الدولة حتى في المسائل العبادية،
__________
(1) المعجم الكبير 3: 280 - 281 / 3412 - 3414.(1/105)
فكيف تتوقع منهم أن يتحدثوا بصراحة عن مسألة الوصية والخلافة والإمامة؟.
ثم إن جو إرهاب السلطة حتى في المسائل غير السياسية هو السر وراء استعمال الرواة ألفاظا مجملة مثل (وضأ قدميه) أو: (طهر رجليه) أو: (ذكر رجليه) بدل التصريح بالمسح في بعض الأخبار.
أو التصريح بالمسح بدون الإجهار باسم الراوي والإتيان بلفظ مبهم: ك (رجل) بدل اسمه.
وإليك على سبيل المثال ما رواه الطحاوي عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ فمضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه
ووضأ قدميه.
فإن كان مراد الرواة من تلك الألفاظ هو غسل الرجلين فليس هناك مانع من إبدائه، بل على العكس فإنه يوجد الدافع إلى إظهاره بخلاف ما إذا كان مرادهم مسح القدمين، فإن في المقابل سلطة أموية جائرة.
وهذا هو السبب لحكمنا في الحديثين المتعارضين برد الحديث الموافق لرأي الزمرة الحاكمة والقول بتحريفه.
وهو السر في إصرار حجة الله في ذلك الزمان (باقر علم النبيين) (عليه السلام) على الإسفار بالوضوء النبوي الشرعي.
33 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد: أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين، ومسح برأسه ورجليه مرتين (1).
قال الدارمي: أخبرنا يحيى: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) نحوا منه (2).
فأنت ترى أن سماحة الدارمي لا يحب أن يذكر لفظ الحديث، حتى لا يرى أحد في سننه ما أخرجه بسند صحيح مخالفا لمذهبه فاكتفى بقوله: (نحوا منه)!! قال الدارقطني: أنبأنا جعفر بن محمد الواسطي: أنبأنا موسى بن إسحاق: أنبأنا
__________
(1) المصنف 1: 8.
(2) سنن الدارمي 1: 177.(1/106)
أبو بكر: أنبأنا ابن عيينة عن عمر بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد (الذي اري النداء) قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ...ومسح برأسه ورجليه مرتين (1).
ونقله المتقي الهندي في كنزه عن (مسند عبد الله بن زيد المازني) (2).
وهو الظاهر من سند الخبر، لا ما ذكره الدارقطني من أنه هو الذي اري النداء.
34 - قال الطبراني: حدثنا هارون بن ملول المصري: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري: حدثنا سعيد بن أبي أيوب: حدثني أبو الأسود عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح بالماء على لحيته ورجليه (3).
أخرج أحمد بن حنبل قال: قرأت على عبد الرحمن عن عبد الله بن زيد المازني قال: حدثنا عبد الله بن يزيد (أبو عبد الرحمن) المقري قال: حدثنا سعيد يعني ابن أبي أيوب قال: حدثني أبو الأسود عن عباد بن تميم المازني عن أبيه أنه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ ويمسح بالماء على رجليه (4).
وهذا عين لفظ الطبراني في الأوسط أخرجه بسنده المذكور في الكبير.
قال الهيثمي: رواه الطبراني في (الأوسط)، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني (5).
يعني هارون بن ملول المصري.
أقول: إن كان مراد الهيثمي بهذا الكلام، الطعن في سند ما رواه الطبراني في (الأوسط) فلا يضر بصحة الخبر بعد أن روا غيره بطرق صحيحة.
وإن كان مراده أن البخاري لم يرو عنه في الصحيح فلا بأس به لامكان عدم الملاقاة بينهما أصلا.
أو لاقاه وهو في فترة صباه.
لان الطبراني روى عن شيخه هارون بن عيسى (الملول) بعد وفاة البخاري بتسع وعشرين سنة يعني في عام مائتين وخمس وثمانين وكان وفاة البخاري في عام مائتين وست وخمسين.
هذا فضلا عن أن
__________
(1) سنن الدارقطني 1: 82.
(2) كنز العمال 9: 451 / 26922، الاستيعاب 1: 188.
(3) المعجم الكبير 2: 60 / 1286.
(4) مسند أحمد 4: 40.
(5) مجمع الزوائد 1: 234.
المعجم الأوسط 10: 155، ح: 9328.(1/107)
كثيرا من الثقات لم يرو عنهم البخاري في صحيحه.
قال الحافظ العسقلاني: (روى البخاري في تاريخه وأحمد بن أبي شيبة (وأحمد وابن أبي شيبة) وابن أبي عمر البغوي والطبراني والبارودي وغيرهم - كلهم من طريق أبي الأسود - عن عباد بن تميم المازني عن أبيه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ ويمسح الماء على رجليه.
رجاله ثقات) (1).
ونقل المتقي الهندي هذا الخبر في (الكنز) عن (مسند تميم بن زيد المازني) ووضع عليه رمز كل من ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والبخاري في تاريخه، والعدني، والبغوي، والبارودي، والطبراني، وأبي نعيم.
ثم قال: (قال في (الإصابة): رجاله ثقات) (2).
قال ابن الأثير: أخبرنا يحيى بن محمود بن سعد الثقفي إجازة بإسناده إلى ابن أبي عاصم: أخبرنا ابن أبي شيبة وأبو بشر بكر بن خلف قالا: حدثنا عبد الله بن زيد: أخبرنا سعيد بن أبي أيوب: أخبرنا أبو الأسود: أخبرنا عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح الماء على رجليه (3).
ونقل الشوكاني خبر عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوضأ ويمسح على رجليه (4).
أقول: وقد عرفت أن البخاري أخرج الخبر في تاريخه ولم يخرجه في الصحيح مع وثاقة جميع رجاله عنده.
35 - قال الطحاوي: حدثنا روح بن الفرج قال: حدثنا عمر بن خالد قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عباد بن تميم عن عمه أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح على القدمين.
وأن عروة كان يفعل ذلك (5).
قال العيني: (أخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن أبي عبد الرحمن بن المقري
__________
(1) الإصابة في تمييز الصحابة 1: 187.
(2) كنز العمال 9: 429 / 26822.
(3) اسد الغابة 1: 217.
(4) نيل الأوطار 1: 168.
(5) شرح معاني الآثار 1: 35.(1/108)
عن سعيد بن أبي أيوب: حدثني أبو الأسود عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد أن النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح بالماء على رجليه.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي زهير عن المقري به) (1).
قال الآلوسي: (وأما ما رواه عباد بن تميم عن عمه بروايات ضعيفة أنه (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح على قدميه، فهو كما قال الحفاظ: شاذ) (2).
أقول: ليس لشذوذه وضعف رواياته سبب إلا مخالفته لرأي الآلوسي المخالف لكتاب الله تعالى، والصحاح المستفيضة عن رسوله (صلى الله عليه وآله).
وقد رأيت اعتراف أئمة الآلوسي بصحة ما رواه عباد عن أبيه، وأما ما رواه عن عمه فقد قال ابن عبد البر: (وأما ما رواه عباد بن تميم عن عمه فصحيح إن شاء الله تعالى) (3).
36 - ورفع أبو داود إلى عباد قال: قال عباد: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى كظامة قوم فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه (4).
وذكر هذا الخبر ابن الجوزي في تحقيقه والشامي في سيرته (5).
37 - قال أبو عبيد (القاسم بن سلام): حدثنا هشيم قال: أخبرني يعلى بن عطاء عن أبيه عن أوس بن أبي أوس أنه رأى النبي (صلى الله عليه وآله) أتى كظامة قوم فتوضأ ومسح على قدميه (6).
وأخرجه ابن جرير عن الحرث عن القاسم بن سلام بالسند نفسه، إلا أنه ذكر الحديث بهذه الصورة: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) أتى سباط قوم بالطائف فتوضأ ومسح على
قدميه (7).
وذكره الزمخشري في (الفائق) (8).
__________
(1) عمدة القاري 2: 240.
(2) روح المعاني 6: 75.
(3) الاستيعاب 1: 188، وفي طبعة: اخرى 1: 271.
(4) سنن أبي داود 1: 43 / 160.
(5) التحقيق في أحاديث الخلاف 1: 161 / 151 وسبل الهدى والرشاد 8: 55.
(6) غريب الحديث 1: 162.
(7) جامع البيان 6: 134.
(8) الفائق 3: 236.(1/109)
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن أوس بن أبي أوس قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) أتى كظامة - يعني: مطهرة - فتوضأ ومسح على قدميه (1).
وقال الحازمي: قرأت على محمد بن علي بن أحمد القاضي: أخبرك أبو طاهر أحمد بن الحسن الكرجي في كتابه: أخبرنا الحسن بن أحمد: أخبرنا دعلج بن أحمد: أخبرنا محمد بن علي: حدثنا سعيد بن المنصور: حدثنا هشيم: أخبرنا يعلى بن عطاء عن أبيه: أخبرني أوس بن أبي أوس أنه رأى النبي (صلى الله عليه وآله) أتى كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه (2).
وقال ابن شاهين: حدثنا أحمد قال: أنبأنا بشر بن موسى: أنبأنا سعيد بن منصور...ثم ذكر السند مثل ذلك، وساق الحديث وفيه: فتوضأ ومسح على رجليه (3).
وقال الحازمي أيضا: أخبرني أبو بكر الخطيب الفارسي: أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب: أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب: أخبرنا عبد الله بن محمد: حدثنا أبو موسى: حدثنا يحيى بن سعيد عن يعلى بن عطاء...وفيه: ومسح على نعليه ثم قام فصلى.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو علي الروزباري: أخبرنا أبو بكر بن داسة: حدثنا أبو داود: حدثنا مسدد وعباد بن موسى قالا: حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه قال عباد: أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح على نعليه وقدميه (4).
أخرج أحمد بن حنبل عن يحيى عن شعبة قال: حدثنا يعلى بن امية عن أوس
__________
(1) المعجم الكبير 1: 221 / 603.
(2) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ: 62، 63.
(3) الناسخ والمنسوخ (ابن شاهين): 102 / 119.
(4) السنن الكبرى 1: 286، سنن أبي داود 1: 43 / 160.(1/110)
بن أبي أوس قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح عى نعليه ثم قام إلى الصلاة (1).
وذكر المتقي الهندي خبر أوس في كنزه، ووضع عليه رمز كل من أبي داود الطيالسي وأحمد بن حنبل والعدني وابن حبان وأبي نعيم وضياء المقدسي.
وأخرجه الدارمي في سننه مع إسقاط ذيله، ونقله فقهاء القوم في مصنفاتهم (2).
وفي اللفظ الذي ذكره عبد الوهاب الشافعي: (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح بالماء على قدميه وكان فيهما خفان - ثم قال عبد الوهاب -: قال العلماء: كان هذا في أول الإسلام) (3).
وحكي عن هشيم القول بأن هذا كان في أول الإسلام (4).
فتمسك فقهاؤهم بمثل هذه الكلمات، وقالوا بنسخ الخبر (5).
وقد غاب عنهم أن راوي الخبر ما أسلم إلا في آخر عهد النبي (صلى الله عليه وآله).
قال أبو نعيم: (أوس بن أبي أوس، قدم وافدا مع وفد ثقيف على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخر عهده) (6).
وقال ابن هشام: (قال ابن إسحاق: قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف) (7).
وكذلك قال زينى دحلان (8).
وقال الطبري وابن الأثير وابن الجوزي: قدم وفد ثقيف على النبي (صلى الله عليه وآله) في السنة
__________
(1) مسند أحمد 4: 8.
(2) كنز العمال 9: 476 / 27041 و 27042، سنن الدارمي 1: 93، التحقيق في أحاديث الخلاف 1: 161 / 151 وفيه: هشام عن يعلى، الاعتصام بحبل الله 1: 219، عمدة القاري 2: 240، المغني (ابن قدامة) 1: 121، الشرح الكبير 1: 118، نيل الأوطار 1: 168، اسد الغابة 1: 140، 259.
(3) كشف الغمة 1: 37.
(4) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ: 63، الناسخ والمنسوخ (ابن شاهين): 102، كنز العمال 9: 476، الاعتصام بحبل الله 1: 219.
(5) الاعتبار في الناسخ: 63، الناسخ والمنسوخ (ابن شاهين): 103، نيل الأوطار 1: 169، عمدة القاري 2: 240، شرح معاني الآثار 1: 39.
(6) حلية الأولياء 1: 347.
(7) السيرة النبوية 4: 121.
(8) السيرة النبوية (زين الدحلان) 3: 8.(1/111)
التاسعة من الهجرة (1).
مع أن المذكور في الخبر: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتى سباط قوم بالطائف.
ومن المعلوم أن الطائف لم تقع بيد المسلمين ولم يذهب إليها النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الهجرة إلا بعد فتح مكة.
اللهم إلا أن يقال إن أوسا رأى وضوءه قبل إسلامه عندما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الطائف قبل الهجرة، وهو بعيد غاية البعد، واحتمال كون أوس هذا من بين الصبيان الذين رموه بالأحجار حينئذ ليس ببعيد.
38 - أخرج أحمد بن حنبل عن بهز بن أسد: حدثنا حماد بن سلمة: أخبرنا يعلى بن عطاء عن أوس بن أبي أوس قال: رأيت أبي يوما توضأ، فمسح على النعلين، فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: هكذا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفعل (2).
39 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا شريك عن يعلى عن عطاء عن أوس بن أبي إياس قال: انتهيت مع أبي إلى ماء من مياه الأعراب فتوضأ، ومسح على نعليه، فقلت له في ذلك، فقال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعله (3).
ونقله المتقي الهندي في كنزه (4).
أخرج أحمد عن فضل بن دكين قال: حدثنا شريك عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبي أوس قال: كنت مع أبي على ماء من مياه العرب، فتوضأ، ومسح على نعليه فقيل له في ذلك، فقال: ما أزيدك على ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصنع (5).
قال ابن الأثير: ولأوس بن حذيفة أحاديث منها: (المسح على القدمين) وفي إسناده ضعف (6).
أقول: وليس لضعفه سبب إلا أن المسح على القدمين باطل عند سماحة ابن الأثير، فيترشح منه الضعف إلى سند الخبر، وقد رأيت ثبوت الخبر فيما تقدم.
__________
(1) تاريخ الامم والملوك 2: 179، الكامل في التاريخ 1: 640، المنتظم في تاريخ الملوك والامم 3: 356.
(2) مسند أحمد بن حنبل 4: 9.
(3) المصنف 1: 190.
(4) كنز العمال 9: 475 / 27035.
(5) مسند أحمد 4: 10.
(6) اسد الغابة 1: 142.(1/112)
هذا إذا قلنا بأن أبا أوس هو حذيفة نفسه، فإن أبيت فإليك خبر حذيفة عن أبي وائل: 40 - أخرج ابن جرير والبيهقي، قال ابن جرير: حدثني عبد الله بن الحجاج ابن المنهال قال: حدثني أبي قال: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: أتى: رسول الله (صلى الله عليه وآله) سباط قوم فبال عليها قائما ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه (1).
وأخرجه البخاري في صحيحه عن عثمان بن أبي شيبة وآدم مع رعاية عادته في إسقاط ما يخالف رأيه (2).
41 - قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن الحسين المصيصي: حدثنا آدم بن أبي إياس: حدثنا الهيثم بن جماز.
وحدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي: حدثنا المنجاب بن الحارث: حدثنا عثمان بن مطر: حدثنا الهيثم بن جماز عن يحيى بن كثير عن أبي كاهل أنه قال: مررت برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يتوضأ - فقلت: يا رسول الله، قد أعطانا الله منك خيرا كثيرا - فغسل كفيه ثم تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه، ولم يوقت، وظهر قدميه، ولم يوقت، وقال: " يا أبا كاهل ضع الطهور مواضعه، وأبق فضل طهورك لأهلك " (3).
ونقله الهيثمي في الزوائد وقال: (وفيه الهيثم بن جماز وهو متروك) (4).
وسبب ترك القوم لأخباره هو ما قاله ابن حبان: (الهيثم بن جماز الحنفي البكاء
من أهل الكوفة، كان من العباد والبكائين، ممن غفل عن الحديث والحفظ، واشتغل بالعبادة، حتى كان يروي المعضلات عن الثقات توهما، فلما ظهر ذلك منه بطل الاحتجاج به) (5).
__________
(1) جامع البيان 6: 134، السنن الكبرى 1: 100.
(2) صحيح البخاري 1: 7، 71 / 224، 225.
(3) المعجم الكبير 18: 360.
(4) مجمع الزوائد 1: 233.
(5) كتاب المجروحين 3: 91.(1/113)
أقول: لا يبعد أن يكون رواية آدم بن أبي إياس وعثمان بن مطر عنه قبل طروء تلك الحالة عليه وهما حجتان عند الجمهور.
42 - قال العيني: روى أبو مسلم الكجي في سننه عن الحجاج: حدثنا حماد عن أبي جعفر الخطمي - عمير بن يزيد - عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن رجل من قريش قال: تبعت النبي عليه الصلاة والسلام بقدح فيه ماء، فلما قضى حاجته توضأ وضوءه للصلاة، قال فيه: ثم مسح على قدمه اليمنى ثم قبض اخرى فمسح قدمه اليسرى (1).
43 - قال ابن الأثير: روى عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أن أبا جبير قدم على النبي (صلى الله عليه وآله) مع ابنته التي تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوضوء، فغسل يديه فأنقاهما، ثم مضمض فاه واستنشق بماء، ثم غسل وجهه ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح رأسه ورجليه (2).
44 - روي عن أوس بن جابر بن عوف عن أبيه أن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى ومسح على قدميه (3).
أقول: الظاهر أن تغييرا قد حصل في متن الخبر، فإما أن يكون أصل الخبر: (توضأ ومسح على قدميه)، أو أن يكون أصله: (مسح على قدميه وصلى).
45 - رواية جابر بن عبد الله في المسح، قال العيني أخرجه الطبراني في (الأوسط) (4).
46 - قال الطبراني: حدثنا محمد بن السري بن مهران قال: حدثنا اسماعيل بن عيسى العطار قال: حدثنا خلف بن خليفة عن أبي جناب عن عاصم عن أبي وائل عن مغيرة بن شعبة، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بال في سباطة بني فلان فقال: يا مغير، معك ماء؟ فقلت: نعم، إداوة من ماء - وعليه جبة شامية ضيقة الكمين - فتوضأ ومسح
__________
(1) عمدة القاري 2: 240.
(2) اسد الغابة 6: 156.
(3) اسد الغابة 1: 259.
(4) عمدة القاري 2: 240.(1/114)
على قدميه وعلى خفيه (1).
وفي لفظ الترمذي: توضأ النبي (صلى الله عليه وآله) ومسح على الجور بين والنعلين ثم قال: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (2) وفي رواية أخرى عنه: يمسح على النعلين والقدمين (3).
47 - قال الطبراني: حدثنا محمد بن عثمان بن ابي شيبة قال: حدثنا ابراهيم بن اسحاق الصيني قال: حدثنا سوار بن مصعب عن مطرف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يزل يمسح قبل نزول المائدة وبعدها حتى قبضه الله (4).
48 - خبر عبد السلام بن صالح في المسح.
أشار إليه الرازي وقال: إنه منكر (5).
49 - رواية محمد بن يزيد بن أبي يزيد عن بلال في المسح.
أشار إليها الرازي أيضا وقال في حق أحد رواته: إنه مجهول (6).
50 - قال الشافعي: وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح على ظهور قدميه، وروي أن رسول الله رش على ظهورهما، ثم قال: أحد الحديثين من وجه صالح الإسناد (7).
51 - حديث الهيثم بن قيس في المسح قد أشار إليه كل من ابن حجر والذهبي قائلين: حدث عنه قرة بن حبيب في المسح، لم يصلح حديثه (8).
52 - قال الهيثمي: روي عن هارون بن سليمان قال: رأيت عمرو بن الحريث هراق الماء، فدعا بماء، قال: فمسح يديه ووجهه ومسح على نعليه ثم قام فصلى.
ثم قال: رواه الطبراني في (الكبير)، ورجاله ثقات (9).
__________
(1) المعجم الأوسط 6: 154 / 5315.
(2) سنن الترمذي 1: 167 / 99.
(3) كشف الغمة 1: 45.
(4) سبل الهدى والرشاد 1: 257، المعجم الاوسط 6: 251 / 5533.
(5) الجرح والتعديل 6: 48.
(6) الجرح والتعديل 8: 125.
(7) اختلاف الحديث (الشافعي): 124، سنن البيهقي 1: 73.
(8) لسان الميزان 7: 300، ميزان الاعتدال 4: 325.
(9) مجمع ازوائد 1: 258.(1/115)
53 - قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أخبرني عبد الله بن الحسن: حدثنا إبراهيم بن الحسين: حدثنا آدم عن شعبة عن منصور قال: سمعت خالد بن سعد يقول: رأيت أبا مسعود الأنصاري بال، ثم توضأ فمسح على الجوربين والنعلين،
ثم صلى (1).
54 - قال السيوطي: أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير - واللفظ لابن جرير - قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا ابن علية: حدثنا حميد قال: قال موسى بن أنس لأنس - ونحن عنده -: يا أبا حمزة، إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه، فذكر الطهور فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، وإنه ليس شئ من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما.
فقال أنس: صدق الله وكذب الحجاج، قال الله: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) *.
قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما (2).
قال الطبري: حدثنا ابن بشار قال: حدثنا ابن أبي العدي عن حميد عن موسى ابن أنس قال: خطب الحجاج...فساق الحديث قريبا من ذلك (3).
وأخرج محدثو القوم خبر أنس هذا في سننهم، ونقله مفسروهم في تفاسيرهم وفقهاؤهم في تآليفهم، وصحح ابن كثير الشامي سنده في تفسيره (4).
55 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا إسماعيل بن علية عن حميد قال: كان أنس إذا مسح على قدميه بلهما (5).
قال النووي: (وأما الجواب عن احتجاجهم بكلام أنس فمن أوجه أشهرها عند أصحابنا أن أنسا أنكر على الحجاج كون الآية تدل على تعيين الغسل، وكان يعتقد
__________
(1) السنن الكبرى 1: 285.
(2) الدر المنثور 2: 164 وجامع البيان 6: 128.
(3) جامع البيان 6: 129.
(4) تفسير القرآن العظيم 2: 27، الجامع لأحكام القرآن 6: 92، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 71 والسنن الكبرى 1: 71 وعمدة القاري 2: 238، البناية في شرح الهداية 1: 101.
(5) المصنف 1: 420.(1/116)
أن الغسل إنما علم وجوبه من بيان السنة.
فهو موافق للحجاج في الغسل، مخالف له في الدليل.
والثاني: ذكره البيهقي وغيره أنه لم ينكر الغسل إنما أنكر القراءة، فكأنه لم يكن قراءة النصب) (1).
أقول: أولا: إن الكلامين - وإن عدهما النووي وجهين - وجه واحد في الحقيقة.
وثانيا: إنه وجه بعيد عن النقل، غريب على العقل، وقد حملهم على ارتكابه ما حكي عن أنس بن مالك: (نزل القرآن بالمسح، وجرت السنة بالغسل)، أو: (نزل القرآن بالمسح وجاءت السنة بالغسل).
ثم نسأل النووي وأصحابه: هل أن احتجاج الحجاج بالآية كان مخالفا لظاهر الكتاب، وموافقا لحكم الله الواقعي والسنة المبينة له؟ فليس في البين مخالفة وكذب، ولا طائل لتكذيب أنس إياه، بل توجد مشكلة صغيرة فقط، وهي مخالفة ظاهر كتاب الله لمراده تعالى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
أو أن الله أراد شيئا ونزل به كتابه، وأراد نبيه شيئا آخر وجرت به سنته فيالها من سخافة! أو أن احتجاجه بالآية كان مخالفا للواقع، ومباينا لحكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، فأنكر عليه أنس وكذبه، ثم أعرب عما في ضميره مرة اخرى قائلا: نزل القرآن بالمسح، وجرت سنة الناس وعادتهم بالغسل، نظير قول ابن عباس (رضي الله عنه): أبى الناس إلا الغسل ولا أجد في كتاب الله إلا المسح.
وثالثا: أن ما جاء في ذيل الخبر، وخبر ابن أبي شيبة من أن أنسا كان إذا مسح على قدميه بلهما، يأبى هذا الوجه الذي ذهب إليه النووي وأصحابه.
اللهم إلا أن نقول: إن أنسا كان موافقا للحجاج في المسمى - أي فعل الغسل - ومخالفا له في
الاسم، فتأمل.
__________
(1) المجموع 1: 420.(1/117)
ثم إن طالب العلم إذا تدبر في الخبر فهم أن السيرة التي كانت رائجة بين أتباع النبي (صلى الله عليه وآله) هي المسح على الأقدام، وأن الامراء أرادوا أن يحملوا الناس على سنتهم الاموية، فتعجب المخاطبون وسألوا خادم النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، لأنه لو كان غسل الأقدام سيرة جميع الناس في ذلك الوقت فلا مجال لتعجبهم، ولا محل لإنكار أنس على الحجاج وتكذيبه إياه.
أما لماذا تريد السلطة الاموية حمل الناس على الغسل، وترك المسح وما هو شأن السلطة بأحكام الوضوء والصلاة، فبحث ذلك في مكان آخر.
56 - قال ابن جرير: حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثنا عبد الله العتكي عن عكرمة قال: (ليس على الرجلين غسل، إنما نزل فيهما المسح).
57 - قال ابن جرير: حدثنا يعقوب: حدثنا ابن علية قال: حدثنا أيوب قال: رأيت عكرمة يمسح على رجليه، وكان يقوله (1).
قال القرطبي وغيره: وكان عكرمة يمسح رجليه.
وقال: ليس في الرجلين غسل، إنما نزل فيهما المسح (2).
58 - قال ابن جرير: حدثنا أبو بشر الواسطي - إسحاق بن شاهين - قال: حدثنا خالد بن عبد الله عن يونس قال: حدثني من صحب عكرمة إلى واسط قال: فما رأيته غسل رجليه، إنما يمسح عليهما حتى خرج منها (3).
59 - أخرج ابن أبي شيبة: حدثنا ابن عيينة عن عمر بن دينار عن عكرمة قال: (غسلتان ومسحتان) (4).
60 - قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا هارون عن عنبسة عن جابر
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " امسح على رأسك وقدميك ".
__________
(1) جامع البيان عن تأويل القرآن 6: 129.
(2) الجامع لأحكام القرآن 6: 92، تفسير القرآن العظيم 2: 27، البناية في شرح الهداية 1: 101، عمدة القاري 2: 238.
(3) جامع البيان 6: 129.
(4) المصنف 1: 19.(1/118)
61 - قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي عن الحسن بن صالح عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قرأ * (وأرجلكم) * بالخفض (1).
62 - قال السيوطي: أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير، قال ابن جرير: حدثني أبو سائب: حدثنا ابن إدريس عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: (نزل جبريل بالمسح)، ثم قال الشعبي: (ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلا ويلغى ما كان مسحا) (2)؟ 63 - أخرج عبد الرزاق وابن جرير وأورده ابن كثير في تفسيره قال ابن جرير: حدثنا ابن أبي زياد: حدثنا يزيد: أخبرنا إسماعيل: قلت لعامر: إن اناسا يقولون: إن جبريل نزل بغسل الرجلين، فقال: نزل جبريل بالمسح (3).
64 - قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح: قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: كان الشعبي يقرأ: * (وأرجلكم) * بالخفض (4).
65 - أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير قال: حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية عن داود عن الشعبي أنه قال: (إنما هو المسح على الرجلين، ألا ترى أن ما كان عليه الغسل جعل عليه المسح، وما كان عليه المسح أهمل)؟ (5).
66 - قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير عن المغيرة عن الشعبي
قال: (أمر بالتيمم فيما أمر به الغسل).
67 - قال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا ابن أبي العدي عن داود عن
__________
(1) جامع البيان 6: 129.
(2) الدر المنثور 2: 165، الجامع لأحكام القرآن 6: 92، تفسير القرآن العظيم 2: 27، جامع البيان 6: 129، المصنف (عبد الرزاق) 1: 19 / 56، كنز اعمال 9: 434 / 26851 عن الأربعة المذكورين في المتن.
(3) جامع البيان 6: 129 والمصنف (ابن أبي شيبة) 1: 19 وتفسير القرآن العظيم 2: 27 وعمدة القارئ 2: 238.
(4) جامع البيان 6: 129 والجامع لأحكام القرآن 6: 92 وتفسير القرآن العظيم 2: 27 والبناية في شرح الهداية 1: 101.
(5) المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 19، جامع البيان 6: 129، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 71.(1/119)
الشعبي قال: (أمر أن يمسح بالصعيد في التيمم ما أمر أن يغسل بالماء وأهمل ما أمر أن يمسح بالماء).
وقال أيضا: حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا داود عن عامر أنه قال: (إنه أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن يغسل في الوضوء وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء: الرأس والرجلان) (1).
68 - قال السيوطي: أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة، قال ابن جرير: حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة في قوله: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) *...الآية: (افترض الله غسلتين ومسحتين) (2).
69 - قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا: حدثنا جرير عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن علقمة أنه قرأ: * (وأرجلكم) * مخفوضة اللام (3).
وقد تقدم في الخبر (23) ما روي عن علقمة في قوله تعالى: * (وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم) * بأنه هو المسح.
70 - قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي عن أبي سلمة عن الضحاك أنه قرأ: * (وأرجلكم) * بالكسر (4).
71 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا ابن علية عن يونس عن الحسن أنه كان يقول: إنما هو المسح على القدمين وكان يقول: يمسح ظاهرهما وباطنهما (5).
72 - أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن معمر عن قتادة عن عكرمة والحسن قالا في هذه الآية: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * قالا: تمسح الرجلين (6).
__________
(1) جامع البيان 6: 129.
(2) الدر المنثور 2: 164، جامع البيان 6: 129، الجامع لأحكام القرآن 6: 92، تفسير القرآن العظيم 2: 27، عمدة القاري 2: 238، البناية في شرح الهداية 1: 101، أحكام القرآن (ابن العربي) 2: 71.
(3) جامع البيان 6: 129.
(4) جامع البيان 6: 129.
(5) المصنف 1: 18.
(6) المصنف (عبد الرزاق) 1: 18 / 53، المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 15.
(*(1/120)
73 - قال ابن سعد: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدثنا فضيل بن عياض عن المغيرة عن إبراهيم قال: (من رغب عن المسح فقد رغب عن السنة، ولا أعلم ذلك إلا من الشيطان).
قال فضيل: يعني تركه المسح.
وقال أيضا: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدثني جعفر الأحمر عن المغيرة عن إبراهيم قال: (من رغب عن المسح فقد رغب عن سنة النبي (صلى الله عليه وآله)).
74 - قال ابن سعد: أخبرنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن زياد عن أبي
حمزة عن إبراهيم قال: (لو أن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) لم يمسحوا إلا على ظفر ما غسلته التماس الفضل وحسبنا من إزراء على قوم أن نسأل عن فقههم ونخالف أمرهم) (1).
75 - أخرج عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني عاصم بن سليمان قال: دخلنا على أبي العالية الرياحي وهو وجع فوضؤوه، فلما بقيت إحدى رجليه قال: امسحوا على هذه فإنها مريضة.
وكان بها حمرة، والحمرة: الورم.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بألفاظ متفاوتة (2).
تذكرة: إذا رأى القارئ الكريم إدراجنا أمثال (إنه قرأ: * (وأرجلكم) * بالكسر) في سلسلة أخبار المسح فذلك، لأن الذين نقلناها عنهم فعلوا ذلك وعدوها فيما بين أخبار المسح.
فهذا محمد بن جرير الطبري يقول: (وقرأ ذلك آخرون من قراء الحجاز والعراق: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) * - بخفض الأرجل - وتأولوا أن الله إنما أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها، وجعلوا الأرجل عطفا على الرأس، فخفضوها لذلك) (3).
ثم يشرع ابن جرير في سرد أخبار هؤلاء كما رأيت.
__________
(1) الطبقات الكبرى 6: 282، 283.
(2) المصنف (عبد الرزاق) 1: 162 / 628، المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 91.
(3) جامع البيان 6: 128.(1/121)
وقال أبو بكر الرازي: (قرأ ابن عباس (رضي الله عنه) والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير: * (وأرجلكم) * - بالخفض - وتأولوها على المسح) (1).
والحاصل: أنا قد رأينا الوضوء الذي علمه جبريل للنبي (صلى الله عليه وآله) في أول البعثة من
أنه فتح عينا من الماء، فتوضأ، فغسل وجهه ويديه إلى المرفين، ومسح برأسه ورجليه إلى الكعبين.
ورأينا رواية رفاعة بن رافع لقول النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة: لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين.
ورأينا أن الكتاب المنزل من الله عز وجل في أواخر ما نزل من آياته قد أقر ذلك بقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * وبين الرسول (صلى الله عليه وآله) حد المسح على الرأس بمسح مقدمه كما رواه أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والمغيرة بن شعبة وغيرهم.
وبين حد المسح على الأرجل بمسح ظهورها كما رواه أمير المؤمنين (عليه السلام) وعثمان بن عفان وعبد الله بن عباس (رضي الله عنه) وغيرهم.
ثم رأينا أن ذلك حكي عن جمع من الصحابة بعد عهد الرسالة.
وفي مقابل كل ذلك رأيتم الوضوء الاموي وما ادعوه من أن النبي (صلى الله عليه وآله) غسل قدميه في الوضوء كما روي عن ربيع بنت معوذ وعثمان بن عفان وعبد الله بن زيد وغيرهم.
وما رووه من أنه (صلى الله عليه وآله) قال: " ويل للأعقاب من النار "، كما روي عن عائشة وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وغيرهم.
كما رأيتم أنه يمكن حمل أخبار الغسل على التنظف والتبرد ولا يمكن حمل أخبار المسح إلا على التشريع.
هذا، مضافا إلى عدم وضوح أخبار: " ويل للأعقاب " في الدلالة على المدعى كما تقدم من أكابر القوم.
__________
(1) أحكام القرآن (الجصاص) 2: 345.(1/122)
وقد اتضح أنه لا توجد علة سياسية ولا اجتماعية موجبة للنسخ وإن كان وجود
حكمة إلهية مخفية مقتضية له بمكان من الإمكان، إلا أننا لم نجد ما يدل على النسخ إلا السياط الأموية والأسياف الحجاجية.
فليس لنا إلا أن نقول كما قال الله تبارك وتعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم) * أي بمقدمها كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) * (وأرجلكم إلى الكعبين) * بمسح ظهورهما إلى ذلك الحد كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله).
وهذا هو وضوء من لم يحدث في دينه كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام).(1/123)
إدعاءات الآلوسي قال مرجع أهل العراق السيد محمود الآلوسي: (ولا يخفى أن بحث الغسل والمسح مما كثر فيه الخصام، وطالما زلت فيه الأقدام، وما ذكره الإمام - (يعني: الفخر الرازي) - يدل على أنه راجل في هذا الميدان، وضالع لا يستطيع العروج إلى شأو ضليع تحقيق تبتهج به الخواطر والأذهان).
ثم أراد المحقق البغدادي أن ينتصر لمذهبه بلسان خصمه فنقل أربع روايات من كتب الشيعة تدل على الغسل: الاولى: روى العياشي عن علي عن أبي حمزة قال: سألت أبا هريرة عن القدمين، فقال: (تغسلان غسلا).
نسأل هذا المحقق: إذا روى الشيعة عن أبي هريرة خبرا في كتبهم فهل يدل على اعتمادهم عليه؟.
الثانية: روى محمد بن النعمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إذا نسيت مسح رأسك حتى غسلت رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك ".
ثم قال المحقق البغدادي: (ولا تقية هنا، لأن المخاطب بذلك شيعي).
وليت شعري هل كان استعمال التقية من الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم عندما كان
مخاطبوهم من غيرهم فقط، أم لم يتفكر الآلوسي في إمكان وجود أتباع السلطة في المجلس فاضطر الإمام (عليه السلام) كي ينبه شيعته على الوضع، ومن بينهم أبو بصير؟.
هذا على فرض ثبوت الخبر، مع أن راوي الخبر - وهو أبو بصير - مشترك بين الثقة وغيره، وفي سنده: (الحسين بن سعيد عن فضالة).
قال الحسين بن محمد السورائي: كل شئ تراه: الحسين بن سعيد عن فضالة،(1/125)
فهو غلط، فإن الحسين لم يلق فضالة.
ومن بين رجال السند (سماعة بن مهران)، قالوا عنه: إنه واقفي.
وإليك ما قال أبو عبد الله (عليه السلام) في غير حالة التقية، قال (عليه السلام): " إن نسيت مسح رأسك، فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك " الحديث (1).
الثالثة: روى محمد بن الحسن الصفار عن زيد بن علي عن أبيه عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: " جلست أتوضأ، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما غسلت قدمي قال: يا علي، خلل بين الأصابع ".
نحن لا ننكر على المحقق وجود هذا الخبر في كتب الشيعة، ولكن غاب عن سماحته أن رجال سنده ليسوا من الشيعة، بل من الزيدية وأهل السنة.
فإليك الخبر بسنده من كتب الزيدية: قال الإمام قاسم بن محمد بن علي: وفي أمالي أحمد بن عيسى، أخبرنا أبو الحسين علي بن إسماعيل قال: حدثنا الناصر قال: حدثنا محمد بن منصور قال: حدثنا أحمد بن عيسى عن حسين بن علوان عن أبي خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام): قال: " جلست أتوضأ، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) - في حديث فيه بعض الطول - إلى أن قال: وغسلت قدمي، فقال: يا علي، خلل بين الأصابع لا تخلل بالنار ".
ثم قال الإمام الزيدي: وهذا في اصول الأحكام والشفاء (2).
ثم نقول للمحقق سائلين: متى كان رواة السنة والزيدية حجة عند الشيعة حتى تكون أخبارهم حجة عليهم؟ أو أن الآلوسي رأى تلك الأخبار في كتب الشيعة، فظن أنه وجد ضالته، كأن لم يطلع عليها أحد من بني قومه، لا الإمام الرازي ولا غيره ممن كانوا راجلين في هذا الميدان - على حد تعبيره - ولم يعلموا الوجه فيه.
وكأن الشيعة لم يروا هذه الأخبار في كتبهم، حتى ظهر في القرون الأخيرة المحقق
__________
(1) من لا يحضره الفقيه 1: 36 / 134، وسائل الشيعة 1: 409، ب 21، ح 8.
(2) الاعتصام بحبل الله 1: 211.(1/126)
البغدادي فبين لهم ما خفي عليهم، وأطلع أهل التقية على مواردها التي كانوا جاهلين بها.
الرابعة: قال الآلوسي: نقل الشريف الرضي عن أمير المؤمنين (رضي الله عنه) في (نهج البلاغة) حكاية وضوئه (صلى الله عليه وآله) وذكر فيه غسل الرجلين.
إني لم أجد هذه الحكاية في نهج البلاغة، ولعله رآها في كتب السنة واشتبه عليه فظن أنه رآها في (نهج البلاغة).
قال الآلوسي: (وما يزعمه الإمامية من نسبة المسح إلى ابن عباس (رضي الله عنه) وأنس بن مالك، وغيرهما كذب مفترى عليهم، فإن أحدا منهم ما روي عنه بطريق صحيح أنه جوز المسح، إلا ابن عباس (رضي الله عنه) فإنه قال بطريق التعجب: (لا نجد في كتاب الله تعالى إلا المسح، ولكنهم أبو إلا الغسل) أي أن الرسول وأصحابه لم يفعلوا إلا الغسل).
هكذا تفعل العصبية المذهبية عملها.
فنسأل من المحقق: هل تعجب ابن عباس من مخالفة النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه لكتاب الله سبحانه وهو ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، أم تعجب من أمر الله عز وجل بسبب إتيانه بكلام ظاهره
مخالف لمراده؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، بل هو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أم يقوم الآلوسي لتأييد رأيه بتأويل الواضحات، ولا يتفكر في عواقب تلك التوجيهات.
وقد رأيتم نصوص أكابر قومه في تصحيح رواية كل من ابن عباس (رضي الله عنه) وأنس وغيرهما من الصحابة والتابعين؟.
ثم قال الآلوسي: (ونسبة جواز المسح إلى أبي العالية وعكرمة والشعبي زور وبهتان أيضا، وكذلك نسبة الجمع بين الغسل والمسح أو التخيير بينهما إلى الحسن البصري، ومثله نسبة التخيير إلى محمد بن جرير الطبري صاحب (التاريخ الكبير) والتفسير الشهير.
وقد نشر رواة الشيعة هذه الأكاذيب المختلقة، ورواها(1/127)
بعض أهل السنة ممن لم يميز الصحيح والسقيم من الأخبار، بلا تحقيق ولا سند، واتسع الخرق على الراقع).
يريد المحقق البغدادي أن ينتصر لمذهبه بدل الحجة والبرهان بهرير القلم واللسان، فيظن أن إنكار المسلمات، ورمي المخالفين بالقذائف، ونسبة الكذب والزور إليهم بلا سند يكفي لإثبات مذهبه.
فكيف تكون نسبة المسح أو الجمع أو التخيير إلى هؤلاء المذكورين كذبا وزورا وبهتانا وإفتراءا من الشيعة، وقد رأيتم المصادر التي نقلنا آراءهم منها لأكابر أهل مذهب الآلوسي، ومن بينهم إمامه الفخر وابن جرير الذي قال في حقه: (هو من أعلام أهل السنة)؟ فهل هؤلاء الذين يقول الآلوسي عنهم: (ممن لم يميز الصحيح والسقيم من الأخبار)؟.
قال في (المنار): (أقول: إن في كلامه يعني الآلوسي - عفا الله عنه - تحاملا على الشيعة وتكذيبا لهم في نقل وجد مثله في كتب أهل السنة كما تقدم.
والظاهر
أنه لم يطلع على تفسير ابن جرير الطبري، وقد نقلنا بعض رواياته ونص عبارته في الراجح عنده آنفا) (1).
ثم يقول الآلوسي: (ولعل محمد بن جرير القائل بالتخيير هو محمد بن جرير بن رستم الشيعي).
ولكن ألا يعرف الآلوسي أنه لا يوجد في العالم شيعي يتردد في حكم الرجلين، مع تواتر الأخبار عن أئمته (عليهم السلام)؟ أو ظن مفتي بغداد أن المشكلة ستحل ب (لعل)؟.
ثم يستمر الآلوسي في تحقيقه (الذي تبتهج به الخواطر والأذهان) على حد قوله، فينقل أخبارا في المسح عن رواة الشيعة، ثم يقول: (ومن وقف على أحوال رواتهم لم يعول على خبر من أخبارهم).
__________
(1) تفسير المنار 6: 233.(1/128)
ونقول له: قد عول على رواة الشيعة جميع محدثي أهل مذهبه، ومن بينهم شيخاه (البخاري ومسلم)، وقد ذكر العلامة السيد شرف الدين العاملي أسماء مائة وأربعين من رواة الشيعة في مسانيد أهل السنة، وفيها نصوص أهل السنة على تشيع كل واحد منهم، واحتجاج علمائهم بهم.
راجع كتاب (المراجعات).
ومن باب المثال فإن أبان بن تغلب بن رباح القارئ الكوفي ممن وقع في أسانيدهم.
وقد ترجم له الذهبي في ميزانه فقال: أبان بن تغلب (م عو) الكوفي شيعي جلد، لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته.
قال: وقد وثقه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم، وأورده ابن عدي وقال: كان غاليا في التشيع.
وقال السعدي: زائغ مجاهر.
إلى آخر ما حكاه الذهبي عنهم في أحواله.
وعده ممن احتج به مسلم وأصحاب السنن الأربعة: (أبو داود، والترمذي والنسائي وابن ماجة) حيث وضع على اسمه رموزهم.
ودونك حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربع عن الحكم والأعمش وفضيل بن عمرو فراجع هناك.
وروى عنه عند مسلم سفيان بن عيينة، وشعبة، وإدريس الأودي.
مات سنة إحدى وأربعين ومائة (1).
ونقول لمن يتأثر بادعاءات الآلوسي وأمثاله: إن عصرنا الحاضر هو عصر حرية العلم والفكر، وقد ذهبت القرون الماضية التي كان المرء يفضل فيها أن ينسب إلى اليهودية والمجوسية ولا ينسب إلى التشيع لأهل البيت (عليهم السلام)، لأن التشيع لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) كان هو الجرم لدى سلاطين الجور.
وقد ذهبت القرون الماضية التي كان أهل السنة يجهلون كل شئ عن أهل البيت ومذهبهم وشيعتهم.
وكانوا يعتمدون على بعض الكلمات، خاصة إذا كانت صادرة من أصحاب الألقاب، كقول مفتي بغداد: (ومن وقف على أحوال رواتهم
__________
(1) المراجعات: 54 - 116 رقم المراجعة: 16.(1/129)
لم يعول على خبر من أخبارهم).
وأما الآن فيستطيع طالب الحقيقة أن يقف على أحوال علماء الشيعة ورواتهم، ويلمس زههم وتقواهم وجهادهم لإحقاق الحق وصمودهم في وجه الطغاة.
وأخيرا يقول مرجع أهل العراق: (على أن لنا أن نقول: لو فرض أن حكم الله تعالى هو المسح على ما يزعمه الإمامية من الآية، فالغسل يكفي عنه، ولو كان هو الغسل فلا يكفي عنه.
فبالغسل يلزم الخروج عن العهدة بيقين، دون المسح) (1).
نقول: إذا كان مخالفوك القائلون بالمسح مثلك مترددين في تكليفهم ومتحيرين في كيفية الخروج عن العهدة فلك أن تقول كلماتك هذه.
والحال أنه لا
شك لهم بالنسبة إلى وظيفتهم المشروعة من قبل الله، ولا حيرة لديهم في كيفية الخروج عن العهدة.
ثم إننا لا ننكر على الآلوسي أن أئمة أهل البيت قد أمروا أحيانا بعض شيعتهم بالوضوء مثل (أهل السنة)، تقية على دينهم وصونا لدمائهم، ومثال ذلك ما أخرجه المفيد بسنده أن علي بن يقطين كتب إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) يسأله عن الوضوء فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام): " فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا، وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يديك من أصابعك إلى المرفقين ثلاثا، وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا، ولا تخالف ذلك إلى غيره ".
فلما وصل الكتاب إلي علي بن يقطين تعجب مما رسم له أبو الحسن (عليه السلام) فيه مما جميع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا أمتثل أمره.
فكان يعمل وضوءه على هذا الحد، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن (عليه السلام).
__________
(1) تفسير روح البيان 6: 66، 70.(1/130)
وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد، وقيل: إنه رافضي.
فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر إلى وضوئه ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة.
وصلحت حاله عنده.
وورد عليه كتاب أبي الحسن (عليه السلام): " ابتدئ من الآن يا علي بن يقطين وتوضأ كما أمرك الله تعالى: اغسل وجهك مرة فريضة، واخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا
نخاف منه عليك، والسلام " (1).
__________
(1) إرشاد المفيد: 294، وسائل الشيعة 1: 444، ب 32، ح 3.(1/131)
المسألة الثانية: في المسح على الخفين أطبقت الشيعة على عدم جواز المسح عليهما، سائرين في ذلك على نهج الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، ومستضيئين في ذلك بحجج مروية عنهم، فمنها: ما رواه الكلبي النسابة عن الصاق (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: ما تقول في المسح على الخفين فتبسم، ثم قال: " إذا كان يوم القيامة ورد الله كل شئ إلى شيئه، ورد الجلد إلى الغنم فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم " (1).
ومنها: ما وراه أبو الورد قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن أبا ظبيان حدثني أنه رأى عليا (عليه السلام) أراق الماء ثم مسح على الخفين، فقال: " كذب أبو ظبيان، أما بلغك قول علي (عليه السلام) فيكم: سبق الكتاب الخفين "؟ فقلت: فهل فيها رخصة؟ فقال: " لا، إلا من عدو تتقيه، أو ثلج تخاف على رجليك " (2).
ومنها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: " جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وفيهم علي (عليه السلام) فقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة، فقال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على الخفين.
فقال علي (عليه السلام): قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: لا أدري.
فقال (عليه السلام): سبق الكتاب الخفين، إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة " (3).
أما فقهاء أهل السنة فقد ذكر لهم ابن رشد ومحيي الدين ابن عربي ثلاثة أقوال، وذكر الدسوقي أربعة أقوال، وحكى النووي عن المحاملي ستة آراء كلها منسوبة إلى مالك بن أنس.
فحاصل الاقوال ثمانية.
الأول: وجوب المسح على الخفين إذا كان لابسا لهما.
قال الدسوقي: قاله في
(التوضيح) (4).
__________
(1) وسائل الشيعة 1: 458، ب 38، ح 4.
(2) تهذيب الأحكام 1: 352 / 1092، الاستبصار 1: 76 / 236، وسائل الشيعة 1: 458، ب 38، ح 5.
(3) تهذيب الأحكام 1: 361 / 1091، وسائل الشيعة 1: 458، ب 38، ح 6.
(4) حاشية الدسوقي 1: 141.(1/132)
الثاني: استحباب المسح عليهما.
وهو قول الحنابلة [ أ ] وبعض الحنفية [ ب ] وبعض المالكية [ ج ] (1).
الثالث: الجواز للمسافر دون الحاضر.
وهذا أحد الأقوال التي ذكروها، وهو قول مالك بن أنس [ ا ] وابن الحاجب [ ب ] (2).
الرابع: الجواز للحاضر دون المسافر.
الخامس: الجواز مؤقتا.
السادس: الجواز على الكراهة.
فقد نسب النووي والمحاملي هذه الأقوال الثلاثة إلى مالك أيضا (3).
السابع: الجواز رخصة وعلى الإطلاق.
وهو قول جمهور فقهاء أهل السنة، حتى روي عن أبي حنيفة أن المسح على الخفين من شرائط أهل السنة [ أ ].
وشدد الكرخي فيه - كما حكي عنه - قائلا: أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين [ ب ].
ونسب مثل قوله إلى أبي حنيفة أيضا [ ج ]، وقال أبو يوسف بجواز نسخ الكتاب بخبر المسح على الخف [ د ] (4).
والعجب من أبي حنيفة والكرخي خوفهما الكفر على من لا يرى مثل رأيهم في المسح على الخفين، ومن عد أبي حنيفة إياه من أهل البدعة، مع أن الأقوال الثلاثة كما تراها، وكما قال ابن رشد: (مروية عن الصدر الأول وعن مالك، وكان
من الصحابة من يرى أن آية الوضوء ناسخة لتلك الآثار، وهو مذهب ابن
__________
(1) [ أ ]، [ ب ] الفقه على المذاهب الأربعة 1: 135 [ ج ] حاشية الدسوقي 1: 141.
(2) بداية المجتهد 1: 19، الفتوحات المكية 1: 449، المجموع 1: 476، حاشية الدسوقي 1: 141 [ ا ]، [ ب ] فتح الباري 1: 244 [ ا ] المدونة الكبرى 1: 45، الجامع لأحكام القرآن 6: 100، مفاتيح الغيب 6: 167، بدائع الصنائع 1: 8، أحكام القرآن (الجصاص) 2: 348.
(3) المجموع (النووي) 1: 476.
(4) [ ب ]، [ د ] المبسوط (السرخسي) 1: 98، شرح العناية 1: 99 [ أ ] بدائع الصنائع 1: 8 [ ب ] إرشاد الساري 1: 278 [ ج ] فتح القدير 1: 99 [ د ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 348.(1/133)
عباس (رضي الله عنه)) (1).
وفي المحلى: (المانعون من المسح على الخفين من الصحابة رضي الله عنهم أكثر من المانعين من المسح على العمامة) (2).
وقال القرطبي: (قال ابن عباس (رضي الله عنه): إن المسح على الخفين منسوخ بسورة المائدة) (3).
وقد استدل الجمهور للجواز بأخبار مستفيضة في مصادرهم، أشهرها ما رووه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبي وقاص وبلال بن رباح وجرير بن عبد الله البجلي، وهي: 1 - أخرج أبو داود عن علي (رضي الله عنه) قال: " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يمسح على ظاهر خفيه " (4).
2 - أخرج البخاري عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه خرج لحاجته فأتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء، فصب عليه حين فرغ من حاجته، فتوضأ ومسح على الخفين (5).
3 - أخرج النسائي عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه مسح على الخفين (6).
4 - أخرج مسلم عن بلال أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح على الخفين والخمار.
5 - أخرج مسلم عن جرير أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بال ثم توضأ ومسح على خفيه (7).
نظرة فيما استدل به الجمهور من الأخبار أما بالنسبة إلى ما رووه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد تقدم ما أشرنا إليه سابقا من
__________
(1) بداية المجتهد 1: 19.
(2) المحلى 2: 61.
(3) الجامع لأحكام القرآن 6: 93.
(4) سنن أبي داود 1: 44 / 162.
(5) صحيح البخاري 1: 66 / 203، صحيح مسلم 1: 140 / 274.
(6) سنن النسائي 1: 82.
(7) صحيح مسلم 139 / 272، 142 / 275.(1/134)
مراحل التحريف في ذلك الخبر، فهذه آخر مرحلة من مراحل التحريف فيه، فبعد أن اكتسب المحرفون المهارة والتجارب من المراحل القبلية، حرفوها بشكل كامل.
فراجع الخبر بأسانيده كي يتضح لك الأمر.
وأما بالنسبة إلى خبر المغيرة بن شعبة، فلا شك أنه كان قبل نزول المائدة، لأن القصة كانت في غزوة تبوك (1).
وأما بالنسبة إلى خبر سعد، فسترى إنكار عمار بن ياسر عليه ثم المحاكمة إلى عمر بن الخطاب وحل المشكلة من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في خبر، وإنكار
عبد الله بن عمر عليه ثم المحاكمة إلى الخليفة وحل المسألة من قبل عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)، كما في خبر آخر.
وأما بالنسبة إلى خبر بلال، فلا يبعد أن يكون عدم نزع النبي (صلى الله عليه وآله) لخفيه ومسحه على قدميه فيهما، وبعد بلال منه سببا لتوهم بلال أنه يمسح على خفيه كتوهمه في المسح على العمامة، كما قال جابر (رضي الله عنه): (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسر العمامة عن رأسه ومسح على ناصيته، وكان بلال بعيدا منه، فظن أنه مسح على العمامة حين لم يضعها عن رأسه) (2).
وأما على العموم، فنقول: أولا: إن جميع أخبارهم في المسح كان قبل نزول المائدة، لانه قد ثبت عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس (رضي الله عنه) وعائشة وغيرهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) ما مسح بعد ما انزلت المائدة، كما يأتي عن قريب.
وثانيا: لا يبعد أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) مسح على خفيه لأجل إزالة الغبار منهما.
ويؤيده ما رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة، قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله)...فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم مسح على الخفين (3).
فإن ظاهر الخبر أن المسح كان بعد إتمام
__________
(1) سنن الدارقطني 1: 195 وسنن النسائي 1: 62.
(2) المبسوط (السرخسي) 1: 101.
(3) صحيح مسلم 1: 140 / 77.(1/135)
وضوئه الذي توضأه للصلاة.
وثالثا: يمكن أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) مسح على قدميه بدون نزع خفيه، فتوهم هؤلاء أنه يمسح على الخفين.
ويؤيده بعض الأخبار المروية من الطرفين: فمن طريق الشيعة ما رواه الصدوق: (ولم يعرف للنبي (صلى الله عليه وآله) خف إلا خفا أهداه
له النجاشي، وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقا، فمسح النبي (صلى الله عليه وآله) على رجليه وعليه خفاه، فقال الناس: إنه مسح على خفيه) (1).
ومن طريق أهل السنة ما رواه محدثو القوم عن بريدة وابنه عبد الله والمغيرة ابن شعبة أن النجاشي أهدى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) خفين ساذجين أسودين، فلبسهما ومسح عليهما (2).
وما روي عن ابن عمر أنه قال: (إذا لم يكن الخف يغطي جميع القدم فليس هو بخف، يجوز المسح عليه، وكان خفاف المهاجرين والأنصار مخرقة مشقوقة، وكانوا يمسحون عليها) (3).
وما رواه البيهقي عن الثوري: (وكان خفاف المهاجرين والأنصار مخرقة مشقوقة) (4).
هذا، مع اختلاف الألفاظ في رواياتهم، ففي رواية المغيرة [ أ ] وحذيفة [ ب ] جاء: (ومسح على نعليه) بدل: (خفيه).
وفي لفظ آخر للمغيرة: (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح على الجوربين والنعلين) [ ج ] وفي ثالث له: (يمسح على النعلين والقدمين) [ د ].
وفي رابع له: (ومسح قدميه وعلى خفيه) [ ه ] فهذا ظاهر في أنه مسح على قدميه في النعلين (5).
__________
(1) من لا يحضره الفقيه 1: 48 / 10، وسائل الشيعة 1: 461، ب 38، ح 15.
(2) سن أبي داود 1: 42 / 154، سنن ابن ماجة 1: 182 / 549، سنن البيهقي 1: 282، 283، كشف الغمة 1: 45.
(3) كشف الغمة 1: 45.
(4) السنن الكبرى 1: 283.
(5) [ أ ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 350، سنن أبي داود 1: 43 / 159، سنن الترمذي 1: 167 / 99، وصححه.
[ ب ] سنن البيهقي 1: 100 وجامع البيان 6: 134.
[ ج ]، [ د ] كشف الغمة 1: 45.
[ ج ] سنن ابن ماجة 1: 185 / 559.
[ ه ] المعجم الأوسط 6: 154 / 5315.(1/136)
والأكثر صراحة من جميع ذلك ما رواه أوس بن أبي أوس قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح بالماء على قدميه، وكان فيهما خفان) (1).
وأما بالنسبة إلى خبر جرير بن عبد الله البجلي فهو أقوى أدلة القوم حجة في المسح على الخفين كما قال الحافظ العسقلاني (2)، وأشهر أخبارهم دليلا على جوازه.
أخرجه جميع أهل السنن والمسانيد في تصنيفاتهم، ونقله مفسروهم في تفاسيرهم واستدل به فقهاؤهم في تأليفاتهم، مع الإتيان بقول إبراهيم: (كان يعجبهم هذا الحديث، لان إسلام جرير كان بعد نزول المائدة).
فأقول: إن تعجبهم به كان بلا طائل، وسرورهم به كان بلا موجب، لأن جريرا أسلم قبل نزول المائدة بيقين.
فقد قال ابن سعد وابن قتيبة وابن حبان والبلاذري وابن الجوزي ونقله الطبري عن الواقدي: إن جريرا قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنة عشر، في رمضان (3).
قال ابن سعد: (أخبرنا محمد بن عمر الاسلمي قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: قدم جرير بن عبد الله البجلي سنة عشر المدينة، ومعه قومه مائة وخمسون رجلا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك ".
فطلع جرير على راحلته ومعه قومه، فأسلموا وبايعوا) (4).
__________
(1) كشف الغمة 1: 37.
(2) تفسير المراغي 6: 63.
(3) الطبقات الكبرى 2: 110 والمعارف 1: 292 وتاريخ الصحابة (ابن حبان): 59 وأنساب أشراف 1: 384 وفي ط بيروت: 492 والمنتظم في تاريخ الملوك والامم 3: 383 وتاريخ الطبري 2: 408.
(4) الطبقات الكبرى 2: 110.(1/137)
قال زيني دحلان: (وقد شهد جرير حجة الوداع، فكان إرساله إلى ذي الخلصة بعدها) (1).
قال ابن حجر العسقلاني: (اختلف الناس في وقت إسلامه، ففي الطبراني (الأوسط) من طريق الحصين بن عمر الأسلمي، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال: لما بعث النبي (صلى الله عليه وآله) أتيته فقال: " ما جاء بك "؟ قلت: جئت لاسلم، فألقى إلي كساءه وقال: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ".
وجزم ابن عبد البر بأنه أسلم قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بأربعين يوما.
وهو غلط، ففي الصحيحين عنه أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال له: " استنصت الناس " في حجة الوداع (2).
وجزم الواقدي بأنه وفد على النبي (صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان سنة عشر، وأنه بعثه إلى ذي الخلصة بعد ذلك، وأنه وافى مع النبي (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع من عامه.
وفيه عندي نظر، لان شريكا حدث عن الشيباني عن الشعبي عن جرير قال: قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن أخاكم النجاشي قد مات " الحديث.
أخرجه الطبراني (3) فهذا يدل على أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر، لأن النجاشي مات قبل ذلك) (4).
فقد اتضح أن جريرا كان في حجة الوداع مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقينا، سواء قلنا بإسلامه في سنة عشر، أو قبل ذلك، أو في أول البثعة.
واتضح أن إسلامه كان قبل نزول المائدة قطعا، سواء قلنا بنزولها عندما كان النبي (صلى الله عليه وآله) بعرفات أو بعد ذلك عند رجوعه إلى المدينة في الطريق أو بعد وصوله إلى المدينة.
القول الثامن: عدم جواز المسح على الخفين مطلقا، وأنه منسوخ بآية المائدة.
وهو مروي في كتب القوم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) [ أ ] وابن عباس (رضي الله عنه) [ ب ] وعائشة
__________
(1) السيرة النبوية 2: 339.
(2) صحيح البخاري 1: 44 / 121 و 5: 147 / 2405 و 8: 45 / 6869 و 117 / 9080 وصحيح مسلم 1: 53 / 65.
(3) المعجم الكبير 2: 323 / 2346 - 2348 و 2350.
(4) الاصابة في تمييز الصحابة 1: 582.(1/138)
[ ج ] وعبد الله بن عمر [ د ] وأبي هريرة [ ه ] وزيد بن علي [ و ] ويحيى بن عبد الله بن الحسن [ ز ] ومالك [ ح ] وأبي بكر بن داود [ ط ] وبعض الحنابلة [ ي ] ومنسوب إلى الخوارج [ ك ] وهو قول بعض أئمة الزيدية [ ل ] وادعى بعضهم إجماع آل الرسول (صلى الله عليه وآله) على ذلك [ م ].
وروي عن الإمام الحسين بن علي (عليه السلام): " إنا ولد فاطمة رضي الله عنها لا نمسح على الخفين " [ ن ] (1).
فقد استدل هؤلاء: أولا: بكتاب الله: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * فإن الله أمر بطهارة الأرجل، ولا شك أن الخف ليس برجل.
وثانيا: ببعض أخبار مروية عن الصحابة والتابعين في ذلك.
فمنها: ما أخرجه أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وعلي بن عباس والامام قاسم بن محمد والبيهقي وغيرهم عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه قال: " سبق الكتاب الخفين " ثم قال الإمام قاسم بن محمد: وهو في (اصول الاحكام) و (الشفاء) (2).
ومنها: ما رواه علي بن عباس وغيره عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه الصلاة والسلام أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح قبل نزول المائدة، فلما نزلت آية
__________
(1) [ ب ]، [ ج ]، [ ه ]، [ ح ]، [ ك ] الجامع لأحكام القرآن 6: 93، 100 [ أ ]، [ ب ]، [ ج ]، [ ه ] المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 185، 186 [ أ ]، [ ب ]، [ ج ]، [ م ] الاعتصام بحبل الله 1: 214 - 219 [ أ ]، [ و ]، [ ن ] مسند الإمام زيد: 74، 75 [ ط ]، [ ك ]، [ ل ] البحر الزخار 1: 69 [ ج ]، [ ه ]، [ ح ] نيل الأوطار 1: 177 [ ب ]، [ ج ]، [ ه ] فتح القدير، 1: 99 [ ب ]، [ ج ]، [ ح ] مفاتيح الغيب 6: 167 [ ك ]، [ ح ]، [ ط ] المجموع 1: 476 [ أ ]، [ ب ] السنن الكبرى 1: 272، 273 [ ح ]، [ ب ] بداية المجتهد 1: 19 [ أ ]، [ د ] إرشاد الساري 1: 278 [ ح ]، [ ك ] فتح الباري 1: 244، رحمة الامة 1: 26، تحفة الأحوذي 1: 313 [ ط ]، [ ك ] حلية العلماء 1: 159 [ ج ]، [ ب ] المبسوط 1: 98 وبدائع الصنائع 1: 8 [ ز ] مقاتل الطالبيين: 468 [ ي ] الإنصاف 1: 169 [ ح ] أحكام القرآن (الجصاص) 2: 348، حاشية الدسوقي 1: 141، وذكر القول في الفتوحات المكية، 1: 449.
(2) مسند الإمام زيد: 75، الاعتصام بحبل الله 1: 218، المصنف (ابن أبي شيبة) 1: 186، السنن الكبرى 1: 272، نيل الأوطار 1: 177، لسان الميزان 7: 120.(1/139)
المائدة لم يمسح بعدها (1).
ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه أقام اثنين وعشرين شاهدا من الصحابة عند عمر، فشهدوا أن المسح كان قبل نزول المائدة.
قال الشوكاني: (وأما القصة التي ساقها الأمير الحسين في (الشفاء) وفيها المراجعة الطويلة بين علي (عليه السلام) وعمر واستشهاد علي (عليه السلام) لاثنين وعشرين من الصحابة فشهدوا بأن المسح كان قبل المائدة، فقال ابن البهرام: لم أر هذه القصة في شئ من كتب الحديث) (2).
الحمد لله الذي لم يجعل رؤية الاشخاص شرطا لصحة الروايات، لا ابن
البهرام ولا الشوكاني.
فإليك القصة بإسنادها أخذها أحد أئمة الزيدية عن ثلاثة من كتبهم.
قال الإمام قاسم بن محمد: (وفي (شرح التجريد): أخبرنا أبو الحسين بن إسماعيل قال: حدثنا الناصر (عليه السلام) قال: حدثنا محمد بن منصور قال: حدثنا أحمد ابن عيسى عن حسين عن أبي خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (عليهم السلام) قال: لما كان في ولاية عمر جاء سعد بن أبي وقاص فقال: يا أمير المؤمنين ما لقيت من عمار؟ قال: وما ذلك؟ قال: خرجت وأنا اريدك ومعي الناس، فأمرت مناديا فنادى بالصلاة ثم دعوت بطهور فتطهرت ومسحت على خفي وتقدمت اصلي، فاعتزلني عمار، فلا هو اقتدى بي ولا هو تركني فجعل ينادي من خلفي: يا سعد الصلاة بغير وضوء.
فقال عمر: يا عمار، اخرج مما جئت به.
فقال: نعم، كان المسح قبل المائدة.
فقال عمر: يا أبا الحسن، ما تقول؟ قال: " أقول: إن المسح كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت عائشة، والمائدة نزلت في بيتها ".
فأرسل عمر إلى عائشة.
فقالت: كان المسح قبل المائدة.
وقالت لعمر: والله لأن
__________
(1) مسند الإمام زيد بن علي: 72، الاعتصام بحبل الله 1: 217.
(2) نيل الأوطار 1: 177.(1/140)
تقطع قدماي بعقبيهما أحب إلي من أن أمسح عليهما - يعني: الخفين - قال عمر: لا نأخذ بقول امرأة، ثم قال: أنشد الله امرأ شهد المسح من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قام.
فقام ثمانية عشر رجلا كلهم رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح وعليه جبة شامية ضيقة الردنين، فأخرج يديه من تحتها، ثم مسح على خفيه.
فقال عمر: ما ترى يا أبا الحسن؟ فقال: " سلهم قبل المائدة أو بعدها "؟ فسألهم، فقالوا: لا ندري.
فقال علي (عليه السلام): " أنشد الله امرأ مسلما علم أن المسح كان قبل المائدة لما قام ".
فقام اثنان وعشرن رجلا، فشهدوا.
فتفرق القوم، وهؤلاء يقولون: لا نترك ما رأينا، وهؤلاء يقولون: لا نترك ما رأينا).
ثم قال الامام الزيدي وهو في (اصول الأحكام) و (الشفاء) (1).
وأشار إليها الإمام يحيى المرتضى مستدلا بها على نسخ أخبار المسح على الخفين في (البحر) (2).
وأخرجه أبو علي الكوفي عن الامام الصادق (عليه السلام) باختصار (3).
ومنها: ما رواه علي بن عباس عن زيد بن علي عن أبيه عن جده الحسين بن علي (رضي الله عنه) قال: " إنا ولد فاطمة - رضي الله عنها - لا نمسح على الخفين، ولا كمة ولا خمار ولا جهاز " (4).
ومنها ما أخرجه أحمد بن حنبل والبيهقي وأخرجه الطبراني عن كل من مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنه)، - واللفظ لأحمد -، قال ابن عباس (رضي الله عنه): (أنا عند عمر (رضي الله عنه) حين سأله سعد وابن عمر عن المسح على الخفين، فقضى عمر لسعد، فقلت: يا سعد، قد علمنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح على خفيه، ولكن
__________
(1) الاعتصام بحبل الله 1: 218.
(2) البحر الزخار 1: 69.
(3) الجعفريات: 24.
(4) مسند الإمام زيد: 74.(1/141)
أقبل المائدة أم بعدها؟ فقال: روح أو بعدها.
قال: لا يخبرك أحد أن النبي (صلى الله عليه وآله) مسح عليهما بعدما انزلت المائدة.
فسكت عمر).
ثم قال البيهقي: أخبرنا بصحة ذلك أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد (1).
أقول: وقد تقدم ما رواه الطبراني في (الأوسط) عن ابن عباس أنه قال: (ذكر المسح على القدمين عند عمر سعد وعبد الله بن عمر، فقال عمر: سعد أفقه منك.
فقال عمر: يا سعد، إنا لا ننكر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح، ولكن هل مسح منذ انزلت سورة المائدة)؟.
وقد ذكرنا هناك أن فيه تأملا، ووجهه أنه جاء في لفظ أحمد والبيهقي كما رأيت، وكذلك في لفظ البخاري: (المسح على الخفين) بدل: (المسح على القدمين) (2).
فيفهم أن لفظ: (المسح على القدمين) كان خطأ من الرواة مع ان المذكور في النسخة الموجودة عندنا من الأوسط هو (المسح على الخفين) (3).
فيكون حاصل الجمع بين الخبرين هكذا: أخبر سعد المسح على الخفين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأنكر عليه ابن عمر، ثم تحاكما إلى الخليفة وابن عباس (رضي الله عنه) عنده فأراد عمر تجليل سعد بن وقاص في مقابل ابنه فقال: (سعد أفقه منك)، ثم أبدى الخليفة تردده وجهله بحكم المسألة فقال: (يا سعد، إنا لا ننكر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح، ولكن هل مسح منذ انزلت سورة المائدة)؟، فبين لهم ابن عباس (رضي الله عنه) حكم المسألة قائلا: (لا يخبرك أحد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح بعد المائدة).
فسكت عمر.
ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنه قال: (ما ابالي مسحت على الخفين أو مسحت على ظهر بختي هذا) (4).
__________
(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 1: 366، السنن الكبرى 1: 273، المعجم الكبير 11: 73 / 11140.
(2) صحيح البخاري 1: 66 / 202، المنتقى من أخبار المصطفى 1: 107 / 295.
(3) المعجم الأوسط 3: 283 / 2902 عن ابراهيم بن نائلة.
(4) المصنف 1: 186.(1/142)
وما روي عنه: (لان أمسح على ظهر عير في الفلاة أحب إلي من أن أمسح على الخفين) (1).
ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة وبعض أئمة الزيدية عنه أيضا أنه قال: " سبق الكتاب الخفين ".
قال القاسم بن محمد: وهذا في (أصول الأحكام) و (الشفاء) (2).
ومنها: ما روي عنه: سئل ابن عباس (رضي الله عنه) هل مسح رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الخفين فقال: (والله ما مسح رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الخفين بعد نزول المائدة، ولان أمسح على ظهر عير في الفلاة أحب إلي من أمسح على الخفين) (3).
ومنها: ما أخرجه أحمد والبلاذري وغيرهما عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنه قال: (سلوا هؤلاء الذين يرون المسح: هل مسح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد نزول المائدة؟ والله ما مسح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد نزول المائدة، ولان أمسح على ظهر عابر بالفلاة أحب إلي من أن أمسح على الخفين) (4).
وما رواه الإمام الزيدي عن (شرح التجريد) و (اصول الأحكام) و (الشفاء) هكذا: قال ابن عباس: (مسح رسول الله على الخفين، فاسأل الذين يزعمون: أقبل المائدة أم بعدها؟ ما مسح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد المائدة، ولان أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي من أن أمسح على الخفين) (5).
ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف)، ونقل الإمام قاسم بن محمد عن (شرح التجريد) و (اصول الأحكام) و (الشفاء) عن عائشة قالت: (لان أخرهما بالسكاكين أحب إلي من أن أمسح عليهما.
يعني: الخفين.
أو لان أخرهما أو أخر أصابعي بالسكين أحب إلي من أن أمسح عليهما) (6).
ومنها: ما روي عنها: (لأن أقطع رجلي بالموسى أحب إلي من أن أمسح على
__________
(1) شرح العناية على الهداية 1: 99.
(2) المصنف 1: 186، الاعتصام بحبل الله 1: 219.
(3) بدائع الصنائع 1: 7.
(4) مسند الإمام أحمد بن حنبل 1: 323، أنساب الأشراف 1: 131، المبسوط (السرخسي) 1: 98.
(5) الاعتصام بحبل الله المتين 1: 218.
(6) المصنف 1: 186، الاعتصام بحبل الله 1: 219.(1/143)
الخفين) (1).
وما روي عنها: (لأن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين) (2).
ومنها: ما أخرجه البخاري في التاريخ أنه سئل أبو هريرة عن المسح فقال: (يسلخهما) (3).
ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة وبعض الزيدية عن أبي هريرة أنه قال: (ما أبالي على ظهر خف مسحت أو على ظهر حمار) (4).
ثم لا بأس أن ننقل كلام اثنين من أكابر العلماء حول الاستدلال في منع المسح على الخفين: الأول: ليحيى المرتضى من أئمة الزيدية.
قال الإمام الزيدي: (والإمامية والخوارج وأبو بكر بن داود لا يجزئ، للآية، ولقوله (صلى الله عليه وآله) لمن علمه: " فاغسل رجليك ".
وألغى المسح، وقوله بعد غسلهما: " لا يقبل الله الصلاة من دونه "، وقوله (صلى الله عليه وآله): " ويل للعراقيب من النار "، وقوله (صلى الله عليه وآله): " لا يقبل الله صلاة امرئ "...الخبر.
فأما أخبارهم فمنسوخة بآية المائدة، لقصة عمار مع ابن أبي وقاص، وقول ابن عباس (رضي الله عنه): (ما مسح رسول الله)، وعن علي (عليه السلام): " سبق الكتاب الخفين " وغير ذلك.
قالوا: لا تنافي، فلا نسخ.
قلنا: بل نسخ الإجزاء كاستقبال بيت المقدس، ولتصريح أكابر الصحابة.
قالوا: أسلم جرير بعد المائدة، وروى المسح.
قلنا: روايتنا أرجح، وللقدح في جرير، سلمناه فلعله رآه قبل إسلامه.
قالوا: في نزعهما حرج كالجبائر.
__________
(1) فتح القدير 1: 99.
(2) المبسوط (السرخسي) 1: 98، شرح العناية 1: 99.
(3) التاريخ الكبير 3: 220.
(4) المصنف (العبسي) 1: 186، الاعتصام بحبل الله 1: 219.(1/144)
قلنا: في حل الجبائر ضرر.
وقد نقل كثير منهم عن علي (عليه السلام) كقولهم.
قلنا: رواية الأولاد أرجح لاختصاصهم، ولعل ما رووه قبل المائدة).
إنتهى (1).
ولعل وجه قدح الإمام الزيدي في جرير بن عبد الله هو ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي، حيث قال: روى الحارث بن حصين أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفع إلى جرير بن عبد الله نعلين من نعاله، وقال: " احتفظ بهما، فإن ذهابهما ذهاب دينك ".
فلما كان يوم الجمل ذهبت إحداهما، فلما أرسله علي (عليه السلام) إلى معاوية ذهبت الأخرى.
ثم فارق عليا (عليه السلام) واعتزل الحرب.
وذكر العلامة المعتزلي أنه كان من المبغضين لأمير المؤمنين علي (عليه السلام).
وروى عن ابنه أنه قال: هدم علي دارنا مرتين (2).
وما رواه البلاذري أن جرير بن عبد الله رجع أعرابيا بعد أن دعا عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بسبب كتمانه لحديث الغدير (3).
الكلام الثاني: للمفسر الكبير الإمام فخر الدين الرازي.
قال الإمام: (واطبقت الشيعة والخوارج على إنكاره - أي المسح على الخفين - واحتجوا بأن ظاهر قوله تعالى: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * يقتضي إما غسل الرجلين أو مسحهما، والمسح على الخفين ليس مسحا للرجلين ولا غسلا لهما، فوجب ألا يجوز بحكم نص هذه الآية.
ثم قالوا: إن القائلين بجواز المسح على الخفين إنما يعولون على الخبر، لكن الرجوع إلى القرآن أولى من الرجوع إلى هذا الخبر، ويدل عليه وجوه: الأول: أن نسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز.
والثاني: أن هذه الآية في سورة المائدة، وأجمع المفسرون أن هذه السورة لا
__________
(1) البحر الزخار 1: 69، 71.
(2) شرح نهج البلاغة 4: 74 - 75.
(3) أنساب الأشراف: 2: 386.(1/145)
منسوخ فيها ألبتة، إلا قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله) * فإن بعضهم قال: هذه الآية منسوخة، فإذا كان كذلك امتنع القول بأن وجوب غسل الرجلين منسوخ.
والثالث: أن خبر المسح على الخفين بتقدير أنه كان متقدما على نزول الآية كان خبر الواحد منسوخا بالقرآن، ولو كان بالعكس كان خبر الواحد ناسخا للقرآن.
ولا شك أن الأول أولى لوجوه: الأول: أن ترجيح القرآن المتواتر على خبر الواحد أولى من العكس.
وثانيها: أن العمل بالآية أقرب إلى الاحتياط.
وثالثها: أنه قد روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه وإلا فردوه ".
وذلك يقتضي تقديم القرآن على الخبر.
ورابعها: أن قصة معاذ تقتضي تقديم القرآن على الخبر.
الوجه الرابع في بيان ضعف هذا الخبر: أن العلماء اختلفوا فيه، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لأن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين).
وعن ابن عباس (رضي الله عنه) أنه قال: (لأن أمسح على جلد حمار أحب إلي من أن أمسح على الخفين).
وأما مالك فإحدى الروايتين عنه أنه أنكر جواز المسح على الخفين.
ولا نزاع أنه كان في علم الحديث كالشمس الطالعة، فلولا أنه عرف فيه ضعفا، لما قال ذلك.
والرواية الثانية عن مالك أنه ما أباح المسح على الخفين للمقيم وأباحه للمسافر مهما شاء من غير تقدير فيه.
وأما الشافعي وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء فإنهم جوزوه للمسافر ثلاثة أيام بلياليها من وقت الحدث بعد اللبس.
وقال الحسن البصري: ابتداؤه من وقت لبس الخفين.
وقال الأوزاعي وأحمد: يعتبر وقت المسح بعد الحدث.
قالوا: فهذا الاختلاف الشديد بين الفقهاء يدل على أن الخبر ما بلغ مبلغ الظهور(1/146)
والشهرة، وإذا كان كذلك وجب القول بأن هذه الأقوال لما تعارضت تساقطت، وعند ذلك يجب الرجوع إلى ظاهر كتاب الله تعالى.
الوجه الخامس: أن الحاجة إلى جواز المسح على الخفين حاجة عامة في حق كل المكلفين، فلو كان ذلك مشروعا لعرفه الكل، ولبلغ مبلغ التواتر، ولما لم يكن الأمر كذلك ظهر ضعفه) (1).
الحاصل: قد عرفت أن جميع الأخبار المروية في المسح على الخفين كان قبل نزول المائدة، وما صدر عن بعض الصحابة من المسح على الخفين كان إما بسبب عدم درايتهم بحكم المسألة، أو بسبب اشتباه الأمر عليهم عندما مسح النبي (صلى الله عليه وآله)
على قدميه بدون نزع الخف، كما تقدم.
ولاجل ذلك اقتصرنا في الكلام في مسألة المسح على الخفين على القدر اللازم من جواز المسح عليه أو عدمه، ومن أراد الوقوف على تفصيل اختلافات القوم في (ابتداء المدة) و (التوقيت في المسح) و (مسح المقيم والمسافر) و (كيفية الخف) و (الخف فوق الخف) و (المسح عليهما بعد الطهارة وعدمه) و (محل المسح من الخف) و (المقدار المجزئ منه) و (في بطلان الوضوء أو المسح فقط بنزع الخفين)، فليراجع: (حلية العلماء) للقفال الشافعي و (المبسوط) للسرخسي الحنفي و (المقدمات) لابن رشد المالكي و (الإنصاف) للمرداوي الحنبلي و (المحلى) لابن حزم الظاهري، وغيرها من الكتب المفصلة للجمهور.
وفي الختام لا بأس بأن نتبرك بذكر خبر مروي عن إمام المتقين (عليه السلام) في ذلك: عن أبي بكر بن حزم قال: توضأ رجل، فمسح على خفيه، فدخل المسجد فصلى، فجاء علي (عليه السلام) فوطئ على رقبته، فقال " ويلك تصلي على غير وضوء "؟ فقال: أمرني عمر بن الخطاب.
قال: فأخذ بيده، فانتهى به إليه، فقال: " انظر ما يروي هذا عليك "،
__________
(1) مفاتيح الغيب 6: 166، 167.(1/147)
ورفع صوته.
فقال: نعم أنا أمرته، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح.
قال: " قبل المائدة أو بعدها "؟ قال: لا أدري؟ قال: " فلم تفتي وأنت لا تدري، سبق الكتاب الخفين " (1).
__________
(1) تفسير العياشي 1: 297.(1/148)
فهرست المصادر 1 - القرآن الكريم.
2 - أحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن إدريس (الشافعي)، ت 204 ه طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت.
3 - أحكام القرآن: لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، (الحنفي)، ت (370 ه).
طبعة: دار الكتاب العربي، بيروت.
4 - أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي (المالكي)، ت 543 ه طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت.
5 - أحكام القرآن: لعماد الدين بن محمد الطبري الكياالهراسي (الشافعي) ط: دار الكتب العلمية، بيروت.
6 - اختلاف الحديث: لأبي عبد الله محمد بن إدريس (الشافعي)، ت 204 ه.
تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت طبعة أولى سنة: (1406 ه / 1986 م).
7 - إرشاد الساري على صحيح البخاري: لأبي العباس أحمد القسطلاني (الشافعي)، ت (923) ه، طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
8 - أساس البلاغة: لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (جار الله)، ت (538) ه.
تحقيق: عبد الرحيم محمود، طبعة: دار المعرفة، بيروت.
9 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي(1/149)
(الشيعي)، ت (460) ه.
طبعة: دار الصعب، دار التعارف للمطبوعات، طبعة ثانية.
10 - الاستيعاب في أسماء الأصحاب: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد ابن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المالكي)، ت: (463) ه.
وطبع مع (الإصابة)، مطبعة مصطفى محمد بمصر سنة: 1358 ه 1939 م.
11 - اسد الغابة: لمحمد بن عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير (الشافعي)، ت (630) ه.
طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
12 - الإصابة في تمييز الصحابة: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (الشافعي)، ت (852) ه.
طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة أولى سنة: (1415 ه / 1995 م).
13 - اصول الكافي: لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (الشيعي)، ت (328 أو 329) ه.
تصحيح: علي أكبر غفاري، نشر: دار الكتب الإسلامية، تهران.
14 - إعانة الطالبين: للسيد أبي بكر المشهور بالبكري (الشافعي) طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت، طبعة: رابعة.
15 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: لأبي بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم الهمداني، ت (584) ه.
مطبعة الأندلس بحمص، طبعة أولى.
16 - الاعتصام بحبل الله المتين: للإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي (الزيدي)، ت: (1029) ه.
مكتبة اليمن الكبرى، صنعاء سنة طبعة: (1408 ه 1987) م.
17 - إعراب القرآن: لمحيي الدين الدرويش، طبعة: دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط: خامسة سنة: 1417 ه 1996.
18 - إعراب القرآن: لمحمود الصافي مطبعة النهضة، إنتشارات مدين م قم(1/150)
إيران، طبعة اولى سنة: (1411 ه 1991) م.
19 - الام: للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ت: (204) ه.
طبعة: دار الشعب.
20 - أنساب الأشراف: لأحمد بن يحيى البلاذري، ت: (279) ه.
طبعة: دار المعارف مصر، تحقيق: الدكتور محمد حميد الله.
21 - إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (السيرة الحلبية) لعلي بن برهان الدين الحلبي (الشافعي)، ت: (1044) ه.
مطبعة مصطفى البابي، مصر.
22 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (الحنبلي)، ت: (885) ه، طبعة: دار إحياء التراث العربي.
23 - البحر الزخار: للإمام يحيى المرتضى (الزيدي).
طبعة: صنعاء.
24 - البحر المحيط: لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي الغرناطي، ت: (754) ه.
طبعة: دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت.
طبعة ثانية (1411 ه / 1990 م).
25 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاشاني (الحنفي)، ت: (587) ه.
شركة المطبوعات العلمية، مصر، طبعة اولى 1327.
26 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (المالكي) ت: 595 ه.
مطبعة الأمير، منشورات الرضي، قم، طبعة اولى (1389 ه / 1969 م).
27 - البدر المتقى في شرح الملتقى على الفقه الحنفي.
مطبوع بهامش مجمع الأنهر.
طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
28 - البناية في شرح الهداية: لأبي محمد محمود بن بدر الدين العيني (الحنفي)، ت (855) ه.
طبعة: دار الفكر، بيروت، طبعة ثانية (1411 ه 1990(1/151)
م).
29 - تاج العروس: للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، ت (1205) ه.
طبعة: دار المكتبة الحياة، بيروت.
30 - تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت (748) ه.
مكتبة القدوسي، القاهرة سنة طبعة: (1367) ه.
31 - تاريخ الامم والملوك: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ت: 310.
ط: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة ثانية، (1408 ه / 1988) م.
32 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام: لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغداي، ت: (463) ه.
طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت.
33 - تاريخ الصحابة: لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، ت: (354) ه.
تحقيق: الضناوي، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة أولى، (1408 ه / 1988) م.
34 - تأويل مختلف الحديث: لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، ت: (276) ه.
تصحيح: محمد زهري النجار، مكتبة الكليات الأزهرية، (1386 ه / 1966 م).
35 - التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح: لأبي العباس زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف (الحسين بن المبارك).
طبعة: دار المعرفة، بيروت.
36 - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي: لأبي العلا محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري، ت: (1353) ه.
طبعة: دار الفكر، بيروت.
37 - التحقيق في أحاديث الخلاف: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي، ت: 597 ه.
طبعة: دار الكتب العلمية بيروت، طبعة اولى (1415 ه /(1/152)
1994 م).
38 - تفسير الجلالين: لجلال الدين السيوطي، وجلال الدين المحلي.
طبعة: دار الجيل، بيروت.
39 - تفسير العياشي: لأبي نصر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي (الشيعي)، ت: (320) ه.
المكتبة الاسلامية، طهران.
40 - تفسير القرآن العظيم: لإسماعيل بن كثير القرشي الشامي (الحنبلي)، ت: (774) ه.
طبعة: دار المعرفة بيروت، (1407 ه / 1987 م).
41 - تفسير المراغي: لأحمد مصطفى المراغي.
طبعة: دار الفكر، بيروت (1985 م).
42 - تفسير المنار: للسيد محمد رشيد رضا (دروس الشيخ محمد عبده).
مطبعة المنار، مصر.
43 - تلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت: (852) ه.
طبعة: دار الفكر، بيروت.
44 - تلخيص المستدرك: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت: (748) ه.
طبعة: دار المعرفة، بيروت، مطبوع مع المستدرك.
45 - تهذيب الأحكام: لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (الشيعي)، ت: (460) ه.
طبعة: دار الصعب دار التعاريف، بيروت (1401 ه / 1981 م).
46 - جامع البيان عن تأويل القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ت: (310) ه.
مكتبة المصطفى البابي الحلبي، مصر.
طبعة ثانية، 1954 م.
47 - الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، ت: (671) ه.
طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت، طبعة ثانية 1405 ه.
1985 م.
48 - الجرح والتعديل: لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد الحنظلي الرازي،(1/153)
ت (327) ه.
طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت.
49 - الجعفريات: لأبي علي محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي.
طبعة: في المطبعة الاسلامية سنة: (1370) ه، إيران.
50 - الجواهر في تفسير القرآن العظيم: للشيخ الطنطاوي الجوهري طبعة: دار الفكر، بيروت.
51 - الجوهر النقي على سنن البيهقي: لعلاء الدين علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني.
طبعة: دار المعرفة، بيروت.
52 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: لشمس الدين محمد عرفه الدسوقي (المالكي).
طبعة: دار الفكر، بيروت.
53 - حاشية السعدي: لسعد الله بن عيسى السعدي الچلبي (الحنفي).
طبعة: دار صادر، بيروت.
54 - حاشية الصاوي على تفسير الجلالين: للشيخ أحمد الصاوي (المالكي).
طبعة: دار الجيل، بيروت.
55 - الحاشية على سنن الترمذي: لأبي بكر محمد بن عبد الله (ابن العربي) (المالكي)، ت: 543 ه.
56 - الحاشية على سنن النسائي: لجلال الدين السيوطي، ت: (991) ه.
طبعة: دار الفكر، بيروت.
طبعة اولى (1348 ه / 1930 م).
57 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، ت: (430) ه.
طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت.
طبعة أولى (1409 ه / 1988 م).
58 - حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء: لأبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال (الشافعي).
طبعة: دار الباز، مكتبة الرسالة الحديثة، مكة المكرمة.
59 - الخصائص الكبرى: لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ت: (991) ه.
طبعة: دار الكتب الحديثة، (1319) ه.(1/154)
60 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين السيوطي، ت: (991) ه.
طبعة: دار الكتب العلمية بيروت.
61 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت: (458) ه.
طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة اولى (1405 ه 1985 م).
62 - رحمة الامة في اختلاف الأئمة: لمحمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني (الشافعي).
مطبعة الحجازي، القاهرة، طبعة أولى (1936) م.
63 - رد المحتار على در المختار: (حاشية ابن عابدين) لابن عابدين (الحنفي).
م طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
64 - روائع البيان في تفسير آيات الأحكام: لمحمد علي الصابوني.
مكتبة الغزالي، دمشق.
65 - روح المعاني: للسيد محمود الآلوسي البغدادي، ت: (1270) ه.
انتشارات جهان، طهران.
66 - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي، ت: (942) ه.
تحقيق: الشيخ علي محمد معوض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة أولى (1414 ه / 1993 م).
67 - سنن ابن ماجة: لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني، ت:
(275) ه.
تحقيق: محمود فؤاد عبد الباقي، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت.
68 - سنن أبي داود: لأبي داود بن سليمان بن الأشعث السجستاني، ت: (275) ه.
تحقيق: سعيد محمد اللحام، طبعة: دار الفكر، بيروت، طبعة أولى (1410 ه 1990 م).
69 - سنن الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، ت: (279) ه.
تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، طبعة: دار الفكر، بيروت (1357 ه / 1938 م).(1/155)
70 - سنن الدارقطني: لعلي بن عمر الدارقطني، ت: (385) ه.
طبعة: دار المعرفة، بيروت.
71 - سنن الدارمي: لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي، ت: (255) ه.
طبعة: دار الفكر، بيروت.
72 - السنن الكبرى: لأبي بكر أحمد بن حسين بن علي البيهقي، ت: (458) ه.
طبعة: دار المعرفة، بيروت.
73 - سنن النسائي: لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، ت: (303) ه.
طبعة: دار الفكر، مطبوع مع حاشية السيوطي والسندي، طبعة أولى (1348 ه / 1930 م).
74 - سير أعلام النبلاء: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت (748) ه.
تحقيق: سعيد الأرناؤوطي وعلي أبو زيد، طبعة: مؤسسة الرسالة، طبعة أولى (1403 ه / 1983 م).
75 - السيرة النبوية: لأبي محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري.
تحقيق: جمع من الأساتذة، طبعة: دار إحياء التراث العربي.
76 - السيرة النبوية: لأحمد بن زيني دحلان مفتي مكة (الشافعي).
تصحيح:
الشيخ ناجي سوير، طبعة: دار إحياء التراث العربي، طبعة اولى (1416 ه / 1995 م).
77 - شرح الأزهار، لأحمد بن يحيى المرتضى (الزيدي).
مكتبة عمضان، عمان.
78 - شرح صحيح مسلم: لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (الشافعي)، ت: (677) ه.
تحقيق: لجنة من العلماء، طبعة: دار القلم، بيروت، طبعة اولى (1407 ه / 1981 م).
79 - شرح العناية على الهداية: لمحمد بن محمود الباري (الحنفي).
طبعة: دار(1/156)
صادر، بيروت.
80 - الشرح الكبير: لأبي البركات السيد أحمد الدردير (المالكي).
مطبوع بهامش (حاشية الدسوقي)، طبعة: دار الفكر، بيروت.
81 - الشرح الكبير: لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الشيخ محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (الحنبلي)، ت: (682) ه، طبعة: دار الكتاب العربي، بيروت.
82 - شرح معاني الآثار: لأحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي المصري الطحاوي (الحنفي)، ت: (321) ه.
طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة ثانية.
83 - شعب الإيمان: لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت: (458) ه.
تحقيق: أبي هاجر زغلول، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة اولى (1410 ه / 1990 م).
84 - صحيح البخاري: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي البخاري.
تحقيق: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، طبعة: دار الفكر، بيروت،
طبعة اولى (1411 ه / 1991 م).
85 - صحيح مسلم: لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النشابوري، ت: (261) ه.
طبعة: دار الفكر، بيروت، طبعة اولى (1412 ه 1992 م).
86 - الطبقات الكبرى: لمحمد بن سعد كاتب الواقدي، ت: (230) ه.
لجنة نشر الثقافة الإسلامية بدار جمعية الجهاد الإسلامي، القاهرة، ودار الكتب العلمية، بيروت.
87 - علل الشرائع: لمحمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الصدوق (الشيعي)، ت: (381) ه.
مكتبة الداوري، قم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعاتها في النجف (1395 ه / 1966 م).
88 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري: لأبي محمد بدر الدين بن أحمد(1/157)
العيني (الحنفي)، ت: (855) ه.
إدارة الطباعة المنيرية، مصر.
89 - عون المعبود شرح سنن أبي داود: لمحمد شمس الحق العظيم آبادي.
طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت.
90 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى الصدوق (الشيعي)، ت: (381) ه.
مطبعة الحيدرية، النجف (1390 ه / 1970 م).
91 - غرائب القرآن ورغائب الفرقان: لنظام الدين حسن بن محمد بن الحسين النيسابوري، ت: (850) ه.
تحقيق: إبراهيم عطوه عوض، طبعة اولى (1381 ه 1962 م).
92 - غنية المتملي في شرح منية المصلي: لإبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي (الحنفي).
طبعة: إستانبول.
93 - الفتاوى الكبرى: لأبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (الحنبلي).
طبعة: دار المعرفة، بيروت.
94 - الفتاوى الهندية: للشيخ النظام وجماعة من علماء الهند على المذهب (الحنفي).
طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت، طبعة رابعة.
95 - فتح الباري على صحيح البخاري: لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (الشافعي)، ت: (852) ه، طبعة: دار إحياء التراث العربي، طبعة اولى (1408 ه / 1988 م).
96 - فتح العزيز شرح الوجيز: لعبد الكريم بن محمد الرافعي (الشافعي).
طبعة: دار الفكر، بيروت.
97 - فتح القدير: لمحمد بن عبد الوهاب السواسي السكندري المعروف بابن الهمام (الحنفي).
طبعة: دار صادر، بيروت.
98 - فتح المعين: للشيخ زين الدين (الشافعي).
طبعة: دار إحياء التراث(1/158)
العربي، بيروت.
99 - الفتوحات المكية: للشيخ محيي الدين بن عربي الأندلسي (الشيخ الأكبر).
مطبعة إسماعليان هدايتي، قم.
100 - فقه السنة: للسيد السابق.
طبعة: دار الكتاب العربي، بيروت.
101 - قاموس القرآن: للسيد علي أكبر القرشي.
طبعة: دار الكتب الإسلامية، طهران، طبعة: ثالثة 1361 ه ش.
102 - القاموس المحيط: لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، ت: (817) ه.
طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت (1412 ه / 1991 م).
103 - الكامل في التاريخ: لأبي الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني المعروف
بابن الأثير (الشافعي)، ت: (630) ه.
تحقيق: مكتبة التراب، طبعة: مؤسسة التاريخ العربي بيروت (1414 ه / 1994 م).
104 - كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: لعبد الرحمن الجزيري (الشافعي).
ط: دار الكتب العلمية، بيروت (1409 ه / 1988 م).
105 - كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين: لمحمد بن حبان ابن أحمد بن أبي حاتم التميمي البستي.
تحقيق: محمود إبراهيم الزايد، طبعة: دار المعرفة، بيروت (1412 ه 1992 م).
106 - كشف الغمة عن جميع الامة: للشيخ عبد الوهاب المصري (الشافعي).
ط: مصر.
107 - الكشاف: لأبي القاسم جار الله محمد بن عمر الزمخشري الخوارزمي، ت: (538) ه.
طبعة: دار المعرفة، بيروت.
108 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: لعلاء الدين علي المتقي ابن حسام الدين الهندي، ط مؤسسة الرسالة (1409 ه / 1989 م).
109 - لباب التأويل في معاني التنزيل: لعلاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم(1/159)
البغدادي الصوفي المعروف بالخازن، ت: (725) ه.
طبعة: دار الفكر بيروت.
110 - لسان العرب: للعلامة ابن منظور.
طبعة: نشر أدب الحوزة، قم (1405) ه.
111 - لسان الميزان: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (الشافعي)، ت: (852) ه.
طبعة: دار إحياء التراث العربي مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، طبعة اولى (1416 ه / 1995 م).
112 - المبسوط: لشمس الدين محمد بن أحمد السرخسي (الحنفي)، ت: (483) ه.
طبعة: دار المعرفة، بيروت (1414 ه / 1993 م).
113 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: لعبد الله ابن الشيخ داماد أفندي (الحنفي).
طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت (1319) ه.
114 - مجمع البحرين: لفخر الدين الطريحي، ت: (1085) ه.
تحقيق: أحمد الحسيني، طبعة: دار إحياء التراث العربي، مؤسسة الوفاء طبعة ثانية، (1403 ه / 1983 م).
115 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، ت: (807) ه.
بتحرير الحافظين الجليلين العراقي، وابن حجر، طبعة: مكتبة القدسي، القاهرة (1352) ه، ومنشورات دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة: ثالثة (1402 ه / 1982 م).
116 - المجموع على المهذب: لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (الشافعي)، ت: (676 أو 677) ه.
طبعة: دار الفكر، بيروت.
117 - المحلى: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (الظاهري)، ت: (456 ه) تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، طبعة: دار الآفاق الجديدة، بيروت.
118 - مختصر المزني: لإبراهيم بن إسماعيل بن يحيى المزني (الشافعي) ت: (264) ه.
طبعة: دار الشعب.
119 - المدونة الكبرى: للإمام مالك بن أنس، ت: (176) ه، برواية السحنون بن(1/160)
سعيد التنوخي.
طبعة: السعادة، مصر (1323) ه.
120 - المراجعات: بين السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي (الشيعي)، ت: (1377) ه، والشيخ سليم البشري (المالكي).
تحقيق: الشيخ حسين الراضي، انتشارات: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)، طبعة ثانية.
121 - المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم
النيسابوري، ت: (405) ه.
طبعة: دار المعرفة، بيروت.
122 - مسند الإمام أحمد بن حنبل.
طبعة: دار الفكر، بيروت.
123 - مسند الإمام زيد بن علي: برواية علي بن عباس.
جمعه: عبد العزيز بن إسحاق البغدادي، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت.
124 - مصابيح السنة: لحسين بن مسعود البغوي (الشافعي)، طبعة: دار العلوم الحديثة.
125 - المصنف: لأبي بكر بن عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ت: (211) ه، تحقيق: عبد الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي، سملك سورت، الهند.
126 - المصنف في الأحاديث والآثار: لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة، إبراهيم ابن عثمان أبي بكر الكوفي العبسي، ت: (235) ه.
طبعة: دار السلفية، هند، طبعة ثانية (1399 ه / 1979 م).
127 - المعارف: لأبي محمد عبد الله بن مسلم المعروف بابن قتيبة، ت: (276) ه.
تحقيق: ثروت عكاشة، طبعة: أمير، قم / إيران.
128 - معالم التنزيل: لأبي محمد الحسين الفراء البغوي (الشافعي)، ت: (516) ه.
طبعة: دار الفكر.
مطبوع بهامش تفسير الخازن.
129 - معالم السنن: شرح سنن أبي داود: لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي.
طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة اولى (1411 ه / 1991 م).(1/161)
130 - المعجم الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني، ت: (360) ه.
تحقيق الدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، رياض.
131 - المعجم الكبير: للطبراني أيضا، ت: (360) ه.
طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت، طبعة ثانية.
132 - معجم مقاييس اللغة: لأحمد بن فارس بن زكريا، ت: (390) ه.
تحقيق: عبد السلام هارون، مطبعة مكتب الإعلام الاسلامي، طهران 1404.
133 - المغني: لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة (الحنبلي، ت: (620) ه.
طبعة: دار الكتاب العربي، بيروت.
134 - مغني المحتاج: للشيخ محمد الخطيب الشربيني (الشافعي)، طبعة: دار إحياء التراث العربي، مؤسسة تاريخ العربي، بيروت (1377 ه / 1958 م).
135 - مفاتيح الغيب المسمى ب (التفسير الكبير): لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين الفخر الرازي (الشافعي) ت: (604) ه.
طبعة: دار الفكر بيروت طبعة ثالثة (1405 ه / 1985 م).
136 - المقدمات: لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد (المالكي)، ت: (595) ه.
مطبوع مع (المدونة الكبرى)، مطبعة الخيرية، طبعة اولى (1324) ه.
137 - من لا يحضره الفقيه: لمحمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (الشيعي) ت: (381) ه.
مؤسسة النشر الإسلامي، قم، طبعة ثالثة.
138 - المنتظم في تاريخ الملوك والامم: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، ت: (597) ه.
تحقيق وتصحيح: جمع من الأساتذة، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت.
139 - المنتقى من أخبار المصطفى: لأبي البركات عبد السلام بن تيمية الحراني.
(الحنبلي).
ت: (652) ه.
المطبعة الرحمانية، مصر.(1/162)
140 - المنهاج: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (الشافعي)، ت: (676) ه.
مكتبة المصطفى البابي، مصر.
141 - الموطأ: للإمام مالك بن أنس الأصبحي، ت: (176) ه.
طبعة: دار احياء التراث العربي، بيروت.
142 - ميزان الاعتدال: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، ت: (748) ه.
تحقيق: علي محمد البجاوي، طبعة: دار إحياء الكتب العربية، بيروت، طبعة اولى (1382 ه / 1963 م).
143 - الميزان الكبرى: لعبد الوهاب الشعراني (الشافعي).
مطبعة الحجازي، القاهرة طبعة اولى (1936) م.
144 - الناسخ والمنسوخ: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (الظاهري)، ت: (456) ه.
تحقيق: الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة اولى (1406 ه / 1986 م).
145 - الناسخ والمنسوخ من الحديث: لأبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين، ت: (385) ه.
تحقيق: الشيخ علي محمد معوض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت طبعة اولى (1406 ه / 1986 م).
146 - النهاية في غريب الحديث: لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزيري (الشافعي)، ت: (606) ه.
المكتبة العلمية، بيروت.
147 - النهر الماد: لمحمد بن يوسف المشهور بأبي حيان الأندلسي الغرناطي.
ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، بهامش البحر المحيط.
148 - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار: لمحمد بن علي الصنعاني اليمني الشوكاني (الزيدي!)، ت: (1255) ه.
المطبعة الثمانية، مصر.
149 - الهداية شرح بداية المبتدي: لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني
(1382 ه / 1963 م).
143 - الميزان الكبرى: لعبد الوهاب الشعراني (الشافعي).
مطبعة الحجازي، القاهرة طبعة اولى (1936) م.
144 - الناسخ والمنسوخ: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (الظاهري)، ت: (456) ه.
تحقيق: الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة اولى (1406 ه / 1986 م).
145 - الناسخ والمنسوخ من الحديث: لأبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين، ت: (385) ه.
تحقيق: الشيخ علي محمد معوض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت طبعة اولى (1406 ه / 1986 م).
146 - النهاية في غريب الحديث: لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزيري (الشافعي)، ت: (606) ه.
المكتبة العلمية، بيروت.
147 - النهر الماد: لمحمد بن يوسف المشهور بأبي حيان الأندلسي الغرناطي.
ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، بهامش البحر المحيط.
148 - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار: لمحمد بن علي الصنعاني اليمني الشوكاني (الزيدي!)، ت: (1255) ه.
المطبعة الثمانية، مصر.
149 - الهداية شرح بداية المبتدي: لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني(1/163)
المرغياني (الحنفي) طبعة: المكتبة الإسلامية.
150 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: للشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي (الشيعي)، ت: (1104) ه.
ط وتحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، قم إيران.
(1382 ه / 1963 م).
143 - الميزان الكبرى: لعبد الوهاب الشعراني (الشافعي).
مطبعة الحجازي، القاهرة طبعة اولى (1936) م.
144 - الناسخ والمنسوخ: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (الظاهري)، ت: (456) ه.
تحقيق: الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة اولى (1406 ه / 1986 م).
145 - الناسخ والمنسوخ من الحديث: لأبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين، ت: (385) ه.
تحقيق: الشيخ علي محمد معوض، والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت طبعة اولى (1406 ه / 1986 م).
146 - النهاية في غريب الحديث: لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزيري (الشافعي)، ت: (606) ه.
المكتبة العلمية، بيروت.
147 - النهر الماد: لمحمد بن يوسف المشهور بأبي حيان الأندلسي الغرناطي.
ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، بهامش البحر المحيط.
148 - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار: لمحمد بن علي الصنعاني اليمني الشوكاني (الزيدي!)، ت: (1255) ه.
المطبعة الثمانية، مصر.
149 - الهداية شرح بداية المبتدي: لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني(1/164)