المختصر في أحكام السفر
فهد بن يحيى العماري
مكة المكرمة
P
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فالإنسان بطبعه يحب الترحال والانتقال من مكان إلى مكان ومن حال إلى حال بل أصبح ذلك عند الكثير متعة وراحة وأنساً وعشقاً، فتجده كل شهر في بلد وكل صيف على أرض، طلباً لمرغوب كعبادة أو حج أو علم أو دعوة أو رزق أو سياحة أوصيد أو حاجة أو فراراً من مرهوب كمرض أو قتال أو خوف فتنة من ظلم أو طغيان وحري بالجميع أن يكونوا على علم وبصيرة ودراية بأحكام عبادتهم في ظعنهم وإقامتهم وحلهم وترحالهم.
ومما يفرح القلب ويثلج الصدر ما يشاهد من حرص الكثير على السؤال عما يشكل عبر الدرس واللقاء ووسائل الاتصال بحثاً عن الحلال والحرام والواجب والمندوب ليفعل أو يترك في جميع المجالات من جميع الفئات وهذا كله جاء نتيجة لدور العلماء والدعاة والمربين وأثرهم على الناس بل نرى إحياء السنن قولاً وفعلاً ونشر العلم في شباب الأمة وشيبها ونسائها بعد غياب بعضها أو ضعفها وإقبالهم على دين الله سؤالاً وتعلماً فلك اللهم الحمد والمنة.
ومما لاشك فيه أن في إجابتهم وتعليمهم عون للمفتي وطالب العلم على البحث والجمع والتأليف ومراجعة العلم ومدارسته مع العلماء وتزكيته وتبليغه.
في إجابتهم تجنيب للسائل عن الوقوع في الزلل والخلل وعبادة الله وفق شرع الله.
في إجابتهم كشف لكربة السائلين وتفريج لهمهم وقضاء لحوائجهم ونيل للأجر وبذل للمعروف وكل ذلك صدقة.
ولقد شاهدت من يلقي بنفسه على العالم فيقبّل رأسه ويده بحرارة بعد جوابه له وتفريج همه عنه.
لقد شاهدت من يبكي فرحاً بعد جواب العالم له وكأنما ولد من جديد.
لقد شاهدت من يحتضن زوجته ويقبّلها عند العالم وقد فقد شعوره لأنه أُفتي بعدم وقوع الطلاق.
لقد رأيت من أهدى أحد طلبة العلم سيارة فاخرة لأنه دخل صلحاً في مشكلة له.(1/1)
لقد رأيت من أصبح باراً وفياً لعالم وداعية لأنه كان سبباً في هدايته واستقامته وطلبه العلم.
لقد رأيت أسراً متهاجرة وقبائل متقاطعة جمع الله شملها بسبب عالم وداعية.
لقد رأينا شروراً دفعت ومنكرات رفعت وخيرات وقعت بسبب العلماء والدعاة بعد الله.
لقد رأينا أصحاب انحراف ومخدرات وضياع وقلق واضطراب كانت هدايتهم بسبب العلماء بعد الله.
لقد رأينا من حكم عليهم بالقتل فكان العلماء سبباً في رفع القتل عنهم بإقناع الورثة بالتنازل عنهم.
لقد رأينا وسمعنا كيف يلهج الناس للعلماء ومن أفتاهم بالدعوات، وعظيم الإجلال، والتقدير لهم.
لقد رأيت ورأيتم الكثير والكثير مما لا يسعه المقام.
وهكذا العلماء والدعاة؛ هم مصابيح الدجى وشمس الهدى، فلهم منا البر والوفاء والثناء والدعاء والتأدب معهم والذب عنهم وعدم الوقوع بهم والفري في أعراضهم واتهامهم بما هم منه براء كبراءة الذئب من دم يوسف ( فلا ندع لحاقد وحاسد وعدو وكافر مجالاً للمزهم وهمزهم وإسقاطهم والتشكيك في دعوتهم وعلمهم ولنعلم أن العصمة من الخطأ لله وللأنبياء & والعلماء بشر يعتريهم ما يعتري البشر من الخطأ والزلل فاللهم احفظ العلماء وثبتهم وأيدهم واغفر لميتهم إنك سميع الدعاء.
وعلى السائل والمستفتي ألا يتتبع الرخص فيسأل العلماء مراراً في المسألة الواحدة ليختار ما يحلو له وتهواه نفسه وقديماً قيل من تتبع رخص العلماء فقد تزندق وقد يسأل المستفتي من ظاهره الاستقامة وهو لا يعرفه أو لا يعرف أنه من طلبة العلم فيتساهل في ذلك كله ويظن بهذا أن ذمته قد برئت والله المستعان.
ما أسهل الناس في أمر دينهم وأشدهم في أمر دنياهم!؟
وأن يختار الأوقات المناسبة للاتصال للاستفتاء إلا إذا كان الأمر ضرورة لأنه وللأسف البعض يتصل بعد منتصف الليل أو قريباً منه أو وقت القيلولة لغير ضرورة.(1/2)
وعلى العالم وطالب العلم ألا يعيقه ذلك البهتان وألا يضجر من السؤال وكثرة السائلين وجفائهم فإن على من منَّ الله عليه بالعلم أن يجعل وقتاً ولو يسيراً في كل أسبوع يفتح هاتفه فيجيب السائلين لينال خيراً كثيراً وأجراً عظيماً بإذن رب العالمين ومع ذا فلابد أن يكون صبوراً رفيقاً حليماً فما كان الرفق في شيء إلا زانه، منبسطاً موجهاً داعياً لا مقتصراً على الجواب منتهزاً الفرصة في ذلك لذا.
أقدم هذا المختصر في أحكام السفر، جمعته من كتب أهل العلم، اقتصرت فيه على ما يحتاجه الناس غالباً في أسفارهم، ضمنته بعض الآداب والفوائد والأشعار والمسائل المعاصرة، جردته من التفريع والخلاف إلا في مواضع يسيرة، فيه ما يزيد على مائة وخمسين مسألة وأدب وتوجيه وتنبيه وخطأ وفائدة، والتزمت فيه منهج الاختصار، ذكرت ما ترجح لدى الشيخين العالمين الفقيهين: الشيخ أبي عبد الله عبد العزيز بن باز والشيخ أبي عبدالله محمد بن عثيمين أو أحدهما عليهم سوابغ الرحمة والغفران، ليس تعصبًا لهما أو ادعاء العصمة لهما إنما لما حظي علمهما من قبول في الأرض والصدق مع الله وتحريهما الدليل والقول الصحيح الموافق لسماحة الإسلام ومقاصد الشريعة وإظهاراً لعلمهما واختياراتهما.(1/3)
مع ترجيحات اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في كثير من المسائل، حاولت جاهداً أن يجد القارئ فيه بغيته وما قد يخطر بباله أو يسنح في خياله، فأرجو الله أن ينفع به من كتبه وقرأه ونظر فيه وأن يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، فيكون زادًا للمسافر، مذكِّراً للغافل، معلِّماً للجاهل، هداية للمبتدئ وبلغة للمقتصد، خفيف المحمل، سهل المتناول، مفيداً في الرحلات والأسفار، دافعاً للنقاش والتذاكر بين طلاب العلم في أسفارهم ومجالسهم حتى يحي العلم ويرسخ في الذهن وتُحقق المسائل، فالعلم يحيا بالتذاكر والفكرة والدرس والمناقشة وأشكر معالي الشيخ: صالح الحصين رئيس الحرمين الشريفين والشيخ عبد الرحمن العجلان رئيس محاكم القصيم سابقا والمدرس حالاً بالمسجد الحرام على قراءتهما الكتاب وغيرهما من طلبة العلم والدعاة.
فيا أيها الناظر فيه بعين الرضا: قد كتبته منذ أجل وكلي خوف ووجل، فأحسن بجامعه الظن وإن لم يكن من أهل هذا الفن، فاصفح عما به من زلل وصحح ما طغى به القلم، جعله الله مباركاً ونافعاً على الدوام وخالصاً لوجهه الكريم(1).
الباع مني قصير
إن رمت نظماً تأبّى
أو رمت نثراً بديعاً
غدا على الطبع صعبا
والحمد لله حمداً
يفوق في العد تُربا
ثم الصلاة على من
دنا من الله قربا
والآل والصحب طراً
ومن لهم قد أحبّا
ما أنشا الله سحباً
وأنبت الله حبّا
آمين آمين ربي
إني رضيتك ربّا
* * *
ياعاشق الترحال والأسفار
أنخ المطية واستمع أخباري
إن كنت في سفر فكل مسافر
يحتاج زاداً بلغة للدار
والزاد علم قد جمعت أصوله
آي الكتاب وسنة المختار
وجمعت فيه فوائداً وفرائداً
ومسائلاً غابت عن الأنظار
وذكرت في الترجيح قول أئمة
هم في الظلام كواكب ودراري
ودراري
وهما ابن باز والعثيمين وقد
شدّا رحالهما إلى الغفار
سارا إلى الرحمن سيرة عاشق
والعشق يعذب شقوة المشوار
يا ليتني أخطو بدربهم خطى
لأنال رفقتهم بدار قرار
والله أسأل أن يكون كنجمة(1/4)
وسط السماء هداية للساري
أقدم هذا المختصر في طبعته الثانية بعد نفاد الأولى بزيادة عما سبق والعلم يتجدد بتجدد الأحوال والأزمان، شاكرًا كل من أفاد وأجاد وأضاف وزاد، سائلاً الله أن يكون من خير الزاد في الحياة وبعد الممات ومن الباقيات الصالحات ليوم تعز في الحسنات وأن يعفو عما فيه من الزلات والهفوات.
فأقول والله خير معين:
فسهّل يا إلهي كل صعب
فمن غير الرؤوف لنا يسهل
* السفر موطن يستوجب التأمل والتفكر والاعتبار في ملكوت الله في جو أو بر أو بحر.
* السفر يستوجب التفكر في النفس ومحاسبتها والوقوف معها وحل مشكلاتها وإعدادها.
* السفر يستوجب تذكر السفر للدار الآخرة، فمن دار إلى دار حتى نصل دار القرار، إما نعيم وإما نار، أجارنا الله وإياك من النار وبئس القرار.
* السفر موطن للتفكر في نعمة الأمن في هذه البلاد.
* السفر موطن للتفكير في إعداد المشاريع العلمية والدعوية والدنيوية.
* السفر موطن للنشاط في العبادة والجد والعمل وطرد الملل واعتياد الخشونة والبعد عن الترف.
* السفر موطن للترويح عن النفس وتغيير المزاج ومن ثَمَّ العود للاجتهاد والنشاط.
* السفر ليس موطناً للهو واللعب فقط.
* السفر ليس موطناً للتبرج والسفور.
* السفر عبادة وسياحة، صلة للأرحام وزيارة للإخوان.
* السفر للبلد الحرام رحلة إيمانية ودورة تربوية للنفس والسلوك.
* السفر موطن للتعرف على البلدان وحضاراتها ولهجاتها وأنسابها وأخلاقها وطباعها وعلومها وأعلامها.
* السفر موطن لتربية النفس على الصبر والتجلد والبعد عن كثير من الكماليات.
* السفر موطن لاكتشاف النفوس وتحملها وقدراتها ومعدنها وهذه للآباء والمربين.
* السفر رياضة قلبية ومتعة بدنية، يوصي بها الأطباء لمن ثقلت عليه نفسه وأطبقت عليه الهموم والأحزان وعلاج ناجع لأصحاب الأمراض النفسية.
لا يُصلح النفس إن كانت مولية
إلا التنقل من حال إلى حال(1/5)
كان بشر يقول: سيحوا تطيبوا فإن الماء إذا ساح طاب وإذا طال مقامه في موضع تغير.
تنقل فلذات الهوى في التنقل
ورد كل صاف لا تقف عند منهل
ففي الأرض أحباب وفيها منهل
فلا تبك من ذكرى حبيب ومنزل
* * *
إذا ما ضاق صدرك من بلاد
ترحل طالباً أرضاً سواها
عجبت لمن يقيم بدار ذل
وأرض الله واسعة فضاها
فذاك من الرجال قليل عقل
بليد ليس يعلم ما طحاها
فنفسك فر بها إن خفت ضيماً
ضيما
وخل الدار تنعى من بناها
فإنك واجد أرضاً بأرض
ونفسك لم تجد نفساً سواها
ومن كانت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سِواها
سواها
* عن أبي هريرة ( قال: قال رسول الله (: (أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته ـ أي طريقه ـ ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك من نعمة تربها عليه. قال: لا. غير أني أحببته في الله قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) رواه مسلم.
وعنه قال رسول الله: (من زار مريضاً أو عاد أخاً له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا) رواه الترمذي وحسنه الألباني. إنها فضائل لطالما نسيت!!
همم حتى في السفر:
فهذا ابن القيم ~ كتب زاد المعاد في ستة مجلدات كبار في سفره للحج وكتب البخاري التاريخ الكبير في روضة مسجد رسول الله ( وطاف الإمام أحمد الدنيا مرتين حتى جمع المسند وهذا ابن منده المحدث خرج من بلده في طلب العلم وهو ابن عشرين فرجع إليها وهو ابن ستين وكتب الحافظ ابن حجر النخبة وهو في سفره، قال الصنعاني ~ في نظم قصب السكر:
وبعد فالنخبة في علم الأثر
مختصر يا حبذا من مختصر
ألّفها الحافظ في حال السفر
وهوالشهاب ابن علي بن حجر
وكانت كثيراً من المؤلفات والمشروعات بدايتها فكرة طرأت في السفر أو موقف أو حدث أو ردة فعل أو سؤال كان في السفر.
كان سفيان كثيراً ما ينشد:
إذا المرء كانت له فكرة
ففي كل شيء له عبرة(1/6)
* حال سماحة الشيخ ابن باز ~ في سفره:
جاء في كتاب جوانب من سيرة الإمام ابن باز للحمد برواية الشيخ محمد الموسى مدير مكتب بيت الشيخ ابن باز وقد لازم الشيخ قرابة ستة عشر عاماً، وهو أفضل كتاب تحدث عن سيرة الإمام يحتاجه العالم والقاضي، الشيخ والداعية ورجل الحسبة، الأب والمربي والطالب، الرئيس والمرؤوس، الأمير والوزير، الذكر والأنثى، الصغير والكبير فهو كتاب ماتع رائع نافع سهل المنهل عذب المورد فما أن يبدأ به الإنسان لا يكاد يفارقه حتى يغلبه صلاة أو نوم، فما أن يقرأه إلا ويجد عبراته تنهمر على خديه ووجنتيه ويدعو للشيخ بالرحمة والغفران ومجازاته خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين، ويشعر بالنقص والتقصير ويزداد بذلاً ونشاطًا وجداً واجتهاداً، علماً وعبادة ودعوة وصبراً وتواضعاً، حقاً إنه فقيد الأمة، حقاً إنه بقية السلف، حقًا لم نعرفه حقاً حتى فقدناه..
جاء فيه: إن سماحة الشيخ يلزم الاعتدال في حال سفره وحضره، فلا يظهر عليه القلق أو كثرة الاهتمام، إذا جاء موعد السفر خرج سماحته متأنياً مطمئناً، مهللاً؛ مسبحاً، مستغفراً.
فإذا استقل السيارة أو الطائرة دعا بدعاء السفر، ثم التفت إلى من بجانبه من المرافقين وقال: ماذا معك؟ فيبدأ بقراءة الصحف وبعض الكتب والمعاملات، لأن سماحة الشيخ لا يركب سيارة أو طائرة إلا ومعه كاتب أو كتاب يعرضون عليه ما تيسر من المعاملات أو الكتب أو غيرها.(1/7)
فإذا كان يريد السفر ـ على الطائرة ـ على سبيل المثال ـ، فإنه فور ركوبه السيارة التي ستوصله إلى المطار يبدأ بسماع ما يعرض عليه حتى يصل إلى المطار، فإذا وصل إلى المطار وبقى موعد إقلاع الطائرة وقت ولو كان يسيراً جلس بجانبه كاتب أو كاتبان ومعهم الكثير من المعاملات يقرآنها على سماحته، فإذا جاء وقت صعود الطائرة وأخذ مكانه في الطائرة استأنف سماع القراءة، وعرض المعاملات حتى يصل إلى البلد الذي يريد السفر إليه سواء كان الرياض أو الطائف، ثم إن سماحة الشيخ يلزم السكينة في سفره؛ فلا يضيق ولا يضجر ولا يكدر على من معه حتى إنه ربما مكث في الطائرة أكثر من ساعة ينتظر بعض من معه ممن قد يتأخرون لعارض أو غيره عن موعد الإقلاع في الطائرة الخاصة التي تقل سماحته، ومع ذلك لا ترى على سماحته أي تكدر أو تغير بل بواصل سماع ما يعرض عليه حتى يصل من تأخر، وإذا وصل لم يبادره الشيخ بعتاب أو نحوه بل لا يسأله عن سبب تأخره البتة.
ثم إذا وصل إلى مطار البلد المسافر إليه نزل بسكينة ونصلي إن كان وقت صلاة، وإذا كان ليس بصحبته أهله فإنه يتصل بهم ويسلم عليهم فور وصوله ويخبرهم بأنه قد وصل بالسلامة.
وفي إحدى الأسفار كنا قادمين من الطائف للرياض فصلى بنا الظهر بالمطار ومن ثم ركبنا السيارة فالتفت وقال ما عندكم؟ فشرعنا نقرأ عليه حتى وصلنا منزله فأخذ مكانه بالمجلس وسلم على من ينتظره من الأبناء والأقارب وطلبة العلم والمحبين، وبعد ذلك مد يده إلى سماعة الهاتف ليتأكد هل هو يستقبل المكالمات؟ فإن كان مغلقاً قال: افتحوه لكي يستقبل أسئلة الناس، وكل هذا قبل الدخول لمنزله وهذا دأبه في السفر.. أهـ. ولنا وقفة أخرى مع جانب من سفره بإذن الله.
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم
بعد الممات جمال الكتب والسير(1/8)
وإذا أردنا الوقوف مع هذا الإمام في هذا الجزء من حياته لوجدنا الكثير من الفوائد والآداب والأخلاق والجد والمثابرة، وهذا في سفره العام أما في سفره للحج ورمضان فلا يكاد يوصف من الجد والبذل فلنستق منها الدروس والعبر، اللهم فاغفر له وارحمه وارفع درجته في المهديين، واجعله مع النبيين والصديقين.
ونسألك اللهم الهمة العالية، والعزيمة الماضية، والنفس الصادقة، والنية الخالصة، واغتنام الأوقات، والثبات حتى الممات.
إن قلّّ نفعك في أرض حللت بها
سافر لتدرك قصداً أم ترى أملا
فالبيض لو لازمت أغمادها تلفت
والشمس لو لم تسر ما حلت الحملا
* * *
وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة
وخشيت فيها أن يضيق المكسب
فارحل فأرض الله واسعة الفضا
طولاً وعرضاً شرقها والمغرب
وجماع ذلك:
تغرب عن الأوطان تكتسب العلى
العلى
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
فإن قيل: في الأسفار ذل وخسة
وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته
بدار هوان بين واش وحاسد
ولكن ظهرت فئة أفراداً وجماعات أرادوا أن يركبوا السفر لغير ذاك.
لقد فسد وأفسد من ظن السفر للسياحة في الأرض لهواً وفساداً وخروجاً عن أوامر رب العباد.!!
لقد ضل وأضل من ظن السفر للسياحة في الأرض تبرجاً وسفوراً وغناء ومزامير.!!
لقد زل وأزل من ظن السفر للسياحة في الأرض حرية لا تخضع لشرع أو نظام.!!
إن الأمة المسلمة المؤمنة تريد سياحة للهو المباح المنضبط بأوامر الشرع.
تريد سياحة تكسب الثقافة والمعرفة.
تريد سياحة تكسب النفس الطمأنينة والراحة، ورضا الرب (.
تريد سياحة تكسب الجيل والشباب الانضباط والأخلاق والآداب، لا التمرد والتسيب والضياع.(1/9)
ولقد ظهرت بوادر رائعة رائدة متميزة نافعة جادة في أنشطة ومخيمات لمشاريع سياحية يتخللها الجانب التوجيهي والترفيهي والدعوي في قدرة على التكيف مع جميع الفئات والأحوال وفق الضوابط الشرعية، وهذا ما أغاظ البعض حينما رموها بالاتهامات الكاذبة وقد أظهرت الألسن ما أخفته القلوب في قالب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.
يُرى ناصحاً فيما بدا فإذا خلا
فذلك سكين على الحلق حاذق
فيا أبطال أمتنا: واصلوا المسير دون عجز أو كلل أو ملل بل في قوة وهمة وصبر وثبات، في وحدة وائتلاف والبعد البعد عن الخلاف فهو شر وهلاك وتعطيل وخسران، وضياع للجهود وفتح فرص للأطراف الأخرى لنشر الإرهاب بجميع صوره، وأطيافه فالميدان ميدان تنافس وكل حزب بما لديهم فرحون.
والحق ممتحن ومنصور فلا
تجزع فهذي سنة الرحمن
إن ذلك الإقبال على تلك المشاريع السياحية النقية من المحرمات من الصغير والكبير، والرئيس والمرؤوس، والوزير والأمير، والعالم والقاضي لهي أكبر دليل على نجاحها وصلاح المجتمع وإقباله على الفضيلة، وكراهته للرذيلة، وبراءتها من الإرهاب وأهله، بل عالجت الإرهاب بجميع صوره وأشكاله فكري وأخلاقي واجتماعي وأُسري، والواقع خير شاهد ولا ينكر المحسوس إلا مكابر أو ممسوس فكانت بداية مشرقة لقوافل التائبين وحين الاتهام البينة على المدعي والحكم على الشيء فرع عن تصوره ولو يعطى الناس بدعواهم لا ادعى أناس دماء آخرين وأموالهم ولكن البينة على المدعي، والتثبت التثبت قبل إصدار الأحكام يا أولي الألباب.
إن المشاركين بالتوجيه في تلك البرامج والمخيمات هم كبار العلماء والقضاة والدعاة وأساتذة الجامعات وأعضاء مجلس الشورى أيكون هؤلاء دعاة للإرهاب!؟ فجزى الله كل مسئول وكل مشارك وحاضر ومحفز ومؤيد وناصر ومشرف وموجه وداعم وعامل وباذل خير الجزاء والإحسان، ولهم منا ومن كل مسلم ومسلمة تحية إجلال وإكبار وشكر وتقدير ودعاء ووفاء.(1/10)
ودعوتي ونصيحتي لدعاة الغناء والسياحة المحرمة ألا يكونوا دعاة على أبواب جهنم بل يكونوا دعاة على أبواب الجنة والموعد الله ولا يهووا بأخلاق الأمة إلى الحضيض ويركبوا بها مركب الضياع، وعلى الأمة وخاصة الشباب هجر تلك المواطن ومقاطعتها، وعلى العلماء وأصحاب الكلمة نصح القائمين عليها وألا يشذ أصحابها على ما قامت به هذه البلاد والولاة على الشريعة الغراء والمحجة البيضاء وإلى الله المشتكى.
تنبيهات قبل البدء بالسفر:
* حاول أن تحدد أهداف الرحلة و السفر الأساسية والجانبية ووضع خطة لذلك.
* حاول أن تكتب كل ما تحتاج حمله في سفرك من أغراض وكتب وبحوث وصور معاملات فقد ينشرح صدرك وتجد حلاً لما أشكل فيها وتجهزها قبل السفر بزمن فقد تنسى بعض المستلزمات إذا كان إعدادك متأخراً فيختل كثير من برنامجك وقد تضطر للرجوع في منتصف الطريق أو قطع السفر.
* حاول أن تجتمع بأفراد عائلتك أو من يريد السفر معك للاتفاق لتوزيع المهام، وكتابة ما يحتاج، وخطة السير، وحاول أن تتفقد سيارتك.
* حاول أن تتصل بمن تريد زيارتهم في سفرك وتحدد مواعيد الزيارة ولذلك فوائد كثيرة لا يسع المقام ذكرها.
وبعد هذه المقدمة حان البدء للشروع في الأحكام.(1/11)
أولاً: الضابط في السفر الذي يترخص فيه: كل ما أعده الناس سفراً فهو سفر، سواء طالت المسافة أم قصرت، طال الوقت أم قصر والعبرة في ذلك العرف العام، والغالب عند الناس وتقييده بالزمن أو العمل أو المسافة قول ضعفه المحققون من أهل العلم كابن قدامه وابن تيمية وابن القيم والسعدي وابن عثيمين رحمهم الله، وهذا يشمل البر والبحر وذلك لعدم الدليل على التحديد، وكل ما ورد في ذلك فهو إما حديث ضعيف أو غير صريح في التحديد، وإنما كان موافقة من النبي عليه الصلاة والسلام ولم يقصد التحديد بالزمن أو المسافة ولأن الناس ليسوا كلهم يدركون مقدار المسافات ولأن أدلة السفر مطلقة في الترخص، لم تقيده بأي قيد قال تعالى: ( ((((((( (((((((((( ((( (((((((( (((((((( (((((((((( ((((((( ((( ((((((((((( (((( ((((((((((( (.(2)
مسألة: إذا شك الإنسان في المسافة التي تجاوزها، هل تعتبر مسافة سفر عرفاً وهل يعتبر بها مسافراً أو مقيماً؟ فيقال: يعتبر مقيماً، فلا يترخص لا بقصر ولا فطر ولا غيره احتياطاً وبراءة للذمة والاحتياط في مسائل الشك من تمام الديانة والأصل أن الإنسان مقيم فيستصحب الحال الأصلية له وهي الإقامة ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~(3).(1/12)
ثانياً: بداية أحكام السفر: إذا فارق الإنسان بنيان بلده ترخص، وإذا ولي البنيان مزارع وبساتين لا يسكنها أهلها طوال العام فلا عبرة بها لأن العبرة بما أعد للسكن، وأما التي تسكن في بعض الأحيان وكذا البيوت الخربة فلا يشترط مجاوزتها لأنه لا عبرة بها، فالترخص يكون بمجاوزة البنيان المسكون طيلة العام، وأما المصانع والشركات فإنه لا يعتد بها إلا إذا وجد فيها مقر سكن للعمال وغيرهم، والمقصود بالبنيان الظاهر والواضح على الطريق أما لو كان مخفياً مثلاً وراء الجبال وليس محاذياً للطريق فلا عبرة به وكل ما ينسب للبلد فهو منه. قال الشيخ ابن عثيمين ~: والعبرة بالمفارقة البدنية ـ للبنيان ـ لا البصرية أي لا يشترط في المفارقة ألا ترى المنازل بل تكفي المفارقة بالبدن(4)، وورد في البخاري خرج علي ( فقصر الصلاة وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال: لا، حتى ندخلها، قال ابن حجر: وعند البيهقي: (حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة قالوا يا أمير المؤمنين هذه الكوفة أتم الصلاة قال: لا، حتى ندخلها) فتح الباري 2/663.
* مسائل في تقطع البنيان وتجاور البلدان:
الأولى: إذا كان البنيان كله تابع للبلد وينسب له، فإذا كان الانقطاع بين البنيان يسيراً أو كبيراً فإن الترخص يبدأ بمفارقة آخر بنيان للبلد لأن الحكم للخروج من البلد وهذا ظاهر فعل الرسول ( وصحابته.
الثانية: إذا كانت البلد بجوارها بلداً آخر سواء كانت متصلة بها أو كان الانقطاع بينهما يسيراً فيكون الترخص من مفارقته مدينته ورجحه الإمام النووي والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله.(5)
ثالثاً: أقسام الناس من حيث الاستيطان والسفر والإقامة.
أ - استيطان الإنسان بلده الأصلي فمثلاً الرسول ( وطنه الأصلي مكة وسكنها في بداية حياته.
حكمه: إذا خرج منه وفي نيته العودة إليه ولم يتخذ وطناً غيره فإن حكمه حكم المسافر.(1/13)
ب - استيطان الإنسان بلدًا غير بلده الأصلي واتخاذه بلدًا له وليس من قصده الارتحال عنه فمثلاً الرسول ( هاجر من مكة إلى المدينة واتخذ المدينة وطناً له.
حكمه: حكم وطنه الأصلي فإذا خرج منه كان مسافراً، فإذا رجع لوطنه الأصلي للزيارة وغيرها، وليس قصده الاستيطان فيه فحكمه حكم المسافر كالرسول ( عندما خرج من مكة واستوطن المدينة إذا رجع إلى مكة كان مسافراً.
ح ـ من سافر بلداً ونوى الإقامة به مطلقاً فهذا حكمه حكم المستوطن.
د ـ مسافر أجبر على الإقامة يقصر الصلاة كالأسير وغيره.
هـ ـ المسافر على الطريق وهذا يقصر الصلاة اتفاقاً.
و ـ إذا دخل المسافر بلده ولو ليوم واحد لحاجة أو مرور ثم أراد السفر مرة أخرى فإنه يتم لأنه دخل بلده.
ز ـ أصحاب السفر الدائم كسائقي سيارات الأجرة وملاحي الطائرات والسفن:
1- إن كان معهم أهلهم في تنقلهم فتعتبر مراكبهم أوطانهم، فلا يترخصون بأحكام السفر لأنهم غير مسافرين.
2- إن كان لهم أهل ولكنهم لا يحملونهم فلهم الترخص بأحكام السفر فيقصرون الصلاة وأما صيام رمضان إن كان يشق عليهم أثناء السفر فإنهم يفطرونه ويقضونه في أيام الشتاء لأنها أيام قصيرة وباردة، وأما إذا قدموا بلدهم في رمضان فإنه يلزمهم الصوم ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~.(6)
ح ـ إذا سافر الإنسان وفي الطريق أراد الرجوع إلى بلده لحاجة وغيرها فإنه يقصر ما لم يدخل البلد.(7)(1/14)
ط ـ من سافر لبلد للعمل أو الدراسة وغيرها سواء مقيد سفره بزمن أو عمل فهذه محل خلاف قيل حكمه حكم المسافر في قصر الصلاة إلا إذا ائتم بمتم، وعليه حضور الجماعة في المسجد، وله المسح على الخفين، والجمع عند المشقة، والصوم في حقه أفضل إن لم يشق عليه، ولا ينبغي أن يؤخر القضاء إلى رمضان آخر لأن ذلك يوجب تراكم الشهور فيثقل القضاء عليه أو يعجز عنه ورجحه شيخ الإسلام وابن القيم وابن سعدي وابن عثيمين ـ رحمهم الله ـ والدليل أن الإقامة غير محددة في الشرع لا بزمن ولا عمل وما ورد فيها إما دليل صريح غير صحيح أو صحيح غير صريح، والناس في الشرع إما مسافر أو مستوطن(8) وقيل إن نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فيتم ورجحه ابن باز قال: وهو الأحوط وهذه المسألة من المسائل الكبار.
ي ـ إذا سافر الإنسان إلى بلد وأقام فيها لحاجة لا يدري متى تنقضي جاز له القصر والترخص بأحكام السفر، سواء طالت المدة أم قصرت بل حكى شيخ الإسلام ~ الاتفاق على ذلك ورجحه الشيخان ـ رحمهم الله ـ.(9)
ك ـ من له دار في وطنه الأصلي ودار في البلد الذي انتقل إليه وتأهل واستقر فيه إذا انتقل إلى وطنه الأصلي للإقامة في الإجازات والأعياد وغيرها فإنه يقصر لأنه يعتبر مسافراً وتملك الدار ليس موجباً للإتمام على الصحيح كما هو مذهب الجمهور(10).
ل ـ إذا استقر الإنسان في بلد وعزم على الإقامة فيه ثم رجع إلى وطن والديه لزيارتهما وغير ذلك فإنه يترخص بأحكام السفر في مقر إقامة والديه ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~ (11).
م ـ من سافر مسافة تعتبر سفراً ولو ليوم واحد ثم رجع إلى بلده فإنه يقصر مادام يعد مسافرًا عرفًا كمن سافر من الرياض إلى مكة ورجع من يومه ورجحه الشيخان ـ رحمهم الله ـ وورد عند ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي ( أنه خرج إلى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه، فقال: أردت أن أعلمكم سنة نبيكم ((12).(1/15)
ن ـ من يتردد يومياً مسافة قصر كبعض العاملين والمدرسين والدارسين لا يقصر ويجوز الجمع عند المشقة بلا قصر لحديث ابن عباس (: (أن الرسول( جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر فسئل ابن عباس عن ذلك فقال: أراد ألا يحرج أمته) رواه مسلم، وفي رواية له: (ولا سفر) والجمع أخف من القصر ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~ احتياطاً وبراءة للذمة(13) وقال ابن باز: له القصر في مكان عمله وفي الطريق وأما إذا وصل بلده فلا يقصر( كتاب لقاءاتي مع الشيخين للطيار 1/101).
س ـ من يقطع مسافة قصر للعمل أو الدراسة ويجلس أيام الدوام والعمل ثم يرجع إلى بلده في عطلة الأسبوع فإنه يقصر في بلد العمل لكن يجب عليه حضور الجماعة في المسجد ويتم إذا رجع إلى بلد إقامته ووطنه الأصلي ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~(14).
رابعاً: الآداب.
* حكم استئذان الوالدين في السفر له حالات:
1- السفر للحج الواجب محل خلاف وسببه هل الحج على الفور أو التراخي؟ والصحيح أنه لا تجب طاعتهما لو منعاه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولأن الحج واجب على الفور على الصحيح، أما النافلة فيجب طاعتهما لو منعاه لأن طاعتهما واجبة وهنا نافلة.
2- السفر للعلم الواجب ولا يوجد تحصيله في بلده فلا يجب طاعتهما حين المنع، وأما النافلة والفرض الكفائي إن كان لا يوجد في بلده أو ممن تحتاجه الأمة لتعلمه وقدرته ونبوغه على تحصيله فلا يشترط إذنهما لقوله تعالى: ( (((((((( (((((( ((( ((((( (((((((( ((((((((( (((((((((( (((((((((((((((( ((( ((((((((( (((((((((((((( (((((((((( ((((( (((((((((( (((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((15).
3- السفر للتجارة: إن كان لدفع حاجات نفسه أو أهله بحيث لو تركه تأذى بتركه كان له مخالفتهما للحديث المشهور: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في غاية المرام، وإن أراد به تكثراً فلابد من الإذن.(1/16)
4- السفر للجهاد: إذا توفرت شروط الجهاد في البلد الذي وقع فيه القتال وقرر العلماء ذلك فإنه لابد من الإذن نص حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: (جاء رجل إلى رسول الله ( فاستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك؟ قال نعم قال ففيهما فجاهد) رواه البخاري وعند أبي داود ( ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما ) قال ابن حجر قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية..أهـ. الفتح 6/163ورجحه الشيخان، والمسألة هنا لها تفريعات مظانها في كتب أهل العلم ـ رحمهم الله ـ.
5- السفر المباح: يشترط إذنهما. وهذا التقسيم ذكره جمع من العلماء كابن حجر والقرافي والطرطوشي وابن علان وابن الشاط(16).
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتبعه ابن عثيمين الذي يعد امتداداً لمدرسة شيخ الإسلام إلى أن الضابط في ذلك يعود إلى المنفعة والضرر وحاصل كلامهم وتخريجاً عليه لا يخلو من حالات:
أ- إذا كان في سفره منفعة له ولا ضرر عليهما فلا يشترط إذنهما.
ب- إذا كان في سفره منفعة وفيه ضرر عليهما فيشترط الإذن.
ج- إذا كان في عدم سفره ضرر عليه وفي سفره ضرر عليهما فلا يخلو من أحوال:
- إذا كان ضرره أعظم فلا يشترط إذنهما وإذا كان ضررهما أعظم فلابد من إذنهما.
- إذا تساوى الضرران فيراعي كل مسألة بحسبها. ولا شك أن البر والعقوق درجات ( الممتع 8/16، الآداب الشرعية لابن مفلح 1/464).
* سئل شيخ الإسلام عن سفر من له أولاد:(1/17)
أجاب: أما سفر صاحب العيال فإن كان السفر يضر بعياله لم يسافر لقول الرسول (: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) رواه أبوداود، وسواء كان تضررهم لقلة النفقة أو لضعفهم وسفر مثل هذا حرام، وإن كانوا لا يتضررون بل يتألمون وتنقص أحوالهم فإن لم يكن في السفر فائدة جسيمة تربو على ثواب مقامه عندهم كعلم يخاف فواته وشيخ يتعين الاجتماع به وإلا فمقامه عندهم أفضل، وهذا لعمري إذا صحت نيته في السفر كان مشروعاً.
وأما إن كان كسفر كثير من الناس إنما يسافر قلقًا وتزجية للوقت فهذا مقامه يعبد الله في بيته خير بكل حال ويحتاج صاحب هذه الحال أن يستشير في خاصة نفسه رجلاً عالماً بحاله وبما يصلحه مأمونا على ذلك فإن أحوال الناس تختلف في مثل هذا اختلافاً متبايناً. ( الفتاوى 28/28)
وعن الخلال قال: سمعت أبا عبد الله أي الإمام أحمد عن حديث: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) قال الرجل يكون له قرابة فيسافر ويتركهم فإذا تركهم وحدهم أليس يضيعون وليس لهم أحد إلا هو؟ قلت نعم. قال: هذا معناه وسئل أخرى عن رجل خرج للكوفة ومن ثم سيذهب للحج وقد حج وخلف عيالاً يخشى أن يضيعوا فذكر الحديث..وفي رواية: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول) رواه النسائي وابن حبان والحاكم، (الحث على التجارة والصناعة للخلال1/80).
* يستحب للمسافر أن يكتب وصيته قبل سفره وإن كانت عليه حقوق فيجب ذلك لحديث ابن عمر في وجوب كتابة الوصية المشهور لمن له أو عليه حق في صحيح مسلم ولأن التعرض للآفات في السفر أكثر مما هو في الحضر.
* يستحب أن يودع أهله ومشايخه وأصحابه: ورد في الحديث عن أبي هريرة ( قال: ( فأتينا رسول الله ( نودعه حين أردنا الخروج ) رواه البخاري، قال ابن حجر: "وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده وتوديع أصحابه له" وهو نوع من الوفاء ويشتكي الكثير من أزمة الوفاء في هذه الأزمان ( الفتح 6/175).(1/18)
* يستحب توديع المسافر أهله وأصحابه: بقوله: (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه)(17) ويردون عليه: (نستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك)(18) ويقال كذلك: (زودك الله التقوى وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيث كنت) وكلها صحيحة(19). والحكمة من قولهم نستودع الله دينك..: لأن السفر مظنة للتقصير والتساهل في أمور الدين بسبب المشقة، وعدم الرقيب من البشر، والبعد عنهم فكان الدعاء بذلك مناسباً للحال(20).
- قال ابن عبد البر: إذا خرج أحدكم إلى سفر فليودع أخوانه فإن الله جاعل في دعائهم بركة (الآداب الشرعية لابن مفلح 1/450).
* يستحب السفر يوم الخميس: لحديث: ( أن رسول ( كان يحب أن يخرج يوم الخميس) رواه البخاري، ويجوز السفر في سائر الأيام عدا الجمعة ويأتي التفصيل فيه، ولا يجوز التشاؤم من السفر في أي يوم من الأيام فإذا عزم الإنسان على السفر في أي وقت فليفعل.
فرع: عن علي ( قال: ( لا تسافروا في المحاق ) المحاق: اليوم التاسع والعشرين والثلاثين. وأنكر ابن حجر ذلك ونسبته لعلي ( (لسان الميزان 4/324عمدة القاري 14/218).
* يستحب عند خروجه من منزله أن يصلي ركعتين: لقوله (: (ما خلَّف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما حين يريد سفراً)(21)حديث حسن وورد ذلك عن ابن عمر وعلي { ورجحه ابن حجر (شرح الأذكار لابن علان 3/107).
خطأ: يظن البعض أنه يستحب التصدق قبل الخروج إلى السفر وهذا ليس عليه دليل.
خطأ: يقرأ بعض الناس عند توديع المسافر سورة الفاتحة وهذه من البدع التي ليس عليها دليل.
* من السنة وضع مسئول لميزانية السفر: ورد في الحديث (إذا اجتمع القوم في السفر فليجمعوا نفقاتهم عند أحدهم فإنه أطيب لنفوسهم وأحسن لأخلاقهم) رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول.
قال ابن عبد البر: "وهو سنة" ولاشك أن في ذلك رفع للحرج والكلفة والمنة واستمرار الألفة ( الاستذكار 8/372).(1/19)
* النهي عن أن تصحب الرفقة كلب أو جرس: لحديث (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس) رواه مسلم، قيد بعض أهل العلم هذا بما علق على البهيمة ولا دليل على التقييد بل الرواية مطلقة والأخرى تدل على العموم ( الجرس مزامير الشياطين ) رواها مسلم.
* هل نخرج على ذلك مسألة الجرس في السيارة جرس السرعة أو الباب فتدخل في النهي؟ نعم تدخل ولكن يقال بالجواز للحاجة والمصلحة ودرء المفسدة، وعند الفقهاء الكراهة تزول عند الحاجة وأما إذا كان لغير حاجة فيكره. وهل النهي للكراهة أم التحريم؟ محل خلاف.
قال أبو عمرو ابن الصلاح: "فإن وقع شيء من ذلك من جهة غيره فليقل: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء فلا تحرمني ثمرة صحبة ملائكتك وبركتهم" وهذا لا يقال على وجه التوقيف والنص الشرعي (المجموع 4/19). ولا شك أعظم من ذلك الموسيقى والغناء وورد عند أبي داود والطبراني: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر) وحسنه الألباني في الجامع برقم 7344.
قال في عون المعبود: يكره اتخاذ جلود النمور واستصحابها في السفر.. وورد عند النسائي وأحمد برواية (الجلجل) وصححه الألباني في الجامع برقم 7343، والمراد الجرس الصغير.
- الحكمة من النهي: عدم إيذاء الملائكة والمراد بهم ملائكة الاستغفار والرحمة لا الحفظة.
- حمل الكلب في الرفقة للحراسة جائز لحديث مسلم(إلا كلب ماشية أوصيد أو زرع) وما عداه لا يجوز.
- لو سافر لوحده ومعه كلب شمله الحكم كذلك لأن القيد بالرفقة أغلبي ولقد شاهدنا من المسلمين من يقلد الكافرين فيصحب كلبه معه في سفره مباهاة وتقليدًا للكفار وقد جمع السوءتين والله المستعان ( فيض القدير 6/405، الديباج شرح مسلم 5/153،عون المعبود 11/26، فتح الباري 6/142).(1/20)
* طرفة: قال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول لأبي زرعة: حفظ الله أخانا صالح بن محمد لا يزال يضحكنا شاهداً وغائباً، كتب إلي يذكر أنه مات محمد بن يحي الهذلي وجلس للتحديث شيخ يعرف بمحمس فحدث أن الرسول قال: يا أبا عمير ما فعل البعير ولا تصحب الملائكة رفقة فيها خرس فأحسن الله عزاكم في الماضي وآجركم في الباقي. حيث حدث تصحيف النغير والخرس (معرفة علوم الحديث 1/146).
* التأمير في السفر وتحته مسائل:
هذا المبحث لم أجد أحداً من أهل العلم أفرده بالكلام أو تكلم عنه حسب بحثي وجهدي القاصر وغاية ما وجدت حكمه وإشارات يسيرة جداً وهي مسألة الناس فيها بين إفراط وتفريط وإحياء هذه السنة هو نتيجة لما يشاهده العالم الإسلامي من إقبال الجميع على الدين والشباب على العلم وتطبيق السنة.
* حكمه: محل خلاف قيل بالوجوب ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والغزالي وابن عثيمين لحديث: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم) رواه أحمد، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) رواه أبو داود والبزار والطبراني وأبوداود وابن خزيمة والبيهقي وصححه الحاكم والشوكاني والألباني، وفي رواية له قال: نافع فقلنا لأبي سلمة فأنت أميرنا ) وانظر إلى سرعة امتثال الصحابة وحرصهم على التطبيق وقيل بالاستحباب. ورجحه النووي في مجموعه وقال ابن باز يشرع ذلك.
قال شيخ الإسلام لما ذكر الأدلة السابقة والولاية العامة: ولهذا كانت الولاية لمن يتخذها ديناً يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب بحسب الإمكان من أفضل الأعمال الصالحة. ( الجامع رقم 500، نيل الأوطار 8/709 الفتاوى 28/390،65، الإحياء 2/337، خطب ابن عثيمين في موقعه على الانترنت ).
* صفاته: أن يكون أعلمهم وأحكمهم، وأن يكون ذكراً لا أنثى، لحديث: ( لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) رواه البخاري. وهذا لفظ عام في الولاية يندرج تحتها جميع أفراد العموم.(1/21)
* فائدة التأمير: ليسلم الركب من التشتت والفوضى والاختلاف، وأن يقودهم الأمير لما فيه الخير والصلاح والنفع لهم وترتيب أمرهم.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا
وهذا يدلنا على أن الإسلام دين تنظيم لا كما يزعم الغرب بأن إسلامنا فوضى.
* طريقة التأمير: حين التأمل في الحديث المذكور الظاهر من قوله: ( فليؤمروا ) وفعل نافع المتقدم أن التأمير يكون بالشورى والاختيار.
* بداية التأمير ونهايته: تكون من بداية السفر حتى نهايته لأنه مرتبط بالسفر والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
* شروط التأمير:
1- أن يكونوا في سفر للحديث ولا إمارة في المدن والقرى لأن لها أمير خاص بها من قبل ولي الأمر ولا يجوز التأمير في الحضر.
2- أن يكونوا ثلاثة فما فوق لمفهوم الحديث قال الشوكاني: يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدًا أن يؤمروا عليهم أحدهم. أهـ
والأمر شورى بين الاثنين وورد من فعل بعض السلف التأمير بين الاثنين.
* حكم طاعته: واجبة وإذا لم نقل بذلك لم يكن هناك فائدة من تأميره (شرح الأربعين النووية لابن عثيمين124،280)، ولعموم أدلة طاعة الأمير.
* ما هو الأمر الذي تجب طاعته فيه؟:(1/22)
قال ابن عثيمين: تجب طاعته في ما يتعلق بأمور السفر كإصلاح الطعام والنزول في مكان معين وغيره لا في كل شيء إلا أن الشيء الذي لا يتعلق بأمور السفر لا تجوز منابذته فيه أهـ. (المصدر السابق) والظاهر أن الولايات الخاصة ضابطها العرف كما قال شيخ الإسلام: عموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الأحوال والألفاظ والعرف وليس لذلك حد في الشرع(22)..أ.هـ وأما يفعله ويفهمه البعض له الطاعة المطلقة في المباحات والعبادات فليس بصحيح وطاعته تكون في المعروف، وأما أن يشق عليهم ويضرهم بما لا يطيقون فلا يجوز، ورد عن علي قال: (بعث النبي ( سرية فاستعمل عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب وقال: أليس أمركم النبي بطاعتي قالوا: بلى. قال: فاجمعوا لي حطباً فقال: أوقدوا ناراً، فأوقدوها فقال: ادخلوها فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضاً، يقولون فررنا إلى النبي من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ ذلك النبي فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف) رواه البخاري، وعند مسلم (وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء...).
وهذا وهو أي الأمير هنا ولاه الرسول ( فهو نائبه وفي أمر جهاد وأنكر الرسول ( ذلك الأمر عليه وعليهم فكيف بأمير السفر!؟ فيظن البعض أن أمير السفر له أن يأمرهم وينهاهم ويعاقبهم مطلقاً وتنسحب عليه صلاحيات صاحب الإمامة العظمى كأمير البلد ونحوه والله المستعان.
- لو اختلف الأمير مع الركب أو بعضهم بخصوص القبلة ليس لهم أن يطيعوه لأنه لا طاعة له هنا ولأن كلاً منهما يعتقد خلاف الآخر فلا يجوز أن يعمل بخلاف ما يعتقد وكذا سائر العبادات الفرض منها والنافلة.
- أيهم أحق بالإمامة في الصلاة الأمير أم الأقرأ؟
الظاهر الأقرأ قرآنا لحديث: (إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) رواه ابن حبان وصححه الألباني في سلسلته برقم 3979.
* مسئولية الأمير:(1/23)
* أن ينظر في مصلحة القوم في جميع شئون السفر وهذه وما بعدها مستقاة من عموم الأدلة والقواعد الشرعية.
* أن يكون متواضعاً مشاركًا لهم في الأعمال ورد في إحياء الغزالي: أن عبد الله المروزي صحبه أبوعلي الرباطي فقال: على أن تكون أنت الأمير أو أنا فقال: بل أنت فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولأبي علي على ظهره، فأمطرت السماء ذات ليلة فقام عبد الله طول الليل على رأس رفيقه وفي يده كساء يمنع عنه المطر فكلما قال له عبد الله لا تفعل يقول له: ألم تقل إن الإمارة مسلمة لي حتى قال أبو علي: وددت أني مت ولم أقل له أنت الأمير.
* أن يكون رفيقًا بهم وألا يشق عليهم.
* أن يشاورهم في الأمر لعموم أدلة الشورى وفضلها وفي مشاورتهم كسبهم وتطييب خاطرهم واكتشاف آرائهم وقدراتهم وتربية لهم على هذا الأمر العظيم، والوصول لأمثل الحلول في ما يحتاجون والقضاء على الفردية التي قتلت كثيرًا من الأمة وأعمالها.
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به
*
رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
* أن يتفقد حوائجهم ويساعدهم ويحث الركب على مساعدتهم وبث روح الإيثار بينهم والتفرس في أصحاب الحاجات عن أبي سعيد الخدري قال: ( بينما نحن مع رسول الله ( في سفر إذ جاء رجل على راحلته فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً فقال الرسول: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ) رواه مسلم.
* أن يوزع المهام والأعمال بينهم وأن يتفقدهم حين الصعود والنزول وأن يكون آخر الركب صعوداً وسيراً أو يوكل من يقوم بذلك لحديث جابر: ( كان رسول الله ( يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو له ) رواه أبو داود قال النووي بإسناد حسن، وكان عمر الفاروق يفعله يزجي أي يسوق الضعيف.
قصة:(1/24)
مجموعة شباب كانوا في سفر فنزلوا للصلاة ثم رحلوا وبعد أن مشوا فترة من الزمن فقدوا أحد الأشخاص فوجده رجال الأمن فأخذوه مسرعين حتى أدركوا رفقته في الخط وهذا تفريط من أمير الركب وكان حينها لم توجد هواتف الجوال.
* أب من الآباء كان مسافراً من إحدى المدن راجعاً إلى بلده ليلاً ومعه أولاده جميعهم نائمون في السيارة فأوقف سيارته ونزل لقضاء حاجته على حافة الطريق فاستيقظ أحد الأبناء ونزل ليقضي حاجته وكان عمره سبع سنوات أو تزيد قليلاً فجاء الأب وركب السيارة وواصل سفره فلما وصل بلده فجأة لم يجد واحداً منهم جن جنونه أين يبحث عنه؟ سأل أخوانه عنه لم يعلموا عنه شيئاً، كان بينهم نائماً، اتصل على الشرطة فأبلغهم الخبر.
أما الابن لما قضى حاجته رجع ليركب السيارة فلم يجدها بحث يمنة ويسرة، نادى بأعلى صوته فلا مجيب، بدأ يؤشر بيده، لا أحد يسمع له أو يتوقف لأجله، فالظلام حالك والجسم صغير لا يرى، من يفكر بحمله يخاف على نفسه، بدأ يسير على قدميه هائماً على وجهه، لا يدري أين يذهب! سقط من شدة التعب والإعياء والبكاء فنام، فما استيقظ إلا على حر الشمس فجاء حينها من ينقذه ويوصله لرجال الأمن والله المستعان والقصص في هذا الباب كثيرة فليتفقد الركب بعضهم بعضاً.
* هل له أن يقيم حداً على من فعل موجباً للحد كالقذف والمسكر؟
ليس له ذلك لأن ذلك لصاحب الولاية العامة أو من ينيبه كالقضاة وغيرهم.
* هل له أن يؤدب من خالف أمره في ما يتعلق بأمر السفر؟
أطلت بحثا في هذه المسألة فلم أجد من ذكرها والتأديب نوعان:
1- بالقول: وهذا الأمر فيه مصلحة وسعة لكي ينتظم أمر السفر، ويدخل في عموم النصح والتوجيه والاحتساب، قال شيخ الإسلام: ( وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ).(1/25)
2- بالفعل كالضرب وتكليفه ببعض الأعمال وغيرها: ذهب بعض المشايخ إلى أنه ليس له ذلك لأن التعزير والتأديب مرتبط بالإمام ومن ينيبه إلا إذا كان الأمير في السفر أباً أو معلماً فله ذلك من باب، أن للأب والمعلم تأديب من تحت يدهم وقد وجدت بعض من يكون أميراً في السفر يبالغ في تأديب من خالف أمره وهذا أمر مشكل جداً قد يؤدي إلى الضرر بالمربي وتنفيره من محاضن التربية والعلم وقال بعضهم يجوز التأديب بالمعروف وفي حدود المعقول والمعتاد وهذا ليس من باب الحكم وإنما من باب التأديب والتربية، وحكى الماوردي خلافاً في أمير الحج الذي قال فيه: وهو أحد الرعايا وليس من الولاة إن فعل أحد الحجيج ما يقتضي تعزيراً فإن كان مما لا يتعلق بالحج فليس له ذلك وإن كان مما يتعلق بالحج فله تعزيره زجراً وتأديباً.. وإمامة الحج في أيام الحج فقط قال هي ولاية بمنزلة الإمام في إقامة الصلوات أهـ. ويخرج على كلامه ولاية السفر والمسألة تحتاج مزيد بحث وتحرير والله أعلم وأحكم ( الأحكام السلطانية للماوردي 194).
* إذا أراد أحد الركب الانفصال عن الرفقة ونهاه الأمير هل يجوز له الانفصال؟
لم أجد من بحثها والجواب: أن يقال ينظر إذا كان من أراد الانفصال شخص بالغ عاقل لا يخشى عليه من عوارض السفر ومخاطره ولا يؤدي انفصاله إلى ضرر يلحق بالرفقة فله ذلك لأنه إذا لم يجب عليه الدخول في الرفقة ابتداء فكذا الاستمرار لا يجب وإذا كان غير ذلك أو صغيراً يخشى عليه فليس له ذلك ولا يمكنه الأمير من الانفصال من جهة الخوف عليه من الفساد والهلاك ولأنه بمثابة الأمانة عنده من قبل والديه وأهله والشرع جاء بحفظ المصالح والأمانات ودرء المفاسد، والله أعلم وحين وجود الضرر على الطرفين فينظر أيهما أشد ضررًا وهكذا.(1/26)
* يستحب دعاء السفر في الذهاب والإياب: إذا ركب دابته وليس عند الخروج من البلد لرواية مسلم: (كان ( إذا ركب دابته قال...) ودعاء السفر هو أن يكبّر ثلاثاً ثم يقول: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطوِّعنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل). وإذا رجع قالهن وزاد فيهن ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون) رواه مسلم. وفي رواية: (والحور بعد الكور ودعوة المظلوم) رواها الترمذي وصححها الألباني في صحيح الترمذي برقم 3439، وفي رواية: (وسوء المنظر في الأهل والمال والولد ) رواها النسائي وصححها الألباني في صحيح النسائي برقم 5499.
وفي رواية: (إذا دخل أهله أي راجعاً قال: توباً توباً لربنا أوباً لا يغادر حوباً) رواها ابن حبان وأحمد والطبراني.
وفي رواية: ( إذا سافر فركب راحلته قال بأصبعه هكذا ومد شعبة أصبعه وذكر دعاء السفر ) رواها الترمذي وصححها الألباني في سنن النسائي برقم 5501.
تنبيه: ورد في بعض كتب الفقهاء لفظ: (أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد) ولم أجده في كتب السنة التي بين يدي وفي برامج السنة الالكترونية.
[مقرنين: مطيقين، الوعثاء: الشدة، المنقلب: المرجع، الكآبة: تغير النفس من حزن ونحوه، سوء المنقلب: أي يرجع فيرى في أهله وماله ما يسوءه].
فرع: قال ابن حجر الهيثمي: "ينبغي إذا فاته ذكر الركوب في أوله أن يأتي به في أثنائه نظير البسملة في الوضوء" وكذا دعاء السفر (شرح الأذكار 3/128).
فائدة: قال الأبي: " لا يسمى الله بالصاحب ولا بالخليفة لعدم الإذن وعدم تكرر ذلك في الشريعة " (شرح الأذكار 3/129) وهذا من باب الإخبار وهو أوسع من باب الأسماء كما في القاعدة المشهورة.(1/27)
* زيادة آئبون وما بعدها تقال حين القرب من البلد الراجع إليه لحديث ( فلما أشرفنا على المدينة قال آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة) رواه البخاري وورد أنها تقال عند الرجوع كما تقدم.
قال ابن حجر: قوله تائبون: فيه إشارة إلى التقصير في العبادة.
قال ابن علان: قوله استعاذ من الحور بعد الكور ودعوة المظلوم: وخص ذلك في دعاء السفر لكونه مظنة البلايا والمصائب والمشقة فيه أكثر، أو لأن دعوة المظلوم المسافر الذي لا يلقى الإعانة ولا الإغاثة أقرب إلى الإجابة أهـ. (الشرح 3/133) وهذا مشاهد وملموس فإن بعض المسافرين يتعرض للفتن فيتأثر ويرجع إلى بلده منتكساً أو زاد انحرافاً أو يظلم وغير ذلك نسأل الله العافية والثبات فعلى الآباء والمربين ملاحظة ذلك وأخذ أسباب الحيطة والحذر والمتابعة.
وقفة تأمل: ودعاء السفر برواياته يحتاج إلى رسالة مستقلة لما اشتمل عليه من معان عظيمة في ترابط رائع وتناسق بديع فهو يحوي إشراقات نبوية ولفتات إيمانية وتنبيهات تربوية فكيف بأحكام وأحاديث السفر فحري بكل مسلم ومسلمة أن يقف عندها متأملاً متدبراً، فلا تكون عبارات تردد وألفاظ تقال من غير قلب متأمل وعقل متدبر، فيستخرج المسافر منها ومن معه درراً وغرراً أعرج على يسير منها وأدع للقارئ الإكمال والغوص في بحور النبوة وألفاظ السنة:
1- مشروعية أذكار مخصوصة في مواطن عدة من السفر والدعاء المطلق فلا يغفل المرء عن ذكر الله حتى في سفره وترحاله من خروجه حتى عودته فيرتبط الإنسان بربه حتى في السفر والسفر موطن ضعف وزلل.
2- الدعاء بملازمة البر والتقوى والعمل الصالح في البر والبحر والجو، في الجبال والقفار، فلا يليق بالمرء أن يتجرد في سفره من البر والتقوى، ويمتطي كل معصية وبلوى بل يحفظ دينه في كل حال وهذا كسابقه.
3- الدعاء بحفظ البدن والمال والولد من الشرور والهلاك.(1/28)
4- الدعاء بالثبات على دين الله وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
5- الدعاء بالتوبة وطلب المغفرة حين العودة من السفر ودخول المنزل وتأمل دعاء المسافر حين الخروج من المنزل وحين العودة ويذكرنا بمسألة الدفع أولاً ثم الرفع ثانيًا.
* يستحب كثرة الدعاء والاستغفار فيه: فهو موطن إجابة ودعاء وانكسار وتذلل وشعث قال(: (ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة الوالد على ولده ودعوة المسافر ودعوة المظلوم) حديث صحيح، رواه أبو داود وأحمد وحسنه الألباني في الجامع برقم 3031.، فليحرص على الدعاء لنفسه وأهله وإخوانه، وجميع المسلمين والمنكوبين والمأسورين، وليذكّر المسافرين بعضهم بعضاً بهذا من باب التواصي.
* يستحب إذا نزل منزلاً أن يقول:{ أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق} فمن قالها لم يضره شيء حتى يرحل من منزله. رواه مسلم.
قال ابن علان: نفعها وشفاؤها من كل ما يتعوذ منه بشرط صحة النية وحسن الاعتقاد.
* فائدة: قيل لبعض العلماء أن فلاناً قال هذا الدعاء وقد لدغ فقال الحديث قال: لم يضره ولم يقل لم يصبه وفرق بين الأمرين وإذا بالرجل لم يضره اللدغ بإذن الله.
* يستحب إذا نزل منزلاً أن يسبح الله عن أنس ( قال: (إذا نزلنا منزلاً سبحنًا حتى نحل الرحال) قال شعبة تسبيحًا باللسان. رواه الطبراني والهيثمي وقال سنده جيد قال ابن السني وهذا دعاء آخر عند النزول.
* أمر الرسول المسافر إذا أراد أن ينام أو ينزل للراحة أن يجتنب الطريق: قال: ( وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل ) رواه مسلم، ومعنى التعريس: النزول للنوم أو الراحة.
وهذا نوع من عناية الإسلام بحفظ الأبدان والإرشاد لذلك حتى في أدق الأشياء وأصغرها فأين أعداؤه؟!
* يستحب للمسافر إذا صعد علواً أن يكبّر وإذا نزل هبوطاً أن يسبح الله: كما في صحيح البخاري من حديث جابر( قال: (كنا إذا صعدناً كبّرناً وإذا نزلناً سبّحناً).(1/29)
* يستحب للمسافر إذا دخل بلداً أن يقول: (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن والأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها) حديث حسنه ابن حجر وابن باز(23).
* يستحب للمسافر إذا كان في وقت السحر أن يقول: سمّع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا ربنا صاحبنا وأفضل علينا عائذاً بالله من النار) رواه مسلم.
* يستحب إذا خاف قوماً أن يقول: (اللهم اكفنيهم بما شئت) رواه مسلم. ويقول: ( اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ) رواه أبوداود وصححه النووي في الأذكار.
* يستحب للرفقة في السفر أن ينزلوا مجتمعين ويكره تفرقهم لغير حاجة لحديث: ( كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية فقال (: إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان ) حديث حسن(24). فالتفرق في الظاهر يولد التفرق في الباطن، والشيطان يحرص على التفريق وإيغال الصدور ولكن بالتحريش بينهم والتفرق والانعزال عن الرفقة قد يؤدي إلى الهلاك والتعرض للمخاطر ووسواس النفس والانحراف والذئب أقرب ما يكون من الغنم القاصية، وليحذر المربون والآباء حين رحلاتهم من تفرق أفراد المحضن والأسرة وتشعبهم في الأودية وغيرها، بل يكون ذهابهم وإيابهم ونزولهم مجتمعين غير متفرقين إلا عند الحاجة، وأمن الفتنة والمفسدة واللبيب بالإشارة يفهم والإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.(1/30)
* السفر موطن للاجتماع وكثرة الاختلاط والزحام: حين الصعود والنزول وفي المنام وفي السيارة وكل ذلك يستوجب الصبر والحلم وسعة الصدر وإدخال السرور والترويح بشي من النكت والطرف والألغاز والملح وفق الضوابط الشرعية فلا يكثر منه الإنسان أو يكذب أو يغتب أو يؤذي ويخاصم ويجادل فيقسوا القلب، وتضيع الأوقات، ويشغل عن ذكر الله وتركه يقبض المؤانس ويملّ الراكب والمسافر وينفرّ الطباع ورد عند ابن أبي الشيخ في أخلاقه عن عائشة < قالت قال رسول الله( : (إني لا أمزح إلا حقاً) وورد عن سفينة قال كنا مع رسول الله في سفر وكان إذا أعيا بعض القوم يلقي علي سيفه وترسه ويقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ( أنت سفينة ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة برقم 295، يمازحهم ويداعبهم وهو الإمام الأعظم وسيد ولد آدم (.(1/31)
* يكره سفر الإنسان لوحده إذا وجد الصاحب ولغير حاجة: لقول الرسول(: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده) رواه البخاري، ولما فيه من الوحشة وتسلط اللصوص عليه وعدم وجود المعين بعد الله عند حدوث الضرر قال الإمام أحمد عن الرجل يسافر وحده: ما أحب ذلك إلا أن يضطر مضطر(25). قال الحافظ ابن حجر: جواز السفر منفرداً للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد والكراهة لما عدا ذلك(26). ويستحب أن يطلب رفيقاً تقياً، نقياً، راغباً في الخير، كارهاً للشر يحرص على إرضاء رفيقه وموافقته لا مخالفته، صبوراً على ما يقع منه ويحتمل كل واحد منهما الآخر ويرى لصاحبه عليه فضلاً وحرمة وكما قيل: [ الصديق قبل الطريق وليس كل صديق يناسب الطريق ] وورد: ( يا خفاف ابتغ الرفيق قبل الطريق فإن عرض لك أمر نصرك وإن احتجت إليه ردفك ) ضعفه العجلوني في كشف الخفاء 1/205، وقد قيل: [ المروءة في السفر بذل الزاد وقلة الخلاف على الأصحاب وكثرة المزاح في غير مساخط الله وإذا فارقتهم أن تنشر عنهم الجميل ] وقيل: [من حسن المرافقة الموافقة](27) لكن فيما لا يخالف الشرع.
* فرع: إذا كان الإنسان في سفر في سيارته لوحده وكان الطريق ملئ بالمسافرين والمحطات فهذا لا يدخل في النهي واختاره ابن عثيمين.
تنبيه وتحذير: إن المتأمل لنهي الرسول عن سفر الإنسان لوحده يعرف حكماً وأسراراً عظيمة وقد سمعنا وشاهدنا من يسافرون لوحدهم وما يتعرضون إليه من مخاطر وقتل واعتداء والوقوع في حبال الرذيلة والفساد والانحراف حتى وإن كان إنساناً سوياً فتجد النفس تراوده، والإنسان الذي معه آخرين قد يستحي منهم فلا يذهب لبعض أماكن الفساد أو النظر لبعض القنوات المنحرفة أوغير ذلك إن كان معه عقلاء لا سيما حين السفر للخارج وفوق هذا رأي الاثنين أعقل وأسلم من الواحد في الغالب.(1/32)
* على قدر نيتكم وعملكم تؤجرون: فنفقتك في السفر إما أجر وإما وزر فسفرك للعبادة ونفقتك فيه تؤجر عليها، وإن كان سفرًا محرمًا فنفقتك وزر عليك، والمباح يؤجر عليه بحسن نيته.
* قالوا:
- من صلح لصحبة السفر صلح لصحبة الحضر، وقد يصلح في الحضر من لا يصلح في السفر.
- السفر يخرج خبايا الباطن ويسفر عن أخلاق الرجال.
- إذا أثنى على الرجل معاملوه في الحضر ورفقاؤه في السفر فلا تشكوا في صلاحه.
- قال علي: السفر ميزان القوم.
- سئل إمام الحرمين لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأنّ فيه فراق الأحباب.
- كن رحمة على من معك من المسافرين ولا تكن عذاباً.
- أتى رجلان إلى ابن عون يودعانه ويسألانه أن يوصيهما فقال: عليكما بكظم الغيظ، وبذل الزاد فرأى أحدهما ابن عون في المنام وقد أهدى له حلتين. ولا شك أن المسافر بحاجة لكظم الغيظ والصبر فهو معرض في السفر لكثير من المكدرات.
* حسن العشرة للأزواج حتى في السفر: عن عائشة < قالت خرجت مع رسول الله ( في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس: تقدموا فتقدموا ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة 131. وللقارئ التأمل في هذه القصة، وأخلاق كثير من الناس مع زوجاتهم وأولادهم والله المستعان.(1/33)
* التنافس والتفاني في خدمة الأخوان: ولا يُمنع من أراد عملاً معيناً إذا كان يجيده ولا يَمنع هذا من التنظيم، وقسمة الأعمال بين الجميع حتى بين الأولاد فمنهم من يتولى شراء الأغراض، وإعداد الطعام، وآخر مسئول عن ميزانية الرحلة وبرنامج الزيارات، وثالث لتجهيز النزول والرحيل حين التنقل ومتابعة النساء، ورابع لإعداد برنامج ترفيهي وتوجيهي وهكذا ففي ذلك اختبار، واكتشاف للطاقات، والقدرات، ومعرفة أخلاق الرجال، وتعويد الجميع على العمل، والتواضع، وتحمل المسئولية قال مجاهد: ( صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني ) يقول أنس (: ( خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني، وكان جرير أكبر من أنس ) رواه البخاري، قال النووي: يستحب خدمة المسافر الذي له نوع فضيلة وإن كان الخادم أكبر سناً ( المجموع 4/196).
وما الفضل في أن يؤثر المرء نفسه
ولكنَّ فضل المرء أن يتفضلا
وبوّب البخاري باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر وذكر حديث الرسول (: (وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة...) رواه البخاري، وحديث: (سيد القوم خادمهم) حديث ضعيف (28)، وعند ابن المبارك: (سيد القوم خادمهم في السفر) قال الطيبي وله معنيان:
1- أي ينبغي أن يكون السيد كذلك لما وجب عليه من الإقامة بمصالح ورعاية أموالهم ظاهراً وباطناً.
2- أن من يخدمهم وإن كان أدناهم ظاهرًا فهو في الحقيقة سيدهم وأنه يثاب بعمله لله تعالى وقيل سيدهم بالثواب أي أعظمهم أجراً ( مرقاة المفاتيح 7/429والتيسير شرح الجامع الصغير 2/64).(1/34)
ويذكر عن الشيخ ابن سعدي ~ وهو شيخ الشيخ ابن عثيمين أنه إذا سافر مع الطلبة يجهز لهم الإفطار، والقهوة فيرفضون ذلك فيقول لهم ألست أنا الأمير؟ فيقولون: بلى فيقول: آمركم أن تجلسوا. وأحد الفضلاء بمرتبة وزير سافر معه أحد الأشخاص إلى دولة روسيا لمهمة يقول المرافق: كنا نجهز الطعام سوياً ونذهب لشراء الطعام سوياً ويرفض أن أذهب لوحدي فقط وكان من عادته أنه لا يتعشى فلا ينام حتى يطمئن أني تعشيت وأنا شاب وهو كبير، وفي مرتبة وزير ولكن التواضع منحة من الله قل وجودها، وندر من أبحر بها في زمن المناصب والرئاسة فكيف بالأقران سناً ورتبة!؟ فالمشتكى إلى الله من أولئك المتعالين.
ولا ينبغي للإنسان أن يكون متميزاً في السفر عن أخوانه فلا يشاركهم في ما يحتاجون ورد في السير أن الرسول ( خرج مع أصحابه في سفر فأمر بإصلاح شاة فقال أحدهم: علي ذبحها، وقال آخر: علي سلخها، وقال آخر: علي طبخها، وقال الرسول (: علي جمع الحطب، فقالوا: يا رسول الله نكفيك فقال: أعرف ذلك ولكني لا أحب أن أتميز عليكم فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزًا على أصحابه)(29). ونجد بعض المسافرين لا يكاد يحمل ولو إبرة تجده دائماً في المقدمة والعالية ضيفاً مبجلاً يخشى أن يتسخ ثوبه أو تخشن يده وتتأثر عمامته وبشته كما يقال هو الآمر والناهي، والسيد المطاع كل من حوله لبيك وسعديك.
* رفيق من نوع فريد: كان بلال بن سعد إذا رأى رفقة توافقه قال يا هؤلاء: إني أريد أن أصحبكم على أن تعطوني من أنفسكم ثلاث خصال. فيقولون ما هي: قال أكون خادماً ومؤذناً لكم لا ينازعني أحد منكم في ذلك، وأنفق فيكم بقدر طاقتي فإذا قالوا نعم انضم إليهم. وكان عمرو بن عتبة يشترط على أصحابه أن يخدمهم ( الجهاد لابن المبارك 1/161).…
* فائدة: قال (: (صاحب الدابة أحق بصدرها إلا مَن أذن) حديث صحيح(30).(1/35)
* فائدة: قال ابن حجر ~: إن السفر يغتفر فيه لبس غير المعتاد في الحضر. أهـ(31) والمقصود ما لم يكن فيه محظور شرعي.
* بشارة وتسلية: قال (: ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً ) رواه البخاري. قال ابن حجر: وهو في حق من كان يعمل طاعة فمُنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يداوم عليها(32).
تنبيه: عن أبي قتادة قال كان رسول الله ( إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه ) رواه مسلم. التعريس: النزول للنوم، وهذا فيه تنبيه وهو أن يحرص الإنسان على أن يبذل السبب لعدم فوات الصلاة كحمل المنبه، وما في حكمه لأنه من المشاهد أن كثيراً من المسافرين لا يحافظون على الصلاة في وقتها وتجدهم يسهرون معظم الليل حتى تفوتهم الفجر.
حديث ضعيف: ( إذا قدم أحدكم من سفر فليهد إلى أهله وليطرفهم ولو كانت حجارة ).(33)
حديث ضعيف: ( إن المسافر ورحله على قَلَتٍ ـ أي هلاك ـ إلا ما وقى الله ).(34)
حديث ضعيف: (سافروا تصحوا وتغنموا وفي رواية تسلموا وفي رواية ترزقوا).(35) والمعنى صحيح.
حديث ضعيف: أتحب يا جبير إذا خرجت سفراً أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زاداً ( فاقرأ سورة الكافرون والإخلاص والنصر والفلق والناس ) ضعيف كنز العمال برقم 17526.
حديث موضوع: ( خمس لم يكن الرسول ( يدعهن في سفر ولا حضر: المرآة، والمكحلة، والمشط، والمدرى، والسواك، وفي رواية قارورة دهن ) ( الموضوعات لابن القيسراني 4329).
* ما أشد الأمر!؟:(1/36)
إننا كثيرًا ما نشاهد ونسمع في أن ذلك الإنسان كان سبباً في فقد عقل أو عضو أو شلل أو موت لعالم وطالب علم لطالما رفع الجهل عن الناس مدداً من الزمان، وداعية سار بالقلوب لعلام الغيوب، وخطيب تتوافد الجموع لمسجده لأنه أثر بالنفوس وحدى بها لما يرضي الملك القدوس، وقاض فصل بين الناس بالحق ورد المظالم لأهلها، وطبيب كان مبدعاً في مستشفاه، ومفكر وكاتب ونابغة ومهندس وقارئ وأم وأب ذا أسرة، وتاجر منفق، وعابد قائم صائم، وجندي كان في حراسة المسلمين وردع المجرمين، وشاب ينتظر مستقبلاً منشوداً أو ذاهب لليلة زواجه، إنه يتم أطفالاً وأفسد أسراً وقطع أجساداً وأنزف دماءً وأسكب عبرات، وأهدر طاقات، وقدرات وأموالاً، وأنزل بالبلدان والدول والأفراد خسائر لا يحصيها إلا الله.
أتعرفون من ذلك الإنسان؟ وماذا صنع؟ إنه شاب متهور يقود سيارته بأسرع ما يمكن أو شخص مفرط لم يتفقد سيارته أو يأخذ قسطاً من راحته أو ثالث سفيه يقطع الإشارات غير مبال بدماء المسلمين أو أب يدع القيادة لابنه الصغير والله المستعان فالحذر الحذر معشر المسافرين، والرفق الرفق بأنفسكم والمسلمين.
تتأخر ساعة بل ساعات، ولا تندم وتتحسر لفقد بصر أو كسر ظهر وحوض سنوات...
تطير الطائرة ويذهب الموعد، ولا تتلف الأنفس، وتذهب الأرواح...
تتأخر عن العمل، وينقص راتبك، ولا يضيع مالك كله في العلاج والمستشفيات...
تتأخر فتفقد صفقة، ولا تفقد صفقات وصفقات...
تهزم في سباق وتحدي وطيش، ولا تكون طريح الفراش...
فأين العقلاء وأصحاب القرار!؟
وقفة مع الإمام الأعظم (:(1/37)
عن عائشة < أنها قالت: ((خرجنا مع رسول الله ( في بعض أسفاره، حتى إذا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله ( على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله ( وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر ورسول الله ( واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله ( والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت: عائشة فعاتبني أبو بكر، وقال ماشاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله ( على فخذي، فنام رسول الله ( حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر؛ فقالت عائشة <: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته!)). رواه مسلم.
وفي الحديث فوائد ووقفات من أهمها:
- أنه يمكن التظلم من الإنسان ولو كان فاضلاً، وأنه يمكن التظلم إلى المفضول مع وجود الفاضل، وقد يكون ما يتظلم منه لم يكن مقصوداً لمن وقع منه الفعل.
- أن الناس تؤثر فيهم تصرفات بعض أفرادهم وتنعكس عليهم، وقد يكون لها آثار سلبية عليهم، لذلك فعلى الفرد إذا كان ضمن مجموعة ـ في أي وضع كان ـ أن ينتبه إلى نفسه وإلى تصرفاته وانعكاسها على المجموعة، فقد لا يشعر بأثر بعض تصرفاته.
- أن الإنسان قد يضجر من أمر ما ويحسبه شراً، ثم تكون عاقبته حميدة ومآله حسناً، ( (((((((( ((( ((((((((((( ((((((( (((((( (((((( (((((( ((36)، ( ((((( ((((((((((((((( (((((((( ((( ((((((((((( ((((((( (((((((((( (((( ((((( ((((((( (((((((( ((37). وكما يقال في كل تأخيرة خيرة.
- فيه العتاب لمن أخر القوم ولكن ينظر إن كان بتفريط عوتب وإلا فلا، وورد تكرر ذلك من عائشة في بعض الأسفار ورد عند الطبراني ( في كل مرة تكونين عناء ).(1/38)
- صدور العتاب من المفضول مع وجود الفاضل.
- فيه اعتناء الإمام والأمير لحفظ حقوق المسلمين وإن قلت وإقامته بالركب لتحصيل ضائع، ولحاق منقطع ونحو ذلك من مصالح الرعية.
- النهي عن إضاعة المال ولو كان يسيراً ـ تزين المرأة حتى في حال السفر.
- الصبر على ما يحدث من منغصات في السفر.( شروح البخاري ومسلم ).
خامساً: مسائل الاعتقاد:
* حكم السفر للهجرة لبلد الإسلام وبلد الكفار قال ابن عثيمين له حالات:
الأولى: السفر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام إن كان يستطيع أن يظهر دينه في بلد الكفر ويعلنه ولا يجد من يمنعه من ذلك فالهجرة مستحبة، وإن كان لا يستطيع ذلك فالهجرة واجبة بشرط أن يكون مستطيع الهجرة لقوله تعالى: ( (((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((((( ((((( ((((((( ( (((((((( ((((( ((((((((((((((( ((( (((((((( ( ((((((((( (((((( (((((( (((((( (((( ((((((((( (((((((((((((( (((((( ( (((((((((((((( ((((((((((( (((((((( ( (((((((((( (((((((( (((( (((( ((((((((((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((((((((( ((((((((((((((( (( (((((((((((((( ((((((( (((( ((((((((((( ((((((( (((( (((((((((((((( ((((( (((( ((( (((((((( (((((((( ( ((((((( (((( ((((((( (((((((( (.(38)
الثانية: السفر من بلد الفسق إن كان يخاف على نفسه من البقاء بأن يفسق فالهجرة واجبة، وإن كان يأمن على نفسه فمستحبة، إلا إذا كان في بقائه نفع وإصلاح فبقاؤه واجب للإصلاح لأنه إذا هاجر أهل الصلاح بقي أهل الفساد وازداد البلد فسادًا. (شرح الأربعين النووية 17).
الثالثة: أن يسافر من بلد الإسلام إلى بلد الكفار ويقيم بها للدعوة إلى الله وهذا نوع من الجهاد.
الرابعة: أن يسافر لبلاد الكفار لدراسة أحوال الكافرين وما هم عليه من فساد العقيدة والأخلاق ليحذر الناس من ذلك ويشبهه ليكون عيناً للمسلمين وما يدبروه للمسلمين من مكايد.(1/39)
الخامسة: أن يقيم لحاجة دولته المسلمة كالسفراء ومن في حكمهم.
السادسة: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح بقدر الحاجة لوروده عن بعض الصحابة.
السابعة: أن يقيم للدراسة وهي أخطر مما قبلها لأن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو معلميه فيحصل تعظيماً لهم، واقتناعًا بآرائهم، وتأثراً بسلوكهم، والحكم بالجواز بشرط ألا يكون في بلاد المسلمين هذا العلم وتوفره.
* شروط السفر إلى بلاد الكفار والإقامة بها:
قال شيخنا ابن عثيمين طيب الله روحه وأعلى درجته في المهديين: لا يجوز السفر إلى بلد الكفار إلا بشروط:
1- أن يكون سفره وإقامته للحاجة.
2- أن يكون عنده إيمان يدفع به الشهوات، وعلم يدفع به الشبهات.
3- أن يستطيع إقامة شعائر دينه في ذلك البلد.
قال عليه الصلاة والسلام: ( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني ( الجامع رقم1460) فالحديث يدل على عدم الجواز ولأن في ذلك فتنة للمرء في دينه وخلقه، واستثنى العلماء الجواز للحاجة بالشروط السابقة والضرورات تبيح المحظورات والحاجات تنزل منزلة الضرورات(39).
* حرمة السفر إلى بلاد فيها الشر والفساد للنزهة والسياحة ولو كانت غير كافرة خشية الوقوع في الفساد والرذيلة، وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين ~ وهذا من فقهه ~ في العلم والدعوة.(40)
* دخول الكنائس والصلاة بها محل خلاف والصحيح الجواز بشروط:
- عدم وجود تماثيل وصور بها لوروده عن عمر و ابن عباس { كما في البخاري ورجحه ابن تيمية.
- إذا أمنت الفتنة بها بحيث ألا يكون دخوله سبب في القناعة أو الدخول في اليهودية أو النصرانية أو ورود الشبه على قلبه فيضل فمن يخاف على نفسه من ذلك فيحرم عليه دخولها.
- خلوها من المحرمات العقدية أو الأخلاقية واللهو المحرم كأن يكون بها سب أو انتقاص للإسلام أو الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو نوع من أنواع الفساد الأخلاقي.(1/40)
- ألا يكون بها وسائل للدعوة للتنصير أو التهويد كمحاضرات أو أشرطة أو كتب ونشرات تدعو للدخول فيها والخروج من الإسلام.
- ألا يكون الداخل بها من المسلمين له مكانة دينية عند المسلمين أو اليهود والنصارى فيفتنون ويظنون أن هذا إقرار بما هم عليه من الكفر والضلال.
والقول بعدم الجواز مطلقاً سدًا للفتنة ودرءاً للمفسدة قول قوي جداً وخاصة في هذه الأزمان التي خرجت فيها الدعوة لحرية ووحدة الأديان، والطائفية يحمل وزرها من دعا إليها ووزر من تنصر أو تهود أو ضل بها، وما ورد عن بعض الصحابة فهم عندهم من العلم وصدق الإسلام والإيمان ما يدفع به الشبهة والشهوة.
* حرمة الذهاب إلى ديار المعذبين سواء كان بسفر أو بلا سفر كمدائن صالح للنزهة والسياحة والإعجاب بهم، وأما للعظة والعبرة فلا بأس قال (: ( لا تدخلوا بيوت هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم ) متفق عليه.
قال ابن حجر: وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد فيهم. (الفتح 6/438).
وقال النووي ~: وكذا وادي محسّر ما بين عرفة ومزدلفة وضعف الشيخ ابن عثيمين ~ قول النووي وقال: النهي عن الجلوس فيه من باب عدم المشابهة بالمشركين في الحج(41).
عن علي قال: ( نهاني حبيبي أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة ) رواه أبوداود قال الحافظ وفي اسناده ضعف.
قال الخطابي: لا أعلم أحدًا من العلماء حرم الصلاة بها وإذا ثبت النهي فيحمل على الإقامة بها أو خاص بعلي (الفتح 1/631)، وأفردت في آخر الكتاب بعض المسائل المتعلقة بالأقليات المسلمة في البلاد الكافرة باختصار.
* الخروج من بلد به وباء استشرى بأهله أو السفر إليه:
قال الحافظ ابن حجر له حالات:(1/41)
1- إذا أراد الخروج قاصدًا الفرار من الوباء فلا يجوز لحديث (إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) رواه البخاري وقيل النهي لكراهة التنزيه.
2- إذا أراد الخروج للعلاج جاز لقصة العرنيين الذين أصابهم مرض المدينة لعدم ملائمة أجسامهم لأرض المدينة فأمرهم الرسول ( بالخروج منها للعلاج رواه البخاري وبوب عليه باب من خرج من أرض لا تلائمه.
3- إذا أراد الخروج لحاجة متمحضة وليس قصده الفرار جاز.
4- السفر إليها لا يجوز لقوله تعالى: ( (((( ((((((((( ((((((((((((( ((((( ((((((((((((( ((42)، وللنهي المتقدم، وقيل يجوز مع الكراهة لمن عنده قوة توكل وصبر. ( الفتح 10/197).
* زيارة الآثار لها حالتان:
الأولى: السفر لأجلها و له حالات:
أ- إن كان على وجه التعبد فهذا لا يجوز لعموم حديث ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد ) رواه البخاري ولعدم الدليل على الجواز ولأن الأصل في العبادات المنع.
ب- إن كان على وجه السياحة والمعرفة لا لاعتقاد بالبقعة جائز بالشروط الآتية:
1- ألا ينوي بزيارتها التقرب إلى الله أو التبرك بها أو اعتقاد أن الدعاء عندها سبب في الاستجابة.
2- ألا يقصد بزيارتها تعظيمها.
3- ألا يكون بها مظاهر محرمة كالشرك والبدع ولا يستطيع الإنكار.
الحالة الثانية: زيارتها دون سفر والصحيح الجواز بالشروط السابقة.(1/42)
* لا تجوز زيارة المزارات والمشاهد التي فيها قبور وأضرحة من أجل التبرك بها وبأصحابها، أو التمسح بها أو اعتقاد سنية ذلك واستحبابه، كغار ثور وحراء وجبل أحد وجبل عرفة ومشهد الحسين وزينب وصلاح الدين والبدوي(43) وغيرها من الأشجار والجبال والأشخاص، والبقع وقصد الصلاة والدعاء عندها، والطواف حولها، والذكر والأخذ من تربتها للاستشفاء فكل ذلك لا يجوز لأنه من البدع والمنكرات، كما قال شيخ الإسلام ~(44) لأن تلك الأعمال من العبادات ولا يعبد الله إلا بما شرع أو فعله الرسول ( أو الصحابة ولا دليل على ذلك في الكتاب أو السنة الصحيحة ولأن بصرة ابن أبي بصرة الغفاري أنكر على أبي هريرة سفره إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى ( قائلاً: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله ( يقول: (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد) حديث صحيح.(45)
* قال ابن باز: الحذر الحذر من الصلاة في المساجد التي فيها قبور حيث وللأسف بعض البلدان يوجد في مساجدها قبور وأضرحة، فلا تجوز الصلاة فيها، وأما وجود قبر الرسول ( في مسجده فالرسول دفن في بيته وليس في المسجد، ولكن لما وسّع الوليد بن عبد الملك المسجد أَدخل البيت في المسجد بسبب التوسعة وغلط في هذا وكان الواجب أن لا يدخله حتى لا يحتج الجهلة وأشباههم بذلك، وقد أنكر عليه أهل العلم ولا يظن ظان أن هذا من جنس البناء على القبور لأن هذا بيت مستقل أُدخل في المسجد للحاجة للتوسعة، وهذا من جنس المقبرة التي أمام المسجد مفصولة عن المسجد وقبر الرسول ( مفصول بجدار وقضبان.(46)
سادساً: أحكام الطهارة.
1- المسافر إذا دخل عليه الوقت ولم يجد ماء فله حالات ذكرها الشيخ ابن عثيمين ~(47):
أ- الأفضل تأخير الصلاة إلى آخر الوقت في صورتين:
الأولى: إذا علم وجود الماء.
الثانية: إذا ترجح عنده وجود الماء.
ب ـ الأفضل تقديم الصلاة في ثلاثة صور:
الأولى: إذا علم عدم وجود الماء.(1/43)
الثانية: إذا ترجح عنده عدم وجود الماء.
الثالثة: إذا لم يترجح عنده شيء.
2- إذا صلى بالتيمم ثم وجد الماء أثناء الصلاة يقطع الصلاة ويعيدها لحديثه (: ( إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته )(48) حديث صحيح فإذا وجد الماء بعدها لا يعيد لقصة الرجلين اللذين تيمما ثم صليا ثم وجدا الماء في الوقت فأما أحدهما فلم يعد الصلاة، وأما الآخر فتوضأ وأعاد فقدما على الرسول( وأخبراه، فقال للأول: أصبت السنة وقال للآخر: لك الأجر مرتين ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~.(49 )
3- إذا وجب الغسل من جنابة على مسافر في شدة البرد ولم يستطع استخدام الماء لخوفه المرض، ولا يكفي الخوف من البرد بل لابد أن يخاف من الضرر، ولم يجد وسيلة للتدفئة أو خشي خروج الوقت عند التدفئة جاز التيمم أو عنده ماء قليل لا يكفي للغسل يتوضأ به ويتيمم عن الغسل، وعند استطاعته استعمال الماء وجب عليه الغسل لحديث: (فإذا وجد الماء فليمسه بشرته) وبه أفتى الشيخان رحمهم الله.(50)
4- إذا كان الإنسان ليس لديه إلا ماء قليل لا يكفيه للوضوء كاملاً فإنه يتوضأ بما عنده ويتيمم عن الباقي ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~.(51)
5- يمسح المسافر على الخفين ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة ويبتدئ المسح من أول مسحة بعد حدث بعد اللبس لما في صحيح مسلم ( جعل النبي ( ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوم وليلة للمقيم ).
6- إذا ابتدأ الإنسان المسح في الحضر ثم سافر فمسح مسافر.
7- إذا ابتدأ المسح في السفر ثم أقام فمسح مقيم.
8- إذا أحدث في الحضر ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر.
9- إذا شك في ابتدأ المسح هل يكون مسح مسافر أو مقيم فمسح مقيم احتياطاً.
سابعاً: أحكام الأذان.
10- يجب الأذان والإقامة على الجماعة المسافرين لحديث: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) رواه البخاري ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~ (52) وقيل سنة.(1/44)
قال الشيخ ابن باز ~: و المنفرد يشرع له الأذان كما في صحيح البخاري: ( إذا كنت في غنمك وباديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ).(53)
11- إذا أُديت الصلاة بدون أذان وإقامة أو بإقامة فقط صحت وعلى الجماعة التوبة والاستغفار، وبه أفتى الشيخ ابن باز ~.…
ثامناً: أحكام الصلاة.
12- وجوب تحري القبلة بالسؤال وغيره فإن صلى لغير القبلة بغير اجتهاد وتحر أعاد الصلاة لأنه مفرط، وإن صلى باجتهاد لغير القبلة لم يُعِد سواء في الحضر أو السفر لأنه فعل ما في وسعه وقدرته قال تعالى: ( (( ((((((((( (((( ((((((( (((( ((((((((( ((54) ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~ وقيل يعيد إذا أخطأ في الحضر وهو الأحوط لوجود العلامات والمساجد.(55)
13- قصر الصلاة في السفر سنة لفعل الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ والصحابة والإتمام جائز لفعل بعض الصحابة كعثمان وعائشة { مع الكراهة ورجحه ابن تيمية ومال إليه ابن عثيمين.
14- الصلاة في السفينة إن كانت نافلة لا يشترط استقبال القبلة فيها رفعاً للمشقة، وإن كانت فريضة فيشترط استقبالها فإذا تحولت السفينة تحول للقبلة لقدرته على ذلك وهي فرض عند القدرة وهو مذهب جهور الفقهاء. (أحكام البحر لابن فايع ).(1/45)
15- لا يسن فعل الرواتب ماعدا سنة الفجر ويستحب فعل الوتر والضحى والتنفل المطلق وقيام الليل وذوات الأسباب كسنة الوضوء وتحية المسجد وصلاة الكسوف، ورجحه الشيخان ـ رحمهم الله(56) ـ، ودليل ركعتي الفجر عندما نام الرسول ( في السفر ولم يستيقظ إلا على حرِّ الشمس قال أبو قتادة (ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما يصنع كل يوم) رواه مسلم. ودليل الضحى ما ورد عن أنس (قال: (رأيت رسول الله ( صلى في السفر سبحة الضحى ثمان ركعات) (57) وحديث أم هانئ في قصة اغتساله ( يوم فتح مكة ( ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى) رواه مسلم (58)، ودليل قيام الليل قال (: ( ثلاثة يحبهم الله ـ وذكر منهم ـ قوم ساروا ليلهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم قام يتملقني ويتلو آياتي ) وفي رواية: ( والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم )(59 )، الرواية الأولى ضعيفة والثانية صحيحة قاله الألباني ~ ومعنى التملق: التضرع.
وعن البراء قال: سافرت مع رسول الله ثمانية عشر سفراً فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر ) رواه أبوداود والترمذي وقال غريب ورآه البخاري حسنًا.
قال ابن حجر: وحمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على راتبة الظهر(60).
16- إذا دخل عليه وقت الصلاة وهو في بلده وهو يريد السفر ولم يفارق البنيان فلا يترخص بأحكام السفر من قصر وجمع وغيرها لأن الترخص يبدأ بمفارقة البنيان، ولحديث أنس (قال: (صليت مع رسول ( الظهر بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة ركعتين) رواه البخاري، فكان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة ورجحه الشيخان.(61)…
17- إذا سافر وفارق البنيان بعد دخول الوقت قصر وإذا دخل بلده بعد دخول الوقت أتم لأن العبرة بوقت فعل الصلاة لا وقت دخول الصلاة، ورجحه الشيخان رحمهم الله.(62)(1/46)
18- إذا كان المطار خارج البلد يقصر المسافر الصلاة فيه إذا كان الحجز مؤكداً، أما إذا كان انتظاراً فلا يقصر لأنه لم يجزم بالسفر قال النووي ~ أن من خرج من بلده وأقام في موضع بنية انتظار رفقته على أنه إذا خرجوا سار معهم وإلا رجع أنه لا يجوز له القصر لأنه لم يجزم بالسفر. المجموع 4/350 .
19- إذا كان المطار داخل البلد لا يقصر الصلاة فيه سواء كان الحجز انتظاراً أو مؤكداً لأنه لم يفارق البنيان(63)، وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين ~: أن المطار إذا كان خارج البلد فيجوز لأهل البلد القصر فيه، وأما إذا كان داخل البلد فلا يجوز لهم القصر فيه.(64)
20- إذا نسي صلاة حضر أي وجبت عليه في بلده ولم يصلها في الحضر فتذكرها وهو في السفر أتم الصلاة المقضية (أي الفائتة).
21- إذا نسي صلاة سفر أي لم يصلها في السفر فتذكرها وهو في الحضر قصر الصلاة المقضية.
22- إذا ذكر صلاة سفر في سفر قصر الصلاة المقضية والمقصود بالحضر في هذه المسائل بلده ومحل إقامته، ودليل هذه الصور قول الرسول (: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) متفق عليه، أي فليصلها كما هي. ورجحها الشيخ ابن عثيمين ~.
23- لا ينبغي تعدد الجماعات في مسجد واحد في وقت واحد كما هو ملاحظ في المساجد التي على الطرق فإن هذا عنوان التفرق، ولأنه يحدث تشويشاً كما ذكره الشيخ ابن عثيمين ~.(65)
24- نية القصر ليست شرطاً في الصلاة لعدم الدليل ولأن الرسول ( لم يأمر الصحابة بذلك فيلزم المأموم متابعة إمامه في الإتمام والقصر، ولأن القصر هو الأصل في السفر فلا يحتاج إلى نية كالإتمام في الحضر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصحيح وهو الأظهر(66)، وبه قال الجمهور ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~ ويتفرع عليها مسائل يقع فيها كثير من المسافرين وهي ليست بصواب ولا أثر لنية الإتمام أو القصر فيها:
أ- إذا نوى المأموم الإتمام وصلى إمامه قصراً فيقصر مثله.(1/47)
ب ـ إذا نوى القصر وصلى إمامه إتماماً لزمه ما صلى إمامه فيتم.
ج ـ إذا دخل في الصلاة ولم ينو القصر أو الإتمام صلى ركعتين وصحت صلاته سواء إماماً أو مأموماً.
د ـ إذا ائتم بمن شك فيه هل هو مسافر أو مقيم يلزمه ما صلى إمامه.
هـ ـ إذا نوى المسافر الإتمام سواء كان إماماً أو مأموماً ثم تذكر أنه مسافر صلى قصراً ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~ لأنه الأصل في صلاة المسافر.(67)
25- يقصر من الصلاة الرباعية وأما الفجر والمغرب لا تقصر.
26- إنسان صلى المغرب ركعتين على أنها تقصر جهلاً منه فإن صلاته باطلة ويلزمه إعادة الصلاة.
27- إذا نوى المسافر القصر ثم قام إلى الثالثة ناسياً فإنه يرجع ويسجد للسهو ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~.(68)
28- يستحب تخفيف القراءة في صلاة السفر لما ورد أنه: (كان أصحاب رسول الله ( يقرؤون في السفر بالسور القصار)(69)، وورد في صحيح مسلم (أن رسول الله ( صلى العشاء بالصحابة في سفر فقرأ بالتين والزيتون).
29- لا يجوز للمسافر ترك الجماعة في المسجد إذا كان نازلاً في البلد المسافر إليه سواء كان فرداً أو جماعة، لعموم أدلة وجوب الجماعة في المسجد ولا دليل على استثناء المسافر من وجوب صلاة الجماعة ولقول الرسول (: ( من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر )(70) حديث صحيح ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~.(71)
30- إذا سمع المسافر الأذان وهو في الطريق فلا تلزمه الصلاة في المسجد حتى ولو نزل لحاجة فلا تلزمه الجماعة في المسجد وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين.(72)(1/48)
31- إذا صلى الإنسان النافلة وفي أثناء الصلاة نبّه الإمام أنه سيصلى على جنازة وهذه المسألة تحدث كثيراً في الحرمين وقد توجد في غيرهما وعليه فيجوز للإنسان أن يقطع النافلة ويصلي على الميت قال ابن العثيمين ~ في شرحه لمنظومة القواعد: يكره قطع النفل إلا لغرض صحيح، مثل أن ينتقل من مفضول إلى أفضل أو نحو ذلك أهـ. والصلاة على الجنازة أفضل من النافلة وبهذا أفتى بعض أهل العلم.
32- لا يتورك المسافر إلا في صلاة المغرب لأن التورك لا يسن إلا في صلاة فيها تشهدان على ما رجحه الشيخان وصلاة السفر قصراً أما المغرب ففيها تشهدان .
33- جواز السفر للصلاة على الميت وحضور الدفن والتعزية لأن شد الرحل هنا ليس من أجل البقعة، والمحرم السفر لمسجد فيه مزية أو قبر فيه مزية، ويستثنى المساجد الثلاثة وزيارة الأقارب والإخوان والسفر لطلب العلم لعموم الأدلة على فضل ذلك وبه أفتى الشيخ ابن باز ~.(73)
34- إذا أم مقيم بمسافرين ثم خرج من الصلاة لعذر ثم خلفه مسافر يصلي بهم ركعتين فقط إلا إذا كان قد تجاوز الركعتين من الرباعية فيتم.
35- إذا أم مسافر بمقيمين ثم خرج من الصلاة لعذر ثم خلفه مقيم يتم بهم أربعًا. (المجموع 4/166).
تاسعاً: أحكام ائتمام المسافر بالمقيم والعكس.
36- جواز الصلاة خلف الإمام المقيم ولا يضر اختلاف النية أو الصلاة لأن معاذاً كان يصلي العشاء مع النبي ( ثم ينطلق فيصلي بقومه العشاء، فتكون له نافلة ولهم فريضة رواه مسلم ورجحه الشيخان عليهم رحمهما الله .(74)
37- لا يصح القصر وراء الإمام المتم سواء دخل المسافر في أول الصلاة أو آخرها أو قبل التسليم على القول الصحيح لقول الرسول (: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) رواه البخاري ومسلم ورجحه الشيخان عليهم ~(75)، وقيل إذا أدرك أقل من ركعة فإنه يقصر الصلاة لأن إدراك الصلاة بالركعة للحديث المشهور في الصحيحين وهي رواية عند أحمد ورجحه ابن تيمية. (الفتاوى 23/333).(1/49)
38- بعض المسافرين يدخل مع الإمام المقيم في الرباعية في الركعتين الأخيرتين ويكتفي بها وهذا لا يجوز وعليه إعادة الصلاة للحديث المتقدم وبه أفتى الشيخ ابن باز ~.(76) وقد حكى النووي الاتفاق على ذلك.
39- إذا دخل المسافر مع الإمام المتم ثم بطلت صلاته أو تذكر أنه على غير طهارة ـ أي المأموم ـ يقصر الصلاة إذا رجع فصلى منفرداً ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~.(77)
40- إذا دخل مع إمام يظن أنه مسافر وأدرك معه ركعتين ثم تبين أن الإمام متم أتم الصلاة إن كان الزمن قريباً وإن طال الزمن أعادها أربعاً وبه أفتى الشيخ ابن جبرين حفظه الله.(78)
41- إذا دخل مع إمام مسافر يصلي العشاء وهو يريد المغرب يدخل معه فإذا سلم الإمام قام فأتى بالثالثة وإذا كان الإمام مقيماً يجلس المأموم في الثالثة وينتظر حتى يسلم مع الإمام وله أن يسلم ويدرك العشاء مع الإمام ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~.(79)
42- إذا دخل المسافر مع إمام مسافر أو مقيم يصلي المغرب وهو يريد العشاء قال الشيخ ابن عثيمين ~: له أن يصلي العشاء قصراً والأحوط الإتمام وقال النووي ~: الإتمام. أهـ(80) وهو الأولى خروجاً منَ الإشكال.
43- يجوز أن يأتم المقيم بالمسافر ويقضي الباقي بعد سلام الإمام لقول الرسول ( لأهل مكة: ( أتموا فإنا قوم سفر ).(81)
44- إذا دخل مسافر أو مسافرون مع إمام مقيم يصلي التراويح في رمضان فلهم حالتان:
الأولى: إن كانوا دخلوا بلدهم ووطنهم فإنهم يدخلون معه ويصلون الصلاة الفائتة إتماماً فإذا سلم الإمام أتموا ما بقي.
الثانية: إن كانوا دخلوا البلد المسافَرَ إليه، فإنهم يدخلون معه ويصلون الصلاة الفائتة قصراً وذكره الشيخ ابن عثيمين ~ ولا ينبغي أن يصلوا جماعة لئلا يحدث تشويش على الذين يصلون التروايح.(82)
عاشراً: أحكام الجمع.(1/50)
45- يشترط في جمع التأخير أن ينوي التأخير عند دخول وقت الأولى، لأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة عن وقتها لغير عذر، فإذا ضاق وقتها ولم ينو الجمع قبل ذلك فلا يجوز أن ينوي الجمع إذا ضاق الوقت، بل يجب عليه أن يصلي الصلاة في الحال ويصلي الثانية في وقتها وذكره الشيخ ابن عثيمين عليه ~.(83)
46- إذا دخل على المسافر وقت الصلاة وهو مازال في بلده تقدم أنه لا يجوز له القصر، وكذلك الجمع إلا إذا خشي خروج وقت الصلاة الثانية، ولا يستطيع النزول للصلاة كالمسافر في الطائرة أو النقل الجماعي إذا سافر وقت صلاة الظهر، فله جمع العصر معها بلا قصر وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين ~.(84)
47- يجوز الجمع للإنسان إذا خرج من بلده بعد دخول الوقت للصلاة وكانت مما تجمع مع الصلاة التي بعدها لوجود سببه وهو السفر.
48- وقت الجمع بين الصلاتين من دخول وقت الأولى حتى آخر وقت الثانية الاختياري فلا يجوز تأخير الظهرين إلى بعد اصفرار الشمس بعد العصر، ولا تأخير العشائين إلى بعد منتصف الليل على ما رجحه ابن عثيمين ~.
49- الجمع يكون للظهر مع العصر والمغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير وأيهما فعل أجزأ، والفجر لا يجمع معها شيء.
50- إذا نوى جمع التأخير ثم دخل بلده ولم يدخل وقت الثانية لا يجمع الثانية مع الأولى بل يصلي كل صلاة في وقتها إتماماً ولو بقي وقت يسير لأن علة القصر والجمع هنا السفر وقد زال وهذا مبني على اشتراط استمرار العذر في جمع التأخير وذكره الشيخ ابن باز ~ مع اللجنة الدائمة والشيخ ابن عثيمين ~.(85)
51- إذا نوى جمع التأخير ثم دخل البلد المسافر إليه وبقي وقت يسير ويدخل وقت الثانية فله حالات:
الأولى: إن كان في غير مسجد فالأفضل أن ينتظر حتى يدخل وقت الثانية، فيصليهما جمعاً وقصراً وإن صلى جاز. …
الثانية: إن كان دخل مسجداً بعد أذان الصلاة الثانية وقبل الإقامة، فيصلي الأولى قصراً ثم يصلي الثانية مع الجماعة.(1/51)
الثالثة: إن كان دخل المسجد والناس يصلون الثانية دخل معهم بنية الأولى كما تقدم تفصيله في ائتمام المسافر بالمقيم.
52- إذا نوى جمع التأخير ثم دخل بلده وقد دخل وقت الثانية يصلي الأولى والثانية إتماماً لانقطاع السفر وزوال العذر وبه أفتى الشيخ ابن باز ~ الله مع اللجنة الدائمة.(86)
53- إذا كان وهو مسافر إلى بلده يستطيع أن يدخل بلده ويدرك الصلاة مع الجماعة أو وقتها أو يدخل بلده قبل دخول وقت الثانية جاز له القصر والجمع قبل دخول البلد لأنه لم يدخل البلد ولأنه جمعها مع الأولى بمسوغ شرعي وهو السفر، وبه أفتى الشيخ ابن باز ~ مع اللجنة الدائمة.(87)
54- يجوز الجمع للمسافر السائر كما في صحيح مسلم ( أن رسول الله ( كان إذا جدّ به السير جمع بين المغرب والعشاء )، وأما النازل فيجوز الجمع لكن الأحوط والأولى ترك الجمع عند عدم المشقة لأن الرسول ( كان بمنى في حجة الوداع يقصر الصلاة ولا يجمعها، وخروجاً من الخلاف ورجحه الشيخان رحمهم الله.(88)
55- وجوب الترتيب بين الصلوات في قضاء الفوائت والجمع ويسقط الترتيب بالنسيان والجهل أو إذا خشي خروج وقت الصلاة الحاضرة ولا يسقط بخشية فوات الجماعة وإذا تذكر الفائتة أو الأولى وهو يصلي الحاضرة، رجح الشيخ ابن عثيمين ~: أنه يتم الحاضرة ثم يقضي الأولى لعموم أدلة دفع الحرج عن الناس.(89)
56- إذا جمع المسافر المغرب مع العشاء جمع تقديم، جاز له أن يوتر بعد صلاة العشاء ولا ينتظر حتى يدخل وقت العشاء ورجحه الشيخان ـ رحمهم الله ـ لأن العبرة بصلاة العشاء لا الوقت وهو مذهب جمهور العلماء ـ رحمهم الله ـ.(1/52)
57- إذا جمع الإنسان بين الصلاتين فالأولى والأفضل والأكمل أن يأتي بأذكار الصلاة الأولى ثم الثانية وإن اقتصر على أذكار الصلاة الأخيرة فلا بأس بذلك لتداخلها، ورجحه الشيخ ابن جبرين(90) ورجح ابن عثيمين الاكتفاء بأحدهما ويأخذ الأكمل كالمغرب ذكرها أكمل من العشاء. (لقاءاتي مع الشيخين الطيار 2/206).
58- الصلاة في الطائرة على نوعين كما فصّلها الفقيه ابن العثيمين ~:(91)
أ - نوافل:
يصليها الراكب على أيّ حال قائماً أو قاعداً يومئ بالركوع والسجود على أي جهة ولا يشترط استقبال القبلة وكذا في السيارة لحديث عامر بن ربيعة قال: (رأيت رسول الله ( يصلي على راحلته حيث توجهت به) متفق عليه، وعند البخاري (يومئ برأسه ولم يكن يصنعه في المكتوبة)، وفي رواية مسلم (يوتر عليها) والأفضل استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام قاله ابن العثيمين ~.
ب- فرائض لها حالات:
الأولى: إن استطاع أن يصليها قبل الركوب أو بعد النزول في وقتها صلى سواء جمع تقديم أو تأخير.
الثانية: إذا ركب الطائرة قبل دخول الوقت وغلب على ظنه أن الطائرة لا تهبط إلا بعد خروج وقت الأولى، فينوي جمع التأخير إن كانت تجمع كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء.
الثالثة: إذا ركب الطائرة قبل دخول الوقت وغلب على ظنه خروج وقت الصلاتين المجموعتين أو صلاة لا تجمع مع أخرى كالفجر فيجب عليه أن يؤدي الصلاة في مصلى الطائرة إن وُجِدَ مستقبلاً القبلة إن استطاع وإن لم يستطع صلى في الممرات، وإن لم يستطع صلى قائماً ويومئ بالركوع والسجود وهو جالس على كرسيه ولا يجوز له تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها.
الرابعة: إذا كان في الطائرة مصلى ويمكن أن يصلي مستقبل القبلة قائماً وراكعاً وساجداً صلى فيه ولو كان ذلك مع سعة الوقت.…
59- تجوز الصلاة في السفينة فروضاً ونوافل ولا يسقط القيام واستقبال القبلة في الفريضة لأنه يمكن ذلك فإن لم يستطع القيام جاز له أن يصلي جالساً.(1/53)
* الوقفة الثانية مع ابن باز~ في اغتنامه للوقت حال سفره:
يقول مدير مكتب سماحة الشيخ: كنت مرافقا للشيخ من الطائف إلى الرياض في الطائرة فقرأت عليه ستين صفحة من كتاب أعلام الموقعين ومن المطار إلى منزله تقريراً عن الدعوة في بعض البلاد سبع عشرة صفحة.
متنقل في سؤدد من سؤدد
مثل الهلال جرى فكان كماله
سافر الشيخ حينما كان في المدينة متجهاً إلى بدر وكان معه اثنان يقول أحدهم: فلما بدأ سيرنا ودعا سماحته بدعاء السفر التفت ~ وقال توكلوا على الله ابدؤا بقراءة المعاملات فقلنا للشيخ دائما نقرأ ولا نتمكن من الخروج للمدينة وهذه فرصتنا دعنا نستمتع بالرحلة وننظر الجبال والأودية فضحك سماحته وقال اللهم أهدنا فيمن هديت ليقرأ فلان وأنت تفكر وانظر وبعد أن ينتهي فلان سأملي عليك وينظر الآخر وقت الإملاء وهكذا...
كان سماحته يوماً في مكة وبعد المغرب استقبل الناس وأجاب على أسئلتهم فذهب إلى جدة ومعه ثلاثة لحفل مركز الدعوة وفي الطريق يتناوبون القراءة عليه يقول الموسى: فوصلنا وألقى الشيخ كلمته ثم عدنا فما وصلنا المنزل إلا الثانية ليلاً وكان من عادته أن يتهجد الثالثة ليلاً فجزمنا بعدم قيامه لشدة تعبه فلما جاء وقت تهجده قام وصلى حتى أذن الفجر فذهبنا للمسجد وصلى بنا وألقى كلمة بعد الصلاة فعدنا للمنزل فألقى سماحته غترته وطاقيته وقال: بسم الله المعاملات فقرأنا عليه حتى السابعة والثلث فقال ننام وضع المنبه على الثامنة والثلث فقمنا وذهبنا للرابطة لحضور الندوات فرجعنا الثانية والنصف فتناول الغداء مع الضيوف وأكمل برنامجه اليومي.
ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبب
سئل الشيخ ذات مرة متعجبين من حوله من طول ما يعمل ما سر ذلك يا شيخ!؟
فقال: إذا تلذذت الروح لم يتعب الجسد فرحمة الله على ذاك الأسد فلنكن أشبالاً من ذاك الأسد.
الحادي عشر: أحكام الجمعة.(1/54)
60- يجوز السفر يوم الجمعة قبل النداء الأخير لها وأما إذا أذن المؤذن الأذان الأخير فلا يجوز السفر حينئذ إلا في حالات:
الأولى: إذا خشي ذهاب رفقته وكذا ذهاب الطائرة والنقل الجماعي إذا صلى الجمعة.
الثانية: إذا كان يمكن أن يأتي بها في طريقه.
الثالثة: إذا وافق ذلك اليوم يوم عيد وصلى العيد فإن الجمعة تسقط عنه فله السفر بعد النداء الأخير.
61- الجمعة بالنسبة للمسافر لها ثلاث حالات:
الأولى: إذا كان سائراً في الطريق فلا تلزمه لأن الرسول ( كان يسافر أسفاراً كثيرة ومنها حجة الوداع ولم يرد أنه صلى الجمعة ورجحه الشيخان رحمهم الله (92)، وما يفعله بعض المسافرين من أنه إذا دخل عليه وقت الجمعة وهو في الطريق فإنه يقف ويصلي الجمعة فإنه لم يأخذ برخصة الله والله يحب أن تؤتى رخصه وقال الشيخ ابن باز ~: أجزأته عن الظهر.(93)
الثانية: إذا كان نازلاً في مكان تقام فيه الجمعة ويسمع النداء فالراجح وجوبها لعموم الأدلة ولقول الرسول (: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر) ولقوله تعالى: ( ((((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((((( ((((((( ((((((((((( ((( (((((( (((((((((((( (((((((((((( (((((( ((((((...((94)، وليس هناك دليل يستثني المسافر النازل في مكان تقام فيه الجمعة من صلاة الجمعة ومال إليه ابن تيمية وجزم به الشيخان رحمهم الله(95)، ويتساهل الناس في هذا كثيرًا وأما إذا كان ماراً بالبلد مواصلاً للسير ووقف لحاجة وسمع أذان الجمعة فلا جمعة عليه وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين ~(96)، ويتبع الصلاة سائر أحكام الجمعة من الاغتسال وغيره ويستحب الدعاء للمسافر فيكون جمع سببين لإجابة الدعاء السفر والجمعة.(1/55)
الثالثة: إذا كان نازلاً في مكان لا تقام فيه جمعة ولا يسمع أذانها كمن أقام في البر للنزهة وغيرها فهذا لا تجب عليه الجمعة لأنه مسافر ويأخذ حكم ذلك البدو الرحل، والعسكريون في البحر أو البر لمهمات عسكرية وأمنية وعمال الشركات الذين يخرجون لتنقيب النفط وغيره ولا ينوون الإقامة الدائمة ولا تقام الجمعة في المكان الذي هم فيه، وبه أفتى الشيخان مع اللجنة الدائمة.
62- البعض يقيمون الجمعة بأنفسهم ويصلونها في مكان لا تقام فيه الجمعة وهم مسافرون نازلون كالحالة الثالثة فهؤلاء لا تصح صلاتهم ويجب عليهم أن يصلوا الصلاة مرة ثانية ظهراً لأنها فرضهم وبهذا أفتى الشيخان ـ رحمهم الله ـ مع اللجنة الدائمة.(97)
الرابعة: المقيمون في بلد الكفار يرى الشيخ ابن عثيمين أنهم يقيمون الجمعة إظهارا لشعائر الإسلام وعلى القول الآخر أنهم غير مسافرين فتجب في حقهم.(98)
63- إذا صلى الجمعة وهو مسافر لا يجمع معها العصر ويصلي العصر إذا دخل وقتها لعدم الدليل ولأنها من الصلوات التي لا يجمع معها شيء واحتياط ورجحه الشيخان ـ رحمهم الله ـ(99)، وقيل بجواز الجمع وقال به بعض العلماء قديماً وحديثاً وله قوته وحجته لوجود علة الجمع وعدم دليل المنع وإذا لم تجب عليه الجمعة ككونه سائراً أو سافر قبل دخول الوقت أو في مكان لا تقام فيه الجمعة فإنه يجوز له أن يصلي الظهر والعصر جمعًا اتفاقًا.
64- لو أدرك المسافر والمقيم من صلاة الجمعة أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعاً، فإن أدرك ركعة أتمها جمعة وهو رأي الإمام أحمد ورجحه الشيخان ـ رحمهم الله ـ(100) لقوله (: ( من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فقد أدرك الصلاة ) رواه البخاري ومسلم.(1/56)
65- إنسان دخل مع الإمام بنية الجمعة بعد الرفع من الركوع على أنها الركعة الأولى ثم تبين له أنها الثانية فإنه يغير النية وينويها ظهراً والأولى إذا دخل مع الإمام بعد رفعه من الركوع أن ينتظر حتى السجدة الثانية فإن قام الإمام للثانية نوى الجمعة وإن جلس للتشهد نوى الظهر وذكره الشيخ ابن عثيمين ~.(101)
66- يحدث زحام عظيم في مواسم الحج ورمضان في المسجد الحرام يوم الجمعة فلا يجد الإنسان مكاناً يسجد فيه، فيجب عليه أن يبحث عن مكان يستطيع أن يؤدي فيه الصلاة تامة فإذا لم يجد فيجب عليه إذا أراد أن يسجد أن يجلس ويومئ بالسجود أي يحني رأسه وظهره وهو جالس إلى صدره لقوله تعالى : ( ((((((((((( (((( ((( (((((((((((((( ((102) ولأن السنة جاءت بالإيماء عند التعذر ورجحه الشيخ ابن عثيمين ~(103) وبالمناسبة فالصلاة ولله الحمد في مساجد مكة التي داخل الأميال بمائة ألف صلاة ورجحه عطاء وابن القيم وابن باز فلا يزاحم المرء نفسه وإخوانه.
67- إذا دخل المسافر بلده يوم الجمعة وبقي وقت يسير عن الصلاة فإنه تلزمه الصلاة في أقرب مسجد جمعة إذا خشي فواتها عند إرادته الذهاب إلى بيته وكذا صلاة الجماعة إذا خشي فواتها تأخذ حكم ما سبق.
68- إذا صلى المسافر الظهر يوم الجمعة ثم دخل بلده ويمكنه إدراك الجمعة فلا تلزمه(104).
69- إذا سافر الإنسان يوم الجمعة بعد الزوال، فإن وجد في الطريق مسجداً يصلون فيه الجمعة وجب عليه أن يصلي معهم وإن لم يجد فعليه الاستغفار والتوبة ويصليها ظهراً ركعتين للقاعدة المشهورة بأن العبرة بحال الأداء لا أول الوقت.
70- تستحب قراءة سورة الكهف للمسافر يوم الجمعة لعموم الأدلة الواردة فيها ولأن سنيتها مرتبطة باليوم لا صلاة الجمعة.…(1/57)
71- هل يجب غسل الجمعة على المسافر الذي لا تجب عليه الجمعة محل خلاف والصحيح لا يجب لأن الغسل مرتبط بمن تجب عليه الصلاة لا اليوم كما قال به بعض الفقهاء ـ رحمهم الله ـ وهذا أمر ظاهر من النصوص قال ابن حجر: وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره ـ أي حديث الغسل ـ واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة.. وقد تبين من الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة وعدم تأذي الحاضرين بها، ورجحه النووي(105).
الثاني عشر: أحكام العيد.
72- حكم صلاة العيد لها حالات:
أ- المسافر السائر لا يجب عليه العيد لأن من شرطه الاستيطان كالجمعة.
ب - المسافر النازل في مكان لا تقام فيه صلاة العيد لا تجب عليه.
ج - المقيمون في بلد الكفار يرى الشيخ ابن عثيمين أنهم يقيمون العيد إظهاراً لشعائر الإسلام. ( الممتع5/169).
د - المسافر النازل في مكان تقام فيه صلاة العيد محل خلاف والأحوط وجوبها كالجمعة ومال إليه ابن تيمية لأنه يرى أن العيد فرض عين.(106)
73- يستحب التكبير للمسافر أيام العيدين لعموم الأدلة.(107)
74- من وجبت عليه الزكاة وهو مسافر ذكر المالكية أنه يخرجها إذا كان معه مال وإلا أخرها حتى يرجع بلده إذا كان سفره قصيرًا أو يوكل من يخرجها عنه في بلده.
75- من وجبت عليه زكاة الفطر وهو مسافر الأفضل أن يخرجها في البلد الذي هو فيه فزكاة الفطر تتبع الإنسان حيثما كان وإذا وكَّل من يخرجها عنه في بلده جاز، وبه أفتى الشيخ ابن باز~.(108)
76- من أراد أن يضحي وهو مسافر فله أن يضحي في المكان الذي هو فيه أو يوكل من يضحي عنه في بلده ورجحه ابن باز، وتشرع الأضحية في حق المسافر والمقيم قاله النووي لحديث ثوبان ذبح رسول الله أضحيته ثم قال ياثوبان أصلح لحم هذه فلم أزل أطعمه منها حتى قد المدينة ) رواه مسلم (شرح مسلم 13/145).
الثالث عشر: أحكام الصيام.(1/58)
77- جواز ترك الصوم في السفر عند المشقة وجواز الصيام عند عدم المشقة لحديث حمزة بن عمرو أنه قال: يا رسول الله أجد فيّ قوة على الصيام في السفر فهل عليّ من جناح فقال رسول (: ( هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ) رواه مسلم ورجحه الشيخ ابن باز رحمه الله مع اللجنة الدائمة(109) والفطر للمسافر له حالتان:
أ ـ أن يكون صائماً وهو مسافر ثم أراد أن يفطر جاز له الفطر.(110)
ب ـ أن يكون صائماً في النهار وهو مقيم ثم سافر فلا يفطر إلا إذا جاوز العمران.(111)
78- إذا وصل المسافر إلى بلده وهو مفطر لا يلزمه الإمساك ورجحه الشيخ ابن عثيمين أسكنه الرحمن فسيح الجنان(112)، ولكن لا يجاهر بفطره حتى لا يساء به الظن وعليه القضاء.
79- الفطر في السفر لا يقطع التتابع في الصيام كما في كفارة القتل الخطأ وغيره ويبني على ما مضى لأنه عذر يبيح الفطر في رمضان.(113)
80- من غربت عليه الشمس في مطار بلده أو غيره فأفطر ثم أقلعت الطائرة ورأى الشمس فلا يلزمه الإمساك، وبه أفتى الشيخان ـ رحمهم الله ـ مع اللجنة الدائمة.(114)
81- إذا ركب الطائرة قبل غروب الشمس بدقائق واستمر معه النهار فلا يفطر ولا يصلي المغرب حتى تغرب شمس الجو الذي هو فيه ولو مر بسماء بلد أهلها أفطروا وهو يرى الشمس في سمائها فلا يفطر أو يفطر إذا نزل في بلد قد غابت فيها الشمس وبه أفتى الشيخ ابن باز أسكنه الرحمن فسيح الجنان مع اللجنة الدائمة، لقول الرسول (: ( إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ) رواه البخاري ومسلم.(115)
82- رجل سافر بالطائرة وحجزه مؤكد والمطار خارج البلد فأفطر وقصر الصلاة بعد خروجه من بلده ثم تأخرت الطائرة أو حصل مانع منعه من السفر في ذلك اليوم فصلاته صحيحة وفطره صحيح ولا يلزمه الإمساك لأنه فعل ما وافق الشرع وعليه القضاء وذكره الشيخ ابن عثيمين ~.(116)(1/59)
83- اختلاف الرؤية ابتداء وانتهاء لها ثلاث حالات:
أ ـ سافر من بلد في آخر شعبان والناس مفطرون وجاء إلى بلده وهم رأوا الهلال وسيصومون فيلزمه الصيام معهم.
ب ـ سافر من بلد رأوا فيه هلال شوال وقدم على بلده ولم يروا فيه الهلال فيلزمه الصيام معهم وإن زاد يوماً فأصبح صائماً واحداً وثلاثين يوماً فلا يؤثر.
ج ـ سافر من بلد وهم صيام في آخر الشهر وقدم على بلده وهم رأوا هلال شوال فيفطر معهم وإن كان صيامه ناقصاً عن تسع وعشرين يوماً فيفطر ويقضي يوماً مكانه والقاعدة في ما تقدم: أن العبرة بالبلد الذي هو فيه إن كان بلده فيجب إتباعهم وإن كان غير بلده فالأفضل أن يتبعهم، فإن كان أهله صياماً صام وإن كانوا مفطرين أفطر ويقضي الناقص ولا يؤثر الزائد لحديثه (: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون)(117)، حديث صحيح وبه أفتى الشيخان عليهم سوابغ الرحمة والغفران مع اللجنة الدائمة.(118)
84 - السفر إلى مسجد لأجل الاعتكاف له حالات:
الأولى: إن كان للحرمين والأقصى جاز لجواز شد الرحل لها للحديث الآتي.
الثانية: إن كان غيرهما فالصحيح فيه تفصيل:
أ- إن كان قصده ذات المسجد وبقعته فلا يجوز لحديث: ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد ). متفق عليه ورجحه ابن تيمية وابن عقيل الحنبلي ( المبدع 3/11).
ب ـ إن كان ليس قصده ذات المسجد والبقعة كأن يكون لأجل أنه أكثر خشوعاً واطمئناناً لقراءة إمامه أو وجود بعض الدروس العلمية وغيرها فهذا جائز لأن النهي مرتبط بمن قصد البقعة إلا ما استثناه الدليل كالمساجد الثلاثة.
* الاستراحة الثانية:
رسالة كتبها شيخ الإسلام لأمه وهو مسافر:
من أحمد بن تيمية إلى الوالدة السعيدة، أقر الله عينيها بنعمه وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/60)
فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين، وإمام المتقين، محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.
كتابي إليكم عن نعم من الله عظيمة، ومنن كريمة، وآلاء جسيمة نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله، ونعم الله كلما جاءت في نمو وازدياد، جلت عن التعداد.
وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد، إنما هو لأمور ضرورية متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا، ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهراً واحداً، بل كل يوم نستخير لنا ولكم، وادعوا لنا بالخيرة، فنسأل الله العظيم أن يخير لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخيرة في خير وعافية.
ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير والرحمة، والهداية والبركة، مالم يكن يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، ونحن في كل وقت مهمومون بالسفر، مستخيرون الله ( فلا يظن الظان أنا نؤثر على قربكم شيئاً من أمور الدنيا قط، بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه. ولكن ثَم أمور كبار نخاف الضرر الخاص والعام من إهمالها. والشاهد يرى ما لا يرى الغائب.(1/61)
والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة فإن الله يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علام الغيوب، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من سعادة ابن آدم استخارته الله ورضاه بما يقسم الله له ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته الله وسخطه بما يقسم الله له )(119) والتاجر يكون مسافراً فيخاف ضياع بعض ماله فيحتاج أن يقيم حتى يستوفيه وما نحن فيه أمر يجل عن الوصف، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كثيراً كثيراً وعلى سائر من في البيت من الكبار والصغار وسائر الجيران والأهل والأصحاب واحداً واحداً والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً. (الفتاوى 28/48) وهذه الرسالة من هذا العالم الذي يعجز القلم عن وصفه، فيها من الفوائد الشيء الكثير وأدع للقراء والمسافرين استنباطها والوقوف معها طرداً للملل وتحريكاً للأذهان ومعرفة واقتداء بهذا الترجمان.
وقفة: من عظيم الوفاء والجفاء!!
لقد رأيت من عظيم التواضع أن يزور شيخ وأستاذ تلميذه إذا سافر إلى بلد هو فيه.
لقد رأيت من عظيم الوفاء أن يزور تلميذ شيخه إذا سافر إلى بلد هو فيه.
لقد شاهدت من عظيم الجفاء ألا يزور التلميذ والصديق بلدًا يسافر إليه وفيه شيخه وصديقه فلا يلتقي به وفي الوقت سعة.
لقد شاهدت من عظيم القطيعة أن ينزل مسلم بلدًا له فيه قريب فلا يلتقي به وفي الوقت سعة.
وكان الشيخ ابن عثيمين ~ يجل شيخه ابن باز فلا يقدم بلدًا وفيه شيخه إلا ابتدره بالزيارة والسلام وكان الشيخ ابن باز يجل ابن عثيمين فرحم الله الجميع وقد دفنا بجوار بعض في مكة.
الرابع عشر: بعض أحكام العمرة.(1/62)
السفر لبلد الله الحرام وكثرة توافد الناس إليه من أقطار العالم في السنوات الأخيرة حتى لا تكاد تجد مكانًا تصلي فيه من شدة الزحام وهذا أمر يفرح ويسر ويدل على أن في الأمة إقبالاً على الله يشرح الخاطر و يبعث الأمل في الضمائر ويغيض كل عدو وكافر ورد في مسند أحمد عن أبي قتادة وأبي الدهماء قالا كانا يكثران السفر نحو هذا البيت. ولذا ذكرت بعض مسائل العمرة والبلد الحرام.
85- كيفية الإحرام بالحج والعمرة للمسافر في الطائرة كما ذكرها الشيخ ابن عثيمين ~:(120)
أ- يغتسل في بيته ويبقى في ثيابه المعتادة وإن شاء لبس ثياب الإحرام.
ب ـ إذا قربت الطائرة من محاذاة الميقات لبس ثياب الإحرام إن لم يكن لبسها من قبل.
ج ـ إذا حاذت الطائرة الميقات نوى الدخول في النسك ولبى بما نواه.
د ـ إذا أحرم قبل محاذاة الميقات احتياطاً، خوفاً من الغفلة والنسيان فلا بأس.
86- من نزل في مطار جدة وقد قدم من بلده يريد الحج أو العمرة ولم يحرم في الطائرة عند محاذاة الميقات فإنه يجب عليه أن يرجع إلى ميقات بلده ويحرم منه،وقيل يحرم من أقرب ميقات له فإن أحرم وهو في جدة فعليه دم شاة تذبح في مكة وتوزع على فقرائها وعليه العمل والفتوى وكذلك من أتى براً فتجاوز الميقات.
87- المسافر بالطائرة إذا نوى الحج أو العمرة فإذا حاذى الميقات وأراد أن يلبس ملابس الإحرام وإذا به قد نسيها في العفش فالجواب: عليه أن يخلع ثوبه ويجعله رداءً يلتحف به ويبقى لابساً السروال حتى ينزل ومن ثم يبادر بلبس الإزار والرداء، وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين ~(121)، وإذا نوى وشق عليه ذلك فيبقى على ملابسه ويفدي للبسه المخيط وإذا غطى رأسه فيفدى أخرى وفدية المخيط هي: ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف من الأرز وغيره لفقراء الحرم أو صيام ثلاثة أيام في أي مكان.
88- المسافر بالطائرة إذا أراد الحج والعمرة وغلبه النوم ولم يستيقظ إلا بعد مجاوزة الميقات فله حالتان:(1/63)
الأولى: إن كان ليس لابساً ملابس الإحرام لزمه الرجوع إلى ميقات بلده والإحرام منه أو أقرب ميقات له، ومسجد عائشة أو ما يسمى بالتنعيم ليس ميقاتاً له هنا، وإن لم يستطع فعليه دم يوزع على فقراء الحرم.
الثانية: إن كان لابسا ملابس الإحرام لكنه لم ينو الدخول في النسك فإنه يرجع إلى الميقات وينوي منه، وإن لم يستطع فعليه دم وهو الذي عليه العمل والفتوى.
89- من نوى الدخول في النسك من بلده وأحرم بالحج أو العمرة ثم غلبه النوم ولم يستيقظ إلا بعد مجاوزة الميقات فإحرامه صحيح لكنه خالف السنة على الصحيح.
90- كيفية الإحرام لمن سافر عن طريق البحر له حالتان:
أ- أن يحاذي شيئاً من المواقيت فيحرم من محاذاتها.
ب- ألا يحاذي شيئاً منها كمن يأتي من سواكن جهة السودان فإنه يحرم من جدة واختاره ابن عثيمين وإن كان من غير جهة جدة فيحرم على بعد مرحلتين من مكة.
91- من دخل مكة محرماً فليس واجباً عليه أن يبادر بالعمرة منذ وصوله فله أن ينتظر حتى يستريح ويجد منزلاً وغير ذلك ثم يأتي بعمرته.
92- من سافر من بلده لعمل أو غيره ومر بالميقات فله أحوال:
أ- لا ينوي الحج أو العمرة مطلقاً فلا شي عليه.
ب- لا يدري هل يتيسر له الحج والعمرة أم لا فحينئذ لا يجب عليه الإحرام من الميقات فإن نوى بعد ذلك الإحرام فإنه يحرم من المكان الذي هو فيه.
ت- من مر بالميقات وهو جازم ـ بعد الانتهاء من العمل أو قبله أو غير ذلك ـ الإتيان بالحج أو العمرة لكنه لم يحرم فإنه يجب عليه إذا أراد الإحرام الرجوع إلى ميقاته أو أقرب ميقات وإذا لم يستطع يحرم من مكانه وعليه دم يوزع على فقراء مكة.
93- من جاء إلى مكة محرمًا بالعمرة فله حالات:
أ- أن يتم عمرته.
ب- أن يمنعه مانع من إتمام العمرة كمرض أو حادث أجار الله الجميع من كل سوء فله حالتان:
الأولى: إن كان اشترط عند الدخول في الإحرام بقوله: (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) فيفسخ إحرامه ولاشيء عليه.(1/64)
الثانية: إذا لم يشترط فإنه يفسخ إحرامه وعليه دم فدية توزع في المكان الذي أحصر فيه أو لفقراء الحرم.
3- ألا يتم عمرته لزحام شديد أو لعدم المانع جهلاً ففسخ إحرامه فإن هذا الفعل لا يصح ولا يجوز لأن الله يقول:( ((((((((((( (((((((( (((((((((((((( (( ((122)، وعليه أن يلبس إحرامه ويتم عمرته فإن ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام غير الجماع فلا شيء عليه لجهله وإن كان جماعاً فعمرته فاسدة ويلزمه إتمامها ويأتي بعمرة جديدة سواء كانت العمرة الفاسدة فريضة أو نافلة وعليه العمل والفتوى، وأما إن كان قد تزوج قبل إتمام العمرة فذهب الشيخان وجمع من المعاصرين إلى تجديد عقد النكاح لأن عقد النكاح من محظورات الإحرام، وقيل لا يحتاج إلى ذلك لأنه جاهل والجهل مرفوع والمسألة تحتاج مزيد بحث وتحرير.
94- المرأة إذا مرت بالميقات وهي حائض فلها ثلاث حالات:
الأولى: إذا مرت بالميقات وهي حائض وغلب على ظنها أنها ستطهر مادامت في مكة فعليها أن تحرم وتدخل مكة وتنتظر حتى تطهر فإذا طهرت اعتمرت.
الثانية: إذا مرت بالميقات وهي حائض ولا تدري هل ستطهر في مكة أم تخرج منها قبل الطهر فلها أن تحرم وتشترط وتقول اللهم لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فإن طهرت تكمل عمرتها وإن أرادت الخروج وهي لم تطهر جاز لها الخروج بلا عمرة ولاشيء عليها، لحديث ضباعة بنت الزبير قال لها الرسول (: (لعلك أردت الحج. قالت: والله لا أجدني إلا وجعة. فقال لها: حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني) رواه البخاري ومسلم وابن عثيمين يرى الاشتراط للحيض.
الثالثة: إذا مرت بالميقات وهي حائض ولم تحرم جهلاً منها وهي تقصد العمرة وفي مكة طهرت وأرادت أن تعتمر فإنها ترجع إلى ميقات بلدها أو أقرب ميقات وتحرم منه.
الخامس عشر: بعض أحكام المسجد الحرام.(1/65)
95- أن ما كان داخل حدود الحرم أي ـ ضد الحل ـ كله حرم والصلاة فيه بمائة ألف صلاة ولاشك أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل وتبعث في النفس الراحة والطمأنينة وانشراح الصدر وكثرة الجمع والقرب من الكعبة، وهو مذهب الجمهور ورجحه الشيخ ابن باز طيّب الله ثراه وجمعنا به ربنا في علاه.(123)
96- يجب على من يصلي داخل المسجد الحرام أن يستقبل عين الكعبة ببدنه كله لأنه أمكن الاتجاه عن يقين فوجب عليه ولأن الأصل وجوب الاستقبال إلى البيت الذي هو البناء ولا يجوز له أن ينحرف عنها يميناً أو يساراً فيجب التنبه لهذا، وذكر الشيخ ابن عثيمين ~: أنه مرة صلى فوجد نفسه منحرفاً عن عين الكعبة فأعاد الصلاة فيجب على المصلي أن يتحرى ذلك.(124)
97- مسائل في الحَجَر الأسود:
الحجر الأسود: هو الحجر المنصوب في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة وهو مبدأ الطواف قال فيه (: (نزل الحجر الأسود وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم)(125)، حديث صحيح، وفي رواية (الحجر الأسود من الجنة) وهي ضعيفة.(126)
أ- ما جاء في فضل الحجر واستلامه:
- عن ابن عباس { أن رسول الله (قال: ( إن لهذا الحجر لساناً وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق ) حديث صحيح.(127)
- عن ابن عباس { قال رسول الله (: ( الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة وإنما سودته خطايا المشركين ) حديث ضعيف.(128)
تأمل: قال بعض أهل العلم: تأمل كيف أثر المعاصي على الجمادات فكيف أثرها على القلوب. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرحمنا برحمته وأن يزيل من الوجه والقلب أثر الذنب.
ب ـ كل ما ورد بأن الحجر الأسود يمين الله في الأرض فهو ضعيف وذكره ابن تيمية ~.
خطأ: أن يكبر بيديه عند محاذاة الحجر الأسود كالصلاة وإنما بواحدة.
خطأ: مسح الوجه بعد استلام الركن.(1/66)
لأنه لم يرد دليل صحيح في مسح الوجه باليدين بعد تقبيل واستلام الحجر لأن الإنسان يطوف سبعاً اتباعاً لقول وفعل الرسول ( ولا يمسح وجهه بيديه اتباعاً لفعل الرسول ( والاتباع يكون في الفعل والترك.
98- مسائل في الِحجْر:
أ- الحجر هو: ما حواه الحائط الواقع شمال الكعبة المشرفة على شكل نصف دائرة.
وسمي بذلك: لأن قريشاً في بناءها الكعبة تركته من أساس إبراهيم ( وحَجَرت عليه ليُعلم أنه من الكعبة.
خطأ: تسميت الحجر بحجر إسماعيل (.
وهذه التسمية اشتهرت عند كثير من المؤرخين والعوام وهي تسمية غير صحيحة لأنها بنيت على سبب غير صحيح حيث قيل في سبب التسمية: أن فيه قبر إسماعيل ( وكل ما ورد في ذلك فهو ضعيف ولو كان ذلك صحيحاً لنقله الأئمة الكبار، وقد نبه على ذلك الشيخ ابن عثيمين ~ وغيره من أهل العلم.(129)
ب ـ ما ورد في فضل الصلاة في الحجر: ورد عن عائشة < أنها قالت: ( كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله بيدي وأدخلني الحجر وقال: إذا أردت دخول البيت فصلي ههنا فإنما هو قطعة من البيت ).(130)
99- الركن اليماني: هو ركن الكعبة الغربي الجنوبي وكان الرسول ( يستلمه بيده ولم يرد عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ تقبيله أو تقبيل يده بعد استلامه أو الإشارة إليه ولا يجوز استلام وتقبيل مقام إبراهيم ( أو التبرك به وبالكعبة وجدرانها والتمسح بها ودعائها لعدم فعل الرسول ( والصحابة رضوان الله عليهم ذلك.
خطأ: استلام الركنين الشاميين لأن الرسول ( لم يستلم من الكعبة إلا الركنين اليمانيين، كما في صحيح مسلم عن ابن عباس { فلا يشرع استلام الشاميين ولا الإشارة إليهما.(1/67)
100- الملتزم: هو مكان الالتزام من الكعبة فيما بين الحجر الأسود وباب الكعبة ويسن وضع الخد وبسط اليد والصدر على هذا الموضع من الكعبة، فقد ورد ذلك عن الزبير وابن عباس وعروة وأيوب السختياني ومجاهد وغيرهم(131). قال شيخ الإسلام ~: ( وإن أحب أن يأتي الملتزم وهو ما بين الحجر الأسود والباب، فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله حاجته فعل ذلك ). وقال الشيخ ابن باز ~: ( لا بأس به وفعله بعض الصحابة وإن كانت هناك رواية أن الرسول ( التزم ولكن في إسنادها نظر )(132) ووردت أحاديث من قوله وفعله ـ عليه الصلاة والسلام ـ عند الطبراني والبيهقي وأبي داود لكنها لا تثبت صحة.
101- أحكام الطواف:
أ- اشترط كثير من أهل العلم للطواف الطهارة وهو الذي رجحه الشيخ ابن باز ~ مع اللجنة الدائمة لحديث عائشة <: ( أن النبي ( بدأ بالوضوء قبل الطواف لطوافه ) متفق عليه، وفي الصحيح (خذوا عني مناسككم ) ورجح ابن تيمية وابن عثيمين عدم اشتراط الطهارة وأما السعي فلا تشترط له الطهارة.
ب ـ يلزم الطائف محاذاة الحجر ولو ببعض بدنه عند استلامه ولا يجب ببدنه كله قال ابن القيم في صفة طواف الرسول (: ولا حاذى الحجر الأسود بجميع بدنه. أهـ (133)، ويستحب استقبال الحجر.(134)
ج ـ من قطع الطواف أو السعي لعذر كمرض وصلاة وغيرها بنى على ما مضى إن لم يطل الفصل ويبدأ من المكان الذي وقف عنده، وإن ابتدأ من بداية الشوط الذي وقف فيه فهو أولى فإن طال الفصل أعاد.
د ـ ركعتا الطواف سنة خلف المقام ويجوز أن يصليها في أي مكان في المسجد الحرام ويجوز أن تصلى خارج الحرم لفعل عمر ( حيث صلاها بطوى(135)، وأم سلمة < كما في البخاري ( فلم تصل حتى خرجت ) ويصليها الإنسان إذا نسيها حيث ذكرها لعموم قول الرسول (: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) متفق عليه.
هـ ـ يقرأ في الركعة الأولى الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد. كما في صحيح مسلم.(1/68)
و ـ لا تجزيء صلاة الفرض والنفل عن ركعتي الطواف لأنها سنة مستقلة وقد رجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين وهو الأولى والأحوط وخروجاً من الخلاف.(136)
ز ـ يجوز تكرار الطواف ويفصل بين كل سبع بركعتين وكان ابن عمر يصلي لكل أسبوع ركعتين وهو الأفضل وقيل يجوز القِران بين الأطوفة ـ كأن يطوف أربعة عشر شوطاً ـ وجعل الصلاة في آخرها لكل سبع ركعتان. وورد ذلك عن عائشة والمسور بن مخرمة وطاؤوس ورجحه الشيخ ابن باز ~.(137)
ح ـ طواف الوداع واجب على الحاج سنة للمعتمر ورجحه الشيخ ابن باز ~ (138)وإن طاف المعتمر للوداع فهو أفضل.
ط ـ الأفضل لمن قدم مكة أن يكثر من الطواف كما ورد عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم واستحب بعض أهل العلم أن يختم فيها القرآن ( كانوا يحبون إذا دخلوا مكة أن لا يخرجوا منها حتى يختموا القرآن ) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/387.
102- مسائل في ماء زمزم.
أ- فضل زمزم: قال عليه الصلاة و السلام: ( إنها مباركة، إنها طعام طعم ) رواه مسلم، وفي رواية ( وشفاء سقم )(139)، وفي رواية ( ماء زمزم لما شرب له ) وكلا الروايتين صحيحة(140)، فليحرص الإنسان الدعاء عند شربها فهو موطن إجابة حرص السلف على ذلك وكثير منهم نال مناه وتحقق دعائه.
ب ـ التضلع من زمزم.
عن ابن عباس { قال: قال رسول الله (: (إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم) حديث صحيح(141)، والمعنى: أنهم لا يكثرون من شرب ماء زمزم حتى تتمدد جنوبهم وضلوعهم وقيل: لا يرتوون من ماء زمزم ويقال فلان تضلع: امتلأ شبعاً وريّاً.
قال الشيخ ابن عثيمين ~: إن ماء زمزم ليس حلواً ولا عذباً وإنما فيه ملوحة والمؤمن لا يشرب هذا الماء الذي يميل إلى الملوحة إلا إيماناً بما فيه من البركة فيكون التضلع منه دليلاً على الإيمان.(142)
* كيف نستفيد من زيارتنا للبلد الحرام وتوجيهات لقاصديه؟(1/69)
- الطواف بالبيت وفي الحديث: ( من طاف بالبيت كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحا عنه سيئة ) رواه الترمذي وصححه الألباني فاستكثروا من الطواف.
- الوقت في الحرم فرصة وتجارة ودورة مكثفة لمضاعفة الحسنات والإقبال على الله.
ولا تكسل عن الطاعات فيه
فهذا الوقت وقت الاغتنام
- كان بعض السلف يحرص على ختم القرآن والصدقة والصيام في مكة لمضاعفة الحسنات.
- عدم ترك الأولاد للعبث في الأسواق والساحات المجاورة للحرم.
- حضور الدروس بالحرم وانتظار الصلاة إلى الصلاة واستغلال الدعاء فيه ففيه مواطن إجابة.
- تقديم الأفكار والمقترحات بما يخص البلد الحرام والبيت العتيق لرئاسة الحرمين.
- الأخلاق الأخلاق فالكلمة الطيبة صدقة والصبر على الأذى وعند الزحام أجر وتكفير.
- إياك وحجز الأماكن بالسجاد في المسجد الحرام فهذا محرم.
- من المؤسف والمحزن استخدام الجوالات بالحرم وإشغال الناس بأصواتها وغنائها.
- المحافظة على نظافة المسجد وساحاته.
- حضور المحاضرات والدروس العلمية والبرامج التوجيهية بالبلد الحرام.
- زيارة الجهات الخيرية كمشروع تعظيم البلد الحرام وجمعية مراكز الأحياء وهدية الحاج وغيرها والالتقاء بعلماء ودعاة البلد الحرام عن طريق تلك الجهات.
* الاستراحة الثالثة الإمام ابن عثيمين في سفره لمكة.(1/70)
كان من عادة الشيخ أن يأتي إلى مكة في العشر الأواخر من رمضان فلم يترك هذا البرنامج منذ زمن طويل ومن حبه لهذا البرنامج أنه لم يتركه حتى وهو على فراش مرض موته عليه سحائب الرحمة، همة حتى على فراش الموت فأين الأصحاء والكسالى منها!؟ كان يملأ العشر بما يلي: يبدأ درسه بعد الفجر حتى الإشراق ثم يأتي وراءه الناس مسلِّمين وسائلين، في منظر جميل حتى يصل لشقته أو غرفته بالحرم ثم يأخذ قسطاً من الراحة ثم أذان الظهر يواصل برنامجه مابين قراءة للقرآن ـ وكان يختم عشرة أجزاء كل يوم ـ وطواف ثم بعد العصر يستقبل الناس وأسئلتهم وحاجاتهم حتى المغرب ثم يكون مدعواً المغرب بعض الأيام عند الملك وغيره للإفطار، يقول أحد مرافقيه: وفي يوم كان الشيخ متعباً ويجيب على أسئلة الناس عن طريق الهاتف ومن شدة غلبة النوم سقط الهاتف من يده فقمنا بفصل الهاتف ثم انتبه الشيخ وهو يقول أين الهاتف؟ فنخبره بما حصل فيصر على فتحه ويقول: الناس بحاجة لمن يفتيها وأنا أنام رحمك الله يا شيخ أين حال كثير من طلبة العلم!؟ يتصل عليهم مراراً وتكراراً فلا يجيبون بل يتهربون من مقابلة الناس وحل مشكلاتهم وإفتائهم والله المستعان.
فلو لم يجد في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سائله(1/71)
ثم يبدأ بعد التراويح درسه الذي ما شهد الحرم له مثيل بطريقة شرحه المتميزة وأسلوبه الممتع وطرافته، الذي يحبه ويستوعبه الجميع ثم تأتي صلاة القيام وبعد الصلاة يزدحم الناس عليه حتى تشفق عليه وهو يجيب هذا ويسلم على ذاك وينحني للصغير ليسلم عليه وأذكر ذات مرة استوقفه رجل إعلامي فدار حديث بينهما ثم جاء صبي لا يتجاوز العاشرة وتحدث معه قليل ثم سار والناس من حوله في منظر رائع ثم يكون مدعواً للسحور ثم يعود للحرم وكان لا يترك الطواف يومياً في الغالب، وكان نومه قليلاً حتى كان في درس الفجر يغلبه النوم فيغفو ~ وهو يواصل ويجاهد نفسه، وذات مرة يقول أحد طلابه: جئنا أنا والشيخ للدرس بعد الفجر وكنا متعبين فألقى الدرس وكان يغلبه النوم، وأما أنا فقد توسدت كتابي ونمت فلما انتهى من الدرس ذهب الشيخ للسيارة وحينها جلس ينتظرني فلم يجدني ثم رجع لمكان الدرس يبحث عني فقابلته والناس من حوله فقال لي: أين أنت منذ ساعة وأنا أبحث عنك؟ فتحرجت كثيراً فقال: النوم سلطان جائز. أهـ انظر إليه ما عنفه أو تركه وذهب رحمك الله أبا عبد الله قمة في التربية والأخلاق والتواضع.
يقول أحد طلابه وكان مرافقاً له لمكة: ذات مرة جئنا للسكن المعد وكان المصعد عطلاناً ولا يعمل.. فكان الواجب علينا الصعود على الدرج لعشر طوابق..!!
صعد الشيخ بكل خفة ورشاقة أما أنا فتعثرت مرارًا وهممت أن أرجع للحرم وأترك الشيخ!!
فكان الشيخ يسحبني ويجرني وهو ابن السبعين حتى وصلت وكاد نفسي ينقطع!!(1/72)
غير أن الشيخ حينما وصل للسكن تذكر أن لديه مكالمة مع الأمير عبد الله ولي العهد آنذاك وهي ضرورية ولا يمكن تأخيرها.. فقال لي: أحضر الهاتف لكي اتصل.. فبحثت عن جهاز الهاتف في كل غرف الشقة.. فلم أجده فتتبعت سلك الهاتف الموصل بالفيش فوجدته موصولاً بغرفة مغلقة وليس لدينا لها مفتاح!! علمت من وجه الشيخ وملامحه أن لا خيار لديه.. فقررت النزول لشراء جهاز له.. فقال لي: سوف أنزل معك..قلت له: أبداً. فأصر على النزول معي فأذعنت لذلك.. نزلنا وما أسهل النزول. بحثنا في المحلات فوجدنا أجهزة متعددة ومختلفة الأسعار.. فكنت أريد شراء جهاز معقول الثمن حيث إنني علمت أن حاجتنا إليه لمكالمة واحدة فقط.. بحث الشيخ عن أرخص جهاز بالسوق وقيمته عشرة ريالات وهو أشبه بلعب الأطفال!!
فقلت له: يا شيخنا هذا ما ينفع لشيء!! قال: يا ولدي مكالمة واحدة فقط!! فأخذناه واستحييت والله من شراءه ولكن هذه هي رغبة الشيخ.. وليس هذا بخلاً منه كما قد يظن البعض بل الشيخ من أكرم الناس كما يشهد بذلك من عرفه ولكنه مقتصد على نفسه ~ وعفا عنه.. صعدنا الدرج ويا للعذاب!! وصلت للشقة فدخلت للحمام!! دخل شيخنا وأراد إصلاح خط الهاتف فما استطاع فانتظرني حتى خرجت من الحمام.. فقال: تعال أصلح الهاتف.. فقلت له: ليس من سبيل سوى قطع سلك الهاتف صاحب المنزل وتوصيله.. فأبى الشيخ وقال: هذا ليس من المروءة هل تريده يقول: أفسدوا سلك هاتفي!! فقلت له: ما العمل؟ فبحثنا وتتبعنا السلك حتى وصلنا لفيش الهاتف.. فقمت بفتحه بسكين وأوصلت أسلاك الهاتف ولكن أين اللاصق الذي يثبته!! فقلت: يا شيخ الهاتف يعمل ولكن نحتاج للاصق فهل سننزل من أجله للسوق؟؟
فقال: كلا بل أوصل السلك بيديك وأمسك به حتى أنهي المكالمة!! ففعلنا...إلخ(1/73)
وفي مواقفه وقصصه هذه فوائد جمة رحمك الله أبا عبد الله فقد كنت إمامًا متواضعاً ومربياً عظيماً وللقاري وهو مسافر أن يجعل من معه يستخلصون الفوائد والعبر من هذه السير فتراجم الرجال مدارس الأجيال كما يقول ابن حزم ~.
السادس عشر: أحكام زيارة مسجد الرسول (.
103- يستحب السفر لزيارة مسجد الرسول ( في أي وقت وهذه السنة يغفل أو يتساهل بعض الناس فيها والبعض لا يفعلها سداً للذريعة وهذا ليس بصواب.
104- تستحب صلاة النافلة في الروضة لقوله (: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) رواه مسلم، وأما الفريضة فالصف الأول أفضل وذكره الشيخ ابن باز ~ في التحقيق والإيضاح.
فرع: حديث: ( مابين منبري وقبري روضة من رياض الجنة ) رواه أحمد قال ابن حجر: قال القرطبي الرواية الصحيحة بيتي ويروى قبري وكأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه ( الفتح 3/84).
قال الألباني ~: إن المراد برواية قبري هو البيت وهو الصواب الذي لا يرتاب فيه باحث ولأن القبر النبوي لم يكن موجودًا ولا معروفًا عند الصحابة إلا بعد وفاته ـ عليه الصلاة والسلام ـ فكيف يعقل أن يحدد لهم الروضة الشريفة بما بين المنبر المعروف والقبر غير معروف فالنبي يخبرهم بأمر يشاهدوه ويحضهم عليه ولم يخبرهم بأمر غيبي فيتوهم متوهم بلي بالقياس الفاسد أنه ليس هناك ما يمنع بأن الروضة بين المنبر والقبر كمعجزة يخبرهم بأنه سيدفن في بيته لأن الأمر حث مباشر منه لأصحابه وليس إخباراً بأمر سيحدث كفتح بلاد كسرى وقيصر ( بدع القبور للعصيمي 239).
105- تستحب زيارة قبر الرسول ( وصاحبيه أبي بكر وعمر { ويسلم عليهم ثم ينصرف ولا يطيل القيام، ولا يرفع الصوت، ولا يكرر السلام، ولا يجوز الدعاء لنفسه أو غيره عند القبر رجاء القبول والإجابة والبركة سواء متوجهاً إلى القبلة أو القبر أو يدعو الرسول أو يطلب الدعاء منه أو يتمسح بالقبر، كما قال شيخ الإسلام والشيخ ابن باز عليهم ~.(143)(1/74)
ومن بدع الزيارة الجلوس حول القبر والصلاة عنده وتلاوة القرآن تبركًا لعدم الدليل على ذلك ولأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك وهم أحرص الناس على العبادة في حب واتباع للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وهذه الزيارة مستحبة في حق من زار مسجد الرسول ( أو كان قريباً منه أما السفر لزيارة القبر فلا يجوز له شد الرحل للقبر ولكن شد الرحل للمسجد فإذا وصله زار القبر وهذه خاصة بالرجال ورجح الشيخ ابن باز ~: بأنه لا تجوز زيارة النساء لقبر الرسول ( لأن الرسول (: ( لعن زوارات القبور ) حديث صحيح(144)، وقال الشيخ ابن عثيمين ~: إن زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب لكن لو أن المرأة مرت من عند القبور من غير قصد الزيارة فلا بأس أن تسلم عليهم.(145)
106- تستحب زيارة البقيع وشهداء أحد لفعل الرسول ( كما في صحيح مسلم أن الرسول ( زار البقيع وعند ابن حبان أنه زار شهداء أحد وتستحب زيارة مسجد قباء والصلاة فيه لقول الرسول (: ( من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة )(146) حديث صحيح، وفي صحيح مسلم: (كان ( يأتي قباء كل سبت)، وفي رواية له: (فيصلي فيه ركعتين).
107- زيارة ما يسمى بالمساجد السبعة ومسجد القبلتين والغمامة والفتح، أمر ليس عليه دليل بل هو من البدع إذا اعتقد الإنسان أن لها فضل خاص بها ونجد أن بعض الناس يعتقد مشروعية زيارتها والصلاة فيها وسنية ذلك ويقصدها وكل ذلك من البدع لأن الرسول ( لم يجعل لها فضل خاص بها ولم يميزها عن غيرها ولم يقصدها بعينها وكذلك صحابته رضوان الله عليهم.(147)
خطأ: - تحديد سنية صلوات محدودة وأيام معدودة للبقاء في المدينة لزائرها بدعة وليس بلازم ولا مستحب.
الثامن عشر: مسائل متعلقة بالنكاح والمرأة.
108- حكم استئذان الزوجة زوجها في السفر له حالتان:(1/75)
أ - إن كان السفر للحج فحكمها كحكم مسألة استئذان الابن للحج السابقة ورجح ابن تيمية في شرحه على العمدة عدم اشتراط إذنه في الحج الواجب واشتراطه في المستحب.
ب - إن كان سفرًا مباحًا فلا بد من إذنه لعموم أدلة طاعة الزوج وعدم جواز خروجها إلا بإذنه.
109- يجوز للزوج أن يسافر عن زوجته أكثر من ستة أشهر لعذر كالعمل لطلب الرزق وطلب العلم وغيره وأوجد لها مال يكفيها ولأولادها ولا يلزمه القدوم، وأما إن كان لغير عذر وطلبت قدومه لزمه ذلك فإن لم يأتي رفعت أمرها للقاضي ( كشاف القناع 7/2550).
تحذير: نجد وللأسف كثيراً من الأزواج إذا أراد السفر لا يخبر زوجته بذلك أو لا يخبرها إلا وهو في الطريق أو بعد وصوله البلد المسافر إليه وهي في حالة من القلق والاضطراب لفقده، ولا شك أن هذا من عدم الوفاء وعدم حسن العشرة وجميل الأخلاق والآداب، أو إذا سافر فآخر عهدهم به حين الخروج فلا يتصل أو يسأل والوسط مطلب لا إفراط ولا تفريط والله المستعان.
110- حكم الزاج بنية الطلاق له حالتان:
الأولى: أن يتفق الزوجان على ذلك سواء محدداً بزمن أو غير محدد وهذا محرم بالإجماع ويسمى نكاح المتعة وهي محرمة.
الثانية: أن ينوي الزوج ذلك دون إظهاره سواء محدداً بزمن أو غير محدد وهذا محرم وبه قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وأصحابه ومحمد رشيد رضا وابن عثيمين وصالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وصالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة برئاسة سماحة المفتي عبدالعزيز آل الشيخ، قالت: هو زواج باطل لأنه متعة ولا يجوز من يتزوج من امرأة لأجل أن يحصل على جنسية ذلك البلد ثم يطلقها أو يعقد عقدًا صوريًا فقط فهذا كذب وخداع محرم ( فتاوى اللجنة 18/449 والزواج بنية الطلاق للمنصور ).(1/76)
وقد انتشر هذا الزواج بين الشباب وخاصة حينما يسافرون لبعض البلدان بل أننا نجدهم يسافرون لأجل الزواج بنية الطلاق وهذا يخالف مقاصد الشريعة من الزواج والفطر السليمة والنظر السديد وأدى ذلك إلى أن الأمر أصبح نوع من الفساد والانحراف نتج عنه ضياع الأولاد وظلم النساء وانتشار الأمراض كالايدز وغيره، وغش النساء وخداعهن واستغل بعض الشباب فقر بعض المجتمعات العربية فيسافر كل صيف ويتزوج في سفرة واحدة العديد من النساء أي عقل ودين يقبل هذا!؟ ولا يرضى أحد هذا العمل لبناته أو أخواته وفيه من المفاسد مالا تحصر وأشهر من أن تذكر في هذا المقام فليتق الله الشباب في أعراض المسلمات، ولتتنبه الدول الإسلامية والعربية لهذا الأمر وتحفظ أعراض مجتمعاتها وأنسابها ولتضرب بيد من حديد على ذلك لتحد وتقطع دابر هذه الفتنة، وتعطي الأمر أهميته قبل جني الحنظل بل بدأنا نجنيه وتجنيه ومن أراد زواجًا شرعيًا دون طرق ملتوية فلا بأس، ولتواضع الضوابط والتشديدات والضمانات والجزاءات ردعاً لأولئك العابثين الذين لو أردت أن أحكي قصصهم مع ذلك العبث لدمعت العين واحترق الكبد وتفطر القلب وشاط الغضب وتحركت الغيرة والله المستعان، والضرورات تقدر بقدرها والفرق بين الفتوى العامة والخاصة.
111- إذا لم يتيسر للإنسان أخذ زوجاته جميعهن أقرع بينهن لفعل الرسول ( رواه مسلم .(1/77)
112- يحرم على المرأة أن تسافر وحدها، سواء كان السفر طويلاً أو قصيراً، براً أو جواً وقد تساهل كثير من النساء في السفر لوحدهن جواً، وهذا فيه مخالفة شرعية ومفسدة عظيمة لأن المرأة فتنة وانفرادها سبب للمحظور، لأن الشيطان يجد السبيل بانفرادها فيغري بها ويدعو إليها، وكل ما يسمى سفراً فإنه لا يجوز للمرأة أن تسافر وحدها والأصل بقاء النصوص وليس لأحد أن يخصص ويستثني ما لم يخصصه الشرع والضرورات تقدر بقدرها قال (: ( لا يحل لامرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم ) رواه مسلم، والنهي عام لكل امرأة صغيرة أو كبيرة وكل ما يسمى سفراً، سواء طويلاً أو قصيراً، سواء بطيارة أو سيارة [ والعبرة بالسفر لا وسيلة السفر] قال(: ( لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ).(148)
113- سفر المرأة المعتدة له حالات:
الأولى: معتدة بسبب وفاة زوجها ولها صور:
أ ـ لا يجوز أن تسافر للحج ولو فريضة أو للعمرة أو غيرها لحديث فريعة بنت مالك المشهور عند الترمذي وأحمد.
ب ـ يجوز للمرأة التي مات زوجها في بلد الغربة ولا تستطيع الجلوس فيه خوفاً على نفسها أن تسافر إلى بلد أهلها وتعتد عندهم بشرط أن تلتزم بما يجب على المعتدة في كل ذلك.
ج ـ يجوز للمرأة المعتدة أن تسافر مع أهلها سواء سفراً طويلاً أو مؤقتاً للحاجة إذا كان في بقائها لوحدها ضرر عليها ولم تجد من يرافقها في الجلوس ويجوز أن تسافر كذلك للعلاج بشرط أن تلتزم بما يجب على المعتدة في كل ذلك، والشريعة جاءت برفع الحرج والضرر.(149)
د ـ سفر المرأة للنزهة ولغير حاجة مع أهلها لا يجوز وإذا رفض أهلها الجلوس معها ولم تجد من يرافقها في الجلوس معها وفي بقائها لوحدها ضرر عليها جاز سفرها دفعاً للمفسدة وحصول الضرر.
الثانية: معتدة بسبب طلاق دون الثلاث أو بائن بثلاث طلقات أو خلع يجوز لها السفر بشرط وجود المحرم لعدم الدليل على المنع.(150)
التاسع عشر: بعض أحكام الأقليات المسلمة في البلاد الكافرة.(1/78)
114- حكم التجنس بجنسية الدولة الكافرة محل خلاف والصحيح له حالات:
أ- إذا أخذها دون حاجة لها وأن عدم أخذها لا يلحق به المشقة أو الضرر وإنما من باب المباهاة والافتخار فهذا محرم فيدخل في أنواع موالاة الكفار فيخشى على صاحبه.
ب- إذا أخذها لتحقيق مصالح دنيوية لا ترقى لدرجة الضرورة كتسهيل معاملاته التجارية واكتساب بعض الخدمات والمزايا فهذا كسابقه لا يجوز.
ج- إذا أخذها للحاجة وجلوسه في بلد الكفار للحاجة وإذا لم يأخذها سيلحقه مشقة أو ضرر كمن طرد من بلده الإسلامي ظلماً وعدواناً أو لا يستطيع أن يقيم شعائر الإسلام في بلده أياً كان عربياً أو إسلامياً صورياً ولم يجد دولة إسلامية تقبله ويمكن أن يقيم شعائر الإسلام بها جاز ذلك بشروط:
* ألا يترتب على أخذها فقد الشخصية المسلمة والتنازل عن مبادئ الإسلام لمبادئ الكفر.
* ألا يترتب عليها قول أو فعل محرم.
* ألا يترتب عليها التحاكم إلى قوانينهم إلا عند الحالات التالية والله المستعان.
115- حكم تحاكم المسلمين المقيمين في بلد الكفار إلى محاكمهم له حالات:
أ- أن يتحاكموا إلى محاكمهم استحلالاً أو استكباراً عن التحاكم إلى شرع الله فهذا كفر أكبر.
ب- أن يتحاكموا إلى محاكمهم في قضية معينة يعلم أنه ارتكب إثمًا ولكنه فعله هوى في نفسه فهذا كفر أصغر.
ج- من أكره على التحاكم إليها أو اضطر إليها لاستخلاص حق له وهو كاره للتحاكم إليها مقر بأنها كفرية جاز، فما وافق الحكم فيه الشرع عمل به لموافقته الشرع لا لكونه صدر من هذه المحاكم وما و قع مخالفاً للشرع فهو لغو.(151)
116- هل المقيمون في البلاد الكافرة يجعلون عليهم أميراً؟
قال شيخنا ابن عثيمين: جائز ذلك فيكون مرجعاً لهم في حل مشاكلهم وخلافاتهم وأما في الحكم العام فلا يجوز. فلا يجعلون أميراً يطبق الشريعة في ظل الحكومة الكافرة وينابذ الدولة لأنه يلقي بنفسه إلى التهلكة.(152)
117- حكم تهنئتهم له حالتان:(1/79)
أ- إن كانت التهنئة في أمور عامة كالزواج والأولاد والنجاح فهذا جائز لعموم قوله تعالى: ( (( ((((((((((( (((( (((( ((((((((( (((( (((((((((((((( ((( ((((((((( (((((( (((((((((((( (((( ((((((((((( ((( ((((((((((( (((((((((((((( (((((((((( ((153)، وأما إذا كان كافرًا محاربًا فلا يجوز والحذر من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه كأعزك الله قاله ابن القيم.
ب- إن كانت بشعائر الكفار فلا تجوز اتفاقًا كأعيادهم وصومهم وكذا حضورها لا يجوز إلا إذا خشي على نفسه ضررًا منهم إذا لم يفعل ذلك فجاز للضرورة.
118- حكم عيادة مرضاهم: جائزة لورود ذلك عن الرسول ( حيث زار غلاماً كافراً كما في صحيح البخاري وأما إذا كان كافراً محارباً فلا يجوز.
119- حكم تعزيتهم محل خلاف والصحيح الجواز لعدم الدليل على المنع ولعموم الآية السابقة وأما المحارب فلا يجوز إلا إذا خشي ضرراً فجاز.
120- حكم إعطائهم من زكاة الفرض أو الفطر أو النذور والكفارات: لا يجوز لعدم الدليل ولأن الأدلة في مخاطبة المسلمين ولحديث: ( تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ) رواه مسلم، وأما الصدقة جائزة وردعن عمر ولا شك أن المسلمين أحوج وأفضل.
121- إذا أعطى الزكاة لشخص ظنه مسلماً فبان كافراً: فإن تحرى واجتهد عن حال المعطى له فأخطأ أجزأت وإن كان من غير تحر لم تصح ويلزمه إعادتها.
122- حكم إعطاؤهم من الأضحية جائز لوروده عن ابن عمر كما في الأدب المفرد.
123- حكم زيارتهم جائزة إذا أمنت الفتنة وعدم الذوبان معهم وعدم المنكر وتستحب إذا رجي إسلامهم ودعوتهم.
124- حكم إهدائهم وقبول هديتهم جائز إلا إذا تضمنت أمراً محرماً فلا يجوز قبولها وكذا الهدية لهم بمناسبة عيدهم لا تجوز، وأما هديتهم هم للمسلم بمناسبة عيدهم فجائز قبولها وأما الكافر الحربي فلا يجوز.
125- لا يجوز حضور اجتماعاتهم وموائدهم إذا كانت مشتملة على محرم إلا إذا كانت للحاجة أو خشي الضرر فجائز.(1/80)
126- يجوز أن يشمت المسلم الكافر بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم. كما ورد في صحيح البخاري.
127- ابتداؤهم بالسلام محل خلاف والصحيح المنع لحديث ( لاتبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ) رواه مسلم. وأما التحية بصباح الخير وما شابهه فجائز وقيل بالمنع كالسلام، وأما الرد عليهم إذا ألقوا السلام فيرد عليهم بقول وعليكم وزيادة وعليكم السلام محل خلاف رجح ابن القيم الجواز إذا تحقق أن الكافر قال السلام عليكم وهذا من باب العدل والإحسان.
128- حكم مصافحتهم جائزة لعدم الدليل على المنع وأما المعانقة فالأولى تركها لأنها تعبير عن الرضا والمحبة.
قال ابن باز وجملة القول في ذلك أن ما كان من باب البر ومقابلة الإحسان بالإحسان قمنا به. ( فتاوى اللجنة الدائمة 24/138).
129- إذا أراد أن يتزوج مسلم مسلمة لا ولي لها مسلم فالذي عليه العمل في الأقليات المسلمة في البلاد الكافرة أن الذي يتولى التزويج المراكز الإسلامية فيها وبه أفتت اللجنة الدائمة والمجمع الفقهي بالرابطة.
130- حكم أكل الطعام في بلاد الكفار له حالات:
أ- الطعام النباتي كالخضروات والفواكه والحبوب كالبر والدقيق فهذا كله جائز.
ب- الطعام البحري جائز.
ج- الطعام الحيواني وله حالات:
1- ذبائح الكفار من غير أهل الكتاب كالمجوس والوثنيين والهندوس والملحدين فهذه تحرم وإن ذكروا اسم الله عليها وذبحوها على الصفة الشرعية لأن الله ذبائح أباح أهل الكتاب، وما عداهم فيبقى على التحريم وقد نقل الإجماع على ذلك النحاس في ناسخه.
2- ذبائح أهل الكتاب ولها حالات:
الأولى: ما علم أنه ذكي بطريقة شرعية وذكر عليه اسم الله فهذا جائز لقوله تعالى: ( ((((((((( ((((((((( (((((((( ((((((((((( (((( (((((( ((154)، قال ابن عباس الذبائح.(1/81)
الثانية: ما علم أنه ذكي على غير طريقة شرعية محل خلاف والصحيح لا تجوز لأن المسلم لو ذكى بطريقة غير مشروعة فلا تصح فمن باب أولى الكتابي وهو أحوط وأبرأ للذمة ورجحه ابن باز واللجنة الدائمة (الفتاوى22/ 390).
الثالثة: ما جهل حالها أذبحت بذكاة شرعية وذكر اسم الله عليها أم لا؟ محل خلاف رجح ابن باز واللجنة الدائمة الجواز لأن الأصل حل ذبائحهم وقيل يحرم ورجحه الشيخ عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقًا والشيخ صالح الفوزان لأن الأصل في الحيوانات التحريم من حيث التذكية فلا تحل حتى نعلم ذكاتها وتغليباً لجانب الحظر عند التردد، ولأن كثيراً من الدول الكافرة هي ملحدة وليست صاحبة كتاب كما تزعم ولأنها تقوم بمنع الذبح على أراضيها، ولأنه ثبت استخدام كثير من المصانع الذبح بالصعق الكهربائي أو الضرب وما يكتب عليها ذبح بالطريقة الإسلامية فهل يرجى من ديدنه العداء للإسلام ونقض العهود والمواثيق وسب الرسول ( واتهامه بالإرهاب والكذب عليه الصدق في ما هو أقل من ذلك بكثير وهو الذبح الله المستعان!؟ وللقاعدة إذا تعارض الأصل والظاهر فالمقدم الظاهر إذا قويت القرائن.(155)
3- ذبائح قوم وبلد كفار لا يعلم عن حالهم أهم أهل كتاب أم ليسوا أهل كتاب؟ فمحرم لأن الأصل في الحيوانات التحريم كما تقدم من حيث التذكية.
العشرون: وصايا للطلبة والموظفين المغتربين وغيرهم داخل البلاد أو خارجها.
1- تقوى الله في كل مكان ومراقبته سبحانه.
2- معرفة عادات البلد المقيم فيه حتى أنظمته القانونية كما يقال حتى لا يقع في الخطأ ويحذر من الظلم والعدوان.
3- إظهار صورة الإسلام وبلدك وعادات مجتمعك في أحسن صورة.
4- الجد والاجتهاد في الأمر الذي بسببه كان التغرب إن كان طلب علم أو دعوة أو عمل أو غير ذلك فالتغرب فرصة للتزود والمعرفة وبذل الجهد لأسباب عدة منها التفرغ والبعد الاجتماعي.(1/82)
5- التعرف على البلدان وأنسابها وحضاراتها وعاداتها ورجالاتها وعلمائها وأذكيائها ودعوتهم لبلدك والتواصل معهم حيث يمكن الانتفاع بهم واكتساب خبراتها ومعرفة أبرز مشاريعها كل في مجاله علمياً ودعوياً وإغاثياً واجتماعياً وتنموياً واقتصادياً وثقافياً وتجارياً ونقل تلك التجارب والنجاحات إلى بلدك.
6- تحديد أهداف رئيسة لتحقيقها أثناء إقامته وأهداف فرعية بشرط ألا تطغى على الرئيسية وفق برنامج محكم ومنضبط فمثلاً من هدفه طلب العلم أياً كان نوعه لا يشتت نفسه في أهداف أخرى تؤثر على الأصل، ولا مانع من أهداف أخرى بالشرط السابق كالدعوة وغير ذلك ونجد البعض كل يوم له هدف وفي النهاية يحصد ثقافة أو زراعة فروع لا أصول سرعان ما تزول وهذه أهديها للقضاة والدعاة والمدرسين وطلبة الجامعات، والحذر الحذر من الصدام مع الآخرين أو الانتماء ومحاولة كسب الجميع واللبيب بالإشارة يفهم وهذا من أسباب سر نجاح دعوة إمام الدعاة ـ عليه الصلاة والسلام ـ والأئمة الكبار وآخرهم ابن باز وابن عثيمين ـ رحمهم الله ـ.
7- البحث عن المعين في تحقيق تلك الأهداف واستشارته والبحث عن الرفيق المعين في بلد الغربة فالنفس تضعف وتكسل والله المستعان وقد شاهدنا من يتغرب فينحرف فكريًا أو أخلاقيًا بل يخسر دنياه فيرجع بفشل وظيفي أو دراسي أو سقط في أيدي الأشرار والمخدرات، فلينتبه لذلك معشر الآباء والمربين وجهات الابتعاث والملحقات الثقافية بالمتابعة والزيارة والاتصال وربطهم بالأخيار، وعلى الدعاة ومكاتب الدعوة والمراكز الإسلامية إعداد البرامج المناسبة لهم، والتركيز على مجمعات الطلاب السكنية.
الحادي والعشرون: على طريق الدعوة.
فالداعية يحمل الدعوة في جنانه ووجدانه، في حله وترحاله لأنها طعامه وزاده وماؤه وشرابه؛ هي لحمه و دمه وعظمه وعصبه ومن ذلك.(1/83)
أ- إهداء الكتب والمطويات والأشرطة للمسافرين جواً وبراً، والمعتمرين، وسائقي سيارات الأجرة، وملاحي الطائرة، وطاقم العاملين بها، ووضعها في مساجد الطرق، ومحطات الوقود، ومعاملة الوافدين والمعتمرين بالحسنى، وتعليمهم العقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح، قال (: ( إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) رواه أبويعلى وصححه الحاكم، وتعويد أفراد الأسرة والمحضن التربوي للقيام بما يستطاع من ذلك.
ب ـ وضع البرامج المفيدة في السفر من دروس ومسابقات ونقاش للمسائل والموضوعات وشراء الأشرطة العلمية والتربوية للاستفادة منها أثناء الطريق في السفر ووضع الأسئلة عليها ودعوة الرفقة سواء كانوا أهلاً أو أخواناً أو أصدقاء والسفر فرصة ذهبية لدعوة الجميع.
ج ـ حفظ أفراد السفر بعض السور والأحاديث والأدعية.
د ـ إلقاء الكلمات بمساجد الطرق والقرى التي على الطريق.
هـ ـ زيارة الأقارب وصلة الأرحام.
وـ زيارة القضاة والدعاة وطلبة العلم والجمعيات الخيرية والدعوية للاستفادة منهم، وتحديد مواعيد الزيارة قبل السفر حفاظاً على أوقات الآخرين، وإنجاحاً للبرامج، وكل يلتقي بما يناسبه دينا ودنيا، وتبادل التجارب والخبرات، والحلول للمشكلات والتنسيق المسبق في ذلك.
زـ التزود ببعض الكتب التي تحتاجها في السفر، والقيام بزيارة المكتبات في البلد المسافر إليه؛ فكل بلد له مكتباته وإصداراته وموزعوه فلا تضع الفرصة.(1/84)
يروى أن الإمام التبريزي كان يحمل معه في سفره كتاب تهذيب اللغة للأزهري وكان أحمد بن يزيد القرطبي يحمل معه كتاب مشكل الآيات، وآخر يحمل في كمه المحدث الفاصل للرامهرمزي، وثالث كان يحمل كتبه على ظهره فيسيل عليها عرقه حتى يظن من يراه أن المطر قد أصابها. وهذا ديدن كثير من العلماء وطلبة العلم المتأخرين والمتقدمين والمعاصرين، بل من نعم الله ما يسمى بالحاسب المحمول تحمل فيه آلاف الكتب فتبحث وتطالع فلا تنقطع عن أبحاثك ومراجعاتك في أثناء سفرك وتنقلك، حتى في ركوبك الطائرة، وهذا من فضل الله والحمد لله فأين المشمرون والجادون وأين الكسالى والنائمون!؟
ح- تشغيل برامج جيدة على شاشة، أو إذاعة الطائرات والباصات كفتاوى وتوجيهات ابن باز وابن عثيمين التي تلقت الأمة علمهم بالقبول فليت معلقاً الجرس ومقترحاً ذا شأن أو صاحب قرار يبادر فيظفر بالأجر!؟
ط- وضع لوحات حائطية عن أحكام السفر في المطارات، وصالات النقل الجماعي، أو مختارات منها ضمن مجلاتها.
ي- تقديم مقترحات، وتوصيات لهيئة السياحة، ووزارة الطيران والنقل، وإيجاد البديل لكل رذيل.
ك ـ الحذر من الفتوى بغير علم، وبالظن؛ والتخمين؛ وإضلال الناس، فتحمل إثمك وإثمهم والسلامة لا يعادلها شيء، والله يقول: ( (((( (((((((((( ((((( (((((( (((((((((((((( (((((((((( (((((( ((((((( (((((((( ((((((( (((((((((((((( ((((( (((( (((((((((( ( (((( ((((((((( ((((((((((( ((((( (((( (((((((((( (( ((((((((((( ( .(156)
الثاني والعشرون: مسائل في طب المسافر.(1/85)
نجد كثيراً من الناس يتهاون في شئون صحته وسبل الوقاية في سفره، ولذا تجدهم يتعرضون لكثير من الأمراض والآفات والمخاطر والهلاك، وقد بحث علماء المسلمين في الطب والفقه هذا الموضوع، حتى أفردوه بكتب مستقلة في أوائل القرن السادس الهجري، مثل كتاب تدبير الأبدان في السفر للسلامة من المرض والخطر لعلي بن موسى الطاووس المتوفى 664، ثم أكمله الغرب بدراساتهم بل المتأمل لنصوص الشرع يجد إشارات لذلك، وبعد الاطلاع والرجوع لأصحاب التخصص أجمل وصايا في طب السفر و المسافر:
- إذا كان المسافر يعاني من مرض مزمن فينبغي استشارة الطبيب المعالج قبل السفر، ومعرفة قدر كاف عن النظام الصحي في البلد المسافر إليه، وأخذ الحيطة بأخذ كميات مناسبة من الأدوية، لأنه لا توجد بعض الأدوية في بعض البلدان، أو لا تصرف إلا بوصفة طبية.
- اصطحاب بطاقة تحوي ملخصًا عن الحالة الصحية، وتكون باللغة العربية والانجليزية، لأنها هي اللغة العالمية في الطب.
- وضع ورقة صغيرة تحوي فصيلة الدم أو المرض الذي يعانى منه كمرض السكر وغيره، توضع في محفظة النقود والبطاقات وتكون باللغة العربية والانجليزية.
- التطعيمات وخاصة حين السفر للبلدان المعروفة بانتشار الأمراض وأجوائها غير صحية، واستشارة الطبيب قبل ذلك.
- ارتفاع الضغط الجوي وانخفاضه في الطائرة يؤدي إلى تغير الضغط في الأذن، ولمعالجة ذلك محاولة مضغ اللبان، أو تناول الأكل لدى الأطفال، أو محاولة إخراج الهواء من الأنف برفق بعد قفل الفم والأنف معا.
- شرب كميات كبيرة من الماء والسوائل وخاصة في الأجواء الحارة.
- عدم الأكل من الخضروات والفواكه قبل غسلها، وكثير من المسافرين وخاصة الأطفال يتساهلون فيصابون باضطرابات في المعدة، وقد يحدث تسمم.
- كثير من المسافرين يعانون من مشكلات الهضم، وذلك نتيجة لتغير نوع الطعام وكميته وأوقاته.
- جعل بعض الأدوية في الحقيبة اليدوية، وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة.(1/86)
الذين يوصون بعدم السفر:
- المرضى الذين أجريت لهم عملية قريباً في القلب أو الأذن.
- الحوامل في الشهر الثامن.
- الأطفال الذين أعمارهم سبعة أيام أو أقل.
وصايا عامة:
- الحذر من ترك الأولاد الصغار على شواطئ البحار، فكم غفل آباء عن أولادهم فغرقوا وماتوا.
- اعرف قوة الكهرباء حين استخدام بعض الأجهزة الكهربائية، ونوع المحول حتى لا تحترق الأجهزة.
- تأكد من أن جواز السفر مدته كافية ولا ينتهي أثناء سفرك، واحتفظ بصورة منه خشية فقدانه.
- احرص أن تكون معك نظارة، أو عدسة احتياطية خاصة حين السفر للصحاري أو البلدان الفقيرة.
- لتكن عناوينك، وأرقامك، وأرقام أخوانك وأولادك في جوالك، أو محفظتك، واضحة لكي يتم الوصول إليهم عند حدوث أي عارض في أقرب وقت.
الثالث والعشرون: مسائل في العودة من السفر.
* يستحب التعجل في الرجوع إلى الأهل من السفر عند انقضاء حاجة المسافر: لحديث: (السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله) متفق عليه، ومعنى نهمته أي حاجته، والمعنى: يمنعه على الوجه المعتاد في الإقامة، وفي رواية البيهقي: ( فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم لأجره ).
قال ابن حجر: ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا، ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة.. أهـ. وهذا أمر معلوم وملموس ولذا ورد في رواية الإمام أحمد قال (: (لأن الرجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه وعبادته).
قال وفيه كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب التعجل لاسيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، وقال ابن عبدالبر: التغرب لغير حاجة لا يصلح ولا يجوز. (التمهيد 22/36).(1/87)
* يستحب للقادم من سفره أن يصلي ركعتين في المسجد أول قدومه، كما في صحيح مسلم: (أن رسول الله ( كان لا يقدم من سفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه) وكان الشيخ ابن عثيمين عند دخول بلده عنيزة ينزل في إحدى المساجد فيصلي هاتين الركعتين.
* إذا دخل المسافر بلده والناس يصلون فدخل معهم في الصلاة أجزأته الفريضة عن ركعتي القدوم لدخولها في الفريضة كتحية المسجد مع الراتبة أو الفريضة فيحدث التداخل سواء مع الفريضة أو النافلة، وينبغي للإنسان ألا يغفل عن النية في باب التداخل.(157)
* ورد النهي في أن يدخل الرجل على أهله ليلاً إذا أطال الغيبة قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا) رواه البخاري، ويزول النهي بإخبارهم بالمجيء بالهاتف وغيره.
* إذا لم تطل الغيبة كأن يخرج نهاراً ويرجع ليلاً فلا بأس أن يدخل بلا استئذان.
* إذا أطال الغيبة ودخل نهاراً فلا يحتاج إلى استئذان لرواية مسلم: ( كان عليه الصلاة والسلام لا يطرق أهله ليلاً وكان يأتيهم غدوة أو عشية ).
* إذا أراد الدخول ليلاً فيخبرهم بذلك قال ابن عمر كان عليه الصلاة والسلام: ( إذا قدم من غزو قال لا تطرقوا النساء وأرسل من يؤذن الناس أنهم قادمون ) رواه ابن خزيمة.
ـ الحكمة من النهي عن دخول المسافر على أهله ليلاً:
- قال عليه الصلاة والسلام: (لئلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم) رواه مسلم. وورد أن عبد الله ابن رواحة أتى امرأته ليلاً وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلاً فأشار إليها بالسيف فلما ذكر ذلك للنبي نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً ) أخرجه أبو عوانة.
ب ـ قال عليه الصلاة والسلام: (لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة) رواه البخاري.
- قال ابن حجر: إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما(158).(1/88)
- قال الشعبي: السنة إذا قدم رجل من سفر أن يأتيه أخوانه فيسلموا عليه، وإذا خرج إلى سفر أن يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعائهم.
- من الأخلاق القيام للقادم من السفر ومعانقته وزيارته، فقد قام ( لزيد بن حارثة وقبَّله وعانقه عندما قدم من السفر(159)، وكان أصحاب رسول الله ( إذا قدموا من سفر تعانقوا (160) حديث صحيح، ولما يُحدث ذلك من الألفة والمحبة والترابط وجمع القلوب ونحن بأشد الحاجة إلى هذه المعاني على المستوى العائلي والأسري والاجتماعي وغيرها.
- عن عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته، (إنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه) رواه مسلم.
قال النووي في منهاجه: هذه سنة مستحبة أن يتلقى الصبيان المسافر وأن يركبهم ويلاطفهم (شرح مسلم 7/197).
* يستحب عمل وليمة لمن قدم من سفر، أو يعملها المسافر إذا قدم وتسمى النقيعة: ورد في البخاري ( لما قدم رسول الله المدينة نحر جزورًا أو بقرة ).
قال ابن بطال: فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب عند السلف، قال ابن حجر: وكان ابن عمر يفطر أول قدومه من السفر، ولا يصوم لأجل الذين يغشونه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم. ( الفتح 6/224).
وتسمى النقيعة: من النقع وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر.
والآداب كثيرة جدًا اقتصرت على أهمها وما ورد به الدليل وصح وقد بسطها الإمام المبارك النووي بما يزيد على ستين أدبًا في مجموعه العظيم.
أخيراً:
تم الكتاب بحمد الله بارينا
ومن بلا شك بعد الموت يحيينا
يارب اغفر لعبد كان كاتبه
يا قارئ الخط قل بالله آمينا
آمين آمين لا أقنع بواحدة
حتى أضيف إليها ألف آمينا
وقد علمت بأن اليد بالية
تحت التراب ويبقى خطها حينا(1/89)
كتب الله للجميع صلاح الحال والمآل ورزقنا الفقه في الدين وصلاح النية والعمل وفق سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
البريد الالكتروني: ammare1395@maktoob.com
مكة المكرمة ـ حرسها الله.
(
الموضوع
الصفحة
مقدمة.
استراحة: ابن باز حال السفر.
الضابط في السفر الذي يترخص فيه.
بداية الترخص بأحكام السفر.
الآداب ومسائل في الاعتقاد.
أحكام الطهارة.
أحكام الأذان.
أحكام الصلاة.
أحكام ائتمام المسافر بالمقيم والعكس.
استراحة مع ابن باز.
أحكام الجَمْع.
أحكام الجمعة.
أحكام الصيام.
استراحة رسالة ابن تيمية لأمه من عظيم الوفاء والجفاء.
بعض أحكام العمرة.
بعض أحكام المسجد الحرام.
كيف نستفيد في البلد الحرام.
استراحة مع ابن عثيمين.
أحكام زيارة مسجد الرسول (.
مسائل متعلقة بالنكاح والمرأة.
مسائل متعلقة بالأقليات المسلمة.
وصايا للمغتربين من طلبة وموظفين.
على طريق الدعوة.
طب السفر والمسافر.
آداب في العودة من السفر.
الموضوع
الصفحة
مقدمة
استراحة: ابن باز حال السفر.
الضابط في السفر الذي يترخص فيه.
بداية الترخص بأحكام السفر.
الآداب ومسائل في الاعتقاد.
أحكام الطهارة.
أحكام الأذان.
أحكام الصلاة.
أحكام ائتمام المسافر بالمقيم والعكس.
استراحة مع ابن باز.
أحكام الجَمْع.
أحكام الجمعة.
أحكام الصيام.
استراحة رسالة ابن تيمية لأمه من عظيم الوفاء والجفاء.
بعض أحكام العمرة.
بعض أحكام المسجد الحرام.
كيف نستفيد في البلد الحرام.
استراحة مع ابن عثيمين.
أحكام زيارة مسجد الرسول (.
مسائل متعلقة بالنكاح والمرأة.
مسائل متعلقة بالأقليات المسلمة.
وصايا للمغتربين من طلبة وموظفين.
على طريق الدعوة.
طب السفر والمسافر.
آداب في العودة من السفر.(1/90)
(1) اكتفيت في العزو في كثير من المسائل بكتب وفتاوى الشيخين بل أهم المسائل والمراجع هي: مجموع فتاوى ومقالات ابن باز والشرح الممتع لابن عثيمين وفتاوى ابن عثيمين وفتاوى اللجنة الدائمة أما سائر المسائل فهي منثورة في أي كتاب فقهي ولاتخفى مواضعها على طالب العلم.
ـ درجت على لفظ الشيخين في هذا الكتاب وقصدي بهما الشيخ ابن باز وابن عثيمين فإذا اتفقا على ترجيح مسألة قلت رجحه الشيخان وذكر أحدهما لا يعني عدم الموافقة أو الموافقة من الآخر وإنما هذا ما استطعت جمعه لهما من مراجع بين يدي ولم أتقص ترجيحاتهما في كل مسألة.
_ اللجنة الدائمة هي لجنة دائمة، فرع من هيئة كبار العلماء، متفرغة للبحوث والفتوى، يرأسها رئيس هيئة كبار العلماء وأعضاؤها خمسة من الهيئة وكان رئيسها الشيخ: عبد العزيز بن باز ~ والآن الشيخ: عبد العزيز آل الشيخ وأعضاؤها أصحاب الفضيلة كلٌ من: عبد الله بن غديان وصالح الفوزان وعبد الله المطلق وعبد الله بن خنين وسعد الشثري.
(2) فتاوى شيخ الإسلام 24/12 الممتع 4/497.
(3) الممتع 4/499 _ الممتع 4/512.
(4) الممتع 4/512.
(5) المجموع 4/287 الممتع 4/513.
(6) الممتع 4/539.
(7) شرح الخرشي على مختصر خليل 2/59.
(8) الممتع 4/512.
(9) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/274 الممتع 4/545 موسوعة الإجماع عند شيخ الإسلام للبوصي.
(10)إقامة المسافر وسفر المقيم للفالح 92.
(11)كشاف القناع 1/509فتاوى ابن عثمين 15/346.
(12) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/264 فتاوى ابن عثيمين 15/258، 263.
(13) فتاوى ابن عثيمين 15/267 والجمع ذكره الشيخ في فتاوى نور على الدرب.
(14) فتاوى ابن عثيمين 15/267.
(15) سورة التوبة آية 122.
(16) الفروق 1/261، الفتح 6/163، بر الوالدين للطرطوشي، شرح الأذكار 3/98، كشاف القناع 4/126، المبدع 3/233.
(17) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في الجامع برقم 958.(1/91)
(18) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في الجامع برقم 957.
(19) رواه الترمذي والحاكم وحسنه الحافظ.
(20) الأذكار للنووي بتصرف 1/551.
(21) رواه الطبراني، وابن أبي شيبة، وابن عساكر، وذكره النووي في الأذكار، وحسنه الحافظ بشواهده، وروى ابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري، حديث أنس ({كان ( لاينزل منزلاً إلا ودعه بركعتين} وقال الحافظ حسن غريب الأذكار للنووي 1/546.
(22) الفتاوى 28/68.
(23) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن خزيمة والبيهقي، تخريج الأذكار 5/154 تحفة الأخيار37.
(24) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وأحمد والبيهقي وغيرهم قال النووي في المجموع إسناد حسن 4/340.
(25) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/457.
(26) فتح الباري 6/161.
(27) المجموع للنووي بتصرف 4/325.
(28)كشف الخفاء 1/463.
(29) الوافي بالوفيات 1/31 وكشف الخفاء للعجلوني
(30) رواه أحمد والحاكم وابن حبان والدارمي وصححه الألباني في الجامع برقم 3751.
(31) فتح الباري 10/280.
(32) فتح الباري 6/159.
(33) رواه الطبراني ومالك وحسنه الألباني في الجامع برقم 3004.
(34) رواه الدار قطني ونقل تضعيفه ابن حجر في فتح الباري3/370.
(35) ذكره ابن عبد البر في التمهيد، وحديث ( سافروا تصحوا ) ضعيف الجامع برقم 3211.
(36) سورة البقرة آية 216.
(37) سورة النساء آية 19.
(38) سورة النساء آية 97-99.
(39) شرح الأربعين النووية وشرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين والهجرة إلى بلاد غير المسلمين لعماد عامر رسالة ماجستير.
(40) اللقاء الشهري بالجامع الكبير في عنيزة.
(41) هو وادي أهلك الله فيه أصحاب الفيل سمي بذلك لأن فيل أبرهة حسر فيه أي أعي وكلّ وقيل لأنه أوقف أصحابه في الحسرات.
(42) سورة البقرة آية 195.
(43) التبرك للجديع بتصرف.
(44) اقتضاء الصراط المستقيم 2/644.
(45) رواه مالك والنسائي وصححه الألباني في الجامع برقم 7371.(1/92)
(46) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 10/306.
(47) الممتع 1 /345.
(48) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه الألباني في الجامع برقم1667.
(49) رواه أبو داود والنسائي والدارمي وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين.
(50) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز10/200 الممتع 1/327.
(51) الممتع 1/32 .
(52) الممتع 2/3 .
(53) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 10/350.
(54) سورة البقرة آية 286.
(55) الممتع 2/281.
(56)مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 11/390 فتاوى ابن عثيمين 15/258.
(57)قال الحافظ في الفتح رواه أحمد وصححه ابن خزيمة والحاكم 3/68.
(58) رواه مسلم فتح الباري 3/70.
(59) رواه الترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والبهقي والبزار وغيرهم وضعف الألباني الرواية الأولى في الجامع برقم2610. وصحح الثانية في الجامع برقم 3074 ورواها أحمد.
(60) الفتح 2/674
(61) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/290، 298، الممتع 4/513.
(62)مجموع فتاوى ومقالات ابن باز12/298، الممتع 4/577.
(63) الممتع 4/514.
(64) فتاوى ابن عثيمين 15/418.
(65) فتاوى ابن عثيمين 15/82.
(66) فتاوى ابن تيمية 24/ 16،21 الممتع 4/525.
(67) الممتع 4/525.
(68) الممتع 3/469.
(69) رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما.
(70) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وابن حبان والبيهقي والبزار وغيرهم وصححه الألباني ~ في الجامع برقم 6300.
(71) الممتع 4/200.
(72) فتاوى ابن عثيمين 15/419.
(73) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 13/138، فتاوى المسافر لابن جبرين.
(74) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز12/259، فتاوى ابن عثيمين 15/270.
(75) المصدران السابقان.
(76) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/263.
(77) الممتع 4/521.
(78) فتاوى السفر لابن جبرين.
(79) فتاوى ابن عثيمين 15/271.
(80) المجموع 4/295.
(81) رواه أبو داود.
(82) فتاوى ابن عثيمين 15/83.
(83) الممتع 4/574.(1/93)
(84) فتاوى ابن عثيمين 15/432.
(85) فتاوى اللجنة 8/ 157، الممتع 4/576.
(86) فتاوى اللجنة 8/151.
(87) فتاوى اللجنة 8/152، 137.
(88) الممتع 4/553، فتاوى ابن باز 12/280.
(89) فتاوى ابن عثيمين 15/436.
(90) فتاوى في السفر لابن جبرين.
(91) فتاوى ابن عثيمين 15/244.
(92) فتاوى اللجنة الدائمة 8/208، الممتع 5/12.
(93) فتاوى اللجنة الدائمة 8/208.
(94) سورة الجمعة آية 9.
(95) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/379، فتاوى اللجنة الدائمة 8/220، 221، الممتع5/15، فتاوى ابن تيمية 24/184.
(96) الممتع 5/14، فتاوى ابن عثيمين 15/431.
(97) فتاوى اللجنة الدائمة 8/225، فتاوى ابن عثيمين 15/370 والإعادة أفتى بها الشيخ في غير الكتاب في سؤال سأله بعض العسكريين في الجامع الكبير بعنيزة.
(98) الشرح الممتع 5/169.
(99) فتاوى ابن عثيمين 15/370.
(100) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/329، الممتع 5/61مسائل الإمام أحمد رواية ابي داود.
(101) الممتع 5/63.
(102) سورة التغابن آية 16.
(103) المصدر السابق.
(104) المجموع 4/252
(105) الفتح 2/416.
(106) الفتاوى 24/183.
(107) المغني 3/291.
(108) فتاوى اللجنة 9/384.
(109) فتاوى اللجنة الدائمة10/209.
(110) المغني 4/347.
(111) الممتع6/ 358.
(112) المصدر السابق 6/345.
(113) المغني 13/650.
(114) فتاوى اللجنة الدائمة10/137، فتاوى ابن عثيمين 15/437.
(115) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 15/322، فتاوى اللجنة الدائمة10/294.
(116) الممتع 4/514.
(117) رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني في الجامع برقم3869.
(118) فتاوى اللجنة 10/123، فتاوى ابن عثيمين 15/438.
(119) رواه الترمذي وأحمد وضعفه الألباني في سلسلته برقم 1906.
(120) فتاوى ابن عثيمين 15/245.
(121) فتاوى ابن عثيمين 15/441.
(122) سورة البقرة آية 196.
(123) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز بتصرف 12/230.
(124) الممتع 2/265.(1/94)
(125) رواه الترمذي وصححه الألباني في الجامع برقم 6756.
(126)رواه الترمذي والنسائي وأحمد والبزار، وضعفه الألباني في الجامع برقم 2767.
(127) رواه ابن خزيمة وأحمد والحاكم، وصححه الألباني في الجامع برقم 2184.
(128) رواه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وابن حبان والأزرقي، وضعفه الألباني في الجامع برقم2770.
(129)المسجد الحرام تاريخه وأحكامه لوصي الله عباس، آراء خاطئة ورويات باطلة للسدحان.
(130) رواه أبو داود والترمذي وابن خزيمة والبيهقي.
(131) مصنف أبي شيبة وعبد الرزاق وأخبار مكة للأزرقي.
(132) مجموعة مقالات وفتاوى للشيخ ابن باز ~.
(133) زاد المعاد 2/208. حاشية ابن قاسم 4/94.
(134) المصدر السابق.
(135) رواه مالك وعبد الرزاق في مصنفه وطوى موقع في مكة يسمى الآن جرول باتجاه طريق المدينة وسمي بطوى لوجود بئر طوى فيه، نسبة للبئر.
(136) رواه عبد الرزاق في مصنفه 5/64،66، مجموع فتاوى ابن باز 6/119التداخل في الأحكام1/373.
(137) المصدر السابق.
(138) مجموع فتاوى ابن باز 7/285.
(139) رواه الطيالسي والبزار، وصححه الألباني في الجامع برقم 3572.
(140) رواه ابن ماجة وأحمد والبيهقي، وصححه الألباني في الجامع برقم5502.
(141) رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي والدارقطني وقال البوصيري إسناده صحيح ورجاله موثقون وصححه الحاكم وحسنه، السخاوي مصباح الزجاجة3/34، المقاصد رقم (928) وفي صحته خلاف.
(142) الممتع 7/379.
(143) مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية 2/408 اقتضاء الصراط المستقيم 2/681، مجموع الفتاوى 27/79.
(144) الترمذي وابن ماجة وأحمد والحاكم والطيالسي وغيرهم، وصححه الألباني في الجامع برقم 5109.
(145) الممتع 5/475، 478.
(146) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والطبراني وأبو يعلى، وصححه الألباني في الجامع برقم 6154.
(147) التبرك أنواعه وأحكامه للجديع.(1/95)
(148) رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي والبزار وغيرهم بألفاظ متقاربة.
(149) وبه أفتت اللجنة الدائمة (20/،463،462).
(150) المغني 5/35.
(151) (فقه الأقليات المسلمة خالد عبد القادر والمسائل العقدية المتعلقة بالأقليات الإسلامية لعبد المنعم أسرار بحث دكتوراة والتمهيد شرح كتاب التوحيد لصالح آل الشيخ وقرارات المجمع الفقهي).
(152) التعليق على السياسة الشرعية لابن عثيمين 449.
(153) سورة الممتحنة آية 8.
(154) سورة المائدة آية 5.
(155) الأطعمة وأحكام الصيد للشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء.
(156) سورة النحل آية 116.
(157) التداخل بين الأحكام 1/379 للخشلان.
(158) (الفتح 9/251)
(159) رواه أبو داود والترمذي.
(160) رواه الطبراني والهيثمي قال الأرنؤوط في تحقيقه زاد المعاد ورجاله رجال الصحيح 2/415.
??
??
??
??(1/96)