اللباب في الجمع بين السنة والكتاب
للإمام أبي محمد على بن زكريا المَنْبَجي
م686هـ
تحقيق
الدكتور محمد فضل عبد العزيز المراد
دار القلم
دمشق
الطبعة الثانية
1414هـ - 1994مـ(1/1)
*** ج1/ص39
كتاب الطهارة
قال الله تعالى 2 وأنزلنا من السماء ماء طهورا 2
والطهور هو الطاهر في نفسه ومنه قوله تعالى 2 وسقاهم ربهم شرابا طهورا 2 وقال تعالى 2 وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به 2
والطهور يذكر ويراد به المطهر لغيره ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر
فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتتة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:39(1/39)
*** ج1/ص40
ويذكر ويراد به الطاهر لا المطهر ومنه قوله تعالى 2 وسقاهم ربهم شرابا طهورا 2 وقوله صلى الله عليه وسلم إن الصعيد الطيب طهور وجعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا عند من يعتقد أن التيمم لا يرفع الحدث ومنه قول جرير
عذاب الثنايا ريقهن طهور
فإن قيل لو كان الطهور هنا بمعنى الطاهر لم يكن لشراب أهل الجنة مزية على
شراب أهل الدنيا ولم يكن لريق من وصفهن جرير فضيلة على غيرهن
قيل له لا يلزم ذلك لأن شراب أهل الدنيا منه ما هو نجس كالخمر ومنه
ما هو مدنس بما يلازمه من حرارة أو برودة يحصل منهما للشارب مضرة وشراب أهل
الجنة ينزه عن هذه الأشياء
قال الله تعالى في صفة خمر الجنة 2 لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون 2
فلهذا وصفه الله بالطهارة
والطاهر عبارة عن المنزه عنا يستقذر فكأنه قال كان
ريقهن منزه عما
يستقذر من دم يخرج من الأسنان فيختلط به أو من رائحة قبيحة تجاوره من أثر طعام
يبقى بين الأسنان أو ما يعلوها من أبخرة تتصعد من المعدة عند خلوها وهو المسمى
بالخلوف فبهذا ثبتت فضيلة ريقهن على ريق غيرهن
ومنه قوله تعالى 2 وسقاهم ربهم شرابا طهورا 2
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم إن الصعيد الطيب طهور
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:40(1/40)
*** ج1/ص41
وكونه مطهرا لغيره ثبت بالإجماع أو بقوله تعالى 2 وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به 2
فإن قيل هذا الحديث يدل على أن الطهورية غير الطاهرية فالحديث حجة
عليك
قيل له إنما تمسكت بهذا الحديث من حيث إنه أطلق اسم الطهور على
ما لا يطهر غيره فإن عندك لو نوى في التيمم رفع الحدث لم يصح ولو نوى استباحة
الصلاة صح فدل على أن التراب لا يرفع الحدث ولا يزيل وحده الخبث
ولا معنى للطهور إلا كونه يرفع الحدث ويزيل الخبث
باب
إذا اختلط الماء بالسدر والخطمى والكافور فهو طهور
مالك عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت دخل علينا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:41(1/41)
*** ج1/ص42
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن
رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن
فآذنني قالت فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال أشعرنها إياه
قال مالك تعني بحقوه إزاره
البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما رجل واقف
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع من راحلته فوقصته وفي رواية فأقعصته فذكر
للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين وفي رواية في ثوبيه
ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه وفي رواية ولا تغطوا وجهه ولا تقربوه طيبا
فإنه يبعث يلبي وفي رواية وهو يلبي وفي رواية فإنه يبعث يوم القيامة
ملبدا وفي رواية فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا
وجه التمسك بهذين الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل بالماء والسدر والغسل
به لا يتصور إلا بأحد شيئين إما بخلطه بالماء أو بوضعه على الجسد وصب الماء
عليه وكيف ما كان فلا بد من الاختلاط والتغير فلو سلب الطهورية لما أمر بالغسل
به ألا ترى أن التراب لما لم يسلب الطهورية أمر بالتعفير به من ولوغ الكلب ثم
إنه صلى الله عليه وسلم أمر بجعل الكافور في المرة الأخيرة ولم يأمر بعد ذلك بالغسل بالماء القراح
فدل على أنه يجتزئ به
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:42(1/42)
*** ج1/ص43
ويؤيد هذا ما روى أبو داود عن رجل من بني سوأة عن عائشة رضي
الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغسل رأسه بالخطمى وهو جنب يجتزئ
بذلك ولا يصب عليه الماء
فإن قيل في سند هذا الحديث رجل مجهول والمجهول غير مقبول الرواية
قيل له المسلم عند أصحابنا مقبول الرواية ما لم يظهر فسقه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبل خبر
الأعرابي في رؤية الهلال بعد أن عرفه مسلما ولم يسأل عن صفة زائدة على
الإسلام
الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال إني رأيت الهلال فقال أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمدا
رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا
فإنه قيل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه الوحي بعدالته وتصديقه
قيل له الظاهر أن هذا لم يكن لأنه لا يخلو إما أن يكون نزل عليه الوحي
بعد أن سأله عن إسلامه أو قبل أن يسأل عنه
لا وجه إلى الأول لأنه حين سأله عن إسلامه فأجابه عمل بموجب خبره
ونادى بالصيام في ذلك المجلس على ما شهد به ظاهر الحديث والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
نزل عليه الوحي عرف به من كان عنده
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:43(1/43)
*** ج1/ص44
قالت عائشة رضي الله عنها ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد
البرد فيفصم عنه وإن جبينه يتفصد عرقا إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على
تغير حاله عند نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم
ولا وجه إلى الثاني لأنه لو كان عالما بعدالته وصدقه قبل ذلك - مع أن العدالة
صفة زائدة على الإسلام وهي مرتبة عليه ويشترط إظهارها - لم يسأله عن إسلامه
لأن العلم بالعدالة مشروط بالعلم بالإسلام فلما سأله عن إسلامه ولم يسأل عن
عدالته دل أن ظهور الإسلام هو المعتبر في قبول الخبر دون العدالة
فإن قيل إنما قبل النبي صلى الله عليه وسلم خبره لأنه أخبر بذلك حين أسلم وكان في ذلك
الوقت طاهرا من كل فسق بمثابة من علم إسلامه حين بلوغه وإسلام من هذا
حاله عدالة فإذا تطاول أمره لم يعلم بقاؤه على العدالة
قيل له إذا ثبتت عدالته عند بلوغه وإسلامه فالظاهر بقاؤها إلى أن يثبت
ما يغيرها ثم إن الله سبحانه وتعالى أمر بالتثبت عند مجيء الفاسق بالنبأ بقوله
تعالى 2 يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا 2 ولم يأمر بالتثبت عند
مجيء مشهور العدالة ولا عند مجيء مستورها فما لم يقم دليل من كتاب أو سنة
أو إجماع أو اعتبار صحيح يوجب رد خبره وإلا وجب قبوله
فهذا نوع من أنواع الحديث قبلناه وأوجبنا العمل به وتركنا القياس من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:44
أجله وغيرنا لم يقبله وعمل بالقياس مع وجوده وادعى أنه متبع للحديث دوننا فالله
يحكم بيننا وهو خير الحاكمين
قلت وقد تضمن ما استدللنا به في هذه المسألة من الأحاديث ثلاث مسائل
مختلف فيها
الأولى أن المحرم إذا مات لا ينقطع إحرامه بالموت بل يبقى أثره وهو
مذهب الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق استدلالا بالمحرم الذي وقع عن راحلته(1/44)
فمات وذهب أصحابنا ومالك إلى أن الإحرام ينقطع بالموت ويفعل بالميت المحرم
ما يفعل بسائر الموتى استدلالا بالحديث المشهور وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا مات ابن آدم
انقطع عمله إلا من ثلاث الحديث وتقليدا لابن عمر رضي الله عنهما
( فإن ابن عمر مات له ابن في الجحفة وهو محرم فخمر رأسه ووجهه وقال لولا أنا
حرم لطيبناه فلم يقطع ابن عمر أن ابنه بمنزلة الموقوص الذي أخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه
يبعث يوم القيامة ملبيا ثم من مات بعد هذا الموقوص في حال الإحرام لا يعلم هل
يقبل حجه وهل يبعث يوم القيامة ملبيا أم لا ولا يقطع على غير ذلك إلا بوحي
فافترقا )
ويجيبون عن حديث المحرم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الحكم بعلة وهي بقاء الإحرام
في الآخرة وذلك لا يعلم في غير هذا الميت فلا يجوز إثبات الحكم مع عدم العلم
بالعلة ولا عموم في لفظ هذا الخبر فلا دليل فيه
---
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:45(1/45)
*** ج1/ص46
الثانية أنه لا يجوز للمحرم تغطية رأسه ولا وجهه للروايتين المتقدمتين في
حديث المحرم
الثالثة إذا شهد برؤية هلال رمضان عدل واحد وجب الصوم خلافا
للشافعي في أحد قوليه استدلالا بحديث الأعرابي الذي شهد برؤية الهلال
ويؤيده ما روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال تراءى الناس الهلال
فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه
ذكر ما في الحديثين المذكورين في أول الباب من الغريب
الحقو - بفتح الحاء المهملة وكسرها وبعدها قاف ساكنة وواو - قيل هو المئزر
وأصله مشد الإزار من الإنسان وهما الخاصرتان وقيل طرفا الوركين ثم سمي به
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:46(1/46)
*** ج1/ص47
الإزار للمجاورة وأشعرنها إياه أي اجعلنه يلي جسدها والشعار ما يلي الجسد
لأنه يلي شعر الإنسان والدثار ما فوق الشعار ومنه قوله صلى الله عليه وسلم الأنصار شعاري
والناس دثاري أي أنهم البطانة والخاصة
فائدة وهذه البنت المتوفاة هي زينب زوجة أبي العاص بن الربيع على
الصحيح وهي أكبر بناته وأم كلثوم توفيت وهو غائب ببدر صلى الله عليه وسلم
وقصت بقاف مفتوحة وصاد مهملة مفتوحة وتاء التأنيث أي صرعته
فدقت عنقه وأقعصته بهمزة مفتوحة وقاف ساكنة وعين مهملة وصاد مهملة
مفتوحتان وتاء التأنيث أي أماتته سريعا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:47(1/47)
*** ج1/ص48
باب
الماء المستعمل نجس في رواية
ذكر مشايخ بلخ عن أبي حنيفة ثلاث روايات في الماء المستعمل
إحداها أنه نجس نجاسة مغلظة كالبول والخمر وهي رواية الحسن بن زياد عنه
والثانية أنه نجس نجاسة خفيفة وهي رواية أبي يوسف عنه
والثالثة أنه طاهر غير طهور وهي رواية محمد بن الحسن عنه
ومشايخ العراق رووا عن أبي حنيفة أنه طاهر غير طهور رواية واحدة
واختارها المحققون من أصحابنا وهي القول الأشهر الأقيس الذي عليه الفتوى
وجه الرواية الأولى قال الله تعالى 2 وإن كنتم جنبا فاطهروا 2 فتسمية
الغسل طهارة يشعر بالحكم باستقذار بدن المحدث لأن الطهارة في اللغة عبارة عن
التنزه عما يستقذر يؤيد هذا قوله تعالى 2 فيه رجال يحبون أن يتطهروا 2
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:48(1/48)
*** ج1/ص49
لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب وفي رواية قالوا فكيف نفعل
يا أبا هريرة قال يتناوله تناولا
فثبت بهذا أن الحدث معنى مقدر في المحل يطلب زواله وذلك المعنى
مانع من الصلاة
وقوله صلى الله عليه وسلم سبحان الله إن المسلم لا ينجس
وفي رواية إن المؤمن لا ينجس معناه أن الجنب لا يصير كالعين النجسة
بحيث لا يجوز مجالسته ومصافحته
وجه الرواية الثانية أن الناس اختلفوا فيه فخفت نجاسته كما خفت نجاسة
بول ما يؤكل لحمه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:49(1/49)
*** ج1/ص50
وجه الرواية الثالثة ما روى مسلم عن عون بن أبي جحيفة قال
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم قال فخرج بلال
بوضوئه فمن نائل وناضح قال فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر
إلى بياض ساقيه فتوضأ وأذن بلال وقال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول
يمينا وشمالا يقول حي على الصلاة حي على الفلاح قال ثم ركزت له عنزة
فتقدم فصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع ثم صلى العصر
ركعتين ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة
وفي رواية فرأيت بلالا أخرج وضوءا فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء
فمن أصاب منه شيئا تمسح به ومن لم يصب منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه
وفي رواية يمر من ورائها المرأة والحمار
قلت فهذا الحديث دليل على طهارة الماء المستعمل إن كان ما أخرجه بلال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:50(1/50)
*** ج1/ص51
غسالة أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والأغلب أنها كانت غسالة أعضائه وإلا لما فعل بها
الصحابة ما فعلوا لأن ما يفضل من وضوئه في الإناء مثل ما يفضل من وضوئه
من البئر فلولا كان الذي أخرجه بلال فضل وضوئه لما فعلوا به ما فعلوا وما ثبت
في حق النبي صلى الله عليه وسلم يثبت في حق غيره إلا أن يقوم دليل على تخصيصه به
وأما ما يدل على أنه غير طهور خلافا لمالك والشافعي في قوله القديم فذلك
ترك الأولين بجمعه ليتوضأ به مرة بعد أخرى عند فقد الماء مع قلة المياه في الحجاز
واختلافهم فيما إذا وجد ما لا يكفيه من الماء لحدثه هل يجب استعماله أم لا على
قولين
باب
الوضوء بالنبيذ
كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول إذا ألقي في الماء تميرات تستحلب
عذوبة الماء حتى صار حلوا رقيقا يسيل على الأعضاء جاز الوضوء به عند
عدم الماء محتجا في ذلك بما روى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:51(1/51)
*** ج1/ص52
الترمذي عن أبي فزارة راشد بن كيسان عن أبي زيد مولى عمرو بن
حريث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سألني النبي صلى الله عليه وسلم ومن
طريق أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن ما في إداوتك قلت نبيذ قال
تمرة طيبة وماء طهور قال فتوضأ منه
فإن قيل قال الترمذي أبو زيد رجل مجهول عند أهل العلم
قيل له قال ابن العربي في شرح الترمذي أبو زيد مولى عمرو بن حريث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:52(1/52)
*** ج1/ص53
روى عنه راشد بن كيسان وأبو روق وهذا يخرجه عن حد الجهالة وأما اسمه
فلم يعرف فيجوز أن يكون أراد الترمذي أنه مجهول الاسم
فإن قيل قال أحمد بن حنبل أبو فزارة في حديث ابن مسعود رجل مجهول
وذكر البخاري أبا فزارة العبسي راشد بن كيسان وأبا فزارة العبسي غير مسمى فجعلهما
اثنين
قيل له قد صرح الترمذي بأنه راشد بن كيسان وأخبر أن أبا زيد رجل
مجهول فلو كان أبو فزارة مجهولا لذكره وقد وافق تصريح الترمذي بالتسمية تصريح
البخاري فثبت أنه راشد بن كيسان العبسي الكوفي وانتفى أن يكون غيره
وراشد بن كيسان العبسي ثقة روى عنه الثوري وجعفر بن برقان
وجرير بن حازم وإسرائيل وشريك هكذا ذكر ابن العربي في شرح الترمذي
فإن قيل صح عن عبد الله أنه قال لم أكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن
قيل له يجوز أن يكون صحبه في بعض الليلة واستوقفه في الباقي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:53(1/53)
*** ج1/ص54
وروى الدارقطني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لا بأس
بالوضوء بالنبيذ
وعنه عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة أنه قال النبيذ وضوء من
لم يجد غيره فهذه المسألة قد استدل فيها بهذا الحديث الذي قد أكثر الناس
الطعن فيه وترك القياس من أجله ووافقه على ذلك سفيان الثوري هكذا قال
الترمذي ووافقه أيضا عكرمة وسبقهم بهذا القول علي بن أبي طالب رضي الله
عنه فمن أتبع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الإمام ثم إنه رجع عن هذا القول
إلى ما رآه الأكثرون وهذا دليل على أنه كان رضي الله عنه لا يقول قولا برأي نفسه
بل يتبع الدليل حيث كان
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:54(1/54)
*** ج1/ص55
باب
إذا استعملت المرأة من إناء وخلت به
جاز للرجل استعماله
أبو داود عن أم حبية الجهنية قالت اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الوضوء من إناء واحد
فإن قيل فقد روى أبو داود عن حميد الحميري قال لقيت رجلا صحب
النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة زاد مسدد وليغترفا
جميعا
قيل له فقد روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اغتسل
بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:55(1/55)
*** ج1/ص56
يا رسول الله إني كنت جنبا قال إن الماء لا يجنب قال أبو عيسى هذا
حديث حسن صحيح
وفي هذا الحديث إشارة إلى تقدم حديث النهي لأنها قالت إني كنت جنبا أي
فلا تستعمله وهذا إنما يكون بعد علمها بأن المرأة إذا استعملت من ماء وبقي منه
شيء أنه لا يجوز للرجل استعماله يؤيد هذا حديث بريرة قالت عائشة رضي الله
عنها ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم فقرب إليه خبز وأدم من أدم
البيت فقال ألم أر برمة فيها لحم قالوا بلى يا رسول الله ولكن ذاك لحم تصدق
به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة فقال هو عليها صدقة وهو لنا منها
هدية
فالمفهوم من هذا كالمفهوم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما
ذكر ما في الحديث من الغريب
قوله إن الماء لا يجنب الجنابة البعد فمعنى الحديث أن الماء لا يصير
بهذا الفعل إلى حالة يجتنب فلا يستعمل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:56(1/56)
*** ج1/ص57
باب
سؤر الهرة مكروه في رواية
مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكل كل ذي
ناب من السباع حرام
الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
السنور سبع
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يغسل
الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن بالتراب وإذا ولغت فيه الهرة غسل
مرة حديث حسن صحيح قال ابن العربي ويؤثر كراهة سؤرها عن
سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين والحسن البصري وعطاء ومجاهد ويحيى بن
سعيد رضي الله عنهم والكراهة كراهة تنزيه لقوله عليه السلام إنها ليست
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:57(1/57)
*** ج1/ص58
بنجس إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات
باب
سؤر البغل والحمار مشكوك
في طهوريته وقيل في طهارته
مالك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأهلية
وصح عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عام خيبر مناديا ينادي
أن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس وهذه العبارة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:58(1/58)
*** ج1/ص59
تستعمل في النجاسات قال الله تعالى 2 أو لحم خنزير فإنه رجس 2 وهذا
يقتضي نجاسة سؤره
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل
لحوم الحمر الأهلية إلا من أجل أنها ظهر وقال بعضهم إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها
لأنها حمر كانت تأكل العذرة فلما وقع الاختلاف في علة التحريم ولم يترجح
البعض على البعض توقف الإمام رضي الله عنه فلم يحكم فيه بطهارة ولا نجاسة
وهذا دليل على علمه وورعه
فإن قيل فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل
أيتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها وهذا يقتضي
طهارة سؤره
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:59(1/59)
*** ج1/ص60
قيل له هذا الحديث رواه داود بن الحصين عن جابر ولم يلقه فضعف
الاحتجاج به
فإن قيل فقد رواه الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن
الحصين عن أبيه عن جابر وإبراهيم بن أبي يحيى عند الشافعي ثقة
قيل له فلاحتمال صحته جعل بعض أصحابنا الشك في طهوريته لا في
طهارته وقد وافقنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه في إحدى الروايتين عنه وأصح
الروايتين عنه أنه نجس وبمثل ما حكمنا به في سؤر الحمار حكم عبد الله بن
مسلمة من أصحاب مالك رحمه الله في الدجاج والأوز يأكل العذرة فيشرب الماء من
الإناء أنه مشكوك فيه فيجمع بينه وبين التيمم وكذا قال ابن شهاب رحمه الله في ماء
ولغ فيه الكلب هو ماء وفي النفس منه شيء يتوضأ به ويتيمم
فمذهبنا وسط بين المذهبين وخيار الأمور أوساطها
باب
كل ما تيقن أو غلب على الظن
وصول النجاسة إليه حرم استعماله
مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبولن
أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:60(1/60)
*** ج1/ص61
وفي لفظ أبي داود ثم يغتسل فيه وفي لفظ الترمذي والنسائي ثم يتوضأ
منه
وجه التمسك بهذا الحديث
إن مطلق النهي يقتضي وجوب الامتناع لا سيما وقد أكد بنون التأكيد وحديث
بئر بضاعة حسن وما رويناه صحيح فلا يعارض به بل يعارضه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:61(1/61)
*** ج1/ص62
ما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا
استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري
أين باتت يده
أو نقول يحتمل أن يكون سؤالهم عن البئر وجوابه عليه السلام كان بعد
إخراج النجاسة من البئر مع الماء لأنه لا يمكن حمل الحديث على حال بقاء النجاسة
لأن ماءها يتغير لا محالة بكثرة الإلقاء فيها وقلة الإخراج منها مع أن الماء ينجس
بالتغيير بلا خلاف
وفائدة سؤالهم أن الحال أشكلت عليهم من حيث بقاء النجاسة في طين البئر
وحيطانها فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يؤثر فيما طرأ من الماء لا أنه لا ينجس
بمنجس وهذا مثل قوله عليه السلام إن المسلم لا ينجس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:62(1/62)
*** ج1/ص63
وحديث القلتين مداره أما على مطعون فيه أو مضطرب في روايته
فروي قلتين وروي قلتين أو ثلاثا وروي أربعون قلة وروي
أربعون غربا وعلى كثرة طرقه لم يخرجه من شرط الصحة وروي موقوفا على
أبي هريرة وعلى ابن عمر رضي الله عنهما وإن صح فالجواب عنه من وجهين
أحدهما أن القلة مجهولة القدر محتملة لمعان قال محمد بن إسحاق هي
الجرة والقلة التي يستقى فيها قال في الصحاح والقلة أعلى الجبل وقلة كل
شيء أعلاه ورأس الإنسان قلة وأنشد سيبويه
عجائب تبدي الشيب في قلة الطفل
فلا يسوغ لأحد تخصيصها بشيء مما ذكرنا إلا بدليل فإن ساغ لغيرنا حملها على
قلال هجر ساغ لنا أن نحملها على أعلى ما قيل فيها إذ قد سيق لبيان أنه
لا ينجس لكثرته فتقديره به أنسب لأنه كالماء الجاري معنى ليوافق معنى الآثار
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:63(1/63)
*** ج1/ص64
الوجه الثاني أن حديث مسلم الذي رويناه في أول هذا الباب راويه
أبو هريرة وإسلامه متأخر وحديث القلتين رواية ابن عمر وإسلامه متقدم والمتأخر
ينسخ المتقدم فإن لم يكن النسخ متحققا فهو محتمل فكان الأخذ بحديثنا أحوط
واستفدنا من حديث القلتين أن سؤر سباع البهائم نجس لأنه صلى الله عليه وسلم سئل
عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب فقال إذا بلغ الماء قلتين
لم يحمل الخبث فلولا أن أسآرها نجسة لما صح هذا الجواب بذكر الخبث
باب
المني نجس يجب غسله إذا كان رطبا
ويكتفى بفركه إذا كان يابسا
مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب
أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في ركب فيهم عمرو بن العاص وأن عمر بن الخطاب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:64(1/64)
*** ج1/ص65
رضي الله عنه عرس ببعض الطرق قريبا من بعض المياه فاحتلم عمر وقد كاد
أن يصبح فلم يجد مع الركب ماء فركب حتى جاء الماء فجعل يغسل ما رأى
من ذلك الاحتلام حتى أسفر فقال له عمرو بن العاص أصبحت ومعنا ثياب فدع
ثوبك يغسل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه واعجبا لك يا ابن العاص
لئن كنت تجد ثيابا أفكل الناس يجد ثيابا والله لو فعلتها لكانت سنة بل أغسل
ما رأيت وأنضح ما لم أر وقد وافقنا مالك بن أنس رضي الله عنه
فإن قيل فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال المني بمنزلة المخاط
فأمطه عنك ولو بإذخرة
قيل له إنما شبهه به في لزوجته وقلة تداخله في الثوب ولهذا أمره بإماطته لأنه
إذا أماطه عنه ذهب أكثره وبقي القليل منه مع أنه أمره بإماطته والأمر للوجوب
ومن يقول بأنه طاهر لا يوجب إزالته
البخاري عن عائشة رضي الله عنها قال كنت أغسل الجنابة من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:65(1/65)
*** ج1/ص66
ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه
مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أفرك المني من ثوب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمنا أنه صلى معه
فإن قيل قال الله تعالى 2 وهو الذي خلق من الماء بشرا 2 سماه ماء وهو في
الحقيقة ليس بماء فدل أنه أراد به التشبيه في الحكم ومن حكم الماء أن يكون
طاهرا
قيل له إن تسميته ماء لا يدل على طهارته فإن الله تعالى سمى مني الدواب
ماء بقوله 2 والله خلق كل دابة من ماء 2 ولا يدل ذلك على طهارة ماء كل
الحيوان
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:66(1/66)
*** ج1/ص67
باب
الأبوال كلها نجسة
البخاري ومسلم واللفظ له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما هذا فكان
لا يستنزه من البول وفي رواية من بوله وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ثم دعا
بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال
لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا وإذا كان بول الآدمي نجسا مع كونه مكرما فبول
غيره أحرى أن يكون نجسا
فإن قيل روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن ناسا من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:67(1/67)
*** ج1/ص68
عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وقال اشربوا من
ألبانها وأبوالها
قيل كان ذلك رخصة بدليل ما روى البخاري عن أنس بن مالك
رضي الله عنه أن ناسا من عرينة اجتووا المدينة فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا
إبل الصدقة الحديث ويؤيد ما ذهبنا إليه ما روى
الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استنزهوا
من البول فإن عامة عذاب القبر منه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:68(1/68)
*** ج1/ص69
ذكر ما في الحديثين الأولين من الغريب
العسيب من الجريد ما لم ينبت عليه الخوص وما نبت عليه الخوص
فهو السعف
وقوله وما يعذبان في كبير أي ليس بكبير يشق على فاعله التنزه منه وترك
النميمة سهل وقيل ليس بكبير عندكم وهو عند الله كبير
وقوله اجتووها أي استوخموها
باب
الأرواث نجسة
الترمذي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله
قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته فقال التمس لي ثلاثة أحجار فأتيته بحجرين وروثة
فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال إنها رجس
قال أبو عيسى أصح شيء عندي في هذا حديث إسرائيل يعني هذا لأنه
أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من غيره
باب
لبن الميتة ليس بنجس
قال الله تعالى نسقيكم مما في بطونها من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:69(1/69)
*** ج1/ص70
للشاربين وجه التمسك بهذه الآية من وجهين
أحدهما عموم اللفظ في إباحة اللبن من غير فرق بين ما يؤخذ من حي
أو ميت
والثاني إخباره أنه خارج من بين فرث ودم وحكم بطهارته مع ذلك
إذ كان ذلك الموضع موضع الخلقة فثبت أن اللبن لا ينجس بنجاسة
موضع الخلقة وهو ضرع الميتة كما لا ينجس بمجاورته الفرث والدم
باب
ما ليس له دم جار إذا مات في الماء لا ينجسه
لأن قول الله تعالى فيه شفاء للناس فيه دلالة ظاهرة على طهارة
العسل ومعلوم أنه لا يخلو من النحل الميت فيه وفراخه فيه وقد حكم الله تعالى
بطهارته وأخبر عما فيه من الشفاء للناس
فدل ذلك أن ما لا دم له لا يفسد ما يموت فيه
مسلم عن عبد الله بن جبير بن مطعم قال سمعت أبا هريرة رضي الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:70(1/70)
*** ج1/ص71
عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم
لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء
وأخرج البخاري وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر
دواء وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله
باب
شعر الميتة ووبرها وصوفها
وريشها وعظمها وعصبها طاهر
البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تصدق على مولاة
لميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم
به فقالوا إنها ميتة قال إنما حرم أكلها
ففي هذا دليل على أن ما عدا المأكول من أجزاء الميتة لا يحرم الانتفاع به
وقوله عليه السلام هلا انتفعتم بجلدها ليس فيه دليل على أنه لا يجوز الانتفاع
بغيره لأنه خرج مخرج الغالب مع أن الجلد اسم للصوف وما هو متصل به ولأن
هذه الأشياء لا حياة فيها ولهذا لا تتألم بالقطع فلا يحلها الموت فلا تنجس
فإن قيل قوله تعالى 2 قال من يحيي العظام وهي رميم 2 يدل على أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:71(1/71)
*** ج1/ص72
العظم فيه حياة فيحله حكم الموت بموت الأصل فيكون ميتة
قيل له هذا لا يدل على سبق الحياة في العظم كما لا يدل قوله تعالى
2 ويحيي الأرض بعد موتها 2 على سبق الحياة في الأرض
باب
تجوز إزالة النجاسة
بما سوى الماء من المائعات الطاهرة
البخاري عن مجاهد قال قالت عائشة رضي الله عنها ما كان لإحدانا
إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فمصعته بظفرها
ذكره البخاري في باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه
أبو داود عن مجاهد قال قالت عائشة رضي الله عنها ما كان لإحدانا إلا
ثوب واحد فيه تحيض فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها
وهذا يشعر بتكرار إزالة الدم بالريق من الثوب الواحد فلو كان دلكه بالريق
لا يطهره لكان بالدلك تكثير ومع الكثرة لا عفو بلا خلاف
وعنه عن بكار بن يحيى قال حدثتني جدتي قالت دخلت على أم سلمة
فسألتها امرأة من قريش عن الصلاة في ثوب الحائض فقالت أم سلمة قد كان
يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:72(1/72)
*** ج1/ص73
فتنظر الثوب الذي كانت تقلب فيه فإن أصابه دم غسلناه وصلينا فيه وإن لم يكن
أصابه شيء تركناه ولم يمنعنا ذلك أن نصلي فيه
فقول أم سلمة غسلناه إما أن نحمله على الغسل التي حكته عائشة
أو نجريه على عمومه فإن لفظ الغسل غير مختص بالماء
فإن قيل بل نحمله على ما روى الترمذي عن أسماء بنت أبي بكر رضي
الله عنهما أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه
قيل هذا الحديث خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط كقوله تعالى
2 وربائبكم اللاتي في حجوركم 2 والمعنى في ذلك أن الماء أكثر وجودا من غيره
أو نقول تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه
ذكر ما في هذه الأحاديث من الغريب
المصع بميم مفتوحة وصاد مهملة ساكنة وعين مهملة أصله الضرب
بالسيف والمماصعة المقاتلة وقدا استعملته هنا في الحك بالظفر والمعالجة به
لاستخراج الدم بذلك من الثوب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:73(1/73)
*** ج1/ص74
والقصع الدلك ومنه قصع القملة والحت الحك والقرص الدلك
وقيل التقريض بالإبهام مثل القرص
باب
جلد الميتة يطهر بالدباغ
مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دبغ الإهاب
فقد طهر فهذا الحديث عام في المأكول وغيره واستثني من عمومه الآدمي تكريما
له والخنزير لنجاسة عينه
قال الطحاوي رحمه الله وقد رأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلموا
لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بطرح نعالهم وخفافهم وأنطاعهم التي كانوا يتخذونها في حال
جاهليتهم وإنما كان ذلك من ميتة أو ذبيحة وذبيحتهم حينئذ إنما كانت ذبيحة أهل
الأوثان فلما لم يأمرهم بطرح ذلك وترك الانتفاع به ثبت أن ذلك قد كان خرج من
حكم الميتة ونجاستها بالدباغ إلى حكم سائر الأمتعة وطهارتها وكذلك كانوا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتحوا بلدا من بلاد المشركين لا يأمرهم بأن يتحاموا خفافهم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:74(1/74)
*** ج1/ص75
ونعالهم وأنطاعهم وسائر جلودهم وكان لا يمنعهم من أخذ شيء من
ذلك
فإن قيل فقد روى عبد الله بن عكيم أنه قال أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل وفاته بشهر يقول كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي
فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب رواه أبو داود في سننه - -
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:75(1/75)
*** ج1/ص76
وأحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده وقال إسناد جيد
قيل له قالت الأئمة كل حديث نسب إلى كتاب ولم يذكر حامله فهو مرسل
والجلد قبل الدباغ يسمى إهابا وبعده أديما وسختيانا وتقييده بشهر قبل وفاته
لا يدل على نسخ حديث ابن عباس لجواز أن يكون قد سمعه قبل وفاته بأقل من
ذلك
باب
كل ما طهر جلده بالدباغ طهر بالذكاة
الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة قد نفقت
فقال ألا استمتعتم بجلدها قالوا يا رسول الله إنها ميتة قال إن دباغها ذكاتها
فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الدباغ مقام الذكاة فدل أن الذكاة تقوم مقام الدباغ
ذكر غريب هذا الحديث
نفقت الدابة تنفق نفوقا أي ماتت ونفق البيع نفاقا بالفتح أي راج
والنفاق بالكسر فعل المنافق والنفق سرب في الأرض له مخلص إلى مكان والنافقاء
إحدى جحرة اليربوع يكتمها ويظهر غيرها ومنه اشتقاق المنافق ويقال دبغ فلان
إهابه يدبغه دبغا ودباغة ودباغا والدباغ أيضا ما يدبغ به
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:76(1/76)
*** ج1/ص77
باب
إذا تخمر العصير أبيح تخليله
قال الله تعالى 2 إنا لا نضيع أجر المصلحين 2
فإن قيل في التخليل اقتراب الخمر وقد قال الله تعالى 2 فاجتنبوه 2 وقد
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الخمر خلا ولما نزلت آية التحريم كان عند أبي
طلحة الأنصاري خمور لأيتام فقال يا رسول الله أنخللها قال لا وأمره
بإراقتها ولو كان التخليل مباحا لما نهاه لأن فيه حفظ أموال اليتامى
قيل له الاقتراب لإعدام الفساد غير ممنوع عنه كالاقتراب للإراقة وأما
الحديث الأول فيحتمل أن يكون المراد النهي عن وضع الخمر على الموائد مكان الخل
كقوله صلى الله عليه وسلم إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر أي لا تستعملوها
استعمال المنابر
وفائدة هذا النهي بعد استقرار التحريم اندفاع وهم من يتوهم أنه يجوز أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:77(1/77)
*** ج1/ص78
يؤتدم بها كصنيع أهل الكتاب وأن المحرم ليس إلا السكر منها كما هو معتقد
أهل الكتاب ولهذا قال صلى الله عليه وسلم حرمت الخمر لعينها ويحتمل أن يكون المراد
لا تخللوها
فإن كان المراد المعنى الأول فلا دلالة فيه على حرمة التخليل
وإن كان المراد المعنى الثاني وجب أن يحرم نقلها من الظل إلى الشمس
وبالعكس لأنه تخليل فإن اتفقنا على جوازه جاز غيره وتعين أن يكون المراد هو
المعنى الأول
وأما حديث أبي طلحة فمحمول على أنه كان في ابتداء التحريم حين كان
النبي صلى الله عليه وسلم يبالغ في أمر الخمر زجرا لهم وقلعا عن العادة المألوفة وخمور الأيتام يومئذ
كانت جائزة الإراقة وليست بأموال في حق المسلمين وكافل اليتيم إنما يجب عليه
حفظ ما كان مالا لا حفظ ما ليس بمال ثم وإن كان فيه مفسدة لكنها خاصة
فيجوز ارتكابها لمصلحة عامة كما إذا تترس الكفار بصبيان المسلمين وذراريهم فإنا
لا نكف بسبب ذلك عن قتالهم
باب
وإذا تخللت الخمر طهرت
مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا
ما عندنا إلا خل فدعا به فجعل يأكل به ويقول نعم الأدم الخل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:78(1/78)
*** ج1/ص79
وفي رواية قال جابر فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم
وهذا خل والنفس تستطيبه فيكون طيبا والطيب طاهر حلال قال الله تعالى
2 كلوا من الطيبات 2 ولأن صفات الخمر قد تغيرت إلى صفات الخل والكلام
على هذا التقدير فوجب أن يكون حلالا كما إذا تخللت بنفسها
باب
إذا يبست الأرض طهرت
أبو داود عن حمزة بن عبد الله بن عمر قال قال ابن عمر كنت
أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت فتى شابا عزبا وكانت
الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك
فإن قيل قال الخطابي وهذا الحديث صحيح ولكنه يحتمل على أن
الكلاب كانت تبول في مواطنها وتقبل وتدبر في المسجد
قيل له فانظر إلى هذا التعصب المحض الذي غلب عليه حين رأى حديثا
صحيحا دالا على خلاف مذهبه فأوله بهذا التأويل الواهي الذي لا مستند له وغفل
عن آخر الحديث فإذا كانت تبول في مواطنها فأي فائدة في هذا الإخبار وأي فائدة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:79(1/79)
*** ج1/ص80
في قوله وكانوا لا يرشون شيئا من ذلك وإذا كان دأبها الإقبال والإدبار فيه
فما المانع لها من البول فيه أعقلها وأدبها أم ربط الحفاظ على منافذها
باب
إذا أصاب الأرض نجاسة مائعة وهي صلبة مستوية
قلب أعلاها حتى يصير أسفلها لأنه الطريق الممكن في تطهيرها
فإن قيل قد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا دخل المسجد
- ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس - فصلى ركعتين ثم قال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا
أحدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد تحجرت واسعا ثم لم يلبث أن بال في ناحية
المسجد فأسرع الناس إليه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا
معسرين صبوا عليه سجلا من ماء أو قال ذنوبا من ماء
قيل له فقد روى أبو داود عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال صلى
أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة وقال يعني النبي صلى الله عليه وسلم خذوا ما بال عليه
من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء
فإن قيل هذا حديث مرسل لأن عبد الله بن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:80
قيل له المراسيل حجة يجب العمل بها والمرسل ما انقطع إسناده فأخل فيه
ببعض رواته ( وإلى هذا ) ذهب إبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب والحسن
البصري والصدر الأول كلهم وسائر أصحاب الحديث من المتقدمين
قال القاضي أبو الوليد الباجي في أصوله قال محمد بن جرير الطبري
إنكار المرسل بدعة ظهرت بعد المئتين ويدل على ذلك إجماع الناس على نقل المرسل
إلى اليوم ولا فائدة في نقله وروايته والاشتغال به إلا العمل بموجبه وبهذه الطريقة
أثبتنا العمل بأخبار الآحاد المسندة
فإن قيل هذا يبطل بأخبار الضعفاء والمتروكين فإنها تروى وتكتب وتنقل في
الكتب ومع ذلك لا يجب العمل بمتضمنها(1/80)
قيل له هذا باطل لأن أكثر المتورعين والفضلاء لا يروون عن الضعفاء وقد
روي عن مالك رحمه الله أنه سأله عبد الرزاق ( أن ) يحدثه بحديث فقال قد رويته
ولا أحدثك به وسأله مسلم بن خالد الزنجي أن يحدثه به فقال لو كنت محدثا به
لحدثته ولكني لا أحدث به لأن راويه لم يكن ( عندنا ) بذلك وقال شعبة لأن
أزني ( أحب إلي من أن ) أحدث بحديث عن أبان بن أبي عياش وكذلك سائر
الأئمة إذا ثبت عندهم تضعيف رجل رموا بحديثه إلا آحادا من المحدثين لم يثبت
بهم حجة ولأن خبر الضعيف إذا روي فأكثر العلماء يبين ضعفه ويقرن به ما يوجب
رده فيجوز لذلك
---
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:81(1/81)
*** ج1/ص82
وليس كذلك الخبر المرسل فلم نر أحدا من العلماء روى حديثا مرسلا
وذكر أنه لا يؤخذ به لأنه مرسل
فهذا نوع آخر من أنواع الحديث قبلناه وأوجبنا العمل به وتركنا القياس من
أجله وغيرنا ممن ادعى اتباع الحديث ترك العمل به وعمل بالقياس عند
وجوده ومن ترك العمل بالمرسل فقد ترك أكثر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو الوليد الباجي ولو تتبعت أخبار الفقهاء السبعة وسائر أهل المدينة
والشاميين والكوفيين لوجدت أئمتهم كلهم قد أرسلوا الحديث
ثم هذا عبد الله بن عباس رضي الله عنه مسنده من أكثر مسانيد الصحابة
رضي الله عنهم وقد ثبت بخبره أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا نحوا من سبعة
أحاديث
ثم نقول قد أمر في هذا الحديث بأخذ التراب الذي أصابه البول وإلقائه
وصب الماء عليه وقد ذكره بحرف الواو فإن كان أمر بصب الماء عليه أولا ثم بأخذ
التراب ففائدة الصب ذهاب رائحة البول وإن كان أمر بأخذ التراب أولا ثم بصب
الماء فيحتمل وجهين
أحدهما أنه أمر بصب الماء على مكانه لاحتمال أن يكون بقي شيء من
التراب الذي أصابه البول فيكون الصب مطهرا له لأن الأرض قد أثيرت فالماء
يستتبع النجاسة وينسفل بها أو يكون الأمر بالصب تعبدا
وأما الحديث الأول إن سلمنا صحة الاحتجاج به دون غيره فنقول إنما اكتفى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:82(1/82)
*** ج1/ص83
رسول الله صلى الله عليه وسلم بصب الماء لأن أرض المسجد كانت رخوة تربة يدل على هذا
ما روى البخاري وغيره عن سهل بن سعد قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة
فلم يجد عليا في البيت فقال أين ابن عمك فقالت كان بيني وبينه شيء
فغاضبني فخرج فلم يقل عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان انظر أين هو فجاء
فقال يا رسول الله هو في المسجد فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه
عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول قم أبا تراب قم
أبا تراب
والأرض إذا كانت رخوة فصب عليها الماء انسفل بها وبقي وجه الأرض
طاهرا
ذكر ما في هذين الحديثين من الغريب
الحجر المنع يقول لقد ضيقت من رحمة الله تعالى ما وسعه ومنعت منها
ما أباحه والسجل بسين مهملة مفتوحة وجيم ساكنة هو الدلو الكبيرة إذا كان
فيها ماء قل أو كثر وهو مذكر ولا يقال سجل إذا لم يكن فيه ماء
والذنوب بفتح الذال المعجمة هي الدلو إذا كانت ملأى وقيل يكون فيها
قريب من الملأ يذكر ويؤنث
ومعقل هو بالقاف وأشار إليه في الإكمال وصرح به في الاستيعاب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:83(1/83)
*** ج1/ص84
في باب معقل بفتح الميم وكسر القاف وقال يكنى أبا عمرة وذكر أنه كان له إخوة
وكانوا كلهم سبعة وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم
باب
يغسل الثوب من بول الغلام والجارية
كما يغسل من سائر النجاسات
فإن قيل فقد روى البخاري عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها
صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال عليه
فدعا بماء فنضحه ولم يغسله
وفي لفظ الترمذي فدعا بماء فرشه عليه
قيل له النضح قد يذكر ويراد به الغسل وكذلك الرش
أما الأول فيدل عليه ما روى أبو داود عن المقداد بن الأسود أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:84(1/84)
*** ج1/ص85
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من
أهله فخرج منه المذي ماذا عليه قال علي فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن
أسأله قال المقداد فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إذا وجد أحدكم ذلك
فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة
والذي يدل على أنه أريد بالنضح ههنا الغسل ما روى مسلم عن علي
رضي الله عنه قال كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته
مني فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ
والقضية واحدة والراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد
ومما يدل على أن النضح يذكر ويراد به الغسل ما روى الترمذي عن
سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر منه الاغتسال فسألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنما يجزئك من ذلك الوضوء قلت يا رسول الله فكيف بما
يصيب ثوبي منه فقال يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به من ثوبك حيث
ترى أنه أصابه
وأما أن الرش يذكر ويراد به الغسل فقد صح عن ابن عباس رضي الله
عنه أنه لما حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:85(1/85)
*** ج1/ص86
حتى غسلها فالرش أراد به هنا صب الماء قليلا قليلا فهذا محمل
حديث الترمذي
ومما يدل على أن النضح يذكر ويراد به الغسل وكذلك الرش يذكر ويراد به
الغسل قوله عليه السلام في حديث أسماء تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه
ثم تصلي فيه هذا من طريق البخاري ومسلم ومن طريق الترمذي حتيه
ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه
فالحت الحك والقرص أن تقبض على موضع النجاسة بالأصبع وتغمزه غمزا
جيدا وتدلكه حتى ينحل ما تشربه من الدم والمراد بالنضح هنا الغسل قاله
البغوي وقال موضع تنضحه ثم رشيه فدل أن الرش هنا الغسل
فلما ثبت أن النضح والرش يذكران ويراد بهما الغسل وجب حمل قول
الصحابي رضي الله عنه فنضحه ولم يغسله على أنه أسال الماء عليه ولم يعركه لأنه
يحتمل أنه صب الماء عليه قليلا قليلا حتى تقاطر وسال ومتى حصلت الإسالة
حصل الغسل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:86(1/86)
*** ج1/ص87
فإن قيل فلم فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين بوليهما في صفة الغسل
قيل له لأن بول الغلام مثل الماء وبول الجارية ثخين أصفر يلتصق بالمحل
فقال ينضح بول الغلام أي يسيل الماء عليه من غير عرك لسرعة زواله كما أمر
بالنضح على الثوب الذي أصابه المذي وقال يغسل بول الجارية أي يصب الماء
عليه ويعرك لبطء زواله كما أمر به في غسل الثوب من دم الحيض بقوله صلى الله عليه وسلم
حتيه ثم اقرصيه بالماء ووافقنا سفيان الثوري رحمه الله وسبقنا بهذا
القول إبراهيم النخعي رضي الله عنه
وقال الطحاوي وإنما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين بول الغلام والجارية فأمر
بالغسل من بولها والرش من بوله لأن يقع بوله في موضع واحد وبولها يقع في
مواضع فقال يغسل أي يتتبع
ذكر غريب حديث علي رضي الله عنه
المذي وهو بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وياء مخففة وقد تشدد لغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:87(1/87)
*** ج1/ص88
باب
إذا ولغ الكلب في الإناء
استحب غسله سبعا ويكتفى بالثلاث
أما الاستحباب فلما ذكرناه في آخر باب سؤر الهرة وأما الاكتفاء
بالثلاث
فلما روى الطحاوي عن إسماعيل بن إسحاق عن أبي نعيم عن
عبد السلام بن حرب عن عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله
عنه في الإناء تلغ فيه الهر أو الكلب يغسل ثلاث مرات وأبو هريرة أحد رواة
السبع والراوي متى عمل بخلاف روايته كان عمله دليلا على نسخ الحديث
أو تخصيصه لأن الصحابي رضي الله عنه لا يجوز أن يتعمد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لأن
مخالفته فسق والصحابة رضي الله عنهم منزهون عن ذلك فيحمل ترك استعماله
للخبر على أنه قد علم نسخه أو تخصيصه أو علم بدلالة الحال أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم
الندب فيما وراء الثلاث
فإن قيل يجوز أن يكون تركه سهوا أو غلطا أو نسيانا أو لتأويل غير
صحيح بسبب ما ظنه دليلا مع أنه ليس بدليل أو لأنه رأى غيره أولى منه مما لو بلغنا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:88(1/88)
*** ج1/ص89
لم نقدمه عليه
قيل له مخالفته لظاهر ما رواه متحققة وما ذكرناه في العذر له أليق بمنصب
الصحابي رضي الله عنه ثم نقول
روى مسلم عن ابن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم
قال ما لهم ولها فرخص في كلب الصيد وكلب الغنم وقال إذا ولغ الكلب في
الإناء فاغسلوه سبع مرات والثامنة عفروه بالتراب
فالأمر بالغسل إن رجع إلى الكلب المرخص في اتخاذه عارضه قول الله
تعالى 2 فكلوا مما أمسكن عليكم 2 ولم يأمر بغسل ما أصابه فمه
وإن رجع إلى الكلب المأمور بقتله فقد أمر في هذا الحديث بالغسل ثمان مرات
وفي حديث أبي هريرة بالغسل سبع مرات فما كان الجواب عن المرة الثامنة
فهو جواب لنا عن الزيادة على الثلاث
قال ابن العربي وقد ضعف مالك رحمه الله غسل الإناء من ولوغ الكلب
لما تلوناه من الآية وقيل لاختلاف الروايات فيه فإنه روي في حديث أبي هريرة
يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أو خمسا أو سبعا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:89(1/89)
*** ج1/ص90
فإن قيل هذا حديث تفرد به عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن
عياش وهما ضعيفان
قيل الطعن المبهم لا يكون جرحا عند الفقهاء لأن باب الشهادة أضيق من
باب رواية الأخبار والطعن المبهم من المدعى عليه لا يكون جرحا ولا يمتنع العمل
بالشهادة لأجل الطعن المبهم فلأن لا يخرج الحديث بالطعن المبهم من أن يكون
حجة أولى
وهذه العادة الظاهرة أن الإنسان إذا لحقه من غيره ما يسوؤه طعن فيه طعنا
مبهما إلا من عصمه الله تعالى
ذكر ما في الحديث من الغريب
الولوغ للسباع كالشرب لبني آدم وقد يستعمل الشرب للسباع ولا يستعمل
الولوغ في بني آدم
قال أبو عبيدة الولوغ بضم الواو إذا شرب قليلا وإذا أكثر فهو
بفتحها وعفروه مرغوه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:90(1/90)
*** ج1/ص91
باب
إذا أصابت الخف نجاسة لها
جرم فجفت فدلكه بالأرض جاز
أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا وطئ
أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور
وفي رواية إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب
وفي الحديث الأول رجل مجهول والحديث الثاني من رواية محمد بن
عجلان وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد والجرح مقدم على
التعديل
وهذا نوع آخر من أنواع الحديث جوزنا العمل به وتركنا القياس من أجله
حيث لم يعارضه غيره وقد قال بمثل قولنا جماعة منهم الأوزاعي قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:91(1/91)
*** ج1/ص92
يجزيه أن يمسح القذر من نعله أو خفه بالتراب ويصلي فيه وروي مثل ذلك
عن عروة بن الزبير وكان النخعي يمسح النعل أو الخف يكون فيه السرقين عند
باب المسجد ويصلي بالقوم
وقال أبو ثور إذا مسح ذلك حتى لا يجد له ريحا ولا أثرا رجوت أن
يجزيه وقد ترك العمل بهذا الحديث قوم وتأولوه على ما إذا كانت النجاسة يابسة
فوطئ عليها وعمل بالقياس وهو تأويل ضعيف والله بنا وبمن تأوله لطيف
باب
إذا وقع في البئر حيوان فمات ماذا حكمه
الطحاوي عن صالح بن عبد الرحمن عن سعيد بن منصور عن هشيم
عن منصور عن عطاء أن حبشيا وقع في بئر زمزم فمات فأمر ابن الزبير فنزح
ماؤها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال
ابن الزبير حسبكم
وبه عن أبي بكرة عن أبي عامر العقدي عن سفيان عن زكريا
عن الشعبي في الطير والسنور ونحوهما يقع في البئر قال ينزح منها أربعون
دلوا وعنه عن صالح بن عبد الرحمن عن سعيد بن منصور عن هشيم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:92(1/92)
*** ج1/ص93
عن عبد الله بن سبرة الهمداني عن الشعبي قال يدلى منها سبعون دلوا
وبه عن هشيم عن مغيرة بن مقسم أبي هشام الضبي عن
إبراهيم النخعي في البئر يقع فيها جرذ أو سنور فيموت قال يدلى منها
أربعون دلوا وعنه عن عطاء عن ميسرة وزاذان عن علي رضي الله عنه
قال إذا سقطت الفأرة أو الدابة في البئر فانزحها حتى يغلبك الماء
وعنه عن حماد بن أبي سليمان أنه قال في دجاجة وقعت في بئر
فماتت قال ينزح منها قدر أربعين دلوا أو خمسين دلوا ثم يتوضأ منها
قال ابن العربي وروى قتيبة بن سعيد و أبو مصعب عن مالك في
الفأرة تموت في البئر قال تنزف كلها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:93(1/93)
*** ج1/ص94
وروى ابن أبي أويس عنه ينزف منها سبعون دلوا
فقد حكم من حكينا قوله من الصحابة والتابعين بنجاسة ماء الآبار وتطهيرها
بما روينا عنهم ولم ينقل عن غيرهم خلافه فقلدناهم وتركنا القياس من أجل
ما روي عنهم وهذه المسألة أكبر شهادة لنا في أنا أقل الناس عملا بالقياس
ذكر ما في هذه الآثار من الغريب
نزحت البئر نزحا استقيت ماءها كله وبئر نزوح قليلة الماء والنزح
بالتحريك البئر التي نزح أكثر مائها ونزحت الدار نزوحا بعدت
ونزفت ماء البئر نزفا إذا نزحته كله ونزفت هي يتعدى ولا يتعدى وحكى
الفراء أنزفت البئر أي ذهب ماؤها وقال أبو عبيد نزفت عبرته بالكسر وأنزفها
صاحبها قال العجاج
وأنزف العبرة من لاقى العبر
باب
الاستنجاء سنة فإذا تجاوز الخارج المخرج وجب
أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:94(1/94)
*** ج1/ص95
اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن استجمر فليوتر من فعل
فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أكل فما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع من
فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجد
كثيبا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد ابن آدم من فعل فقد
أحسن ومن لا فلا حرج
فإن قيل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستنجاء بثلاثة أحجار ونهى أن يستنجى بأقل
منها
قيل له ما رويناه من الحديث إن جعلناه أمرا باستعمال ثلاثة أحجار حملا
للمطلق على المقيد الذي رويتموه فقد نفى الحرج عن تاركه فانتفى وجوب
الاستجمار بثلاثة أحجار وتبين أن النهي الوارد لتأكيد الاستحباب والأمر للندب
لا للإيجاب
وإن أجرينا المطلق على إطلاقه فيكون أمرا بما يصدق عليه لفظ الإيتار وأقل
ما يقع عليه اسم الإيتار مسحة واحدة وقد نفى الحرج عن تاركها ومن ضرورته
نفي الإيجاب
ويؤيد هذا أنه لو استنجى بيمينه جاز مع أنه منهي عنه في الحديث فوجب أنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:95(1/95)
*** ج1/ص96
إذا ترك التثليث في الأحجار يجوز وإن كان منهيا عنه
فإن قيل قد فهمنا أن النهي عن الاستنجاء باليمين كان إكراما لها
فتركه لا يؤثر في جواز الاستنجاء باليسار
قيل له وقد فهمنا أن الأمر بالتثليث في الأحجار كان ليحصل النقاء
أو التقليل للنجاسة فإذا حصل النقاء أو التقليل وجب أن يجتزئ بالاستنجاء ومما
يدل على عدم وجوب استعمال ثلاثة أحجار ما رويناه من حديث ابن مسعود
رضي الله عنه في باب نجاسة الأدواث
باب
لا يجوز استقبال القبلة في الخلاء ولا في الفضاء
لما روى البخاري وأبو داود والترمذي واللفظ له عن أبي أيوب
الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا
القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا
مراحيض قد بنيت مستقبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:96(1/96)
*** ج1/ص97
فإن قيل فقد روى الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال
نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها
قال أبو عيسى حديث حسن غريب
وروى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال لقد ارتقيت
يوما على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس
لحاجته - -
قيل له يحتمل أن يكون هذا كان لعذر والحمل على هذا أولى من القول
بالنسخ وما ذهبنا إليه أكثر تعظيما للقبلة
وأما استدبار القبلة ففيه روايتان قال أحمد بن حنبل إنما الرخصة من
النبي صلى الله عليه وسلم في استدبار القبلة بغائط أو بول أما استقبال القبلة فلا يستقبلها قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:97(1/97)
*** ج1/ص98
الترمذي كأنه لم ير في الصحراء ولا في الكنف أن يستقبل القبلة
باب
استعمال الماء أو التراب للمحدث
شرط في صحة الصلاة
لما روى مسلم عن مصعب بن سعد قال دخل عبد الله بن عمر على
ابن عامر يعوده وهو مريض فقال ألا تدعو لي يا ابن عمر فقال إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول
فإن قيل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه
ما استطعتم
قيل له ولو كانت الصلاة بغير طهارة واجبة على فاقد الطهور فإذا صلى
فقد أتى بما وجب عليه الإتيان به فلا تجب عليه الإعادة ولكن هذا الحديث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:98(1/98)
*** ج1/ص99
محمول على ما إذا كان المستطاع قربة والقربة ما يرضاها الله ويقبلها وقد أخبر
أنه لا يقبل الصلاة بغير طهور
فإن قيل وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لا يقبل صلاة حائض بغير
خمار وقد جوزتم الصلاة مع كشف العورة عند العجز عن الستر وأوجبتموها
وأوجبتم على المسافر الإمساك إذا قدم في أثناء النهار في رمضان
قيل له الحدث معنى قائم بذات المرء يحصل له به نقص يخرج به من أن
يكون صالحا لخدمة الرب فإنه إذا أحدث صدق عليه أنه ليس بطاهر وعدم طهارة
المرء نقص في ذاته وهذا وصف لا يزول إلا باستعمال الماء أو التراب وعدم الستر
لا يوجب نقصا في الذات بالنظر إلى الله تعالى فإن الله تعالى لا يحجبنا عنه شيء
فعلمنا أن الستر إنما وجب لأجل عباد الله تعالى والتطهير وجب ليكون العبد في حال
الخدمة على أكمل الأحوال إذ لا فرق بين المحدث والمتوضئ بالنسبة إلى العباد فلا
يلزم من تجويز الصلاة مع الكشف تجويزها مع الحدث والإمساك إنما وجب على
القادم من السفر مراعاة لحرمة الشهر ولهذا قالوا يستحب للحائض أن تأكل في
خفية
واستفدنا من قوله عليه السلام لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار أن
رأس المرأة عورة دون وجهها والمراد بالحائض البالغ والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:99(1/99)
*** ج1/ص100
باب
النية في الطهارتين الصغرى والكبرى سنة وليست بواجبة
مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله
إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة فقال لا إنما يكفيك أن تحثي على
رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين الماء عليك فتطهرين فلما زاد على الجواب علمنا
أنه أراد تعليمها صفة الغسل المجزئ فلو كانت النية شرطا لبينها
فإن قيل لعلها كانت عالمة به من قوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات وإنما
لامرئ ما نوى
قيل له هذا الاحتمال لا يعول عليه حتى نعلم أن حديث الأعمال بالنيات
كان متقدما على حديث أم سلمة ولا سبيل إلى هذا
ثم نقول هذا الاحتمال إنما بنيته على اعتقادك أن حديث الأعمال بالنيات
دال على اشتراط النية وليس كما تخيلته فإن معناه إنما ثواب الأعمال بالنيات
وإنما لامرئ ثواب ما نوى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:100(1/100)
*** ج1/ص101
فإن قيل بل معناه إنما صحة الأعمال بالنيات
قيل له ما أضمرناه متفق على إرادته فإن من نفى الصحة نفى الثواب وما
أضمرته مختلف فيه فإن من أضمر الثواب لم ينف الصحة وإضمار ما اتفق عليه أولى
من إضمار ما اختلف فيه
سلمنا أن حديث الأعمال بالنيات يدل على اشتراط النية ولكن في الأعمال التي
هي عبادة - - ومعنى العبادة لا يمكن تحققه فيما وقع شرطا للصلاة لأن
العبادة في اللغة التذلل وفي الشرع ما يأتيه العبد تذللا وتخشعا لله تعالى على
مخالفة الهوى تعظيما ولأن أصل الفعل لا دليل على وجوبه إلا قوله تعالى
فاغسلوه وهو من الأوامر التي يطلب بها حصول المأمور به فحسب كالأمر
بغسل النجاسة وستر العورة وأداء الأمانة ورد المغضوب
وليس الأمر بغسل النجاسة من باب الأمر بالترك بل من باب الأمر بالفعل
قال الله تعالى 2 وثيابك فطهر 2
وقد وافقنا فيما ذهبنا إليه الثوري والأوزاعي رحمهما الله تعالى
ذكر ما في حديث أم سلمة من الغريب
قال ابن العربي في شرح الترمذي ضفر فقرأه الناس بإسكان الفاء وإنما
هو بفتحها لأنه بالسكون مصدر من ضفر يضفر ضفرا وبالفتح هو الشيء المضفور
كالشعر وغيره والضفر هو نسج خصل الشعر وإدخال بعضها في بعض معرضة ومنه
قيل للحبال المفتولة العراض ضفائر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:101(1/101)
*** ج1/ص102
باب
التسمية سنة وليست بواجبة
الدارقطني - - عن عائشة رضي الله عنها قالت كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهوره سمى الله تعالى ثم يفرغ الماء على يديه
فإن قيل روى أبو داود عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لا وضوء له ولا
وضوء لمن لم يسم الله
قيل له حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه قال ليس في هذا حديث يثبت
وقال أيضا لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد
وقال البخاري لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة ولا ليعقوب سماع من
أبيه ومعناه لا كمال للوضوء ولا فضيلة له
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:102(1/102)
*** ج1/ص103
باب
لا يجزئ في مسح الرأس
إلا مقدار الناصية أو ربع الرأس
مسلم عن المغيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح بناصيته وعلى
العمامة وعلى الخفين
وروى أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ
وعليه عمامة قطرية فأدخل يده تحت العمامة ومسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة
الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا مسح رأسه رفع
القلنسوة ومسح مقدم رأسه
ذكر ما في الحديثين من الغريب
الناصية أحد النواصي وهي ما بين النزعتين وهما البياض الذي
انحسر عن الشعر من جانبي مقدم الرأس وهي دون الربع ذكره في الصحاح
قطرية بقاف مكسورة وطاء مهملة ساكنة وراء مكسورة وياء منقوطة
باثنتين من تحتها مفتوحة مشددة ثياب حمر لها أعلام فيها بعض الخشونة منسوبة إلى
قطر موضع بين عمان وسيف البحر قاله الأزهري رحمه الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:103(1/103)
*** ج1/ص104
باب
لا يسن التثليث في مسح الرأس
الترمذي وأبو داود عن أبي حية قال رأيت عليا رضي الله عنه
توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه
ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه مرة ثم غسل قدميه إلى الكعبين ثم قال
فأخذ فضل وضوئه فشربه وهو قائم ثم قال أحببت أن أريكم كيف كان طهور
رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو داود وأحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:104(1/104)
*** ج1/ص105
مرة واحدة
قلت وقد استفدنا من هذا الحديث جواز الشرب قائما
وقال ابن عباس إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائما من في السقاء قالوا
لأنه ينتنه
باب
الأذنان تمسحان بالبلة
التي تبقى على اليد من مسح الرأس
الدارقطني عن عطاء عن ابن عباس وعن مجاهد عن ابن عمر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذنان من الرأس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:105(1/105)
*** ج1/ص106
قال أبو عيسى والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن الأذنين من الرأس وبه يقول سفيان الثوري وأحمد
وإسحاق رحمهم الله تعالى
باب
تخليل اللحية مستحب وليس بسنة
الترمذي عن حسان بن بلال قال رأيت عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته
فقيل له أو فقلت له أتخلل لحيتك فقال وما يمنعني وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل
لحيته
فالإنكار على عمار بن ياسر دليل على أن هذا الأمر كان متروكا عندهم ولأن
أكثر من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكه
وروى أبو داود عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ
أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته ثم قال هكذا أمرني ربي
وهذا يدل على أنه كان مخصوصا به
ذكر ما في هذين الحديثين من الغريب
يخلل أي يدخل يده في خلل لحيته وهي الفروج التي بين الشعر ومنه فلان
خليل أي مخالل حبه فرج جسمه حتى يبلغ إلى قلبه ومنه الخلال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:106(1/106)
*** ج1/ص107
باب
الترتيب ليس بشرط في الوضوء ولا في التيمم
لقوله تعالى 2 يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم 2 عقب القيام إلى الصلاة بغسل مجموع الأعضاء لأنه عطف
بعضها على بعض بحرف الواو وهي لا تقتضي الترتيب ولا يمكن التعبير عنها
مفصلة إلا بذكر اسم كل واحد منها فوقع ذكر الأول من ضرورة التفصيل ونظيره
قول القائل إذا دخلت السوق فاشتر الخبز واللحم والفاكهة فإن ذلك
لا يقتضي تقديم ما بدأ به ثم الترتيب وقع في الآية لبيان أن أعضاء الوضوء انقسمت
إلى مكشوف غالباً وهو الوجه واليدان وإلى ما يتخذ له ساتر على حياله وهو الرأس
والرجلان فكانت البداءة بالوجه واليدين أولى لتعرضهما للتلويث والوجه
أشرفهما فلذلك قدم كما قدمت اليمين على اليسار ثم قدم الرأس على الرجلين لأنه
أشرف المستورين ويؤيد هذا ما روى أبو داود عن عمار بن ياسر قال بعثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت بالصعيد كما تتمرغ
الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال إنما يكفيك أن تصنع هكذا
فضرب بيديه على الأرض فنفضهما ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله إلى
الكفين ثم مسح وجهه وأخرجه البخاري بألفاظ قريبة من هذا
فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الترتيب في التيمم ومتى سقط اشتراطه في التيمم سقط
في الوضوء إذ لا قائل بالفرق
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:107(1/107)
*** ج1/ص108
وروى الدارقطني عن علي رضي الله عنه أنه قال ما أبالي إذا أتممت
وضوئي بأي أعضائي بدأت وقد وافقنا مالك رحمه الله في ذلك
وقال ابن شداد في دلائل الأحكام له وذهب الأكثرون إلى أنه سنة حتى
لو عكس صح وضوءه
وقد روي ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما وقال به من التابعين
سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي وإليه ذهب الأوزاعي والثوري رحمهم الله
تعالى
باب
الخارج النجس من غير السبيلين ينقض الوضوء
الدارقطني عن ابن جريج عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
قاء أحدكم أو قلس أو وجد مذيا وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليبن
على صلاته ما لم يتكلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:108(1/108)
*** ج1/ص109
قال الدارقطني قال لنا أبو بكر سمعت محمد بن يحيى يقول هذا هو
الصحيح عن ابن جريج وهو مرسل
وروى الترمذي من طريق حسين المعلم عن أبي الدرداء أن
النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك فقال
صدق أنا صببت له وضوءه
قال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل قد اضطربوا في هذا الحديث فقال
حسين المعلم يجوده
فإن قيل إنما أراد به غسل فمه من القيء وزهومته
قيل له المفهوم من إطلاق لفظ الوضوء عند أهل الشرع إنما هو الوضوء
الشرعي وغسل الفم من القيء ومن اللبن يسمى مضمضة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:109(1/109)
*** ج1/ص110
وروى تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الوضوء من كل دم
سائل
هذا الحديث يرويه عن تميم الداري عمر بن عبد العزيز ولم يلقه ويرويه عن
عمر بن عبد العزيز يزيد بن خالد و يزيد بن محمد وهما مجهولان إلا أن عدم
لقي الراوي من حدث عنه بمنزلة الإرسال والمرسل مقبول عندنا والجهالة غير مانعة
من القبول على ما مر
روى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان إذا
رعف انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى ولم يتكلم
فإن قيل روي أن ابن عمر رضي الله عنه عصر بثرة فخرج منها دم
ولم يتوضأ
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:110(1/110)
*** ج1/ص111
قيل له وكذلك نقول فإن هذا مخرج وليس بخارج فلا ينتقض الوضوء
وروى مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي أنه رأى سعيد بن المسيب
رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم رجع فبنى على
ما قد صلى
فإن قيل فقد روى أبو داود في سننه عن جابر رضي الله عنه قال خرجنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين
فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دما في أصحاب محمد فخرج يتبع أثره ونزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل من رجل يكلؤنا فانتدب رجل من المهاجرين وقام
رجل من الأنصار وقال كونا بفم الشعب فلما خرج الرجلان إلى فم
الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي فأتى الرجل فلما رأى شخصه
عرف أنه ربيئة القوم فرماه بسهم فوضعه فيه فنزعه حتى رماه بثلاثة
أسهم ثم ركع ثم سجد ثم أنبه صاحبه فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب فلما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:111(1/111)
*** ج1/ص112
رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال سبحان الله هلا أنبهتني أول
ما رمى قال كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها
قالوا فقد مضى في صلاته ولو كان خروج الدم ينقض الوضوء لما مضى في صلاته
قيل هذا لا يصح الاستدلال به فإن الدم حين خرج أصاب بدنه وثوبه
فينبغي أن يخرج من الصلاة ولم يخرج فلما لم يدل مضيه في الصلاة على جواز
الصلاة مع النجاسة كذلك لا يدل مضيه فيها على أن خروج الدم لا ينقض
الوضوء قال الخطابي وتقدير خروج الدم زرقا بحيث لا يلوث شيئا
بعيد
فإن قيل إصابة الدم شيئا من بدنه أو ثيابه يشك فيه ويشك في أنه يسير
يتحمل في الصلاة أو كثير لا يتحمل في الصلاة وأما خروجه فإنه يحس به لأنه
خارج من بدنه
قيل له هذه مكابرة كيف يحصل هذا الشك وقد قال جابر رضي الله عنه
فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء والمهاجري قد رآه بالليل وهاله
ما رأى من الدماء ببدنه وثيابه لأنه قال ما بالأنصاري من الدماء ولم يقل
ما بالأرض والدم المهول في الليل لا يكون يسيرا كيف وقد جمع الدم فقال
ما بالأنصاري من الدماء وذلك لأنه قد أصابه بثلاثة أسهم والظاهر أنها في ثلاثة
مواضع ثم إن هذا فعل واحد من الصحابة رضي الله عنهم ولعله كان مذهبا له
أو كان غير عالم بحكمه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:112(1/112)
*** ج1/ص113
قال الخطابي أكثر الفقهاء على انتقاض الوضوء بسيلان الدم وقول
الشافعي قوي في القياس ومذاهبهم أقوى في الاتباع
وقد وافقنا على هذه المسألة سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق
رحمهم الله
ذكر ما في الأحاديث من الغريب
القلس القيء والقلس حبل عظيم من ليف أو خوص من قلوس
السفن
هراق الماء يهريقه بفتح الهاء لأن أصله أراق يريق والشيء مهراق
ومهراق بالتحريك أيضا
كلأه الله كلاءة بالكسر أي حفظه وحرسه فقوله من يكلؤنا أي يحفظنا
ويحرسنا ومنه الكلاء بالمد والتشديد للموضع الذي تحفظ فيه السفن ومنع بيع
الكالئ بالكالئ أي النسيئة بالنسيئة لأن صاحب الدين يرقب متى يحل دينه
وكلئت الأرض وأكلأت فهي مكلئة أي ذات عشب والكلأ العشب رطبه
ويابسه
والشعب بالكسر الطريق في الجبل والجمع الشعاب والشعب بالفتح
القبيلة العظيمة التي تنسب إليها القبائل وهو أبو القبائل التي ينسبون إليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:113(1/113)
*** ج1/ص114
والشعب أيضا جبل باليمن وإليه ينسب عامر بن شراحيل الشعبي وشعبت
الشيء فرقته وشعبته جمعته من االأضداد والشعوبية فرقة لا تفضل العرب
على العجم وربيئة وهو براء مفتوحة وباء معجمة بواحدة مكسورة وياء ممدودة
بعدها همزة وهاء وهو الطليعة للقوم وجمعه ربايا ذكره الجوهري
باب
النوم لا ينقض الوضوء
إلا في حالة استرخاء المفاصل
أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد
وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ فقلت له صليت ولم تتوضأ وقد نمت
فقال إنما الوضوء على من نام مضطجعا وفي رواية فإنه إذا اضطجع استرخت
مفاصله
وروى أحمد بن حنبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على من نام ساجدا وضوء
حتى يضطجع فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:114(1/114)
*** ج1/ص115
فإن قيل في سنده يزيد الدالاني
قيل له سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال صدوق ثقة وقال أحمد بن حنبل
وابن معين وأبو عبد الرحمن النسائي ليس به بأس
فإن قيل روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ
قيل له في سنده بقية بن الوليد والوضين بن عطاء وفيهما مقال وقد
وافقنا على هذه المسألة سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل
رحمهم الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:115(1/115)
*** ج1/ص116
ذكر ما في هذه الأحاديث من الغريب
الوضوء بالفتح الماء الذي يتوضأ به وبالضم المصدر والوضاءة الحسن
والنظافة تقول وضوء الرجل أي صار وضيئا وتوضأت للصلاة ولا تقول
توضيت والوكاء هو الخيط الذي يربط به فم الرقبة والسه حلقة الدبر
باب
القهقهة تنقض الوضوء
الدارقطني عن أبي العالية الرياحي أن أعمى تردى في بئر والنبي صلى الله عليه وسلم
يصلي بأصحابه فضحك بعض من كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من
كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء والصلاة جميعا
فإن قيل هذا الحديث مرسل أرسله أبو العالية الرياحي وقد قيل إنه كان
لا يبالي من أين كان يأخذ الحديث وقال ابن عدي إنما قيل في أبي العالية
ما قيل لهذا الحديث وإلا فسائر أحاديثه صالحة
قيل له روى البيهقي عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا ضحك في
الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة قال الشافعي رضي الله عنه لم نقبله لأنه مرسل
فلم يذكر فيه علة سوى الإرسال فدل على صحة إرساله وأما أبو العالية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:116(1/116)
*** ج1/ص117
فهو عدل ثقة وقد اتفق على إرسال هذا الحديث معمر وأبو عوانة وسعيد بن
أبي عروبة وسعيد بن أبي بشير فرووه عن قتادة عن أبي العالية وتابعهم عليه
ابن أبي الذيال وهؤلاء خمس ثقات فإن صح عن أبي العالية أنه كان لا يبالي من
أين أخذ الحديث قلنا لكنه إذا أرسل الحديث لا يرسله إلا عمن تقبل روايته
لأن المقصود من رواية الحديث ليس إلا التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة إذا
تضمن حكما شرعيا فإذا أرسل الحديث ولم يذكر من أرسله عنه مع علمه أو ظنه
بعدم عدالته كان غاشا للمسلمين وتاركا لنصيحتهم فتسقط عدالته ويدخل في
قوله عليه السلام من غش فليس منا وقد ثبتت عدالته ورواه الثقات عنه
مرسلا فدل على أنه أرسله عن عدل ولأن المرسل شاهد على الرسول صلى الله عليه وسلم بإضافة
الخبر إليه فلو لم يكن ثابتا عنه بطريق تقارب العلم لما أرسله ولكان أسنده لتكون
العهدة على غيره وهذه عادة غير مدفوعة أن من قوي ظنه بوجود شيء أعرض عن
إسناده فهذه مسألة تفرد بها أصحابنا اتباعا لهذا الحديث وتركوا القياس من أجله
وهذه شهادة ظاهرة لهم أنهم يقدمون الحديث على القياس وهم أتبع للحديث من
سائر الناس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:117(1/117)
*** ج1/ص118
باب
لمس المرأة ليس بناقض للوضوء
الدارقطني عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل بعدما يتوضأ ثم يصلي ولا يتوضأ وإبراهيم التيمي
سمع هذا الحديث من أبيه ووصله بعائشة من طريق معاوية بن هشام وأبوه
يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب ثقة
وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في
قبلته فإذا سجد غمز رجلي فقبضتها وإذا قام بسطتها قالت والبيوت يومئذ ليس
لها مصابيح ذكر هذا البخاري ومسلم والنسائي في باب الرخصة في لمس
المرأة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:118(1/118)
*** ج1/ص119
وأما قوله تعالى 2 أو لامستم النساء 2 ففيه قراءتان المد والقصر والمد
عليه - - أكثر القراء والملامسة المفاعلة والأصل أن تكون بين شخصين
فيحمل على المجامعة
قال ابن عباس رضي الله عنه إن الله حيي كريم كنى باللمس عن الجماع
وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال اللهم علمه الكتاب ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم
مستجاب فيكاد العاقل يقطع بما فسره من القرآن أن يكون مراد الله تعالى والواجب
أن تحمل الآية على ما فسره ابن عباس لأن الظاهر أن الحكيم إذا بين الطهارة
الصغرى والطهارة الكبرى حال وجود الماء أن يبينهما حال عدم الماء لأن بالناس
حاجة إلى بيان ذلك فلو حملت الآية على الجماع كان النص بيانا شافيا للطهارتين
جميعا حال عدم الماء لفا لما سبقه من البيان الشافي لهما حال وجود الماء
فوجب أن يحمل عليه دفعا لحاجة العباد لا أن يحمل على حدث بعد حدث فتكون
الآية بيانا للطهارة الصغرى مرتين وإهمالا للطهارة الكبرى حال عدم الماء مع أن
العقل لا يهتدي إلى قياس الطهارة الكبرى على الطهارة الصغرى
فإن قيل ليس من اللازم أن تشتمل الآية على جميع الأحكام في باب
واحد حتى لا يشذ عنها شيء بل يتولى الكتاب بعضها والسنة بعضها ألا ترى أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:119(1/119)
*** ج1/ص120
عمار بن ياسر كان يتمعك في التراب لجنابة أصابته فقال صلى الله عليه وسلم يكفيك ضربتان
ضربة للوجه وضربة لليدين فكان تيمم الجنب متلقى من هذا الحديث
قيل له عمار بن ياسر لم يستفد من النبي صلى الله عليه وسلم إلا كيفية التيمم وأما أصل
شرعه ففهمه من الآية ولهذا تمعك في التراب
ويؤيد ما ذهبنا إليه ما روى الطحاوي عن يحيى بن سعيد عن عميرة
عن عائشة رضي الله عنها قالت فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فظننت أنه أتى
جاريته فالتمسته بيدي فوقعت يدي على صدور قدميه وهو ساجد يقول اللهم
إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقابك لا أحصي ثناء عليك أنت
كما أثنيت على نفسك وفي الصحيح أن يدها وقعت على أخمص قدميه وهو
ساجد والأخمص ما دخل من باطن القدم وهذا في الأغلب لا يكون مستورا سيما
في حال السجود
وهذه المسألة قد وافقنا عليها الحسن والثوري وسبقنا بالقول بذلك
عبد الله بن عباس رضي الله عنه وإلى هذا ذهب عطاء وطاوس رحمهما الله
باب
مس الذكر لا ينقض الوضوء
الترمذي عن قيس بن طلق بن علي - هو الحنفي - عن أبيه عن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:120(1/120)
*** ج1/ص121
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه
قال أبو عيسى وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب وقد روي
عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم لم يروا من مس الذكر وضوءا فمن الصحابة
علي بن أبي طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر وأبو الدرداء وحذيفة بن اليمان
وغيرهم ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن البصري وإليه ذهب الثوري
رحمه الله
فإن قيل فقد روي عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:121(1/121)
*** ج1/ص122
قيل له فقد روى الطحاوي عن عباس بن عبد العظيم العنبري
قال سمعت علي بن المديني يقول حديث ملازم هذا - يعني حديث قيس بن
طلق - أحسن من حديث بسرة وكان ربيعة يقول ويحكم مثل هذا يأخذ به
أحد ويعمل بحديث بسرة والله لو أن بسرة شهدت على هذا النعل ما قبلت
شهادتها إنما قوام الدين بالصلاة وقوام الصلاة بالطهور فلم يكن في صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقيم هذا الدين إلا بسرة
ولعمري إنه صادق فيما قال لأن هذا حكم يتعلق بالرجال فكيف
تختص بروايته امرأة هذه تهمة توجب التوقف وقبول الصحابة رضي الله عنهم خبر
عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين لا يناقض ما قلناه لأنه حكم مشترك بين
الرجال والنساء وحديث التقاء الختانين ثبت في الصحيح عن أبي هريرة
و عكسه عن عثمان وحديث عائشة رضي الله عنهم كان مرجحا لا مثبتا
فإن قيل إن طلقا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الهجرة والمسجد على
عريش وحديثنا رواه أبو هريرة وقد أسلم سنة ست من الهجرة فكان حديثنا
متأخرا والأخذ بآخر الأمرين واجب لأنه ناسخ
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:122(1/122)
*** ج1/ص123
قيل له روى أبو داود عن قيس بن طلق عن أبيه قال قدمنا على
نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل كأنه بدوي فقال يا نبي الله ما ترى في مس الرجل
ذكره بعدما يتوضأ قال هل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه ففي قوله
ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ دلالة على أنه كان بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم
شرع فيه الوضوء فأراد أن يستيقن ذلك وإلا فالمستقر عندهم أن الأحداث إنما
كانت من الخارج النجس وإلا فالعقل لا يهتدي إلى أن مس الذكر يناسب نقض
الوضوء فعلى هذا يكون حديثنا هو آخر الأمرين ويكون أبو هريرة قد سمعه من
بعض الصحابة ثم أرسله أو نقول المشهور في هذا الباب حديث بسرة وقد مر
الكلام فيه وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فلا نسلم صحته ودعوى النسخ
إنما تصح بعد ثبوت الصحة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:123(1/123)
*** ج1/ص124
باب
ليس في أكل لحوم الإبل وضوء
إلى هذا ذهب عامة العلماء وحملوا الأمر بالوضوء منها على غسل اليد فإنه
يسمى وضوءا كما قال الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم
والمعنى فيه أن لحم الجزور بالحجاز له زفر عظيم دون لحم الغنم ولو أراد
الوضوء للصلاة لقال كما قال من جامع ولم يمن فليتوضأ كما يتوضأ للصلاة
ويغسل ذكره ويحتمل أن يكون أراد الوضوء للصلاة ولكنه يحتمل أن يكون أمر
بالوضوء منه ابتداء ثم أمر بالوضوء مما مسته النار مطلقا وقد كان آخر
الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:124(1/124)
*** ج1/ص125
ذكر الغريب مما استشهدنا به
اللمم صغائر الذنوب ويقال هو مقاربة المعصية من غير مواقعة واللمم
أيضا طرف من الجنون
باب
ليس على المرأة أن تنقض ضفائرها
في غسل جنابة ولا حيض
لما روينا في باب النية من حديث أم سلمة رضي الله عنها
فإن قيل أم سلمة إنما سألته عن غسل الجنابة وغسل المحيض غيره
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنقض شعرها فيه
البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا موافين لهلال
ذي الحجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يهل بعمرة فليهل فإني لولا
أني أهديت لأهللت بعمرة فأهل بعضهم بعمرة وأهل بعضهم بحج وكنت أنا
ممن أهل بعمرة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال دعي
عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بحج
قيل له الجنابة والحيض حكمهما واحد لأن الحائض متى انقطع دمها صارت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:125(1/125)
*** ج1/ص126
كالجنب فالأمر الوارد في الجنابة وارد في الحيض وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنقض رأسها
والامتشاط إنما كان لتقضي تفثها وتزيل شعثها لا أنه شرط في رفع حدثها
باب
المضمضة والاستنشاق فرضان في الغسل
قال الله تعالى 2 وإن كنتم جنبا فاطهروا 2
الترمذي عن علي رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن
على كل حال ما لم يكن جنبا وهذا حديث صحيح فلولا أن الجنابة حلت
الفم لما حرم عليه قراءة القرآن
وعنه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة وفي الأنف شعر وفي الفم
بشرة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:126(1/126)
*** ج1/ص127
فإن قيل هذا حديث يرويه الحارث بن وجيه بالجيم والياء المنقوطة باثنتين من
تحتها ويقال بواحدة وهو شيخ ليس بذاك
قيل له هذا كلام مبهم وقد سبق أن الجرح المبهم لا يقدح
وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا يقرأ الجنب والحائض شيئا من القرآن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:127(1/127)
*** ج1/ص128
وقد روى أبو داود عن زاذان عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
من ترك موضع شعرة من الجنابة لم يصبها الماء فعل به كذا وكذا من النار قال
علي فمن ثم عاديت رأسي فمن ثم عاديت رأسي ثلاثا وكان يجز
شعره
فإن قيل هذا حديث يرويه موسى بن إسماعيل عن حماد عن
عطاء بن السائب وعطاء بن السائب خلط في آخر عمره
قيل له عطاء عدل ثقة وقد صح هذا الحديث من روايته وتخليطه في آخر
عمره لا يمنع صحة حديثه ما لم يثبت أن هذا الحديث إنما حدث به في وقت
اختلاطه ثم هذا حديث صحيح الإسناد والمتن ولم يروه أحد بطريق أوضح
من هذا حتى يظهر لنا تخليطه
فإن قيل وزاذان محطوط الرتبة عندهم
قيل له وهذا طعن مبهم وأنه غير قادح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:128(1/128)
*** ج1/ص129
وقد روى الدارقطني عن ابن سيرين قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالاستنشاق من الجنابة
وعنه عن ابن عباس رضي الله عنه قال إذا نسي المضمضة والاستنشاق
إن كان جنبا أعاد المضمضة والاستنشاق واستأنف الصلاة وكذلك قال ابن عرفة
وإلى هذا ذهب الثوري رحمه الله تعالى
باب
لا يسن بعد الغسل وضوء
الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ بعد
الغسل
باب
لا يحل للجنب ولا للحائض دخول المسجد
لما روى أبو داود عن أفلت عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:129(1/129)
*** ج1/ص130
رضي الله عنها قالت جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد
فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا
رجاء أن ينزل فيهم رخصة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال وجهوا هذه البيوت
عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب
فإن قيل قال الخطابي وضعفوا هذا الحديث وقالوا راويه أفلت
وهو مجهول
قيل له قال الحافظ عبد العظيم وفيما حكاه الخطابي نظر فإنه أفلت بن
خليفة ويقال فليت بن خليفة العامري ويقال الذهلي وكنيته أبو حسان
حديثه في الكوفيين روى عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد وقال أحمد بن
حنبل ما أرى به بأسا وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال شيخ وحكى
البخاري أنه سمع من جسرة بنت دجاجة قال وعندها عجائب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:130(1/130)
*** ج1/ص131
باب
مدة المسح للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن
وللمقيم يوم وليلة
مسلم عن شريح قال سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين
فقالت عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسألناه فقال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم
فإن قيل فقد روى أبو داود عن أبي بن عمارة - وكان قد صلى مع
النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبلتين - أنه قال يا رسول الله أمسح على الخفين قال نعم
قال يوما قال ويومين قال ثلاثة قال نعم وما شئت
وفي رواية حتى بلغ سبعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ما بدا لك
قيل له قال أبو داود وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي وقال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:131(1/131)
*** ج1/ص132
أحمد بن حنبل رجاله لا يعرفون وقال الدارقطني هذا إسناد لا يثبت وقال
يحيى بن معين إسناده مضطرب وقال البخاري حديث مجهول لا يصح
باب
لا يجزئ المسح إلا على ظاهر الخف
ولا يجب مسح الأسفل
أبو دواد عن علي رضي الله عنه قال لو كان الدين بالرأي لكان أسفل
الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه
ابن ماجه عن جابر رضي الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ
ويغسل خفيه فقال بيده كأنه يدفعه إنما أمرت بالمسح هكذا أطراف
الأصابع إلى الساق وخطط بالأصابع
فإن قيل فقد روى أبو داود عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال
وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك فمسح أعلى الخف وأسفله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:132(1/132)
*** ج1/ص133
قيل له قال الترمذي هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير
الوليد بن مسلم وقال سألت أبا زرعة ومحمدا عن هذا الحديث فقالا ليس
بصحيح وإن صح فنحمله على الاستحباب لا على الإيجاب وإلى هذا ذهب
الثوري وأحمد وداود والأوزاعي رحمهم الله
باب
لا يشترط إكمال الطهارة قبل لبس الخف
لأن الخف مانع حلول الحدث بالقدم فيراعى كمال الطهارة وقت المنع
وهو وقت الحدث
فإن قيل صح عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال كنت مع
النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين وروى
أبو داود والنسائي عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص
للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح
عليهما فعقب إنشاء اللبس للطهارة وهذا ظاهر في تكميل الطهارة قبل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:133(1/133)
*** ج1/ص134
اللبس فلو غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف
لا يجوز المسح عليهما لأنه لم يلبس الخفين عقيب الطهارة
قيل له استدامة اللبس كابتدائه ثم إنه يصح أن يقال دخل الناس البلد
راكبين ولا يلزم اقتران كل واحد منهم لدخول الآخر
فإن قيل لو نزل استدامة اللبس بمنزلة ابتدائه لما جاز المسح على الخف بعد
حدثه إذ يصير دوامه بمنزلة ابتداء لبسه على الحدث
قيل له لا يمكن ههنا لأنه يكون رافعا للرخصة من أصلها فلم يغتفر
واختار ما ذهبنا إليه المزني وأبو ثور وداود وابن المنذر رحمهم الله
باب
يجوز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين
وإن لم يكونا مجلدين على القول الآخر
من قولي الإمام رضي الله عنه
الترمذي وأبو داود عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
توضأ ومسح على الجوربين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:134(1/134)
*** ج1/ص135
باب
يجوز المسح على الجرموق
أبو داود عن أبي عبد الرحمن أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالا
عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح
على عمامته وموقيه
قال الجوهري والموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب
وإلى هذا ذهب الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق واختاره المزني رحمهم الله
تعالى
باب
لا يجوز المسح على العمامة
أبو داود عن محمد بن عمار بن ياسر قال سألت جابر بن عبد الله رضي
الله عنه عن المسح على الخفين فقال السنة يا ابن أخي وسألته عن المسح على
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:135(1/135)
*** ج1/ص136
العمامة فقال أمس الشعر فأما مسح النبي صلى الله عليه وسلم على العمامة مع الناصية فكان
اتفاقا هكذا قال الطحاوي وغيره
باب
يجب المسح على الجبائر
ابن ماجه عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه قال انكسرت إحدى زندي فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني
أن أمسح على الجبائر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:136(1/136)
*** ج1/ص137
باب
التيمم قائم مقام الوضوء ما دام الماء معدوما
الترمذي وأبو داود واللفظ له عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا
أبا ذر إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء
فأمسه جلدك وفي رواية الصعيد وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين فإذا
وجدت الماء فأمسه جلدك فإن ذلك خير
قال الترمذي حديث حسن صحيح وإلى هذا ذهب الحسن البصري
وسعيد بن المسيب والثوري وداود والمزني رحمهم الله
قلت وقد استفدنا من هذا الحديث أن المتيمم إذا قدر على استعمال الماء
بطل تيممه وإن كان في الصلاة لأنه أمره باستعماله إذا وجده وإلى هذا ذهب
ابن المسيب والثوري وأحمد بن حنبل في رواية واختار ذلك المزني
وأبو العباس بن سريج رحمهم الله تعالى
فإن قيل هذا الأمر المراد منه الاستحباب لا الإيجاب بدليل قوله فإن ذلك
خير وهذا أفعل التفضيل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:137(1/137)
*** ج1/ص138
قيل له الأمر مطلقه يدل على الوجوب وهذه القرينة لا تصلح أن تكون
صارفة له عن موجبه لأن هذا اللفظ قد ورد وليس المراد منه التفضيل ومنه قوله
تعالى 2 أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا 2 وقوله تعالى 2 فتبارك الله أحسن الخالقين 2 على مذهب أهل العلم
باب
إذا خاف من البرد أن يقتله
أو يمرضه جاز له التيمم
أبو داود عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال احتلمت في ليلة باردة
في غزاة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت
بأصحابي الصبح فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت بأصحابك
وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله يقول
2 ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما 2 فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل
شيئا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:138(1/138)
*** ج1/ص139
باب
إذا خاف إن اشتغل بالوضوء
فاتته صلاة الجنازة تيمم
رأيت في كتاب التحقيق لأبي الفرج ابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله
عنه إذا فجئتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم
باب
يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض
قال الله تعالى 2 فتيمموا صعيدا طيبا 2 والصعيد ما تصعد من الأرض
فيتناول الحجر والمدر وسائر أجزاء الأرض قال ثعلب الصعيد وجه الأرض
وهكذا قال الخليل وابن الأعرابي
فإن قيل قال الله تعالى 2 فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه 2 وحرف
من للتبعيض فلا بد من نقل التراب إلى الأعضاء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:139(1/139)
*** ج1/ص140(1/140)
*** ج1/ص141
فإن قيل ذكر أبو عيسى الترمذي أن ابن عباس رضي الله عنه سئل عن
التيمم فقال إن الله تعالى قال في كتابه حين ذكر الوضوء 2 وأيديكم إلى المرافق 2 وقال في التيمم 2 فامسحوا بوجوهكم وأيديكم 2 وقال والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما
ومعنى هذا الكلام أن الله تعالى حدد الوضوء إلى المرفقين فوقفنا عند تحديده
وأطلق القول في اليدين في التيمم فحملت على ظاهر مطلق اسم اليد وهو
الكفان كما فعلناه في السرقة
قيل له اليد متى أطلقت فهم منها الجارحة المخصوصة من رؤوس الأنامل إلى
الإبط وقطع يد السارق من الزند إنما عرف بالسنة فكان حمل اليدين في التيمم على
اليدين في الوضوء أولى لأن التيمم بدل عن الوضوء كيف وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم
ذلك بما رويناه
باب
لا يجب أن يجمع بين التيمم وبين الغسل
لأن الله تعالى إنما أمر بالتيمم عند عدم القدرة على استعمال الماء
فإن قيل فقد روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال
خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأله أصحابه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:141(1/141)
*** ج1/ص142
فقال هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر
على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم
الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر
أو يعصب - شك موسى - على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده
قيل له التيمم بدل والجمع بين البدل والأصل لا يجب كالصوم والعتق في
الكفارة والمسح على الخفين لم يجمع بينه وبين التيمم فلو أوجبنا التيمم مع الغسل
والمسح كان الحديث واردا على خلاف مقتضى الكتاب والسنة فوجب حمله على
الاستحباب إذ قد ورد مثل هذا اللفظ وليس المراد منه الإيجاب كقوله عليه السلام
لأم سلمة رضي الله عنها إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات وإلى
هذا ذهب مالك رحمه الله وهو إمام الأئمة في الحديث
باب
أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام
الدارقطني عن أنس رضي الله عنه قال أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه
عشرة وعنه قال الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر
وقال وكيع الحيض ثلاث إلى عشر فما زاد فهو استحاضة وهذا
لا يعرف بالرأي فدل على أنه توقيف
فإن قيل إن أحمد بن حنبل أنكر هذا الحديث
قيل له سفيان الثوري لم ينكره وعمل به فإن الدارقطني روى عن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:142(1/142)
*** ج1/ص143
عبد العزيز بن أبي عثمان الرازي عن سفيان قال أقل الحيض ثلاث وأكثره
عشر وصح من طريق الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن ثابت عن
أنس
وعن سعيد بن جبير قال الحيض ثلاث عشرة
باب
الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض
قال البخاري وكن نساء يبعثن إلى عائشة رضي الله عنها بالدرجة فيها
الكرسف فيه الصفرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء
فإن قيل روى البخاري عن أم عطية وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت كنا
لا نعد الكدرة والصفرة شيئا
قيل له رواه أبو داود فقال قالت كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر
شيئا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:143(1/143)
*** ج1/ص144
ذكر ما في هذين الأثرين من الغريب
الدرجة بضم الدال المهملة وسكون الراء عن أبي عمرو تأنيث درج
وهو السفط الصغير تضع فيه المرأة طيبها وحليها
والقصة البيضاء بفتح القاف وفتح الصاد المهملة وتشديدها قيل هي كناية
عن النقاء وهو ماء أبيض يظهر عند ارتفاع الحيض وقيل هي القطنة التي تتحمل
فتخرج بيضاء وقال مالك المراد بالقصة البيضاء الطهر والكرسف القطن
باب
الحامل لا تحيض
أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في
سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة
وجه الاستدلال بهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع من وطء الحامل وغيا
حرمة وطء الحايل إلى وجود الحيض فلولا أن الحيض علم على عدم الحبل وإلا لخلا
النهي عن الفائدة وإذا كان علما على عدم الحبل دل على أنه لا يجامع الحبل
ويؤيده ما روى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها في الحامل ترى الدم
قالت الحامل لا تحيض
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:144(1/144)
*** ج1/ص145
باب
أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين
الدارقطني عن عباد بن عباد المهلبي قال أدركت فينا يعني المهالبة
امرأة صارت جدة وهي بنت ثماني عشرة سنة ولدت لتسع سنين ابنة فولدت ابنتها
لتسع سنين أيضا فصارت جدة وهي بنت ثماني عشرة سنة
باب
لا يجوز مباشرة الحائض فيما بين السرة إلى الركبة
البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت كانت إحدانا إذا كانت حائضا
فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضها ثم يباشرها قالت
وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه وإلى هذا ذهب مالك والشافعي
وأبو يوسف رحمهم الله
ذكر ما في هذا الحديث من الغريب
فور حيضها بفاء مفتوحة وواو ساكنة وراء وهو معظمه وأوله وروي في
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:145(1/145)
*** ج1/ص146
فوج حيضها بفاء وجيم قال الخطابي ومعناهما واحد وقولها إربه قال
أيضا روي على وجهين أحدهما بكسر الهمزة وسكون الراء والثاني بفتحهما جميعا
قال ومعناهما واحد وهو وطر النفس وحاجتها يقال لفلان عندي حاجة
وإرب وأرب وإربة
باب
إذا وطئ الحائض استغفر الله ولا شيء عليه
لأنه مرتكب منهيا عنه ولم يرد فيه كفارة ولا هو في معنى ما وردت فيه
الكفارة
فإن قيل فقد روى الترمذي عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يقع على امرأته وهي حائض قال يتصدق بنصف دينار
قيل له هذا الحديث مضطرب في إسناده ومتنه
أما في إسناده فإنه روي موقوفا ومرفوعا ومرسلا
وأما متنه فروي بدينار أو نصف دينار وروي بدينار فإن لم يجد فبنصف
دينار وروي يتصدق بخمس دينار وروي فيه التفرقة بين الدم الأحمر والأصفر
وإلى هذا ذهب مالك والثوري رحمهما الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:146(1/146)
*** ج1/ص147
باب
إذا انقطع دم الحائض لأكثر مدة الحيض
جاز وطؤها قبل أن تغتسل لأنها طهرت
فإن قيل قوله تعالى 2 ولا تقربوهن حتى يطهرن 2 معناه حتى ينقطع
دمهن فإذا تطهرن معناه فإذا اغتسلن
قيل له قوله تعالى 2 ولا تقربوهن حتى يطهرن 2 غاية وما بعد
الغاية يخالف ما قبلها وإلا لم تكن غاية وقد وجدت الغاية إذ هي انقطاع
دمها - على قراءة التخفيف - فيحل وطؤها لأن النهي انتهت غايته
وإلى هذا ذهب مجاهد وعكرمة وطاوس وعلى هذه القراءة أكثر القراء
السبعة وقوله فإذا تطهرن فأتوهن محمول على الاستحباب بمعنى أنه
يستحب له ألا يطأها حتى تغتسل
وأما قراءة التشديد فظاهرها يقتضي حرمة الوطء قبل الغسل فالواجب حينئذ
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:147(1/147)
*** ج1/ص148
أن نجعل القراءتين كآيتين ونحمل قراءة التخفيف على انقطاع الدم بعد أكثر
أيام الحيض وقراءة التشديد على انقطاع الدم قبل أكثر أيام الحيض أو نحمل
التطهير على غسل الفرج كما قال داود
باب
وطء المستحاضة حلال
الترمذي عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها ثم تغتسل
وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي وإذا جاز الصوم والصلاة جاز الوطء بنتيجة
الإجماع
أبو داود عن عكرمة قال كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها
يغشاها وعنه عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة أو تستحاض وكان
زوجها يجامعها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:148(1/148)
*** ج1/ص149
باب
المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي
بذلك الوضوء ما شاءت من الفرائض والنوافل
فإذا خرج الوقت بطل وضوءها
الطحاوي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت
أبي حبيش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني استحاض ولا ينقطع عني
الدم فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة
فظاهر هذا الحديث متروك لأن من ألزمها الوضوء لكل صلاة خصه
بكل صلاة هي فرض ولم يلزمها الوضوء لكل نافلة فصار تقدير الكلام وتتوضأ
لكل صلاة فرض ونحن نضمر تتوضأ لوقت كل صلاة لأن اللام تستعار
للوقت قال الله تعالى 2 أقم الصلاة لدلوك الشمس 2 أي لوقت دلوكها
وقال صلى الله عليه وسلم إن للصلاة أولا وآخرا ويقال آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها
وتذكر الصلاة ويضمر لها الوقت قال عليه السلام لأسامة بن زيد الصلاة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:149(1/149)
*** ج1/ص150
أمامك وقال عليه السلام أينما أدركتني الصلاة
ولأن ذهاب الوقت عهد مبطلا للطهارة كذهاب مدة المسح والخروج من
الصلاة لم يعهد مبطلا للطهارة فكان ما ذهبنا إليه أولى وقد وافقنا أحمد بن
حنبل رحمه الله في هذا
فائدة المستحاضات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس
الأولى حمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم
الثانية أختها أم حبيبة ويقال أم حبيب
والثالثة فاطمة بنت أبي حبيش القرشية الأسدية
الرابعة سهلة بنت سهيل القرشية العامرية
الخامسة سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
ولم يصح أن زينب بنت جحش استحيضت والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:150(1/150)
*** ج1/ص151
باب
أكثر مدة النفاس أربعون يوما
الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كانت النفساء تجلس
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما فكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف
وهذا حديث رواه علي بن عبد الأعلى و أبو سهل عنه وهما ثقتان ويرويه
أبو سهل هذا - وهو كثير بن زياد - عن مسة الأزدية
قال الخطابي حديث مسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل
أبو داود عن الأزدية وهي مسة قالت حججت فدخلت على
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:151(1/151)
*** ج1/ص152
أم سلمة فقلت يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة
المحيض فقالت لا يقضين كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس
أربعين يوما لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس
وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم ورأوا أن أكثر مدة النفاس أربعون يوما
وقد روي ذلك عن عمر وابن عباس وأنس رضي الله عنهم وهو مذهب سفيان
الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق رحمة الله عليهم أجمعين
فإن قيل فمن جعل مدة النفاس أكثر من هذا وأسقط عنها الصلاة والصيام
وحرم على الزوج وطأها أله دليل شرعي من كتاب أو سنة أو قياس
قيل له لا نعلم شيئا من ذلك إلا أن الأوزاعي قال عندنا امرأة ترى
النفاس شهرين
ذكر ما جاء في هذا الحديث من الغريب
النفساء اسم الوالدة يقال نفست بضم النون وكسر الفاء وفتح النون وكسر
الفاء والورس نبات يزرع باليمن زرعا ولا يكون بغير اليمن نباته مثل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:152(1/152)
*** ج1/ص153
السمسم فإذا جف تفتتت خرائطه فينتفض منه الورس أحمر يزرع سنة
فيقيم في الأرض عشر سنين ينبت ويثمر وأجوده حديثه قاله ابن العربي
وقال في الصحاح والورس نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه
الغمرة للوجه تقول أورس المكان فهو وارس ولا يقال مورس والكلف لمع
سود تكون في الوجه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:153(1/153)
*** ج1/ص154
صفحة فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:154(1/154)
*** ج1/ص155
2 - كتاب الصلاة
قال الله تعالى 2 أقيموا الصلاة 2 وقال تعالى 2 إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا 2 أي فرضا مؤقتا
باب
من ترك الصلاة من غير عذر جاحدا لوجوبها كفر
وإن لم يكن جاحدا عصى
لأن الصلاة أحد الأركان التي بني عليها الإسلام والزكاة كذلك وقد
أجمعنا أن تارك الزكاة غير جاحد لوجوبها لم يكفر فكذا تارك الصلاة لم يكفر
ما لم يتركها جاحدا لوجوبها
فإن قيل قال عبد الله بن شقيق كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:155(1/155)
*** ج1/ص156
من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة
قيل له هذا يحتمل وجهين
أحدهما أن يكون أراد بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه حذف المضاف
وأقام المضاف إليه مقامه وأعربه بإعرابه
ويحتمل أنه أراد جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الجواب عنه من وجهين
أحدهما أن هذا مروي بطريق الآحاد والإجماع المروي بطريق الآحاد ليس
بحجة عند أكثر الناس
سلمنا أنه حجة لكن الظاهر أنهم لم يحكموا بذلك إلا اتباعا لقوله عليه
السلام من ترك الصلاة فقد كفر وقوله عليه السلام بين العبد وبين
الكفر ترك الصلاة فلهذا كانوا لا يطلقون على ترك شيء من الأفعال أنه
كفر إلا ترك الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك إلا على سبيل التغليظ
بدليل ما روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:156(1/156)
*** ج1/ص157
قال الترمذي معناه التغليظ فإذا حمل قوله عليه السلام على التغليظ
فكذلك قول أصحابه رضي الله عنهم أجمعين
باب
تارك الصلاة تهاونا بها
يحبس ويضرب حتى يصلي ولا يقتل
والدليل على ذلك أن الصلاة والزكاة والصيام والحج أركان الإسلام فكما
لا يقتل بترك ما سوى الصلاة فكذلك لا يقتل بترك الصلاة
فأما قوله تعالى 2 فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم 2
فلا يخلو من أن يكون وجود هذه الأفعال منهم شرطا في زوال القتل عنهم
أو يكون قبول ذلك والانقياد لأمر الله تعالى فيه هو الشرط دون وجود الفعل
ومعلوم أن وجود التوبة من الشرك شرط لا محالة في زوال القتل عنهم ولا خلاف
أنهم لو قبلوا أمر الله تعالى في فعل الزكاة والصلاة ولم يكن الوقت وقت صلاة ولا
وقت زكاة أنهم مسلمون و أن دماءهم محظورة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:157(1/157)
*** ج1/ص158
فعلمنا أن شرط زوال القتل عنهم قبولهم أوامر الله تعالى والاعتراف
بلزومها دون فعل الصلاة والزكاة ولأن إخراج الزكاة لا يلزم بنفس الإسلام إلا
بعد حول فغير جائز أن تكون الزكاة شرطا في زوال القتل وكذلك فعل الصلاة
ليس بشرط فيه وإنما شرطه قبول هذه الفرائض والتزامها والاعتراف بوجوبها ولأنه
لو كان فعل الصلاة والزكاة من شرط زوال القتل لما زال عمن أسلم في غير وقت
الصلاة وعمن لم يؤد زكاته مع إسلامه
فلما اتفقوا على زوال القتل عمن وصفنا بعد اعتقاده الإيمان ولزوم شرائعه
ثبت بذلك أن فعل الصلاة والزكاة ليس من شرائط زوال القتل وأن شرط زواله
إظهار الإيمان وقبول شرائعه
ألا ترى أن قبول الإيمان والتزام شرائعه لما كان شرطا في ذلك لم يزل عنه
القتل عند الإخلال ببعض ذلك وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم سبت ذراري
مانعي الزكاة وقتلت مقاتلتهم وسموهم أهل الردة لأنهم امتنعوا من التزام
الزكاة وقبول وجوبها فكانوا مرتدين لأن من كفر بآية من القرآن كفر به كله
وعلى ذلك أجرى حكمهم أبو بكر الصديق مع سائر الصحابة رضي الله عنهم حين
قاتلوا يدل على ذلك ما روى معمر عن أنس رضي الله عنه قال لما توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب كافة
وروى ابن المبارك عن فضالة عن الحسن قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم
ارتدت العرب عن الإسلام إلا أهل المدينة وأخبروا أن ردتهم من جهة
امتناعهم من أداء الزكاة وذلك عندنا على أنهم امتنعوا من أداء الزكاة على
جهة الرد لها وترك قبولها فسموا مرتدين من أجل ذلك فالآية أوجبت قتل
المشركين ومن دخل في الإسلام وأقر بفروضه والتزمها فهو غير مشرك بالاتفاق
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:158(1/158)
*** ج1/ص159
فإن قيل إنما زال عنهم القتل بشرطين
أحدهما التوبة وهي الإيمان وقبول شرائعه
والثاني فعل الصلاة وأداء الزكاة
قيل له إنما وجب بدءا قتل المشرك بقوله تعالى 2 اقتلوا المشركين 2 فمن زالت عنه سمة الشرك فقد وجب زوال القتل عنه ويحتاج في
إيجابه
فإن قيل هذا يؤدي إلى إبطال فائدة ذكر الشرطين في الآية
قيل له ليس الأمر على ما ظننت وذلك لأن الله تعالى إنما جعل هاتين
القربتين من فعل الصلاة وأداء الزكاة شرطا في وجوب تخلية سبيلهم وذلك بعد
ذكره القتل للمشركين والحصر فإذا زال القتل بزوال اسم الشرك فالحصر والحبس
باق لترك الصلاة ومنع الزكاة لأن من منع الزكاة وترك الصلاة عمدا وأصر عليها
جاز للإمام حبسه فحينئذ لا يجب تخليته إلا بعد فعل الصلاة وأداء الزكاة
فانتظمت الآية إيجاب قتل المشرك وحبس تارك الصلاة ومانع الزكاة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:159(1/159)
*** ج1/ص160
ويؤيد هذا الحديث الصحيح وهو قوله عليه السلام لا يحل دم امرئ مسلم
إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير حق فما
لم يقم دليل من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجوب القتل وإلا لم يجز
لأحد فعله وإلى هذا ذهب الزهري رحمه الله
باب
روي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في آخر وقت الظهر وأول وقت
العصر ثلاث روايات
إحداها وهي التي اختارها الطحاوي رحمه الله أنه متى صار ظل كل
شيء مثله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر
والثانية وهي التي اختارها الكرخي رحمه الله أنه إذا صار الظل أقل من
قامتين خرج وقت الظهر ولم يدخل وقت العصر فإذا صار الظل قامتين دخل
وقت العصر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:160(1/160)
*** ج1/ص161
والثالثة وهي أظهرها أنه إذا صار الظل مثليه خرج وقت الظهر ودخل
وقت العصر
وجه الرواية الأولى ما روى الترمذي عن نافع بن جبير بن مطعم
قال أخبرني ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمني جبريل عليه
السلام عند البيت مرتين فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل
الشراك ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله ثم صلى المغرب
حين وجبت الشمس وأفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى
الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم
وصلى المرة الثانية الظهر حين صار ظل كل شيء مثله لوقت العصر
بالأمس ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ثم صلى المغرب
لوقته الأول ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ثم صلى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:161(1/161)
*** ج1/ص162
الصبح حين أسفرت الأرض ثم التفت إلي جبريل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء
من قبلك والوقت فيما بين هذين
وجه الرواية الثانية هذا الحديث بعينه لأنه قال صلى الظهر حين صار ظل
كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس والمفهوم من هذا أنه شرع في الصلاة بعد
أن صار ظل كل شيء مثله كقوله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وصلى
الفجر حين برق الفجر والمفهوم من هذا كله إنما هو الشروع بعد هذه الأوقات
وإذا كان كذلك فالمعلوم أن فعل الصلاة في الغالب لا يستغرق ما بين المثل والمثلين
وفي هذا دلالة على أن وقت الظهر فوق المثل دون المثلين
وجه الرواية الأخيرة ما روى البخاري وغيره عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال من
يعمل من غدوة إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل من
نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل
من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين فأنتم هم فغضبت اليهود النصارى
وقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا قال الله تعالى فهل نقصتكم من حقكم
فقالوا لا فقال ذلك فضلي أوتيه من أشاء
وعنه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المسلمين واليهود
والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم
فعملوا له إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:162(1/162)
*** ج1/ص163
عملنا باطل فقال لهم لا تفعلوا أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا
فأبوا وتركوا واستأجر آخرين بعدهم فقال أكملوا بقية يومكم هذا ولكم
الذي شرطت لهم من الأجر فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا
لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه فقال أكملوا بقية عملكم فإنما
بقي من النهار شيء يسير فأبوا فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا
بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فذلك
مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور
فهذان الحديثان يدلان على أن وقت الظهر أمد من وقت العصر ومتى قلنا
بأنه يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثله كان وقت العصر أمد
فإن قيل ونحن نقول بموجب هذين الحديثين فإن وقت العصر لا يدخل حتى
يمضي جزء من الساعة العاشرة فعلى هذا يكون وقت الظهر أمد من وقت العصر
قيل له الجواب عن هذا أن النصارى قالت نحن أكثر عملا من المسلمين
وأقرهم الله تعالى على ذلك حيث قال فهل نقصتكم قالوا لا الحديث
وكثرة العمل لا تظهر في ذلك الجزء الذي يمضي من الساعة العاشرة ولا يكاد يقال
إذا صار الظل مثله بقي من النهار شيء يسير فلا بد من مضي زمان منضبط
يظهر فيه تفاوت العمل للعامل ويطلق على ما بقي من النهار بعده شيء يسير
وأقل ذلك ساعة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:163(1/163)
*** ج1/ص164
باب
آخر وقت المغرب
إذا غاب الشفق
الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل
فسأله عن مواقيت الصلاة فقال أقم معنا إن شاء الله فأمر بلالا فأقام الصلاة حين
طلع الفجر ثم أمره فأقام حين زالت الشمس فصلى الظهر ثم أمره فأقام فصلى
العصر والشمس بيضاء نقية ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب
الشمس ثم أمره بالعشاء فأقام حين غاب الشفق ثم أمر من الغد فنور
بالفجر ثم أمر بالظهر فأبرد وأنعم أن يبرد ثم أمره بالعصر فأقامها
والشمس آخر وقتها فوق ما كانت ثم أمره فأخر المغرب إلى قبل أن يغيب الشفق
ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث الليل ثم قال أين السائل عن مواقيت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:164(1/164)
*** ج1/ص165
الصلاة فقال الرجل أنا فقال مواقيت الصلاة كما بين هذين
وأخرجه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه بألفاظ قريبة من
هذا وإلى هذا ذهب الثوري وأحمد وإسحاق
قال البغوي وهذا هو الأصح لأن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
صلاها في وقتين
باب
روي عن أبي حنيفة رحمه الله أن الشفق هو البياض بعد الحمرة وروي عنه
أنه الحمرة
وجه الرواية الأولى قوله تعالى 2 أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل 2 مالك عن داود بن الحصين قال أخبرني مخبر أن عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما كان يقول دلوك الشمس إذا فاء الفيء وغسق الليل اجتماع الليل
وظلمته وروى مثل الرواية الأولى عن أبي هريرة وهو مذهب عمر ومعاذ وأنس
رضي الله عنهم وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز و الأوزاعي
وروي مثل الرواية الثانية عن ابن عباس وعبادة بن الصامت وشداد بن
أوس رضي الله عنهم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:165(1/165)
*** ج1/ص166
باب
الوتر واجب ووقته وقت العشاء
الترمذي وأبو داود وابن ماجه عن خارجة بن حذافة العدوي رضي الله عنه
قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله قد أمدكم بصلاة وهي
خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر
قال الترمذي حديث ابن حذافة حديث غريب لا نعرفه إلا من
حديث يزيد بن أبي حبيب
فإن قيل قال الخطابي قوله أمدكم بصلاة يدل على أنها غير
لازمة لهم ولو كانت واجبة لخرج الكلام على صيغة الإيجاب فقال ألزمكم
وفرض عليكم ونحو ذلك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:166(1/166)
*** ج1/ص167
قيل له فقد روى الطحاوي هذا الحديث بسنده عن عمرو بن العاص عن
رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله قد زادكم
صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الصبح الوتر الوتر ألا وإنه
أبو بصرة الغفاري رضي الله عنه فأبدل موضع قوله في حديث ابن حذافة
فجعلها فصلوها وهذا أمر والأمر للوجوب وأبدل موضع قوله إن الله
قد أمدكم إن الله قد زادكم والأصل في الزيادة أن تكون من جنس
المزيد عليه ولأن الزيادة إنما تتصور على المقدرات وهي الصلوات الواجبات
وروى الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن علي رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يجب الوتر قال
الترمذي حديث علي حديث حسن
فقوله أوتروا أمر والأمر للوجوب
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وهذا أمر والأمر للوجوب وعنهما عن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:167(1/167)
*** ج1/ص168
ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بادروا الصبح بالوتر وهذا أمر
والأمر للوجوب
وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا ذكره أو استيقظ
وهذا أمر بالقضاء والأمر للوجوب ومتى وجب قضاؤه وجب أداؤه ولهذا
أوجبنا القضاء بقوله عليه السلام من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:168(1/168)
*** ج1/ص169
وروى أبو داود عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس
منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا
في إسناد هذا الحديث عبيد الله بن عبد الله العتكي المروزي وقد وثقه
ابن معين وقال أبو حاتم الرازي صالح الحديث
وهذا والتهديد غالبا إنما يكون في الواجبات
فإن قيل فقد روى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
للأعرابي خمس صلوات في اليوم والليلة فقال فهل علي غيرهن
قال لا إلا أن تطوع
قيل له يحتمل أن يكون قاله عليه السلام قبل إخباره - - عن الله
سبحانه وتعالى بقوله إن الله قد زادكم صلاة وصار هذا نظير قوله تعالى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:169(1/169)
*** ج1/ص170
2 قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه 2 مع قوله صلى الله عليه وسلم أكل كل ذي
ناب من السباع حرام وهذا هو الجواب عن صلاته صلى الله عليه وسلم الوتر على الراحلة
مالك إنه بلغه أن رجلا سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن الوتر
أواجب هو فقال عبد الله بن عمر قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون فجعل
الرجل يردد عليه وعبد الله بن عمر يقول أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون
وفي هذا دلالة ظاهرة على أن الوتر واجب لأن جوابه أن يقول له لا أو نعم
فلما أعرض عن جوابه وعرض بقوله أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون فهمنا أنه
أراد بهذا الكلام أن فعل الوتر صار سبيلا للمسلمين فمن تركه دخل في قوله
تعالى 2 ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا 2
فإن قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث كتبن علي وهم لكم سنة الوتر
والضحى والأضحى وقال تعالى 2 حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى 2 ومتى أوجبنا الوتر صارت الصلوات ستا والست لا وسطى لها
لأن الوسطى هي الفردة المتخللة بين عددين متساويين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:170(1/170)
*** ج1/ص171
قيل له أما الحديث فيقتضي أن يكون مجموع الثلاث أو تحقيق الثلاث سنة لنا
لا أن يكون كل فرد منها سنة وأما الآية فهي معارضة بقوله تعالى أقم الصلاة
طرفي النهار وزلفا من الليل وزلف جمع زلفة وهي قطعة من الليل وأدنى
الجمع المنكر ثلاث فكان النص أمرا بإقامة الصلاة في طرفي النهار وقطع ثلاث من
الليل فيكون شغل ثلاث قطع من الليل بالصلاة واجبا ويلزم منه أن تكون
الصلوات الواجبات بالليل ثلاثا ولا تكون الصلوات الواجبة بالليل ثلاثا إلا إذا
كانت صلاة الوتر واجبة فيلزم وجوبها
فهذه مسألة استدللنا عليها بسبعة أحاديث صحاح وأثر صحيح والكل سالم
عن المعارض
ذكر ما في الحديث الأول من الغريب
حمر النعم بتسكين الميم جمع أحمر والنعم واحد الأنعام وهي البهائم وأكثر
ما يقع هذا الاسم على الإبل والإبل الحمر أعز أموال العرب فأخبر أنها خير من
الأموال النفيسة والله أعلم
باب
الوتر ثلاث ركعات موصولات
الترمذي عن علي رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث يقرأ
فيهن تسع سور من المفصل يقرأ في كل ركعة بثلاث سور آخرهن قل هو الله
أحد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:171(1/171)
*** ج1/ص172
النسائي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة المغرب
وتر النهار فأوتروا صلاة الليل
الطحاوي عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال
الوتر ثلاث كوتر النهار صلاة المغرب
فإن قيل فقد روى البخاري ومسلم عن أبي مجلز - لاحق بن حميد -
قال سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن الوتر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
ركعة من آخر الليل قال وسألت ابن عباس رضي الله عنهما فقال سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول ركعة من آخر الليل
وروى مالك عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من
الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن
قيل له فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:172(1/172)
*** ج1/ص173
حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن - - ثم يصلي
ثلاثا قالت عائشة رضي الله عنها فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال إن
عيني تنامان ولا ينام قلبي
فأخبرت أن صلاته بالليل كانت على هذه الصفة فطريق التوفيق بين هذه
الأحاديث أن نقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بركعة ويأمر بها ولكن كان آخر الأمرين
منه الوتر بثلاث
يدل على ذلك ما روى الطحاوي عن أبي خالدة قال سألت
أبا العالية عن الوتر فقال علمنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو علمونا - الوتر مثل
صلاة المغرب غير أنا نقرأ في الثالثة هذا وتر الليل وهذا وتر النهار وعنه عن ربيع
المؤذن عن ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال أثبت عمر بن
عبد العزيز الوتر بالمدينة بقول الفقهاء ثلاثا لا يسلم إلا في آخرهن
باب
ويقنت في الوتر في جميع السنة
الترمذي وأبو داود واللفظ له عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:173(1/173)
*** ج1/ص174
علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر قال ابن جواس - وهو
أبو عاصم بن أحمد بن جواس الحنفي الكوفي شيخ مسلم وأبي داود - في قنوت
الوتر اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك
لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل
من واليت تباركت وتعاليت
قال الترمذي حديث حسن ولا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث
أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة بن شيبان ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في
القنوت شيئا أحسن من هذا وهو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه وبه قال سفيان
الثوري وابن المبارك وإسحاق وتخصيص القنوت في الوتر بالنصف الأخير من
رمضان روي عن علي عليه السلام
كذا ذكره ابن شداد في دلائل الأحكام وذكر الطحاوي أنه لم يقل بهذا القول
أحد إلا الشافعي والليث رضي الله عنهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:174(1/174)
*** ج1/ص175
باب
يقنت في الوتر قبل الركوع
النسائي عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات
يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون و في الثالثة
بقل هو الله أحد ويقنت قبل الركوع فإذا فرغ قال عند فراغه سبحان الملك
القدوس ثلاثا يطيل في آخرهن وهو اختيار ابن مسعود رضي الله عنه
باب
إذا أراد أن يقنت كبر ورفع يديه
الطحاوي عن سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف عن
أبي حنيفة رضي الله عنه عن طلحة بن مصرف عن إبراهيم النخعي رحمة الله عليه
قال ترفع الأيدي في سبع مواطن في افتتاح الصلاة وفي التكبير للقنوت في الوتر
وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبجمع وعرفات وعند
المقامين عند الجمرتين وهذا لا تعرف مشروعيته إلا بالتوقيف فالظاهر أنه قاله
عن توقيف من الصحابة رضوان الله عليهم فثبت بهذا الأثر مشروعية التكبير في
القنوت ورفع اليدين له - - وما ذكره المزني رحمه الله من أن أبا حنيفة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:175(1/175)
*** ج1/ص176
رضي الله عنه زاد تكبيرة في القنوت لم يثبت بها سنة ولا دل عليها قياس خطأ لأنا قد
بينا دلالة السنة عليها وأما دلالة القياس فهو أن التكبير شرع للفصل وحال القنوت
مخالف لحال القراءة فوجب أن يكبر للفصل بين الحالين كما يكبر للفصل بين الركوع
والسجود بل أولى لأن هيئة الركوع مخالفة لهيئة السجود حسا فكانت مستغنية
عن الفصل والقراءة ذكر والقنوت ذكر فيحتاج إلى الفصل لئلا يلتبس القرآن
بغيره ولهذا وقع الاتفاق على أن الإستعاذة لا يجهر بها فإذا شرع الفصل بالتكبير
فيما لا يلتبس فشرعه فيما يلتبس أولى والله أعلم
باب
لا يشرع القنوت في صلاة غير الوتر
مسلم عن محمد قال قلت لأنس رضي الله عنه هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في صلاة الصبح قال نعم بعد الركوع يسيرا وفي رواية قنت شهرا بعد الركوع
يدعو على بني عصية
الطحاوي عن عبد الله قال قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على عصية
وذكوان فلما ظهر عليهم ترك القنوت وكان ابن مسعود لا يقنت في صلاة الغداة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:176(1/176)
*** ج1/ص177
الترمذي عن أبي مالك الأشجعي قال قلت لأبي يا أبت لقد
صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب
رضي الله عنهم ها هنا بالكوفة نحوا من خمس سنين أكانوا يقنتون قال أي بني
محدث حديث حسن صحيح
فقد أخبر عن الخلفاء الراشدين أنهم كانوا لا يقنتون وأن القنوت محدث
وهذا دليل على أن الحديث الذي ذكره الدارقطني عن أنس رضي الله عنه أنه
قال ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا ضعيف وإن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:177(1/177)
*** ج1/ص178
ظهر له وجه صحة قلنا معناه ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القيام في صلاة الغداة
حتى فارق الدنيا فإن طول القيام يسمى قنوتا وهذا مذهب ابن عمر أيضا وإليه
ذهب ابن المبارك
وقال أحمد وإسحاق لا يقنت في الصبح إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة
باب
إذا أوتر ثم نام ثم قام لا ينتقض وتره
الترمذي عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لا وتران في ليلة
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وبه يقول مالك بن أنس
وابن المبارك وأحمد
قال أبو عيسى وهذا أصح - يعني أن الوتر لا ينتقض - لأنه قد روي من
غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر ركعتين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:178(1/178)
*** ج1/ص179
باب
يستحب الإسفار بالفجر
الترمذي عن رافع بن خديج قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أسفروا
بالفجر فإنه أعظم للأجر وفي لفظ أبي داود أصبحوا بالصبح فإنه أعظم
لأجوركم أو أعظم للأجر قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
فإن قيل قال البغوي وهذا حديث حسن لكنه يعارضه حديث زيد بن
ثابت قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة - قال الراوي عن زيد -
قلت كم كان قدر ذلك قال قدر خمسين آية
قيل له لو كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل لجاز أن يكون معارضا ولكن
النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك الأفضل أحيانا إما بيانا للجواز أو لسبب يعرض له
فيجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عجل الصلاة ذلك اليوم لسبب عرض له ثم إنه يحتمل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:179(1/179)
*** ج1/ص180
أن يكون بعيد فراغهم من السحور بلحظة يسيرة طلع الفجر ثم مكثوا
بعد ذلك قدر قراءة خمسين آية مرتلة ثم دخل بعد ذلك في الصلاة وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة فيها ما لا يطيل في غيرها فإذا ذهب بعد طلوع
الفجر مقدار قراءة خمسين آية مرتلة ومقدار مكثه في الصلاة أسفر جدا
فإن قيل صح عن عائشة رضي الله عنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي
الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس
قيل له روى الطحاوي عن القعنبي عن عيسى بن يونس عن
الأعمش عن إبراهيم قال ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء
ما اجتمعوا على التنوير وهذا لا يكون إلا بعد ثبوت نسخ التغليس عندهم
وعنه عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى
بنا أبو بكر صلاة الصبح فقرأ بسورة آل عمران فقالوا كادت الشمس تطلع
فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين
فهذا أبو بكر رضي الله عنه قد دخل فيها في غير وقت الإصفار ثم مد القراءة
حتى خيف عليه طلوع الشمس بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وقرب عهدهم
برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه منكر فدل على متابعتهم له
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:180(1/180)
*** ج1/ص181
وعنه عن السايب بن يزيد قال صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله
عنه الصبح فقرأ فيها بالبقرة فلما انصرفوا استشرفوا الشمس فقالوا
ما طلعت فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين فكان عمر رضي الله عنه يدخل
فيها بغلس ويخرج منها بتنوير وكذلك كتب إلى عماله وإلى هذا ذهب سفيان
الثوري
فإن قيل فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم الوقت الأول رضوان الله والوقت الآخر عفو الله
قيل له هذا حديث يرويه يعقوب بن الوليد عن العمري وهما ضعيفان قال
أحمد بن حنبل لا أعرف شيئا يثبت في أوقات الصلاة أولها أو أوسطها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:181(1/181)
*** ج1/ص182
أو آخرها يعني الرضوان والعفو وإن صح فنقول العفو هو الفضل قال الله
تعالى 2 يسألونك ماذا ينفقون قل العفو 2
ذكر ما في حديث التغليس من الغريب
متلفعات أي مشتملات والمروط هي الأردية الواسعة أي أكسيتهن
الواحد مرط بكسر الميم والغلس ظلمة آخر الليل كالغبش وقيل الغبش
قبل الغلس
باب
يستحب الإبراد بالظهر في الصيف وتقديمها في الشتاء
البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبردوا
بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:182(1/182)
*** ج1/ص183
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد اختار بعض أهل العلم
تأخير صلاة الظهر في شدة الحر وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق
وقال أبو عيسى معنى من ذهب إلى تأخير الصلاة في شدة الحر أولى وأشبه
بالاتباع وأما ما ذهب إليه الشافعي من أن الرخصة لمن ينتاب من البعد للمشقة على
الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي
الترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه
بلال فأراد أن يقيم فقال أبرد ثم أراد أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبرد في
الظهر حتى رأينا فيء التلول ثم أقام فصلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شدة الحر من
فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة حديث حسن صحيح
فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت
معنى لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد
فإن قيل لعل منازلهم كانت في السفر متفرقة بعيدة بعضها من بعض على عادة
المسافرين في النزول والمسافة اليسيرة في البرية فيما يرجع إلى مشقة الحر أعظم
مشقة من المنازل البعيدة في الحضر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:183(1/183)
*** ج1/ص184
قيل له قد ذكر الترمذي أنهم كانوا مجتمعين وكذا قال البغوي وقد
كانوا مجتمعين ومع ذلك فإنه أمر بالإبراد وكلام هذين الإمامين صحيح لأن
بلالا أراد أن يقيم الصلاة مرتين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالإبراد والإقامة إنما هي
لإعلام الحاضرين ويدل عليه أيضا أنه قال حتى رأينا فيء التلول ولم يقل حتى
مشينا فيه
باب
يستحب تأخير العصر ما لم يتغير قرص الشمس
البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يتعاقبون
فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم
يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي
فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون
وفي هذا دليل على أنه يستحب فعلهما في آخر الوقت حين تعرج الملائكة
أبو داود عن علي بن شيبان رضي الله عنه قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:184(1/184)
*** ج1/ص185
الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد
تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه
فإن قيل فقد روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي
فيأتيهم والشمس مرتفعة
قيل له قيل إن العوالي أدناها من المدينة ثلاثة أميال وأبعدها ثمانية
أميال ولم يذكر في الحديث إلا إتيان العوالي وإذا وصل الإنسان إلى أول
أدناها صدق عليه أنه أتى العوالي وهذا مقدار يمكن سيره إذا صلى العصر في وسط
وقتها
الطحاوي عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال كنا مع أبي هريرة
رضي الله عنه في جنازة فلم يصل العصر وسكت حتى راجعناه مرارا فلم يصل
العصر حتى رأينا الشمس على رأس أطول جبل بالمدينة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:185(1/185)
*** ج1/ص186
باب
يستحب تعجيل المغرب
أبو داود عن مرثد بن عبد الله قال قدم علينا أبو أيوب غازيا وعقبة بن
عامر يومئذ على مصر فأخر المغرب فقام إليه أبو أيوب رضي الله عنه فقال
ما هذه الصلاة يا عقبة فقال له شغلنا فقال أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم
باب
يستحب تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل
البخاري قال سئل أنس رضي الله عنه هل اصطنع
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما قال نعم أخر الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل صلاة
العشاء الآخرة فلما صلى أقبل بوجهه فقال إن الناس قد صلوا ورقدوا وإنكم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:186(1/186)
*** ج1/ص187
لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة وكأني أنظر إلى وبيص خاتمه
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه حديث حسن
صحيح
ومن طريق أبي داود ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرت هذه
الصلاة إلى شطر الليل
فإن قيل روى الترمذي عن أم فروة - وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم -
قالت سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال الصلاة لأول وقتها
قيل له هذا حديث يرويه القاسم بن غنام وهو سيئ الحفظ ضعيف
النقل ولم يدرك أم فروة وفي سنده اضطراب والصحيح أن ابن مسعود رضي الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:187(1/187)
*** ج1/ص188
عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها
وفي رواية الترمذي على مواقيتها واستحباب تأخير العشاء اختيار
الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين فطوبى لمن وافقهم واتبع ما ثبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها أحاديث لا تقبل تأويلا ولا نجد على نسخها دليلا
ذكر ما في حديث البخاري من الغريب
وبيص خاتمه بباء معجمة بواحدة مكسورة وياء ساكنة وصاد مهملة بريق
خاتمه يقال منه بص الشيء يبص بصيصا ووبص يبص وبيصا
باب
لا تجوز الصلاة في ثلاثة أوقات
مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال ثلاث ساعات كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا حين تطلع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:188(1/188)
*** ج1/ص189
الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف
للغروب حتى تغرب
ذكر ما فيه من الغريب
الظهيرة الهاجرة وهو نصف النهار نقبر ندفن يقال قبره إذا دفنه
وأقبره إذا جعل له قبرا يوارى فيه قال الله تعالى 2 ثم أماته فأقبره 2 هذا هو
الأصل وقد حمل أصحابنا قبر الأموات على الصلاة عليهم وإلى هذا الحمل
ذهب ابن المبارك رحمه الله
باب
يكره التنفل بعد الفجر وبعد العصر
البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال شهد عندي رجال
مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى
تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:189(1/189)
*** ج1/ص190
فإن قيل روى الترمذي وغيره عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه
رضي الله عنه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الفجر في
مسجد الخيف وأنا غلام شاب فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر
القوم لم يصليا معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بهما فأتي بهما ترعد فرائصهما
فقال ما منعكما أن تصليا معنا قالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال
لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما
نافلة قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
وروى الدارقطني عن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:190(1/190)
*** ج1/ص191
يقول لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر إلى أن تغرب
الشمس إلا بمكة
قيل له أما الحديث الأول فهو أمر وما رويناه من الحديث فهو نهي
والنهي مقدم على الأمر لأنه أحوط
ويحتمل النسخ أيضا لما روى الطحاوي عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنهما قال إن صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة فصلها إلا الصبح والمغرب
فإنهما لا يعادان في يوم
فهذا ابن عمر رضي الله عنه أخبر أن الصبح لا يعاد فلولا علمه بنسخ حديث
الرجلين أو أن النهي مقدم على الأمر وإلا لما قال ذلك وحديث الدارقطني
لا يصح
فإن قيل روى أبو داود عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة
وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة
قيل له هذا حديث منقطع لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة
فلا يعارض المسند المتصل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:191(1/191)
*** ج1/ص192
فإن قيل فقد روى البخاري عن هشام قال حدثني أبي قال قالت
عائشة رضي الله عنها ابن أختي ما ترك نبي الله صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر
عندي قط
وعنه عنها قالت ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما سرا
ولا علانية ركعتان قبل صلاة الصبح وركعتان بعد العصر
قيل فقد روى البخاري عن أبي التياح قال سمعت حمران بن أبان
يحدث عن معاوية رضي الله عنه قال إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليها ولقد نهى عنها يعني الركعتين بعد العصر فقد
تعارض فعله ونهيه عاما وخاصا فيحتمل أنه عليه السلام كان مختصا به كما أنه كان
يواصل ونهى عن الوصال شفقة على أمته
يؤيد ذلك ما روى البخاري عنها قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما
ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته وكان يحب أن يخفف عنهم
ويؤيد ما ذهبنا إليه ما روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال
إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد
الظهر فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد لهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:192(1/192)
*** ج1/ص193
والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب
الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس
وروى الطحاوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يضرب الرجل
إذا رآه يصلي بعد العصر حتى ينصرف من صلاته
ذكر ما في الحديث الثاني من الغريب
ترعد ترجف فرائص جمع فريصة وهي اللحمة بين الجنب والكتف
التي لا تزال ترعد من الدابة
باب
إذا صلى ركعة من الصبح ثم طلعت الشمس
أمسك عن الصلاة حتى ترتفع ثم يتمها وتكون نافلة
مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس
فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان
فإن قيل هذا يعارضه ما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:193(1/193)
*** ج1/ص194
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن
تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع
الشمس فليتم صلاته
قيل له الحال لا يخلو من أحد أمرين إما أن نجعلهما متعارضين فيسقط
الاحتجاج بهما ويسلم حديث عقبة بن عامر عن المعارض أو يعمل بهما بحسب
الإمكان
ولا شك أن الثاني أولى ووجه العمل بهما أن يمسك عن الصلاة عند طلوع
الشمس ثم يتمها نافلة ويكون التقدير من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن
تطلع الشمس ثم طلعت فلا يقطع صلاته بل يمسك عنها فإذا ارتفعت الشمس
فليتم صلاته وتكون له نافلة
ألا ترى أن من صلى في بيته ثم أدرك الجماعة فإنه يدخل مع الجماعة في تلك
الصلاة بنية تلك الصلاة وتكون له نافلة
فإن قيل روى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك
الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر
وأنت قد عملت بهذا الحديث في العصر فوجب أن تعمل به في الصبح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:194(1/194)
*** ج1/ص195
قيل له أما في صلاة العصر فعملنا به لأنه لم يعارضه غيره فإنه لم يرد عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فإذا غربت الشمس فأمسك عن الصلاة وفي صلاة الصبح
عارضه غيره وهو ما رويناه آنفا أو نقول يحتمل أن يكون المراد من أدرك وقت
ركعة من صلاة العصر فقد أدرك وقت العصر ومن أدرك وقت ركعة من صلاة
الصبح فقد أدرك وقت الصبح فيكون الحديث واردا فيمن أسلم أو بلغ
أو طهر وقد بقي من الوقت قدر ما يصلي فيه ركعة فإنه يلزمه القضاء وهذا أولى
ما حمل عليه هذا الحديث
ذكر ما مر من الغريب
باب
يكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر
بأكثر من ركعتي الفجر
مسلم عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع
الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين - -
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:195(1/195)
*** ج1/ص196
باب
ولا يتنفل قبل صلاة المغرب
لما فيه من تأخير المغرب
فإن قيل روى البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال
كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج
النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون ركعتين قبل المغرب ولم يكن بين الأذان والإقامة
شيء
قيل له قال الترمذي وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قبل
المغرب فلم ير بعضهم الصلاة قبل المغرب
وقال ابن العربي في شرح الترمذي ولم يفعله أحد بعدهم وأظن
الذي منع منه المبادرة إلى صلاة المغرب
وقال إبراهيم النخعي إنها بدعة وقال غيره صلاة الركعتين بعد غروب
الشمس كان في أول الإسلام ليعرف به خروج الوقت المنهي عنه ثم أمروا بعد ذلك
بتعجيل المغرب
وروى أبو داود عن طاوس قال سئل ابن عمر رضي الله عنه عن الركعتين
قبل المغرب فقال ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:196(1/196)
*** ج1/ص197
باب
من فاتته صلاة الفجر حتى طلعت
الشمس لا يصليها حتى ترتفع
مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه في حديث ليلة التعريس قال فمال
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه ثم قال احفظوا علينا صلاتنا فكان أول من
استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره قال فقمنا فزعين ثم قال اركبوا
فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء
فتوضأ منها دون وضوئه قال وبقي فيها شيء من ماء ثم قال لأبي قتادة احفظ
علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ ثم أذن بلال رضي الله عنه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ركعتين ثم صلى الغداة
وفي هذا الحديث دليل على أن من فاتته صلاة الصبح مع سنتها قضاها معها
- -
ذكر ما في هذا الحديث من الغريب
الميضأة بميم مكسورة وياء ساكنة وضاد معجمة بعدها ألف وهاء مفعلة من
الوضوء وهي المطهرة يتوضأ بها والتعريس نزول آخر الليل للاستراحة والموضع
معرس
باب
يجب الترتيب في قضاء الفوائت
الترمذي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال قال عبد الله إن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:197(1/197)
*** ج1/ص198
المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل
ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر
ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء
وعنه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال يوم الخندق وجعل يسب كفار قريش قال يا رسول الله ما كدت أصلي
العصر حتى تغرب الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صليتها قال فنزلنا
بطحان فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأنا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما غربت
الشمس ثم صلى بعدها المغرب أخرجه مسلم
وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها
وتلا قوله تعالى 2 وأقم الصلاة لذكري 2 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي
وابن ماجه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:198(1/198)
*** ج1/ص199
وهذا دليل على أن المراد قضاء الفائتة عند الذكر وذلك يقتضي الترتيب في
الفوائت لأنه إذا كان مأمورا بفعل الفائتة عند الذكر وذلك قد يكون في وقت
صلاة فهو منهي لا محالة عن فعل صلاة الوقت في تلك الحال فأوجب ذلك فساد
صلاة الوقت إن قدمها على الفائتة لأن النهي يقتضي الفساد حتى تقوم الدلالة على
غيره ولأنه لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا وجب الترتيب لقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني
أصلي ولأن فرض الصلاة مجمل في الكتاب والترتيب وصف من أوصاف
الصلاة وفعله صلى الله عليه وسلم إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب
وروى الدارقطني عن عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نسي صلاة فذكرها وهو مع الإمام فإذا فرغ
منها قضى التي فاتته ثم أعاد التي مع الإمام
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:199(1/199)
*** ج1/ص200
فإن قيل أبو عبيدة لم يسمع من أبيه فهو حديث منقطع وحديث ابن عمر
رضي الله عنه الصحيح أنه موقوف ثم إنه معارض بما روى الدارقطني عن
ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها وهو في
صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها فإذا فرغ منها صلى التي نسى
قيل له أما حديث أبي عبيدة فرواته ثقات فلا يضره الانقطاع وقد عضده
الحديث الذي بعده وأما حديث ابن عمر فإن صح أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو
المطلوب وإن كان من قول ابن عمر فهو أحق أن يتبع وأما حديث ابن عباس فإنه
مقطوع ضعيف يرويه بقية بن الوليد عن عمر بن أبي عمر عن مكحول
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:200(1/200)
*** ج1/ص201
باب
صلاة الوسطى صلاة العصر
الترمذي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
صلاة الوسطى صلاة العصر هذا حديث حسن
وعنه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلاة الوسطى صلاة العصر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهو
قول أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن قيل فقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها حافظوا على الصلوات
وصلاة الوسطى وصلاة العصر فدل على أنها غيرها
قيل له يجوز أن تكون مسماة بالوسطى والعصر فذكرها ههنا باسميها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:201(1/201)
*** ج1/ص202
باب
لا يسن الترجيع في الأذان
أبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه في قصة الأذان قال فجاء
عبد الله بن زيد من الأنصار وقال فيه واستقبل القبلة فقال الله أكبر الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد
أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي
على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم أمهل هنية ثم قام فقال مثلها
إلا أنه زاد بعدما قال حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة
فإن قيل فقد روى أبو داود عن ابن محيريز عن أبي محذورة
رضي الله عنه قال ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه فقال قل الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله مرتين مرتين ثم قال ارجع
فمد من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
محمدا رسول الله اشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة
حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
قيل له لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة الأذان كان كافرا أو كان عقيب
إسلامه بدليل ما ذكر مسلم في حديثه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فأذن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:202(1/202)
*** ج1/ص203
بالصلاة فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به
فلما لقنه الأذان أعاد عليه كلمة الشهادة وكررها حتى تثبت ويحفظها ويكررها
على أصحابه المشركين فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها فظنها
أبو محذورة من الأذان ولأن حال التلقين يردد الإنسان على من يلقنه حتى يأتي به
على وجهه
وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل وحكى الخطابي قال وقد قيل
لأحمد بن حنبل - وكان يأخذ بأذان بلال - أليس أذان أبي محذورة بعد أذان
بلال وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أليس لما عاد إلى
المدينة أقر بلالا على أذانه
باب
الإقامة مثل الأذان إلا أنه يزيد فيها
بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين
أبو داود عن ابن محيريز أن أبا محذورة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:203(1/203)
*** ج1/ص204
الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة الأذان الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن
لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على
الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله والإقامة الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا
الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا
رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح
قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
ويدل على ما ذهبنا إليه أيضاً ما تقدم من حديث عبد الله بن زيد فإنه
قال ثم أمهل هنية ثم قال مثلها إلا أنه زاد بعد ما قال حي على
الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة
وروى الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد قال
كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا في الأذان والإقامة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:204(1/204)
*** ج1/ص205
فإن قيل فقد روى البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه قال أمر
بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة وحديث الترمذي رواه عبد الرحمن بن
أبي ليلى عن عبد الله بن زيد ولم يلقه فكان مرسلا ولا حجة في المراسيل وقد روى
ابن عمر رضي الله عنه أن الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مرتين مرتين والإقامة
مرة مرة وإذا انتهى المؤذن إلى قوله قد قامت الصلاة قالها مرتين
وروى ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أذن ثنتي عشر
سنة وجبت له الجنة وكتب له بكل أذان ستون حسنة وبكل إقامة ثلاثون حسنة
وهذا يدل على أن الإقامة على الشطر من الأذان وكان الأذان بمكة والمدينة في
أولاد أبي محذورة وهم على إفراد الإقامة حتى استولى المصريون على الحجاز في سنة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:205(1/205)
*** ج1/ص206
اثنتين وستين وثلاثمائة فغيروا الإقامة فكيف وقد صار إلى مذهبنا أبو بكر وعمر وعثمان
وعلي وابن مسعود وابن عمر وجماهير الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومن الأئمة
مالك وإسحاق الحنظلي وأحمد بن حنبل والفقهاء السبعة وعلماء الأمصار كلهم وليس
معكم في مذهبكم إلا سفيان وابن المبارك وقد أمرنا باتباع الأعظم في قوله عليه
السلام عليكم بالسواد الأعظم سيما فيها هو من شعائر الإسلام
قيل له أما حديث البخاري فليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون فيه حجة
لاحتمال أن يكون الأمر من غيره
فإن قيل قال الخطابي وقد زعم بعض أهل العلم أن الآمر بذلك إنما
هو أبو بكر وعمر قال وهذا تأويل فاسد لأن بلالا لحق بالشام بعد موت
رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف سعد القرظ على الأذان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل له
وكم من عائب قولا صحيحا
وآفته من الفهم السقيم
إنما يفسد هذا التأويل إذا ثبت أن بلالا لحق بالشام عقيب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل أن يستخلف أبو بكر رضي الله عنه وأنه لما عاد إلى المدينة لم يكن بها أحد من
الخلفاء الراشدين وحينئذ يفسد التأويل وإلا فيحتمل أنه أمر بذلك بعد أن استخلف
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:206(1/206)
*** ج1/ص207
أبو بكر رضي الله عنه ثم لحق بالشام بعد ذلك أو أمره بذلك بعض الخلفاء بعد أن
رجع من الشام وقدم المدينة
فإن ثبت أن الآمر بذلك كان هو النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل قوله أن يشفع الأذان
بالصوت فيأتي بصوتين صوتين ويفرد الإقامة فيأتي بصوت صوت
وروى أبو داود عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال إذا
أذنت فترسل وإذا أقمت فأحدر والترسل الترتيل والحدر الإسراع
فالمفهوم من حديث بلال وحديث جابر هذا أن الأذان ينبغي أن يكون أمد وأرفع
صوتا من الإقامة وأن الأذان يفصل بين كلماته دون الإقامة وإلى هذا ذهب
سفيان الثوري رضي الله عنه
ذكر الغريب
حي على الصلاة معناه هلم وأقبل وفتحت الياء لسكونها وسكون
ما قبلها كما في ليت ولعل والفلاح الفوز والبقاء والنجاة والسحور أيضا وفي
الحديث حتى خفنا أن يفوتنا الفلاح يعني السحور فمعنى حي على
الفلاح أقبل على النجاة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:207(1/207)
*** ج1/ص208
باب
يكره أذان الأعمى لأنه لا يعرف الوقت بنفسه
فإن قيل فقد كان ابن أم مكتوم رضي الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
- - ولو كان مكروها لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم
قيل له إنما كان يؤذن بعد أذان بلال فكان يعرف الوقت بأذان بلال
رضي الله عنه
باب
يكره الأذان على غير وضوء في رواية
الترمذي عن الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
لا تؤذن إلا متوضئا لكن هذا حديث لم يرفعه ابن وهب لأن الترمذي رواه عن
عبد الله بن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال قال أبو هريرة لا ينادي
بالصلاة إلا متوضئ والزهري لم يسمع من أبي هريرة فصار الحديث
موقوفا مرسلا ووجه الرواية الأخرى أن قراءة القرآن على غير وضوء غير
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:208(1/208)
*** ج1/ص209
مكروهة فالأذان أولى أن لا يكره وإلى هذا ذهب سفيان وابن المبارك وأحمد
رحمهم الله
باب
لا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها
أبو داود عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده
عرضا
وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن بلالا أذن قبل طلوع
الفجر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام
زاد موسى في حديثه فرجع فنادى ألا إن العبد نام
فإن قيل قال أبو عيسى هذا حديث غير محفوظ والصحيح عن ابن عمر
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم
قال أبو عيسى ولو كان هذا الحديث صحيحا لم يكن لقوله إن بلالا يؤذن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:209(1/209)
*** ج1/ص210
بليل معنى لأنه إنما أمرهم فيما يستقبل ولو أنه أمره بإعادة الآذان حين أذن قبل
طلوع الفجر لم يقل إن بلالا يؤذن بليل قال علي بن المديني حديث حماد بن سلمة
عن أيوب غير محفوظ وأخطأ فيه حماد بن سلمة
قيل له لما كان هذا الحديث مخالفا لما يذهبان إليه وليس له تأويل يحملانه
عليه أدى بهما فرط التعصب إلى أن خبطا في دفعه خبط عشواء وحكما بأنه غير
محفوظ وخطا راويه من غير دليل والطريق في التوفيق بين الأخبار أن نقول إن
بلالا كان يؤذن بليل ثم نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأذان قبل طلوع الفجر على ما شهد
به حديث أبي داود الذي رويناه في أول هذا الباب ثم أذن قبل الفجر بعدما نهاه
فأمره أن يعيد الأذان وهذا أولى من أن نحكم على عدل ثقة بالخطأ أو نجعل
الأحاديث يدفع بعضها بعضا
باب
يؤذن للفائتة ويقيم
أبو داود عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في
مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحر الشمس فارتفعوا قليلا حتى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:210(1/210)
*** ج1/ص211
استقلت الشمس ثم أمر مؤذنا فأذن فصلى ركعتين قبل الفجر ثم أقام ثم صلى
الفجر
وقد روى هذه القصة جماعة على هذا الوجه وبعضهم لم يذكر الأذان لكن
الأخذ بالزيادة أولى
باب
لا بأس أن يؤذن واحد ويقيم آخر
وفي رواية يكره
وجه الرواية الأولى ما روى أبو داود عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه
قال أراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان أشياء لم يصنع منها شيئا وأري عبد الله بن زيد
الأذان في المنام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ألقه على بلال قال فألقاه عليه
قال فأذن بلال فقال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده قال فأقم أنت
وجه الرواية الثانية ما روى الترمذي عن زياد بن الحارث الصدائي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:211(1/211)
*** ج1/ص212
رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أذن في صلاة الفجر فأذنت فأراد
بلال أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم
قال أبو عيسى حديث زياد لا نعرفه إلا من حديث الأفريقي
والأفريقي ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد وغيره وقال أحمد
لا أكتب حديث الأفريقي قال ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره ويقول هو
مقارب الحديث
باب
قال أصحابنا رحمه الله إذا كان مسجد له أهل معروفون فصلوا فيه
أو بعضهم بأذان وإقامة كره لغيرهم أن يعيدوا الأذان والإقامة قالوا لأن الإطلاق
هكذا سبب لتقليل الجماعة معنى لأن الجماعة إذا كانت لا تفوتهم لا يجتمعون ولأن
المسجد إذا كان له إمام ثابت ففي صلاة غيره بالجماعة إسقاط الخصيصة
وروي عن أبي يوسف أنه إنما يكره إذا كان على سبيل الاجتماع والتداعي
وقام مقام الإمام الأول أما إذا أقام الصلاة بواحد أو اثنين في ناحية المسجد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:212(1/212)
*** ج1/ص213
لا يكره وربما استدل له بما روى الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال
جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيكم يتجر على هذا فقام رجل فصلى
معه
وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا
يصلي وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه
لكن الجواب عن هذا أننا نحن راعينا حق إمام المسجد والحق كان للنبي صلى الله عليه وسلم
فأسقطه
فإن نظرنا إلى أن المعنى إسقاط الخصيصة فللإمام المختص بالمسجد أن
يأذن لغيره بالصلاة
وإن نظرنا إلى أن المعنى فيه تقليل الجماعة فيجوز أن يأذن للواحد
والاثنين ولا يأذن للجماعة الكثيرة ويحتمل أنه لو صلى فيه جماعة بغير أذان أنه لا يكره
لأنه قال كره لغيرهم أن يعيدوا الأذان والإقامة
باب
الفخذ عورة
أبو داود عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تبرز فخذك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:213(1/213)
*** ج1/ص214
ولا تنظرن إلى فخذ حي ولا ميت
فإن قيل حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار
عن فخذه حتى أني أنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم
قيل له فقد روى أحمد بن حنبل عن جرهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه قد كشف
عن فخذه فقال غط فخذك فإن الفخذ من العورة
فإن قيل قال البخاري إن حديث أنس أسند من حديث جرهد
قيل له وقد قال وحديث جرهد أحوط حتى يخرج من اختلافهم
ذكر غريبة
جرهد بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء ودال مهملة ذكره في
الاستيعاب وقال قيل إنه ابن خويلد وقيل ابن رزام ابن عدي الأسلمي وهو
من أسلم وكنيته أبو عبد الرحمن يعد من أهل الصفة ثم ذكر أنه روى هذا
الحديث ثم قال ولا يكاد يثبت له صحبة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:214(1/214)
*** ج1/ص215
باب
الركبة من العورة
الدارقطني عن عقبة بن علقمة قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول
الركبة من العورة
وقال البخاري وقال أبو موسى غطى النبي صلى الله عليه وسلم ركبتيه حين دخل عثمان
رضي الله عنه - -
باب
قدم المرأة عورة في رواية
أبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قال قلت يا رسول الله أتصلي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:215(1/215)
*** ج1/ص216
المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار قال نعم إذا كان سابغا يغطي ظهور
قدميها
فإن قيل روى موقوفا على أم سلمة
قيل له الراوي قد يسند الحديث وقد يفتي به
باب
إذا اشتبهت عليه القبلة فاجتهد فصلى
ثم علم أنه أخطأ فلا إعادة عليه
الترمذي عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله
فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت 2 فأينما تولوا فثم وجه الله 2 قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:216(1/216)
*** ج1/ص217
أبو عيسى هذا الحديث ليس إسناده بذاك لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث
أشعث السمان وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا قالوا إذا صلى في الغيم لغير القبلة ثم استبان
له بعدما صلى أنه صلى لغير القبلة فصلاته جائزة وبه يقول سفيان الثوري
وابن المبارك وأحمد وإسحاق رحمة الله عليهم فالمطلوب بالاجتهاد عندنا إصابة جهة
الكعبة وإليه ذهب الثوري رحمه الله تعالى
باب
إذا افتتح الصلاة بذكر غير التكبير أجزأه
قال الله تعالى 2 وذكر اسم ربه فصلى 2 والمراد ذكر الرب لافتتاح الصلاة
لأنه أعقب الصلاة الذكر بحرف يوجب التعقيب بلا فصل وذلك تكبيرة
الافتتاح فقد شرع الله تعالى الدخول في الصلاة بمطلق الذكر
فإن قيل هذا المطلق نقيده بما روى الترمذي عن عبد الله بن محمد بن
عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مفتاح
الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:217(1/217)
*** ج1/ص218
قال أبو عيسى هذا الحديث أصح شيء روي في هذا الباب وأحسن
قيل له مدار هذا الحديث على عبد الله بن محمد بن عقيل وقد كان
مالك ويحيى بن سعيد لا يرويان عنه وقال ابن عيينة أربعة من قريش لا يروى
عنهم وذكر فيهم ابن عقيل وقال يحيى بن معين هو ضعيف في كل أمره وقال
مسلم قلت ليحيى بن معين عبد الله بن محمد بن عقيل أحب إليك أو عاصم بن
عبيد الله فقال ما أحب واحدا منهما في الحديث وقال أبو حاتم الرازي لين
الحديث ليس بالقوي ولا ممن يحتج بحديثه وقال السعدي يوقف عنه
عامة ما يروى غرائب وإذا لم يصح الحديث لا يجوز تقييد مطلق الكتاب به
والله أعلم
باب
السلام ليس بفرض بل هو واجب
ويخرج من الصلاة بلفظ غيره ولا تبطل الصلاة
أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته و صلاة
من كان خلفه ممن أتم الصلاة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:218(1/218)
*** ج1/ص219
الترمذي عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحدث
- يعني الرجل - وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته
فإن قيل قال الترمذي وهذا حديث ليس إسناده بالقوي وقد اضطربوا
في إسناده قال وفيه عبد الرحمن بن زياد - وهو الإفريقي - وقد ضعفه بعض
أهل الحديث منهم يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل
قيل له قد ذكرنا فيما تقدم أن البخاري كان يقوي أمره ويقول هو
مقارب الحديث فلم يسقط الاحتجاج به وقد سكت أبو داود عن هذا الحديث
وهو إذا سكت عن حديث كان عنده حسنا
وقد عضده ما روى أبو داود عن القاسم بن مخيمرة قال أخذ علقمة
بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد
عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة فذكر مثل حديث الأعمش إذا قلت هذا
أو قضيت هذا فقد تمت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد
فاقعد فهذا نص في أن السلام ليس بفرض
وإن قيل في متن الحديث فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك وما بعده إلى
آخر الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول ابن مسعود رضي الله عنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:219(1/219)
*** ج1/ص220
أدرج في الحديث وقد بينه شبابة بن سوار في روايته عن زهير وفصل كلام
ابن مسعود من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان
عن الحسن بن الحر مفصلا مبينا
قيل له قد رواه أبو داود الطيالسي وموسى بن داود الضبي وأبو النضر
هاشم بن القاسم الكناني ويحيى بن أبي بكير الكرماني ويحيى بن يحيى
النيسابوري وجماعة أخر كما رواه النفيل متصلا ورواية من رواه منفصلا
لا تدل قطعا أنه من كلام ابن مسعود لأنه يحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم
وحين رواه منفصلا كان قد نسيه ثم ذكره بعد فأسمعه إياه من غير إعادة ما قبله
فظنه السامع من كلام ابن مسعود ويحتمل أنه تكلم به منفصلا على سبيل الفتوى ولم
يضفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنه السامع من كلامه وهذا أولى من أن نجعله من
كلام ابن مسعود رضي الله عنه وإلا لكان من أدرجه في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم مخطئا
وقد يتطرق هذا الخطأ إلى جميع رواة هذا الحديث ولئن كان من كلام
ابن مسعود رضي الله عنه ففيه حجة لأن قول الصحابي عندنا حجة سيما ابن مسعود
رضي الله عنه
قال الطحاوي رحمه الله والذي يدل على أن ترك التسليم ليس بمفسد
للصلاة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فلما أخبر بصنيعه ثنى رجله فسجد
سجدتين فقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم فدل ذلك أن السلام ليس من
صلبها ألا ترى أنه لو كان جاء بالخامسة وقد بقي عليه مما قبلها سجدة كان ذلك
مفسدا للأربع لأنه خلطهن بما ليس منهن فلو كان السلام واجبا كوجوب سجدة
الصلاة لكان حكمه أيضا كذلك ولكنه بخلافه فهو سنة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:220(1/220)
*** ج1/ص221
باب
إذا كبر للافتتاح رفع يديه حذاء أذنيه
مسلم عن مالك بن الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه
حتى يحاذي بهما أذنيه في رواية حتى يحاذي بهما فروع أذنيه وروى أبو داود
عن وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه
حيال أذنيه قال ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح
الصلاة وعليهم برانس وأكسية فما روى من الرفع إلى حذاء منكبيه محمول على
حالة العذر وإلى هذا ذهب سفيان الثوري
باب
إذا كبر وضع يده اليمنى
على اليسرى تحت السرة
الترمذي عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا
فيأخذ شماله بيمينه حديث حسن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:221(1/221)
*** ج1/ص222
الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم إنا معاشر
الأنبياء أمرنا أن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة
أحمد بن حنبل عن علي رضي الله عنه أنه قال من السنة وضع اليمين
على الشمال تحت السرة
باب
وإذا وضع اليمين على الشمال
قال سبحانك اللهم إلى آخره
الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:222(1/222)
*** ج1/ص223
الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله
غيرك وفي سنده حارثة وقد تكلم فيه من قبل حفظه
الدارقطني عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح
الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه ثم يقول سبحانك اللهم
وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وإلى هذا ذهب سفيان وأحمد
وإسحاق رحمهم الله
ذكر ما في هذا الحديث من الغريب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:223(1/223)
*** ج1/ص224
قال الزجاج معنى سبحانك اللهم وبحمدك بحمدك سبحتك
وتعالى جدك علا جلالك وعظمتك وقيل ملكك وسلطانك وقيل غناؤك
باب
إذا استعاذ بالله سمى الله سرا
الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح
الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم
مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها
الترمذي عن ابن لعبد الله بن مغفل قال سمعني أبي وأنا أقول
بسم الله الرحمن الرحيم فقال أي بني إياك والحدث قال ولم أر أحدا من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام يعني منه قال وقد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:224(1/224)
*** ج1/ص225
صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا
منهم يقولها فلا تقلها إذا كبرت فقل الحمد لله رب العالمين حديث
حسن
فإن قيل فهذا عبد الله بن مغفل رضي الله عنه وهو من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم حدثا في الإسلام
أفيدخل هذا في قوله عليه السلام إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة
وكل بدعة ضلالة
قلت معاذ الله ليس هذا من ذلك القبيل بل هو محمول على أن
النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالبسملة ثم أخفاها حتى مات وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان ثم
جهر بها فسمى ذلك الجهر حدثا وبدعة كما سميت صلاة التراويح بدعة لأن
النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بالجماعة ثلاث ليال ثم تركها في الجماعة باقي عمره وكذلك
أبو بكر ثم جمع عمر بن الخطاب الناس لأجلها على أبي بن كعب لكن التراويح
بالجماعة بدعة استحسنها المسلمون أجمعون وهذه استحسنها البعض ولم يستحسنها
الأكثرون
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:225(1/225)
*** ج1/ص226
باب
قراءة فاتحة الكتاب واجبة وليس بفريضة
قال الله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن
البخاري ومسلم وغيرهما عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى
ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام وقال
ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع الرجل فصلى كما كان يصلي ثم جاء إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام ثم قال ارجع
فصل فإنك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل والذي بعثك
بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني فقال إذا قمت في الصلاة فكبر ثم اقرأ بما
تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما
ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى
تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:226(1/226)
*** ج1/ص227
أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
اخرج فناد في المدينة أنه لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب
فإن قيل المراد بالمتيسر ما زاد على الفاتحة بدليل ما روى
أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي
أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد
وروى ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة الحمد لله وسورة في فريضة
أو غيرها
وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أمرنا أن
نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر
قيل له لو حملنا الآية التي تلونا ها والحديث الذي رويناه على المتيسر بعد
الفاتحة لزم أن تكون قراءة ما تيسر بعد الفاتحة فرضا أيضا لثبوته بما تلوناه من
الكتاب وبما رويناه من الحديث فلما لم تكن السورة ولا ما تيسر بعد الفاتحة فرضا
معينا كذلك الفاتحة ثم نقول هذا الحديثان يؤيدان ما ذهبنا إليه فإنا نوجب الفاتحة
ونوجب شيئا من القرآن بعدها حسب وجوب الفاتحة وصار قوله عليه السلام
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:227(1/227)
*** ج1/ص228
لا صلاة إلا بفاتحة الكتابة نظير قوله عليه السلام لا صلاة لجار المسجد إلا في
المسجد أخرجه أبو داود وصححه أبو محمد عبد الحق والمراد نفي الفضيلة
كذا هذا
ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى 2 إنهم لا أيمان لهم 2 معناه أنه لا أيمان
لهم وافية موثوق بها ولم ينف وجود الأيمان منهم رأسا لأنه قد قال بدءا 2 وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم 2 وعطف على ذلك أيضا 2 ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم 2 فثبت أنه لم يرد بقوله لا أيمان لهم نفي الأيمان أصلا وإنما أراد به
ما ذكرنا وهذا يدل على جواز إطلاق لفظة لا والمراد بها نفي الفضيلة دون
الأصل كما ذكرنا من النظير
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:228(1/228)
*** ج1/ص229
باب
إذا قال الإمام ولا الضالين
قال آمين ويقولها المؤتم
البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
باب
إذا أمن الإمام والمأموم أسر التأمين
الدارقطني عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال صليت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين
فأخفى بها صوته
فإن قيل روى ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين حتى يسمعها أهل الصف الأول
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:229(1/229)
*** ج1/ص230
قيل له هو محمول على أنه جهر بها ليعلمها الناس ولأنه دعاء والسنة في
الدعاء الإخفاء والدليل على أن آمين دعاء قوله تعالى في سورة يونس عليه السلام
2 قد أجيبت دعوتكما 2 قال أبو العالية وعكرمة ومحمد بن كعب والربيع بن
موسى كان موسى عليه السلام يدعو وهارون يؤمن فسماهما الله داعيين فإذا ثبت
أنه دعاء فإخفاؤه أفضل من الجهر به لقوله تعالى 2 ادعوا ربكم تضرعا وخفية 2
باب
لا تجب القراءة
إلا في ركعتين من الفرض
وإلى هذا ذهب سفيان الثوري وإبراهيم النخعي اقتداء بعلي رضي الله عنه
قال ابن المنذر فقد روينا عن علي عليه السلام أنه قال اقرأ في الأوليين وسبح في
الأخريين وكفى به قدوة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:230(1/230)
*** ج1/ص231
باب
لا ترفع الأيدي عند الركوع ولا بعد الرفع منه
مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة
الترمذي عن علقمة قال قال عبد الله بن مسعود ألا أصلي بكم صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة
قال أبو عيسى هذا حديث حسن وبه يقول غير واحد من أهل العلم من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وهو قول سفيان وأهل الكوفة
أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:231(1/231)
*** ج1/ص232
رفع يديه حين افتتح الصلاة ثم لم يرفعهما حتى انصرف في سنده محمد بن
عبد الرحمن بن أبي ليلى
الطحاوي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ترفع
الأيدي في سبع مواطن في افتتاح الصلاة وعند البيت وعلى الصفا و على
المروة وبعرفات و بالمزدلفة وعند الجمرتين
وعنه عن سفيان عن المغيرة قال قلت لإبراهيم حديث وائل
رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا
رفع رأسه من الركوع فقال إن كان وائل رآه مرة يرفع فقد رآه عبد الله خمسين
مرة لا يفعل ذلك
وعنه عن عمرو بن مرة قال دخلت مسجد حضرموت فإذا علقمة بن
وائل يحدث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه قبل الركوع وبعده فذكرت
ذلك لإبراهيم فغضب فقال رآه هو ولم يره ابن مسعود ولا أصحابه
قلت وحديث الرفع يحتمل أنه منسوخ
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:232(1/232)
*** ج1/ص233
يدل عليه ما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا دخل في
الصلاة كبر ورفع يديه وإذا ركع رفع يديه وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه
وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم
ورواه حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا قام من الركعتين ثم لم يبق مشروعا فكذلك
الرفع عند الركوع والرفع منه كان مشروعا ثم ترك جمعا بين أحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر الإمكان وأحاديثنا تقتضي النهي عن الرفع وما استدل به
غيرنا من الأحاديث تقتضي الندب أو الإباحة فكان ما ذهبنا إليه أولى
وقد روى الطحاوي عن أبي بكر بن عياش قال ما رأيت فقيها قط
يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى
قال الطحاوي أجمعوا أن التكبيرة الأولى معها رفع والتكبيرة بين
السجدتين لا رفع معها والتكبيرة الأولى فرض لا تجزئ الصلاة إلا بها والتكبيرة بين
السجدتين - - سنة والتكبير للركوع والسجود سنة فكان التكبير بين
السجدتين
قال البغوي ومذهب الشافعي اتباع الحديث إذا ثبت وقد ثبت رفع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:233(1/233)
*** ج1/ص234
اليدين عند القيام من الركعتين
قلت ولم يعمل به فما أجاب عنه فهو جواب لنا عن الرفع عند الركوع
والرفع منه
ذكر ما فيه من الغريب
شمس الفرس يشمس إذا منع ظهره
باب
إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده
قال المؤتم ربنا لك الحمد
البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق
قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وروى هذا الحديث بواو ربنا ولك
الحمد والرواية بغير واو أولى لأن الواو للعطف وليس من التسميع شيء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:234(1/234)
*** ج1/ص235
يعطف ومعنى سمع الله ثناء وحث على الحمد بتحقيق الإجابة والعرب تقول
اسمع دعاء أي أجبه
باب
إذا سجد بدأ بركبتيه ثم بيديه ثم بوجهه
الترمذي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
سجد يضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أكثر أهل
العلم
باب
إذا سجد وضع وجهه بين كفيه
أبو داود عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه فذكر حديثا قال فيه فلما
سجد - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن يقعا كفاه فلما سجد
وضع جبهته بين كفيه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:235(1/235)
*** ج1/ص236
الترمذي عن أبي إسحاق قال قلت للبراء بن عازب رضي الله عنه أين
كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع وجهه إذا سجد فقال بين كفيه
قال أبو عيسى حديث البراء حديث حسن غريب
باب
إذا سجد على أنفه دون جبهته أجزاه
البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن
أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف
القدمين
فإن قيل روى الترمذي عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته الأرض حديث حسن صحيح
قيل له والأفضل أن يفعل كذلك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:236(1/236)
*** ج1/ص237
باب
السجود على اليدين والركبتين سنة وليس بواجب
أما السنة فلما روى مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه
وركبتاه وقدماه
وأما أنه ليس بواجب فلما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله
عنهما أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام فجعل
يحله فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال مالك ورأسي فقال إني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف وصلاة
معقوص الشعر جائزة فكذا صلاة المكتوف
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:237(1/237)
*** ج1/ص238
باب
إن سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز
البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنا نصلي مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض
بسط ثوبه فسجد عليه
وجه الاستدلال بهذا الحديث أن لفظة ثوبه تعم المتصل به والمنفصل عنه
والغالب أنه لم يكن عليهم إلا ثوب واحد ولهذا لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في
الثوب الواحد قال أوكلكم يجد ثوبين والبسط في حالة الصلاة لا يكون في
الغالب إلا في المتصل به الملبوس
ويؤيد هذا ما روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنا
نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود وإذا
جاز هذا في فاضل الثوب جاز في كور العمامة لأن أمرهما واحد
قال البخاري وقال الحسن كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة
ويداه في كمه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:238(1/238)
*** ج1/ص239
باب
الطمأنينة في أفعال الصلاة واجبة وليست بفريضة
قال الله تعالى 2 اركعوا واسجدوا 2 وأصل الركوع والسجود الخضوع
والتذلل والانقياد لأمر الله تعالى وقيل كان سجود أبوي يوسف له انحناء ويطلق
السجود ويراد به الميلان فيقال سجدت النخلة إذا مالت وقد قرن الله
تعالى الخر - وهو الانحطاط - بالسجود فقال 2 خروا له سجدا 2 وقال
تعالى يخرون للأذقان - أي للوجوه - سجدا فبان بهذا أن الركوع والسجود
ميلان لكن ميلان السجود فوق ميلان الركوع وهو وضع الجبهة على الأرض
فتعلقت الركنية بالأدنى منهما
فإن قيل فما الجواب عن حديث الأعرابي الذي رويته في باب قراءة
الفاتحة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ارجع فصل فإنك لم تصل وروى أبو داود
عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجزئ صلاة
الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:239(1/239)
*** ج1/ص240
قيل له أما حديث الأعرابي فقد رواه القعنبي عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال في آخره فإذا فعلت هذا فقد تمت
صلاتك وما أنقصت من هذا فإنما أنقصته من صلاتك
ورواه الترمذي وقال فيه فارجع فصل فإنك لم تصل فعاف الناس
ذلك وكبر عليهم أن يكون من أخف صلاته لم يصل فقال الرجل في آخر ذلك
فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ ثم قال في آخره فإذا فعلت ذلك فقد
تمت صلاتك وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك قال وكان هذا أهون
عليهم من الأولى أنه من انتقص من ذلك شيئا انتقص من صلاته ولم تذهب كلها
وهذا من أقوى الحجج في صحة الصلاة إذا ترك الطمأنينة ولو لم تكن صلاة
معتبرة لمنعه النبي صلى الله عليه وسلم عن إتمامها ولما تركه إلى أن أتمها لأنها لو كانت فرضا
لبطلت صلاته بتركها وإتمامها بعد ذلك يكون حراما لكونه عبثا ولغواً فكان يجب
على النبي صلى الله عليه وسلم منعه إذ كان يراه يفعل ذلك وحيث لم يمنعه وتركه حتى أتمها
دل أن الطمأنينة ليس بفرض وإنما أمره بالإعادة لجبر النقصان لتعذر جبره بسجود
السهو لأنه كان عامدا ولو تركه ساهيا وخرج من الصلاة بفعل ما ينافيها
لم يسجد للسهو وإنما قال لم تصل لعدم كمالها وتفاحش نقصانها وأما حديث
أبي داود فالمراد بعدم الإجزاء عدم الكمال أي لا تجزيه عن الفرض والسنة لا أنها
باطلة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:240(1/240)
*** ج1/ص241
باب
إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في
الركعة الأولى نهض على صدور قدميه
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في
الصلاة على صدور قدميه - -
فإن قيل روى الترمذي عن مالك بن الحويرث الليثي رضي الله عنه
أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي
جالسا حديث حسن صحيح
قيل له هذا محمول على حالة الكبر
قال الطحاوي ثم رأينا الرجل إذا خرج في صلاته من حال إلى حال استأنف
ذكرا في جميع صلاته وهو ههنا لا يكبر حتى يستوي قائما فلو كان بين قيامه وسجوده
جلوس لاحتاج إلى التكبير إذا رفع رأسه من السجود وتكبير آخر إذا نهض للقيام
فلما لم يؤمر بذلك ثبت أن لا قعود ليتفق حكم سائر الصلاة وإلى هذا ذهب
مالك وأحمد وإسحاق رحمهم الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:241(1/241)
*** ج1/ص242
باب
إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة
الثانية افترش رجله اليسرى فجلس عليها
ونصب اليمنى وكذا في آخر الصلاة
الترمذي عن وائل بن حجر قال قدمت المدينة قلت لأنظرن إلى صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جلس - يعني للتشهد - افترش رجله اليسرى ووضع يده
اليسرى - يعني على فخذه اليسرى - ونصب رجله اليمنى
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل
العلم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة وما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم من التورك في آخر الصلاة إن صح فهو محمول على حالة الكبر كما كان
ابن عمر يتربع في الصلاة فقيل له في ذلك فقال إن رجلاي لا تحملاني
وروى الطحاوي عن أبي صالح عن عطاف بن خالد عن
محمد بن عمرو بن عطاء عن رجل أنه وجد عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:242(1/242)
*** ج1/ص243
جلسوا فذكر نحوا من حديث أبي عاصم سواء - يعني في التورك -
قال أبو جعفر فقد فسد بهذا حديث أبي حميد لأنه صار عن محمد بن
عمرو عن رجل وأهل الإسناد لا يحتجون بمثل هذا فإن ذكر ضعف العطاف
فعبد الحميد أضعف مع أنهم لا يطرحون حديث العطاف كله وإنما يزعمون
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:243(1/243)
*** ج1/ص244
أن حديثه في القديم صحيح كله وحديثه في الآخر قد دخله شيء هكذا قال
يحيى بن معين في كتابه وأبو صالح سماعه من العطاف قديم جدا فقد دخل ذلك
فيما صح من حديثه
وإلى هذا ذهب سفيان الثوري رحمه الله
باب
المختار تشهد ابن مسعود رضي الله عنه
البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا إذا كنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا
التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد في السماء
أو بين السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم
ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به
قال الخطابي بعد ذكر الروايات في التشهد وأوضح هذه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:244(1/244)
*** ج1/ص245
الروايات وأشهرها رجالا تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وإنما ذهب الشافعي
إلى تشهد ابن عباس للزيادة التي فيه وهي قوله المباركات ولموافقته القرآن وهو
قوله تعالى 2 فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة 2 وإسناده جيد
ورجاله مرضيون
قلت وذكر أصحابنا رحمهم الله أيضا نوعا من الترجيح فقالوا في
حديث ابن مسعود الأمر وأقله الاستحباب و فيه الألف واللام في السلام
وهي للاستغراق وزيادة الواو وهي لتحديد الكلام - - - كما في القسم -
وتأكيد التعليم فإن في حديثه من طريق أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ
بيد ابن مسعود فعلمه التشهد وإلى هذا ذهب سفيان الثوري وأحمد بن حنبل
رحمهما الله
شرح ألفاظ التشهد التحيات لله معناه الملك لله وقيل البقاء لله ولهذا
يقال حياك الله أي أبقاك الله وقد تستعمل التحية بمعنى السلام وقيل معناه
أسماء الله تعالى وهو الواحد الأحد الفرد الصمد فيكون معناه هذه الأسماء لله
خاصة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:245(1/245)
*** ج1/ص246
الصلوات لله معناه الرحمة لله على عباده ومنه قوله تعالى 2 صلوات من ربهم ورحمة 2
فإن قيل إذا كان معنى الصلاة الرحمة فكيف عطف الرحمة على الصلاة
والشيء لا يعطف على نفسه
قيل له قد يعطف الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان وقال بعضهم
معنى الصلوات الأدعية لله الطيبات معناه الطيبات من الكلمات لله تعالى يريد
به التسبيح والتهليل والتحميد والتوحيد ذكر بعض هذا الخطابي وذكر بعضه
البغوي
باب
إذا جلس للتشهد بسط أصابع يديه
الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في
الصلاة وضع يده اليمنى على ركبتيه ورفع إصبعه التي تلي الإبهام يدعو بها
ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:246(1/246)
*** ج1/ص247
باب
إذا فرغ من التشهد الأول
لا يأتي بشيء من الذكر بعده
أبو داود عن أبي عبيدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقعد
في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف قال قلنا حتى يقوم قال حتى يقوم
الرضف الحجارة المحماة
باب
تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
في التشهد الأخير ولا تجب
قال إبراهيم النخعي كانوا يرون التشهد كافيا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
ولو كانت واجبة لعلمها للأعرابي حين علمه الصلاة ولعلمهما لابن مسعود
حين علمه التشهد
فإن قيل قوله تعالى 2 يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما 2 أمر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:247(1/247)
*** ج1/ص248
بها والأمر ظاهر في الوجوب فلا بد من حمله على وجه تكون الصلاة عليه
واجبة وليس ذلك إلا في الصلاة وإلا ففي غيرها يكون ندبا
قيل له هذا أمر والأمر لا يقتضي التكرار وقد ذهب بعض أصحابنا إلى
أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تجب خارج الصلاة في العمر مرة واحدة والمختار أنها
تجب كلما ذكر صلى الله عليه وسلم كذا اختاره الطحاوي رحمة الله عليه
باب
إذا فرغ من التشهد الآخر
سلم عن يمينه وعن شماله
الترمذي عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله السلام
عليكم ورحمة الله هذا حديث حسن صحيح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:248(1/248)
*** ج1/ص249
باب
لا تجب القراءة على المأموم
لا في صلاة سر ولا جهر
مسلم عن عطاء بن يسار أنه أخبره أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع
الإمام فقال لا قراءة مع الإمام في شيء وكفى بزيد بن ثابت قدوة
وروى الترمذي عن أبي نعيم وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله
يقول من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا أن يكون وراء الإمام
قال ابن عبد البر رواه يحيى بن سلام صاحب التفسير عن مالك عن
أبي نعيم وهب بن كيسان عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
وحكى الخطابي أن عبد الله بن شداد روى مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم من
كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة والمرسل عندنا حجة
فإن قيل روى في حديث سمرة كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتان سكتة بعد
الدخول في الصلاة وسكتة بعد القراءة ولا فائدة في ذلك إلا ليقرأ المؤتم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:249(1/249)
*** ج1/ص250
قيل له يجوز أن يكون سكت لئلا تتصل القراءة بالتكبير فيختلط القرآن
بغيره وروى الطحاوي عن يونس عن ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع أن
عبد الله بن عمر كان إذا سئل هل يقرأ أحد خلف الإمام فيقول إذا صلى
أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام وفي مسلم قال وفي حديث
جرير عن سليمان بن المثنى التيمي عن قتادة من الزيادة وإذا قرأ فأنصتوا
قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث - أي طعن - فقال
مسلم تريد أحفظ من سليمان فقال له أبو بكر فحديث أبي هريرة فقال
هو صحيح يعني - وإذا قرأ فأنصتوا - تمام الحديث الذي فيه إنما جعل
الإمام ليؤتم به فقال هو عندي صحيح فقال لم لم تضعه ههنا فقال ليس كل
شيء عندي صحيح وضعته ههنا وإنما وضعت ههنا ما اجتمعوا عليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:250(1/250)
*** ج1/ص251
باب
يكره إمامة الأعمى
لأنه لا يتقي النجاسة قال الله تعالى 2 وما يستوي الأعمى والبصير 2 فمن سوى بينهما فقد خالف نص الكتاب وهذا نظير قوله تعالى
2 هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون 2 وأجمعنا أنه إذا اجتمع العالم
والجاهل قدم العالم فكذا إذا اجتمع الأعمى والبصير قدم البصير
فإن قال القائل أنا أقول بأن الأعمى أولى لأنه لا يرى ما يلهيه ولست
بمخالف للكتاب لأني لم أسو بينهما
قيل له إن كنت لم تخالفه لفظا فقد خالفته معنى فإن الآية ما سيقت إلا لبيان
أن الأعمى أحط رتبة من البصير وأنت قد رفعت رتبته على البصير فقد خالفت
الكتاب ثم أقول بأن البصير أولى لأنه يتجنب النجاسة التي تفسد الصلاة والأعمى
يترك النظر إلى ما يلهيه وذلك لا يفسد الصلاة وهذا اختيار الشيخ أبي إسحاق
صاحب المهذب من أصحاب الشافعي رحمه الله و هذا الكلام ألحقته بهذا
الكتاب بعد أن سمعته مرة واحدة
فإن قيل روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف
ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى وليس من الجائز أن يقال إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:251(1/251)
*** ج1/ص252
ذلك بيانا للجواز فإن الجواز كان يستفاد من الصلاة خلفه مرة واحدة أو مرتين وقد
حكى النمري أنه عليه السلام استخلفه على المدينة ثلاث عشرة مرة واستخلفه
عمر بن الخطاب أيضا في حجة الوداع فلو كانت الصلاة خلفه مكروهة لما فعله
النبي صلى الله عليه وسلم
قيل له من المحتمل أن ابن أم مكتوم كان له من يراعي حاله ويحرسه من
أن تصيبه النجاسة
باب
صلاة الجماعة سنة مؤكدة
أما أنها سنة فلما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين
درجة
وأما أنها مؤكدة فلما روينا عنهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر
بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجالا يؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:252(1/252)
*** ج1/ص253
الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا
أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء
وجه الاستدلال بهذين الحديثين أنه أثبت لصلاة الواحد فضلا وهم
بالتحريق ولم يحرق وإنما أخرجه مخرج الوعيد للمنافقين الذين كانوا يتخلفون عن
الجماعة والجمعة
ذكر ما في الحديثين من الغريب
الفذ الفرد قاله الجوهري مرماتين بكسر الميم وفتحها وراء ساكنة وميم
ثانية وألف وتاء معجمة باثنتين من فوق مفتوحة وياء معجمة باثنتين من تحت ساكنة
ونون والمرماة ما بين ظلفي الشاة وقيل المرماتان ههنا سهمان يرمي بهما الرجل
فيحوز سبقه يقول يسابق أحدهم إلى سبق الدنيا ويدع سبق الآخرة
باب
يكره للنساء أن يصلين وحدهن جماعة
أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:253(1/253)
*** ج1/ص254
صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من
صلاتها في بيتها
فإن قيل روى أبو داود عن أم ورقة بنت نوفل رضي الله عنها أنها
استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها
في بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها
قيل له في إسناده عبد الله بن جميع الزهري وإن كان مسلم قد أخرج عنه
ففيه مقال فإن صح حمل على ابتداء الإسلام حين كان للنساء أن يخرجن إلى
المساجد ويصلين مع الرجال في جميع الصلوات
فتبين بهذا أن صلاتها في بيتها أستر أحوالها وفي حضورها الجماعة
اشتهارها وقد قال الله تعالى 2 وقرن في بيوتكن 2 وفي خروجها إلى الجماعة
ترك القرار
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:254(1/254)
*** ج1/ص255
باب
يكره للشواب من النساء حضور
الجماعة ليلا كان أو نهارا
أبو داود عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعه نساء بني إسرائيل قال يحيى بن
سعيد فقلت لعمرة أمنعه نساء بني إسرائيل قالت نعم
باب
إذا أم باثنين تقدم عليهما
مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن جدته مليكة دعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال قوموا فلأصلي لكم قال
أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ركعتين ثم انصرف
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:255(1/255)
*** ج1/ص256
فإن قيل روي أن ابن مسعود رضي الله عنه صلى بعلقمة والأسود فوقف بينهما
ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل
قيل له هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وفي سنده هارون بن عنترة
وقد تكلم فيه بعضهم وقال أبو عمر النمري الصحيح أنه موقوف على ابن مسعود
رضي الله عنه وقال بعضهم منسوخ لأن هذه الصلاة تعلمها بمكة وفيها
التطبيق وهو منسوخ والله أعلم
باب
إذا قامت المرأة إلى جانب رجل وهما
مشتركان في صلاة واحدة أفسدت صلاته
مسلم وأبو داود واللفظ له عن موسى بن أنس عن أنس رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه وامرأة منهم فجعله عن يمينه والمرأة خلف ذلك
فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بواحد وأقامها خلفه وبأنس واليتيم وأقامها خلفهما
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمنا أنه أقامها محاذية للرجل أبدا فثبت أن مقامها دون
مقامه والنبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل فعلا ودام عليه ولم يقم دليل على عدم وجوبه علينا من
قول أو فعل واستقر الأمر عليه في زمانه وزمن من بعده فهو واجب سيما في
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:256(1/256)
*** ج1/ص257
الصلاة وما يتعلق بها وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي وإذا ثبت وجوبه
بفعله فهو بمنزلة خطابه افعلوا كذا فلما أقام الرجل عن يمينه والمرأة خلفه وأقام أنسا
واليتيم وراءه والعجوز وراءهما صار كأنه قال للرجل تقدم على المرأة وأخرها عنك
ثم رأينا الرجل إذا صلى مع إنسان قام عن يمينه وإذا صلى معه آخر قاما
متحاذيين خلفه ورأينا الصبي إذا صلى مع إنسان قام أيضا محاذيا للرجل
وإذا صلى مع صبي غيره في جماعة صلى خلفهم ورأينا المرأة ليست كذلك وأجمعنا
أن الرجل لو اقتدى بها فسدت صلاته دون صلاتها لأنه مأمور بالتقدم عليها فإذا
حاذته وجب أن تفسد صلاته دون صلاتها وكذا المأموم إذا تقدم على إمامه فسدت
صلاته دون صلاة الإمام لتركه فرض المقام كذا هذا
باب
يصلي القائم خلف القاعد
مسلم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت لما ثقل
رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقلت
لحفصة قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وأنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس
فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقلت لحفصة قولي له أن
أبا بكر رجل أسيف وأنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر
فقالت له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل
بالناس فأمروا أبا بكر فصلى قالت فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:257(1/257)
*** ج1/ص258
نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض قالت فلما دخل
المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم
مكانك فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي
الناس بصلاة أبي بكر وفي لفظ لأبي داود فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر بالناس
وجعل أبو بكر يكبر بتكبيره وجعل الناس يكبرون بتكبير أبي بكر ففي إقامة
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر عن يمينه وهو مقام المأموم وفي تكبيره بالناس وتكبير
أبي بكر بتكبيره بيان واضح أن الإمام في هذه الصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى
بالناس قاعدا والناس خلفه قيام وهي آخر صلاة صلاها بالناس فدل على أن
ما روي خلاف هذا منسوخ
فإن قيل قال الخطابي في هذا الحديث فائدتان إحداهما أنه يدل
على أنه تجوز الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر من غير حدث يحدث بالإمام
الأول والثانية أنه يدل على جواز تقديم بعض صلاة المأموم على صلاة
الإمام
قيل له ليس كذلك بل إنه يدل على جواز استخلاف من عجز عن المضي في
صلاته وأن من استخلف يعود مأموما بعد أن كان إماما لأنه روي من طريق
أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:258(1/258)
*** ج1/ص259
وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي بالناس فأقيم قال نعم
فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في
الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق
التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع
أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر
حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك
أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد اعتقد أبو بكر رضي الله عنه أنه لا يسوغ له الصلاة بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف النبي صلى الله عليه وسلم وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فصار هذان
الحديثان أصلا فيما ذكرناه
ذكر ما فيه من الغريب
أسيف بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وياء وفاء هو المحزون ويقال
هو السريع البكاء وقولها يهادي قال أبو عبيدة معنى ذلك أنه كان يعتمد عليهما
من ضعفه وتمايله يقال منه تهادت المرأة في مشيتها إذا تمايلت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:259(1/259)
*** ج1/ص260
باب
لا يصلي المفترض خلف المتنفل
لقوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به
فإن قيل روى أبو داود عن جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل
رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك
الصلاة
قيل له أخرج البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود واللفظ له عن
عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول إن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم
يرجع فيؤم قومه وليس في قوله فيصلي بهم تلك الصلاة دليل على أنه كان
يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الفرض ويصلي بقومه النفل ولا في هذا الحديث كيفية نية معاذ
فإن قيل فقد روى الدارقطني هذا الحديث وزاد فيه هي له تطوع ولهم
فريضة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:260(1/260)
*** ج1/ص261
قيل له قال الطحاوي يجوز أن يكون هذا من قول ابن جريج ويجوز أن
يكون من قول عمرو بن دينار ويجوز أن يكون من قول جابر فمن أي هؤلاء الثلاثة
كان هذا القول فليس فيه دليل على حقيقة ما كان يفعل معاذ ولو ثبت أنه عن معاذ
لم يكن فيه دليل أنه كان بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى الطحاوي عن علي بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسلمة بن
قعنب عن سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى المازني عن معاذ بن رفاعة
الزرقي أن رجلا من بني سلمة يقال له سليم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنا
نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فنصلي فيأتي معاذ فينادي بالصلاة فنأتيه فيطول
علينا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا معاذ لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف
عن قومك
فهذا يدل على أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل أحد الأمرين إما الصلاة معه
أو بقومه ولم يكن يجمعهما لأنه قال إما أن تصلي معي أي ولا تصلي بقومك وإما
أن تخفف بقومك ولا تصلي معي
فإن قيل إن معاذا كان أعلم من أن يفوت فرضه مع النبي صلى الله عليه وسلم لأجل
إمامة غيره
قيل له وسائر أئمة مساجد المدينة أليس كان يفوتهم الفرض مع النبي صلى الله عليه وسلم
والنفل فكان حظ معاذ أكبر ولمعاذ في الصلاة بالقوم والتنفل مع النبي صلى الله عليه وسلم فضل
على غيره ثم نقول هذا الحديث حكاية حال ولم تعلم كيفيتها فلا عمل عليها ثم إنه
معارض بما رويناه في أول الباب من قوله عليه السلام إنما جعل الإمام ليؤتم به
أي ليقتدى به فإذا صلى هذا الظهر وهي فرض والإمام يصليها نفلا فاي اقتداء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:261(1/261)
*** ج1/ص262
هنا والنية ركن وهي الأصل ألا ترى أنه لا تحل مخالفته فلا يركع قبله ولا يسجد
قبله وليس الزمان من أوصاف الصلاة ولا هو من مقتضياتها فالنية التي هي
ركن العبادة أولى فتصير مخالفته في النية نظير مخالفته في الفعل الذي هو ركن فيقوم
مع القاعد ويسجد مع الراكع وهذا لا يجوز قال ابن العربي - أظن - وهذا
نفيس جدا
وروى الطحاوي عن ابن مرزوق عن سعيد بن عامر قال سمعت
يونسا يقول جاء عباد إلى المسجد في يوم مطير فوجدهم يصلون العصر
فصلى معهم وهو يظن أنها الظهر ولم يكن صلى الظهر فلما صلوا فإذا هي
العصر فأتى الحسن فسأله عن ذلك فأمره أن يصليهما جميعا وهكذا عن ابن عمر
وابن سيرين وإلى ما ذهبنا إليه ذهب الزهري وربيعة ومالك رحمهم الله
باب
من اقتدى بإمام ثم علم أنه محدث أعاد الصلاة
الترمذي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين
روى هذا الحديث نافع بن سليمان عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:262(1/262)
*** ج1/ص263
قال أبو عيسى سمعت أبا زرعة يقول حديث أبي صالح عن
أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح عن عائشة قال وسمعت محمدا يقول
حديث أبي صالح عن عائشة أصح من حديث أبي صالح عن
أبي هريرة
فإن قيل قال الترمذي وذكر عن علي بن المديني أنه لم يثبت حديث
أبي صالح عن أبي هريرة ولا حديث أبي صالح عن عائشة
قيل له إن صح هذا القول عن ابن المديني فأبو زرعة والبخاري قد اتفقا
على صحة كل واحد منهما وإنما اختلفا في أيهما أصح مع أن هذا الكلام فيه
إجمال فإنه قال لم يثبته ويحتمل أنه أراد لم يكتبه ولا يلزم من عدم كتابته له أنه
لم يصح عنده ولا يلزم أيضا أنه إذا لم يثبت الحديث عنده أن لا يثبت عند
غيره
ومعنى الضمان ههنا أن تقدر صلاة المأموم في ضمن صلاة الإمام فيكون
ملتزما للمحافظة على صحة صلاة نفسه وصلاة القوم حتى لو فسدت بعمده كان
معاقبا بهما جميعا ولولا هذا التقدير لم يتجه للضمان معنى ويدل عليه أنه إذا أدرك
الإمام بعد الإعتدال ودخل معه تابعه في الأفعال الباقية من الركعة وإن كانت
لا تحسب له وكذلك لو سها الإمام يلزمه السجود مع الإمام مع أنه لم يخل بصلاته
غير أن الخلل الواقع في صلاة الإمام تعدى إلى صلاة المأموم فلأن يتعدى إليهما
فسادها كان أولى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:263(1/263)
*** ج1/ص264
فإن قيل معنى الحديث أن الإمام ضامن كمال صلاة المأموم بفضيلة
الجماعة بدليل أن المقتدي لو سها لم يلزمه سجود السهو لأن الإمام ضامن لكمال
صلاته فلم يعتبر منه سبب الخلل فكان كالمعدوم ولو كان ضامنا صحة صلاته
لكان ارتكابه المفسد عديم الأثر
قيل له لو كان معنى الحديث كما ذكرت لم يكن لتخصيص الإمام بكونه ضامنا
معنى فإن المأموم لا تحصل فضيلة الجماعة له إلا بوجود الإمام ولا للإمام إلا بوجود
المأموم فهما مشتركان في هذا المعنى وإنما لم يجب على المأموم بسهوه سجود لأنه إن
سجد وحده خالف إمامه وإن سجد الإمام معه صار الأصل تبعا والتبع أصلا
وهذا لا يجوز وإنما لم يكن ارتكابه المفسد عديم الأثر لأن كل واحد منهما مخاطب
بصيانة صلاته عن المفسد فإذا باشره فسدت صلاته غير أن صلاة المأموم لها تعلق
بصلاة الإمام ولهذا إذا أراد الاقتداء لزمه نية الائتمام فإذا بطلت صلاة الإمام بطل
ما تعلق بها وصلاة الإمام ليست بمتعلقة بصلاة المأموم ولهذا لا يلزمه نية الإمامة
فإذا بطلت صلاة المأموم لم تبطل صلاة الإمام لعدم تعلقها بها
فإن قيل فقد روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام وكبر فكبرنا
فانصرف فقال كما أنتم ودخل الحجرة ولم نزل قياما كذلك حتى خرج ورأسه يقطر
ماء وفي رواية أخرى وصلى بهم ثم انصرف وقال كنت جنبا ونسيت أن
أغتسل
قيل له هذا الحديث رواه مالك بن أنس في موطئه منقطعا فإن صح إسناده
فمن الجائز أنهم استأنفوا التحريمة بعد أن استأنفها النبي صلى الله عليه وسلم وليس في الحديث
ما ينفي ذلك فما لم يثبت أنهم بقوا على التحريمة الأولى لم يصح الاستدلال به وليس
في قوله كما أنتم ولا في قوله امكثوا دليل على ذلك لاحتمال أنه أراد
لا تتفرقوا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:264(1/264)
*** ج1/ص265
فإن قيل إن عمر رضي الله عنه صلى بالناس جنبا وأعاد ولم يأمر القوم
بالإعادة
قيل له إنما كان ذلك لأنه لم يستيقن أن الجنابة منه كانت قبل الدخول في
الصلاة فأخذ لنفسه بالاحتياط
ويدل على هذا ما روى مالك في موطئه عن هشام بن عروة عن زبيد بن
الصلت أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر فإذا هو قد
احتلم وصلى ولم يغتسل فقال والله ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت وصليت
وما اغتسلت قال فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم يره وأذن وأقام ثم
صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا
وروى الطحاوي عن إبراهيم عن همام بن الحارث أن عمر نسي
القراءة في صلاة المغرب فأعاد بهم الصلاة لترك القراءة وفي فساد الصلاة بترك
القراءة اختلاف فإذا صلى جنبا أحرى أن يعيد
وعنه عن هشيم عن جابر الجعفي عن طاوس ومجاهد في إمام صلى
بقوم وهو على غير وضوء قالا يعيدون جميعا والصحيح في الأثر والنظر ارتباط صلاة
المأموم بصلاة الإمام فإن الإمام إنما جعل ليؤتم به ويقتدى بأفعاله قال الله تعالى
2 إني جاعلك للناس إماما 2 أي يأتمون بك هذا حقيقة الإمام لغة وشرعا فمن
خالف إمامه لم يكن متبعا له ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك فقال إذا كبر فكبروا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:265(1/265)
*** ج1/ص266
فأتى بالفاء التي توجب التعقيب وهو المبين عن الله عز وجل مراده ثم أوعد من
رفع رأسه أو ركع قبل الإمام وعدا شديدا فقال أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل
الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو صورته صورة حمار
وروى مسلم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح
مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وليليني منكم أولوا
الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم
اليوم أشد اختلافا
باب
إذا سلم عليه في الصلاة فلا يرد بلسانه
لأنه كلام ولا بيده لأنه في معنى الكلام
فإن قيل روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال
أرسلني نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته فقال
لي بيده هكذا ثم كلمته فقال لي بيده هكذا وأنا أسمعه يقرأ ويومئ برأسه
قال فلما فرغ قال ما فعلت في الذي أرسلتك فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني
كنت أصلي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:266(1/266)
*** ج1/ص267
وعنه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
قباء يصلي فيه قال فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال فقلت لبلال كيف
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي قال يقول
هكذا وبسط كفه - وبسط جعفر بن عون كفه - وجعل بطنه أسفل و جعل
ظهره إلى فوق
قيل له هذا معارض بما روى البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود واللفظ
له عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في
الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا وقال إن
في الصلاة شغلا
وعن أبي وائل عنه قال كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا فقدمت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي السلام فأخذني ما قدم
وما حدث فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال إن الله عز وجل يحدث من
أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث لي أن لا تكلموا في الصلاة فرد علي
السلام
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:267(1/267)
*** ج1/ص268
وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا غرار في صلاة ولا تسليم قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه فيما أرى
أن لا تسلم ولا يسلم عليك ويغرر الرجل في صلاته فينصرف وهو شاك فلو كان
رد السلام بالإشارة جائزا لرد على ابن مسعود بالإشارة وما حكاه الراوي يحتمل أن
يكون نهيا لهم عن السلام فظنه ردا وما روي أن صهيبا قال مررت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي إشارة بأصبعه يحتمل أنه كان
في حال التشهد وهو يشير بأصبعه فظنه ردا
باب
إذا تكلم في الصلاة عامدا أو ساهيا بطلت صلاته
أبو داود عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال كان أحدنا يكلم
الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت 2 وقوموا لله قانتين 2 فأمرنا بالسكوت ونهينا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:268(1/268)
*** ج1/ص269
عن الكلام ويدل عليه حديث ابن مسعود في مسألة رد السلام
وروى مسلم وأبو داود واللفظ له عن معاوية بن الحكم السلمي
رضي الله عنه قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت
يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي قال
فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فعلمت أنهم يصمتوني قال
عثمان فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي
وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني ثم قال إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء
من كلام الناس هذا إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثر النسيان في رفع الإثم
فإن قيل فما اعتذارك عن حديث ذي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:269(1/269)
*** ج1/ص270
اليدين
قيل له ذاك حديث منسوخ
يدل على هذا ما روى الطحاوي عن عثمان بن الأسود قال سمعت عطاء
يقول صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأصحابه فسلم في ركعتين ثم انصرف
فقيل له في ذلك فقال إني جهزت عيرا من العراق بأحمالها وأحقابها حتى
دلجت المدينة قال فصلى بهم أربع ركعات وقد كان عمر فعل هذا بحضرة
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قد حضر بعضهم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
ذي اليدين فلم ينكروا ذلك عليه والذي يدل على أنه منسوخ وأن العمل على
خلافه إجماعهم على أن رجلا لو ترك إمامه من صلاته شيئا أنه يسبح به ليعلم
إمامه ما قد ترك فيأتي به وذو اليدين فلم يسبح برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه إياه فدل أن ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من التسبيح في
الصلاة لنائبة تنوبهم في صلاتهم كان متأخراً عن ذلك ثم إن أبا هريرة قال سلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:270(1/270)
*** ج1/ص271
رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتين ثم انصرف إلى خشبة في المسجد وقال عمران في
في حديثه ثم مضى إلى حجرته فدل ذلك أنه قد كان صرف وجهه عن القبلة
وعمل عملا في الصلاة ليس فيها من المشي وغيره أفيجوز لأحد اليوم أن يصيبه
ذلك وقد بقيت عليه من صلاته بقية فلا يخرجه ذلك من الصلاة
فإن قيل نعم لا يخرجه ذلك عن الصلاة لأنه فعل ذلك وهو لا يرى أنه في
الصلاة
قيل له فيلزمك أنه لو طعم وشرب وهذه حالته لم يخرجه ذلك من الصلاة
وكذلك لو باع أو اشترى أو جامع أهله فكفى بقول فسادا أن يلزم منه هذا ثم إن
ذا اليدين تكلم وتكلم الناس معه بعد علمهم أنهم في الصلاة ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم
عليهم ولم يأمرهم بالإعادة وفي هذا دليل على أنه كان قبل نسخ الكلام
فإن قيل قد حكى الخطابي عن قوم ولم يسمهم أن هذا الحديث منسوخ
وأنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة قال الخطابي ودعوى النسخ لا وجه لها
لأن تحريم الكلام كان بمكة وهذه الواقعة كانت بالمدينة والراوي أبو هريرة وهو متأخر
الإسلام وقد رواه عمران بن حصين وهجرته متأخرة
قيل له أما قول الخطابي بأن دعوى النسخ لا وجه لها فليس بشيء لأنا قد
ذكرنا فيما تقدم وجوها دالة على ثبوت النسخ ثم نقول ومن أين لك أن تحريم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:271(1/271)
*** ج1/ص272
الكلام كان بمكة ومن روى لك ذلك وقد روينا في أول هذا الباب من طريق
أبي داود عن زيد بن أرقم أنه قال كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة
فنزلت 2 وقوموا لله قانتين 2 فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وهذه الآية
في سورة البقرة وسورة البقرة مدنية بالإجماع وصحبة زيد بن أرقم لرسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما كانت بالمدينة فقد ثبت بحديثه أن نسخ الكلام بالمدينة بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم
من مكة وأما إسلام أبي هريرة رضي الله عنه وكونه متأخرا وهجرة
عمران بن حصين وكونها متأخرة فلا يقدح في القول بالنسخ لأن أبا هريرة
رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع سنين وليس بممتنع أن تكون الآية
المحرمة للكلام في الصلاة نزلت بعد إسلام أبي هريرة وهجرة عمران بن حصين
وحديث ذي اليدين فلا يجوز الاحتجاج به ما لم يقم الدليل على أنه كان بعد نسخ
الكلام
ذكر ما في الحديث الثاني في أول هذا الباب من الغريب
الثكل فقدان المرأة ولدها ما كهرني ما أغلظ علي في القول
باب
العمل الكثير يبطل الصلاة
عمدا كان أو سهوا لأنه غير محتاج إليه ولا يعذر بالنسيان لأن حالة الصلاة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:272(1/272)
*** ج1/ص273
مذكرة وتمسك من لم يبطل الصلاة بالعمل الكثير حالة النسيان بحديث ذي اليدين
لا يصح لأنا قد بينا فيما تقدم أنه منسوخ
فإن قيل فقد روى أبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سجد
وضعها وإذا قام حملها
قيل له قال بعض الناس هذا الحديث منسوخ وقال بعضهم هذا
مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يؤمن على الطفل البول وغير ذلك على حامله وقد
يعصم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مدة إمساكه
وقال الخطابي يشبه أن يكون هذا الصنيع من النبي صلى الله عليه وسلم لا عن قصد
وتعمد في الصلاة ولعل الصبية من طول ما ألفته واعتادته مما أنسته في غير
الصلاة كانت تتعلق به حتى تلابسه وهو في الصلاة فلا يدفعها عن نفسه
ولا يبعدها وإذا أراد أن يسجد وهي على عاتقه وضعها بأن يحطها أو يرسلها إلى
الأرض حتى يفرغ من سجوده فإذا أراد القيام وقد عادت الصبية إلى مثل الحال
الأول لم يدافعها ولم يمنعها حتى إذا قام بقيت محمولة معه هذا وجه هذا
الحديث ولا يكاد يتوهم عليه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعمد حملها ووضعها وإمساكها في الصلاة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:273(1/273)
*** ج1/ص274
تارة بعد أخرى لأن العمل في ذلك قد يكثر ويتكرر والمصلي يشتغل بذلك عن
صلاته ثم ليس فيه شيء أكثر من قضائها وطراً من لعب ولا طائل له ولا فائدة فيه
وإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى يستبدل بها الأنبجانية فكيف
لا يشتغل عنها بما هذه صفته من الأمر
قلت إلا أن هذا التأويل يدفعه قول أبي قتادة بينما نحن في المسجد
جلوس خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص يحملها على عاتقه فصلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام وقيل إن
هذا كان للضرورة إذ لم يجد من يكفها وقيل حملها لأنه لو تركها بكت وشغلت
سره في صلاته أكثر من شغله بحملها وأحسن ما يحمل عليه هذا الحديث أن يكون
شرعا في جواز الصلاة مع الفعل الكثير إذا تكرر مرارا وكان بين كل مرة فرجة
ولم يكن متواليا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:274(1/274)
*** ج1/ص275
باب
إذا سبقه الحدث انصرف وتوضأ
وبنى على صلاته ما لم يتكلم
لما رويناه عن عائشة رضي الله عنها في باب الوضوء من الخارج النجس من
غير السبيلين
فإن قيل فقد روى أبو داود عن علي بن طلق رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته
قال الترمذي هذا حديث حسن
قيل له الواجب هنا أن نعمل بكل واحد من الحديثين ولا نترك واحدا منهما
فنحمل حديث عائشة رضي الله عنها على حالة سبق الحدث وحديث علي بن طلق
على حالة تعمد الحدث فإن البلوى فيما يسبق لا فيما يتعمد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:275(1/275)
*** ج1/ص276
باب
إذا أقيمت صلاة الفجر ولم يصل ركعتي
الفجر صلاها في ناحية المسجد
الطحاوي عن عبد الله بن أبي موسى عن أبيه ومن دعاهم
سعيد بن العاص دعا أبا موسى وحذيفة وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم
قبل أن يصلي الغداة ثم خرجوا من عنده وقد أقيمت الصلاة فجلس عبد الله إلى
أسطوانة من المسجد فصلى ركعتين ثم دخل في الصلاة
فهذا عبد الله قد فعل هذا ومعه حذيفة وأبو موسى لا ينكران عليه فدل على
موافقتهما له
وعنه عن محمد بن كعب قال خرج عبد الله بن عمر رضي الله عنه من
بيته فأقيمت صلاة الصبح فركع ركعتين قبل أن يدخل المسجد وهو في الطريق ثم
دخل المسجد فصلى الصبح مع الناس
فهذا وإن كان لم يصلها في المسجد فقد صلاها بعد علمه بإقامة
الصلاة
وعنه عن أبي عبيد الله عن أبي الدرداء أنه كان يدخل المسجد
والناس صفوف في صلاة الفجر فيصلي الركعتين في ناحية المسجد ثم يدخل مع
القوم في الصلاة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:276(1/276)
*** ج1/ص277
وعنه عن أبي عثمان النهدي قال كنا نأتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قبل أن نصلي الركعتين قبل الصبح وهو في الصلاة فنصلي الركعتين في آخر المسجد
ثم ندخل مع القوم في الصلاة وقد روى كذلك عن ابن عباس والحسن ومسروق
والشعبي رضي الله عنهم
فإن قيل روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة
قيل له هذا الحديث هو عن أبي هريرة نفسه لا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
الطحاوي هكذا رواه الحفاظ عن عمرو بن دينار وقد خالفه من قد ذكرناه
فإن قيل فقد روي عن عبد الله بن مالك بن بحينة أنه قال أقيمت
صلاة الفجر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل يصلي ركعتي الفجر فقام عليه ولاث به
الناس فقال أتصليها أربعا ثلاث مرات
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:277(1/277)
*** ج1/ص278
قيل له روى الطحاوي عن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر
بعبد الله بن مالك بن بحينة وهو منتصب يصلي بين يدي صلاة الصبح فقال
لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة قبل الظهر وبعدها واجعلوا بينهما فصلا فبين هذا
الحديث أن الذي كرهه في الحديث الأول وصله إياها بالفريضة في مكان واحد وقد
وافقنا مالك رحمه الله في ذلك غير أنه قال إذا أقيمت صلاة الصبح ولم يصل ركعتي
الفجر فإن كان الوقت واسعا خرج من المسجد فصلى ركعتي الفجر ثم صلى
الصبح
باب
الأفضل أن يصلي النوافل أربعا أربعا
بالليل والنهار اعتبارا بالفرائض
فإن قيل فقد روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:278(1/278)
*** ج1/ص279
قيل له قال النسائي هذا الحديث عندي خطأ قال الترمذي
اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم ووقفه بعضهم
والصحيح ما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة الليل مثنى
مثنى وروى الثقات عن عبد الله بن عمر هذا الحديث ولم يذكروا فيه صلاة
النهار
قلت ومعنى مثنى مثنى شفعا شفعا يؤيده ما روى أبو داود عن المطلب بن
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصلاة مثنى
مثنى أن تشهد في كل ركعتين وأن تبأس وتمسكن وتقنع بيديك وتقول اللهم
اللهم فمن لم يفعل ذلك فهي خداج
ذكر ما في هذا الحديث من الغريب
تبأس تظهر البؤس والفاقة وتمسكن من السكون والوقار وإقناع
اليد رفعها في الدعاء والمسألة والخداج هنا النقص في الأجر والفضيلة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:279(1/279)
*** ج1/ص280
باب
طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود
قال الله تعالى 2 وقوموا لله قانتين 2 قيل بأن القنوت طول القيام
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل
قال طول القنوت
وروى أبو داود عن عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل
أي الأعمال أفضل قال طول القيام
فإن قيل فقد روى عن المخارق قال خرجنا حجاجا فمررنا بالربذة فوجدنا
أبا ذر قائما يصلي فرأيته لا يطيل القيام ويكثر الركوع والسجود فقلت له في
ذلك فقال ما ألوت أن أحسن إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ركع ركعة
وسجد سجدة رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة
قيل له ليس في هذا خلاف عندنا للأول لأنه قد يجوز أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم
من ركع ركعة وسجد سجدة على ما قد أطيل قبله من القيام ويجوز أن يكون كما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:280(1/280)
*** ج1/ص281
قال وأن من زاد مع ذلك طول القيام كان أفضل وكان ما يعطيه الله من
الثواب أكثر فهذا أولى ما حمل عليه هذا الحديث
فإن قيل فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قام العبد يصلي أتي بذنوبه
فجعلت على رأسه وعاتقه فكلما ركع وسجد تساقط عنه
قيل له ليس في هذا إلا ما يعطى المصلي على الركوع والسجود من حط
الذنوب ولعله يعطى بطول القيام أفضل من ذلك
ذكر ما في الحديث الثاني من الغريب
ألا الرجل يألو أي قصر ويقال أيضا ألى يؤلى تألية إذا قصر وأبطأ
باب
من شرع في صلاة نفل أو صيام
نفل وجب عليه إتمامه
لقوله تعالى 2 ولا تبطلوا أعمالكم 2 وروى الترمذي عن أنس رضي الله
عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن فقال أعيدوا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:281(1/281)
*** ج1/ص282
سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم وأخرجه البخاري وإذا أفسده
وجب عليه قضاؤه
مالك عن ابن شهاب أن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أصبحتا
صائمتين متطوعتين فأهدي لهما طعام فأفطرتا عليه فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال قالت عائشة فقالت حفصة - وبدرتني بالكلام وكانت بنت أبيها -
يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا طعام فأفطرنا
عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقضيا مكانه يوما آخر
أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت أهدي لي ولحفصة
طعام وكنا صائمتين فأفطرنا ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا له يا رسول الله إنا
أهديت لنا هدية فاشتهيناها فأفطرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عليكما صوما مكانه
يوما آخر
فإن قيل في سند هذا الحديث زميل قال البخاري لا يعرف لزميل سماع
من عروة ولا ليزيد سماع من زميل ولا تقوم به الحجة وقال الخطابي إسناده
ضعيف وزميل مجهول
قيل له لم يذكر البخاري للحديث علة سوى عدم معرفة سماع بعض
الرواة من البعض وهذا لا يوجب ضعفا في الحديث لجواز أن يكون روى عنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:282(1/282)
*** ج1/ص283
إجازة أو مناولة أو سمعه يزيد ممن سمع من زميل وسمعه زميل ممن سمع من
عروة وترك كل واحد منهما من سمع منه وذكر من فوقه يوهم بذلك علو
إسناده وكل ذلك ليس بعلة يسقط الاحتجاج بالحديث لأجلها أما الإجازة والمناولة
فلا خلاف بين أهل الحديث في جواز الإخبار بناء عليهما وصحة الاحتجاج بالحديث
الذي يروى بهما وأما إذا لم يذكر الراوي من لقيه وسمع منه وذكر من فوقه موهما
بذلك علو إسناده فهذا نوع من التدليس منع من قبول رواية من يتعاطاه أهل
الحديث وحجتهم في ذلك ما يذكر من الحجة على رد المراسيل وربما أكدوه هنا بأنه
بهذا الفعل يوهم ما ليس بثابت فيزيد حاله على حال المرسل ونحن نستدل على
جواز الاحتجاج به بما استدللنا به على صحة الاحتجاج بالمراسيل وربما يتأتى نوع
ترجيح من حيث إن هناك يقبل مع حذف اسم كل الرواة وهنا ليس إلا حذف اسم
راو واحد أو اثنين فترجح حاله على ذلك ما ذكروه من الإيهام لا ينفي العدالة
والمانع من القبول ما ينفيها وزميل هو مولى عروة بن الزبير فانتفى أن يكون
مجهولا
فإن قيل روي في حديث عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت دخل علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صائمة فناولني فضل شرابه فشربت ثم قلت يا رسول الله إني
كنت صائمة وإني كرهت أن أرد سؤرك فقال إن كان من قضاء رمضان فصومي
يوما مكانه وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضيه وإن شئت فلا تقضيه
قيل له قد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي عن أم هانئ رضي الله
عنها قالت لما كان عام الفتح - فتح مكة - جاءت فاطمة رضي الله عنها فجلست
عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه قالت فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب
فناولته فشرب منه ثم ناوله أم هانئ فشربت منه فقالت يا رسول الله أفطرت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:283(1/283)
*** ج1/ص284
وكنت صائمة فقال لها أكنت تقضين شيئا قالت لا قال فلا يضرك
إن كان تطوعا وفي لفظ الطحاوي فقال لها تقضي عنك شيئا قالت
لا قال فلا يضرك ومن طريق آخر عنها فقلت يا رسول الله ما أراني إلا
قد أثمت وأتيت حنثا عرضت علي وأنا صائمة فكرهت أن أرد عليك فقال هل
كنت تقضين يوما من رمضان فقالت لا فقال لا بأس وهذا يقتضي رفع
الإثم ولا ينفي وجوب القضاء مع أن الترمذي قال في إسناده مقال وقال
النسائي وأما حديث أم هانئ فقد اختلف على سماك بن حرب فيه وسماك
ليس ممن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث لأنه كان يقبل التلقين
وروى الطحاوي عن ابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا
يريان القضاء واجبا من إفساد صوم التطوع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:284(1/284)
*** ج1/ص285
ويدل على ما ذهبنا إليه قوله تعالى 2 ورهبانية ابتدعوها 2 أخبر تعالى عما
ابتدعوه من القرب والرهبانية ثم ذمهم على ترك رعايتها بقوله 2 فما رعوها حق رعايتها 2 والابتداع قد يكون بالقول وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه وقد يكون
بالفعل بالدخول فيه وعمومه يتضمن الأمرين فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة
قولا أو فعلا فعليه رعايتها وإتمامها فوجب أن كل من دخل في صلاة
أو صوم أو حج أو غير ذلك من القرب فعليه إتمامها ولا يلزمه إتمامها إلا وهي
واجبة عليه فيجب قضاؤها إذا أفسدها وروي عن أبي أمامة الباهلي قال كان
ناس من بني إسرائيل ابتدعوا بدعا لم يكتبها الله عليهم ابتغوا بها رضوان الله
فلم يرعوها حق رعايتها فعاقبهم الله بتركها فقال ما قال
باب
عدد صلاة التراويح عشرون ركعة
مالك عن يزيد بن رومان أنه قال كان الناس يقومون في زمن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه في رمضان بثلاث وعشرين ركعة والثلاث الزائدة على
العشرين كانت صلاة الوتر والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:285(1/285)
*** ج1/ص286
باب
يسجد للسهو في الزيادة والنقصان بعد السلام
أبو داود عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شك في
صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم
وعنه عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل سهو سجدتان بعدما يسلم
فإن قيل في سند الحديث الأول مصعب وهو منكر الحديث وعتبة بن
محمد وهو ليس بمعروف وفي الحديث الثاني إسماعيل بن عياش
قيل له مصعب بن شيبة احتج به مسلم في صحيحه وقال يحيى بن معين
مصعب بن شيبة ثقة وإسماعيل بن عياش وثقه يحيى بن معين
باب
إذا صلى الظهر خمسا ولم يقعد
في الرابعة بطل فرضه
لأنه استحكم شروعه في النافلة قبل إكمال أركان المكتوبة ومن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:286(1/286)
*** ج1/ص287
ضرورته خروجه عن الفرض وقال سفيان الثوري أحب إلي أن يعيدها
فإن قيل صلى النبي صلى الله عليه وسلم خمسا فسجد للسهو ولم يعد صلاته
قيل له يحتمل أنه قعد في الرابعة وليس في هذا الحديث ما يمنع من
هذا
فإن قيل قال الخطابي وقد قال بعض من صار إلى ظاهر هذا الحديث
لا يخلو إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قعد في الرابعة أو لم يكن فإن كان قد قعد فيها
فلم يضف إليها سادسة وإن كان لم يقعد فيها فلم يستأنف الصلاة
قيل له قد قلنا يحتمل أنه قعد في الرابعة وإضافة ركعة سادسة إليها
ليس بواجب عليه عندنا بحيث لو تركها يجب قضاؤها بل الأولى أن يضم إليها
ركعة سادسة لتصير الركعتان نفلا لأن التنفل بالركعة الواحدة ليس بمشروع وفعله
عليه السلام يحتمل أن يكون كان قبل النهي عن التنفل بركعة واحدة فإن محمد بن
كعب القرظي قد روى مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء قال أصحابنا
وهي الركعة الواحدة
وهذا الحديث نقلته من تعليق محمد بن يحيى الشافعي رحمه الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:287(1/287)
*** ج1/ص288
باب
سجود التلاوة واجب
قال الله تعالى 2 وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون 2 وهذا يدل على
وجوب السجدة إلا أن ظاهره يقتضي وجوب السجود عند سماع سائر القرآن إلا
أنا خصصنا منه ما عدا مواضع السجود واستعملناه في مواضع السجود بعموم
اللفظ لأنا لو لم نستعلمه على ذلك كنا قد ألغينا حكمه رأسا
فإن قيل إنما أراد الخضوع
قيل له هو كذلك لكنه خضوع مخصوص على وصف وهو وضع الجبهة
على الأرض كما أن الركوع والقيام والصيام والحج وسائر العبادات خضوع
ولا يسمى سجودا لأنه خضوع على صفة إذا خرج عنها لم يسم به
مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ
ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله وفي رواية يا ويلتى
أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار
وجه الاستدلال بهذا الحديث تشبيه إبليس إباءه بسجوده لآدم وسجوده
لآدم كان واجبا عليه فكذا هذا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:288(1/288)
*** ج1/ص289
فإن قيل يجوز أن يكون أراد المشابهة في كونه سجودا فذكر ما سلف له
ولم يرد المشابهة في الأحكام
قيل ظاهره المشابهة في الأحكام ولهذا ذكر الجنة والنار اللذين يكونان جزاء
لمن أطاع وجزاء لمن عصى ثم وإن سلمنا فقد قال أمر بالسجود والمندوب
إليه غير مأمور به
فإن قيل إنما يكون هذا فيما ورد من أمر الله تعالى أو حكاه الرسول عن ربه
وأما هذا فإنما هو حكاية عن إبليس وقد يكون مخطئا في تعبيره عن ذلك بالأمر
فلا يحتج بقوله كما أخطأ في قوله محتجا لفضيلته بزعمه 2 أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين 2 إلا أن يقول قائل إن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عنه ولم ينكره
كالإقرار له التصويب فما ذاك ببين فقد حكى الله تعالى وحكى هو عليه السلام عن
أهل الكفر مقالات كثيرة ولم يكن ذلك تصويبا لها وكذلك ليس في قوله فله الجنة
دليل على وجوبها إذ ليس كل ما يدخل بفعله الجنة واجبا فالمندوب يثاب عليه
بالجنة وليس بواجب
فإن قيل روى البخاري عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت
فزعم أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها
قيل له يحتمل أنه عليه السلام لم يسجد في تلك الحال لأحد أمرين إما لأن
زيد بن ثابت لما قرأ عليه لم يسجد والمستحب أن يسجد القارئ أولا ثم يسجد
السامع قال البخاري وقال ابن مسعود لتميم بن حذلم - وهو غلام - فقرأ
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:289(1/289)
*** ج1/ص290
عليه سجدة فقال اسجد فإنك إمامنا فيها وقال أبو داود كان زيد الإمام
فلم يسجد
وإما لأنه كان على غير وضوء ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع من إقراء القرآن حالة
الحدث الأصغر قال علي رضي الله عنه كان رسول الله يقرئنا القرآن على كل حال
ما لم يكن جنبا ويحتمل أن يكون ترك السجود لأنه لم يكن واجبا وإذا احتمل
تركه السجود هذه المعاني فلا يتعين أحدها إلا بدليل وإلى هذا ذهب
سفيان الثوري
وقال مالك ومن جلس إلى قارئ يسمع قراءته فمر بسجدة فسجد فيها
سجد السامع معه وإن لم يكن جلس إليه لا يسجد
باب
سجدة ص من عزائم السجود
لأنها مكتوبة في مصحف عثمان رضي الله عنه فإن قيل فقد روى
البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال ص ليست من عزائم
السجود وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها
قيل له الحجة في فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا في قول ابن عباس لجواز أن يكون
قاله عن اجتهاد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:290(1/290)
*** ج1/ص291
وقد روى أبو داود عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله أقرأه
خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل و في سورة الحج سجدتان
فبين بهذا أن في ص سجدة وإلى هذا ذهب مالك وسفيان الثوري وابن المبارك
وأحمد وإسحاق رحمهم الله
باب
السجدة الأولى في الحج هي المعتبرة دون الأخيرة
لأنها لم تكتب في مصحف عثمان رضي الله عنه فإن قيل فقد روى
الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال
قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال
نعم ومن لم يسجدهما لم يقرأهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:291(1/291)
*** ج1/ص292
قيل له قال الترمذي هذا حديث ليس إسناده بذاك وإلى هذا ذهب
مالك وسفيان الثوري رحمهما الله
باب
إذا أراد السجود كبر ولم يرفع يديه
أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا
القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه
باب
لا تقصر الصلاة في أقل من ثلاثة أيام
لما روى مسلم من قوله عليه السلام يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن
وجه الاستدلال بهذا الحديث
أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لكل مسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن لأن الألف
واللام في المسافر لاستغراق الجنس فلو قلنا بأن مدة السفر أقل من ثلاثة أيام
ولياليهن لم تعم الرخصة لكل مسافر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:292(1/292)
*** ج1/ص293
فإن قيل روى أبو داود عن يحيى بن يزيد الهنائي قال سألت أنس بن
مالك رضي الله عنه عن قصر الصلاة فقال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة
ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شعبة شك - يصلي ركعتين
قيل له هذا الحديث ليس بتقدير لمدة السفر فإن أحدا من الفقهاء لم يقل
به فيما أعلم فيحمل على أن أنسا رضي الله عنه أراد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبتدئ
القصر إذا بلغ هذا المقدار والله أعلم
باب
صلاة السفر ركعتين لا يجوز له الزيادة عليهما
البخاري ومسلم واللفظ له عن عائشة رضي الله عنها أن الصلاة أول
ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر ورواه الترمذي
وقال وزيد في صلاة الحضر زاد البخاري قال الزهري فقلت لعروة
ما بال عائشة تتم قال تأولت ما تأول عثمان
وقد روى الطحاوي عن الزهري أنه قال إنما صلى عثمان رضي الله عنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:293(1/293)
*** ج1/ص294
بمنى أربعا لأنه أزمع على المقام بعد الحج
فإن قيل فقد روى عن الزهري أنه قال إنما صلى عثمان أربعا لأن الأعراب
كانوا أكثر في ذلك العام فأراد أن يخبرهم أن الصلاة أربع
قيل له قال الطحاوي والتأويل الأول أشبه عندنا لأن الأعراب كانوا
بالصلوات وأحكامها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أجهل منهم بها وبحكمها في زمن عثمان وهم
بأمر الجاهلية حينئذ أحدث عهدا فهم كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلم بالفرائض
أحوج منهم إلى ذلك في زمن عثمان فلما لم يتم الصلاة لتلك العلة ولكن قصرها
ليصلوا معه صلاة السفر على حكمها ويعلمهم كيف صلاة الحضر فكان الأصح من
ذلك هو أنه من أجل نيته الإقامة فإذا صح أن عائشة كانت تتم الصلاة فإنه
يجوز أن يكون كانت لا تحضرها صلاة إلا نوت إقامة في ذلك المكان فيكون
إتمامها في حكم المقيمين
مسلم عن عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه
صحبت ابن عمر في طريق مكة قال فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا
معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه فحانت منه التفافة حيث صلى فرأى ناسا
قياما قال ما يصنع هؤلاء قلت يسبحون قال لو كنت مسبحا لأتممت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:294(1/294)
*** ج1/ص295
صلاتي يا ابن أخي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى
قبضه الله عز وجل وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل
وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل وصحبت عثمان فلم يزد
على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل وقد قال الله لقد كان لكم في
رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة
فلو جاز الإتمام لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بيانا للجواز ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم صدقة
تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته أمر والأمر للوجوب
ويؤيد هذا ما روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال فرض الله
الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف
ركعة
ذكر ما في الحديث الثاني من الغريب
يسبحون يتطوعون والسبحة صلاة التطوع
باب
كيفية الجمع بين الصلاتين في السفر
لا يجوز الجمع بين صلاة الظهر والعصر في السفر بأن يعجل العصر عن وقتها
ويجمع بينها وبين الظهر في وقتها ولا يجوز تأخير الظهر إلى أن يدخل وقت العصر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:295(1/295)
*** ج1/ص296
فيجمع بينهما في وقت العصر إلا من عذر لقوله تعالى 2 حافظوا على الصلوات 2
أي أدوها في مواقيتها وقال تعالى 2 إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا 2 أي فرضا مؤقتا
البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما وإذا زاغت
صلى الظهر ثم ركب
وعنه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
عجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء وكان
عبد الله يفعله إذا أعجله السير ويقيم المغرب فيصليها ثلاثا ثم يسلم ثم قل
ما يلبث حتى يقيم العشاء فيصليها ركعتين ثم يسلم ولا يسبح بينهما بركعة ولا بعد
العشاء بسجدة حتى يقوم من جوف الليل
الترمذي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه استغيث على بعض
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:296(1/296)
*** ج1/ص297
أهله فجد به السير وأخر المغرب حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما ثم أخبر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا جد به السير قال أبو عيسى هذا حديث
حسن صحيح
فإن قيل فقد روى الترمذي عن قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد
عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر
فيصليهما جميعا ثم سار وكان إذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر
إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعا ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب
أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فيصليها
مع المغرب
قيل له قال الترمذي تفرد به قتيبة لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره
وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ حديث
غريب والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن
أبي الطفيل عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر
و بين المغرب والعشاء
قلت وقال الحاكم في علوم الحديث هذا الحديث شاذ الإسناد والمتن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:297(1/297)
*** ج1/ص298
وأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجبا من إسناده ومتنه فنظرنا فإذا الحديث
موضوع وقتيبة ثقة مأمون قال الحاكم بسنده إلى البخاري يقول قلت لقتيبة مع من
كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل قال
كتبته مع خالد المدائني قال البخاري وكان خالد المدائني يدخل الأحاديث على
الشيوخ قال الحاكم ولم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية
ولا وجدنا هذا المتن بهذا السياق عن أحد من أصحاب أبي الطفيل ولا عند
أحد ممن روى عن معاذ بن جبل غير أبي الطفيل وخالد هذا هو أبو الهيثم
خالد بن القاسم المدائني متروك الحديث وقال ابن عدي الجرجاني له
عن الليث بن سعد غير حديث منكر والليث يروي من رواية خالد تلك
الأحاديث وحكي عن أبي داود أنه قال ليس في تقديم الوقت حديث يثبت
قلت يؤيد هذا ما روي في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال
ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قط صلاة لغير وقتها إلا المغرب والصبح بمزدلفة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:298(1/298)
*** ج1/ص299
باب
لا تقام الجمعة إلا في مصر فيه قاض
ووال يقيمان الحدود وينفذان الأحكام
لأن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم تقم الجمعة بقرية
فإن قيل روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس
بجواثاء من البحرين وفي لفظ غيره بجواثاء قرية من قرى البحرين وروى
ابن ماجه وأبو داود عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك - وكان قائد أبيه بعدما
ذهب بصره - عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم
لأسعد بن زرارة فقلت له إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:299(1/299)
*** ج1/ص300
لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع الخضمات
قلت كم أنتم يومئذ قال أربعون
قيل له جواثاء يحتمل أنها كانت مدينة وتسميتها قرية لا يخرجها عن كونها
مدينة فإن المدينة تسمى قرية قال الله تعالى 2 أم القرى 2 و 2 لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم 2 وهما مكة والطائف وهزم النبيت وإن كان
قرية لكن الظاهر أن أسعد بن زرارة لم يجمع بهم إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما في زمان
النبي صلى الله عليه وسلم فلم تقم جمعة إلا في مسجده صلى الله عليه وسلم
يؤيد هذا أن عائشة قالت كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن
العوالي وأقرب العوالي من المدينة على ثلاثة أميال وهزم النبيت على ميل فإذا
جاءوا من العوالي فمجيئهم من هزم النبيت أولى
فإن قلت إنما لم تقم في قرب المدينة لينالوا فضيلة الصلاة مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت كان أمر بها في القرى النائية عن المدينة لأنه يشق عليهم الحضور
ويتعذر عليهم إدراك الفضيلة فلما لم يأمر بها دل على عدم الجواز إذ لو جاز لأمر بها
وفعلت كما أمر بإقامة الجماعة في مساجد المدينة وصلي فيها مع فوات فضيلة الصلاة
معه صلى الله عليه وسلم وإلى ما ذهبنا إليه ذهب سحنون من أصحاب مالك رحمه الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:300(1/300)
*** ج1/ص301
ذكر ما في الحديث الثاني من الغريب
هزم النبيت ضبطه بهاء مضمومة وزاي مفتوحة وميم وهي الشقوق التي
في الأرض ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فاجتنبوا هزم الأرض فإنها مأوى الهوام وهو
موضع بالمدينة والحرة أرض بين جبلين ذات حجارة سود وبني بياضة قرية على
ميل من المدينة ونقيع الخضمات من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة
باب
لا يشترط أن تكون الجماعة
التي تقام بها الجمعة أربعين
لأنه لا دلالة عليها من كتاب ولا سنة ولا قياس
فإن قيل بأن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة جمع بأربعين رجلا
قيل له هذا لا يثبت ولئن ثبت فليس فيه دلالة على الاشتراط
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:301(1/301)
*** ج1/ص302
باب
من أدرك الإمام يوم الجمعة
صلى معه ما أدرك وبنى عليه الجمعة
ولو كان في التشهد أو في سجود السهو
البخاري ومسلم وابن ماجه وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها
تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا
وروي فاقضوا وكلا اللفظين صحيح والألف واللام للاستغراق و ما
من ألفاظ العموم فإن نظرنا إلى قوله فأتموا فالإتمام واقع على باق من شيء
تقدم سائره وما تقدم جمعة فوجب إتمامها جمعة وإن نظرنا إلى قوله
فاقضوا فالقضاء فعل مثل الفائت والفائت شيء من الجمعة فوجب قضاؤه
فإن قيل قد روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وعبد الله بن عمر
رضي الله عنهما من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:302(1/302)
*** ج1/ص303
قيل له هذا حديث لا يصح إسناده وإن صح فدلالته مقصورة على أن من
أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى ولم يتعرض لمن أدرك دون الركعة
باب
إذا خرج الإمام يوم الجمعة ترك الناس
الصلاة والكلام حتى يفرغ من خطبته
لقوله تعالى 2 وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا 2 قيل نزلت في
استماع الخطبة فلو اشتغل بكلام أو صلاة ربما استمر فخطب وهو في صلاته
أو حديثه فيفوته الإنصات أو الاستماع وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا قلت
لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت فإذا كان الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر المفروضان يحرمان في الخطبة فصلاة النفل أولى ولأنه
لو دخل والإمام يصلي لا يركع والخطبة شبيهة بالصلاة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:303(1/303)
*** ج1/ص304
وأما حديث سليك الغطفاني وأنه عليه السلام كلمه في الخطبة وقال له
قم فاركع فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما كلمه سقط عنه فرض الاستماع إذ لم يكن هناك
ذلك الوقت قول إلا مخاطبته عليه السلام وسؤاله له وأمره إياه بالصلاة وقيل إنه
كان محتاجا فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم إياه ليعلموا حاله ويتصدقوا عليه
الطحاوي عن أبي الزاهرية عن عبد الله بن بسر قال كنت
جالسا إلى جنبه يوم الجمعة فقال جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس فقد آذيت فقد أمره بالجلوس ولم يأمره بالصلاة
وعنه عن علي بن عاصم عن الحذاء أن أبا قلابة جاء يوم الجمعة
والإمام يخطب فجلس ولم يصل
وعنه عن أبي المصعب عن عقبة بن عامر قال الصلاة والإمام على
المنبر معصية وعنه عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أن
جلوس الإمام على المنبر يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام وقال إنهم كانوا
يتحدثون حين يجلس عمر على المنبر حتى يسكت المؤذن فإذا قام على المنبر لم يتكلم
أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما ثم إذا نزل عمر عن المنبر وقضى خطبته تكلموا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:304(1/304)
*** ج1/ص305
ذكر ما في الحديث الأول من الغريب
لغوت قال الهروي يقال لغوت ألغو وألغى ولغى ويلغى وقوله تعالى
2 والغوا فيه 2 هو من لغى إذا تكلم بما لا محصول له
باب
ما يصلى قبل الجمعة وبعدها
أبو داود عن عطاء أنه رأى ابن عمر رضي الله عنه يصلي بعد الجمعة
فيماز عن مصلاه الذي صلى الجمعة فيه قليلا غير كثير فيركع ركعتين ثم يمشي
أنفس من ذلك فيركع أربع ركعات
الطحاوي عن جبلة بن سحيم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه
كان يصلي قبل الجمعة أربعا لا يفصل بينهن بسلام ثم بعد الجمعة ركعتين ثم
أربعا
ذكر ما في الأثر الأول من الغريب
فيماز ضبطه بفاء مفتوحة وياء معجمة باثنتين من تحت مفتوحة وميم مشددة
وألف وزاي
قال الخطابي معناه يفارق مقامه الذي صلى فيه من قولك مزت
الشيء عن الشي إذا فرقت بينهما وقوله أنفس من ذلك يريد أبعد قليلا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:305(1/305)
*** ج1/ص306
باب
غسل الجمعة سنة
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فدنا واستمع وأنصت غفر الله له ما بينه وبين
الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصا فقد لغا قال أبو عيسى هذا
حديث حسن صحيح
وعنه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل حديث حسن
ذكر ما في الحديث الثاني من الغريب
فبها ونعمت أي فبهذه الطريقة الكفاية ونعمت الكفاية وقال
ابن الصباغ من أصحاب الشافعي فبالفضيلة أخذ ونعمت الخلة وعن
الأصمعي قال فبالسنة أخذ ونعمت الخصلة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:306(1/306)
*** ج1/ص307
فإن قيل فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى الجمعة فليغتسل
قيل له ليس هذا على الوجوب بل على الندب بدليل ما روى أبو داود عن
عائشة رضي الله عنها قالت كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى
الجمعة بهيئتهم فقيل لهم لو اغتسلتم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما عمر رضي الله عنه يخطب بالناس
يوم الجمعة إذ دخل عثمان رضي الله عنه فعرض به عمر فقال ما بال رجال يتأخرون
بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم
أقبلت فقال عمر والوضوء أيضا ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا جاء أحدكم
الجمعة فليغتسل
وهذا يدل على أن الغسل ليس بواجب وإلا لما خفي على عثمان ولما تركه
عمر بل كان رده حتى يغتسل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:307(1/307)
*** ج1/ص308
باب
صلاة العيد واجبة
لقوله تعالى 2 فصل لربك وانحر 2 ولأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها
ولم يتركها
باب
التكبيرات الزوائد في العيد ثلاث في كل ركعة
أبو داود عن مكحول وهو أبو عبد الله الهذلي مولاهم الدمشقي أخرج
له مسلم في صحيحه - قال أخبرني أبو عائشة - جليس لأبي هريرة - أن
سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكبر في الأضحى والفطر فقال أبو موسى كان يكبر أربعا تكبيره على الجنائز
فقال حذيفة صدق فقال أبو موسى كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت
عليهم وقال أبو عائشة وأنا حاضر سعيد بن العاص
فإن قيل روى ابن ماجه وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:308(1/308)
*** ج1/ص309
خمسا وفي رواية سوى تكبيرتي الركوع
قيل له في إسناده عبد الله بن لهيعة ولا يحتج بحديثه وإلى هذا ذهب
سفيان الثوري وأهل الكوفة
باب
صلاة الكسوف
صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوع واحد ويخفي القراءة فيها
أبو داود عن ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة أنه شهد خطبة لسمرة بن
جندب رضي الله عنه قال قال سمرة بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين حتى
إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق اسودت حتى
آضت كأنها تنومة فقال أحدنا لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد فوالله ليحدثن
شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثا قال فدفعنا فإذا هو بأزز
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:309(1/309)
*** ج1/ص310
فاستقدم فصلى فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا قال
ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا قال ثم سجد بنا
كأطول ما سجد بنا في صلاة قط ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك قال ووافق
تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية قال ثم سلم ثم قام فحمد الله وأثنى عليه
وشهد أن لا إله إلا الله وشهد أنه عبده ورسوله ورواه النسائي مطولا ومختصرا
وابن ماجه والترمذي مختصرا وقال حديث حسن صحيح
وروى الترمذي والنسائي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكد يركع
ثم ركع لم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع
فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع وفعل في الركعة
الأخرى مثل ذلك ثم نفخ في آخر سجوده فقال أف أف ثم قال يا رب
ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ألم تعدني أنك لا تعذبهم وهم يستغفرون ففرغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد انمحصت الشمس
وروى النسائي وأبو داود عن قبيصة الهلالي رضي الله عنه قال كسفت
الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا يجر ثوبه وأنا معه يومئذ بالمدينة فصلى
ركعتين فأطال فيها القيام ثم انصرف وانجلت فقال إنما هذه الآيات يخوف الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:310(1/310)
*** ج1/ص311
عز وجل بها عباده فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من
المكتوبة وفي رواية حتى بدت النجوم
فإن قيل في الحديث الثاني عطاء بن السائب
قيل له قد وثقه أبو أيوب وأخرج له البخاري حديثا مقرونا
فإن قيل صح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة طويلة
فجهر بها يعني في صلاة الكسوف
قيل له عائشة رضي الله عنها قد اختلفت الرواية عنها فروي أنها قالت
كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فحزرت قراءته فرأيت أنه
قرأ سورة البقرة ثم قام يعني في الركعة الثانية فأطال للقراءة فحزرت قراءته
فرأيت أنه قرأ بسورة آل عمران وفي هذا دليل أنه لم يجهر
فإن قيل في هذا الحديث محمد بن إسحاق
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:311(1/311)
*** ج1/ص312
قيل له أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن
عباس رضي الله عنهما أنه قال خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه
فقام قياما طويلا بنحو من سورة البقرة وهذا يدل على أنه أسر
ذكر الغريب الذي في هذه الأحاديث
كسف وخسف في الشمس والقمر جميعا وقيل الكسوف في البعض والخسوف
في الكل وقيل الكسوف يغيرهما والخسوف يغيبهما في السواد وقال بعض أهل
اللغة وهو الليث يقال خسف فيهما كما ذكرنا والكسوف في الشمس فقط وقال
ابن دريد خسف القمر وانكسفت الشمس وقيد بكسر القاف وقاد وقاب قدر
رمح والتنوم بفتح التاء المعجمة باثنتين من فوق وتشديد النون وضمها وبعدها واو
ساكنة وميم نوع من نبات الأرض فيها وفي ثمرها سواد قليل وأف لا يكون
كلاما حتى تشدد الفاء والنافخ لا يشدد الفاء ولكن يفشيها من غير إطباق الشفة على
السن وانمحصت انجلت وأصل المحص الخلوص ومنه تمحيص الذنوب وهو
التطهر منها وتمحص الظلمة انكشافها
باب
الاستسقاء الدعاء والاستغفار
فإن صلى ركعتين جاز واستحب وإن لم يصل واقتصر على الدعاء والاستغفار
فقد أتى بسنة الاستسقاء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:312(1/312)
*** ج1/ص313
مسلم عن أنس رضي الله عنه قال أصاب الناس قحط على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله
هلك الكراع هلك الشاء فادع لنا أن يسقينا فمد يده ودعا قال أنس وإن
السماء لمثل الزجاجة فهاجت ريح ثم أنشأت سحابا ثم اجتمع ثم أرسلت
السماء عزاليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم نزل إلى الجمعة
الأخرى فقام إليه ذلك أو غيره فقال يا رسول الله تهدمت البيوت فادع لنا أن
يحبسه فتبسم ثم قال حوالينا ولا علينا فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة
كأنه إكليل
فإن قيل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الاستسقاء
قيل له وثبت أنه لم يصل وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون سنة إلا إذا واظب عليه
وقد تجرأ بعض المتعصبين حين سمعنا نقول ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في
جماعة وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين واستسقى وقال أبو حنيفة إن صلاة
الاستسقاء بدعة
وهذا كلام من ليس له دين حيث يطلق علينا هذا القول مع جهله بمذهبنا
واصطلاح أصحابنا في العبارة فإنا إذا قلنا إن هذا الفعل ليس بسنة لا يلزم أن
يكون بدعة فإن السنة عندنا ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولم يتركه إلا مرة أو مرتين بيانا
للجواز والمستحب ما فعله مرة أو مرتين ولم يواظب عليه بل ندب إليه والجائز
ما فعله ولم يواظب عليه ولم يندب إليه ونحن نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صح عنه أنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:313(1/313)
*** ج1/ص314
فعل فعلا ولم يقم دليل على نسخه وأطلق أحد عليه أنه بدعة فقد كفر والبدعة
ما لا يجوز فعلها وعندنا لو صلى واستسقى أو لم يصل واستسقى فقد أتى
بسنة الاستسقاء
ذكر ما في الحديث من الغريب
الكراع يذكر ويؤنث وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف للفرس والبعير وهو
مستدق الساق وقيل الكراع اسم لجميع الخيل والشاء جمع شاة والعزالي
بكسر اللام جمع لعزلاء وهي فم المزادة الأسفل الذي ينصب منه الماء عند
تفريغك والمزادة الراوية وشبه اندفاع المطر بالذي يخرج من فم المزادة ويتصدع
أي يتفرق ويتقطع كأنه إكليل يريد أن الغيم تقشع عنها واستدار بآفاقها كل
ما أحاط بشيء فهو إكليل ويسمى التاج إكليلا حوالينا ولا علينا أي أنزله حوالي
المدينة في موضع النبات ولا علينا في المدينة ولا في غيرها من المباني والمساكن
باب
كيفية صلاة الخوف
الترمذي عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة
الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا فقاموا مقام
أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم بهم فقام هؤلاء فقضوا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:314(1/314)
*** ج1/ص315
ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم قال أبو عيسى هذا حديث حسن
صحيح وهو موافق لنص الكتاب العزيز
باب
الصلاة في جوف الكعبة
مالك عن عبد الرحمن بن صفوان قال قلت لعمر بن الخطاب رضي الله
عنه كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة قال صلى ركعتين
فإن قيل روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت
فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وفي أيديهما الأزلام فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم الله أما والله قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط
فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وفيها ست سواري فقام عند كل
سارية فدعا ولم يصل
قيل له ما استدللنا به مثبت وهذا نافي والمثبت مقدم على النافي ثم إن هذا
يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعله يوم الفتح لأن فيه ذكر الأصنام وإخراجها
وما رويناه كان في حجة الوداع فلا مضادة بين الحديثين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:315(1/315)
*** ج1/ص316
ذكر ما في الحديث الثاني من الغريب
زلم بالتحريك القدح والجمع الأزلام وهي السهام التي كانت الجاهلية
يستقسمون بها
باب
إذا أرادوا غسل الميت
نزعوا ثيابه ليمكنهم التنظيف
فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه
قيل له ذلك كان من خصائصه يدل على ذلك ما روى أبو داود عن
عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول
لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما
نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم
رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو
اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص
يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم وكانت عائشة
تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه ومعنى هذا أي
لو أدركنا أولا ما أدركناه آخرا يعني لو علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل بعد الوفاة
ما غسله إلا نحن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:316(1/316)
*** ج1/ص317
باب
لا يمضمض الميت ولا يستنشق لتعذر إخراج الماء
فإن قيل روى أبو داود عن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لهن في غسل ابنته ابدأن بيامنها ومواضع الوضوء منها
قيل له مواضع الوضوء هي غير الأنف والفم والله أعلم
باب
يكفن الرجل في ثلاثة أثواب إزار وقميص ولفافة
أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة
أثواب نجرانية الحلة ثوبان وقميصه الذي مات فيه
مالك في موطئه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال الميت
يقمص ويؤزر
وقد روى البزار عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في سبعة أثواب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:317(1/317)
*** ج1/ص318
يعني ثلاث سحولية وقميص وعمامة وسراويل والقطفية التي جعلت تحته وإلى هذا
ذهب سفيان رحمه الله
ذكر الغريب سحولية ضبطه بفتح السين المهملة وضم الحاء المهملة وواو
ساكنة ولام مكسورة وياء مشددة مفتوحة وهاء قال الهروي يقال هي ثياب منسوبة
إلى قرية باليمن تسمى سحول قال وروى ابن الأعرابي ثلاثة أثواب سحولية
قال بيض نقية من القطن خاصة وقال القتيبي سحولية بضم السين وهو جمع
سحل وهو ثوب أبيض وهو الذي ذكره في مجمع الغرائب ولم يعزه إلى القتيبي
باب
يقوم الذي يصلي على الرجل والمرأة بحذاء الصدر
في رواية سبق الإمام بالقول بها إبراهيم النخعي رضي الله عنه لأن الصدر
موضع القلب وفيه نور الإيمان فالقيام عنده إشارة إلى الشفاعة لإيمانه
وفي رواية يقوم من الرجل بحذاء رأسه ومن المرأة بحذاء وسطها
لما روى الترمذي عن أبي غالب قال صليت مع أنس بن مالك رضي الله
عنه على جنازة رجل فقام حيال رأسه ثم جاءوا بجنازة امرأة من قريش فقالوا
يا أبا حمزة صل عليها فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد هكذا رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم قام مقامك منها ومن الرجل مقامك منه قال نعم فلما فرغ قال
احفظوا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:318(1/318)
*** ج1/ص319
قال الطحاوي والرواية التي يقوم فيها من الرجل بحذاء رأسه ومن المرأة
بحذاء وسطها أحب إلينا لما شدها من الآثار التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب
لا قراءة في صلاة الجنازة
مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان لا يقرأ في
الصلاة على الجناززة وكفى به قدوة
فإن قيل روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قرأ في الصلاة على الجنازة بفاتحة الكتاب
قيل له قال الترمذي حديث ابن عباس ليس إسناده بذلك القوي
وإلى هذا ذهب ذهب الشعبي والنخعي والثوري رحمهم الله تعالى
باب
لا يصلي على ميت في مسجد جماعة
أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له
فإن قيل روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما أسرع الناس إلى أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:319(1/319)
*** ج1/ص320
يعيبوا ما لا علم لهم به عابوا علينا أن يمر بالجنازة في المسجد ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ابن بيضاء إلا في جوف المسجد
قيل له في قولها رضي الله عنها ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا دليل على أن
الصحابة رضي الله عنهم كان هذا عندهم مكروها وإلا لما عابوا عليها وإذا كان
كذلك فيجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد وجنازته
خارج المسجد فخفي الأمر على عائشة واطلع عليه غيرها من الرجال أو نقول بأن
الحديث لا شك في صحته وإنما منعنا من إدخال الميت في المسجد حسما للذريعة
_ لأن الناس كانوا يسترسلون في ذلك حتى يخرجوا - من إدخال كل ميت
المسجد ويؤدي بهم ذلك إلى إذهاب حرمته وتعريضه لما لا يليق به وقد منعت
عائشة رضي الله عنها من دخول النساء في المساجد مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن
منعهن وحسم الذرائع فيما لا يكون من اللوازم أصل في الدين وكره أيضا لئلا
يخرج من الميت شيء وتعرض المسجد للنجاسات لا معنى له ولهذا أمر
النبي صلى الله عليه وسلم أن يجنب الصبيان المساجد وإلى هذا ذهب مالك رحمه الله
باب
المشي خلف الجنازة أفضل
الترمذي عن يحيى إمام بني تيم الله عن أبي ماجد عن عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشي خلف الجنازة فقال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:320(1/320)
*** ج1/ص321
ما دون الخبب فإن كان خيرا أعجلتموه وإن كان شرا فلا يبعد إلا أهل
النار الجنازة متبوعة ولا تتبع ليس معها من يقدمها
فإن قيل قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث
ابن مسعود إلا من هذا الوجه وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف حديث أبي ماجد
هذا وقال محمد قال الحميدي قال ابن عيينة قيل ليحيى من أبو ماجد
هذا قال طائر طار فحدثنا
قيل له هذا غير قادح في الحديث لأن يحيى ثقة روى له شعبة والثوري
وابن عيينة وأبو الأحوص وأبو ماجد مجهول وقد بينا فيما تقدم أن رواية المجهول
مقبولة وشواهد الصحة لهذا الحديث كثيرة قال الترمذي وقد ذهب بعض أهل
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا ورأوا أن المشي خلفها أفضل وبه
يقول إسحاق وسفيان الثوري وهو إمام في الحديث
وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار ومن طريق آخر ولا يمشي بين يديها وفعل
النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الخليفتين من بعده محمول على بيان الجواز وما رويناه على الأفضلية
توفيقا بين الأخبار بقدر الإمكان
ويؤيد هذا ما روى الطحاوي عن عمرو بن حريث قال قلت لعلي بن
أبي طالب كرم الله وجهه ما تقول في المشي أمام الجنازة فقال علي المشي خلفها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:321(1/321)
*** ج1/ص322
أفضل من المشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع قلت فإني أرى أبا بكر وعمر
يمشيان أمامها فقال إنهما يكرهان أن يحرجا الناس وفي رواية أخرى
كصلاة الجماعة على صلاة الفذ وإنهما ليعلمان ذلك مثل الذي أعلم ولكنهما
يسهلان على الناس وهذا لا يقال بالرأي أي ليعلما الناس أن المشي خلفها
ليس هو مما لا بد منه ولا مما يجرح تاركه
وما روي من تقديم عمر رضي الله عنه الناس في جنازة زينب أمام الجنازة
فيحتمل أن يكون ذلك لعارض أو نساء كن خلفها فكره للرجال مخالطتهن
باب
اللحد دون الشق
الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللحد
لنا والشق لغيرنا
ذكر غريبه
اللحد بسكون الحاء الشق في جانب القبر واللحد بضم اللام
لغة فيه تقول لحدث القبر وألحدت له والشق هو واحد الشقوق وهو في
وسط القبر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:322(1/322)
*** ج1/ص323
باب
السنة أن يدخل الميت مما يلي القبلة
الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا
فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة وقال رحمك الله إن كنت لأواها تاليا
للقرآن وكبر عليه أربعا والروايات في إدخال النبي صلى الله عليه وسلم مضطربة ويحتمل أن
النبي صلى الله عليه وسلم إنما سل من قبل رأسه لضيق المكان عليهم فلم يتمكنوا من إدخاله من قبل
القبلة هذا إن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سل سلا والله أعلم
باب
السنة تسنيم القبر دون التسطيح
الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى جبريل عليه السلام
على آدم وكبر عليه أربعا صلى يومئذ جبريل بالملائكة ودفن بمسجد الخيف
وأخذ من قبل القبلة ولحد له وسنم قبره
فإن قيل فقد روى الترمذي عن أبي الهياج الأسدي - واسمه حيان -
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:323(1/323)
*** ج1/ص324
قال قال لي علي ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أدع
قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته ولفظ مسلم في الصحيح أن لا تدع
تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته
قيل له المراد به هذه المشرفة المبنية التي يطلب بها المباهاة
فإن قيل فقد روى أبو داود عن القاسم بن محمد قال دخلت على
عائشة رضي الله عنها فقلت يا أماه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشفت لي عن
ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء فرأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمر رأسه عند رجلي
النبي صلى الله عليه وسلم
قيل له فقد روى البخاري عن أبي بكر بن عياش عن سفيان
التمار أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما
فإن قيل قال البغوي ورواية القاسم أصح وأولى أن تكون محفوظة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:324(1/324)
*** ج1/ص325
قيل له هذه كبوة منه بما رفل فيه من ثوب التعصب وإلا فأحد
يرجح رواية القاسم في هذا وقد خرجها أبو داود على رواية سفيان التمار وقد أخرجها
البخاري
باب
لا بأس بالمشي بين القبور بالنعال
البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العبد
إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان
فأقعداه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أشهد أنه
عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا في الجنة
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعا وأما الكافر والمنافق فيقول لا أدري كنت أقول
ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة
بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين وقد كان الصحابة رضي الله
عنهم يخرجون إلى المقبرة فيدفن الميت ويجلس النبي صلى الله عليه وسلم حتى يلحد ويجلس الناس
حوله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:325(1/325)
*** ج1/ص326
أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد فجلس
النبي صلى الله عليه وسلم مسقبل القبلة وجلسنا حوله
فإن قيل روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا بين القبور عليه نعلان فقال
يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم
خلعهما فرمى بهما
قيل له يحتمل أنه كان على نعليه نجاسة فقد جاءت الأخبار متواترة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته في نعليه ومن خلعه إياهما في وقت ما خلعهما للنجاسة التي
كانت فيهما
ذكر الغريب
السبت بالكسر جلود البقر المدبوغة بالقرظ يحذى منها النعال السبتية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:326(1/326)
*** ج1/ص327
باب
لا بأس بالجلوس على القبور
لما رويناه آنفا وروي أن عليا عليه السلام كان يجلس إليها وما
روي من النهي عن أن يجلس على القبور قال الطحاوي رحمه الله أريد بذلك
الجلوس للغائط والبول وإلى هذا ذهب مالك بن أنس وكذا فسره محمد بن
كعب القرظي
باب
اختلف مشايخنا في التلقين بعد الموت
قلت والذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما رواه مسلم وغيره عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقنوا موتاكم لا إله
إلا الله
فمن أجرى لفظة موتاكم على حقيقتها ذهب إلى أن الميت يلقن بعد الموت
لأن الميت حقيقة من فارقته روحه في اليقظة
ومن جعلها مجازا عن من قرب من الموت قال لا يلقن بعد الموت وإنما يلقن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:327(1/327)
*** ج1/ص328
ليكون آخر ما يتكلم به كلمة الشهادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان آخر كلامه
لا إله إلا الله دخل الجنة
باب
في البكاء على الميت
الطحاوي عن عبد الرحمن بن عوف قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي
فانطلقت معه إلى ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في
حجره حتى خرجت نفسه فوضعه ثم بكى فقلت يا رسول الله تبكي
وأنت تنهى عن البكاء فقال إني لم أنه عن البكاء ولكن نهيت عن صوتين أحمقين
فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة لطم
وجوه وشق جيوب وهذا رحمة من لا يرحم لا يرحم يا إبراهيم لولا أنه
وعد صادق وقول صادق وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من
هذا وإنا بك لمحزونون تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب
وأما قوله عليه السلام إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقد أنكرت
عائشة على ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال إن الله عز وجل ليزيد الكافر
عذابا في قبره ببكاء بعض أهله عليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:328(1/328)
*** ج1/ص329
وقد يجوز أن يكون ذلك البكاء الذي يعذب به الكافر في قبره يزداد به عذابا
على عذابه ببكاء كان قد أوصى به في حياته فإن أهل الجاهلية كانوا يوصون بذلك
أهلهم أن يفعلوه بعد وفاتهم فيكون الله عز وجل عذبه في قبره بسبب كان منه في
حياته ومن جملة أشعار العرب في ذلك ما ذكره في المعلقات
إذا مت فانعيني بما أنا أهله
وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
باب
يصل ثواب القرآن إلى الميت
روى أبو بكر النجاد في سننه بإسناده في كتاب الجنائز من حديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن
العاص بن وائل كان نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وإن هشام بن العاص نحر
حصته من ذلك خمسين بدنة أفتجزئ عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أباك لو كان آمن
بالتوحيد فصمت عنه أو تصدقت أو أعتقت عنه بلغه ذلك
وجه الحجة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين الصوم والصدقة والعتق
في الوصول إليه
وروى الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله فقال يا رسول الله
عليك كان لي أبوان وكنت أبرهما حال حياتهما فكيف لي بالبر بعد موتهما فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع
صيامك وأن تصدق لهما مع صدقتك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:329(1/329)
*** ج1/ص330
وعنه عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مر على
المقابر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات
أعطي من الأجر بعدد الأموات
وروى أبو بكر عبد العزيز صاحب الخلال بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ
وكان له بعدد من فيها حسنات
وعنه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من زار
قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما يس غفر الله له
وروى أبو حفص بن شاهين بإسناده عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
من قال الحمد لله رب السموات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في
السموات والأرض وهو العزيز الحكيم لله الحمد رب السموات ورب الأرض رب
العالمين وله العظمة في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم لله الملك رب
السموات ورب الأرض رب العالمين وله النور في السموات والأرض وهو العزيز
الحكيم لله الحمد رب السموات ورب الأرض وهو العزيز الحكيم مرة واحدة ثم
قال اللهم اجعل ثوابها لوالدي لم يبق لوالديه حق إلا أداه إليهما
وذكر القاضي الإمام أبو الحسين الفراء في كتابه بإسناده أن أنس بن
مالك سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنا نتصدق عن
موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم قال نعم إنه ليصل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:330(1/330)
*** ج1/ص331
إليهم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه رواه أبو حفص العكبري
وروى بإسناده عن سعد رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله إن أمي توفيت
أفأتصدق عنها قال تصدق عن أمك قال فأي الصدقة أفضل قال سقي
الماء
وبإسناده عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن
أبي مات أفأعتق عنه قال نعم
وبإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي إن الحسن والحسين عليهما السلام
كانا يعتقان عن علي رضي الله عنه وأرضاه
وروى مقاتل بن سليمان في أثناء تفسير الخمسمائة آية قال قال معاذ بن جبل
رضي الله عنه يا رسول الله كان لأمي نصيب مما أعطي تصدق منه وتقدمه
لنفسها وإنها ماتت ولم توص وقد كنت أعرف البركة فيما تعطي - وبكى معاذ -
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يبكي الله عينيك يا معاذ أتحب أن تؤجر أمك في قبرها قال
نعم يا رسول الله قال فانظر ما كنت تعطيها فامضه على الذي كانت تفعل وقل
اللهم تقبل من أم معاذ ولجميع المسلمين عامة قال قالوا يا رسول الله فمن لم يكن
له منا ورق يتصدق به عن أبويه أيحج عنهما قال نعم ويؤجرون عليه ولن يصل
رحم رحمه بأفضل من أن يتبعه بحجة في قبره فإذا كان عند الإحرام فليقل
لبيك عن فلان فإذا كان في سائر المواقف فليقل اللهم تقبل من فلان وأوفوا عنهم
بالنذور والصيام والصدقة أفضل ما قضى عن المرء والمرأة ذو رحم إن كان
البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال يا رسول الله إن أمي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:331(1/331)
*** ج1/ص332
توفيت أينفعها إن تصدقت عنها قال نعم قال فإن لي مخرفا فأشهدك أني قد
تصدقت به عنها
وروى الحافظ اللالكائي بإسناده في كتابه شرح السنة عن أبي أسيد - وكان
بدريا - قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالسا فجاء رجل من الأنصار فقال هل بقي
علي من بر والدي شيء من بعدهما أبرهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار
لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا
من قبلهما فهذا الذي بقي عليك من برهما
وروى أيضا بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال يموت الرجل ويدع
والدا فيرفع له درجة فيقول يا رب ما هذا فيقول استغفار ولدك لك
وبإسناده عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا
على موتاكم يعني يس
وبإسناده عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه قال لولده إذا
مت فأدخلتموني في اللحد فهيلوا علي التراب هيلا وقولوا باسم الله وعلى ملة
رسول الله وسنوا علي التراب سنا واقرأوا عند رأسي بفاتحة سورة البقرة وخاتمتها
فإني سمعت عبد الله يستحب ذلك يعني عبد الله بن عمر
وأخرج الإمام أبو حاتم محمد بن حبان في كتابه - المسند صحيح - بإسناده عن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فخرجنا معه
حتى انتهينا إلى المقابر فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها
فجلس إليه فناجاه طويلا ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا فبكينا لبكاء النبي صلى الله عليه وسلم
ثم أقبل علينا فتلقاه عمر رضي الله عنه وقال ما الذي أبكاك يا رسول الله فقد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:332(1/332)
*** ج1/ص333
أبكيتنا وأفزعتنا فأخذ بيد عمر ثم أقبل علينا فقال أفزعكم بكائي قلنا نعم
يا رسول الله قال إن القبر الذي رأيتموني أناجي قبر آمنة بنت وهب وإني
سألت ربي عز وجل الاستغفار لها فلم يأذن لي فنزل علي 2 ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين 2 الآية فأخذني ما يأخذ الولد للوالد
من الرقة فذلك الذي أبكاني ألا وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها
تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة
فدل على أن الاستغفار ينفع المؤمنين وإليه الإشارة بقوله تعالى والذين جاءوا
من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم وهو وإن كان دعاء إلا أنه قرآن
فيحصل ثوابه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:333(1/333)
*** ج1/ص334
فإن قيل قوله تعالى 2 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 2 يدل على عدم
وصول ثواب القرآن إلى الميت
قيل له اختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال
أحدها أنها منسوخة بقوله تعالى والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم
أدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء قاله ابن عباس رضي الله عنهما وإنما جاز نسخها
وإن كانت خبرا لجوازه إذا كان بمعنى الأمر والنهي على ما قيل
الثاني أنها خاصة بقوم إبراهيم وقوم موسى عليهما السلام فأما هذه الأمة
فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم قاله عكرمة واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم للتي سألته
إن أبي مات ولم يحج قال حجي عنه
الثالث أن المراد الإنسان ههنا الكافر فأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له
قاله الربيع بن أنس
الرابع ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل فأما من باب الفضل
فجائز أن يزيده الله ما شاء قاله الحسين بن الفضل
الخامس أن معنى ما سعى ما نوى قاله أبو بكر الوراق واستدل عليه
بما روي في الحديث إن الملائكة تقف كل يوم بعد العصر بكتبها في السماء
الدنيا فينادى الملك أن ألق تلك الصحيفة فيقول الملك وعزتك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:334(1/334)
*** ج1/ص335
ما كتبت إلا ما عمل فيقول الله عز وجل ولم يرد به وجهي وينادى الملك الآخر
اكتب لفلان كذا وكذا فيقول الملك وعزتك إنه لم يعمل ذلك فيقول عز وجل إنه
نواه إنه نواه
السادس إنه ليس للكافر من الخير إلا ما عمله في الدنيا فيثاب عليه فيها
حتى لا يبقى له في الآخرة خير ذكره الثعلبي
السابع أن اللام في للإنسان بمعنى على تقديره ليس على الإنسان إلا
ما سعى
الثامن أنه ليس له إلا سعيه غير أن الأسباب مختلفة فتارة يكون سعيه في
تحصيل الشيء بنفسه وتارة يكون سعيه في تحصيل سببه مثل سعيه في تحصيل قرابة
وولد يترحم عليه وصديق يستغفر له وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة فيكتسب
محبة أهل الدين فيكون ذلك سببا حصل بسعيه حكى هذين القولين الشيخ الإمام
أبو الفرج بن الجوزي عن شيخه علي بن الزاغوني رحمهما الله تعالى ومما يدل على
هذا أيضا أن المسلمين يجتمعون في كل عصر ويقرأون ويهدون لموتاهم ولم ينكره منكر
فكان إجماعا
فإن قيل فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا مات ابن آدم انقطع عمله
إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به من بعده وصدقة جارية وروى
شجرة غرست وبئر حفرها يشرب من مائها ومصحف كتبته
قيل له إخباره عليه السلام عن انقطاع عمله إلا من هذه الثلاث لا يلزم منه
انقطاعه من غيرها ولهذا أجمعنا واتفقنا على وصول الحج إليه وعلى قضاء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:335(1/335)
*** ج1/ص336
الديون عنه وقال عليه السلام في قضاء الدين الآن بردت جلدته وروي
الآن فككت رهانه
فإن قيل أجمعنا على وصول عبادات تدخلها النيابة في حال الحياة والقراءة
لا تدخلها النيابة
قيل له قد قال النبي صلى الله عليه وسلم صل لهما مع صلاتك وصم لهما مع صيامك
وهما عبادتان بدنيتان ونص النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة يس ثم إن حقيقة الثواب
لا فرق في نقله بين أن يكون من حج أو صدقة أو وقف أو صلاة
أو استغفار أو قضاء دين فقدرة الله سبحانه وتعالى صالحة للكل من غير فرق لمن
أنصف وتطابق الأحاديث التي رويناها تدل دلالة ظاهرة على ذلك فنسأل الله تعالى
التوفيق لكل خير ومن العجب إنكار هذه المسألة وحديث ابن عباس رضي الله عنهما
في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين الحديث قال الإمام أبو سليمان
الخطابي رحمه الله هذا عند أهل العلم محمول على أن الأشياء ما دامت على أصل
خلقتها أو خضرتها وطراوتها فإنها تسبح الله عز وجل حتى تجف رطوبتها وتحول
خضرتها أو تقطع من أصلها فإذا خفف عن الميت بوضعه صلى الله عليه وسلم الجريدة على
قبره فبطريق الأولى أن يكون ذلك بالقرآن الذي جاء به من عند الله سبحانه
وتعالى هذه المسألة نقلت ما فيها من الأدلة من جزء ألفه الشيخ الإمام العالم العلامة
شمس الدين أبو عبد الله بن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد بن سرور المقدسي
الحنبلي رحمه الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:336(1/336)
*** ج1/ص337
ذكر ما في الأحاديث من الغريب
المخرف بالفتح البستان وبالكسر ما تجنى فيه الثمار والمخرفة الطريق
والخرف فساد العقل من الكبر وخرافة اسم رجل من عذرة استهوته الجن
فكان يحدث بما رأى فكذبوه وقالوا حديث خرافة
باب
الشهيد يصلى عليه
قال الله تعالى 2 وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم 2
الدارقطني عن حصين عن أبي مالك قال كان يجاء بقتلى أحد تسعة
وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدفنون التسعة ويدعون حمزة ثم يجاء
بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم فيدفنون التسعة ويدعون حمزة
فإن فيل بأن أبا مالك الغفاري لا صحبة له وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل
على شهداء أحد
قيل له إن لم يكن أبو مالك صحابيا فهو تابعي قد أرسل الحديث والمرسل
حجة وحديثنا مثبت وهو مقدم على النافي وقد روى البخاري عن عقبة بن عامر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:337(1/337)
*** ج1/ص338
قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات
ورواه الطحاوي عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على قتلى
أحد صلاته على الميت
فإن ثبت أن تلك الصلاة كانت من النبي صلى الله عليه وسلم تطوعا فلا تكون إلا والصلاة
عليهم سنة كالصلاة على غيرهم لأن كل تطوع له أصل في الفروض
وإن كانت صلاته عليهم نسخا لفعله الأول إن كان ثابتا فصلاته توجب
أن يكون من سنتهم الصلاة عليهم وأن ترك الصلاة عليهم عند دفنهم منسوخ
وإن كانت صلاته عليهم إنما كانت لأن سنتهم أن لا يصلى عليهم إلا بعد هذه
المدة وأنهم خصوا بذلك فقد يحتمل أن يكون كذلك سائر الشهداء لا يصلى عليهم
إلا بعد هذه المدة ويجوز أن سائر الشهداء يعجل عليهم الصلاة إلا أنه قد ثبت
بهذه المعاني أن من سنتهم الصلاة عليهم إما بعد الدفن أو قبله والخلاف إنما هو قبل
الدفن أو تركها البتة فلما ثبت جواز الصلاة عليهم بعد الدفن فقبله أولى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:338(1/338)
*** ج1/ص339
3 - كتاب الزكاة
باب
لا زكاة في مال الصبي والمجنون
صح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال رفع القلم عن
ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى
يفيق
فإن قيل روى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:339(1/339)
*** ج1/ص340
النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال ألا من ولي يتيما له مال فليتجر في ماله ولا يتركه حتى
تأكله الصدقة
وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم احفظوا اليتامى في أموالهم لا تأكلها الصدقة
قيل له في سند الحديث الأول المثنى بن الصباح قال فيه أحمد لا يساوي
شيئا وفي الحديث الثاني مندل وفيه مقال ومدار الحديثين على عمر وبن شعيب
وفيه كلام
فإن قيل قال البخاري رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني
والحميدي وإسحاق بن إبراهيم يحتجون بحديثه
قيل له قال محمد بن حبان كان يرفع المراسيل ويسند الموقوفات من
سوء حفظه فلما فحش ذلك منه استحق الترك وقال ابن معين مرة ليس
بذاك وقال الإمام أحمد ليس بحجة وقال مرة ربما احتججنا به وربما وجس
في القلب منه شيء وله مناكير وقال يحيى بن سعيد القطان عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده عندنا واه وقال أيوب السختياني كنت آتي عمرو بن
شعيب فأغطي رأسي حياء من الناس وكان مغيرة بن مقسم لا يعبأ بصحيفة
عمرو بن شعيب وإلى هذا ذهب سفيان الثوري رحمه الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:340(1/340)
*** ج1/ص341
باب
زكاة الإبل السائمة
الطحاوي عن حماد بن سلمة قال قلت لقيس بن سعد اكتب إلي
كتاب أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فكتبه لي في ورقة ثم جاء يوما وأخبر
أنه أخذه من كتاب أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتبه لجده عمرو بن حزم في ذكر ما يخرج من فرائض الإبل فكان فيه إذا بلغت
تسعين ففيها حقتان إلى أن تبلغ عشرين ومائة فإذا كانت أكثر من ذلك ففي كل
خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون فما فضل فإنه يعاد إلى أول فرائض
الإبل فما كان أقل من خمس وعشرين ففيه الغنم في كل خمس ذود شاة
فإن قيل روى حماد بن سلمة قال أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس
كتابا زعم أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه مصدقا
وكتب له فيه هذه فريضة الصدقة وفيه فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:341(1/341)
*** ج1/ص342
أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وهكذا حديث سالم عن أبيه
قيل له قال الطحاوي حديث ثمامة بن عبد الله إنما وصله عبد الله بن
المثنى لا نعلم أحدا وصله غيره وقد رواه حماد منقطعا وهو أجل قدرا من
ابن المثنى وهو ممن يحتج بحديثه دون ابن المثنى فيجب على أصل هذا القائل أن
يدخل هذا الحديث في حد المنقطع لأن الرفع زيادة وزيادة غير الحافظ على
الحافظ غير مقبولة
وأما الحديث الثاني فقد قال الترمذي لم يرفعه أحد من أصحاب الزهري
وإنما رفعه سفيان بن حسين
فإن قيل سفيان بن حسين ثقة أخرج له مسلم واستشهد به البخاري
قيل له إلا أن في حديثه عن الزهري مقالا قال الترمذي في كتاب
العلل سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال أرجو أن يكون
محفوظا فلم يجزم بحفظه فضلا عن صحته
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:342(1/342)
*** ج1/ص343
فإن قيل روي أيضا إذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات
لبون
قيل له هو مرسل ولم يسلم عن المعارض
فإن قيل حديث عمرو بن حزم مضطرب
قيل له من أين اضطرب قد رواه قيس بن سعد عن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم وقيس حجة حافظ وقد قال ابن الجوزي قال أحمد بن حنبل
رحمه الله حديث عمرو بن حزم في كتاب الصدقات صحيح
ويعضده ما روى الطحاوي عن أبي عبيدة وزياد بن أبي مريم عن
ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في فرائض الإبل فإذا زادت على تسعين ففيها
حقتان إلى عشرين ومائة فإذا بلغت العشرين والمائة استقبلت الفريضة بالغنم في كل
خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففرائض الإبل فإذا كثرت ففي كل خمسين
حقة
وعنه عن منصور بن المعتمر قال قال إبراهيم النخعي إذا زادت الإبل
على عشرين ومائة ردت إلى أول الفرض فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من
أكبر الصحابة وأعلمهم ومن التابعين إبراهيم النخعي وسفيان الثوري يذهبون إلى
ما ذهبنا إليه وهم أهل علم وحديث كثير
ثم نقول حديث ابن شهاب المرسل قد جاء مخالف الأصول ومخالف
الروايات فلا يجوز القضاء به وذلك أن الأحاديث وردت وفيها فإذا زادت ففي
كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون فلم يتغير الفرض إلا بزيادة تحتمل بعد
المائة والعشرين الأربعينات والخمسينات فلا شيء يتجدد فيها حتى تبلغ مائة
وخمسين لأن الفرض من تسعين إلى مائة وعشرين يتغير بثلاثين فلا يتغير إلا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:343(1/343)
*** ج1/ص344
بمثلها كالذي قبله فلما تغير الفرض بواحدة ولم يكن ذلك في أوقاص الإبل
ابتداء وهي في حد القليل فكيف يكون وقصا وهي في حد الكثير هذا قول
ابن العربي وأما الطحاوي فقال رأيناهم جعلوا المائة والعشرين نهاية لما
وجب فيما زاد على التسعين وما جعل نهاية قبل ذلك إذا زادت الإبل شيئا وجب
بزيادته فرض غير الأول أو زيادة عليه وكانت المائة والعشرين نهاية لما أوجبوه في
الزيادة على التسعين فثبت بهذا أن ما زاد على المائة والعشرين يجب به شيء إما زيادة
على الفرض الأول وإما غير ذلك ففسد بذلك قول مالك رحمه الله
ونظرنا فيما بين قولنا وقول الشافعي فوجدناهم يوجبون بزيادة البعير الواحد على
العشرين والمائة رد حكم جميع الإبل إلى ما يجب فيه البنات اللبون وهو ما ذكر
عنه أن في كل أربعين بنت لبون فكان من الحجة عليه أنا رأينا جميع ما يزيد على
النهايات المسماة في فرائض الإبل فيما دون العشرين والمائة أن تلك الزيادة
المغيرة لها حصة فيما وجب بها من ذلك وكانت الإبل إذا زادت بعيرا واحدا على
المائة والعشرين فكل قد أجمع أن لا شيء في هذا البعير لأن من أوجب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:344(1/344)
*** ج1/ص345
الاستئناف لم يوجب فيه شيئا وكذلك من قال يجب ثلاث بنات لبون فلما ثبت أن
الفرض فيما قبل المائة والعشرين لا ينتقل إلا بما يجب فيه جزء من الفرض الواجب
به وكان البعير الزائد على العشرين والمائة لا يجب فيه شيء من فرض وجب به
ثبت أنه غير مغير فرض غيره عما كان عليه قبل حدوثه
ذكر أسنان الإبل التي تتعلق بها الزكاة
قال أبو داود إذا وضعت الناقة فمشى ولدها سمي حوارا إلى سنة فإذا
فصل عن أمه وفطم فهو فصيل والفصال الفطام وهي بنت مخاض إلى سنتين
فإذا دخلت في الثالثة فهي بنت لبون فإذا تمت لها ثلاث سنين فهي حق وحقة إلى
تمام أربع سنين لأنها استحقت أن تركب وأن يحمل عليها الفحل ويقال للحقة
طروقة الفحل لأن الفحل يطرقها فتسمى كذلك إلى أن تطعن في الخامسة فإذا
طعنت في الخامسة فهي جذعة إلى أن تطعن في السادسة فإذا طعنت في
السادسة وألقت ثنية فهي ثني حتى تستكمل ستا فإذا دخلت في السابعة
سمي الذكر رباعيا والأنثى رباعية تخفف الياء فيهما فإذا دخل في الثامنة
وألقى السن السديس وهو الذي بعد الرباعية فه سديس وسدس فإذا دخل في
التاسعة وطلع نابه فهو بازل أي بزل نابه أي طلع فإذا دخل في العاشرة فهو
مخلف ثم ليس له اسم بعد ذلك بل يقال له بازل عام وبازل عامين
ومخلف عام ومخلف عامين والمخلف الحائل وفصول الأسنان عند
طلوع سهيل كذا ذكره أبو دواد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:345(1/345)
*** ج1/ص346
باب
في الخيل زكاة
مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل
ثلاثة هي لرجل وزر وهي لرجل ستر وهي لرجل أجر فأما التي هي له وزر
فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء لأهل الإسلام فهي له وزر وأما التي هي له ستر
فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا في رقابها فهي له ستر
قال أبو جعفر الطحاوي ففي هذا دليل على أن لله تعالى فيها حقا وهو
كحقه في سائر الأموال
فإن قيل روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المال حق سوى الزكاة قيل له
قد ضعفه أبو عيسى وقال هذا حديث ليس إسناده بذلك القوي وفي سنده
أبو حمزة ميمون الأعور يضعف وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا
الحديث قوله وهذا أصح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:346(1/346)
*** ج1/ص347
فإن قيل فقد روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق
قيل له في إسناده رجل مجهول وأنت لا تقبل روايته هذا من جهة
الآثار وأما من جهة النظر فإنه حيوان يسام في أغلب البلدان فتجب فيه الزكاة
إلا أن الآثار فيها لم تشتهر لعزة الخيل في ذلك الوقت وما كانت معدة إلا للجهاد
وإنما لم تثبت ولاية الأخذ للإمام لأن الخيل مطمع كل طامع فإنها سلاح والظاهر
أنهم إذا علموا به لم يتركوه وإنما لم تؤخذ الزكاة من عينها لأن مقصود الفقير لا يحصل
به إذ عينه عندنا غير مأكول ولا يشبه هذا البغال والحمير وإن كانت ذا حافر
لأنه صلى الله عليه وسلم قيل له يا رسول الله فالحمر قال ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه
الآية الجامعة الفاذة 2 فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره 2 وفي الكلام دلالة ظاهرة أنه قد أنزل عليه في الخيل شيء
ذكر الغريب
إنما سماها جامعة لاشتمال اسم الخير على جميع أنواع الطاعات فرائضها
وسننها والفذ الواحد الفرد يقال منه فذ الرجل عن أصحابه إذا انفرد عنهم
وبقي وحده ولما خلت هذه الآية عن تفصيل ما تحتها وبيان أنواعه سماها فاذة وقال
في المطالع معنى الفاذة المنفردة القليلة المثل في بابها قال ويروى الفذة
والشاذة وكله بمعنى المنفرد ومعناها المبالغة في معناها ذكر ذلك في باب الفاء
والذال المعجمة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:347(1/347)
*** ج1/ص348
باب
إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا فصاحبها
بالخيار إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا وإن
شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة
دراهم
قال الخطابي وقد اختلف الناس في صدقة الخيل فذهب أكثر الفقهاء
إلى أنه لا زكاة فيها روي ذلك عن عمر وبه قال سعيد بن المسيب وعمر بن
عبد العزيز
قلت وقد وهم في نسبة عدم وجوب الزكاة في الخيل إلى عمر بن الخطاب
رضي الله عنه فقد ذكر ابن عبد البر بسنده إلى عمرو بن دينار أن جبير بن يعلى
أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول ابتاع عبد الرحمن بن أمية - أخو يعلى بن
أمية - من رجل من أهل اليمن فرسا أنثى بمائة قلوص فندم البائع فلحق بعمر
فقال غصبني يعلى بن أمية فرسا لي فكتب إلى يعلى أن الحق بي فأتاه فأخبره
الخبر فقال عمر إن الخيل لتبلغ هذا عندكم فقال ما علمت فرسا قيل بلغ
هذا قال عمر فتأخذ من كل أربعين شاة شاة ولا تأخذ من الخيل شيئا خذ من
كل فرس دينارا فضرب على الخيل دينارا دينارا
قال ابن عبد البر الخبر في صدقة الخيل عن عمر رضي الله عنه صحيح من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:348(1/348)
*** ج1/ص349
حديث الزهري وقد روي من حديث مالك أيضا قال ابن عبد البر بسنده عن
جويرية عن مالك عن الزهري أن السائب بن يزيد أخبره قال لقد رأيت أبي
يقوم الخيل ويدفع صدقتها إلى عمر بن الخطاب
فلهذين الأثرين أثبتنا الخيار للمالك بين الدينار وبين التقويم
ذكر ما في الأول من الغريب
القلوص من النوق الشابة أول ما تركب وقلص الشيء يقلص قلوصا أي
ارتفع فهو قالص وقليص
باب
ليس في الفصلان والعجاجيل والحملان زكاة
أبو داود عن سويد بن غفلة قال سرت أو قال أخبرني من سار مع
مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تأخذ من راضع لبن
شيئا
فإن قيل في الكلام مضاف محذوف تقديره لا تأخذ ذات رضاع و من
زائدة كما تقول لا تأكل من حرام أي لا تأكل حراما
قيل له الحذف والزيادة على خلاف الأصل
فإن قيل قال أبو بكر رضي الله عنه والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:349(1/349)
*** ج1/ص350
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه والعناق الجذعة من المعز التي قاربت
الحمل وقيل ما لم يتم لها سنة من الإناث خاصة
قيل له الرواية المشهورة والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه
والعقال الحبل الذي يعقل به البعير وقيل أراد الشيء التافه الحقير فضرب
المثل بالعقال على جهة التقليل مبالغة وقيل العقال صدقة عام قال
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا
فكيف لو قد سعى عمر عقالين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:350(1/350)
*** ج1/ص351
باب
يجوز دفع القيم في الزكوات
والكفارات المالية
صح في حديث أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فمن بلغت عنده
صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه - - وأن
يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة
الحقة وليس عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق
شاتين أ وعشرين درهما
فإن قيل ليس هذا على وجه القيمة إنما هي أصول بدليل أن القيمة تختلف
باختلاف الأزمان ولهذا قدرها الشارع بشيء لا يختلف
قيل له إنما قدرها لأن قيمتها في ذلك الوقت كانت كذلك
فإن قيل قال الخطابي بعد أن حكى أقوال الناس في هذا الحديث
وأصح هذه الأقوال قول من ذهب إلى أن كل واحد من الشاتين والعشرين درهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:351(1/351)
*** ج1/ص352
فيهما أصل في نفسه وليس له العدول عنها إلى القيمة إذ لو كان للقيمة مدخل
لم يكن لنقل الفريضة إلى ما هو فوقها وإلى ما هو أسفل منها معنى
قيل له بل أصح الأقوال قول من ذهب إلى أن كل واحد من الشاتين
والعشرين درهما ليسا بأصل وأن له العدول إلى القيمة بدليل أن النص في
الجبران ورد في سنة واحدة نزولا وصعودا ومن قال بأن الشاتين
والعشرين درهما أصل جوز الترقي بسنتين وأخذ جبرانين والنزول
بسنتين مع جبرانين وليس هذا إلا قياس بالتعديل والتقويم وفي الصعود
والنزول فائدة وهي التيسير على أرباب المواشي
وروى أحمد بن حنبل رحمه الله عن الصنابحي رضي الله عنه قال رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة ناقة مسنة وقيل ناقة كوماء فغضب فقال
ما هذه فقال المصدق يا رسول الله ارتجعتها ببعيرين من ماشية الصدقة
فسكت
فإن قيل لعله استبدل واحدا باثنين بعد القبض بطريق البيع وليس في
اللفظ تعرض لجهة الأخذ فلا حجة فيه
قيل له قال أبو عبيد الارتجاع أن يأخذ سنا مكان سن وقال في
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:352(1/352)
*** ج1/ص353
الصحاح والرجعة في الصدقة أن يجب على رب المال أسنان فيأخذ المصدق
مكانها أسنانا فوقها أو دونها بثمنها وقال في مجمل اللغة الراجعة الناقة تباع
وتشتري بثمنها مثلها وقد ارتجعتها ارتجاعا ورجعتها رجعة
وعن طاوس قال معاذ بن جبل لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب
بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الصدقة فهو أهون عليكم
وخير للمهاجرين والأنصار بالمدينة وهذا مرسل والمرسل عندنا حجة
فإن قيل المراد بالصدقة الجزية وقد كانوا يطلبون ذلك مع تضعيف الواجب
حذرا من العار ويدل عليه نقله إلى المدينة ومذهب معاذ أن النقل في
الصدقات ممتنع ويدل عليه إضافتها إلى المهاجرين والأنصار والجزية تستحق
بالهجرة والنصرة وأما الزكاة فتستحق بالفقر والمسكنة
قيل له إطلاق لفظ الصدقة على الجزية بعيد جدا ولا يظن بمعاذ رضي الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:353(1/353)
*** ج1/ص354
عنه أن يطلق لفظ الصدقة على الجزية فإن الصدقة عبادة والجزية عقوبة
ولم يطلب أحد ممن طلب منه الجزية تضعيف الزكاة عوضا عن الجزية - فيما علمنا -
إلا بنو تغلب فإنهم طلبوا من عمر رضي الله عنه أن يصالحهم على ذلك فصالحهم
عليه وقال هي جزية فسموها ما شئتم وفي قوله فهو أهون عليكم وخير
للمهاجرين والأنصار بالمدينة دليل على أن الخطاب كان مع المسلمين لأنه
طلب منهم ذلك وبين لهم ما فيه من النفع لأنفسهم وللمهاجرين والأنصار
فلو لا أنه رأى أنهم يؤثرون راحة أنفسهم ووصول الخير إلى المهاجرين
والأنصار وإلا لما كان لذكر المهاجرين والأنصار فائدة وفي حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم ينسب إلى أحد من الصحابة مذهب ونقل معاذ الصدقة إلى المدينة لم يكن إلا بأمر
النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا ولم يضف الصدقة إلى المهاجرين والأنصار مطلقا بل أراد أنه
خير للفقراء منهم فكأنه قال وخير لفقراء المهاجرين والأنصار فحذف المضاف
وأقام المضاف إليه مقامه وأعربه بإعرابه وقد جاء في كلام الله تعالى كثير من هذا
و قد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة فمنع ابن جميل
وخالد بن الوليد والعباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا
فأغناه الله وأما خالد بن الوليد فإنكم تظلمون خالدا فقد احتبس أدرعه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:354(1/354)
*** ج1/ص355
وأعتده في سبيل الله عز وجل وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي علي ومثلها
ثم قال أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب أو صنو أبيه
وقد اختلف في معنى ذلك فقيل يحتمل أنه إنما طولب بالزكاة عن ثمن الأدراع
والعتاد فإنها كانت للتجارة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا زكاة عليه فيها فإنه حبسها
ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اعتذر عن خالد ودوافع عنه فيكون معناه أن
خالدا حبس أدراعه وعتاده تبررا وتقربا إلى الله عز وجل ولم يكن واجبا
عليه فكيف يمنع ما يكون واجبا عليه والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتسب
لخالد ما حبسه من ذلك فيما يجب عليه من الزكاة في سبيل الله لأنه أنكر على
ابن جميل وأخبر أن صدقة العباس عليه ومثلها وأخبر عن خالد بما أخبر ولم يروا
أنه أدى شيئا آخر غير ما احتبسه وظاهر هذا يقتضي أن سقوط الزكاة عن خالد كان
كسقوطها عن العباس وسقوط الزكاة عن العباس كان بالأداء فيكون السقوط
عن خالد بالأداء
فإن قيل فقد روى أبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من
الإبل والبقر من البقر
قيل له هذا على وجه الاستحباب بدليل أنه يأخذ الشاة من الإبل
ذكر ما في الأحاديث من الغريب
الخميس ههنا ثوب طوله خمسة أذرع والخميس الجيش لأنه خمس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:355(1/355)
*** ج1/ص356
فرق - - المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة
واللبيس الملبوس الخلق ينقم يكره وينكر وأعتده جمع عتد وهي
الخيل وروي في الصحيح أيضا أعتاده ويجوز أن يكون جمع عتود وهي من المعز
قاله ابن العربي وقيل جمع عتد وهو ما يعتد به ويدخره وروي وأعبده
وروي و عقاره والعقار الأرض والضياع ومتاع البيت
باب
يضم الذهب إلى الفضة حتى تجب الزكاة
قال الله تعالى 2 والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله 2 أوجب الزكاة فيهما مجموعتين لأن قوله تعالى 2 ولا ينفقونها في سبيل الله 2 قد أراد به إنفاقهما جميعا ويدل على وجوب الضم أنهما متفقان في وجوب الحق
فيهما وهو ربع العشر فكانا بمنزلة العروض المختلفة إذا كانت للتجارة لما كان
الواجب فيها ربع العشر ضم بعضها إلى بعض مع اختلاف أجناسها
فإن قيل لو أراد الجمع لقال ولا ينفقونهما
قيل له إنما قال كذلك لأن الكلام راجع إلى مدلول عليه كأنه قال
ولا ينفقون الكنوز أو لأنه اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر للإيجاز كقوله تعالى
2 وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها 2
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:356(1/356)
*** ج1/ص357
وقال
نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
ذكر الغريب
الكنز المال المدفون وقد كنزته أكنزه
باب
ومن كان له مال
فاستفاد في أثناء الحول من جنسه
ضمه إلى ماله وزكاه به كما في الأولاد والأرباح
فإن قيل روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول
قيل له قد وقفه نافع على ابن عمر رضي الله عنهما قال الترمذي
وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني الذي رويناه أولا قال
أبو عيسى ورواه أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد عن نافع عن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:357(1/357)
*** ج1/ص358
ابن عمر موقوفا وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث ضعفه
أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وغيرهما من أهل الحديث وهو كثير الغلط وقد
روي نحو مذهبنا عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن الحسن البصري رحمه الله وبه
يقول سفيان الثوري
باب
لا شيء في الزيادة على مائتي درهم
حتى تبلغ أربعين درهما
الدارقطني عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره حين وجهه
إلى اليمن ألا يأخذ من الكسر شيئا إذا بلغت الورق مائتي درهم فخذ منها
خمسة دراهم ولا تأخذ مما زاد شيئا حتى تبلغ أربعين درهما فإذا بلغت أربعين
درهما فخذ منها درهما
فإن قيل فقد روى أبو داود في حديث علي رضي الله عنه فإذا كانت له
مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء - يعني
في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارا فإذا كانت لك عشرون دينارا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:358(1/358)
*** ج1/ص359
وحال عليها الحول ففيها - - نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك ثم ما رويته
في سنده أبو العطوف الجراح بن المنهال وهو متروك الحديث كان ابن إسحاق إذا
روى عنه يقلب اسمه وفيه عبادة بن نسي ولم يلق معاذا
قيل له يعضد هذا الحديث ما روى الترمذي وأبو داود عن عاصم بن
ضمرة عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عفوت عن الخيل
والرقيق هاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهما وليس في تسعين ومائة
شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم ومن طريق الحارث عن علي رضي الله
عنه هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم وليس عليكم شيء حتى
تتم مائتي درهم فقد أوجب في كل أربعين درهما درهما وعفا عما دون المائتين
فبقي الوجوب في المائتين وما بعدها على هذه الصفة في كل أربعين درهما درهم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:359(1/359)
*** ج1/ص360
ومذهبنا مروي عن عمر بن الخطاب رواه الليث عن يحيى بن أيوب
عن حميد عن ابن عمر هكذا ذكر ابن بطال وبه قال سعيد بن المسيب والحسن
البصري وطاوس وعطاء والشعبي ومكحول وابن شهاب
ومن طريق النظر القياسي على أوقاص البقر وما بين الفريضتين في الإبل
والغنم أنه لا شيء في ذلك فالواجب أن يكون كذلك كل مال وجبت فيه الصدقة
أن لا يكون بين الفريضتين غير الفرض الأول
ذكر الغريب
قال الهروي الورق والورق بكسر الراء وسكونها والرقة بكسر الراء
الدراهم وجمعها رقات هكذا ذكر الهروي ولم يتعرض إلى أن القاف مخففة
أو مشددة وحكاه عنه صاحب المعلم كذلك ثم قال وقال غيره الرقة بتخفيف
القاف قال ومنه الحديث في الرقة ربع العشر وحكى أن جمعها رقات بالتأء
قال الجوهري الورق الدراهم المضروبة وكذلك الرقة والهاء عوض من
الواو وذكر الحديث في الرقة ربع العشر قال ويجمع على رقين مثل إرة
وإرين ولم يذكر خلافا في أن القاف مخففة والإرة موضع توقد فيه النار
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:360(1/360)
*** ج1/ص361
باب
تجب الزكاة في الحلى
الترمذي وأبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن
امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب
فقال لها أتعطين زكاة هذا قالت لا قال أفيسرك أن يسورك الله بهما يوم
القيامة سوارين من نار قال فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله
ولرسوله
وروى أبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كنت ألبس أوضاحا
من ذهب فقلت يا رسول الله أكنز هو فقال ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس
بكنز وعنه عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال دخلنا على عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال
ما هذا يا عائشة فقلت صنعتهن أتزين لك يا رسول الله فقال أتؤدين زكاتهن
قلت لا أو ما شاء الله قال هو حسبك من النار
فإن قيل في الحديث الأول عمرو بن شعيب وفي الثاني عتاب بن بشير
أبو الحسن الحراني وقد تكلم فيه
قيل له أما عمرو بن شعيب فقد قال عبد الله بن صالح العجلي ويحيى بن
معين هو ثقة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:361(1/361)
*** ج1/ص362
وقوله عن أبيه عن جده وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن
عمرو بن العاص فإن أراد بجده محمدا فمحمد لا صحبة له فهو مرسل والمرسل
حجة وإن أراد عبد الله فأبوه شعيب لم يلق عبد الله فهو منقطع والمنقطع حكمه
حكم المرسل وأما عتاب فقد أخرج له البخاري وكان ابن مسعود يرى الزكاة
في الحلى
قال الترمذي ورأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين
الزكاة في الحلى وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك
ذكر ما في هذه الأحاديث من الغريب
مسكتان بفتح السين سواران قال في الصحاح المسك بالتحريك
أسورة من ذبل أو عاج
قال جرير
ترى العبس الحولي جونا بكوعها
لها مسكا من غير عاج ولا ذبل
والعبس بالتحريك ما يتعلق من أبوال الإبل في أذنابها ومن أبعارها فيجف
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:362(1/362)
*** ج1/ص363
عليها والجون الأبيض والجون الأسود والجمع جون بالضم
أوضاح جمع وضح بفتح الضاد المعجمة وهو الحلى قال في الصحاح
والأوضاح حلي من الدراهم الصحاح فتخات جمع فتخة بفتح التاء والخاء
المعجمة وهو الخاتم بغير فص والله أعلم
باب
تجب الزكاة في عروض التجارة
أبو داود عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال أما بعد فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع وقد كتب
عمر بن عبد العزيز بأخذ الزكاة من العروض بعد أن استشار واستخار والملأ الملأ
والوقت الوقت وحكم به وقضى على الأمة وارتفع الخلاف
قال البغوي وقال داود زكاة التجارة غير واجبة وهو مسبوق بالإجماع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:363(1/363)
*** ج1/ص364
باب
فيما سقت السماء العشر
البخاري والترمذي والنسائي وأبو داود عن سالم عن أبيه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء و الأنهار والعيون أو كان بعلا العشر
وما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر
فإن قيل هذا الحديث مجمل يفسره قوله عليه السلام ليس فيما دون خمسة
أوسق صدقة
قيل له ليس هذا الحديث بمجمل فإن المجمل ما لا يعرف مراده بصيغته
لا بالتأمل ولا بغيره لا جمال في نفس الصيغة إلا ببيان المجمل أو ما له دلالة على
أحد أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر بالنسبة إليه وهذا الحديث ليس كذلك بل
هو عام فإن كلمة ما من ألفاظ العموم
فإن قيل إن كان هذا الحديث مجملا فما رويناه يصلح مفسرا له وإن
كان عاما يصلح مخصصا له فكان المصير إلى ما رويناه أولى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:364(1/364)
*** ج1/ص365
قيل له العمل بالعام وإجراؤه على عمومه أولى من التخصيص لأن في
المصير إلى التخصيص إخراج بعض ما تناوله اللفظ العام أن يكون مرادا وفيه الحكم
على المتكلم بأنه أطلق الكل وأراد البعض وهذا نوع مجاز والمجاز خلاف الأصل
ولو صلح هذا الحديث أن يكون مخصصا أو مفسرا لما رويناه لصلح حديث
ماعز أن يكون مخصصا أو مفسرا لحديث أنيس في الإقرار بالزنا فلما لم يصلح
حديث ماعز أن يكون مفسرا أو مخصصا أو مقيدا لحديث أنيس عندكم
- - كذلك لا يصلح حديث أبي سعيد الخدري أن يكون مفسرا
أو مخصصا لحديث ابن عمر عندنا بل نحمله على أن المراد بالصدقة المذكورة
فيه الزكاة وهي زكاة التجارة لأن قوله عليه السلام ليس فيما دون خمسة
أسق صدقة جاء مقرونا بقوله عليه السلام ليس فيما دون خمسة أواق من
الورق صدقة وهذا يرجح حمله على زكاة التجارة لأن الواجب في النقود
والعروض واحد إذ من الجائز أن تكون قيمة خمسة أوسق مما سئل النبي صلى الله عليه وسلم
عنه مائتي درهم وكما أن الحول ليس بشرط فكذلك النصاب وقد ذهب إلى ما ذهبنا
إليه مجاهد وإبراهيم كذا روى الطحاوي عنهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:365(1/365)
*** ج1/ص366
ذكر ما في الحديث الأول من الغريب
بعلا هو بفتح الباء وسكون العين المهملة وهو الذي يشرب بعروقه من
الأرض من غير سقي من سماء ولا غيرها هكذا قال الهروي عن أبي عبيد ثم
قال وقال الأزهري هكذا فسره الأصمعي وجاء القتيبي وغلط أبا عبيد وهو
بالغلط أولى قال وهذا الصنف رأيته بالبادية وهو نخيل ينبت فترسخ عروقها في
الماء وتستغني عن ماء السماء وغيره والسواني جمع سانية وهي الناقة التي يسقى
عليها وقيل السانية الدلو العظيم وأداتها التي يستقى به أوالناضح البعير
يستقى عليه والأنثى ناضحة والنضح ما سقي بالدوالي والغرب الدلو العظيم
والدالية المنجنون يديرها البقرة والناعورة يديرها الماء
باب منه
قال الله تعالى 2 وهو الذي أنشأ جنات معروشات 2 إلى قوله 2 وآتوا حقه يوم حصاده 2 أي إذا جمعتموه وآويتموه في رحالكم وهذا عام وليس استثناء
القصب والحشيش تخصيص لهذا العام لأن الله تعالى إنما أوجب الحق فيما يؤكل
فإن قيل فقد روى الترمذي عن معاذ رضي الله عنه أنه كتب إلى
النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضروات - وهي البقول - فقال ليس فيها شيء وروى
الدارقطني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في
الخضراوات صدقة
قيل له أما الحديث الأول فقد قال أبو عيسى إسناد هذا الحديث
ليس بصحيح وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء
والحديث الثاني في سنده الصقر قال ابن حبان يأتي بالمقلوبات عن الثقات
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:366(1/366)
*** ج1/ص367
باب
في العسل العشر إذا أخذ من أرض العشر
أبو داود وأخرجه النسائي وأخرج ابن ماجه طرفا منه عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده قال جاء هلال - أحد بني متعان - إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي واديا يقال له سلبة فحمى
له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب
سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك فكتب عمر إن أدى
إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فاحم له سلبة وإلا فإنما
هو ذباب غيث يأكله من شاء
وروى أحمد بن حنبل عن أبي سيارة المتعي قال قلت يا رسول الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:367(1/367)
*** ج1/ص368
إن لي نحلا قال أد العشور قال قلت يا رسول الله احم لي جبلها فحمى لي جبلها
فإن قيل قال البخاري والترمذي وابن المنذر ليس في زكاة العسل حديث
يصح
قيل له هذا القول لا يقدح ما لم يبين علة الحديث فإن أبا داود إذا روى
حديثا ولم يتكلم عليه يكون عنده حسنا وفي قول الترمذي ولا يصح عن
النبي صلى الله عليه وسلم في هذا كبير شيء إشارة إلى أنه يصح فيه وإن كان ذلك ليس
بكبير ولا يلزمنا قول البخاري فإن الحديث الصحيح ليس موقوفا عليه وليس في
الحديث غير عمرو بن شعيب وقد احتج بحديثه جماعة من المحدثين قال
أبو عيسى والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق ثم
ظاهر قوله تعالى 2 خذ من أموالهم صدقة 2 يوجب الصدقة في العسل إذ هو من
أموالهم والصدقة وإن كانت مجملة فإن الآية قد اقتضت إيجاب صدقة ما وإذا
أوجبت الصدقة كانت العشر إذ لا يوجب أحد غيره ولما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم فيه
العشر دل على أنه أجراه مجرى الثمر وما تخرجه الأرض مما يجب فيه العشر فلهذا قال
أصحابنا إذا كان في أرض العشر ففيه العشر وإذا كان في أرض الخراج فلا شيء
فيه لأن الثمرة في أرض الخراج لا يجب فيها شيء وفي أرض العشر يجب فيها
العشر وكذلك في العسل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:368(1/368)
*** ج1/ص369
باب
لا يجتمع العشر والخراج
لما روى الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه عن حماد عن إبراهيم عن علقمة
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يجتمع العشر
والخراج في أرض مسلم
فإن قيل هذا الحديث لم يصح عن أبي حنيفة رضي الله عنه إذ نقله عن
يحيى بن عنبسة وهو متروك بمرة كيف وقد انفرد أبو حنيفة بهذا المذهب عن جميع
العلماء ولو صح الخبر لقال به واحد من العلماء غيره وقد نقل ابن المنذر في كتاب
الاختلاف مذهب أهل العلم شرقا وغربا في أن العشر والخراج يجتمعان ثم
قال وذهبت طائفة قليل عددها شاذ قولها لخروجها عن أقوال أهل العلم
إلى أن العشر والخراج لا يجتمعان فدل على أنه مخترع
قيل له هذه المسألة قد اتفق عليها أبو حنيفة رضي الله عنه وأصحابه كلهم
أجمعون ولم نعلم أحدا منهم خالفه فيها واشتهر عنهم الاحتجاج عليها بهذا
الحديث وشهرة الحديث تربو على صحته إذ هي قريبة من التواتر فلا يقدح في
صحته وشهرته رواية من لا تقبل روايته كما لا يقدح في علمنا بوجود بغداد خبر
فاسق يخبرنا بوجودها وانفراد أبي حنيفة رضي الله عنه بهذا المذهب عن جميع العلماء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:369(1/369)
*** ج1/ص370
- كما زعمت - لا يقدح في صحة الحديث فإن ترك العلماء كلهم العمل بالحديث
لا يقدح في صحته كحديث الوضوء مما مسته النار فلا يقدح في صحته ترك الأكثر
وقوله ولو صح الخبر لقال به واحد من العلماء غيره
قيل له العمل بموجب الحديث لا يدل على صحته فإن أئمة الأمصار
اتفقوا على العمل بموجب خبر معاذ بن جبل رضي الله عنه في القياس وهو ليس
بصحيح عند أهل الحديث وعمل أبي حنيفة رضي الله عنه كاف في صحة الحديث
إن كان عمل بعض العلماء بالحديث يدل على صحته فإن الأئمة كلهم تبع له وعائلة
عليه وانفراده بهذا القول دون غيره لا يدل على أنه مخترع كما لا يدل انفراد غيره
بالقول على أنه مخترع وقول ابن المنذر وذهبت طائفة قليل عددها إلى أن العشر
والخراج لا يجتمعان ليس بصحيح فإن أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه
لا ينحصر عددهم ولا ينقطع مددهم وإن كان عددهم قليلا بالنسبة إلى سائر
العلماء فليس ذلك بقادح فيهم فإن كل واحد من الأئمة مع أصحابه بهذه
المثابة فظهر بهذا أن ابن المنذر قصد تعييرنا بالقلة في العدد فنقول كما قال بعضهم
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
ثم إن أحدا من الأئمة العادلة والجائرة لم يأخذ العشر من أرض الخراج ولا
الخراج من أرض العشر مع كثرة احتيال بعضهم لأخذ أموال الناس وكفى بالإجماع
حجة
باب
لا يخرص الرطب تمرا فيعلم مقداره فيسلم إلى رب النخل ويملك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:370(1/370)
*** ج1/ص371
بذلك حق الله تعالى فيه ويكون عليه مثله بمكيل ذلك تمرا إذ كيف يجوز
ذلك وقد يجوز أن تصيب الثمرة بعد ذلك آفة فتتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها
بدلا من حق الله تعالى فيه مأخوذا بدلا مما لم يسلم له
وليس في الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الثمرة كانت
رطبا حينئذ فيجعل لصاحبها حق الله تعالى بمكيله تمرا يكون عليه نسيئة وقد روي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع التمر على رؤوس النخل كيلا ونهى عن
بيع الرطب بالتمر نسيئة وإنما أريد بخرص ابن رواحة ليعلم مقدار ما في أيدي
الناس من الثمار فيأخذ مثله بقدره في أيام الصرام لا أنهم يملكون شيئا ما يجب لله فيه
ببدل لا يزول ذلك البدل عنهم
البخاري عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال غزونا مع
النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لأصحابه اخرصوا وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق فقال لها أحصي ما يخرج
منها
ومن طريق الطحاوي حتى أرجع إليك إن شاء الله تعالى فلما أتينا تبوك
قال أما أنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد ومن كان معه بعير فليعقله
فعقلناها وهبت ريح شديدة فقام رجل فألقته بجبل طيء وأهدى ملك أيلة
للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب لهم ببحرهم فلما أتى وادي القرى
قال للمرأة كم جاءت حديقتك قالت عشرة أوسق خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرص حديقتها وأمرها أن تحصي ما يجيء
منها حتى يرجع إليها فذلك دليل أنها لم تملك بخرصها إياها ما لم تكن مالكة له قبل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:371(1/371)
*** ج1/ص372
ذلك وإنما أريد بذلك معرفة مقدار ما في نخلها خاصة ثم يأخذ منها الزكاة في
وقت الصرام على حسب ما يجب فيها
فإن قيل روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت وهي تذكر
شأن خيبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص النخل حين
يطيب قبل أن يؤكل منه
وعن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن
يخرص العنب زبيبا كما يخرص الرطب
قيل له حديث عائشة في إسناده رجل مجهول وحديث ابن المسيب منقطع لأن
عتابا توفي في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومولد سعيد بن
المسيب في خلافة عمر رضي الله عنه سنة خمس عشرة على المشهور
قال القاضي أبو بكر ابن العربي ليس في الخرص حديث يصح إلا واحد
وهو المتفق عليه وهو ما رويناه في حديقة المرأة قال ويليه حديث ابن رواحة في
الخرص على اليهود وهذه المسألة عسرة جدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه خرص
النخل ولم يثبت عنه خرص الزبيب وكان كثيرا في حياته وفي بلاده ولم يثبت عنه
خرص النخل إلا على اليهود لأنهم كانوا شركاء وكانوا غير أمناء وأما المسلمون
فلم يخرص عليهم قال ولما لم يصح حديث سهل ولا حديث ابن المسيب بقي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:372(1/372)
*** ج1/ص373
الحال وقفا فلأن خرص على الناس لحق الفقراء لقد يجب أن يخرص
عليهم جميع ما فيه الزكاة
ذكر الغريب
الخرص حزر ما على النخل من الرطب تمرا والاسم الخرص بالكسر
تقول كم خرص أرضك والصرام جذاذ النخل
باب
لا يؤثر الخلطة في المواشي ولا في النقود
ولا في العروض ولا في الثمار ولا في الزروع
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن
أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها
فإن قيل فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ولا يجمع بين مفترق
ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما
بالسوية
قيل له المراد بهذا الجمع والتفريق في الملك لا في المكان بدليل أن من كان
له نصاب من السائمة في أمكنة مختلفة فالساعي يأخذ منه الزكاة بالإجماع ومن كان
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:373(1/373)
*** ج1/ص374
له ثمانون شاة فليس للساعي أن يعتبرها نصابين من الغنم فيأخذ منه شاتين وكذلك
المال المقدر بالنصاب الواحد إذا كان بين اثنين لا يكون للساعي أن يجعله كأنه
لواحد فيأخذ منه الزكاة وأما التراجع فتفسيره إذا كان مائة وعشرون بين رجلين
لأحدهما ثمانون وللآخر أربعون وجبت على كل واحد منهما شاة فإذا جاء المصدق
وأخذ من عرض ذلك شاتين كان لصاحب الثمانين أن يرجع على صاحب
الأربعين بثلث شاة لأن المأخوذ من نصيب صاحب الأربعين ثلث شاتين وبقي
عليه ثلث شاة أخذه من نصيب صاحب الثمانين فيرجع عليه والله أعلم
باب
من مات وعليه زكاة
سقطت عنه فلا تؤخذ من تركته
روى أبو بكر الرازي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
من كان له نصاب تجب فيه الزكاة ومال يبلغ به بيت الله ثم لم يحج ولم يزك سأل
الرجعة وتلا قوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم الآية ودلالة الآية ظاهرة على
حصول التفريط بالموت لأنه لو لم يكن مفرطا ووجب أداؤها من ماله بعد موته
لكانت قد تحولت إلى المال فيلزم الورثة إخراجها فلما سأل الرجعة علمنا أن الأداء
قد فات وأنه لا يتحول إلى المال ولا يؤخذ من تركته بعد موته إلا أن تتبرع الورثة
ذكر الغريب
فلان يؤمن بالرجعة أي بالرجوع إلى الدنيا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:374(1/374)
*** ج1/ص375
باب
الفقير من له أدنى شيء
قال الله تعالى 2 يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف 2
وجه الدلالة من هذه الآية أن الجاهل لا يحسب الفقير غنيا إلا وله ظاهر جميل
وبزة حسنة فدل على أن ملكه لبعض ما يغنيه لا يسلبه صفة الفقر
باب
لاتحرم الصدقة إلا على
من ملك مائتي درهم أو ما يساويها
الطحاوي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن رجل من مزينة أنه
أتى أمه فقالت يا بني لو ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته قال فجئت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يخطب وهو يقول من استغنى أغناه الله ومن استعف
أعفه الله ومن سأل الناس وله خمسة أواق فقد سأل إلحافا
فإن قيل فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل
إلحافا
قيل له إذ قد حصل التعارض فلا بد من النظر قال الطحاوي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:375(1/375)
*** ج1/ص376
رحمه الله رأينا الصدقة لا تخلو من أحد وجهين إما أن تكون حراما لا يحل منها إلا
ما يحل من الأشياء المحرمة عند الضررة إليها أو تكون تحل لمن ملك مقدارا من
المال فرأينا من ملك دون ما يغديه ويعشيه كانت الصدقة حلالا له بالاتفاق فخرج
بذلك حكمها من حكم الأشياء المحرمة التي تحل عند الضرورة ألا ترى أن من
اضطر إلى الميتة أن الذي يحل منها ما يمسك به نفسه لا ما يشبعه حتى يكون له غداء
أو يكون له عشاء فلما كان الذي يحل له - - من الصدقة هو بخلاف
ما يحل من الميتة عند الضرورة ثبت أنها إنما تحرم على من ملك مقدارا ما فنظرنا في
ذلك المقدار ما هو فرأينا من ملك دون ما يغديه ودون ما يعشيه لم يكن بذلك غنيا
وكذلك من ملك أربعين درهما أو خمسين درهما أو ما هو دون المائتين فإذا
ملك مائتين كان غنيا فمالك غيرها غير غني فثبت أنها حلال لمن ملك دون مائتي
درهم
باب
يجوز دفع الزكاة إلى صنف واحد
من الأصناف المذكورة في الآية
قال الله تعالى 2 إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم 2 وذلك عموم في جميع الصدقات لأنها اسم جنس لدخول
الألف واللام عليه فاقتضت الآية دفع جميع الصدقات إلى صنف من
المذكورين فدل على أن مراد الله تعالى في ذكر الأصناف إنما هو بيان أسباب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:376(1/376)
*** ج1/ص377
الفقر لا قسمته على ثمانية وكذلك قوله تعالى وفي أموالهم حق معلوم للسائل
والمحروم وقوله 2 إنما الصدقات 2 عموم في سائر الصدقات وما يحصل في
كل زمان وقوله 2 للفقراء 2 إلى آخره عموم في سائر المذكورين من الموجودين
ومن يحدث ومعلوم أنه لم يرد قسمة كل ما يحصل من الصدقة في الموجودين ومن
يحدث منهم لاستحالة إمكان ذلك إلى أن تقوم الساعة فوجب أن تجزئ صدقة عام
واحد لصنف واحد وإعطاء صدقة عام ثاني لصنف آخر وكذا على ما يرى الإمام
قسمته ولا خلاف أن الفقراء لا يستحقونها بالشركة و إنه يجوز أن يحرم
البعض ويعطي البعض فوجب أن يجوز إعطاء بعض الأصناف ويحرم البعض كما
جاز أن يحرم بعض الفقراء ويدل عليه أيضا قوله تعالى 2 والعاملين عليها 2
ولا نعلم خلافا بين الفقهاء أنهم لا يعطون الثمن وأنهم يستحقون منها بقدر عملهم
فوجب فساد قول من ذهب إلى خلاف هذا
باب
لا يجوز دفع الزكاة إلى غني الغزاة
الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي
وعنه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى
اليمن فقال له إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:377(1/377)
*** ج1/ص378
رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في
اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم
تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم
فإن قيل فقد روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة العامل عليها والغازي في سبيل الله
والغارم أو لرجل اشتراها بماله أو مسكين تصدق عليه فأهداها لغني
قيل له قد يكون الرجل غنيا في أهله وبلده بدار يسكنها وأثاث يتأثث به في
بيته وخادم يخدمه وفرس يركبه وله فضل مائتي درهم أو قيمتها ولا تحل له
الصدقة فإذا عزم على الخروج إلى الغزو واحتاج من آلات السفر والسلاح والعدة
إلى ما لم يكن محتاجا إليه في حال إقامته فينفق الفضل على السلاح وآلات العدة
فيجوز له أخذ الصدقة وهو غني في هذا الوجه فهذا معنى الحديث
باب
إذا دفع الزكاة إلى من ظنه أنه
أهل لها فظهر بخلافه أجزأه
البخاري عن معن بن يزيد رضي الله عنه حدثه قال بايعت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:378(1/378)
*** ج1/ص379
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي وخطب علي فأنكحني وخاصمت إليه وكان
أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها
فأتيته بها فقال والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لك ما نويت
يا يزيد ولك ما أخذت يا معن
وعنه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رجل
لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون
تصدق على سارق فقال اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته
فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية قال اللهم لك
الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا
يتحدثون تصدق على غني قال اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني
فأتي - يعني في المنام - فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن
سرقته وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما
أعطاه الله
وقد ذهب الحسن البصري إلى ما ذهبنا إليه لأنه قد اجتهد وأعطى فقيرا عنده
وليس عليه إلا الاجتهاد ولأن الصدقة إذا خرجت من مال المتصدق على نية الصدقة
أنها جازية عنه حيث وقعت ممن بسط إليها يدا إذا كان مسلما بدليل هذا الحديث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:379(1/379)
*** ج1/ص380
باب
لا يجوز للمرأة أن تدفع إلى زوجها زكاة مالها
كما لا يجوز للزوج أن يدفع زكاة ماله إليها
وليس المانع من إعطاء زوجته من زكاة ماله وجوب النفقة عليه ولكنه السبب
الذي بينها وبينه فصار كالسبب الذي بينه وبين والديه
فإن قيل روى البخاري عن زينب امرأة عبد الله قالت كنت في المسجد
فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال تصدقن ولو من حليكن وكانت زينب تنفق على عبد الله
وأيتام في حجرها فقالت لعبد الله سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجزئ عني أن أنفق عليك
وعلى أيتام في حجري من الصدقة فقال سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمر علينا بلال
فقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري وقلنا
لا تجزينا فدخل فسأله فقال من هما قال زينب قال أي الزيانب قال
امرأة عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة
قيل له هذا محمول على صدقة التطوع بدليل ما روى الطحاوي عن
ريطة بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود وكانت امرأة صنعاء وليس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:380(1/380)
*** ج1/ص381
لعبد الله بن مسعود مال فكانت تنفق عليه وعلى ولده من مالها فقالت لقد شغلتني
أنت وولدك عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق معكما بشيء فقال ما أحب إن
لم يكن لك في ذلك أجر أن تفعلي فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وهو فقالت
يا رسول الله إني امرأة لي صنعة أبيع منها وليس لولدي ولا لزوجي شيء فشغلوني
فلا أتصدق فهل لي فيهم أجر فقال لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم
ففي هذا الحديث دليل على أن تلك الصدقة مما لم يكن فيه زكاة وريطة
هذه هي زينب امرأة عبد الله لا نعلم أن عبد الله كانت له امرأة غيرها في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم والدليل على أن تلك الصدقة كانت تطوعا قولها كنت امرأة
صنعاء أصنع بيدي فأبيع من ذلك فأنفق على عبد الله فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي في هذا الحديث والذي في غيره جوابا لسؤالها وفي حديث ريطة هذه
كنت أنفق من ذلك على عبد الله وعلى ولده مني وقد أجمعوا على أن المرأة لا يجوز لها
أن تنفق على ولدها من زكاتها فلما كان ما أنفقت على ولدها ليس من الزكاة فكذلك
ما أنفقت على زوجها ليس من الزكاة
باب
أخذ الصدقة إلى الإمام
قال الله تعالى 2 خذ من أموالهم صدقة 2 وإذا كان الأخذ إلى الإمام
فأداها المالك إلى من يجب أداؤها إليه لم يجز لأن حق الإمام في الأخذ قائم فلا سبيل له
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:381(1/381)
*** ج1/ص382
إلى إسقاطه ولأن مانعي الزكاة قالوا لأبي بكر رضي الله عنه نزكي ولا نؤديها
إليك قال لا والله حتى آخذها كما آخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي هذا دليل أن مانعها من الإمام بعد الاعتراف بوجوبها يستحق
القتال وثبت أن من أدى صدقات مواشيه إلى الفقراء أن الإمام لا يحتسب بها وأنه
متى امتنع من دفعها إلى الإمام قاتله عليها وهذا في صدقات المواشي وأما زكاة
الأموال فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم كانوا يأخذونها كما يأخذون
صدقات المواشي فلما كان أيام عثمان خطب الناس فقال هذا شهر زكاتكم فمن
كان عليه دين فليؤد ثم ليزك بقية ماله فجعل الأداء إلى أرباب الأموال وصاروا
بمنزلة الوكلاء للإمام في أدائها
باب
مقدار صدقة الفطر من البر نصف صاع
الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
مناديا في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى حر
أو عبد صغير أو كبير مدان من قمح وسواه صاع من طعام
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب
وعنه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:382(1/382)
*** ج1/ص383
على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير قال
فعدل الناس إلى نصف صاع من بر قال أبو عيسى هذا حديث حسن
صحيح وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يجب من كل
شيء صاع إلا من البر فإنه يجزئ نصف صاع وهو قول سفيان الثوري
وابن المبارك
باب
الصاع ثمانية أرطال بالعراقي
الطحاوي عن مجاهد قال دخلنا على عائشة رضي الله عنها فاستسقى
بعضنا فأتى بعس قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا قال مجاهد
فحزرته فيما أحزر ثمانية أرطال تسعة أرطال عشرة أرطال فلم يشك مجاهد في
الثمانية
وعنه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ
بالمد وهو رطلان
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:383(1/383)
*** ج1/ص384
فإن قيل في سند هذا الحديث الحماني وقد قال أحمد كان يكذب
قيل له سيأتي الجواب عن هذا إن شاء الله تعالى
فإن قيل فقد روى الطحاوي عن أبي يوسف قال قدمت المدينة
- - فأخرج إلي من أثق به صاعا فقال هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم فقدرته
فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل وسمعت ابن أبي عمران يقول إن الذي
أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن أنس وسمعت أبا حازم يقول يذكر
أن مالكا سئل عن ذلك فقال تحرى عبد الملك لصاع عمر بن الخطاب فكأن
مالكا لما ثبت عنده أن عبد الملك تحرى ذلك من صاع عمر وصاع عمر صاع
النبي صلى الله عليه وسلم أطلق عليه أنه صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل وقدر صاع عمر على خلاف ذلك
الطحاوي عن موسى بن طلحة قال الحجاجي صاع عمر بن الخطاب
وعنه عن إبراهيم قال عيرنا لصاع عمر فوجدناه حجاجيا
والحجاجي عندهم ثمانية أرطال بالعراقي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:384(1/384)
*** ج1/ص385
وعنه عن إبراهيم قال وضع الحجاج قفيزة على صاع عمر فهذا أولى
مما ذكره مالك من تحري عبد الملك لأن التحري ليس معه حقيقة
فإن قيل فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أغتسل أنا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق والفرق ثلاثة آصع كان ما يغتسل به
كل واحد منهما صاعا ونصفا فإذا كان ذلك ثمانية أرطال كان الصاع ثلثيهما وهو خمسة
أرطال وثلث رطل
قيل له إنما فيه ذكر الفرق الذي كان يغتسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي لم تذكر
مقدار الماء الذي يكون فيه هل هو ملؤه أو أقل من ذلك فقد يجوز أن يكون
يغتسل وهو ثمانية ويجوز أن يكون كان يغتسل وهو أقل من مائه مما هو صاعان
فيكون كل واحد منهما مغتسلا بصاع من ماء ويكون معنى هذا الحديث موافقا لمعاني
الأحاديث الذي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل
بالصاع وليس فيه مقدار وزن الصاع كم هو وفي حديث مجاهد عن عائشة
ذكر وزن ما كان يغتسل به وهو ثمانية أرطال فثبت بذلك ما صححت عليه هذه الآثار
وجمعت وكشفت معانيها أنه كان يغتسل من إناء هو الفرق وصاع وزنه ثمانية أرطال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:385(1/385)
*** ج1/ص386
باب
لا تجب صدقة الفطر إلا على
من يملك نصابا من أي مال كان
البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما الصدقة عن ظهر غنى ولأن الله تعالى لم يأمر بأخذ الصدقة من الفقراء بل
بدفعها إليهم
فإن قيل فقد روى أبو داود عن عبد الله بن ثعلبة - أو ثعلبة بن
عبد الله - بن أبي صعير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صاع من بر أو قمح
على كل اثنين صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله تعالى
وأما فقيركم فيرد الله تعالى عليه أكثر مما أعطى
قيل له في سنده النعمان بن راشد ولا يحتج بحديثه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:386(1/386)
*** ج1/ص387
باب
يجب على المولى صدقة الفطر عن عبده الكافر
البخاري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال فرض
رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر على الصغير والكبير
والحر المملوك
فإن قيل فقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر
أو أنثى من المسلمين
قيل له هذا الحديث رواه غير واحد عن ابن عمر لم يذكر فيه من
المسلمين فطريق التوفيق أن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة
عاما ومرة خاصا لكن الظاهر أنه سمع أولا منه الخاص ثم سمع بعده العام
ويبعد أن يكون سمع العام أولا ثم سمع الخاص لأن في هذا التقدير إبطال بعض
ما تناوله العام وفي الثاني تقرير ما تناوله والتقرير أولى من الإبطال وإلى
هذا ذهب سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق وعطاء والنخعي رحمهم الله تعالى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:387(1/387)
*** ج1/ص388
صفحة فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:388(1/388)
*** ج1/ص389
4 - كتاب الصيام
باب
إذا غم هلال رمضان كملت
عدة شعبان ثلاثين يوما
البخاري عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول
قال النبي صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان
ثلاثين
البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم
عليكم فاقدروا له
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:389(1/389)
*** ج1/ص390
ذكر الغريب
غم عليكم يعني استتر من قولك غممت الشيء إذا سترته وغطيته فهو
مغموم وقوله فاقدروا له ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به التقدير بحساب
القمر في المنازل أي اقدروا له منازل القمر فإنه يدلكم على أن الشهر تسعة وعشرون
أو ثلاثون قال بعض أهل العلم وهذا خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وقوله
فأكملوا العدة ثلاثين يوما للعامة والله أعلم
باب
لا بأس بصوم يوم الشك تطوعا
مالك أنه سمع أهل العلم ينهون عن أن يصام اليوم الذي يشك فيه
من شعبان إذا نوى به صيام رمضان ولا يرون بصيامه تطوعا بأسا وما روي أن
عمارا قال من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم محمول على أنه
صامه ناويا أنه من رمضان كقوله عليه السلام لا تقدموا صوم رمضان بيوم
ولا بيومين أخرجه البخاري ومسلم
فإن قيل فقد روى الخطيب عن عبد الله بن جراد قال أصبحنا يوم
الثلاثين صياما وكان الشهر قد أغمي علينا فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فوجدناه مفطرا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:390(1/390)
*** ج1/ص391
فقلت يا نبي الله صمنا اليوم قال أفطروا إلا أن يكون رجل يصوم هذا اليوم
فليتم صومه لأن أفطر يوما من رمضان يكون منه أحب إلي من أن أصوم يوما من
شعبان ليس منه يعني ليس من رمضان
قال الخطيب ففي هذا كفاية عما سواه
قلت قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله لا تكون عصبية أبلغ من هذا
فليته روى الحديث وسكت عنه فأما أن يعلم عيبه ولا يذكره ثم يمدحه ويثني عليه
ويقول فيه كفاية عما سواه فهذا مما أزرى به علمه أتراه ما علم أن أحدا يعرف قبح
ما أتى به كيف وهذا ظاهر لكل من شم شيئا من علم الحديث فكيف بمن أوغل
فيه أتراه ما علم أن في الصحيح من روى حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين
وهذا الحديث موضوع على ابن جراد ولا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ذكره أحد
من الأئمة الذين جمعوا السنن وترخصوا في الضعاف وإنما هو مذكور في نسخة
يعلى بن الأشدق قال أبو زرعة يعلى بن الأشدق ليس بشيء وقال أبو أحمد بن
عدي الحافظ ليعلى بن الأشدق عن عمه عبد الله بن جراد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث
كثيرة منكرة وهو وعمه غير معروفين وقال البخاري يعلى لا يكتب حديثه وقال
أبو حاتم ابن حبان لقي يعلى عبد الله بن جراد فلما كبر اجتمع عليه من لا دين له
فوصفوا له ما يواتي نسخة عبد الله بن جراد فجعل يحدث بها وهو لا يدري لا تحل
الرواية عنه بحال
قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله وما كان هذا يخفى على الخطيب غير أن
العصبية تغطي على الذهن وإنما يبهرج ما يخفي ومثل هذا لا يخفى نعوذ بالله من
غلبات الهوى
قلت وهذا الذي ذكره ابن الجوزي رحمه الله إنما عنى به خطيب بغداد في ذلك
الزمان وبئس خطيب القوم كان فإن بسبب وقوعه في الأئمة الأعيان ونسبته إليهم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:391(1/391)
*** ج1/ص392
الزور والبهتان - - جعل من الذين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يكذبون 2 ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 2
فقد تجرأ على الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في كتابه المعروف بتاريخ بغداد
وسلك في ثلبه سبيل البغي والعناد وأظهر بتكلمه فيه صورة النصح للعباد وحذا في
ذلك حذو فرعون ذي الأوتاد إذ قال لقومه 2 ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد 2 واختلق عليه أقوالا وأفعالا
وكان لاختلافه ذلك من الأخسرين أعمالا وقدم على ما وضعه في كتابه من مثالبه
نبذة يسيرة من مناقبه ليوهم من سمعه أنه ليس بمتقول به عليه وأنه لم يذكر في
كتابه عنه إلا ما نقل إليه وقد تتبعت النقاد ما ذكره من المثالب فوجدوه في
جميع ما نقله منها كاذب فكان بذلك من الذين يلبسون الحق بالباطل ويكتمون
الحق وهم يعلمون 2 فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون 2 وقد
كان كما بلغنا من المحدثين ولكن الله تعالى آتاه آياته 2 فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين 2
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:392(1/392)
*** ج1/ص393
باب
من نسي أن ينوي بالليل أجزأته النية ما بينه وبين نصف النهار
البخاري وغيره عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم
رجلا من أسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه ومن
لم يكن أكل فليصم - - فإن اليوم يوم عاشوراء وعاشوراء يومئذ كان عليهم
فرضا يدل على ذلك ما روى البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله
عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصيام يوم عاشوراء فلما فرض رمضان كان من
شاء صام ومن شاء أفطر
قال الطحاوي رحمه الله ففي أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بصومه بعدما أصبحوا
دليل على أن من كان في يوم عليه صومه بعينه ولم يكن نوى صومه من الليل
أنه يجزئه أن ينوي صومه بعدما أصبح إذا كان ذلك قبل الزوال على ما قال أهل
العلم
فإن قيل صوم يوم عاشوراء إن كان الأمر بصيامه في أول الفرض
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:393(1/393)
*** ج1/ص394
فالفرض من حين الخطاب وإن كان في وقت نسخ فرضه وبقي تطوعا فيجوز أنه
أخبرهم قبل دخوله وأشار إليهم به وإلا فلا معنى لهذا
والذي يدل على صحة هذا أنه لم يرو أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في يوم
عاشوراء من أكل بقضاء
قيل له الفرض كان قبل الخطاب والخطاب كان معلما بثبوته كالشهادة
برؤية الهلال ويدل عليه قوله في حديث سلمة بن الأكوع فإن اليوم يوم عاشوراء
ففي هذا أنهم كانوا عالمين بشرعية صومه ولم يكونوا عالمين بأنه هو هذا اليوم وقد
روى أبو داود عن عبد الرحمن بن سلمة عن عمه أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم
فقال أصمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوه وأخرجه
النسائي
فإن قيل فما جوابك عن قوله عليه السلام من لم يبيت الصيام قبل الفجر
فلا صيام له
قيل له هذا حديث لم يرفعه الحفاظ الذين يروونه عن ابن شهاب ويختلفون
فيه اختلافا يجب اضطراب الحديث بما هو دونه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:394(1/394)
*** ج1/ص395
ورواه الترمذي عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يجمع الصيام من
الليل قبل الفجر فلا صيام له قال أبو عيسى حديث حفصة لا نعرفه مرفوعا
إلا من هذا الوجه وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح
قال الطحاوي رحمه الله ولكن مع ذلك نثبته ونجعله على خاص من
الصوم وهو الصوم الفرض الذي ليس في أيام بعينها مثل الصوم في الكفارات
وقضاء رمضان وما أشبه ذلك
وروى الترمذي عن عائشة أم المؤمنين قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوما فقال هل عندكم شيء قالت قلت لا قال فإني صائم
قال أبو جعفر الطحاوي فلما جاءت هذه الآثار على ما ذكرنا لم يجز أن
نجعل بعضها مخالفا لبعض فحملنا حديث عائشة على صوم التطوع وحديث يوم
عاشوراء على الصوم المفروض في اليوم الذي بعينه فكذلك حكم الصوم المفروض
في ذلك اليوم جائز أن يعقد له النية بعد طلوع الفجر ومن ذلك شهر رمضان
فهو فرض في أيام بعينها كيوم عاشوراء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:395(1/395)
*** ج1/ص396
باب
الصوم في السفر جائز
مالك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام
الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس وكانوا
يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعنى هذا أنهم لم يكونوا علموا قبل ذلك أن للمسافر أن يفطر في السفر كما
ليس له أن يفطر في الحضر
وعنه أن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا
رسول الله إني رجل أصوم أفأصوم في السفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت
فصم وإن شئت فأفطر
ذكر الغريب
الكديد الأرض الصلبة المكدودة بالحوافر وهو في هذا الحديث ما بين عسفان
وقديد في طريق مكة شرفها الله تعالى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:396(1/396)
*** ج1/ص397
باب
صوم رمضان للمسافر أفضل من الفطر
قال الله تعالى 2 وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون 2
الطحاوي عن عاصم الأحول قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه
عن صوم شهر رمضان في السفر فقال الصوم أفضل وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله وضع
عن المسافر الصيام يجوز أن يكون ذلك الصيام الذي وضعه عنه هو الصيام
الذي لا يكون له منه بد في تلك الأيام كما لا بد للمقيم من ذلك وفي هذا الحديث
ما قد دل على هذا المعنى ألا تراه يقول وعن الحامل والمرضع أفلا ترى
أن الحامل والمرضع إذا صامتا رمضان أن ذلك يجزيهما وأنهما لا يكونان كمن صام
قبل وجوب الصوم عليه بل جعلناه يجب الصوم عليهما بدخول الشهر وجعل
لهما تأخيره للضرورة والمسافر في ذلك مثلهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:397(1/397)
*** ج1/ص398
باب
إذا جامع امرأته في رمضان
لزمتها الكفارة إن كانت مطاوعة له
لأنهما اشتركا في الفعل وقد وجبت عليه الكفارة فتجب عليها
فإن قيل فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الذي جامع بالكفارة لم يأمره بشيء في حق
امرأته
قيل له يحتمل أن يكون ذكر حكمها ولم ينقل أو ترك النبي صلى الله عليه وسلم البيان في
حقها لأنها لم تأته ولم تسأله ولم يسأله زوجها عن حكمها
فإن قيل فقد بين ما لم يسأل عنه في حديث العسيف وهو قوله اغد يا أنيس
على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها
قيل له لم يكن هذا واجبا عليه وإنما تبرع به ثم الفرق بين قضية
العسيف وبين مسألتنا من وجهين
أحدهما أنه أخبر في حديث العسيف أنه أوجب الحد وهو حق من
حقوق الله تعالى ويلزم الإمام استيفاؤه والكفارة معاملة بين العبد وبين ربه لا نظر
للإمام فيها
والثاني أن الحد في قضية العسيف مختلف فاحتاج إلى شرح من يجب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:398(1/398)
*** ج1/ص399
عليه الحد ومن يجب عليه الرجم والحكم في هذه المسألة متحد وصار هذا كقوله
تعالى 2 فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب 2 وألحقنا بهذا العبد ثم
سكوته عليه السلام لا يدل على السقوط لاحتمال أن يكون لعارض صرفه عن
ذكره أو شغل شغله أو لعله علم أنها لا يلزمها الكفارة لكونها ذمية أو مجنونة
أو مكرهة يدل على ذلك أنه قال هلكت وأهلكت ولولا ذلك لم يكن إهلاكا
أو لأنه قبل قوله في حق نفسه ولم يقبل قوله في حقها وفيه دليل على أنه كان
عامدا فإن الناسي غير هالك ويؤيد هذا ما روى سعيد بن المسيب قال أتى
أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتف شعره ويضرب خديه ويقول هلك الأبعد
باب
تجب الكفارة بالأكل متعمدا
الدارقطني عن عامر بن سعد عن أبيه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال أفطرت يوما من رمضان متعمدا قال أعتق رقبة أو صم شهرين متتابعين
أو أطعم ستين مسكينا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:399(1/399)
*** ج1/ص400
باب
الكفارة مرتبة
البخاري وغيره عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال
بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال
ما لك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة
تعتقها قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا
قال فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا قال فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن
على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر - والعرق المكتل - قال أين السائل فقال
أنا قال خذ هذا فتصدق به فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله
ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى
بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك
باب
قضاء رمضان إن شاء فرقه وإن شاء تابعه
الدارقطني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في
قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:400(1/400)
*** ج1/ص401
فإن قيل قال الدارقطني لم يسنده غير سفيان بن بشر
قيل له لم نعرف أحدا طعن فيه والزيادة من الثقة مقبولة
فإن قيل روى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه
قيل له فيه عبد الرحمن بن إبراهيم قال يحيى بن معين ليس بشيء
باب
فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر صام
الثاني وقضى الأول بعده ولا فدية عليه
لقول الله سبحانه وتعالى 2 فعدة من أيام أخر 2
فإن قيل روى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في
رجل أفطر في رمضان من مرض ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:401(1/401)
*** ج1/ص402
يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم عن كل يوم
مسكينا
قيل له في سنده إبراهيم بن نافع قال أبو حاتم الرازي كان يكذب وفيه
عمر قال فيه أيضا كان يضع الحديث
باب
من مات وعليه صوم
لا يجزئ صوم الولي عنه
ابن عبد البر عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا
من حنطة
وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من
مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين قال الترمذي
لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه والصحيح أنه موقوف على ابن عمر
فإن قيل في سنده أشعث - وهو ابن سوار - قال يحيى بن معين
لا شيء قيل له وفي رواية أنه ثقة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:402(1/402)
*** ج1/ص403
فإن قيل روى البخاري ومسلم وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه
وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاءت امرأة إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين فقال أرأيت
لو كان على أختك دين أكنت تقضيه قالت نعم قال فدين الله أحق
قيل له الأول معارض بقوله تعالى 2 ولا تزر وازرة وزر أخرى 2 2 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 2 وحديث الترمذي ليس فيه إلزام بل أنبأها أن
مراعاة حق الله أولى ولو ازدحم حق الله تعالى وحق الآدمي لقدم حقه لفقره
وحاجته وقد كان الآدمي يقضي عبادته من الصوم في حياته ببدنه إمساكا
وكان يقضيها بما له في وقت تصدقا وإطعاما فقال النبي صلى الله عليه وسلم للولي صم عنه
الصوم الذي يمكن النيابة فيه وهو الصدقة عن التفريط في الصيام والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:403(1/403)
*** ج1/ص404
باب
الحجامة لا تفطر الصائم
البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
احتجم وهو صائم وفي لفظ الترمذي وهو محرم صائم
فإن قيل روى أبو داود وغيره عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال أفطر الحاجم والمحجوم
قيل له حديث ابن عباس متأخر عن حديث ثوبان فإن ابن عباس
لم يصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم إلا في حجة الوداع وفي حديث شداد بن
أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم وهو آخذ
بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان فقال أفطر الحاجم والمحجوم وفي حديثه
أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح في رمضان وعام الفتح كان في سنة ثمان
وحجة الوداع كانت سنة عشر والمتأخر ينسخ المتقدم
ويؤيد هذا ما روى الدارقطني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:404(1/404)
*** ج1/ص405
أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر
به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أفطر هذان ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة
للصائم وكان أنس رضي الله عنه يحتجم وهو صائم قال الدارقطني رجاله
كلهم ثقات ولا أعلم له علة
وروى البخاري وأبو داود عن ثابت قال أنس ما كنا ندع الحجامة
للصائم إلا كراهية الجهد
الطحاوي عن أبي ألأشعث قال إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم
والمحجوم لأنهما كانا يغتابان
باب
إذا أصبح في رمضان جنبا
أتم صومه وأجزأه
البخاري ومسلم عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالتا كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً في رمضان من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:405(1/405)
*** ج1/ص406
باب
لا يكره السواك للصائم قبل الزوال ولا بعده
أبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنهما قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أعد ولا أحصي وأخرجه الترمذي
وقال حديث حسن وأخرجه البخاري في صحيحه تعليقا عن عامر بن
ربيعة
فإن قيل روي أنه عليه السلام قال لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح
المسك فصار ممدوحا شرعا فلم يجز إزالته بالسواك كدم الشهيد
قيل له السواك مطهرة للفم فلا يكره لا سيما وهي رائحة تتأذى الملائكة بها
فلا تترك هناك وإنما مدح الخلوف نهيا عن تقزز مكالمة الصائم بسبب الخلوف
لا نهيا للصائم عن السواك والله غني عن وصول الرائحة الطيبة إليه فعلمنا يقينا أنه
لم يرد بالنهي استبقاء الرائحة وإنما أراد نهي الناس عن كراهيتها وهذا التأويل
أولى لأن فيه إكراما للصائم ولا تعرض فيه للسواك وأما دم الشهيد فإنما
يبقى لأنه قتل مظلوما ويأتي خصماً ومن شأن الخصم أن تكون حجته بادية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:406(1/406)
*** ج1/ص407
وشهادته ظاهرة غير خفية لا سيما وفي إزالة الخلوف بالسواك إخفاء الصوم وهو
أبعد من الرياء
باب
لا يكره الصوم بعد النصف من شعبان
أبو داود والنسائي عن عبد الله بن أبي قيس سمع عائشة رضي الله عنها
تقول كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله
برمضان
فإن قيل هذا محمول على أنه كان مباحا للنبي صلى الله عليه وسلم فعله وقوله عليه السلام
لا صوم بعد النصف من شعبان حتى رمضان محمول على أنه كان محظورا على
غيره
قيل له إنما كان النهي على سبيل الإشفاق منه على صوام رمضان أن يضعفوا
وقوله عليه السلام أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود كان يفطر يوما ويصوم
يوما فأباح النبي صلى الله عليه وسلم صوم يوم وفطر يوم من سائر الدهر فدخل ما بعد نصف
شعبان في الإباحة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:407(1/407)
*** ج1/ص408
باب
من أراد صوم يوم عاشوراء
فليصم اليوم التاسع قبله
مسلم وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال حين صام النبي صلى الله عليه وسلم
يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع فلم يأت العام
المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا حكم صوم يوم الجمعة ويوم
السبت
فائدة زعم بعض أهل اللغة أنه إنما سمي عاشوراء لأنه مأخوذ من أعشار
أوراد الإبل والعشر عندهم بكسر العين تسعة أيام تقول العرب وردت الإبل
عشرا إذا وردت في اليوم التاسع وذلك أنهم يحسبون في الإظماء يوم الورد فإذا
أقاموا في الرعي يومين ثم أوردوا في اليوم الثالث قالوا وردنا ربعا وإنما هو
الثالث وإذا أقاموا في الرعي ثلاثا وأوردوا في الرابع قالوا وردنا خمسا فعاشوراء
على هذا الحساب هو اليوم التاسع
ومن هذا قالوا عشرين على الجمع ولم يقولوا عشرين لأنهم جعلوا ثمانية
عشر يوما عشرين واليوم التاسع عشر والمكمل عشرين طائفة من الورد
فجمعه عشرين ذكره الخطابي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:408(1/408)
*** ج1/ص409
وقال الجوهري والعشر بكسر العين ما بين الوردين وهو ثمانية أيام
لأنها ترد اليوم العاشر وكذلك الإظماء بالكسر وليس لها اسم بعد العشر إلا في
العشرين فإذا وردت يوم العشرين قيل ظمؤها عشران وهو ثمانية عشر يوما
قال الجوهري والعشر والظمء والورد الكل بالكسر وشرحه بعضهم
فقال وإنما قالوا عشرين على الجمع ولم يقولوا عشرين على التثنية لأن ثمانية
عشرة عشران فضم إلى ذلك تاسع عشر وما بعده فصار جمعا فقالوا عشرين
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:409(1/409)
*** ج1/ص410
صفحة فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:410(1/410)
*** ج1/ص411
5 - كتاب الاعتكاف
باب
لا يصح الاعتكاف الواجب إلا بالصوم
مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد ونافعا مولى عبد الله بن عمر قالا
لا اعتكاف إلا بصيام
الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لا اعتكاف إلا
بصيام
النسائي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذر أن يعتكف ليلة في
الجاهلية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتكف ويصوم - -
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:411(1/411)
*** ج1/ص412
باب
المرأة تعتكف في بيتها
البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد
أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه إذا أخبية خباء
عائشة وخباء حفصة وخباء زينب فقال آلبر تردن ثم انصرف
ولم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:412(1/412)
*** ج1/ص413
6 - كتاب المناسك
باب
الحج واجب على الفور
الترمذي عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا
أو نصرانيا وهذا يقتضي أن من غلب على ظنه أنه لا يعجز عن الحج فمات قبل
أن يحج يستحق الوعيد
فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم حج في السنة العاشرة من الهجرة وهي آخر عمره
وكان فتح مكة سنة ثمان وبعث أبا بكر رضي الله عنه ليحج بالناس سنة تسع فدل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:413(1/413)
*** ج1/ص414
على أنه أخر الحج مع التمكن والوجوب كان قبل فتح مكة ولنا فيه
أسوة حسنة
قيل له أما حج النبي صلى الله عليه وسلم فمن المحتمل أنه أخره بعذر من فقر أو خوف على
المدينة من المشركين أو كان يكره إظهار المشركين أعلام الشرك في الحرم ولم يمكنه
المنع لقيام العهد بينهم وكان ينتظر انقضاء مدة العهد وفرض الحج كان سنة ست
من الهجرة وفتح مكة كان سنة ثمان ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم من طريق
الوحي أنه يدرك والدليل على صحة هذه الاحتمالات أنا اتفقنا على أن التعجيل
أفضل والرسول صلى الله عليه وسلم لا يترك الأفضل إلا لعذر
باب
إذا كان بين المرأة وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام
لا يجب عليها الحج إلا مع زوج أو محرم
البخاري وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر
المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم
البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب
يقول لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:414(1/414)
*** ج1/ص415
فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة
كذا وكذا فقال انطلق حج مع امرأتك
فإن قيل فقد روى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة
ليس معها محرم
قيل له العمل بحديث الثلاث أولى من العمل بحديث اليوم والليلة لأن
حديث الثلاث إن كان متقدما كان حديث اليوم والليلة مقررا لحكمه وإن
كان حديث اليوم والليلة متقدما كان حديث الثلاث ناسخا له فحديث الثلاث
معمول به على كلا التقديرين وحديث اليوم والليلة معمول به على أحد التقديرين
قال الطحاوي رحمه الله حدثني بعض أصحابنا عن محمد بن مقاتل
الرازي ولا أعلمه إلا عن حكام الرازي قال سألت أبا حنيفة رضي الله عنه هل
تسافر المرأة بغير محرم قال لا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام
فصاعدا إلا ومعها زوجها أو أبوها أو ذو محرم منها قال حكام فسألت
العرزمي فقال لا بأس بذلك حدثني عطاء أن عائشة رضي الله عنها كانت تسافر
بغير محرم فأتيت أبا حنيفة رضي الله عنه فأخبرته بذلك فقال أبو حنيفة رضي الله
عنه لم يدر العرزمي ما روى كان الناس لعائشة رضي الله عنها محرما فمع أيهم
سافرت فقد سافرت مع محرم وليس الناس لغيرها محرما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:415(1/415)
*** ج1/ص416
قلت ظن العرزمي أن سفر عائشة رضي الله عنها بغير محرم دليل على نسخ
الحديث الذي رواه أبو حنيفة لأن الحديث حكمه مختص بالنساء وهي من جملة
الداخلين تحت الخطاب وهي صحابية وقد فعلت خلاف ما اقتضاه الحديث فدل
على أنها اطلعت على نسخه فبين أبو حنيفة رضي الله عنه أن فعل عائشة رضي الله
عنها ليس بدليل على نسخ الحديث لما ذكره من المعنى وإلى هذا ذهب
النخعي والحسن البصري وأحمد وإسحاق وذهب بعضهم إلى أنها تخرج مع
امرأة حرة مسلمة ثقة من النساء قياسا على الأسيرة المسلمة إذا تخلصت من
أيدي الكفار أو الكافرة إذا أسلمت في دار الحرب فإنها يجوز لها الخروج إلى دار
الإسلام بلا محرم والمعنى فيه أنه سفر واجب فكذلك الحج
قلت هذا قياس في مقابلة النص فلا يصح ولأنهما لو كانا سواء لجاز لها أن
تحج من غير محرم ولا امرأة
باب
من أراد أن يحرم صلى ركعتين ثم أحرم في دبرها
أبو داود عن سعيد بن جبير قال قلت لعبد الله بن عباس رضي الله
عنهما عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:416(1/416)
*** ج1/ص417
أوجب فقال إني لأعلم الناس بذلك إنها لما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة
واحدة فمن هناك اختلفوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا فلما صلى في مسجده
بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع
ذلك منه أقوام فحفظوه عنه ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك
منه أقوام وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به
ناقته يهل فقالوا إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلت به ناقته ثم مضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا إنما أهل
حين علا شرف البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به
ناقته وأهل حين علا شرف البيداء لكن في سنده خصيف ومحمد بن إسحاق
الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل في دبر
الصلاة حديث حسن غريب
ذكر الغريب البيداء المفازة والجمع بيد قاله الجوهري وقال الهروي اسم أرض
ملساء بين المسجدين وفسره في اللغة بما قاله الجوهري
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:417(1/417)
*** ج1/ص418
باب
يجوز أن يتطيب قبل الإحرام
بما يبقى أثره بعده
البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت كأني أنظر إلى وبيص
الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا في
المشهور من الرواية ولم ترو كراهته عن أحد من أصحابنا إلا عن محمد
رحمه الله وقد نسب البغوي هذا القول إلى أبي حنيفة رحمه الله وقال
قال أبو حنيفة إن تطيب بما يبقى أثره بعد الإحرام فعليه الفدية كما لو استدام لبس
المخيط قال والحديث حجة عليه
قلت لم يكف البغوي في التعصب أنه نسب إلى أبي حنيفة خلاف مذهبه
حتى جعل الحديث حجة عليه وهذا الحديث هو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه
ذكر الغريب
وبيص المسك بريقه ولمعانه والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:418(1/418)
*** ج1/ص419
باب
إذا لم يجد إزارا لبس سراويلا وكفر
البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلبس
القمص ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين
فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين
الترمذي عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المحرم إذا لم يجد الإفزار فليلبس السراويل فإذا لم يجد النعلين
فليلبس الخفين
فهذا الحديث مطلق والذي قبله مقيد لأنه إنما أباح له لبس الخفين بعد
قطعهما أسفل من الكعبين وهذا التقييد مؤذن بالتقييد في لبس السراويل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:419(1/419)
*** ج1/ص420
فينبغي أن يكون لبس المحرم له على خلاف ما يلبسه الحلال وذلك يوجب
الكفارة
باب
لا يلبس المحرم ثوبا مسه ورس ولا عصفر ولا زعفران
إلا أن يكون غسيلا لا تفوح له رائحة
الطحاوي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا تلبسوا ثوبا مسه ورس أو زعفران إلا أن يكون غسيلا يعني في الإحرام قال
ابن أبي عمران ورأيت يحيى بن معين يتعجب من الحماني أن يحدث بهذا
الحديث فقال له عبد الرحمن هذا عندي ثم وثب من فوره فجاء بأصله
فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية كما ذكره يحيى بن عبد الحميد
الحماني فكتبه عنه يحيى بن معين
باب
من أحرم وعليه جبة أو قميص نزعهما
الترمذي عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال رأى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:420(1/420)
*** ج1/ص421
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيا قد أحرم وعليه جبة فأمره أن ينزعها ومن طريق
أبي داود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اخلع جبتك فخلعها من رأسه وإلى هذا ذهب
عطاء وعكرمة رحمهما الله تعالى
باب
القران أفضل من التمتع والإفراد
البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع عمر رضي الله عنه
يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي فقال
صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة
وعنه عن مروان بن الحكم قال شهدت عثمان وعليا رضي الله عنهما
وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى علي ذلك أهل بهما لبيك بعمرة
وحجة وقال ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد
الطحاوي عن مروان بن الحكم قال كنا نسير مع عثمان بن عفان رضي
الله عنه فإذا رجل يلبي بالحج والعمرة فقال عثمان من هذا فقالوا علي فأتاه
عثمان فقال ألم تعلم أني نهيت عن هذا فقال بلى ولكني لم أكن لأدع قول النبي صلى الله عليه وسلم
لقولك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:421(1/421)
*** ج1/ص422
فإن قيل فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وروي أنه تمتع وروي أنه قرن
فما طريق التوفيق بين هذه الروايات وكلها في الصحيح
قيل له قال الطحاوي رحمه الله طريق التوفيق بينها أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعمرة
في بدء أمره فمضى فيها متمتعا ثم أحرم بحجة قبل طوافه وأفردها بالإحرام فصار
بها قارنا
فإن قيل فقد روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع
النبي صلى الله عليه وسلم بالبيداء وأنه رديف أبي طلحة يهل بالحج والعمرة جميعا
قال الخطابي وهذا بيان أنه قرن بينهما في وقت واحد في إحرام واحد
ولم يكن على أنه أحرم بأحدهما وأدخل عليه الآخر
قلت ليس في هذا الحديث إلا أنه سمعه بالبيداء يهل بالحج والعمرة وذلك
إنما يدل أن لو لم يوجد من النبي صلى الله عليه وسلم إهلال قبل هذا وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل
حين فرغ من ركعتيه التي صلاهما في مسجده بذي الحليفة وبين المسجد والبيداء
مسافة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:422(1/422)
*** ج1/ص423
باب
إشعار البدن ليس بسنة
لما روى أبو داود عن الهياج بن عمران أن عمران أبق له غلام فجعل لله
عليه لئن قدر عليه ليقطعن يده فأرسلني لأسأل له فأتيت سمرة بن جندب فقال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة
قال فأتيت عمران بن الحصين فسألته فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على
الصدقة وينهانا عن المثلة ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان وهذا موجود في
الإشعار
فإن قيل فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعر بدنه عام حجة الوداع
قيل له إن كان حديث النهي عن المثلة وتعذيب الحيوان واردا بعد فعله صلى الله عليه وسلم
كان ناسخا له وإن كان فعله صلى الله عليه وسلم متأخرا عنه فلا يصح أن يكون مخصصا
له في حقنا لجواز أن يكون ذلك مختصا به أو يكون فعله صيانة للهدي فإن
المشركين كانوا لا يمتنعون عنه إلا به ولأن هذا فعل لا يمكننا الإتيان به على الوجه
الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن محله من صفحة السنام غير معروف وطول الجرح
وعمقه غير معلوم فإذا طعن في صفحة السنام فربما لا يوافق المكان الذي طعن فيه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:423(1/423)
*** ج1/ص424
رسول الله صلى الله عليه وسلم وربما زاد على المقدار الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون مخالفا له
ومخالفته صلى الله عليه وسلم محظورة وترك ما فعله صلى الله عليه وسلم إذا لم يمكن امتثاله غير محظور
فإن قيل قال الترمذي وسمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال
لرجل ينظر في الرأي أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أبو حنيفة هو مثلة قال الرجل
فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أن الإشعار مثلة قال فرأيت وكيعا غضب
غضبا شديدا وقال أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم ما أحقك بأن
تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا
قيل له غضب الخيل على اللجم وكيف يسوغ له الإنكار على هذا الرجل
كونه أخبر أن أبا حنيفة رحمه الله لم يبتكر هذا القول من عند نفسه بل قد سبقه به
إبراهيم النخعي وكان من كبار التابعين قال الشعبي يوم موته لو قلت أنعي
العلم ما خلف بعده مثله وسأخبركم عن ذلك إنه نشأ في أهل بيت فقه فأخذ
فقههم ثم جالسنا فأخذ صفو حديثنا إلى فقه أهل بيته فمن كان مثله ومن كان
بهذه المثابة فهو أعرف بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد احتراما لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من
وكيع وأمثاله وغضب وكيع إنما كان لضيق مجاله وقلة احتياله في التوفيق بين الأخبار
الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله فهذا أبو الطفيل يقول قلت
لابن عباس يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بالبيت وأن ذلك سنة قال صدقوا
وكذبوا قلت ما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:424(1/424)
*** ج1/ص425
وكذبوا ليس بسنة وبين السبب الذي كان الرمل من أجله ونحن أيضا نقول
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشعر البدن وليس بسنة لما رويناه من الأحاديث ولجواز أن
يكون صلى الله عليه وسلم فعل ذلك صيانة له عن المشركين فإنهم كانوا لا يمتنعون عنه إلا به
ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر غيره بالإشعار ولا بلغنا أن غيره في حجة الوداع
أشعر فمن أعاب علينا قولنا أنه ليس بسنة فقد جعل هذا ذريعة إلى أن يعيب
على من وقع الإجماع على سلامتهم من كل عيب وقد قيل إن أبا حنيفة رضي الله عنه
إنما كره إشعار أهل زمانه فإنهم كانوا يبالغون فيه إلى حد يخاف منه السراية فعلى
هذا يكون الإشعار المقتصد مستحبا عنده رضي الله عنه وهذا هو الأليق بمنصبه رضي
الله عنه ويكون قوله إن الإشعار مثلة عائد إلى صنيع أهل زمانه لا إلى فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب
إذا ساق هديا فاضطر إلى ركوبه ركبه وإلا فلا
مسلم والنسائي عن أبي الزبير قال سألت جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اركبها بالمعروف إذا
ألجئت إليها حتى تجد ظهرا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:425(1/425)
*** ج1/ص426
الطحاوي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق
بدنة وقد جهد قال اركبها قال يا رسول الله إنها بدنة قال اركبها
وعنه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول في الرجل إذا ساق بدنة
فأعيى اركبها وما أنتم بمستنين سنة هي أهدى من سنة محمد صلى الله عليه وسلم وما روي من
الأحاديث المطلقة محمولة على هذا
باب
ما للمحرم قتله من الدواب
الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس
فواسق يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والغراب والحديا والكلب
العقور هذا حديث حسن صحيح
والكلب العقور ليس هو الضبع بدليل ما روى الترمذي عن ابن
أبي عمار قال قلت لجابر الضبع أصيد هي قال نعم قال آكلها قال
نعم قال قلت أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم هذا حديث حسن صحيح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:426(1/426)
*** ج1/ص427
الدارقطني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل
عن الضبع فقال هي من الصيد وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا فانتفى أن
يكون الضبع هو الكلب العقور بل الكلب العقور هو الكلب الذي تعرفه
العامة فلم يكن كل سبع عقور داخلا فيه ولم يبح قتل الذئب لأن فيه زيادة
على العدد الذي نص عليه الشارع
فإن قيل فلم أبيح قتل الحية وجميع الحيوانات المؤذية
قيل له قد بينا أن الضبع خارج عما أبيح قتله من الخمس بالنص فثبت
بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد قتل سائر السباع بإباحته قتل الكلب العقور وإنما أريد
بذلك قتل خاص من السباع
وقد أباح قتل الحدأة والغراب وهما من ذوي المخلب من الطير وأجمعوا أنه
لم يرد بذلك قتل كل ذي مخلب من الطير لأنهم أجمعوا أن العقاب والصقر
والبازي غير مقتولين في الحرم وأباح قتل العقرب في الإحرام والحرم أجمعوا أن
مراد النبي صلى الله عليه وسلم إباحة قتل جميع الهوام وقد يكون من الصيد ما لا يؤكل ومباح
للرجل صيده ليطعمه كلابه إذا كان في الحل حلالا
الطحاوي عن الأسود عن عبد الله قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الحية
ونحن بمنى فدل ذلك أن سائر الهوام قتلهن مباح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:427(1/427)
*** ج1/ص428
باب
إذا تولى الحلال ذبح صيد
جاز للمحرم أن يأكل منه
الطحاوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة الأنصاري على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم
محرمون حتى نزلوا عسفان فإذا هم بحمار وحش قال وجاء أبو قتادة وهو حل
فنكسوا رؤوسهم كراهية أن يحدوا أبصارهم فيفطن فرآه فركب فرسه وأخذ الرمح
فسقط منه فقال ناولونيه فقلنا ما نحن بمعاونيك عليه بشيء فحمل عليه فعقره
فجعلوا يشوون منه ثم قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قال وكان تقدمهم
فلحقوه فسألوه فلم ير بذلك بأسا
وعنه عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه كان في قوم محرمين وليس
هو محرما فرأى حمارا فركب فرسه فصرعه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك فقال
هل أشرتم أو صدتم أو قتلتم فقالوا لا قال فكلوا وزاد في رواية من
طريق مالك هل معكم من لحمه شيء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:428(1/428)
*** ج1/ص429
باب
لا ترفع الأيدي عند رؤية البيت
الترمذي عن المهاجر المكي قال سئل جابر بن عبد الله رضي الله عنه
أيرفع الرجل يديه إذا رأى البيت فقال حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا
نفعله ومن طريق الطحاوي أنه سئل عن رفع الأيدي عند البيت فقال
ذا يفعله اليهود قد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعل ذلك
باب
يرمل في الحج والعمرة
البخاري وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سعى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة
أشواط ومشى أربعا في الحج والعمرة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:429(1/429)
*** ج1/ص430
باب
البخاري وغيره عن سالم عن أبيه أنه قال لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من
البيت إلا الركنين اليمانيين
باب
لا يصلي ركعتي الطواف
بعد الصبح ولا بعد العصر
لعموم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن ذلك
فإن قيل فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا بني عبد المطلب لا تمنعوا أحدا
يطوف بهذا البيت أو يصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار
قيل له إنما أباح النبي صلى الله عليه وسلم من الطواف والصلاة وأمر بني عبد المطلب
أن لا يمنعوا أحدا منهما هو الطواف على سبيل ما ينبغي أن يطاف والصلاة على
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:430(1/430)
*** ج1/ص431
ما ينبغي أن يصلى فأما سوى ذلك فلا أفلا ترى أن رجلا لو طاف بالبيت
عريانا أو صلى على غير وضوء أو جنبا أن عليهم أن يمنعوه من ذلك لأنه طاف
على غير ما ينبغي أن يطاف وليس بداخل في الذي أمرهم أن لا يمنعوا منه من
الطواف فكذلك قوله لا تمنعوا أحدا أن يصلي هو على ما قد أمر أن يصلى
عليه من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة في الأوقات التي أبيحت
الصلاة فيها فأما ما سوى ذلك فلا
قال البخاري وكان ابن عمر رضي الله عنه يصلي ركعتي الطواف
ما لم تطلع الشمس وطاف عمر بعد الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى
وكان بمحضر من الصحابة فلم ينكر عليه منكر ولو كان ذلك الوقت عنده وقت
صلاة للطواف لصلى ولما أخر ذلك لأنه لا ينبغي لأحد أن يطوف بالبيت
إلا ويصلي حينئذ إلا من عذر
مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال لقد رأيت البيت يخلو بعد
صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ما يطوف به أحد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:431(1/431)
*** ج1/ص432
باب
ركعتا الطواف واجبة
الترمذي وغيره عن جابر رضي الله عنه قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة دخل
المسجد فاستلم الحجر ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم أتى المقام
فقال 2 واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى 2 فصلى ركعتين والمقام بينه وبين
البيت ثم أتى الحجر بعد الركعتين فاستلمه ثم خرج إلى الصفا أظنه قال 2 إن الصفا والمروة من شعائر الله 2 حديث حسن صحيح
باب
ليس لأحد دخل في حجة أن يخرج منها إلا بتمامها
ولا يحله منها شيء قبل يوم النحر من طواف وغيره
أبو داود عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال قلت
يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا فقال بل لكم خاصة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:432(1/432)
*** ج1/ص433
وعنه أن أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك إلا
للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقوله تعالى 2 ثم محلها إلى البيت العتيق 2 فهذا في البدن ليس في الحاج
ومعنى البيت العتيق ههنا هو الحرم كله كما قال في الآية الأخرى 2 حتى يبلغ الهدي محله 2 فالحرم هو محل الهدي لأنه ينحر فيه فأما بنو آدم فإنما محلهم في
حجهم يوم النحر
باب
يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين
الطحاوي عن أبي النضر قال أهللت بالحج فأدركت عليا فقلت له
إني أهللت بالحج أفأستطيع أن أضيف إليه عمرة قال لا لو كنت أهللت بالعمرة
ثم أردت أن تضم إليها الحج ضممته قال قلت كيف أصنع إذا أردت ذلك
قال تصب عليك إداوة من ماء ثم تحرم بهما جميعا وتطوف لكل واحدة
منهما طوافا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:433(1/433)
*** ج1/ص434
وعنه عن علي وعبد الله رضي الله عنهما قالا القارن يطوف طوافين
ويسعى سعيين
الدارقطني عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا فطاف طوافين
وسعى سعيين
وعنه عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طوافين
وسعى سعيين
فإن قيل قال الدارقطني الحديث الأول يرويه حفص بن أبي داود وهو
ضعيف ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا بالحج وقال في الحديث الثاني إن
محمد بن يحيى الأزدي حدث بهذا من حفظه فوهم وقد حدث به مرارا على
الصواب ويقال إنه رجع عن ذكر الطواف والسعي ولم يذكر سوى هذا
قيل له الحديث لا يبطل بمثل هذا قد بينا من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا
فإن قيل صح أن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل
بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا فقدمت مكة وأنا حائض
فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة فلما قضيت الحج أرسلني
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:434(1/434)
*** ج1/ص435
مكان عمرتك فقالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة
ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين جمعوا بين
الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا وهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأمره كانوا
يعملون
قيل له فقد روي عن عقيل عن الزهري عن عائشة رضي الله عنها أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع في حجة الوداع وتمتع الناس معه وعلمنا أنه الذي يهل لحجته
بعد طوافه للعمرة ثم قالت في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان معه
هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ولم يبين
لهم الموضع الذي قال لهم فيه هذا القول فقد يجوز أن يكون قاله قبل
دخول مكة أو بعد دخول مكة قبل الطواف فيكونون قارنين بتلك الحجة
والعمرة التي كانوا أحرموا بها قبلها ويجوز أن يكون قال لهم ذلك بعد طوافهم
للعمرة فيكونون متمتعين بتلك الحجة التي أمرهم بالإحرام بها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:435(1/435)
*** ج1/ص436
قال الطحاوي فنظرنا في ذلك فوجدنا جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري
رضي الله عنهما أخبرا في حديثيهما أن ذلك القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر طواف
العمرة فعلمنا أن قول عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث وأما الذين جمعوا بين
الحج والعمرة إنما تعني جمع متعة لا جمع قران قالت فإنما طافوا طوافا
واحدا بعد جمعهم بين الحج والعمرة التي كانوا طافوا لها طوافا واحدا لأن حجتهم
تلك المضمونة مع العمرة كانت مكية والحجة المكية لا يطاف لها قبل عرفة إنما
يطاف لها بعد عرفة
فإن قيل فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن
بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافا واحدا
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحرم بالحج
والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد ولا يحل من واحد منهما حتى يحل منهما
قيل له أما الحديث الأول ففي سنده حجاج بن أرطاة وهو ضعيف مع أنكم
رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا بالحج
فإن قيل فقد روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:436(1/436)
*** ج1/ص437
هو وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا لحجتهم وعمرتهم
قيل له فيه الليث بن أبي سليم وهو ضعيف وإن صح قلنا إنما
يعني جابر ما بينه عنه أبو الزبير
الطحاوي عن أبي الزبير أنه سمع جابرا يقول لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم
و لا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا وإنما أراد جابر بهذا أن يخبرهم
أن السعي بين الصفا والمروة لا يفعل في طواف يوم النحر ولا في طواف الصدر كما
يفعل في طواف القدوم
وأما الحديث الثاني فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ وإنما أصله عن ابن عمر نفسه
هكذا رواه الحفاظ
فإن قيل روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذا رجعت
إلى مكة فإن طوافك يكفيك بحجك وعمرتك
قيل له ليس هذا لفظ الحديث إنما لفظه أنه قال طوافك لحجك يجزيك
لحجك وعمرتك فأخبر أن الطواف المفعول للحج يجزئ عن الحج والعمرة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:437(1/437)
*** ج1/ص438
وأنتم لا تقولون هذا إنما تقولون إن طواف القارن طواف لقرانه لا لحجته دون
عمرته ولا لعمرته دون حجته
ثم هذا الحديث قد روي على غير هذا المعنى
الطحاوي عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قلت
يا رسول الله أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري فقال انفري فإنه يكفيك
قال حجاج في حديثه عن عطاء عن عائشة إنها ألطت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأمرها أن تخرج إلى التنعيم فتهل منه بعمرة وبعث معها أخاها عبد الرحمن بن
أبي بكر فأهلت منه بعمرة ثم قدمت فطافت وسعت وقصرت وذبح عنها
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الملك عن عطاء ذبح عنها بقرة
فأخبر عبد الملك عن عطاء بقصتها بطوافها وأنها إنما أحرمت بالعمرة في
وقت ما كان لها أن تنفر بعد فراغها من الحجة وأن الذي ذكر أنه يكفيها هو الحج
من الحجة لا الطواف فقد بطل أن يكون في حديث عطاء هذا حجة في حكم
طواف القارن كيف هو
فإن قيل روي أن جابر بن عبد الله قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة
رضي الله عنها وهي تبكي فقال ما لك تبكين فقالت أبكي لأن الناس حلوا ولم
أحلل فطافوا بالبيت ولم أطف وهذا الحج قد حضر كما ترى فقال هذا أمر
كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي وأهلي بالحج ثم حجي واقضي ما يقضي الحاج غير أن
لا تطوفي بالبيت ولا تصلي قالت ففعلت ذلك فلما طهرت قال طوفي بالبيت
وبين الصفا والمروة ثم قد حللت من حجك وعمرتك فقلت يا رسول الله إني أجد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:438(1/438)
*** ج1/ص439
في نفسي من عمرتي أني لم أكن طفت حتى حججت فأمر عبد الرحمن فأعمرها
من التنعيم
فقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم وهي محرمة بالعمرة والحجة أن تطوف بالبيت وتسعى بين
الصفا والمروة ثم تحل فدل ذلك على أن حكم القارن في طوافه لحجته وعمرته هو
كذلك وأنه طواف واحد لا شيء عليه من الطواف غيره
قيل له روى الطحاوي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها
قالت أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال من شاء أن يهل بالحج ومن شاء أن يهل بالعمرة
قالت فكنت ممن أهل بالعمرة فحضت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أنقض
رأسي وأمتشط وأدع عمرتي ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها حين حاضت
أن تدع عمرتها وذلك قبل طوافها لها فكيف يكون طوافها في حجتها التي أحرمت
بها بعد ذلك يجزئ عنها من حجتها تلك ومن عمرتها التي رفضتها هذا محال
باب
الوقوف بمزدلفة ليس بركن في الحج
لأن قوله تعالى 2 فاذكروا الله عند المشعر الحرام 2 ليس فيه دليل على أن
ذلك على الوجوب لأن الله تعالى إنما ذكر ولم يذكر الوقوف وكل قد أجمع أنه
لو وقف بمزدلفة ولم يذكر الله عز وجل كان حجه تاما فإذا كان الذكر المذكور في
الكتاب ليس ركنا في الحج فالموطن الذي يكون فيه الذكر الذي لم يذكر في
الكتاب أحرى أن لا يكون فرضا وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه من الحج
أشياء ولم يرد بذكرها إيجابها مثل قوله تعالى 2 إن الصفا والمروة من شعائر الله 2
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:439(1/439)
*** ج1/ص440
وحديث عروة بن مضرس قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بجمع فقلت يا رسول الله هل
لي من حج وقد أنصبت راحلتي فقال من صلى معنا هذه الصلاة وقد وقف معنا
قبل ذلك وأفاض من عرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ليس فيه
دليل على الوجوب لأن كل قد أجمع أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة فلم
يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تام فلما كان حضور الصلاة مع الإمام
المذكور في هذا الحديث ليس بفرض كان الموطن الذي تكون فيه الصلاة الذي لم يذكر
في هذا الحديث أحرى أن لا يكون فرضا لكنه واجب لما رويناه من الحديث
باب
إذا صلى المغرب في طريق المزدلفة أو بعرفات
فعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر
البخاري وغيره عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد رضي الله
عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أفاض من عرفة مال إلى الشعب فقضى حاجته فتوضأ
فقلت يا رسول الله أصلي قال الصلاة أمامك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:440(1/440)
*** ج1/ص441
باب
يصلي المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامة واحدة
أبو داود عن أشعث بن سليم عن أبيه قال أقبلت مع ابن عمر من
عرفات إلى المزدلفة فلم يكن يفتر من الذكر والتهليل حتى أتينا المزدلفة فأذن
وأقام أو أمر إنسانا فأذن وأقام فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات ثم التفت إلينا
فقال الصلاة فصلى بنا العشاء ركعتين ثم دعا بعشائه
باب
لا ترمى جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس
الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة
أهله وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس
وما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال كنت فيمن بعث به
النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فرمينا جمرة العقبة مع الفجر لم يذكروا فيه أنهم رموا الجمرة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:441(1/441)
*** ج1/ص442
عند طلوع الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بذلك وقد يجوز أن يكون ذلك بالتوهم
منهم أنه وقت الرمي لها ووقته في الحقيقة غير ذلك وأمره عليه السلام أيضا أن
يرموا جمرة العقبة قبل أن تصيبهم دفعة الناس لم يذكر فيه رمي جمرة العقبة متى هو
وما روي غير هذا محمول على الرخصة في الدفع من مزدلفة ليلا
باب
لا ترمى جمرة العقبة قبل طلوع الفجر
الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمي يوم النحر
ضحى وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس
باب
إن ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر رماها بعد
ذلك في الليلة التي بعده ولا شيء عليه
الطحاوي عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الراعي يرعى النهار ثم يرمي بالليل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:442(1/442)
*** ج1/ص443
باب
لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة
البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف
الفضل فأخبر الفضل أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة
قلت ظاهر هذا الحديث يدل على أنه يلبي إلى أن يرمي الجمرة كلها ثم
يقطع التلبية وإلى هذا ذهب أحمد وإسحاق رحمهما الله ومذهبنا ومذهب
الثوري والشافعي أنه يقطع التلبية مع أول حصاة
باب
لا تقطع التلبية في العمرة حتى يستلم الحجر
لما روى الترمذي عن عطاء عن ابن عباس يرفع الحديث أنه كان
يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر قال أبو عيسى حديث ابن عباس
حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:443(1/443)
*** ج1/ص444
باب
إذا حلق يوم النحر حل له كل شيء إلا النساء
النسائي عن سالم عن أبيه قال إذا رمى وحلق فقد حل له كل شيء إلا
النساء
الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا رمى
وحلق وذبح فقد حل له كل شيء إلا النساء
البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أطيب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت
باب
إذا حاضت المرأة بعد طواف الزيارة
سقط عنها طواف الصدر
البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن صفية بنت حيي - زوج
النبي صلى الله عليه وسلم - حاضت فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي قالوا إنها
قد أفاضت قال فلا إذا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:444(1/444)
*** ج1/ص445
باب
من قدم نسكا على نسك فعليه دم
الطحاوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال من قدم شيئا من حجه
أو أخره فليهريق لذلك دما فهذا ابن عباس يوجب على من قدم شيئا من
نسكه أو أخره دما وهو أحد من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما سئل يؤمئذ عن
شيء قدم ولا أخر من أمر الحج إلا قال لا حرج
فهذا يدل على أن ابن عباس رضي الله عنهما فهم من قوله عليه السلام
لا حرج أي لا إثم أي لا حرج عليكم فيما فعلتموه من هذا لأنكم فعلتموه على
الجهل منكم لا على التعمد
وعنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
بين الجمرتين عن رجل حلق قبل أن يرمي قال لا حرج وعن رجل ذبح قبل أن
يرمي قال لا حرج ثم قال عباد الله وضع الله الحرج والضيق وتعلموا
مناسككم فإنها من دينكم وإلى هذا ذهب سعيد بن جبير وقتادة ومالك
رحمهم الله تعالى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:445(1/445)
*** ج1/ص446
باب
لا يجوز ذبح الهدي إلا في الحرم
قال الله تعالى 2 هديا بالغ الكعبة 2 فكأن الهدي قد جعله الله ما بلغ
الكعبة كالصيام الذي جعله الله متتابعا في كفارة الظهار وكفارة القتل فلا يجوز غير
متتابع وإن كان الذي وجب عليه غير مطيق للإتيان به متتابعا فلا تبيحه الضرورة
أن يصومه متفرقا فكذلك الهدي الموصوف ببلوغ الكعبة لا يجزئ للذي هو عليه
كذلك - وإن صد عن بلوغ الكعبة للضرورة - أن يذبحه فيما سوى ذلك
الطحاوي عن ناجية بن جندب الأسلمي عن أبيه قال أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم حين صد الهدي فقلت يا رسول الله ابعث معي بالهدي فلأنحره في
الحرم قال وكيف تأخذ به قلت آخذ به في أودية لا يقدرون علي فيها فبعث
معي حتى نحرته في الحرم
ويؤيد هذا الحديث ما روى الترمذي عن ناجية الأسلمي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي فقال إن عطب فانحره ثم اصبغ نعله في دمه وخل
بينه وبين الناس حديث حسن صحيح
الطحاوي عن المسور إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالحديبية خباؤه في الحل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:446(1/446)
*** ج1/ص447
ومصلاه في الحرم فثبت بما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن صد عن الحرم وأنه قد كان
يصلي إلى بعضه ولا يجوز في قول أحد من العلماء لمن قدر على دخول شيء من الحرم
أن ينحر هديه دون الحرم وعلى هذا استحال أن يكون صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بعض
الحرم ويذبح في غير الحرم
فإن قيل روي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر قال خرجت مع
عثمان وعلي رضي الله عنهما فاشتكى الحسن بالسقيا وهو محرم فأصابه برسام
فأومى إلى رأسه فحلق علي رأسه ونحر عنه جزورا فأطعم أهل الماء فقد
نحر علي الجزور دون الحرم
قيل له من كان قادرا على دخول الحرم لا يجوز له الذبح في غير الحرم
اتفاقا وعلي لم يكن ممنوعا من الحرم وفي هذا دليل على أن عليا أراد بذبح الجزور
الصدقة على أهل الماء والتقرب إلى الله تعالى لا الهدي
باب
النزول بالأبطح سنة
البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر
والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به
وكان ابن عمر يراه سنة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:447(1/447)
*** ج1/ص448
وعنه أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون
بالأبطح
فإن قيل قال ابن عباس رضي الله عنهما التحصيب ليس بسنة وإنما هو
منزل وعن عائشة أنها قالت نزول الأبطح ليس بسنة وإنما نزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج
قيل له قد ذكرنا أن ابن عمر كان يراه سنة وقوله عليه السلام لأصحابه
نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر يدل على
أنه عليه السلام قصد النزول به إراءه للمشركين لطيف صنع الله به فكان سنة
كالرمل
ذكر الغريب
الخيف ما ارتفع عن الوادي وانحدر عن الجبل والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:448(1/448)
*** ج1/ص449
باب
لا يجوز دخول مكة بغير إحرام
البخاري عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث
البعوث إلى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم
الفتح فسمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به أنه حمد الله
وأثنى عليه ثم قال إن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن
بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن أحد ترخص لقتال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له إن الله عز وجل أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي
ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد
الغائب فقيل لأبي شريح ما قال لك عمرو قال أنا أعلم بذلك منك
يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة
فإن قيل إن الذي أحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان شهر السلاح فيها للقتال وسفك
الدماء لا غير ذلك
قيل له هذا محال إذ لو كان ذلك لما قال ولا تحل لأحد بعدي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:449
وقد رأيناهم أجمعوا أن المشركين - والعياذ بالله - لو غلبوا على مكة فمنعوا المسلمين
منها أنه حلال للمسلمين قتالهم وشهر السلاح بها وسفك الدماء وأن حكمهم
كحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وإذا انتفى أن يكون هو القتال ثبت أنه الإحرام يدل
على ذلك قول عمرو بن سعيد لأبي شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيا الحديث
ولم ينكر ذلك أبو شريح ولم يقل له ( إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) إنما أراد بما حدثتك أن الحرم قد
( يجير كل الناس ) ولكنه عرف ذلك فلم ينكره
فإن قيل قوله عليه السلام لما وقت المواقيت فهن لهن ولمن أتى عليهن ممن
كان يريد الحج والعمرة يمنع أن يجب الإحرام على من لم يرد النسك(1/449)
قيل له التنصيص لا يدل على التخصيص وهذا مثل قوله عليه السلام من
أعتق شقيصا له في عبد الحديث وأجمعنا على أن حكم الأمة في ذلك حكم
العبد لأن وجوب الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة فيستوي فيه التاجر والمعتمر
وغيرهما
( ذكر الغريب )
العضد القطع عضدت الشجر أعضده بالكسر أي قطعته بالمعضد
والمعضاد سيف يمتهن في قطع الشجر
---
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:450(1/450)
*** ج1/ص451
باب
من كان داخل المواقيت
فله أن يدخل مكة بغير إحرام
الطحاوي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه خرج من مكة
يريد المدينة فلما بلغ قديدا بلغه عن جيش قدم المدينة فرجع فدخل مكة بغير
إحرام وعنه عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة حتى إذا كان
بقديد بلغه خبر من المدينة فرجع فدخل مكة حلالا
باب
العمرة ليست بواجبة
قوله تعالى 2 يوم الحج الأكبر 2 يقتضي أن يكون هناك حج أصغر وهو
العمرة على ما روي عن ابن عباس وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال العمرة هي
الحجة الصغرى وإذا ثبت أن اسم الحج يقع على العمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للأقرع بن حابس حين سأله عن الحج في كل عام أو حجة واحدة فقال لا بل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:451(1/451)
*** ج1/ص452
حجة واحدة وهذا يدل على نفي وجوب العمرة لنفي النبي صلى الله عليه وسلم الوجوب إلا في
حجة واحدة وقال عليه السلام الحج عرفة وهذا يدل على أن يوم الحج
الأكبر يوم عرفة ويحتمل أن يكون يوم النحر لأن فيه قضاء المناسك والتفث
ويؤيد هذا ما روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل
عن العمرة أواجبة هي قال لا وإن تعتمروا هو أفضل قال أبو عيسى هذا
حديث حسن صحيح
فإن قيل قال البخاري قال ابن عباس رضي الله عنهما إنها لقرينتها
في كتاب الله عز وجل 2 وأتموا الحج والعمرة لله 2 وقال ابن عمر ليس أحد
إلا وعليه حجة وعمرة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:452(1/452)
*** ج1/ص453
قيل له ليس في الآية إلا الأمر بالإتمام ولا يتوجه الأمر بالإتمام حقيقة إلا بعد
الشروع فيها ونحن نقول بعد الشروع فيها يجب إتمامها وقول ابن عمر متروك
بما رويناه ومما يدل على أن العمرة ليست بواجبة أن سبب وجوب الحج هو البيت
والعمرة مثله ولو وجبت لكان الواجبان بسبب واحد وذلك ممتنع كزكاتين بحول
واحد وظهرين بزوال واحد وإلى هذا ذهب مالك والشعبي رحمهما الله تعالى
باب
الأفضل أن يحرم بها من التنعيم
الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
عبد الرحمن أن يعمر عائشة رضي الله عنها من التنعيم هذا حديث حسن
صحيح
باب
إذا لم يجد المتمتع الهدي ولم يصم أيام العشر
لا يجزئه صوم أيام التشريق
الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب
حديث حسن صحيح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:453(1/453)
*** ج1/ص454(1/454)
*** ج1/ص455
وقد روى الطحاوي عن سعيد بن المسيب أن رجلا أتى عمر بن
الخطاب رضي الله عنه يوم النحر فقال يا أمير المؤمنين إني تمتعت ولم أهد ولم أصم في
العشر فقال سل في قومك ثم قال يا معيقيب أعطه شاة أفلا ترى أن عمر
لم يقل له فهذه أيام التشريق فصمها فدل أن تركه ذلك وأمره بالهدي أن أيام الحج
التي أمر الله المتمتع بالصوم فيها هي قبل يوم النحر وأن يوم النحر وما بعده من أيام
التشريق ليس منها وهذا مذهب علي بن أبي طالب وإليه ذهب الحسن وعطاء
والثوري رضي الله عنهم
باب
المحصر لا يحل حتى ينحر
قال الله تعالى 2 فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله 2 فلما أمر الله تعالى المحصر أن لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي
محله علم بذلك أن المحصر لا يحل من إحرامه إلا في وقت ما يحل له أن يحلق
رأسه
وروى الطحاوي عن إبراهيم عن علقمة 2 وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم 2 قال إذا أحصر الرجل بعث بالهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى
يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام
أو صدقة أو نسك صيام ثلاثة أيام أو يتصدق على ستة مساكين كل مسكين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:455(1/455)
*** ج1/ص456
نصف صاع والنسك شاة فإذا أمن مما كان به فقد تمتع بالعمرة إلى الحج فإن
مضى من وجهه ذلك فعليه حجة وإن أخر العمرة إلى قابل فعليه حجة وعمرة
وما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج آخرها يوم عرفة
وسبعة إذا رجعتم قال فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال هذا قول
ابن عباس وعقد ثلاثين البخاري عن نافع أن عبيد الله وسالما كلما
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار
قريش دون البيت فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه وحلق رأسه
وعنه عن معمر عن الزهري عن عروة عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك
فإن قيل فقد روى الترمذي عن الحجاج بن عمرو قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى فذكرت ذلك
لأبي هريرة وابن عباس فقالا صدق
قيل له قوله فقد حل يحتمل أن يكون فقد حل له أن يحل لا على أنه قد
حل بذلك من إحرامه ويكون هذا كما يقال قد حلت فلانة للرجال إذا خرجت
من عدة عليها من زوج قد كان لها ليس على معنى أنها قد حلت لهم فيكون لهم
وطؤها لكن على معنى أنه قد حل لهم تزويج ما يحل لهم وطؤها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:456(1/456)
*** ج1/ص457
باب
الاشتراط في الحج وعدمه سواء
الترمذي عن سالم عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول
أليس حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى هذا حديث حسن
صحيح
باب
يجوز لمن لم يحج أن يحج عن غيره
البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الفضل بن عباس
كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها
وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت
يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا
لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وجه التمسك بهذا
الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالحج عنه ولم يسألها أحججت عن نفسك أم لا فدل
ذلك أنه لا فرق
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:457(1/457)
*** ج1/ص458
وكذلك روى أبو داود عن أبي رزين أنه قال يا رسول الله إن أبي
شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن قال احجج عن أبيك واعتمر
فإن قيل فقد روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صرورة في الإسلام
وعنه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول
لبيك عن شبرمة قال من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي فقال حججت
عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة
قيل له أما الحديث الأول فقد قال الخطابي يفسر بمعنيين أحدهما أن
الصرورة هو الذي أقلع عن النكاح بالكلية وأعرض عنه كرهبان النصارى والثاني
أنه الذي لم يحج فيكون معناه أن سنة الدين أن لا يبقى من الناس ممن
يستطيع الحج إلا ويحج وهذا ليس فيه دليل على أن من لم يحج عن نفسه لا يحج
عن غيره وأما الحديث الثاني فالأمر فيه محمول على الندب يعني أن الأولى أن
يحج الإنسان عن نفسه ثم يحج عن غيره كقوله عليه السلام ابدأ بنفسك ثم بمن
تعول
قلت وقد تضمن حديث الخثعمية مسألة مختلف فيها وهي جواز الحج عن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:458(1/458)
*** ج1/ص459
الحي العاجز لكنه مختص بعجز لا يرجى زواله كالزمانة والعمى فإن مرض مرضا
يرجى زواله فحج عنه غيره فالأمر موقوف فإن دام العجز وقع عن الفرض لأن
العجز قد استحكم وإن زال وجب عليه الحج لأن المعنى المجوز قد زال والمخالف
في هذه المسألة مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والحديث أولى بالاتباع
باب
يجوز للمحرم والمحرمة أن يتزوجا في حال الإحرام
البخاري ومسلم عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم
البخاري عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج
ميمونة وهو محرم وبني بها وهو حلال وماتت بسرف
فإن قيل روي عن يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة عن ميمونة قالت
تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف وروى أبو رافع أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال وقال كنت أنا السفير بينهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:459(1/459)
*** ج1/ص460
فوجب تقديم رواية يزيد بن الأصم لأنه لم يختلف عنه في ذلك ورواية
أبي رافع على رواية ابن عباس لأن السفير يخبر الأمر الذي سفر فيه ويعرف
منه ما لا يعرف غيره فكان الظن فيما يرويه أقوى
قيل له قال عمرو بن دينار فقلت للزهري وما يدري ابن الأصم
أعرابي بوال أ تجعله مثل ابن عباس ثنم إنه يحتمل أنه عبر بالتزويج عن
الدخول بها حتى تتفق رواية ابن عباس ورواية يزيد بن الأصم وعلى هذا
يحمل قول أبي رافع وكنت السفير بينهما يعني في تعيين وقت الدخول وهذا
أولى من الحكم على أحدهما بالوهم
قال الطحاوي والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم أهل علم
وثبت أصحاب ابن عباس رضي الله عنه سعيد بن جبير وعطاء وطاووس
ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد وهؤلاء كلهم فقهاء يحتج برواياتهم وآرائهم
والذين نقلوا عنهم أيضا كذلك منهم عمرو بن دينار وأيوب السختياني
وعبد الله بن أبي نجيح وهؤلاء الأئمة يقتدى بهم و برواياتهم وقد روى
أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها
قالت تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم ونقلة هذا الحديث كلهم
ثقات يحتج برواياتهم - -
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:460(1/460)
*** ج1/ص461
فإن قيل فقد روي عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينكح
المحرم ولا ينكح
قيل له قال الطحاوي وأما حديث عثمان فإنما رواه نبيه بن وهب وليس
كعمرو بن دينار ولا كجابر بن زيد ولا كمن روى ما يوافق عن مسروق عن
عائشة رضي الله عنها ولا لنبيه أيضا موضع من العلم كموضع واحد ممن ذكرنا فلا
يجوز إذا كان كذلك أن يعارض به جميع من ذكرنا ممن روى بخلاف ذلك
وقد روى الطحاوي عن الأعمش عن إبراهيم أن ابن مسعود
رضي الله عنه كان لا يرى بأسا أن يتزوج المحرم
وعنه عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه قال سألت أنس بن
مالك رضي الله عنه عن نكاح المحرم فقال وما به بأس هل هو إلا كالبيع
وكذلك روى عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:1 ص:461(1/461)
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب2(2/1)
*** ج2/ص469
كتاب البيوع
باب
خيار المجلس بعد عقد البيع غير ثابت
لقوله تعالى 2 يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم 2 فأباح الأكل بوجود التراضي عن التجارة والبيع
تجارة فدل على نفي الخيار وصحة وقوع البيع للمشتري بنفس العقد وجواز
تصرفه فيه وقال تعالى 2 أوفوا بالعقود 2 وهذا عقد فلزم الوفاء بظاهر
الآية وفي إثبات الخيار نفي لزوم الوفاء به وقال تعالى 2 وأشهدوا إذا تبايعتم 2 فندب تعالى إلى الإشهاد على العقد توثقة لهما ووجوب الخيار لكل واحد منهما ينفي
معنى التوثقة بالإشهاد إذ لا يلزم أحدهما لصاحبه به حق فلما كان في إثبات الخيار
إبطال معنى الآية كان القول بإيجاب الخيار ساقطا وحكم الآية ثابتا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:469(2/469)
*** ج2/ص470
مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه مد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنع من البيع
إلى وجود القبض فإذا وجد القبض جاز البيع سواء وجد القبض في المجلس
أو بعده والبيع لا يجوز إلا بعد ثبوت الملك وهذا مثل قوله تعالى 2 لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا 2
فإن قيل فقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا
بيع الخيار
وروى البخاري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:470(2/470)
*** ج2/ص471
النبي صلى الله عليه وسلم قال كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار
قيل له ليس المراد بالتفرق هنا التفرق بالأبدان بل بالأقوال فإن لفظ
الكتاب والسنة ورد بلفظ التفرق وأريد به التفرق بغير الأبدان
أما الكتاب فقوله تعالى 2 وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته 2
2 وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة 2
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم افترقت اليهود والنصارى على ثنتين وسبعين
فرقة الحديث ويجوز أن نحملها على الفرقة بالأبدان وذلك أن الرجل إذا
قال لغيره بعتك عبدي هذا بألف فللمخاطب بهذا القول أن يقبل ما لم يفارق
صاحبه فإن فارقه ببدنه قبل ذلك لم يكن له أن يقبل ولولا هذا الحديث لم نعلم هذا
الحكم
قال عيسى بن أبان وهذا أولى ما حمل عليه هذا الحديث وهو
تفسير أبي يوسف رحمه الله لأن الفرقة التي اتفقوا على كونها بالأبدان - وهي الفرقة
في الصرف - يجب بها فساد عقد قد تقدم ولا يجب بها صلاحه فإن جعلنا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:471(2/471)
*** ج2/ص472
هذه الفرقة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيار المتبايعين على ما ذكرنا فسد
بها ما كان تقدم من قول المخاطب وكان لها أصل فيما اتفقوا عليه وإن
جعلناها على ما قال غيرنا تم بها البيع ولم يكن لها أصل فيما اتفقوا عليه
وسميا متبايعين لقربهما من البيع ولهذا سمي إسماعيل ذبيحا وقال صلى الله عليه وسلم
لا يسوم الرجل على سوم أخيه ولا يبيع على بيع أخيه
وقال ابن العربي قال مالك ليس لهذا الحديث عندنا حد معروف
ولا أمر معمول به فيه ومعنى هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال المتبايعان
بالخيار ما لم يتفرقا ولم يكن لتفرقهما وانفصال أحدهما عن الآخر وقت معلوم
ولا غاية معروفة إلا أن يقوما أو يقوم أحدهما على ما ذهب إليه المخالف وهذه
جهالة يقف عليها انعقاد البيع فيصير من باب بيع المنابذة والملامسة بأن يقول إذا
لمسته فقد وجب البيع وإذا نبذته أو نبذت الحصاة وجب البيع وهذه الصفقة مقطوع
بفسادها في العقد فلا يترك بحديث لم يتحصل المراد منه مفهوما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:472(2/472)
*** ج2/ص473
فإن قيل إن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا بايع رجلا شيئا فأراد أن لا يقيله
قام يمشي ثم رجع
قيل له يجوز أن يكون ابن عمر أشكلت عليه الفرقة التي سمعها من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هي واحتملت عنده الفرقة بالأبدان كما ذهب إليه الشافعي رحمه
الله تعالى واحتملت الفرقة بالأبدان كما ذهب إليه أبو يوسف رحمه الله واحتملت
الفرقة بالأقوال كما ذهب إليه محمد بن الحسن رحمه الله ففارق بائعه ببدنه احتياطا
وقال البخاري وقال ابن عمر ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو
من المبتاع وفي هذا دليل على أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال وأن المبيع ينتقل
بها
فإن قيل فقد روى الترمذي عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم خير أعرابيا بعد البيع قال أبو عيسى هذا حديث حسن
غريب
قيل له يحتمل أن يكون وجد بالمبيع عيبا فخيره بين الرد والإمساك ومما يؤيد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:473(2/473)
*** ج2/ص474
ما ذهبنا إليه ما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم
فيزجره عمر ويرده ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعمر بعنيه فقال هو لك يا رسول الله قال بعنيه فباعه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به
ما شئت ذكر هذا الحديث البخاري في باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته
قبل أن يتفرقا ولم ينكر البائع على المشتري
قلت ففي هبة النبي صلى الله عليه وسلم قبل التفرق دليل على أن البيع لازم قبلها
باب
بيع الأعيان الغائبة جائز
وللمشتري الخيار إذا رأى
البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال بعت من أمير المؤمنين
عثمان مالا بالوادي بمال له بخيبر فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت
من بيته خشية أن يراد في البيع قال عبد الله فلما وجب البيع بيني وبينه
رأيت أني قد غبنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال وساقني إلى المدينة بثلاث
ليال فقد تبايعا ما لم يكن بحضرتهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:474(2/474)
*** ج2/ص475
وروى الطحاوي عن سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ركب يوما مع
عبد الله بن بحينة - وهو رجل من أزد شنوءة حليف لبني عبد المطلب بن عبد مناف
وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - إلى أرض له بريم فابتاعها منه عبد الله بن عمر على
أن ينظر إليها وريم من المدينة على قدر ثلاثين ميلا فهذا الخيار لم يكن
لابن عمر من جهة الاشتراط إذ لو كان كذلك لفسد العقد باشتراطه لكونه شرط
خيارا غير مؤقت بل الخيار الذي ثبت له هو ما يوجبه هذا العقد
وعنه عن ابن أبي مليكة عن علقمة بن أبي وقاص الليثي قال
اشترى طلحة بن عبيد الله من عثمان بن عفان رضي الله عنه مالا فقيل لعثمان إنك
قد غبنت - وكان المال بالكوفة قال وهو مال آل طلحة الآن بها - فقال عثمان لي
الخيار لأني بعت ما لم أره وقال طلحة لي الخيار لأني اشتريت ما لم أره فحكما بينهما
جبير بن مطعم فقضى أن الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان رضي الله عنهما
وروى الدارقطني عن ابن أبي مريم عن مكحول رفع الحديث إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن
شاء تركه
فإن قيل قال الدارقطني ابن أبي مريم ضعفه أحمد ويحيى
وأبو حاتم وأبو زرعة
قيل له هذا طعن مبهم فلا يقبل ويؤيد معنى هذا الحديث في اقتضائه جواز
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:475(2/475)
*** ج2/ص476
البيع ما روى الترمذي عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد وما بعد الغاية
يخالف ما قبلها وفي هذا دليل على جواز بيعه بعدما يشتد و هو في سنبله لأنه
لو لم يكن كذلك لقال حتى يشتد ويرى من سنبله فلما جاز بيع الحب في سنبله دل
على جواز بيع ما لم يره المتبايعان والله أعلم
باب
في بيع المصراة
إذا اشترى شاة مصراة فحلبها فلم يرض حلابها فليس له ردها ولكن يرجع
على البائع بنقصان العيب كغيره من العيوب
فإن قيل روى البخاري عن ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد أنه
سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشترى غنما مصراة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:476(2/476)
*** ج2/ص477
فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر وروى
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اشترى مصراة
فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء يعني لا بر
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
قيل له الجواب عن هذا الحديث من وجوه
أحدها أنه قد اختلف في متنه فمرة جعل الواجب صاعا من تمر ومرة
جعله صاعا من طعام غير بر
ومن طريق أبي داود عن جميع بن عمير التيمي قال سمعت عبد الله بن
عمر رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام
فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا وليس في اللفظ ما يدل على أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:477(2/477)
*** ج2/ص478
المشتري مخير بين دفع هذا وبين دفع هذا ولا دليل على أن أحدهما يؤخذ
أصالة والآخر على سبيل القيمة
فإن قيل رواة دفع التمر أكثر وأحد الخبرين يرجح بكثرة الرواة
قيل له لا نسلم أن أحد الخبرين يرجح بكثرة الرواة كما أن الشهادة
لا ترجح بكثرة العدد - - وإن سلمنا أنه يرجح فنقول يحتمل أن يكون
عليه السلام ذكر ذلك على سبيل الصلح لا على سبيل الإلزام
الوجه الثاني أن هذا الحديث منسوخ قال الطحاوي رحمه الله
روي هذا الكلام عن أبي حنيفة رحمه الله مجملا ثم اختلف بعد ذلك في
الذي نسخه فقال محمد بن شجاع نسخه قوله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار
ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار فلما قطع النبي صلى الله عليه وسلم بالفرقة الخيار ثبت أنه لا خيار إلا
ما استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
قال الطحاوي وهذا فيه ضعف لأن الخيار المجعول في المصراة هو خيار
العيب وخيار العيب لا تقطعه الفرقة بالاتفاق
قلت وما ذكره الطحاوي رحمه الله فيه نظر فإن في رواية الإصرار
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:478(2/478)
*** ج2/ص479
لا يرجع بالنقصان لأن اجتماع اللبن في الضرع لا يكون عيبا فكذا جمعه
فلا يمكن الرجوع بالنقصان بسبب العيب بدون العيب فتبين بهذا أن التصرية
به ليست بعيب فلا يكون هذا الخيار خيار عيب فيجوز أن تقطعه الفرقة
وقال عيسى بن أبان كان ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحكم في المصراة
في وقت ما كانت العقوبات تؤخذ بالأموال
فمن ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة أن من أداها طائعا فله أجرها
وإلا أخذناها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل
ومن ذلك ما روي في حديث عمرو بن شعيب في سارق التمر الذي لم يحرز
أن يضرب جلدات نكالا ويغرم مثليهما هكذا كان في أول الإسلام ثم
نسخ الله الربا فردت الأشياء المأخوذة إلى أمثالها إن كان لها أمثال وإلى قيمتها إن
كان لا أمثال لها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التصرية فكان من فعل ذلك وباع
مخالفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عقوبته في ذلك أن يجعل اللبن المحلوب في الثلاثة الأيام
للمشتري بصاع من تمر ولعله يساوي أضعافا كثيرة
فإن قيل وأين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التصرية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:479(2/479)
*** ج2/ص480
قيل له روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها
إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر قال أبو جعفر والذي قاله
عيسى بن أبان محتمل غير أني رأيت في ذلك وجها هو أشبه عندي بنسخ هذا
الحديث وذلك أن لبن المصراة الذي احتلبه المشتري منها في الثلاثة الأيام وقد كان
بعضه في ملك البائع قبل الشراء وبعضه حدث في ملك المشتري بعد الشراء
لأنه قد احتلبها مرة بعد مرة فكان ما في يد البائع من ذلك مبيعا فإذا وجب
نقض البيع في الشاة وجب نقض البيع فيه وما حدث في ملك المشتري من
ذلك فإنما يملكه بسبب البيع أيضا وحكمه حكم الشاة لأنه من بدنها هذا على
مذهبنا وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل لمشتري المصراة بعد ردها جميع لبنها الذي كان
حلبه منها بالصاع التمر الذي عليه رده مع الشاة وذلك اللبن حينئذ قد تلف
أو تلف بعضه فكان المشتري قد ملك لبنا دينا بصاع من تمر دينا فدخل
ذلك في بيع الدين بالدين ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الدين بالدين فنسخ هذا
ما كان قد تقدم في المصراة مما حكمه حكم بيع الدين بالدين
قال الطحاوي رحمه الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:480(2/480)
*** ج2/ص481
وزعم القائل بحديث المصراة أن رجلا لو اشترى شاة فحلبها ثم أصاب بها عيبا غير
التحفيل أنه يردها يكون اللبن له وكذلك لو كان مكان اللبن ولد ولدته ردها على
البائع وكان الولد له وكان ذلك عنده من الخراج الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم للمشتري
بالضمان
قال الطحاوي فليس يخلو الصاع الذي يوجبه على مشتري المصراة إذا
ردها على البائع بالتصرية أن يكون عوضا من جميع اللبن الذي احتلبه منها الذي
كان بعضه في ضرعها وقت البيع وحدث بعضه في ضرعها بعد البيع أو يكون
عوضا من اللبن الذي كان في ضرعها في وقت وقوع البيع خاصة فإن كان
عوضا منهما فقد نقض بذلك أصله الذي جعل الولد واللبن للمشتري بعد الرد
بالعيب لأنه جعل حكمها حكم الخراج الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم للمشتري
بالضمان وإن كان الصاع عوضا مما كان في ضرعها وقت وقوع البيع خاصة
والباقي سالم للمشتري لأنه من الخراج فقد جعل للبائع صاعا دينا بلبن دين
وهذا غير جائز في قوله ولا في قول غيره فعلى أي الوجهين كان هذا المعنى عنده
فهو تارك به أصلا من أصوله وقد كان بالقول بنسخ هذا الحكم في المصراة
أولى من غيره لأنه يجعل اللبن في حكم الخراج وغيره لا يجعله كذلك والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:481(2/481)
*** ج2/ص482
باب
لا يجوز بيع الثمار قبل بدء صلاحها في رواية
مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار
حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري
البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع ثمرة
النخل حتى تزهو قال أبو عبيد الهروي حتى تحمر وفي رواية قيل وما
تزهو قال تحمار أو تصفار
باب
لا بأس ببيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها في رواية
البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:482(2/482)
*** ج2/ص483
باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع زاد الترمذي ومن باع
عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط البتاع هذا حديث حسن صحيح
وجه التمسك بهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل في هذا الحديث ثمر
النخل لبائعها إلا أن يشترط المبتاع فيكون له باشتراطه إياها ويكون بذلك مبتاعا
لها وفي هذا إباحة بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها لأن كل ما لا يدخل في بيع غيره
إلا بالاشتراط هو الذي يجوز أن يكون مبيعا وحده وما يدخل في بيع غيره من غير
اشتراط هو الذي لا يجوز أن يكون مبيعا وحده ألا ترى أن رجلا لو باع دارا وفيها
متاع أن ذلك المتاع لا يدخل في البيع وأن مشتريها لو اشترطه في شراء الدار صار له
باشتراطه إياه ولو كان الذي في الدار خمرا أو خنزيرا فاشترطه في البيع فسد البيع
وكان لا يدخل في شرائه الدار باشتراطه في ذلك إلا ما يج له شراؤه وحده
لو اشتراه وكان الثمر الذي ذكرناه يجوز له اشتراطه مع النخل فلم يكن ذلك
إلا لأنه يجوز له بيعه وحده أولا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن في هذا الحديث العبد
بقوله ومن باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع فجعل المال للبائع إذا
لم يشترطه المبتاع وللمبتاع إذا شرطه وكان ذلك المال لو كان خمرا أو خنزيرا
فسد بيع العبد إذا شرطه فيه لأنه بذلك يكون مبيعا وبيع ذلك الشيء
منفردا لا يجوز فهذا أيضا دليل صحيح على ما ذكرنا في الثمار الداخلة في
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:483(2/483)
*** ج2/ص484
بيع النخل بالاشتراط أنها الثمار التي يجوز بيعها مفردا دون بيع النخل فثبت بذلك
جواز بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها
البخاري عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري أن زيد بن ثابت قال كان
الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم
قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان أصابه مراض أصابه قشام
عاهات يحتجون بها قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت الخصومة عنده في ذلك أما
لا فلا تبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة يشير بها عليهم لكثرة خصومتهم
فإن قيل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أشار عليهم بذلك فلم يمتثلوا فأكد ذلك
بالنهي الذي رويناه أولا
قيل له هذا يجوز لو أراد بلفظ البيع حقيقته الشرعية المفهومة من لفظ البيع
عند الإطلاق وليس كذلك بل المراد بها السلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:484(2/484)
*** ج2/ص485
البخاري عن أبي البختري الطائي قال سألت ابن عباس رضي الله عنه
عن السلم في النخل فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل منه
وحتى يوزن فقال الرجل وأي شيء يوزن قال رجل إلى جانبه حتى يحرز
مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى فقيل له يا رسول الله وما تزهى قال
حين تحمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا منع الله الثمرة ففيم يأخذ أحدكم مال
أخيه فلا يكون ذلك إلا على المنع من ثمرة لم تكن أن تكون
ويؤيد هذا ما روى الطحاوي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين
قال يونس قال سفيان هو بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها فنهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السلف في الثمار حتى تكون وحتى يؤمن عليها العاهة فحينئذ
يجوز السلم فيها
ذكر ما في هذه الأحاديث من الغريب
أبر فلان نخله أي لقحه والاسم منه الإبار على وزن الإزار قال في
الصحاح القشام والقشامة ما بقي على المائدة وغيرها مما لا خير فيه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:485(2/485)
*** ج2/ص486
باب
يجوز الاستصباح بالزيت النجس وبيعه
الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة
تقع في السمن و الودك فقال اطرحوها واطرحوا ما كان حولها إن كان جامدا
وإن كان مائعا فاستنفعوا به ولا تأكلوه
فإن قيل في سنده يحيى بن أيوب قال أبو حاتم الرازي لا يحتج بحديثه
وفيه شعيب بن يحيى وهو غير معروف
قيل له الجهالة بالراوي غير مانعة من قبول روايته والطعن المطلق غير
قادح والأصل العدالة ما لم يثبت خلافها
باب
يجوز بيع العرايا بخرصها
مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع
العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق يشك داود في خمسة
أوسق أو دون خمسة أوسق
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:486(2/486)
*** ج2/ص487
اختلف في تفسير العرايا فروي عن مالك رحمه الله أنه قال العرايا أن يكون
الرجل له النخلة والنخلتان في وسط النخيل الكثير لرجل آخر وقد كان أهل المدينة
إذا كان وقت الثمار خرجوا إلى حوائطهم فيجيء صاحب النخلة والنخلتين
بأهله فيضر بصاحب النخل الكثير فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب النخل
الكثير أن يعطي صاحب القليل بخرص ماله من ذلك تمرا لينصرف هو وأهله عنه
ويخلص له تمر الحائط كله
وروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال معنى ذلك عندنا أن يعري
الرجل الرجل تمر نخله من نخله فلم يسلم ذلك إليه حتى يبدو له فرخص له أن
يحبس ذلك ويعطيه مكانه خرصه تمرا
فكان هذا التفسير أشبه من تفسير مالك رحمه الله ألا ترى إلى الذي مدح
الأنصار كيف مدحهم إذ يقول
ليست بسنهاء ولا رجبية
ولكن عرايا في السنين الجوائح
أي أنهم كانوا يعرونها في السنين الجوائح فلو كانت العرية كما ذهب إليه مالك
رحمه الله إذا لما كانوا ممدوحين إذا كانوا يعطون ما يعطون ولكن العرية بخلاف
ذلك وليس في الحديث ما ينفي شيئا مما ذكرناه وإنما يكون فيه ما ينفي ذلك أن
لو قال لا تكون العرية إلا في خمسة أوسق وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:487(2/487)
*** ج2/ص488
النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه لقوم في عرية لهم هذا مقدارها فنقل أبو هريرة
رضي الله عنه ذلك وأخبر بالرخصة فيما كانت ولا ينفي ذلك أن تكون الرخصة
جائزة فيما هو أكثر
وأما حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر
بالتمر ورخص في العرايا فقد يقرن الشيء بالشيء وحكمهما مختلف وقوله في
حديث جابر رضي الله عنه إلا أنه رخص في العرايا يجوز أن يكون قصد بذلك إلى
المعري ورخص له أن يأخذ تمرا بدلا من تمر في رؤوس شجر النخل لأنه
يكون في ذلك بمعنى البائع وذلك له حلال فيكون الاستثناء لهذه العلة وفي حديث
سهل بن أبي حثمة إلا أنه رخص في بيع العرية بخرصها تمرا يأكلها أهلها
رطبا فقد ذكر للعرية أهلا وجعلهم يأكلونه رطبا ولا يكون كذلك إلا وقد
ملكها الذين عادت إليهم بالبدل الذي أخذ منهم
فإن قيل لو كان تأويل هذه الأحاديث كما ذهب إليه أبو حنيفة لم يكن
لذكر الرخصة معنى
قيل له بل فيه وجهان أحدهما ما قاله عيسى بن أبان إن الأموال كلها
لا يملك بها أبدا إلا من كان مالكها لا يبيع الرجل ما لا يملك ببدله فيملك
ذلك البدل والمعري لم يكن ملك العرية لأنه لم يقبضها والتمر الذي يأخذه بدلا
عنها قد جعل طيبا له في هذا وهو بدل من رطب لم يكن ملكه فقال هذا
هو الذي قصد بالرخصة إليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:488(2/488)
*** ج2/ص489
وقال غيره الرخصة أن الرجل إذا أعرى الشيء من ثمره فقد وعد أن يسلمه
إليه ليملكه المسلم إليه بقبضه إياه وعلى الرجل في دينه أن يفي بوعده وإن كان غير
مأخوذ به في الحكم فرخص للمعري أن يحبس ما أعرى بأن يعطي المعرى خرصه
تمرا بدلا من غير أن يكون آثما ولا في حكم من أخلف وعدا فهذا موضع
الرخصة والحمل عليه أولى ليبقى نهيه عليه السلام عن بيع الثمر بالتمر على
عمومه
الطحاوي عن مكحول الشامي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال خففوا
الصدقات فإن في المال العرية والوصية فدل ذلك أن العرية إنما هي ما يملكه
أرباب الأموال قوما في حياتهم كما يملكون الوصايا بعد مماتهم
وعنه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
البائع والمبتاع عن المزابنة وقال زيد بن ثابت ورخص في العرايا النخلة
والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمرا فهذا زيد بن ثابت وهو أحد من
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرية وقد أخبر أنها الهبة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:489(2/489)
*** ج2/ص490
باب
لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
الترمذي عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
بيع الحيوان بالحيوان نسيئة حديث حسن صحيح وسماع الحسن من سمرة
صحيح هكذا قال علي بن المديني رحمه الله
قلت وفي هذا الحديث دلالة على أن الجنس بانفراده يحرم النسأ
باب
لا يجوز شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن
الدارقطني عن يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أنفع قالت
حججت أنا و أم محبة فدخلنا على عائشة رضي الله عنها فقالت لها
أم محبة يا أم المؤمنين كانت لي جارية وإني بعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة
درهم إلى عطائه وأنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة درهم
نقدا فقالت بئس ما شريت وما اشتريت فأبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:490(2/490)
*** ج2/ص491
والعالية امرأة جليلة القدر قال في طبقات ابن سعد العالية بنت
أنفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت عائشة رضي الله عنها
فإن قيل هذا مذهب الصحابي في محل القياس فلا يقلد ثم إنها عابت عليه
العقدين وأنتم مسلمون صحة العقد الأول وإنما يستقيم لكم التمسك بالأثر إذا
صرتم إلى فساد العقدين
قيل له أما تقليد الصحابي رضي الله عنه فقد قال بعض أصحابنا إن
تقليد الصحابي واجب وافق القياس أو خالفه وهو قول أبي سعيد البرذعي
ومن تابعه من أصحابنا واحتج بقوله عليه السلام اقتدوا باللذين من بعدي
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقال عليه السلام أصحابي كالنجوم بأيهم
اقتديتم اهتديتم جعل الاقتداء سبب الاهتداء فوجب أن يجب الاقتداء لكي
يحصل الاهتداء ومطلق الاقتداء يكون بالفعل تارة وبالقول أخرى وقال جمهور
أصحابنا رحمهم الله تقليد قول الفقهاء من الصحابة رضي الله عنهم واجب سواء
وافق القياس أو خالفه لأن الظاهر من حال الفقيه أنه كما لا يعمل إلا عن علم
ودليل فكذلك لا يقول ما يقول إلا عن معرفة ودليل فترجع جهة الصواب في
مقالته على جهة الخطأ فاندفع احتمال الخطأ ظاهرا خصوصا إذا تأكد ذلك بشهادة
رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شهد لهم بالحق والهدى حتى صار الاقتداء بهم سببا للاهتداء
والتقليد من باب الاقتداء فوجب أن يكون ذلك واجبا ليكون ذلك طريقا إلى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:491(2/491)
*** ج2/ص492
الاهتداء وعائشة رضي الله عنها من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم وقد أمرنا
النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ منها بقوله عليه السلام خذوا شطر دينكم من الحميراء
وأما قوله إنما يستقيم لكم التمسك بالأثر إذا صرتم إلى فساد
العقدين فنقول الحكمة في فساد العقد الثاني أن الثمن الأول لم يدخل في ضمان
البائع فإذا وصل المبيع إليه ووقعت المقاصة بقي له فضل مائتين بلا عوض
ولا كذلك العقد الأول ويصح لنا التمسك بالأثر من غير أن نصير إلى فساد
العقدين فإن عائشة رضي الله عنها إنما عابت عليها العقد الثاني لحصول الربا فيه
فإن قيل إنما قالت بئس ما شريت أي بعت وبئس ما اشتريت وقد
باعت الجارية أولا ثم اشترتها والعقد الأول كان إلى أجل وهو العطاء ويحتمل
أنه كان مجهولا ففسد العقد الأول بجهالة الأجل وفسد الثاني لكونه بناء عليه
قيل له لو كان كما ذكرت لم تكن في الثاني مشترية لأن العقد الأول إذا كان
فاسدا كما ذكرت فالجارية والدراهم التي دفعتها إليه ملكا لها فلم تكن مشترية
لا حقيقة ولا شرعا وقد جعلتها مشترية فدل أن كلامها كله مصروف إلى العقد
الثاني ومعنى قولها بئس ما شريت وما اشتريت أي بئس ما أبدلت وهو الستمائة
درهم وبئس ما استبدلت وهي الجارية وهي تسمى في هذا العقد الثاني
بائعة ومشترية لأنها بائعة للدراهم ومشترية للجارية والمشتري يسمى بائعا قال
عليه السلام البيعان بالخيار
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:492(2/492)
*** ج2/ص493
وهذه المسألة من أكبر الأدلة على أن أبا حنيفة رضي الله عنه يقدم الخبر الواحد
على القياس فإنا قدمنا قول الصحابي رضي الله عنه على القياس فبطريق
الأولى أن يقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على القياس
باب
بيع ملك الإنسان بغير أمره صحيح موقوف
الذي يدل على صحته ما روى البخاري في حديث الثلاثة الذين
أصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة فقال أحدهم
اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من أرز فأعطيته وأبى ذلك
أن يأخذه فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم
جاء فقال يا عبد الله أعطني حقي فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فقال
أتستهزئ بي قال فقلت ما أستهزئ بك ولكنها لك اللهم إن كنت تعلم
أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكشف عنهم
الترمذي عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حكيم بن حزام
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:493(2/493)
*** ج2/ص494
ليشتري له أضحية بدينار قال فأشتري أضحية فأربح فيها دينارا فأشتري
أخرى مكانها فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضح بالشاة
وتصدق بالدينار
وعنه عن عروة البارقي قال دفع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا لأشتري له
شاة فاشتريت له شاتين فبعت إحداهما بدينار وجئت بالشاة والدينار إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما كان من أمره فقال له بارك الله لك في صفقتك
باب
لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل
مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر
والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا
كيف شئتم إذا كان يدا بيد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:494(2/494)
*** ج2/ص495
باب
بيع القلادة
إذا كانت القلادة يحيط العلم بوزن ما فيها من الذهب ويعلم أنه أقل من
الذهب الذي بيعت به أو لا يحيط العلم بوزنه إلا أنه يعلم في الحقيقة أنه
أقل من الثمن الذي بيعت به القلادة وهو ذهب فالبيع جائز والدليل على ذلك أنا
رأينا الذهب لا يجوز أن يباع بذهب إلا مثلا بمثل ورأيناهم لا يختلفون في دينارين
أحدهما في الجودة أفضل من الآخر صفقة واحدة بدينارين متساويين في الجودة
أو بذهب غير مضروب جيد أن البيع جائز فلو كان ذلك مردودا إلى حكم
القسمة كما ترد العروض إذا بيعت بثمن واحد إذا لفسد البيع لأن الدينار
الرديء نصيبه أقل من وزنه إذا كانت قيمته أقل من قيمة الدينار الآخر فلما اتفقوا
على صحة البيع وكانت السنة قد ثبتت بأن الذهب تبره وعينه سواء ثبت بذلك أن
حكم الذهب في البيع إذا كان بذهب على غير قسمة القيم وأنه مخصوص في
ذلك الحكم بحكم دون سائر العروض المبيعة صفقة واحدة وأن ما يصيبه من
الثمن هو وزنه لا ما تصيبه قيمته
فإن قيل فقد روي عن حنش أنه قال كان مع فضالة بن عبيد في
غزاة فصارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر فأردت أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:495(2/495)
*** ج2/ص496
أشتريها فسألت فضالة فقال انزع ذهبها فاجعله في كفة واجعل ذهبك في كفة
لا تأخذ إلا مثلا بمثل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل
قيل له الأمر بالتفصيل من قول فضالة فقد يجوز أن يكون أمر بذلك على
أن البيع لا يجوز عنده في هذا الذهب حتى يفصل وقد يجوز أن يكون أمر بذلك
- - لإحاطة علمه أن تلك القلادة لا يوصل إلى علم ما فيها من الذهب وإلى
مقداره إلا بعد أن يفصل أو يكون ما فيها من الذهب أكثر من الثمن
يؤيد هذا ما روى أبو داود عن فضالة بن عبيد قال اشتريت يوم خيبر
قلادة باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر
دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا تباع حتى تفصل
وأما قصة معاوية مع أبي الدرداء فيجوز أن تكون تلك فيها من الذهب
أكثر مما اشتريت به أو بيعت بنسيئة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:496(2/496)
*** ج2/ص497
الطحاوي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
اشتر السيف المحلى بالفضة
وعنه عن مبارك عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يباع السيف
المفضض بأكثر مما فيه يكون الفضة بالفضة والسيف بالفضل
باب
يجوز بيع الرطب بالتمر
متساويا يدا بيد ولا يجوز نسيئة
بدليل ما روينا من حديث عبادة بن الصامت في الأشياء الستة
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن التمر في اللغة اسم للثمرة البارزة من هذه
الشجرة على اختلاف أحوالها كالإنسان في حق الرضيع والفطيم والشاب والشيخ
فكان الرطب تمرا وشرط المماثلة مأخوذ عليه فيه فيدل على إمكانه فإن الاشتراط فيما
لا يقبل الشرط محال فإن كان الرطب من جنس التمر فقد باعه متماثلا وإن كان من
غير جنسه فلا مماثلة علينا في بيعه وما يذكر من احتمال الجفاف يوقع التفاوت
بعد البيع وشرط العقد يعتبر حالة إنشائه ولا يضر التفاوت بعده كالمماثلة في
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:497(2/497)
*** ج2/ص498
القيمة في بيع الولي مال الطفل
فإن قيل فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص
إذا جف قالوا نعم قال فلا إذا
قيل له هذا الحديث رواه عبد الله بن يزيد عن زيد بن أبي عياش وقد
اختلف فيه عنه
قال الطحاوي حدثنا ابن أبي داود عن يحيى بن صالح الوحاظي عن
معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أن زيدا بن أبي عياش
أخبره عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب
بالتمر نسيئة فهذا أصل حديث أينقص إذا جف فيه ذكر النسيئة زاده يحيى بن
أبي كثير على مالك بن أنس فهو أولى ورواه الدارقطني أيضا وعنه عن
يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله عن
عمران بن أبي أنيس أن مولى لبني مخزوم حدثه أنه سأل سعد بن
أبي وقاص رضي الله عنه عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل فقال
سعد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا
قال الطحاوي فهذا عمران بن أبي أنيس وهو رجل متقدم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:498(2/498)
*** ج2/ص499
معروف قد روى هذا الحديث كما رواه يحيى بن أبي كثير فكان ينبغي في تصحيح
معاني الآثار أن يرتفع حديث عبد الله بن يزيد لمكان الاختلاف فيه ويثبت حديث
عمران فيكون النهي الذي جاء في حديث سعد هذا إنما هو لعلة النسيئة
لا غير
باب
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتلقى
الجلب فإن تلقاه إنسان فباعه فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد
السوق هذا حديث حسن غريب
فجعل الخيار للبائع دليل على صحة البيع إذ الفاسد لا خيار فيه وهذا الخيار
نسخه قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
مالك عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبع حاضر لباد
وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبع حاضر لباد دعوا
الناس يرزق الله بعضهم من بعض
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:499(2/499)
*** ج2/ص500
قال الطحاوي رحمه الله فعلمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى الحاضر أن يبيع
للبادي لأن الحاضر يعلم أسعار الأسواق فيستقصي على الحاضرين فلا يكون لهم في
ذلك ربح وإذا باعهم الأعرابي على غرة وجهل بأسعار الأسواق ربح عليه
الحاضرون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلى بين الحاضرين و بين الأعراب في
البيوع ومنع الحاضرين أن يدخلوا عليهم وإذا كان ما وصفنا كذلك وثبتت إباحة
التلقي الذي لا ضرر فيه بما وصفنا من الآثار صار شراء المتلقي منهم شراء حاضر
من باد فهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من
بعض وبطل أن يكون في ذلك خيار للبائع لأنه لو كان فيه خيار للبائع لما
كان للمشتري في ذلك فائدة ولا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتولى البيع للبادي منه
لأنه يكون بالخيار في فسخ ذلك البيع أو يرد له ثمنه إلى الأثمان التي في بياعات
أهل الحضر بعضهم من بعض ففي منع النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين من ذلك إباحة
الحاضرين التماس غرة البادين في البيع منهم والشراء
باب
البيع مع الشرط
الطحاوي عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود أنها باعت عبد الله جارية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:500(2/500)
*** ج2/ص501
فاشترطت خدمتها فذكر ذلك لعمر فقال لا تقربنها ولأحد فيها مثنوية
فقد أبطل ذلك عمر بن الخطاب وتابعه عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم
فإن قيل روى الترمذي عن جابر بن عبد الله أنه باع من النبي صلى الله عليه وسلم
بعيرا واشترط ظهره إلى أهله هذا حديث حسن صحيح
في هذا دليل على أن البيع إذا كان فيه شرط كان البيع صحيحا والشرط
صحيحا
قيل له هذا حديث قد اختلفت ألفاظه اختلافا كثيرا وفيه معنيان يدلان أنه
لا حجة فيه
أحدهما أن مساومة النبي صلى الله عليه وسلم لجابر إنما كانت على البعير ولم يشترط لجابر في
ذلك ركوبا فإن في رواية زكريا عن عامر عن جابر أنه قال فبعته واستثنيت حملانه
إلى أهلي فوجه هذا الحديث أن البيع إنما كان على ما كانت عليه المساومة من
النبي صلى الله عليه وسلم ثم كان الاستثناء المذكور بعد ذلك وكان مفصولا من البيع لأنه إنما
كان بعده وليس في ذلك حجة تدلنا على حكم البيع كيف يكون لو كان الاستثناء
مشروطا في عقدته
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:501(2/501)
*** ج2/ص502
والذي يدل على أن الاستثناء لم يكن مشروطا في عقد البيع ما روى
البخاري في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتبيع جملك قلت نعم فاشتراه
مني بأوقية ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي وقدمت بالغداة فجئنا إلى المسجد فوجدته
على باب المسجد قال الآن قدمت قلت نعم قال فدع جملك فادخل فصل
ركعتين فدخلت فصليت فأمر بلالا أن يزن أوقية فوزن لي بلال فأرجح في الميزان
فانطلقت حتى وليت فقال ادعوا لي جابرا فقلت الآن يرد علي الجمل ولم يكن
شيء أبغض إلي منه قال خذ جملك ولك ثمنه فليس في هذا الحديث ذكر
الحملان بحال لا قبل البيع ولا في عقدة البيع ولا بعده وفي رواية عنه قال
بعنيه قلت بل هو لك يا رسول الله قال بل بعنيه بأربعة دنانير ولك
ظهره إلى المدينة فقوله ولك ظهره جملة تامة لا تعلق لها بما قبلها وهي - والله
أعلم - جواب لجابر رضي الله عنه فكأن جابرا رضي الله عنه لما قال له
النبي صلى الله عليه وسلم بعنيه فقال بعتك ولي ظهره إلى المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك
ظهره إلى المدينة وكأن جابرا رضي الله عنه لما تلفظ للنبي صلى الله عليه وسلم بالبيع ثم رأى نفسه
محتاجة إلى ركوبه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيره البعير ليركبه إلى المدينة فأعاره
النبي صلى الله عليه وسلم
فإن قيل فقد روي في الصحيح أنه قال فبعته على أن لي فقار ظهره حتى
أبلغ المدينة
ففي هذا الحديث دليل على أن الاشتراط كان في عقدة البيع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:502(2/502)
*** ج2/ص503
قيل له هب أن هذا يدل على أن الاشتراط كان في عقدة البيع ولكن لم يكن
النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه حقيقة وإنما ساومه مساومة فظن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اشتراه منه
شراء باتا يدل على ذلك أن جابرا قال فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقد لي
ثمنه ثم انصرفت فأرسل على أثري فقال ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك
فهو مالك وفي هذا دليل ظاهر أنه عليه السلام لم يكن قصد شراءه وإنما قصد
بذلك إيصال البر إلى جابر بهذا الطريق وهذا هو المعنى الآخر
ومما يؤيد هذا أنه روي أيضا في بعض طرق هذا الحديث أنه قال فلما قدمت
المدينة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالبعير فقلت هذا بعيرك فقال لعلك ترى أني إنما
حبستك لأذهب ببعيرك يا بلال أعطه أوقية وخذ بعيرك فهما لك
فدل ذلك على أن ذلك القول الأول لم يكن على التبايع فثبت
أن الاشتراط المذكور إن كان في أصله بعد ثبوت هذه العلة لم يكن في هذا
الحديث حجة لأن المشروط فيه ذلك الشرط لم يكن بيعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ملك
البعير على جابر فكان اشتراط جابر الركوب اشتراطا فيما هو له ملك
ثم حديث جابر فيه اختلاف كثير في تقدير الثمن الذي اشتراه به
رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي رواية ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر أربعة دنانير
وقال داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم عن جابر باربع أواقي وعنه أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:503(2/503)
*** ج2/ص504
النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه بأوقية وقال أبو نضرة عن جابر اشتراه بعشرين دينارا
وهذا الاختلاف لو كان في الشهادة لمنع قبولها فكذا في الرواية إذ لا يمكن الجمع
بين هذه الروايات إلا بأن يكون ما جرى بين جابر و بين النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن
على جهة البيع وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبره بهذا الطريق ويجوز أن يكون
حصل له من النبي صلى الله عليه وسلم الأكثر مما ذكرته الرواة
فإن قيل روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تشتري
بريرة فاشترطوا الولاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتريها فإنما الولاء لمن أعطى الثمن
أو لمن أولى النعمة وفي هذا دليل على جواز البيع وبطلان الشرط
قيل له هذا الحديث قد روي على خلاف ذلك
البخاري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن بريرة جاءت
تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا قالت عائشة ارجعي إلى
أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت فذكرت
بريرة ذلك لأهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون
ولاؤك لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:504(2/504)
*** ج2/ص505
- وفي لفظ الطحاوي فقال لا يمنعك منها ذلك ابتاعي وأعتقي - فإنما الولاء لمن
أعتق ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في
كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة
مرة شرط الله أحق وأوثق
فما كان من أهل بريرة في هذا الحديث لم يكن شرطا في بيع لكن في أداء
عائشة إليهم عن بريرة وهم تولوا عقد تلك الكتابة له ولم يتقدم ذلك الأداء من
عائشة ملك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك منها أي لا ترجعي
لهذا المعنى عما كنت نويت في عتاقهم من الثواب اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن
أعتق وكان ذلك ههنا الشراء ابتداء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ما كان قبل
ذلك بين عائشة وبين أهل بريرة في شيء ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب ما تقدم
ذكرنا له إنكارا منه على عائشة في طلبها ولاء من تولى غيرها كتابتها بحق ملك
عليها ثم نهاها وعلمها بقوله إنما الولاء لمن أعتق أي أن المكاتب إذا عتق بالكتابة
فمكاتبه هو الذي أعتقه وولاؤه له فهذا حديث فيه ضد ما في غيره وليس فيه دليل
على اشتراط الولاء في البيع كيف هو
فإن قيل فقد روي مكان قوله ابتاعي وأعتقي خذيها فأعتقيها
واشترطي
قيل له هذا اللفظ رواه هشام عن عروة وما رواه ابن شهاب عن عروة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:505(2/505)
*** ج2/ص506
أولى لأن ابن شهاب أتقن وأحفظ من هشام ويجوز أن يكون معنى خذيها
ابتاعيها كما يقول الرجل لصاحبه بكم أخذت هذا العبد يريد بكم ابتعته وكما
يقول الرجل للرجل خذ هذا العبد بألف يريد بذلك البيع ولم يبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله واشترطي ما تشترط فيجوز أن يكون أراد واشترطي
ما يشترط في البياعات الصحاح والله أعلم
باب
يجوز بيع الكلب ويكره
لأنه منتفع به حراسة واصطيادا قال الله تعالى 2 وما علمتم من الجوارح مكلبين 2
فإن قيل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان
الكاهن
قيل له هذا كان في زمن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيه بقتل الكلاب وكان الانتفاع
بها يومئذ محرما ثم بعد ذلك رخص في الانتفاع بها
الطحاوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:506(2/506)
*** ج2/ص507
أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما وقضى في كلب ماشية بكبش
وعنه عن عطاء قال لا بأس بثمن الكلب فهذا قول عطاء وقد
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثمن الكلب من السحت
وعنه عن ابن شهاب أنه إذا قتل الكلب المعلم فإنه يقوم قيمته فيغرمه
الذي قتله فهذا الزهري يقول هذا وقد روى عن أبي بكر بن عبد الرحمن
عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثمن الكلب من السحت
وعنه عن مغيرة عن إبراهيم قال لا بأس بثمن كلب الصيد
وروى عن مالك رحمه الله إجازة بيع كلب الصيد والزرع والماشية ولا خلاف
عنه أن من قتل كلب صيد أو ماشية أنه يجب عليه قيمته
وعن عثمان أنه أجاز الكلب الضاري في المهر وجعل على قاتله عشرين
من الإبل ذكره ابن عبد البر في التمهيد فيما أظن
الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:507(2/507)
*** ج2/ص508
الكلب والسنور وهذا حديث في إسناده اضطراب
ذكر الغريب
مهر البغي هو أن يعطي المرأة شيئا ليفجر بها وحلوان الكاهن ما يأخذه
الكاهن على كهانته فإن الكهانة باطلة لا يجوز أخذ الأجر عليها وقيل هي
الرشوة وقيل هو مشتق من الحلاوة يقال منه حلوت الرجل أحلوه إذا أطعمته
الحلو كما يقال عسلته إذا أطعمته العسل والفرق بين الكاهن والعراف أن
الكاهن يتعاطى الخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ومعرفة الأسرار والعراف
يتعاطى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوه والله أعلم
باب
بيع أراضي مكة غير جائز
الطحاوي عن مجاهد عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل بيع
بيوت مكة ولا إجارتها
وعنه عن علقمة بن نضلة قال كانت الدور على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر وعثمان ما تباع ولا تكرى ولا تدعى إلا السوائب من احتاج سكن
ومن استغنى أسكن
وعنه عن مجاهد أنه قال مكة مباح لا يحل بيع رباعها ولا إجارة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:508(2/508)
*** ج2/ص509
بيوتها وهذا مذهب أبي حنيفة ومحمد وسفيان الثوري رحمهم الله
باب
لا يجوز السلم إلا مؤجلا
البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم
يسلفون في التمر السنتين والثلاث فقال من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم
ووزن معلوم إلى أجل معلوم
باب
لا يجوز استقراض الحيوان
بدليل إجماع المسلمين على عدم جواز استقراض الإماء
فإن قيل روى مالك عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:509(2/509)
*** ج2/ص510
استلسف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرأ فجاءته إبل من الصدقة قال أبو رافع فأمرني
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره فقلت لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء
قيل له يحتمل أن يكون هذا قبل تحريم الربا كما كان يجوز بيع الحيوان
بالحيوان نسيئة ثم نهي عنه يدل على ذلك ما روى الطحاوي عن عبد الله بن
عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره
بأن يأخذ في قلاص الصدقة فجعل يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة
ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فدخل في ذلك استقراض
الحيوان
فإن قيل الحنطة لا يجوز بيع بعضها ببعض نسيئة ويجوز قرضها فكذلك
الحيوان
قيل له نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة لم يكن لاتفاق
النوعين وإلا لجاز بيع العبد بالبقرة نسيئة وإنما كان لعدم وجود مثله ولأنه غير
موقوف عليه وإذا كان كذلك بطل قرضه أيضا لأنه غير موقوف عليه
وروى الطحاوي عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:510(2/510)
*** ج2/ص511
السلف في كل شيء إلى أجل مسمى لا بأس به ما خلا الحيوان
باب
لا يجوز بيع لبن المرأة
قال الله تعالى 2 فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن 2 فقد دلت هذه الآية
على أن لبن المرأة وإن كان عينا فقد أجرى مجرى المنافع التي تستحق بعقود
الإجارات فكما لا يجوز عقد البيع على المنافع لا يجوز على لبن المرأة وفارق لبن
المرأة بذلك سائر ألبان الحيوانات لأنه لا يجوز استئجار شاة لرضاع صبي لأن
الأعيان لا تستحق بعقود الإجارات كاستئجار النحل والشجر والله أعلم
باب
لو باع التمر أو العنب ممن يعلم أنه يتخذه خمرا
كره وصح بيعه لجواز أن لا يتخذه خمرا
فإن قيل روي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من حبس العنب زمن القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يعلم أنه يتخذه
خمرا فقد يقدم على النار على بصيرة
قيل له قال أبو حاتم لا أصل لهذا الحديث من حديث حسين بن واقد فقد
ينبغي أن يعدل بالحسين عن سنن العدول لروايته هذا الخبر المنكر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:511(2/511)
*** ج2/ص512
باب
يكره التسعير
الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال غلا السعر على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال إن الله هو المسعر القابض
الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم
ولا مال حديث حسن صحيح
باب
الاختلاف في البيع
الدارقطني عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن
أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا اختلف المتبايعان في البيع والسلعة لم
تستهلك فالقول ما قال البائع أو يترادان
فإن قيل روى الترمذي عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود رضي الله
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع
بالخيار
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:512(2/512)
*** ج2/ص513
قيل له هذا حديث مرسل لأن عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود
رضي الله عنه
باب
إذا اشترى ثمرة فأصابها جائحة فما ذهب من
ذلك قل أو كثر بعد أن يقبضه المشتري
ذهب من ماله وما ذهب في يد البائع قبل
أن يقبضه المشتري بطل ثمنه عن المشتري
البخاري ومسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال
أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله
تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار وفيهم بائعها ولم يرجع على الباعة بالثمن إذ كانوا
قد قبضوا ذلك منه ثبت أن الجوائح الحادثة في يد المشتري لا تكون مبطلة عنه شيئا
من الثمن الذي عليه للبائع
وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح فهو محمول على
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:513(2/513)
*** ج2/ص514
الجوائح التي يصاب الناس بها ويجتاحون في الأراضي الخراجية التي خراجها
للمسلمين فوضع ذلك الخراج عنهم واجب لازم لأن في ذلك صلاحا للمسلمين
وتقوية لحالهم وفيه عمارة أراضيهم
فإن قيل فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن بعت من أخيك
ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير
حق أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه
قيل له يجب حمل هذا الحديث على أن الجائحة أصابت الثمرة قبل تخلية
البائع بينه وبين المشتري وإلا فإن أجاح به في مقدار الثلث وجب أن يجيح به
فيما دون الثلث
باب
لا يجوز بيع ما ينقل ويحول قبل القبض
البخاري عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أما الذي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:514(2/514)
*** ج2/ص515
نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام قبل أن يقبض قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء
إلا مثله فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل القبض دليل على عدم جواز بيع كل
ما ينقل ويحول لأنه في معناه - - وقول ابن عباس ولا أحسب كل
شيء إلا مثله يريد - والله أعلم - ولا أحسب كل شيء يمكن نقله إلا مثله ولئن
أراد كل شيء مما ينقل وما لا ينقل فإنما قال ذلك - والله أعلم - اعتقادا منه أن المعنى
الذي حرم به البيع على مشتري الطعام قبل قبضه هو أنه لا يطيب له ربح
ما لم يضمن من حيث إنه قبل القبض في ضمان البائع قال وهذا المعنى موجود في
غير الطعام أو نقول الطعام يجوز السلم فيه وليس بقائم حينئذ ولا يجوز ذلك في
العروض فكان الطعام أوسع أمرا في البيوع وأكثر جوازا فإذا حرم بيعه قبل قبضه
كان حظر غيره أولى فقصد النبي صلى الله عليه وسلم إلى النهي عن الطعام دليل نهيه عن غيره
ونحن لا نسلم أن المعنى الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل القبض
لأجله هو ما ذكره بل معنى آخر وهو غرر انفساخ العقد بهلاك المعقود عليه قبل
القبض والهلاك في العقار نادر
باب
لا يجوز بيع المدبر
لأنه لما علق العتق على صفة استحق العتق ضرورة وإنما قضى فيه بالثلث لأنه
حكم يظهر بعد الموت وكل حكم يظهر بعد الموت فهو من الثلث وصية كان
أو تدبيرا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:515(2/515)
*** ج2/ص516
فإن قيل روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار
دبر مملوكه ولم يكن له مال غيره فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فدعا به وقال من يشتريه فاشتراه
نعيم بن النحام بثمانمائة درهم فأخذ ثمنه فدفعه إليه
زاد غيره في الصحيح فدفعها إليه وقال له ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن
فضل شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك فهكذا وهكذا من بين يديك
وعن يمينك وعن شمالك
قيل له هذه قصة في عين وحكاية في حال فلا تتعدى إلى غيرها إلا بدليل
هذا إذا كانت مجردة عن الاحتمال وإذا تطرق إليها التأويل سقط منها الدليل والذي
يدل على الاحتمال فيها وأنها خارجة عن طريق الاحتجاج قوله ولم يكن له مال
ولو كان منعه - لأن التدبير لا يقتضي منعا ولا يوجب عتقا - لم يكن لقوله
ولم يكن له مال غيره معنى ولا يجوز إسقاط بعض الحديث والتعلق ببعضه
ويحتمل أن يكون سفيها فرد النبي صلى الله عليه وسلم فعله عليه ولا يجوز أن يكون باعه في دين
لأن لفظ الصحيح أنه دفعه إليه وأمره أن يعود به على قرابته
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:516(2/516)
*** ج2/ص517
مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إذا دبر الرجل
جاريته فإن له أن يطأها وليس له أن يبيعها ولا يهبها وولدها بمنزلتها وقال
مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في المدبر أن صاحبه لا يبيعه ولا يحوله عن
موضعه الذي وضعه فيه وإن رهق سيده دين فإن غرماءه لا يقدرون على بيعه
ما عاش سيده فإن مات سيده ولا دين عليه فهو من ثلثه
باب
لا يجوز بيع أمهات الأولاد
مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قال أيما وليدة ولدت من سيدها فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها وهو
يستمتع منها فإذا مات فهي حرة
باب
من باع نخلا أو شجرا فيه ثمرة
فثمرته للبائع إلا أن يشترطها المبتاع
أما بعد التأبير فلما روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:517(2/517)
*** ج2/ص518
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط
المبتاع
وأما قبل التأبير فلأن الملك ثابت له في الشجرة والثمرة قبل البيع والبيع
أضيف إلى الشجرة فيقتصر حكمه عليه والحديث لم يتعرض لما قبل التأبير بنفي
ولا إثبات فبقي على أصل ملك البائع
فإن قيل فما فائدة تخصيص التأبير بالذكر
قيل له لعل النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع النخل المؤبر وحكم الثمار فيها فكان
جوابه مقصورا على محل السؤال وهو كل الجملة الحاضرة في غرض المتكلم وهذا
كقوله صلى الله عليه وسلم في سائمة الغنم الزكاة فإن الزكاة كانت منتفية في السائمة
والمعلوفة جميعا فلما أوجبها بقوله في سائمة الغنم زكاة بقيت المعلوفة
على حالها وكذلك قوله تعالى 2 ثم أتموا الصيام إلى الليل 2 فإن الصوم
كان منتف بالليل والنهار فلما قصر الوجوب على النهار بقي الليل كما كان
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:518(2/518)
*** ج2/ص519
كتاب الرهن
باب
ليس للمرتهن أن يركب الرهن
ولا أن يشرب لبنه وهو رهن معه
وليس له أن ينتفع بشيء منه لأنه ملك الراهن
فإن قيل فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا
وعلى الذي يركب ويشرب النفقة
قيل له قال الخطابي هذا كلام مبهم ليس في اللفظ بيان من يركبه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:519(2/519)
*** ج2/ص520
ويجلبه هل الراهن أو المرتهن أو العدل الموضوع على يده الرهن وقال ابن
عبد البر فإن كان المعني به المرتهن فقد أجمعوا أن لبن الرهن وظهره للراهن
ولا يخلو من أن يكون احتلاب المرتهن له بإذن الراهن أو بغير إذنه فإن كان بغير
إذنه ففي حديث ابن عمر لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه ما يرده ويقضي
بنسخه وإن كان بإذنه ففي الأصول المجمع عليها في تحريم بيع المجهول وبيع
الغرر وبيع ما ليس عندك وبيع ما لم يخلق ما يرده فإن ذلك كان قبل نزول
تحريم الربا
ثم إن الشعبي روى هذا الحديث وقد روى الطحاوي عن الشعبي أنه
قال لا ينتفع من الرهن بشيء
أفيجوز أن يكون أبو هريرة يحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء ويقول بخلافه ولم يثبت
النسخ عنده لئن كان كذلك لقد صار متهما في رواية ذلك وإذا ثبتت له العدالة
فالمحتج علينا بحديث أبي هريرة هذا يقول من روى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو
أعلم بتأويله فكان يجيء على أصله ويلزمه من قوله أن يقول بما قال الشعبي
بخلاف ما رواه أبو هريرة وكان خلافه دليلا على نسخ الحديث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:520(2/520)
*** ج2/ص521
باب
إذا هلك الرهن في يد المرتهن فإن كانت قيمته
والدين سواء هلك به وإن كانت قيمته أقل
رجع المرتهن على الراهن بما بقي من الدين وإن
كانت أكثر رجع الراهن على المرتهن بما زاد
الطحاوي عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا ارتهن فرسا فمات الفرس
في يد المرتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب حقك
وعنه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال أدركت من فقهائنا
الذين ينتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد
وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله في مشيخة من نظرائهم أهل
فقه وصلاح وفضل فذكر جميع ما جمع من أقاويلهم في كتابه على هذه الصفة أنهم
قالوا الرهن بما فيه إذا هلك وعميت قيمته ورفع ذلك منهم الثقة إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهؤلاء أئمة المدينة وفقهاؤها يقولون إن الرهن يهلك بما فيه ويرفعه الثقة منهم
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيهم حكاه فهو حجة لأنه فقيه إمام فقولهم جميعا بذلك
واجتماعهم عليه قد ثبت به ذلك
فإن قيل فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:521(2/521)
*** ج2/ص522
لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه ففي هذا دليل أن الرهن
لا يضيع بالدين وأن لصاحبه غنمه وهو سلامته وعليه غرمه وهو غرم الدين بعد
ضياع الرهن
قيل له هذا حديث منقطع وأنت لا تقول بالمنقطع
فإن قال إنما قلت به وإن كان منقطعا لأنه عن سعيد بن المسيب ومنقطع
سعيد بن المسيب يقوم مقام المتصل
قيل له ومن جعل لك أن تختص سعيد بن المسيب بهذا وتمنع منه مثله من
أهل المدينة مثل أبي سلمة وسالم وعروة وسليمان بن يسار وأمثالهم من أهل
المدينة والشعبي وإبراهيم النخعي وأمثالهما من أهل الكوفة والحسن وابن سيرين
ومن كان فوقهم من الطبقة الأولى من التابعين مثل علقمة وعمر بن شرحبيل
وعبيد الله وشريح لئن كان هذا لك مطلقا في سعيد بن المسيب فإنه مطلق لغيرك
فيمن ذكرنا وإن كان غيرك ممنوعا عن ذلك فإنك ممنوع عن مثله لأن هذا
تحكم وليس لأحد أن يحكم في دين الله بالتحكم ثم نقول هذا تأويل قد أنكره
أهل العلم جميعا باللغة وزعموا أنه لا وجه له
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:522(2/522)
*** ج2/ص523
قال الطحاوي وقد قال أهل العلم في تأويل الحديث غير ما ذكرت
عن إبراهيم في رجل دفع إلى رجل رهنا وأخذ منه دراهم وقال إن جئتك
بحقك إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك بحقك فقال إبراهيم لا يغلق الرهن قال
أبو عبيد فجعله جوابا لمسألته
وقد روي عن طاوس مثل هذا قال الطحاوي بلغني ذلك عن
ابن عيينة عن عمرو عن طاوس قال وأخبرني عبد الرحمن بن مهدي عن
مالك بن أنس وسفيان بن سعيد أنهما كانا يفسرانه على هذا التفسير
وعن الزهري قال سمعت ابن المسيب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق
الرهن فبذلك يمنع صاحب الرهن من ابتياعه من الذي رهنه عنده حتى يباع من
غيره
فذهب الزهري في ذلك الغلق إلى أنه في البيع لا في الضياع فهؤلاء المتقدمون
يقولون بما ذكرنا ثم سعيد بن المسيب وهو المأخوذ منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق
الرهن وقد زعمت أيها المخالف أن من روى حديثا فهو أعلم بتأويله حتى قلت في
عمرو بن دينار عن ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال
عمرو في الأموال فجعلت قول عمرو في هذا حجة ودليلا لك أن ذلك الحكم في
الأموال دون سائر الأشياء فلئن كان قول عمرو هذا وتأويله يجب به حجة فإن
قول سعيد بن المسيب الذي ذكرنا وتأويل الزهري فيما روى أحرى أن يكون حجة
الطحاوي عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:523(2/523)
*** ج2/ص524
قال في الرجل يرهن الرهن فيضيع قال إن كان بأقل ردوا عليه وإن كان
بأفضل فهو أمين في الفضل
وعنه عن محمد بن الحنفية أن عليا قال إذا رهن الرجل رهنا فقال
المعطي لا أقبله إلا بأكثر مما أعطيتك فضاع رد عليه الفضل وإن رهنه وهو أكثر
مما أعطي بطيب نفس من الراهن فضاع فهو بما فيه
وعنه عن خلاس أن عليا قال إذا كان في الرهن فضل فأصابته
جائحة فهو بما فيه وإن لم تصبه جائحة واتهم فإنه يرد الفضل
وعنه أن الحسن وشريحا قالا الرهن بما فيه
وعنه عن أبي حصين قال سمعت شريحا يقول ذهبت الرهان بما
فيها فهذا الحسن وشريح قد رأيا الرهن يبطل بضياعه الدين
وعنه عن ابن جريج عن عطاء في رجل رهن رجلا جارية فهلكت
قال هي بحق المرتهن
فهذا عطاء يقول هذا وقد روي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا يغلق الرهن فقد خالف من خالفنا هذا كله وخالف ما رويناه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعلي وعمن ذكرنا من التابعين فمن إمامه في هذا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:524(2/524)
*** ج2/ص525
وبمن اقتدى فهذا مذهب أصحابنا وكانوا يذهبون إلى قول سعيد بن المسيب له
غنمه وعليه غرمه أن ذلك في البيع يريدون إذا بيع الرهن وفيه نقص عن
الدين غرم للمرتهن ذلك النقص وهو غرمه المذكور في الحديث وإن بيع
بفضل عن الدين أخذ الراهن ذلك الفضل وهو غنمه المذكور في الحديث
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:525(2/525)
*** ج2/ص526
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:526(2/526)
*** ج2/ص527
كتاب الشفعة
باب
الجار الملاصق له شفعة
الترمذي عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الجار أحق بشفعته ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا هذا
حديث حسن غريب
وعنه عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:527(2/527)
*** ج2/ص528
جار الدار أحق بالدار هذا حديث حسن صحيح قال ابن المديني سمع
الحسن من سمرة
فإن قيل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل شرك بأرض أو ربع
أو حائط
وروى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قضى
النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق
فلا شفعة
قيل له أما الحديث الأول فليس فيه دليل علينا لأنه لا ينفي أن تكون واجبة
في غيره لأنه لم يقل أن الشفعة لا تكون إلا في شرك ثم في حديث جابر الذي ذكرنا
إيجاب الشفعة في المبيع الذي لا شرك فيه بالشرك في الطريق فالأولى أن يجمع
بينهما فيكون حديث جابر فيه إخبار عن حكم الشفعة في المبيع الذي لا شرك
لأحد فيه بالطريق والحديث الآخر فيه إخبار عن حكم الشفعة للشريك في الذي بيع منه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:528(2/528)
*** ج2/ص529
وأما الحديث الثاني لا يجب به حجة على أصل المحتج به علينا لأن
الأثبات من أصحاب مالك رحمه الله - مثل القعنبي وأبي عامر - إنما رووه عن
مالك منقطعا والمنقطع لا يقوم به حجة ثم لو ثبت هذا الحديث واتصل إسناده
لم يكن فيه عندنا ما يخالف الحديث الذي ذكرناه عن عطاء عن جابر لأن الذي في
هذا الحديث إخبار عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالشفعة فيما لم يقسم فكان بذلك مخبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قضى ثم قال بعد
ذلك فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وكان ذلك قولا من رأيه لم يحكه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يكون هذا الحديث حجة علينا لو كان رسول الله قال الشفعة
فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
الطحاوي عن عامر عن شريح قال الشفعة شفعتان شفعة للجار
وشفعة للشريك
وعنه عن أبي بكر بن حفص أن عمر كتب إلى شريح أن تقضي
بالشفعة للجار الملازق
الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشريك شفيع والشفعة في كل شيء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:529(2/529)
*** ج2/ص530
ومعنى هذا في الدور والعقار والأرضين بدليل ما روى
الطحاوي عن ابن عباس رضي الله عنه قال لا شفعة في الحيوان
فإن قيل إن الشريك يسمى جارا ولهذا سميت المرأة جارة زوجها
قيل له تسمية الشريك جارا لا توجد في لغة العرب وإنما سميت المرأة جارة
زوجها لقربها منه لا لكونها شريكة له وإلى هذا ذهب الثوري وابن المبارك
رحمهما الله تعالى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:530(2/530)
*** ج2/ص531
كتاب الإجارات
باب
الأجرة إنما تجب بالفراغ
من العمل لا بالعقد
قال الله تعالى 2 فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن 2 رتب وجوب
إيتاء الأجر على الفراغ من الرضاع
باب
الأب إذا استأجر ابنه لخدمته لا يستحق عليه الأجر
لأن خدمته مستحقة عليه من غير إجارة لقوله تعالى 2 والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة 2
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:531(2/531)
*** ج2/ص532
باب
لا بأس بأجرة الحجام
الطحاوي عن المحيصة - رجل من بني حارثة - أنه قد كان له
حجام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسبه فنهاه ثم عاد فنهاه فلم يزل يراجعه حتى
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلف كسبه ناضحك وأطعم ذلك رقيقك وقد رواه عن
المزني عن الشافعي رضي الله عنه
فدل هذا أن إباحة النبي صلى الله عليه وسلم كسب الحجام كانت بعد نهيه عنه وفي إباحته
أن يطعمه للناضح والرقيق دليل على حله لأن المال الحرام لا يحل لأحد أن
يطعمه رقيقه
باب
كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها
قال الله تعالى 2 من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون 2 ففي هذا دليل على أن ما سبيله أن لا يفعل إلا على وجه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:532(2/532)
*** ج2/ص533
القربة لا يجوز أخذ الأجرة عليه لأن الأجرة من حظوظ الدنيا فمتى أخذ عليه الأجر
فقد خرج من أن يكون قربة بما تلوناه من الكتاب وبالسنة وهو ما روى
ابن ماجه عن أبي بن كعب قال علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها
الطحاوي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة قال كنت أعلم ناسا
من أهل الصفة القرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسا على أن أقبلها في سبيل الله
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أردت أن يطوقك الله بها طوقا من النار
فاقبلها
وعنه عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول اقرأوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا
تستكثروا به
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:533(2/533)
*** ج2/ص534
الترمذي عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال إن من آخر
ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا وهذا حديث
حسن
وأما قوله عليه السلام في حديث الرقية خذوها واضربوا لي بسهم
وقوله إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله فالجواب عنه من وجوه
أحدها أن القوم كانوا كفارا فجاز أخذ أموالهم
والثاني أن حق الضيف لازم ولم يضيفوهم
والثالث أن الرقية ليست بقربة محضة فجاز أخذ الأجر عليها وكذلك
على العلاجات كلها
وإن كنا نعلم أن المستأجر على الرقي يدخل فيما يرقى فيه بعض القرآن لأنه
ليس على الناس أن يرقوا بعضهم بعضا فإذا استؤجروا على أن يعلموا
ما ليس عليهم أن يعلموه جاز ذلك وتعليم القرآن واجب أن يعلم بعضهم
بعضا لأن في ذلك التبليغ عن الله إلا أن من علم ذلك منهم فقد أجزأ ذلك عن
بقيتهم فإذا استأجر بعضهم بعضا على تعليم ذلك كانت إجارته تلك واستئجاره إياه
باطلا لأنه إنما استأجره على أن يؤدي فرضا هو عليه لله تعالى وفيما يفعله لنفسه لأنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:534(2/534)
*** ج2/ص535
إنما سقط عنه الفرض بفعله إياه والإجارات على خلاف ذلك وقوله عليه
السلام إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله يعني إذا رقيتم به
الطحاوي عن يحيى البكاء أن رجلا قد قال لابن عمر إني أحبك
في الله فقال له ابن عمر لكني أبغضك في الله لأنك تبغي في أذانك أجرا وتأخذ
على الأذان أجرا فثبت كراهية الأذان بالأجر فكذلك تعليم القرآن وقد أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عن الله وعن رسوله ولو آية من كتاب الله وقد
أوجب الله التبليغ على رسوله وقال بلغوا عني ولو آية من كتاب الله وحدثوا
عن بني إسرائيل ولا حرج عليكم في أن تحدثوا عنهم في ذلك وقد ذهب
الزهري وإسحاق إلى أنه لا يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن وذهب ابن سيرين
والحسن والشعبي إلى أنه لا بأس بأخذ المال على ذلك ما لم يشترط وهو وفاق
مذهبنا أيضا
باب
لا ضمان على الأجير المشترك
لأن العين في يده أمانة وإذا كانت أمانة فلا يضمن لما روى الدارقطني
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ضمان على
مؤتمن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:535(2/535)
*** ج2/ص536
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:536(2/536)
*** ج2/ص537
كتاب العارية
باب
العارية أمانة إن هلكت من غير تعد لم
تضمن وكذا الوديعة ووافقنا مالك
رحمه الله في الأموال الظاهرة مثل الحيوان
والرباع
الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان
فقد سوى رسول الله في هذا الحديث بين المستعير والمستودع
فإن قيل هذا الحديث يرويه عمرو بن عبد الجبار وعبيدة بن حسان وهما
ضعيفان وقد روي عن شريح القاضي غير مرفوع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:537(2/537)
*** ج2/ص538(2/538)
*** ج2/ص539
فوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع العواري بكونها مؤداة ولم يتعرض للضمان
ومذهبنا مروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما وهو قول شريح والحسن
وإبراهيم النخعي والثوري
ذكر الغريب
المنحة بميم مكسورة ونون ساكنة وحاء مهملة وهاء ما يمنح الرجل صاحبه
من أرض يزرعها أو شاة يشرب لبنها أو شجرة يأكل ثمرها ثم يردها فتكون
منفعتها له وأصلها في حكم العارية والزعيم الكفيل وكل من يكفل دينا فعليه
الغرم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:539(2/539)
*** ج2/ص540
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:540(2/540)
*** ج2/ص541
كتاب الهبة
باب
يكره للواهب أن يرجع في هبته وإن رجع جاز
إلا في هبة ذي الرحم المحرم أو الزوجين
أما الكراهة فلما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال العائد
في هبته كالكلب يعود في قيئه
وأما الجواز فلما روى الطحاوي عن الأسود عن عمر رضي الله عنه أنه
قال من وهب هبة لذي رحم جازت ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:541(2/541)
*** ج2/ص542
أحق بها ما لم يثب منها وزاد من طريق آخر أو يستهلكها مستهلك أو يمت
أحدهما
وعنه عن ابن أبزى عن علي رضي الله عنه قال الواهب أحق بهبته
ما لم يثب منها
وعنه عن أبي الدرداء أنه قال الواهب ثلاثة رجل وهب من غير أن
يستوهب فهو بسبيل الصدقة ليس له أن يرجع في صدقته ورجل استوهب
فوهب فله الثواب فإن قبل على موهبته ثوابا فليس له إلا ذلك وله أن يرجع في
هبته ما لم يثب ورجل وهب واشترط الثواب فهو دين على صاحبه في حياته وبعد
موته
فهذا أبو الدرداء قد جعل ما كان من الهبات مخرجه مخرج الصدقات في حكم
الصدقات ومنع الواهب من الرجوع في ذلك كما يمنع المتصدق من الرجوع
في صدقته وجعل ما كان منها بغير هذا الوجه مما لم يشترط فيه ثوابا مما يرجع
فيه ما لم يثب الواهب عليه وجعل ما اشترط فيه فيه العوض في حكم البيع فهذا
حكم الهبات عندنا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:542(2/542)
*** ج2/ص543
وعنه عن حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد أن امرأة وهبت لزوجها
هبة ثم رجعت فيها فاختصما إلى شريح فقال للزوج شاهداك أنها هبت لك من
غير كره ولا هوان وإلا فيمينها لقد وهبت لك عن كره وهوان
فهذا شريح قد سأل الزوج البينة أنها وهبت له لا عن كره بعد ارتجاعها في
الهبة فدل ذلك على أن البينة لو ثبتت عنده على ذلك لرد الهبة إليه ولم يجوز لها
الرجوع فيها وكان من رأيه أن للواهب الرجوع في الهبة إلا من ذي الرحم المحرم
فقد جعل المرأة في هذا كذي الرحم المحرم
وعنه عن منصور قال قال إبراهيم إذا وهبت المرأة لزوجها أو الزوج
لامرأته فالهبة جائزة وليس لواحد منهما أن يرجع في هبته
فإن قيل فقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم العائد في الهبة بالعائد في القيء والعود في
القيء حرام
قيل له يجوز أن يكون أراد بالعائد في قيئه الكلب كما ذكره في الحديث
الذي رويناه في أول الباب وعود الكلب في قيئه لا يوصف بحل ولا حرمة ولكنه
مستقذر فلا يثبت بذلك منع الواهب من الرجوع في الهبة ولكن أراد تنزيه أمته عن
أمثال الكلاب لا أنه أبطل أن يكون لهم الرجوع في هباتهم
يؤيد هذا ما روى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال
سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول حملت على فرس عتيق في
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:543(2/543)
*** ج2/ص544
سبيل الله وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه فأردت أن أشتريه منه وظننت
أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره وإن أعطاكه
بدرهم واحد فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه
فلم يكن ذلك لحرمة ابتياع الصدقة ولكن لأن ترك ذلك أفضل
فإن قيل فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل للواهب أن يرجع في هبته إلا
الوالد فيما وهب لولده وأنتم تقولون يحل للواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد
فيما وهب لولده فقد قلتم بضد ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل له ما أقبح سؤالك وأشنع أقوالك فلو كان عندك معرفة بأحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قلت ذلك فإن هذا اللفظ قد ورد في السنة ولم يرد به التحريم
كقوله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ولم يكن معناه أنها تحرم
عليه كما تحرم على الأغنياء فإن الزمانة لا تشترط مع الفقر ولكنها لا تحل له من
حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة والزمانة وهذا الحديث وصف النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذلك
الرجوع بأنه لا يحل تغليظا للكراهة كيلا يكون أحد من أمته له مثل السوء يعني
لا يحل له كما تحل له الأشياء التي قد أحلها الله لعباده ولم يجعل لمن فعلها مثلا
كمثل السوء ثم استثنى من ذلك ما وهب الوالد لولده فذلك عندنا والله أعلم على
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:544(2/544)
*** ج2/ص545
إباحته للوالد أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت حاجته إلى ذلك وفقره إليه لأن ما يجب
للوالد من ذلك ليس بفعل يفعله فيكون ذلك رجوعا منه يكون مثله فيه كمثل
الكلب الراجع في قيئه ولكنه شيء أوجبه الله تعالى لفقره فقد روي أن رجلا أتى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أعطيت أمي حديقة وإنها ماتت ولم تترك وارثا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح للمصدق صدقته لما رجعت إليه بالميراث
ومنع عمر بن الخطاب من ابتياع صدقته فثبت بهذين الحديثين إباحة الصدقة
الراجعة إلى المصدق بفعل الله تعالى وكراهية الصدقة الراجعة إليه بفعل نفسه
وكذلك وجوب النفقة للأب في مال الابن لحاجته وفقره وجبت له بإيجاب الله
تعالى إياها فأباح النبي صلى الله عليه وسلم له ارتجاع هبته وإنفاقها على نفسه كما رجع إليه
بالميراث لا كما رجع إليه بالابتياع والوالدة حكمها حكم الوالد
باب
إذا وهب شقصا مشاعا وأقبض الكل يتوقف
الملك على القسمة وإقباض المفرز وما لا يحتمل
القسمة يحصل الملك فيه بإقباض الكل
الطحاوي عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت إن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:545(2/545)
*** ج2/ص546
أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما
حضرته الوفاة قال والله يا بنية ما من أحد من الناس أحب إلي غنى بعدي
منك ولا أعز علي فقرا بعدي منك وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا ولو
كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال وارث وإنما هما أخواك
وأختاك فاقتسموا على كتاب الله عز وجل
باب
العبد لا يملك وإن ملك
قال الله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء مملوكا
نكرة شائع في جنس العبيد كقوله لا تكلم عبدا قط واعط هذا عبدا وكقوله
تعالى 2 يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة 2 فكل من لحقه هذا الاسم فقد انتظمه
هذا الحكم إذا كان لفظا منكورا ثم لا يخلو إما أن يكون المراد نفي القدرة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:546(2/546)
*** ج2/ص547
أو نفي الملك أو نفيهما ومعلوم أنه لم يرد به نفي القدرة إذ كان الحر والعبد
لا يختلفان في القدرة من حيث اختلفا في الحرية والرق لأن العبد قد يكون أقدر من
الحر فثبت أنه أراد نفي الملك
ووجه آخر وهو أنه جعله مثلا للأصنام تشبيها بالعبيد المملوكين في نفي الملك
ومعلوم أن الأصنام لا تملك شيئا فوجب أن يكون من ضرب المثل به لا يملك شيئا
وإلا لزالت فائدة ضرب المثل وكان حينئذ ضرب المثل بالحر والعبد سواء
وأيضا لو أراد عبدا بعينه لا يملك شيئا وجاز أن يكون من العبيد من يملك
شيئا لقال ضرب الله مثلا رجلا لا يقدر على شيء فلما خص العبد بذلك دل على
أن وجه تخصيصه أنه ليس ممن يملك ولو أراد عبدا بعينه لعرفه بالألف واللام
ولم يذكره بلفظ منكور
وأيضا معلوم أن الخطاب في ذكر عبدة الأوثان والاحتجاج عليهم ألا ترى إلى
قوله 2 ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال 2 ثم قال 2 ضرب الله مثلا 2 فأخبر أن
مثل ما يعبدون مثل العبيد والمماليك الذين لا يملكون شيئا ولا يستطيعون أن
يملكوا ولو كان المراد عبدا بعينه وكان العبد ممن يملك ما كان بينه وبين الحر فرق
وكان تخصيص العبد بالذكر لغوا فثبت أن المعنى نفي الملك للعبد رأسا
وقوله أبكم أراد به عبدا أبكم ألا ترى إلى قوله وهو كل على
مولاه فدل على أن المراد العبد كأنه ذكر أولا عبدا غير أبكم وجعله مثلا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:547(2/547)
*** ج2/ص548
للصنم في نفي الملك ثم زاده نقصا بقوله أبكم مبالغة في وصف الأصنام
بالنقص وقلة الخير ولا يجوز أن يراد به ابن العم لأن نفقته لا تلزم وليس له
توجيهه في أموره ولا معنى لذكر ابن العم ههنا لأن الأب والأخ والعم أقرب
إليه من ابن العم فحمله على ابن العم يزيل فائدته وأيضا فإن المولى إذا
أطلق يقتضي مولى الرق أو مولى النعمة ولا ينصرف إلى ابن العم إلا بدلالة
وقد سمى الله الأصنام عبادا بقوله 2 إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم 2 ولو ملك العبد شيئا لما جاز للمولى أخذه منه لأجل ملكه له كما لا يملك طلاق
امرأته ووطء زوجته وهي أمة المولى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:548(2/548)
*** ج2/ص549
باب
ينبغي للرجل أن يسوي بين ولده في العطية
ليستووا في البر له ولا يفضل بعضهم على
بعض فتقع بذلك الوحشة في قلوبهم فإن نحل
بعضهم شيئا دون بعض وقبله المنحول لنفسه إن
كان كبيرا أو قبضه له أبوه إن كان صغيرا
بإعلامه والإشهاد به فهو جائز
البخاري ومسلم والطحاوي واللفظ له عن داود بن أبي هند عن
عامر الشعبي عن النعمان بن بشير قال انطلق بي أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم و نحلني
نخلا ليشهده على ذلك فقال أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا قال
أيسرك أن يكونوا إليك في البر كلهم سواء قال بلى قال فأشهد على هذا غيري
فهذا القول لا يدل على فساد العقد الذي كان عقده النعمان لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قد يتوقى الشهادة على ما له أن يشهد عليه وعلى الأمور التي قد كانت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:549(2/549)
*** ج2/ص550
فكذلك لمن بعده لأن الشهادة إنما هي أمر يتضمنه الشاهد للمشهود له فله أن
لا يتضمن ذلك
وقد يحتمل غير هذا أيضا فيكون قوله أشهد على هذا غيري أي أنا
الإمام والإمام ليس من شأنه أن يشهد إنما من شأنه أن يحكم وفي قوله أشهد على
هذا غيري دليل على صحة العقد
باب
العمرى جائزة للمعمر له
حال حياته ولورثته بعد مماته
مسلم عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها ولا تفسدوها فإنه من عمرى
فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه وهذا قول سفيان وأحمد وإسحاق
باب
لا بد في لزوم الوقف من حكم الحاكم
الطحاوي عن عطاء بن السائب قال سألت شريحا عن رجل جعل داره
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:550(2/550)
*** ج2/ص551
حبسا على الآخر فالآخر من ولده فقال إنما أقضي ولست أفتي قال فناشدته
فقال لا حبس عن فرائض الله وهذا لا يسع القضاة جهله ولا يسع الأئمة تقليد
من يجهل مثله ثم لا ينكر عليه منكر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من
تابعيهم وعنه عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم - بعدما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض - نهى عن الحبس
فإن قيل فقد روى مسلم عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أنه قال
أصبت أرضا من أرض خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني أصبت أرضا
لم أصب مالا أحب إلي ولا أنفس عندي منها فقال إن شئت تصدقت بها فتصدق
بها عمر على أن لا تباع ولا توهب في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف
وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف غير متمول وفي رواية إن
شئت حبس أصلها لا تباع ولا توهب
قيل له لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم وقال له حبس أصلها وسبل الثمرة
يحتمل أن يكون ما أمره به من ذلك يخرج به من ملكه ويحتمل أن يكون ذلك
لا يخرجها عن ملكه ولكنها تكون جارية على ما أجراها عليه من ذلك ما تركها
ويكون له فسخ ذلك متى شاء كرجل جعل لله أن يتصدق بثمرة نخله ما عاش فلا
يجبر عليه ولكنه مخير في ذلك إن شاء أنفذه وإن شاء تركه وليس في بقاء حبس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:551(2/551)
*** ج2/ص552
النبي صلى الله عليه وسلم ومن أشرتم إليه من زمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن
عوف وابن مسعود وابن عمر وابن عباس والمسور بن مخرمة وجبير بن مطعم
وعمرو بن العاص والأرقم بن أبي الأرقم وأنس بن مالك وفاطمة وعائشة
وحفصة رضي الله عنهم إلى عامنا هذا دليل على أنه لم يكن لأحد من أهلهم
نقضه و إنما الذي يدل على أنه ليس لهم نقضه أن لو كانوا خاصموا فيه بعد موته
ومنعوا من ذلك فلو كان ذلك كذلك لكان فيه لعمري ما يدل على أن الأوقاف
لا تباع ولكن إنما جاءنا تركهم لوقف من وقف على ما وقفه في حال حياته
ولم ينقل عن أحد منهم أنه رجع فيما وقف ولا نازعه فيما وقف ورثته
قال الطحاوي عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها أو نحو هذا فلما قال عمر هذا دل
على أن نفس الإيقاف للأرض لم يكن يمنعه الرجوع فيها وإنما منعه من الرجوع
فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره فيها بشيء وفارقه على الوفاء فكره أن يرجع في ذلك كما
كره عبد الله بن عمر أن يرجع بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم الذي فارقه
عليه أن يفعله وقد كان له أن لا يصوم
فإن قيل هذا حديث منقطع وإن صح فلعل المراد تغير مصارفها بعد
بقاء أصل الوقف وذلك جائز لو شرط في الابتداء
قيل له هذا أثر رجاله كلهم ثقات فانقطاعه لا يوجب ضعفا إذ العدل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:552(2/552)
*** ج2/ص553
لا يرسل إلا عن عدل ولفظ الرد ظاهر في الرد أصلا وصفا وقد أيد الظاهر
ما روي أن عبد الله بن زيد بن عبد ربه وقف حائطا فجاء أبواه فقالا له إنه قوام
عيشنا فرده النبي صلى الله عليه وسلم
فإن قيل يرويه أبو بكر بن عبد الله عن عمرو بن حزم عنه ولم يلقه فكان
مرسلا
قيل له المرسل حجة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:553(2/553)
*** ج2/ص554
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:554(2/554)
*** ج2/ص555
كتاب الغصب
باب
من سكن دار غيره بغير إذنه وأخرج صاحبها
عنها أو زرع أرضه بغير إذنه فقد أثم
ووجب عليه رد الدار وتفريغ الأرض
البخاري وغيره عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم
من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين
وعن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ظلم من الأرض
شبرا طوقه من سبع أرضين
الدارقطني عن عروة أن رجلين من الأنصار اختصما في أرض غرس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:555(2/555)
*** ج2/ص556
أحدهما فيها نخلا والأرض للآخر فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها وأمر
صاحب النخل أن يخرج نخله وقال ليس لعرق ظالم حق وقد أخبرني
الذي حدثني بهذا الحديث أنه رأى النخل تقلع أصولها بالفؤوس وهذا الحديث
مرسل وفي سنده ابن إسحاق
فإن قيل فقد روى الترمذي عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من
زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته وهذا حديث
غريب وإليه ذهب أحمد وإسحاق
قيل له روى الطحاوي عن مجاهد أنه قال اشترك أربعة نفر على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم علي البذر وقال الآخر علي العمل وقال الآخر
علي الأرض وقال الآخر علي الفدان فزرعوا ثم حصدوا ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الزرع لصاحب البذر وجعل لصاحب العمل أجرا معلوما
وجعل لصاحب الفدان في كل يوم درهم وألغى الأرض
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:556(2/556)
*** ج2/ص557
فقد أفسد رسول الله صلى الله عليه وسلم المزارعة ولم يجعل الزرع لصاحب الأرض بل
جعل ذلك لصاحب البذر
وعنه عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في
رجل بنى في دار بناء ثم جاء أهلها فاستحقوها فقال إن كان بنى بأمرهم فله
نفقته وإن كان إنما بنى بغير أمرهم فله نقض ذلك وعن عبد الله بن مسعود
وشريح مثله فقد جعلوا النقض لصاحب البناء ولم يجعلوا ذلك لصاحب الأرض
ومعنى حديث الترمذي أن الزارع لا شيء له في الزرع يأخذه لنفسه فيملكه
كما يملك الزارع الزرع الذي زرع في أرض نفسه أو في أرض غيره ممن قد أباح
الزرع فيها ولكنه يأخذ نفقته وبذره ويتصدق بما بقي
الطحاوي عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بزرع فسأله عن
ذلك فقال هو زرعي والأرض لآل فلان والبذر من قبلي بنصف ما يخرج فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أربيت خذ نفقتك فلم يكن ذلك على معنى خذ نفقتك
من رب الأرض لأن رب الأرض لم يأمره بالإنفاق لنفسه ولكن معنى ذلك خذ
نفقتك مما قد خرج من هذا الزرع وتصدق بما بقي والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:557(2/557)
*** ج2/ص558
باب
إذا تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب حتى
زال اسمها وعظم منافعها زال ملك المغصوب
عنها وملكها الغاصب وضمنها ولم يجز له الانتفاع
بها حتى يؤدي بدلها
أبو داود عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار رضي الله
عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبر يوصي
الحافر أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه فلما رجع استقبله داعي
امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمته في فمه ثم قال أجد هذا لحم شاة أخذت بغير إذن
أهلها فأرسلت المرأة يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة
فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها فلم يوجد
فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعميه الأسارى
ومن طريق الطحاوي عن رجل - قال حسبته من الأنصار - أنه كان مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه رسول امرأة من قريش تدعوه إلى طعام فجلسنا مجلس الغلمان
من آبائهم فنظر آباؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده أكلة فقال إن هذا لحم
شاة تخبرني أنها أخذت بغير حلها فقامت المرأة فقالت يا رسول الله لم يزل
يعجبني أن تأكل في بيتي وإني أرسلت إلى البقيع فلم يوجد فيه شاة وكان أخي
اشترى شاة بالأمس فأرسلت إلى أهله بالثمن فقال أطعموه الأسارى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:558(2/558)
*** ج2/ص559
كتاب اللقطة
باب
لا بأس بالتقاط البقرة والبعير
الطحاوي عن سليمان بن يسار أن ثابت بن الضحاك الأنصاري قد كان
وجد بعيرا فقال له عمر عرفه فعرف ذلك ثلاث مرات ثم جاء إلى
عمر فقال قد شغلني عن صنعتي فقال له عمر انزع خطامه ثم أرسله حيث
وجدته
وعنه عن أنس بن سيرين أن رجلا قد سأل عبد الله بن عمر فقال إني
قد أصبت ناقة فقال عرفها فقال عرفتها فلم تعرف فقال ادفعها إلى
الوالي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:559(2/559)
*** ج2/ص560
مالك أنه سمع ابن شهاب يقول كانت ضوال الإبل في زمان عمر بن
الخطاب رضي الله عنه إبلا مؤبلة تناكح لا يمسها أحد حتى إذا كان زمن عثمان
رضي الله عنه أمر بتعريفها ثم تباع فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها
فإن قيل فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الغنم فقال هي لك
أو لأخيك أو للذئب وسئل عن ضالة الإبل فقال ما لك ولها معها سقاؤها
وحذاؤها دعها حتى يجدها ربها
قيل له وهذا الحديث فيه إشارة إلى أنه يجوز أخذ الناقة والبعير إذا خيف
عليها وإن أخذها لصاحبها وحفظها عليه أولى من تركها
ذكر الغريب
الحذاء بكسر الحاء المهملة وذال معجمة وألف ممدودة أراد به أخفافها التي
تقوى بها على السير وتقطع البلاد الشاسعة وسقاؤها أراد به إذا ورد ت
الماء شربت منه ما يكون ريها من ظمئها والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:560(2/560)
*** ج2/ص561
باب
من التقط لقطة وكان غنيا ليس له الانتفاع بها
فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها فإن جاء
صاحبها وأمضى الصدقة وإلا فله أن يضمنه
إياها وإن كان فقيرا فله أن ينفقها عليه
الطحاوي عن أبي وائل أنه قال اشترى عبد الله خادما بتسعمائة درهم
فطلب صاحبها فلم يجده فعرفها حولا فلم يجده فجمع المساكين وجعل يعطيهم
و يقول اللهم عن صاحبها فإن أبى ذلك فمني ثم قال هكذا يفعل بالضال
وما ليس له نفس يسمى ضالة كما قال عليه السلام في حديث الإفك إن أمكم قد
أضلت قلادتها
فإن قيل لو كانت اللقطة لا تحل إلا لمن تحل له الصدقة لم تحل لعلي بن
أبي طالب لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أصاب دينارا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه فلم يجد من يعرفه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكله وكان علي عليه
السلام لا تحل له الصدقة
قيل له علي عليه السلام إنما تحرم عليه الصدقة المفروضة دون
النافلة ونحن لم نمنع منها إلا ما حرمت عليه الصدقة لغناه لا لشرفه
مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:561(2/561)
*** ج2/ص562
رضي الله عنه فقال إني وجدت لقطة فماذا ترى فيها فقال عبد الله بن عمر
عرفها قال قد فعلت قال زد قال قد فعلت فقال عبد الله بن عمر لا آمرك
أن تأكلها ولو شئت لم تأخذها وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول
عطاء وسفيان الثوري وابن المبارك
ذكر الغريب
اللقطة اسم للمال الضائع يلتقط وحكي عن الخليل أنه قال اللقطة
بتحريك القاف الذي يلتقط الشيء وبسكون القاف ما يلتقط قال
الأزهري هذا الذي قاله قياس لأن فعلة جاء في أكثر كلامهم فاعلا وفعلة
جاء مفعولا غير أن كلام العرب جاء في اللقطة على غير قياس وأجمع أهل اللغة
ورواة الأخبار على أن اللقطة هي الشيء الملتقط وكذلك قال الفراء وابن
الأعرابي والأصمعي والالتقاط وجود الشيء على غير طلب والله أعلم
باب
لقطة الحل والحرم سواء
الطحاوي عن معاذة العدوية أن امرأة قد سألت عائشة رضي الله عنها
فقالت إني قد أصبت ضالة في الحرم وإني قد عرفتها فلم أجد أحدا يعرفها
فقالت لها عائشة استنفعي بها والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:562(2/562)
*** ج2/ص563
كتاب إحياء الموات
باب
لا تكون الأرض للذي يحييها إلا بإذن الإمام
الطحاوي عن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا حمى إلا لله ورسوله وهذا حديث صحيح والحمى
ما حمي من الأرض فدل ذلك أن حكم الأرض إلى الأئمة لا إلى غيرهم
فإن قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له
قيل له يحتمل أن يكون معناه من أحياها على شرائط الإحياء فهي له ومن
شرائطها تحظيرها وإذن الإمام له في ذلك وتمليكه إياها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:563(2/563)
*** ج2/ص564
يؤيد هذا ما روى أحمد بن حنبل عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاط حائطا على أرض فهي له
الطحاوي عن محمد بن عبيد الله قال خرج رجل من أهل البصرة يقال
له أبو عبد الله إلى عمر فقال إن بأرض البصرة أرضا لا تضر بأحد من
المسلمين وليست أرض خراج فإن شئت أن تقطعنيها أتخذها قضبا وزيتونا قال
فكتب عمر إلى أبي موسى إن كانت حمى فأقطعها إياه أفلا ترى عمر لم يجعل له
أخذها ولا جعل له ملكها إلا بإقطاع خليفته ذلك الرجل إياها ولولا ذلك لكان
يقول له وما حاجتك إلى إقطاعي إياك لأنك تحميها وتعمرها فتملكها فدل ذلك
أن الإحياء عند عمر رضي الله عنه هو ما أذن الإمام فيه للذي يتولاه ويملكه
إياه
الطحاوي عن محمد قال قال عمر لنا رقاب الأرض فدل ذلك على
أن رقاب الأرض كلها إلى أئمة المسلمين وأنها لا تخرج من أيديهم إلا بإخراجهم إياها
إلى من رأوا ذلك على حسن النظر منهم للمسلمين في عمارة بلادهم وصلاحها
باب
ابن ماجه عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حفر بئرا فله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:564(2/564)
*** ج2/ص565
أربعون ذراعا عطنا لماشيته
وعنه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حريم البئر مد
رشائها
الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حريم
البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا وحريم البئر العادية خمسون ذراعا قال
الدارقطني الصحيح من هذا أنه مرسل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:565(2/565)
*** ج2/ص566
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:566(2/566)
*** ج2/ص567
كتاب المزارعة
المزارعة بالثلث والربع باطلة عند أبي حنيفة رضي الله عنه معتمدا في ذلك
على ما روى مالك عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء
المزارع قال حنظلة فسألت رافع بن خديج بالذهب والورق قال أما بالذهب
والورق فلا بأس به
وعنه عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة
والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة
واستكراء الأرض بالحنطة
وعنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:567(2/567)
*** ج2/ص568
المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رؤوس النخل والمحاقلة كراء
الأرض بالحنطة
وعن رافع بن خديج أنه قال إنهم منعوا من المحاقلة وهو أن يكري أرضا
على بعض ما فيها
وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله المزارعة جائزة معتمدين في
ذلك على ماروى الطحاوي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال يغفر الله
لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه إنما جاء رجلان من الأنصار إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقتتلا فقال إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فهذا زيد بن
ثابت يخبر أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن منه على وجه التحريم وإنما كان
لكراهية وقوع الشر بينهم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار كثيرة في دفع خيبر
بالنصف من ثمرها وزرعها وقد زارع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده منهم
أبو بكر وعمر وحذيفة وأقر معاذ أهل اليمن عليها رضي الله عن الجميع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:568(2/568)
*** ج2/ص569
كتاب القضاء
باب
لا يكره الجلوس في المسجد للقضاء
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الخصوم في معتكفه والخلفاء الراشدون
كانوا يجلسون في المساجد لفصل القضاء والمشرك الذمي ليس بممنوع من دخول
المسجد
فإن قيل قوله تعالى 2 إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام 2
فيه دليل على أنه لا يجوز دخوله المسجد
قيل له معنى الآية على أحد وجهين
إما أن يكون النهي خاصا في المشركين الذين كانوا ممنوعين عن دخول مكة
وسائر المساجد لأنه لم يكن لهم ذمة وكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وهم
مشركو العرب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:569(2/569)
*** ج2/ص570
أو أن يكون المراد منعهم من دخول مكة للحج ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم
بالنداء يوم النحر بمنى في السنة التي حج فيها أبو بكر أن لا يحج بعد العام مشرك
وأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين 2 يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس 2 وحديث علي كرم الله وجهه حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ
عنه دليل على أن المراد بقوله تعالى 2 فلا يقربوا المسجد الحرام 2 للحج ويدل
عليه نسق التلاوة 2 وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله 2 إنما
كان خوف العيلة لانقطاع المواسم بمنعهم من الحج لأنهم كانوا ينعمون
بالتجارات التي كانت في مواسم الحج فدل ذلك على أن المراد بالآية الحج دون قرب
المسجد الحرام لغير الحج إلا أنه إذا حمل على ذلك كان عموما في سائر المشركين
وإذا حمل على دخول المسجد كان خاصا في ذلك دون قرب المسجد والذي في الآية
النهي عن قرب المسجد فغير جائز تخصيص المسجد به بعد ذكر ما يقرب
منه وحديث وفد ثقيف يدل عليه والحرم كله يعبر عنه بالمسجد إذ كانت حرمته
متعلقة بالمسجد وقال تعالى 2 والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد 2 كله مراد به وكذلك 2 ثم محلها إلى البيت العتيق 2 لأنه
في أي الحرم نحر البدن أجزأه فجائز على هذا أن يكون المراد بقوله 2 فلا يقربوا المسجد الحرام 2 كله للحج إذ كان أكثر أفعال المناسك تعلقا بالحرم والحرم كله
في معنى المسجد لما وصفنا فعبر عن الحرم بالمسجد وعبر عن الحج بالحرم ويدل على
أن المراد بالمسجد ههنا الحرم قوله تعالى 2 إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام 2 ومعلوم أن ذلك كان بالحديبية وهي على شفير الحرم وذكر المسور بن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:570(2/570)
*** ج2/ص571
مخرمة ومروان بن الحكم أن بعضها من الحل وبعضها من الحرم فأطلق الله تعالى
عليها أنها عند المسجد الحرام وإنما هي عند الحرم وأطلق اسم النجس على
المشركين
باب
للحاكم أن يحكم بين أهل الذمة وإن لم يحكموه
لقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك
وروى مسلم عن البراء بن عازب قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما
مجلودا فدعاهم فقال هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نعم فدعا
رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى هكذا تجدون
حد الزاني في كتابكم قال لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك نجده
الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا
الضعيف أقمنا عليه الحد قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف
والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم
إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم فأنزل الله تعالى يا أيها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:571(2/571)
*** ج2/ص572
الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إلى قوله تعالى إن أوتيتم هذا
فخذوه
وروى مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال إن اليهود
جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون
فقال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم
يده على آية الرجم ثم قرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع
يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر
بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه فرأيت الرجل يحني على
المرأة يقيها الحجارة أخرجه مسلم
فإن قيل في قوله تعالى فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم
دليل على أنه مخير في الحكم بينهم إذا حكموه
قيل له قد روى الطحاوي عن السدي عن عكرمة فإن جاؤوك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:572(2/572)
*** ج2/ص573
فاحكم بينهم 2 نسختها 2 وأن احكم بينهم بما أنزل الله فثبت أن الحكم
عليهم على إمام المسلمين ولم يكن له تركه لأن في حكمه النجاة في قولهم جميعا
لأن من يقول عليه أن يحكم يقول قد فعل ما عليه أن يفعله ومن يقول هو مخير
يقول قد فعل ما له أن يفعله وإذا ترك الحكم يقول الأول ترك الواجب ففعل
ما فيه النجاة على كل تقدير أولى وليس في الحديث الذي رويناه عن مالك دليلا لمن
خالفنا لأنه لم يقل فيه إنما رجمهما لأنهما تحاكما إلي
فإن قيل فأنتم لا ترجمون اليهود إذا زنوا
قيل له كان حكم الزنى في عهد موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرجم على
المحصن وغيره وكذا كان جواب اليهودي الذي سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حد
الزنا في كتابهم فلم ينكر ذلك عليه فكان عليه صلى الله عليه وسلم اتباع ذلك لأن على كل نبي
اتباع شريعة النبي الذي كان قبله - قال الله تعالى فبهداهم اقتده - حتى يحدث
له شريعة تنسخ شريعته ثم أحدث الله سبحانه وتعالى لنبيه شريعة نسخت هذه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:573(2/573)
*** ج2/ص574
الشريعة وفرق فيها بين حكم المحصن وغيره واليهودي والنصراني ليسا بمحصنين
باب
لا يقبل في حق من الحقوق
إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين
الترمذي عن علقمة بن وائل عن أبيه قال جاء رجل من حضرموت
ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا غلبني على
أرض لي فقال الكندي هي أرضي وفي يدي ليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وسلم
للحضرمي ألك بينة قال لا قال فلك يمينه قال يا رسول الله إن الرجل
فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شيء قال ليس لك منه إلا
ذلك قال فانطلق الرجل ليحلف له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر لئن حلف على
مالك ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض هذا حديث حسن صحيح
وهذا دليل على أنه لا يستحق شيء إلا ببينة
فإن قيل قد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد
قيل له هذا حديث دخله الضعف من وجوه
أما حديث ربيعة عن سهيل فقد سأل الدراوردي سهيلا عنه فلم يعرفه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:574(2/574)
*** ج2/ص575
ولو كان ذلك من السنن المشهورة والأمور المعروفة إذا لما ذهل عنه
وأما حديث عثمان بن الحكم عن زهير بن محمد عن سهيل عن
أبي صالح عن زيد بن ثابت فمنكر أيضا لأن أبا صالح لا تعرف له رواية عن
زيد ولو كان عند سهيل من هذا شيء ما أنكر على الدراوردي ما ذكره له عن
ربيعة ويقول له لم يحدثني أبي عن أبي هريرة ولكن حدثني به عن زيد بن
ثابت مع أن عثمان ليس بالذي يثبت هذا بروايته
وأما حديث ابن عباس فمنكر لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن
عمرو بن دينار بشيء فكيف يحتج به في مثل هذا
وأما حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فإن عبد الوهاب
رواه كما ذكرتم وأما الحفاظ مثل مالك وسفيان وأمثالهما فرووه عن جعفر عن أبيه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:575(2/575)
*** ج2/ص576
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه عن جابر وأنتم لا تحتجون بعبد الوهاب فيما يخالف
فيه الثوري ومالكا ثم لو لم يتنازع في طرق هذا الحديث وسلمت على هذه الألفاظ
التي قد رويت عليها لكانت محتملة للتأويل الذي لا يقوم لكم حجة معه
وذلك أنكم إنما رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد ولم
يبين في الحديث كيف كان ذلك السبب ولا المستحلف من هو فقد يجوز أن
يكون ذلك على ما ذكرتكم ويجوز أن يكون أريد يمين المدعى عليه إذا ادعى
المدعي ولم يقم على دعواه إلا شاهدا واحدا فاستحلف له النبي صلى الله عليه وسلم المدعى عليه
فنقل الناس ذلك ليعلم الناس أن المدعي تجب له اليمين على المدعى عليه
ولا يحتاج إلى إقامة البينة أنه قد كان بينه وبين المدعى عليه خلطة ولبس وينفي
قول من ذهب إلى ذلك ويثبت اليمين مع الدعوى وإن لم يكن مع المدعي
غيرها وقد يجوز أن يكون أراد بذلك يمين المدعي مع الشاهد الواحد لأن شهادة
الواحد كان ممن يحكم بشهادته وحده وهو خزيمة بن ثابت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد
عدل شهادته بشهادة رجلين وادعى المدعى عليه الخروح من ذلك الحق إلى المدعي
فاستحلفه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وأريد بنقل هذا الحديث ليعلم أن المدعي إذا أقام
البينة على دعواه وادعى المدعى عليه الخروج من ذلك الحق إليه أن عليه اليمين مع
بينته فهذا وجه يحتمله فلا ينبغي لأحد أن يأتي إلى خبر قد احتمل هذه التأويلات
فيعطفه على أحدها بلا دليل من كتاب أو سنة أو إجماع ويزعم أن من خالف ذلك
مخالف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف يكون مخالفا وقد تأول ذلك على معنى يحتمل ما قال
بل ما خالف إلا تأويل مخالفه ولم يخالف شيئا من حديث رسول الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:576(2/576)
*** ج2/ص577
الطحاوي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه
قال إذا بلغكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث فظنوا به الذي هو أهنى والذي هو
أهدى والذي هو أبقى والذي هو خير
وهكذا ينبغي للناس أن يفعلوا وأن يحسنوا تحقيق ظنونهم ولا يقولوا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما قد علموا فإنهم مسؤولون عن ذلك معاقبون عليه وكيف
يجوز لأحد أن يحمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما حمله عليه مخالفنا وقد وجدنا كتاب
الله تعالى يدفعه والسنة المجمع عليها
أما كتاب الله تعالى فقوله تعالى 2 واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان 2 وقال 2 وأشهدوا ذوي عدل منكم 2 وقد
كان قبل نزول هاتين الآيتين لا ينبغي لهم أن يقضوا بشهادة ألف رجل ولا أكثر
منهم ولا أقل لأنه لا يوصل بشهادتهم إلى حقيقة صدقهم فلما أنزل الله عز وجل
ما ذكرنا قطع بذلك العذر وحكم على ما أمر به على ما تعبد به خلقه ولم يحكم بما
هو أقل من ذلك لأنه لم يدخل فيما تعبدوا به
وأما السنة المتفق عليها فهو أنه لا يحكم بشهادة جار إلى نفسه مغنما ولا دافع
عنها مغرما والحكم باليمين مع الشاهد - على ما حمل عليه هذا المخالف لنا
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيه حكم للمدعي بيمينه فذلك حكم جار إلى نفسه مغنما
- - بيمينه فهذه سنة متفق عليها تدفع الحكم باليمين مع الشاهد فأولى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:577(2/577)
*** ج2/ص578
الأشياء بنا أن نصرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يوافق كتاب الله تعالى والسنة
المتفق عليها لا إلى ما يخالفهما أو يخالف أحدهما
وقال عليه السلام لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم
ولكن اليمين على المدعى عليه فدل ذلك أن اليمين لا تكون أبدا إلا على المدعى
عليه
الطحاوي عن الزهري أن معاوية رضي الله عنه أول من قضى باليمين
مع الشاهد فكان الأمر على ذلك
وقد حكي عن القعنبي والنخعي أنه لا يجوز القضاء باليمين مع الشاهد وبه
قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى رحمهم الله
باب
لا ترد اليمين على المدعي لقوله عليه السلام
لو يعطى الناس بدعواهم الحديث
وأما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال في القسامة للأنصار أتبرئكم يهود بخمسين
يمينا فقالوا كيف نقبل أيمان قوم كفار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:578(2/578)
*** ج2/ص579
وتستحقون ليس فيه دليل على جواز رد اليمين لأنه لم يكن من اليهود رد اليمين
على الأنصار فيردها النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال أتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالت
الأنصار كيف نقبل أيمان قوم كفار فقال أتحلفون وتستحقون على النكير منه
عليهم أو يجوز أن يكون كذلك حكم القسامة فلما احتمل الحديث هذين الوجهين
وجب حمله على ما روينا لظهور معناه
فإن قيل هب أن هذه اليمين جربها المدعي إلى نفسه مغنما لكن المدعى عليه
قد رضي بذلك
قيل له رضى المدعى عليه لا يوجب زوال الحكم من جهته ألا ترى لو أن
رجلا قال ما ادعى علي فلان من شيء فأنه مصدق فادعى عليه درهما فما فوقه هل
يقبل ذلك منه أو قال قد رضيت بما يشهد به زيد لرجل فاسق أو لرجل
جار إلى نفسه بتلك الشهادة مغنما فشهد زيد عليه بشيء هل يحكم بذلك
عليه فلما كانوا قد اتفقوا أنه لا يحكم عليه بشيء من ذلك رضي أو لم يرض ثبت
أن يمين المدعي لا يجب له بها حق على المدعى عليه وإن رضي به فلا
يستحلف
باب
المحدود في القذف لا تقبل شهادته إذا تاب
قال الله تعالى 2 وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا 2
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:579(2/579)
*** ج2/ص580
فقوله 2 وأولئك هم الفاسقون 2 خبر والاستثناء داخل عليه لأن الواو
للاستئناف إذ غير جائز أن تكون للجمع لأنه غير جائز أن ينتظم لفظ واحد الأمر
والخبر ألا ترى أنه لا يصح جمعهما في كتابة ولا في لفظ واحد ويدل عليه أنه
لم يرجع إلى الحد إذ كان أمرا ونظيره قول القائل أعط زيدا درهما ولا يدخل
فلان الدار وفلان خارج إن شاء الله فمفهوم هذا الكلام الرجوع إلى الخروج
وإنما جاز ذلك في آية الحراب لأن قوله 2 إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله 2
وإن كان أمرا في الحقيقة فإن صورته صورة الخبر فلما كان الجميع في صورة
الخبر جاز رجوع الاستثناء إلى الجميع ومع ذلك فإنا نقول متى اختلفت صيغة
المعطوف بعضه على بعض لم يرجع إلا إلى ما يليه ولا يرجع إلى ما تقدم مما ليس في
مثل صيغته إلا بدلالة فإن قامت الدلالة جاز وقد قامت الدلالة في المحاربين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:580(2/580)
*** ج2/ص581
ولم تقم فيما اختلفنا فيه والواو إنما تكون للجمع فيما لا يختلف معناه وينتظمه جملة
واحدة فيصير الكل كالمذكور معا كقوله تعالى 2 إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا 2 كأنه قال فاغسلوا هذه الأعضاء وآية القذف ابتداؤها أمر وآخرها خبر ولا يجوز
أن ينتظمها جملة واحدة فكانت الواو للاستئناف إذ غير جائز دخول معنى الخبر في
لفظ الأمر وقوله تعالى 2 إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم 2 لا يجوز
أن يكون عائدا إلى قوله 2 ولهم في الآخرة عذاب عظيم 2 لأن التوبة
تزيل عذاب الآخرة قبل القدرة عليهم وبعدها فعلمنا أن هذه التوبة مشروطة للحد
دون غيره والتوبة المذكورة في هذه الآية إنما هي التوبة من القذف وإكذاب نفسه
فيه لأنه به استحق سمة الفسق وقد كان جائزا أن تبقى سمة الفسق عليه إذا تاب
من سائر الذنوب ولم يكذب نفسه فأخبر الله تعالى بزوال اسم الفسق عنه إذا
كذب نفسه
ووجهه أن سمة الفسق إنما لزمته بوقوع الجلد به ولم يمتنع عند إظهار التوبة أن
لا تكون مقبولة في ظاهر الحال وإن كانت مقبولة عند الله تعالى لأنا لم نقف على
حقيقة توبته فكان جائزا أن يتعبدنا بأنا لا نصدقه على توبته وأن نتركه على الجملة
ولا نتولاه على حسب ما نتولى سائر أهل التوبة فلما كان ذلك جائزا ووردت
العبادة به أفادتنا الآية قبول توبته وجوب موالاته وتصديقه على ما أظهر من
توبته وإلى هذا ذهب إبراهيم النخعي رضي الله عنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:581(2/581)
*** ج2/ص582
باب
من كان عنده شهادة لإنسان وجب عليه أن يخبر بها
وإن لم يسأل ويجب على الحاكم قبولها
مسلم عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله قال ألا
أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها
قال مالك الذي يخبر بشهادته ولا يعلم بها الذي هي له أو يأتي بها
الإمام
قال الطحاوي وقد فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فأتوا الإمام
فشهدوا بذلك ابتداء منهم أبو بكرة ومن كان معه حين شهدوا على المغيرة بن شعبة
ورأوا ذلك لأنفسهم لازما ولم يمنعهم عمر على ابتدائهم إياه بذلك بل سمع
شهادتهم ولم ينكر عليهم
فإن قيل فقد صح عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير
الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران فلا أدري قال بعد
قرنه مرتين أو ثلاثا ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويحلفون ولا
يستحلفون
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:582(2/582)
*** ج2/ص583
قيل له المراد بهذا شهادة الزور وكذلك يحلفون ولا يستحلفون أراد أن
يحلف على شيء هو فيه آثم ولهذا جاء في بعض الطرق ثم يفشوا الكذب
باب
تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض
قال ابن إسحاق وحدثني ابن شهاب الزهري أنه سمع رجلا من أهل العلم
من مزينة يحدث عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثهم أن أحبار اليهود
اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد زنى رجل منهم
بعد إحصانه بامرأة من يهود قد أحصنت فقالوا ابعثوا بهذا الرجل وهذه المرأة إلى
محمد فسلوه كيف الحكم فيهما وولوه الحكم عليهما فإن عمل فيهما بعلمكم من
التجبية - والتجبية الجلد بحبل من ليف مطلى بقار ثم يسود وجوههما ثم يحملان
على حمارين ويجعل وجوههما قبل أدبار الحمارين - فاتبعوه فإنما هو ملك وصدقوه وإن
هو حكم فيهما بالرجم فإنه نبي فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه فأتوه
فقالوا يا محمد هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت فاحكم فيهما فقد
وليناك الحكم فيهما فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدراس
فقال يا معشر يهود أخرجوا إلي علماءكم فأخرجوا عبد الله بن صوريا قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:583(2/583)
*** ج2/ص584
ابن إسحاق و قد حدثني بعض بني قريظة أنهم أخرجوا إليه مع ابن صوريا
أبا ياسر بن أخطب ووهب بن يهودا فقالوا هؤلاء علماؤنا فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم تحصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا هذا أعلم من بقي بالتوراة فخلا
به رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان غلاما شابا من أحدثهم سنا - فألط به رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسألة يقول له يا ابن صوريا أنشدك الله وأذكرك بأيامه عند بني إسرائيل هل
تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم فقال اللهم نعم أم والله يا
أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك لنبي مرسل ولكنهم يحسدونك قال فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده في بني غنم بن النجار ثم كفر
بعد ذلك ابن صوريا وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب
قضاء القاضي في العقود والفسوخ ينفذ ظاهرا وباطنا
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين وقد علمنا أنه لو
علم صدق المرأة لحد الزوج لها بقذفه إياها ولو علم أن الزوج صادق لحد المرأة للزنا
ولم يفرق بينهما فلما خفي عليه الصادق منهما وجب حكم آخر وهو حرمة الفرج في
الظاهر والباطن وكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتبايعين إذا اختلفا والسلعة قائمة
أنهما يتحالفان ويترادان وتعود الجارية إلى البائع ويحل له فرجها وتحرم على المشتري
ولو علم الكاذب منهما إذا لقضى بما قال الصادق منهما ولم يقض بفسخ بيع ولا بوجوب
حرمة فرج الجارية المبيعة على المشتري
فلما ثبت هذا في المتلاعنين والمتبايعين ثبت أن يكون كل قضاء بما ليس فيه
تمليك أموال كذلك وأما قوله عليه السلام إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:584(2/584)
*** ج2/ص585
بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه
فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما اقتطع له قطعة من
النار فهو محمول على الأموال وهو ظاهر فيها جمعا بينه وبين ما ذكرنا من
الأحكام المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر الغريب
ألحن بحجته أي أفطن لها واللحن بفتح الحاء الفطنة يقال منه لحنت
الشيء بكسر الحاء ألحن لحنا ورجل لحن أي فطن واللحن بسكون الحاء
الخطأ ذكره في الغريب
باب
لا يجوز الحكم بالقافة
الطحاوي عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن
النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء فمنه أن يجتمع الرجال العدد على المرأة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:585(2/585)
*** ج2/ص586
لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا وكن ينصبن على أبوابهن الرايات فيطأها كل
من دخل عليها فإذا حملت ووضعت حملها جمع لها القافة فأيهم ألحقوه به صار أباه
ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله عز وجل محمدا بالحق هدم نكاح الجاهلية
وأقر نكاح أهل الإسلام
ففي هذا الحديث دليل أن الحكم بالنسب بقول القافة كان حكم
الجاهلية فهدمه النبي صلى الله عليه وسلم وأقر حكم الإسلام
وأما ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت دخل مجزز المدلجي على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أسامة وزيدا عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما فقال إن هذه
الأقدام بعضها من بعض فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا فسرور رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقول مجزز المدلجي ليس فيه دليل على وجوب الحكم بقول القافة
- - لأن أسامة كان نسبه ثابتا من زيد قبل ذلك ولم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
إلى قول أحد ولولا ذلك لما دعي أسامة فيما تقدم إلى زيد وإنما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:586(2/586)
*** ج2/ص587
من إصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذي يصيب ظنه حقيقة الشيء الذي
ظنه ولا يجب الحكم بذلك وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار عليه لأنه لم يتعاط بذلك
إثبات ما لم يكن ثابتا
قال الطحاوي رحمه الله وقد روي عن عمر رضي الله عنه من وجوه
صحاح ما يدل على ما ذكرنا
من ذلك ما روي عن الشعبي عن ابن عمر أن رجلين اشتركا في ظهر امرأة
فولدت لهما ولدا فدعا عمر رضي الله عنه القافة فقالوا أخذا الشبه منهما
جميعا فجعله بينهما
وعن قتادة عن سعيد بن المسيب أن رجلين اشتركا في ظهر امرأة فولدت لهما
ولدا فارتفعا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فدعا له ثلاثة نفر من القافة
فدعا بتراب فوطئ فيه الرجلان والغلام ثم قال لأحدهم انظر فنظر واستقبل
واستدبر ثم قال أسر أم أعلن قال عمر بل أسر قال لقد أخذ الشبه منهما
جميعا فما أدري لأيهما هو فأجلسه ثم قال لآخر انظر فنظر واستقبل واستدبر ثم
قال أسر أم أعلن قال عمر بل أسر قال لقد أخذ الشبه منهما جميعا فما
أدري لأيهما هو ثم أمر الثالث فنظر فاستقبل واستعرض واستدبر ثم قال أسر أم
أعلن قال أعلن قال لقد أخذ الشبه منهما جميعا فما أدري لأيهما هو فجعله لهما
يرثهما ويرثانه فقال لي سعيد بن المسيب أتدري من عصبته قلت لا قال
الباقي منهما فجعله عمر لهما مع قول القافة لا ندري لأيهما هو
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:587(2/587)
*** ج2/ص588
وهذا دليل على أنه لم يعمل بقولهم ومن يقول بقول القافة لا يحكم بكونه من
اثنين وإنما دعا عمر القافة لأنه وقع بقلبه أن حملا لا يكون من رجلين فدعاهم
ليعلم منهم هل يكون ولد من نطفة رجلين
وقد بين هذا ما روي في بعض طرق هذا الحديث أن القافة لما قالوا هذا من
هذين فقال عمر يا عجبا لما يقول هؤلاء قد كنت أعلم أن الكلبة تنتج الكلاب
ذات العدد ولم أكن أشعر أن النساء يفعلن ذلك قبل هذا أرى ما ترون
اذهب فهما أبواك
الطحاوي عن سماك عن مولى لبني مخزوم قال وقع رجلان على
جارية في طهر واحد فعلقت فلم يدر من أيهما هو فأتيا عمر بن الخطاب رضي الله
عنه يختصمان في الولد فقال عمر ما أدري كيف أقضي في هذا فأتيا عليا فقال هو
بينكما يرثكما وترثانه وهو للباقي منكما فهذا علي عليه السلام قد حكم بالولد
لمدعييه جميعا ولم يحتج إلى قول القافة
قال الطحاوي رحمه الله فبهذا نأخذ والله أعلم
باب
ما كسب الولد من شيء فهو له دون أبيه
الطحاوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:588(2/588)
*** ج2/ص589
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله لهذه الأمة فقال
الرجل أفرأيت إن لم أجد إلا منيحة ابني أفأضحي بها قال لا
وقوله عليه السلام أنت ومالك لأبيك معناه لا ينبغي للابن أن يخالف
الأب في شيء من ذلك وأن يجعل أمره فيه نافذا كأمره فيما يملك ألا تراه يقول
أنت ومالك لأبيك فلم يكن الابن مملوكا للأب بإضافة النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك
لا يكون مالكا لماله بهذه الإضافة وقد أجمع المسلمون أن الابن إذا ملك جارية حل
له وطؤها فلو كان ماله لأبيه لحرم عليه وطؤها لحرمة وطء جارية أبيه
باب
من ابتاع سلعة فقبضها ثم مات أو أفلس
فثمنها عليه وبائع السلعة وسائر الغرماء
سواء لأن ملكه قد زال عنها وخرجت من
ضمانه وصار غريما من غرماء المطلوب يطالبه
بدين في ذمته ولا وثيقة في يده به فهم
وهو في جميع ماله سواء
فإن قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو
أحق به من غيره
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:589(2/589)
*** ج2/ص590
وعن ابن خلدة الزرقي قال جئنا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس قال
هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق
بمتاعه إذا وجده بعينه
قيل له ليس في هذا دليل على خلاف ما ذكرنا لأن فيه قوله ما له بعينه
والمبيع ليس هو عين ماله لخروجه عن ملكه وإنما هو عين مال قد كان له وإنما
ماله بعينه يقع على المغصوب والعواري والودائع وما أشبه ذلك فذلك أحق به
من سائر الغرماء
وقد روى الطحاوي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من سرق له متاع أو ضاع له متاع فوجده في يد رجل بعينه فهو أحق بعينه
ويرجع المشتري على البائع بالثمن
وهذا كلام صحيح وفيه فائدة وذلك أنه عليه السلام أعلمهم أن الرجل إذا
أفلس وجب أن يقسم جميع ما في يده بين غرمائه فثبت ملك رجل لبعض ما في يده أنه
أولى بذلك وإذا كان ذلك الذي في يده قد ملكه وغر فيه فلا يجب له فيه حكم إذا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:590(2/590)
*** ج2/ص591
كان مغرورا فعلمهم بهذا الحديث ما علمهم بحديث سمرة ونفى أن
يكون المغرور الذي يشكل حكمه عند العامة يستحق بذلك الغرور شيئا
فإن قيل فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته
بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئا فهي له وإن كان قبض
منها شيئا فما بقي فهو أسوة الغرماء وأيما امرئ هلك وعنده مال امرئ بعينه
- اقتضى منه شيئا أو لم يقتض - فهو أسوة الغرماء
قيل له هذا الحديث رواه إسماعيل بن عياش وقد قال الدارقطني فيه أنه
مضطرب الحديث ولا يثبت هذا الحديث عن الزهري مسندا وإنما هو مرسل
ويقتضي أن السلعة لو انتقلت إلى عشرة أنفس فوجد صاحبها عند العاشر وهو
مفلس أن يأخذها من العاشر المفلس وهذا خلاف الإجماع فالحديث متروك الظاهر
بالإجماع ثم نقول هذا الحديث قد فرق فيه بين حكم التفليس والموت فهو
غير الحديث الأول فيكون الحديث الأول مستعملا من حيث تأولنا ويكون هذا
الحديث حديثا شاذا منقطعا لا تقوم به حجة فيجب ترك استعماله
وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن قتادة روى عن خلاس بن عمرو عن علي
قال هو فيها أسوة الغرماء إذا وجدها بعينها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:591(2/591)
*** ج2/ص592
وروى الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال هو والغرماء فيه شرع
سواء والله أعلم
باب
في القدر الذي يصير به المرء بالغا
إذا بلغ الغلام ثمانية عشر سنة حكم ببلوغه لأن العادة في البلوغ خمسة عشر
سنة وكل ما كان طريقه العادات يجوز فيه الزيادة والنقصان وقد وجدنا من بلغ في
اثني عشر سنة وقد بينا أن الزيادة على المعتاد من الخمسة عشر جائزة
كالنقصان فجعل أبو حنيفة رضي الله عنه الزيادة على المعتاد كالنقصان منه وهي
ثلاث سنين كما أنه عليه السلام لما جعل المعتاد من حيض النساء ستا أو سبعا
اقتضى أن يكون المعتاد ستا ونصفا لأنه جعل السابع مشكوكا فيه بقوله
أو سبعا ثم قد ثبت عندنا أن النقصان من المعتاد ثلاث ونصف فكانت الزيادة
على المعتاد بأداء النقصان منه وجب أن يكون كذلك اعتبارا بالزيادة على
المعتاد وهذا لأن طريق إثبات البلوغ إنما هو الاجتهاد لأنه حد بين الصغير والكبير
اللذين قد عرفنا طريقهما وهو واسطة بينهما فكان طريقه الاجتهاد وليس يتوجه على
القائل بما وصفنا سؤال كالمجتهد في تقويم المتلفات وأروش الجنايات التي لا توقيف
في مقاديرها ومهور النساء ونحو ذلك
فإن قيل روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال عرضت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ولم يرني بلغت وعرضت عليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:592(2/592)
*** ج2/ص593
يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني
قيل له لا دلالة في هذا لأنه عليه السلام لم يسأله عن الاحتلام ولا عن
السن وإنما اعتبر والله أعلم قوته وضعفه ثم ظاهر قوله تعالى 2 والذين لم يبلغوا الحلم منكم 2 ينفي أن يكون مدة البلوغ خمس عشرة سنة
وأما حديث الإنبات فهو مختلف الألفاظ في بعضها أنه أمر بقتل من جرت عليه
المواسي وفي بعضها من اخضر إزاره ومعلوم أنه لا يبلغ هذا الحال إلا وقد
تقدم بلوغه ولا يكون قد جرت عليه المواسي إلا وهو رجل كبير فجعل الإنبات
وجري المواسي كناية عن بلوغ القدر الذي ذكرنا في السن
وفي هذا الحديث رجل مجهول لا يعرف إلا من هذا الخبر لا سيما مع اعتراضه
على الآية في نفي البلوغ إلا بالاحتلام قال الله تعالى 2 حتى يبلغ أشده 2 2 إسرافا وبدارا أن يكبروا 2 2 حتى إذا بلغوا النكاح 2 وذكر معه إيناس الرشد
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال 2 إذا بلغ أشده 2 ثلاث وثلاثون
سنة 2 واستوى 2 أربعون أو لم نعمركم العمر الذي أعمره الله ابن آدم ستون سنة
وقال تعالى 2 إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة 2 وجائز أن يراد به قبل
الأربعين وقبل الاستواء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:593(2/593)
*** ج2/ص594
وإذا كان كذلك فالأشد ليس له مقدار معلوم في العادة لا يزيد عليه
ولا ينقص وقد تختلف أحوال الناس فيه فيبلغ بعضهم الأشد في مدة لا يبلغ فيها
غيره لأنه إن كان هو اجتماع الرأي واللب بعد الاحتلام أو اجتماع القوة وكمال
الجسم فهو مختلف أيضا وكل ما كان مبنيا على العادات لم يقطع به على وقت
معين إلا بتوقيف أو إجماع
باب
الحجر على الحر العاقل باطل
لأنه مكلف فلا يحجر عليه كما لا يحجر على الرشيد ولأن الحجر لدفع الضرر
عنه وأضر الأشياء سلب ولايته وإلحاقه بالبهائم ولأنه يقدر على إتلاف ماله كله
يتزويج النساء وطلاقهن قبل الدخول فلا فائدة فيه
فإن قيل روى الدارقطني عن كعب بن مالك عن أبيه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله في دين كان عليه
وعن عبد الله بن كعب قال كان معاذا شابا سخيا وكان لا يمسك شيئا
فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكلم غرماءه
فلو تركوا لأحد تركوا لمعاذ من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع ماله حتى
قام معاذ بغير شيء
قيل له هذه حكاية حال لا تمنع من تطرق الاحتمال فلعله باع ماله بأمره
أو برضاه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:594(2/594)
*** ج2/ص595
فإن قيل فقد روي عن أنس رضي الله عنه أن رجلا كان في عقدته ضعف
وكان يبايع وأن أهله أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله احجر عليه فدعاه
نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع فقال يا رسول الله لا أصبر عن البيع فقال إذا
بايعت فقل لا خلابة
قالوا وهذا يدل على جواز الحجر لأنه لم ينههم لما سألوا الحجر عليه
قيل له إن لم ينههم صريحا فقد نهاهم دلالة حيث أعرض عن سؤالهم
ولم يجبهم إليه بل نهاه عن البيع فلما قال لا أصبر علمه ما يتخلص به من الغبن
فليس في هذه الأحاديث ما يدل على جواز الحجر عليه
باب
الكفالة بمال عن الميت جائزة غير لازمة
البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال كنت جالسا مع
النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجنازة فقال هل ترك من دين قالوا لا قال فصلى عليه
ثم أتي بأخرى فقال هل ترك من دين قالوا لا قال هل ترك من شيء
قالوا نعم ثلاثة دنانير قال بأصابعه ثلاث كيات ثم أتي بالثالثة فقال هل ترك من دين قالوا نعم قال هل ترك من شيء قالوا لا قال صلوا على
صاحبكم فقال رجل من الأنصار علي دينه يا رسول الله قال فصلى عليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:595(2/595)
*** ج2/ص596
ومن طريق آخر فتحملهما أبو قتادة - يعني لدينارين كانا عليه - ثم صلى
عليه ثم قال بعد ما فعل الديناران قال أديتهما قال الآن بردت جلدته من
النار
وأما أنها غير لازمة فلأن الكفالة لغة الضم وفي الشرع عبارة عن ضم
ذمة إلى ذمة في المطالبة وذمة الميت قد فاتت بموته فإنه بنى على أهلية العهد
والميثاق وتحمل الأمانة وذلك مشروط بالحياة ويدل عليه سقوط الدين عن الحربي
إذا استرق لضعف ذمته فالميت أولى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:596(2/596)
*** ج2/ص597
كتاب الإيمان والنذور
باب
من حرم على نفسه شيئا مما يملكه لم يصر محرما عليه وعليه إن استباحه
كفارة يمين فإذا قال حرمت على نفسي هذا الرغيف فأكل منه شيئا يسيرا حنث
ولزمته الكفارة ولو قال والله لا آكل هذا الرغيف فأكل نصفه لم يحنث لأن
أصحابنا شبهوا تحريم الرغيف على نفسه بمنزلة قوله والله لا أكلت من هذا الرغيف
شيئا تشبيها له بسائر ما حرم الله والمعتمد في هذه المسألة نقلا قوله تعالى
2 يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم 2
باب
اللغو ما يكون خاليا عن فائدة اليمين شرعا ووضعا لأن فائدة اليمين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:597(2/597)
*** ج2/ص598
إظهار الصدق من الخبر فإذا أضيف إلى خبر ليس فيه احتمال الصدق كان خاليا عن
فائدة اليمين والدليل على ذلك قوله تعالى 2 وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه 2
وقال تعالى 2 لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما 2 وقال تعالى 2 والغوا فيه لعلكم تغلبون 2 ومعلوم أن مراد المشركين التصنت أي إن لم تقدروا على المغالبة
بالحجة فاشتغلوا بما هو خال عن الفائدة من الكلام ليحصل مقصودكم بطريق
المغالبة دون المحاجة ولم يكن قصدهم التكلم بغير قصد وقال تعالى 2 وإذا مروا باللغو مروا كراما 2 أي صبروا عن الجواب وذلك في الكلام الخالي عن الفائدة
دون ما يجري من غير قصد وهذا قول حماد بن أبي سليمان رحمه الله
باب
اللؤلؤ وحده ليس بحلي
قال الله تعالى ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله
وهذا في الذهب دون اللؤلؤ إذ لا يوقد عليه وقوله 2 حلية تلبسونها 2 إنما سماه
حلية في حال اللبس وهو لا يلبس وحده في العادة وإنما يلبس مع الذهب ومع
هذا فإن إطلاق الحلية عليه في القرآن لا يوجب حمل اليمين عليه ويدل عليه قوله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:598(2/598)
*** ج2/ص599
تعالى 2 وجعل الشمس سراجا 2 وقال تعالى 2 تأكلون لحما طريا 2
باب
العنب والرطب والرمان
ليسوا بفاكهة
قال الله تعالى 2 فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام 2 وقال تعالى 2 فيهما فاكهة ونخل ورمان 2 وقال تعالى 2 فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا 2 ومقتضى العطف المغايرة
فإن قيل لو دل العطف على أن العنب والرطب والرمان ليسوا من الفواكه
لدل قوله تعالى 2 من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال 2 على أن
جبريل وميكال ليسا من الملائكة
قيل له ما ذكرناه هو الأصل في العطف وخروج هذا عن الأصل لا يوجب
خروج غيره
ذكر الغريب
القضب الرطبة والغلب الملتفة والأب المرعى والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:599(2/599)
*** ج2/ص600
باب
من حلف لا يكلم فلانا شهرا
وكان الحلف مع رؤية الهلال فهو على ذلك الشهر كاملا كان أو ناقصا وإن
كان حلف على بعض الشهر فيمينه على ثلاثين يوما تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم فإذا
رأيتموه فصوموا وإذا غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما
وروى الطحاوي عن أبي بشر الرقي عن معاذ بن معاذ عن الأشعث
عن الحسن في رجل نذر أن يصوم شهرا قال إن ابتدأ برؤية الهلال صام برؤيته
وإن ابتدأ في بعض الشهر صام ثلاثين يوما
باب
إذا استثنى الإنسان في يمينه
ثم فعل المحلوف عليه لم يحنث
الترمذي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه
قال أبو عيسى رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر موقوفا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:600(2/600)
*** ج2/ص601
ورواه سالم عن ابن عمر موقوفا وما نعلم أن أحدا رفعه غير أيوب السختياني
والعمل على هذا عند أهل العلم أن الاستثناء إذا كان موصولا فلا حنث عليه ولا
فرق بين اليمين بالله تعالى أو الطلاق أو العتاق عند أكثر أهل العلم
وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك غير حنث
وعنه عن ابن عمر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فقال إن
شاء الله فقد استثنى
باب
من نذر أن يذبح ولده وجب عليه ذبح شاة
قال الله تعالى 2 إني أرى في المنام أني أذبحك 2 قال أبو بكر الرازي
رحمه الله وعلى أي وجه ينصرف تأويل الآية فقد تضمن الأمر بذبح الولد إيجاب
شاة في العاقبة فلما صار موجب هذا اللفظ إيجاب شاة في المتعقب في شريعة إبراهيم
عليه السلام وقد أمر الله باتباعه بقوله تعالى 2 ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا 2 فبهداهم اقتده دل على أن من نذر ذبح ولده فداه بذبح شاة ولا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:601(2/601)
*** ج2/ص602
يجب على من نذر ذبح عبده شيء لأن هذا اللفظ ظاهره معصية ولم تثبت في
الشرع عبارة عن ذبح شاة فكان معصية
وروى أبو بكر الرازي عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن
القاسم بن محمد قال كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فجاءته امرأة فقالت
إني نذرت أن أنحر ولدي فقال لا تنحري ابنك وكفري عن يمينك
فقال رجل عند ابن عباس لا وفاء لنذر في معصية فقال ابن عباس مه قال الله
تعالى في الظهار ما سمعت وأوجب فيه ما ذكره
باب
الحيلة في دفع الحنث
قال الله تعالى 2 وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث 2 وهذا فيه دلالة
على جواز الحيلة في التوصل إلى ما يجوز فعله ودفع المكروه بها عن نفسه لأن الله
تعالى أمره بضربها بالضغث ليخرج به من اليمين ولا يصل إليها ضرر
ذكر الغريب
الضغث قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس
باب
إذا قال هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا وكذا ففعل ذلك الشيء قال بعض
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كفارة يمين وهو قول النخعي وسفيان الثوري
وأحمد وإسحاق رحمهم الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:602(2/602)
*** ج2/ص603
باب
لا تجزئ الكفارة قبل الحنث
أبو داود عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم
يا عبد الرحمن بن سمرة إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فآت الذي هو
خير وكفر عن يمينك
وعن أبي بردة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني والله إن شاء الله لا أحلف
على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو قال
إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني
باب
المقدار الذي يعطى كل مسكين
من الطعام في الكفارات نصف صاع من بر
لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه وهو مجمع على صحته والعمل به في
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:603(2/603)
*** ج2/ص604
كفارة حلق الرأس في الإحرام
الطحاوي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في كفارة اليمين قال
نصف صاع من حنطة وهكذا نقول في كل طعام في كفارة وغيرها هذا
مقداره
فإن قيل فما تقول في حديث المواقع في رمضان فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل فيه
قدر خمسة عشر صاعا فقال تصدق به
قيل له يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما علم حاجته أعطاه من التمر ما يستعين به
فيما وجب عليه لا على أنه جميع ما وجب عليه كالرجل يشكو ضعف حاله وما عليه
من الدين فتقول خذ هذه العشرة دراهم فاقض بها دينك ليس على أنها تكون
قضاء عن جميع دينه ولكن على أنها تكون على قضاء مقدارها من دينه
باب
من نذر أن يصلي في مكان
جاز له أن يصلي في غيره
الطحاوي عن جابر رضي الله عنه أن رجلا قال يوم فتح مكة
يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس فقال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:604(2/604)
*** ج2/ص605
النبي صلى الله عليه وسلم صل ههنا فأعادها على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا فقال
النبي صلى الله عليه وسلم شأنك إذا
ومن طريق أبي داود فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي بعث محمدا بالحق
لو صليت ههنا لأجزأ عنك صلاة في بيت المقدس
فإن قيل إنما أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في المسجد الحرام لأنه أفضل من
مسجد بيت المقدس ونحن نجوز ذلك لقوله عليه السلام صلاة في
مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام
قيل له معنى ذلك نماؤها على الصلوات المكتوبات لا على النوافل ألا ترى إلى
قوله في حديث عبد الله بن سعد لأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في
المسجد وقوله في حديث زيد بن ثابت خير صلاة المرء في بيته إلا
المكتوبة وذلك حين أرادوا أن يقوم بهم في شهر رمضان فثبت بما ذكرنا صحة
قولنا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:605(2/605)
*** ج2/ص606
باب
فيمن نذر أن يحج ماشيا
من نذر أن يحج ماشيا له أن يركب إن أحب ويهدي هديا لترك المشي
ويكفر عن يمينه لحنثه
الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله إن
أختي نذرت أن تمشي إلى البيت حافية غير مختمرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا يصنع
بشقاء أختك شيئا فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام
وفي بعض طرق هذا الحديث ولتهد بدنة وفي رواية ولتهد هديا
قال أبو عيسى هذا حديث حسن والعمل على هذا عند بعض أهل العلم
وهو قول أحمد وإسحاق رضي الله عنهم والله أعلم
باب
الرجل ينذر نذرا وهو مشرك ثم يسلم
صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن
يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:606(2/606)
*** ج2/ص607
قال الطحاوي رحمه الله فلما كان النذر إنما يجب إذا كان مما يتقرب به
إلى الله تعالى ولا يجب إذا كان معصية وكان الكافر إذا قال لله علي صيام
أو اعتكاف وهو لو فعل ذلك لم يكن متقربا إلى الله تعالى وهو في وقت ما أوجبه إنما
قصد به إلى ربه الذي كان يعبده من دون الله عز وجل وذلك معصية فدخل في
قوله عليه السلام لا نذر في معصية الله تعالى و قوله عليه السلام
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أوف بنذرك ليس من طريق أن ذلك
واجب عليه ولكنه قد كان سمح في حال ما نذره أن يفعله وهو معصية فأمره
النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله الآن على أنه طاعة فكان ما أمره به خلاف ما أوجبه على نفسه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:607(2/607)
*** ج2/ص608
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:608(2/608)
*** ج2/ص609
كتاب العتق
باب
إذا أعتق شركا له في عبد وهو موسر
لا يقوم عليه نصيب شريكه إلا بعد أن يرغب عن عتقه
الطحاوي عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان لنا غلام
فشهد القادسية فأبلى فيها - وكان بيني وبين أمي وبين أخي الأسود - فأرادوا
عتقه وكنت يومئذ صغيرا فذكر ذلك الأسود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال
أعتقوا أنتم فإذا بلغ عبد الرحمن فإن رغب فيما رغبتم أعتق وإلا ضمنكم
فيحمل قوله عليه السلام قوم عليه قيمة العدل على ما إذا رغب
الشريك عن الإعتاق
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:609(2/609)
*** ج2/ص610
باب
إذا أعتق شركا له في عبد وكان معسرا
فلشريكه أن يستسعي العبد
البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق
نصيبا أو شقيصا في مملوك فعليه خلاصه في ماله إن كان له مال وإلا قوم عليه
فاستسعى به غير مشقوق عليه
ومن طريق الترمذي وإن لم يكن له مال قوم عليه قيمة عدل ثم
يستسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:610(2/610)
*** ج2/ص611
باب
من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه
الطحاوي عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملك
ذا رحم محرم منه فهو حر
وعنه عن عطاء بن أبي رباح قال إذا ملك الرجل عمته أو خالته
أو أخاه أو أخته فقد عتقوا عليه
وقد روى هذا عن عمر وعبد الله بن مسعود وهو قول الحسن وجابر
والشعبي والزهري والحكم وحماد وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل رضي الله
عنهم أجمعين
باب
إذا قال كاتبتك على كذا
فقبل صح وإذا أدى عتق
قال الله تعالى 2 فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا 2 فظاهر الآية يقتضي
جواز الكتابة من غير شرط الحرية ويتضمن الحرية لأن الله تعالى لم يقل فكاتبوهم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:611(2/611)
*** ج2/ص612
على شرط الحرية فدل على أن اللفظ ينتظمها كلفظ الخلع في تضمنه الطلاق
ولفظ البيع فيما يتضمن من التمليك للمنافع والنكاح في اقتضائه تمليك منافع
البضع
باب
لا يعتق المكاتب إلا بأداء جميع الكتابة
ولا يعتق منه شيء بأداء بعضها
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المكاتب
عبد ما بقي عليه درهم
باب
إذا وطئ المولى أمته ثم ولدت
ولدا لا يلزمه ما لم يعترف به
الطحاوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان
ابن عباس يأتي جارية له فحملت فقال ليس مني إني أتيتها إتيانا لا أريد به الولد
وعنه عن خارجة بن زيد أن أباه كان يعزل عن جارية فارسية فحملت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:612(2/612)
*** ج2/ص613
بحمل فأنكره وقال إني لم أرد ولدك وإنما استطيبت نفسك فجلدها وأعتقها وأعتق
ولدها
وأما قوله عليه السلام في حديث سعد هو لك يا عبد بن زمعة فقد
يجوز أن يكون أراد بقوله هو لك هو مملوك لك بحق ما لك عليه من اليد
ولم يحكم في نسبه بشيء والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر سودة بنت زمعة
بالحجاب منه فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله ابن زمعة إذا لما احتجبت بنت زمعة
منه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمر بقطع الأرحام بل كان يأمر بصلتها ومن صلتها
التزاور فكيف يجوز أن يأمرها بالحجاب منه وقد جعله أخاها هذا لا يجوز وكيف
يجوز ذلك عليه وهو يأمر عائشة رضي الله عنها أن تأذن لعهما من الرضاعة
بالدخول عليها ثم تحتجب سودة ممن قد جعله أخاها وابن أبيها ولكن وجه
ذلك عندنا والله أعلم أنه لم يكن حكم فيه بشيء غير اليد التي جعله بها لعبد
ولسائر ورثة زمعة دون سعد
فإن قيل فما معنى قوله الذي وصله بهذا الولد للفراش وللعاهر الحجر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:613(2/613)
*** ج2/ص614
قيل له ذلك على التعليم منه لسعد أي أنت تدعي لأخيك وأخوك
لم يكن له فراش وإنما يثبت النسب منه لو كان له فراش فإذا لم يكن له فراش
فهو عاهر وللعاهر الحجر
وقد بين هذا وكشفه ما روى الطحاوي عن عبد الله بن الزبير عن
عبد العزيز قال كانت لزمعة جارية يطأها وكان يظن رجلا آخر يقع
عليها فمات زمعة وهي حبلى فولدت غلاما يشبه الرجل الذي كان يظن بها
فذكرته سودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما الميراث فله وأما أنت فاحتجبي منه لأنه
ليس لك بأخ
فإن قيل ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الميراث له فدل على قضائه
بنسبه
قيل له ما يدل لأن عبد بن زمعة كان ادعاه وزعم أنه ابن أبيه لأن عائشة
قد أخبرت في حديثها أن عبدا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نازعه سعد بن أبي وقاص
وقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقد يجوز أن تكون سودة قالت مثل
ذلك وهما وارثان معه فكانا بذلك مقرين له بوجوب الميراث مما ترك زمعة
فجاز ذلك عليهما في الميراث الذي يكون لهما لو لم يقرا بما أقرا به من ذلك ولم يجب
بذلك ثبوت نسب يجب له حكم فيخلي بينه وبين النظر إلى سودة
فإن قيل إنما أمرها بالحجاب منه لما رأى من شبهه بعتبة كما في حديث
عائشة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:614(2/614)
*** ج2/ص615
قيل له هذا لا يجوز أن يكون كذلك لأن وجود الشبه لا يجب به ثبوت
النسب ولا يجب لعدمه انتفاء النسب ألا ترى أن الرجل الذي قال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك
إبل فقال نعم قال فما ألوانها فذكر كلاما قال هل من أورق فقال إن
فيها لورقا فقال مم ترى ذلك جاءها قال من عرق نزعها فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعل هذا عرق نزعه فلم يرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفيه
لبعد شبهه ولا منعه من إدخاله على بناته وحرمه بل ضرب له مثلا أعلم أن
الشبه لا يوجب ثبوت الأنساب وأن عدمه لا يوجب به انتفاء الأنساب
فكذلك ابن وليدة زمعة لو كان وطء زمعة لأمته يوجب ثبوت نسبه إذا لما كان
لبعد شبهه منه معنى ولو كان نسبه منه ثابتا لدخل على بناته كما يدخل عليهم غيره
من بنيه
وأما ما روى مالك في موطئه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال
ما بال رجال يطأون ولائدهم ثم يعزلونهن لا تأتين وليدة يعترف سيدها أنه قد
ألم بها إلا ألحقنا به ولدها فاعزلوا أو اتركوا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:615(2/615)
*** ج2/ص616
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال من وطئ أمة ثم ضيعها فأرسلها تخرج ثم
ولدت فالولد منه والضيعة عليها
فإنه قد خالفهما في ذلك عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت على ما رويناه في
أول هذا الباب
ذكر الغريب
العاهر الزاني أورق بهمزة مفتوحة وواو ساكنة وراء مفتوحة وقاف حكى
الجوهري عن الأصمعي أنه في الإبل الذي يضرب لونه من بياض إلى سواد
وليس بمحمود عندهم في العمل ولا في السير وقال أبو زيد هو الذي يضرب لونه
إلى خضرة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:616(2/616)
*** ج2/ص617
كتاب الصيد والذبائح
باب
صيد المدينة وشجرها كصيد سائر البلدان وشجرها
مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن
الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه قال فطيما قال فكان إذا
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال أبا عمير ما فعل النغير ومن طريق الطحاوي عن
أنس رضي الله عنه قال كان لأبي طلحة ابن من أم سليم يقال له أبو عمير وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه إذا دخل وكان له طير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أبا عمير
حزينا فقال ما شأن أبي عمير فقيل يا رسول الله مات نغيره فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عمير ما فعل النغير
قال الطحاوي فهذا قد كان بالمدينة ولو كان حكم صيدها حكم
صيد مكة لما أطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس النغير ولا اللعب به كما لا يطلق ذلك
بمكة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:617(2/617)
*** ج2/ص618
فإن قيل يجوز أن يكون هذا بقباء وذلك الموضع غير موضع الحرم
قيل له هب أنه كما ذكرت ولكن لم قلت إن قباء ليست بموضع الحرم
وقد روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى كل ناحية من المدينة بريدا
بريدا لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل وقباء من المدينة لا تبلغ
ذلك فإن البريد أربع فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف خطوة
وقباء لا تبلغ ميلين
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من تحريم صيدها وقطع شجرها فإنما كان
يفعله إبقاء لزينتها ليستطيبوها ويألفوها كما منع من هدم آطامها
وأما ما جاء من إباحة سلب الذي يصيد صيد المدينة فإن ذلك عندنا
والله أعلم كان في وقت كانت العقوبات التي تجب بالمعاصي في الأموال
ثم نسخ ذلك في وقت نسخ الربا فردت الأشياء المأخوذة إلى أمثالها إن كان لها
أمثال أو إلى قيمها إن كان لا مثل لها وجعلت العقوبة في انتهاك الحرم في
الأبدان لا في الأموال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:618(2/618)
*** ج2/ص619
ذكر الغريب
الأطم مثل الأجم يخفف ويثقل والجمع آطام وهي حصون لأهل المدينة
باب
يكره أكل لحم الضب
محمد بن الحسن عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
أهدي له ضب فلم يأكله فقام عليهم سائل فأرادت عائشة أن تعطيه فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم تعطيه ما لا تأكلين
قال محمد فدل ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهه لنفسه ولغيره
قال فبذلك نأخذ
فإن قيل يجوز أن يكون كره لها أن تعطي لأنها عافته ولولا أنها عافته لما
أطعمته إياه وكان ما يطعمه للسائل فإنما هو لله تعالى فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن
لا يكون ما يتقرب به إلى الله تعالى إلا من خير الطعام كما نهى أن يتصدق بالشيء
الرديء فلذلك كره رسول الله صلى الله عليه وسلم التصدق بالضب لا لأنه حرام
قيل له الصدقة بالشيء الرديء إنما تكره إذا كان الإنسان قادرا على غيره أما
إذا لم يكن عنده سواه أو نفر منه طبعه دون طبع غيره فلا يكره والظاهر أن عائشة
رضي الله عنها لم يكن عندها سواه فبالنظر إلى هذا الظاهر يغلب على الظن أنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:619(2/619)
*** ج2/ص620
إنما كرهه لكونه مكروها لا لأنه كان رديئا والأشبه أن يحمل قول أصحابنا
أن لحمه مكروه على كراهية التنزيه لتتفق معاني الآثار ولا تتضاد فإن
النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح في الأحاديث الصحاح أنه ليس بحرام وأكل على مائدة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراما لم يؤكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذكر من أنه
يحتمل أن يكون من الممسوخ فذلك بعيد لما صح عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ فقال
إن الله عز وجل لم يهلك قوما أو يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عقبا
باب
يكره أكل الطافي من السمك
أبو داود عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله ما ألقى البحر
أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه وهذا الحديث في سنده
هذا إسماعيل بن أمية قالوا وهو متروك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:620(2/620)
*** ج2/ص621
قال أبو داود وقد رواه سفيان وأيوب وحماد عن أبي الزبير فوقفوه على
جابر والموقوف عندنا حجة
وأما حديث العنبر فإنه لم يكن طافيا بل هو مما ألقاه البحر لأن جابرا ذكره
من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال و شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع
فقال عسى الله أن يطعمكم فأتينا سيف البحر فزخر البحر زخرة فألقى
دابة وما ألقاه البحر فهو حلال
باب
أكل الضبع حرام
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب
من الطير فلا يجوز أن يخرج من ذلك الضبع لأنه ذو ناب من السباع
وقوله عليه السلام هي من الصيد فليس كل الصيد يؤكل والحديث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:621(2/621)
*** ج2/ص622
مداره على جابر وقد اختلف في لفظه وروي عن حبان بن جزء عن أخيه
خزيمة بن جزء قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع فقال ويأكل الضبع
أحد وسألته عن أكل الذئب فقال ويأكل الذئب أحد فيه خير وفي سند هذا
الحديث إسماعيل بن مسلم و عبد الكريم أبو أمية وقد تكلم بعض أهل العلم
فيهما والمعتمد الحديث الأول والله أعلم
باب
أكل لحم الفرس حرام
قال الله تعالى 2 والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون 2
وجه التسمك بهذه الآية أن الله تعالى قسم الامتنان قسمين في نوعين الأنعام
والخيل والبغال والحمير وبين وجه المنة في الأنعام بثلاثة أنواع اللبن والأكل
والحمل وبين وجه المنة في الخيل والبغال والحمير في الركوب والزينة فمن جعل
القسمين واحدا أو متداخلين فقد اعترض على حد المنة وعارض الفصاحة وهذا
أمر لم يقدره قدره إلا أبو حنيفة رحمه الله لعظم فهمه وسعة علمه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:622(2/622)
*** ج2/ص623
فإن قيل وروى مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن
أكل لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل وفي رواية أكلنا يوم خيبر
لحوم الخيل وحمر الوحش ونهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية
قيل له وقد روى الطحاوي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الخيل والبغال والحمير وقد أجاب بعض أصحابنا
عن الأحاديث الأول فقال هي محمولة على حالة المخامص وهي كانت أغلب
حالات الصحابة رضي الله عنهم وفي الصحيح أنهم ما دخلوا خيبر إلا وهم
جياع فلا حجة بتلك الحال على الإطلاق وفيه نظر فإن الإباحة لو كانت لأجل
الجوع أو المخمصة لما اختصت الإباحة بالخيل
باب
من نحر ناقة أو ذبح شاة فوجد في
بطنها جنينا ميتا لم يؤكل أشعر أو لم يشعر
لإطلاق قوله تعالى 2 حرمت عليكم الميتة 2
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:623(2/623)
*** ج2/ص624
فإن قيل روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذكاة الجنين ذكاة أمه
قيل له ذكاة الجنين مبتدأ وذكاة أمه خبره لكن فيه حذف مضاف وهو
مثل كأنه قال ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه كما تقول زيد البدر وعمرو
الشمس وأبو يوسف أبو حنيفة وابن القاسم مالك أي هذا مثل هذا ومنزلته
منزلته فحذف المثل وأقيم الثاني مقامه اتساعا كما تقول الليلة الهلال والتحقيق في
هذا أن زيدا والبدر غيران فإذا جعلته هو فلا بد من أمر يشتركان فيه يحل محله
فيكون فيه كأنه هو فقوله ذكاة الجنين وذكاة أم الجنين غير ذكاة الجنين فهما
غيران فهذه حقيقة الكلام فالذي يدعي أن ذكاة الأم تغني عن ذكاة الجنين فإن
دعواه لا تشهد لها العربية
ومما استدل به أبو حنيفة رضي الله عنه ما روى الدارقطني عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد بن ورقاء على جمل أورق ليصيح في
فجاج منى ألا إن الذكاة في الحلق واللبة بين النبي صلى الله عليه وسلم أن جنس الذكاة
منحصر في الحلق واللبة لأنه ذكرها بلام التعريف ولا معهود هنا فكان لتعريف
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:624(2/624)
*** ج2/ص625
الجنس بالضرورة فلو حل الجنين مع أن ذكاته ليست في الحلق واللبة لا يكون جنسا
منحصرا فيه فيتطرق الخلف إلى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه محال
فإن قيل إن التركيب في قوله عليه السلام ذكاة الجنين ذكاة أمه إما لبيان
أن الأول يعمل عمل الثاني ويقوم مقامه كما في الحديث علم الرجل خليله
وعقله وزيره أي أن علمه يعمل عمل خليله ويقوم مقامه وعقله يعمل عمل
وزيره ويقوم مقامه
وإما لبيان أن الثاني يعمل عمل الأول ويقوم مقامه كقول القائل في وصف
قلم الممدوح
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه
وأري الجنى اشتارته أيد عواسل
أي أن لعاب قلمه يعمل عمل لعاب الأفاعي في إلحاق المكاره والمضار
بأعدائه ويعمل عمل العسل الصافي في إلحاق الملاذ والمسار بأوليائه والأول غير
مراد هنا لأن ذكاة الجنين لا تعمل عمل ذكاة الأم ولا تقوم مقامها بالإجماع فتعين
الثاني مرادا بالضرورة وهو أن تعمل ذكاة الأم عمل ذكاة الجنين في إفادة الحل وتقوم
مقامها ولأنه جزء منها متصل بها فيذكى بذكاتها كسائر أجزائها المتصلة بها
قيل له يجوز أن يكون لبيان معنى ثالث وهو تشبيه الأول بالثاني كقولهم
فعيناك عيناها وجيدك جيدها
سوى أن عظم الساق منك دقيق
أي عيناك يا ظبية شبيهتان بعيني الحبيبة يعني كما أن عينيها حسنتان
دعجاوان حوراوان نجلاوان فكذلك عيناك وعلى هذا يحتمل أن يكون المراد
ذكاة الجنين شبيهة بذكاة الأم أي كما أن أمه لا تحل إلا بوقوع ذكاتها في الحلق
واللبة فكذلك الجنين لا يحل إلا بوقوع ذكاته في حلقه ولبته فكان ذلك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:625(2/625)
*** ج2/ص626
الحديث مشترك الدلالة فيبقى ما رواه أبو حنيفة رحمه الله سالما قولهم إنه جزء
متصل قلنا نعم لكنه منفرد بالحياة فوجب أن ينفرد بالذكاة لأن ما في الجنين من
الدم المسفوح لا ينفصل بذكاة الأم فلا يتذكى بذكاتها بالضرورة
فإن قيل روى أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم هذا الحديث وفيه
فقلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين
أفنلقيه أم نأكله قال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه
قلت قال الإمام أبو زيد لعل هذا الحديث لم يبلغ أبا حنيفة فإنه لا تأويل
له وأجاب بعض أصحابنا عنه فقال هو معارض بقوله تعالى 2 أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس 2 وفي الجنين دم مسفوح بالإجماع لأنه لو خرج
حيا ولم ينفصل عنه ما فيه من الدم بالذكاة حتى مات لم يؤكل فإذا انجمد الدم
المسفوح في أجزائه ممتزجا بها وجب الاحتراز والاجتناب عن جميع أجزائه واحتمال
تأخير الآية عن هذا الحديث ثابت فيكون حكم الحديث منتهيا بالآية قطعا
ولا كذلك بتقدير أن يكون الحديث متأخرا
ذكر الغريب
اللبة المنحر وأري الجنى العسل وشرت العسل واشترته اجتنيته
والدعج شدة سواد العين مع سعتها يقال عين دعجاء والنجل بالتحريك سعة
شق العين ومنه عين نجلاء والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:626(2/626)
*** ج2/ص627
باب
إذا ترك الذابح التسمية فذبيحته ميتة
لقوله تعالى 2 ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه 2 فإنه عام في كل ذبيح
ترك عليه التسمية لكن المتروك سهوا صار مستثنى عنه بالإجماع فبقي الباقي تحت
العموم ولا يجوز حمل الآية على تحريم الميتة لأنه صرف الكلام إلى مجازه مع إمكان
الإجراء على حقيقته كيف وتحريم الميتة منصوص عليه في الآية
ويؤيد هذا ما روى مسلم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت إنا قوم نصيد بهذه الكلاب فقال إذا أرسلت كلابك
المعلمة وذكرت اسم الله عليها فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن إلا أن يأكل
الكلب وإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وإن
خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل وفي رواية فإنما سميت على كلبك ولم تسم
على غيره
فإن قيل هذه الآية معارضة بقوله تعالى 2 إلا ما ذكيتم 2 استثني عن
المحرمات ومعناه إلا ما ذكيتم فيحل فآية التسمية بعمومها وإطلاقها تقتضي
تحريم كل متروك التسمية وهذه الآية تقتضي تحليل كل مذكاة متروكة التسمية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:627(2/627)
*** ج2/ص628
عليها وهذا لو أحللناه بعموم آية المذكاة لزم تأويل آية التسمية إلى مجازه وإن
حرمناه بعموم آية التسمية لزم تخصيص آية المذكاة بمذكاة ذكر عليها اسم الله تعالى
وليس تخصيص الآية أولى من تأويلها فعليكم الترجيح
قيل له إجراء آية التسمية على عمومها وتخصيص آية المذكاة أولى لأن آية
التسمية تقتضي الحظر وآية المذكاة تقتضي الإباحة ومتى تعارض دليل الحظر ودليل
الإباحة كان دليل الحظر أولى لأنه أحوط
فإن قيل فعلى هذا يصير التقدير عندكم إلا ما ذكيتم وسميتم عليه الله
تعالى وكذا ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه عمدا وهذه زيادة تجري مجرى
النسخ عندكم
قيل له أما آية التسمية فليس قولنا عمدا زيادة لأن قوله 2 ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه 2 يعم العمد والنسيان خرج النسيان بالإجماع وبقي
العمد على ما كان عليه
وأما آية المذكاة فإنما قيدناها بآية التسمية وهذا وإن جرى مجرى النسخ عندنا
ولكنه إنما يمتنع إذا كان بدليل أضعف منه وآية التسمية والمذكاة على حد سواء
والنسخ بالمثل جائز
باب
في الذبح بالسن والظفر
روي في الصحيح عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله
إنا لآتوا العدو غدا وليست معنا مدى فقال ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:628(2/628)
*** ج2/ص629
فكل ليس السن والظفر وسأحدثك أما السن فعظم و أما الظفر فمدى
الحبشة
قال أبو جعفر رحمه الله ففي هذا الحديث إخراج النبي صلى الله عليه وسلم السن والظفر
مما أباح الذكاة به فاحتمل أن يكون ذلك على المنزوعتين - - فإن كان
ذلك على المنزوعتين فهما إذا كانا غير منزوعتين أحرى أن يكونا كذلك وإن كان
ذلك على غير المنزوعتين فليس في ذلك دليل على حكم المنزوعتين كيف
هو فلما أحاط العلم بوقوع النهي في هذا على غير المنزوعتين ولم يحط العلم بوقوعه
على المنزوعتين وقد جاء في حديث عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله
أرسل كلبي يأخذ الصيد فلا يكون معي شيء أذكيه إلا المروة والعصا قال أنهر
الدم بما شئت واذكر اسم الله مطلقا أخرجنا منه ما أحاط العلم بإخراج
حديث رافع إياه منه وتركنا ما لم يحط العلم بإخراج حديث رافع منه على
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:629(2/629)
*** ج2/ص630
ما أطلقه حديث عدي وقد روى الطحاوي عن أبي رجاء العطاردي قال
خرجنا حجاجا فصاد رجل من القوم أرنبا فذبحها بظفره فأكلوها ولم آكل معهم
فلما قدمنا البلد سألنا ابن عباس رضي الله عنهما فقال لعلك أكلت معهم قال
قلت لا قال أصبت إنما قتلها خنقا
أفلا ترى ابن عباس قد بين في حديثه المعنى الذي به حرم أكل ما ذبح
بالظفر أنه الخنق لأن من يذبح به إنما يذبح بكف لا بغيرها فهو مخنوق فدل
ذلك إنما نهي عنه من الذبح بالظفر إنما هو الظفر المركب في الكف لا الشفر
المنزوع منها وكذلك ما نهى عنه من الذبح بالسن فإنما هو على السن المركبة في الفم
لأن بذلك يكون عضا فأما السن المنزوعة فلا
باب
الأضحية واجبة
قال الله تعالى 2 فصل لربك وانحر 2 روي أنه أراد بالصلاة صلاة يوم
العيد وبالنحر الأضحية والأمر يقتضي الإيجاب وإذا وجب على النبي صلى الله عليه وسلم فهو
واجب علينا لقوله تعالى 2 فاتبعوه 2 و 2 لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة 2
وقوله عليه السلام من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا لا يدل على أنهما غير
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:630(2/630)
*** ج2/ص631
مأمور بهما في الكتاب لأن ما سنه الله وفرضه فجائز أن نقول هذا سنتنا
وفرضنا كما نقول ديننا وإن كان الله قد فرضه علينا وتأويل من تأوله على
حقيقة نحر البدن أولى لأنه لا يعقل بإطلاق اللفظ غيره ولا يعقل منه وضع
اليمين على الشمال تحت النحر
وروى أحمد بن حنبل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا
فإن قيل قال أحمد بن حنبل رحمه الله هذا حديث منكر وقال الدارقطني
قد روي موقوفا والموقوف أصح
قيل كونه منكرا يحتاج إلى دليل و كونه موقوفا لا يمنع صحة
الاحتجاج به لأن مثل هذا لا يقوله عن رأي ثم قد أخرج في الصحيح عن البراء
قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي
ثم نرجع فننحر من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم
قدمه لأهله ليس من النسك في شيء فقال أبو بردة يا رسول الله ذبحت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:631(2/631)
*** ج2/ص632
وعندي جذعة خير من مسنة قال اجعلها مكانها ولن تجزي أو توفي عن أحد
بعدك وجه التمسك بهذا الحديث أنه فيه لفظ السنة وهي الطريقة وفيه لن
تجزي والأغلب استعمالها في الواجبات
وروى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله أستدين
وأضحي قال نعم
فإن قيل فيه هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج ولم يسمع من عائشة
ولم يدركها
قيل له فهو مرسل والمرسل حجة وروى أحمد بن حنبل عن مخنف بن
سليم قال بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة قال يا أيها الناس إن على كل
أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة تدرون ما العتيرة هي التي يقول
الناس الرجبية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:632(2/632)
*** ج2/ص633
فإن قيل في الحديث رجل مجهول والحديث متروك إذ لا تسن عتيرة أصلا
ولو قلنا بوجوب الأضحية لكانت على الشخص الواحد لا على جميع أهل البيت
قيل له إن جهالة الراوي لا تقدح في صحة الحديث وفي الحديث والله أعلم
حذف مضاف تقديره وعلى كل قيم أهل بيت أضحية
وروى الطحاوي عن جندب قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى بالناس
العيد فإذا هو بغنم قد ذبحت فقال من كان ذبح قبل الصلاة فتلك شاة
لحم ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله
وعنه عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
- يعني في يوم النحر - من كان ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ومن لم يكن
ذبح فليذبح
فثبت بهذه الأحاديث أن الأضحية واجبة وأن أول وقت الذبح في يوم
النحر هو من بعد الصلاة لا من بعد ذبح الإمام
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:633(2/633)
*** ج2/ص634
فإن قيل روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث
هن علي فريضة ولكم تطوع منها النحر
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب علي النحر
ولم يكتب عليكم
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بالنحر وليس
بواجب
قيل له الحديث الأول يرويه أبو جناب وهو متروك وفي الأول والثاني
والثالث جابر الجعفي وهو ضعيف فلا يعارض ما ذكرنا من الأحاديث
وروى الترمذي عن جبلة بن سحيم أن رجلا سأل ابن عمر عن
الأضحية أواجبة هي فقال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحى المسلمون فأعادها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:634(2/634)
*** ج2/ص635
عليه فقال أتعقل ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون هذا حديث حسن
صحيح
وفي الحديث إشارة إلى وجوبها فإنه لما أعاد عليه المسألة في المرة الثانية وقال
أتعقل فكأنه قال الأضحية سبيل المؤمنين فمن لم يضح دخل في قوله تعالى 2 يتبع غير سبيل المؤمنين 2 الآية
ومما يدل على وجوب الأضحية قوله تعالى 2 قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت 2 فقد اقتضى الأمر
بالضحية لأن النسك في هذا الموضع المراد به الأضحية روي أن
عليا رضي الله عنه كان يقول عند بالأضحية 2 قل إن صلاتي ونسكي 2 الآية
وقوله عليه السلام إن أول نسكنا في يومنا هذا يدل على أن هذا النسك
أريد به الأضحية وأخبر الله تعالى أنه مأمور بذلك والأمر يقتضي الوجوب
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:635(2/635)
*** ج2/ص636
باب
أيام الأضحية يم النحر ويومان بعده
لأنه لو كان أيام النحر أيام التشريق لما كان بينهما فرق و كان ذكر أحد
العددين ينوب عن الآخر
فلما وجدنا الرمي في يوم النحر وأيام التشريق ووجدنا النحر في يوم النحر
- وقال قائلون إلى آخر أيام التشريق وقلنا يومان بعده - وجب أن نوجب فرقا بينهما
لإثبات كل واحد من اللفظين وهو أن يكون من أيام التشريق ما ليس من أيام
النحر وهو آخر أيامها وإلى هذا ذهب علي وابن عباس وابن عمر وأنس بن
مالك وأبو هريرة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والثوري رحمهم الله
باب
في العيوب التي لا تجزي الهدايا
والضحايا إذا كانت بها
أبو داود عن علي رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف
العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:636(2/636)
*** ج2/ص637
قال زهير فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء قال لا قلت فما المقابلة قال
تقطع طرف الأذن قلت فما المدابرة قال تقطع من مؤخر الأذن قلت فما
الشرقاء قال تشق الأذن قلت فما الخرقاء قال تخرق أذنها للسمة
وعنه عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بعضباء القرن
والأذن قال قتادة قلت لسعيد بن المسيب ما العضب قال النصف فما فوقه
يعني إذا كان مقطوعا ثم قوله عليه السلام أربع لا تجزي في الأضاحي العوراء
البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها الكسيرة التي
لا تنقي لا يخلو من أحد وجهين
إما أن يكون متقدما على حديث علي فيكون حديث علي هذا زائدا عليه
أو متأخرا عنه فيكون ناسخا له فلما لم نعلم نسخ حديث علي بعد ما علمنا
ثبوته جعلناه ثابتا مع هذا الحديث واجب العمل به والتي لا تنقى التي ليس
لها مخ
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:637(2/637)
*** ج2/ص638
باب
العقيقة مباحة من شاء فعلها
ومن شاء تركها وليس عليه لوم
أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه أراه عن جده قال سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال لا يحب الله العقوق - كأنه كره الاسم - وقال من
ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك عن الغلام شاتان مكافئتان وعن
الجارية شاة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:638(2/638)
*** ج2/ص639
كتاب الأطعمة
باب
الرجل يمر بالحائط أيأكل منه
مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لا يحتلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه أيحب أحدكم أن
تؤتى مشربته فتكسر خزانته فيحمل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم
أطعمتهم فلا يحتلبن أحد ماشية امرئ إلا بإذنه
الطحاوي عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:639(2/639)
*** ج2/ص640
لا يحل لأحد أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه قال وذلك لشدة
ما حرم الله على المسلمين من مال المسلم وما روي خلاف هذا فهو محمول على
حالة الضرورة
باب
يجوز لبس الخاتم لغير ذي سلطان
مالك عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتما من
ذهب ثم قام فنبذه وقال لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم وهذا يدل على
أن العامة كانت تلبس الخواتيم
باب
التختم في اليسار
الطحاوي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين كانا
يتختمان في يسارهما وابن الحنفية كان يتختم في يساره
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:640(2/640)
*** ج2/ص641
باب
إذا تحركت سنه
أبيح له أن يشدها بالذهب
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لعرفجة بن أسعد الكلابي أن يتخذ أنفا من
ذهب فكان كذلك السن لا بأس أن يشدها بالذهب إذ كان لا ينتن فيكون النتن
الذي في الفضة مبيحا لاستعمال الذهب كما كان النتن الذي يكون منها في
الأنف مبيحا لاستعمال الذهب مكانها
قال الطحاوي وقد روي عن جماعة من المتقدمين شد الأسنان بالذهب
منهم الحسن والمغيرة بن عبد الله أمير الكوفة وأبو التياح و أبو حمزة وأبو نوفل
ابن أبي عقرب وعبيد الله بن الحسين قاضي البصرة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:641(2/641)
*** ج2/ص642
باب
قص الشارب حسن وإحفاؤه وأفضل
الطحاوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجز
شاربه
وعنه عن ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحفوا
الشارب واعفوا اللحى
ومن طريق آخر ولا تشبهوا باليهود وقوله عليه السلام خمس من
الفطرة قص الشارب فالفطرة هي التي لا بد منها وهي قص الشارب
وما سوى ذلك فعل حسن كما أن التقصير في الحج حسن والحلق أفضل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:642(2/642)
*** ج2/ص643
وما روي أنه عليه السلام قص شارب إنسان على عود السواك يجوز أن
يكون فعله لأنه لم يكن بحضرته مقراض يقدر على إحفاء الشارب به
الطحاوي عن إسماعيل بن أبي خالد قال رأيت أنس بن مالك
وواثلة بن الأسقع يحفان شاربهما ويعفيان لحاهما ويصفرانها
وعن عثمان بن عبد الله بن رافع المدني قال رأيت عبد الله بن عمر
وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري وأبا أسيد الساعدي ورافع بن خديج وجابر بن
عبد الله وانس بن مالك وسلمة بن الأكوع يفعلون ذلك رضي الله عنهم
أجمعين
باب
المعانقة مكروهة
الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله
الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له قال لا قال أفيلتزمه
ويقبله قال لا قال فيأخذ يده ويصافحه قال نعم هذا حديث حسن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:643(2/643)
*** ج2/ص644
ومن طريق الطحاوي قالوا أفيعانق بعضنا بعضا قال لا قالوا
أفيصافح بعضنا بعضا قال تصافحوا
فإن قيل فقد روى الترمذي عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله
عنها قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب
فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه
وقبله
قيل له الحديث الأول مخصوص بالتلقي في الحضر وهذا مخصوص بالتلقي
عند القدوم من السفر
يؤيد هذا ما روى الطحاوي عن الشعبي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كانوا إذا التقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا
باب
العاطس كيف يشمت
الترمذي عن سالم بن عبيد الأشجعي - كوفي له صحبة وكان من أهل
الصفة - أنه كان مع القوم في سفر فعطس رجل من القوم فقال السلام
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:644(2/644)
*** ج2/ص645
عليكم فقال عليك وعلى أمك فكأن الرجل وجد في نفسه فقال أما
إني لم أقل إلا ما قال النبي صلى الله عليه وسلم عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام
عليكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليك وعلى أمك إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله
رب العالمين وليقل من يرد عليه يرحمك الله وليقل يغفر الله لي ولكم
فإن قيل فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم العاطس أن يقول يهديكم الله ويصلح
بالكم
قيل له فقد روى الترمذي عن أبي موسى قال كان اليهود يتعاطسون
عند النبي صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله فيقول يهديكم الله ويصلح
بالكم
باب
يجوز إخصاء البهائم
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين موجوءين وهما المرضوضان
خصاهما والمفعول به ذلك قد انقطع نسله فلو كان إخصاؤها مكروها إذا لما ضحى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:645(2/645)
*** ج2/ص646
بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لينتهي الناس عن ذلك وكذا لا بأس بإنزاء الحمير على
الخيل لأنه لو كان مكروها لكان ركوب البغال مكروها لأنه لولا رغبة الناس في
البغال وركوبهم إياها إذا لما أنزأت الحمير على الخيل وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم
بني هاشم عن إنزاء الحمير على الخيل لأن الخيل كانت قليلة فيهم فأحب أن
يكثر فيهم هكذا قال عبد الله بن الحسن رضي الله عنه
باب
لا يجوز نظر العبد إلى شعور الحرائر
الطحاوي عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله
2 ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها 2 قال الزينة القرط والقلادة والسوار
والخلخال
وعنه عن منصور عن إبراهيم ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
قال هو ما فوق الذراع أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:646(2/646)
*** ج2/ص647
النساء إلى وجوههن وإلى أكفهن وحرم عليهم ذلك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت
آية الحجاب وفضلهن بذلك على سائر الناس
فإن قيل فقد قال الله عز وجل 2 ولا يبدين زينتهن 2 إلى قوله
2 أو ما ملكت أيمانهن 2 فجعل ما ملكت أيمانهن كذي المحرم
قيل له الجواب عن هذا من وجهين
أحدهما أن هذا محمول على الإماء وليس فيه إبطال فائدة ملك اليمين لأنه
قد ذكر النساء في الآية بقوله 2 أو نسائهن 2 وأراد بهن الحرائر المسلمات فجاز أن
يظن ظان أن الإماء لا يجوز لهن النظر إلى شعور مولاتهن وإلى ما يجوز النظر
إليه منها فأبان الله تعالى أن الأمة والحرة في ذلك سواء وإنما خص نساءهن
بالذكر في هذا الموضع لأن جميع من ذكر قبلهن هم الرجال بقوله 2 ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن 2 إلى آخر ما ذكر فكان جائزا أن يظن ظان أن الرجال
مخصوصون بذلك إذا كانوا ذووا محارم فأبان الله تعالى إباحة النظر إلى هذه المواضع
من نسائهن سواء كن ذوات محارم أو غير ذوات محارم ثم عطف على ذلك
الإماء بقوله 2 أو ما ملكت أيمانكم 2 لئلا يظن ظان أن الإباحة مقصورة على
الحرائر من النساء إذ كان ظاهر قوله أو نسائهن يقتضي الحرائر دون الإماء كما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:647(2/647)
*** ج2/ص648
في قوله تعالى 2 وأنكحوا الأيامى منكم 2 على الحرائر منكم دون المماليك
وقوله 2 شهيدين من رجالكم 2 الأحرار لإضافتهم إلينا كذلك قوله 2 أو نسائهن 2 على الحرائر ثم عطف عليهن الإماء فأباح لهن مثل ما أباح
في الحرائر
الثاني أنه ذكر جماعة مستثنين من قوله عز وجل 2 ولا يبدين زينتهن 2 فذكر البعول والآباء ومن ذكر معهم مثل ذكره 2 ما ملكت أيمانهن 2
فلم يكن جمعه بينهم دليلا على استواء أحكامهم لأنا قد رأينا البعل يجوز له أن ينظر
من امرأته إلى ما لا ينظر إليه أبوها منها ثم قال 2 أو ما ملكت أيمانهن 2
فلا يكون ضم أولئك مع ما قبلهم بدليل أن حكمهم مثل حكمهم ولكن الذي أباح
بهذه الآية للمملوكين من النظر إلى النساء إنما هو ما ظهر من الزينة وهو الوجه
والكفان وفي إباحته ذلك للمملوكين وليسوا بذوي أرحام محرم دليل على أن
الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام محرم من النساء في ذلك كذلك وقد بين هذا المعنى
ما في حديث ابن زمعة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة احتجبي منه فأمرها
بالحجاب وهو ابن وليدة أبيها وليس يخلو من أن يكون أخاها أو ابن وليدة
أبيها فيكون مملوكا لها ولسائر ورثة أبيها فعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجبها منه لأنه
أخوها ولكن لأنه غير أخيها وهو في تلك الحال مملوكا فلم يحل له النظر - برقه -
إليها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:648(2/648)
*** ج2/ص649
وقد ضاد هذا الحديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان لإحداكن مكاتب وكان
عنده ما يؤدي عنه فلتحتجب منه
وروى الطحاوي عن الشعبي ويونس عن الحسن أنهما كانا يكرهان أن
ينظر العبد إلى شعر مولاته
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:649(2/649)
*** ج2/ص650
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:650(2/650)
*** ج2/ص651
كتاب النكاح
باب
الاشتغال بالنكاح أفضل
من التخلي لنوافل العبادات
لأن النكاح سنة مؤكدة والسنة راجحة على النوافل بالإجماع
أما أنه سنة فلما روى الترمذي عن أبي أيوب رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع من سنن المرسلين الحناء والتعطر والسواك والنكاح
وقال صلى الله عليه وسلم لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:651(2/651)
*** ج2/ص652
فليس مني وقال صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة
فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج
وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي
ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضل أموالهم فقال أوليس قد جعل الله لكم
ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة
صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي
بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر
قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له
أجر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:652(2/652)
*** ج2/ص653
باب
لا يشترط عدالة الشهود في النكاح
لأنه عقد معاوضة كالبيع واشتراط إحضار الشاهدين لم يكن لتحمل
الشهادة وأدائها بل لإعلان النكاح وإظهاره ليتميز عن مواعيد السفاح التي
تجرى في خفاء
فإن قيل فقد روى الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط
عليه فنكاحها باطل
قيل له هذا لا يصح لأن في سنده عيسى بن أبي حرب قال فيه
يحيى بن معين ليس بثقة وإن صح فهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد
إلا في المسجد فما أجيب عن ذلك فهو جواب عن هذا
باب
يصح النكاح بلفظ الهبة والتمليك
روي في الصحيح عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:653(2/653)
*** ج2/ص654
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت جئت أهب لك نفسي فنظر إليها بعض الصحابة فقال
يا رسول الله زوجني بها فقال أمعك شيء فقال ما معي إلا سورة كذا
فقال اذهب فقد ملكتكها فدل على أن لفظ الهبة والتمليك ونحوهما كانت
متعارفة بينهم
فإن قيل قال عليه السلام أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن
بكلمة الله وكلمة الله هي التي في كتابه وهي لفظ الإنكاح والتزويج
قيل له المراد معنى المذكور في الكتاب لا عينه ولو أريد عينه فلفظ الهبة
مذكور في الكتاب في قوله تعالى 2 وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي 2
ومذكور في الحديث الذي رويناه ثم فيه بيان انعقاد النكاح بهذه الكلمة
وليس فيه نفي غيرها وإنما خصها بالذكر لأنها أغلب
قال أبو بكر الرازي رحمه الله قال قائلون كان عقد النكاح بلفظ الهبة
مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال آخرون بل كان له ولأمته وإنما كان خصوصية
النبي صلى الله عليه وسلم في جواز استباحة البضع بغير بدل وروي نحو ذلك عن مجاهد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:654(2/654)
*** ج2/ص655
وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وهذا هو الصحيح لدلالة الآية والأصول
عليه
فدلالة الآية من وجوه الأول قوله عز وجل 2 وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك 2 فلما أخبر في هذه الآية
أن ذلك كان خالصا له دون غيره من المؤمنين مع إضافة لفظ الهبة إلى المرأة دل ذلك
أن ما خص به عليه السلام من ذلك إنما هو استباحة البضع بغير بدل لأنه لو كان
المراد اللفظ لما شاركه فيه غيره لأن ما كان مخصوصا به وخالصا له فغير جائز أن
يقع بينه وبين غيره فيه شركة حتى نساويه فيه إذ كانت مساواتهما في الشركة تزيل
معنى التخصيص فلما أضاف لفظ الهبة إلى المرأة فأجاز العقد منها بلفظ الهبة
علمنا أن التخصيص لم يقع في اللفظ وإنما كان في المهر
فإن قيل قد شاركته في حق جواز تمليك البضع بغير عوض ولم يمنع ذلك
خلوصها له فكذلك في لفظ العقد
قيل له هذا غلط لأنه تعالى أخبر أنها خالصة وإنما جعل الخلوص فيما هو
له وإسقاط المهر في العقد ليس لها ولكنه عليها فلم يخرجه ذلك من أن يكون
ما جعل له خالصا لم تشركه فيه المرأة ولا غيرها
والوجه الثاني 2 إن أراد النبي أن يستنكحها 2 فسمى العقد بلفظ الهبة
نكاحا فوجب أن يكون الكل واحدا إلا أن يقوم دليل الخصوص ثم لما أشبه
عقد النكاح عقود التمليكات إذ كان التوقيت يفسده وجب أن _ يجوز بلفظ
التمليك والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:655(2/655)
*** ج2/ص656
باب
يصح مباشرة المرأة العاقلة البالغة
الحرة نكاح نفسها دون إذن وليها
لقوله تعالى 2 فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره 2
وقوله تعالى 2 فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف 2 وجه الدلالة أنه أضاف النكاح إليهن ولو لم يكن لهن حق في تزويج أنفسهن
لما نهى الولي عن حبسهن عن التزويج مع أنه قيل إن الخطاب للأزواج
لأنهم كانوا يطلقون فيراجعون كلما قرب انقضاء العدة لا عن حاجة لتطول العدة
عليها والمعنى أن ينكحن أزواجهن الذين يرغبون فيهن ويصلحون لهن
وأخرج مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:656(2/656)
*** ج2/ص657
صماتها وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة
تستأمر وصمتها إقرارها وأخرجه البخاري
فإن قيل فقد روى الترمذي عن الزهري عن عروة عن عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها
باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من
فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ثم يقول إنما نهى
الولي عن العضل إذا تراضوا بينهم بالمعروف فدل ذلك على أنه ليس بمعروف
إذا عقد غير الولي
قيل له قال الترمذي وقد تكلم بعض أهل الحديث في حديث الزهري
قال ابن جريج ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره فضعفوا هذا الحديث من أجل
هذا
فإن قيل وقد قال الترمذي وهذا حديث حسن وذكر عن يحيى بن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:657(2/657)
*** ج2/ص658
معين أنه قال لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم يعني
ابن علية قال يحيى بن معين وسماع إسماعيل عن ابن جريج ليس بذاك إنما
صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد
قيل له ومن أين ثبت له الحسن وقد أنكره الزهري وقول ابن معين سماع
إسماعيل من ابن جريج ليس بذاك لا يوجب سقوط حديثه
فإن قيل إنكاره لا يتعين للتكذيب بل يحتمل أنه رواه فنسيه إذ كل
محدث لا يحفظ كل ما رواه
قيل له وإذا احتمل التكذيب والنسيان فلا يبقى فيه حجة
ثم نقول لمن احتج بهذا الحديث أنت تقول بمفهوم الخطاب ومفهوم
هذا يقتضي صحة النكاح بإذن الولي فلم لا تقول به
فإن قال أنا لا أقول بالمفهوم في كل حديث كان منطوقه على الغالب
المعتاد إذ الحامل على إثبات مفهوم الخطاب طلب باعث للمتكلم على تخصيص
إحدى الحالتين بالذكر بعد اجتماعهما في الذهن ونكاح المرأة بإذن وليها وبغير إذنه
لا يجتمع في الذهن إذ الغالب أن المرأة لا تباشر النكاح بنفسها إلا بغير إذن وليها
فلم تجتمع في الذهن حالتان يدل انقطاع إحداهما بإثبات الحكم على
افتراقهما فيه
قيل له لا نسلم أن الاجتماع في الذهن موقوف على تساوي الوقوع في الخارج
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:658(2/658)
*** ج2/ص659
بل على نفس الوقوع إذ الذهن يتصور الغالب والنادر ألا ترى إلى اجتماع السائمة
والمعلوفة في الذهن وإن كان الغالب هو الأسامة في أغلب البقاع أو نقول يحتمل
أن يكون المراد نكحت غير كفء وهو السابق إلى الفهم عند سماع نكاح المرأة إذ
لو كانت راغبة في كفء لفوضت أمرها إلى الولي ويتأيد بتعليله بعدم إذن الولي
فليحمل على صورة يظهر منها غرض الولي وهو فوات الكفاءة وقوله
فنكاحها باطل أي سيبطل باعتراض الولي فهو تعبير بالناجز في الحال عما إليه
المصير في المآل كقوله تعالى 2 إنك ميت وإنهم ميتون 2 وتقدير الكلام أيما امرأة
نكحت غير كفء بغير إذن وليها فنكاحها سيبطل باعتراض الولي
قال الطحاوي ثم لو ثبت هذا عن الزهري لكان قد روي عن عائشة
رضي الله عنها ما يخالف ذلك
قال حدثنا يونس عن ابن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن من
المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام فلما قدم عبد الرحمن قال
أمثلي يصنع به هذا و يفتات عليه فكلمت عائشة المنذر فقال المنذر إن
ذلك بيد عبد الرحمن فقال عبد الرحمن ما كنت أرد أمرا قضيتيه فقرت حفصة
عنده ولم يكن ذلك طلاقا فلما كانت عائشة قد رأت أن تزويجها بنت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:659(2/659)
*** ج2/ص660
عبد الرحمن بغير أمره جائزا وذلك العقد مستقيما حين أجازت فيه التمليك
الذي لا يكون إلا عن صحة النكاح وثبوته استحال عندنا أن تكون ترى ذلك
وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي فثبت بذلك فساد
ما نسب إلى الزهري
وأما الاعتراض على الآية فنقول قد علمنا أن المعروف مهما كان من
شيء فغير جائز أن يكون عقد الولي وذلك لأن في نص الآية جواز عقدها ونهي الولي
عن منعها فغير جائز أن يكون معنى المعروف أن لا يجوز عقدها لما فيه من نفي
موجب الآية وذلك لا يكون إلا على وجه النسخ ومعلوم امتناع جواز الناسخ
والمنسوخ في خطاب واحد لأن النسخ لا يجوز إلا بعد استقرار الحكم والتمكن من
الفعل فثبت بذلك أن المعروف المشروط بتراضيهما ليس هو الولي وأيضا
فإن الباء تصحب الإبدال وإنما انصرف ذلك إلى مقدار المهر وهو أن يكون مهر مثلها
لا نقص فيه
فإن قيل إنما أراد بذلك اختيار الأزواج وأنه لا يجوز العقد عليها إلا بإذنها
قيل له هذا غلط من وجهين أحدهما عموم اللفظ في اختيار الأزواج وفي
غيره والثاني اختيار الأزواج قد ذكر مع العقد بقوله 2 إذا تراضوا بينهم بالمعروف 2
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:660(2/660)
*** ج2/ص661
فإن قيل قد روى الترمذي عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن
أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي
قيل له قد قطعه شعبة والثوري وهما أحفظ وأثبت من جميع من روى هذا
الحديث عن أبي إسحاق
فإن قيل إنهما سمعاه في مجلس واحد وغيرهما سمعه في مجالس فكان أولى
يدل على ذلك ما روى الترمذي عن شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل
أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي قال
نعم
قيل له هب أن هذا يدل على أنهما سمعاه في مجلس واحد فما الدليل على أن
أولئك سمعوه في مجالس مختلفة ثم نقول اتفق أصحاب أبي إسحاق كلهم إلى أن
بلغوا به أبا بردة واختلفوا فيمن فوقه والأصل عدم السماع فلا يثبت بالشك
فإن قيل فقد رفعه بشر بن منصور عن سفيان عن أبي بردة
قيل له قال الترمذي وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن
أبي بردة عن أبي موسى ولا يصح فكيف يجوز لك أن تعارضنا بمثل هذا وأنت
إذا احتججت علينا بمثل ما احتججنا به عليك وعارضناك بمثل ما عارضتنا به
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:661(2/661)
*** ج2/ص662
نسبتنا إلى الجهل بالحديث أترى من سوغ لك هذا ولم يسوغه لنا إن الإنصاف لمن
شيم الأشراف
قال الطحاوي رحمه الله ولكني أقول لو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا نكاح إلا بولي لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون الولي هو أقرب عصبة
ويحتمل أن يكون من توليه المرأة من الرجال وإن كان بعيدا ويحتمل أن يكون هو
الذي إليه ولاية البضع من والد الصغيرة أو مولى الأمة أو بالغة حرة بنفسها
فيكون ذلك على أنه ليس لأحد أن يعقد نكاحا على بضع إلا ولي ذلك البضع وهو
جائز في اللغة قال الله تعالى 2 فليملل وليه بالعدل 2 قيل ولي الحق هو
الذي له الحق
وإذا احتمل الحديث هذه التأويلات انتفى أن يصرف إلى بعضها دون بعض
إلا بدلالة تدل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع
وقد روى الطحاوي عن أم سلمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بعد
وفاة أبي سلمة فخطبني إلى نفسي فقلت يا رسول الله إنه ليس أحد من أوليائي
شاهدا فقال إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت قم يا عمر
فزوج النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها وعمر يومئذ طفل صغير غير بالغ
قلت كان لعمر بن أم سلمة لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين ذكره
محمد بن سعد في الطبقات والصغير لا ولاية له وقد ولته هي أن يعقد النكاح عليها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:662(2/662)
*** ج2/ص663
ففعل فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم جائزا وكان عمر بتلك الوكالة قام مقام من وكله
فصارت أم سلمة كأنها عقدت النكاح على نفسها فعدم انتظاره صلى الله عليه وسلم حضور أوليائها
دليل أن بضعها إليها دونهم ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بكل مؤمن من نفسه في أن
يعقد عليه عقدا بغير أمره لكانت وكالة عمر من قبله لا من قبل أم سلمة لأنه هو
وليها فلما لم يكن كذلك دل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ملك ذلك البضع بإذن
أم سلمة لا بحق ولاية كانت له عليه السلام عليها في بضعها ولو كان أولى بها لم يقل
إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك ولقال لها أنا وليك دونهم
فإن قيل فقد روى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي
تزوج نفسها
وعنه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكح
المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها إن التي تنكح نفسها هي البغي
قيل له في الحديث الأول جميل وفي الثاني مسلم بن أبي مسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:663(2/663)
*** ج2/ص664
غير معروفين والمجهول إنما يقبل عندنا إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه وقد عارضه
من الصحيح ما رويناه في أول الباب وإن صح حملناه على الكراهة مع أنه بين
الخطأ بإجماع المسلمين لأن تزويجها نفسها ليس بزنا عند أحد من المسلمين والوطء
غير مذكور فيه فإن حملته على أنها زوجته نفسها ووطئها الزوج فهذا أيضا
لا خلاف أنه ليس بزنا لأن من لا يجيزه إنما جعله نكاحا فاسدا يوجب
المهر والعدة ويثبت به النسب قالوا وقد ذكر أن قوله إن الزانية هي التي
تنكح نفسها من قول أبي هريرة رضي الله عنه والله أعلم
باب
لا يجوز للولي إجبار البكر البالغ على النكاح
لقوله عليه السلام الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في
نفسها فلما كانت الأيم في هذا الحديث هي التي أحق بنفسها من وليها
أي ولي كان كانت البكر المقرونة إليها كذلك
قال الدراقطني عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس للأب مع الثيب أمر والبكر تستأمر وإذنها
صماتها
فإن قيل في سند هذا الحديث يحيى بن عبد الحميد الحماني
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:664(2/664)
*** ج2/ص665
قيل له قال يحيى بن معين الحماني صدوق مشهور بالكوفة مثله ما يقال فيه
إلا من حسد فالبكر المذكورة في هذا الحديث هي البكر ذات الأب كما أن
الثيب المذكورة فيه كذلك
فإن قيل فقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة تستأمر في نفسها فإن صمتت فهو إذنها وإن أبت
فلا جواز عليها
وروى الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
الثيب أحق بنفسها من وليها ولا يخفى وجه الاستدلال بمفهوم الخطاب
قيل له أما الحديث الأول فهو مثل قوله تعالى 2 وربائبكم اللاتي في حجوركم 2 وقوله عليه السلام من أعتق شقيصا له في عبد وكذلك
الحديث الثاني ولأنه إذا لم يدل المنظوم على استقلال الثيب بالتزويج فكيف يدل
المفهوم على استقلال الولي به
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:665(2/665)
*** ج2/ص666
باب
الواحد يتولى طرفي عقد النكاح ولاية ووكالة
وهو رواية عن أحمد بن حنبل رحمه الله وصورة المسألة ان يزوج ابن
ابنه بنت ابنه الآخر أو بنت عمه من ابن عمه الآخر أو بنت عمه من نفسه
وفي الوكالة أن توكله امرأة أن يزوجها من نفسه ويكون أصيلا ووكيلا في حقها
والذي يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية بنت حيي وجعل عتقها
صداقها ولم ينقل أنه ولاها غيره لأنه لم يكن لها ولي ولأنه إذا كان وليا وخاطبا
فقد صار كشخصين لاجتماع السببين في حقه فقد وجد حضور أربعة
باب
في النكاح الموقوف
قوله تعالى 2 وأنكحوا الأيامى منكم 2 فيه دليل واضح على صحة
العقد الموقوف إذ لم تخص الآية بذلك الأولياء دن غيرهم وكل واحد من
الناس مندوب إلى تزويج الأيامى المحتاجين فإن تقدم من المعقود عليهم أمر فهو
نافذ وكذلك إن كانوا ممن يجوز عقدهم عليهم فهو نافذ مثل الصبي والمجنون
وإن لم يكن لهم ولاية ولا أمر فعقدهم موقوف على إجازة من يملك ذلك العقد
فقد اقتضت الآية جواز النكاح موقوفا على إجازة من يملكها لأن الأيامى ينتظم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:666(2/666)
*** ج2/ص667
اسم الرجال والنساء وهو في الرجال لم يرد بهم الأولياء دون غيرهم كذلك النساء
والرجل يقال له أيم والمرأة أيم وهو اسم للمرأة التي لا زوج لها والرجل الذي
لا امرأة له
قال الشاعر
وإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي
مدى الدهر ما لم تنكحي أتأيم
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما رأيت مثل من يحبس أيما بعد
هذه الآية فلما كان هذا الاسم شاملا للرجال والنساء وقد أضمر في الرجال
تزويجهم بإذنهم فوجب استعمال ذلك الضمير في النساء فلا يجوز للولي إجبار البالغ
على النكاح أيضا بمقتضى هذه الآية
باب
الزنا يثبت حرمة المصاهرة
قال الله تعالى 2 ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم 2 والنكاح حقيقة في الوطء
فإن قيل فقد روى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلال لا يفسده الحرام
وعنه عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يتبع المرأة حراما ثم ينكح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:667(2/667)
*** ج2/ص668
ابنتها أو يتبع الابنة حراما ثم ينكح أمها قال لا يحرم الحرام الحلال
قيل له في طريقي هذا الحديث عثمان بن عبد الرحمن القاضي الوقاصي
وقد قال يحيى بن معين ليس بشيء كان يكذب وقال البخاري ليس بشيء
وقال ابن حبان كان يروي عن الثقات الموضوعات
وقد روى الدارقطني عن عبد الله بن مسعود قال لا ينظر الله عز وجل
إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها لكن هذا حديث موقوف وفي سنده ليث
عن حماد وهما ضعيفان والله أعلم
باب
لا يصح النكاح إلا بالمال
قال الله تعالى 2 أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين 2
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:668(2/668)
*** ج2/ص669
فإن قيل وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها وزوج
النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي وهبت نفسها منه رجلا على سورة من القرآن
قيل له قوله صلى الله عليه وسلم إن حمل على ظاهره فذاك على السورة لا على تعليمها وإذا
كان على السورة فهو على حرمة السورة وليس من المهر في شيء كما تزوج أبو طلحة
أم سليم على إسلامه
الطحاوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا طلحة تزوج أم سليم
على إسلامه فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فحسنه فلم يكن ذلك الإسلام مهرا في
الحقيقة وإنما معنى تزوجها على إسلامه أنه تزوجها لإسلامه وقد زاد بعضهم
في هذا الحديث ما كان لها مهر غيره ومعنى ذلك والله أعلم ما أرادت منه مهرا
غيره وكذلك حديث المرأة التي ذكرنا
والذي يؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتعوض بالقرآن شيء من عوض
الدنيا ويجوز أن يكون الله عز وجل أباح لرسوله صلى الله عليه وسلم ملك البضع بغير صداق
وأباح له تمليك غيره ما كان له ملكه بغير صداق فيكون ذلك خالصا للنبي صلى الله عليه وسلم كما
قال الليث لا يجوز بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بالقرآن والدليل على ذلك أن
المرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقال رجل
يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ولم يذكر في الحديث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:669(2/669)
*** ج2/ص670
أنه عليه السلام شاورها في نفسها ولا أنها قالت زوجني منه وفي هذا دليل على أن
تزويجها منه إنما كان بالقول الأول وذلك كان خالصا للنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك نقول في
جعل العتق صداقا أنه كان مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لما بينا أنه كان له أن يتزوج بغير صداق
وقصة موسى مع شعيب عليهما السلام إنما فيها شرط منافعه لشعيب عليه
السلام وهو بمنزلة من تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا وشرط لوليها منافعه مدة
ويحتمل أن تكون تلك الشريعة كان فيها حل النكاح من غير بدل
تستحقه المرأة ثم نسخ بشريعتنا والله أعلم
باب
لا يصح النكاح إلا بمال مقدر وأقل ما يقدر به عشرة دراهم والمعتمد في
ذلك قوله تعالى في قصة الواهبة نفسها 2 خالصة لك من دون المؤمنين 2
فلو لم يقيد في نكاح غيره بالمهر كان التخصيص باطلا والآخر قوله تعالى 2 وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم 2 والحل المستثنى عن الأصل بقيد لا يوجد
دونه والآخر أن الزوجين لو توافقا على نفي المهر لزم المهر إما بالعقد وإما
بالوطء فثبت أن المهر حق لله تعالى وإذا ثبت أنه حق لله وجب أن يكون مقدرا
حتى يمكن امتثاله كسائر حقوقه فإن الحق إذا كان لواحد منا أمكن أن يراجع في
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:670(2/670)
*** ج2/ص671
الزيادة النقصان وأما حقوق الله تعالى ما لم تتقدر لا يمكن امتثالها كالصوم
والصلاة والحدود والزكاة ثم أقل ما يقدر به عشرة دراهم لأنه إنما وجب
إظهارا لشرف البضع فيقدر بما له خطر في الشرع وهو عشرة دراهم استدلالا
بنصاب السرقة عندنا وهكذا قال مالك رحمه الله أن النكاح لا يجوز إلا بمقدار
نصاب السرقة عنده ولهذا قال الدراوردي تعزفت يا أبا عبد الله أي قلت
بمذهب أهل العراق
وقد ورد حديث شد ما ذهبنا إليه وإن كان فيه كلام وهو ما روى
الدارقطني عن مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطأة عن عطاء عن جابر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكحوا النساء إلا من الأكفاء ولا يزوجهن إلا
الأولياء ولا مهر أقل من عشرة ويروى موقوفا على علي رضي الله عنه
فإن قيل فقد روى أبو داود عن موسى بن مسلم بن رومان عن أبي الزبير عن
جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا
أو تمرا فقد استحل
قيل له قال أبو داود رواه عبد الرحمن بن مهدي عن صالح بن رومان
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:671(2/671)
*** ج2/ص672
عن أبي الزبير عن جابر موقوفا وهو محمول على المتعة والمتعة منسوخة
ويؤيد هذا التأويل ما روى أبو داود عن صالح بن رومان عن
أبي الزبير عن جابر قال كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتمتع بالقبضة من
الطعام على معنى المتعة والله أعلم
باب
فيمن تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا
أبو داود عن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه أتي في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق
قال فاختلفوا إليه شهرا أو قال مرات قال فإني أقول فيها إن لها صداقا كصداق
نسائها لا وكس ولا شطط وإن لها الميراث وعليها العدة فإن يك صوابا
فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان فقام ناس من
أشجع فيهم الجراح وأبو سنان فقالوا يا ابن مسعود نحن نشهد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم
قضاها فينا في بروع بنت واشق وأن زوجها هلال بن مرة الأشجعي كما قضيت
قال ففرح بها عبد الله بن مسعود فرحا شديدا حين وافق قضاؤه قضاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يقول الثوري وأحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:672(2/672)
*** ج2/ص673
باب
الخلوة الصحيحة توجب كمال المهر
الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق وروى زرارة بن
أبي أوفي قال قال الخلفاء الراشدون من تزوج امرأة وأغلق بابا وأرخى سترا
وجب المهر كاملا دخل بها أو لا وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل وهو مروي عن
زيد بن ثابت وابن عمر ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم والله
أعلم
باب
إذا خرجت امرأة الحربي إلينا مسلمة أو قابلة
عقد الذمة بانت ويجوز لها أن تتزوج ولا عدة عليها
قال الله تعالى 2 ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن 2
فأباح نكاحهن من غير عدة وقال في نسق التلاوة 2 ولا تمسكوا بعصم الكوافر 2 والعصمة المنع فحظر الامتناع من نكاحها لأجل زوجها
الحربي والكوافر يجوز أن يتناول الرجال وظاهره في هذا الموضع الرجال
لأنه في ذكر المهاجرات وأيضا أباح النبي صلى الله عليه وسلم نكاح المسبية بعد الاستبراء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:673(2/673)
*** ج2/ص674
بحيضة والاستبراء ليس بعدة لأنه عليه السلام قال عدة الأمة حيضتان
والمعنى فيها وقوع الفرقة باختلاف الدارين والله أعلم
باب
إذا أسلم الرجل وتحته أكثر من أربع نسوة
فإن كان تزوجهن معا فسد نكاح الكل وإن كان متفرقا فنكاح الأولى
صحيح ويفرق بينه وبين سائرهن وإن أسلم وتحته أختان إن كان تزوجهما معا
فسد نكاحهما وإن كان متفرقا فسد نكاح الثانية لأن الجمع بين الأختين حرام
بالنص وبين الخمس حرام بالإجماع
وروى الطحاوي عن سعيد عن قتادة قال يأخذ الأولى والثانية والثالثة
والرابعة
فإن قيل روى الترمذي عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم
وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا
وعنه عن أبي وهب الجيشاني أنه سمع ابن فيروز الديلمي يحدث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:674(2/674)
*** ج2/ص675
عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان
فقال صلى الله عليه وسلم اختر أيتهما شئت
قيل له قال الترمذي سمعت محمد بن إسماعيل يقول هذا حديث غير
محفوظ قال محمد وإنما حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا من ثقيف طلق
نساءه فقال له عمر لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال ثم
نقول لو صح هذا الحديث لم يكن فيه حجة لمن يخالفنا لأن تزويج غيلان لتلك
النسوة إنما كان في الجاهلية في وقت كان تزويج ذلك العدد جائزا والنكاح عليه
ثابتا ولم يكن للواحدة حينئذ من ثبوت النكاح إلا ما للعاشرة مثله ثم
أحدث الله عز وجل حكما آخر وهو تحريم ما فوق الأربع فكان ذلك حكما طارئا
طرأت به حرمة حادثة على ذلك النكاح فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك من النساء
العدد الذي أباحه الله تعالى ويفارق ما سوى ذلك كرجل له أربع نسوة طلق
منهن واحدة فحكمه أن يختار واحدة للطلاق ويمسك الباقي وهذا هو الجواب
عن حديث الضحاك بن فيروز الديلمي
باب
في إسلام أحد الزوجين
الطحاوي عن داود بن كردوس قال كان رجل منا من بني تغلب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:675(2/675)
*** ج2/ص676
نصراني تحته امرأة نصرانية فأسلمت فرفعت إلى عمر فقال له عمر أسلم وإلا
فرقت بينكما فقال لو لم أدع إلا استحياء من العرب أنهم يقولون أسلم على بضع
امرأة لفعلت قال ففرق عمر رضي الله عنه بينهما
الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد
ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد وهذا في إسناده
مقال
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي
العاص بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحا هذا حديث ليس
بإسناده بأس
قال محمد بن الحسن رحمه الله إنما جاء اختلافهم أن الله عز وجل إنما حرم
أن ترجع المؤمنات إلى الكفار في سورة الممتحنة بعدما كان ذلك حلالا جائزا فعلم
ذلك جد عمرو بن شعيب ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد رد زينب على أبي العاص
بعدما كان علم حرمتها عليه بتحريم الله عز وجل المؤمنات على الكفار فلم يكن
ذلك عنده إلا بنكاح جديد فقال ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد ولم يعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:676(2/676)
*** ج2/ص677
عبد الله بن عباس بتحريم الله المؤمنات على الكفار حين علم برد النبي صلى الله عليه وسلم زينب على
أبي العاص فقال ردها عليه بالنكاح الأول لأنه لم يكن عنده بين إسلامه
وإسلامها فسخ للنكاح الذي كان بينهما قال أبو جعفر وقد أحسن محمد في
هذا والله أعلم
باب
إذا عجز رجل عن نفقة امرأته لا يفرق بينهما
قال الله تعالى 2 لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها 2 فإذا لم يقدر على النفقة
لا يكلفه الله الإنفاق في هذه الحالة وإذا لم يكلف الإنفاق في هذه الحالة لم يجز التفريق
بينه وبين امرأته لعجزه عن نفقتها فلا يجوز إجباره على الطلاق من أجلها لأن فيه
إيجاب التفريق بشيء لم يجب وأيضا إنما أراد أن لا يكلفه ما لا يطيق ولم يرد
أن يكلف كل ما يطيق لأن ذلك مفهوم من خطاب الآية
وقوله تعالى 2 سيجعل الله بعد عسر يسرا 2 يدل على أنه لا يفرق بينهما من
أجل عجزه عن النفقة لأن المعسر يرجى له اليسار وليس في قوله تعالى
2 فتعالين أمتعكن وأسرحكن 2 دليل على جواز التفريق لأن الله تعالى علق اختيار
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:677(2/677)
*** ج2/ص678
النبي صلى الله عليه وسلم لفراقهن بإرادتهن الحياة الدنيا وزينتها ومعلوم أن من أراد من نسائنا الحياة
الدنيا وزينتها لم يوجب ذلك تفريقا بينها وبين زوجها فلما كان السبب الذي
أوجب الله به التخيير المذكور في الآية غير موجب للتخيير في نساء غيره لم يكن فيه
دلالة على جواز التفريق بين امرأة العاجز عن النفقة وبينه وأيضا فإن اختيار
النبي صلى الله عليه وسلم الآخرة دون الدنيا وإيثاره للفقر دون الغنى لم يوجب أن يكون عاجزا
عن نفقة نسائه لأن الإنسان قد يقدر على نفقة نسائه مع كونه فقيرا ولم
يدع أحد من الناس ولا روي أنه عليه إسلام كان عاجزا عن نفقة نسائه بل كان
يدخر لهن قوت سنة
باب
القسم بين الزوجات
الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه
فيعدل ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك
يعني في الحب والمودة
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كانت عند الرجل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:678(2/678)
*** ج2/ص679
امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط
الطحاوي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لما بنى بها
وأصبحت عنده إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي فلما قال لها
النبي صلى الله عليه وسلم ما قال أي أعدل بينك وبينهن فأجعل لكل واحدة منهن سبعا كما
أقمت عندك سبعا كان كذلك إذا جعل لها ثلاثا
فإن قيل فقد روي أنه عليه السلام قال لها ليس بك على أهلك هوان إن
شئت سبعت لك وإلا فثلثت ثم أدور
قيل له يحتمل أن يكون ثم أدور بالثلاث عليهن جميعا لأنه لو كان
الثلاث حقا لها دون سائر النساء لكان إذا أقام عندها سبعا كانت ثلاث منهن غير
محسوبة عليها ولوجب أن يكون لسائر النساء أربع أربع فلما كان الذي للنساء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:679(2/679)
*** ج2/ص680
إذا أقام عندها سبعا سبعا لكل واحدة كان كذلك إذا أقام عندها ثلاثا
لكل واحدة منهن ثلاث هذا هو النظر الصحيح مع استقامة تأويل الآثار والله
أعلم
باب
إذا تزوج امرأة بشرط أن يحللها
فالنكاح مكروه وإن وطئها حلت للأول
الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل
له قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
وجه الاستدلال بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه محللا ثم إن الله تعالى
جعل نكاح الثاني غاية لتحريم الأول فإذا وجدت الغاية ارتفع الحكم الممدود إليها
وإن كان مذموما عليها
فإن قيل فقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لا أوتى بمحلل ولا
محللة إلا رجمتهما
قيل له إنما قال هذا على سبيل التغليظ وإلا فقد صح أنه وضع الحد عن من
وطئ فرجا حراما قد جهل تحريمه وعذره فبالتأويل أولى ولا خلاف أنه
لا رجم عليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:680(2/680)
*** ج2/ص681
باب
إذا طلقت امرأة تطليقتين ثم تزوجت وطلقت
ورجعت إلى الأول رجعت بثلاث تطليقات
وهذا مذهب ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وإليه ذهب عطاء
والنخعي
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية وكيع عن الأعمش عن
إبراهيم أنه قال كان أصحاب عبد الله يقولون أيهدم الزوج الثاني الثلاث ولا يهدم
الواحدة والاثنتين
باب
قليل الرضاع محرم ولو كان مصة
قال الله تعالى 2 وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة 2
فإن قيل روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان فيما أنزل الله
من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن فتوفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:681(2/681)
*** ج2/ص682
قيل له هذا لفظه منسوخ فمن الجائز أن يكون قد نسخ حكمه بل الظاهر
أنه إذا نسخ اللفظ أن ينسخ الحكم وقولها فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من
القرآن مجاز عن قرب النسخ من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب مالك بن
أنس والثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع رضي الله عنهم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:682(2/682)
*** ج2/ص683
كتاب الطلاق
باب
الطلاق مكروه
أبو داود عن محارب بن دثار عن ابن عمر رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق
باب
الطلاق في الحيض كيف هو
أبو داود عن سالم عن أبيه أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك
عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال مره فليراجعها ثم ليمسكها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:683(2/683)
*** ج2/ص684
حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمس فذلك الطلاق
للعدة كما أمر الله عز وجل
رجح أبو جعفر الأخذ بهذا الحديث لما فيه من الزيادة على غيره
باب
الخلع طلاق
القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال عدة
المختلعة عدة المطلقات فدل على أن الخلع طلاق وإليه ذهب علي
وابن مسعود وعثمان بن عفان رضي الله عنهم وبه قال الحسن وإبراهيم النخعي
وعطاء وسعيد بن المسيب وشريح والشعبي ومجاهد ومكحول وسفيان
الثوري ومالك بن أنس رحمهم الله
فإن قيل فقد روي أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فأمرها
النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:684(2/684)
*** ج2/ص685
قيل له كان هذا أول خلع وقع في الإسلام فيحتمل أن يكون منسوخا بقوله
تعالى 2 والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء 2
باب
المختلعة يلحقها صريح الطلاق
قال الله تعالى 2 فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره 2 وجه الاستدلال بهذه الآية أن الله تعالى شرع صريح الطلاق بعد المفاداة لأن الفاء حرف
تعقيب فبعيد أن يرجع إلى قوله 2 الطلاق مرتان 2 بل الأقرب عوده إلى ما يليه
كما في الاستثناء ولا يعود على ما تقدم إلا بدليل كما أن قوله تعالى 2 وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن 2 صار مقصورا على ما يليه غير
عائد على ما تقدم حتى لا يشترط الدخول في أمهات النساء وبهذا يقول
سعيد بن المسيب وشريح وطاوس والنخعي وحماد والثوري
باب
طلاق الأمة تطليقتان
أبو داود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال طلاق
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:685(2/685)
*** ج2/ص686
الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان قال أبو داود هذا حديث مجهول وقال
الترمذي حديث غريب والعمل على هذا عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول
سفيان الثوري وأحمد وإسحاق رحمهم الله
باب
الطلاق المضاف إلى الملك صحيح
قال الله تعالى 2 ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين 2 الآية فهذا دليل على أن النذر المضاف إلى الملك إيجاب في الملك
وإن لم يكن موجودا في الحال وقد جعله الله نذرا في الملك وألزمه الوفاء به
فكذا هذا إذ لا فرق بينهما والخلاف فيهما واحد
فإن قيل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق
له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك
قيل له هذا ليس بطلاق بل هو تعليق للطلاق والتعليق ليس بطلاق في
الحال فلا يشترط لصحته قيام الملك وقد روي عن إبراهيم النخعي والشعبي
وغيرهما أنه إذا وقت ترك
وقال مالك بن أنس رضي الله عنه إذا سمى امرأة بعينها أو وقت وقتا
أو قال إن تزوجت من كورة كذا فإنها تطلق وهؤلاء أئمة الحديث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:686(2/686)
*** ج2/ص687
باب
طلاق المكره واقع
مسلم عن أبي الطفيل عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال
ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل فأخذنا كفار قريش
فقالوا إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده مما نريد إلا المدينة قال
فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة وما نقاتل معه فأتينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين بالله عليهم
فلما منعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حضور بدر لاستحلاف المشركين القاهرين لهما
على ما استحلفوهما عليه ثبت بذلك أن الحلف على الطواعية والإكراه سواء وكذا
العتاق والطلاق
وأما قوله عليه السلام تجاوز الله لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه قال أصحابنا هو على الشرك خاصة لأن القوم كانوا حديث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:687(2/687)
*** ج2/ص688
عهد بالكفر في دار كانت دار كفر فكان المشركون إذا قدروا
عليهم استكرهوهم على الإقرار بالكفر فيقرون بذلك بألستنهم كما فعلوا ذلك
بعمار بن ياسر وبغيره من الصحابة رضي الله عنهم فنزل فيهم إلا من أكره وقلبه
مطمئن بالإيمان وربما سهوا فتكلموا بما جرت عليهم عادتهم قبل الإسلام
وربما أخطأوا فتكلموا بذلك فتجاوز الله عز وجل عن ذلك لأنهم كانوا غير مختارين
ولا قاصدين ذلك
والخطأ ما أراد الرجل غيره ففعله لا عن قصد منه إليه
والسهو ما قصد إليه بفعله على القصد منه إليه على أنه ساهي عن
المعنى الذي يمنعه من ذلك الفعل
وقد أجمعوا على أن من نسي أن تكون له زوجة فقصد إليها فطلقها أن طلاقها
واقع ولم يبطلوا طلاقه بسهوه ولم يدخل هذا السهو في السهو المعفو عنه فكذلك
الإكراه
وروى الطحاوي عن أبي سنان قال سمعت عمر بن عبد العزيز
يقول طلاق المكره والسكران واقع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:688(2/688)
*** ج2/ص689
باب
إذا تزوجت الأمة بإذن مولاها ثم أعتقت
فلها الخيار حرا كان زوجها أو عبدا
الترمذي عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان زوج بريرة حرا فخيرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حديث حسن صحيح
فإن قيل روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه أن زوج بريرة
كان عبدا أسود يسمى مغيثا فخيرها - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأمرها أن تعتد
وعن عروة عن عائشة في قصة بريرة قالت كان زوجها عبدا فخيرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها ولو كان حرا لم يخيرها
قيل له قد اختلفت الرواية عن عائشة في زوج بريرة وما كان وصفه
حين عتقت فبعض الرواة أخبر أنه كان حرا وبعضهم أخبر أنه كان عبدا وقوله في
حديث عروة عن عائشة ولو كان حرا لم يخيرها يجوز أن يكون من كلام عروة
ويجوز أن يكون من كلام عائشة فإذا احتمل هذا واحتمل هذا لم يبق فيه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:689(2/689)
*** ج2/ص690
حجة وبقي قولها كان عبدا وقولها كان حرا متعارضين
ووجه التوفيق أنه يحتمل أنه أعتق قبيل عتقها فيصدق عليه أنه كان عبدا
وأنه كان حرا ولا يمكن التوفيق بالعكس فكان ما ذهبنا إليه أولى
باب
إذا قال لامرأته اختاري أو اختاري نفسك فقالت اخترت أو قال
اختاري فقالت اخترت نفسي فهي واحدة بائنة لأن قوله تعالى 2 إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا 2 يقتضي
تخييرهن بين الفراق وبين النبي صلى الله عليه وسلم لأن قوله 2 وإن كنتن تردن الله ورسوله 2 يدل على إضمار اختيارهن فراق النبي صلى الله عليه وسلم في قوله 2 إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها 2 إذ كان الشق الأخير من الاختيارين هو اختيار النبي صلى الله عليه وسلم وقوله 2 فتعالين أمتعكن 2 والمتعة إنما هي بعد اختيارهن الطلاق 2 وأسرحكن 2 أراد
إخراجهن من بيوتهن بعد الطلاق
وروي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا إن اختارت نفسها
فواحدة بائنة
قال الترمذي وذهب أكثر أهل العلم والفقه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن
بعدهم في هذا الباب إلى قول عمر وعبد الله وهو قول الثوري رحمهم الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:690(2/690)
*** ج2/ص691
باب
ولو قال لها اختاري فقالت أنا أختار نفسي طلقت لما روي في
حديث عائشة رضي الله عنها فإنها قالت بل أختار الله ورسوله واعتبره
النبي صلى الله عليه وسلم جوابا منها ولأنه لو قال أشهد أن لا إله إلا الله أو أشهد أن فلانا أقر
بكذا كما كان لو قال شهدت والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:691(2/691)
*** ج2/ص692
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:692(2/692)
*** ج2/ص693
كتاب اللعان
باب
لا يلاعن بنفي الولد
لأنه قد يجوز أن لا يكون حملا
لأن ما يظهر من المرأة مما يتوهم به أنها حامل لا يعلم أنه حمل حقيقة إنما
هو توهم ونفي المتوهم لا يوجب اللعان
فإن قيل فقد روي أنه عليه السلام لاعن بالحمل
قيل له هذا حديث مختصر اختصره الذي رواه فغلط فيه وأصله حديث
عويمر العجلاني وقد كان قذف امرأته بالزنا فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وكانت
حبلى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:693(2/693)
*** ج2/ص694
فإن قيل قوله عليه السلام فإن جاءت به كذا فهو لزوجها وإن جاءت به
كذا فهو لفلان دليل على أن الحمل هو المقصود بالقذف واللعان
قيل له لو كان اللعان بالحمل لكان منتفيا من الزوج غير لاحق به أشبه
أو لم يشبه ألا ترى أنها لو كانت وضعته قبل أن يقذفها فنفى ولدها وكان أشبه الناس
به أنه يلاعن بينهما ويفرق ويلزم الولد أمه ولا يلحق بالملاعن لشبهه
وفي هذا دليل على أن اللعان لم يكن ينفي الولد حال كونه حملا وقد قال أعرابي
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته فقال هل لك من
إبل قال نعم قال ما ألوانها قال حمر قال مه هل فيها من أورق قال إن
فيها لورقا قال فأنى ترى ذلك جاءها قال يا رسول الله عرق نزعها قال
فلعل هذا عرق نزعه فلما لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفيه لبعد شبهه منه
وكان الشبه غير دليل ثبت أن جعل النبي صلى الله عليه وسلم ولد الملاعنة من زوجها إن جاءت
به على شبهه دليل على أن اللعان لم يكن نفاه فثبت بهذا فساد قول من يرى
خلاف ذلك
باب
الولد للفراش
الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد
للفراش وللعاهر الحجر حديث حسن صحيح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:694(2/694)
*** ج2/ص695
فإن قيل في هذا دليل على أن نفي الولد لا يوجب اللعان
قيل له روى مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين وألزم الولد أمه وهذه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا نعلم شيئا نسخها ولا عارضها وعلى هذا إجماع الصحابة من بعده على
ما حكموا به في ميراث ابن الملاعنة فجعلوه لا أب له وجعلوه من قوم أمه
وأخرجوه من قوم الملاعن ثم على ذلك تابعوهم من بعدهم ثم لم يزل الناس على
ذلك فالقول عندنا في هذا على ما فعلوه
باب
لا تقع الفرقة بين المتلاعنين حتى يفرق الحاكم بينهما
الترمذي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لاعن رجل امرأته
وفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالأم
وصح عن سعيد بن جبير أنه قال سألت ابن عمر فقلت المتلاعنان
يفرق بينهما فقال لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فرق بينهما وفي آخر حديث عويمر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:695(2/695)
*** ج2/ص696
العجلاني فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن
أمسكتها فطلقها عويمر ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال مالك قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين ولو كانت
الفرقة تقع باللعان لما صح تفريقه ولا طلاقه
باب
الملاعن إذا كذب نفسه حد
وحل له التزويج بالملاعنة
لأن اللعان قد ارتفع لما أكذب نفسه بدليل لحوق النسب ووجوب الحد
فيعود حل النكاح
فإن قيل روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المتلاعنان لا يجتمعان أبدا
قيل له المراد به ما داما متلاعنين كقول القائل المصلي لا يتكلم والمتناكحان
والمتبايعان حكمهما كذا وكذا أي ما دام العقد بينهما
فإن قيل روي في بعض الأحاديث عن ابن عمر رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للذي لاعن امرأته لا سبيل لك عليها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:696(2/696)
*** ج2/ص697
قيل له إن الملاعن ظن أن له المطالبة بالمهر ولهذا قال في تمام الحديث لما قال
له لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت قد
صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك
منها وهذا في الصحيح
باب
إذا مضت أربعة أشهر ولم يفء إليها بانت منه بتطليقة من حين آلى وبه
يقول بعض أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مذهب سفيان الثوري
والمعتمد في ذلك قوله تعالى 2 للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر 2 والتربص الانتظار والفيء الرجوع والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:697(2/697)
*** ج2/ص698
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:698(2/698)
*** ج2/ص699
كتاب النفقات
باب
تجب النفقة للمبتوتة والسكنى في العدة كالمطلقة الرجعية
قال الله تعالى 2 أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن 2 فهذه الآية تضمنت الدلالة على جوب نفقة المبتوتة من ثلاثة
أوجه
أحدها أن السكنى لما كانت حقا في مال وقد أوجبها الله تعالى بنص الكتاب
إذ كانت الآية قد تناولت المبتوتة والرجعية اقتضى ذلك وجوب النفقة لأنها حق في
مال
والثاني أن المضارة تقع في النفقة كهي في السكنى
والثالث أن التضييق قد يكون في النفقة أيضا فعليه أن ينفق عليها ولا
يضيق عليها فيها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:699(2/699)
*** ج2/ص700
وقوله تعالى 2 وإن كن أولات حمل 2 انتظمت المبتوتة والرجعية ثم
لا تخلو هذه النفقة إما أن يكون وجوبها لأجل الحمل أو لأجل أنها محبوسة في بيته
والأول باطل لأنها لو كانت مستحقة لأجل الحمل لوجب إذا كان للحمل مال أن
ينفق عليه من ماله كما أن نفقة الصغير في مال نفسه وأيضا كان يجب في
الطلاق الرجعي نفقة الحامل إذا كان له مال في ماله كما أن نفقته بعد الولادة في
ماله وكان يجب أن تكون نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها في نصيب الحمل من
الميراث فلما اتفق الجميع على أن النفقة في مال الزوج بطل أن يكون وجوب النفقة
لأجل الحمل وتعين أن يكون لأجل أنها محبوسة في بيته وهذه العلة موجودة في
المبتوتة فوجب أن تجب لها النفقة
فإن قيل فما فائدة تخصيص الحامل بالذكر في إيجاب النفقة
قيل له قد دخلت فيه المطلقة الرجعية ولم يمنع ذلك وجوب النفقة لغير
الحامل وكذلك في المبتوتة وإنما ذكر الحمل لأن مدته قد تطول وقد تقصر فأراد
إعلامنا وجوب النفقة مع طول المدة التي هي في العادة أطول من مدة الحيض
فإن قيل روي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها البتة وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نفقة لك ولا سكنى
قيل له روى أبو داود عن أبي إسحاق السبيعي قال كنت في المسجد
الجامع مع الأسود فقال أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب فقال ما كنا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:700(2/700)
*** ج2/ص701
لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري أحفظت أم لا وأخرجه
مسلم والترمذي
قال الطحاوي وما احتج به عمر رضي الله عنه في دفع حديث فاطمة حجة
صحيحة وذلك أن الله عز وجل قال 2 يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن 2 ثم قال 2 لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا 2
وأجمعوا أن ذلك الأمر هو الرجعة ثم قال 2 أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم 2 و 2 لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن 2 يريد في العدة
فكانت المرأة إذا طلقها زوجها اثنتين للسنة على ما أمر الله عز وجل ثم راجعها ثم
طلقها أخرى للسنة حرمت عليه ووجبت عليها العدة التي جعل الله عز وجل لها
فيها السكنى وأمرها أن لا تخرج فيها وأمر الزوج أن لا يخرجها ولم يفرق الله بين
هذه المطلقة للسنة التي لا رجعة عليها وبين المطلقة للسنة التي عليها الرجعة فلما
جاءت فاطمة بنت قيس فروت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لها إنما السكنى لمن له
الرجعة عليها خالفت كتاب الله تعالى وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي
ما روى الطحاوي عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها
ثلاثا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا نفقة لك ولا سكنى فأخبرت بذلك النخعي فقال
أخبر عمر بن الخطاب بذلك فقال لسنا بتاركي آية من كتاب الله وقول رسوله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:701(2/701)
*** ج2/ص702
لقول امرأة لا ندري لعلها وهمت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها النفقة
والسكنى
وإن كان الحديث صحيحا فله وجه صحيح يستقيم على مذهبنا فيما روته
من نفي النفقة والسكنى وذلك روي أنها استطالت بلسانها على أحمائها فأمروها
بالانتقال فكانت سبب النقلة وقال الله تعالى 2 لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة 2 فلما كان سبب النقلة من جهتها كانت ناشزة
فسقطت نفقتها وسكناها جميعا فكانت العلة الموجبة لإسقاط النفقة هي الموجبة
لإسقاط السكنى
وهذا يدل على صحة أصلنا الذي قدمناه في أن استحقاق النفقة يتعلق
باستحقاق السكنى وإن كانت السكنى حق الله تعالى والنفقة حقها لكن لا فرق
بينهما من الوجه الذي وجب قياسها عليها وذلك أن السكنى فيها معنيان
أحدهما حق الله تعالى وهي كونها في بيت الزوج
والآخر حق لها وهو ما يلزم في المال من أجرة البيت إن لم يكن له ولو
رضيت بأن تعطي هي الأجرة من مالها وتسقطها عن الزوج جاز فمن حيث هي حق
في المال استويا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:702(2/702)
*** ج2/ص703
باب
الأقراء الحيض
لأنها لو كانت الأطهار - فإذا طلقها وهي طاهر فحاضت بعد ذلك بساعة
فحسب ذلك لها قرءا مع قرءين متتابعين - كان عدتها قرءين وبعض
قرء وإنما قال الله تعالى 2 ثلاثة قروء 2
فإن قيل فقد قال الله تعالى 2 الحج أشهر معلومات 2 والأشهر جمع
شهر وأقله ثلاثة ومع هذا فأشهر الحج شهران وبعض الثالث
قيل له لم يقل في الحج ثلاثة أشهر ولم يحصره بعدد فلذلك كان الأمر على
ما ترى وأما هذا فقد حصره بعدد فصار كقوله تعالى ك 2 إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر 2 وليس في إلحاق الهاء دليل على أن القرء الطهر لأن الشيء إذا كان له
اسمان مذكر ومؤنث فإذا جمع بالمذكر أثبت الهاء وإن جمع بالمؤنث أسقط الهاء فإذا
جمع بالحيضة سقطت الهاء فقيل ثلاث حيض وإذا جمع بالقرء أثبت الهاء فقيل ثلاثة
قروء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:703(2/703)
*** ج2/ص704
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:704(2/704)
*** ج2/ص705
كتاب الجنايات
باب
ليس في قتل العمد إلا القصاص
إلا أن يصطلح على مال
البخاري عن أنس أن الربيع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت
سنها فعرضوا عليهم الأرش فأبوا فطلبوا العفو فأبوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم
بالقصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال يا رسول الله أتكسر سن الربيع
والذي بعثك بالحق لا تكسر سنها قال يا أنس كتاب الله القصاص فعفا
القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره فثبت بهذا
الحديث أن الذي يجب بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في العمد هو القصاص لأنه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:705(2/705)
*** ج2/ص706
لو كان يجب للمجني عليه الخيار بين القصاص وبين أخذ الدية إذا لخيرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعلمها بما تختار من ذلك ولما حكم لها بالقصاص بعينه وإذا كان
كذلك وجب أن يحمل قوله عليه السلام لما فتح مكة فمن قتل له بعد مقالتي هذه
قتيل فأهله بين خيرتين إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا أخذوا الدية
وفي حديث آخر من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل
أو يودى على أخذ الدية برضى القاتل حتى تتفق معاني الآثار
ويؤيده ما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان في
بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة كتب عليكم
القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:706(2/706)
*** ج2/ص707
شيء فالعفو أن يقبل الدية في العمد فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان
أن يطلب هذا بمعروف ويؤدي هذا بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة مما
كتب على من كان قبلكم فمن اعتدى بعد ذلك قيل بعد قبول الدية فله
عذاب أليم
أو نقول التخيير من الشرع تجويز الفعلين وبيان المشروعية فيهما ونفي
الحرج عنهما كقوله عليه السلام في الربويات إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف
شئتم معناه تجويز البيع مفاضلة ومماثلة بمعنى دفع الحرج عنهما وليس فيه أن
يستقل به دون رضى المشتري كذا هنا بين جواز القصاص وجواز أخذ
الدية وليس فيه استقلاله ليستغنى عن رضى القاتل
فإن قيل تعليق الاستيفاء في الطرفين على اختياره دليل على الاستقلال فإذا
أوقفتموه على رضا القاتل فقد قلتم إن أحبوا ورضي الجاني أخذ العقل
وهو زيادة على النص فيكون نسخا عندكم
قيل له هب أنا أثبتنا زيادة على النص لكنها غير محذورة لأنها ثابتة بدليل مثل
الأصل أو أقوى منه أو نقول إنما اقتصر على ذكر المجني عليه لأن رضى الجاني
بالدية كالمفروغ منه إذ يبعد امتناعه بعد رضى القاتل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:707(2/707)
*** ج2/ص708
فإن قيل فما ذلك الدليل الذي هو مثل الأصل أو أقوى منه
قيل له الإجماع وهو أنا أجمعنا على أن الولي إذا قال للقاتل رضيت أن
آخذ دارك على أن لا أقتلك أنه يجب على القاتل فيما بينه وبين الله تعالى أن يسلم
الدار إليه ويحقن دمه وإن أبى لا يجبر على ذلك ولم نأخذ منه كرها
فإن قيل قد أخبر الله في هذه الآية أن للولي أن يعفو ويتبع القاتل
بإحسان فيأخذ الدية من القاتل وإن لم يكن اشترط ذلك في عفوه
قيل له العفو في اللغة البدل كخذ العفو أي ما سهل فإذا المعنى فمن بذل
له شيء من الدية فليقبل وليتبع بالمعروف ويحتمل أن يكون ذلك في الدم الذي
يكون بين جماعة فيعفو أحدهم فيتبع الباقون القاتل بحقهم من الدية
بالمعروف فهذه تأويلات قد تأولت العلماء هذه الآية عليها فلا حجة لبعض على
بعض فيها إلا بدليل آخر في آية أخرى متفق على تأويلها أو سنة أو إجماع
وقال الترمذي وقد روي عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
من قتل له قتيل فله أن يقتل أو يعفو أو يأخذ الدية فقد جعل عفو الولي غير أخذ
الدية فثبت بذلك إذا عفا فلا دية له وإذا كان لا دية له إذا عفا ثبت بذلك
أن الذي كان وجب له هو الدم وأن أخذه الدية التي أبيحت له هو بمعنى أخذها
بدلا عن القتل والأبدال لا تجب إلا برضى من تجب له ورضى من تجب عليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:708(2/708)
*** ج2/ص709
باب
من وجب عليه القود لا يقتل إلا بالسيف
الطحاوي عن ابن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي في جراح فأمرهم أن يستأنوا بها سنة
وعنه عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا يستقاد من الجرح حتى يبرأ
فإن قيل في الحديث الأول ابن أبي أنيسة
قيل له ذكر علي بن المديني عن يحيى بن سعيد أن ابن أبي أنيسة أحب
إليه في حديث الزهري من محمد بن إسحاق
الدارقطني عن جابر رضي الله عنه أن رجلا جرح فأراد أن يستقيد
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح
وعنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا طعن رجلا
بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدني قال حتى تبرأ ثم جاء إليه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:709(2/709)
*** ج2/ص710
فقال أقدني فأقاده ثم جاء إليه فقال يا رسول الله عرجت فقال قد نهيتك
فعصيتني فأبعدك الله عز وجل ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ
صاحبه ولو كان يفعل بالجاني كما فعل لم يكن للاستيناء معنى لأنه يجب على القاطع
قطع يده إن كانت جنايته قطعا يبرأ من ذلك المجني عليه غالبا وإن مات فلما
ثبت الاستيناء لننظر ما تؤول الجناية إليه ثبت بذلك أن ما يجب فيه القصاص هو
ما تؤول إليه الجناية لا غير وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان على كل
شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم
شفرته وليرح ذبيحته فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسنوا القتلة وأن يريحوا
ما أحل لهم ذبحه من الأنعام فما أهل قتله من بني آدم فهو أحرى أن يفعل به
ذلك وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل شيء من الدواب صبرا ولعن من اتخذ شيئا
فيه الروح غرضا فلا ينبغي لأحد أن يصبر أحدا لنهيه عليه السلام عن ذلك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:710(2/710)
*** ج2/ص711
فلو رمى إنسان إنسانا بسهم فقتله فنصبه ثم رماه بسهم دخل في نهيه عليه
السلام عن قتل الحيوان صبرا ولكن ينبغي أن يقتل قتلا ليس معه شيء من النهي
ألا ترى أن رجلا لو نكح رجلا فقتله بذلك أنه لا يجوز للولي أن يفعل ذلك
بالقاتل لأن نكاحه حرام ولكن له أن يقتله فكذلك صبره إياه حرام عليه ولكن
له قتله كما يقتل من حل دمه بردة أو غيرها ولأنه يؤدي إلى استيفاء الزيادة
لو لم يحصل المقصود بمثل ما فعل والقصاص يقتضي المساواة كما أن الساحر لا يقتل
إلا بالسيف فكذلك غيره
وروى الطحاوي عن جابر عن أبي عازب عن النعمان قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قود إلا بالسيف
فإن قيل فقد روي أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فأمر
النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين
قيل له فقد روى مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلا من اليهود
قتل جارية من الأنصار على حلي لها ثم ألقاها في القليب ورضخ رأسها بالحجارة
فأخذ فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:711(2/711)
*** ج2/ص712
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل ذلك اليهودي بغير ما قتل رجما لقتله
الجارية على ما ذكرنا في هذا الأثر وفيما تقدم من الأثر رضخ رأسها والرجم قد
يصيب الرأس وغيره فقد قتله بغير ما كان قد قتل به الجارية فدل ذلك أن ما فعل
من ذلك كان حلالا يومئذ ثم نسخ بنسخ المثلة
فإن قيل ألم يدخل ما اختلفنا نحن وأنتم فيه من القصاص في
هذه الآية لأن الله تعالى قال 2 وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به 2
قيل له ليست هذه الآية أريد بها هذا المعنى وإنما أريد بها ما روى
الطحاوي عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما لما قتل حمزة رضي الله عنه
ومثل به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن ظفرت بهم لأمثلن بسبعين رجلا منهم فأنزل الله
تعالى 2 وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين 2
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبر ففي هذا المعنى نزلت لا فيما ذكرت
باب
شبه العمد الذي لا قود فيه أن يتعمد ضربه
بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح
وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله مستدلا بما روى الطحاوي عن عقبة بن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:712(2/712)
*** ج2/ص713
أوس السدوسي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خطب يوم فتح مكة فقال في خطبته ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا
والحجر فيه دية مغلظة مائة من الإبل فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال اقتتلت امرأتان من
بني هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية
المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن مالك بن النابغة
الهذلي يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل
ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي
سجع
الطحاوي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن امرأتين ضربت إحداهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:713(2/713)
*** ج2/ص714
الأخرى بعمود الفسطاط فقتلتها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على عصبة القاتلة
وقضى فيما في بطنها بغرة والغرة عبد أو أمة فقال الأعرابي أغرم من لا طعم
ولا شرب ولا صاح ولا استهل ومثل ذلك يطل فقال سجع كسجع
الأعراب
روى الطبراني عن أبي عازب عن النعمان بن بشير قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء خطأ إلا السيف ولكل خطأ أرش
وعنه عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عمد إلا بالسيف
وعنه عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم كل شيء خطأ إلا الحديد
الطحاوي عن علي رضي الله عنه قال شبه العمد بالعصا والحجر
الثقيل وليس فيهما قود
باب
ليس فيما دون النفس شبه عمد
وإنما هو عمد وخطأ
لما رويناه في أول كتاب الجنايات من حديث الربيع أنها لطمت جارية
فكسرت ثنيتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص وقد رأينا اللطمة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:714(2/714)
*** ج2/ص715
إذا أتت على النفس لم يجب فيها قود ورايناها فيما دون النفس فيها القود
فثبت بذلك أن ما كان في النفس شبه عمد فهو فيما دون النفس عمد
باب
إذا قال الرجل عند موته
إذا مت ففلان قتلني لا يقتل به
لقوله عليه السلام لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال
وأموالهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر
فإن قيل فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية التي رضخ اليهودي رأسها عن قاتلها
فقال أفلان هو فأومت برأسها أي نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برضخ رأسه بين
حجرين
قيل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهودي فأقر بما ادعت الجارية
يدل على ذلك ما روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن
جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها من صنع ذلك بك فلان
فلان حتى ذكروا يهوديا فأومت برأسها فأخذ اليهودي فأقر فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يرض رأسه بالحجارة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:715(2/715)
*** ج2/ص716
باب
إذا قتل المسلم الذمي قتل به
الطحاوي عن سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق
رضي الله عنهما قال حين قتل عمر قال فمررت على أبي لؤلؤة ومعه الهرمزان
وحفينه فلما بغتهم ثاروا فسقط من بينهم خنجر له رأسان ممسكه في
وسطه فقال فانظروا لعله الخنجر الذي قتل به عمر فنظروا فإذا هو الخنجر
الذي وصفه عبد الرحمن فانطلق عبيد الله بن عمر حين سمع ذلك من عبد الرحمن
ومعه السيف حتى دعا الهرمزان فلما خرج إليه قال انطلق حتى تنظر إلى فرس لي
ثم تأخر عنه حتى إذا مضى بين يديه علاه بالسيف فلما وجد مس السيف
قال لا إله إلا الله قال عبيد الله ودعوت حفينة وكان نصرانيا من نصارى
الحيرة فلما خرج إلي علوته بالسيف فصلب بين عينيه ثم انطلق عبيد الله فقتل ابنة
أبي لؤلؤة - صغيرة تدعي الإسلام - فلما استخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار
فقال أشيروا علي في قتل هذا الرجل الذي قد فتق بالدين ما قد فتق فاجتمع
المهاجرون فيه على كلمة واحدة يأمرونه بالشد عليه ويحثون عثمان على قتله وكان
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:716(2/716)
*** ج2/ص717
فوج الناس الأعظم مع عبيد الله يقولون بحفينة والهرمزان أبعدهما الله وكثر في ذلك
الاختلاف ثم قال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين إن هذا الأمر قد عفاك الله من
أن يكون بعدما بايعت وإنما كان ذلك قبل أن يكون لك على الناس سلطان
فأعرض عن عبيد الله وتفرق الناس على خطبة عمرو بن العاص وودى الرجلين
والجارية
ففي هذا الحديث أن عبيد الله قتل حفينة وهو نصراني وقتل الهرمزان وهو
كافر ثم كان إسلامه بعد ذلك فأشار المهاجرون على عثمان بقتل عبيد الله وفيهم
علي رضي الله عنه فمن المحال أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مؤمن بكافر يراد به غير
الحربي ثم يشير المهاجرون وفيهم علي على عثمان بقتل عبيد الله بكافر
ذمي ولكن معناه لا يقتل مؤمن بكافر حربي
يدل على ذلك ما روى الطحاوي عن قيس بن عباد قال انطلقت أنا
والأشتر إلى علي رضي الله عنه فقلنا هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى
الناس عامة قال لا إلا ما كان في كتابي هذا فأخرج كتابا من قراب سيفه
فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:717(2/717)
*** ج2/ص718
سواهم ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده ومن أحدث حدثا فعلى نفسه
ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنه قال لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو
عهد في عهده فمعنى هذا الحديث - والله أعلم - لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في
عهده بكافر حربي ومثل هذا في كتاب الله تعالى 2 واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن 2 فقدم وأخر والتقدير
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم واللائي لم يحضن إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة
أشهر ولو كان تأويله أن المسلم لا يقتل بكافر حربي ولا بذي عهد في عهده
لكان لحنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس منه فدل أن الكافر الذي منع عليه السلام أن
يقتل به المؤمن في هذا الحديث هو الكافر الذي لا عهد له وليس قوله عليه السلام
ولا ذو عهد في عهده كلاما مستأنفا لأن هذا الحديث إنما جرى في الدماء المسفوك
بعضها ببعض لأنه قال المسلمون تتكافأ دماؤهم - الحديث وإنما جرى الكلام
على الدماء التي تجري قصاصا ولم يجر على حرمة دم بعهد ليحمل عليه الحديث
فإن قيل ففي الحديث الأول أن عبيد الله قتل ابنة لأبي لؤلؤة تدعي
الإسلام فيجوز أن يكون إنما استحلوا سفك دم عبيد الله بها لا بحفينة والهرمزان
قيل له فيه ما يدل على أنه أراد قتله بحفينة والهرمزان وهو قولهم
أبعدهما الله فمحال أن يكون عثمان أراد قتله بغيرهما ويقول الناس
أبعدهما الله ثم لا يقول للناس إني لم أرد قتله بهذين إنما أردت قتله
بالجارية ولكنه أراد قتله بهما وبالجارية ألا تراه يقول وكثر في ذلك الاختلاف
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:718(2/718)
*** ج2/ص719
فدل على أن عثمان أراد قتله بمن قتل وفيهم الهرمزان وحفينة
فثبت بما ذكرنا ما صح عليه معنى هذا الحديث وانتفى أن يكون في
حديث علي حجة تدفع أن يقتل المسلم بالذمي
وقد شد ما ذهبنا إليه وعضده ما روي عن عبد الرحمن البيلماني وإن كان
مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل من المسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذمة
فأمر به فضرب عنقه
وقد روى الطحاوي عن النزال بن سبرة قال قتل رجل من المسلمين
رجلا من العباد فذهب أخوه إلى عمر فكتب عمر أن يقتل فجعلوا
يقولون حنين أقتل ويقول حتى يجيء الغيظ قال فكتب عمر أن يودى ولا
يقتل
فهذا عمر قد رأى أن يقتل المسلم بالذمي وكتب بذلك إلى عامله بمحضر من
الصحابة فلم ينكر عليه منكر وهو عندنا دليل متابعتهم له على ذلك وكتابه
الثاني محمول على أنه كره أن يبيح دمه لما كان من وقوفه عن قتله وجعل ذلك شبهة
منعه بها من القتل وجعل له ما يجعل في القتل العمد إذا دخله شبهة وهو الدية ثم
إن أهل المدينة قالوا إذا قتل المسلم الذمي غيلة على ماله قتل به وجعلوا هذا
خارجا من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر والنبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط من الكفار
واحدا فكما كان لهم أن يخرجوا من الكفار من أريد ماله كان لغيرهم أن يخرج من
وجبت ذمته
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:719(2/719)
*** ج2/ص720
باب
ويقتل الحر بالعبد كما يقتل الذكر بالأنثى
فإن قيل روى الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لا يقتل حر بعبد
قيل له في سنده جويبر وهو ضعيف وما روى غير هذا فضعيف أيضا
باب
إذا قتل الإنسان ولده عمدا لا يقتل به
الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقاد الوالد بالولد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:720(2/720)
*** ج2/ص721
باب
إذا قتل جماعة واحدا عمدا قتلوا به
الدارقطني عن سعيد بن المسيب أن إنسانا قتل بصنعاء وأن عمر
رضي الله عنه قتل به سبعة وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به وهو قول
علي وعمر وابن عباس رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي
رضي الله عنهم والله أعلم
باب
لا يقتل الرجل بعبده قنا كان أو غيره
لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص
فإن قيل فقد روى أحمد بن حنبل عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قتل عبده قتلناه ومن جذع عبده جذعناه
قيل له الحسن لم يسمع من سمرة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:721(2/721)
*** ج2/ص722
باب
قال الله تعالى
2 ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا 2
أي قودا فإذا قتل الإنسان فدمه موروث عنه لأن الدية التي هي بدل
القصاص موروثة للرجال والنساء ولو لم يكن القصاص موروثا للرجال والنساء
لما ورثوا بدله فإذا كان للمقتول ورثة كبار وصغار فللكبار أن يقتصوا قبل أن
يكبر الصغار لأن كل واحد منهم ولي الصغير ليس بولي ولهذا لا يجوز عفوه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:722(2/722)
*** ج2/ص723
كتاب الديات
باب القسامة
على ملاك الدار التي وجد فيها القتيل وهي على أهل الخطة وهم الذين
ملكهم الإمام هذه البقعة أول الفتح ولو بقي منهم واحد فإن لم يبق منهم
واحد بأن باعوا كلهم فهي على المشترين دون السكان
وقال أبو يوسف القسامة تجب على من كانت الدار في يده وأجمعوا أنه إذا
وجد في سفينة أو عجلة أو على دابة فإنها تجب على الملاك وغيرهم
فأبو يوسف رحمه الله يستدل بما روى مسلم عن سهل بن أبي حثمة عن رجال
من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم
فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في عين أو فقير فأتى
يهود فقال أنتم والله قتلتموه قالوا والله ما قتلناه ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:723(2/723)
*** ج2/ص724
ذلك لهم ثم أقبل هو وأخوه حويصة - وهو أكبر منه - وعبد الرحمن بن سهل
فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة
كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن
يودوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فكتبوا إنا
والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون
وتستحقون دم صاحبكم قالوا لا والله - وفي رواية يا رسول الله ما شهدنا ولا
حضرنا - قال فتحلف لكم يهود قالوا ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم
من عنده فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة حمراء وفي رواية قالوا
يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار وفي رواية أخرى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة
فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم القسامة على اليهود السكان لا على المالكين لكن
هذا يحتمل أن يكون هذا كان في أيام كانت صلحا فإنه قال في الحديث إما أن
يودوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب ولا يقال هذا إلا لمن كان في أمان وعهد في
دار هي صلح بينهم وبين المسلمين
وهكذا روى الطحاوي عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن سهل بن زيد
ومحيصة بن مسعود بن زيد الأنصاري - من بني حارثة - خرجوا إلى خيبر في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذ صلح وأهلها يهود - فتفرقا لحاجتهما فقتل عبد الله بن
سهل فوجد في مشربة مقتولا فدفنه صاحبه ثم أقبل إلى المدينة الحديث
بمعنى الحديث الذي رويناه آنفا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:724(2/724)
*** ج2/ص725
باب
يستحلف المدعى عليهم فإذا حلفوا
غرموا الدية كان ثم لوث أو لم يكن
الطحاوي عن الحارث بن الأزمع أنه قال لعمر أما تدفع أموالنا عن
أيماننا ولا أيماننا عن أموالنا قال لا وعقله
وعنه عن الحارث بن الأزمع قال قتل بين وادعة وحي آخر قتيل
والقتيل إلى وادعة أقرب فقال عمر لوادعة يحلفون خمسون رجلا منكم ما قتلناه ولا
نعلم له قاتلا ثم اغرموا فقال له الحارث نحلف وتغرمنا قال نعم
فهذه القسامة التي حكم بها عمر بن الخطاب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحضر
من الصحابة ولم ينكر عليه منكر
ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم لو يعطى الناس بدعواهم الحديث فسوى بين
الأموال والدماء وقوله صلى الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون إنما كان على النكير فيه عليهم
كأنه قال أتدعون وتأخذون وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم في حديث البخاري
تأتون بالبينة على قتله قالوا ما لنا بينة قال فيحلفون قالوا ما نرضى بأيمان
اليهود
فكان قوله عليه السلام في حديث مسلم أتحلفون وتستحقون مرتبا على
قوله فتحلف لكم يهود في المعنى وإن كان مقدما في اللفظ بدلالة حديث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:725(2/725)
*** ج2/ص726
البخاري وقد روى الطحاوي عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقسامة
على المدعى عليهم وإنما أخذ القسامة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن
يسار عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان هذا مما أخذه عنهم وقد وافق
ما رويناه عن عمر - مما فعله وحكم به في حضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم ينكر عليه منكر
باب
من اطلع في دار قوم ناظرا إلى حرمهم
ونسائهم فمنع فلم يمتنع
فذهبت عينيه في حال الممانعة فهو هدر وكذلك من دخل دار قوم أو أراد
دخولها فمانعوه وهذا مجمل قوله عليه السلام من كشف سترا فأدخل بصره في البيت
قبل أن يؤذن له فرأى عورة أهله فقد أتى حدا لا يحل له أن يأتيه لو أنه حين أدخل
بصره استقبله رجل ففقأ عينه ما غيرت عليه وإن مر على باب غير مغلق فنظر فلا
خطيئة عليه إنما الخطيئة على أهل البيت فأما إذا لم يكن إلا مجرد النظر ولم يقع
فيه ممانعة ولا نهي ثم جاء إنسان ففقأ عينه فهذا جان يلزمه حكم جنايته
ويعضد هذا التأويل أنه لا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامنا
وكان عليه القصاص إذا كان عمدا والأرش إن كان خطأ ومعلوم أن الداخل قد
اطلع وزاد على الاطلاع الدخول فظاهر الحديث مخالف لما عليه الاتفاق وما
ذكرناه أولى ما حمل عليه معناه والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:726(2/726)
*** ج2/ص727
باب
ما أصابت البهيمة ليلا أو نهارا
إذا كانت منفلتة فلا ضمان على ربها وإن كان هو سيبها فما أصابت في فورها
وسننها ضمن ذلك كله مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح العجماء جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس والجبار
الهدر الذي لا ارش فيه ولا خلاف في استعمال هذا الخبر في البهيمة المنفلتة إذا
أصابت إنسانا أو مالا أنه لا ضمان على صاحبها إذا لم يرسلها هو عليه فلما كان هذا
الخبر مستعملا عند الجميع وكان عمومه ينفي ضمان ما تصيبه ليلا أو نهارا ثبت
بذلك نسخ ما في قصة داود وسليمان ولأن سائر أسباب الضمان لا يختلف الحكم
فيها بالليل والنهار فلما اتفق الجميع على نفي إيجاب الضمان نهارا وجب أن
يكون حكمهما ليلا كذلك
فإن قيل روي أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:727(2/727)
*** ج2/ص728
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي
بالليل في ضمان أهلها
قيل له هذا الحديث لم يصله مالك ولا الأثبات من أصحاب الزهري
والحكم فيه مأخوذ من حكم سليمان النبي صلى الله عليه وسلم في الحرث إذ نفشت فيه
غنم القوم فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك الحكم ثم أحدث الله هذه
الشريعة فنسخت ما قبلها ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يراع وجوب حفظها عليه
وراعى انفلاتها فلم يضمنه شيئا مما أصابت فرجع الأمر إلى استواء الليل والنهار
وجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوجب الضمان في حديث البراء إذا كان صاحبها هو
الذي أرسلها وتكون فائدة الخبر أنه معلوم أن السائق لها بالليل والنهار في الزرع
الحوائط لا يخلو من نفش بعض غنمه في زروع الناس وإن لم يعلم بذلك
فبين النبي صلى الله عليه وسلم حكمها إذا أصابت زرعا ويكون فائدة الخبر أيضا إيجاب
الضمان لسوقه وإرساله في الزرع وإن لم يعلم ذلك وبين تساوي حكم العلم
والجهل فيه وجائز أن تكون قصة داود وسليمان على ما ذكرنا من التأويل وذكر ابن
عبد البر قال وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه ضمن الذي أجرى فرسه عقل
ما أصاب الفرس وقوله عليه السلام والمعدن جبار أن المعادن المطلوب فيها
الذهب والفضة تحت الأرض فإذا سقط منها شيء انهار على أحد من العاملين فمات
فيها فإنه هدر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:728(2/728)
*** ج2/ص729
باب
أحمد بن حنبل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
دية الخطأ عشرين بنت مخاض وعشرين ابن مخاض وعشرين ابنة لبون
وعشرين حقة وعشرين جذعة
باب
دية المسلم والذمي سواء
الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى العامريين
بدية المسلمين وكان لهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث غريب
الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال دية ذمي دية
مسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:729(2/729)
*** ج2/ص730
وعنه عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية
المعاهد كدية المسلم
فإن قيل قال ابن حبان الحديث الأول من حديثي الدارقطني لا أصل له
من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سند الثاني عثمان القاضي وهو متروك
قيل له هذه دعوى لا بد لها من دليل والظاهر أن القاضي لا يكون إلا
عدلا فلا بد من بيان سبب تركه وإلى هذا ذهب سفيان الثوري وأهل الكوفة
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:730(2/730)
*** ج2/ص731
كتاب الحدود
باب
لا نفي على البكر إذا جلد
إلا أن يرى الإمام أن ينفيه للدعارة إلى حيث ينفي الدعار لا الزناة
مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد الجهني أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال إذا زنت فاجلدوها ثم إن
زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير قال مالك قال
ابن شهاب لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة
فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة إذا زنت أن تجلد ولم يأمر مع الجلد بنفي وقد
قال الله تعالى 2 فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب 2 علمنا بذلك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:731(2/731)
*** ج2/ص732
أن ما يجب على الإماء إذا زنين هو نصف ما على الحرائر إذا زنين ثبت أن لا نفي
على الأمة إذا زنت كذلك الحرة أيضا ولأن أمره بالبيع دليل على أنه لا نفي عليها
لأنه إنما أعلمهم في ذلك ما يفعلون بإمائهم إذا زنين فمن المحال أن يكون ذلك
يقصر عن جميع ما يجب عليهن ومحال أن يأمر ببيع من لا يقدر مبتاعه على قبضه من
بائعه ولا يصل إليه إلا بعد ستة أشهر
ثم لما كان قوله صلى الله عليه وسلم لأنيس اغد إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها دليلا
على أن لا جلد عليها مع ذلك وكان معارضا لقوله عليه السلام الثيب
بالثيب جلد مائة والرجم كان قوله عليه السلام إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها
دليلا على إبطال النفي عن الأمة فإذا كان السكوت عن نفي الأمة لا يرفع
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:732(2/732)
*** ج2/ص733
النفي عنها كان السكوت عن الجلد مع الرجم لا يرفع الجلد عن الثيب الزاني مع
الرجم
باب
إذا اعترف الزاني أربع مرات
أنه زنى وجب عليه الحد
مسلم عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال
جاء ماعز بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله طهرني فقال ويحك
ارجع فاستغفر الله وتب إليه فرجع غير بعيد ثم جاء فقال يا رسول الله طهرني
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه فرجع غير بعيد ثم
جاء فقال يا رسول الله طهرني فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك حتى إذا كانت
الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيم أطهرك قال من الزنا فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبه جنون فأخبر أنه ليس بمجنون فقال أشرب خمرا فقام رجل فاستنكهه
فلم يجد منه ريح خمر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أزنيت قال نعم فأمر
به فرجم
وأما حديث أنيس فيجوز أن يكون قد علم الاعتراف الذي يوجب حد الزنا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:733(2/733)
*** ج2/ص734
على المعترف به ما هو مما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز فخاطبه بهذا الخطاب بعد علمه
أنه قد علم الاعتراف الذي يوجب
فإن قيل فقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم الغامدية بإقرارها مرة واحدة
قيل له الجواب عن هذا من وجهين
أحدهما أنها اعترفت عنده بالزنا ثم حلفت أنها لحبلى - يعني من الزنا -
ثم أخرها إلى أن تلد فلما ولدت أتته بالولد وقالت هذا قد ولدت ثم أخرها حتى
يستغني ثم جاءت به فرجمت فهذا بمنزلة الإقرار أربع مرات
الثاني أنه مع ظهور الحبل لا يحتاج إلى الإقرار أربع مرات لما روى
مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه
الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد
الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله تعالى
حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل
أو الاعتراف
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:734(2/734)
*** ج2/ص735
باب
الإسلام شرط في الإحصان
الدارقطني عن كعب بن مالك أنه أراد أن يتزوج يهودية
أو نصرانية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنهاه عنه وقال إنها لا تحصنك
فإن قيل في هذا الحديث أبو بكر بن أبي مريم وفيه علي بن أبي طلحة
ولم يدركا كعبا
قيل له إذا لم يدركا كعبا فهو مرسل والمرسل حجة
فإن قيل بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديا ويهودية
قيل له كان ذلك بحكم التوراة ثم نسخ
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:735(2/735)
*** ج2/ص736
يؤيد هذا ما روى الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من أشرك بالله فليس بمحصن والصواب أن هذا الحديث موقوف
باب
من زنا بجارية امرأته حد إلا أن يدعي شبهة
الطحاوي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال كان علي بن أبي طالب
رضي الله عنه يقول لا أوتى برجل وقع على جارية امرأته إلا رجمته
فإن قيل فقد روي عن قتادة أنه سئل عن رجل وطئ جارية امرأته فحدثنا
عن حبيب بن سالم أنها رفعت إلى النعمان بن بشير فقال لأقضين فيها بقضاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت أحلتها له جلدته مائة وإن لم تكن أحلتها له رجمته
قيل له هذه المائة عندنا تعزير كأنه درأ عنه الحد بوطئه بالشبهة
و عزره بركوبه ما لا يحل له وقال الترمذي حديث النعمان في إسناده
اضطراب سمعت محمدا يقول لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث إنما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:736(2/736)
*** ج2/ص737
رواه عن خالد بن عرفطة وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا الحديث إنما
رواه عن خالد بن عرفطة
باب
من تزوج امرأة أبيه أو ذات محرم منه
فدخل بها وهو عالم بالحرمة لا يحد
الطحاوي عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة نكحت
في عدتها فأتي بها عمر بن الخطاب فضربها ضربات بالمخفقة وضرب زوجها
وفرق بينهما وقال أيما امرأة نكحت في عدتها فرق بينها وبين زوجها الذي
نكحت ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر إن كان دخل
بها الآخر ثم لم ينكحها أبدا وإن لم يكن دخل بها اعتدت من الأول وكان
الآخر خاطبا من الخطاب
وعنه عن سعيد بن المسيب أن رجلا تزوج امرأة في عدتها فرفع إلى
عمر رضي الله عنه فضربها دون الحد وجعل لها الصداق وفرق بينهما وقال
لا يجتمعان أبدا قال وقال علي رضي الله عنه وإن تابا وأصلحا جعلتهما من
الخطاب
أفلا ترى أن عمر ضرب المرأة والزوج بالمخفقة فاستحال أن يضربهما وهما
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:737(2/737)
*** ج2/ص738
جاهلان بتحريم ما فعلا لأنه كان أعرف بالله من أن يعاقب من لم تقم عليه
الحجة فلما ضربهما دل على أن الحجة قد كانت قامت عليهما بالتحريم قبل
ذلك ثم هو رحمه الله لم يقم عليهما الحد وقد حضره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتابعوه
على ذلك ولم يخالفوه
فهذا دليل صحيح على أن عقد النكاح - وإن كان لا يثبت - وجب له حكم
النكاح في وجوب المهر بالدخول الذي يكون بعده وفي العدة منه وفي ثبوت
النسب - - وما كان يوجب ما ذكرنا من ذلك يستحيل أن يجب فيه الحد
لأن الذي يوجب الحد هو الزنا والزنا لا يوجب ثبوت مهر ولا عدة
ولا نسب
فإن قيل روي عن البراء بن عازب قال لقيت خالي معه الراية فقلت
أين تذهب فقال أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن
أضرب عنقه
قيل له هذا الحديث فيه ذكر القتل وليس فيه ذكر الرجم ولا ذكر إقامة
الحد وقد أجمعوا أن فاعل ذلك لا يجب عليه القتل إنما يجب عليه في قول من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:738(2/738)
*** ج2/ص739
يوجب عليه الحد الرجم إن كان محصنا فلما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرجم وأمر
بالقتل ثبت بذلك أن ذلك القتل ليس بحد الزنا وهو بمعنى خلاف ذلك وهو
أن ذلك المتزوج فعل ما فعل من ذلك على الاستحلال كما كانوا يفعلون في الجاهلية
فصار بذلك مرتدا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل به ما يفعل بالمرتد وهكذا كان يقول
أبو حنيفة وسفيان في هذا المتزوج إذا كان أتى في ذلك على الاستحلال أنه يقتل
وفي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد راية لأبي بردة ولم تكن الرايات
تعقد إلا لمن أمر بالمحاربة والمبعوث على إقامة الحد لأجل الزنا غير مأمور بالمحاربة
وفي الحديث أيضا أنه بعثه إلى رجل تزوج امرأة أبيه وليس فيه أنه دخل
بها فإذا كانت هذه العقوبة - وهي القتل - مقصودا بها إلى المتزوج بزوجة
أبيه دل أنها عقوبة وجبت بنفس العقد لا بالدخول ولا يكون ذلك إلا والعاقد
مستحل
فإن قيل هو عندنا على من تزوج ودخل
قيل له وهو عندنا على من تزوج واستحل فإن لم يكن للاستحلال في
الحديث ذكر فليس فيه للدخول ذكر
وقد روى ابن ماجه عن معاوية بن قرة عن أبيه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم
إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه وأصفي ماله
ومن طريق الطحاوي أن يضرب عنقه ويخمس ماله فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:739(2/739)
*** ج2/ص740
في هذين الحديثين بأخذ مال المتزوج أو تخميسه دل ذلك أن المتزوج كان بتزويجه
مرتدا محاربا فوجب أن يقتل لردته وكان ماله كمال الحربيين لأن المرتد الذي
لم يحارب كل قد أجمع في ماله على خلاف التخميس
وفي هذا دليل على أن تخميس النبي صلى الله عليه وسلم مال المتزوج الذي ذكرنا دليل على أنه
قد كان منه الردة والمحاربة
فإن قيل قد رأينا ذلك نكاحا لا يثبت فكان ينبغي أن يكون في حكم
ما لم ينعقد فيكون الواطئ كالواطئ في غير نكاح
قيل له ينبغي أن تقول رجل زنى بذات محرم ماذا عليه فتقول عليه
الحد وإن أطلقت اسم التزويج وسميت ذلك النكاح نكاحا وإن لم يكن ثابتا قلنا لا حد
على واطئ في نكاح جائز ولا فاسد لما ذكرنا من حكم عمر بن الخطاب في المتزوجة
في العدة
فإن قيل هذا وإن لم يكن زنا فهو أغلظ فأحرى أن يجب فيه الحد
قيل له العقوبات إنما تؤخذ من جهة التوقيف وإلا لوجب على من رمى
رجلا بالكفر حد القذف إذ الكفر في نفسه أعظم وأغلظ من الزنا فثبت أن العقوبات
لا قياس فيها والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:740(2/740)
*** ج2/ص741
باب
إذا استأجر امرأة ليطأها لا تحل له وهو زاني
يلقى الله تعالى بكبيرة الزنا إن لم يتب
ولكن يسقط الحد عنه للشبهة لأن الأجرة والمهر عبارتان عن معنى واحد قال
الله تعالى 2 وآتوهن أجورهن 2 أي مهورهن فوجدت شبهة النكاح وامتنع الحد
لأجلها
وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله
فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة
فإن قيل قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث محمد بن ربيعة
عن يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة ويزيد بن زياد
ضعيف
قيل له مفهوم هذا الكلام أن هذا الحديث مرسل أو موقوف من جميع طرقه
إلا ما كان من هذا الطريق فإن كان مرسله صحيحا فالعمل به على أصلنا جائز
وإن كان مرسله ضعيفا ومسنده ضعيفا فالإجماع منعقد على العمل بموجبه فإن كل
أحد أسقط الحد لشبهة اعتبرها مستدل بهذا الحديث
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:741(2/741)
*** ج2/ص742
وقد روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا
فإن قيل هذا فيه فتح باب الزنا
قيل له لو كان هذا فتح لباب الزنا لوجب أن لا يسقط حد ما لشبهة
بل فيه الستر على المسلم وقد ندب الله تعالى إلى الستر حتى شرط في وجوب الحد أن
يثبت بأربعة من الشهود ولو نقص عددهم عن أربعة حدوا ومع هذا الشرط قل
أن يقام حد ولم يكن في اعتبار هذا الشرط فتح باب الزنا فكيف يكون في اعتبار
شبهة من الشبه
باب
من عمل عمل قوم لوط عزر
على حسب ما يراه الإمام العادل
لأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في موجب هذا الفعل فقال أبو بكر
الصديق يهدم عليه جدار وقال علي بن أبي طالب يرمى من شاهق عال حتى
يموت ومنهم من قال يحرق بالنار ومنهم من قال يقتل صبرا ومنهم من
قال يحبسان في أنتن موضع حتى يموتا فلو كان حكمه حكم الزنا لم يختلفوا في
موجبه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:742(2/742)
*** ج2/ص743
فإن قيل روي أنه عليه السلام قال اقتلوا الفاعل والمفعول
قيل له قال الترمذي هذا حديث في إسناده مقال
وقد روى النسائي أنه عليه السلام قال لعن الله من عمل عمل قوم لوط
ولم يذكر القتل وكذا روى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن
أبي عمرو فقال ملعون من عمل عمل قوم لوط ولم يذكر القتل
وعمرو بن أبي عمرو قال يحيى بن معين ينكر عليه حديث عكرمة عن
ابن عباس اقتلوا الفاعل والمفعول ولأنه لو كان اللواط بمنزلة الزنا لفرق بين
المحصن وغيره وفي تركه عليه السلام الفرق بينهما دليل على أنه لم يوجبه على وجه
الحد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:743(2/743)
*** ج2/ص744
باب
من شرب الخمر وكان حرا فحده ثمانون جلدة
الطحاوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل
شرب الخمر فضرب بجريدتين نحوا من أربعين ثم صنع أبو بكر مثل ذلك فلما
كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين أخف الحدود
ثمانون ففعل ذلك
وعنه عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه قال أتي علي رضي الله عنه
بنجاشي قد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ثم أمر به إلى السجن ثم
أخرجه من الغد فضربه عشرين ثم قال إنما جلدتك هذه العشرين لإفطارك في
رمضان وجرأتك على الله تعالى
باب
من شرب الخمر أربع مرات ماذا عليه
الطحاوي عن محمد بن المنكدر أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شارب
الخمر فاجلدوه ثلاثا ثم قال في الرابعة فاقتلوه فأتي ثلاث مرات برجل قد
شرب الخمر فجلده ثم أتي به في الرابعة فجلده ووضع القتل عن الناس فثبت
بهذا أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:744(2/744)
*** ج2/ص745
باب
لا يقطع السارق في أقل من عشرة دراهم
أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل
في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم
النسائي عن مجاهد عن أيمن قال لم تكن تقطع اليد على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ثمن المجن وقيمته يومئذ دينارا
الطحاوي عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان قيمة المجن الذي قطع
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم
ابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا من مزينة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:745(2/745)
*** ج2/ص746
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمار فقال ما أخذ في كمامه فاحتمل فثمنه ومثله معه
وما كان من الجران ففيه القطع إذا بلغ ذلك ثمن المجن وإن أكل ولم يأخذ
فليس عليه شيء
أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن
العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال من أصاب بفيه من
ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه
والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه
القطع
فإن قيل فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في
ربع دينار فصاعدا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:746(2/746)
*** ج2/ص747
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة
دراهم
قيل له يحتمل أنهما قوما ما قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت قيمته عندهما ربع
دينار
فإن قيل فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تقطع
يد السارق في ربع دينار فصاعدا
قيل له الرواية الأولى عنها رواها ابن عيينة عن الزهري هذه يونس عن
الزهري ويونس لا يقارب ابن عيينة
فإن قيل فقد روى مخرمة بن بكير عن أبيه مثل ما روى يونس عنها
قيل له فأنت تزعم أن مخرمة لم يسمع من أبيه حرفا وأن ما روي عنه
مرسل وأنت لا تحتج به
فإن قيل فقد روى هذا الحديث عن عمرة كما رواه يونس بن يزيد عن
الزهري عنها يحيى بن سعيد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:747(2/747)
*** ج2/ص748
قيل له أنت رويته عن أبان بن يزيد عن يحيى بن سعيد وقد رواه عن
يحيى بن سعيد من هو أثبت من أبان فوقفه على عائشة
الطحاوي عن يونس عن ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن
سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها قالت ما طال علي
ولا نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا
وعنه عن يونس عن أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد قال أخبرتني
عمرة أنها سمعت عائشة تقول القطع في ربع دينار فصاعدا وليس في قولها
ما طال علي ولا نسيت ما يدل على رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يحتمل أن يكون
معناه ما طال علي ولا نسيت ما قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت قيمته عندها ربع
دينار وقيمته عند غيرها أكثر من ذلك فيعود معنى حديثها إلى ما روته عنه عليه
السلام في القطع
فإن قيل فقد رواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مثل ما رواه أبان بن
يزيد
قيل له صدقتم ولكن هذا لا يعارض ما روى الزهري ولا ما روى
يحيى بن سعيد لأن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ليس له من الإتقان والحفظ
ما لواحد من هؤلاء ولا لمن روى هذا الحديث عنه - وهو ابن الهاد ومحمد بن
إسحاق - من الإتقان والرواية والحفظ ما لمن روى حديث الزهري ويحيى بن سعيد
وقد خالفه ابنه فيما روى الطحاوي عن يونس عن ابن وهب أن مالكا حدثه عن
عبد الله بن أبي بكر عن عمرة قالت قالت عائشة رضي الله عنها القطع في
ربع دينار
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:748(2/748)
*** ج2/ص749
فإن قيل فقد رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عمرة مثلما رواه عنها
أبو بكر
قيل له أما أبو سلمة فلا نعلم لجعفر بن ربيعة منه سماعا ولا نعلم أنه
لقيه أصلا
فإن قيل فقد روي أنه عليه السلام قال السارق إذا سرق ربع دينار قطع
وتقطع اليد في ربع دينار فصاعدا
قيل له روي هذا الحديث عن الزهري ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع في
ربع دينار فصاعدا فلما اضطرب حديث الزهري على ما ذكرنا واختلف عن
غيره عن عمرة على ما وصفنا ارتفع ذلك كله فلم تجب الحجة بشيء منه إذ كان
بعضه ينفي بعضا
رجعنا إلى أن الله عز وجل قال في كتابه 2 والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما 2
وأجمعوا أن الله عز وجل لم يعن بذلك كل سارق وإنما عنى خاصا من السراق بمقدار
من المال معلوم فلا يدخل فيما قد أجمعوا عليه إلا ما قد أجمعوا عليه وقد أجمعوا
على أن الله تعالى عنى سارق العشرة واختلفوا في سارق ما دونها فلم يجز لنا أن
نشهد على الله أنه عنى ما لم يجمعوا أنه عناه وجاز لنا أن نشهد فيما أجمعوا فجعلنا
سارق العشرة فما فوقها داخلا في الآية
وروى الطحاوي عن عبد الله بن مسعود أنه قال لا تقطع اليد
إلا في الدينار أو عشرة دراهم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:749(2/749)
*** ج2/ص750
قال الترمذي وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال
لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم وهو حديث مرسل رواه القاسم بن
عبد الرحمن عن ابن مسعود والقاسم لم يسمع من ابن مسعود
وروى الطحاوي عن ابن جريج قال كان قول عطاء على قول عمرو بن
شعيب لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم وإلى هذا ذهب سفيان الثوري
ذكر الغريب
المجن بكسر الميم وفتح الجيم ونون مشددة هو الترس وإنما سمي مجنا لأنه
يستتر به خبنت الطعام إذا غيبته وادخرته للشدة
باب
السارق لا يؤتى على أطرافه الأربع
الدارقطني عن علي رضي الله عنه قال إذا سرق السارق قطعت يده
اليمنى فإن عاد قطعت رجله اليسرى فإن عاد ضمن السجن حتى يحدث خيرا إني
أستحي أن أدعه يعني بلا رجل ولا يد
وما روي أنه عليه السلام قتل بعد تكرار السرقة ففيه أحاديث ضعاف فيها
الواقدي قيل وقد كذب ومحمد بن يزيد بن سنان وهو ضعيف وبهذا قال
الشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي وأحمد رحمهم الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:750(2/750)
*** ج2/ص751
باب
إذا أقر السارق مرة واحدة قطع
الطحاوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتي بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله إن هذا سرق فقال ما إخاله سرق فقال السارق بلى
يا رسول الله قال اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم إيتوني به قال فذهب
فقطع ثم حسم حتى أتي به فقال تب إلى الله قال تبت إلى الله قال تاب الله عليك
باب
لا قطع على المختلس والمنتهب
الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع حديث حسن صحيح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:751(2/751)
*** ج2/ص752
فإن قيل روي أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع
يدها
قيل له روى الطحاوي عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سرقت في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن الفتح فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع فكلمه فيها
أسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله تعالى
فقال أسامة استغفر الله لي يا رسول الله فلما كان العشاء قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى
على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا
سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفسي
بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت
فقطع يدها فثبت بهذا أن القطع في ذلك الحديث كان بخلاف الجحود
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:752(2/752)
*** ج2/ص753
باب
لا قطع في الفواكه الرطبة وإن كانت محرزة
أبو داود عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قطع في ثمر
ولا كثر
ذكر الغريب
كثر بفتح الكاف وفتح الثاء المعجمة بثلاث وراء هو الجمار قاله
مالك وقال صاحب الجمهرة بإسكان الثاء قال وقالوا بفتحها ذكره
في المطالع والله سبحانه وتعالى أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:753(2/753)
*** ج2/ص754
فارغة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:754(2/754)
*** ج2/ص755
كتاب الأشربة المحرمة
باب
الخمر المحرمة في كتاب الله تعالى هي
عصير العنب إذا نش وألقى الزبد
الطحاوي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال حرمت الخمر
لعينها والسكر من كل شراب فأخبر ابن عباس أن الحرمة وقعت على الخمر بعينها
وعلى السكر من كل شراب
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:755(2/755)
*** ج2/ص756
الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة وفي رواية الكرمة والنخلة
وجه التمسك بهذا الحديث أن الخمر اسم جنس لدخول الألف واللام عليه
فاستوعب به جميع ما يسمى بهذا الاسم فلم يبق من الأشربة شيء إلا وقد استغرقه
ثم اتفقنا على أن كل ما يخرج منهما ليس بخمر فعلمنا أن المراد بعض الخارج من
هاتين الشجرتين وذلك البعض غير مذكور في الخبر فاحتجنا إلى الاستدلال على
مراده من غيره فنقول يحتمل أنه أراد الخارج منهما ويحتمل أنه أراد الخارج من
أحدهما فعمهما بالخطاب كقوله تعالى 2 يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان 2 وإنما
يخرج من أحدهما - - وكقوله تعالى 2 يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم 2 والرسل من الإنس لا من الجن وكما قال في حديث عبادة بن
الصامت إذ أخذ على أصحابه في البيعة كما أخذ على النساء لا تشركوا بالله ولا
تسرقوا ولا تزنوا ثم قال من أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له وقد
علمنا أن من أشرك فعوقب بشركه فليس ذلك بكفارة له فدل بما ذكرنا إنما أراد
ما سوى الشرك فعلى هذا احتمل أن يكون المقصود من ذلك من العنبة لا من
النخلة فإن كان المراد هنا جميعا فإن ظاهر اللفظ يدل على أن المسمى بهذا الاسم هو
أول شراب يصنع منها من الأشربة لأن من يعتورها معان في اللغة منها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:756(2/756)
*** ج2/ص757
التبعيض ومنها ابتداء الغاية فيكون معنى من في هذا الموضع على ابتداء
ما يخرج منها وذلك إنما يتناول العصير المشتد والدبس السائل من النخل إذا
اشتد ولذلك قال أصحابنا فيمن حلف لا يأكل من هذه النخلة شيئا أنه على
رطبها وتمرها ودبسها لأنهم حملوا من على ما ذكرنا من الابتداء ويحتمل أن يكون
المراد ما خمر من نيئهما ويحتمل أن يكون قوله الخمر من هاتين الشجرتين أن
يكون أراد الخمر منهما وإن كانت مختلفة على أنها من العنب ما عقلناه
خمرا و على أنها من التمر ما يسكر فيكون خمر العنب هي العصير إذا
اشتد وخمر التمر هو المقدار من نبيذ التمر الذي يسكر فليس أحد هذه الوجوه
بأولى من الآخر
وقول عمر إنه نزل تحريم الخمر وإنها يومئذ من خمسة التمر
والعنب والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل وقوله عليه
السلام إن من العنب خمرا وأنهاكم عن كل مسكر يحتمل جميع المعاني التي
يحتملها الحديث الأول غير معنى واحد وهو ما احتمله الحديث الأول مما حملناه
عليه من كراهية نقيع التمر والزبيب فإنه لا يحتمله فإنه قرن مع ذلك خمر
الحنطة وخمر العسل وخمر الشعير ونحن لا نرى بها بأسا
فإن قيل فقد روى مالك عن أنس رضي الله عنه أنه قال كنت
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:757(2/757)
*** ج2/ص758
أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شرابا من فضيخ
وتمر قال فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت قال أبو طلحة يا أنس قم إلى
هذه الجرار فاكسرها قال أنس فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى
تكسرت
قيل له يجوز أن يكون ذلك الشراب مخمرا من نقيع التمر ونحن نقول
بحرمته ولا يلزم منه حرمة طبيخه ويجوز أن يكون فعلوا ذلك لعلمهم أنهم إذا
أكثروا منه أسكر ولم يأمنوا على أنفسهم الوقوع فيه لقرب عهدهم به فكسروا
لذلك
وأما قول أنس من طريق آخر وإنها لخمرهم يومئذ فيحتمل أن يكون أراد
ما كنا نخمر
بدل على ذلك ما روى الطحاوي عن ابن أبي ليلى عن عيسى
أن أباه بعثه إلى أنس في حاجة فأبصر عنده طلاء شديدا والطلاء ما أسكر كثيره
فلم يكن ذلك عنده خمرا وإن كان كثيره يسكر فثبت بما وصفنا أن الخمر عند أنس
لم يكن من كل شراب يسكر ولكنها من خاص من الأشربة
والذي يدل على ما ذكرنا أيضا ما روي عن ابن عمر أنه قال حرمت الخمر
يوم حرمت وما بالمدينة منها شيء وابن عمر من أهل اللغة ومعلوم أنه كان
بالمدينة السكر وسائر الأنبذة المتخذة من التمر لأن ذلك كان أشربتهم فلما نفى
ابن عمر اسم الخمر عن سائر الأشربة التي كانت بالمدينة دل ذلك على أن الخمر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:758(2/758)
*** ج2/ص759
عنده كانت من شراب العنب النيء إذا اشتد وأن ما سواها غير مسمى بهذا
الاسم ويدل على ذلك أن مستحل الخمر كافر وأن مستحل غيره من الأشربة
لا تلحقه سمة الفسق فكيف يكون كافرا فدل على أنها ليست بخمر في الحقيقة
ويدل عليه أن خل هذه الأشربة لا يسمى خل خمر وأن خل الخمر هو الخل
المستحيل من ماء العنب النيء
وإذا ثبت بما ذكرنا انتفاء اسم الخمر عن هذه الأشربة ثبت أنه ليس باسم لها
في الحقيقة وأنه إن ثبت لها اسم الخمر في حال فهو على جهة التشبيه بها عند وجود
السكر منها فلم يجز أن يتناولها اسم الخمر لأن أسماء المجاز لا يجوز دخولها تحت
إطلاق أسماء الحقائق ألا ترى أنه عليه السلام سمى فرسا لأبي طلحة ركبه
لفزع كان بالمدينة فقال وجدناه بحرا فسمى الفرس بحرا إذ كان جوادا
واسع الخطوة ولا يعقل بإطلاق اسم البحر الجواد
وقال أبو الأسود الدؤلي وهو رجل من أهل اللغة حجة فيما قال منها
دع الخمر يشربها الغواة فإنني
رأيت أخاها مغنيا لمكانها
فإن لا تكنه أو يكنها فإنه
أخوها غذته أمه بلبانها
فجعل غيرها من الأشربة أخا لها
مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:759(2/759)
*** ج2/ص760
أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة
الأخرى والغد إلى العصر فإن بقي شيء سقاه الخادم أو أمر به فصب ومعنى هذا
أن الماء بالحجاز فيه ملوحة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم أن يلقوا في الماء تميرات
ليحلو الماء من طعمها
قال الطحاوي رحمه الله ففي هذا إباحة القليل من الشراب الشديد
فيحمل قوله عليه السلام كل مسكر حرام على القدر الذي يسكر
يدل على هذا ما روى الطحاوي عن علقمة قال سألت ابن مسعود
رضي الله عنه عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكر فقال الشربة الأخيرة
وروى مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعاذا إلى اليمن فقال ادعوا الناس وبشروا ولا تنفروا ويسروا ولا
تعسروا قال فقلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع وهو
من العسل ينتبذ حتى يشتد والمزر وهو من الذرة والشعير ينتبذ حتى يشتد
قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم فقال أنهى عن كل مسكر
أسكر عن الصلاة وفي رواية كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام ولا خلاف
بين المسلمين أن من شرب المزر أو القمر أو البتع و سائر الأنبذة المتخذة من
الحبوب فسكر أنه يجب عليه الحد والله سبحانه أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:760(2/760)
*** ج2/ص761
كتاب السير
باب
من بلغته الدعوة كان للإمام
أن يغير عليهم قبل أن يدعوهم
الطحاوي عن عبد الله بن عون قال كتبت إلى نافع أسأله عن
الدعاء قبل القتال فقال إنما كان ذلك في أول الإسلام أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على
بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم
ثم أصاب يومئذ جويرية بنت الحارث
باب
إذا زاد عدد الكفار على اثنين فحينئذ للواحد التحيز إلى فئة من المسلمين فيها
نصرة فأما إذا أراد الفرار ليلحق بقوم من المسلمين لا نصرة معهم فهو من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:761(2/761)
*** ج2/ص762
الوعيد المذكور في قوله تعالى 2 ومن يولهم يومئذ دبره 2 الآية وكذلك قال
النبي صلى الله عليه وسلم أنا فئة كل مسلم وقال عمر بن الخطاب لما بلغه أن أبا عبيد بن
مسعود استقبل يوم الحشر حتى قتل ولم ينهزم رحم الله أبا عبيد لو انحاز إلي
لكنت له فئة فلما رجع إليه أصحاب أبي عبيد قال أنا فئة لكم ولم يعنفهم
وهذا الحكم عندنا ثابت ما لم يبلغ عدد الجيش اثني عشر ألفا فإذا
بلغوا اثني عشر ألفا لا يجوز لهم أن ينهزموا عن مثليهم إلا متحرفين لقتال وهو أن
يصيروا من موضع إلى غيره مكايدين لعدوهم من نحو خروج من مضيق إلى فسحة
أو من سعة إلى مضيق أو يكمنوا لعدوهم ونحو ذلك مما لا يكون فيه انصراف عن
الحرب أو متحيزين إلى فئة من المسلمين يقاتلون معهم
فإذا بلغوا اثني عشر ألفا فإن محمد بن الحسن قال إن الجيش إذا بلغ ذلك
فليس لهم أن يفروا من عدوهم وإن كثر عددهم ولم يذكر خلافا بين أصحابنا
واحتج بحديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربع مائة وخير الجيوش أربعة
آلاف ولن تؤتى اثنا عشر ألفا عن قلة ولن تغلب وفي بعضها ما غلب قوم
يبلغون اثني عشر ألفا إذا اجتمعت كلمتهم
وذكر الطحاوي أن مالكا سئل فقيل له أيسعنا التخلف عن قتال من خرج
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:762(2/762)
*** ج2/ص763
عن أحكام الله تعالى وحكم بغيرها فقال له مالك إن كان معك اثنا عشر ألفا مثلك
لم يسعك التخلف وإلا فأنت في سعة من التخلف وكان السائل عبد الله بن
عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهذا المذهب موافق لما روي عن محمد بن الحسن
رحمة الله عليه
باب
لا يصير الكافر مسلما محكوما بإسلامه له وعليه
حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله ويجحد كل دين سوى الإسلام
ويتخلى عنه
الطحاوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت
أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا أن
لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا
ذبيحتنا فحرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم
ما عليهم
وعنه عن أبي مالك سعد بن طارق بن أشيم عن أبيه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويتركوا
ما يعبدن من دون الله فإذا فعلوا ذلك حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها
وحسابهم على الله
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:763(2/763)
*** ج2/ص764
وعنه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله
ما آية الإسلام قال أن تقول أسلمت وجهي لله وتخليت وتقيم الصلاة
وتؤدي الزكاة وتفارق المشركين إلى المسلمين
باب
إن استتيب المرتد فهو أحسن فإن تاب وإلا قتل
الطحاوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما فتحنا تستر بعثني
أبو موسى إلى عمر فلما قدمت عليه قال ما فعل جحيفة وأصحابه وكانوا ارتدوا
عن الإسلام ولحقوا بالمشركين فقتلهم المسلمون فأخذت معه في حديث آخر فقال
ما فعل النفر البكريون قلت يا أمير المؤمنين إنهم ارتدوا عن الإسلام ولحقوا
بالمشركين فقتلوا فقال عمر لأن تكون أخذتهم سلما أحب إلي من كذا وكذا
فقلت يا أمير المؤمنين ما كان سبيلهم لو أخذتهم سلما إلا القتل قوم ارتدوا عن
الإسلام ولحقوا بالمشركين فقال لو أخذتهم سلما لعرضت عليهم الباب الذي
خرجوا منه وإلا استودعتهم السجن
وعنه عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن جده قال لما
فتح سعد وأبو موسى تستر أرسل أبو موسى رسولا إلى عمر فذكر حديثا طويلا
قال ثم أقبل عمر على الرسول فقال هل كانت عندكم من مغربة خبر قال
نعم يا أمير المؤمنين أخذنا رجلا من العرب كفر بعد إسلامه قال عمر فما صنعتم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:764(2/764)
*** ج2/ص765
به قال قدمناه فضربنا عنقه قال عمر أفلا أدخلتموه بيتا ثم ضيقتم عليه ثم
رميتم إليه برغيف ثلاثة أيام لعله أن يتوب أو يراجع أمر الله تعالى اللهم إني لم آمر
ولم أشهد ولم أرض إذ بلغني والله أعلم
باب
من أظهر سب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة عزر
ولا ينتقض عهده ولا يقتل
لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت إن رهطا من اليهود دخلوا على
النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليكم فقالت عائشة فقلت
لا بل عليكم السام واللعنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الله يحب الرفق في
الأمر كله فقالت ألم تسمع ما قالوا قال قد قلت عليكم ومعلوم أنه
لو كان من مسلم لصار به مرتدا ولم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
وقصة اليهودية والشاة المسمومة ولا خلاف بين المسلمين أن من قصد
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وهو ممن ينتحل الإسلام أنه مرتد مستحق للقتل ولم يجعل
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مبيحا لدمها بما فعلت فكذلك إظهار سب النبي صلى الله عليه وسلم مخالف
لإظهار سب المسلم
فإن قيل فقد روى أبو يوسف عن حصين بن عبد الله عن ابن عمر أن
رجلا قال له إني سمعت راهبا سب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو سمعته لقتلته إنا
لم نعطهم العهد على هذا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:765(2/765)
*** ج2/ص766
قيل له هو إسناد ضعيف وجائز أن يكون قد كان شرط عليهم أن
لا يظهروا شتم النبي صلى الله عليه وسلم
باب
سلب القتيل من الغنيمة إلا أن يقول الإمام
من قتل قتيلا فله سلبه
قال الله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه يقتضي وجوب
الغنيمة لجماعة المسلمين فغير جائز لأحد منهم الاختصاص بشيء منها دون
غيره والسلب غنيمة لأن الغنيمة هي التي حازوها بجماعتهم وتآزرهم على
القتال فلما كان قتله لهذا القتيل وأخذ سلبه بتضافر الجماعة وجب أن يكون
غنيمة
ويدل عليه أنه لو أخذ سلبه من غير قتل كان غنيمة إذ لم يصل إلى
أخذه إلا بقوتهم وكذلك من لم يقاتل وكان في الصف ردءا لهم يصير غانما لأن
بمظاهرته ومعاضدته حصلت فوجب أن يكون السلب غنيمة كسائر الغنائم وقال
تعالى 2 فكلوا مما غنمتم 2 والسلب مما غنمه الجماعة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:766(2/766)
*** ج2/ص767
البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال بينا أنا واقف في
الصف يوم بدر نظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة
أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل
تعرف أبا جهل فقلت نعم ما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب
رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت
الأعجل منا فعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى
أبي جهل يجول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي سألتماني عنه
فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال
أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا
فنظر في السيفين فقال كلاهما قتله وأعطى سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح
وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد قال لهما إنكما قتلتماه ثم قضى بسلبه لأحدهما دون الآخر
ففي ذلك دليل على أن السلب لو كان واجبا للقاتل بقتله إياه لكان وجب سلبه
لهما ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعه من أحدهما فيدفعه إلى الآخر ألا ترى أن الإمام
لو قال من قتل قتيلا فله سلبه فقتل رجلان قتيلا أن سلبه لهما نصفان وأنه
ليس للإمام أن يحرمه أحدهما ويدفعه إلى الآخر لأن كل واحد منهما له فيه حق مثل
حق صاحبه وهما أولى به من الإمام فلما كان للنبي صلى الله عليه وسلم في سلب أبي جهل أن
يجعله لأحد قاتليه دون الآخر دل ذلك أنه كان أولى به منهما لأنه لم يكن قال
يومئذ من قتل قتيلا فله سلبه
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:767(2/767)
*** ج2/ص768
الطحاوي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقي العدو فلما هزمهم الله اتبعهم طائفة من المسلمين
يقتلونهم وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستولت طائفة بالعسكر والنهب فلما
نفى الله عز وجل العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا لنا النفل نحن طلبنا العدو
وبنا نفاهم الله تعالى وهزمهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأحق
منا هو لنا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينال العدو منه غرة وقال الذين استولوا
على العسكر والنهب والله ما أنتم بأحق منا نحن حويناه واستوليناه فأنزل الله
عز وجل 2 يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول 2 إلى قوله 2 إن كنتم مؤمنين 2 فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم على سواء
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفضل في ذلك الذين تولوا القتل على الآخرين
فثبت بذلك أن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله لصاحبه إلا بجعل الإمام إياه له
على ما فيه من صلاح المسلمين من التحريض على قتال عدوهم
فإن قيل إن الذي ذكرتموه من سلب أبي جهل وما ذكرتموه في حديث
عبادة بن الصامت إنما كان ذلك في يوم بدر قبل أن تجعل الأسلاب للقاتلين ثم
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر الأسلاب للقاتلين فقال من قتل قتيلا فله سلبه
فنسخ ذلك ما تقدم
قيل له ليس كذلك لأنه يجوز أن يكون أراد به من قتل قتيلا في تلك الحرب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:768(2/768)
*** ج2/ص769
لا غير كما قال يوم فتح مكة من ألقى سلاحه فهو آمن فلم يكن ذلك على
كل من ألقى السلاح في غير تلك الحرب ولما ثبت أن الحكم كان قبل يوم حنين أن
الأسلاب لا تجب للقاتلين ثم حدث يوم خيبر هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل
أن يكون ناسخا لما تقدم واحتمل أن لا يكون ناسخا لم نجعله ناسخا حتى نعلم
ذلك يقينا
ويؤيد ذلك ما روى الطحاوي عن أنس بن مالك أن البراء بن مالك
أخا أنس بن مالك بارز مرزبان الدارة فطعنه طعنة فكسر القربوس وخلصت
إليه فقتلته فقوم سلبه بثلاثين ألفا فلما صلينا الصبح غدا علينا عمر فقال
لأبي طلحة إنا كنا لا نخمس الأسلاب وإن سلب البراء قد بلغ مالا ولا أرانا إلا
خامسيه فقومناه بثلاثين ألفا فدفعنا إلى عمر ستة آلاف
فهذا عمر رضي الله عنه يقول هذا وفيه دليل على أنهم كانوا لا يخمسون
الأسلاب ولهم أن يخمسوا وأن الأسلاب لا تجب للقاتلين دون أهل العسكر وقد
حضر عمر ما كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر من قتل قتيلا فله سلبه فدل أن
ذلك عنده على كل من قتل قتيلا في تلك الحرب خاصة وقد كان أبو طلحة
أيضا حضر ذلك بخيبر وقضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسلاب القتلى الذين
قتلهم فلم يكن ذلك موجبا بخلاف ما أراد عمر في سلب المرزبان وقد كان
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:769(2/769)
*** ج2/ص770
أنس بن مالك حاضرا ذلك أيضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ومن عمر في يوم
البراء فكان ذلك عنده على ما أراد عمر لا على خلاف ذلك فهؤلاء أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعلوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على النسخ لما تقدم ثم إن
السلب عند الشافعي رحمه الله لا يستحق في الإدبار وإنما يستحق في الإقبال والأثر
الوارد في السلب لم يفرق بين حال الإقبال والإدبار فإن احتج بالخبر فقد خالفه وإن
احتج بالنظر فالنظر يوجب أن يكون غنيمة للجميع لاتفاقهم على أنه لو قتله في
حال الإدبار لم يستحقه ولو كان مستحقا بنفس القتل لما اختلف حكم الإقبال
والإدبار
الطحاوي عن القاسم بن محمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
كنت جالسا عنده فأقبل رجل من أهل العراق فسأله عن السلب فقال
السلب من النفل وفي النفل الخمس وإلى ما قلنا ذهب مالك والثوري
رحمهما الله تعالى
باب
يقسم الخمس على ثلاثة أسهم
سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل ويدخل فقراء ذوي
القربى فيهم ويقدمون
البخاري عن جبير بن مطعم قال مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:770(2/770)
*** ج2/ص771
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت بني عبد المطلب وتركتنا ونحن وهم
منك بمنزلة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد
وقال الليث وحدثني يونس وزاد قال قسم خيبر ولم يقسم لبني عبد شمس
ولا لبني نوفل قال أبو إسحاق وعبد شمس وهاشم والمطلب أخوة لأم وأمهم
عاتكة بنت مرة وكان نوفل أخاهم لأبيهم
ومن طريق الطحاوي فقلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو هاشم فضلهم الله بك
فما بالنا وبال بني المطلب وإنما نحن وهم في النسب شيء واحد فقال إن بني
المطلب لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام
فلما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك السهم بعض القرابة وحرمه من قرابته منه
كقرابتهم ثبت بذلك أن الله عز وجل لم يرد بما جعل لذي القربى كل قرابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أراد خاصا منهم وجعل الرأي في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه
فيمن شاء منهم فإذا مات وانقطع رأيه انقطع ما جعل لهم من ذلك كما جعل
لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصطفى من المغنم لنفسه سهم الصفي فكان له ذلك ما كان حيا
ولنفسه من المغنم ما شاء فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطع ذلك
ثم إن ما في حديث الطحاوي يدل على أن المراد بالقربى قربى القرابة بسبب
النصرة لا قربى القرابة بسبب الرحم وارتفع ذلك لانتفاء إمكان نصرته بعد أن
قبضه الله تعالى ولا يجعل سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للخليفة بعده ولا سهم ذوي
القربى لقرابة الخليفة بعده كما أن صفيه ليس لأحد بعده بالإجماع فثبت أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:771(2/771)
*** ج2/ص772
حكمه في خمس الخمس خلاف حكم الإمام بعده وإذا ثبت أن حكمه فيما
وصفنا خلاف حكم الناس من بعده ثبت أن حكم قرابته خلاف حكم قرابة الإمام
من بعده
باب
ليس للإمام أن ينفل بعد
إحراز الغنيمة إلا من الخمس
وأما من غير الخمس فلا لأن ذلك قد ملكته المقاتلة
فإن قيل فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في بدأته الربع وفي رجعته
الثلث
قيل له يحتمل أن يكو ن ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفله في الرجعة هو ثلث الخمس
بعد الربع الذي ينفله في البداءة فلا يخرج مما قلناه
فإن قيل إن الحديث إنما جاء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البداءة
الربع وفي الرجعة الثلث فلما كان الربع الذي ينفله في البداءة إنما هو الربع
قبل الخمس فكذلك الثلث الذي كان ينفله في الرجعة هو الثلث أيضا قبل
الخمس وإلا لم يكن لذكر الثلث معنى
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:772(2/772)
*** ج2/ص773
قيل له بل له معنى صحيح وذلك أن المذكور من نفله هو الربع مما يجوز
له النفل منه فكذلك نفله في الرجعة هو الثلث مما يجوز له النفل منه وهو
الخمس
فإن قيل فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث
سرية فيها ابن عمر فغنموا غنائم كثيرة فكانت غنائمهم لكل إنسان اثنا عشر بعيرا
ونفل كل إنسان منهم بعيرا بعيرا
قيل له مالك في الحديث حجة وهو إلى الحجة عليك أقرب لأن فيه
فبلغت سهامهم اثنا عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا
ففي ذلك دليل أن ما نفلوا منه من ذلك كان من غير ما كانت فيه سهامهم
وهو الخمس
وروى الطحاوي عن معن بن يزيد السلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لا نفل إلا بعد الخمس ومعنى قوله بعد الخمس - والله أعلم - حتى يقسم
الخمس فإذا قسم الخمس انفرد حق المقاتلة وهو أربعة أخماس فكان النفل الذي
ينفله الإمام - بعد أن آثر أن يفعل ذلك - من الخمس لا من الأربعة
الأخماس التي هي حق المقاتلة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:773(2/773)
*** ج2/ص774
وقد دل على ذلك ما روى الطحاوي عن ابن سيرين أن أنس بن مالك
رضي الله عنه كان مع عبد الله بن أبي بكر في غزاة غزاها وأصابوا سبيا فأراد
عبد الله أن يعطي أنسا من السبي قبل أن يقسم فقال أنس لا ولكن
اقسم ثم أعط من الخمس قال فقال عبد الله لا إلا من جميع المغانم فأبى
أنس أن يقبله وأبي عبد الله أن يعطيه شيئا من الخمس
فإن قيل إن قتيلا قتل يوم القادسية فنفله سعد بن أبي وقاص
فأعطاه سلبه
قيل له يجوز أن يكون قبل ارتفاع القتال أو بعده أو يكون من
الخمس أو من غيره فلا حجة فيه لأحد
فإن قيل فقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين صناديد العرب عطايا
نحو الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر وأبي سفيان بن
حرب وصفوان بن أمية ومعلوم أنه لم يعطهم ذلك من سهمه من الغنيمة وسهمه
من الخمس إذ لم يتسع لهذه العطايا لأنه أعطى كل واحد من هؤلاء وغيرهم مائة من
الإبل ولم يكن ليعطيهم من بقية سهام الخمس سوى سهمه لأن ذلك سهم الفقراء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:774(2/774)
*** ج2/ص775
ولم يكونوا هؤلاء فقراء فثبت أنه أعطاهم من جملة الغنيمة ولم يستأذنهم فيه فدل أنه
أعطاهم على وجه النفل وأنه قد كان له أن ينفل
قيل له إن هؤلاء كانوا من المؤلفة وقد جعل الله لهم سهما من الصدقات
وسبيل الخمس الصدقة لأنه مصروف إلى الفقراء كالصدقات المصروفة إليهم فجائز
أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم من جملة الخمس كما أعطاهم من الصدقات
باب
يسهم لكل من حضر الوقعة
ولمن كان غائبا عنها في شيء من أسبابها
فمن ذلك من خرج يريدها فلم يلحق الإمام حتى ذهب القتال غير أنه لحق به
في دار الحرب قبل خروجه
أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام - يعني يوم
بدر - فقال إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله وإني أبايع له فضرب له
رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم ولم يسهم لأحد غاب غيره
فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن حضرها فكذلك كل من غاب عن وقعة المسلمين
بأهل الحرب لشغل وشغله الإمام به من أمور المسلمين ولأن غنائم بدر
لو كانت وجبت لمن حضرها دون من غاب عنها إذا لما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لغيرهم فيها
بسهم ولكنها وجبت لمن حضرها ولمن غاب عنها ممن بذل نفسه لها فصرفه الإمام
عنها شغله بغيرها من أمور المسلمين
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:775(2/775)
*** ج2/ص776
وقول أبي هريرة رضي الله عنه بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبان بن سعيد على سرية
من المدينة قبل نجد فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها فلم يقسم
لهم شيئا فذلك عندنا والله أعلم على أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه
أبان إلى نجد قبل أن يتهيأ خ إلى خيبر فتوجه أبان ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم
فلم يكن شغله عن حضورها بعد إرادته حضورها فيكون كمن حضرها فكل شيء
تشاغل به من شغل نفسه أو شغل المسلمين مما كان دخوله فيه متقدما على خروج
الإمام ثم خرج فلا حق له فيها
فإن قيل إن أهل البصرة غزوا نهاوند وأمدهم أهل الكوفة فظفروا فأراد
أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة وكان عمار على أهل الكوفة فقال رجل من
بني عطارد أيها الأجدع تريد أن تشاركنا في غنائمنا قال وكتب في ذلك إلى عمر
فكتب عمر إن الغنيمة لمن شهد الوقعة
قيل له يجوز أن تكون نهاوند فتحت وصارت دار الإسلام وأحرزت الغنائم
وقسمت قبل ورود أهل الكوفة فإن كان ذلك فإنا نحن نقول أيضا إن
الغنيمة في ذلك لمن شهد الوقعة فإن كان جواب عمر الذي في هذا الحديث لما كتب
به إليه إنما هو لهذا السؤال فإن ذلك مما لا اختلاف فيه وإن كان على أن أهل
الكوفة لحقوا بهم قبل خروجهم من دار الشرك بعد ارتفاع القتال فكتب عمر أن
الغنيمة لمن شهد الوقعة فإن في ذلك الحديث ما يدل على أن أهل الكوفة كانوا طلبوا
أن يقسم لهم وفيهم عمار بن ياسر ومن كان فيهم غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:776(2/776)
*** ج2/ص777
ممن تكافأ قوله بقول عمر فلا يكون أحد الفريقين بأولى من الآخر إلا بدليل من
كتاب أو سنة أو إجماع أو نظر صحيح
باب
مكة شرفها الله تعالى فتحت عنوة
قال الله تعالى 2 إنا فتحنا لك فتحا مبينا 2 روي أنه أراد فتح مكة وروي
عن قتادة أنه قال معناه قضينا لك قضاء مبينا والأظهر أنه فتحها بالقهر
والغلبة لأن القضاء لا يتناوله الإطلاق وإذا كان المراد فتح مكة فإنه يدل على
أنه فتحها عنوة إذ كان الصلح لا يطلق عليه اسم الفتح وإن كان قد يعبر عنه مقيدا
لأن من قال فتح بلد كذا عقل منه الغلبة والقهر دون الصلح ويدل عليه في
نسق التلاوة في قوله تعالى 2 وينصرك الله نصرا عزيزا 2 وفيه الدلالة على أن
المراد فتح مكة وأنه دخلها عنوة ويدل عليه قوله تعالى 2 إذا جاء نصر الله والفتح 2 لم يختلفوا أنه أراد فتح مكة وقوله 2 هو الذي أنزل السكينة 2 وذكره ذلك في سياق القصة يدل على ذلك لأن المعنى سكون النفس إلى الإيمان
بالبصائر التي بها قاتلوا عن دين الله حتى فتحوا مكة ويدل عليه قوله تعالى 2 ولا تهنوا 2 أي لا تضعفوا عن القتال 2 وتدعوا إلى السلم 2 أي الصلح
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:777(2/777)
*** ج2/ص778
وهذا يدل على أنه فتحها عنوة لأنه قد نهاه عن الصلح في هذه الآية وأخبر
المسلمين أنهم هم الأعلون الغالبون
ومتى دخلها صلحا برضاهم فهم مساوون لهم إذ كان حكم ما يقع
بتراضي الفريقين فهما متساويان فيه ليس أحدهم بأولى أن يكون غالبا
باب
إذا فتح الإمام بلدة عنوة
فهو بالخيار إن شاء قسمها بين الغانمين
وإن شاء أقر أهلها عليها ووضع عليهم الخراج
الطحاوي عن ابن المبارك عن أبي حنيفة وسفيان رحمهما الله بذلك
وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
أبو داود عن مالك عن ابن شهاب أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها
صلحا والكتيبة أكثرها عنوة وفيها صلح قلت لمالك - يعني ابن هب -
ما الكتيبة قال أرض بخيبر وهي أربعون ألف عذق
وعن ابن شهاب قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال
وترك من ترك من أهلها على الجلاء بعد القتال
البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال قال عمر رضي الله عنه لولا
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:778(2/778)
*** ج2/ص779
آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسمت خيبر ومن طريق
أبي داود إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر
الطحاوي عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال أفاء الله على
رسوله خيبر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا وجعلها بينه وبينهم فبعث
عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم
فثبت بهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قسم خيبر بكمالها ولكنه قسم طائفة منها
وعنه عن سهل بن أبي حثمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين
نصفا لنوائبه وحاجته ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما
وأخرجه أبو داود فبين بهذا الحديث كيف كانت قسمة النبي صلى الله عليه وسلم والذي كان
أوقفه منها هو الذي دفعه إلى اليهود على ما مر في حديث جابر رضي الله عنه وهو
الذي تولى عمر قسمته في خلافته بين المسلمين لما أجلى اليهود عن خيبر و قد
فعل عمر رضي الله عنه مثل ذلك في أرض السواد تركها للمسلمين أرض خراج ينتفع
بها من يجيء بعده منهم كما ينتفع بها من كان في عصره
فإن قيل يجوز أن يكون عمر رضي الله عنه إنما فعل ذلك لأن المسلمين
جميعا رضوا بذلك
قيل له إنما نعلم أن أرض السواد لو كانت كما ذكرتم لكان قد وجب فيها
خمس لله بين أهله الذين جعلهم مستحقين له وقد علمنا أنه لا يجوز للإمام أن يجعل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:779(2/779)
*** ج2/ص780
الخمس ولا شيئا منه لأهل الذمة وقد كان أهل السواد الذين أقرهم عمر قد
صاروا ذمة وكان السواد بأسره في أيديهم فثبت بذلك أن ما فعله عمر من ذلك
كان من جهة غير الجهة التي ذكرتم وهو أنه لم يكن وجب فيها خمس وكذلك
ما فعله في رقابهم فمن عليهم بأن أقرهم في أرضهم ونفى الرق عنهم وأوجب
الخراج عليهم في رقابهم وأراضيهم فملكوا بذلك أراضيهم وانتفى الرق عن
رقابهم
فثبت بذلك أن للإمام أن يفعل هذا بما افتتح عنوة فينفي عن أهلها رق
المسلمين وعن أراضيهم ملك المسلمين ويوجب ذلك لأهلها ويضع عليهم ما يجب
وضعه من الخراج كما فعل عمر رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
واحتج عمر لذلك بقول الله عز وجل 2 ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل 2 ثم قال
2 للفقراء المهاجرين 2 فأدخلهم معهم قال والذين تبوءوا الدار والإيمان من
قبلهم يريد بذلك الأنصار فأدخلهم معهم ثم قال والذين جاءوا من
بعدهم فللإمام أن يفعل ذلك ويضعه حيث وضعه مما سمى الله عز وجل في
هذه الآية
فإن قيل روي عن قيس بن أبي حازم قال لما وفد جرير بن
عبد الله وعمار بن ياسر وأناس من المسلمين إلى عمر قال عمر لجرير
يا جرير والله لولا أني قاسم مسؤول لكنتم على ما قسمت لكم ولكني أرى أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:780(2/780)
*** ج2/ص781
أرده على المسلمين فرده فكان ربع السواد لبجيلة فأخذه منهم وأعطاهم ثمانين
دينارا
قيل له ما دل هذا الحديث على ما ذكرت ولكن يجوز أن يكون عمر
فعل ذلك في طائفة من السواد فجعلها لبجيلة ثم أخذ ذلك منهم للمسلمين
وعوضهم منها عوضا من مال المسلمين فكانت تلك الطائفة التي جرى فيها هذا
الفعل للمسلمين بما عوض عمر أهلها ما عوضهم منها من ذلك وما بقي بعد ذلك
من السواد فعلى الحكم الذي قدمنا ولولا ذلك لكانت أرض السواد أرض عشر
فإن قيل روي أيضا عن قيس بن أبي حازم قال جاءت امرأة من
بجيلة إلى عمر فقالت إن قومي رضوا منك من السواد بما لم أرض ولست أرضى
حتى تملأ كفي ذهبا وجملي طعاما أو كلاما هذا معناه ففعل ذلك بها عمر
قيل له هذا أيضا عندنا - والله أعلم - على الحرف الذي كان سلمه
عمر لبجيلة فملكوه ثم أراد انتزاعه منهم بطيب أنفسهم ولم يخرج تلك المرأة إلا بما
طابت به نفسها فأعطاها عمر ما طلبت حتى رضيت فسلمت ما كان لها من ذلك كما
سلم سائر قومها حقوقهم
فإن قيل قوله تعالى 2 وأورثكم أرضهم وديارهم 2 فيه دلالة على أن
الأرض المغنومة التي ظهر عليها الإمام لا يجوز أن يقر أهلها عليها
قيل له ليس كذلك لأن ظاهر قوله تعالى 2 وأورثكم 2 لا يختص
بإيجاب الملك بالظهور والغلبة فإن الله تعالى قال 2 ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا 2 ولم يرد بذلك الملك ولو صح أن المراد الملك فالمراد به أرض
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:781(2/781)
*** ج2/ص782
بني قريظة 2 وأرضا لم تطؤوها 2 يقتضي أرضا واحدة لا جميع الأرض فإن كان
المراد خيبر فقد ملكها المسلمون وإن كان المراد أرض فارس فقد ملك المسلمون
أرض فارس والروم فقد وجد مقتضى الآية فلا دلالة فيه على ما قال
الطحاوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال لما فتح
عمرو بن العاص أرض مصر جمع من كان معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
واستشارهم في قسمة أرضها بين من شهدها كما قسم بينهم غنائمهم وكما قسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بين من شهدها أو يوقفها حتى يراجع في ذلك أمير المؤمنين
فقال نفر منهم فيهم الزبير بن العوام والله ماذا إليك ولا إلى عمر إنما هي
أرض فتحها الله علينا وأوجفنا عليها خيلنا ورجالنا وحوينا ما فيها فاقسمها
بأحق من قسم أموالها
وقال نفر منهم لا تقسمها حتى تراجع أمير المؤمنين فيها فاتفق رأيهم على أن
يكتبوا إلى عمر في ذلك ويخبروه في كتابهم إليه بمقالتهم
فكتب إليهم عمر بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد وصل إلي
ما كان من إجماعكم على أن تغتصبوا عطاء المسلمين ومؤن من يغزوا أهل العدو
من أهل الكفر و إني إن قسمتها بينكم لم يكن لمن بعدكم من المسلمين مادة
يقوون بها على عدوكم ولولا ما أحمل عليه في سبيل الله وأرفع عن المسلمين من
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:782(2/782)
*** ج2/ص783
مؤنهم وأجري على ضعفائهم وأهل الديوان منهم لقسمتها بينكم فأوقفوها فيئا
على من بقي من المسلمين حتى تنقرض آخر عصابة تغزو من المسلمين والسلام
عليكم
ذكر ما في الحديث الثاني من الغريب
العذق بالفتح النخلة بحملها والعذق بالكسر الكباسة
باب
لا بأس بأخذ الثياب واستعمالها
لحاجة المسلمين إلى ذلك
فإن قيل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عام خيبر من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يأخذ دابة من المغانم يركبها حتى إذا أنقصها ردها في المغانم ومن كان
يأمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من المغانم حتى إذا أخلقه رده في المغانم
قيل له قال أبو يوسف رحمه الله لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه وتفسير لا يفهمه
ولا يبصره إلا من أعانه الله عليه فهذا عندنا - والله أعلم - على من يفعل ذلك وهو
عنه غني يتقي بذلك عن ثوبه وعن دابته أو يأخذ ذلك يريد به الخيانة فأما رجل
مسلم في دار الحرب ليس معه دابة وليس مع المسلمين فضل يحملونه إلا دواب
الغنيمة ولا يستطيع أن يمشي فإن هذا لا يحل للمسلمين تركه ولا بأس بأن يركب
هذا شاؤوا أو أبوا وكذلك هذا الحال في الثياب والسلاح وحال السلاح أبين
وأوضح ألا ترى أن قوما من المسلمين لو تكسرت سيوفهم أو ذهبت ولهم شيء
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:783(2/783)
*** ج2/ص784
من غنائم المسلمين أنه لا بأس أن يأخذوا سيوفا من الغنيمة فيقاتلوا بها ما داموا في
دار الحرب أرأيت لو لم يحتاجوا إليها في معمعة القتال واحتاجوا إليها بعد ذلك
بيومين أغار عليهم العدو أيقيموا هكذا في وجه العدو بغير سلاح كيف يصنعون
أيستأسرون هذا الذي فيه توهين لمكيدة المسلمين وكيف يحل هذا في المعمعة ويحرم
بعد ذلك وإذا كان الطعام لا بأس بأخذه وأكله للحاجة إلى ذلك فكذلك الثياب
باب
إذا استولى الكفار على أموال المسلمين
وأحرزوها بدراهم ملكوها
لقوله تعالى 2 للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم 2 في
هذه الآية إشارة إلى ما ذكرنا لأنه سماهم فقراء بعد أن خرجوا من ديارهم
وأموالهم فلو لم يملكوها لكانوا أبناء سبيل
وروى البخاري عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله أين تنزل
غدا - في حجته - قال وهل ترك لنا عقيل منزلا ثم قال إنا نازلون غدا
بخيف بني كنانة المحصب حيث قاسمت قريش على الكفر وذلك أن بني كنانة
حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤوهم
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:784(2/784)
*** ج2/ص785
باب
لا يجوز مفاداة أسرى المشركين
قال الله تعالى 2 اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم 2 الآية وقوله تعالى
2 قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون 2 فتضمنت الآية وجوب القتال للكفار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية 2 وهم صاغرون 2 والفداء بالمال أو بغيره ينافي ذلك
وقوله تعالى 2 فإما منا بعد وإما فداء 2 وما ورد في أسرى بدر كله
منسوخ بهاتين الآيتين ولم يختلف أهل التفسير ونقلة الآثار أن سورة براءة بعد سورة
محمد صلى الله عليه وسلم فوجب أن يكون الحكم المذكور فيها ناسخا للفداء المذكور في
غيرها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:785(2/785)
*** ج2/ص786
باب
إذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب مغيرين
بغير إذن الإمام فما غنمه فهو له ولا خمس عليه
قال الله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء يقتضي أن يكون الغانمون
جماعة لأن حصول الغنيمة منهم شرط في الاستحقاق وليس ذلك بمنزلة قوله تعالى
2 اقتلوا المشركين 2 و 2 قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله 2 في لزوم قتل الواحد على
حياله وإن لم يكن معه جماعة إذا كان مشركا لأن ذلك أمر بقتل الجماعة والأمر
بقتل الجماعة لا يوجب اعتبار الجمع إذ ليس فيه شرط وقوله تعالى 2 واعلموا أنما غنمتم 2 فيه معنى الشرط وهو حصول الغنيمة لهم بقتالهم فهو كقول
القائل إن كلمت هؤلاء الجماعة فعبدي حر إن شرط الحنث كلام الجماعة
ولا يحنث بكلام بعضها وأيضا لما اتفق الجميع على أن الجيش إذا غنموا لم يشاركهم
جميع المسلمين في الأربعة الأخماس لأنهم لم يشهدوا القتال ولم يكن منهم حيازة
الغنيمة وجب أن يكون هذا المغير وحده يستحق ما غنمه وأما الخمس فإنه يستحق
من الغنيمة التي حصلت بظهر المسلمين ونصرتهم وهو أن يكون فيؤه للغانمين ومن
دخل دار الحرب وحده مغيرا فقد برئ من نصرة الإمام لأنه عاص له داخل بغير
أمره فوجب أن لا يستحق منه الخمس
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:786(2/786)
*** ج2/ص787
باب
للفارس سهمان وللراجل سهم
لأن ظاهر قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء يقتضي المساواة
بين الفارس والراجل وهو خطاب لجميع الغانمين وقد شملهم هذا الاسم كقوله
تعالى 2 فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك 2 عقل منها استحقاقهن الثلثين
على المساواة فلما اتفق الجميع على تفضيل الفارس بسهم فضلناه وخصصنا به
الظاهر وبقي حكم اللفظ فيما عداه وما جاء غير ذلك فعلى وجه التنفيل
الدارقطني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
جعل للفارس سهمين وللراجل سهما
فإن قيل قال أبو بكر النيسابوري هذا عندي وهم من أبي بكر ابن
أبي شيبة أو من الرمادي لأن غيره روى عن ابن نمير خلاف هذا عن الأوزاعي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل وكان لا يسهم لرجل فوق فرسين وإن كان معه
عشرة أفراس
قيل له هذا وهم ممن اعتقده وهما فإن كل واحد من هذين الحديثين مختلف
اللفظ والمعنى ولا ريب في أنهما حديثان فرواية أحدهما لا تمنع من رواية الآخر
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:787(2/787)
*** ج2/ص788
وروى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على أهل الحديبية على ثمانية
عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس
فإن قيل قال أبو داود حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه يعني
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الفرس سهمين وأعطى صاحبه سهما قال وأرى الوهم
في حديث مجمع أنه قال ثلاثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس
قيل له هذا لا يقدح في الحديث لأنه لا يلزم من وهمه في بعض الحديث
وهمه في جميعه والله أعلم
باب
يسهم للبراذين كما يسهم للخيل
قال الله تعالى 2 فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب 2 فعقل باسم
الخيل في هذه الآية البراذين كما عقلت العراب فلما شملها اسم الخيل وجب أن
يستويا في السهمان
ويدل عليه أن راكب البرذون يسمى فارسا كما يسمى راكب الفرس العراب
ولما أجرى على راكبها اسم الفارس وقال عليه السلام للفارس سهمان عم ذلك
فارس البرذون كما عم فارس العراب وأيضا لا يختلف الفقهاء في أنه بمنزلة الفرس
العربي في جواز أكله وحظره على اختلافهم دل ذلك على أنهما جنس واحد
والفرق بينهما كالفرق بين الذكر والأنثى والسمين والهزيل
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:788(2/788)
*** ج2/ص789
باب
وإذا لحقهم مدد قبل إخراج الغنيمة
إلى دار الإسلام شاركوهم فيها
لأن الأصل عندنا أن الغنيمة إنما يثبت الحق فيها بالإحراز بدار الإسلام
ولا تملك إلا بالقسمة وحصولها في أيديهم في دار الحرب لا يثبت لهم فيها حقا
والدليل على ذلك أن الموضع الذي حصل فيه الجيش من دار الحرب لا يصير
مغنوما إذا لم يفتتحوها ألا ترى أنهم لو خرجوا ثم دخل جيش آخر ففتحوها
لم يصر الموضع الذي صار فيه الأولون ملكا لهم فكان حكمه حكم غيره من بقاع
أرض الحرب والمعنى فيه أنهم لم يحرزوه في دار الإسلام فكذلك سائر ما يحصل في
أيديهم قبل خروجهم إلى دار الإسلام لم يثبت لهم فيه حق إلا بالحيازة في دارنا فإذا
لحقهم جيش آخر قبل الإحراز في دار الإسلام كان حكم ما أخذوه حكم ما في أيدي
أهل الحرب فيشترك الجميع فيه ولو كان حصولها في أيديهم يثبت لهم فيها حقا قبل
إحرازها في دار الإسلام لوجب أن يصير الموضع الذي وطئه الجيش من دار
الحرب دار إسلام كما لو افتتحوها وفي اتفاق الجميع على أن وطء الجيش لموضع
في دار الحرب لا يجعله دار إسلام دليل على أن الحق لا يثبت فيه إلا بالحيازة
وخيبر صارت دار الإسلام بظهور النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون ظهروا على نهاوند وصارت
دار إسلام إذ لم يبق للكفار هناك فئة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:789(2/789)
*** ج2/ص790
باب
إذا أبق عبد لمسلم إلى دار الحرب فأخذوه لم يملكوه
أبو داود عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن غلاما لابن عمر أبق
إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر ولم يقسم
والله أعلم
باب
إذا أسلم الذمي سقطت عنه
الجزية وإن أسلم بعد الحول
الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تصلح قبلتان في أرض واحدة وليس على المسلم جزية وإلى هذا ذهب أكثر
أهل العلم وقد روي ذلك عن عمر رضي الله عنه وإليه ذهب أبو عبيد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:790(2/790)
*** ج2/ص791
كتاب الوصايا
باب
لا تصح الوصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة
الترمذي عن عمرو بن خارجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب على ناقته وأنا
تحت جرانها وهي تقصع بجرتها وإن لعابها يسيل بين كتفي فسمعته يقول
إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر
الحجر حديث حسن صحيح
الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:791(2/791)
*** ج2/ص792
وعنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجوز
وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة
باب
لا وصية لقاتل
لأنه استعجل ما أخره الله فيحرم الوصية كما يحرم الميراث ولأن الإرث
وصية الله تعالى للوارث بقوله تعالى 2 يوصيكم الله في أولادكم 2 ثم القاتل
لا يستحق وصية الله فبالأحرى أن لا يستحق وصية العبد
ويعضده ما روى الدارقطني عن علي رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس للقاتل وصية
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:792(2/792)
*** ج2/ص793
باب
إذا كان للرجل ستة أعبد فأعتقهم عند الموت ولا
مال له غيرهم عتق منهم ثلثهم وسعوا في ما بقي
من قيمتهم
لما روي في حديث أبي المليح الهذلي عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا
له في مملوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حر كله ليس لله فيه شريك قال
الطحاوي فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العلة التي لها عتق نصيب صاحبه فدل
ذلك أن العتاق متى وقع في بعض انتشر في الكل وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في
العبد بين اثنين إذا أعتقه أحدهما ولا مال له فحكم عليه فيه بالضمان بالسعاية على
العبد في نصيب الذي لم يعتق فثبت بذلك أن حكم هؤلاء العبيد في المرض كذلك
وإنه لما استحال أن يجب على غيرهم ضمان ما جاوز الثلث الذي للميت أن يوصي به
ويملكه في مرضه من أحب وجب عليهم السعاية في ذلك للورثة
فإن قيل روي عن عمران بن الحصين أنه أعتق ستة أعبد عند الموت
لا مال له غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
قيل له القرعة في هذا الحديث منسوخة لأن القرعة قد كانت في بدء الإسلام
تستعمل في أشياء فيحكم بها فيها منها ما كان علي بن أبي طالب يحكم به في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمن
الطحاوي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال بينا أنا عند
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:793(2/793)
*** ج2/ص794
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل من اليمن وعلي يومئذ بها فقال يا رسول الله أتى
عليا ثلاثة نفر يختصمون في ولد وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد فأقرع بينهم
فقرع أحدهم فدفع إليه الولد فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه أو قال
أضراسه
فلما لم ينكر على علي ما حكم به في القرعة دل ذلك أن الحكم كان يومئذ
كذلك ثم نسخ بعد ذلك باتفاقنا واتفاق مخالفنا ودل على نسخه ما روي في باب
القافة من حكم علي في مثل هذا بأنه جعل الولد بين المدعيين جميعا يرثهما
ويرثانه فيحتمل أن تكون هذه الأشياء كلها قد كانت تستحق بالقرعة ثم نسخ
ذلك بنسخ الربا فردت الأشياء إلى المقادير المعلومة التي فيها التعديل الذي لا زيادة
فيه ولا نقصان
وبعد هذا فليس يخلو ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من العتاق في المرض بالقرعة
وجعله إياه من الثلث من أحد وجهين
إما أن يكون حكما دليلا على سائر أفعال المريض في مرضه من عتقه وهبته
وصدقته أو يكون حكما في عتاق المريض خاصة
فإن كان خاصا في العتاق دون ما سواه فينبغي أن لا يكون ما جعله
رسول الله صلى الله عليه وسلم من العتاق في الحديث من الثلث دليلا على الهبات والصدقات أنها
كذلك فثبت قول من يقول إنها من جميع المال إذ كان النظر يشهد له وإن كان هذا
لا يدرك فيه خلاف ما قال إلا بالتعبد ولا شيء في هذا نقلده إلا هذا الحديث
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل ذلك العتاق في الثلث دليلا على أن هبات المريض
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:794(2/794)
*** ج2/ص795
وصدقاته من الثلث فكذلك هو دليل على أن القرعة قد كانت في ذلك كله جائزة
يحكم بها ففي ارتفاعها عندنا وعند المخالف من الهبات والصدقات دليل على
ارتفاعها أيضا من العتاق فبطل بذلك قول من ذهب إلى القرعة
فإن قيل إيجاب القرعة في العبيد يدل عليه قوله تعالى 2 فساهم فكان من المدحضين 2
قيل له روي أن يونس عليه السلام ساهم في طرحه في البحر وذلك لا يجوز
في قول أحد من الفقهاء كما لا يجوز في قتل من خرجت عليه وفي أخذ ماله فكان
ذلك خاصا به عليه السلام
فإن قيل قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا والعمل على
هذا إلى الآن
قيل له لما كان للرجل أن يخرج ويخلفهن جميعا كان له أن يخرج
ويخلف من شاء منهن فكانت القرعة لتطيب نفس من لا يخرج منهن وليعلم أنه
لم يحاب التي خرج بها عليهن فثبت بما ذكرنا أن القرعة لا تستعمل إلا فيما
يسع تركها وفي ماله أن يمضيه بغيرها ومن ذلك الخصمان يحضران عند الحاكم
فيدعي كل واحد منهما على صاحبه دعوى فينبغي للقاضي أن يقرع بينهما فأيهما قرع
بدأ بالنظر في أمره وله أن ينظر في أمر من شاء منهما بغير قرعة فكان الأحسن به أن
يقرع لبعد الظن به وفي هذا استعمال القرعة كما استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر
نسائه وكذلك عمل المسلمين في إقسامهم بالقرعة فيما عدلوه بين أهلهم بما لو أمضوه
بينهم بلا قرعة كان ذلك مستقيما فأقرعوا بينهم ليطمئن قلوبهم ويرتفع الظن عمن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:795(2/795)
*** ج2/ص796
تولى قسمتهم ولو أقرع بينهم على طوائف من المتاع الذي لهم قبل أن يعدل ويسوي
قيمته على أملاكهم كان ذلك القسم باطلا
فثبت بذلك أن القرعة إنما فعلت بعد أن تقدمها ما يجوز القسم به وأنها
إنما أريدت لانتفاء الظن لا بحكم يجب بها فكذلك نقول كل قرعة تكون مثل
هذا فهي حسنة وكل قرعة يراد بها وجوب حكم وقطع حقوق متقدمة فهي
منسوخة وهي غير مستعملة
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:796(2/796)
*** ج2/ص797
كتاب الفرائض
باب
في ميراث البنات
الترمذي عن جابر بن عبد الله قال جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها
من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل
أبوهما معك يوم أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان
إلا ولهما مال قال يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
عمهما فقال أعط لابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:797(2/797)
*** ج2/ص798
باب
ميراث بنت الابن مع بنت الصلب
البخاري عن هزيل بن شرحبيل قال جاء رجل إلى أبي موسى
الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة وابنة ابن وأخت لأب وأم فقال
للابنة النصف وللأخت النصف وائت ابن مسعود فإنه سيتابعني فأتى
ابن مسعود فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين سأقضي بينهما بما
قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي
للأخت
باب
الجد يحجب الإخوة
ذهب إلى ذلك أبو بكر وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وأبو الدرداء
وأبو الطفيل عامر بن واثلة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبادة بن
الصامت وعمران بن الحصين ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب
وعائشة رضي الله عنهم أجمعين وهو مذهب عطاء وابن المسيب ومجاهد
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:798(2/798)
*** ج2/ص799
و طاوس وعبد الله بن عتبة بن مسعود والحسن البصري وسعيد بن جبير
وجابر بن زيد ومروان بن الحكم رحمهم الله تعالى
باب
العول
مروي عن عمر وعثمان وعلي والعباس وابن مسعود وزيد
وأبي موسى وعائشة رضي الله عنهم وأخذ به عامة الفقهاء وخالف ابن عباس فيه
بعد موت عمر
باب
الرد
مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال بينا أنا جالس عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال
وجب أجرك وردها عليك الميراث
باب
المرأة ترث من دية زوجها
الترمذي عن سعيد بن المسيب قال قال عمر الدية على العاقلة ولا
ترث المرأة من دية زوجها شيئا فأخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:799(2/799)
*** ج2/ص800
رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها قال
أبو عيسى هذا حديث صحيح
ذكر ما فيه من الغريب
اسم الرجل أشيم بهمزة مفتوحة وشين ساكنة معجمة وياء معجمة بثنتين
من تحت وميم الضبابي بكسر الضاد المعجمة وبائين معجمتين
بواحدة واحدة وبينهما ألف وياء النسبة
باب
في توريث ذوي الأرحام
قال الله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
الترمذي عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخال وارث من لا وارث
له حديث حسن غريب
وعنه عن سهل بن حنيف قال كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة أن
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:800(2/800)
*** ج2/ص801
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث
له هذا حديث حسن صحيح وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم
فإن قيل هذا مثل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا
مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع وارثا إلا عبدا هو أعتقه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم
ميراثه هذا حديث حسن
قيل له ليس كذلك فإنه يحتمل وجوها منها
أنه يكون دفعه إليه لأنه ورثه إياه بما للميت عليه من الولاء
ويحتمل أن يكون مولاه ذا رحم له فدفع إليه ماله بالرحم وورثه به
لا بالولاء ألا تراه يقول في الحديث من طريق آخر ولم يدع قرابة إلا عبدا
هو أعتقه فأخبر أن العبد كان قرابة فورثه بالقرابة
ويحتمل أن يكون دفع إليه ميراثه لأن الميت كان أمر بذلك فوضع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه حيث أمر بوضعه كما روي أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال ليس حي من العرب أحرى أن يموت الرجل منهم ولا يعرف له وارث منكم
معشر همذان فإذا كان كذلك فليضع ماله حيث أحب
ويحتمل أن يكون عليه السلام أطعم الولي الأسفل لفقره كما للإمام أن
يفعل ذلك فيما في يده من الأموال التي لا وارث لها
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:801(2/801)
*** ج2/ص802
قال الطحاوي وسمعت ابن أبي عمران يذكر أن هذا التأويل الآخر
قد روي عن يحيى بن آدم رحمه الله
باب
الإرث بالموالاة
قال الله تعالى 2 والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم 2 والمراد عقد
الموالاة نقلا عن أئمة التفسير
الترمذي عن عبد الله بن موهب - وقال بعضهم ابن وهب - عن تميم
الداري قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم ما السنة في الرجل من أهل الشرك يسلم على يد
رجل من المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أولى الناس بمحياه ومماته
وفي لفظ ابن ماجه ما السنة في الرجل من أهل الكتاب
وقوله عليه السلام لا حلف في الإسلام محمول على نفي الحلف الذي
كانوا يتعاقدون عليه في الجاهلية من أن يقول دمي دمك وهدمي هدمك
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:802(2/802)
*** ج2/ص803
وترثني وأرثك فكان ذلك على التناصر على الحق والباطل فحظر الإسلام المناصرة
على الباطل وأوجب معونة المظلوم على الظالم وكذلك كان الحلف في الجاهلية لتقدم
المعاقد على القريب فبقي ذلك في الإسلام وقدم القريب عليه
فإن قيل الآية منسوخة بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض
قيل له الذي ورد أنها نسخت في حق التقديم على الإرث بسبب القرابة أما
نسخ الإرث بها بالكلية فلا نسلم وما ذهبنا إليه من حمل الحديث على ما ذكرناه
أولى لأن فيه الجمع بين الآية التي تلونا وبين الخبرين المتعارضين والمصير إلى هذا
أولى من القول بالنسخ المؤدي إلى إبطال العمل بالآية وبالخبر الذي روينا أصلا
ورأسا
باب
في ميراث المرتد
مذهب علي وعبد الله وزيد بن ثابت والحسن البصري وسعيد بن
المسيب وإبراهيم النخعي وجابر بن زيد وعمر بن عبد العزيز وحماد بن الحكم
والثوري والأوزاعي وشريك أن المرتد يرثه ورثته المسلمون إذا مات أو قتل على
ردته وما اكتسبه في حال الردة فهو فيء قال أبو بكر الرازي ظاهر قوله تعالى
2 يوصيكم الله في أولادكم 2 يقتضي توريث المسلم من المرتد إذ لم يفرق بين
الميت المسلم والمرتد
فإن قيل يخصه قوله عليه السلام لا يرث المسلم الكافر كما خص
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:803(2/803)
*** ج2/ص804
توريث الكافر من المسلم وهو وإن كان من آحاد الأخبار فقد تلقاه الناس بالقبول
واستعملوه في منع توريث المسلم من الكافر فصار في حيز المتواتر ولأن آية المواريث
خاصة بالاتفاق وأخبار الآحاد مقبولة في تخصيص مثلها
قيل له في بعض ألفاظ حديث أسامة لا يتوارث أهل ملتين لا يرث المسلم
الكافر فأخبر أن المراد إسقاط التوارث بين أهل الملتين وليست الردة بملة قائمة
لأنه وإن ارتد إلى اليهودية أو النصرانية فغير مقر عليها فليس هو محكوم له بحكم أهل
الملة التي انتقل إليها فإنه لا تحل ذبيحته وإن كانت امرأة لا يحل نكاحها فثبت أنها
ليست بملة وقد ورد حديث أسامة مفسرا بهذا ومن أصل أبي حنيفة أن ملكه
يزول بالردة فإذا قتل أو مات انتقل إلى الوارث ومن أجل ذلك لا يجوز تصرف
المرتد في ماله الذي اكتسبه في حال الإسلام وحينئذ لم يورث مسلم من كافر
ليس ويمتنع توريث الحي قال الله تعالى 2 وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم 2 وكانوا أحياء وعلى أنا نقلنا المال إلى الورثة بعد الموت فليس فيه توريث
من الحي
وإذا جعل ماله لبيت المال فقد ورثت منه جماعة المسلمين وهو كافر حي
إذا لحق بدار الحرب مرتدا فقد اجتمع للورثة القرابة والإسلام فصاروا أولى كمن
اجتمع له قرب القرابة والإسلام مع من بعد نسبه وهو مسلم بخلاف مال
الذمي لأنه بعد موته ليس مستحقا بالإسلام لاتفاق المسلمين على أن المال لورثته
من أهل الذمة واتفاق جميع فقهاء الأمصار على أن مال المرتد يستحق بالإسلام على
حسب الاختلاف
وإن مات الذمي لا عن ورثة ذمة كان بمنزلة مال وجده الإمام في دار الإسلام
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:804(2/804)
*** ج2/ص805
ولا مالك له كاللقطة التي لا يعرف مستحقها فتصرف في وجوه القرب ولا يلزم
جعل ما اكتسبه في حال ردته فيئا لأنه لا يملكه ملكا صحيحا فصار مالا مغنوما
كسائر أموال أهل الحرب والغنائم ليست بمستحقة لغانميها بالإسلام بدليل رضخنا
للذمي ومن شرط المال المغنوم أن يكون ملكه غير صحيح
وأما من أسلم بعد قسمة الميراث أو أعتق فإنه لا ميراث له وهو قول
عطاء وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبي الزناد لأن حكم المواريث قد
استقر في الشرع على وجوه معلومة بحدوث الموت من غير شرط القسمة فوجب أن
لا يزول ملك من استحق شيئا بإسلام من أسلم كما لا يزول بعد القسمة وحكم
مواريث الجاهلية لما لم يستقر فطر الإسلام حملت عليه ولا خلاف أن من مات بعد
ما ورث ميراثا قبل القسمة أن نصيبه لورثته وكذا لو ارتد لا يبطل ميراثه الذي
استحقه والله أعلم بالصواب
--------------------------------------------------------------------------------
اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج:2 ص:805(2/805)