إذا كان هناك من يستمعون لقراءته وينصتون لها للفائدة؛ فالأفضل الجهر حتى يسمعهم، وإذا كان في المسجد أناس يصلون ويتطوعون بالصلاة فالأفضل الإسرار حتى لا يشوش عليهم، وإذا كان أهل المسجد كلهم يقرؤون، فالإنسان مخير بين الجهر والإسرار، وإن جهروا كلهم جهر معهم، وإن أسروا كلهم أسر معهم، والأفضل ألا يجهر شديداً ولا يسر كثيراً - لقول الله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}[الإسرَاء: 110] .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليه توقيعه - في 2/11/1423هـ
حكم الاجتماع لتلاوة القرآن الكريم
ما قولكم - حفظكم الله- في رجل جمع عددًا من الناس في منزله، فتدارسوا ما تيسّر من القرآن، ثم دعوا الله لأنفسهم وللمسلمين، ثم دعاهم لتناول طعام أعدّه مسبقًا لهم، ثم انصرفوا ؟
ومن ذات السؤال: أن الداعي وزع على المدعوين أجزاء متفرقة من القرآن بحيث يقرؤون جميعهم - كلّ على حدة - ما كتب في الجزء الذي بين يديه، وبعد أن انتهوا جميعًا دعا أحدهم لأنفسهم وللمسلمين فاعتبروا أنهم في مجموعهم ختموا المصحف على سبيل التبرك .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
أولاً:…الاجتماع لتلاوة القرآن ودراسته؛ بأن يقرأ أحدهم ويستمع الباقون ويتدارسوا ما قرؤوه ويتفهموا معانيه: مشروع وقربة يحبها الله، ويجزي عليها الجزاء الجزيل؛ فقد روى مسلم في «صحيحه» وأبو داود: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ" (1) .
__________
(1) …جزء من حديث أخرجه: مسلم (2699)، وأبو داود (1455)، والترمذي (2946).(3/429)
…والدعاء بعد ختم القرآن مشروع أيضًا إلا أنه لا يداوم عليه، ولا يلتزم فيه صيغة معينة كأنه سنة متبعة؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فعله بعض الصحابة رضي الله عنهم، وكذا دعوة من حضر القراءة إلى طعام لا بأس بها مادامت لا تتّخذ عادة بعد القراءة .
ثانيًا: توزيع أجزاء من القرآن على من حضروا الاجتماع ليقرأ كل لنفسه حزبًا أو أحزابًا من القرآن، لا يعتبر ذلك ختمًا للقرآن من كل واحد منهم بالضرورة، وقصدهم القراءة للتبريك فقط فيه قصور؛ فإن القراءة يقصد بها القربة وحفظ القرآن، وتدبره وفهم أحكامه، والاعتبار به ونيل الأجر والثواب، وتدريب اللسان على تلاوته، إلى غير ذلك من الفوائد .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - بدع الناس في القرآن، ص (11، 12)
حكم التمايل عند قراءة القرآن الكريم
تعوّدنا منذ الصغر ونحن نحفظ القرآن الكريم بالكتّاب أن نتمايل يميناً وشمالاً أثناء القراءة بالذات، وهذا التمايل نشعر أنه يسهّل علينا تلاوة القرآن، ولقد اعترض علينا بعض الإِخوة مدعياً أن هذه بدعة، لكنه لا يملك الدليل ؛ لذا نرجو التكرم بإِفادتنا عمّا إذا كانت بدعة لنتركها، جزاكم الله خيراً، وجعلكم عوناً للمسلمين .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
لا بأس بما ذكرت من التمايل يميناً وشمالاً عند القراءة، وليس هذا التمايل من العبادة حتى تكون بدعةً في الدين، وإنما هو من عادات بعض الناس، والمنهي عنه الابتداع في الدين ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : "مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ماليسَ منهُ فهو رَدّ" (1)؛ رواه البخاري ومسلم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (4/116)
حكم الكتابة على المصحف
__________
(1) …البخاري (2697)، ومسلم (1718).(3/430)
يقوم بعض مدرسي القرآن الكريم بوضع ملاحظات بالقلم الرصاص على مصحفهم أو مصاحف الطلاب لتنبيههم إلى أخطائهم بوضع خط تحت مواضع الغنة ونحوها من أحكام التلاوة، وذلك بعد الفراغ من التلاوة .. فهل يجوز كتابة شيء من هذا القبيل على المصحف ؟ أفتونا مأجورين .
أرى أنه لا بأس بوضع هذه الملاحظات، لما ذكر من الأسباب؛ سواء وضعت بالهامش أو الحاشية أو وضعت بين الأسطر، إذا كانت تلك الملاحظات رموز أو إشارات تشبه ما في المصاحف من حروف علامات الوقف وعلامات قراءة التجويد؛ مثل الإخفاء والإظهار والإقلاب، فمتى كانت هذه الملاحظات بأحرف صغيرة وبأقلام الرصاص، بحيث يتمكن من محوها بعد انتهاء الغرض منها فلا بأس بوضعها لهذا السبب.
وإنما ورد النهي أن يكتب في المصاحف ما ليس منها إذا خيف التباس ذلك على القارىء وتوهمه أن تلك الكتابة من القرآن أو من بيان معاني القرآن. أما إذا لم يخف من الالتباس فلا نرى بأساً بوضعها لهذا الغرض بقدر الحاجة، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها توقيعه - في 30/3/1421هـ
حكم وضع نجمة على المصحف
يقوم بعض المدرسين أو المدرسات ومن باب تشجيع الطلاب أو الطالبات على الحفظ والاستذكار بوضع ملصق نجمة خماسية أو نجمتين أو أكثر، أو به لفظ (ممتاز)، أو (بارك الله فيك) على المصحف، إشارة إلى تفوق الطالب أو الطالبة وحسن حفظهم؛ فهل هذا جائز ؟ أفتونا مأجورين .(3/431)
إذا وضع هذا الملصق خارج المصحف فلا بأس به؛ كما لو وضع على ظهر الغلاف أو في أول صفحة قبل البدء في الفاتحة وما بعدها، وتكون هذه النجمة ملصقة بالغلاف، أو بأول ورقة على المصحف الخاص بذلك الطالب أو الطالبة، ويحمل اسمه وتكتب تلك العبارة على تلك النجمة، مع أن الأفضل أن تكتب على الدفاتر الدراسية، أو الكتب المدرسية؛ ففيها تشجيع للطلاب، وحث لهم على المسابقة والمنافسة، واطلاع آبائهم عليها، ومنافسة زملائهم حتى يتسابقوا على الحفظ والفهم والمواظبة، والله الموفق. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 30/3/1421هـ
حكم وضع تسجيل القرآن في انتظار الهاتف
يوجد في مقر عملنا جهاز سنترال يقوم بتوزيع المكالمات الواردة إلينا تلقائياً على المعنيين بها، ويحصل أحياناً أن يكون الهاتف المراد تحويل المكالمة عليه مشغولاً بمكالمة أخرى، وأثناء فترة انتظار التحويل قمنا بوضع مادة مسجلة للقرآن الكريم؛ فاعترض علينا بعض الزملاء بأن هذا فيه امتهان للقرآن الكريم؛ لأنه في غالب الأحيان تكون فترة التحويل قصيرة مما يؤدي إلى انقطاع صوت التسجيل، وبالتالي عدم اكتمال الآيات، وقد يؤدي ذلك إلى اختلال في المعنى، وأن المداومين على الاتصال عندما يستمعون إلى تكرار الآيات قد يؤدي ذلك إلى ضجرهم، وأنه قد يستمع إلى الآيات بعض غير المسلمين فيتلفظون بألفاظ غير لائقة .
نرجو من فضيلتكم توضيح الأمر في هذه المسألة، وهل فيما فعلناه امتهان للقرآن الكريم كما يقول البعض ؟ وما هو الأفضل في نظركم ؟ وجزاكم الله خيراً .(3/432)
أرى أن شغل الوقت باستماع آيات من القرآن الكريم أو الحديث النبوي أولى من السكوت، فإن المتصل يطول عليه زمن الانتظار إذا كان سكوتاً متواصلاً فيضجر ويعتريه الملل والسآمة ويوجه اللوم إلى المعنين ويرميهم بالإهمال وقلة العناية بمن اتصل بهم، بخلاف ما إذا انشغل بسماع آيات بينات، وأحاديث شريفة، وأدعية فاضلة جامعة، وحكم عربية، وفوائد ونصائح يستفيد منها من أراد الله به خيراً، ولا يضر ذلك انقطاع الآية أثناء الاتصال ففي إمكان المستمع أن يسأل عن تمامها، أو يرجع إليه في المصحف. ولا بأس حتى ولو كان المستمع كافراً؛ لتقوم عليه الحجة بسماع القرآن الذي هو المعجزة النبوية، وحجة الله على خلقه. ومن ضجر من سماع القرآن فلا خير فيه، والواقع أن الضجر من الصمت الطويل أولى وأكثر وقوعاً. فعلى هذا عليكم الاستمرار فيما فعلتم فهو خير من الذين يشغلون الوقت بالموسيقى والأغاني كما هو حال كثير من أهالي السنترالات. وأحسن الكلام كلام الله تعالى، وجزيتم خيراً .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه
حكم إيقاف القرآن لاستماع الأخبار
أثناء السير بالسيارة أو الجلوس بالمنزل كثيراً ما نسمع آيات القرآن الكريم تتلى، ولكن يكون الإنسان في حاجة إلى استماع شيء آخر مثل الأخبار أو قراءة الجريدة؛ نظراً لعدم توفر الوقت للسماع للذكر وفعل مثل هذه الأشياء بالترتيب .. فهل إقفال الراديو أو غيره لغرض استماع الأخبار أو قراءة الصحف يعتبر إعراضاً عن ذكر الله ؟ وما هو الحل في مثل ذلك ؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
لا حرج من سماع الأخبار وقراءة الصحف بدلاً من فتح الإذاعة على القرآن؛ لأن كل شيء له وقته، ولا يتضمن ذلك الإعراض عن القرآن ولا هجره - إذا كان للمؤمن أوقات أخرى يقرأ فيها القرآن أو يستمع فيها إذاعة القرآن.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(3/433)
فتاوى اللجنة الدائمة - السؤال الثالث من الفتوى رقم: (7108)
حكم اتخاذ السُّفرة مما فيه قرآن أو ذِكْر
1- هل يجوز استخدام الجرائد كسفرة للأكل عليها ؟ وإذا كان لا يجوز فما العمل فيها بعد قراءتها ؟
2- بالنسبة لبقايا الطعام يضعه بعض الناس في كرتون ونحوه، ويوضع في الشارع لتأكله البهائم، ولكن يأتي عمال النظافة ويضعونه مع بقية النفايات ... والسؤال: هل يجوز وضع الطعام مع النفايات الأخرى ؟
1- لا يجوز استعمال الجرائد سفرة للأكل عليها ولا يجعلها ملفاً للحوائج، ولا امتهانها بسائر أنواع الامتهان إذا كان فيها شيء من الآيات القرآنية، أو من ذكر الله عز وجل، والواجب إذا كان الحال ما ذكرنا، حفظها في محل مناسب، أو إحراقها، أو دفنها في أرض طيبة.
2 - الواجب تسليمه لمن يأكله من الفقراء - إن وجد -، فإن لم يوجد من يأكله من الفقراء وجب جعله في مكان بعيد عن الامتهان حتى تأكله البهائم، فإن لم يتيسر ذلك وجب حفظه في كراتين أو أكياس باغة أو غيرها، وعلى البلديات في كل بلد أن تعمّد المسؤولين لديها أن يضعوه في أماكن نظيفة حتى تأكله البهائم، أو يأخذه بعض الناس لبهائمه صيانة للطعام عن الإهانة والإضاعة .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (206)
لا بأس بالتمثل بالقرآن الكريم في موضعه
نسمع كثيراً من الإخوان يستخدم الآيات القرآنية لضرب أمثلة؛ كقوله تعالى: {لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ *}[الغَاشِيَة]، وقوله: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ}[طه: 55] ؛ فهل هذا جائز أم لا ؟ وإذا كان جائزًا ففي أي الحالات يمكن ذكرها وترديدها ؟ جزاكم الله خيراً .(3/434)
لا بأس بالتمثل بالقرآن الكريم إذا كان ذلك لغرض صحيح؛ كأن يقول: هذا الشيء لا يسمن ولا يغني من جوع، أو يقول: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ}[طه: 55]؛ إذا أراد التذكير بحالة الإنسان مع الأرض وأنه خلق منها ويعود إليها بعد الموت ثم يبعثه الله منها. فالتمثيل بالقرآن الكريم إذا لم يكن على وجه السخرية والاستهزاء لا بأس به، وأما إذا كان على وجه السخرية والاستهزاء فهذا يعتبر ردة عن الإسلام؛ لأن من استهزأ بالقرآن الكريم أو بشيء من ذكر الله عز وجل وهزل بشيء من ذلك فإنه يرتد عن دين الإسلام؛ كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *}[التّوبَة: 65-66]؛ فيجب تعظيم القرآن واحترامه .
الشيخ الفوزان - المنتقى (1/80، 81)
عدم جواز استعمال آيات القرآن الكريم في المزاح
استعمال بعض آيات القرآن في المزاح ما بين الأصدقاء: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ *}[الحَاقَّة]، {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ *}[عَبَسَ]، [الفَتْح: 29] .. هل يجوز استعمال هذه الآيات في المزاح بين الأصدقاء ؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح على أنها آيات من القرآن. أما إذا كانت هناك كلمات دارجة على اللسان لا يقصد بها حكاية آية من القرآن أو جملة منه - فيجوز .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (4/56)
حكم الدخول بأشرطة القرآن الكريم إلى دورات المياه(3/435)
ما حكم الدخول إلى دورات المياه بأجهزة مسجل عليها القرآن الكريم كاملاً رسماً وصوتاً ؟
يجوز ذلك، فإن هذه الأجهزة لا تسمى مصاحف، وليس فيها كتابة واضحة للآيات، وهي عرضة لمسح هذا القرآن المسجل فيها رسماً وصوتاً، والذي يرى تلك الأشرطة مغلفة لا يفرق بينها وبين أشرطة الأغاني والملاهي، ومع ذلك نرى أنه لا يدخل بها في المراحيض والأماكن المستقذرة، صيانة لها وتنزيهاً للقرآن عن الامتهان، وهكذا أيضاً إذا خربت تلك الأشرطة فنرى أن تمسح منها الآيات القرآنية قبل أن تلقى مع النفايات، أو أن تحرق حتى لا يبقى لها أثر يدخل في الامتهان. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 3/3/1424هـ
حكم كتابة الآيات والأذكار بأحرف غير عربية
أحيط فضيلتكم أنني قمت بجمع بعضٍ من الأذكار والأدعية من القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة، ورغبت في ترجمتها إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وسؤالي لفضيلتكم حول الترجمة؛ حيث إنني أود أن تكون ترجمة لمعاني الأدعية والأذكار، وترجمة لألفاظ الأدعية والأذكار - بمعنى أن يكتب لفظ الدعاء العربي بأحرف لاتينية؛ ليتمكن الذاكر من نطق الدعاء باللفظ العربي المكتوب بالأحرف اللاتينية، مع إدراكه لمعناه.
أفتونا في عملنا هذا .. مأجورين وجزاكم الله خيرًا.(3/436)
لا مانع من هذه الترجمة بأي لغة يُحتاج إليها؛ إذا كانت الترجمة لمعاني الآيات والأحاديث، ولابد أن يكون المترجم من أهل المعرفة والاختصاص ؛ بحيث يفهم معنى الآيات فهمًا دقيقًا حتى لا يقع في تغيير المعاني، وهكذا لا مانع من كتابة تلك الآيات والأحاديث بالحروف الأعجمية لإمكان قراءتها بالألفاظ العربية؛ فإن الحروف اصطلاحية لا يُتعبَّد برسمها، فأي لغة اصطلح أهلها على وضع حروف تعبر عن لغتهم - جاز ذلك. ويجوز عند الحاجة كتابة الآيات أو الأحاديث بتلك الحروف إذا أمكن النطق بها بقدر الحاجة؛ لتحصل قراءتها لمن يجهل الحروف العربية. ومتى أمكن تعليمهم الحروف العربية. والنطق بها فهو الواجب وإذا تعذر أو تعسر - جاز استعمال الحروف الانجليزية والفرنسية ونحوها، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها توقيعه، في: 22/8/1421هـ
الفصل الثاني
حقوق الوالدين والأولاد والرحم
حكم عقوق الوالدين
لي ولد وقد تجاوز العشرين من عمره، ويدرس في الجامعة ودائماً يتخاصم مع والدته بحجة أنها ترفع صوتها على إخوانه في المنزل؛ فهو الآن لا يسلم عليها، وقد هجرها منذ شهرين، وحتى الآن يدخل البيت ويأكل ويشرب وينام، ولكن لا يسلم عليها أبداً .. ما موقفي منه باعتباري والده ؟ عِلماً بأني نصحته ورفض مراراً وتكراراً ولا زال مصراً على عمياه: أفيدونا جزاكم الله خيراً .
هذا جاهل مركب، قد ارتكب منكراً عظيماً، وعقوقاً كبيراً، نسأل الله لنا وله الهداية .. فالواجب تحذيره من ذلك، ومنعه من هذا العقوق ولو بالضرب، أو منعه من البيت بالكلية، أو بغير ذلك من أنواع التأديب المناسبة، إذا كان ما ينفع فيه الكلام، ولا بأس من رفع أمره إلى الهيئة أو إلى المحكمة إذا لم يستطع والده علاج الموضوع. أصلحه الله وألهمه رشده وكفاه شر نفسه .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/78، 79)
صفة بِرُّ الوالدين وضوابطه(3/437)
بعض الناس يعتقد أن بر الوالدين يكون في كل شيء .. فنرجو من فضيلتكم بيان ضوابط بر الوالدين ؟
بِرُّ الوالدين هو الإحسان إليهما بالمال والبدن والجاه وغير ذلك. ويكون بالقول؛ وقد بين الله عز وجل البر بالقول - فقال: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}[الإسرَاء: 23]، هذا وقد بلغ الكبر، والغالب أن البالغ للكبر لا يكون تصرفه أمام قبيله جيداً، ومع ذلك قال الله: {فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}؛ أي: تضجراً منهما { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}. ويكون بالفعل؛ وذلك بأن يذل الإنسان أمامهما ويخضع لهما الخضوع اللائق في مقامهما؛ لقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا *}[الإسرَاء: 24]. ويكون كذلك ببذل المال فإن الوالدين لهما حق الإنفاق، وحقهما في الإنفاق من أعظم الحقوق - حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ"(1). ويكون أيضاً بالخدمة بالمعروف؛ فيخدمهما الإنسان بما جرت به العادة حتى بالقول، ويكون بالبدن بالخدمة بما جرت به العادة، ولكن إذا استخدماه في أمر محرم فإنه لا يحل له أن يوافقهما على ذلك، بل من بِرِّهما أن يمتنع عن هذا الشيء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا؛ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ: تَمْنَعُهُ
__________
(1) …أحمد (2/204)، وأبو داود (3530)، وابن ماجه (2292) من حديث ابن عمرو . وابن ماجه (2291) من حديث جابر، وابن حبان في «صحيحه» (410، 4262) من حديث عائشة. قال في «مصباح الزجاجة» (3/37): «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1855، 1856).(3/438)
مِنْ الظُّلْمِ" (1)؛ فمَنْعُ الوالدين من المُحرَّم وامتناع موافقتهما هذا من بِرِّهما والإحسان إليهما، مثال ذلك: لو أمره أبوه أن يشتري له شيئاً محرماً فأبى فإنه لا يعد عاقاً بل هو بار في الحقيقة؛ لأنه بذلك يكون مانعاً لوالده من المُحرَّم .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم إخفاء بعض الخصوصيات عن الوالدين
شخص تجاوز الأربعين من عمره، وبلغ درجة علمية عالية، وهو بحمد الله على دين واستقامة، ومتزوج وله أسرة وأطفال، وهو يسعى بكل جهده لبر والديه، وحريص على رضاهما، إلا أن ما يلزمه من القيام بحق أسرته من التزامات اجتماعية ورعاية طبية ونحوها من الحقوق قد يضطره أحياناً لإخفاء بعض أموره الشخصية عن والديه لحرصه على عدم إزعاجهما، ولعلمه مسبقاً أنهما قد يعارضانه في ذلك، مع أنه لا يضر بهما ولا ينقص من قدرهما ولا يضيع أي من حقوقهما عليه؛ فهل يأثم إذا أخفى بعض خصوصياته عنهما ؟
نوصيه وغيره ببر والديه، والحرص على رضاهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رِضَا الرَّبِّ مِنْ رِضَا الوَالِدَيْن، وسَخَطُ الرَّبِّ في سَخَطِ الوالدين" (2)، فعلى هذا إذا لم يتضرر الوالدان، ولم يحملا سخطاً على ولدهما، ولم ينقص من بِرِّهِ بهما، ولا من حقه الذي يجب عليه نحو أبويه؛ فلا مانع من إخفاء بعض أموره الشخصية عن والديه لحرصه على عدم إزعاجهما، إذا لم يكن في ذلك الإخفاء ما يؤثر على وضعهما وعلى صحتهما، ولم يكن في تلك الأمور التي يخفيها معصية لله تعالى، ولا عقوق لأبويه، والله أعلم .
__________
(1) …البخاري (2444، 6952) من حديث أنس، ومسلم بنحوه في البر (2584) من حديث جابر، وأحمد (3/99، 201) من حديث أنس، واللفظ له .
(2) …الترمذي (1899)، والبزار (2394)، والحاكم 4/152 (7249) وصححه ووافقه الذهبي. لكن بلفظ (الوَالِد) بالإفراد في كلا الموضعين. وأما بالتثنية فقد رواه الطبراني وفيه: عصمة ابن محمد، وهو متروك. انظر: «فيض القدير» (4/33).(3/439)
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 16/7/1425هـ
حكم طاعة الوالدين في معصية الله
أنا مسلمة والحمد لله، وأعمل كل ما يرضي الله، وملتزمة بالحجاب الشرعي، ولكن والدتي سامحها الله لا تريد مني أن ألتزم بالحجاب وتأمرني أن أشاهد السينما والفيديو .. إلخ، وتقول لي: إذا لم تتمتعي وتنشرحي تكونين عجوزاً ويبيض شعرك .
الواجب عليك أن ترفقي بالوالدة، وأن تحسني إليها، وأن تخاطبيها بالتي هي أحسن؛ لأن الوالدة حقها عظيم، ولكن ليس لك طاعتها في غير المعروف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ" (1)، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" (2)، وهكذا الأب والزوج وغيرهما لا يطاعون في معاصي الله للحديث المذكور. ولكن ينبغي للزوجة والولد ونحوهما أن يستعملوا الرفق والأسلوب الحسن في حل المشاكل، وذلك ببيان الأدلة الشرعية، ووجوب طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحذر من معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع الثبات على الحق، وعدم طاعة من أمر بمخالفته من زوج أو أب أو أم أو غيرهم. ولا مانع من مشاهدة مالا منكر فيه من التلفاز والفيديو، وسماع الندوات العلمية والدروس المفيدة، والحذر من مشاهدة ما يعرض فيهما من المنكر، كما لا يجوز مشاهدة السينما لما فيها من أنواع الباطل .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/358)
أدب الولد مع والده العاصي
__________
(1) …البخاري (7145)، ومسلم (1840) .
(2) …أحمد (1/94، 129، 131) من حديث علي، وَ(1/409) من حديث ابن مسعود، وَ (4/ 426، 427، 432، 436) من حديث عمران بن حصين، وَ(5/66، 67) من حديث الحكم بن عمرو. قال الهيثمي في المجمع (5/226): «رواه أحمد بألفاظ، والطبراني باختصار، وفي بعض طرقه: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ورجال أحمد رجال الصحيح».(3/440)
تصدر من والدي أفعال تخالف الشريعة وآدابها .. ماذا يجب عليَّ نحو والدي في هذه الحالة ؟
نسأل الله لوالدك الهداية وأن يمن عليه بالتوبة، ونوصيك بالرفق به ونصيحته بالأسلوب الحسن وعدم اليأس من هدايته؛ لقول الله سبحانه: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَْرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ *}[لقمَان]: فأوصى سبحانه بشكر الوالدين مع شكره، وأمر الولد أن يصاحبهما في الدنيا معروفاً وإن جاهداه على الكفر بالله، وبذلك تعلم أن المشروع لك أن تصحب والدك بالمعروف، وأن تحسن إليه وإن أساء إليك، وأن تجتهد في دعوته إلى الحق لعل الله يهديه بأسبابك . ولا يجوز لك أن تطيعه في معصية، ونوصيك أيضاً بأن تستعين على هدايته بالله عز وجل، ثم بأهل الخير من أقاربك كأعمامك وغيرهم ممن يقدرهم ويحترمهم أبوك لعله يقبل نصيحتهم . نسأل الله لنا ولك وله الهداية والتوفيق للتوبة النصوح؛ إنه سميع قريب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/354)
الدعاء للوالدين أفضل من الصدقة عنهما
إذا تصدقت من مالي بالنية لأمي؛ فهل يجوز ذلك ؟ وهل يصل ثواب هذا التصدُّق لها - رحمها الله ؟(3/441)
نعم؛ يجوز أن يتصدق الإنسان عن أمه أو عن أبيه الميت، ويصل الثواب لمن تصدق عنه. دليل ذلك ما ثبت في «صحيح البخاري»: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا - أي ماتت بغتة - وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ قَالَ: نَعَمْ" (1) .
وكذلك إذن النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة رضي الله عنه أن يجعل مِخْرَافَهُ(2) في المدينة - أي: نَخْلَهُ - صدقةً لأمه بعد وفاتها(3) .
ولكن ينبغي أن يعلم أن الأفضل للإنسان أن يدعو لأبيه وأمه، وأن يجعل ثواب الأعمال الصالحة لنفسه؛ لأن هذا هو المعروف عن السلف؛ بل هذا هو الذي دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الإِْنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(4). لكن لا حرج أن يفعل الإنسان شيئًا من الأعمال الصالحة بنية أنه لأبيه وأمه بعد موتهما .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/151)
خمسة أمور من بِرِّ الوالدين بعد موتهما
كيف يكون البر بالوالدين ؟ وهل تجوز العمرة عن أحدهما رغم أنه أداها من قبل ؟
إن بِرَّ الوالدين يعني الإحسان إليهما بالمال والجاه والنفع البدني، وهو واجب. وعقوق الوالدين من كبائر الذنوب وهو منع حقهما . والإحسان إليهما في حياتهما معروف، وكما ذكرنا آنفًا يكون بالمال والجاه والبدن، وأما بعد موتهما فيكون برهما بالدعاء لهما والاستغفار لهما، وإنفاذ وصيتهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك بها إلا بهما، هذه خمسة أشياء من بر الوالدين بعد الموت .
__________
(1) …البخاري (1388، 2760)، ومسلم (1004) .
(2) …المِخْرَف والمَخْرَف والمَخْرَفَة: بستان النخل.
(3) …البخاري (2762) .
(4) …مسلم (1631) .(3/442)
أما الصدقة عنهما فهي جائزة، ولكن لا يقال للولد: تصدق؛ بل يقال: إن تصدقت فهو جائز، وإن لم تتصدق فالدعاء لهما أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (1) .
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بمقام التحديث عن العمل؛ فكان هذا دليلاً على أن الدعاء للوالدين بعد موتهما أفضل من الصدقة عنهما، وأفضل من العمرة لهما وأفضل من قراءة القرآن لهما وأفضل من الصلاة لهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يعدل عن الأفضل إلى المفضول؛ بل لابد أن يبين عليه الصلاة والسلام ما هو الأفضل، ويبين جواز المفضول، وقد بين في هذا الحديث ما هو الأفضل .
أما بيان جواز المفضول، فإنه جاء في حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه حين استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدَّقَ عن أُمِّهِ فأَذِنَ له(2)، وكذلك الرجل الذي قال: يارسول الله: "إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا - أي ماتت بغتة - وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ قَالَ: نَعَمْ"(3).
المهم أنني أشير على الأخ أن يكثر من الدعاء لهما بدلاً عن أداء العمرة أو الصدقة أو ما شابه ذلك؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لا ننكر عليه إن تصدق أو اعتمر أو صلى أو قرأ القرآن وجعل ذلك لوالديه أو أحدهما، أما لو كانا لم يؤديا العمرة أو الحج فإنه قد يقال إن أداء الفريضة عنهما أفضل من الدعاء. والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/148، 149 )
حكم استئذان الوالدين في الجهاد
__________
(1) …مسلم (1631) .
(2) …البخاري (2762) .
(3) …البخاري (1388، 2760)، ومسلم (1004) .(3/443)
إنني أحب الجهاد وقد امتزج حبه في قلبي، ولا أستطيع أن أصبر عنه، وقد استأذنت والدتي فلم توافق ولذا تأثرت كثيراً ولا أستطيع أن أبتعد عن الجهاد .. سماحة الشيخ: إن أمنيتي في الحياة هي الجهاد في سبيل الله وأن أقتل في سبيله، وأمي لا توافق .. دلني جزاك الله خيراً على الطريق المناسب .
جهادك في أمك جهاد عظيم، الزم أمك وأحسن إليها، إلا إذا أمرك ولي الأمر بالجهاد فبادر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا"(1).
ومادام ولي الأمر لم يأمرك فأحسن إلى أمك وارحمها، واعلم أن برها من الجهاد العظيم؛ قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله - كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قيل له: يا رسول الله .. أيُّ العمل أفضل ؟ قال: "إيمانٌ بالله ورسوله" . قيل: ثم أي ؟ قال: "برُّ الوالدين" . قيل: ثم أي ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"(2). فقدَّمَ بِرَّهُمَا على الجهاد. وجاءه رجل يستأذنه، قال: يارسول الله: أُحِبُّ أن أجاهد معك، فقال له صلى الله عليه وسلم: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ" ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ"(3). وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم "ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلا فَبِرَّهُمَا" (4) .
فهذه الوالدة، ارحمها وأحسن إليها حتى تسمح لك، وهذا كله في جهاد الطلب، وفيم إذا لم يأمرك ولي الأمر بالنفير .
__________
(1) …البخاري (1834)، ومسلم (1353) .
(2) …البخاري (527)، ومسلم (85) مع بعض الاختلاف .
(3) …البخاري (3004)، ومسلم (2549) .
(4) …أبو داود (2530)، وأحمد (3/75)، وابن حبان (422)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/138): «رواه أحمد وإسناده حسن».(3/444)
أما إذا نزل البلاء بك فدافع عن نفسك وعن إخوانك في الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهكذا إذا أمرك ولي الأمر بالنفير فانفر ولو بغير رضاها؛ لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَْرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآْخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآْخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ *إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *}[التّوبَة] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" . وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث العدد (34)، ص (146، 147)
فضل تربية الأولاد في الإسلام
أنا امرأة عندي من الأولاد والبنات، أما البنات فلأنهن معي طول الوقت قد أحسنت تربيتهن، أما الأولاد فبعضهم كبير وليس باستطاعتي القيام على تربيتهم، ووالدهم يعمل طوال النهار، وإذا طلبت منه ذلك لا يعجبه الكلام .. فهل عليّ شيء في هذا ؟
وأرجو حث الآباء على الاعتناء بالأبناء، وعدم انشغالهم عنهم بالعمل .
نشكر هذه المرأة على تربية بناتها، وعلى محاولة تقويم أولادها البنين أيضاً، ونرجو من أبيهم أن يعتني بهم، وأن يحرص عليهم، وأن يوجههم حتى يكونوا صالحين ؛ فإن ذلك خير له في الدنيا والآخرة، في الحياة والممات، قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التّحْريم: 6] .(3/445)
وقال صلى الله عليه وسلم : "إذا مات ابنُ آدم انقطَعَ عَمَلُهُ إلا من ثلاث : صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتَفَعُ به من بعدِه، أو ولدٍ صالح يَدْعُو له" (1)، وهو إذا قام بتربيتهم على الوجه الذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم - كان على خيرٍ عظيم، وصار هؤلاء الأولاد يدعون له في حياته وبعد موته، وإذا كان بالعكس فأهمل تربية أولاده أثِمَ بذلك، وصاروا عليه وبالاً .
فنرجو من هذا الأب أن يعتني بأولاده كما يعتني بماله؛ بل أكثر ؛ لأن المال عَرَض يزول، ولكن الأولاد جزء من الإِنسان، وهم الذين ينفعونه في حياته، وبعد الممات .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى الطفل المسلم ص (124)، جمع وترتيب : يحيى بن سعيد آل شلوان
ثواب تربية البنات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن، وسقاهن، وكساهن، كُنّ له حجاباً من النار" .. هل يكنّ حجاباً من النار لوالدهن فقط أم حتى الأم شريكة في ذلك ؟ وأنا عندي ولله الحمد ثلاث بنات .
__________
(1) …مسلم (1631).(3/446)
الحديث عام للأب والأم بقوله صلى الله عليه وسلم : "من كانت له ابنتان فأَحْسَنَ إليهما كُنَّ له سِتْراً من النار" (1)، وهكذا لو كان له أخوات أو عمّات أو خالات أو نحوهن، فأحسن إليهن، فإنّا نرجو له بذلك الجنّة ؛ فإنه متى أحسن إليهن فإنه بذلك يستحق الأجر العظيم، ويُحجب من النار، ويحال بينه وبين النار لعمله الطيّب. وهذا يختصّ بالمسلمين؛ فالمسلم إذا عمل هذه الخيرات ابتغاء وجه الله يكون قد تسبّب في نجاته من النار، والنجاة من النار الدخول في الجنّة لها أسباب كثيرة، فينبغي للمؤمن أن يستكثر منها، والإسلام نفسه هو الأصل الوحيد، وهو السبب الأساسي لدخول الجنّة والنجاة من النار، وهناك أعمال إذا عملها المسلم دخل بهن الجنة ونجا من النار - مثل: من رُزق بناتٍ أو أخواتٍ فأحْسَن إليهِنَّ كُنَّ له سِتْراً من النار، وهكذا من مات له ثلاثة أَفْرَاط(2) لم يبلغوا الحِنْث كانوا له حِجَابًا من النار؛ قالوا : يا رسول الله، واثْنَان ؟ قال : «واثنان» (3)، ولم يسألوه عن الواحد .
__________
(1) …ابن ماجه (3670)، وابن حبان (2945)، والحاكم 4/178 (7351)، بنحوه. وحسنه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (2960). وأصله في البخاري (1418، 5995)، ومسلم (2629).
(2) …جمع فَرَط : وهو في الأصل الذي يتقدم القوم ليرتاد لهم الماء، والمراد به هنا : الولد دون البلوغ يقدمه المرء بين يديه ذكراً كان أو أنثى.
(3) …البخاري (101، 1249، 7310)، ومسلم (2632، 2633)، بنحوه.(3/447)
وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقول الله تعالى : "ما لِعَبْدِي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ من أهل الدنيا ثم احْتَسَبَهُ إلا الجنّة" (1)، فبيّن سبحانه وتعالى أن ليس للعبد المؤمن عنده جزاءً إذا أخذ صَفِيَّهُ (أي مَحبوبه) من أهل الدنيا ثم صبر واحتسب إلا الجنة، فالواحد من أفراطنا يدخل في هذا الحديث إذا أخذه الله، وقبضه إليه، فصبر أبوه أو أمُّه أو كلاهما، واحتسبا فلهما الجنّة، وهذا فضل من الله عظيم، وهكذا الزوج والزوجة وسائر الأقرباء والأصدقاء إذا صبروا واحتسبوا دخلوا في هذا الحديث، مع مراعاة سلامتهم مما قد يمنع ذلك من الموت على شيء من كبائر الذنوب، نسأل الله السلامة .
الشيخ ابن باز -مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/375)
تسمية الأولاد .. هل هو حق للأب أم للأم ؟
لقد رزقني الله - سبحانه وتعالى - بابنة وأردت تسميتها، وأرادت زوجتي اسماً آخر، فاقترحت عليها الاقتراع على الاسمين، وأسميناها حسب نتيجة الاقتراع؛ فهل هذا من الأزلام ؟ وإذا كان كذلك فكيف نفضّ هذا الخلاف ؟ وهل التسمية من حق الوالد فقط ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً .
القرعة في مثل هذا من الأمور الشرعية؛ لما فيها من حل النزاع وتطييب النفوس، وقد استعملها النبي صلى الله عليه وسلم في أمور كثيرة ؛ وكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يسافر أقْرَع بين نسائه ؛ فأَيَّتُهُنَّ خرج السَّهْمُ لها خرج بها(2). ولما أوصى رجلٌ بعتق أعبُدٍ لَهُ ستةٍ ليس له غيرهم أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فأَعْتَقَ اثْنَيْن وأرَقَّ أربعةً(3) .
والتسمية من حق الأب، ولكن تستحب مشاورة الأم فيها تطييباً للنفوس وتأليفاً للقلوب .
__________
(1) …البخاري (6424).
(2) …البخاري (2593) وأطرافه فيه، ومسلم (2770).
(3) …مسلم (1668).(3/448)
ويشرع لهما جميعاً أن يختارا الأسماء الطيبة ويبتعدا عن الأسماء المكروهة، ولا يجوز في التسمية التعبيد لغير الله كعبد النبي وعبد الكعبة، وعبد الحسين، ونحو ذلك ؛ لأن الجميع عبيد الله سبحانه فلا يجوز التعبيد لغيره. وقد نقل العالم المشهور أبو محمد بن حزم رحمه الله(1) اتفاق العلماء على تحريم التعبيد لغير الله ماعدا (عبد المطلب) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ هذا الاسم في بعض الصحابة رضي الله عنهم جميعاً، وبالله التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى إسلامية (3/221) جمع وترتيب : محمد المسند
حكم تفضيل أحد الأبناء على باقي إخوته
هل يجوز لي أن أعطي أحد أبنائي ما لا أعطيه لآخر لكون الآخر غنياً ؟
ليس لكِ أن تخصي أحد أولادك الذكور والإناث بشيء دون الآخر، بل الواجب العدل بينهم حسب الميراث أو تركهم جميعاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ"(2). لكن إذا رضوا بتخصيص أحد منهم بشيء فلا بأس إذا كان الراضون بالغين مرشدين، وهكذا إن كان في أولادك من هو مُقصِّر عاجز عن الكسب، لمرض أو علة مانعة من الكسب، وليس له والد ولا أخ ينفق عليه، وليس له مرتب من الدولة يقوم بحاجته، فإنه يلزمك أن تنفقي عليه قدر حاجته حتى يغنيه الله عن ذلك .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص 205
حكم الإنفاق على المتزوِّج والأعزب من الأبناء والبنات
أفيد فضيلتكم أنني أقوم بالإنفاق على أبنائي الذكور المتزوجين منهم والعُزاب؛ فهل يلزمني أن أنفق كذلك على بناتي المتزوجات ؟
__________
(1) …في كتابه : «مراتب الإجماع» ص (154).
(2) …البخاري (2587)، ومسلم (1623) - (13).(3/449)
إذا كان أبناؤك الذكور يعملون معك فإنك تُنفق عليهم ولك أن تزيدهم مُقابل عملهم، وهكذا إذا كانوا فقراء ليس لهم كسبٌ ولا دخل لزمك أن تُنفق عليهم سواءً كانوا مُتزوجين أو عُزَّاباً، ومن استقل منهم واستغنى بكسبه أو بوظيفته ولم يحترف معك فلا يلزمك أن تُنفق عليه، وهكذا لا يلزمك الإنفاق على البنات المتزوجات فإن نفقتهن على أزواجهن؛ لقوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[النِّسَاء: 34]، وفي الحديث: "ولَهُنَّ عليكُم رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ" (1)، لكن إذا قُدِّر أن بعضهن افتقرن واشتدت حاجتهن وأنت من ذوي اليسار فإنك تُنفق عليهن وعلى أولادهن من غير الزكاة، وعلى أزواجهن من الزكاة، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 7/2/1423هـ
أحوال يجوز فيها تفضيل بعض الأبناء في الهِبَة
س1: أنا رب أسرة ولي أبناء وبنات متزوجون، ولهم دخل وظيفي ويسكنون في مساكن خاصة بهم مع زوجاتهم وأطفالهم، ومتطلبات الحياة ترتب عليهم المزيد من النفقات التي تزيد عن قدرتهم المادية؛ الأمر الذي جعلني أبادر إلى مساعدتهم لتأمين متطلبات حياتهم، في حين أن بقية إخوانهم وأخواتهم يسكنون معي، وأوفر لهم متطلبات حياتهم؛ إلا أن المتطلبات والنفقات التي يحتاج إليها الأبناء الكبار لا تتساوى مع النفقات والمتطلبات التي يحتاج إليها بقية إخوانهم ممن يقيمون معي في المسكن.
السؤال : هل هذه المتطلبات والنفقات التي أساعد بها الأبناء الكبار تندرج ضمن مفهوم النفقة التي تجب على الوالد ؟ أم أنها تندرج ضمن مفهوم عدم العدل في النفقة ؟
__________
(1) …مسلم (1218)، في حديث طويل.(3/450)
ج1: نوصيك بتحري العدل والمساواة بين أولادك في العطية والتمليك، وأما في النفقة: فعليك أن تعطي كل فرد ما يحتاجه ضرورة في نفقة له ولأولاده وزوجته وكسوة وحاجات تكميلية ما يُلحق بالضروريات - كسكن ومركب وفرش وأدوات ونحو ذلك. وكل هذه من واجب الوالد على ولده ولو لم تكن من الضروريات الأساسية؛ فإنها تندرج ضمن مفهوم النفقة الواجبة على الوالد ولا تدخل في مفهوم العطية التي يجب على الوالد التسوية فيها بين أولاده. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه، في: 14/6/1422هـ
س2: أفيد فضيلتكم أنني رجل ميسور الحال - والحمد لله - ولديَّ عدد من الأبناء منهم من يعمل معي ومنهم الصغير الذي لا يعمل؛ فهل يلزمني إذا أردت أن أعطي أبنائي الكبار هبة أن أعطي أبنائي الآخرين مثلها أو أن أسوي بينهم فيها ؟ وهل إذا قمت بتفضيل أحد أبنائي الذين يعملون معي في الهبة ولم أسوِّ بينه وبين الآخرين الذين يعملون معي أيضاً وذلك تقديراً لتميزهم وجهودهم .. فهل يلحق بي من وراء ذلك إثم أو وزر ؟
ج2: إذا كان الذين يعملون معك في تجارتك أو في صنعتك متبرعين، فينبغي أن تعوضهم على عملهم سواءً برواتب شهرية، أو بسهام محددة من الشركة في تجارة أو صناعة مقابل عملهم معك وجدِّهم واجتهادهم في مساعدتك وتقويتك في هذه التجارة ونحوها؛ فإنهم يقدرون على أن يلتحقوا بالوظائف التي يكتسبون منها دخلاً مناسباً يكفيهم ويكفي عوائلهم، فإن أعطيتهم شيئاً زائداً عن أجرتهم أو سهامهم فلا بد أن تعطي إخوتهم الصغار مثلهم، وهذا هو العدل الذي ورد في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الله واعْدِلُوا بينَ أولادِكُم" (1)، كما يجوز لك أن تعطي الذي يعمل معك بجد ونشاط أكثر من غيره تقديراً لتميزه وجهوده، وحثاً للآخرين على أن يعملوا كعمله .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 25/1/1423هـ
__________
(1) …البخاري (2587)، ومسلم (1623) - (13).(3/451)
حكم لعن الأولاد وسبِّهم
امرأة عادتُها تلعن وتسب أولادها، وتؤذيهم تارة بالقول وتارة بالضرب على كل صغيرة وكبيرة، وقد نصحتها العديد من المرات للإقلاع عن هذه العادة فيكون ردها: أنت دلعتهم وهم أشقياء، حتى كانت النتيجة كره الأولاد لها، وأصبحوا لا يهتمون بكلامها نهائياً، وعرفوا آخر النهاية الشتم والضرب .
فما حكم الدين تفصيلاً في موقفي من هذه الزوجة حتى تعتبر: هل أبتعد عنها بالطلاق ويصير الأولاد معها ؟ أم ماذا أفعل ؟ أفيدوني وفقكم الله .
لعن الأولاد من كبائر الذنوب، وهكذا لعن غيرهم ممن لا يستحق اللعن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ" (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" (2)، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(3). فالواجب عليها التوبة إلى الله سبحانه وحفظ لسانها من شتم أولادها، ويشرع لها أن تكثر من الدعاء لهم بالهداية والصلاح . والمشروع لك أيها الزوج نصيحتها دائماً، وتحذيرها من سب أولادها، وهجرها إن لم ينفع فيها النصح: الهجر الذي تعتقد أنه مفيد فيها، مع الصبر والاحتساب وعدم التعجل في الطلاق . نسأل الله لنا ولك ولها الهداية، مع تأديب الأولاد وتوجيههم إلى الخير حتى تستقيم أخلاقهم .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة المسلمة (2/941)
ما هو التَّحْرِيج ؟ وما حكمه ؟
يقوم بعض الناس بالتحريج على أبنائهم بألفاظ منها : أحرِّج عليك أن لا تفعل كذا وكذا، أو أحرِّج عليك أن تفعل كذا وكذا، ويعتقدون أن هذا التحريج مُلزمٌ للمحرَّج عليه ما دام المحرِّج على قيد الحياة .. فما معنى التحريج ؟ وما حكمه في الشرع ؟
__________
(1) …البخاري (6105)، ومسلم (110) .
(2) …البخاري (48)، ومسلم (64) . ومعنى (وقتاله كفر): أي كفر أصغر غير مخرج من المِلَّة.
(3) …مسلم (2598) .(3/452)
التحريج: هو الإيقاع في الحرج الذي هو المشقة والشدة، وهو الذي قد نفاه الله تعالى بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحَجّ: 78]، وفي قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}[المَائدة: 6] أي: من مشقة وصعوبة، فهذا التحريج من الوالد لولده أو غيره يقصد بذلك منعه من هذا الشيء أو إلزامه بالشيء الذي يريده، فإذا كان فيه مصلحة إذا فعله أو مفسدة؛ فإن على الوالد منع أولاده من هذا الشيء والتشديد عليهم سواءً بقوله: (أُحَرِّجُ عليك ألاَّ تَفْعَلْ هذا) أو (أحرِّج عليك أن تفعله) ، أو بغيره من الألفاظ، وعلى الأولاد طاعة آبائهم أو أولياء أمورهم إذا علموا بأن فيه مصلحة وأنهم ما قصدوا بذلك إلا الخير، ومع ذلك لا يكون ملزماً ولا يلزم الولد الطاعة فيه سيما إذا كان فيه معصية لله أو تفويت منفعة، ومتى خالفه الولد فلا كفارة على أبيه؛ فإنه لا يُعد يميناً منعقدة على الصحيح، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - بتاريخ 3/9/1421هـ
حكم صلة الرحم
ما حكم صلة الرحم وما ثواب من يصل رحمه ؟ جزاكم الله خيراً .(3/453)
صلة الرحم واجبة، وفيها فضل عظيم؛ فإن الله عز وجل تكفَّلَ للرحم أن يَصِل مَنْ وَصَلها ويقطعَ مَنْ قَطَعَها(1)، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن "مَنْ أَحَبَّ أن يُوسعَ له في أَثَرِه، ويُبْسَطَ له في رِزْقِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَه"(2). وقطيعة الرحم سبب للعنة الله - كما قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ *}[محَمَّد]، وسبب لقطيعة الله للعبد، فإن الله تعالى قال للرحم: أقطع من قطعك. وعلى من قطع رحمه أن يتقي الله عز وجل ويصلها حتى يوسع له في أثره، ويبسط له في رزقه، ويصله أرحامه؛ لأن الجزاء من جنس العمل .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
الفصل الثالث
من حقوق الحيوان
من حقوق الحيوان في الإسلام (رسالة جوابية للشيخ ابن باز)
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى جناب الأخ المكرم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد:
__________
(1) …البخاري (4830، 5987، 7502)، ومسلم (2554)، بمعناه.
(2) …البخاري (2067، 5985، 5986)، ومسلم (2557) بلفظ: «مَنْ أحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ لهُ في أَثَرِه؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». ومعنى: (يُنْسَأ له في أَثَرِه): أي: يُؤَخَّر له في أَجَلِهِ وعُمُرِه.(3/454)
فقد اطلعت على رسالتكم المؤرخة في 24/10/1982م بخصوص ما رغبتم في كتابته منا في موضوع نقل الحيوان من بلادكم بأستراليا إلى الشرق الأوسط، وما يتعرض له من ظروف الشحن السيئة، وأحوال السفن التي ينقل عليها، وما ينتج من الزحام وما إلى ذلك . وإذ ندعو الله أن يسلك بنا وبكم وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم لنشكركم على اهتمامكم بهذا الجانب المهم، كما تسرنا إجابتكم على ضوء نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة الواردة بالحث على الإحسان الشامل للحيوان مأكول اللحم وغير مأكوله، مع طائفة من الأحاديث مما صح في الوعيد لمُعذِّبه؛ سواء كان ذلك نتيجة تجويع أو إهمال في حالة نقل أو سواه .
فمما جاء في الحث على الإحسان الشامل للحيوان وسواه قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البَقَرَة: 195]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِْحْسَانِ}[النّحل: 90]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم وأصحاب السنن -: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" (1) .
__________
(1) …مسلم (1955) .(3/455)
ومما جاء في إغاثة الملهوف: صح الخبر بعظم الأجر لمغيثه، وغفران ذنبه، وشكر صنيعه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لأَجْرًا ؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" (1) .
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ"(2).
__________
(1) …البخاري (2363، 2466، 6009)، ومسلم (2244).
(2) …مسلم (2244). والرَّكِيَّةُ: هي البِئْر. والمُوقُ: هو خُفٌّ غليظ يُلبس فوق الخُفّ.(3/456)
وكما حث الإسلام على الإحسان وأوجبه لمن يستحقه نهى عن خلافه من الظلم والتعدي؛ فقال تعالى: {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البَقَرَة: 190]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}[الفُرقان: 19]، وفي «صحيح مسلم»: أن ابن عمر رضي الله عنهما مَرَّ بِنَفَرٍ قد نصبوا دجاجة يترامونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، فقال ابن عمر: مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا (1)، وفيه عن أنس رضي الله عنه: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ (2) - أي: تُحْبَس حتى تموت - وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا"(3). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ (4)، وفي صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ؛ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ" (5)، وفي سنن أبي داود عن أبي واقد رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ
__________
(1) …البخاري (5515)، ومسلم (1958) .
(2) …البخاري (5513) ومسلم (1956) .
(3) …مسلم (1957، 1958). ومعنى (غَرَضًا): أي هَدَفًا للرَّمي بالسهام ونحوها.
(4) …أحمد (1/332)، وأبو داود (5267)، وابن ماجه (3224) بإسناد صحيح. وانظر: "صحيح سنن أبي داوود" (4387). والصُّرَد: طائر معروف ضخم الرأس والمنقار، نصفه أسود ونصفه أبيض.
(5) …البخاري (3482)، ومسلم (2242) . وخَشَاشُ الأرض: هوامُّها ودوابُّها.(3/457)
وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ" (1)، وأخرجه الترمذي في باب: ما قُطِع من الحي فهو ميت .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنْ فَجَّعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا. وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ؟ قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ" (2) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلا سَأَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ: يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا، وَلا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا" (3) .
__________
(1) …أحمد (5/ 218)، وأبو داود (2858)، والترمذي (1480)، وابن ماجه (3216) . وقال الترمذي: «حسن غريب». ورواه الحاكم أيضاً 4/124، 239 (7150-7152، 7597) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …أبو داود (2675، 5268). وأخرجه بنحوه بدون ذكر قرية النمل: أحمد (1/404)، والحاكم 4/239 (7599) وصححه ووافقه الذهبي. وانظر: «صحيح سنن أبي داود» للألباني (2329). والحُمَّرة طائر صغير كالعصفور، ومعنى (تَفْرُش) أي: تبسط جناحيها وتقرب من الأرض وتُرَفْرِف.
(3) …النسائي (4354، 4450)، والحاكم 4/233 (7574) وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد (2/166) بنحوه، جميعهم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.(3/458)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على حمار قد وُسِم في وجهه فقال: "لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ" (1)، وفي رواية له: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ (2)، وهذا شامل للإنسان والحيوان.
فهذه النصوص، وما جاء في معناها - دالة على تحريم تعذيب الحيوان بجميع أنواعه حتى ما ورد الشرع بقتله، ومنطوق هذه الأدلة ومفهومها: الدلالة على عناية الإسلام بالحيوان؛ سواء ما يجلب له النفع أو يدرأ عنه الأذى، فالواجب جعل ما ورد من ترغيب في العناية به، وما ورد من ترهيب في تعذيبه في أي جانب يتصل به أن يكون نصب الأعين وموضع الاهتمام، ولا سيما النوع المشار إليه من الأنعام، لكونه محترماً في حد ذاته أكلاً وماليةً، وتتعلق به أحكام شرعية في وجوه الطاعات والقربات من جهة، ومن أخرى لكونه عرضة لأنواع كثيرة من المتاعب عند شحنه ونقله بكميات كبيرة خلال مسافات طويلة، ربما ينتج عنها تزاحم مهلك لضعيفها، وجوع وعطش وتفشي أمراض فيما بينها، وحالات أخرى مضرة تستوجب النظر السريع والدراسة الجادة من أولياء الأمور بوضع ترتيبات مريحة شاملة لوسائل النقل والترحيل والإعاشة، من إطعام وسقي وغير ذلك من تهوية وعلاج، وفصل الضعيف عن القوي الخطر، والسقيم عن الصحيح في كل المراحل حتى تسويقها قدر المستطاع، وهو اليوم شيء ممكن للمؤسسات المستثمرة والأفراد والشركات المصدرة والمستوردة، وهو من واجب نفقتها على ملاكها ومن هي تحت يده بالمعروف .
__________
(1) …مسلم (2117). ومعنى (وسَمَهُ): كَوَاهُ فأثَّر فيه بعلامة.
(2) …مسلم (2116) .(3/459)
ومما يؤسف له ويستوجب الإنكار والتحذير منه: الطرق المستخدمة اليوم في ذبح الحيوان مأكول اللحم في أكثر بلدان العالم الأجنبي، وما يمهد له عند الذبح بأنواع من التعذيب، كالصدمات الكهربائية في مركز الدماغ لتخديره، ثم مروره بكلاليب تخطفه وتعلقه منكساً وهو حي، ماراً بسير كهربائي حتى موضع من يتولى ذبحه لدى بعض مصانع الذبح والتعليب، ومنها نتف ريش الدجاج والطيور وهي حية، أو تغطيسها في ماء شديد الحرارة وهي حية، أو تسليط بخار عليها لإزالة الريش، زاعمين أنه أرفق بما يراد ذبحه من الحيوان، حسبما هو معلوم عن بعض تلك الطرق للذبح، وهذا فيه من التعذيب مالا يخفى مخالفته لنصوص الأمر بالإحسان إليه والحث على ذلك في الشريعة الإسلامية السمحاء، وكل عمل مخالف لها يعتبر تعدياً وظلماً يحاسب عليه قاصده؛ لما سلف ذكره، ولما صح في الحديث: "إِنَّ اللهَ لَيقْتَصُّ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ" (1)، فكيف بمن يعقل الظلم ونتائجه السيئة ثم يقدم عليه ؟!
وبناء على النصوص الشرعية ومقتضياتها بَوَّب فقهاء التشريع الإسلامي ما يجب ويستحب أو يحرم ويكره بخصوص الحيوان بوجه عام، وبما يتعلق بالذكاة لمباح الأكل بوجه تفصيلي خاص؛ نسوق طائفة مما يتعلق بجانب الإحسان إليه عند تذكيته، ومنه: المستحبات الآتية:
1 -…عرض الماء على ما يراد ذبحه؛ للحديث السابق: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" (2) .
2 -…أن تكون آلة الذبح حادة وجيدة، وأن يمرها الذابح على محل الذكاة بقوة وسرعة، ومَحلُّه: اللَّبَّةُ(3) من الإبل، والحلق من غيرها؛ من المقدور على تذكيته .
3 -…أن تنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى إن تيسر ذلك موجهة إلى القبلة .
__________
(1) …مسلم (2582) بنحوه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والجَلْحَاء: التي لا قَرْنَ لها.
(2) …مسلم (1955) .
(3) …اللَّبَّةُ: موضع نَحْرِ الإبل في أعلى الصدر.(3/460)
4 -…وذبح غير الإبل مضجعة على جنبها الأيسر موجهة إلى القبلة، ويضع رجله على صفحة عنقها غير مشدودة الأيدي أو الأرجل، وبدون لَيَّ شيء منها أو كسره قبل زهوق روحها وسكون حركتها، ويكره خلع رقبتها قبل ذلك، أو أن تذبح وأخرى تنظر.
هذه المذكورات مما يستحب عند التذكية للحيوان، رحمة به، وإحساناً إليه، ويكره خلافها، وكل مالا إحسان فيه كجرِّه برجله؛ فقد روى عبد الرزاق موقوفاً: أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلاً يجر شاة برجلها ليذبحها فقال له: (وَيْلَك .. قُدْهَا إلى الموت قَوْداً جميلاً)(1) .
أو أن يحُدَّ الشفرة والحيوان يبصره وقت الذبح؛ لما ثبت في مسند الإمام أحمد: عن ابن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِحَدِّ الشِّفَارِ وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ (2)، وما ثبت في معجمي الطبراني «الكبير» و«الأوسط»، ورجاله رجال الصحيح: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحدّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها قال: "أفلا قَبْلَ هذا ؟ أتريدُ أن تُمِيتَها مَوْتَتَيْن" (3) .
أما غير المقدور على تذكيته كالصيد الوحشي أو المتوحش، وكالبعير يند فلم يقدر عليه فيجوز رميه بسهم أو نحوه بعد التسمية عليه مما يسيل الدم غير عظم وظفر، ومتى قتله السهم جاز أكله؛ لأن قتله بذلك في حكم تذكية المقدور عليه تذكية شرعية مالم يحتمل موته بغير السهم أو معه .
__________
(1) …مصنف عبد الرزاق (8605)، وهو فيه من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2) …أحمد (2/108)، وابن ماجه (3172)، والطبراني في «الكبير» (13144). قال في «مصباح الزجاجة» 3/233: «وهو ضعيف وله شاهد من حديث شداد بن أوس، رواه مسلم في صحيحه وأصحاب السنن».
(3) …الطبراني في الكبير (11916)، وفي الأوسط (3590) . قال الهيثمي في المجمع (4/33): «رجاله رجال الصحيح» .(3/461)
وهذا جرى ذكره منا على سبيل الإفادة بمناسبة طلبكم - لا على سبيل الحصر - لما ورد وصح نقله بشأن الحيوان على اختلاف أنواعه، فالإسلام دين الرحمة، وشريعة الإحسان، ومنهاج الحياة المتكامل، والطريق الموصلة إلى الله ودار كرامته، فالواجب الدعوة له، والتحاكم إليه، والسعي في نشره بين من لا يعرفه، وتذكير عامة المسلمين بما يجهلون من أحكامه ومقاصده ابتغاء وجه الله، فمقاصد التشريع الإسلامي في غاية العدل والحكمة، فلا تحريم من كل نافع حيواني؛ خلافاً لما عليه البوذيين،ولا إباحة لكل ضار منه؛ خلافاً لما عليه أكلة الخبائث من الخنزير والسباع المفترسة وما في حكمها، ولا ظلم ولا إهدار لحرمة كل محترم من نفس أو مال أو عرض. فنشكر الله على نعمه التي أجلها نعمة الإسلام، مع الابتهال إليه أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن لا يجعلنا بسبب تقصيرنا فتنة للقوم الكافرين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد المبلغ البلاغ المبين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة، العدد (910)
بيان من هيئة كبار العلماء حول إجراء التجارب العلمية على الحيوانات
فتوى رقم (188) بتاريخ 25/10/1418هـ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، ومن اهتدى بهداه .. أما بعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثامنة والأربعين المنعقدة في مدينة الرياض ابتداء من 17/10/1418هـ نظر في موضوع تخدير الحيوانات ثم إجراء بعض التجارب الطبية عليها ليستفاد من تلك التجارب في علاج الإنسان، ثم ذبحها بعد ذلك وأكل ما يباح أكله منها؛ بناء على الاستفتاء الوارد إلى سماحة رئيس المجلس من بعض الأطباء بإدارة التغذية بالحرس الوطني الذي جاء فيه مانصه :(3/462)
يعلم سماحتكم ما للحوادث من نتائج وخيمة تؤدي في كثير منها إلى الوفاة؛ سواء في مكان الحادث أو بعد وصول الحالة إلى المستشفى. ونظرًا لكثرة الحوادث، فإن المستشفيات الكبيرة في العالم عملت على إقامة دورات تدريبية متقدمة لإنقاذ حياة المصابين. وقد كان لهذه الدورات أثر إيجابي في تقليل نسبة الوفيات الناتجة عن إصابات الحوادث بمشيئة الله وتقليل نسبة حدوث المضاعفات، والإِعاقة الجسدية والعقلية الناتجة عنها. ولهذا فقد تبنى مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني إقامة هذه الدورات للأطباء الجراحين العاملين بمختلف أنحاء المملكة. وهذه الدورات تطبق تدريبيًا على الحيوانات (مثل الأغنام والكلاب). وطريقتها : أن يقوم الطبيب البيطري بتخدير الحيوان تخديرًا عامًا ووضعه على طاولة خاصة ثم يقوم الأطباء المتدربون بعمل بعض العمليات الجراحية في الساقين والبطن والقلب والحنجرة. وعقب الانتهاء من هذه العمليات مباشرة نقوم بذبح الحيوان بعد التأكد من أن الحيوان لا زال على قيد الحياة. ونظرًا لأن معظم المواد المخدرة تستنفذ عند الذبح إلا أن البعض منها يبقى بين الخلايا لمدة لا تتجاوز نصف ساعة، فإننا نعمل على الاستفادة من الذبيحة بعد ذلك بطهيها واستهلاكها .
تنبيهات :
1-…إن أمثل طريقة لتطبيق هذه التدريبات هو استخدام مثل هذه الحيوانات .
2- إن الحيوان المستخدم في هذه التدريبات يخدر تخديرًا عامًا ولذلك لا يوجد أي إحساس بالألم لدى الحيوان، ولا توجد أية معاناة من هذه العمليات .
3-…إن بعض هذه العمليات تتطلب أن يكون الحيوان على قيد الحياة (تحت التخدير) .
4-…إن المشرفين على هذه التدريبات أطباء مسلمون .
5-…إن الفائدة المرجوة من هذه التدريبات عظيمة على المتدربين، ونتيجة لذلك يتم إنقاذ حياة كثير من المصابين بإذن الله تعالى .
- نرجو من سماحتكم إفتاءنا في عملنا هذا .. وهل ينبغي ذبح الكلاب بعد انتهاء العمليات ؟. اهـ .(3/463)
واطلع المجلس على البحث المعد في حكم ذبح الحيوان المخدر وأكله إذا كان مما يباح أكله وعلى التقارير الطبية الواردة من وزارة الصحة، وجامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبدالعزيز المشتملة على تفصيلات كاملة عن التجارب التي تجري على الحيوانات بعد تخديرها. وبعد البحث والمناقشة وتداول الآراء والتأمل في الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة الدالة على تكريم الله سبحانه وتعالى لبني آدم وتفضيلهم على كثير من مخلوقاته وتسخيره سبحانه ما في السماوات والأرض لهم؛ قرر المجلس بالأكثرية ما يلي :
1-…جواز التخدير للحيوانات عند الضرورة وإجراء تجارب العمليات عليها؛ إذا كان في ذلك مصلحة للإِنسان، مع مراعاة عدم إيذائها وتعذيبها بإجراء التجارب عليها بدون تخدير .
2-…جواز ذبح ما يباح أكله منها بعد ذلك إذا تحقق أن فيها حياة مستقرة، وأكلها إذا قرر فريق طبي متخصص أنه لا يترتب على أكلها أضرار صحية على آكلها بسبب المواد الكيميائية التي استخدمت في تخديرها وإجراء التجارب عليها .
3-…وجوب قتل ما لا يحل أكله بسبب تحريمه، أو لا يصلح للأكل بسبب المواد الكيميائية التي استخدمت في تخديره أو أثناء إجراء التجارب عليه - إذا كان في ترك ذبحه تعذيب له بسبب إجراء التجارب عليه .(3/464)
4-…يوصي المجلس الأطباء وجميع من لهم علاقة بالتخدير وإجراء التجارب على الحيوانات أيًا كان نوعها بتقوى الله سبحانه، والرفق بالحيوان مباح الأكل وغيره، وأن يراعوا في جميع التجارب التي تجرى على الحيوان في جميع مراحلها موافقتها لتعاليم الشرع المطهر: من الرفق بالحيوانات وعدم تعريضها للأذى أو الألم أثناء إجراء التجارب عليها؛ امتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كَتَبَ الإحسانَ على كل شيء؛ فإذا قَتَلْتُم فَأَحْسِنُوا القِتْلَة، وإذا ذَبَحْتُم فأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُم شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"؛ رواه مسلم(1). وأن لا يتم إجراء التجارب على الحيوانات إلا في الحالات الضرورية التي فيها مصلحة طبية للإِنسان لا يمكن الوصول إلى معرفتها إلا بواسطة هذه التجارب .
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله ونبينا محمد وآله وصحبه .
هيئة كبار العلماء - جامع الفتاوى الطبية ص (351- 353)، جمع : د. عبدالعزيز عبدالمحسن
حكم وَسْم أُذن الدابة أو خَرْقِها أو قَرْضِها
أفتانا شيخ بأن وسم أذن الدابة أو خرقها أو قرضها جزئياً أو كلياً هو أمر من الشيطان، وهو يسبب لعنة الله على فاعل هذا الشيء؛ فهل هذا صحيح أم لا ؟
__________
(1) …مسلم (1955)، وغيره.(3/465)
الأصل في الإسلام احترام بهيمة الأنعام وعدم إيذائها بوسم أو خرقها أو قرضها جزئياً أو كلياً أو بغير ذلك؛ إلا إذا كان لحاجة ظاهرة: كأن يريد تعليمها بشيء تعرف به له أو لغيره من وسم بنار في غير الوجه، أو شق سنام الإبل التي تساق هدياً؛ فلا بأس بذلك مادام ذلك في حدود الحاجة ولغرض صحيح؛ فقد ثبت في الصحيحين: عن أنس رضي الله عنه قال: غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ(1). ولأحمد وابن ماجه: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِمُ غَنَمًا فِي آذَانِهَا(2).
وثبت في صحيح البخاري: عن المِسْور بن مخرمة ومروان قالا: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ(3). والإشعار: هو أن يجرح سنام البدنة حتى يسيل الدم، ثم يَسْلُتُه(4) فيكون ذلك علامة على كونه هدياً . أما الوسم في الوجه فلا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولعن من فعله(5) .
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - فتاوى إسلامية، (4/446)
حكم التسلي بالطيور ووضعها في الأقفاص
ما الحكم فيمن يجمع الطيور ويضعها في قفص وذلك لكي يتسلى بها أولاده ؟
__________
(1) …البخاري (1502)، ومسلم بنحوه (2119)، والمِيسَم: الحديدة التي يُكْوَى بها.
(2) …أحمد (3/169، 171، 254، 259)، وابن ماجه (3565)، وأصله في الصحيحين: البخاري (5542)، ومسلم ( تحت 2119) .
(3) …البخاري (1694، 1695) .
(4) …أي: يقطعه ويزيله.
(5) …مسلم (2117) .(3/466)
لا حرج في ذلك؛ إذا أعد لها ما يلزم من الطعام والشراب، لأن الأصل في مثل هذا الأمر الْحِلّ، ولا دليل يدل على خلاف ذلك فيما نعلم . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى إسلامية (4/449)
حكم اقتناء الكلاب
عندي كلاب أربيها، وهي ليست من كلاب الصيد المعروفة؛ فهل صيدها (عندما تصيد) حلال أم حرام ؟ وما حكم تربية مثل هذه الحيوانات ؟
لا يحل لإنسان أن يقتني كلباً إلا أن يكون كلبَ صَيْدٍ أو حَرْثٍ أو ماشية؛ كما ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم(1).
وهذه الكلاب التي أشار إليها السائل إن كان يقتنيها ليُمرِّنها على الصيد حتى تصطاد فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[المَائدة: 4].
وأما إذا كان يقتنيها لمجرد هوايته لها، فإن هذا حرام عليه، ولا يجوز، وينتقص من أجره كل يوم قِيراط .
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على ما يفعله كثير من المترفين، كاقتناء الكلاب في بيوتهم، بل ربما يشترونها بأثمان باهظة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم (نَهَى عن ثَمَنِ الكلب)(2). يفعلون ذلك تقليداً لغير المسلمين، ومن المعلوم أن تقليد غير المسلمين فيما كان محرَّماً أو فيما كان من خصائصهم أمر لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(3).
__________
(1) …البخاري (2322)، ومسلم (1571-1575).
(2) …البخاري (2237)، ومسلم (1567) .
(3) …أبو داود (4031)، وأحمد (2/50، 92) بزيادة فيه، والطبراني في «الأوسط» (8327). وهو حديث حسن. انظر: «فتح الباري» (10/271)، و«مجمع الزوائد» (10/271)، و«فيض القدير» (6/104، 105) .(3/467)
نصيحتي لهؤلاء الإِخوة: أن يتقوا الله عز وجل وأن يحفظوا فلوسهم، وأن يحفظوا أجورهم وثوابهم من النقص . وأن يدعوا هذه الكلاب، ويتوبوا إلى الله - سبحانه وتعالى - ومن تاب تاب الله عليه .
الشيخ ابن عثيمين - نور على الدرب - مكتبة الضياء، ص (74)
حكم التلقيح الصناعي بين الحيوانات
سأعرض لفضيلتكم ثلاث صور مما يسمى بالتلقيح الصناعي بين الحيوانات وبخاصة الخيل :
الصورة الأولى: تتمثل في نقل الحيوان المنوي من ذكر الخيل ووضعه في رحم أنثى الخيل لتلقيحها .
الصورة الثانية: نقل البويضة من رحم أنثى الخيل بعد تلقيحها لوضعها في رحم فرس أخرى لتنمو وتتكامل خلقتها فيها .
الصورة الثالثة: أن تؤخذ البويضة من رحم الفرس والحيوان المنوي من الذكر، ويتم تلقيح تلك البويضة بذلك الحيوان في أنبوب صناعي ثم يعاد وضعها بعد ذلك في رحم الفرس .
كل ذلك يتم حرصاً على تحسين النسل بين الخيول: أفتونا عن حكم ذلك مأجورين .
الأصل والمعروف أن يَنْزُوَ الذكر على الأنثى؛ سواءً من الخيل أو البقر أو غيرها، ويتم عادة الحمل المعتاد ويحصل التناسل. فأما هذه الصور فهي شيء جديد لم يتعرض له العلماء، ولا أذكر أن أحداً من الفقهاء نص على حكمه منعاً أو إباحة، وحيث أن هذا أصبح شيئاً معتاداً معمولاً به، وأنه مفيد يحصل به التناسل، فنرى أنه يكون مباحاً، وإن كان في النفس منه شيء؛ لأنه يستلزم مس عورات هذه الدواب وإدخال الأيدي أو الآلات في أرحام الإناث وما أشبه ذلك، مما تشمئز منه النفوس. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 2/9/1424هـ
حكم قتل الحشرات الموجودة في البيت
الحشرات التي توجد في البيت مثل النمل والصراصير وما أشبه ذلك .. هل يجوز قتلها بالماء أو بالحرق أو ماذا أفعل ؟(3/468)
هذه الحشرات إذا حصل منها الأذى جاز قتلها، لكن بغير التحريق؛ بل بأنواع المبيدات الأخرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ والحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ" (1)، وفي لفظ: والحيَّة ؛ فهذه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أذاها وأنها فواسق؛ يعني: مؤذية، وأذن في قتلها، وهكذا ما أشبهها من الحشرات يقتلن في الحِلّ والحرم إذا وجد منها الأذى - كالنمل والصراصير والبعوض ونحوها مما يؤذي .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/301، 302)
الفصل الرابع
اللباس والزينة
حكم الإسبال
__________
(1) …البخاري (1829)، ومسلم (1198) .(3/469)
إسبال الإزار إذا قُصد به الخيلاء فعقوبته: أن لا ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة ولا يكلِّمه ولا يزكِّيه وله عذاب أليم . وأما إذا لم يُقصد به الخيلاء فعقوبته أن يُنزِل ما نزل من الكعبين بالنار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ" (1)، وقال: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (2)؛ فهذا فيمن جرَّ ثوبه خيلاء، وأمَّا من لم يقصد الخيلاء؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ"(3). ولم يقيَّد ذلك بالخيلاء، ولا يصحُّ أن يقيَّد بها بناء على الحديث الذي قبله؛ لأن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِزْرَةُ الْمُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَلا حَرَجَ - أَوْ قَالَ: لا جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ، مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (4) .
__________
(1) …مسلم (106) .
(2) …البخاري (5783)، ومسلم (2085) .
(3) …البخاري (5787) .
(4) …«موطأ مالك» 2/914 (1631)، وأحمد (3/5، 44، 97)، وأبو داود (4093)، والنسائي في «الكبرى» (9714-9717)، وابن ماجه (3573)، وابن حبان في «صحيحه» (5446، 5447، 5450). وصحَّحَ إسناده النووي - كما في «رياض الصالحين» ص 279 (799).(3/470)
ولأنَّ العملين مختلفان والعقوبتين مختلفتان، ومتى اختلف الحكم والسبب امتنع حمل المطلق على المقيَّد؛ لِما يلزم على ذلك من التناقض . وأما من احتج بحديث أبي بكر رضي الله عنه فنقول له: ليس لك حجة فيه من وجهين: الأول: أن أبا بكر رضي الله عنه قال: إنَّ أحد شِقَّي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه(1). فهو رضي الله عنه لم يرخ ثوبه اختيالاً منه؛ بل كان ذلك يسترخي، ومع ذلك فهو يتعاهده . والذين يسبلون ويزعمون أنهم لم يقصدوا الخيلاء يرخون ثيابهم عن قصد؛ فنقول لهم: إن أنزلتم ثيابكم إلى أسفل من الكعبين بدون قصد الخيلاء عُذِّبتم على مانزل فقط بالنَّار، وإن جررتم ثيابكم خيلاء عُذِّبتم بما هو أعظم من ذلك: لا يكلِّمكم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليكم، ولا يزكِّيكم، ولكم عذاب أليم .
الوجه الثاني: أن أبا بكر رضي الله عنه زكَّاه النبي صلى الله عليه وسلم وشهد له أنه ليس ممن يصنع ذلك خيلاء، فهل نال أحد من هؤلاء تلك التزكية والشَّهادة ؟! ولكنَّ الشَّيطان يفتح لبعض الناس اتباع المتشابه من نصوص الكتاب والسُّنة ليبرر لهم ما كانوا يعملون . والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . نسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية .
الشيخ ابن عثيمين - رسالة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ص (33) باختصار يسير
هل حكم الإسبال خاص بالخُيَلاء ؟
ما حكم إطالة الثوب إن كان للخيلاء أو لغير الخيلاء ؟ وما الحكم إذا اضطر الإنسان إلى ذلك؛ سواء إجباراً من أهله إن كان صغيراً، أو جرت العادة على ذلك ؟
__________
(1) …البخاري (5784) بنحوه وزيادة.(3/471)
حكمه التحريم في حق الرجال؛ لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ" (1) [رواه البخاري في صحيحه] . وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ"(2). وهذان الحديثان وما في معناها يعمان من أسبل ثيابه تكبُّراً أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم عمم وأطلق ولم يقيِّد، وإذا كان الإسبال من أجل الخيلاء صار الإثم أكبر والوعيد أشد لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(3). ولا يجوز أن يظن أن المنع من الإسبال مقيَّد بقصد الخيلاء؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقيد ذلك عليه في الحديث الآخر؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: "إِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ" (4)؛ فجعل الإسبال كلَّه من المخيلة؛ لأنَّه في الغالب لايكون إلا كذلك، ومن لم يسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك، والوسائل لها حكم الغايات، ولأن ذلك إسراف وتعريض لملابسه للنَّجاسة والوسخ، ولهذا ثبت عن عمر رضي الله عنه أنَّه لماَّ رأى شاباً يمسُّ ثوبه الأرض - قال له: (اِرْفَعْ ثَوْبَكَ؛ فإنه أَتْقَى لِربِّك، وأَنْقَى لِثَوْبك)(5) .
__________
(1) …البخاري (5787) .
(2) …مسلم (106) .
(3) …البخاري (3665)، ومسلم (2085) .
(4) …أحمد (4/65، 5/63، 64، 377)، وأبو داود (4084)، والنسائي في «الكبرى» (9691 - 9693)، وابن حبان (521، 522). وصححه الألباني؛ كما في «صحيح أبو داود» (3442). .
(5) …البخاري (3700).(3/472)
أما قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه - لما قال: يا رسول الله! إنَّ إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده؛ فقال له صلى الله عليه وسلم: "لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاءَ" (1)؛ فمراده صلى الله عليه وسلم: أن من يتعاهد ملابسه إذا استرخت حتى يرفعها لا يُعدُّ ممَّن يجرُّ ثيابه خيلاء لكونه لم يسبلها، وإنَّما قد تسترخي عليه فيرفعها ويتعاهدها. ولا شك أنَّ هذا معذور، أمَّا من يتعمَّد إرخاءها؛ سواء كانت بشتاً أو سراويل أو إزاراً أو قميصاً فهو داخل في الوعيد وليس معذوراً في إسباله ملابسه؛ لأنَّ الأحاديث الصحيحة المانعة من الإسبال تعمَّه بمنطوقها وبمعناها ومقاصدها. فالواجب على كل مسلم أن يحذر الإسبال، وأن يتَّقي الله في ذلك وألا تنزل ملابسه عن كعبه؛ عملاً بهذه الأحاديث الصحيحة، وحذراً من غضب الله وعقابه، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة، ص (128، 129)
حكم لبس الذَّهب والأَلْمَاس للرجال
س1: ما حكم لبس الذهب للرجال من أي نوع ؟
هناك معتقد بأنه إذا فسخت ما تسمى دبلة الخطوبة التي هي من ذهب تنفسخ معها الزوجة ؟!
__________
(1) …البخاري (5784) .(3/473)
ج1: لبس الذهب للرجال لا يجوز، وهو من المنكرات؛ سواء كان الملبوس خاتماً أو ساعة أو سلسلة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا" (1)، ولأنه صلى الله عليه وسلم نهى الرجال عن التختُّم بالذهب(2).. رواه الشيخان في الصحيحين من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. ولما رأى صلى الله عليه وسلم رجلاً في يده خاتم من ذهب نزعه وطرحه في الأرض، وقال: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ" (3)؛ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والدُّبلة من الذهب مثل غيرها من خواتم الذهب يجب نزعها إذا كانت من الذهب، ولا أثر لنزعها في النكاح . ومن اعتقد أن ذلك يؤثر فقد غلط، مع أن استعمال الدبلة من المحدثات التي لا أصل لها، والذي ينبغي للمسلمين تركها، وأقل ما في ذلك الكراهة . نسأل الله لجميع المسلمين الهداية والعافية من كل ما يخالف الشرع المطهر .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة/ العدد (1044)
س2: متى يرخص للرجل المسلم في استعمال الذهب والفضة؟ وهل الألماس له حكم الذهب والفضة؟
__________
(1) …أحمد (4/392، 393، 407)، والنسائي في الزينة (5148، 5265)، وصححه الألباني في «صحيح سنن النسائي» (4754).
(2) …البخاري (6235)، ومسلم (2066) .
(3) …مسلم (2090) .(3/474)
ج: الأصل تحريم التَّحَلِّي بالذهب على الرجال كلبسهم الحرير؛ وقد روى أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير: "إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي"(1)، وللترمذي وصححه عن أبي موسى رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ عَلَى إِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا" (2) أو كما قال.
وإنما يباح ما دعت إليه الحاجة؛ فقد روى أهل السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص لعَرْفَجَة بن أسعد رضي الله عنه لَمَّا قُطِعَ أنفه يوم الكُلاَب أن يتخذ أنفًا من ذهب(3). و ذكر الفقهاء أن جماعة من الصحابة ربطوا أسنانهم بأشرطة الذهب لخشية سقوطها؛ لأن ذلك في معنى أنف الذهب. قال أبو الخطاب(4): ولا بأس بِقَبِيَعةِ(5) السيف من الذهب؛ لأن سيف عمر رضي الله عنه كان فيه سبائك من ذهب؛ ذكره الإمام أحمد(6). وروى الترمذي - وقال: «غريب» - عن مزيدة العصري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة(7)، فيقتصر على ما ورد.
__________
(1) …أحمد (1/96، 4/393)، وأبو داود (4057)، والترمذي (1720)، والنسائي (5144-5147 )، وابن ماجه (3595)، وابن حبان (5434). وقال الترمذي: «حسن صحيح»..
(2) …أحمد (4/392، 393، 407)، والنسائي في الزينة (5148، 5265)، وصححه الألباني في «صحيح سنن النسائي» (4754).
(3) …أبو داوود (4232)، والترمذي (1770) وقال: «حسن غريب»، والنسائي (5164، 5165).
(4) …انظر: «المغني» لابن قدامة (1/18).
(5) …قَبِيعَةُ السَّيف: هي التي تكون على رأس قائم السيف، وقيل: هي ما تحت شارِبَي السيف. «النهاية» لابن الأثير (4/6).
(6) …في «فضائل الصحابة» 1/256 (325).
(7) …الترمذي (1690) وقال: «حسن غريب»، والطبراني في «الكبير» 20/346 (813).(3/475)
فأما: الألماس فليس بحرام في الظاهر لأن النص ورد في الذهب دون غيره؛ لكن يكره للرجال التحلِّي بالألماس الثمين والعقيان واللؤلؤ والجواهر النفيسة كالبلاتين ونحوه؛ لأنه إسراف وتبذير لا داعي إليه، ولأنه فيه كسر قلوب الفقراء كما علل بذلك العلماء. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه
حكم لبس الرجل الساعة المطلية بالذهب
لدي ساعة يدوية مطلية بماء الذهب؛ فهل يجوز لي لبسها أو استعمالها ؟
من المعلوم أن لبس الذهب حرام على الرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً وفي يده خاتم من ذهب فنزعه النبي صلى الله عليه وسلم من يده وطرحه وقال: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ" (1)، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل: "خذ خاتمك وانتفع به، قال: والله لا آخذ خاتمًا طرحه النبي صلى الله عليه وسلم". وقال النبي عليه الصلاة والسلام في الذهب والحرير: "إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ"(2).
__________
(1) …مسلم (2090) .
(2) …أحمد (1/96، 4/393)، وأبو داود (4057)، والترمذي (1720)، والنسائي (5144-5147 )، وابن ماجه (3595)، وابن حبان (5434). وقال الترمذي: «حسن صحيح»..(3/476)
فلا يجوز للرجل أن يلبس أي شيء من الذهب لا خاتمًا ولا زرارًا ولا غيره، والساعة من هذا النوع إذا كانت ذهبًا. أما إذا كانت طلاء أو كانت عقاربها من ذهب أو فيها حبات من ذهب يسيرة، فإن ذلك جائز، لكن مع هذا لا نشير على الرجل أن يلبسها - أعني الساعة المطلية بالذهب - لأن الناس يجهلون أن هذا طلاء أو أن يكون خلطًا في مادة هذه الساعة، ويسيئون الظن بهذا الإنسان، وقد يقتدون به إذا كان من الناس الذين يقتدى بهم فيلبسون الذهب الخالص أو المخالط . ونصيحتي ألا يلبس الرجال مثل هذه الساعات المطلية وإن كانت حلالاً، وفي الحلال الواضح الذي لا لبس فيه غنية عن هذا؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ"(1). ولكن إذا كان الطلاء خلطاً من الذهب لا مجرد لون - فالأقرب التحريم .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/75، 76)
حكم استعمال آنية الذهب والفضة
إذا كان الإناء مطلياً بالذهب وليس ذهباً خالصاً؛ فهل هذا حرام استعماله ؟ وهل ينطبق عليه الحديث: لا تأكلوا في آنية من الذهب والفضة ؟
__________
(1) …البخاري (52)، ومسلم (1599) .(3/477)
نعم؛ نصَّ العلماء على أنَّ هذا ينطبق عليه النهي، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ" (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ" (2)، وخرَّج الدارقطني وحسنه والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: "مَنْ شَرِبَ في إناءِ ذهبٍ أو فضَّة، أو في إناءٍ فيه شيءٌ من ذلك فإنما يُجَرْجِرُ في بطنهِ نارَ جهنَّم"(3).
فقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ" : النهي يعم ما كان من الذهب أو الفضَّة، وما كان مطلياً بشيء منهما؛ ولأن المطلي فيه زينة الذهب وجماله، فيمنع ولا يجوز بنص هذا الحديث، وهكذا الأواني الصغار؛ كأكواب الشاي وأكواب القهوة، والملاعق: لا يجوز أن تكون من الذهب أو من الفضَّة؛ بل يجب البعد عن ذلك. وإذا وسَّع الله على العباد فالواجب التقيُّد بشريعة الله، وعدم الخروج عنها، وإذا كان عنده زيادة فلينفق على عباد الله المحتاجين، ولا يسرف ولا يبذر .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/124)
علة تحريم الذهب على الرجال
ما هي العلَّة في تحريم لبس الذهب على الرجال ؟ لأننا نعلم أنَّ دين الإسلام لا يحرِّم على المسلم إلا كل شيء فيه مضرَّة عليه .. فما هي المضرَّة المترتبة على التحلِّي بالذهب للرجال ؟
__________
(1) …البخاري (5426)، ومسلم (2067).
(2) …مسلم (2065) .
(3) …الدار قطني في «سننه» (1/40) وقال: «إسناده حسن»، والبيهقي في «الكبرى» (106).(3/478)
اعلم أيها السائل، وليعلم كل من يستمع إلى هذا البرنامج - أن العلة في الأحكام الشرعية لكل مؤمن هي: قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزَاب، من الآية: 36]، فأي واحد يسألنا عن إيجاب شيء أو تحريم شيء دلَّ على حكمه الكتاب والسنة، فإننا نقول: العلَّة في ذلك قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه العلَّة كافية لكل مؤمن. ولهذا لما سُئِلت عائشة رضي الله عنها: ما بالُ الحائض تَقْضِي الصومَ ولا تقضي الصلاة ؟ قالت: (كان يُصيبُنا ذلك فنُؤْمَرُ بقَضاءِ الصوم ولا نُؤمر بقضاء الصلاة)(1) ؛ لأن النصَّ من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم علَّة موجبة لكل مؤمن، ولكن لا بأس أن يطلب الإنسان الحكمة وأن يلتمس الحكمة في أحكام الله؛ لأنَّ ذلك يزيده طمأنينة، ولأنَّ ذلك يبيِّن سموّ الشريعة الإسلامية حيث تقرن الأحكام بعللها، ولأنَّه يتمكن به من القياس إذا كانت علَّة هذا الحكم المنصوص عليه ثابتة في أمر آخر لم ينص عليه، فالعلم بالحكمة الشرعية له هذه الفوائد الثلاث .
__________
(1) …البخاري (321)، ومسلم (335) .(3/479)
ونقول بعد ذلك في الجواب على سؤال الأخ: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم لباس الذهب على الذكور دون الإناث، ووجه ذلك: أن الذهب من أعلى ما يتجمل به الإنسان ويتزين به؛ فهو زينة وحِلْيَة، والرجل ليس مقصوداً لهذا الأمر، أي: ليس إنساناً يتكمَّل بغيره أو يَكمُل بغيره؛ بل الرجل كامل بنفسه لما فيه من الرجولة، ولأنه ليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص آخر لتتعلق به رغبته بخلاف المرأة؛ لأن المرأة ناقصة تحتاج إلى تكميل بجمالها، ولأنها بحاجة إلى التجمُّل بأعلى أنواع الحلي حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها، فلهذا أبيح للمرأة أن تتحلى بالذهب دون الرجل؛ قال تعالى في وصف المرأة: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ *}[الزّخرُف]، وبهذا يتبين حكمة الشرع في تحريم لباس الذهب على الرجال .
وبهذه المناسبة أوجِّه نصيحتي إلى هؤلاء الذين ابتلوا من الرجال بالتحلِّي بالذهب، فإنهم بذلك قد عصوا الله ورسوله، وألحقوا أنفسهم لحاق الإناث، وصاروا يضعون في أيديهم جمرة من النار يتحلَّون بها - كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم(1) ، فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وإن شاؤوا أن يتحلَّوا بالفضة في الحدود الشرعية فلا حرج في ذلك، وكذلك بغير الذهب من المعادن لا حرج عليهم أن يلبسوا خواتم منه إذا لم يصل إلى حد السرف أو الفتنة .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة في بيع وشراء الذهب، ص (28)
حكم ممارسة الرياضة بسروال قصير (للشيخ ابن عثيمين)
ما حكم ممارسة الرياضة بالسراويل القصيرة ؟ وما حكم مشاهدة من يعمل ذلك ؟
__________
(1) …انظر: «صحيح مسلم» (2090).(3/480)
ممارسة الرياضة جائزة إذا لم تُلْهِ عن شيء واجب؛ فإن ألهت عن شيء واجب فإنها تكون حرامًا، وإن كانت ديدن الإنسان بحيث تكون غالب وقته فإنها مضيعة للوقت، وأقل أحوالها في هذه الحال الكراهة.
أما إذا كان الممارس للرياضة ليس عليه إلا سروال قصير يبدو منه فخذه أو أكثر - فإنه لا يجوز؛ فإن الصحيح أنه يجب على الشباب ستر أفخاذهم، وأنه لا يجوز مشاهدة اللاعبين وهم بهذه الحالة من الكشف عن أفخاذهم .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى إسلامية، (4/431)
حكم ممارسة الرياضة بسروال قصير (للشيخ ابن جبرين)
ما حكم لبس السروال القصير مثلاً في المباراة الرياضية خارج أوقات الصلاة وكان هذا لا يؤدي إلى الفتنة ؟ أرجو من سعادتكم الإجابة على هذا السؤال مع ذكر بعض الأدلة على ذلك . أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
نرى أنه لا يجوز لبس السراويل القصيرة، كالتبّان الذي يستر العورة المغلظة فقط وتبدو معه الفخذان أو أكثرهما؛ سواء كان في اللعب في مباراة أو في الأسواق أو غير ذلك ولو في غير الصلاة، وقد يعفى عن ذلك داخل البيت إذا كان الإنسان في مهنته الخاصة بحيث لا يطلع عليه الناس، والدليل: أنه صلى الله عليه وسلم رأى جَرْهَداً الأسلمي رضي الله عنه وقد انحسر إزاره عن بعض فخذه؛ فقال: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ"(1). والله الموفق .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى إسلامية، (4/431، 432 )
حكم لبس المَعَاطِف الجِلْدِيَّة
__________
(1) …أحمد (3/478)، وأبو داود (4014)، والترمذي (2798) وقال: «هذا حديث حسن»، والطبراني في «الكبير» (2143) وغيرهم. وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3389).(3/481)
تعرضنا في الآونة الأخيرة إلى نقاش حاد في قضية لبس المعاطف الجلدية . ومن الإخوان من يرى أن هذه المعاطف تصنع -عادة- من جلود الخنزير . وإذا كانت كذلك فما رأيكم في لبسها ؟ وهل يجوز لنا ذلك دينيًا ؟ علمًا أن بعض الكتب الدينية: كالحلال والحرام للقرضاوي، والدين على المذاهب الأربعة قد تطرقا إلى هذه القضية، إلا أن إشارتهما كانت عرضية إلى المشكلة، ولم يوضحا ذلك بجلاء .
قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا دُبِغَ الجِلْدُ فَقَدْ طَهُر" (1)، وقال: "دِبَاغُ جُلُودِ المَيْتَةَ طَهُورُها"(2). واختلف العلماء في ذلك: هل يعم هذا الحديث جميع الجلود أم يختص بجلود الميتة التي تحل بالذكاة ؟ ولا شك أن ما دبغ من جلود الميتة التي تحل بالذكاة كالإبل والبقر والغنم طهور يجوز استعماله في كل شيء في أصح أقوال أهل العلم . أما جلد الخنزير والكلب ونحوهما مما لا يَحِلُّ بالذَّكَاة ففي طهارته بالدباغ خلاف بين أهل العلم، والأحوط ترك استعماله؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ" (3)، وقوله عليه الصلاة والسلام: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ" (4) .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (6/354)
حكم لبس الحرير للرجال
هل يجوز لبس الحرير للرجال ؟ وإن كان جائزاً فما مقدار ذلك ونرجو الدليل ؟ جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …مسلم (366)، بلفظ: (إذا دُبِغَ الإِهَابُ)، وهو جلد الحيوان قبل أن يُدبَغ.
(2) …مسلم (366).
(3) …البخاري (52)، ومسلم (1599) .
(4) …أحمد (1/200، 3/112، 153)، والترمذي (2518) وقال: «حسن صحيح»، والنسائي (5711)، وابن حبان (722) وآخرون.(3/482)
لبس الحرير للرجال حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من لبسه في الدنيا أن لا يلبسه في الآخرة، وقال: "أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا" (1)؛ لكن يباح منه مقدار أربع أصابع، أو إذا كان المختلط مع الحرير أكثر من الحرير - فإنه جائز لورود السنة في ذلك(2) .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم لبس السلاسل للرَّجل
ما حكم لبس الرَّجل السلاسل ؟
اتخاذ السلاسل للتجمل بها محرَّم؛ لأنَّ ذلك من شيم النساء وهو تشبه بالمرأة، وقد لَعَنَ الرسول صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِين من الرجال بالنساء(3)، ويزداد تحريماً وإثماً إذا كان من الذهب فإنه حرام على الرجل من الوجهين جميعاً: من جهة أنه ذهب، ومن جهة أنه تشبه بالمرأة، ويزداد قبحاً إذا كان فيه صورة حيوان أو ملك . وأعظم من ذلك وأخبث إذا كان فيه صليب؛ فإن هذا حرام حتى على المرأة أن تلبس حلياً فيه صورة؛ سواء كانت صورة إنسان، أو حيوان، طائر أو غير طائر، أو كان فيه صورة صليب، وهذا - أعني لبس ما فيه صور - حرام على الرجال والنساء، فلا يجوز لأي منهما أن يلبس ما فيه صورة حيوان أو صورة صليب . والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى معاصرة، ص (66)
حكم زراعة الشعر
في أمريكا تتم زراعة شعر المصاب بالصلع وذلك بأخذ شعر من خلف الرأس وزرعه في المكان المصاب .. فهل يجوز ذلك ؟
__________
(1) …أحمد (4/392، 393، 407)، والنسائي (5148، 5265). وصححه الألباني في: «صحيح سنن النسائي» (4754).
(2) …مسلم (12 - 15، 2069 ) .
(3) …البخاري (5885).(3/483)
نعم يجوز؛ لأن هذا من باب ردّ ما خلق الله عز وجل، ومن باب إزالة العيب؛ وليس هو من باب التجميل أو الزيادة على ما خلق الله عز وجل، فلا يكون من باب تغيير خلق الله؛ بل هو من رد ما نقص وإزالة العيب. ولا يخفى ما في قصة الثلاثة النفر الذي كان أحدهم أقرع، وأخبر أنه يحب أن يرد الله عز وجل عليه شعره، فمسحه الملك فرد الله عليه شعره فأُعْطِيَ شعرًا حسنًا(1) .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/74، 75 )
حكم عمليات التجميل
ما الحكم في إجراء عمليات التجميل ؟ وما حكم تعلم علم التجميل ؟
التجميل نوعان:
تجميل لإزالة العيب الناتج عن حادث أو غيره . . وهذا لا بأس به ولا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لرجُلٍ قُطِعَتْ أنفُهُ في الحرب أن يَتَّخِذَ أنفاً من ذهب)(2) .
والنوع الثاني: هو التجميل الزائد، وهو ليس من أجل إزالة العيب بل لزيادة الحسن . . وهو محرم ولا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الواصِلَة والمُسْتَوْصِلَة والنَّامِصَة والمُتَنَمِّصَة والوَاشِمَة والمُسْتَوْشِمَة(3)؛ لما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي الذي ليس لإزالة العيب .
أما بالنسبة للطالب الذي يقرر علم جراحة التجميل ضمن مناهج دراسته فلا حرج عليه أن يتعلمه، ولكن لا ينفذه في الحالات المحرمة . . بل ينصح من يطلب ذلك بتجنبه لأنه حرام، وربما لو جاءت النصيحة على لسان طبيب كانت أوقع في أنفس الناس .
__________
(1) …البخاري (3464)، ومسلم (2964) .
(2) …أبو داود (4232)، والترمذي (1770) وقال: «حسن غريب»، والنسائي (5161، 5162). وحسنه الألباني؛ كما في «صحيح أبي داود» (3561).
(3) …البخاري (4886) وأطرافه عنده، ومسلم (2122) - 2125). والوَصْلُ: هو وَصْلُ المرأةِ شعرها بشعرٍ آخَرَ زُور. والنَّمْص: نَتْفُ المرأة شعرَ وجهِها. والوَشْمُ: هو غرز الجلد بإبرة، ثم حَشْوُه بكُحْلٍ أو نِيلٍ، فَيَزْرَقّ أو يخْضَرّ. (النهاية، لابن الأثير. بتصرف).(3/484)
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه - إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/833)
حكم صبغ اللحية بالسواد
ما مدى صحة الأحاديث التي وردت في صبغ اللحية بالسواد ؟ فقد انتشر صبغ اللحية بالسواد عند كثير ممن ينتسبون إلى العلم .
في هذا الباب أحاديث صحيحة كثيرة: من أشهرها حديث جاء في قصة والد الصديق رضي الله عنه؛ رواه مسلم «في صحيحه»: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال - لما رأى رأس والد الصديق رضي الله عنه ولحيته كالثَّغَامة بياضاً -: "غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ" (1)، وفي رواية "وَجَنِّبُوه السَّوَادَ"(2). وحديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ؛ لا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ" (3)، وهذا وعيد شديد . وفي ذلك أحاديث أخرى كلها تدل على تحريم الخضاب بالسواد، وعلى شرعية الخضاب بغيره .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (27)
حكم استعمال العطور الكحولية
ما حكم استعمال بعض العطور التي تحتوي على شيء من الكحول ؟
الأصل حِل العطور والأطياب التي بين الناس، إلا ما عُلم أن به ما يمنع استعماله لكونه مسكراً أو يسكر كثيره أو به نجاسة ونحو ذلك، وإلا فالأصل حل العطور التي بين الناس كالعود والعنبر والمسك... إلخ.
__________
(1) …مسلم (2102). والثَّغَامَة: نبت أبيض الزَّهْر والثَّمَر. «النهاية» لابن الأثير (1/208).
(2) …أحمد (3/160، 316، 322)، وابن ماجه (3624)، وابن حبان (5472) وآخرون.
(3) …أحمد (1/273)، أبو داود (4212)، والنسائي (5075). وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3548).(3/485)
فإذا علم الإنسان أن هناك عطراً فيه ما يمنع استعماله من مسكر أو نجاسة ترك ذلك. ومن ذلك: الكلونيا فإنه ثبت عندنا بشهادة الأطباء أنها لا تخلو من المسكر ففيها شيء كبير من الاسبيرتو، وهو مسكر؛ فالواجب تركها إلا إذا وجد منها أنواع سليمة. وفيما أحل الله من الأطياب ما يغني عنها والحمد. وهكذا كل شراب أو طعام فيه مسكر يجب تركه. والقاعدة: أن ما أسكر كثيره فقليله حرام؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ" ..(1) والله ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (33) ص (116)
حكم الاكتحال للرجال
ما حكم استعمال الكحل ؟
الاكتحال نوعان:
أحدهما: اكتحال لتقوية البصر وجلاء الغشاوة من العين وتنظيفها وتطهيرها بدون أن يكون له جمال، فهذا لا بأس، بل إنه مما ينبغي فعله؛ (لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَكْتَحِلُ في عَيْنَيْهِ)(2) ، ولا سيما إذا كان بالإِثْمِد(3) الأصلي.
النوع الثاني: ما يُقصد به الجمال والزينة، فهذا للنساء مطلوب؛ لأن المرأة مطلوب منها أن تتجمل لزوجها.
وأما الرجال فمحل نظر، وأنا أتوقف فيه، وقد يفرق فيه بين الشاب الذي يخشى من اكتحاله فتنة فيُمنع، وبين الكبير الذي لا يخشى ذلك من اكتحاله فلا يُمنع.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (11/116)
حكم حبس الطيور في الأقفاص للزينة
هل يجوز حبس بعض الطيور في الأقفاص لغرض الزينة في البيوت والحدائق ؟
__________
(1) …أحمد (2/91، 167، 179)، وَ(3/112)، وأبو داود (3681)، والترمذي (1865)، والنسائي (5607)، وابن ماجه (3393، 3394) عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم. وقال الترمذي: «حديث حسن غريب من حديث جابر».
(2) …أحمد (1/354)، والترمذي (1756، 2048) وقال: «حسن غريب»، وابن ماجه (3499)، والحاكم 4/408 (8249).
(3) …الإِثْمِدُ: حَجَرٌ يُتَّخذُ منه الكُحْل.(3/486)
لا حرج في ذلك إذا قام حابسها بما يلزم لها من الطعام والماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ؛ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ؛ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ" متفق على صحته(1) .
فدل ذلك على أنها لو أطعمتها وسقتها مع حبسها لها لم تعذَّب . وبالله التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى إسلامية، (4/449)
حكم الصور وطلاء الذهب في الحمامات
س1: توجد في الأسواق - أجلَّكُم الله - أطقُم حمامات بها بعض الطلاء ما يُسمَّى بماء الذهب؛ وهو عبارة عن صبغة ذهبية اللون يطلى بها بعض أجزاء الأحواض والمغاسل للزينة؛ فهل يجوز استخدامها ؟
ج1:
لا بأس باستخدامها؛ حيث إن هذه الصبغة ليست ذهبية، وإنما لونها كلون الذهب، جعلت للزينة في الغسالات والأحواض وما أشبهها، ومع ذلك إذا وجد ما يقوم مقامها فهو أولى وأفضل، وبالأخص إذا كانت رفيعة الثمن لأجل هذه الأصباغ؛ فإن ذلك إسراف وإفساد لهذا المال. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه، في: 3/12/1423هـ
س2: بعض أدوات الحمامات - أجلكم الله - مثل حوض الغسيل أو الكرسي تشتمل على رسوم لطيور أو أسماك .. فما حكم استخدام مثل هذه الأدوات ؟
ج2: إذا كانت هذه الرسوم والصور على الأحواض، فإنه تكون ممتهنة، حيث يداس عليها ولا تحترم، وتكون في أماكن دنيئة، ومع ذلك فإذا وجد ما يقوم مقامها بدون هذه الرسوم أو الصور فإنه هو الأولى، وعلى الذين يرسمونها ألا يرسموا فيها الرؤوس ونحوها مما يصيرها كشجرة أو نحوها. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه، في: 3/12/1423هـ
الفصل الخامس
الغناء والملاهي والألعاب
حكم الغناء
__________
(1) …البخاري ( 3482)، ومسلم (2242). و(خَشَاش الأرض): هَوَامُّها وحشراتها، الواحدة: خَشَاشة. «النهاية» لابن الأثير (2/32) .(3/487)
ما حكم الأغاني هل هي حرام أم لا ؟ رغم أنني أسمعها بقصد التسلية فقط . وما حكم العزف على الربابة والأغاني القديمة ؟ وهل القرع على الطبل في الزواج حرام بالرغم من أنني سمعت أنها حلال ولا أدري ؟ وأثابكم الله وسدد خطاكم .
إن الاستماع إلى الأغاني حرام ومنكر، ومن أسباب مرض القلوب وقسوتها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة . وقد فسر أكثر أهل العلم قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمَان، من الآية: 6] بالغناء . وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقسم على أن لهو الحديث هو الغناء. وإذا كان مع الغناء آلة لهو كالربابة والعود والكمان والطبل صار التحريم أشد . وذكر بعض العلماء أن الغناء بآلة لهوٍ محرم إجماعاً . فالواجب الحذر من ذلك. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ" (1)، والحِرُ: هو الفرج الحرام - يعني الزنا - والمعازف: هي الأغاني وآلات الطرب . وأوصيك وغيرك بسماع (إذاعة القرآن الكريم) وبرنامج (نور على الدرب)؛ ففيهما فوائد عظيمة، وشغل شاغل عن سماع الأغاني وآلات الطرب .
أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف مع الغناء المعتاد، الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح لمحرم، في وقت من الليل للنساء خاصة؛ لإعلان النكاح والفرق بينه وبين السفاح - كما صحت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم(2).
__________
(1) …البخاري (5590) معلقًا، ووصله أبو داود (4039) مختصراً.
(2) …أحمد (4/259)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (16406)، والترمذي (1088) وقال: «حديث حسن»، والنسائي (3370)، والحاكم 2/184 (2750) وصححه ووافقه الذهبي.(3/488)
أما الطبل فلا يجوز ضربه في العرس؛ بل يكتفى بالدف خاصة . ولا يجوز استعمال مكبرات الصوت في إعلان النكاح وما يقال فيه من الأغاني المعتادة؛ لما في ذلك من الفتنة العظيمة، والعواقب الوخيمة، وإيذاء المسلمين، ولا يجوز أيضاً إطالة الوقت في ذلك؛ بل يكتفى بالوقت القليل الذي يحصل به إعلان النكاح؛ لأن إطالة الوقت تفضي إلى إضاعة صلاة الفجر، والنوم عن أدائها في وقتها، وذلك من أكبر المحرمات ومن أعمال المنافقين .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة، العدد (902) شوال (1403هـ)
حكم تجارة أشرطة الغناء
تعلمون - حفظكم الله - ما عمت به البلوى في هذا الزمان من انتشار المحلات المتخصصة في بيع أشرطة الغناء بشتى أصنافها، والمطلوب بيان حكم المتاجرة بهذه الأشرطة ؟ علماً بأنها تشتمل على ما يلي :
1 - المعازف والمزامير بشتى أنواعها .
2 - الدعوة إلى المجون والفساد والفسق ونشر الرذيلة بين الجنسين .
3 - الكلام الساقط والغزل الفاحش .
- وما حكم شراء وسماع هذه الأشرطة ؟
- وما حكم المال العائد من بيع هذه الأشرطة والمتاجرة فيها ؟
- وما حكم تأجير المحلات لبائعي هذه النوعية من الأشرطة ؟
- وهل يتحمل مؤجر المحل والبائع فيه إثم المشترين لهذه الأشرطة أم لا ؟
- أفتونا مأجورين ، وجزاكم الله خيراً .
إذا كانت هذه الأشرطة تشتمل على ما ذكرتموه من المعازف والمزامير بشتى أنواعها والدعوة إلى المجون والفساد والفسق ونشر الرذيلة بين الجنسين والكلام الساقط والغزل الفاحش؛ فإنه لا يستريب عاقل فضلاً عن مؤمن بالله واليوم الآخر يخشى عقاب الله ويرجو ثوابه بأن شراء هذه الأشرطة وسماعها حرام منكر؛ لأنها مدمرة للأخلاق والمجتمع، معرضة للأمة أن تحل بها العقوبات العامة والخاصة .
والواجب على من عنده شيء من هذه الأشرطة أن يتوب إلى الله تعالى وأن يمحو ما فيها من ذلك؛ لينسخ فيها شيئاً مفيداً .(3/489)
أما المال العائد من بيعها والمتاجرة فيها؛ فهو مال حرام لا يحل لصاحبه - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ إذا حَرَّمَ شيئاً حَرَّمَ ثمنَهُ"(1).
وأما تأجير المحلات لبائعي هذه النوعية من الأشرطة فهو حرام أيضاً، والأجرة المأخوذة على ذلك حرام؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2] .
وأما إثم المشترين فعليهم، ولا يبعد أن ينال البائع ومؤجِّر المحل شيء من إثمهم من غير أن ينقص من إثم المشترين شيئاً. والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم الأمسيات والمهرجانات الغنائية
كما تعلمون فقد انتشر في الآونة الأخيرة إقامة الأمسيات والمهرجانات الغنائية في بعض المصائف، والتي يكثر اجتماع الناس عليها من الداخل والخارج ويفد إليها العديد من المغنيين والمغنيات، وما يحصل فيها من اختلاط عند الدخول للأمسيات النسائية والخروج منها، وبذل الأموال في الدخول إلى هذه المسارح .. فنأمل من فضيلتكم تبيين الحكم في هذا، ونسأل الله أن يجزيكم عن المسلمين خير الجزاء .
لا يجوز حضور المهرجانات التي يكون فيها أغاني ومغنين أو أغاني ومغنيات أو اختلاط بين الرجال والنساء. وبذل المال في الوصول إلى ذلك حرام؛ لأن ذلك إضاعة للمال وبذل له فيما لا يرضي الله تعالى.
نسأل الله العافية، وأن يعصمنا وإخواننا المسلمين من أسباب سخطه وعقوبته، وأن يجعل ما رزقنا عوناً لنا على طاعته لا على معصيته؛ إنه سميع قريب. قال ذلك وكتبه: محمد الصالح العثيمين. في الثامن عشر من شهر صفر، سنة عشرين وأربعمائة وألف 18/2/1420هـ .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
__________
(1) …أحمد (1/293)، وأبو داود (3488)، وابن حبان في «صحيحه» (4938)، الدارقطني (3/7)، والطبراني في «الكبير» 12/200 (12887). وصححه الألباني؛ كما في: «صحيح سنن أبي داود» (2978).(3/490)
حكم العرضة الشعبية
ما حكم العرضة الشعبية التي يتخللها الزِّير والطبل والشعر النبطي الذي لا يخلو من الرثاء والغزل والمدح والذم ؟ جزاكم الله خيرًا .
العرضة الشعبية إذا لم يكن لها سبب ؛ فإنها من العبث واللهو، وإذا كان سبب كأيام الأعياد، فإنه لا بأس بها؛ لا بأس أن يلعب الناس بالسيوف والبنادق وما أشبهها، وأن يضربوا بالدفّ. أما الطبل والزير والأغاني التي تتضمن الهجاء والسبّ فهي محرمة، ولا يجوز للإنسان أن يحضر مثل هذه العرضات، ويجب النهي عنها ونصيحة الناس بعدم حضورها ؛ لأن مجالس المنكر إذا حضرها الإنسان شاركهم في الإثم وإن لم يفعل ؛ لقول الله تبارك وتعالى : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا *}[النِّسَاء: 140] .
الشيخ ابن عثيمين - هداية السالكين (2/36) - جمع : محمد بن رياض السلفي
حكم الأناشيد الإسلامية(3/491)
إننا نعلم حرمة الأغاني المعروفة بشكلها الحالي؛ لما فيها من كلام بذيء وساقط وغير ذلك من الطرب واللهو بالكلام الذي ليس فيه فائدة مرجوة، ونحن شباب الإسلام الذين أنار الله قلوبهم بالحق لابد لنا من بديل، وقد اخترنا الأناشيد الإسلامية التي فيها الحماس والعاطفة وغير ذلك من تلك الألوان . والأناشيد عبارة عن أبيات شعرية قالها دعاة الإسلام (قواهم الله) وصيغت بشكل لحن، كمثل قصيدة (( أخي)) لسيد قطب رحمه الله .. فما الحكم في أناشيد إسلامية بحتة فيها الكلام الحماسي والعاطفي الذي قاله دعاة الإسلام في العصر الحاضر وغير الحاضر، وفيها الكلمات الصادقة التي تعبر عن الإسلام وتدعو إليه ؟ ولما كان ضمن هذه الأناشيد صوت «الطبل» (الدُّف) .. فهل يجوز الاستماع إليها ؟ وكما أعلم وعلمي محدود بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أباح الطبل ليلة الزفاف؛ والطبل هو أهون الآلات الموسيقية مثله مثل الضرب على أي شيء سواه. أفيدونا وفقكم الله لما يحبه ويرضاه.
أجابت اللجنة بما يلي: صدقت في حكمك بالتحريم على الأغاني بشكلها الحالي؛ من أجل اشتمالها على كلام بذيء ساقط، واشتمالها على ما لا خير فيه؛ بل على ما فيه لهو وإثارة للهوى والغريزة الجنسية، وعلى مجون وتكسّر يغري سامعه بالشر، وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه .
ويجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية فيها من الحكم والمواعظ والعبر ما يثير الحماس والغيرة على الدين، ويهز العواطف الإسلامية، وينفر من الشر ودواعيه لتبعث نفس من ينشدها ومن يسمعها إلى طاعة الله، وتنفر من معصيته تعالى وتعدي حدوده إلى الاحتماء بحمى شرعه والجهاد في سبيله .(3/492)
لكن لا يتخذ من ذلك وِرْدًا لنفسه يلتزمه، وعادة يستمر عليها؛ بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة عند وجود مناسبات ودواعي تدعو إليه كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه، وعند فتور الهمم؛ لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها لردعها عنه وتنفيرها منه .
وخير من ذلك أن يتخذ لنفسه حزبًا من القرآن ويتلوه، وورداً من الأذكار النبوية الثابتة؛ فإن ذلك أزكى للنفس وأطهر وأقوى في شرح الصدر وطمأنينة القلب، قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ *}[الزُّمَر]، وقال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ *الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ *}[الرّعد] .
وقد كان ديدن الصحابة وشأنهم رضي الله عنهم العناية بالكتاب والسنة حفظاً ودراسةً وعملاً، ومع ذلك كانت لهم أناشيد وحداء يترنمون به في مثل حفر الخندق وبناء المساجد وفي سيرهم إلى الجهاد، ونحو ذلك من المناسبات دون أن يجعلوه شعارهم ويعيروه جل همهم وعنايتهم؛ لكنه مما يروحون به عن أنفسهم ويهيجون به مشاعرهم .
أما الطبل ونحوه من آلات الطرب فلايجوز استعماله مع هذه الأناشيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك. والله الهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - فتاوى إسلامية (4/532 - 534)
حكم المعازف ونحوها من آلات اللهو(3/493)
إنا نعيش في إنجلترا، وندرِّس بمدارس أهلية أيام العطلة مبادئ الإسلام، واللغة العربية لأطفال القادمين من الهند والباكستان واليمن... إلخ، إلى تلك البلاد، وهؤلاء الأطفال يتلقون بالمدارس الرسمية جميع علومهم بالموسيقى والصور؛ للتشويق والإعانة على الفهم وحضور الفكر؛ فإذا جاؤوا إلى مدارسنا الإسلامية أيام عطلتهم؛ لتلقي العلوم الإسلامية واللغة العربية ولم يجدوا هذه المشوقات نفروا .. فهل يجوز لنا استخدام المعازف في الأناشيد الإسلامية لهؤلاء الأطفال، كما يجوز لهم اللعب بالصور والتماثيل؛ ترغيباً لهم واستمالة لقلوبهم حتى يقبلوا على هذه المدارس الإسلامية لتعلم دينهم ؟
لا يجوز استخدام المعازف ولا غيرها من آلات اللهو؛ لا في الأناشيد الإسلامية، ولا في غيرها ولا في التعليم ولا في غيره؛ لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}[لقمَان، من الآية: 6]، ولما روى البخاري عن عبدالرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، والله ما كذبني، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لَيَكُونَنَّ من أمتي أَقْوَامٌ يستَحِلُّون الحِرَ والحرِيرَ والخَمْرَ والمَعَازِف، ولينزِلَنَّ أقوامٌ إلى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عليهم بسَارِحَةٍ لهم، يَأْتِيهِمْ لِحَاجَةٍ فيقولون: اِرْجِعْ إلينا غداً، فَيُبَيِّتُهُمُ الله ويَضَعُ العَلَمَ، ويَمْسَخُ آخَرِين قِرَدةً وخَنَازيرَ إلى يومِ القِيَامة"(1)
__________
(1) …البخاري (5590) (تعليقاً)، وأبو داود (4039) (مختصراً)، وابن حبان (6754)، والطبراني في «الكبير» 3/282 (3417)، والبيهقي في «الكبرى» (5895، 20777).
…وقد وصل هذا الحديث: الحافظ ابن حجر في كتابه «تغليق التعليق على صحيح البخاري» (5/17) وما بعدها.
… وانظر فتح الباري (10/51) برقم (5590)، وتهذيب سنن أبي داود، لابن القيم (5/270- 272).
…ومعنى (الحِرَ): الفَرْج؛ يعني: الزِّنا. ومعنى (عَلَم): هو الجبل العالي، وقيل: رأس الجبل. ومعنى (بسَارِحة): السَّارِحَة هي الماشية. انظر: «فتح الباري» (1/55)(3/494)
. لكن ينبغي ترغيبهم بالأناشيد الطيبة التي لا محذور فيها شرعاً، وبالجوائز المناسبة وبغير ذلك من أنواع الترغيب والتشجيع التي لا محذور فيها. والله سبحانه ما حرم شيئاً على عباده إلا يسَّر لهم من الحلال ما يغنيهم عنه - كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطّلاَق، من الآية: 2]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطّلاَق، من الآية: 4].
ونسأل الله للجميع التوفيق لما فيه رضاه وصلاح أمر عباده.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/184 - 186)
حكم الشِّعر حكم مَضْمُونه
ما حكم الشعر في الإسلام ؟ وهل الغناء مع ذكر الله في الغناء مع ضرب الدفوف كما يفعل في وطننا جائز ؟ وما هي الأشعار المباحة والمحرمة ؟
إذا اشتمل الشعر على كذب أو شرك، أو لهو، أو مجون، أو إغراء بشرٍّ ونحو ذلك؛ فهو ممنوع، وإذا اشتمل على دعوة إلى الخير وعلى حِكَم شرعية، ونصر للحق ونحو ذلك؛ فهو مشروع، وبالجملة فحكمه حكم ما اشتمل عليه، لكن استعمال الدف إنما يجوز للنساء في الأعراس؛ لإعلان النكاح، وهكذا في أيام العيد للنساء خاصة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/186)
حكم الدخان والغناء والأدلة على ذلك
يدعي بعض الناس بأن الغناء والدّخان ليس بحرام؛ لعدم ورود نصّ صريح في القرآن !!
أما مسألة الغناء فليس حراماً، إلا إذا كان موضوعه سافلاً، أو إذا قرن بآلات الموسيقى أو غيرها من آلات اللهو؛ فيكون حراماً لما اقترن به أو لموضوعه السافل، وأما الغناء على الأعمال وحداء الإبل، وما أشبه ذلك فليس بحرام .(3/495)
وأما الدّخان فليس في القرآن والسنة ما ينصّ عليه باسمه؛ لكن في القرآن والسنة قواعد عامة تدل على تحريمه، ولا يشترط لكون الشيء محرماً أو الحكم عليه بالتحريم أن يكون منصوصاً عليه بعينه؛ لأن الإسلام دين عام لجميع الناس إلى يوم القيامة، والجزئيات التي تحدث لا يمكن للناس الإحاطة بها؛ بل الجزئيات التي تحدث لا يمكن أن تذكر لكل الناس في زمن التنزيل، وهم لا يدرون عنها شيئاً . ومن المعلوم أن الدخان إنما حدث في الأزمان المتأخرة، ولهذا كانت نصوص الكتاب والسنة تتضمن قواعد عامة، يدخل فيها ما شاء الله سبحانه وتعالى من الجزئيات التي يعرفها أهل العلم .
الشيخ ابن عثيمين - ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة، ص (14، 15)
حكم شرب الدخان
ولدي يشرب الدخان منذ فترة سراً وقد علمت بذلك .. فما توجيه فضيلتكم لي لمساعدته على الإقلاع عن التدخين ؟ وما حكم الشرع في شربه ؟
شرب الدخان اختلف الناس فيه أول ما خرج؛ كما هي العادة للشيء أول ما يحدث، ولكن بعد أن تبين في الوقت الحاضر أنه ضار - صار القول بتحريمه ظاهراً بيناً .
فشرب الدخان حرام :
أولاً: لأن شربه فيه إضاعة مال بلا فائدة؛ بل بما فيه الضرر .
ثانياً: أنه سبب لأمراض عديدة من أخطرها السرطان .
وثالثاً:…لأنه سبب لسوء الخلق؛ لأن شاربه إذا تأخر في شربه ضاقت نفسه وضاق صدره وصار لا يحب أن يكلمه أحد، وصار يغضب عند كل شيء .
رابعاً:…أن شربه قد يوجب ثقل العبادات على الشارب؛ أما الصيام فظاهر، وأما غيره فربما تحضره الصلاة وهو بعيد عهد بشربه فيضيق ذرعاً بها.
خامساً:أن يكون سبباً لمنع الإنسان من دخول المساجد إذا كان له رائحة كريهة تؤذي المصلين وتؤذي الملائكة. فشرب الدخان حرام، والناصح لنفسه يتجنبه إذا تحققت فيه واحدة من هذه الأمور فكيف بها جميعاً؟! وربما يكون هناك أشياء أخرى لا تحضرنا الآن .(3/496)
أما نصيحتنا لهذا الأب: فهي أن يحرص على ملازمة ابنه له بقدر الإمكان وعلى نصيحته أيضاً، والولد إذا لازم أباه وأشغله أبوه بما فيه الخير فربما يتسلى عن ذلك، ولا سيما إذا كان صغيراً وكان شربه للدخان قريب عهد. نسأل الله أن يعين هذا الوالد على إصلاح ابنه .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (4)، (1/39، 40)
التصفيق من مظاهر الجاهلية
التصفيق بالمناسبات والحفلات .. هل هو جائز أو مكروه ؟
التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية، وأقل ما يقال فيه الكراهة، والأظهر في الدليل تحريمه؛ لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}[الأنفَال، من الآية: 35] .
وقال العلماء: المُكَاء: الصفير. والتَّصْدِيَة: التصفيق. والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول: (سبحان الله)، أو يقول: (الله أكبر)؛ كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة . ويشرع التصفيق للنساء خاصة إذا نابهن شيء في الصلاة وكن مع الرجال؛ فسها الإمام في الصلاة، فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق، أما الرجال فينبهونه بالتسبيح - كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم(1). وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبّه بالكفرة والنساء، وكلاهما منهي عنه. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى معاصرة، ص (67)
حكم تعليق الجرس للحيوانات
الأغنام يوضع معها جرس، وهذا الجرس كالعلامة للأغنام فهي تمشي إذا مشى وترتع إذا رتع، المهم أن صوت هذا الجرس أو الأجراس توجه الغنم وتربطها له حتى لا تذهب .. فما حكم الشرع في جواز تعليق الأجراس في رقاب الغنم التي تتبع الراعي الذي يرعى الغنم ؟ جزاكم الله خيرًا .
__________
(1) …البخاري (1203، 1204)، ومسلم (422) .(3/497)
ورد الحديث بالنهي عن الجرس الذي يقصد صوته للتلذذ والطرب والتنشيط في حديث: "لا تَصْحَبُ الْمَلائِكَةُ رِفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ"(1). فأما إذا كان القصد منه اتباع البهائم له وسيرهم تبعاً له فلا أرى به بأسًا؛ لما في ذلك من مصلحة اجتماع الأغنام وارتباطها بالراعي وعدم تفرقها؛ ففي ذلك مصلحة كبيرة، فإن استغنى عنه فهو أفضل إذا وجد ما يقوم مقامه من اتباعها لصوت الراعي أو سوقه لها ونحو ذلك، والله أعلم .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى وعليها توقيعه
حكم اللعب بالورقة والشطرنج
ما حكم اللعب بالورقة والشطرنج ؟
قد نص أهل العلم - رحمهم الله - أن اللعب بهما حرام كما ذكر ذلك مشايخنا؛ وذلك لما فيهما من الإلهاء الكثير والصد عن ذكر الله سبحانه وتعالى، ولأنهما ربما يؤديان إلى العداوة والبغضاء بين اللاعبين، وكثيرًا ما يكون اللعب على عوض، ومعلوم أن العوض لا يجوز بين المتسابقين إلا فيما نص عليه الشرع؛ وهي ثلاثة أشياء: النَّصْلُ والخُفُّ والحَافِر(2) .
ومن تأمل أحوال لاعبي الشطرنج والورقة تبين أنه قد ضاع عليهم أوقات كثيرة يمضونها في غير طاعة الله وفي غير الفائدة التي تعود عليهم في أمر دنياهم. قول بعض الناس: إن لعب الورقة والشطرنج يفتح الذهن وينمي الذكاء ولكن الواقع خلاف ما يدعيه هؤلاء؛ بل إنه يبلد الذهن ويجعل الذهن مقصورًا على هذا النوع من الذكاء بحيث لو أن الإنسان استعمل فكره في غير هذه الطريقة ما وجد شيئًا، وعلى هذا فإن تبليد الفكر وقصره على هذا النوع من الذكاء يوجب للإنسان العاقل أن يبتعد عن فعلهما.
__________
(1) …مسلم (2113)، وأبو داود (2554)، وغيرهما.
(2) …ورد ذلك في حديث أخرجه: أحمد (2/474)، وأبو داود (2574)، والترمذي (1700) وقال: «حديث حسن»، والنسائي (3585، 3586)، وابن حبان في «صحيحه» (4690). والمراد بالنّصل: السهم، وبالخف: الإبل، وبالحافر: الخيل.(3/498)
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى إسلامية، (4/437)
حكم لعب الشطرنج في غير أوقات الصلاة
هل يجوز لعب الشطرنج تحت الشروط الآتية: ليس باستمرار بل بعض الأحيان، وعدم التلفظ بألفاظ بذيئة أثناء اللعب، وعدم تضييع أوقات الصلوات المفروضة ؟ أرجو بهذا إفادة .
القول الراجح أن اللعب بالشطرنج محرم:
أولاً: لأنه لا يخلو غالبًا من صور تمثالية مجسمة، ومعلوم أن استصحاب الصور محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ"(1).
وثانيًا:لأنه غالبًا ما يلهي عن ذكر الله عز وجل؛ وما ألهى كثيرًا عن ذكر الله فإنه يكون حرامًا؛ لقول الله تعالى في بيان حكمة تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ *}[المَائدة] .
ولأن الغالب في اللاعبين بهذه اللعبة الغالب عليهم التنازع والتنافر والكلمات النابية التي لا ينبغي أن تقع من مسلم لأخيه، ولأن انحصار الذهن على هذا النوع من الذكاء في هذا النوع من الأنواع، ويكون فيما عداه بليدًا - كما حدثني بذلك من أثق به - قال: إن المنهمكين في لعب الشطرنج نجدهم إذا خرجوا عن ميدانه مما يتطلب ذكاء وفطنة نجدهم من أبله الناس وأبلدهم، لهذه الأسباب كانت لعبة الشطرنج حرامًا .
هذا إذا سلمت مما ذكره السائل وسلمت من الميسر؛ وهو جعل عوض على المغلوب، فإن اقترنت بما ذكره السائل أو جعل فيها ميسر - وهو العوض على المغلوب -صارت أخبث وأشر .
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة مهمة، ص (18)
حكم منضدة كرة القدم ( الفرفيرة )
__________
(1) …البخاري (3226)، ومسلم (2106).(3/499)
ما حكم هذه اللعبة التي ظهرت في الأسواق ويلعبها الأطفال والشبان ؟ وهي مركبة من منضدة فيها تماثيل لاعبي كرة القدم، ويوضع فيها كرة صغيرة تحرك بالأيدي؛ فمن غُلب يدفع أجرة اللعبة إلى صاحبها، والغالب لا يدفع شيئاً؛ فهل يجوز هذا وأمثاله في الشريعة الإسلامية ؟
إذا كان حال هذه اللعبة ما ذكرت من وجود تماثيل بالمنضدة التي يلعب عليها ودفع المغلوب أجرة استعمال اللعبة لصاحبها فهي محرمة لأمور:
أولاً: إن الاشتغال بهذه اللعبة من اللهو الذي يقطع على اللاعب بها فراغه ويضيع عليه الكثير من مصالح دينه ودنياه، وقد يصير اللعب بها عادة له، وذريعة إلى ما هو أشد من ذلك من أنواع المقامرة . وكل ما كان كذلك فهو باطل محرم شرعاً .
ثانياً: صنع التماثيل والصور واقتناؤها من كبائر الذنوب؛ للأحاديث الصحيحة التي توعد الله تعالى وتوعد رسوله من فعل ذلك بالنار والعذاب الأليم .
ثالثاً:…دفع المغلوب أجرة استعمال اللعبة محرم؛ لأنه إسراف وإضاعة للمال بإنفاقه في لعب ولهو، وايجار اللعبة عقد باطل، وكسب صاحبها منها سُحت وأكل للمال بالباطل، فكان ذلك من الكبائر والقمار المحرم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - فتاوى إسلامية (2/333)
حكم لعبة ( الأونو )
إنني - إن شاء الله - من الذين يحافظون على أداء الصلاة في أوقاتها ومع الجماعة، ولكن هناك بعض أقاربي وأصدقائي يلعبون ورقة تسمى: (الأونو)، وهي تشبه بما يسمى بـ: (الباصرة)، وأيضاً يلعبون (الضومنة)، وأنا أغلب الأوقات ألعب معهم، ولكن عندما أسمع الأذان أرمي بالورقة وأذهب أنا وهم لأداء الصلاة مع الجماعة؛ فهل علي ذنب أو ما حكم هذه اللعبة ؟ أفتونا جزاكم الله خيراً .
هذه اللعبة من الألعاب المحرمة؛ لأن الشأن فيها أنها تشغل عن ذكر الله وعن الصلاة، وأنها تقضي غالباً إلى العداوة والبغضاء على مدى الأيام .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(3/500)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/238)
بيان اللجنة حول لعبة ( المونوبولي )
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام، من سعادة مدير عام إدارة التوعية والتوجيه بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برقم (1209/9س) وتاريخ 16/7/1414هـ، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3411) وتاريخ 22/7/1414هـ، وقد طلب سعادته النظر في لعبة (المونوبولي)، ووصف هذه اللعبة حسب إفادة العارفين بها كما يلي :
هي عبارة عن لوحة من الورق 50 ح 50 سم، ومقسمة إلى مربعات صغيرة، كل مربع يأخذ اسماً معيناً، وله قيمة محددة، وهي عبارة عن قطع أراضي أو محطات سكك حديد.
وتقوم فكرة اللعبة أساساً على شراء الأراضي أو المحطات واستثمارها بدفع رسوم لصاحبها من بقية المتسابقين عند المرور بها، وعدد المتسابقين من 2 - 6 أشخاص، وشخص آخر يمثل دور المسؤول عن البنك، يقوم بدفع مبلغ معين لكل متسابق كهبة في البداية، ثم يبدأ اللعب بواسطة مكعبات صغيرة (نرد الزهر)، بحيث يقذف كل متسابق هذا الزهر ليحصل على رقم معين بواسطته ينتقل من البداية إلى المنطقة التي حصل عليها بواسطة تلك المكعبات، والمتسابق مخير بين شرائها أو تجاوزها.. وهكذا بقية المتسابقين .
ويقوم المتسابق بشراء أشكال من البنك تمثل فنادق (منازل) ووضعها في أرضه التي اشتراها ليرتفع قيمة إيجارها. ويحق للمتسابق الإقتراض من البنك وذلك برهن أملاكه لديه، وكذلك بعض المناطق عبارة عن منطقة (حظ)، بواسطة كروت مكتوب عليها: (خذ مبلغاً معيناً من البنك)، (ادفع مبلغاً معيناً للبنك).. وهكذا .(4/1)
وبعد دراسة اللجنة أجابت: بأن هذه اللعبة محرمة؛ لكونها من الميسر، وهو القمار إذا كان فيها مال، فإن خلت من المال فهي محرمة؛ لما فيها من اللهو والمغالبة والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وإيقاع العداوة والبغضاء بين اللاعبين؛ كما قال الله سبحانه في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ *}[المَائدة] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/222 - 224)
بعض الرياضات الجائزة في الإسلام
ما هي أنواع الألعاب الجائزة في الإسلام ؟
يجوز السباق على الخيل والإبل وفي الرماية، واللعب بالحراب ونحوها من الحرب؛ للتمرين على أعمال الجهاد في سبيل الله والاستعداد له؛ قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفَال، من الآية: 60]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا سَبَقَ إلا في ثلاثٍ: نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أو حَافِرٍ" (1) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/230)
حكم لعبة ( البوكيمون )
__________
(1) …أحمد (2/474)، وأبو داود (2574)، والترمذي (1700) وقال: «حديث حسن»، والنسائي (3585، 3586)، وابن حبان (4690). وكلمة (ثلاث) وردت في كتاب «الفوائد» 1/256 (627) لتمام الرازي (414هـ) بتحقيق: حمدي السلفي. والمراد بالنصل: السهم، وبالخف: الإبل، وبالحافر: الخيل.(4/2)
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه .. وبعد:
فقد رفع إلينا بعض الغيورين دراسة مفصلة حول اللعبة التي تسمى (البوكيمون)، وبعد قراءتها والإطلاع على ما فيها تبين لنا أن هذه اللعبة أو الأضحوكة التي شرح الكاتب شأنها وذكر بعد ذلك نماذج من صورها - تعتبر من آلات اللهو واللعب، وتدخل في الميسر الذي حرمه الله تعالى وقرنه بالخمر؛ فتكون محرمة إذا كانت لمجرد اللهو الباطل؛ فقد ورد في الحديث عن بريدة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ" (1) رواه مسلم، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ" (2)، رواه مالك وأحمد وأبو داود، ولأحمد عن أبي عبد الرحمن الخطمي مرفوعاً: "مَثَلُ الَّذِي يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي مَثَلُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِالْقَيْحِ وَدَمِ الْخِنْزِيرِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي"(3). والنرد هو آلة اللعب، وقال عطاء ومجاهد: كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز، وفي لفظ: حتى الكعاب والجوز والبيض التي تلعب بها الصبيان. ذكر هذه الآثار ابن كثير(4) عند تفسير قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المَائدة، من
__________
(1) …مسلم (2260) .
(2) …«موطأ مالك» (1786)، وأحمد (4/394، 397، 400)، وأبو داود (4938)، وابن ماجه (3762)، وابن حبان (5872)، والحاكم 1/50 (60) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) …أحمد (5/370)، والبيهقي في «الكبرى» (20742). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/113): «وفيه موسى بن عبدالرحمن الخطمي ولم أعرفه، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح» .
(4) …في «تفسيره» (2/92).(4/3)
الآية: 90].
وحيث إن هذه اللعبة يتخذها الأولاد للكسب والأخذ من بعضهم لبعض فإنها من الميسر وهو القمار، وهكذا اتخاذها لمجرد اللعب واللهو الذي هو لهو الحديث الذي يضل عن سبيل الله، وهكذا ما ذكر من تأثيرها على العقول والأديان والعقائد؛ فعلى هذا يجب أن تحرق هذه الكروت، وأن يتعهد على التجار بعدم استيرادها وعدم بيعها؛ لما لها من الأثر الفعال في أولاد المسلمين، والله أعلم .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى وعليها توقيعه بتاريخ 1/12/1421هـ
بيان اللجنة الدائمة حول حكم أفلام وألعاب البوكيمون
(1) الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد: فقد وردت إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أسئلة كثيرة مسجلة لدى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء ومنها ( مسجل برقم 7180 في 11/11/1421هـ ،ومسجل برقم 7246 وتاريخ 17/11/1421هـ ) وغيرهما، وكان نص أحدها مايلي:
(انتشرت بين طلاب المدارس في الفترة الأخيرة لعبة تعرف بـ (البوكيمون) التي استحوذت على عقول شريحة كبيرة من أبنائنا الطلاب فأسرت قلوبهم وأصبحت شغلهم الشاغل ينفقون ما لديهم من نقود في شراء بطاقاتها - يتراوح سعرها بين 10 و 600 ريال؛ بل إن بعضها يصل إلى 2000 أو 3000 ريال للكرت الواحد - يقضون معظم أوقاتهم في متابعة تطوراتها والبحث عن جديدها في كل مكان. ولرواجها ولشدة الإقبال عليها أصبح لها أسواق خاصة وأماكن محددة لبيعها وشرائها وتبادلها؛ حتى وصل الأمر لإقامة مباريات لهذه البطاقات يتنافس فيها عدد كبير من الطلاب لكسب المزيد منها. والأدهى من ذلك كله أن عدداً ليس بالقليل من الآباء والأمهات أصبح مهتماً بتطورات هذه اللعبة ولا يبخل على أبنائه بتقديم الدعم والمساندة؛ بل أصبحت هذه الكروت تستخدم للثواب والعقاب بعدما اقتنعوا أن هذه اللعبة لها مفعول عجيب في التأثير على أبنائهم .(4/4)
ولإيضاح بعض الحقائق عن هذه اللعبة وما تخفيه من أخطار جسيمة؛ سواء كانت عقدية أو تربوية أو سلوكية تستهدف بشكل مباشر فئة معينة من أبنائنا أحببت أن أبين في هذا التقرير الموجز لمحة عن هذه اللعبة مع التركيز على مخاطرها العقدية المفجعة وآثارها التربوية السلبية؛ محاولاً بعون الله أن أضع أمام الغيورين والمهتمين بتربية طلابنا تربية عقدية سليمة بعض ما وصلت إليه من خلال متابعتي لهذه اللعبة بعد أن استفحل أمرها داخل مجتمعنا .
ما هي البوكي ؟
نشأتها:(4/5)
لعبة البوكي أو ما يعرف بالبوكيمون قدمت من أقصى بلاد الشرق وتحديداً من اليابان، وتعود هذه اللعبة إلى التسعينات عندما تخيل رجل ياباني اسمه ساتوشي تاجيري، وهو من المهتمين بجمع أنواع الحشرات، تخيل هذا الرجل أن العالم سوف يغزوه عدد هائل من الحشرات والحيوانات الغريبة الأشكال قادمة من الفضاء ومن ثَمَّ يبدأ الإنسان بالتقاطها، وهذه الحشرات والوحوش قابلة للتطور والارتقاء نحو الأفضل وفي كل مرحلة يتغير شكلها فمثلاً الحيوان ذو الرأس الواحد قد يتطور ويصبح له ثلاثة رؤوس أو قد يخرج له أيد وأرجل في مرحلة ما، هذه الفكرة راقت لشركة يابانية عملاقة تدعى (ننتندو NINTENDO )؛ حيث تبنت الفكرة فطورتها وجندت لها إمكانيات هائلة، واستقطبت عدداً كبيراً من المصممين والرسامين للقيام برسم نماذج لهذه اللعبة، وفرضت رقابة مشددة على عملهم حيث إنها منعت الصحفيين من الدخول إلى الأماكن التي تصمم بها هذه الرسومات (كما حصل ذلك مع إحدى محطات التلفزيون الأمريكية التي أرادت إجراء تقرير عن تصميم هذه الرسومات)، وما لبثت هذه اللعبة حتى انتشرت انتشار النار في الهشيم في معظم أرجاء العالم وحققت الشركة المنتجة أرباحاً خيالية بلغت مليارات الدولارات . وأنشأت لها مقرات في كثير من عواصم العالم وأصبحت لها مطبوعات ودوريات وأشرطة فيديو، وتبنت بث برامجها محطات تلفزيونية عديدة، واستحدث لها مواقع عديدة على شبكة المعلومات (الإنترنت) .
طريقة لعب البوكيمون :(4/6)
لقد وضع منتجو البوكيمون قواعد وضوابط محددة لممارسة هذه اللعبة مراعين في ذلك منهج الاستمرارية؛ بحيث يبقى اللاعب يبحث عن الجديد لاهثاً بلا نهاية . وهي تأخذ عدة أشكال منها المعقد، والتي يستخدم فيها الزهر والأوسمة، ولها طاولة معينة وهي تحتاج إلى وقت طويل لتعلم مهاراتها. ومنها ما هو المبسط والتي تتلخص باستحواذ الكرت القوي على الكرت الأقل قوة، وما يميز الكرت القوي أنه يحتوي على رموز وإشارات وأرقام معينة ترفع من قيمته .
المحاذير الشرعية في هذه اللعبة :
1 - القمار والميسر :
حيث إنها تشتمل على القمار المحرم؛ إذ يتنافس اثنان بعدد من الكروت المختلفة الأثمان لكل كرت منهما قيمة متعارف عليها، ويكون أحدهما يملك كرتاً قوياً يكسب كروت الشخص الآخر الأقل قوة، فإذا لم يرد الطرف الخاسر أن يفقد الكرت فإنه يدفع بدلاً عنه قيمته وقد يزيد في السعر حسبما يحدده الكاسب . وهذه إحدى صور المقامرة في الجاهلية؛ حيث كان الرجل يقامر غيره على ماله وأهله؛ فأيهما كسب أخذ مال الآخر وحتى أهله بسبب هذه المقامرة، وهذا مذكور عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المَائدة، من الآية: 90]. وهذه المقامرة هي ما يقع من الطلاب في مدارسنا من خلال هذه اللعبة؛ حيث يقامر الطالب بكروته ذات القيمة المالية، والكاسب يأخذ كروت صاحبه ذات القيمة المالية، وإذا أراد الخاسر أن يُبقي على كروته وجب عليه أن يدفع مقابلها قيمة مالية ليُبقي عليها .
2 - تبنيها لنظرية التطور والارتقاء :
لعل أهم ما يجعل المرء يستنكر هذه اللعبة هو أنها تتبنى نظرية النشوء والارتقاء التي نادى بها (داروين)؛ والتي تقوم على تطور المخلوقات والتي تُرجع أصل الإنسان إلى سلسلة من الكائنات الحية المتطورة التي كان من آخرها القرد .(4/7)
والعجيب أن كلمة تطور أصبحت كثيرة التردد على ألسنة الأطفال؛ حيث إنك تسمع من الطلاب أن هذا الحيوان الموجود في الكرت قد تطور وأصبح بشكل مختلف، ويتابعون تطوره بشغف شديد .
3 - اشتمالها على رموز وشعارات لديانات ولمنظمات منحرفة :
إن المتأمل لبعض هذه البطاقات يُصدم ويتفطر قلبه مما يراه ويجده من رموز وشعارات وصور جزئية مشوهة ذات مدلولات خطيرة جداً تثبت أن هذه اللعبة لم تنشأ بهدف التسلية والترفيه كما يزعم منتجوها ومروجوها؛ بل إن وراءها أيد خفية ومنظمة تعمل بدقة لنشر أفكارها المنحرفة عبر الكثير من هذه الرموز والشعارات الموجودة في هذه اللعبة، والتي تستخدمها أكثر الحركات الهدامة في العالم؛ حيث تترك هذه الرمزية مساحة واسعة للمناورة على من يريدون تضليله؛ حيث يفسرون له الأمور وفق ما يهوى وما يحب لجعلها عالقة في الأذهان وليتعلق بها من يستخدمها، وهذا ما حدث فعلاً لدى شريحة كبيرة من أبنائنا. ولعلي أورد هنا بعض المقتطفات عما تعطيه المنظمات المنحرفة من أهمية للرموز والرسومات والشعارات فهم يقولون: (إن السر ينتقل عبر الكلمة والصورة والكتابة؛ والكتابة هي شعائر وهي لم تنشر إلا بصورة جزئية مشوهة). ومن هذه الرموز:
أ - النجمة السداسية :
حيث قلَّ أن تجد كرتاً يخلو من هذه النجمة التي لا يخفى على الجميع ارتباطها بالصهيونية العالمية، كما أنها تمثل شعار دولة إسرائيل ورمزها المقدس . كما أنها الرمز الأول للمنظمات الماسونية في العالم .
ب - الصليب :
يوجد في هذه اللعبة العديد من الصلبان المختلفة الأشكال، وهو الشعار المقدس لدى النصارى .
ج - المثلثات والزوايا :
وهي رموز لها مدلولات هامة عند الكثير من المنظمات المنحرفة كالماسونية .
د - رموز من المعتقد الشنتوي :(4/8)
الشنتوية عقيدة سكان اليابان والتي تقوم على تعدد الآلهة؛ فالشمس والأرض والكثير من الحيوانات والنباتات مقدسة لديهم، وهي تأخذ صفة الآلهة . وقد احتوت اللعبة على الكثير من هذه الصور ) . انتهى .
وقد سأل السائلون عن حكم تلك اللعبة التي تسمى: البوكيمون)) :
وحيث أن هذه اللعبة تشتمل على عدد من المحاذير الشرعية التي منها: الشرك بالله باعتقاد تعدد الآلهة، ومنها: الميسر الذي حرمه الله بنص القرآن وجعله قريناً للخمر والأنصاب - في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ *}[المَائدة]. ومنها: ترويج شعارات الكفر والدعاية لها وترويج الصور المحرمة، وأكل المال بالباطل .
لهذه المحاذير وغيرها فإن اللجنة الدائمة ترى تحريم هذه اللعبة وتحريم الأموال الحاصلة بسبب اللعب بها؛ لأنها ميسر وهو القمار المحرم، وتحريم بيعها وشرائها؛ لأن ذلك وسيلة موصلة إلى ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتوصي اللجنة جميع المسلمين بالحذر منها ومنع أولادهم من تعاطيها واللعب بها محافظة على دينهم وعقيدتهم وأخلاقهم .. وبالله التوفيق .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم،،،
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم (21758) وتاريخ 3/12/1421هـ
حكم الجوائز على الألعاب الرياضية(4/9)
يلاحظ في هذه الأيام استعداد كثير من الشباب للقيام بعمل دورات رياضية في الألعاب المختلفة وذلك تبعًا لأحد الأندية أو على مستوى الحواري، وذلك عن طريق مساهمة كل فريق بمقدار معين من المال؛ مع العلم بأن أحد الفرق لا يدفع شيئًا ويقوم الفريق المنظم بشراء الكأس والجوائز، وتقوم بقية الفرق باللعب على هذه الجوائز، والفريق الفائز يحصل على الكأس وتوزع بقية الجوائز على المركز الأول وغيره . أفيدونا وجزاكم الله خيرًا .
إذا كان دفع الجائزة ممن لا يشارك بالمسابقة مثل أن يدفع شخص ليس من جملة المتسابقين مبلغًا من المال للغالب من هذه الفرق؛ فلا يدخل هذا في الميسر المحرم . أما إذا كان دفع الجائزة من الفريقين المتسابقين مثل أن يدفع كل فريق شيئًا من المال ومن سبق من الفريقين كان له، فهذا من الميسر المحرم؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *}[المَائدة] .(4/10)
وكذلك لو كانت الفرق ثلاثًا فأكثر فدفع الفريقان ولم يدفع الثالث وأخذ الجائزة من سبق - فهو حرام أيضًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا سَبَقَ إِلا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ" (1)، فالنَّصْل: المسابقة في السهام؛ أي: الرمي بالسهام، والخُفُّ: المسابقة في الإبل، والحَافِر: المسابقة في الخيل . والسَّبَق بفتح الباء: العِوَض المَجْعُول في المسابقة لمن سبق . وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يجوز إلا في هذه الثلاثة؛ وذلك لأنها مما يتعلق بالجهاد في سبيل الله. والله الموفق .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى إسلامية، (4/433، 434 )
حكم الاشتراك في دورة (بيبسي كولا) الرياضية
أعلنت شركة (( بيبسي كولا )) عن عزمها على إقامة دورة في كرة القدم، ( أكاديمية يوافا للناشئين ) من سن الثانية عشرة إلى السادسة عشرة؛ أي من طلاب الابتدائي والمتوسط، تحت إشراف فريق من البريطانيين، وهي تطلب من الجميع المشاركة، لتنتخب منهم مجموعة بعد إجراء اختباراتهم .
فما رأي فضيلتكم: هل يشجع الإنسان أبناءه على الالتحاق بها ليسافر بهم إلى بريطانيا ؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
لقد سمعت هذا الخبر وقرأته، وفيه أنهم سوف ينتخبون من النشء الصغار ثلاث فرق: فرقة إلى حد السنة الثانية عشرة، وفرقة إلى حد السنة الرابعة عشرة، وفرقة إلى حد السنة السادسة عشرة؛ ليختاروا منهم من يرونه صالحاً للمشاركة في هذه الأكاديمية، التي سيجري التمرين عليها في بريطانيا.
__________
(1) …أحمد (2/474)، وأبو داود (2574)، والترمذي (1700) وقال: «حديث حسن»، والنسائي (3585، 3586)، وابن حبان (4690). وكلمة (ثلاث) وردت في كتاب «الفوائد» 1/256 (627) لتمام الرازي (414هـ) بتحقيق: حمدي السلفي. والمراد بالنصل: السهم، وبالخف: الإبل، وبالحافر: الخيل.(4/11)
وأنا لا أظن أن أحداً من الناس يسمح لولده، فلذة كبده، وثمرة فؤاده، أن يسافر في هذه السن إلى بريطانيا، أو غيرها من بلاد الكفر؛ لما في ذلك من الخطورة العظيمة على دين الولد وأخلاقه وعبادته . ويحرم على الإنسان أن يمكِّن لهذه الشركة من السفر بهؤلاء النشء إلى بريطانيا أو غيرها من دول الكفر؛ لأنه مؤتمن على أهله وأولاده، وراع عليهم، وسوف يسأل عنهم يوم القيامة؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التّحريم، من الآية: 6]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ ... وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (1) .
أسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا وشبابنا من كيد أعدائنا، وأن يحفظ حكومتنا بالإسلام، ويحفظ الإسلام بها، وأن يجعلها خير راع لأبناء شعبها، وفلذات أكبادهم أن تجترفهم مثل هذه الأفكار السيئة، إنه ولي ذلك والقادر عليه . والحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى معاصرة، ص (64، 65)
حكم الملاكمة المصارعة الحُرَّة ومصارعة الثيران
ما حكم الإسلام في الملاكمة ومصارعة الثيران والمصارعة الحرة ؟
__________
(1) …البخاري (2409)، ومسلم (1829) .(4/12)
الملاكمة ومصارعة الثيران من المحرمات المنكرة؛ لما في الملاكمة من الأضرار الكثيرة والخطر العظيم، ولما في مصارعة الثيران من تعذيب للحيوان بغير حق. أما المصارعة الحرة التي ليس فيها خطر ولا أذى ولا كشف للعورات فلا حرج فيها؛ لحديث مُصَارعة النبي صلى الله عليه وسلم ليزيد بن رُكَانَة فَصَرَعَهُ النبي صلى الله عليه وسلم(1) ، ولأن الأصل في مثل هذا الإباحة إلا ما حرمه الشرع المطهر. وقد صدر من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرار بتحريم الملاكمة ومصارعة الثيران لما ذكرنا آنفاً، وهذا نصه:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 24 صفر 1408هـ الموافق 17 أكتوبر 1987م إلى يوم الأربعاء 28 صفر 1408هـ الموافق 21 أكتوبر 1987 قد نظر في موضوع الملاكمة والمصارعة الحرة من حيث عدهما رياضة بدنية جائزة، وكذا في مصارعة الثيران المعتادة في بعض البلدان الأجنبية؛ هل تجوز في حكم الإسلام أو لا تجوز ؟
وبعد المداولة في هذا الشأن من مختلف جوانبه، والنتائج التي تسفر عنها هذه الأنواع التي نسبت إلى الرياضة، وأصبحت تعرضها برامج البث التلفازي في البلاد الإسلامية وغيرها .
وبعد الإطلاع على الدراسات التي قدمت في هذا الشأن بتكليف من مجلس المجمع في دورته السابقة من قبل الأطباء ذوي الاختصاص، وبعد الاطلاع على الإحصائيات التي قدمها بعضهم عما حدث فعلاً في العالم نتيجة لممارسة الملاكمة، وما يشاهد في التلفزة من بعض مآسي المصارعة الحرة - قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولاً: الملاكمة:
__________
(1) …أبو داود (4078)، والترمذي (1784) وقال: «حسن غريب وإسناده ليس بالقائم». وله شاهد عند البيهقي في «السنن الكبرى» 10/18 (19546) يتحسن به .(4/13)
يرى مجلس المجمع بالإجماع أن الملاكمة المذكورة التي أصبحت تمارس فعلاً في حلبات الرياضة والمسابقة في بلادنا اليوم هي ممارسة محرمة في الشريعة الإسلامية؛ لأنها تقوم على أساس استباحة إيذاء كل من المتغالبين للآخر إيذاء بالغاً في جسمه، قد يصل به إلى العمى، أو التلف الحاد أو المزمن في المخ، أو إلى الكسور البليغة، أو إلى الموت، دون مسؤولية على الضارب، مع فرح الجمهور المؤيد للمنتصر، والابتهاج بما حصل للآخر من الأذى، وهو عمل محرم مرفوض كلياً وجزئياً في حكم الإسلام؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البَقَرَة، من الآية: 195]، وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النِّسَاء، من الآية: 29]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" (1) .
على ذلك فقد نص فقهاء الشريعة على أن من أباح دمه لآخر فقال له: (اقتلني) - أنه لا يجوز له قتله، ولو فعل كان مسؤولاً ومستحقاً للعقاب .
وبناء على ذلك يقرر المجمع أن هذه الملاكمة لا يجوز أن تسمى رياضة بدنية، ولا تجوز ممارستها؛ لأن مفهوم الرياضة يقوم على أساس التمرين دون إيذاء أو ضرر، ويجب أن تحذف من برامج الرياضة المحلية، ومن المشاركات فيها في المباريات العالمية، كما يقرر المجلس عدم جواز عرضها في البرامج التلفازية كيلا تتعلم الناشئة هذا العمل السيِّئ وتحاول تقليده .
ثانياً: المصارعة الحرة :
__________
(1) …أحمد (1/313)، وابن ماجه (2340). وقال النووي في الأربعين (32): «وله طرق يقوي بعضها بعضاً». وانظر: «فيض القدير» (6/432) . ومعنى (لا ضَرَر): أي لا يضر الرجل أخاه. (لا ضِرَار): أي لا يُجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه.(4/14)
وأما المصارعة الحرة التي يستبيح فيها كل من المتصارعين إيذاء الآخر والإضرار به؛ فإن المجلس يرى فيها عملاً مشابهاً تمام المشابهة للملاكمة المذكورة وإن اختلفت الصورة؛ لأن جميع المحاذير الشرعية التي أشير إليها في الملاكمة موجودة في المصارعة الحرة التي تجري على طريقة المبارزة، وتأخذ حكمها في التحريم . وأما الأنواع الأخرى من المصارعة التي تمارس لمحض الرياضة البدنية ولا يستباح فيها الإيذاء فإنها جائزة شرعاً، ولا يرى المجلس مانعاً منها .
ثالثاً: مصارعة الثيران :
وأما مصارعة الثيران المعتادة في بعض بلاد العالم، والتي تؤدي إلى قتل الثور ببراعة استخدام الإنسان المدرب للسلاح - فهي أيضاً محرمة شرعاً في حكم الإسلام؛ لأنها تؤدي إلى قتل الحيوان تعذيباً بما يغرس في جسمه من سهام، وكثيراً ما تؤدي هذه المصارعة إلى أن يقتل الثور مصارعه، وهذه المصارعة عمل وحشي يأباه الشرع الإسلامي الذي يقول رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ؛ لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ"(1).
فإذا كان هذا الحبس للهرَّة يوجب دخول النار يوم القيامة، فكيف بحال من يعذب الثور بالسلاح حتى الموت ؟!
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقاولات متنوعة (4/411-413)
قضاء الوقت خلال شبكة الإنترنت
يقضي كثير من الشباب معظم أوقاتهم مبحرين خلال شبكة الإنترنت، ويتجولون في المواقع المختلفة الصالح منها والطالح؛ فهل من نصيحة تقدم لهؤلاء الشباب ؟
__________
(1) …البخاري (3482)، ومسلم (2242). و(خَشَاش الأرض): هَوامُّها وحشراتها.(4/15)
يكثر عند هؤلاء الشباب الفراغ والميل إلى الهوى وما تشتهيه الأنفس من الاطلاع على كل مستحدث جديد؛ فيتتبعون تلك المجتمعات التي تتلقى ما يبث بواسطة الانترنت أوالقنوات الفضائية، ولا شك أن الكثير مما يبث في هذه النشرات شبهات مضللة، ودعايات مفسدة للعقول والفطرة، وصور خليعة فاتنة لمن شاهدها.
فنصيحتنا لكل مسلم من شباب وشيوخ: أن يربؤوا بأنفسهم عن تلك الأماكن والمجتمعات المستقذرة، وأن يحفظوا أسماعهم عن الإصغاء إلى تلك الكلمات البذيئة والمقالات المشبوهة، وأن يصونوا أعينهم عن النظر إلى تلك النشرات الكفرية أو البدعية؛ حفاظاً على أوقاتهم عن الضياع، وحفاظاً على أديانهم وعقائدهم عن الابتداع، وحفاظاً على فطرهم وعقولهم عن الانخداع، بما يسمع أو يذاع، مما يطمس الأبصار ويصم الأسماع، وسوف يجدون ما يشتغلون به وما يقضون به أوقات فراغهم مما فيه مصلحة دينية يتزودون بها علوماً نافعة وأعمالاً صالحة، ومن أعمال دنيوية يحصلون منها على مكاسب مباحة ورزق حلال تقوم به حياتهم، أو علوماً مباحة وأخباراً صحيحة يعتبرون بسماعها في مسيرتهم ويتذكرون ما وقع لأسلافهم، ويشكرون ربهم ويحمدونه أن هداهم للإسلام وفتح عليهم من العلوم الجديدة ما ينتفعون به في حياتهم؛ فإن الإنسان محاسب على إضاعة أوقاته؛ فقد جاء في الحديث: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ" (1)؛ فعليه أن يعد لكل سؤال جواباً ولكل جواب صواباً . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 24/7/1420هـ
بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (بشأن المجلات الخليعة ومخاطرها)
__________
(1) …الترمذي (2417) وقال: «حسن صحيح».(4/16)
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد أصيب المسلمون في هذا العصر بمحن عظيمة، وأحاطت بهم الفتن من كل جانب ووقع كثير من المسلمين فيها، وظهرت المنكرات، واستعلن الناس بالمعاصي بلا خوف ولا حياء، وسبب ذلك كله: التهاون بدين الله وعدم تعظيم حدود الله وشريعته، وغفلة كثير من المصلحين عن القيام بشرع الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنه لا خلاص للمسلمين ولا نجاة لهم من هذه المصائب والفتن إلا بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى وتعظيم أوامره ونواهيه، والأخذ على أيدي السفهاء، وأطرهم على الحق أطراً .
وإن من أعظم الفتن التي ظهرت في عصرنا هذا ما يقوم به تجار الفساد وسماسرة الرذيلة ومحبو إشاعة الفاحشة في المؤمنين: مثل إصدار مجلات خبيثة تحادّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه؛ فتحمل بين صفحاتها أنواعاً من الصور العارية والوجوه الفاتنة المثيرة للشهوة، الجالبة للفساد .
وقد ثبت بالاستقراء أن هذه المجلات مشتملة على أساليب عديدة في الدعاية إلى الفسوق والفجور وإثارة الشهوات، وتفريغها فيما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ومن ذلك أن فيها:
1 -…الصور الفاتنة على أغلفة تلك المجلات وفي باطنها .
2 -…النساء في كامل زينتهن يحملن الفتنة ويغرين بها .
3 -…الأقوال الساقطة الماجنة، والكلمات المنظومة والمنثورة البعيدة عن الحياء والفضيلة، والهادمة للأخلاق المفسدة للأمة .
4 -…القصص الغرامية المخزية، وأخبار الممثلين والممثلات والراقصين والراقصات من الفاسقين والفاسقات .
5 -…في هذه المجلات الدعوة الصريحة إلى التبرج والسفور واختلاط الجنسين وتمزيق الحجاب .
6 -…عرض الألبسة الفاتنة الكاسية العارية على نساء المؤمنين لإغرائهن بالعري والخلاعة والتشبه بالبغايا والفاجرات .
7 -…في هذه المجلات العناق والضم والقبلات بين الرجال والنساء .(4/17)
8 -…في هذه المجلات المقالات الملتهبة التي تثير مَوات الغريزة الجنسية في نفوس الشباب والشابات؛ فتدفعهم بقوة ليسلكوا طريق الغواية والانحراف والوقوع في الفواحش والآثام والعشق والغرام .
فكم شغُف بهذه المجلات السامة من شباب وشابات فهلكوا بسببها وخرجوا عن حدود الفطرة والدين.
ولقد غيّرت هذه المجلات في أذهان كثير من الناس كثيراً من أحكام الشريعة ومبادئ الفطرة السليمة؛ بسبب ما تبثه من مقالات ومطارحات .
واستمرأ كثير من الناس المعاصي والفواحش وتعدي حدود الله؛ بسبب الركون إلى هذه المجلات واستيلائها على عقولهم وأفكارهم .
والحاصل: أن هذه المجلات قوامها التجارة بجسد المرأة التي أسعفها الشيطان بجميع أسباب الإغراء ووسائل الفتنة للوصول إلى: نشر الإباحية، وهتك الحرمات، وإفساد نساء المؤمنين، وتحويل المجتمعات الإسلامية إلى قطعان بهيمية لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، ولا تقيم لشرع الله المطهر وزناً، ولا ترفع به رأساً كما هو الحال في كثير من المجتمعات؛ بل وصل الأمر ببعضها إلى التمتع بالجنسين عن طريق العري الكامل فيما يسمونه: (مُدُنُ العراة) - عياذاً بالله من انتكاس الفطرة والوقوع فيما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا وإنه بناء على ما تقدم ذكره من واقع هذه المجلات ومعرفة آثارها وأهدافها السيئة، وكثرة ما يرد إلى اللجنة من تذمر الغيورين من العلماء وطلبة العلم وعامة المسلمين من انتشار عرض هذه المجلات في المكتبات والبقالات والأسواق التجارية؛ فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ترى ما يلي:
أولاً: يحرم إصدار مثل هذه المجلات الهابطة؛ سواء كانت مجلات عامة، أو خاصة بالأزياء النسائية، ومن فعل ذلك فله نصيب من قوله الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ}[النُّور، من الآية: 19] .(4/18)
ثانياً: يحرم العمل في هذه المجلات على أي وجه كان: سواء كان العمل في إدارتها أو تحريرها أو طباعتها أو توزيعها؛ لأن ذلك من الإعانة على الإثم والباطل والفساد، والله جل وعلا يقول: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة، من الآية: 2] .
ثالثاً: تحرم الدعاية لهذه المجلات وترويجها بأية وسيلة؛ لأن ذلك من الدلالة على الشر والدعوة إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ دَعَا إلى ضَلالةٍ كان عليهِ من الإثمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ؛ لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ آثامِهم شيئاً" (1) أخرجه مسلم في [صحيحه].
رابعاً: يحرم بيع هذه المجلات، والكسبُ الحاصل من ورائها كَسْبٌ حرام، ومن وقع في شيء من ذلك وجب عليه التوبة إلى الله تعالى والتخلص من هذا الكسب الخبيث .
خامساً: يحرم على المسلم شراء هذه المجلات واقتناؤها؛ لما فيها من الفتنة والمنكرات، كما أن في شرائها تقوية لنفوذ أصحاب هذه المجلات ورفعاً لرصيدهم المالي وتشجيعاً لهم على الإنتاج والترويج، وعلى المسلم أيضاً أن يحذر من تمكين أهل بيته - ذكوراً وإناثاً - من هذه المجلات؛ حفظاً لهم من الفتنة والافتنان بها، وليعلم المسلم أنه راعٍ ومسؤول عن رعيته يوم القيامة .
__________
(1) …مسلم (2674).(4/19)
سادساً: على المسلم أن يغض بصره عن النظر في تلك المجلات الفاسدة؛ طاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبعداً عن الفتنة ومواقعها، وعلى الإنسان ألا يدعي العصمة لنفسه، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن (الشيطان يَجْرِي من ابن آدم مَجْرَى الدَّم) (1)، وقال الإمام أحمد رحمه الله: كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء(2). فمن تعلق بما في تلك المجلات من صور وغيرها أفسدت عليه قلبه وحياته وصرفته إلى ما لا ينفعه في دنياه وآخرته؛ لأن صلاح القلب وحياته إنما هو في التعلق بالله جل جلاله، وعبادته، وحلاوة مناجاته، والإخلاص له وامتلائه بحبه سبحانه .
سابعاً: يجب على من ولاّه الله على أيٍّ من بلاد الإسلام أن ينصح للمسلمين، وأن يجنبهم الفساد وأهله ويباعدهم عن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم، ومن ذلك منع هذه المجلات المفسدة من النشر والتوزيع وكف شرها عنهم، وهذا من نصر الله ودينه، ومن أسباب الفلاح والنجاح والتمكين في الأرض - كما قال الله سبحانه: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَْرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُْمُورِ *}[الحَجّ] .
والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/117-123)
__________
(1) …البخاري (7171) واللفظ له، ومسلم (2174-2175).
(2) …انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (15/374).(4/20)
حكم تمثيل الصحابة
هل يجوز تمثيل الصحابة ؟ لأننا نقدم تمثيليات وقد أوقفنا إحداها رغبة في معرفة الحكم .
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
تمثيل الصحابة أو أحد منهم ممنوع؛ لما فيه من الامتهان لهم والاستخفاف بهم وتعريضهم للنيل منهم، وإن ظن فيه مصلحة فما يؤدي إليه من المفاسد أرجح، وما كانت مفسدته أرجح فهو ممنوع . وقد صدر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء في منع ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، (1/490)
حكم مشاهدة المسلسلات التلفزيونية
هل يجوز مشاهدة المسلسلات التلفزيونية ؟
لا بأس بمشاهدة المسلسلات؛ إذا كانت قصصًا بريئة لا يوجد فيها رائحة الفساد والغرام، وليس فيها غناء ولا صور نساء تفتن الرجال؛ فإن وُجِد شيءٌ من ذلك فلا يجوز مشاهدتها مخافة الفتنة، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتاوى وأحكام الفنون، ص (90) جمع وترتيب : أبو أنس صلاح الدين السعيد
بيان اللجنة الدائمة حول مسلسل (طاش ما طاش)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد:
فنظراً لكثرة التشكيات والاستفتاءات على مدى ست سنوات متواليات من عام 1416هـ إلى عام 1421هـ بشأن مسلسلات (طاش ما طاش)؛ لما فيها من مخالفات للشرع المطهر والآداب والقيم، ويمكن إجمال ما لاحظه الناصحون والمستفتون على المسلسلات المذكورة على النحو الآتي:
1 - السخرية بأهل الخير والصلاح وإلصاق المعايب بهم .
2 -…خروج المرأة مع الرجال الأجانب وما يتبع ذلك من اختلاط وتبرج وسفور وخضوع بالقول وغير ذلك.
3 -…العمل على توهين الأخذ بأحكام الشرع المطهر والترغيب فيما نهى عنه؛ كترك الحجاب وإبداء الزينة للأجانب، وقيادة المرأة للسيارة، والسفر إلى بلاد الكفر وإلى البلاد التي تشتهر بالرذيلة وتحارب الفضيلة.
4 -…لمزه المتصفين بالغيرة على محارمهم ونسائهم .(4/21)
5 - إثارة الشهوات في مشاهد بشعة تقتل الحياء وتقضي على العفة .
6 - القيام بأفعال فيها رعونة وسخرية وخرم مروءة؛ كالتزيي باللحى المصطنعة ونحوها .
7 - تناول عادات بعض البلدان والمناطق ومحاكاة لهجاتهم على وجه التحقير لأهلها وإظهار معايبهم .
وإنه بعد دراسة اللجنة لتلك الاستفتاءات واطلاعها على رصد موثق لهذا المسلسل - فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء تبين لعموم المسلمين ما يلي:
أولاً: يحرم إنتاج هذه المسلسلات وبيعها وترويجها وعرضها على المسلمين لأمور منها:
1- اشتماله على الاستهزاء ببعض أمور الدين والسخرية ممن يعمل بها. وهذا أمر في غاية الخطورة على من ينتجها ويخشى عليهم من سوء عاقبتها الوخيمة .
2- اشتماله على ما يعارض الشرع المطهر، وحمل الناس على الخروج على أحكام دينهم وشريعة ربهم وذلك من خلال: ترسيخ العلاقات غير المشروعة بين النساء والرجال الأجانب، وعيب الغيرة على المحارم، والتهاون بالحجاب وغير ذلك .
3- اشتماله على الدعاية للبلاد التي تظهر فيها شعائر الكفر، والبلاد التي اشتهرت بالفساد الأخلاقي .
4- اشتماله على ما يثير النعرات والعصبيات الجاهلية؛ عن طريق السخرية بالعادات واللهجات. وهذا ينافي مقاصد الشرع المطهر من الحث على المحبة والألفة والإخاء والصفاء بين المسلمين، والبعد عن أسباب الشحناء والبغضاء؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ بِئْسَ الإِْسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *}[الحُجرَات] .(4/22)
5- إفضاؤه إلى نشر الرذيلة، وطمس معالم الفضيلة، وإشاعة الفساد، ومحبة المنكرات والاستئناس بها .
ثانياً: تحرم مشاهدة هذه المسلسلات والجلوس عندها؛ لما فيها من المنكرات وتعدي حدود الله، قال الله تعالى في وصف عباده المتقين: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ}[الفُرقان، من الآية: 72]؛ أي: لا يحضرون القول والفعل المحرم وأعياد الكفار، وقال سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *}[الأنعَام]؛ قال أهل العلم: المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق: من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله . وفي الآية دليل على أن مجالسة أهل المنكر لا تحل؛ وقال الله جل وعلا: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 140]؛ قال أهل العلم: ويدخل في عموم الآية حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه .
ثالثاً: تحرم الدعاية لهذه المسلسلات وتشجيعها والإعلان عنها بأية وسيلة؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله سبحانه عن ذلك؛ فقال جل وعلا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة، من الآية: 2]. والواجب هو الإنكار على هؤلاء وبغضهم في الله حتى يتوبوا إلى الله تعالى ويقلعوا عن معصيته .(4/23)
رابعاً: إن تخصيص الكلام في هذا المسلسل (طاش ما طاش) لا يعني سلامة غيره من المسلسلات؛ بل الحكم يتعدى إلى كل مسلسل يشتمل على مخالفة للشرع المطهر، وانتهاك لحرمات الله، وإفساد للأخلاق، وقتل للغيرة الدينية، وتحطيم للمروءة الإنسانية، ودعوة إلى الانحراف بشتى أنواعه .
خامساً:يجب على أهل الإسلام أن تكون حياتهم جداً لا هزلاً، وأن يشتغلوا بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وأن يجتنبوا كل ما فيه إضعاف لدينهم، وتوهين لقوتهم، وإهدار لأوقاتهم، وحط لأقدارهم وتمكين لعدوهم منهم .. وإن الحياة لثمينة فليربأ أهل الإسلام عن عمارتها بالباطل وسفاسف الأمور، وليقوموا بحق الله عليهم من التمسك بهذا الدين، وحماية حرماته، وتربية شبابه على الحق والفضيلة، وإبعادهم عن العبث والفساد والرذيلة، والواجب على القائمين بإعداد هذه المسلسلات التوبة إلى الله. نسأل الله جل وعلا أن يصلح أحوال الجميع، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل؛ إنه سميع قريب مجيب. وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، رقم (21685) تاريخ 7/9/1421هـ
حكم أطباق الاستقبال المسماة بـ (( الدش )) (للشيخ ابن باز)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. إلى من يطلع عليه من المسلمين وفقني الله وإياهم لما فيه رضاه، وأعاذني وإياهم من أسباب غضبه وعقابه آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد:(4/24)
فقد شاع في هذه الأيام بين الناس ما يسمى بالدش ، أو بأسماء أخرى، وأنه ينقل جميع ما يبث في العالم من أنواع الفتن والفساد والعقائد الباطلة والدعوة إلى أنواع الكفر والإلحاد؛ مع ما يبثه من الصور النسائية ومجالس الخمر والفساد وسائر أنواع الشر الموجودة في الخارج بواسطة التلفاز. وثبت لدي أنه قد استعمله الكثير من الناس، وأن آلاته تباع وتصنع في البلاد؛ فلهذا وجب عليّ التنبيه على خطورته ووجوب محاربته والحذر منه، وتحريم استعماله في البيوت وغيرها، وتحريم بيعه وشرائه وصناعته أيضاً؛ لما في ذلك من الضرر العظيم، والفساد الكبير، والتعاون على الإثم والعدوان، ونشر الكفر والفساد بين المسلمين، والدعوة إلى ذلك بالقول والعمل . فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من ذلك والتواصي بتركه، والتناصح في ذلك - عملاً بقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة، من الآية: 2]، ويقول سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التّوبَة، من الآية: 71]، وقوله عز وجل: {وَالْعَصْرِ *إِنَّ الإْنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ *}[العَصر]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ. وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم "الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" (2)
__________
(1) …مسلم (49) .
(2) …مسلم في الإيمان (55) .(4/25)
، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" (1)، وفي الصحيحين: عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" (2) .
والآيات والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب التناصح والتواصي بالحق والتعاون على الخير كثيرة جداً. فالواجب على جميع المسلمين حكومات وشعوباً العمل بها، والتناصح فيما بينهم، والتواصي بالحق والصبر عليه، والحذر من جميع أنواع الفساد، والتحذير من ذلك؛ رغبة فيما عند الله، وامتثالاً لأوامره، وحذراً من سخطه وعقابه .
والله المسؤول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن يوفق ولاة أمرنا لمنع هذا البلاء والقضاء عليه وحماية المسلمين من شره، وأن يعينهم على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ويصلح لهم البطانة، وينصر بهم الحق، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن ينصر بهم الحق، ويوفقهم لتحكيم شريعته، والالتزام بها، والحذر مما يخالفها، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، ويمنحهم الفقه في الدين والثبات عليه، والحذر مما يخالفه، إنه ولي ذلك والقادر عليه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة، العدد (1353)، ص (35)
حكم أطباق الاستقبال المسماة بـ (( الدش )) (للشيخ ابن عثيمين)
__________
(1) …البخاري (13)، ومسلم (45) .
(2) …البخاري (74)، ومسلم (56) .(4/26)
انتشر في الآونة الأخيرة ما يسمى: ( الدش ) الصحن الهوائي؛ حيث ينقل القنوات الخارجية الكافرة وغيرها التي يعرض فيها أفلام خليعة يظهر فيها التقبيل واضحاً، والرقص شبه العاري، والكلام الساقط، والبرامج التي تدعو إلى التنصير .. فهل يجوز اقتناء مثل هذه الأجهزة والدعاية لها والتجارة فيها وتأجير المحلات لهم؛ علماً أن البعض يدَّعي أنه يشتريها لغرض مشاهدة الأخبار العالمية ؟
قد كثر السؤال عن هذه الآلة التي تلتقط موجات محطات التلفزيون الخارجي وتسمى (الدش)، ولا شك أن الدول الكافرة لا تألوا جهداً في إلحاق الضرر بالمسلمين عقيدة وعبادة وخلقاً وآداباً وأمناً، وإذا كان كذلك فلا يبعد أن تبث من هذه المحطات ما يحقق لها مرادها، وإن كانت قد تدس في ضمن ذلك ما يكون مفيداً من أجل التلبيس والترويج؛ لأن النفوس لا تقبل - بمقتضى الفطرة - ما كان ضرراً محضاً، ولكن المؤمن حازم فطن، علمه الله تعالى كيف يقارن بين الصالح والمفسد، وبين النافع والضار، وعنده من القوة والشجاعة ما يستطيع به التخلص من أوضار هذه المفاسد والمضار .
وإذا كان أمر هذه الدشوش ما ذكر في السؤال: فإنه لا يجوز اقتناؤها، ولا الدعاية لها، ولا بيعها، ولا شراؤها؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه بقول الله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2]. فنسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا صراطه المستقيم، وأن يجنبنا صراط أصحاب الجحيم؛ من المغضوب عليهم والضالين .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى معاصرة، ص (73)
حكم تجارة أشرطة الفيديو المفسدة
ما حكم تجارة أشرطة الفيديو.. التي أقل ما فيها أن تظهر فيها النساء سافرات، وتمثل فيها قصص الغرام والهيام ؟
وهل مال التاجر حرام ؟ وماذا يجب عليه ؟ وكيف يتخلص من هذه الأشرطة والأجهزة ؟ وجزاكم الله خيراً .(4/27)
هذه الأشرطة يحرم بيعها واقتناؤها وسماع ما فيها والنظر إليها؛ لكونها تدعو إلى الفتنة والفساد.. والواجب إتلافها والإنكار على من تعاطاها؛ حسماً لمادة الفساد، وصيانة للمسلمين من أسباب الفتنة.
والله ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة - العدد (1037)
حكم اقتناء التلفاز ومشاهدته
ما حكم اقتناء التلفزيون ومشاهدته ؟
التلفاز آلة خطيرة وأضرارها عظيمة كالسينما أو أشد، وقد علمنا من الرسائل المؤلفة في شأنه ومن كلام العارفين به في البلاد العربية وغيرها ما يدل على خطورته وكثرة أضراره بالعقيدة والأخلاق وأحوال المجتمع؛ وذلك لما يُبثُّ فيه من تمثيل الأخلاق السافلة، والمرائى الفاتنة والصور الخليعة، وشبه العاريات، والخطب الهدامة، والمقالات الكفرية، والترغيب في مشابهة الكفار في أخلاقهم وأزيائهم، وتعظيم كبرائهم وزعمائهم، والزهد في أخلاق المسلمين وأزيائهم، والاحتقار لعلماء المسلمين وأبطال الإسلام وتمثيلهم بالصور المنفرة والمقتضية لاحتقارهم والإعراض عن سيرتهم، وبيان طرق المكر والاحتيال والسلب والنهب والسرقة، وحياكة المؤامرات والعدوان على الناس .
ولا شك أن ما كان بهذه المثابة وترتبت عليه هذه المفاسد يجب منعه والحذر منه وسد الأبواب المفضية إليه، فإذا أنكره الإخوان المتطوعون وحذروا منه فلا لوم عليهم في ذلك؛ لأن ذلك من النصح لله ولعباده .(4/28)
ومن ظن أن هذه الآلة تسلم من هذه الشرور ولا يبثُّ فيها إلا الصالح العام إذا رُوقبت فقد أبعد النجعة وغلط غلطاً كبيراً؛ لأن الرقيب يغفل، ولأن الغالب على الناس اليوم هو التقليد للخارج والتأسي بما يُفعل فيه. ولأنه قلَّ أن توجد رقابة تؤدي ما أسند إليها، ولا سيما في هذا العصر الذي مال فيه أكثر الناس إلى اللهو والباطل، وإلى ما يصد عن الهدى، والواقع شاهد بذلك كما في الإذاعة والتلفزيون؛ فكلاهما لم يُراقب المراقبة الكافية المانعة من أضرارهما. ونسأل الله أن يوفق حكومتنا لما فيه صالح الأمة ونجاتها وسعادتها في الدنيا والآخرة؛ وأن يُصلح لها البطانة... إنه جوادٌ كريم .
الشيخ ابن باز - الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - ص (40)
ما يحرم في التلفزيون وما يباح
يقولون: إن الذي يبيح التلفزيون حينما لا يكون فيه ما يحرم رؤيته لابد وأن يبيح الصورة؛ لأن التلفاز هو عبارة عن مجموعة صور يتم تحريكها بسرعة توهم المشاهد لها أنها تتحرك .. فما رأيكم ؟
أما التليفزيون، فيحرم ما فيه من غناء وموسيقى وتصوير وعرض صور ونحو ذلك من المنكرات، ويباح ما فيه من محاضرات إسلامية ونشرات تجارية أو سياسية ونحو ذلك مما لم يرد في الشرع منعه. وإذا غلب شره على خيره كان الحكم للغالب .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/462، 463) بتصرف
الفصل السادس
مكارم الأخلاق ومساوئها
معنى الوسط في الدين
ما المراد بالوسط في الدين ؟ نرجو من فضيلتكم بيان ذلك بياناً شافياً، وجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
الوسط في الدين ألاّ يغلو الإنسان فيه فيتجاوز ما حد الله عز وجل، ولا يقصر فيه فينقص عما حد الله سبحانه وتعالى .(4/29)
الوسط في الدين: أن يتمسك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والغُلُوُّ في الدين أن يتجاوزها، والتقصير ألاّ يبلغها . مثال ذلك: رجل قال: أنا أريد أن أقوم الليل ولا أنام كل الدهر؛ لأن الصلاة من أفضل العبادات، فأحب أن أحيي الليل كله صلاة - فنقول: هذا غالَى في دين الله، وليس على حق، وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا؛ اجتمع نفر فقال بعضهم: أنا أقوم ولا أنام، وقال الآخر: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا ؟! لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (1)؛ فهؤلاء غلوا في الدين وتبرأ منهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم رغبوا عن سنته صلى الله عليه وسلم التي فيها صوم وإفطار وقيام ونوم وتزوج نساء .
أما المُقصِّر: فهو الذي يقول: لا حاجة لي بالتطوع، فأنا لا أتطوع وآتي بالفريضة فقط، وربما أيضاً يقصر في الفرائض فهذا مقصر. والمعتدل هو الذي يتمشى على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون .
- مثال آخر: ثلاثة رجال أمامهم رجل فاسق، أحدهم قال: أنا لا أسلم على هذا الفاسق وأهجره وأبعد عنه ولا أكلمه .
والثاني يقول: أنا أمشي مع هذا الفاسق، وأسلم عليه، وأبش في وجهه وأدعوه عندي، وأجيب دعوته، وليس عندي إلا كرجل صالح .
والثالث يقول: هذا الفاسق أكرهه لفسقه وأحبه لإيمانه، ولا أهجره إلا حيث يكون الهجر سبباً لإصلاحه، فإن لم يكن الهجر سبباً لإصلاحه بل كان سبباً لازدياده في فسقه فأنا لا أهجره. فنقول: الأول مُفْرِطٌ غالٍ - من الغلو- والثاني مُفَرِّطٌ مُقَصِّر، والثالث متوسط .
__________
(1) …البخاري (5063)، ومسلم (1401) .(4/30)
وهكذا نقول في سائر العبادات ومعاملات الخلق؛ الناس فيها بين مقصر وغالٍ ومتوسط .
- ومثال ثالث: رجل كان أسيراً لامرأته، توجهه حيث شاءت لا يردها عن إثم، ولا يحثها على فضيلة، قد ملكت عقله، وصارت هي القوامة عليه.
ورجل آخر عنده تعسف وتكبر وترفع على امرأته، لا يبالي بها وكأنها عنده أقل من الخادم. ورجل ثالث وسط يعاملها كما أمر الله ورسوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البَقَرَة، من الآية: 228]، "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" (1)، فهذا الأخير متوسط، والأول غالٍ في معاملة زوجته، والثاني مُقَصِّر. وقس على هذه بقية الأعمال والعبادات .
الشيخ ابن عثيمين - المجموع الثمين (1/39)
كيفية المحافظة على نعمة الأمان وتطبيق شريعة الإسلام
كيف يحافظ المجتمع في هذه البلاد على نعمة الإسلام، ونعمة الأمن، ونعمة تطبيق شرع الله ؟
«الواجب على المسلمين حكومة وشعبًا في هذه البلاد أن يشكروا الله سبحانه وتعالى على ما منَّ به عليهم من نعمة الإسلام، ونعمة الأمن، وأن يتواصلوا بذلك دائمًا، ويكون الشكر بأداء الفرائض، وترك المحارم والوقوف عند حدود الله، هذا هو الشكر ؛ كما قال تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ *}[البَقَرَة: 152] .
وقال سبحانه وتعالى : {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سَبَإ: 13] .
فالواجب هو الشكر الحقيقي قولاً وعملاً وعقيدةً؛ فيشكر كل فرد الله بقلبه وقوله وعمله، ويخافه ويرجوه، ويتحدث بنعمه جل شأنه؛ كما قال تعالى : {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ *}[الضّحى: 11] .
__________
(1) …مسلم (1469). ومعنى (لا يَفْرك): أي لا يبغض ولا يَكره.(4/31)
كما يجب الشكر بالعمل، وذلك بأداء الفرائض، وبترك المحارم التي حرمها الله من الزنى والسرقة والعقوق وقطع الأرحام والربا والغيبة والنميمة، إلى غير ذلك من المعاصي، فهذا كله من الشكر» .
الشيخ ابن باز - كلمات مضيئة لأصحاب الفضيلة العلماء في الإرهاب ص (123) - جمع وتعليق : عمرو عبدالمنعم سليم
ما ينبغي أن يكون عليه مظهر المسلم
نرى بعض الناس المتدينين يهملون نظافة هندامهم، وإذا سئلوا عن ذلك قالوا: إن البذاذة من الإيمان .. فنرجو من فضيلتكم بيان مدى صحة قولهم . جزاكم الله خيراً .
الذي ينبغي للإنسان أن يكون جميلاً في ملبسه ومظهره بقدر المستطاع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما حدث الصحابة عن الكبر قالوا: يا رسول الله .. إن الرجل يحب أن يكون نعله حسناً وثوبه حسناً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ" (1)؛ أي: يحب التجمل . ولم ينكر عليهم أن يحبوا أن تكون ثيابهم حسنة ونعالهم حسنة؛ بل قال: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ"؛ أي: يحب التجمل .
وبناءً على ذلك نقول: إن معنى الحديث: إن البَذَاذَة مِن الإيمان(2): أن يكون الإنسان غير متكلف بأشياء، وإذا كان لا يتكلف الأشياء بل تأتي بأصولها فإنه يحمل هذا النص على النص الذي أشرت إليه آنفاً، وهو أن التجمل من الأشياء المحبوبة إلى الله عز وجل؛ لكن بشرط ألا يكون ذلك إسرافاً، أو ألا يكون ذلك نزولاً إلى المستوى الذي لا ينبغي أن يكون عليه الرجل .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
من كان أتقى للّه فهو أفضل
متى يكون الأعجمي أفضل من العربي ؟
__________
(1) …مسلم (91) .
(2) …أحمد (39/493) برقم (58)، الملحق المستدرك من مسند الأنصار - طبعة الرسالة. وأبو داود (4161)، وابن ماجه (4118)، والحاكم 1/9 (18). وانظر (الصحيحة) للألباني برقم (341) (جـ1) .…ومعنى (البَذَاذَة): رَثَاثَةُ الهَيئة واللباس.(4/32)
الحكم في ذلك كما نبه الله سبحانه عليه في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحُجرَات، من الآية: 13]؛ فإذا كان العجمي أتقى لله فهو أفضل، وهكذا إذا كان العربي أتقى لله فهو أفضل. فالفضل والكرم والمنزلة بالتقوى؛ فمن كان أتقى لله فهو أفضل - سواء كان عجمياً أو عربيا .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (31)، ص (109)
تقوى الله هو الشَّرَفُ والمِعيار
س1: يوجد في بعض المجتمعات العربية تقسيم اجتماعي للناس، وبخاصة عندنا في اليمن؛ حيث يوجد: السَّادَة (الأشراف)، والقبائل، والضَّعَفَة (العبيد والخدم ونحوهم)، فما رأي فضيلتكم في ذلك ؟ وهل له أصل في الشرع ؟(4/33)
ج1: هذه التقاسيم لا أصل لها في الشرع؛ وذلك لأن الإسلام سَوَّى بين الناس من حيث الأنساب والقبائل، وجعل تفاضلهم بالأعمال الصالحة، وإنما جعلت هذه الأنساب للتعارف، كما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحُجرَات: 13]؛ فالناس يعرفون قبائلهم وأجدادهم، وينتسبون إليهم لأجل أن يُعْرَفُوا، لا ليفتخروا ولا ليعتزُّوا؛ فإنما الفخر بتقوى الله، فقد روي أنه قال: "لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيّ، وَلاَ لأَِسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى"(1)، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناسِ أَكْرَم؟ فقال: "أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاهُمْ"، ثم قال: "خِيَارُكُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا" (2) ومعنى ذلك: أن الذين يمدحون في الجاهلية بالكرم والشجاعة، والفضل والخير، والنفع العام، إذا تفقَّهوا في دين الإسلام فهم من خيار الناس، ويفضلون على مَنْ دُونَهُم؛ كأهل البخل والجبن، ومساوئ الأخلاق.
__________
(1) …أحمد في «المسند» (5/411)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (4774). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/266): «رواه أحمد ورجاله الصحيح». وهو عند الطبراني في «الكبير» 18/12 (16) بلفظ: «وَلاَ لأَِسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ ..».
(2) …البخاري (4689) وأطرافه في (3353)، ومسلم (2378).(4/34)
وقد روى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّم، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الجُعَلِ الّذِي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأَنْفِهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِليَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وآدَمُ مِنْ تُرَابٍ"(1)، وروى الترمذي عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول ا لله صلى الله عليه وسلم: "الحَسَبُ المَالُ، والكَرَم التَّقْوَى"(2) ، وعن واثلة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: ما العَصَبِيَّةُ، قال: "أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ" (3)، وقال أيضًا: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ"(4)، وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ لأَِحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلاَّ بِدِينٍ وَتَقْوَى"(5)
__________
(1) …أبو داود (5116) بنحوه، والترمذي (3955) باختلاف يسير، وقال: «حديث حسن غريب».
(2) …أحمد (5/10)، والترمذي (3271) وقال: «حسن غريب صحيح»، وابن ماجه (4219)، والطبراني في «المعجم الكبير» (6912، 6913)، والدارقطني 3/302 (208، 209)، والحاكم 2/163 (2690) وَ 4/325 (7922) وصحَّحه ووافقه الذهبي.
(3) …أبو داود (5119)، وأبو يعلى (7492)، والطبراني في «الكبير» (193، 236)، والبيهقي في «الكبرى» (20865)، وهو حديث حسن؛ انظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (1/81)، وضعّفه الألباني.
(4) …أبو داود (5121)، وحسَّنه ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/81)، وضعّفه الألباني.
(5) …أحمد (4/158)، والطبراني في «الكبير» 17/295 (814)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (4783). وصححه الألباني كما في «السلسلة الصحيحة» (1038)(4/35)
.
ولا شك أن الافتخار بالآباء والأجداد لا يغني شيئًا في الأولاد والأحفاد، إذا لم يتخلَّقوا بأخلاق آبائهم؛ كما قال الشاعر:
إِذَا افْتَخَرْتَ بِأَقْوَامٍ لَهُمْ سَلَفٌ
قُلْنَا صَدَقْتَ وَلَكِنْ بِئْسَ مَا وَلَدُوا(1)
ونقل عن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين أنه بكى مرَّةً من خشية الله حتى أغمي عليه، فقال له بعض تلاميذه: إنك من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأخبر بأن الله تعالى يرفع كُلَّ تَقِيٍّ ولو كان عبدًا حبشيًا، ويَضَعُ كل عَاصٍ ولو كان شريفًا قُرشيًا؛ ومن ذلك قول الشاعر:
لقد رَفَعَ الإسلامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ
وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّقِيَّ أَبَا لَهَبْ(2)
س 2: ما حكم الشرع في العُرْف السائد بين كثير من شرائح المجتمع اليمني بعدم التزاوج بين شرائح المجتمع؛ فالسيد (الشريف) لا يزوج إلا سيدًا، وكذلك القبيلي لا يزوج من هو دونه؛ حتى وإن كان المتقدم للزواج من أصلح الناس دينًا ؟ كما نأمل من فضيلتكم بيان المعنى الشرعي لمسألة (الكفاءة في النكاح) ؟
__________
(1) …البيت منسوب لابن الرومي بلفظ:
لئن فخرتَ بآباءٍ ذَوِي حَسَبٍ
لقد صدقتَ ولكن بئس ما وَلَدُوا
(2) …البيت منسوب لأمير المؤمنين: علي بن علي طالب رضي الله عنه، وللصاحب بن عبّاد أيضًا، وعندهما: (الشَّريف) مكان «الشقيّ».(4/36)
ج2: هذا العُرْف قد اشتهر في اليمن، وكذلك في قبائل نجد، ويريدون بالقبائل الذين يُعرَفُون بأنهم من القبائل العربية، ولا يُزَوِّجُون ولا يتزَوَّجُون من الموالي، قد سبق لآبائهم أو أجدادهم أن كانوا أرِقَّاء ثم عتقوا، ويستدلون بما ورد للعرب من الفضل والرِّفعة، وقد يستدلون أيضًا بحديث ضعيف ذكره صاحب «البُلُوغ»(1) ولفظه: «العَرَبُ بعضُهم أَكْفَاءُ بَعْضٍ، والمَوَالي بعضُهم أكْفَاء بعض، إلا حائِكًا أو حَجَّامًا»(2)، ولكن الحديث لم يثبت، وقد ورد ما يدل على خلافه؛ حيث زَوَّج النبي صلى الله عليه وسلم زيدَ بن حارثة بزينب بنت جحش(3)، وَزَوَّجَ أسامةَ بفاطمة بنت قيس(4) وغير ذلك من الحالات. وقد ذكر الفقهاء أن الكفاءة ليست شرطًا في صحة النكاح؛ إلا إذا كان في أحد الزوجين ما يقدح في شرفه أو في سمعته، وعليه يُحمل ما رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (لَأَمْنَعَنَّ ذَوَاتِ الأحْسَاب أن يُزَوَّجْنَ إلا مِن الأَكْفَاء)(5) ، فإذا كان الزوج مَعِيبًا أو فقيرًا أو صناعته دنيئة؛ كالكُساح، والزبّال، فإن في تزويجه بامرأة من ذوات الشُّهرة والشَّرَف نَقْصٌ عليها وعلى قبيلتها، هكذا ذكر الفقهاء.
__________
(1) …«بلوغ المراد من أدلة الأحكام»، للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله.
(2) …ابن عدي في «الكامل» (5/95، 208)، والبيهقي في «الكبرى» (13547-13549). وانظر: «فيض القدير» (4/379) و«نيل الأوطار» (6/262).
(3) …رواه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (20/271، 272)، عند تفسير آية الأحزاب: [الأحزَاب: 36] {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ}
(4) …«موطأ مالك» 2/580 (1210)، ومسلم (1480)، وأحمد (6/373، 412- 415)، وغيرهم.
(5) …ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (19/28).(4/37)
س3: هل لطبقة السَّادَة (الأشراف الهاشميين) مَزِيَّة على غيرهم من عامة المسلمين ؟ حيث إن البعض يُعظِّمُهم إلى درجة التقديس. وما هو الحق الواجب لهم على غيرهم في التعامل معهم ؟
ج3: كان لهم مَزِيَّة في العهد النبوي، وما قرب منه؛ حيث منعهم من أخذ الزكاة لأنها أوساخ الناس، ولكن هذه المزية قد ضعفت في هذا العهد، وذلك لبُعدهم عن النسب الهاشمي، فإن أولئك كانوا يجتمعون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجَدِّ الثالث، أو نحوه، وهؤلاء إنما يجتمعون به بعد ثلاثين جدًا أو أربعين، فضعفت تلك المزية، والظاهر أنها تَحِلُّ لهم الزكاة إذا كانوا فقراء أو غارِمين، وأما تعظيمهم وتقديسهم فلا يجوز ذلك.(4/38)
وقد مَنَعَ النبي صلى الله عليه وسلم مَن يُعَظِّمُهُ، كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال له رجل: يا خَيْرَ البَرِيَّة! فقال: "ذَاكِ إِبْرَاهِيمُ" (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ"(2) ، وكان دائمًا يتواضع ويقول: "إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، أَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ العَبْدُ، وآكُلُ كَمَا يَأْكُلُ العَبْدُ"(3) ، ولما أن بعض الأعراب أظهر له هَيْبَةً نَهَاهُ عن ذلك وقال: "إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مَنْ قُرَيْشٍ تَأْكُلُ القَدِيدَ"(4) ، واختار أن يُوصَف بأنه عَبْدٌ ورَسُول، وكل ذلك دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التواضع.
ولا شك أن من يدَّعُون أنهم من الهاشميين في دعواهم نَظَر؛ وذلك لبُعْدِ النسب، ولاختلاط الأنساب في القرون الماضية، ولأن كثيراً من العرب قد يُرِيدون الشَّرَف فيدَّعون أنهم مِن بني هاشم، ويصدقهم الناس؛ فعلى هذا لا يجوز تعظيمهم ولا تقديسهم، وإنما هم كسائر الناس، إنما هو مؤمن تَقِيٌّ أو فاجِرٌ شَقِيّ.
لَعَمْرُكَ مَا الإِنْسَانُ إلا بِدِينِهِ
فَلاَ تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالاً عَلَى النَّسَبْ(5)
والله أعلم.
__________
(1) …مسلم (2369) وغيره.
(2) …البخاري (3445، 6830).
(3) …ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (1/381)، وأبو يعلى في «مسنده» (4920). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/19): «رواه أبو يعلى وإسناده حسن». وأخرجه بزيادة: «فإِنَّما أَنَا عَبْدٌ»: البيهقي في «شعب الإيمان» (5572) عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً.
(4) …ابن ماجه (3312)، والطبراني في «الأوسط» (1260)، والحاكم في «المستدرك» 2/466 (3733) وَ 3/48 (4366) وصحَّحه ووافقه الذهبي.
(5) …البيت منسوب لأمير المؤمنين: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وللصاحب بن عبّاد أيضًا، وعنده: (اعتمادًا) مكان (اتِّكالاً).(4/39)
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 23/1/1427هـ
س4: بعض المنتسبين إلى آل البيت يرون أنهم أرفع من غيرهم، فيتعالون على الناس، ولا يؤدون العبادات، ويزعمون أن هذا لا يضرُّ بهم؛ لأن المسلمين يدعون لهم في صلواتهم؛ حيث فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته .. فهل زعمهم هذا صحيح ؟
ج: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ لأَِسْوَدَ عَلَى أبيض إِلاَّ بِالتَّقْوَى" ؛ فمن كان تقيًا صالحًا فله الفضل والأجر، ولو كان عبدًا حبشيًا، ومن كان عاصيًا أو كافرًا أو مبتدعًا فهو شقي خارج عن الطاعة ولو كان شريفًا قُرَشيًّا، ولذلك قال الشاعر(1):
لَعَمْرُكَ مَا الإنْسَانُ إلا بِدينِه
فَلاَ تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالاً عَلَى النَّسَبْ
فَقَدْ رَفَعَ الإسلامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ
وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّقِيَّ أَبَا لَهَبْ
وإذا كان كذلك فالذين يدعون أنهم من آل البيت لا يكتسبون بذلك شرفًا ولا فضلاً ولا رفعةً إلا بالتقوى؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحُجرَات: 13]، فلا يجوز لهم الترفُّع والتكبر، فمن تَكَبَّر على الله وَضَعَهُ، ومن تواضع لله رَفَعَهُ، ومن ترك العبادات فقد كفر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ" (2)، وآل النبي صلى الله عليه وسلم هم أتباعه على دينه، كما أن آل فرعون في قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غَافر: 46]، هم أتباعه على دينه، ولذلك قال الشاعر(3):
__________
(1) …انظر جواب سؤال (1) وسؤال (3) من هذه الفتوى.
(2) …مسلم (3699).
(3) …هو الشاعر: حسن بن علي بن جابر الهُبَل اليمني (1079هـ)؛ يسمى أمير شعراء اليمن. والبيتان في ديوانه، ولفظ الشطر الثاني من البيت الأول عنده: (من الأَعَاجِم والسُّودانِ والعَرَبِ).(4/40)
آلُ النَّبِيِّ هُمْ أَتْبَاعُ مِلَّتِهِ
مَنْ كَانَ مِنْ عَجَمٍ مِنْهُمْ ومِنْ عَرَبِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ آلُهُ إِلاَّ قَرَابَتُهُ
صَلَّى المُصَلِّي عَلَى الطَّاغِي أَبِي لَهَبِ
فلا يجوز الافتخار بالآباء والأجداد، فلا ينفع الإنسان إلا عمله، فإن اليهود يدعون أنهم من ذرية إسرائيل الذي هو يعقوب نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، ومع ذلك لا ينفعهم هذا النسب، والمسلمون في قولهم: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد) يريدون بذلك أتباعه على دينه، أو يريدون الصالح من أهل بيته، ولا يدخل في ذلك مَنْ كَفَرَ منهم ومَنْ عَصَى من الأولين والآخرين. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 8/4/1427هـ
السُّنة في سلام الداخل على المجلس
قد اعتاد كثير من الناس وخاصة في مناسبات الولائم والأفراح أن الداخل على الجالسين في المجلس يبدأ من يمين المجلس ويسلم على كل جالس منهم - يعني يصافح كل جالس - حتى يدور على كل من في المجلس، ويحدث في هذا من التكليف على بعض الجالسين ككبار السن القيام والجلوس، والعودة إلى القيام والجلوس وهكذا. وأيضاً قد يكون من على يمين المجلس من الأطفال أو صغار السن. وهذا الأمر قلَّ أن تدخل مناسبة إلا ويكون هذا؛ لذا نرجوا من فضيلتكم الإيضاح في هذا الأمر وبيان السنة فيه. وجزالكم الله كل خير .(4/41)
لا أعلم من السنة أصلاً في مصافحة الداخل على الجالسين واحداً واحداً؛ بل الظاهر السنة خلاف ذلك، وأن الداخل يسلم على الجالسين ثم يجلس حيث ينتهي به المجلس؛ فروى أحمد وأبو داود عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كُنَّا إذا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس أَحَدُنا حيث يَنْتَهي(1). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لَمْ يَكُنْ شخصٌ أحَبَّ إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكانوا إذا رَأَوْهُ لم يقوموا لِمَا يعلمون مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لذلك(2). رواه الترمذي وقال: (هذا حديث حسن صحيح). قال الألباني في حاشية «المشكاة»(3): (وإسناده صحيح) .
فإذا كانوا لا يقومون له دل على أنه لا يصافحهم إذا دخل عليهم، وإلا لقاموا، إذ يبعد جداً أن يقف على الواحد منهم ليصافحه فلا يقوم لذلك؛ لأن من المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأكملهم أدباً معه .
وأما كون الداخل يبدأ بمن على يمينه من حين يدخل؛ مثل أن يأتي بالماء لغير طالب له أو بالقهوة أو بالشاي أو نحو ذلك، فيبدأ بأول واحد يلي الباب من يمينه، فهذا خلاف السنة؛ بل السنة البداءة بالأكبر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله إذا سَقَى قال: اِبْدَؤُوا بالكبيرِ أو قال: بالأَكَابِرِ(4). أخرجه أبو يعلى. قال في «الفتح» (10/87): (بسند قوي) .
__________
(1) …أحمد (5/91، 98، 107)، وأبو داود (4825)، والترمذي (2725)، وقال: «حسن صحيح غريب»، وابن حبان (6433)، والبيهقي في «الكبرى» (5682).
(2) …أحمد (3/132، 250)، والترمذي (2754)، والضياء في «المختارة» (1958 - 1961)، وأبو يعلى (3784)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (25583). وقال الترمذي: «حسن صحيح غريب».
(3) …«مشكاة المصابيح» 3/1331 (4698).
(4) …أبو يعلى (2425)، والطبراني في «الأوسط» (3786). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/81): «ورجال أبي يعلى رجال الصحيح».(4/42)
وجمع بينه وبين حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه وعن يمينه أعرابي؛ فقال عمر رضي الله عنه - وخاف أن يُعْطِيه الأعرابي -: أَعْطِ أبا بكر يا رسول الله عندك، فأَعْطَاهُ الأعرابي الذي عن يمينِهِ ثم قال: "الأيْمَنَ فالأيْمَنَ"(1). أخرجه البخاري في كتاب المساقاة، وفي مواضع أخرى بألفاظ أخرى متقاربة . قال في «الفتح»(2): فيجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين؛ إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه أو حيث لا يكون فيهم - يعني لا يكون فيهم كبير - فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن، أو يخص من عموم هذا الأمر بالبداءة بالكبير: ما إذا جلس بعض عن يمين الرئيس، وبعض عن يساره، ففي هذه الصورة يقدم الصغير على الكبير، والمفضول على الفاضل اهـ. ومراده بتقديم الصغير والمفضول إذا كانا عن يمين الرئيس .
فالذي يتبين من السنة أنه إذا كان هناك يمين ويسار مثل أن يكون الساقي أو الذي شرب وأراد أن يناول فضلته أحداً بين الجالسين، فإنه يبدأ بمن على يمينه مطلقاً؛ أي سواء كان متميزاً بعلم أو مال أو جاهٍ أو كبر سن أم غير متميز .
__________
(1) …البخاري (2352)، وأطرافه عنده.
(2) …فتح الباري (10/87) كتاب الأشربة - باب: هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب ليُعطَى الأكبر ؟(4/43)
أما إذا كان الجالسون بين يديه فإنه يبدأ بالأكبر؛ كما في حديث أبي يعلى السابق، وكما في حديث البخاري: في باب دفع السواك إلى الأكبر؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي قال: "أُرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فجاءني رَجُلان أحدهما أكبر من الآخر فناولتُ السِّوَاكَ الأصغرَ منهما؛ فقيل لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إلى الأكبرِ منهما"(1). قال الحافظ ابن حجر في شرحه(2): قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام. اهـ.
وإذا كانوا كلهم عن يمينه أو عن شماله فهل يبدأ بالأكبر؟ لأنه في هذه الصورة لا ميزة لأحدهم من حيث الميمنة .. أو يبدأ بمن يليه لأنه الأقرب إليه، والقرب معتبر ؟ وقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنَّ لِي جارَيْنِ فإلى أيِّهِما أُهْدِي ؟ فقال: "إلى أَقْرَبِهِما منكِ بَابًا"(3). رواه أحمد والبخاري، وهذا أقرب من الأول؛ لكن لو نظر إلى ما تقتضيه الحال فعمل به لكان أجود .
وإنما بسطت القول في هذه المسألة؛ لأن الناس اتخذوا فيها منهجاً مخالفاً لما كانوا يعتادونه من كون الرجل إذا دخل سلم ثم جلس حيث ينتهي به المجلس؛ اللهم إذا كان في الجالسين من تقتضي الحال أن يخص بالمصافحة لعلمه أو كبره أو قدومه من غيبة ونحوها، فيخصونه، واتخذوا هذا المنهج الجديد معتقدين أنه سنة يتقربون به إلى الله تعالى، وهذا يحتاج إلى دليل، وقد علمت أن ظاهر السنة خلافه .
أسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم علماً وعملاً، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه في 23/4/1419هـ
__________
(1) …البخاري (246).
(2) …«فتح الباري» (1/357).
(3) …أحمد (6/175، 193، 239)، والبخاري (2259، 2595، 6020)، وغيرهما.(4/44)
حكم القيام للقادم
دخل رجل وأنا في مجلس فقام له الحاضرون، ولكني لم أقم؛ فهل يلزمني القيام ؟ وهل على القائمين إثم ؟
لا يلزم القيام للقادم، وإنما هو من مكارم الأخلاق، من قام إليه ليصافحه ويأخذ بيده، ولا سيما صاحب البيت والأعيان، فهذا من مكارم الأخلاق، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة، وقامت له رضي الله عنها(1)، وقام الصحابة رضي الله عنهم بأمره لسعد بن معاذ رضي الله عنه لما قدم ليحكم في بني قريظة(2)، وقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه من بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء كعب بن مالك رضي الله عنه حين تاب الله عليه، فصافحه وهَنَّأَهُ ثم جلس(3). وهذا من باب مكارم الأخلاق، والأمر فيه واسع، وإنما المنكر أن يقوم واقفاً للتعظيم، أما كونه يقوم ليقابل الضيف لإكرامه أو مصافحته أو تحيته فهذا أمر مشروع، وأما كونه يقف والناس جلوس للتعظيم، أو يقف عند الدخول من دون مقابلة أو مصافحة؛ فهذا ما لا ينبغي، وأشد من ذلك الوقوف تعظيماً له وهو قاعد، لا من أجل الحراسة؛ بل من أجل التعظيم فقط.
والقيام ثلاثة أقسام كما قال العلماء:
*…القسم الأول: أن يقوم عليه وهو جالس للتعظيم، كما تعظم العجم ملوكها وعظماءها، كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا لا يجوز، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجلسوا لما صلى بهم قاعداً، أمرهم أن يجلسوا ويصلوا معه قعوداً(4)، ولما قاموا قال: "كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ؛ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ" (5) .
__________
(1) …أبو داود (5217)، والترمذي (3872) وقال: «حسن غريب».
(2) …البخاري (3043)، ومسلم (1768) .
(3) …البخاري (4418)، ومسلم(2769) .
(4) …انظر على سبيل المثال: البخاري (689)، ومسلم (411) من حديث أنس رضي الله عنه.
(5) …مسلم (413) بنحوه، من حديث جابر رضي الله عنه .(4/45)
*…القسم الثاني: أن يقوم لغيره واقفاً لدخوله أو خروجه من دون مقابلة ولا مصافحة؛ بل لمجرد التعظيم، فهذا أقل أحواله أنه مكروه، وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يقومون للنبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليهم، لما يعلمون من كراهيته لذلك صلى الله عليه وسلم .
*…القسم الثالث: أن يقوم مقابلاً للقادم ليصافحه أو يأخذ بيده ليضعه في مكان أو ليجلسه في مكانه، أو ما أشبه ذلك- فهذا لا بأس به؛ بل هو من السنة كما تقدم .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى، (4/394)
حكم الانحناء وتقبيل الأيدي للأفاضل ونحوهم
س1: ما حكم تقبيل اليد ؟ وما حكم تقبيل يد من له فضل كالمعلم ونحوه ؟ وما حكم تقبيل يد العم والخال وغيرهما من كبار السن ؟ وهل في تقبيل يدي الوالدين محذور شرعي ؟ فقد ذكر بعض الناس أن فيه ذُلاًّ .
ج1: نرى جواز ذلك؛ إذا كان على وجه الاحترام والتوقير للوالدين والعلماء وذوي الفضل وكبار الأسنان من الأقارب ونحوهم، وقد أَلَّفَ في ذلك ابن الأعرابي رسالة في أحكام تقبيل اليد ونحوها، فليرجع إليها.
ومتى كان هذا التقبيل للأقارب المُسنين وذوي الفضل فإنه يكون احتراماً ولا يكون تذللاً ولا يكون تعظيماً، وقد رأينا بعض مشايخنا ينكرون ذلك ويمنعونه، وذلك منهم من باب التواضع - لا لتحريمه فيما يظهر. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى له برقم (1852)، وتاريخ 20/11/1421هـ
س2: ما حكم الشرع في عادة الانحناء وتقبيل الرُّكَب لبعض الأشخاص من آل البيت (السادة الأشراف) ؟ أو فعل بعض التصرفات التي توحي بتقديسهم؛ كالتَّهافُت على فضلات وضوئهم ونحو ذلك ؟(4/46)
ج2: هذا الانحناء يُعتبر عِبادةً؛ لأنه تَشَبُّهٌ بالركوع الذي هو جزء من الصلاة، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يَلْقَى أخَاهُ: أيَنْحَنِي لَهُ ؟ قال: "لاَ"، قيل: أيَلْتَزِمُهُ ويُقَبِّلُهُ ؟ قال: "لاَ"، قيل: فَيَأْخُذَ بِيَدِهِ ويُصَافِحُهُ ؟ قال: "نعم"(1)؛ رواه الترمذي وغيره بسند صحيح.
كذلك تقبيل الرُّكَب يعتبر ذُلًّا وتعظيمًا لمخلوق؛ ولو كان ذلك الشخص من آل البيت؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلاَّ بِالتَّقْوَى"(2)؛ فلا تجوز التصرُّفَات التي فيها تَقديس لهؤلاء الأشخاص، كالتبَرُّك بفَضْلِ وضوئهم، والتَّمَسُّحِ بثيابهم، وأعضائهم، فكل ذلك لا يجوز لأنهم بَشَرٌ، وقد روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال ما معناه: (إن الله يرفع من كان تقيًّا مؤمنًا ولو كان عبدًا حبشيًا، ويضع من كان عاصيًا أو كافرًا ولو كان شَريفًا قُرشيًّا)، فالتفاضل يكون بالتقوى؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحُجرَات: 13]. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله واملائه - في 11/2/1427هـ
حكم السلام بالإشارة باليد
ما حكم السلام بالإشارة باليد ؟
لا يجوز السلام بالإشارة، وإنما السنة السلام بالكلام بدءًا وردًا .
__________
(1) …الترمذي (2728)، وابن ماجه (3702)بنحوه. وقال الترمذي: «حديث حسن».
(2) …أحمد في «المسند» (5/411)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (4774)بزيادة فيه. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/266): «رواه أحمد ورجاله الصحيح».(4/47)
أما السلام بالإشارة فلا يجوز؛ لأنه تشبه ببعض الكفرة في ذلك، ولأنه خلاف ما شرعه الله. لكن لو أشار بيده إلى المسلّم عليه ليفهم السلام لبُعدِه مع تكلمه فلا حرج في ذلك؛ لأنه قد ورد ما يدل عليه. وهكذا لو كان المسلَّم عليه مشغولاً بالصلاة فإنه يرد بالإشارة؛ كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم(1) .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (6/352)
جواز العمل في المِهَنْ المُباحة ولو كرهها الناس
يعتقد بعض الناس أن هناك حرفاً غير شريفة ويوبخون من يعمل فيها؛ كالطباخة والحلاقة وصناعة الأحذية والعمل في النظافة وغيرها .. فهل هناك دليل شرعي يثبت صحة هذا الاعتقاد ؟ وهل مثل هذه الحرف ترفضها العادات والطبائع العربية ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
__________
(1) …أبو داود (925، 927)، والترمذي (367)، وقال: «حسن»، وَ(368) وقال: «حسن صحيح».(4/48)
لا نعلم حرجاً في هذه الحرف وأشباهها من الحرف المباحة إذا اتقى صاحبها ربه ونصح ولم يغش معامليه؛ لعموم الأدلة الشرعية في ذلك، مثل قوله صلى الله عليه وسلم - لما سئل: أي الكسب أطيب ؟ - قال: "عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ؛ وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ" (2)، ولأن الناس في حاجة إلى هذه الحرف وأشباهها، فتعطيلها والتنزه عنها يضر المسلمين ويحوجهم إلى أن يقوم بها أعداؤهم .
وعلى من يعمل في النظافة أن يجتهد في سلامة بدنه وثيابه من النجاسة والعناية بتطهير ما أصابه منها . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/425)
حكم كتابة القصص الكاذبة للتربية
هل يجوز للشخص أن يكتب قصصاً من نسج الخيال، وكل ما فيها في الحقيقة كذب؛ ولكن يقدمها كقصص للأطفال لقراءتها وأخذ العبر منها ؟
يحرم على المسلم أن يكتب هذه القصص الكاذبة، وفي القصص القرآني والنبوي وغيرهما مما يحكي الواقع ويمثل الحقيقة ما فيه الكفاية في العبرة والموعظة الحسنة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/187)
حكم وصف الإنسان بأنه حيوان ناطق
ما حكم وصف الإنسان بأنه حيوان ناطق ؟
__________
(1) …أحمد (4/141)، والطبراني في الكبير (4411)، والأوسط (2140، 7918)، والحاكم 2/10 (2160)، من حديث ابن عمر، ورافع بنن خديج رضي الله عنهما. قال في «مجمع الزوائد» (4/60) عن حديث رافع: «رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح». وقال عن حديث ابن عمر (4/61): «رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورجاله ثقات».
(2) …البخاري (2072) .(4/49)
الحيوان الناطق يطلق على الإنسان كما ذكره أهل المنطق، وليس فيه عندهم عيب؛ لأنه تعريف بحقيقة الإنسان، لكنه في العرف قول يعتبر قدحاً في الإنسان، ولهذا إذا خاطب الإنسان به عامياً فإن العامي سيعتقد أن هذا قدحاً فيه، وحينئذ لا يجوز أن يخاطب به العامي؛ لأن كل شيء يسيء إلى المسلم فهو حرام. أما إذا خوطب به من يفهم الأمر على حسب اصطلاح المناطقة - فإن هذا لا حرج فيه؛ لأن الإنسان لاشك أنه حيوان باعتبار أن فيه حياة، وأن الفصل الذي يميزه عن غيره من بقية الحيوانات هو النطق . ولهذا قالوا: إن كلمة حيوان جنس، وكلمة ناطق فصل، والجنس يعمّ المعرف وغيره، والفصل يميز المعرّف عن غيره .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (3/101)
حكم التَّوْرِيَّة
ما حكم التورية ؟ وهل فيها تفصيل ؟
التَّوْرِيَّة: أن يريد الإنسان بكلامه ما يخالف ظاهر الكلام . وهي جائزة بشرطين: الأول: أن يكون اللفظ محتملاً لها، والثاني: ألا تكون ظُلْمًا . فلو قال رجل: أنا لا أنام إلا على وَتَد . والوتد عُودٌ يوضع في الجدار ويعلق عليه المتاع . وقال الرجل: أنا أريد بالوتد الجبل فهذه تورية صحيحة؛ لأن اللفظ يحتملها وليس فيها ظلم لأحد .
وكذلك لو أن رجلاً قال: والله لا أنام إلا تحت السقف، ثم نام فوق السقف فقال: أردت بالسقف السماء . فهذا صحيح؛ فقد سميت السماء سقفاً في قوله سبحانه: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}[الأنبيَاء، من الآية: 32] .(4/50)
وكذلك لو استخدمت التورية للظُّلم فلا تجوز؛ كمن أخذ حقاً من إنسان ثم ذهب إلى القاضي ولم تكن للمظلوم بيِّنة؛ فطلب القاضي من آخذ الحق أن يحلف أن ليس له عندك شيء، فحلف وقال: والله ما له عندي شيء، فحكم له القاضي، ثم كلَّمه بعض الناس في ذلك وعَرَّفَهُ أن هذه يمين غَمُوس تَغْمِس صاحبها في النار، وقد جاء في الحديث: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ" (1)؛ فقال هذا الحالف: أنا ما أردت النفي وإنما أردت الإثبات، ونيتي في كلمة (ماله) أن (ما) اسم موصول أي: والله الذي له عندي شيء. فهذا وإن كان اللفظ يحتمله إلا أنه ظلم فلا يجوز؛ ولهذا جاء في الحديث: "يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ"(2). ولا ينفعك التأويل عند الله، وأنت الآن حالف على يمين فاجرة .
ولو أن رجلاً اتهمت زوجته بجنايات هي بريئة منها؛ فحلف وقال: والله إنها أختي، وقال: أردت أنها أختي في الإسلام . فهذا تعريض صحيح؛ لأنها أخته في الإسلام وهي مظلومة .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس فتاوى الحرم المكي (3/367، 368)
حكم ثناء الإنسان على نفسه
حكم ثناء الإنسان على نفسه ؟
__________
(1) …البخاري (2669، 2670)، ومسلم (138). ومعنى (يَمين صبرٍ): أي أُلزِم وحُبس عليها، ووُصفت اليَمين بالصبر وإن كان صاحبها هو المصبُور؛ لأنه إنما صُبِرَ من أجلها؛ أي: حُبِس.
(2) …مسلم (1653) .(4/51)
الثناء على النفس إن أراد به الإنسان التحدث بنعمة الله عز وجل أو أن يتأسى به غيره من أقرانه ونظرائه - فهذا لا بأس به. وإن أراد به الإنسان تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه عز وجل - فإن هذا فيه شيء من المِنّة فلا يجوز؛ وقد قال الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِْيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *}[الحُجرَات] .
وإن أراد به مجرد الخبر فلا بأس به، لكن الأولى تركه .
فالأحوال إذن في مثل هذا الكلام الذي فيه ثناء المرء على نفسه أربع:
الحال الأولى: أن يريد بذلك التحدث بنعمة الله عليه فيما حَبَاه به من الإيمان والثبات .
الحال الثانية: أن يريد بذلك تنشيط أمثاله ونظرائه على مثل ما كان عليه .
…فهاتان الحالتان محمودتان لما تشتملان عليه من هذه النية الطيبة .
الحال الثالثة: أن يريد بذلك الفخر والتباهي والإدلال على الله عز وجل بما هو عليه من الإيمان والثبات، وهذا غير جائز لما ذكرنا من الآية .
الحال الرابعة: أن يريد بذلك مجرد الخبر عن نفسه بما هو عليه من الإيمان والثبات، فهذا جائز ولكن الأولى تركه .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (3/96. 97)
حكم استخدام الكلمات الأعجمية من غير حاجة
يدخل البعض في طيات كلامه العربي كلمات أجنبية عندما تتحدث معه، وربما كانت هذه الكلمات لا حاجة لها .. فما تعليقكم على هذا الأمر ؟(4/52)
تعليقي أن المسلم ينبغي له أن لا يتكلم بغير العربية إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لكون الشيء معروفاً باسمه غير العربي، أو كون المخاطب لا يفهم من العربية إلا قليلاً - فإن هذا لا بأس به. أما إذا كان الإنسان عربياً وهذا الشيء الذي تحدث عنه له اسم في اللغة العربية - فلا ينبغي له أن يأتي بشيء آخر من اللغات الأخرى؛ لأن أفضل اللغات وأتمها وأحسنها هي اللغة العربية . ولهذا نزل القرآن باللغة العربية، وهو أفضل الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله . وكان أيضاً لسان آخر الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم اللسان العربي. وهو دليل واضح على فضيلة اللغة العربية.
الشيخ ابن عثيمين - ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة، ص (56)
حكم لفظ (الشهادتين) عند الوداع
لقد لاحظت وأنا في جمهورية مصر ظاهرة لم أعتد عليها من قبل؛ فمثلاً إذا انتهى شخص من الحديث مع آخر أو عند نهاية مكالمة هاتفية بين اثنين، أو عند توديع أحدهما لآخر فيبادر أحدهما بقول: (لا إله إلا الله)، فيجيبه الآخر بإكمال الشهادة فيقول: (محمد رسول الله) .. فهل لهذا الفعل من أصل ؟ وما حكمه جزاكم الله خيراً ؟
لا بأس بذلك؛ فإن الشهادتين مما يتقرب بهما إلى الله تعالى لتجديد العقيدة وتحقيق التوحيد، فإذا كان هذا يقصد به ذكر الله تعالى اعتقاد وحدانيته، وصحة ما تحتوي عليه الشهادتان، فلا ينكر ذلك، ولكن لا ينبغي اعتقاد أن ذلك مشروع في كل الأحوال، فيستحب تغييره في بعض الأحيان بالتسبيح والتكبير والتحميد والاستغفار؛ حتى لا يعتقد العامة وجوب هذه العبارة. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 2/9/1424هـ
أسباب انحراف الشباب عن الدين
ما هي أسباب انحراف كثير من الشباب عن الدين ونفورهم منه ؟
لما ذكرتم من انحراف الكثير من الشباب ونفورهم من كل ما ينسب إلى الدين أسباب كثيرة:(4/53)
أهمها: قلة العلم، وجهلهم لحقيقة الإسلام ومحاسنه، وعدم عنايتهم بالقرآن الكريم، وقلة المربين الذين لديهم العلم والقدرة على شرح حقيقة الإسلام للشباب، وبيان محاسنه وإيضاح أهدافه، وما يترتب عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالتفصيل .
وهناك أسباب أخرى كالبيئة والإذاعة والتلفزيون، والأسفار إلى الخارج، والاختلاط بالوافدين من ذوي العقائد الباطلة والأخلاق المنحرفة والجهل المركب، إلى غير ذلك من العوامل التي تنفرهم من الإسلام وترغبهم في الإلحاد والإباحية. فاجتمع في هذا المقام - للكثير من الشباب - خلوّ قلوبهم من العلوم النافعة والعقيدة الصحيحة، ووفود طوفان من الشكوك والشبهات، والدعايات المضللة والشهوات المغرية، فنتج عن ذلك ما ذكرتم في السؤال من الانحراف والنفور من كل ما ينسب إلى الإسلام من الكثير من الشباب. وما أحسن ما قيل في هذا المعنى:
أتانِي هَوَاها قَبْل أنْ أَعْرِفَ الهَوَى
فَصَادَفَ قَلْبًا خَالِياً فتَمَكَّنا(1)
وأبلغ من ذلك وأصدق وأحسن قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً *أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً *}[الفُرقان].
والعلاج فيما أعتقد يتنوع بحسب تنوع الداء؛ فأهم ذلك العناية بالقرآن الكريم والسيرة النبوية، وبالمدرس الصالح والمدير الصالح والمفتش الصالح، والمنهج الصالح، وإصلاح أجهزة الإعلام في الدول الإسلامية، وأن تطهر مما فيها من الدعوة إلى الإباحية والأخلاق غير الإسلامية وأنواع الإلحاد والفساد؛ إذا كان القائمون عليها صادقين في دعوى الإسلام والرغبة في توجيه الشعوب والشباب إليه . ومن ذلك العناية بإصلاح البيئة وتطهيرها مما وقع فيها من الأوبئة .
__________
(1) …القائل هو: قيس بن الملوح العامري (مجنون ليلى) / ت 68هـ.(4/54)
ومن العلاج أيضاً: منع السفر إلى الخارج إلا لضرورة، والعناية بالتوعية الإسلامية النقية الهادفة، بواسطة جميع الأجهزة الإعلامية والمدرسين والدعاة والخطباء. وأسأل الله أن يمنَّ بذلك، وأن يصلح قادة المسلمين، ويوفقهم للفقه في دينهم والتمسك به، ومحاربة ما خالفه بصدق وإخلاص وجهود متواصلة؛ إنه سميع قريب .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/253، 254)
المظاهرات ليست هي الحَلُّ لِمُشْكِلاتنا
هل من وسائل الدعوة القيام بالمظاهرات لحل مشاكل الأمة الإسلامية ؟
ج : ديننا ليس دين فوضى؛ ديننا دين انضباط ودين نظام وهدوء وسكينة، والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين وما كان المسلمون يعرفونها، ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة ودين انضباط، لا فوضى ولا تشويش ولا إثارة فتن؛ هذا هو دين الإسلام. والحقوق يتوصل إليها بالمطالبة الشرعية والطرق الشرعية، والمظاهرات تحدث سفك دماء وتحدث تخريب أموال؛ فلا تجوز هذه الأمور .
الشيخ صالح الفوزان - الإجابات المهمة (1/100، 101)
حكم استدراج الآخرين في الكلام للإضرار بهم
ما حكم من يستدرج الآخرين للإيقاع بهم أو توجيه الكلام معهم بطريقة معينة للحصول على أقوال معينة للإضرار بهم ؟
لا يجوز ذلك؛ لما فيه من الإضرار بالمسلم وكذا خديعته واستدراجه حتى يتلقف منه زلة أوغفلة، أو كلمة يُحمّلها ما لا تحتمله، ولا شك أن هذا ينافي النصيحة للمسلم الواجبة على كل فرد لإخوانه، فإنك متى سمعت أو علمت من أخيك زلة أو كلمة نابية، فعليك نصحه وإرشاده، وإيضاح الحق له، وتحذيره مما ينكر عليه، لعله ينيب ويرجع، ولا تفش سره، ولا تنقل كلامه إلى غيره كغيبة أو نميمة فتضر بأخيك، ومن ضار مسلماً أضره الله، ومن شقّ على مسلم شق الله عليه. والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم الوعد بالعفو ثم الرجوع عنه(4/55)
نقوم في بعض الأحيان بالتحقيق في أخطاء تقع من بعض الموظفين، ونعد بعضهم بوعود في حال اعترافهم وإقرارهم، وبعد ذلك لا نلتزم بما وعدناهم به، ونطبق عليهم العقوبات والجزاءات الخاصة بتلك الأخطاء .. فما حكم هذا العمل ؟
كان الواجب على الموظف النصح والإخلاص في عمله والبعد عن الغش والخيانة والغدر، ومتى وقع منه خطأ فلا يؤاخذ عليه؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البَقَرَة، من الآية: 286]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ عن أُمتي الخَطأُ والنِّسيان (1) .
أما إذا تعمدوا المخالفة وبدر منهم ما يخل بالعمل أو يخالف التعليمات - فإن عليهم الاعتراف بالمخالفة والإقرار بما صدر منهم، وعليه طلب العفو والصفح والالتزام بعدم العودة إلى مثل ذلك . ومتى تعهدوا بذلك فالصفح عنهم أولى إذا لم يكونوا أهل تساهل وكثرة مخالفة . ولكم تطبيق العقوبات والجزاءات على من تكررت منه المخالفات التي تخل بالعمل .
فأما أن تعدوهم وعدًا بالعفو مقابل الاعتراف ثم تخلفون الوعد - فإن هذا لا يجوز؛ لأنه كذب وخلف للوعد، والكذب وخلف الوعد من صفات المنافقين. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم النميمة وأضرارها
ما حكم النميمة ؟ وما هي أضرارها ؟ ونرجو الدليل على ذلك . جزاكم الله خيراً.
__________
(1) …ابن ماجه (2043، 2045)، والطبراني في «الصغير» (765)، والأوسط (8273)، وابن حبان (7219)، والحاكم في المستدرك 2/198 (2801) وصححه ووافقه الذهبي؛ بألفاظ متقاربة. وحسنه النووي في «الأربعين» (39)، وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1662، 1664). وهو في «صحيح الجامع» برقم (1731) .(4/56)
النميمة: هي أن ينقل الإنسان كلام الناس بعضهم ببعض من أجل الإفساد بينهم؛ مثل أن يذهب إلى شخص ويقول: قال فيك فلان كذا، قال فيك فلان كذا؛ لأجل إلقاء العداوة بين المسلمين . وهي من كبائر الذنوب، ففي الصحيحين: من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرين فقال: "أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ، قَالَ: فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ؛ فقالوا: لم فعلت هذا ؟ فقال: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا"(1). وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ" (2) أي: نَمَّام.
وعلى هذا فالواجب على المؤمن أن يتجنب النميمة وأن يبتعد عنها. أما أضرارها: فهي على الشخص النامّ هذا الوعيد الشديد الذي سمعت، وأما على المجتمع فهي التفريق بين الناس والإفساد بينهم .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم ذي الوَجْهين
ما حكم ذي الوجهين الذي يقابل الناس بوجوه متعددة ؟ ونرجو الدليل على ذلك . جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …البخاري (218)، ومسلم (292). والعَسِيب: الجَريدة من النَّخْل.
(2) …البخاري (6056)، ومسلم(105) .(4/57)
ذو الوجهين: الذي يقابل هذا بوجه وهذا بوجه؛ هو شر الناس والعياذ بالله كما جاء به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهو نوع من النفاق، وإذا فشى مثل هذا في مجتمع فإن المجتمع يكون غير مستقيم؛ كل واحد من هذا المجتمع لا يثق بالآخر، وبالتالي يتفكك المجتمع، ويكثر الغدر والخيانة. فشر الناس في الحقيقة هو ذو الوجهين - كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ(1). والواجب على المسلم الحذر من هذا الشيء والتحذير منه؛ حتى لا تقع المفاسد التي أشرنا إلى شيء منها .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم مجالسة النمَّام والمُغتاب
جماعة؛ فاكهةُ مجالسهم الغيبة والنميمة ولعب الورقة وغيرها؛ هل تجوز مجالستهم مع العلم أنهم جماعتي وتربطني بأكثرهم علاقة أخوية ونسب وصداقة وغيرها ؟
__________
(1) …البخاري (3494)، ومسلم (2526) .(4/58)
هؤلاء الجماعة الذين فاكهة مجالسهم أكل لحوم إخوانهم ميتين، هؤلاء في الحقيقة سفهاء؛ لأن الله يقول في القرآن: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}[الحُجرَات، من الآية: 12]؛ فهؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس - والعياذ بالله - في مجالسهم قد فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب، الواجب عليك نصيحتهم؛ فإن امتثلوا وتركوا ما هم فيه فذاك، وإلا يجب عليك أن تقوم عنهم؛ لقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا *}[النِّسَاء]؛ فلما جعل القاعدين مع هؤلاء الذين يسمعون آيات الله يكفر بها ويُستهزأ بها جعلهم في حكمهم، مع أن هذا أمر عظيم يخرج من الملة، فإن من شارك العصاة فيما دون ذلك مثل هؤلاء الذين شاركوا هؤلاء العصاة الذين كفروا بآيات الله واستهزؤوا بها؛ فيكون الجالس في مكان الغيبة كالمغتاب في الإثم، فعليك أن تفارق مجالسهم، وأن لا تجلس معهم. وكونك تربطك بهم رابطة قوية هذا لا ينفعك يوم القيامة، ولا ينفعك إذا انفردت في قبرك، فعما قريب سوف تفارقهم أو يفارقونك، ثم ينفرد كل منكم بما عمل، وقد قال الله - سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {الأَْخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ *}[الزّخرُف] .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه - إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/394)
حكم الغيبة لأجل النصيحة(4/59)
رجل أراد أن يكلف أحد الناس بعمل من الأعمال، وأنا أعرف أن هذا الشخص لا يصلح لهذا العمل لعدم أهليته من عدة نواح؛ فهل يجوز لي أن أخبر ذلك الرجل عن بعض عيوب ذلك الشخص ؟ وهل يعتبر ذلك غيبة ؟
إذا كان المقصود النصيحة فليس بغيبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قيل: لمن يارسول الله ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" (1)، وفي الصحيحين: عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ (2)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . وبالله التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة - العدد (1172)
حكم تجريح العلماء
ما رأي فضيلة الشيخ في بعض الشباب ومنهم بعض طلبة العلم الذين صار ديدنهم التجريح في بعضهم البعض وتنفير الناس عنهم والتحذير منهم ؟ هل هذا عمل شرعي يثاب عليه أو يعاقب عليه ؟
الذي أرى أن هذا عمل محرّم؛ فإذا كان لا يجوز لإنسان أن يغتاب أخاه المؤمن وإن لم يكن عالمًا .. فكيف يسوغ له أن يغتاب إخوانه العلماء من المؤمنين ؟! والواجب على الإنسان المؤمن أن يكفّ لسانه عن الغيبة في إخوانه المؤمنين؛ قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ *}[الحُجرَات].
__________
(1) …رواه مسلم في صحيحه (55) .
(2) …البخاري (74)، ومسلم (56) .(4/60)
وليعلم هذا الذي ابتلي بهذه البلوى أنه إذا جرّح العالم فسيكون سببًا في رد ما يقوله هذا العالم من الحق؛ فيكون وبال رد الحق وإثمه على هذا الذي جرح العالم؛ لأن جَرْحَ العالم في الواقع ليس جرحًا شخصيًا بل هو جرح لإرث محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء، فإذا جرح العلماء وقدح فيهم لم يثق الناس بالعلم الذي عندهم وهو موروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ لا يثقون بشيء من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي جُرِّح .
ولست أقول إن كل عالم معصوم؛ بل كل إنسان معرض للخطأ، وأنت إذا رأيت من عالم خطأ فيما تعتقده، فاتصل به وتفاهم معه، فإن تبين لك أن الحق معه وجب عليك اتباعه، وإن لم يتبين لك ولكن وجدت لقوله مساغاً وجب عليك الكف، وإن لم تجد لقوله مساغًا فاحذر من قوله لأن الإقرار على الخطأ لا يجوز. لكن لا تجرّحه وهو عالم معروف مثلاً بحسن النية .
ولو أردنا أن نجرّح العلماء المعروفين بحسن النية لخطأ وقعوا فيه من مسائل الفقه؛ لجرحنا علماء كبارًا، ولكن الواجب هو ما ذكرت. وإذا رأيت من عالم خطأ فناقشه وتكلم معه، فإما أن يتبين لك أن الصواب معه فتتبعه، أو يكون الصواب معك فيتبعك، أو لا يتبين الأمر ويكون الخلاف بينكما من الخلاف السائغ، وحينئذ يجب عليك الكف عنه، وليقل هو ما يقول، ولتقل أنت ما تقول .
والحمد لله .. الخلاف ليس في هذا العصر فقط، الخلاف من عهد الصحابة إلى يومنا. وأما إذا تبين الخطأ ولكنه أصرّ انتصارًا لقوله وجب عليك أن تبيّن الخطأ وتنفر منه، لكن لا على أساس القدح في هذا الرجل وإرادة الانتقام منه؛ لأن هذا الرجل قد يقول قولاً حقًا في غير ما جادلته فيه .
فالمهم أنني أحذر إخواني من هذا البلاء وهذا المرض، وأسأل الله لي ولهم الشفاء من كل ما يعيبنا أو يضرنا في ديننا ودنيانا .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/62 - 64 )
رفع المظالم والشكاوي لولي الأمر أو من يقوم مقامه(4/61)
س: هل من الحكمة رفع المظالم والشكاوي لعامة الناس ؟ وما الطريق الصحيح في ذلك ؟
رفع المظالم والشكاوي يجب أن يكون إلى ولي الأمر أو نائبه، ورفع ذلك إلى غيره من عامة الناس مخالف لمنهج الإسلام في الحكم والسياسة، ويلزم عليه منازعة ولي الأمر في صلاحياته؛ فلا يجوز لأحد أن ينصِّب نفسه مرجعًا للناس دون ولي الأمر؛ لأن هذا من مبادئ الخروج على ولاة الأمر : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا *}[النِّسَاء: 115]، فلا فوضى في الإسلام؛ وإنما الفوضى في نظام الكفرة والمنافقين، ونظام الإسلام منضبط، والحمد لله.
الشيخ صالح الفوزان - الإجابات المهمة (1/26)
وجوب نصح المغتاب
يوجد معي زميلات في العمل أغلب كلامهن عن الطالبات والمدرسات، نصحتهن أكثر من مرة فيستجبن لنصيحتي ثم لا يلبثن أن يعدن، وهذا يتكرر دائماً .. ماذا عليّ أن أفعل ؟ وهل أكون آثمة معهن ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، مادمت تنصحينهن عن الكلام الذي لا يحل ولا يجوز في المدرسات والطالبات فأنت على خير، وإن امتثلن صار الخير لهن أيضاً، وإن لم يمتثلن فأنت على خير وهن اللائي أسأن وأذنبن، ولكن مع ذلك استمري في نصيحتهن حتى ولو عدن إلى ما كنَّ عليه؛ لأن مع كثرة النصيحة والدعوة إلى الله ربما يحصل الإقلاع التام. والواجب عليهن وعلى غيرهن أن يحفظن ألسنتهن من القول المحرم، وأن يعلمن أنهن لا يتكلمن بأحد بما يكره إلا كان غيبة تجازى عليها يوم القيامة، فيؤخذ من حسناتها وتضاف إلى حسنات اللآتي اغتبن .
الشيخ ابن عثيمين - دليل الطالبة المؤمنة، ص (35)
حكم هَجْر المغتاب(4/62)
لي صديق كثيراً ما يتحدث في أعراض الناس، وقد نصحته ولكن دون جدوى، ويبدو أنها أصبحت عادة عنده، وأحياناً يكون كلامه في الناس عن حسن نية؛ فهل يجوز هجره ؟
الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون منكر عظيم ومن الغيبة المحرمة بل من كبائر الذنوب؛ لقول الله سبحانه: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[الحُجرَات، من الآية: 12]، ولما روى مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ" ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ". قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ" (1)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ؛ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ" (2)، قال العلامة ابن مفلح(3): إسناده صحيح، قال: وخرّج أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ"(4)
__________
(1) …مسلم (2589) .
(2) …أحمد (3/224)، وأبو داود (4878)، والطبراني في «الأوسط» (8)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (6716). وصححه الألباني؛ كما في «صحيح سنن أبي داود» (4082).
(3) …«الآداب الشرعية» (1/31)، بنحوه.
(4) …أحمد (1/190)، وأبو داود (4876)، وابن أبي شيبة (22005)، والبزار في مسنده (1264، 3743)، والطبراني في «الكبير» (357)، و«الأوسط» (6131، 7151)، والبيهقي في «الكبرى» (20916). قال الهيثمي في «المجمع» (8/150): «رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير نوفل بن مساحق، وهو ثقة». وانظر: «فيض القدير» 2/531، 532 (2472). والاسْتِطَالَة: هي الترفُّع على الناس والوقيعة فيهم.(4/63)
.
والواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين، مع نصيحته والإنكار عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ؛ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ" (1)، فإن لم يمتثل فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه.
أصلح الله حال المسلمين، ووفقهم لما فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
الشيخ ابن باز - فتاوى هيئة كبار العلماء (2/946)
حكم الغيبة وقبح آثارها
بعض الناس - هداهم الله - لا يرون الغيبة أمراً منكراً أو حراماً والبعض يقول: إذا كان في الإنسان ما تقول فغيبته ليست حراماً، متجاهلين أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، أرجو من سماحة الشيخ توضيح ذلك . جزاه الله خيراً .
الغيبة محرمة ومن الكبائر؛ سواء كان العيب موجوداً في الشخص أم غير موجود؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال - لما سئل عن الغيبة - قال: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ". قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ" (2)، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه رأى ليلة أسري به قوماً لهم أظفار من نحاس يَخْمِشُونَ بها وجوههم وصدورهم، فسأل عنهم؛ فقيل له: "هؤلاء الذين يأكلُونَ لُحُومَ الناس ويَقَعُونَ في أَعراضِهم"(3).
__________
(1) …مسلم (49) .
(2) …مسلم (2589) .
(3) …أحمد (3/224)، وأبو داود (4878)، والطبراني في «الأوسط» (8)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (6716). وصححه الألباني؛ كما في «صحيح سنن أبي داود» (4082).(4/64)
وقد قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ *}[الحُجرَات].
فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الغيبة، والتواصي بتركها طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحرصاً من المسلم على ستر إخوانه، وعدم إظهار عوراتهم؛ ولأن الغيبة من أسباب الشحناء والعداوة وتفريق المجتمع . وفق الله المسلمين لكل خير .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة - العدد (1170)
حكم التنابز بالألقاب
ما حكم التنابز بالألقاب ولو كان ذلك مزاحاً ؟
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ}[الحُجرَات، من الآية: 11]؛ يعني بالألقاب السيئة التي تسوء المرء. وأما ما يجري على سبيل المزاح؛ فإنه وإن كان لا يحرم لكنه لا ينبغي لذوي المروءة أن يتنابزوا بالألقاب ولو مزحاً؛ لأن هذا المزح ربما يؤدي إلى مخاصمة ونزاع في المستقبل، وربما يسمعه أحدٌ آخر فيأخذ بهذا اللقب ويُعَيِّرُ به من لُقب به على وجه الجد لا على وجه المزح؛ لهذا نرى أن الأولَى بكل ذي مروءة أن يتجنب التنابز بالألقاب ولو على سبيل المزح .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم النُّكَت في الإسلام
ما حكم (النكت) في ديننا الإسلامي ؟ وهل هي من لهو الحديث ؟ علماً بأنها ليست استهزاء بالدين . أفتونا مأجورين .(4/65)
التفكه بالكلام والتنكيت إذا كان بحق وصدق فلا بأس به، ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً صلى الله عليه وسلم، أما ما كان بالكذب فلا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ"(1). والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (27) ، ص (87، 88)
حكم الاستهزاء بالمدرسات ونبزهن بالألقاب
تقوم بعض الطالبات بالاستهزاء بالمعلمات ونبزهن بالألقاب؛ سواء القبيحة أو المضحكة، ويقلن: أنهن لا يعنين ذلك، وإنما هو فقط على سبيل المزاح .
على المسلم حفظ لسانه عمَّا يؤذي المسلمين أو ينقص قدرهم؛ ففي الحديث: "لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ" (2)، وقد قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ *}[الهُمَزة]، وقال تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ *}[القَلَم]، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ}[الحُجرَات، من الآية: 11]، فتنقُّص المسلم وأذاه حرام .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى المرأة، ص (238)
علاج الغَيْرَة والشرك الخفي
__________
(1) …أحمد (5/5،7)، والدارمي (2702)، والطبراني في «الكبير» (951، 952)، وأبو داود (4990)، والترمذي (2315)، وقال: «حديث حسن»، والنسائي في الكبرى (11126)، (11655) بإسناد جيد .
(2) …أحمد (4/420، 424)، وأبو داود (4880)، وأبي يعلى (1675، 7423)، والبيهقي في «الكبرى» (20953). قال في «مجمع الزوائد» (8/93): «رواه أبو يعلى ورجاله ثقات».(4/66)
إذا كنت في بعض الأحيان أشعر بقسوة في قلبي وأحياناً أحس بداء مثل الشرك الخفي أو الغيرة من بعض الناس، فما هو العلاج ؟ خصوصًا وأنا أكثر من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : "اللَّهم أَعوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُشْرِكَ بك وأنا أَعْلَمُ، وأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أَعْلَمُ"(1) ، ومن الدعاء لهؤلاء الذين أغير منهم أكفر عن خطئي تجاههم .. فهل هناك علاج آخر يشفيني من هذا الداء الخطير ؟
ينبغي لك الإكثار من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم، وعمل ما تستطيعين من نوافل العبادات، ومجالسة أهل الدين والصلاح، مع إخلاص العمل لله جل وعلا، والابتعاد بالعبادات عن مواطن الرياء، ودفعه عند حصوله بابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة .
وأما دفع الغيرة فيكون باعتقاد أن النعم جميعًا هبة من الله جل وعلا، وأنه هو الذي قسمها على عباده؛ قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الزّخرُف، من الآية: 32]، وأن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" (2)، وأن يشغل نفسه عن الغيرة والحسد بما ينفعه من الأقوال والأعمال الصالحة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
__________
(1) …أحمد (4/403)، وابن أبي شيبة (29547)، وأبو يعلى (58-61)، والضياء المقدسي في «المختارة» (63)، والطبراني «الأوسط» (3479)، والبخاري في «الأدب المفرد» (716) بتحقيق الألباني وصححه. قال في «مجمع الزوائد» (10/224): «رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي علي، ووثقه ابن حبان».
(2) …البخاري (13)، ومسلم (45).(4/67)
اللجنة الدائمة، فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها، ص (28، 29)
حكم الحسد .. وهل فيه شيء حسن ؟
ما حكم الحسد ؟ ومتى يكون حسناً ونرجو الدليل ؟ جزاكم الله خيراً .
الحسد من كبائر الذنوب، ولا يحل لأحد أن يحسد أخاه . والحسد: هو كراهة ما أنعم الله به على عباده، مثل: أن يكره أن الله يرزق هذا الرجل علماً أو مالاً أو بنين أو ما أشبه ذلك . وليس من شرطه أن يتمنى زوال النعمة كما هو معروف عند كثير من العلماء، يقول: إن الحسد هو تمني زوال النعمة . وهذا ليس بصحيح؛ بل مجرد كراهة ما أنعم الله به على الشخص يعتبر حسداً. وقد قال الله عز وجل: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا *فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا *}[النِّسَاء]، فلا يجوز للإنسان أن يحسد أخاه.
وأما قوله: ما هو الجائز منه ؟ فليس هناك حسدٌ جائز . وكأن السائل يشير إلى قوله عليه الصلاة والسلام: "لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ" (1) والحسد هنا: قال أهل العلم إن معناه الغِبطة(2)، يعني لا يغبط أحداً على شيء من أمور الدنيا، وإنما الغبطة فيمن آتاه الله علماً أو آتاه الله مالاً فانتفع به ونفع.
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
كيفية تلافي الوقوع في الحسد
كيف يمكن للإنسان أن يتلافى الحسد ويدرأه عن نفسه وأهله ؟
الحسد: هو تمني زوال النعمة عن المحسود، وهو صفة ذميمة؛ لأنه من صفات إبليس ومن صفات اليهود ومن صفات شرار الخلق قديمًا وحديثًا؛ ولأنه اعتراض على الله في قدره وعدم رضا بقسمته .
__________
(1) …البخاري (73)، ومسلم (816)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2) …الغِبْطة: هي أن يتمنى المرء مثل ما للمغبوط من النعمة؛ من غير أن يتمنى عنه زوالها.(4/68)
ويدفع المسلم عن نفسه الاتصاف بالحسد بأن يرضى بقضاء الله وقدره، وأن يحب لأخيه من الخير ما يحبه لنفسه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" (1)، ويدفع الاتصاف بالحسد عن نفسه أيضًا بالسعي في الأسباب التي تجلب له الخير وتدفع عنه الشر؛ بحسن الظن بالله ورجاء ما عنده .
ويدفع عن نفسه وعن أهله شر حسد الحاسدين بالاستعاذة بالله من شرهم؛ فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الفلق بالاستعاذة من شر حاسد إذا حسد. وكذلك يدفع شر الحاسدين بالصدقة والبر والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين - خصوصًا عندما يحصل على مال وعنده من ينظر إليه أحد من المحتاجين؛ فإنه يتصدق عليهم، ويدفع تطلعهم ونظرهم إلى ما بيده، والله أعلم .
الشيخ صالح الفوزان - كتاب الدعوة - الفتاوى (1/68، 69)
علاج من في قلبه حسد
رجل قلبه مريض بالحسد؛ فكيف العلاج ؟
الحسد داء عضال يأتي من نفوس شريرة لا تريد الخير لذات الخير؛ بل تريد الخير لها، فإذا رأته كرهته وإن لم تتمن زواله - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(2). ويعالج هذا المرض في النفس بأمور:
الأول: أن يعلم أن هذه النعمة من فضل الله، يقول سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النِّسَاء، من الآية: 54]، وهي من فعل الله، والحسد يتضمن التسخط من تقدير الله، وإذا علم المؤمن ذلك فسيكف عن هذا الطبع .
الثاني: أن يعلم أنه لا يستفيد من الحسد إلا كثرة السيئات وذهاب الحسنات، ولهذا نقول: الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .
الثالث: أن يعلم أن الحسد لا يزيده إلا غَمًّا وهَمًّا، وتزيد حسرته كلما زادت نعم الله على عباده .
__________
(1) …البخاري (13)، مسلم (45).
(2) …له رحمه الله كلام نفيس عن داء الحسد؛ ذكره في «مجموع الفتاوى» (10/111-129). فارجع إليه إن شئت.(4/69)
الرابع: أن يعلم أن الحسد لا يمنع فضل الله عن المحسود؛ فيعلم أن حسده لا فائدة منه .
الخامس: أن يعلم أنه إذا اشتغل بالحسد فسينشغل عن مصالحه الخاصة؛ فتجد الحاسد يتتبع أخبار المحسود وما جاءه من مال أو ولد أو علم أو خير .
وبالتأمل ستجد أشياء أخرى تعين على التخلي عن الحسد .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس فتاوى الحرم المكي (3/363، 364)
الفصل السابع
التوبة والدعاء
تعريف التوبة وشروطها (كلمة للشيخ ابن عثيمين)
- التوبة هي الرجوع عن معصية الله تعالى إلى طاعته .
- التوبة محبوبة إلى الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البَقَرَة، من الآية: 222].
- التوبة واجبة على كل مؤمن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}[التّحْريم، من الآية: 8] .
- التوبة من أسباب الفلاح: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النُّور، من الآية: 31] . والفلاح: أن يحصل للإنسان مطلوبه وينجو من مرهوبه .
- التوبة النصوح يغفر الله بها الذنوب مهما عظمت ومهما كثرت: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *}[الزُّمَر] .
لا تقنط - يا أخي المذنب - من رحمة ربك، فباب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" (1) .
__________
(1) …مسلم (2759) .(4/70)
وكم من تائب عن ذنوب كثيرة عظيمة تاب الله عليه، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا *إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *}[الفُرقان] .
التوبة النصوح هي التي اجتمع فيها خمسة شروط :
الأول:…الإخلاص لله تعالى؛ بأن يقصد بها وجه الله تعالى وثوابه والنجاة من عذابه.
الثاني: الندم على فعل المعصية؛ بحيث يحزن على فعلها ويتمنى أنه لم يفعلها.
الثالث:الإقلاع عن المعصية فوراً؛ فإن كانت في حق الله تعالى: تركها إن كانت في فعل محرم، وبادر بفعلها إن كانت ترك واجب . وإن كانت في حق مخلوق: بادر بالتخلص منها إما بردها إليه أو طلب السماح له وتحليله منها .
الرابع:…العزم على أن لايعود إلى تلك المعصية في المستقبل .
الخامس: أن لاتكون التوبة قبل فوات قبولها؛ إما بحضور الأجل أو بطلوع الشمس من مغربها؛ قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ}[النِّسَاء، من الآية: 18]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا؛ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ" (1)، رواه مسلم.
اللّهم وفقنا للتوبة النصوح. وتقبل منا إنك أنت السميع العليم .
الشيخ ابن عثيمين - رسالة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ص (35، 36)
علاج فقد حلاوة الإيمان
__________
(1) …مسلم (2703).(4/71)
عندما كنت في سن المراهقة كنت مرهقاً لنفسي بالمعاصي، ولكني لم أكن أترك واجبات الإسلام كالصلاة، وأنا الآن تائب إلى الله من جميع المعاصي بشكل عام، ولكني فاقد لحلاوة الإيمان وأعيش في حيرة وقلق، فحينما أتشهد أحس أن الشهادة لاتصل إلى قلبي، وأنا خائف من الله أن يختم على قلبي . وأرجو إرشادي أثابكم الله .
نوصيك بحمد الله كثيراً على ما منّ به عليك من التوبة، وأكثر من الأعمال الصالحات وأحسن ظنك بربك، وأكثر من ذكر الله وقراءة القرآن بالتدبر، واصحب الأخيار، وابتعد عن الأشرار،وأبشر بالخير وحسن العاقبة. وستجد إن شاء الله - بعد العمل بما ذكرته لك - حلاوة الإيمان ولذة الشهادتين وثمرة التوبة النصوح؛ قال الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ *}[الرّعد]، وقال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النُّور، من الآية: 31]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، والتوبةُ تَهْدِمُ ما كان قَبْلَها" (1)، وقال عليه الصلاة والسلام: "التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ" (2) .
__________
(1) …مسلم (121)، وفيه ذكر الإسلام والهجرة .
(2) …الطبراني في الكبير (22/306)، وأبو نعيم في الحلية (10/398) من حديث أبي سعد الأنصاري، قال الهيثمي في المجمع (10/199): «وفيه من لم أعرفهم» . وابن ماجه في الزهد (4250)، والطبراني في الكبير 10/150 (10281) من حديث ابن مسعود . قال الهيثمي (10/200): «رجاله رجال الصحيح، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه»، وحسنه الألباني لشواهده؛ انظر: الضعيفة رقم (615)، وكذا «المقاصد الحسنة» للسخاوي 1/249 (313).(4/72)
فمن أكثر من ذكر الله وصدق في التوبة حصل له الفلاح والطمأنينة وراحة الضمير، ومحيت عنه سيئاته. ثبتك الله على الهدى ومنحك الاستقامة، إنه خير مسؤول.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/57)
أتوب ثم أعود .. ماذا أفعل ؟
أنا شاب في التاسعة عشرة من عمري وقد أسرفت على نفسي في المعاصي كثيراً؛ حتى إنني لا أصلي كثيراً في المسجد، ولم أصم رمضان كاملاً في حياتي، وأعمل أعمالاً قبيحة أخرى، وكثيراً ما عاهدت نفسي على التوبة ولكنني أعود للمعصية، وأنا أصاحب شباباً في حارتنا ليسوا مستقيمين تماماً، كما أن أصدقاء إخواني كثيراً ما يأتوننا في البيت وهم أيضاً ليسوا صالحين.. ويعلم الله أنني أسرفت على نفسي كثيراً في المعاصي، وعملت أعمالاً شنيعة، ولكنني كلما عزمت على التوبة أعود مرة ثانية كما كنت .. أرجو أن تدلوني على طريق يقربني إلى ربي ويبعدني من هذه الأعمال السيئة .
يقول الله عز وجل: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *}[الزُّمَر] .
أجمع العلماء على أن هذه الآية الكريمة نزلت في شأن التائبين؛ فمن تاب من ذنوبه توبة نصوحاً غفر الله له ذنوبه جميعاً - لهذه الآية الكريمة، ولقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهَارُ}[التّحْريم، من الآية: 8]، فعلق سبحانه تكفير السيئات ودخول الجنات في هذه الآية بالتوبة النصوح؛ وهي التي اشتملت على ترك الذنوب، والحذر منها، والندم على ما سلف منها، والعزم الصادق على ألا يعود فيها تعظيماً لله سبحانه ورغبة في ثوابه، وحذراً من عقابه.(4/73)
ومن شرائط التوبة النصوح: رد المظالم إلى أهلها، أو تحللهم منها إذا كانت المعصية مظلمة في دم أو مال أو عرض، وإذا لم يتيسر استحلال أخيه من عرضه دعا له كثيراً، وذكره بأحسن أعماله التي يعلمها عنه في المواضع التي اغتابه فيها؛ لأن الحسنات تكفر السيئات. وقال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النُّور، من الآية: 31]، فعلق عز وجل في هذه الآية الفلاح بالتوبة؛ فدل ذلك على أن التائب مفلح سعيد، وإذا أتبع التائب توبته بالإيمان والعمل الصالح محا الله سيئاته، وأبدلها حسنات؛ كما قال سبحانه في سورة الفرقان - لما ذكر الشرك والقتل بغير حق والزنا -: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا *إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *}[الفُرقان].
ومن أسباب التوبة: الضراعة إلى الله سبحانه وسؤاله الهداية والتوفيق، وأن يمنّ عليك بالتوبة، وهو القائل سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غَافر، من الآية: 60]، وهو القائل عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البَقَرَة، من الآية: 186].(4/74)
ومن أسباب التوبة أيضاً والاستقامة عليها: صحبة الأخيار، والتأسي بهم في أعمالهم الصالحة، والبعد عن صحبة الأشرار؛ وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ" (1)، وقال صلى الله عليه وسلم "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً" (2) .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة، الفتاوى - ص (251)
علاج الانتكاس بعد الاستقامة
إنني شاب ملتزم بالإسلام، ولكن في الفترة الأخيرة لاحظت أن إيماني ضعف؛ بدليل: ارتكاب بعض المعاصي؛ مثل تفويت وتأخير الصلاة، والاستماع إلى اللغو من القول والاستغراق في الملذات، وقد حاولت إنقاذ نفسي مما أنا فيه ولكن لم أستطع .. فهل ترشدني فضيلتكم إلى الطريق السوي الذي أنجو به من شر نفسي الأمارة بالسوء ؟
نسأل الله لنا ولك الهداية، والطريق إلى هذا:
الحرص على قراءة القرآن وتدبره؛ فإن القرآن يقول الله فيه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ *}[يُونس].
ثم مراجعة ما أمكن من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته؛ فإنها منار الطريق لمن أراد الوصول إلى الله عز وجل.
وثالثاً: الحرص على مصاحبة أهل الصلاح والتقوى من العلماء الربانيين والأصدقاء المتقين.
__________
(1) …أحمد (2/303، 334)، وأبو داود (4833)، والترمذي (2378) وقال: «حسن غريب»، والحاكم 4/171 (7319، 7320) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …البخاري (2101، 5534)، ومسلم (2628). ومعنى (يُحْذِيَك): أي يعطيك.(4/75)
ورابعاً: البعد بقدر الإمكان عن جلساء السوء الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْجَلِيسِ السَّوْءِ كَنَافِخِ الْكِيرِ؛ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً"(1).
خامساً: تأنيب نفسك دائماً على ما حدث لك من هذا التغير حتى تعود إلى ما كنت عليه سابقاً.
سادساً: أن لا يدخلك الإعجاب فيما قمت به من عمل صالح؛ فإن الإعجاب قد يبطل العمل - كما قال الله عز وجل: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِْيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *}[الحُجرَات]؛ ولكن انظر إلى أعمالك الصالحة وكأنك مقصر دائماً حتى تلجأ إلى الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل، ومع حسن الظن بالله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان إذا أُعجب بعمله، ورأى لنفسه حقاً على ربه - كان ذلك أمراً خطيراً قد يحبط به العمل .
نسأل الله السلامة والعافية .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه - إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/964)
الرد على احتجاج العاصي بالقدر
ماذا نقول لمن ندعوه إلى التوبة والرجوع إلى الله فيقول: إن الله لم يكتب لي الهداية .. والثاني يقول: إن الله يهدي من يشاء ؟
__________
(1) …البخاري (2101، 5534)، ومسلم (2628).(4/76)
أما الأول فإنه يقول: ( إن الله لم يكتب لي الهداية )، وبكل بساطة نقول: أطّلعْتَ الغيب أم اتخذت عند الله عهداً ؟ فإن قال: نعم، فنقول: إذن كَفَرْتَ؛ لأنك ادّعيت علم الغيب، وإن قال: لا، فنقول: غُلبت، إذا كنت لم تطلع أنَّ الله لم يكتب الهداية فاهْتَدِ، فالله ما منعك من الهداية؛ بل دعاك إليها ورغَّبك فيها، وحذّرك من الضلالة ونهاك عنها، ولم يشأ الله عز وجل أن يدع عباده على ضلالة أبداً؛ قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 26]؛ فتُبْ إلى الله، والله عز وجل أشد فرحاً بتوبتك من رجل أضل راحلته وعليها طعامه وشرابه وأيس منها، ونام تحت شجرة ينتظر الموت، فاستيقظ فإذا بخطام ناقته متعلقاً بالشجرة، فأخذ بخطام الناقة وقال: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ (1)، فكان يريد أن يقول: اللّهم أنت ربي وأنا عبدك .
وأما الثاني الذي يقول: إن الله يهدي من يشاء، فإذا كان الله يهدي من يشاء، فهذه حجة عليك، فاهْتَدِ حتى تكون ممَّن شاء الله هدايته. والحقيقة أن هذا الجواب من العاصي هو لدفع الحجة بالنسبة لنا، ولن ينفعه ذلك عند الله؛ لأن الله عز وجل يقول: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ *}[الأنعَام] .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه - إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (1/54)
حكم التفكير في ارتكاب الحرام
__________
(1) …البخاري (6309) مختصراً، ومسلم (2747) .(4/77)
ما حكم التفكير بفعل الأشياء المحرمة .. كأن يفكر شخص أن يسرق مثلاً، أو يفكر أن يزني وهو يعلم من ذات حاله أنه لن يفعل ذلك لو تيسرت له السبل ؟
ما يقع في نفس الإنسان من الأفكار السيئة؛ كأن يفكر في الزنا أو السرقة أو شرب المسكر أو نحو ذلك، ولا يفعل شيئاً من ذلك - فإنه يعفى عنه ولا يلحقه بذلك ذنب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ أَكْتُبْهَا عَلَيْهِ" (2) وفي لفظ: "اكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً؛ إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ"؛ متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما(3). والمعنى: أنه من ترك السيئة التي هَمَّ بها من أجل الله كتبها الله له حسنة، وإن تركها لأسباب أخرى لم تكتب عليه سيئة ولم تكتب له حسنة، وهذا فضل من الله سبحانه ورحمة لعباده؛ فله الحمد والشكر لا إله غيره ولا رب سواه .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/424)
كشف شبهة حول الشيطان وكيفية إغوائه
كلنا يعلم مدى عداوة إبليس للإنسان؛ فكيف يغوي إبليس أكثر من شخص في وقت واحد وهو لم يلد ولم يتزوج ؟
__________
(1) …البخاري (5269)، ومسلم (127) .
(2) …مسلم (128 - 130)؛ فيما يرويه عن ربه عز وجل. فهو حديث قدسي.
(3) …البخاري (6491)، ومسلم (129، 131).(4/78)
إن الشياطين كثيرون، وليس الشيطان واحداً؛ قال الله تعالى فيه: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ}[الكهف، من الآية: 50]، وكل إنسان له قرين من الشياطين يأمره بالفحشاء والمنكر، ولكن من عصمه الله منه فهو المعتصم بعزّة الله عز وجل. وعليك أيها السائل أن تتجنب كل ما يأمرك الشيطان به؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ *}[فَاطِر].
فإذا قلت: ما الذي يدعو إليه الشيطان ؟ قلنا: إنه يدعو إلى الفحشاء والمنكر - لقوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً}[البَقَرَة، من الآية: 268]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[النُّور، من الآية: 21] .
فكل شيء اكتشفت أن نفسك تطلبه وهو مما حرم الله عز وجل فهو من أمر الشيطان، فعليك أن تتجنبه؛ لأنه من طلب عدوك، وعدوك لا يأمرك بما فيه خير لك .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه - إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/966)
الذنوب من أسباب العقوبة ومحق البركة
قرأت أن من نتائج الذنوب العقوبة من الله ومحق البركة؛ فأبكي خوفاً من ذلك، أرشدوني جزاكم الله خيراً .
لا شك أن اقتراف الذنوب من أسباب غضب الله عز وجل، ومن أسباب محق البركة وحبس الغيث وتسليط الأعداء - كما قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ *}[الأعرَاف].(4/79)
وقال سبحانه: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَْرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ *}[العَنكبوت]، والآيات في هذا المعنى كثيرة . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ" (1) .
فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الذنوب، والتوبة مما سلف منهما مع حسن الظن بالله ورجائه سبحانه المغفرة، والخوف من غضبه وعقابه - كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن عباده الصالحين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبيَاء، من الآية: 90]، وقال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا *}[الإسرَاء]، وقال عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *}[التّوبَة] .
__________
(1) …أحمد (5/277، 280، 282)، وابن ماجه (90، 4022)، والطبراني في «الكبير» (1442)، وابن حبان (872)، والحاكم 1/493 (1814) وصححه ووافقه الذهبي، وحسَّن إسناده: البوصيري في «مصباح الزجاجة» (4/187)، وكذا الألباني في: «صحيح سنن ابن ماجه» (73، 3248).(4/80)
ويشرع للمؤمن والمؤمنة مع ذلك الأخذ بالأسباب التي أباح الله عز وجل، وبذلك يجمع بين الخوف والرجاء والعمل بالأسباب، متوكلاً على الله سبحانه معتمداً عليه في حصول المطلوب والسلامة من المرهوب، والله سبحانه هو الجواد الكريم القائل عز وجل: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *}[الطّلاَق، من الآيتين: 2-3]، والقائل سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطّلاَق، من الآية: 4] .
وهو القائل سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النُّور، من الآية: 31].
فالواجب عليك - أيتها الأخت في الله - التوبة إلى الله سبحانه مما سلف من الذنوب، والاستقامة على طاعته مع حسن الظن به عز وجل، والحذر من أسباب غضبه، وأبشري بالخير الكثير والعاقبة الحميدة . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (31) ص (120، 121)
حكم مرتكب الكبيرة
ما حكم مرتكب الكبيرة عند أهل السنة والجماعة ؟(4/81)
هو عند أهل السنة فاسق أو ناقص الإيمان؛ وذلك لإقدامه على اقتراف الكبائر وإصراره عليها وتهاونه بخطرها، فلذلك نخاف عليه من العذاب بل نخاف عليه من الكفر والردة؛ لأن المعاصي بريد الكفر، فهي تنشأ وتتمكن في القلب، فيضعف الإيمان، وتقوى الدوافع نحو المحرمات من زنى، ومسكر، وغناء، وكبرياء، واعتداء على المسلمين بقتل أو سلب أو نهب أو سرقة أو قذف، ونحو ذلك .
فهذه الذنوب مع الاستمرار تضعف سير القلب والجوارح نحو الطاعات؛ فتثقل الصلوات والصدقات وسائر العبادات، ولا شك أن ذلك منذر بخروج عن الدين، ولعل ذلك هو السر في إطلاق الكفر في الأحاديث على بعض الكبائر، أو نفي الإيمان عن أهلها، كقوله: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" (1)، وقوله: "لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ" (2) ..إلخ .
فنحن نقول: إنه ناقص الإيمان، أو مؤمن بتصديقه بالله واليوم الآخر والكتب والرسل؛ لكنه فاسق باقتراف الذنوب، وتهاونه بها.
وقد تشدد الخوارج؛ فكفروا بالذنوب، وأخرجه المعتزلة من الإيمان ولم يدخلوه في الكفر؛ لكنه عندهم مخلد في النار، وأما المرجئة فجعلوه كامل الإيمان، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر عمل، وتوسط أهل السنة فجعلوه فاسقاً، وقالوا: هو في الآخرة تحت المشيئة، فإن أُدخل النار بسبب كبيرته فلابد أن يخرج منها بعد التمحيص بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى في التوحيد ، إعداد: الحريقي، ص (15، 16)
حكم من مات وهو مرتكب للكبيرة
__________
(1) …البخاري (48)، ومسلم (64) .
(2) …البخاري (6772)، ومسلم (57) .(4/82)
قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}[النُّور، من الآية: 2]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النُّور، من الآية: 4]، وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *}[المَائدة] .
فهؤلاء الذين يرتكبون مثل هذه الكبائر، ولا يوجد من يطبق عليهم الأحكام، وماتوا وهم غير تائبين؛ فما حكم الله فيهم يوم القيامة ؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وصحبه . . وبعد:(4/83)
عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات من المسلمين مصرّاً على كبيرة من كبائر الذنوب كالزنى والقذف والسرقة - يكون تحت مشيئة الله سبحانه: إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه على الكبيرة التي مات مصرّاً عليها، ومآله إلى الجنة؛ لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النِّسَاء، من الآية: 48]، وللأحاديث الصحيحة المتواترة الدالة على إخراج عصاة الموحدين من النار، وبحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أَتُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا وَلا تَزْنُوا وَلا تَسْرِقُوا" ؟ ، وَقَرَأَ آيَةَ النِّسَاءِ(1)، وَأَكْثَرُ لَفْظِ سُفْيَانَ: قَرَأَ الآيَةَ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ فَهُوَ إِلَى اللهِ: إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ (2) .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/503)
كيفية تقوية الإيمان
كيف يكون المرء قوي الإيمان مطبقاً لأوامر الله خائفاً من عقابه ؟
__________
(1) …قال ابن حجر في «الفتح» (8/640): (أي آية بيعة النساء وهي: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}[المُمتَحنَة، من الآية: 12] .
(2) …البخاري (4894)، ومن عدة طرق؛ منها بغير هذا اللفظ برقم: (18 و 3892 و 3893 و 6784 و 6801 و 6873 و 7199 و 7213 و 7468).(4/84)
يكون ذلك بتلاوة كتاب الله ودراسته وتدبر معانيه وأحكامه، وبدراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة تفاصيل الشريعة منها، والعمل بمقتضى ذلك والتزامه عقيدة وفعلاً وقولاً، ومراقبة الله وإشعار القلب عظمته، وتذكر اليوم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب وشدة وأهوال، وبمخالطة من يعرف من الصالحين، ومجانبة أهل الشر والفساد. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة - فتاوى إسلامية، (4/495)
حكم من يعلم أجر النوافل ولا يطبقها
إن كثيراً من طلبة العلم اليوم يعرفون كثيراً من فضائل الأعمال وأجرها؛ ومنها قيام الليل ولا يطبقون هذا؛ حيث إنهم يعلمون ولا يعملون .
الأعمال التي جاءت النصوص ببيان فضلها قسمان:
قسم واجب، فعلى المرء المسلم - سواء كان عالماً أو غير عالم - أن يعتني به، وأن يتقي الله في ذلك، وأن يحافظ عليه؛ كالصلوات الخمس وأداء الزكاة وغيرهما من الفرائض.
وقسم مستحب؛ كالتهجد بالليل وصلاة الضحى ونحو ذلك، فالمشروع للمؤمن أن يجتهد في ذلك ويحرص عليه، ولا سيما أهل العلم لأنهم قدوة، ولو شغل عن ذلك أو تركه بعض الأحيان لم يضره ذلك؛ لأنه نافلة، لكن من صفات أهل العلم والأخيار العناية بهذا الأمر والمحافظة عليه: كالتهجد بالليل وصلاة الضحى والرواتب، إلى غير هذا من وجوه الخير .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث - العدد (42) ص (162)
علاج قسوة القلب
كيف يتخلص الإنسان من قسوة القلب ؟ وما هي أسبابه ؟
أسباب قسوة القلب: الذنوب والمعاصي، وكثرة الغفلة، وصحبة الغافلين والفساق .كل هذه الخلال من أسباب قسوة القلوب . ومن لين القلوب وصفائها وطمأنينتها: طاعة الله جلّ وعلا، وصحبة الأخيار، وحفظ الوقت بالذكر وقراءة القرآن والاستغفار، ومن حفظ وقته بذكر الله، وقراءة القرآن، وصحبة الأخيار، والبعد عن صحبة الغافلين والأشرار؛ يَطِيبُ قلبه ويلين(1)
__________
(1) …وقد جمعها أحدهم بقوله:
دواء قلبك خمس عند قسوته
فاحرص عليها تَفُز بالخير والظَّفَر
خلاءُ بطنٍ وقرآنٌ تَدَبُّرُهُ
كذاك وِقْفَةُ باكٍ ساعةَ السَّحَرِ
وأن تَجَنَّبَ أَكْلَ المال من شُبَهٍ
وأن تُجَالِس أهل الخَيْرِ والخِيَرِ(4/85)
. قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرّعد، من الآية: 28] .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/244)
كيفية دفع الوَسَاوِس والهَوَاجِس
رجل منَّ الله عليه بالهداية وتذوق حلاوة الإيمان، وفتح الله عليه بالفهم والمعرفة بآياته، ثم انقلب حاله، وفقد حلاوة الإيمان، وكثرت عنده الهواجس والوساوس، منها ما لو نطق به كفر، وهو لا يرضى بذلك؛ فماذا يفعل حتى يعود إلى ما كان عليه ؟
إن الله عز وجل بحكمته ما أنزل داء إلا أنزل له دواء، حتى الأمور المعنوية والنفسية أنزل الله لها الدواء؛ فما هو الدواء ؟
الدواء: أن النبي صلى الله عليه وسلم شكا إليه الصحابة ما وقع في نفوسهم من الأمور التي يحبون أن يخروا من السماء ولا يتكلموا فيها؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتهوا عن ذلك، وأن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ" (1)؛ أي: يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويعرض عن هذه الهواجس بالكلية . وهذا كما يكون في الخالق عز وجل يكون في العبادات: يأتي الإنسان فيتوضأ وضوءًا كاملاً، ثم يقول له الشيطان: إن الوضوء لم يتم، ثم يذهب فيتوضأ فيقول: لم يتم، ويذهب ويتوضأ وهكذا. ودواء هذه الوساوس كلها الانتهاء، فتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتنتهي. وقل - إذا توضأت أول مرة حتى لو وقع في نفسك أنك لم تتوضأ - فقل: وليكن ذلك. فلا تُعِد الوضوء ولا يهمك .
__________
(1) …البخاري (3276) واللفظ له، ومسلم (134)، وفي رواية له: «فمن وجَدَ من ذلك شيئاً فليقل: آمنتُ بالله».(4/86)
إذن؛ هذا الأخ الذي هداه الله للإيمان، وذاق حلاوة الإيمان وازداد منه، ثم حصلت له هذه الوساوس نقول له: أبشر فإن هذا صريح الإيمان، والشيطان لم يأت لك بهذه الوساوس إلا ليصدك عن الإيمان، فاستعذ بالله وانته، ولا يهمك .
قيل لابن عباس رضي الله عنهما: إن اليهود يقولون: إننا لا تلحقنا الوساوس في صلاتنا؛ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: صدقوا، وما يصنع الشيطان بقَلْبٍ خَرَاب(1). قلوب النصارى واليهود خربة، فهل يأتي الشيطان ليفسدها وهي خربة ؟! الشيطان إنما يأتي لبناء قائم ليهدمه، أما بناء متهدم فلا يأتيه الشيطان. وهذا يدل على أن الإنسان كلما ازداد إيماناً بالله عز وجل تَسَلَّطَ عليه الشيطان بمثل هذه الوساوس، ودواؤه أن يستعيذ بالله وينتهي .
وأقول للأخ السائل: أبشر بخير، مادمت تقاوم هذه الوساوس، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأعرض عنها، فإنها لا تضرك إن شاء الله تعالى .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس فتاوى الحرم المكي، (3/380-382)
حكم رفع اليدين في الدعاء
هل رفع اليدين في الدعاء مشروع، وخاصة في السفر بالطائرة أو بالسيارة أو القطار وغيرها ؟
__________
(1) …انظر: «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (22/609)، و«الوابل الصيب» لابن القيم، ص (41).(4/87)
رفع الأيدي في الدعاء من أسباب الإجابة في أي مكان؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا"(1). ويقول صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ؛ فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ *}[المؤمنون]، وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}[البَقَرَة، من الآية: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذّيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"(2).
فجعل من أسباب الإجابة رفع اليدين، ومن أسباب المنع وعدم الإجابة أكل الحرام والتغذي بالحرام؛ فدل على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة؛ سواء في الطائرة أو في القطار أو في السيارة أو في المراكب الفضائية، أو في غير ذلك، إذا دعا ورفع يديه فهذا من أسباب الإجابة؛ إلا في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا نرفع فيها: مثل خطبة الجمعة، فلم يرفع فيها صلى الله عليه وسلم، إلا إذا استسقى فهو يرفع يديه فيها .
__________
(1) …أحمد (5/438)، وأبو داود (1488)، والترمذي (3556) وقال: «حسن غريب رواه بعضهم ولم يرفعه»، وابن ماجه (3865)، والحاكم 1/497 (1830) باختلافٍ يسير، وصححه ووافقه الذهبي. ومعنى (صِفْراً): أي خاليتين.
(2) …مسلم (1015) .(4/88)
كذلك بين السجدتين وقبل السلام في آخر التشهد لم يكن يرفع يديه صلى الله عليه وسلم، فلا نرفع أيدينا في هذه المواطن التي لم يرفع فيها صلى الله عليه وسلم؛ لأن فعله حجة وتركه حجة .
وهكذا بعد السلام من الصلوات الخمس؛ كان صلى الله عليه وسلم يأتي بالأذكار الشرعية ولا يرفع يديه، فلا نرفع في ذلك أيدينا اقتداء به صلى الله عليه وسلم، أما المواضع التي رفع صلى الله عليه وسلم فيها يديه فالسنة فيها رفع اليدين تأسياً به صلى الله عليه وسلم؛ ولأن ذلك من أسباب الإجابة، وهكذا المواضع التي يدعو فيها المسلم ربه ولم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع ولا ترك؛ فإنا نرفع فيها للأحاديث الدالة على أن الرفع من أسباب الإجابة؛ كما تقدم .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (6/124، 125 )
حكم قول ( إنْ شَاءَ اللّه ) بعد الدعاء
ما حكم قول الإنسان في دعائه (إن شاء الله) ؟
لا ينبغي للإنسان إذا دعا الله سبحانه وتعالى يقول: (إنْ شَاءَ الله) في دعائه؛ بل يعزم المسألة ويعظم الرغبة فالله سبحانه وتعالى لا يُكْرَهُ له، وقد قال سبحانه وتعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غَافر، من الآية: 60]؛ فوعد بالاستجابة، وحينئذ لا حاجة إلى أن يقال: (إن شاء الله)؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا وفق العبد للدعاء فإنه يجيبه: إما بمسألته، أو بأن يرد عنه شراً، أو يدخرها له يوم القيامة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يَقُلْ أحدُكُم اللهمَّ اغْفِرلِي إنْ شِئْت، اللهم ارْحَمْني إِنْ شِئْت؛ لِيَعْزِمِ المسألةَ وَلِيُعَظِّمِ الرَّغْبَة؛ فإنَّ الله تعالى لا مُكْرِهَ لَهُ"(1).
فإن قال قائل: ألم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول للمريض: (لا بأس؛ طهور إن شاء الله) ؟!
__________
(1) …البخاري (6339، 7477)، ومسلم (2679).(4/89)
فنقول: بلى؛ ولكن هذا يظهر أنه ليس من باب الدعاء، وإنما هو من باب الخبر والرجاء وليس دعاء، فإن الدعاء من آدابه أن يجزم به المرء. والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - مجلة الجندي المسلم (72/87)
حكم تعليق الأدعية على الأبواب وغيرها
نرى بعض الناس الذين يضعون الوريقات على سياراتهم وعلى أبوابهم كدعاء الخروج ودعاء الجلوس؛ وهي الأدعية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فما صحة ذلك ؟
لا أعلم في ذلك بأساً؛ لأنه تذكير للناس . وكثير منهم لا يحفظون هذه الأدعية، فإذا كتبت أمامهم سهل عليهم تلاوتها وقراءتها، ولا حرج في هذا؛ مثل أن يكتب الإنسان في مجلسه: دعاء كفارة المجلس، حيث ينبه الجالسين إذا قاموا أن يدعوا الله - سبحانه وتعالى - بذلك. وكذلك ما يكون في الملصقات الصغيرة أمام الراكب في السيارات: من دعاء الركوب والسفر؛ فإن هذا لا بأس به .
الشيخ ابن عثيمين - نور على الدرب (الحلقة الثانية)، ص (42)
أسباب عدم إجابة الدعاء
لماذا يدعو الإنسان ولا يستجاب له - والله عز وجل يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غَافر، من الآية: 60] ؟!
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأسأل الله تعالى لي ولإخواني المسلمين التوفيق للصواب عقيدة، وقولاً، وعملاً.
يقول الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ *}[غَافر]، ويقول السائل: إنه دعا الله عز وجل ولم يستجب الله له؛ فيستشكل هذا الواقع مع هذه الآية الكريمة التي وعد الله تعالى فيها من دعاه بأن يستجيب له، والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد!!
والجواب على ذلك: أن للإجابة شروطاً لا بد أن تتحقق، وهي:(4/90)
الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل بأن يخلص الإنسان في دعائه؛ فيتجه إلى الله سبحانه وتعالى بقلب حاضر صادق في اللجوء إليه، عالم بأنه عز وجل قادر على إجابة الدعوة، مؤمل الإجابة من الله سبحانه وتعالى .
الشرط الثاني: أن يشعر الإنسان حال دعائه بأنه في أمس الحاجة؛ بل في أمس الضرورة إلى الله سبحانه وتعالى، وأن الله تعالى وحده هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، أما أن يدعو الله عز وجل وهو يشعر بأنه مستغن عن الله سبحانه وتعالى وليس في ضرورة إليه، وإنما يسأل هكذا عادة فقط؛ فإن هذا ليس حرياً بالإجابة .
الشرط الثالث: أن يكون متجنباً لأكل الحرام؛ فإن أكل الحرام حائل بين الإنسان والإجابة - كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ *}[المؤمنون]، وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}[البَقَرَة، من الآية: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ؛ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذّيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" (1)، فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجاب لهذا الرجل الذي قام بالأسباب الظاهرة التي بها تستجلب الإجابة وهي:
__________
(1) …مسلم (1015) .(4/91)
أولاً: رفع اليدين إلى السماء، أي: إلى الله عز وجل؛ لأنه تعالى في السماء فوق العرش، ومد اليد إلى الله عز وجل من أسباب الإجابة - كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: (إن الله حَيِيٌّ كريم، يَسْتَحْيِي مِن عبدِهِ إذا رَفَع إليه يديه أن يَرُدَّهما صِفْراً)(1) .
ثانياً: هذا الرجل دعا الله تعالى باسم الرب: «يا رب، يارب» والتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم من أسباب الإجابة؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، فبيده مقاليد السموات والأرض؛ ولهذا تجد أكثر الدعاء الوارد في القرآن الكريم بهذا الاسم: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَْبْرَارِ *رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ *فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأَُْكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَُْدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ *}[آل عِمرَان: 193-195]، فالتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم من أسباب الإجابة .
__________
(1) …أحمد (5/438)، وأبو داود (1488)، والترمذي (3556) وقال: «حسن غريب رواه بعضهم ولم يرفعه»، وابن ماجه (3865)، والحاكم 1/497 (1830) باختلافٍ يسير، وصححه ووافقه الذهبي. ومعنى (صِفْراً): أي خاليتين.(4/92)
ثالثاً: هذا الرجل كان مسافراً والسفر غالباً من أسباب الإجابة؛ لأن الإنسان في السفر يشعر بالحاجة إلى الله عز وجل والضرورة إليه أكثر مما إذا كان مقيماً في أهله، وأشعث أغبر: كأنه غير معني بنفسه؛ كأن أهم شيء عنده أن يلتجىء إلى الله ويدعوه على أي حال كان هو؛ سواء كان أشعث أغبر أم مترفاً، والشَّعَثُ(1) والغَبَرُ له أثر في الإجابة؛ كما جاء في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا"(2) .
هذه الأسباب لإجابة الدعاء لم تُجدِ شيئاً؛ لكون مطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"(3). فهذه الشروط لإجابة الدعاء إذا لم تتوافر فإن الإجابة تبدو بعيدة، فإذا توافرت ولم يستجب الله للداعي، فإنما ذلك لحكمة يعلمها الله عز وجل ولا يعلمها هذا الداعي، فعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم.
وإذا تمت هذه الشروط ولم يستجب الله عز وجل فإنه: إما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخرها له يوم القيامة فيوفيه الأجر أكثر وأكثر؛ لأن هذا الداعي الذي دعا بتوفر الشروط، ولم يستجب له، ولم يصرف عنه من السوء ما هو أعظم؛ يكون قد فعل الأسباب ومنع الجواب لحكمة، فيعطى الأجر مرتين: مرة على دعائه، ومرة على مصيبته بعدم الإجابة، فيدخر له عند الله عز وجل ما هو أعظم وأكمل .
__________
(1) …هو اتِّساخُ الشَّعْر وتغيُّر حاله.
(2) …أحمد (2/224)، والطبراني في «الصغير» (575)، والأوسط (8218، 8993)، والكبير (13566)، وابن حبان (1887، 3852، 3853)، والحاكم 1/456 (1708) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) …مسلم (1015).(4/93)
ثم إن المهم أيضاً أن لا يستبطئ الإنسان الإجابة، فإن هذا من أسباب منع الإجابة أيضاً - كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ" ، قالوا: كيف يعجل يا رسول الله ؟ قال: "يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي"(1). فلا ينبغي للإنسان أن يستبطئ الإجابة فيستحسر عن الدعاء ويدع الدعاء؛ بل يلح في الدعاء، فإن كل دعوة تدعو بها الله عز وجل فإنها عبادة تقربك إلى الله عز وجل وتزيدك أجراً . فعليك يا أخي بدعاء الله عز وجل في كل أمورك العامة والخاصة، الشديدة واليسيرة، ولو لم يكن من الدعاء إلا أنه عبادة لله سبحانه وتعالى لكان جديراً بالمرء أن يحرص عليه . والله الموفق .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (1/93-96)
ماذا يفعل من دعا فلم يُستجَب له ؟
لقد ظللت أكثر من عشر سنوات أدعو الله بين فترة وأخرى أن يرزقني الله زوجاً صالحًا وذرية صالحة .. ولكن شيئًا من هذا لم يحدث، وهذه إرادة الله عز وجل ولا راد لقضائه. وسؤالي هو: - أنني توقفت عن الدعاء منذ فترة قريبة لا يأساً من استجابة الله لدعوتي؛ ولكن أخذت أفكر أن هذا الموضوع ليس في صالحي نظرًا لعدم استجابة الله لي . فقررت أن أتوقف عن الدعاء؛ لأن الله عز وجل أعلم بما ينفعني رغم رغبتي الشديدة والملحة في تحقيق واستجابة دعوتي .. فما الذي يجب عليّ في هذا الموقف ؟ هل أستمر في الدعاء أم أقتنع أن هذا الموضوع ليس في صالحي وأتوقف عن الدعاء ؟
__________
(1) …البخاري (6304)، ومسلم (2735) .(4/94)
ورد في الحديث أنه: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ" (1)، وفسر الاستعجال بأن يستبطئ الإجابة؛ فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ويقول: قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي . ذلك أن الله تعالى قد يؤخر إجابة الدعاء لأسباب خاصة أو عامة . وفي الحديث: "أن الداعي يُعطيهِ الله أحد ثلاثة أشياء: إما أن يُجيب دُعاءَهُ ويعطيهِ سُؤالَهُ، وإما أن يدِّخِرَهُ لَهُ في الآخرة، وإما أن يَدْفَعَ عنه من الشَّرِّ بِقَدْرِه"(2).
فعليك أيتها الأخت أن لا تستعجلي، وأن تستمري في الدعاء دائمًا ولو عدة سنوات؛ كما أن عليك أن لا تردي الأَكْفَاء إذا تقدموا ولو من كبار الأسنان ولو متزوجين، فعسى الله أن يجعل في ذلك خيرًا كثيرًا .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى المرأة، ص (187، 188)
حكم طلب الدعاء من الصالحين
ما الحكم إذا رأينا شخصاً نتوخى فيه الصلاح وطلبنا منه أن يدعو لنا ؟ وآمل أن تدعو لي بأن يصلح الله قلبي وأن يوفقني للبر بوالدي وأن يرزقني الذرية الصالحة .
__________
(1) …البخاري (6304)، ومسلم (2735) .
(2) …أخرجه بنحوه: أحمد (3/18)، والترمذي (3381) مختصراً، والبخاري في «الأدب المفرد» (710)، والطبراني في «الصغير» (1022)، وابن أبي شيبة (29170)، والحاكم 1/493 (1816) وصححه ووافقه الذهبي.(4/95)
طلب الدعاء من شخص ترجى إجابة دعائه: إن كان لعموم المسلمين - فلا بأس به؛ مثل أن يقول شخص لآخر: ادع الله أن يعز المسلمين وأن يصلح ذات بينهم، وادع الله أن يصلح ولاتهم وما أشبه ذلك. أما إذا كان خاصًا بالشخص السائل الطالب من أخيه أن يدعو له - فهذا قد يكون من المسألة المذمومة؛ إلا إذا قصد الإنسان بذلك نفع أخيه الداعي له؛ وذلك لأن أخاه إذا دَعَا لَهُ بِظَهْرِ الغيبِ قال المَلَكُ: آمِين ولَكَ بِمِثْلِهِ(1). وكذلك إذا دعا له أخوه فإنه قد أتى إحسانًا إليه؛ والإحسان يثاب عليه فينبغي عليه أن يلاحظ من طلب من أخيه أن يدعو له فائدة الأخ الداعي .
على أن طلب الدعاء من الغير قد يترتب عليه مفسدة: وهي أن هذا الغير يعجب بنفسه ويرى أنه أهل لإجابة الدعاء، وفيه أيضًا: أن هذا الطالب من الغير أن يدعو له قد يعتمد على دعاء المطلوب فلا يلح هو على ربه بالدعاء؛ بل يعتمد على دعاء غيره، وكلا المفسدتين شر.
والذي أنصح به إخواني: أن يكونوا هم الذين يدعون الله عز وجل؛ لأن الدعاء عبادة والدعاء مصلح للقلب؛ لما فيه من الالتجاء إلى الله والافتقار إليه وشعور المرء بأن الله تعالى قادر على أن يمده بفضله.
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/145، 146 )
حكم الدعاء على الأبناء
كثير من الآباء والأمهات يدعون على أبنائهم عند الزلل والخطأ . . نرجو منكم كلمة توجيهية لهم بهذا الخصوص .
__________
(1) …مسلم (2732، 2733).(4/96)
ننصح الوالدين بالصفح والتغاضي عن تقصير الأولاد حال الصغر، وبالصبر على ما نالهم من كلام أو أذى؛ حيث أن الأطفال لم تتكامل عقولهم؛ فيقع منهم الخطأ في القول والفعل . فمتى كان الوالد حليمًا عفا عن ذلك، وعلَّمَ الولد بلطف ولين ورفق به ونصحه حتى يكون أدعى إلى قبوله وتأدبه . لكن بعض الوالدين يقع في الخطأ الأكبر وهو الدعاء على الأولاد بالموت والعاهات والمصائب، ويتمادى في هذا الدعاء ويكثر منه، فبعد ما يسكت غضبه يتأسف ويرى أنه أخطأ، ويعترف بأنه لا يحب وقوع تلك الدعوات ولا يريدها؛ لما جُبل عليه الوالد من العطف والحنان، وإنما حمله على تلك الدعوات شدة الغضب، فالله سبحانه يعفو عنه - قال تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}[يُونس، من الآية: 11].
فالواجب على الوالدين الصبر والتحمل والتأديب بالضرب الزاجر؛ فإن الطفل يتأثر بالضرب أكثر من التأديب والتعليم . فأما الدعاء عليه فلا يفيده ولا يدري ماذا يقال عنه، فيكتب على الوالد ما قال ولا يحصل للولد انتفاع. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى المرأة، ص (188، 189)
الباب الثامن عشر
الطب
الفصل الأول :
التداوي والأدوية
الفصل الثاني :
الرقى والتمائم
الفصل الثالث :
العين والمس والسحر
الفصل الأول
التداوي والأدوية
حكم العلاج ( التَّداوي )
ما حكم العلاج أصلاً: هل هو واجب ؟ فإذا لم يكن واجباً فهل يلحق الطبيب بناء على ذلك أي إثم لو رفض إجراء العملية لسبب شخصي؛ سواء كان هناك غيره أو لا يوجد غيره ؟
العلاج مشروع(1)
__________
(1) …وقد لخص الشيخ عبدالله الدميجي حكم التداوي عند أهل العلم في كتابه (التوكل على الله..) ص217، 218:
…فقال: اختلف العلماء في التداوي، هل هو مباح وتركه أفضل ؟ أم مستحب ؟ أم واجب ؟ فالمشهور عند أحمد الأول؛ لهذا الحديث، وما في معناه؛ [أي حديث السبعون ألفاً].
…والمشهور عند الإمام الشافعي الثاني، حتى ذكر النووي في شرح مسلم أنه مذهبهم ومذهب جمهور السلف والخلف، واختاره الوزير ابن المظفر. قال: ومذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب. قال: ومذهب مالك: أنه يستوي فعله وتركه؛ فإنه قال: لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه.
…وقال شيخ الإسلام: ليس بواجب عند جماهير الأئمة إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد. [تيسير العزيز الحميد (ص88)].
…وعلى كلٍّ؛ فالتداوي من الأسباب التي أمر الله تعالى باتخاذها من غير اعتماد عليها -كما تقدم - ويختلف حكمه باختلاف الحال كما فصَّل ذلك العلامة ابن عثيمين حفظه الله؛ حيث قال في كتابه (الشرح الممتع على زاد المستقنع) 5/301:
…الأقرب أن يقال ما يلي:
…1 - أن ما علم أو غلب على الظن نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه؛ فهو واجب.
…2 - ما غلب على الظن نفعه، لكن ليس هناك هلاك محقق بتركه؛ فهو أفضل.
…3 - ما تساوى فيه الأمران، فتركه أفضل».
…وبهذا يمكن الجمع بين أقوال الأئمة المذكورة آنفًا.(4/97)
، ويجب على الطبيب الموظف لعلاج المرضى الذي عنده القدرة لمعالجة الناس بذل ما في وسعه لعلاجهم رجاء شفائهم، أو التخفيف من آلامهم، ويدل لذلك النصوص العامة في الشريعة التي تفيد التعاون وإعانة المحتاج وإغاثة الملهوف. إضافة إلى أن الطبيب في عمله الوظيفي يجب عليه أداء وظيفته على الوجه الأكمل، ومن ذلك معالجة المرضى الذين يلجأون إليه؛ فلا يجوز له ردهم أو التساهل في علاجهم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (175، 176)
طلب العلاج لا ينافي القدر
إن كان قد طلب الله من المسلم إيماناً بالقدر خيره وشره؛ فهل يجوز له مراجعة الطبيب للعلاج إذا كان مريضاً؛ لأن المرض طارئ بالقدر ؟
تعاطي الأسباب من علاج المرض وطلب الرزق وغير ذلك لا ينافي القدر؛ لأن الله سبحانه قَدَّر الأقدار وأمر بالأسباب، و"كلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"(1)، كما جاء بذلك الأحاديث الصحيحة؛ ولهذا يجوز التداوي بالأدوية المباحة، وهو من قدر الله، كما قال عمر رضي الله عنه - حينما منع من دخول البلاد المَوْبُوءَة في عام الطاعون: (نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله)(2) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (175)
كيفية طهارة المريض
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من أحد الإخوة الناصحين، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (4531) وتاريخ 25/12/1414هـ .
__________
(1) …البخاري (4949، 7551)، ومسلم (2647، 2649).
(2) …البخاري (5729)، ومسلم (2219).(4/98)
وقد جاء في رسالته ما شاهده من جهل بعض المرضى في المستشفيات من كيفية أداء الصلاة، وكيفية الطهارة لها في بعض أحوالهم التي يكون فيها عجز، ورغبته الفتوى مفصلة في أحكام طهارة المريض وصلاته .
وبعد دراسة اللجنة ما ذكر أجابت بما يلي:
أولاً: طهارة المريض :
1 -…يجب على المريض ما يجب على الصحيح من الطهارة بالماء من الحدثين الأصغر والأكبر، فيتوضأ من الأصغر، ويغتسل من الأكبر .
2 -…ولابد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء، أو الاستجمار بالحجارة أو ما يقوم مقامها في حق من بال، أو أتى الغائط .
-…ولابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار طاهرة .
- ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظام والطعام وكل ما له حرمة.
-…والأفضل أن يستجمر بالحجارة وما أشبهها؛ كالمناديل واللَّبِن ونحو ذلك ثم يتبعها الماء؛ لأن الحجارة تزيل عين النجاسة والماء يطهر المحل فيكون أبلغ .
-…والإنسان مخيَّر بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما شابهها، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف .
-…وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نقى بهن المَحَلّ، فإن لم يكف زاد رابعاً وخامساً حتى ينقي المحل، والأفضل أن يقطع على وتر .
…ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى، وإن كان أقطع اليسرى، أو بها كسر، أو مرض ونحوهما استجمر بيمينه للحاجة، ولا حرج في ذلك .
-…إذا لم يستطع المريض الوضوء بالماء؛ لعجزه أو لخوفه زيادة مرض أو تأخر برئه فإنه يتيمم .
… والتَّيَمُّم: هو: أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة، ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه .
…ويجوز أن يتيمم على كل شيء طاهر له غبار، ولو كان على غير الأرض فإن تطاير الغبار مثلاً على جدار أو نحوه، فيجوز أن يتيمم عليه .(4/99)
-…وإن بقي على طهارته من التيمم الأول صلى به كالوضوء ولو عدة صلوات، ولا يلزمه تجديد تيممه؛ لأنه بدل الماء، والبدل له حكم المبدل .
-…ويبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدوماً .
4 -…إذا كان المرض يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً ولا مرضاً مخوفاً ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم ولا شيئاً فاحشاً؛ وذلك كصداع، ووجع ضرس ونحوها، أو ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه - فهذا لا يجوز له التيمم؛ لأن إباحته هنا لنفي الضرر ولا ضرر عليه، ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله .
5 -…إذا شق على المريض أن يتوضأ، أو يتيمم بنفسه وضَّأه أو يَمَّمه غيره، وأجزأه ذلك .
6 - من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب - جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي .
7 - من به جرح في أحد أعضاء الطهارة فإنه يغسله بالماء، فإن شق عليه غَسْلُه أو كان يتضرر به - مَسَحَهُ بالماء حال غسل الوضوء الذي به الجرح حسب الترتيب، فإن شق عليه مسحه، أو كان يتضرر به: تيمم عنه وأجزأه .
8 - صاحب الجَبِيرة، وهو من كان في بعض أعضائه كسر مشدود وعليه خرقة أو نحوها؛ فإنه يمسح عليها بالماء وتكفيه ولو لم يضعها على طهارة .
9 - يجب على المريض إذا أراد أن يصلي أن يجتهد في طهارة بدنه، وثيابه، ومكان صلاته من النجاسات فإن لم يستطع صلى على حاله ولا حرج عليه .
10 - إذا كان المريض مصاباً بسلس البول، ولم يبرأ بمعالجته، فعليه أن يستنجي، ويتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوباً طاهراً إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه، ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته - بوضع حافظ على رأس الذكر .
ثانياً: صلاة المريض :
1-…يجب على المريض أن يصلي قائماً قدر استطاعته .(4/100)
2-…من لا يستطيع القيام صلَّى جالساً، والأفضل أن يكون متربعاً في كل القيام .
3-…فإن عجز عن الصلاة جالساً صلى على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن .
4-…فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً .
5-…ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام؛ بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع، ثم يجلس ويومئ بالسجود .
6-…وإن كان بعينه مرض فقال طبيب ثقة: إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك، وإلا فلا؛ فله أن يصلي مستلقياً .
7-…من عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل السجود أخفض من الركوع .
8-…ومن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود .
9-…ومن لم يمكنه أن يحني ظهره حتى رقبته، وإن كان ظهره متقوساً فصار كأنه راكع؛ فمتى أراد الركوع زاد في انحنائه قليلاً ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما أمكنه ذلك .
10-…فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه، فيكبر ويقرأ، وينوي بقلبه القيام والركوع والرفع منه والسجود والرفع منه والجلسة بين السجدتين، والجلوس للتشهد. ويأتي بالأذكار الواردة. أما ما يفعله بعض المرضى من الإشارة بالإصبع فلا أصل له .
11-…ومتى قدر المريض في أثناء صلاته على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء - انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته .
12-…وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذكره لها. ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها؛ ليصليها فيه .(4/101)
13-…لا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة في جميع أحواله وفي صحته ومرضه؛ لأنها عمود الإسلام وأعظم الفرائض بعد الشهادتين. فلا يجوز لمسلم ترك الصلاة المفروضة حتى يفوت وقتها ولو كان مريضاً ما دام عقله ثابتاً، بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته على ما ذكر من تفصيل، وأما ما يفعله بعض المرضى من تأخير الصلاة حتى يشفى من مرضه، فهو أمر لا يجوز، ولا أصل له في الشرع المطهر .
14-…وإن شق على المريض فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير حسبما تيسر له؛ إن شاء قدم العصر مع الظهر وإن شاء قدم العشاء مع المغرب وإن شاء أخر المغرب مع العشاء .
أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها؛ لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (29، 66)
حكم أخذ المريض بفتوى الطبيب
هل إذا أفتى الطبيب للمريض بأي فتوى يأخذ بها المريض ؟ أم لابد من الرجوع إلى عالم في ذلك ؟
لابد أن يراجع المريض العلماء فيما يقوله له الأطباء من الأحكام الشرعية؛ لأن الأطباء لهم شأنهم فيما يتعلق بعلمهم، والعلم الشرعي له أهله، فلا يعمل المريض بالفتوى إلا بعد مراجعة أهل العلم ولو بالتليفون أو يرسل أحداً يسأل له. والطبيب وغيره لا يجوز له أن يفتي إلا عن علم؛ كأن يقول: سألت العالم الفلاني عن كذا وكذا، فأجابني بكذا وكذا، فالطبيب يسأل العلماء في أي مكان وفي أي مستشفى، وفي أي بلاد عليه أن يسأل علماء البلاد وقضاتها عما أشكل عليه حتى يفتي به المرضى؛ فالطبيب عليه أن يسأل، وليس له أن يفتي بغير علم؛ لأنه ليس من أهل العلم الشرعي، وإنما عليه أن يخبر عما يتعلق بالطب ويتحرى في ذلك وينصح .(4/102)
الشيخ ابن باز، من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...)، ص (452)
موقف الإسلام من الأطباء الشعبيين
ما موقف الإسلام من الأطباء الشعبيين ؟
ورد في الحديث: "مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً؛ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ" (1) .
فهؤلاء الأطباء الشعبيون قد عملوا بالتجربة على هذه الأدوية، ورجعوا فيها إلى كتب الطب التي جمعها علماء عارفون بذلك، وهذا فن من فنون العلم الكثيرة، قد تخصص فيه أقوام من عهد النبوة، وقبلها وبعدها، وعرفوا تراكيب الأدوية وخواص كل دواء، وكيفية استعماله، مع اعتقادهم أنها أسباب للشفاء، وأن الله تعالى هو مسبب الأسباب .
فعلى هذا لا بأس بتعلم ذلك والعلاج به، وعلى السائل أن يقرأ كتاب: (الطب النبوي) لابن القيم، وللذهبي، و(الآداب الشرعية) لابن مفلح، وكتاب (تسهيل المنافع)، وغيرها .
الشيخ ابن جبرين - الكنز الثمين (1/209)
أيهما أولى بالكشف على المرأة: طبيب مسلم أو طبيبة كافرة ؟
يوجد دكتور مسلم ودكتورة مسيحية ودكتورة هندوسية: أيّ طبيب أو طبيبة يكشف على زوجتي وبناتي ؟
المرأة تعالج المرأة؛ سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، ولا يجوز أن يعالج المرأة رجل غير محرم لها إلا عند الضرورة إذا لم يوجد غيره من الطبيبات .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (244)
حكم استعمال الأدوية الطبية لجلب العادة الشهرية
انقطعت العادة الشهرية عن زوجتي لأكثر من (5) شهور؛ ولم تظهر نتيجة الحمل بالتحاليل والكشف الطبي، ووصف لها الطبيب حبوبًا لجلب العادة الشهرية .. فهل لها أن تأخذ الحبوب ؟
__________
(1) …البخاري (5678)، دون قوله: «عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» . وأخرجه بهذه الزيادة: أحمد (1/377، 413، 443، 453) وَ(4/278).(4/103)
يجوز لها أخذ الحبوب؛ إذا قرر الطبيب أنها لا تحدث ضررًا أكثر من المصلحة أو مساوية لها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة (5/401) فتوى رقم (6259)
كيفية التخلص من الأجزاء الآدمية في المستشفيات
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام من اللواء عبدالمحسن بن عبدالله آل الشيخ، مدير إدارة الشؤون الدينية للقوات المسلحة، المقيد في إدارة البحوث برقم 280 في 27/1/1405هـ، الآتي نصه :
نحيل لكم مذكرة السؤال الوارد إلينا من مدير فرع الشؤون الدينية بالمنطقة الغربية رقم 8 وتاريخ 11/1/1405هـ، ونرغب من سماحتكم في إعطائنا الحكم الشرعي في ذلك، حيث عندنا مستشفيات كثيرة تابعة لوزارة الدفاع والطيران، وتكون الحالات فيها متشابهة، ويطلبون منا حكماً في طريقة التخلص من الأجزاء الآدمية الناتجة عن بعض العمليات الجراحية، حيث يذكرون أن طريقة التخلص منها عندهم الحرق. والأجزاء هي :
1 - الأجزاء المبتورة نتيجة للإصابة في الحوادث .
2 - الأجزاء التي لا نتوقع منها إصابتها بمرض، مثل: نواتج الطهارة (الختان للذكور).
3 - المشيمة الناتجة عن الولادة ونواتج الحمل في مختلف مراحله (الإسقاط) .
4 - نواتج أعمال الأسنان والضروس وما شابهها .
نأمل من سماحتكم التكرم بإعطائنا الحكم الشرعي لنتمكن من تعميمه على مستشفيات وزارة الدفاع والطيران، وفقكم الله .
وقد أجابت اللجنة بما يلي:(4/104)
لا يجوز إحراقها؛ بل الواجب دفنها في محل طاهر، إلا إذا كان السقط قد نفخت فيه الروح، وهو الذي مضى عليه أربعة أشهر، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين إذا كان مولوداً بين مسلمين، أو بين والدين أحدهما مسلم. أما إن كان السقط من والدين كافرين فإنه لا يغسل، ولا يصلى عليه؛ بل يدفن في ثيابه، أو في لفافة في أرض مجهولة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (429)
حكم إسقاط الحمل (الإجهاض)، والأحكام بعد سقوطه
إشارة إلى ما ورد للوزارة - وزارة الصحة - من استفسارات من بعض إدارات الشؤون الصحية بالمناطق عن عمر الجنين الذي يعتبر فيه وفاة، والعمر الذي يعتبر فيه إجهاض. ولأن الموضوع تدخل فيه أمور شرعية وقانونية:
آمل من سماحتكم التكرم بموافاتنا بفتوى شرعية عن عمر الجنين أثناء فترة الحمل والذي يعتبر ما دونه إسقاط وما فوقه وفاة؛ لنتمكن من إفادة المناطق الصحية للعمل بموجبها .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
أولاً: حكم الإسقاط :
1 -…الأصل أن إسقاط الحمل في مختلف مراحله لا يجوز شرعاً .
2 -…إسقاط الحمل في مدة الطور الأول وهي مدة الأربعين لا تجوز إلا لدفع ضرر متوقع أو تحقيق مصلحة شرعية؛ تقدر كل حالة بعينها من المختصين طباً وشرعاً. أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف المعيشة والتعليم، أو من أجل مستقبلهم، أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد - فغير جائز .
3 -…لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة: أن استمراره خطر على سلامة أمه؛ بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره؛ جاز إسقاطه بعد استنفاد كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار .(4/105)
4 - بعد الطور الثالث وبعد إكمال أربعة أشهر للحمل لا يحل إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين: أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها؛ وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل لإنقاذ حياته. وإنما رخص الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط؛ دفعاً لأعظم الضررين، وجلباً لعظمى المصلحتين .
ثانياً: الأحكام بعد سقوط الحمل :
وهي مختلفة باختلاف زمن الإسقاط في أي من أطواره الأربعة على ما يلي:
الحكم الأول: إذا سقط الحمل في الطورين الأولين: طور النطفة المختلطة من المائين، وهي في الأربعين الأولى من علوق الماء في الرحم، وطور العَلَقة وهو طور تحولها إلى دم جامد في الأربعين الثانية إلى تمام ثمانين يوماً: ففي هذه الحالة لا يترتب على سقوطها - نطفة أو علقة - شيء من الأحكام بلا خلاف، وتستمر المرأة في صيامها وصلاتها كأنه لم يكن إسقاط، وعليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة إذا كان معها دم كالمستحاضة .
الحكم الثاني: إذا سقط الحمل في الطور الثالث طور المُضْغَة - أي قطعة من لحم - وفيه تقدر أعضاؤه وصورته وشكله وهيئته وهو في الأربعين الثالثة من واحد وثمانين يوماً إلى تمام مائة وعشرين يوماً؛ فله حالتان:
1 -…أن تكون تلك المضغة ليس فيها تصوير ظاهر لخلق آدمي ولا خفي، ولا شهادة القوابل بأنها مبدأ إنسان، فحكم سقوط المضغة هذه حكم سقوطها في الطورين الأولين لا يترتب عليه شيء من الأحكام .
2 -…أن تكون المضغة مستكملة لصورة آدمي، أو فيها تصوير ظاهر من خلق الإنسان يد أو رجل أو نحو ذلك، أو تصوير خفي، أو شهد القوابل بأنها مبدأ إنسان - فحكم سقوط المضغة هنا أنه يترتب عليها: النفاس وانقضاء العدة .
الحكم الثالث: إذا سقط الحمل في الطور الرابع، أي: بعد نفخ الروح؛ وهو من أول الشهر الخامس من مرور مائة وواحد وعشرين يوماً على الحمل فما بعد - فله حالتان؛ وهما:(4/106)
1 -…أن لا يستهِلَّ صارخاً، فله أحكام الحالة الثانية للمضغة المذكورة سابقاً، ويزيد: أنه يغسل، ويكفن ويصلى عليه، ويسمى، ويعق عنه .
2 -…أن يستهل صارخاً، فله أحكام المولود كاملة، ومنها ما في الحالة قبلها آنفاً، وزيادة ههنا: هي أنه يملك المال من وصية وميرات، فيرث ويورث وغير ذلك . والله أعلم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (280)
حكم ربط الرحم خشية ولادة أطفال مشوهين
امرأة وضعت ثلاث مرات أطفالاً مشوهين، وعندما أرادت ربط الرحم حتى لا تنجب لكن المستشفى رفض عمل هذه العملية إلا بفتوى من سماحتكم؛ فالرجاء تزويدنا بفتوى خطية إذا كان ذلك يجوز في الشريعة السمحاء .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت:
بأنه لا يجوز للمرأة المذكورة أن تعمل ما يوقف النسل خشية أن يولد لها ولد ناقص الخلقة أو مشوه، ويجب عليها أن تعتمد وتتوكل على الله سبحانه، وتتذكر قول الله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَْرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}[هُود، من الآية: 6] .
ومجيء الولد المنتظر مشوهاً أو أصم أو نحو ذلك من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وعليها هي وزوجها أن يسألا ربهما أن يهبهما ذرية طيبة سليمة من كل عيب، وهو القائل سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غَافر، من الآية: 60]، وهو المتصرف في عباده كيف يشاء .
يسر الله أمرها وأمر زوجها، ووهبهما ذرية طيبة سليمة صالحة، وأصلح لهما ما أعطاهما من الذرية، وعافاهما مما أصابهم؛ فهو على كل شيء قدير .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (287)
حكم تحديد النسل(4/107)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد، وعلى آله وصحبه .. وبعد :
ففي الدورة الثامنة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في النصف الأول من شهر ربيع الآخر عام 1396هـ: بحث المجلس موضوع منع الحمل وتحديد النسل وتنظيمه؛ بناء على ما تقرر في الدورة السابعة للمجلس المنعقد في النصف الأول من شهر شعبان عام 1395هـ من إدراج موضوعها في جدول أعمال الدورة الثامنة، وقد اطلع المجلس على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وبعد تداول الرأي والمناقشة بين الأعضاء والاستماع إلى وجهات النظر - قرر المجلس ما يلي:
نظراً إلى أن الشريعة الإسلامية ترغب في انتشار النسل وتكثيره، وتعتبر النسل نعمة كبرى ومِنَّةٌ عظيمة مَنَّ الله بها على عباده، فقد تظافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما أوردته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بحثها المعد للهيئة والمقدم لها .
ونظراً إلى أن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الخلق عليها، وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الرب تعالى لعباده .
ونظراً إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين بصفة عامة، وللأمة العربية المسلمة بصفة خاصة؛ حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد واستعمار أهلها .
وحيث إن في الأخذ بذلك ضرباً من أعمال الجاهلية، وسوء ظن بالله تعالى، وإضعافاً للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها.
لذلك كله فإن المجلس يقرر: بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً، ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق؛ لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها .(4/108)
أما إذا كان منع الحمل لضرورة محققة؛ ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد، أو كان تأخيره لفترة ما لمصلحة يراها الزوجان - فإنه لا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره؛ عملاً بما جاء في الأحاديث الصحيحة، وما روي عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل، وتمشياً مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين؛ بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرورة المحققة.
وقد توقف فضيلة الشيخ عبدالله بن غديان في حكم الاستثناء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قرار هيئة كبار العلماء، رقم (42) وتاريخ 13/4/1396هـ من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب ... )، ص(309)
حكم تسوية بعض الأسنان المشوهة
إذا كان لي سِنَّان طويلان: فهل يجوز لي تسويتهما مع باقي الأسنان ؟
إذا كان طولها يؤذيك فتزيل ما يؤذيك فقط .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...)، ص (260)
حكم تلبيس الأسنان بالذهب
أفيد سماحتكم أنني راجعت طبيب أسنان لمعالجة أسناني، ويقوم هذا الطبيب بتلبيس الذهب على الأسنان .. فهل يجوز تلبيس الذهب على الأسنان ؟
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء المذكور أجابت عنه:
بأنه يجوز للرجل ربط أسنانه بالذهب وتلبيسها به عند الحاجة إلى ذلك؛ لأن الذهب له خاصية حيث لا يصدأ في الفم .(4/109)
أما إذا كان الغرض من ذلك هو الزينة فقط فإنه لا يجوز؛ لأن لبس الذهب والتزين به حرام على ذكور هذه الأمة؛ روى الإمام أحمد وأصحاب السنن، وصححه ابن حبان والحاكم من حديث علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً وذهباً فقال: "هَذَانِ حَرَامَانِ على ذُكُورِ أُمَّتي، حِلٌّ لِإِنَاثِهِم" (1) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...)، ص (260)
حكم جراحة التجميل لإزالة عاهَةٍ معيَّنة
س1: ما حكم جراحة التجميل؛ وهي القيام بعملية يمكن بها صرف المريض عن عاهة معينة، وقد يغير الطبيب من بعض المواصفات الخلقية للمريض ؟ وهل هذا تغيير لخلق الله ؟
ج1: يجوز إجراء العملية المذكورة، ولا يعد تغييراً لخلق الله .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (258)
س2: إذا كان الأنف كبيرًا وضخمًا .. هل يجوز إجراء عملية لتجميله بحيث يصبح مناسبًا للوجه ؟
__________
(1) …قال الحافظ في «الفتح» (10/296): «أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم من حديث علي ...» ثم ذكر له طرقاً وألفاظاً أخرى. وقد تقدم تخريجه في باب الآداب - الفصل الرابع (اللباس والزينة) - فتوى رقم (45).(4/110)
ج2: القاعدة في هذه الأمور أن العملية لإزالة العيب جائزة، والعملية للتجميل غير جائزة؛ ودليل ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم لعَنَ المُتَفلِّجات(1) في أسنانهن من أجل تجميل السن(2). ولكنه أذِنَ لأحد الصحابة رضي الله عنه - لما أصيبت أنفه وقطع - أن يتخذ أنفًا من ذهب(3). فالقاعدة : أن ما كان لإزالة عيب فهو جائز، وما كان لزيادة التجميل فهو ليس بجائز .
فمثلاً : لو كان الأنف أعوج وأجرى عملية لتعديله فلا بأس ؛ لأن هذا إزالة عيب، أو كانت العين حولاء فأجرى عملية لتعديلها فلا بأس لأنه إزالة عيب .
هذا الأنف إذا كان كبره يعتبر عيبًا فهذا عيب ولا بأس بإجراء عملية، أما إذا كان فيه كبر وتصغيره يكون أجمل فإن هذا يعتبر تجميلاً؛ فهو كالتَّفَلُّج، والتفلج لا يجوز .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (51)، جمع وترتيب : فهد بن ناصر السليمان
جراحة التجميل لأجل التحسين وزيادة الجمال
يقوم بعض الأطباء بعمليات جراحية للنساء تتمثل في أشياء كثيرة في الجسم منها :
1- شد الوجه، ورفع الحاجب جراحيًا، أو بالمنظار .
2- تصغير وتكبير الشفاه .
3- تجميل الصدر «رفع، تكبير، تصغير» .
والسؤال : هل يجوز للنساء الذهاب لهؤلاء الأطباء بغير ضرورة ؟ وهل يجوز فعل هذه الأمور ؟ وهل يُعد تصغير وتكبير الشفاه ورفع الحاجب من تغيير خلق الله ؟ وهل يجوز الدعاية لمثل هؤلاء الأطباء ؟ نرجو منكم الإجابة وفقكم الله.
__________
(1) …التَفَلُّج: هو عمل فُرْجَة في الأسنان بين الثنايا والرَّبَاعيات؛ رغبةً في التحسين.
(2) …البخاري (4886، 5931، 5939، 5943)، ومسلم (2125) بمعناه.
(3) …أبو داوود (4232)، والترمذي (1770) وقال : «حسن غريب»، والنسائي (5164، 5165).(4/111)
التجميل المذكور أعلاه محرم لما فيه من تغيير خلق الله تعالى، وهو يشبه النَّمْص(1)، والوَشْم(2)، ووَشْرُ(3) الأسنان لتفليجها، وفي الصحيحين: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أنه لَعَنَ الوَاشِمَات والمُسْتَوْشِمَات، والمُتَنَمِّصَات، والمُتَفلِّجَات لِلْحُسْنِ المُغَيِّرات لِخَلْقِ الله وقال : ما لِي لا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم(4) .
فليحذر الطبيب أن يقوم بمثل هذا التجميل من شد الوجه ورفع الحاجب، وتصغير الشفاه وتكبيرها، ورفع الصدر، وتكبيره وتصغيره، وليتق الله ربه، وليعدل إلى ممارسة العمليات الحلال؛ فقليل من حلال، خير من كثير حرام .
ولا تجوز الدعاية لمثل هذا العمل؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عن ذلك .
ويحرم على النساء أن يقمن بمثل هذه العمليات، وعليهن أن يتقين الله تعالى في أنفسهن وفي بنات جنسهن .
ولا يحل لأولياء النساء من آبائهن وأزواجهن وغيرهم ممن له ولاية عليهن أن يُمكِّنوهن من هذا العمل؛ قال الله تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *}[التّحْريم: 6] .
أسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يحميهم من أسباب سخطه وعقابه؛ إنه جواد كريم. 28/7/1420هـ .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (56)، جمع وترتيب : فهد بن ناصر السليمان
حكم تشريح الجثث لتعلم الطب (للجنة الدائمة)
__________
(1) …النَّمْص: نتف الشعر من الوجه أو الجبين.
(2) …الوَشم: هو غَرْز الجلد بإبرة، ثم حشوه بكُحْل أو نِيلٍ؛ فيزرقّ أثره أو يَخْضَرّ.
(3) …الوَشْرُ: هو تحديد الأسنان وترقيق أطرافها.
(4) …البخاري (4886، 5931، 5939، 5943)، ومسلم (2125) بمعناه.(4/112)
هل يجوز تشريح الجثث لطلاب الطب ؟ وهل يستوجب ذلك الوضوء أو الغسل ؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
صدر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء في حكم التشريح رقم (47) وتاريخ 20/8/1396هـ. هذا مضمونه:
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه.. وبعد:
ففي الدورة التاسعة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في مدينة الطائف في شهر شعبان عام 1396هـ. جرى الاطلاع على خطاب معالي وزير العدل رقم (3231/2/خ) المبني على خطاب وكيل وزارة الخارجية رقم (34/1/2/13446/3) وتاريخ 6/8/1395هـ المشفوع به صورة مذكرة السفارة الماليزية بجدة، المتضمنة استفسارها عن رأي وموقف المملكة السعودية من إجراء عملية جراحية طبية على ميت مسلم، وذلك لأغراض مصالح الخدمات الطبية .
كما جرى استعراض البحث المقدم في ذلك من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وظهر أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: التشريح لغرض التحقق من دعوى جنائية .
الثاني: التشريح لغرض التحقق من أمراض وبائية؛ لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها .
الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلماً وتعليماً .
وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليه أعلاه - قرر المجلس ما يلي:
بالنسبة للقسمين الأول والثاني: فإن المجلس يرى أن في إجازتهما تحقيقاً لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية، ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك، وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع: إجازة التشريح لهذين الغرضين؛ سواء كانت الجثة المُشَرَّحة جثة معصوم أم لا .(4/113)
وأما بالنسبة للقسم الثالث - وهو: التشريح للغرض التعليمي - فنظراً إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها، وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان، وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة - فإن المجلس يرى جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة؛ إلا أنه نظراً إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميِّتاً كعنايتها بكرامته حيًّا؛ وذلك لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا" (1)، ونظراً إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسير الحصول على جثث أموات غير معصومة - فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث، وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر .
ثانياً: لا يوجب التشريح وضوءاً ولا غسلاً .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...)، ص (422- 424)
حكم تشريح الجثث لتعلم الطب (للشيخ ابن باز)
لاحظت أنه يوجد في كلية الطب في القاهرة مكان لتشريح الإنسان مجموعة من الأموات رجال ونساء وأطفال لتشريح وتقطيع أجزائهم، وذلك للعلم العملي؛ فهل يجوز مثل ذلك شرعاً للضرورة ؟ وخصوصاً تشريح الرجل لأجزاء المرأة، والمرأة لأجزاء الرجال ؟ وهل يجوز تقطيع أجزاء وأعضاء الإنسان ؟
__________
(1) …أحمد في «المسند» (6/105)، وأبو داود (3207)، وابن ماجه (1616)، وابن حبان في «صحيحه» (3167)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه الألباني؛ كما في «صحيح سنن أبي داود» (2746).(4/114)
إذا كان الميت معصوماً في حياته؛ سواء كان مسلماً أو كافراً، وسواء كان رجلاً أو امرأة فإنه لا يجوز تشريحه؛ لما في ذلك من الإساءة إليه وانتهاك حرمته، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كَسْرُ عَظْمِ الميِّت كَكَسْرِهِ حيًّا" (1) .
أما إذا كان غير معصوم كالمرتد والحربي؛ فلا أعلم حرجاً في تشريحه للمصلحة الطبية. والله سبحانه وتعالى أعلم .
الشيخ ابن باز - كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...)، ص (421)
حكم شراء الجُثَث لغرض التشريح
بعض الكليات الطب تشتري جثثاً من جنوب شرقي آسيا بغرض التشريح؛ فما الحكم ؟
جـ: إذا كانت الجثث من كفار لا أمان لهم فلا حرج، أما غيرهم فلا يجوز التعرض لهم .
الشيخ ابن باز - كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...)، ص (421)
حكم كسر عظم الميت الكافر
هل يجوز كسر عظم الميت الكافر ؟
فيه تفصيل؛ فإذا كان ذمياً أو معاهداً أو مستأمناً لم يجز التعرض له، أما إن كان حربياً فلا حرج في ذلك. وبناء على ذلك يجوز أخذ الأعضاء من المتوفى الحربي، أما المُعَاهَد والذمي والمستأمن فلا؛ لأن أجسادهم محترمة .
الشيخ ابن باز - كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...)، ص (421)
حكم تشريح الجُثَّة المشكوك في قتلها
ما حكم تشريح الجنازة المشكوك في قتلها ؟
إذا كان لعلة شرعية فلا بأس .
الشيخ ابن باز - كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...)، ص (422)
قرار هيئة كبار العلماء حول حكم نقل الأعضاء
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه .. وبعد:
__________
(1) …أحمد في «المسند» (6/105)، وأبو داود (3207)، وابن ماجه (1616)، وابن حبان في «صحيحه» (3167)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه الألباني؛ كما في «صحيح سنن أبي داود» (2746).(4/115)
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته العشرين المنعقدة بمدينة الطائف، ابتداء من الخامس والعشرين من شهر شوال حتى السادس من شهر ذي القعدة 1402هـ بحث (حكم نقل عضو من إنسان إلى آخر) بناء على الأسئلة الواردة فيه إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وكان منها السؤال الوارد من الدكتور/ نزار فتيح، المدير التنفيذي بالنيابة والمستشار والمشرف على أعمال الإدارة بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بكتابه المؤرخ في 15/8/1401هـ، والسؤال الوارد من الشيخ عبدالملك بن محمود رئيس محكمة الاستئناف في نيجيريا؛ المحالان إلى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء من سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بكتابيه رقم (1427) وتاريخ 16/6/1402هـ، ورقم (590/ب)، وتاريخ 1/5/1402هـ لعرضهما على المجلس .
وقد رجع المجلس إلى قراره رقم (47)، وتاريخ 20/8/1396هـ الصادر في حكم تشريح جثة الإنسان الميت، وإلى قراره رقم (62) وتاريخ 25/10/1398هـ الصادر في حكم نزع القرنية، وإلى قراره رقم (65) وتاريخ 7/2/1399هـ الصادر في حكم التبرع بالدم وإنشاء بنك لحفظه. ثم استمع إلى البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من قبل في: (حكم نقل دم أو عضو أو جزئه من إنسان إلى آخر) .
وبعد المناقشة وتداول الآراء قرر المجلس بالإجماع:
جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان حي مسلم أو ذمي إلى نفسه، إذا دعت الحاجة إليه، وأمن الخطر في نزعه، وغلب على الظن نجاح زرعه. كما قرر بالأكثرية ما يلي:
1 -…جواز نقل عضو أو جزئه من إنسان ميت إلى مسلم إذا اضطر إلى ذلك وأمنت الفتنة في نزعه ممن أخذ منه، وغلب على الظن نجاح زرعه فيمن سيزرع فيه .
2 -…جواز تبرع الإنسان الحي بنقل عضو منه أو جزئه إلى مسلم مضطر إلى ذلك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(4/116)
[قرار هيئة كبار العلماء] رقم (99) وتاريخ 6/11/1402هـ من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...)، ص (336)
قرار هيئة كبار العلماء حول نقل الأعضاء من المتوفى دماغياً
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه .. وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الخامسة والأربعين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من الثالث من شهر ربيع الآخر حتى 12 منه عام 1417هـ - بحث حكم التبرع بالأعضاء لصالح المرضى المحتاجين لها؛ خصوصاً من الأشخاص المتوفين دماغياً، بناء على ما ورد إليه من سمو أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز؛ الرئيس الفخري للمركز السعودي لزراعة الأعضاء بكتابه رقم (627/11) وتاريخ 15/6/1416هـ، ومشفوعه الكتاب المرفوع لسموه من معالي وزير الصحة برقم (621/11) وتاريخ 15/6/1416هـ. المتضمن التقرير المعد حول أهمية التبرع بالأعضاء وزراعتها، وخاصة عند المتوفين دماغياً .
وقد اطلع المجلس أثناء البحث على قراره رقم (62) في: (حكم نقل القرنية من إنسان إلى آخر) وإلى قراره رقم (99) في: (حكم نقل عضو أو جزئه من إنسان إلى آخر)، كما اطلع على القرارات الصادرة من المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بشأن نقل الأعضاء وزراعتها .
وبعد المناقشة وتداول الرأي في الموضوع قرر المجلس:
أنه لا يجوز شرعاً الحكم بموت الإنسان الموت الذي تترتب عليه أحكامه الشرعية بمجرد تقرير الأطباء أنه مات دماغياً - حتى يعلم أنه مات موتاً لا شبهة فيه تتوقف معه حركة القلب والنفس، مع ظهور الأمارات الأخرى الدالة على موته يقيناً؛ لأن الأصل حياته، فلا يعدل عنه إلا بيقين .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
[قرار هيئة كبار العلماء] رقم (181) في 12/4/1417هـ من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (337)(4/117)
حكم منح هدايا للمتبرعين بالدم
بنك الدم يمنح هدايا للمتبرعين بالدم؛ هي عبارة عن سجادة صلاة وميدالية أو غتر شماغ أو غيرهما، وأحياناً ثلاثمائة ريال. أرجو إيضاح رأي الشرع المطهر في هذه الهدايا.
وبعد دراسة اللجنة للإستفتاء أجابت:
بأنه لا يجوز بيع الدم؛ لما في [صحيح البخاري] من حديث أبي جُحَيْفَة رضي الله عنه قال(1): رأيت أبي اشترى حَجَّاماً فأمر بمحاجِمه فكُسرت، فسألته عن ذلك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نَهَى عن ثَمَنِ الدَّمِ، وثمن الكلبِ، وكَسْبِ الأَمَةِ، ولعَنَ الوَاشِمة، والمُسْتَوشِمَة، وآكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ، ولَعَنَ المُصَوِّر)(2).
قال الحافظ في [الفتح](3): المراد: تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير، وهو حرام إجماعاً؛ أعني: بيع الدم وأخذ ثمنه. اهـ .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (351)
هل يشترط في التبرع بالدم نَقْلُه إلى مريض مسلم ؟
كما نعلم بأن بنوك الدم بالعالم لا تنظر ولا تهتم بديانة وجنسية المريض، بل تعمل جاهدة في توفير الوحدات الدموية ومكوناتها لهؤلاء المرضى في سبيل إنقاذ حياتهم، وبعد عونه سبحانه وتعالى، وكذلك تعمل على استقبال المتبرعين بالدم باختلاف جنسياتهم وأديانهم .
أ - ولكن هل يجوز للمتبرع بالدم المسلم بأن يشترط على بنوك الدم بأن لا تستخدم دمه الذي تبرع به لهم؛ بأن لا تذهب ولا تنقل إلا لمريض مسلم ؟
ب - كذلك إذا اشترط المريض نفسه بأن لا تنقل له إلا وحدات دموية سحبت من متبرعين بالدم من المسلمين فقط ؟
__________
(1) …القائل هو: عَوْن بن أبي جحيفة.
(2) …البخاري (2238) وأطرافه في (2086). وانظر: «صحيح مسلم» (1567 - 1569). والوَشْمُ : هو غرْزُ الجلد بإبرة، ثم حشوهُ بكُحل أو نِيل، فيزرقّ أثره أو يخضرّ.
(3) …«فتح الباري» (4/427).(4/118)
جـ - هل يجوز لبنوك الدم بأن لا تعطي اهتماماً لموضوع الدِّيَانة، مثلما تفعل حالياً، بل تعامل الكل من المرضى والمتبرعين بالدم سواء، وتنقل دم المسلمين لأي كان - مريض مسلم أو غير مسلم - وكذلك تنقل دم إنسان غير مسلم إلى مريض مسلم أو غيره؛ خاصة إذا علمنا بأن هنالك حالات مرضية صعبة جداً، ولا تستدعي الانتظار للاهتمام بهذه الأمور، بل نقل الدم إليهم بأسرع ما يمكن ؟
هذا الشرط غير لازم إلا في حالة ما إذا أعطي الدم لإنسان حربي، فإنه لا يجوز؛ لأنه يجب قتله، ولا يجوز مساعدته للبقاء في هذه الحياة، أما المسلم والذمي والمعاهد فلكل هؤلاء الانتفاع بالدم المتبرع به، ولا حرج في ذلك .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (356)
حكم نقل الدم من كافر إلى مسلم
سافرت إلى أمريكا، وعملت في أحد مستشفياتها عملية جراحية، في خلال ذلك زودت بدم العملية، وحيث لا يخفى عليكم لم أعلم مصدر هذا الدم : هل هو من مسلم مُوَحِّد لله عز وجل أم من شخص غير مسلم .. فما الحكم ؟ أفتوني جزاكم الله خيراً .
وأجابت اللجنة بما يلي:
سبق أن أورد إلى هذه اللجنة سؤال مماثل لهذا- أجابت عنه بالفتوى رقم (1325) في (9/7/1396هـ) الآتي نصها:
هل يجوز نقل الدم من إنسان إلى آخر وإن اختلف دينهما ؟(4/119)
إذا مرض إنسان واشتد ضعفه ولا سبيل لتقويته أو علاجه إلا بنقل دم من غيره إليه، وتعين ذلك طريقاً لإنقاذه، وغلب على ظن أهل المعرفة انتفاعه بذلك - فلا بأس بعلاجه بنقل دم غيره إليه، ولو اختلف دينهما، فينقل الدم من كافر ولو حربياً لمسلم، وينقل من مسلم لكافر غير حربي، أما الحربي فنفسه غير معصومة فلا تجوز إعانته؛ بل ينبغي القضاء عليه إلا إذا أُسِر فلإمام المسلمين أو نائبه أن يفعل به ما يراه مصلحة للمسلمين: من قتل أو استرقاق، أو مَنٍّ عليه، أو قبول فداء منه أو من أوليائه، وإلا إذا أمّن فيجار حتى تبيّن له الحجة، فإن آمن فيها وإلا بلغ مأمنه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (350)
جواز نقل ماء زمزم من مكة للتداوي
هل يجوز نقل ماء زمزم إلى بلد آخر لغرض التداوي ؟ وهل يحتفظ الماء بخصوصيته ؟
نعم؛ يجوز للإنسان أن يحمل ماء زمزم إلى بلاد أخرى، والخصوصيات التي تكون له هنا تبقى فيه هناك .
الشيخ ابن عثيمين - دروس وفتاوى في الحرم المكي، ص (423)
حكم لبس السِّوَار لعلاج الروماتيزم (للشيخ ابن باز)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ . . . سلمه الله وتولاه
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :(4/120)
فقد وصلني كتابكم الكريم وصلكم الله برضاه، وأشرفت على الأوراق المرفقة المتضمنة بيان خصائص الأسورة النحاسية التي حدثت أخيرًا لمكافحة الروماتيزم، وأفيدكم أني درست موضوعها كثيرًا، وعرضت ذلك على جماعة كثيرة من أساتذة الجامعة ومدرسيها، وتبادلنا جميعًا وجهات النظر في حكمها، فاختلف الرأي: فمنهم من رأى جوازها لما اشتملت عليه من الخصائص المضادة لمرض الروماتيزم، ومنهم من رأى تركها لأن تعليقها يشبه ما كان عليه أهل الجاهلية، من اعتيادهم تعليق الودع والتمائم والحلقات من الصفر، وغير ذلك من التعليقات التي يتعاطونها، ويعتقدون أنها علاج لكثير من الأمراض، وأنها من أسباب سلامة المُعَلَّق عليه من العين، ومن ذلك ما ورد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ" (1)، وفي رواية: "مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ" (2)، وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: "مَا هَذِهِ" ؟ قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ، قَالَ: "انْزَعْهَا فَإِنَّهَا لا تَزِيدُكَ إِلا وَهْنًا؛ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا" (3)
__________
(1) …أحمد (4/154)، وأبو يعلى (1759)، والطبراني في «مسند الشاميين» (234)، وابن حبان (6086)، والحاكم 4/216 (7501) وصححه ووافقه الذهبي. .
(2) …أحمد (4/156)، قال في «مجمع الزوائد» (5/103): «رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات».
(3) …أحمد (4/445)، وابن ماجه (3531)، وغيرهما، وحسَّنه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (4/77) . ومعنى (صُفْر): هو النحاس الأصفر. ومعنى (الوَاهِنَة): أي لأجل الواهنة؛ وهي: عِرْق يأخذ في المَنْكِب وفي اليد كلها فيُرقَى منها. وقيل: هو مرض يأخذ في العَضُد. ومعنى (وَهْناً): أي ضَعْفاً ومرَضاً.(4/121)
، وفي حديث آخر: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في بعض أسفاره أرسل رسولاً يتفقد إبل الركب ويقطع كل ما علق عليها من قلائد الأوتار(1)؛ التي كان يظن أهل الجاهلية أنها تنفع إبلهم وتصونها.
فهذه الأحاديث وأشباهها يؤخذ منها: أنه لا ينبغي أن يعلق شيئًا من التمائم أو الوَدَع أو الحلقات، أو الأوتار أو أشباه ذلك من الحروز كالعظام والخرز ونحو ذلك لدفع البلاء أو رفعه .
والذي أرى في هذه المسألة: هو ترك الأسورة المذكورة، وعدم استعمالها سدًا لذريعة الشرك، وحسماً لمادة الفتنة بها والميل إليها، وتعلق النفوس بها، ورغبة في توجيه المسلم بقلبه إلى الله سبحانه ثقة به، واعتمادًا عليه واكتفاءً بالأسباب المشروعة المعلومة إباحتها بلاشك، وفيما أباح الله ويسر لعباده غنية عما حرم عليهم، وعما اشتبه أمره. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ"(2)، وقال صلى الله عليه وسلم : "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ"(3) .
__________
(1) …البخاري (3005).
(2) …البخاري (52)، ومسلم (1599)، ومعنى (يَرْتَعَ فيه): أي يخُوض ويَرعَى فيه.
(3) …الترمذي (2518)، والنسائي (5714)، وقال الترمذي: «حسن صحيح». وأخرجه أيضاً الحاكم 2/13 و4/99 (2169، 2170، 7046) وصححه في الموضع الأول ووافقه الذهبي.(4/122)
ولا ريب أن تعليق الأسورة المذكورة يشبه ما تفعله الجاهلية في سابق الزمان؛ فهو إما من الأمور المحرمة الشركية، أو من وسائلها، وأقل ما يقال فيه: إنه من المشتبهات، فالأولى بالمسلم والأحوط له أن يترفع بنفسه عن ذلك، وأن يكتفي بالعلاج الواضح الإباحة، البعيد عن الشبهة. هذا ما ظهر لي ولجماعة من المشايخ والمدرسين، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه، وأن يمن علينا جميعًا بالفقه في دينه والسلامة مما يخالف شرعه؛ إنه على كل شيء قدير، والله يحفظكم. والسلام.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (1/206)
حكم لبس السوار لعلاج الروماتيزم (للشيخ ابن عثيمين)
ما حكم لبس السوار لعلاج الروماتيزم ؟
اعلم أن الدواء سبب للشفاء والمسبب هو الله تعالى فلا سبب إلا ما جعله الله تعالى سببًا. والأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابًا نوعان:
أولاً: أسباب شرعية كالقرآن الكريم والدعاء؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الفاتحة: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ"(1)، وكما كان صلى الله عليه وسلم يرقي المرضى بالدعاء لهم فيشفي الله تعالى بدعائه من أراد شفاءه به .
النوع الثاني: أسباب حسية كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع؛ كالعسل أو عن طريق التجارب مثل كثير من الأدوية، وهذا النوع لابد أن يكون تأثيره عن طريق المباشرة لا عن طريق الوهم والخيال؛ فإذا ثبت تأثيره بطريق مباشر محسوس صحّ أن يتخذ دواء يحصل به الشفاء بإذن الله تعالى .
__________
(1) …البخاري (5749)، ومسلم (2201).(4/123)
أما إذا كان مجرد أوهام وخيالات يتوهمها المريض فتحصل له الراحة النفسية بناءً على ذلك الوهم والخيال ويهون عليه المرض وربما ينبسط السرور النفسي على المرض فيزول - فهذا لا يجوز الاعتماد عليه ولا إثبات كونه دواء. لا ينساب الإنسان وراء الأوهام والخيالات؛ ولهذا نهي عن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع المرض أو دفعه؛ لأن ذلك ليس سببًا صريحًا حسيًا، وما لم يثبت كونه سببًا شرعيًا ولا حسيًا لم يجز أن يجعل سببًا، فإن جعله سببًا نوع من منازعة الله تعالى في ملكه وإشراك؛ حيث شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتها. وقد ترجم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لهذه المسألة في «كتاب التوحيد» وهو باب: من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لدفع البلاء وغيره .
وما أظن السوار الذي أعطاه الصيدلي لصاحب الروماتيزم الذي ذكر في السؤال إلا من هذا النوع، إذ ليس ذلك السوار شرعياً ولا حسياً تعلم مباشرته لمرض الروماتيزم حتى يبرزه فعلاً؛ فلا يجوز للمصاب أن يستعمل ذلك السوار حتى يعلم وجه كونه سبباً، والله الموفق .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها، ص (81)
حكم التداوي بالأساور وشعر الحيوان
نلاحظ أن بعض الناس يعلقون في رقابهم أو أيديهم أساور مطلية ببعض الأصباغ المعينة أو خيوطاً مصنوعة من شعر بعض الحيوانات أو غيرها؛ ويزعم هؤلاء أنها سبب في دفع ضرر قد يأتي من الجان أو غيرهم؛ فهل هذا عمل جائز ؟ وما نصيحتكم لهؤلاء ؟(4/124)
تعليق الأساور أو لبسها وربط الخيوط من الشعر أو غيره .. من يفعل ذلك يعتقد أن هذه الأشياء تمنع الضرر أو ترفع بذاتها عمن لبسها: فهذا شرك أكبر يخرج من الملة؛ لأنه اعتقد في هذه الأشياء أنها تنفع وتدفع الضرر وهذا لا يقدر عليه أحد إلا الله سبحانه، وإن كان يعتقد أن الله هو النافع وهو الذي يدفع الضرر؛ إنما هذه الأشياء أسباب فقط .. فهذا محرم وشرك أصغر يجر إلى الشرك الأكبر؛ لأنه اعتقد السببية فيما لم يجعله الله سببًا للشفاء؛ لأن هذه الأشياء ليست أسبابًا، والله جعل أسباب الشفاء في الأدوية النافعة المباحة والرقى الشرعية وهذه ليست منها .(4/125)
وقد عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله باباً في «كتاب التوحيد» في هذا الموضوع فقال: (باب: من الشرك لُبْسُ الحَلَقَة والخَيْط ونحوهما لرفعِ البلاء أو دفعِه) أورد فيه أدلة منها: حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: "مَا هَذِهِ" قَالَ: مِنْ الْوَاهِنَةِ قَالَ: "انْزَعْهَا فَإِنَّهَا لا تَزِيدُكَ إِلا وَهْنًا؛ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا" (1)، رواه أحمد بسند لا بأس به وصححه ابن حبان والحاكم وأقره الذهبي. ولابن أبي حاتم عن حذيفة رضي الله عنه: أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحُمَّى - أي: لدفع الحمى - فقطعه وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ *}[يُوسُف](2). وإن كان يعتقد أن هذا يدفع شر الجن؛ فالجن لا يدفع شرهم إلا الله سبحانه، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *} [فصلت] .
الشيخ صالح الفوزان - المنتقى (2/29، 30)
حكم العلاج بالمُخَدِّرات والمُسْكِرات
هل يجوز العلاج بالأفيون وغيره من المشروبات التي توجد بها نسبة من الخمر كالخل ؟
__________
(1) …أحمد (4/445)، وابن ماجه (3531)، وغيرهما، وحسَّنه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (4/77) . ومعنى (صُفْر): هو النحاس الأصفر. ومعنى (الوَاهِنَة): أي لأجل الواهنة؛ وهي: عِرْق يأخذ في المَنْكِب وفي اليد كلها فيُرقَى منها. وقيل: هو مرض يأخذ في العَضُد. ومعنى (وَهْناً): أي ضَعْفاً ومرَضاً.
(2) …تفسير ابن أبي حاتم (7/2208) برقم (12040)، عند تفسير الآية (106) من سورة يوسف.(4/126)
لا يجوز التداوي بما حرم الله من أفيون أو حشيشة أو خمر أو نحو ذلك من مخدر أو مُسكر. ووضع نسبة من ذلك في الدواء لا يجوز، لكن إن وضعت فيه ولم تصل بالدواء إلى درجة أن يسكر كثيره - جاز التداوي به؛ لعدم تأثير ما أضيف إليه منها، فكأنه كالعدم .
أما الخَلُّ إذا لم يكن أصله خمراً، أو كان أصله خمراً وتَخَلَّلَ بنفسه، فليس بمُخَدِّر ولا مُسْكِر، فيجوز التداوي به، وتناوله إِدَاماً أو مع الطعام، وإن كان أصله خمراً وتَخَلَّلَ بصناعة فلا يجوز إحداث ذلك فيه، ولا الانتفاع به دواء ولا إداماً .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (208)
حكم العلاج بالموسيقى
ما حكم حفلات التوديع المختلطة من الجنسين ؟ وما حكم العلاج بالموسيقى ؟
الحفلات لا تكون بالاختلاط؛ بل الواجب أن تكون حفلات الرجال للرجال وحدهم وحفلات النساء للنساء وحدهن. أما الاختلاط فهو منكر ومن عمل أهل الجاهلية، نعوذ بالله من ذلك .
أما العلاج بالموسيقى فلا أصل له؛ بل هو من عمل السفهاء، فالموسيقى ليست بعلاج، ولكنها داء. وهي من آلات الملاهي، فكلها مرض للقلوب، وسبب لانحراف الأخلاق. وإنما العلاج النافع والمريح للنفوس إسماع المرضى القرآن والمواعظ المفيدة والأحاديث النافعة . أما العلاج بالموسيقى وغيرها من آلات الطرب فهو مما يعوِّدهم الباطل، ويزيدهم مرضاً إلى مرضهم، ويثقل عليهم سماع القرآن والسنة والمواعظ المفيدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الشيخ ابن باز - فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة، ص (10، 11)
الجمع بين حديثي نفي العدوى والأمر بالفرار من المجذوم
كيف نوفق بين الحديثين الشريفين: "لا عَدْوَى وَلا طِيرَةَ" و"فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الأَسَدِ" ؟(4/127)
لا منافاة عند أهل العلم بين هذا وهذا، وكلاهما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ، وَلا صَفَرَ، وَلا نَوْءَ، وَلا غُولَ" (1)
__________
(1) …مسلم (2220) وفيه ذكر النوء، وَ(2222) وفيه ذكر الغول .
-…ومعنى (لا عَدْوَى) : أي لا مَرَض يُؤثِّر بنفسه ويتعدَّى لغيره؛ بل بتقدير الله وأمره. (ولا طِيَرَة) : الطِّيرَةَ هي التشاؤم بالشيء، وكانوا في الجاهلية يعتقدونه، فأبطله الإسلام وأخبر أنه لا تأثير له. (ولا هَامَةَ) : اسم طائر قيل: هي البُومَة، كانوا يتشاءمون بها، ويزعمون أن عظام الميت تصير هامّة فَتَطِير، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه. (ولا صَفَر): قيل هو داء في البطن كانت العرب تعتقد أنه أعدى من الجَرَب، فنفى الإسلام ذلك وأخبر أنها لا تُعدِي بطبعها؛ بل تقدير الله سبحانه. وقيل: المراد نفي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من النسيء؛ وهو تأخير المحرّم إلى صفر، ويجعلون صفر هو الشهر الحرام، ولعل الأظهر ما كانوا يعتقدونه من أن صفر شهر مشؤوم، فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك وأخبر أنه من جنس الطيرة المنهي عنها. (ولا نَوْء) : النَّوْء سقوط نجم من منازل القمر مع طلوع الصبح، وهي (28) نجماً أو منزلة؛ يسقط في كل (13) ليلة نجم منها في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر مقابله في المشرق من ساعته. وكان يعتقدون أنه لا بد عند ذلك من حدوث مطر أو ريح ينسبونه إليها؛ فيقولون: مُطِرنا بِنَوْء كذا، فنفى الشارع صحة ذلك. أما من جعل المطر من فِعل الله، وأن معنى (مُطرنا بنوء كذا): أن الله أجرى العادة أن يأتي المطر في هذا الوقت - فإن ذلك جائز. (ولا غُول) : الغُول واحد الغِيلان، وهي جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول يتراءى للناس في الفلاة في صور شتى ليضلهم عن الطريق ويهلكهم؛ فنفاه الشارع. وقيل: هذا ليس نفياً لوجود الغول وإنما فيه إبطال زعمهم بتغوّل الغُول وتلوّنه بالصور المختلفة، وأنها لا تستطيع أن تُضلّ أحداً.(4/128)
؛ وذلك نفي لما يعتقده أهل الجاهلية من أن الأمراض كالجَرَبِ تُعدِي بِطَبْعِها وأن مَنْ خَالَطَ المريض أصابه ما أصاب المريض. وهذا باطل؛ بل ذلك بقدر الله ومشيئته. وقد يخالط الصحيح المريض المَجْذُوم ولا يصيبه شيء - كما هو واقع ومعروف؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم - لمن سأله عن الإبل الصحيحة يُخَالِطُهَا البعيرُ الأَجْرَب فَتَجْرَب كلها - قال له عليه الصلاة والسلام: "فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ" ؟ (1) .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الأَسَدِ" (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ" (3)؛ فالجواب عن ذلك: أنه لا يجوز أن يعتقد العدوى، ولكن يشرع له أن يتعاطى الأسباب الواقية من وقوع الشر، وذلك بالبعد عمن أصيب بمرض يخشى انتقاله منه إلى الصحيح بإذن الله عز وجل - كالجَرَبِ والجُذَام . ومن ذلك عدم إيراد الإبل الصحيحة على الإبل المريضة بالجرب ونحوه؛ توقياً لأسباب الشر، وحذراً من وساوس الشيطان الذي يملي عليه أن ما أصابه أو أصاب إبله هو بسبب العدوى .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث - العدد (35) ص (96، 97)
هل معرفة الأطباء لنوع الجنين يعارض القرآن ؟
__________
(1) …البخاري (5770) . ومسلم (2220) .
(2) …البخاري معلقاً في الطب، (5707)، وموصولاً عند أحمد (2/443)، وابن أبي شيبة (26408)، ووصفه صاحب «مرقاة المفاتيح» (5/377) بالخبر الصحيح.
(3) …البخاري (5774)، ومسلم (2221) .(4/129)
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَْرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ *}[لقمَان]؛ من ضمن الآية الكريمة أن الله يقول: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَْرْحَامِ}. لقد صار بيني وبين أحد الأصدقاء نقاش كبير حول هذه الآية، فلقد قال لي: إن العلم الحديث والأطباء قد توصلوا لمعرفة ما في رحم المرأة: هل هو ذكر أم أنثى بواسطة الأشعة، وقلت له: الله سبحانه يقول: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَْرْحَامِ}.. هل معنى الآية: أن العلم لم يكتشف ما في الأرحام ؟ أم إن الآية تفسيرها غير ذلك ؟(4/130)
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، وأنها المذكورة في الآية المسؤول عنها، من ذلك: ما رواه البخاري(1) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلا الله : {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَْرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ *}[لقمَان]، وفي رواية له عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ ثم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَْرْحَامِ}، رواه الإمام أحمد عنه(2) وعن ابن مسعود رضي الله عنه بمعناه(3)، وروي من طرق أخرى تؤيد ما دلت عليه الآية.
ومعنى الآية: أن الله تعالى استأثر بعلم الساعة، فلا يجليها لوقتها إلا هو، فلا يعلمها لميقاتها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وقد أعلمهم الله بأماراتها، ولا يعلم متى ينزل الغيث ولا في أي مكان ينزل إلا الله، وقد يعرف ذلك أهل الخبرة عند وجود الأمارات وانعقاد الأسباب علماً تقريبياً إجمالياً يشوبه شيء من التخمين، وقد يتخلف.
__________
(1) …البخاري (4627)، وأطرافه في (1039).
(2) …أحمد (2/24، 52، 58، 122) .
(3) …أحمد (1/386، 438، 445)، وأبو يعلى (5153). قال في «مجمع الزوائد» (8/263): «رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح».(4/131)
واختص سبحانه أيضاً بعلم ما في الأرحام تفصيلاً من جهة تَخَلُّقِهِ وعدم تخلقه، ونموه وبقائه لتمام مدته، وسقوطه قبلها حياً أو ميتاً، وسلامته وما قد طرأ عليه من آفات دون أن يكسب علمه بذلك من غيره أو يتوقف على أسباب أو تجارب؛ بل يعلم ما سيكون عليه قبل أن يكون، وقبل أن تكون الأسباب، فإن لمقدر الأسباب وموجدها عِلْمًا لا يَتَخَلَّف ولا يختلف عنه الواقع وهو الله سبحانه، وقد يطلع المخلوق على شيء من أحوال ما في الأرحام من ذكورة أو أنوثة، أو سلامة أو إصابته بآفة، أو قرب ولادة، أو توقع سقوط الحمل قبل التمام؛ لكن ذلك بتوفيق من الله إلى أسباب ذلك من كشف بأشعة لا من نفسه، ولا بدون أسباب، وذلك بعد ما يأمر الله الملك بتصوير الجنين، ولا يكون شاملاًً لكل أحوال ما في الرحم؛ بل إجمالاً في بعضه مع احتمال الخطأ أحياناً.
ولا تدري نفس ماذا تكسب غداً من شؤون دينها ودنياها، فهذا أيضاً مما استأثر الله بعلمه تفصيلاً، وقد يتوقع الناس كسباً أو خسارة على وجه الإجمال مما يبعث فيهم أملاً وإقداماً على السعي أو خوفاً وإحجاماً بناء على أمارات وظروف محيطة بهم - فكل هذا لا يسمى علماً. وكذا لا تدري نفس بأي أرض تموت في بر أو بحر في بلدها أو بلد آخر، إنما يعلم تفصيل ذلك الله وحده؛ فإنه سبحانه له كمال العلم والإحاطة بجميع الشؤون علنها وغيبها ظاهرها وباطنها .
وجملة القول: إن علم الله من نفسه غير مكتسب من غيره، ولا متوقف على أسباب وتجارب، وأنه يعلم ما كان وما سيكون، وأنه لا يشوب علمه غموض ولا يتخلف، وأنه عام شامل لجميع الكائنات تفصيلاً؛ جليلها ودقيقها بخلاف غيره سبحانه، والله المستعان .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (288- 291)
الأطباء ووفاة المرضى في العمليات الجراحية(4/132)
س1: بالنسبة للأطباء الذين يجرون العمليات .. لو فرضنا أن مات أحد المرضى بين أيديهم وهم يجرون العملية بسبب هذه العملية؛ ألا يلحقهم في ذلك شيء ويلزمهم كَفّارة ؟
ج1: إذا حصل منهم تفريط نتج عنه وفاة الشخص، أو كان الطبيب لا يحسن إجراء العملية؛ فإنه يَتَحَمَّل في هذا ويكون عليه مسؤولية، فيكون عليه الكفارة؛ والدِّيَة أيضاً على عاقِلَتهِ(1)؛ لأن هذا يُعتبر من قتل الخطأ .
أما إذا كان الطبيب خبيراً بإجراء العملية، وحالة المريض تحتمل هذا الشيء ولم يحصل تفريط؛ فإنه لا حرج عليه في ذلك، وليس عليه ضمان ولا كفارة .
س2: لو كان هناك تفريط وكانوا أكثر من واحد؛ يعني مثلاً طبيب ومعه مساعد أو مساعدان؛ هل يلزمهم جميعاً هذه الكفارة ؟
ج2: إذا مات المريض بسبب الإهمال والتفريط من الطبيب ومن يساعده فإنهم يشتركون جميعاً في المسؤولية؛ فيشتركون في الضمان والكفارة، والله أعلم .
الشيخ الفوزان - فتاوى الشيخ صالح الفوزان (1/378) جميع: حمود المطر، وعبدالكريم المقرن
حكم التأمين الطبي
بعض المؤسسات والشركات الأهلية تكفل العلاج الطبي لموظفيها وأسرهم، ومن أجل ذلك تتفق مع بعض المستشفيات الأهلية لتأمين هذا العلاج، وتكون صورة الاتفاق كالتالي :
1 - تدفع المؤسسة للمستشفى مبلغاً شهرياً عن كل شخص، قدره (100) مائة ريال فقط، بغض النظر عن عدد الزيارات التي يتردد بها المريض على المستشفى لتلقي العلاج .
2 - يتولى المستشفى علاج الأشخاص وصرف الأدوية اللازمة لهم، وإجراء بعض العمليات الجراحية إن لزم الأمر .
__________
(1) …العَاقِلَة: هم العَصَبة والقرابة من قبيل الأب الذين يُعْطُون دِيَةَ قتل الخطأ.(4/133)
ومن المعلوم أنه في بعض الأشهر ينفق المستشفى على علاج الشخص أكثر من (100) مائة ريال، وخاصة إذا أجريت له عملية جراحية أو نحوها، وأحياناً أخرى قد لا يأتي الشخص إلى المستشفى، لأنه ليس محتاجاً لذلك، ومن ثم فإنه لم يستهلك شيئاً من المائة ريال، أو استهلك جزءاً يسيراً منها. والسؤال هو:
أولاً: هل هذا التأمين الطبي جائز شرعاً ؟ أو أنه من الشروط المبنية على الجهالة والغرر ؟
ثانياً: هل هذا يدخل في باب الجعالة الجائزة شرعاً، كما قال بذلك بعض الباحثين في [مجلة البحوث الفقهية المعاصرة] العدد (31) ؟
ثالثاً: ما صورة التأمين الطبي التعاوني الجائزة شرعاً ؟
ما ذكر في السؤال هو من التأمين التجاري المُحَرَّم؛ لما فيه من الغَرَرِ والجَهَالة، وأكل أموال الناس بالباطل.
والتأمين التعاوني الجائز هو: أن يوضع صندوق تجمع فيه تبرعات المحسنين لمساعدة المحتاجين للعلاج أو غيره، ولا يعود منه كسب مالي للمُتَبَرِّع، وإنما يقصد به مساعدة المحتاجين؛ طلباً للأجر والثواب من الله تعالى .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من كتاب (الفتاوى المتعلقة بالطب...) ص (440)
الفصل الثاني
الرقى والتمائم
هل الرُّقْيَة تنافي التوكل على الله ؟
هل الرقية تنافي التوكل ؟
التوكل: هو صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار، مع فعل الأسباب التي أمر الله بها. وليس التوكل أن تعتمد على الله بدون فعل الأسباب؛ فإن الاعتماد على الله بدون فعل الأسباب طعن في الله عز وجل وفي حكمته تبارك وتعالى، لأن الله تعالى ربط المسبَّبَات بأسبابها، وهنا سؤال: من أعظم الناس توكلاً على الله ؟(4/134)
الجواب: هو الرسول صلى الله عليه وسلم وهل كان يعمل الأسباب التي يتقي بها الضرر ؟ الجواب: نعم، كان إذا خرج إلى الحرب يلبس الدروع ليتوقى السهام، وفي غزوة أحد ظَاهَرَ بين دِرعين؛ أي: لبس درعين. كل ذلك استعدادًا لما قد يحدث .
ففعل الأسباب لا ينافي التوكل إذا اعتقد الإنسان أن هذه الأسباب مجرد أسباب فقط لا تأثير لها إلا بإذن الله تعالى، وعلى هذا فالقراءة: قراءة الإنسان على نفسه، وقراءته على إخوانه المرضى لا تنافي التوكل؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرقي نفسه بالمعوذات، وثبت أنه كان يقرأ على أصحابه إذا مرضوا، والله أعلم .
الشيخ محمد بن عثيمين - فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها، ص (15)
إلى جانب الرقية الشرعية .. اِفْعَل الآتي
عن رجل أصيب بداء، فذهب إلى الأطباء ولم يستفد شيئًا، ثم ذهب إلى المشايخ والقراء فإذا قرؤوا عليه هدأت نفسه، وبعد فترة تعود حالته إلى ما كانت عليه، ثم هو يقول: ما العلاج في ذلك ؟
العلاج يكون بأمور:
الأول: الطمأنينة إلى الخير، ومحبته .
ثانيًا: الصبر على ما تلاقيه نفسك من القلق، واحتساب أن هذا من المصائب التي يبتلي الله بها العباد، ويختبرهم: أيصبر العبد أم لا ؟ فإذا صبر فإن الله تعالى يثبته، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزُّمَر من الآية: 10]، هذا من حيث العموم .
…أما من حيث الخصوص فنوصيه بأمور:
أولاً: كثرة الأعمال الخيرة والصالحة، كالصلوات والعبادات، والأذكار وقراءة القرآن ونحوها .
ثانيًا: ونوصيه أيضاً بحضور مجالس الذكر، ومجالس العلم، فإن فيها ما يطمئن نفسه، وبها يشغل نفسه عن تلك الأفكار .
ثالثًا:…ثم نوصيه بأن يشغل نفسه بأي شيء مفيد؛ فمثلاً: يشتري الأشرطة والكتب المفيدة والتي فيها المواعظ والإرشادات والعلم النافع والأحكام والقصص والعبر، التي يشغل بها وقته وتطمئن بها نفسه .(4/135)
فإذا اشتغل بذلك كله، ووطن نفسه على ذلك، وأكثر من ذكر الله، ومن قراءة القرآن، وعلاج نفسه بالأدعية الواردة في الكتاب والسنة، بعد ذلك نرجو من الله أن يخفف عنه ما يجده .
الشيخ ابن جبرين - الكنز الثمين، ج(1/210، 211)
من أحكام الرقى والعزائم والتمائم وبيعها
س1: ما حكم بيع الرقى والعزائم ؟
ج1: سبق أن صدرت فتوى في منع كتابة قرآن أو أذكار نبوية أو نحوها في ورق أو طبق مثلاً، ثم محوها بماء ونحوه ليشربه المريض أملاً في الشفاء من مرضه؛ وإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين ولا الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم أنهم فعلوا ذلك، والخير كل الخير في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه وما كان عليه سائر أصحابه رضي الله عنهم. وفيما يلي نص الفتوى:
أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية ما لم تكن شركاً أو كلاماً لا يفهم معناه؛ لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يارسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال: "اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ؛ لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكاً"(1).
__________
(1) …مسلم (2200)، وأبو داود (3886) والفظ له.(4/136)
وقد أجمع العلماء على جواز الرقى إذا كانت على الوجه المذكور آنفاً، مع اعتقاد أنها سبب لا تأثير له إلا بتقدير الله تعالى. أما تعليق شيء بالعنق أو ربطه بأي عضو من أعضاء الشخص: فإن كان من غير القرآن فهو محرم بل شرك؛ لما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صُفْر، فقال: "أَمَا إِنَّهَا لا تَزِيدُكَ إِلا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ؛ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا"(1). وما رواه عن عقبة ابن عامر رضي الله عنه: عنه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ" (2) . وفي رواية لأحمد أيضاً: "مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ" (3) . وما وراه أحمد وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" (4)، وإن كان ما علقه من آيات القرآن؛ فالصحيح أنه ممنوع أيضاً لثلاثة أمور:
__________
(1) …أحمد (4/445)، وابن ماجه (3531)، وغيرهما، وحسَّنه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (4/77) . ومعنى (صُفْر): هو النحاس الأصفر. ومعنى (الوَاهِنَة): أي لأجل الواهنة؛ وهي: عِرْق يأخذ في المَنْكِب وفي اليد كلها فيُرقَى منها. وقيل: هو مرض يأخذ في العَضُد. ومعنى (وَهْناً): أي ضَعْفاً ومرَضاً.
(2) …أحمد (4/154)، وأبو يعلى (1759)، والطبراني في «مسند الشاميين» (234)، وابن حبان (6086)، والحاكم 4/216 (7501) وصححه ووافقه الذهبي. .
(3) …أحمد (4/156)، قال في «مجمع الزوائد» (5/103): «رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات».
(4) …أحمد (1/381)، وأبو داود (3883)، وابن ماجه (3530). وصححه الألباني؛ كما في «صحيح الجامع» (1632)، و«السلسلة الصحيحة» (331).(4/137)
الأول: من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن تعليق التمائم ولا مخصص لها.
الثاني: سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
الثالث: إن ما علق من ذلك يكون عرضة للامتهان؛ بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء والجماع ونحو ذلك .
وأما كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو قرطاس وغسله بماء أو زعفران وغيرهما وشرب تلك الغسالة رجاء البركة أو استفادة علم أو كسب مال أو صحة أو عافية ونحو ذلك - فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله لنفسه أو غيره ولا أنه إذن فيه لأحد من أصحابه أو رخص فيه لأمته، مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك، ولم يثبت في أثر صحيح فيما علمنا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه فعل ذلك أو رخص فيه. وعلى هذا فالأولى تركه وأن يستغني عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن وأسماء الله الحسنى وما صح من الأذكار والأدعية النبوية ونحوها مما يعرف معناه ولا شائبة للشرك فيه. وليتقرب إلى الله تعالى بما شرع رجاء المثوبة وأن يفرج الله كربته ويكشف غمته ويرزقه العلم النافع ففي ذلك الكفاية، ومن استغنى بما شرع الله أغناه الله عما سواه. والله الموفق .
وعلى هذا ينبغي ألا يعطى أحدٌ تصريحاً ببيع ما ذكر من الرقى والعزائم؛ بل يمنع بيعها .
اللجنة الدائمة/ من كتاب (فتاوى معاصرة) جمع: الجهني، ص (12)
س2: لقد حضرت نقاشًا بين شخصين - أحسبهم والله حسيبهم على صلاح وتقوى - ممن يرقون بالرقية الشرعية الصحيحة إن شاء الله، وقد دار بينهما النقاش التالي :(4/138)
قال أحدهم : إنه يطلب من مرضاه عدم التسمية عند شرب الماء الموضوع فيه عَزِيمة؛ معللاً ذلك بأن التسمية تمنع الشيطان من مشاركة الإنسان في مطعمه ومشربه، وبذلك لن يتأثر الشيطان بالعزيمة التي يتعاطاها الإنسان .. فرد عليه الآخر: «بأن أي شيء لا يُبْدَأُ باسمِ الله فهو أَبْتَر»(1) .
فما هو الحق في المسألة ؟
ج2: نقول : إن ذكر اسم الله تعالى عند الشراب والطعام مما تحصل به البركة، وطرد الشياطين وإذلالهم؛ فعلى المريض عند شرب الماء الذي رقي فيه أو نحوه - أن يتبرك باسم الله؛ ليكون ذلك سببًا في طرد الشيطان وإبعاده عن ذلك المريض؛ سواءً كان ملابسًا له كالمصروع أو يعتاده في بعض الأحيان، فكل ذلك مما يؤثر فيه ذكر اسم الله، وينفع في شفاء المريض.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه
شروط الرَّاقِي والمَرْقِي
ما هي الصفات والآداب التي ينبغي للراقي أن يتحلى بها ؟
لا تفيد القراءة على المريض إلا بشروط:
__________
(1) …أخرجه بلفظ: « كُلُّ أَمْرٍ ذي بَال لا يُبدَأُ فيه بِبسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ أَقْطَعُ » : الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (1210)، والحافظ عبدالقادر الرهاوي في كتاب «الأربعين البلدانية»؛ بإسنادٍ حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. انظر: «الأذكار» للنووي، ص (90)، و«الدر المنثور» للسيوطي (1/26) وصحّحه، و«فيض القدير» (5/13، 14)، و«كشف الخفاء» (1964)، و«عون المعبود» (13/127) . ومعنى (أَبْتَر): أي مقطوع ومَمْحُوق البركة.(4/139)
الشرط الأول: أهلية الراقي: بأن يكون من أهل الخير والصلاح والاستقامة والمحافظة على الصلوات والعبادات والأذكار والقراءة والأعمال الصالحة وكثرة الحسنات، والبعد عن المعاصي والبدع والمحدثات والمنكرات وكبائر الذنوب وصغائرها، والحرص على الأكل الحلال والحذر من المال الحرام أو المشتبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَطِبْ مَطعْمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَة (1)، وذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" (2)؛ فطيب المطعم من أسباب قبول الدعاء؛ ومن ذلك عدم فرض الأجرة على المرضى، والتنزه عن أخذ ما زاد على نفقته فذلك أقرب إلى الانتفاع برقيته .
الشرط الثاني: معرفة الرقى الجائزة من الآيات القرآنية: كالفاتحة، والمعوذتين، وسورة الإخلاص، وآخر سورة البقرة، وأول سورة آل عمران وآخرها، وآية الكرسي، وآخر سورة التوبة، وأول سورة يونس، وأول سورة النحل، وآخر سورة الإسراء، وأول سورة طه، وآخر سورة المؤمنون، وأول سورة الصافات، وأول سورة غافر، وآخر سورة الجاثية، وآخر سورة الحشر، ومن الأدعية القرآنية المذكورة في «الكلم الطيب»(3) ونحوه، مع النفث بعد كل قراءة، وتكرار الآية مثلاً ثلاثًا أو أكثر من ذلك .
__________
(1) …جزء من حديث: أخرجه الطبراني في «الأوسط» 6/311 (6495). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/291): رواه الطبراني في الصغير، وفيه من لم أعرفهم».
(2) …مسلم (1015).
(3) …لابن تيمية رحمه الله.(4/140)
الشرط الثالث: أن يكون المريض من أهل الإيمان والصلاح والخير والتقوى والاستقامة على الدين، والبعد عن المحرمات والمعاصي والمظالم؛ لقوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا *}[الإسرَاء]، وقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً}[فُصّلَت من الآية: 44]؛ فلا تؤثر غالبًا في أهل المعاصي وترك الطاعات وأهل التكبر والخيلاء والإسبال وحلق اللحى والتخلف عن الصلاة وتأخيرها والتهاون بالعبادات، ونحو ذلك.
الشرط الرابع: أن يجزم المريض بأن القرآن شفاء ورحمة وعلاج نافع؛ فلا يفيد إذا كان مترددًا يقول: افعل الرقية كتجربة إن نفعت وإلا لم تضر؛ بل يجزم بأنها نافعة حقًا، وأنها هي الشفاء الصحيح كما أخبر الله تعالى .
فمتى تمت هذه الشروط نفعت بإذن الله تعالى، و الله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
هل يُشترط أن يكون الراقي من العلماء ؟
لقد دار جدل حول من يقرؤون القرآن ليرقوا به الناس فقال البعض: لا يجوز لأحد أن يرقي بالقرآن لجمهور الناس إلا أن يكون من أهل العلم الشرعي، وقال البعض الآخر: إنه يكفي أن يكون من حفظة كتاب الله، سليم المعتقد، من أهل الصلاح والتقوى .
أرجو بيان الصواب في هذه المسألة والحكم الشرعي في ذلك .
الذي أرى أنه لا يشترط أن يكون من أهل العلم؛ إذا كان حافظًا لكتاب الله، معروفًا بالتقى والصلاح، ولم يقرأ إلا بالقرآن أو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا بأس، وليس من شرط أن يكون عالمًا، وبعض العلماء يكون عالمًا لكن في القراءة يكون أقل من بعض الآخرين؛ أي من بعض الناس .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
الأولى أن يرقي الإنسان نفسه
هل يمكن للمسلم أن يعالج نفسه بنفسه بالقراءة والنفث في الماء ؟(4/141)
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحس بمرض ينفث في يديه (ثلاث مرات) بـ (قل هو الله أحد ) و(المعوذتين)، ويمسح بهما في كل مرة مااستطاع من جسده عند النوم عليه الصلاة والسلام، بادئاً برأسه ووجهه وصدره؛ كما أخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح(1). ورقاه جبرائيل عليه السلام لما مرض في الماء بقوله: بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ (2)؛ (ثلاث مرات)، وهذه الرقية مشروعة ونافعة .
وقد قرأ صلى الله عليه وسلم في ماء لثابت بن قيس رضي الله عنه، وأَمَرَ بِصَبِّهِ عليه؛ كما روى ذلك أبو داود في الطب بإسناد حسن(3) ... وإلى غير هذا من أنواع الرقية التي وقعت في عهده عليه الصلاة والسلام؛ ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم رقى بعض المرضى بقوله: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ، واشْفِِ َأَنْتَ الشَّافِي؛ لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا"(4).
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (8/94)
جواز رقية الغير وكراهة طلبها للنفس
قرأنا في (كتاب التوحيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب في حديث السبعين: إنهم (لا يرقون)، وقرأنا في (زاد المعاد) لابن القيم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رقى بعض أصحابه، وقال في ذلك بعض الأدعية؛ فهل فعله صلى الله عليه وسلم نسخٌ لما ورد في الحديث ؟ أم أنها من الأفعال الخاصة به ؟
__________
(1) …البخاري (5735)، ومسلم (2192).
(2) …مسلم (2186).
(3) …أبو داود (3885)، والنسائي «الكبرى» (10856، 10879)، والطبراني في «الأوسط» (9118)، و«الكبير» (1323)، وابن حبان في «صحيحه» (6069).
(4) …البخاري (5675)، ومسلم (2191).(4/142)
أنا قرأت كتاب التوحيد، ولم أجد فيه هذه الكلمة وهي كلمة: لا يرقون ، وهذا السائل إذا كان قد وجدها فيمكن أنها بنسخة غير معتمدة، والرواية التي قرأناها في كتاب التوحيد فيها: هُمُ الَّذِينَ لا يَتَطَيَّرُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (1)، فإذا كان في بعض النسخ: لا يرقون فيمكن أنها أخذت من رواية ضعيفة؛ وذلك لأن الحديث موجود في الصحيحين في بعض رواياته: لا يَرْقُون(2) ولا يَسْتَرْقُون .
ولكن صحح العلماء أن كلمة: لا يرقون خطأ من بعض الرواة، وأن الصواب: لا يسترقون (3)، [فقط].
فكونك ترقي غيرك وتنفعه مما تثاب عليه ولا ضرر عليك في ذلك؛ فقد نفعت غيرك - كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" (4) .
وأما كونك تطلب غيرك فإن ذلك دليل على ضعف التوحيد، ودليل على أنك ما وثقت بالتوكل على الله؛ فالراقي يجوز أن يرقي غيره، ولكن يكره له أن يطلب من يرقيه .
الشيخ ابن جبرين - الكنز الثمين (1/192-194)
كيفية علاج المريض بالرُّقْيَة الشرعية
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، إلى حضرة الأخ المكرم .. سلَّمه الله .. فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم (2610) وتاريخ 4/7/1407هـ الذي تذكر فيه ما أصاب والدتك من النسيان بعد إجرائها لعملية المرارة، وطلبك أن ندلك على علاج شرعي لما أصابها .
__________
(1) …البخاري (5752)، ومسلم (220).
(2) …هذا اللفظ في رواية عند مسلم: (220).
(3) …انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (1/182 و328)، و«فتح الباري» (11/408 و409) و«الضعيفة» للألباني (3690).
(4) …مسلم (2199).(4/143)
وأفيدك بأن ما حصل على والدتك إنما هو بقضاء الله وقدره، وعلى المسلم أن يصبر ويحتسب ما عند الله من الأجر - عملاً بقول الله سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ *} [سورة البقرة] ، وقوله سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *} [سورة التغابن] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ" (1)؛ حسنه الترمذي .
ونوصيك بأن تقرأ عليها بفاتحة الكتاب وآية الكرسي و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، وغير ذلك من آيات القرآن العزيز. وتكرر ذلك في كل صباح ومساء؛ لأن الله سبحانه أنزل كتابه شفاء من كل سوء؛ كما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء}[سورة فصلت، من الآية: 44] .
__________
(1) …الترمذي (2396) وقال: «حسن غريب»، وابن ماجه (4031)، وحسنه الألباني، وهو في صحيح الجامع برقم (2110) .(4/144)
كما نوصيك بالدعاء الصحيح المشهور؛ مثل: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ، اِشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ؛ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا" (1)، و "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْم اللهِ أَرْقِيكَ" (2)، تكرر هذين الدعاءين ثلاث مرات، وتدعو لها أيضًا بما أحببت من الدعاء سوى ذلك، وكونه مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل .
كما نوصيك بعرضها على الأطباء المختصين ولاسيما الذين أجروا لها العملية لعلهم يجدون لها علاجًا .
وفق الله الجميع لما فيه رضاه، وشفى والدتك مما أصابها، ومتع الجميع بالصحة والعافية. إنه سميع مجيب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/389)
الرقية بالقرآن وأخذ الأجرة عليها
هل ورد في الشرع المطهر ما يمنع من رقية المريض بالقرآن الكريم ؟ وهل يجوز للراقي أن يأخذ أجراً على عمله أو هدية ؟
رقية المريض بالقرآن الكريم إذا كانت على الطريقة الواردة؛ بأن يقرأ وينفث على المريض أو على موضع الألم أو في ماء يشربه المريض - فهذا العمل جائز ومشروع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رقى ورُقي وأمر بالرقية وأجازها .
قال السيوطي: وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي وما يعرف معناه، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى(3).
__________
(1) …البخاري (5675)، ومسلم (2191).
(2) …مسلم (2186).
(3) …«تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد» للشيخ:سليمان بن عبدالله بن محمد ابن عبدالوهاب (1/136). وقد سبق السيوطي في القول بالإجماع: ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري» (10/195).(4/145)
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: والرُّقَى هي التي تسمى بالعزائم، وخَصَّ منها الدليل ما خلا من الشرك؛ فقد رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من العَيْن والحُمَة(1)؛ يعني: سم العقرب إذا لسعت الإنسان، وكذا لدغ الحية، فإن الرقية من ذلك تنفع بإذن الله. ولا بأس أن يأخذ الراقي أجرة أو هدية على عمله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة الذين أخذوا الأجرة على رقية اللديغ؛ وقال: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ" (2) .
الشيخ الفوزان - كتاب الدعوة (1/65)
من آداب أخذ الأجرة على الرقية وإعطائها
تلقى أحدهم علاجاً بالرقى الشرعية من أحد المشهود لهم بالصلاح والخير وأعطاه أجراً على رقيته، ولكنه بعد ذلك استكثر ما أعطاه للراقي فادعى على الراقي أموراً غير صحيحة؛ حسداً منه لذلك الراقي .. فما حكم مثل هذا العمل ؟
يفضل أن الراقي يتبرع برقيته لنفع المسلمين واحتساب الأجر من الله في شفاء مرضى المسلمين وإزالة الضرر عنهم، وأن لا يطلب أجرة على رقيته بل يترك الأمر إلى المرضى؛ فإن دفعوا له أكثر من تعبه زهد فيها وردها، وإن كانت دون حقه تغاضى عن الباقي، وهذا من أكبر الأسباب لتأثير الرقية. أما إذا دفع إليه شيئاً من المال عن طيب نفس فليس له الرجوع فيما أعطاه؛ وذلك لأنه قد سمح بها ودفعها كعطية أو هدية أو أجرة طيبة بها نفسه؛ فرجوعه فيها كالرجوع في الهبة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ" (3)، وفي حديث آخر: "لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ؛ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ" (4)، قال الراوي: ولا أعلم القيء إلا حرامًا .
__________
(1) …«كتاب التوحيد» (1/29) .
(2) …البخاري (5737).
(3) …البخاري (2621)، ومسلم (1622) (17) .
(4) …البخاري (2622).(4/146)
ثم إن دعواه على الراقي أمورًا أخرى يعتبر ظلمًا وإفكًا وكذبًا يعاقب عليه، وهكذا الحسد الذي حصل منه للراقي؛ وقد قال تعالى عن اليهود: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}[سورة النساء، من الآية:54] ، فالحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. فعليه أن يتوب ويترك الظلم والحسد ويقنع بما قسم الله تعالى، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
توضيح حديث ( ... تُربة أرضِنا بريقةِ بعضنا .. )
جاء في فتوى سابقة أن التبرك بريق أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم حرام ونوع من الشرك باستثناء الرقية بالقرآن. وهذا يشكل مع ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الرقية: "بِسْمِ اللهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا؛ يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا" (1) .
فنرجو من فضيلتكم التكرم بالتوضيح .
ذكر بعض العلماء أن هذا مخصوص برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأرض المدينة فقط؛ وعلى هذا فلا إشكال .
ولكن رأي الجمهور: أن هذا ليس خاصًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بأرض المدينة؛ بل هو عام في كل راق وفي كل أرض؛ ولكنه ليس من باب التبرك بالريق المجردة بل هو ريق مصحوب برقية وتربة للاستشفاء، وليس لمجرد التبرك .
وجوابنا في الفتوى السابقة هو التبرك المحض بالريق؛ وعليه فلا إشكال لاختلاف الصورتين .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (1/108، 109)
الجمع بين حديثي: ( وصف الرُّقَى بالشِّرك ) و ( حَثّ المسلم على رُقية أخيه )
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" (2) .
__________
(1) …البخاري (5745)، ومسلم (2194).
(2) …أحمد (1/381)، وأبو داود (3883)، وابن ماجه (3530). وصححه الألباني؛ كما في «صحيح الجامع» (1632)، و«السلسلة الصحيحة» (331).(4/147)
وعن جابر رضي الله عنه قال: ((كان لي خال يرقي من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، قال: فأتاه فقال: يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى وأنا أرقي من العقرب فقال: "مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ"(1) .. ما هو الجمع بين أحاديث المنع والجواز في موضوع الرقى ؟ وما حكم تعليق الرقى من القرآن على صدر المبتلى ؟
الرقى المنهي عنها هي الرقى التي فيها شرك أو توسل بغير الله أو ألفاظ مجهولة لا يعرف معناها .
أما الرقى السليمة من ذلك فهي مشروعة ومن أعظم أسباب الشفاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكاً" (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" ، خرجهما مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم : "لا رُقْيَةَ إِلا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ" (3) ومعناه: لا رقية أولى وأشفى من الرقية من هذين الأمرين. وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورُقي .
__________
(1) …مسلم (2199) .
(2) …مسلم (2200)، وأبو داود (3886) والفظ له.
(3) …أحمد (4/436، 438، 446)، وأبو داود (3884، 3889)، والترمذي (2057)، وابن ماجه (3513)، والطبراني في «الأوسط» (1449)، و«الكبير» 1/254 و18/235 (733، 587). وصححه النووي في «المجموع» (9/62)، والألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3289).(4/148)
أما تعليق الرقى على المرضى أو الأطفال فذلك لا يجوز، وتسمى الرُّقَى المُعَلَّقة: [التمائم] وتسمى: الحروز والجوامع. والصواب فيها أنها محرمة ومن أنواع الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللهُ لَهُ" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ" (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" .
واختلف العلماء في التمائم إذا كانت من القرآن أو من الدعوات المباحة هل هي محرمة أم لا ؟ والصواب تحريمها لوجهين:
أحدهما: عموم الأحاديث المذكورة فإنها تعم التمائم من القرآن وغير القرآن.
والوجه الثاني: سَدُّ ذريعة الشرك فإنها إذا أبيحت التمائم من القرآن اختلطت بالتمائم الأخرى واشتبه الأمر، وانفتح باب الشرك بتعليق التمائم كلها. ومعلوم أن سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي من أعظم القواعد الشرعية، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة - الفتاوى (2/20، 21)
هل الرقية محصورة بنصوص معينة ؟
هل يعد من الرقى الشرعية قراءة بعض الأدعية غير الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مع تقييدها بدعاء الله وحده وسلامتها من ذرائع الشرك ؟ وكذلك قراءة بعض السور والآيات التي لم يرد في السنة بخصوصها شيء وإنما يستحسنها الراقي ويرقي بها مكرراً لها بأعداد معلومة دون الاعتقاد بأن العدد له أثر في الشفاء؛ فهل هذا جائز ؟
__________
(1) …أحمد (4/154)، وأبو يعلى (1759)، والطبراني في «مسند الشاميين» (234)، وابن حبان (6086)، والحاكم 4/216 (7501) وصححه ووافقه الذهبي. .
(2) …أحمد (4/156)، قال في «مجمع الزوائد» (5/103): «رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات».(4/149)
لم تحدد الرقية الشرعية في سور مخصوصة ولا آيات معدودة ولا أدعية معينة؛ بل أطلقت كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا" (1) .
فمتى كانت القراءة سالمة من دعاء الجن أو الشياطين أو الذبح لغير الله ولو ذبابًا أو العمل المخالف للشريعة كأكل النجاسات أو ترك الصلوات .
إذا سلمت من ذلك فهي جائزة بلا كراهة؛ فإن الله وصف القرآن كله بأنه شفاء ورحمة للمؤمنين ولم يحدد آيات خاصة، وهكذا أمر بالدعاء في قوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[ سورة غافر، من الآية:60] ، {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[سورة الأعراف، من الآية: 55] ، ولم يخصص لهم لفظًا معينًا يقتصرون عليه في الدعاء.
ولا بأس بتكرار الآيات والأدعية ولو عشرات المرات فإن كلام الله تعالى شفاء كالفاتحة ونحوها، وكذا تكرار الأدعية المأثورة ونحوها .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم تخصيص آيات معينة لأمراض معينة
ما حكم تخصيص آيات معينة وتكرارها بأعداد محددة لعلاج أمراض معينة؛ مثل أن يقرأ آيات معينة من سورة معينة ويكررها بأعداد محددة لمرض السرطان مثلاً، وغيرها لمرض آخر إلى غير ذلك ؟
__________
(1) …مسلم (2200)، وأبو داود (3886) والفظ له.(4/150)
قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[الإسرَاء، من الآية: 82]؛ فظاهر الآية أن من القرآن آيات تكون قراءتها سببًا للشفاء والرحمة، وقيل: إن (مِنَ) لبيان الجنس أي إن جنس القرآن شفاء ورحمة، ولا شك أن هناك آيات ورد فيها ما يدل على الاستشفاء بها، وقد ثبت في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: قراءة سورة الفاتحة كعلاج للديغ؛ فأقر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ" (1)، وفي حديث آخر: "فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ" (2) .
__________
(1) …البخاري (5736)، ومسلم (2201).
(2) …الدارمي (3370)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (2367). قال السيوطي في «الدر المنثور» (1/15): «بسندٍ رجاله ثقات».(4/151)
وثبت أن آية الكرسي سبب للحفظ من وسوسة الشيطان(1)، ورويت آثار عن السلف من الصحابة والتابعين في العلاج ببعض الآيات القرآنية والأدعية النبوية، وجربت آيات السحر الثلاث في سورة الأعراف ويونس وطه؛ فوجدت مؤثرة في حل السحر وفي علاج المحبوس عن أهله، وكذا قراءة المعوذتين. ولا بأس بتكرار القراءة والاستعاذة - كما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم: كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا: فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ؛ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ. يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ (2)، فلا إنكار على من فعل ذلك أو نحوه، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
من الرُّقَى الشرعية الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم
ما الرقى الشرعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان عندما يريد النوم يجمع يديه وينفث فيهما ويقرأ آية الكرسي والمعوذتين والكافرون والإخلاص ثلاث مرات، ثم يمسح بهما ما أقبل من جسده يبدأ بوجهه وعنقه وصدره وبطنه ورجليه، فلما مرض كانت عائشة تقرأ بها وتنفث وتمسح بيديه رجاء بركتها(3) .
__________
(1) …يشير إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: قال له الجنيّ: «دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قال أبو هريرة: وما هن ؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ُ [ ء ] . _ ز ر ِ حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح»، البخاري (2311).
(2) …البخاري (5017).
(3) …البخاري (4439، 5016، 5017)، ومسلم (2192). وهو مروي هنا بالمعنى. ولم أجد في الروايات المشهورة كلمة (بيديه) بالتثنية؛ بل بالإفراد: (بيده).(4/152)
وورد أن بعض الصحابة رقى لديغًا بالفاتحة فبرئ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ" (1)، وكان أيضًا يتعوذ ويقول: "أَعُوذُ بالله من الجَانِّ، ومِنْ عَيْنِ الإنسان". ثم اسْتَعْمَلَ المُعَوِّذَتَيْن (2)، وكان يرقي بقوله: "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ" (3) .
__________
(1) …البخاري (5749)، ومسلم (2201).
(2) …الترمذي (2058)، وقال: «حسن غريب»، والنسائي (5494)، وابن ماجه (3511). وهو مروي هنا بالمعنى.
(3) …مسلم (2186).(4/153)
ونهى عن الرقية الشركية وعَلَّم بدلها: "أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا" (1)، ومن ذلك أن يقول: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)، وَمِنْ شَرِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّة، وَمِنْ شَرِّ عَيْنٍ لاَمَّة(3)، وَمِنْ شَرِّ مَخْلُوقَاتِ اللهِ كُلِّهَا عَامَّة"، وقال: إِذَا اشْتَكَى أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ الأَلَمِ وَلْيَقُلْ: "أَعُوذُ بِعزَّةِ اللهِ وقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ ما أَجِدُ وأُحَاذِر" (4)، ونحو ذلك.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
سُوَرٌ ثبت الاستشفاء بها
هل تلاوة سورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة للاستشفاء حرام أم حلال ؟ وهل فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من السلف الصالح ... ؟ أفيدونا .
إن تلاوة سورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة وغير هذه السور من القرآن على المريض من الرقية الجائزة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعله وبإقراره لأصحابه .
__________
(1) …البخاري (5675)، ومسلم (2191).
(2) …مسلم (2708)؛ عن خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك».
(3) …البخاري (3371)؛ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعوِّذُ الحسن والحسين ويقول: «إن أباكما كان يعوِّذ بهما إسماعيل وإسحاق، أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة».
(4) …مسلم (2202) بلفظ: «أعوذ بالله وقدرته». أما زيادة «بِعزَّة»: فوردت عند أبي داود والترمذي وابن ماجه وموطأ مالك ومسند أحمد وغيرهم.(4/154)
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ - (سورة الإخلاص والمُعَوِّذَتَيْن) - فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا قَالَ مَعْمَرٌ: فَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: كَيْفَ يَنْفِثُ ؟ قَالَ كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ (1) .
وروى البخاري عن طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن أناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يُقْرُوهُم؛ فبينما هم كذلك إذ لُدِغَ سيد أولئك، فقال: هل معكم من دواء أو راق، فقالوا: إنكم لم تُقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعْلاً، فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فَبَرَأ فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فسألوه فضحك، وقال: "وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ" (2) .
ففي الحديث الأول قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه بالمعوذات في مرضه، وفي الثاني إقراره للصحابة على الرقية بالفاتحة .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - مجلة البحوث الإسلامية/ العدد (27) ص (52، 53)
النَّفْثُ في الماء من الرُّقى الجائزة
هل يشرع النفث في الماء ثم يسقاه المريض استشفاء بريق ذلك النافث وما على لسانه حينئذ من ذكر الله تعالى أو شيء من الذكر كآية من القرآن أو نحو ذلك ؟
__________
(1) …البخاري (5735) وأطرافه في (2276)، ومسلم (2192).
(2) …البخاري (5736)، ومسلم (2201). ومعنى (فلم يُقْرُوهم): أي فلم يُضَيِّفُوهُم.(4/155)
لا بأس بذلك فهو جائز؛ بل قد صرح العلماء باستحبابه، وبيان حكم هذه المسألة مدلول عليه بالنصوص النبوية، وكلام محققي الأئمة، وهذا نصها:
قال البخاري في صحيحه: (باب النفث في الرقية) ثم ساق حديث أبي قتادة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ" (1)، وساق حديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَد وَالْمُعَوِّذَتَيْن جميعًا، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ(2).
وروى حديث أبي سعيد رضي الله عنه في الرقية بالفاتحة، ونص رواية مسلم: فَجَعَلَ يَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ الرَّجُلُ (3)، وذكر البخاري حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الرقية: "بِسْمِ اللهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا" (4) .
وقال النووي(5): فيه استحباب النفث في الرقية، وقد أجمعوا على جوازه، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
وقال البيضاوي(6): قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلاً في النضج وتعديل المزاج، وتراب الوطن له تأثير في حفظ المزاج ودفع الضرر، .. إلى أن قال: ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كُنْهِها .
__________
(1) …البخاري (5747)، ومسلم (2261).
(2) …البخاري (5017).
(3) …البخاري (5749)، ومسلم (2201).
(4) …البخاري (5745)، ومسلم (2194).
(5) …في شرحه على «صحيح مسلم» (14/182).
(6) …انظر: «فتح الباري» (10/208).(4/156)
وتكلم ابن القيم في الهَدْي (1) في حكمة النفث وأسراره بكلام طويل قال في آخره: وبالجملة فنفس الراقي تقابل تلك النفوس الخبيثة وتزيد بكيفية نفسه وتستعين بالرقية والنفث على إزالة ذلك الأثر، وكلما كانت كيفية نفس الراقي أقوى كانت الرقية أتم، واستعانته بنفثه كاستعانة تلك النفوس الرديئة بلسعها، وفي النفث سر آخر فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبيثة؛ ولهذا تفعله السحرة كما يفعله أهل الإيمان . اهـ .
وفي رواية مهنا عن أحمد: في الرجل يكتب القرآن في إناء ثم يسقيه المريض، قال: لا بأس به، وقال صالح: ربما اعتللت فيأخذ أبي ماء فيقرأ عليه ويقول لي: اشرب منه واغسل وجهك ويديك .
وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله في زوال الإشكال الذي حصل لكم فيما يتعاطى في بلدكم من النفث في الإناء الذي فيه الماء ثم يسقاه المريض . وصلى الله على محمد .
الشيخ محمد بن إبراهيم - الفتاوى المتعلقة بالطب ص (391)، وفتاوى المرأة المسلمة (1/158، 159)
حكم القراءة على الماء والزيت والمراهم ونحوها وحكم العزائم
بعض من يرقي بالرقى الشرعية يقومون بالقراءة على الماء أو الزيت أو بعض المراهم والكريمات أو كتابة بعض الأذكار بالزعفران على بعض الأوراق ثم نقع هذه الأوراق في الماء ومن ثم شربها أو الاغتسال بها ويسمونها عزائم؛ فما حكم عمل هذه العزائم وتعاطيها ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" (2)، وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في «كتاب التوحيد» الرقى هي التي تسمى العزائم، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك؛ فقد رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم من العين والحمة . انتهى.
__________
(1) …«زاد المعاد في هدي خير العباد» (4/179)، و«الطب النبوي» ص (140)
(2) …أحمد (1/381)، وأبو داود (3883)، وابن ماجه (3530). وصححه الألباني؛ كما في «صحيح الجامع» (1632)، و«السلسلة الصحيحة» (331).(4/157)
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا"(1)، وقال: "مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" (2)، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم رقى بعض أصحابه ورقاه جبريل عليه السلام لما سحره اليهودي، وكان يرقي نفسه فينفث في يديه ويقرأ آية الكرسي والمعوذتين وسورة الإخلاص، ثم يمسح ما استطاع من جسده، يبدأ بوجهه وصدره وما أقبل من بدنه.
وثبت عن السلف القراءة في ماء ونحوه ثم شربه أو الاغتسال به مما يخفف الألم أو يزيله؛ لأن كلام الله تعالى شفاء - كما في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء}[سورة فصلت، من الآية:44] ، وهكذا القراءة في زيت أو دهن أو طعام ثم شربه أو الادهان به أو الاغتسال به؛ فإن ذلك كله استعمال لهذه القراءة المباحة التي هي كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا مانع أيضاً من كتابتها في أوراق ونحوها ثم تغسل ويشرب ماؤها، وسواء كتبت بماء أو زعفران أوحبر فإن ذلك داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا بَأْسَ بالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا"؛ أي: إذا كانت بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، و الله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
جواز الاستشفاء بغسيل الآيات، والنفث أولى
س1: هل يجوز التداوي من مرض بكتابة آيات من القرآن على لوح خشبي ثم تمحى بماء يسقى به المريض ؟ وهل يجوز أخذ الأجرة عن هذا العمل ؟
__________
(1) …مسلم (2200)، وأبو داود (3886)، وهذا لفظه.
(2) …مسلم (2199).(4/158)
ج1: يرى بعض العلماء أنه لابأس بكتابة القرآن على شيء طاهر، ويغسل هذا المكتوب، ويشربه المريض للاستشفاء بمثل هذا؛ لأنه داخل في الرقية كما ذكر هذا عنهم العلماء في كتبهم وفتاويهم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى)(1) ، وكذلك العلامة ابن القيم في ( زاد المعاد )(2) وغيرهم من أهل العلم. ولكن الأولى أن تكون الرقية بالقراءة على المريض مباشرة؛ بأن يقرأ القرآن وينفث على المريض أو على محل الإصابة. هذا هو الأفضل والأكمل .
وأما أخذ الأجرة على كتابة العزائم من القرآن على الصفة المذكورة فلابأس بذلك أيضاً، لأن أخذ الأجرة على الرقية جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة الذين أخذوا الجُعْل على الرقية ... كما جاء ذلك في الحديث الصحيح في قصة اللَّديغ(3).
الشيخ الفوزان - المنتقى (2/145)
س2: إذا طلب رجل به ألم رُقًى، وكتب له بعض آيات قرآنية، وقال الراقي: ضعها في ماء واشربها؛ فهل يجوز أم لا ؟
ج2: سبق أن صدر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء جواب عن سؤال مماثل لهذا السؤال هذا نصه: كتابة شيء من القرآن في جام أو ورقة وغسله وشربه يجوز - لعموم قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[الإسراء، من الآية: 82 ] .
فالقرآن شفاء للقلوب والأبدان. ولما رواه الحاكم في المستدرك وابن ماجه في السنن: عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ: الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ"(4)، وما رواه ابن ماجه: عن علي رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خَيْرُ الدَّوَاءِ الْقُرْآنُ" (5) .
__________
(1) …انظر: «مجموع الفتاوى» (19/64، 65) .
(2) …انظر: «زاد المعاد» (4/170، 171) .
(3) …البخاري (5749)، ومسلم (2201).
(4) …ابن ماجه (3452)، والحاكم في المستدرك 4/200، 403، (7435، 8225)، وصححه ووافقه الذهبي.
(5) …ابن ماجه (3501، 3533).(4/159)
وروى ابن السني(1) عن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا عسر على المرأة ولادتها خُذ إناءً نظيفًا فاكتب عليه: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} الآية [الأحقاف، من الآية: 35] ، و{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا} ... الآية [النازعات، من الآية: 46] ، و{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} ... الآية [يوسف، من الآية: 111] ، ثم يغسله وتسقى المرأة منه وتنضح على بطنها وفي وجهها .
وقال ابن القيم في (زاد المعاد) ج3 ص 183:
قال الخلال: حدثني عبدالله بن أحمد قال: رأيت أبي يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض أو شيء نظيف يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنهما: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ}[الأحقاف، من الآية: 35] ، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}[النازعات: 46] ، قال الخلال: أنبأنا أبوبكر المروذي: أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله، تكتب لامرأة عسرت عليها ولادتها منذ يومين ؟ فقال: قل له يجيء بجام واسع وزعفران، ورأيته يكتب لغير واحد(2) .
__________
(1) …ابن السني في «اليوم والليلة» (619). قال محققه: «وفيه عبدالله بن محمد المغيرة، قال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال ابن يونس: منكر الحديث». وأخرجه موقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنهما: ابن أبي شيبة في «مصنفه» (23508) مقتصراً على آيتي الأحقاف والنازعات.
(2) …«زاد المعاد» (4/357)، بتحقيق: شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط.(4/160)
وقال ابن القيم أيضًا(1): ورأى جماعة من السلف أن تُكتب له الآيات من القرآن ثم يشربها. قال مجاهد: لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض، ومثله عن أبي قلابة. انتهى كلام ابن القيم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة - مجلة البحوث الإسلامية/ العدد (27)، ص (51، 52)
س3: يقوم بعض الناس بكتابة ما يعرف عندنا بالعَزِيمة: (آيات من القرآن الكريم تكتب على ورق بِمِدَاد الزعفران الطاهر، ويغطسها المريض في الماء ثم يشربه أو يغتسل به)؛ وهي تكتب إما بخط اليد، وقد ينحتها بعضهم على قالب معدني (كليشة) ثم يختم بها على الورق، وبعضهم يطبعها طباعة عبر جهاز الحاسب الآلي، وجميع هؤلاء يستخدمون مداد الزعفران في عملهم ذلك ؛ فما هو الأفضل من هذه الطرق؟ بارك الله فيكم ونفعنا بعلمكم ... اللهم آمين.
ج3: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : (إن في القرآن سبعة وثلاثين موضعًا فيها قول: لا إله إلا الله؛ فمن كُتبت له بزعفران وغسلها بماء زمزم أو بماء المطر شُفِيَ من المرض، وإن كان مسحورًا انْحَلَّ سِحْرُه)(2) ، ثم سرد المواضع المذكورة. وقد كنا نفعل ذلك فنكتبها في أوراق بخط دقيق وزعفران ساطع؛ فيغسلها المريض ثلاث غسلات ويشرب غُسَالتها ثم يجمع الورقة، وإذا يبست جعلها على جمر وتلقى دخانها. وهكذا أدركنا كثيرًا من المشايخ: كالشيخ عبدالعزيز بن مرشد، والشيخ عبدالرحمن بن فريان، والشيخ أحمد بن منصور؛ ولا ينكر عليهم أحد من المشايخ. فلا نرى مانعًا من استعمالها، ويرجى الشفاء بذلك. والأفضل كتابتها بالقلم في الأوراق مع اختيار دقة الأقلام وتقارب الأسطر؛ حتى تتسع لعدد من الآيات، ويكتب في الورقة في الوجهين كليهما. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها توقيعه، في: 29/1/1425هـ
من علاج الوَسْوَاس
__________
(1) …«زاد المعاد» (4/170) .
(2) …لم أعثر على من خرَّجه.(4/161)
أنا فتاة في العشرين من العمر مؤمنة ولله الحمد .. أعاني من مشكلة الوسواس وعلى وشك الجنون من هذا المرض النفسي الذي عانيت منه ثلاث أو أربع سنوات، ولم أفلح أن أدفعه عني .. أريد أن أعرف هل يسلط الله على عباده هذا الشيطان الرجيم امتحاناً لهم أم ماذا ؟ والذي لايستطيع دفعه ماذا عليه أن يفعل ؟ ... نرجو النصيحة.
في الحقيقة أن الوَسْوَسَة مرض خطير وهي من كيد الشيطان لبني آدم، يريد بذلك مضايقتهم وتضليلهم وإشغالهم عن طاعة ربهم. ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من هذه الوسوسة وأنزل في ذلك سورة كاملة؛ قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6)} [الناس] .
فهذا الشيطان له وسوسة مع بني آدم ويشتد ذلك في حق المؤمنين، ولكن يعالج بأمرين:
1- أن المؤمن لا يلتفت لهذه الوسوسة بل يرفضها رفضاً تاماً؛ لأنها من الشيطان ولا تضره .
2- أن يشتغل بذكر الله سبحانه وتعالى؛ لأن المؤمن إذا اشتغل بذكر الله ابتعد عنه الشيطان، ولهذا قال سبحانه وتعالى في حقه: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}؛ أي: أنه يوسوس للعبد مع غفلته عن ذكر الله. ويخنس: أي يبتعد عنه عندما يذكر العبد ربه عز وجل؛ ولهذا وصفه أنه وسواس خناس.
والذي أنصح به للسائلة ولأمثالها أن تعمل بهاتين الخصلتين وهما:
أولاً: عدم الالتفات لهذه الوسوسة وعدم الاكتراث بها والانفعال معها . ثم تزول بإذن الله؛ لأن الإنسان إذا أعطاها اهتماماً والتفت إليها زادت وتمكن منه الشيطان .
ثانياً: الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى وتلاوة القرآن، والاستعاذة بالله من الشيطان، وقراءة آية الكرسي والمعوذتين وتكرار ذلك، وبهذا يزول بإذن الله .
الشيخ الفوزان - فتاوى نور على الدرب (3/33)
علاج الضيق والاكتئاب النفسي(4/162)
أنا فتاة في العشرين من العمر مسلمة وملتزمة ومتزوجة من حوالي عام ونصف، وبحمد الله رزقت من حوالي ستة أشهر بمولود وكانت الولادة طبيعية بحمد الله، وبعد الولادة بحوالي أسبوع أصبت بحالة ضيق شديد ولم يحدث لي هذه الحالة من قبل، ولم يبق لي قابلية للاهتمام بأي شيء حتى المولود، وقد عرضت على أخصائي نفساني وأخذت العلاج إلى فترة قريبة ولم يحدث من هذا العلاج عودتي إلى طبيعتي كما كنت قبل الولادة، وقد زهقت من طول فترة العلاج .
وأسأل الله أن توفقوا في معرفة علاج شرعي لهذا الضيق واكتئاب النفس أو العلاج الأمثل لكي أعود إلى طبيعتي ورعاية زوجي وابني وخدمة البيت. وإني قد سمعت من فترة ماضية عن الحديث الذي يقول: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ"(1) ، فإني أرجو من الله توضيح هذا الحديث، وهل هو ينطبق على حالتي النفسية أم هو للحالات العضوية ؟ وإذا كان ماء زمزم يفيد بإذن الله في شفاء حالتي هذه فكيف يمكن نقله إليّ ؟
__________
(1) …أحمد (3/357)، وابن ماجه (3062)، وابن أبي شيبة (14137، 23723)، والدارقطني (2/289)، والطبراني في «الأوسط» (849، 3815، 9027)، والحاكم (1/473) . وهو حديث حسن لشواهده؛ انظر: «المتجر الرابح» للدمياطي (891-893)، و«مصباح الزجاجة» (3/209)، و«وأسنى المطالب» (1221)، و«كشف الخفاء» 2/229 (2168).(4/163)
ثقي بالله تعالى وحسني الظن به وفوضي أمرك إليه ولا تيأسي من رحمته وفضله وإحسانه؛ فإنه سبحانه ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء، وعليك الأخذ بالأسباب فاستمري في مراجعة الأطباء المتخصصين في معرفة الأمراض وعلاجها، واقرئي على نفسك: سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس (ثلاث مرات)، وانفثي في يديك عقب كل مرة، وامسحي بهما وجهك وما استطعت من جسمك وكرري ذلك مرات ليلاً ونهاراً وعند النوم واقرئي على نفسك أيضًا سورة الفاتحة في أي ساعة من ليل أو نهار واقرئي آية الكرسي عندما تضطجعين في فراشك للنوم فذلك من خير ما يرقي الإنسان به نفسه ويحصنها من الشر .
وادعي الله تعالى بدعاء الكَرْب، فقولي: "لا إِلَهَ إِلا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" (1)، وارقي نفسك أيضًا برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا" (2)، إلى غير ذلك من الأذكار والرقى والأدعية التي ذكرت في دواوين الحديث، وذكرها النووي في كتاب «رياض الصالحين» وكتاب «الأذكار» .
__________
(1) …البخاري (6345، 6346)، كتاب الدعوات، ومسلم (2730).
(2) …البخاري (5743)، ومسلم (2191).(4/164)
أما ما ذكرت عن ماء زمزم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ" فقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث حسن، وهو أيضًا عام، وأصح منه قول النبي صلى الله عليه وسلم في ماء زمزم: "إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ؛ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وشِفَاءُ سُقْمٍ" (1)، رواه مسلم وأبو داود وهذا لفظ أبي داود. فإذا أردت منه شيئًا أمكنك أن توصي من يحج من بلدك ليأتي بشيء منه في عودته من حجه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن باز - من كتاب فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها ص (25-27)
العلاج بالرقى للأمراض النفسية
هل المؤمن يمرض نفسياً ؟ وما علاجه في الشرع ؟ علماً بأن الطب الحديث يعالج هذه الأمراض بالأدوية العصرية فقط .
لا شك أن الإنسان يصاب بالأمراض النفسية بالهم للمستقبل والحزن على الماضي، وتفعل الأمراض النفسية بالبدن أكثر مما تفعله الأمراض الحسية البدنية، ودواء هذه الأمراض بالأمور الشرعية؛ أي: الرقية أنجح من علاجها بالأدوية الحسية كما هو معروف .
__________
(1) …مسلم (2473) بدون عبارة: «وشفاء سقم»؛ وهي في «مسند أبي داود الطيالسي» (457) .(4/165)
ومن أدويتها: الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه: إنه ما من مؤمن يصيبه هَمٌّ أو غمّ أو حزن فيقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ: أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي"، إلا فرج الله عنه(1). فهذا من الأدوية الشرعية، وكذلك أيضًا أن يقول الإنسان: "لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ" (2)، ومن أراد مزيدًا من ذلك فليرجع إلى ما كتبه العلماء في باب الأذكار: كـ«الوابل الصيب» لابن القيم، و«الكلم الطيب» لشيخ الإسلام ابن تيمية، و«الأذكار» للنووي، وكذلك «زاد المعاد» لابن القيم .
__________
(1) …أحمد (1/391، 452)، وأبو يعلى (5297)، والبزار (994)، وابن حبان (972)، والطبراني في «الكبير» (10352). قال في «مجمع الزوائد» (10/136): «ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني، وقد وثقه ابن حبان».
(2) …أحمد (1/170)، والترمذي (3505)، وأبو يعلى (772)، والبزار (1163، 1186)، والحاكم 1/505 (1862، 1863) وَ2/382، 583 (3444، 4121) وصححه ووافقه الذهبي. وانظر: «مجمع الزوائد» 10/159 .(4/166)
لكن لما ضعف الإيمان ضعف قبول النفس للأدوية الشرعية، وصار الناس الآن يعتمدون على الأدوية الحسية أكثر من اعتمادهم على الأدوية الشرعية، ولما كان الإيمان قويًا كانت الأدوية الشرعية مؤثرة تمامًا؛ بل إن تأثيرها أسرع من تأثير الأدوية الحسية. ولا يخفى علينا جميعًا قصة الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية فنزلوا على قوم من العرب، ولكن هؤلاء القوم الذين نزلوا عليهم لم يضيفوهم، فشاء الله عز وجل أن لُدِغ سيد القوم - لدغته حية - فقال بعضهم لبعض: اذهبوا إلى هؤلاء القوم الذين نزلوا لعلكم تجدون عندهم راقيًا، فقال الصحابة لهم: لا نرقي على سيدكم إلا إذا أعطيتمونا كذا وكذا من الغنم، فقالوا: لا بأس، فذهب أحد الصحابة يقرأ على هذا الذي لُدِغَ، فقرأ سورة الفاتحة فقط، فقام هذا اللديغ كأنما نشط من عقال، وهكذا أثرت قراءة الفاتحة على هذا الرجل؛ لأنها صدرت من قلب مملوء إيمانًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رجعوا إليه: "وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ"(1).
لكن في زماننا هذا ضعف الدين والإيمان، وصار الناس يعتمدون على الأمور الحسية الظاهرة، وابتلوا فيها في الواقع . ولكن ظهر في مقابل هؤلاء القوم أهل شعوذة ولعب بعقول الناس ومقدراتهم وأموالهم يزعمون أنهم قراء بررة، ولكنهم أكلة مال بالباطل، والناس بين طرفي نقيض منهم من تطرف ولم ير للقراءة أثرًا إطلاقًا، ومنهم من تطرف ولعب بعقول الناس بالقراءة الكاذبة الخادعة، ومنهم الوسط.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها، ص (22 - 24)
معالجة الأمراض العضوية أيضاً بالقرآن
هل التداوي والعلاج بالقرآن يشفي من الأمراض العضوية كالسرطان كما هو يشفي من الأمراض الروحية كالعين والمس وغيرهما ؟ وهل لذلك دليل ؟ جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …البخاري (2276، 5007، 5736، 5749)، ومسلم (2201)؛ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.(4/167)
القرآن والدعاء فيهما شفاء من كل سوء بإذن الله، والأدلة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء}[فصلت، من الآية: 44] ، وقوله سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[الإسراء، من الآية: 82] . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى شيئًا قرأ في كَفَّيْه عند النوم سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و(المُعَوِّذَتَيْن) (ثلاث مرات)، ثم يمسح في كل مرة على ما استطاع من جسده فيبدأ برأسه ووجهه وصدره في كل مرة عند النوم، كما صح الحديث بذلك عن عائشة رضي الله عنها(1) .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (8/364)
حكم القراءة على الجَمْع بمكبِّر الصوت
هناك بعض من يرقون بالرقى الشرعية يقومون بجمع من سيقرؤون عليهم في مكان واحد ويقرؤون عليهم بالميكرفون وذلك لكثرتهم: فما حكم القراءة عليهم مجتمعين ؟ وما حكم استخدام الميكرفون؟
ذكر بعض القراء أن ذلك جُرِّب فأفاد وحصل الشفاء لكثير من المصابين، وذلك أن سماع المصروع لتلك الآيات والأدعية والأوراد يؤثر في الجان الذي يلابسه فيحدث أنه يتضرر ويفارق الإنسي، أو أن هذا القرآن هو شفاء كما وصفه الله تعالى فيؤثر في السامع ولو لم يحصل من القارئ نفث على المريض. ومع ذلك فإن الرقية الشرعية هي: أن الراقي يقرب من المريض ويقرأ عنده الآيات وينفث عليه ويمسح أثر الريق على جسده بيده، ويسمعه الآيات والأدعية حتى يتأثر بسماعها، فعلى هذا متى تيسر أن يرقي كل واحد منفردًا فهو أفضل. وإن شق عليه فعل ما ذكر من القراءة قرأ في المكبر؛ مع العلم بأن تأثيرها أقل من تأثير القراءة الفردية. و الله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم المسح على موضع الألم عند القراءة
__________
(1) …البخاري (5735)، ومسلم (2192).(4/168)
شخص يقوم برقية من يأتيه بالرقى الشرعية الواردة عنه صلى الله عليه وسلم وبما جاء في «صحيح الكلم الطيب» لابن تيمية و«الوابل الصيب» لابن القيم، ويأتيه بعض الناس ممن بهم أمراض عضوية كالسرطان والتقرحات وغيرها فيقوم بقراءة القرآن وبعض الرقى الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم وبعض الرقى المجربة الخالية من الشرك، ثم يقوم بعد التأكد من موضع الألم بالقراءة والنفث على يده اليمنى ومسح موضع الألم اقتداءً بعمله صلى الله عليه وسلم عندما كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: "أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ؛ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا"(1) ، وبأمره لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه عندما شكى له وجعًا يجده في جسده منذ أسلم فقال له صلى الله عليه وسلم : "ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ - ثَلاثًا - وَقُلْ - سَبْعَ مَرَّاتٍ -: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ"(2) ؛ فهل عمله هذا وهو وضع اليد على مكان الوجع جائز ؟ وهل يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم للصحابي: "ضَعْ يَدَكَ" أن وضع اليد من أسباب الشفاء ؟ علمًا بأنه قد جرب ذلك كثيرًا وشفى الله الكثير من الرجال والنساء .
__________
(1) …البخاري (5675)، ومسلم (2191).
(2) …مسلم (2202).(4/169)
لا بأس بالرقية على هذه الصفة؛ فإن القرآن شفاء كما وصفه الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء}[فصلت، من الآية: 44] ، ولا بأس أيضًا بوضع اليد على موضع الألم ومسحه بعد النفث عليه(1)، كما إنه يجوز القراءة ثم النفث بعدها على البدن كله وعلى موضع الألم؛ للأحاديث المذكورة. والمسح هو أن ينفث على الجسد المتألم بعد الدعاء أو القراءة ثم يمر بيده على ذلك الموضع مرارًا؛ ففي ذلك شفاء وتأثير بإذن الله تعالى.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
هل تكشف المرأة موضع المرض للراقي ؟
كما تعلمون فإن كثيرًا من الناس يعانون من بعض الأمراض التي لا يجدون لها علاجًا طبيًا فيلجؤون إلى بعض أهل العلم وبعض حملة كتاب الله من أهل التقوى والصلاح ليرقوهم بالرقى الشرعية، وقد يكون المرضى من النساء ويكون مكان الوجع عندهن في رؤوسهن أو صدورهن أو أيديهن أو أرجلهن؛ فهل يجوز كشف هذه الأماكن للقراءة عند الضرورة ؟ وما هي حدود الكشف - إن كان جائزًا - عند القراءة ؟
إذا كان الأمر كما قلت في السؤال، أن الرجل من أصحاب التقى والصلاح وليس متهمًا في دينه وأخلاقه، وقال لابد من كشف موضع الألم حتى أقرأ عليه مباشرة - فلا بأس بالكشف ولكن لابد أن يكون هناك محرم حاضر بحيث لا يخلو بها القارئ؛ لأنه لا يجوز الخلوة إلا مع ذي محرم .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم عصب العينين عند رقية المرأة
__________
(1) …وهذا بالطبع مع الرجال والمحارم من النساء، أما مع الأجنبيات فيكتفي بالنفث.(4/170)
نعرف رجلاً من أهل التقى والصلاح ليس متهماً في دينه وخلقه حافظاً لكتاب الله، يعالج الناس بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة، ويحضر إليه بعض المرضى من النساء والبعض منهن قد يكون بها مس أو جنون فتتكشف عورتها أثناء القراءة بغير إرادتها، وقد ينتقل الألم إلى أماكن مختلفة في الجسم؛ فيقوم الشيخ قبل القراءة بعصب عينيه حتى لا يرى شيئًا من عورة المرأة، ويتابع الألم بالقراءة بوجود محرم للمرأة معها أثناء القراءة دون خلوة .. فما رأيكم في حكم الشرع في عمله هذا ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
يحسن اختيار امرأة قارئة للنساء تعالج مثل هذه الحالات أو أن يتولى علاجها والرقية عليها أحد محارمها أهل التقى والصلاح من حملة القرآن الكريم، فإن لم يوجد شيء من ذلك ففعل هذا الرجل الذي يعصب عينيه جائز إذا أمن الفتنة ولم يمس شيئًا من بشرتها، فإن لم يحصل هذا اقتصر على قراءته في ماء أو زيت وأعطاه لأهلها لتدهن به وتشرب منه، ولعله يكفي لعلاجها. و الله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
القراءة على امرأتين فأكثر ليس بخلوة
هل يعتبر من الخلوة جمع النساء في مكان واحد للقراءة عليهن؛ فإذا انصرعت المرأة حضر محرمها ؟(4/171)
لا يُعَدُّ خَلْوَة وجود نساء مع رجل واحد للقراءة عليهن جميعًا؛ حيث إن الخلوة المحظورة كون المرأة وحدها مع رجل أجنبي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ"(1). ففي حال وجود مجموعة من النساء اثنتين فأكثر مع رجل من القراء الموثوقين من أهل الدين والإيمان والخير والصلاح والاستقامة لمعالجة صَرَعٍ أو صَرْفٍ أو عَيْنٍ أو مرض نفساني لا يكون ذلك محظورًا؛ لكن يقتصر القارئ على الرقية وراء السِّتْر، ولا يَمَسَّ شيئًا من بدن المرأة الأجنبية بدون حائل، وحيث إن الأولياء حاضرون فيفضل حضور من يخاف على موليته من الإغماء ونحوه ليتولى مباشرة جسمها وتغطية بدنها، و الله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم استعمال الماء المقروء فيه لِلْجُنُب والحائض والنفساء
ما حكم الشرب أو الاستحمام بالماء المقروء عليه بالقرآن ؟ وما حكم الرقية الشرعية على المرأة إذا كانت حائضًا أو نفساء، وعلى الرجل إذا كان جنباً ؟
على الجنب أن يبادر بالاغتسال قبل استعمال القراءة ليكون أقرب إلى التأثير، ولو كان ذلك شرباً للماء المقروء فيه، أو غسلاً به .
فأمّا الحائض أو النفساء فلها استعمال الماء المقروء فيه زمن العادة؛ حيث إنها قد تتضرر بتأخير الاستعمال .
الشيخ ابن جبرين - الكنز الثمين، ص (194)
حكم فتح عيادات خاصة للقراءة
ما رأيكم بفتح عيادات متخصصة للقراءة ؟
__________
(1) …جزء من حديث أخرجه: أحمد (1/18، 26)، والترمذي (2165)، وقال: «حسن صحيح غريب»، وابن حبان (4576، 5586، 6728، 7254)، والطبراني في «الصغير» (245)، و«الأوسط» (1659، 2929، 7249)، والحاكم 1/114، 115، (387، 390) وصححه ووافقه الذهبي. وهو في «صحيح الجامع» للألباني برقم (2546).(4/172)
هذا لايجوز أن يفعل؛ لأنه يفتح باب فتنة، ويفتح باب احتيال للمحتالين، وما كان هذا من عمل السلف أنهم يفتحون دوراً أو يفتحون محلات للقراءة . والتوسع في هذا يحدث شراً، ويدخل فيه فساد، ويدخل فيه من لايحسن؛ لأن الناس يجرون وراء الطمع، ويريدون أن يجلبوا الناس إليهم ولو بعمل أشياء محرمة، ولايقال: هذا رجل صالح؛ لأن الإنسان يفتن والعياذ بالله، ولو كان صالحاً ففتح هذا الباب لا يجوز.
الشيخ الفوزان - المنتقى (2/148)
حكم القراءة على خزانات المياه
هناك بعض من يرقي بالرقى الشرعية يقومون بالقراءة لمرة واحدة والنفث على عدة أوعية وجوالين للمياه أو الزيت، والبعض منهم يقرأ على خزان مياه المنزل أو ما يسمى بالوايت ويقدمه للمرضى بعد ذلك فهل هذا العمل جائز شرعًا وما مدى تأثيره ؟
لا صحة لهذا العمل ولا يقرون على مثل هذا العمل، ولا تفيد هذه الرقية عادة إلا أن تكون قليلة كإناء أو اثنين؛ يقرأ الآية ثم ينفث في هذا ثم هذا، ويقرأ الآية الأخرى وينفث في هذا ثم هذا .
فأما قراءته في عدة جوالين أو أوعية فلا أظنه يفيد، وبطريق الأولى قراءته في خزان الماء أو الوايت، والغالب أن هؤلاء قصدهم كسب المال والاحتيال على تحصيله بهذه الظواهر؛ وهو محرم عليهم. و الله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم الضرب والخَنْق أثناء الرقية الشرعية
هل يجوز للذي يعالج المرضى بقراءة القرآن الكريم أن يضرب ويخنق ويتحدث مع الجن ؟ جزاكم الله خيرًا .
هذا قد وقع شيء منه من بعض العلماء السابقين؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقد كان يخاطب الجِنِّي ويخنقه ويضربه حتى يخرج(1). أما المبالغة في هذه الأمور مما نسمعه عن بعض القراء فلا وجه لها .
الشيخ ابن باز - فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها. ص (69)
التحذير من الرُّقى المُخالِفة لِلشَّرع
__________
(1) …انظر: «زاد المعاد» لابن القيم (4/68، 69) .(4/173)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين في منطقة الفرع وغيرها من ضواحي المدينة المنورة، وفقهم الله للفقه في الدين، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد بلغني أنه يوجد بجهتكم رقية (للعقرب) وغيرها من ذوات السم، مشتملة على أنواع من الشرك فوجب علي تنبيهكم عليها، وتحذيركم منها .
وهذا نص بعض ما بلغني من الرقية المشار إليها:
بسم الله يا قراءة الله، بالسبع السموات، وبالآيات المرسلات، التي تحكم ولا يحكم عليها، يا سليمان الرفاعي، ويا كاظم سم الأفاعي، نادِ الأفاعي، باسم الرفاعي، أنثاها وذكرها، طويلها وأبترها، وأصفرها وأسودها، وأحمرها وأبيضها، صغيرها وأكبرها، ومن شر ساري الليل وماشي النهار، استعنت عليها بالله وآيات الله وتسعة وتسعين نبيًا، وفاطمة بنت النبي، ومن جاء بعدها من ذريتها، انتهى .
هذا بعض ما بلغني ولها صور كثيرة، لا تخلو من الشرك. وهذه الرقية فيها أنواع من الشرك، مثل قوله: بالسبع السموات، ومثل قوله: يا سليمان الرفاعي، يا كاظم سم الأفاعي، ناد الأفاعي باسم الرفاعي، ومثل قوله: استعنت عليها بالله وآيات الله وتسعة وتسعين نبيًا، وفاطمة بنت النبي ومن جاء بعدها من ذريتها .
وقد دل القرآن الكريم والسنة المطهرة على أن العبادة حق لله وحده، وأنه لا يدعى إلا الله، ولا يستعان إلا به - كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *}[الفَاتِحَة]، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا *}[الجنّ] .(4/174)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ" (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ" (2)، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاستعانة بالجمادات، كالسماوات والكواكب والأصنام والأشجار ونحو ذلك؛ بل ذلك من الشرك. كما أجمعوا أنه لا يجوز دعاء الأموات والاستعانة بهم، أو الاستغاثة أو نحو ذلك، سواء كانوا أنبياء أو أولياء أو غيرهم؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: "إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (3)؛ كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذه الرقية فيها الاستعانة بالسموات والاستعانة بكثير من الأموات، من الأنبياء وغيرهم، وفيها الاستعانة بالرفاعي، وهذا كله من الشرك. فالواجب على جميع المسلمين الحذر من هذه الرقية، وأشباهها من الرقى المشتملة على الشرك، والتواصي بترك ذلك، والتحذير منه، والاكتفاء بالرقى وبالتعوذات الشرعية ففيها الغنية والكفاية؛ مثل: آية الكرسي، وسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وغير ذلك من الآيات القرآنية .
__________
(1) …أحمد (4/267، 721، 276)، وأبو داود (1479)، والترمذي (2969، 3247، 3372) وقال: «حسن صحيح»، والنسائي «الكبرى» (11464)، وابن ماجه (3828)، وابن حبان في «صحيحه» (890)، والحاكم 1/491 (1802) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …أحمد (1/ 293، 303، 307)، والترمذي (2516)، والطبراني في «الأوسط» (5417)، و«الكبير» (11243، 11416، 11560، 12988)، والحاكم 3/541، 542 (6303، 6304). وقال الترمذي: «حسن صحيح».
(3) …مسلم (1631).(4/175)
وهكذا التعوذات والدعوات الشرعية: كالاستعاذة بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وقول المسلم في الصباح والمساء: "باسمِ الله الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" (1) ثلاث مرات، ومثل قوله في رقية المريض واللديغ: "اللهم ربَّ الناس أَذْهِبِ البَاسَ، واشفِ أنتَ الشافي، لا شِفاءَ إلا شفاؤُك، شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا (2)، باسمِ الله أَرْقِيكَ من كل شيءٍ يُؤذيكَ، من شَرِّ كل نَفْسٍ أو عَيْنِ حاسدٍ اللهُ يَشْفِيك، بِاسْم الله أَرْقِيك" (3) ثلاث مرات. وهكذا قراءة الفاتحة على المريض واللديغ(4)، من أعظم أسباب الشفاء؛ ولاسيما مع التكرار لذلك بصدق وإخلاص لله سبحانه في طلب الشفاء منه، والإيمان الصادق بأنه سبحانه هو الشافي لا يقدر على الشفاء من جميع الأمراض غيره عز وجل .
وأسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعًا من كل ما يخالف شرعه؛ إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1/213-215)
حكم رُقية تقال ضِدَّ العقرب
يوجد أدعية يقال: إنها ضد العقرب، ولقد جربت فأصابت ونصه: اللهم إن هذه عزيمة العقرب والداب مرت على اليهود والنصارى قال: وش (ماذا) بكاك يا رسول الله ؟ قال: دابة من دواب أهل النار ذنيبه كالمنشار، نحيره كالدينار، نزل جبريل على دمها، نزل جبرائيل على سمها، شهق الله ثلاث شهقات قال: أسكني في عزة الله وكتبك في لوح محفوظ .. فما حكمها جزاكم الله خيراً ؟
__________
(1) …أحمد (1/62، 66، 72)، وأبو داود (5088)، والترمذي (3388)، وقال: «حسن غريب صحيح»، والنسائي في الكبرى (9843، 9844)، وابن ماجه (3869)، وابن حبان (852، 862)، والحاكم 1/514 (1895)، وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …البخاري في (5411).
(3) …مسلم في (2186).
(4) …البخاري (5749)، ومسلم (2201).(4/176)
الرقية المذكورة ليست صحيحة، والصحيح هو ما كان بالقرآن والأدعية الثابتة في الأحاديث الصحيحة؛ كرقية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه للكافر بسورة الفاتحة(1)، ولا يجوز استعمال هذه الرقية، بل يجب تركها والتحذير منها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - فتوى رقم (7919)
حكم التميمة والحجاب بآيات قرآنية
ما رأيكم في أمر التميمة والحجاب بآيات قرآنية ؟ بمعنى: هل يجوز للمسلم أن يحمل حجاباً به آيات قرآنية أم لا ؟
كتابة آية من القرآن وتعليقها أو تعليق القرآن كله على العضد ونحوه، تَحَصُّنًا مِن ضُرٍّ يخشى منه أو رغبة في كَشْفِ ضُرٍّ نَزَلَ؛ من المسائل التي اختلف السلف في حكمها:
- فمنهم من منع ذلك وجعله من التمائم المنهي عن تعليقها؛ لدخوله في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" (2)؛ رواه أحمد وأبو داود، وقالوا: لا مخصص يخرج تعليق التميمة إذا كان من القرآن، وقالوا أيضًا: إن تعليق تميمة من القرآن يفضي إلى تعليق ما ليس من القرآن . فمنع تعليقه سدًا لذريعة ما ليس منه، وقالوا ثالثًا: إنه يفضي إلى امتهان ما يعلق على الإنسان؛ لأنه يحمله حين قضاء حاجته واستنجائه وجماعه ونحو ذلك. وممن قال هذا القول: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتلاميذه، وأحمد بن حنبل في رواية عنه اختارها كثير من أصحابه وجزم بها المتأخرون .
- ومن العلماء من أجاز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته ورخص في ذلك كعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وبه قال: أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية أخرى عنه، وحملوا حديث المنع على التمائم التي فيها شرك .
__________
(1) …البخاري (5736)، ومسلم (2201).
(2) …أحمد (1/381)، وأبو داود (3883)، وابن ماجه (3530). وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (1632)، و«السلسلة الصحيحة» (331).(4/177)
والقول الأول أقوى حجة وأحفظ للعقيدة؛ لما فيه من حماية حمى التوحيد والاحتياط. وأما ما روي عن ابن عمرو رضي الله عنهما فإنما هو في تحفيظ أولاده القرآن وكتابته في الألواح، وتعليق هذه الألواح في رقاب الأولاد لا يقصد أن تكون تميمة يستدفع بها الضرر أو يجلب بها النفع .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/204، 205)
حكم ما يسمى بطَاسَة السُّم
يوجد عند بعض الناس إناء مصنوع من النحاس ويسمونه: (طاسة السم)؛ وعندما يمرض إنسان فإنه يذهب إلى من توجد عنده هذه الطاسة ويملؤها بالماء ويشرب ذلك الماء معتقداً أنه يوجد به الشفاء، ولاسيما إذا كان المرض في المعدة . وقد لاحظت وجود صورة محفورة على الإناء وهي للعقرب والحصان والقط والغزال والحمير والحية والثعلب والفيل والأسد وللرجال وبعض صور أخرى لاأعرفها، وهي جميعها منقوشة نقشاً على هذا الإناء .. كما توجد أسماء وكتابات مثل (الشهيد) وهكذا ...
أرجو توجيه الناس حول هذا الأمر .
هذه الطاسة التي أشار إليها السائل طاسة منكرة، وفيها منكرات عظيمة؛ وهي الصور التي ذكرها السائل، ولانعلم أن أي طاسة من حديد أو نحاس أو ذهب أو فضة أو غير ذلك يحصل بها شفاء أمراض المعدة أو غيرها؛ وإنما هي دعوى يدعيها صاحب الطاسة كذباً وزوراً أو يكون له اتصال بفسقة الجن وكفارهم ليستعين بهم في هذه الشعوذة بواسطة هذه الطاسة، ويزعم بها أنه يعالج بها حتى يأخذ أموال الناس بالباطل، ويغرهم بأنه يعالجهم بهذه الطاسة .(4/178)
فالواجب أن تُصادر هذه الطاسة بواسطة ولاة الأمر في البلد وتتلف مع تأديب صاحبها حتى لايعود إلى مثل هذا العمل، وهذا هو الواجب على المسؤولين في البلد: الأمير والقاضي والهيئة، ويجب على من علم هذه الشعوذة أن يرفع الأمر إلى هذه المحكمة والهيئة والإمارة حتى يقوموا بما يجب في هذا الموضوع، ولايجوز السكوت عن صاحب هذه الطاسة؛ لأن عمله منكر لاوجه له من الشرع. وعليك أيها السائل أن تقوم بهذا الأمر أنت وإخوانك العارفون بهذا الأمر حتى تخلصوا بلدكم من هذا المنكر، وحتى يُقضى على هذه المفسدة وهذا الشر بأسبابكم إن شاء الله .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (2/697)
خرافة عن الرقية بسورة الزلزلة
توجد امرأة مريضة بمرض نفسي، وقال لها الناس: إن المريض إذا أصابه مرض صعب تقرأ سورة الزلزلة في قراية فإما يشفى أو يموت . وطلبت من يقرأ لها وشربت من القراءة، وبعد فترة حملت وشربت من القراءة فولد الطفل سليماً، وبعد فطامه حملت بآخر، وفي الشهر التاسع جاءها المرض مرة أخرى وشربت من القراءة ولكن في نفس اليوم ولدت طفلاً ميتاً . وبعد فترة حملت بآخر؛ وعاودها المرض وشربت من نفس القراءة، وفي الشهر الثامن شربت من القراءة وولد الولد ميتاً . وبعد فترة حملت، في شهرها السابع أحست بمرض وشربت منها وفي الليلة التي بعدها ولدت طفلة حية . وقد سمعت من الناس أن سورة الزلزلة تسقط الأطفال، وفي القراءة حبة سوداء أو الحبة السوداء تسقط الطفل وهي لا تعلم هذا .. فهل يلحقها شيء من الأطفال الذين ماتوا ؟
أولاً: ما يقول الناس عن سورة الزلزلة أنها تشفي المريض أو يموت، وما قالوه أنها تسقط الولد.. كله لا أصل له؛ بل هو من خرافات العامة الباطلة .
ثانياً: ليس على المرأة المذكورة فدية ولا كفارة؛ لأن عملها ليس سبباً لموتهما .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (2/924)
حكم كتابة أوراق لحماية المَزارع من الطيور(4/179)
بعض أهل المزارع يذهبون إلى رجل ليكتب لهم ورقة تطرد الطيور وتحمي مزارعهم .. فماحكم هذا العمل ؟
هذا العمل ليس بجائز شرعاً؛ وذلك لأنه لا يمكن أن تكون هذه الورقة تطرد الطيور عن المزارع؛ فإن هذا ليس معلوماً بالحس ولا معلوماً بالشرع، وكل سبب ليس معلوماً بالحس ولا بالشرع فإن اتخاذه محرم - فلا يجوز أن يعملوا هذا العمل؛ وإنما عليهم أن يكافحوا هذه الطيور التي تنقص محاصيلهم بالوسائل المعتادة التي يعرفها الناس دون هذه الأمور التي لا يعلم لها سبب حسي ولاشرعي .
الشيخ ابن عثيمين، من فتاواه، إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (1/147)
معنى حديث: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ"
ما معنى الحديث: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ"(1) ؟
__________
(1) …أحمد (1/381)، وأبو داود (3883)، وابن ماجه (3530). وصححه الألباني؛ كما في «صحيح الجامع» (1632)، و«السلسلة الصحيحة» (331).(4/180)
الحديث لا بأس بإسناده، رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ومعناه عند أهل العلم: إن الرقى التي تكون بألفاظ لا يعرف معناها أو بأسماء الشياطين أو ما أشبه ذلك ممنوعة، والتِّوَلة نوع من السحر يسمونه: الصَّرْف والعَطْف(1)، والتمائم ما يعلق على الأولاد من العين أو الجن، وقد تعلق على المرضى والكبار وقد تعلق على الإبل ونحو ذلك، ويسمى ما يعلق على الدواب: الأوتار، وهي من الشرك الأصغر وحكمها حكم التمائم. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه أرسل في بعض مغازيه إلى الجيش رسولاً يقول لهم: "لا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ إِلا قُطِعَتْ"(2)، وهذا من الحجة على تحريم التمائم كلها سواء كانت من القرآن أو غيره .
وهكذا الرقى تَحْرُمُ إذا كانت مجهولة، أما إذا كانت الرقى معروفة، ليس فيها شرك ولا ما يخالف الشرع فلا بأس بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رَقى ورُقي، وقال: "لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكاً"(3) رواه مسلم .
وكذلك الرقية في الماء لا بأس بها، وذلك بأن يُقرأ في الماء ويشربه المريض، أو يُصَب عليه؛ فقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: فإنه ثبت في سنن أبي داود في كتاب الطب: أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ماء لثابت بن قيس بن شمّاسرضي الله عنه ثم صَبَّهُ عليه(4). وكان السلف يفعلون ذلك، فلا بأس به .
__________
(1) …يجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك؛ فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئًا فشيئًا حتى يهلك، وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه .
(2) …البخاري (3005)، ومسلم (2115).
(3) …مسلم (2200)، وأبو داود (3886) واللفظ له.
(4) …أبو داود» (3885)، والنسائي في «الكبرى» (10856، 10879)، والطبراني في «الأوسط» (9118)، و«الكبير» (1323)، وابن حبان في «صحيحه» (6069).(4/181)
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث الإسلامية/ العدد (4) ص (161، 162)
الفصل الثالث
العين والمس والسحر
حقيقة العين وعلاجها (للجنة الدائمة)
ما حقيقة العين - النَّضْل(1) - ؟ قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ *}[الفَلَق: 5]. وهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح والذي ما معناه قوله: ((ثلث ما في القبور من العين)) ؟ وإذا شك الإنسان في حسد أحدهم فماذا يجب على المسلم فعله وقوله ؟ وهل في أخذ غسال الناضل للمنضول ما يشفي ؟ وهل يشربه أويغتسل به ؟
العين مأخوذة من عَانَ يَعِين إذا أصابه بعينه، وأصلها من إعجاب العائن بالشيء، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرها إلى المعين. وقد أمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الحاسد فقال تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5].
فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنًا؛ فلما كان الحاسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفًا لا وقاية عليه أثرت فيه، وإن صادفته حذرًا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه وربما ردت السهام على صاحبها. (من زاد المعاد، بتصرف)(2) .
__________
(1) …النَضْل في الأصل: الرَّمْي بالسهام لِلسَّبْق. فكأنه استعير في اللهجة العامية للإصابة بالعين؛ بجامع الرمي أو الإصابة في كليهما. والله أعلم.
(2) …«زاد المعاد» (4/167) . وانظر أيضاً: «الطب النبوي» ص (131) . وكلاهما لابن القيم رحمه الله.(4/182)
وقد ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإصابة بالعين؛ فمن ذلك ما في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُهَا أَنْ تَسْتَرْقِيَ مِنْ الْعَيْنِ (1)، وأخرج مسلم وأحمد والترمذي وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الْعَيْنُ حَقٌّ؛ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا"(2)، وأخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أنها قالت: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ بَنِي جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ ؟ قَالَ: "نَعَمْ؛ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ"(3)، وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يُؤْمَرُ العائِنُ فيتوضَّأُ ثم يَغْتَسِلُ منه المَعِينُ (4) .
__________
(1) …البخاري (5738)، ومسلم (2195).
(2) …مسلم (2188).
(3) …أحمد (6/438)، والترمذي (2059)، وابن ماجه (3510)، وقال الترمذي: «حسن صحيح» .
(4) …أبو داود (3880). قال الألباني في «صحيح أبو داود» (3286): «صحيح الإسناد».(4/183)
وأخرج الإمام أحمد ومالك والنسائي وابن حبان وصححه عن سهل بن حنيف رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنْ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ؛ وَكَانَ رَجُلاً أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ؛ فَلُبِطَ(1) سَهْلٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ. قَالَ: "هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ" ؟ قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ؛ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ: "عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟! هَلاَّ إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: اغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ؛ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ" (2).
__________
(1) …لُبِطَ: أي صُرَع وسقط إلى الأرض.
(2) …«موطأ مالك» 2/938، 939 (1678، 1679)، وأحمد (3/486)، والنسائي في الكبرى» (7617، 7619، 10036)، وابن ماجه (3509)، وابن حبان في «صحيحه» (6106)، والطبراني في «الكبير» (5573-5582). باختلاف في ألفاظ بعضهم. قال في «مجمع الزوائد» (5/107): «ورجال أحمد رجال الصحيح». وصححه الألباني؛ كما في «صحيح ابن ماجه» (2828).(4/184)
فالجمهور من العلماء على إثبات الإصابة بالعين للأحاديث المذكورة وغيرها، ولما هو مشاهد وواقع. وأما الحديث الذي ذكرته ثلث ما في القبور من العين (1) فلا نعلم صحته، ولكن ذكر صاحب «نيل الأوطار» أن البزار أخرج بسند حسن عن جابر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثرُ مَنْ يَمُوتُ مِن أُمَّتي بعد قضاءِ الله وقَدَرِهِ بالأَنْفُس" (2)؛ يعني بالعين .
ويجب على المسلم أن يحصن نفسه من الشياطين من مردة الجن والإنس بقوة الإيمان بالله واعتماده وتوكله عليه ولجوئه وضراعته إليه، والتعوذات النبوية وكثرة قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص وفاتحة الكتاب وآية الكرسي، ومن التعوذات:
أعوذُ بكلماتِ الله التامَّات من شرِّ ما خَلق (3)، و أعوذ بكلمات الله التامة من غضبِه وعقابِه، ومن شرِّ عبادِهِ، ومن هَمَزَاتِ الشياطين وأَنْ يَحْضُرُون (4)، وقوله تعالى: {حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[التوبة، من الآية: 129] ، ونحو ذلك من الأدعية الشرعية، وهذا هو معنى كلام ابن القيم المذكور في أول الجواب .
__________
(1) …لم أجده بهذا اللفظ؛ وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» 24/155 (399) بلفظ: «نِصفُ ما يُحفر لأمتي من القبور من العين»، وفي سنده: علي بن عروة، وهو كذّاب.
(2) …الطيالسي في «مسنده» (1760)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2900)، والبزار - كشف الأستار - (3052). وحسنه الحافظ في «الفتح» (10/211، 214)، وهو في «السلسلة الصحيحة» برقم (747) . قال في «مجمع الزوائد» (5/106): «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا طالب بن حبيب بن عمرو، وهو ثقة».
(3) …مسلم (2708، 2709).
(4) …«موطأ مالك» 2/950 (1704)، وأحمد (2/181)، (4/57)، (6/6)، والترمذي (3528)، وقال: «حسن غريب»، والنسائي في «الكبرى» 6/190 (10601).(4/185)
وإذا علم أن إنسانًا أصابه بعينه أو شك في إصابته بعين أحد فإنه يؤمر العائن أن يغتسل لأخيه؛ فيحضر له إناء به ماء فيدخل كفه فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ثم يغسل داخلة إزاره ثم يصب على رأس الذي تصيبه العين من خلفه صبة واحدة فيبرأ بإذن الله .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة، فتاوى العلاج بالقرآن والسنة الرقى وما يتعلق بها - وفي فتاوى اللجنة الدائمة (1/271)
حقيقة العين وعلاجها (للشيخ ابن عثيمين)
هل العين تصيب الإنسان ؟ وكيف تعالج ؟ وهل التحرز منها ينافي التوكل ؟
رأينا في العين أنها حق ثابت شرعًا وحسًا؛ قال الله تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ}[القلم، من الآية: 51] ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره في تفسيرها: أي يعينوك بأبصارهم(1)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا"(2)؛ رواه مسلم .
__________
(1) …انظر: تفسير الطبري (29/46)، وابن كثير (4/410)، بمعناه.
(2) …مسلم (2188).(4/186)
ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجه: أن عامر بن ربيعة مَرَّ بسهل بن حنيف رضي الله عنهما وهو يغتسل فقال: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ؛ فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ(1) بِهِ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ سَهْلاً صَرِيعًا، قَالَ: "مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ" ؟ قَالُوا: عَامِرَ ابْنَ رَبِيعَةَ. قَالَ: "عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟! إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ. ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ - وفي لفظ -: أَنْ يَكْفَأَ الإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ" (2)، والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره .
وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي:
__________
(1) …لُبِطَ: أي صُرِعَ وسقط إلى الأرض.
(2) …«موطأ مالك» 2/938، 939 (1678، 1679)، وأحمد (3/486)، والنسائي في الكبرى» (7617، 7619، 10036)، وابن ماجه (3509)، وابن حبان في «صحيحه» (6106)، والطبراني في «الكبير» (5573-5582). باختلاف في ألفاظ بعضهم. قال في «مجمع الزوائد» (5/107): «ورجال أحمد رجال الصحيح». وصححه الألباني؛ كما في «صحيح ابن ماجه» (2828).(4/187)
1 - القراءة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا رُقْيَةَ إِلا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ" (1)، وقد كان جبريل عليه السلام يرقي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ؛ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ"(2).
2 - الاستغسال: كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة رضي الله عنه في الحديث السابق ثم يصب على المصاب .
أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره؛ ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه. والله أعلم .
والتحرز من العين مقدمًا لا بأس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل؛ لأن التوكل الاعتماد على الله سبحانه مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما ويقول: أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ. وَيَقُولُ: هَكَذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ إِسْحَقَ وَإِسْمَعِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلام (3) رواه البخاري .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها، ص (41، 42)
القول بتأثير العين؛ لا يخالف القرآن، وبيان علاجها
اختلف بعض الناس في العين؛ فقال بعضهم: لا تؤثر لمخالفتها للقرآن الكريم .. فما القول الحق في هذه المسألة ؟
__________
(1) …أحمد (4/436، 438، 446)، وأبو داود (3884، 3889)، والترمذي (2057)، وابن ماجه (3513)، والطبراني في «الأوسط» (1449)، و«الكبير» 1/254 و18/235 (733، 587). وصححه النووي في «المجموع» (9/62)، والألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3289).
(2) …مسلم (2186).
(3) …البخاري (3371)، والترمذي (2060) وغيرهما، وهذا لفظ الترمذي.(4/188)
القول الحق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وهي: "الْعَيْنُ حَقٌّ" (1)، وهذا أمر قد شهد له الواقع ولا أعلم آيات تعارض هذا الحديث حتى يقول هؤلاء إنه يعارض القرآن الكريم؛ بل إن الله سبحانه وتعالى قد جعل لكل شيء سببًا، حتى إن بعض المفسرين قالوا في قوله تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ}[القلم، من الآية: 51] ، قالوا:إن المراد هنا العين .
ولكن على كل حال سواء كان هذا هو المراد بالآية أم غيره؛ فإن العين ثابتة وهي حق لا ريب فيها، والواقع يشهد لذلك منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم .
س2: ولكن من أصيب بالعين فماذا يصنع ؟
ج2: يعامل بالقراءة، وإذا علم عائنه فإنه يطلب منه أن يتوضأ ويؤخذ ما يتساقط من ماء وضوئه، ثم يعطى للمعاين يصب على رأسه وعلى ظهره ويسقى منه وبهذا يشفى بإذن الله، وقد جرت العادة عندنا أنهم يأخذون من العائن ما يباشر جسمه من اللباس مثل الطاقية وما أشبه ذلك ويربصونها بالماء ثم يسقونها المصاب ورأينا ذلك يفيده حسبما تواتر عندنا من النقول، فإذا كان هذا هو الواقع فلا بأس باستعماله لأن السبب إذا ثبت كونه سببًا شرعًا أو حسًا فإنه يعتبر صحيحًا، أما ما ليس بسبب شرعي ولا حسي فإنه لا يجوز اعتماده؛ مثل أولئك الذين يعتمدون على التمائم ونحوها يعلقونها على أنفسهم ليدفعوا بها العين - فإن هذا لا أصل له؛ سواء كانت هذه من القرآن الكريم أو من غير القرآن الكريم، وقد رخص بعض السلف في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن الكريم ودعت الحاجة إليها .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها، ص (43، 44)
الجن قد تصيب الإنس بالعين
__________
(1) …مسلم (2188).(4/189)
هل صحيح أن الجن تصيب الإنس بالعين ؟ وإذا كان كذلك فهل يصبح مسح الأرض والأماكن التي يشك أنها مكان لارتياد الجن بقطعة قماش والانتفاع منها بعد غسلها للتمسح بها عن العين ؟ جزاكم الله خيراً .
بسم الله والحمد لله .. العين حق كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تقع من الإنس والجن، والمشروع علاجها بالقرآن والدعوات الطيبة، وباستغسال من ظن أنه هو العائن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْعَيْنُ حَقٌّ ... وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا"(1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا رُقْيَةَ إِلا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ"(2)، والحمة سم ذوات السموم كالحية والعقرب. أما مسح الأرض لأجل علاج العين، أو أخذ البول فلا يجوز.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (1/351)
الفرق بين السحر والعين، وماذا على العائن والمعيون ؟
ما الفرق بين السحر والعين ؟ وهل العين تقع في الدين ولها حكم ؟ وما هو العلاج للطرفين العاين والمعيون إن كان ذلك صحيحاً ؟
السحر في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه.
وفي الاصطلاح: السحر عزائم ورقى، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه؛ قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ}[البقرة، من الآية: 102] .
__________
(1) …مسلم (2188).
(2) …أحمد (4/436، 438، 446)، وأبو داود (3884، 3889)، والترمذي (2057)، وابن ماجه (3513)، والطبراني في «الأوسط» (1449)، و«الكبير» 1/254 و18/235 (733، 587). وصححه النووي في «المجموع» (9/62)، والألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3289).(4/190)
وأما العين: فهي مأخوذة من عان يعين إذا أصابه بعينه، والعين حق كما ورد في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا" (1)، وحكمها أنها محرمة كالسحر .
وأما العلاج للعائن: فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك - كما جاء في الحديث: "هَلاَّ إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ" (2)؛ فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ويدعو للشخص بالبركة.
وأما المعيون فيحصن نفسه بالإيمان بالله والتوكل عليه، وقراءة ورد من القرآن والأدعية المأثورة.
وإذا علم المعيون من أصابه بعينه فإنه يشرع له أن يطلب منه أن يغسل وجهه ويديه وداخلة إزاره في إناء ثم يغتسل المعين بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا".
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة، فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها، ص (58، 59)
عقوبة العائن، وعلاج العائن والمعيون
عين الحاسد إذا أصابت شيئاً لأحد وأتلفته أو أضرت به؛ فهل عليه شيء، وإن لم يكن ذلك عن قصد منه أو حسد فعلاً، ولكن ذلك خارج عن إرادته ؟ وهل هناك دواء شرعي لذلك؛ للحاسد والمحسود يخفف من أثرها أو يقطع أثرها بالكلية ؟
__________
(1) …مسلم (2188).
(2) …«موطأ مالك» 2/938، 939 (1678، 1679)، وأحمد (3/486)، والنسائي في الكبرى» (7617، 7619، 10036)، وابن ماجه (3509)، وابن حبان في «صحيحه» (6106)، والطبراني في «الكبير» (5573-5582). باختلاف في ألفاظ بعضهم. قال في «مجمع الزوائد» (5/107): «ورجال أحمد رجال الصحيح». وصححه الألباني؛ كما في «صحيح ابن ماجه» (2828).(4/191)
العين حق كما في الحديث، وهذا من عجيب صنع الله سبحانه وتعالى أن يجعل في نظر بعض الأشخاص إصابة تضر بما تقع عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الْعَيْنُ حَقٌّ" (1) .
وهناك علاج شرعي للعائن وللمصابين، أما العائن فإذا كان يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين؛ فليدفع شرها بقوله: اللهم بارك عليه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف رضي الله عنهما: "أَلاَ بَرَّكْتَ" ؟ (2) أي: قلت: اللَّهم بارِكْ عليه .
فإذا خشي العائن أن يَضُرَّ المنظور؛ فإنه يقول: اللَّهم بَارِكْ عليه. وكذلك يستحب له أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لأنه روي عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان إذا رأى شيئاً يعجبه، أو دخل حائطاً من حيطانه؛ قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله .
فإذا لازم العائن هذا الذكر؛ فإنه يدفع ضرره بإذن الله .
أما إذا تعمد إصابة الشخص؛ فإنه يأثم بذلك؛ لأنه يكون معتدياً بهذا، حتى إن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا تعمد قتل شخص بعينه، وأقر بذلك يقتص منه؛ لأن هذا يعتبر من قتل العمد(3).
__________
(1) …مسلم (2188).
(2) …«موطأ مالك» 2/938، 939 (1678، 1679)، وأحمد (3/486)، والنسائي في الكبرى» (7617، 7619، 10036)، وابن ماجه (3509)، وابن حبان في «صحيحه» (6106)، والطبراني في «الكبير» (5573-5582). باختلاف في ألفاظ بعضهم. قال في «مجمع الزوائد» (5/107): «ورجال أحمد رجال الصحيح». وصححه الألباني؛ كما في «صحيح ابن ماجه» (2828).
(3) …انظر: «الإنصاف» للمرداوي (9/441)، و«كشف القناع» للبهوتي (5/509).(4/192)
وأما نفس المصاب؛ فإنه يستعمل الرقية التي رقى بها جبريل النبي عليه الصلاة والسلام، وهي أن يقول: "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ؛ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ"(1)؛ يقول هذا الدعاء بنفسه أو يقوله أحد من إخوانه وينفث عليه. هذا مما تدفع به العين بإذن الله. والله أعلم.
وكذلك تعالج إصابة العين بالاستغسال؛ بأن يغتسل العائن بماء ويغسل داخلة سراويله، ثم تصب الغسالة على المصاب بالعين؛ كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك(2).
الشيخ الفوزان - المنتقى (1/157)
جواز الاحتياط من العين، وكيفيته
هل للمسلم أن يحتاط من العين، مع ثبوتها في السنة ؟ وهل يخالف ذلك التوكل على الله ؟
ورد في الحديث: "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا"(3).
والعين هي: عين الإنسان التي تصيب الأشياء فتتلفها، ولا تفسد إلا بإذن الله، وبَقَدرِه.
أما كيفيتها: فالله أعلم بها، إلا أن بعض الناس تكون نفسه شريرة، وتنبعث منها عند تسممها مواد سامة ضارة، تصل إلى ذلك المعين، فتحدث فيه أحداث بإذن الله كأن يتألم ونحو ذلك.
ولك أن تحتاط، ولك أن تبذل الأسباب التي تقيك من شره.
ومن هذه الأسباب:
__________
(1) …مسلم (2186).
(2) …«موطأ مالك» 2/938، 939 (1678، 1679)، وأحمد (3/486)، والنسائي في الكبرى» (7617، 7619، 10036)، وابن ماجه (3509)، وابن حبان في «صحيحه» (6106)، والطبراني في «الكبير» (5573-5582). باختلاف في ألفاظ بعضهم. قال في «مجمع الزوائد» (5/107): «ورجال أحمد رجال الصحيح». وصححه الألباني؛ كما في «صحيح ابن ماجه» (2828).
(3) …مسلم (2188).(4/193)
الاستعاذة: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ رضي الله عنهما(1)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ من الجانِّ، وعَيْنِ الإنسان(2)، وكان جبريل عليه السلام يرقي النبي صلى الله عليه وسلم من العين؛ فكان يقول: "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ؛ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ" (3) .
فعلى الإنسان أن يأتي بهذه الأدعية، والأسباب التي تقيه، مع معالجة ذلك إذا وقع، فإنه إذا اتهم إنسان بأنه أصابه بالعين، فيطلب منه أن يغسل له ثوبه أو نحو ذلك؛ لقوله في الحديث: "وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا" (4) .
الشيخ ابن جبرين - الكنز الثمين (1/232، 233)
العائن لا يصيب غيره إلا بإذن الله
سمعنا أن هناك بعض الأشخاص لهم قدرة الإصابة بالعين لمن أرادوا ومتى أرادوا .. فهل هذا صحيح ؟
لا شك أن العين حق كما هو الواقع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا" (5)، وفي حديث آخر: "إنَّ العَيْنَ لَتُدْخِلُ الرَّجُلَ القبرَ والجَمَلَ القِدْرَ" (6)؛ أي: يحصل بها الموت، أما حقيقتها فالله أعلم بذلك .
ولا شك أنها تكون في بعض الناس دون بعض، وأن العائن قد يتعمد الإصابة فيحصل الضرر، وقد لا يتعمد الإصابة فتقع منه بغير قصد ضرر، وهناك من يحاول الإصابة ولا يقدر عليها .
__________
(1) …البخاري (3371).
(2) …الترمذي (2058)، والنسائي (5496)، وابن ماجه (3511)، وقال الترمذي: «حسن غريب» .
(3) …مسلم (2186).
(4) …مسلم (2188).
(5) …مسلم (2188).
(6) …أبو نعيم في «الحلية» (7/90)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (9/44)، وابن عدي في «الكامل» (5/185) و(6/408)، وهو في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (1249).(4/194)
وقد أمر الله بالاستعاذة من العائن؛ فهو داخل في قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ *}[الفَلَق]، وبالاستعاذة من شرِّهِ يحصل الحفظ والحماية، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
خرافة النقر على الخشب خوفاً من العين
عند ذكر نعمة أنعم الله بها على أخ أو صديق يقوم البعض بالنقر على الخشب؛ تعبيراً عن الخوف من عين الحاسد، وبعضهم قد يطلب من الآخر النقر على الخشب بقوله: ( دق الخشب)؛ فما حكم الشرع في هذا الفعل ؟ أفتونا مأجورين إن شاء الله .
هذا العمل منكر واعتقاد فاسد لا يجوز فعله .
وإنما المشروع عند حصول النعمة أو السلامة من ضدها شكر الله، والثناء عليه، وسؤاله سبحانه تمام النعمة والعون على شكرها - كما قال عز وجل في كتابه العظيم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََْزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ *} [إبراهيم] ، وقال سبحانه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ *} [البقرة] . وفق الله الجميع .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (8/424)
حكم التبخر بالشَّبِّ والأعشاب لعلاج العين
هل يجوز التبخر بالشَّب(1) أو الأعشاب أو الأوراق وذلك من إصابة العين ؟
لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر؛ لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها، وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم على الشفاء .
وإنما يعالج ذلك بالرقى الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة، فتاوى العلاج بالقرآن والسنة الرقى وما يتعلق بها، ص (45) - وفتاوى اللجنة الدائمة (1/275)
هل لمن مات بالعين زيادةُ أجرٍ ؟
__________
(1) …الشَّبُّ: مِلْحٌ معدني قابض، لونه أبيض، اسمه الكيماويّ: كبريتات الألمنيوم والبوتاسيوم، ويطلق على أشباه هذا الملح.(4/195)
هل لمن يموت بسبب إصابته بعين فضل أو زيادة أجر ؟
لا أعلم أنه له زيادة أجر أو فضل؛ لأن هذا من الأمور التي يبتلي الله بها العبد، اللهم إلا أن يقال هذا يشبه من مات بغرق أو حرق، وعلى كُلٍّ يُرْجَى له الخير، أما الجزم في ذلك فلا نستطيع الجزم به .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة، الفتاوى (5/184)
هل يصيب الكافِرُ المسلمَ بالعين ؟
هل صحيح أن الكافر لا يصيب المسلم بالعين - أي بالحسد- ؟ وما هو الدليل ؟
ليس بصحيح؛ بل الكافر كغيره قد يصيب بالعين .
الشيخ ابن جبرين - الكنز الثمين (1/234)
الإصابة بالعين قد تكون بدون قصد
هل صحيح أن الإنسان ممكن أن يعاين دون قصد منه ؟ وما علاج ذلك ؟
العين حق كما ورد في الحديث؛ وذلك أن العائن يعجبه الشيء الذي يراه من إنسان أو حيوان أو متاع فتتمثل نفسه الشريرة الحاسدة بشيء من الضرر؛ فتنطلق منها ذرات سامة تؤثر في المعين بإذن الله الكوني لا الشرعي .
وقد تحصل منه الإصابة دون قصد فقد يعين ولده أو زوجته أو دابته ونحو ذلك .
وعلاج ذلك: هو التبريك عليه بأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وكذا أن يغسل شيئًا من جسده ويصب على المعين، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
جواز طلب الغسول من العائن ووجوب استجابته
جاء في الحديث الذي رواه مسلم: "الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا"(1) ؛ فهل معنى هذا أنه لا حرج في طلب غسول العائن لما ورد في الحديث ؟ وما هي نصيحتكم لمن يطلب منه ذلك؛ حيث إن البعض يغضب إذا طُلب منه ذلك ؟
__________
(1) …مسلم (2188).(4/196)
إذا عرف العائن وتحقق أنه هو الذي أصاب المعين فإنه يطلب منه غسل يديه أو شيء من بدنه ليصب على المعين أو يشرب منه، وهكذا إذا عرف العائن نفسه أنه يصيب من عانه فعليه أن يبرك على المعين بقوله: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وعليه بعد الإصابة بالعين أن ينفث عليه أو يغسل بعض جسده ويصبه عليه .
ولا يجوز له الامتناع عن الغسل إذا طلب منه ذلك؛ سواء كان متهمًا لكلمة قالها أو متيقنًا أن نفسه الذي أصاب المعين .
ولا يجوز أن يغضب من ذلك؛ ولو عرف من نفسه أنه لا يعين فإن العين قد تسبق صاحبها، وكثيرًا ما تقع الإصابة بدون إرادة العائن حتى قد يصيب بعض أولاده أو بعض ماله ثم يندم على كلمة صدرت منه، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم قراءة رقية العين على الجمادات
أخبرنا أحد القراء أن أحد الأشخاص عاين سيارته فطلب القارئ من العائن أن يتوضأ، وبعد ذلك قام هو بأخذ هذا الماء ووضعه في رديتير السيارة فتحركت السيارة وكأنها لم يكن بها شيء .
فما حكم عمله هذا ؟ وذلك لأن الذي أعرفه في السنة هو أخذ غسول العائن في حالة إصابته لشخص آخر .
لا بأس بذلك؛ فإن العين كما تصيب الحيوان فقد تصيب المصانع والدور والأشجار والصنيعات والسيارات والوحوش ونحوها .
وعلاج الإصابة: أن يتوضأ العائن أو يغتسل ويصب ماء وضوئه أو غسله أو غسل أحد أعضائه على الدابة، ومثلها على السيارة ونحوها ووضعه في الرديتير مفيد بإذن الله. فهذا علاج مثل هذه الإصابة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا" (1)، والقصص والوقائع في ذلك مشهورة، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
توجيهات للمَرْقِي والرَّاقِي من السِّحر
كيف يمكن إبطال السحر بالقرآن والسنة والأذكار والأدعية ؟
__________
(1) …مسلم (2188).(4/197)
يختار من هو من أفضل القراء وأتقاهم، وأشدهم تَمَسُّكًا بالسنة، وعملاً بالشريعة، وبعداً عن المحرمات والمعاصي؛ فإن قراءته تؤثر بإذن الله في إبطال الأعمال السحرية. كما أنه لابد أن يكون المقروء عليه من أهل التقوى والخير والصلاح والاستقامة؛ قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا *} [الإسراء] .
كما أنه لابد من اعتقاد أن القرآن هو الشفاء والعلاج النافع، ولا يجعل القراءة تجربة؛ بل يجزم بأنه يزيل المرض بإذن الله تعالى، ثم إن القارىء يستحضر الآيات التي خصت بقراءتها على المريض ويكررها.
ثم إن المسلم عليه أن يتحصن دائماً بالأدعية النبوية والأوراد المأثورة من الكتاب والسنة؛ ويحافظ على أذكار الصباح والمساء؛ فبذلك يحفظه الله من كيد الكائدين(1). والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (10)
هل يمكن للراقي المُتَمَكِّن معرفة المَسِّ من غيره ؟
هل يستطيع الراقي تشخيص مرض المريض بأنه مس أو غير ذلك ؟
معلوم أن الراقي الذي تتكرر عليه الأحوال ويراجعه المصابون بالمس والسحر والعين ويعالج كل مرض بما يناسبه - أنه مع كثرة الممارسة يعرف أنواع الأمراض النفسية أو أكثرها؛ وذلك بالعلامات التي تتجلى مع التجارب؛ فيعرف المصروع بتغير عينيه أو صفرة أو حمرة في جسده أو نحو ذلك، ولا تحصل هذه المعرفة لكل القراء. وقد يدعي المعرفة ولا يوافق ذلك ما يقوله؛ لأنه يبني على الظن الغالب لا على اليقين، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حقيقة الجن ومَسِّهِم للإنس وعلاجه
__________
(1) …انظر: فوائد الذكر في «الوابل الصيب» لابن القيم رحمه الله، ص (61) وما بعدها.(4/198)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي خلق الجنّ والإنس ليعبدوه، وشرع لهم ما تقتضيه حكمته ليجازيهم بما عملوه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وكان الله على كل شيء قديرًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث إلى الإنس والجن بشيرًا ونذيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ *إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ *} [الذاريات] .
والجن عالم غيبي خلقوا من نار، وكان خلقهم قبل خلق الإنس، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ *وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ *} [الحجر] .(4/199)
وهم مكلفون، يوجه إليهم أمر الله تعالى ونهيه؛ فمنهم المؤمن، ومنهم الكافر، ومنهم المطيع ومنهم العاصي، قال الله تعالى عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا *وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا *} [الجن] ، وقال: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا *} [الجن] ؛ أي: جماعات متفرقة وأهواء، كما يكون ذلك في الإنس، فالكافر منهم يدخل النار بالإجماع، والمؤمن يدخل الجنة كالإنس، قال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *} [الرحمن] ، والظلم بينهم وبين الإنس مُحرمَّ، كما هو بين الآدميين؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا"(1) رواه مسلم .
ومع هذا فهم يعتدون على الإنس أحيانًا، كما يعتدي الإنس عليهم أحيانًا:
فمن عدوان الإنس عليهم: أن يستجمر الإنسان بعظم أو روث؛ ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن الجن سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الزاد فقال: "لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ؛ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ" ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَلا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا؛ فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ" (2) .
__________
(1) …مسلم (2577).
(2) …مسلم (450).(4/200)
ومن عدوان الجن على الإنس: أنهم يتسلطون عليهم بالوسوسة التي يلقونها في قلوبهم، ولهذا أمر الله تعالى بالتعوذ من ذلك فقال:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *مَلِكِ النَّاسِ *إِلهِ النَّاسِ *مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ *الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ *مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ *} [الناس] ، وتأمل كيف قال الله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} فبدأ بذكر الجن؛ لأن وسوستهم أعظم، ووصولهم إلى الإنس أخفى .
فإن قلت: كيف يصلون إلى صدور الناس فيوسوسون فيها ؟
فاستمع الجواب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين قال لرجلين من الأنصار: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا، أَوْ قَالَ: شَيْئًا"(1)، وفي رواية: "يَبْلُغُ مِنْ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ"(2) .
ومن عدوان الجن على الإنس: أنهم يخيفونهم، ويلقون في قلوبهم الرعب؛ ولاسيما حين يلتجئ الإنس إليهم، ويستجيرون بهم، قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِْنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا *} [الجن] ؛ أي: خوفًا وإرهابًا وذعرًا .
__________
(1) …البخاري (2038)، مسلم (2175).
(2) …البخاري (2035)، مسلم (2175).(4/201)
ومن عدوان الجن على الإنس: أن الجني يصرع الإنسي فيطرحه، ويدعه يضطرب حتى يغمى عليه، وربما قاده إلى ما فيه هلاكه من إلقائه في حفرة أو ماء يغرقه، أو نار تحرقه، وقد شبه الله تعالى آكلي الربا عند قيامهم من قبورهم بالمصروع الذي يتخبطه الشيطان، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة، من الآية: 275] ؛ قال ابن جرير: وهو الذي يتخبطه فيصرعه(1)، وقال ابن كثير: إلا كما يقوم المصروع حال صرعه(2)، وتخبط الشيطان له، وقال البغوي: يتخبطه الشيطان؛ أي: يصرعه .. ومعناه: أن آكل الربا يبعث يوم القيامة كمثل المصروع(3).
وروى الإمام أحمد في مسنده: عن يعلى بن مرة رضي الله عنه: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها قد أصابه لَمَم(4)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ؛ أَنَا رَسُولُ اللهِ"، قال: فبرأ الصبي، فأهدت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كبشين وشيئًا من أَقِط وسمن، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الأقط والسمن وأحد الكبشين، ورد عليها الآخر(5). وإسناده ثقات، وله طرق قال عنها ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية)(6): فهذه طرق جيدة متعددة، تفيد غلبة الظن أو القطع عند المتبحرين أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة .
__________
(1) …تفسير الطبري (3/101).
(2) …تفسير ابن كثير (1/327).
(3) …تفسير البغوي (1/261).
(4) …اللَّمَم: طَرَف من الجنون يُلِمُّ بالإنسان؛ أي: يَقرُبُ منه ويعتريه. «النهاية» لابن الأثير (4/233).
(5) …أحمد (4/171، 172)، والطبراني في «الكبير» 22/264 (679)، والحاكم في المستدرك 2/617، 618 (4232) وقال: «صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي وجوَّده المنذري . قال في «مجمع الزوائد» (9/6): «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح».
(6) …«البداية والنهاية» (6/140).(4/202)
قال ابن القيم يرحمه الله تعالى - وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية البارزين - في كتابه (زاد المعاد) (4/66):
الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه، وأما صرع الأرواح فأئمتهم (أي الأطباء) وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه ... وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد الزندقة فضيلة؛ فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل؛ وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحسّ والوجود شاهدان به ... ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم(1) .
أيها الناس إن للتخلص من هذا النوع من الصرع أمرين: وقاية وعلاج:
فأما الوقاية فتكون بقراءة الأوراد الشرعية من كتاب الله تعالى، وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقوة النفس وعدم الجريان وراء الوساوس والتخيلات التي لا حقيقة لها؛ فإن جريان الإنسان وراء الوساوس والأوهام يؤدي إلى أن تتعاظم هذه الأوهام والوساوس حتى تكون حقيقة .
__________
(1) …إلى هنا انتهى كلام ابن القيم؛ كما في «زاد المعاد» (4/66، 67)، مختصراً.(4/203)
وأما العلاج أعني علاج صرع الأرواح، فقد اعترف كبار الأطباء أن الأدوية الطبيعية لاتؤثر فيه، وعلاجه بالدعاء والقراءة والموعظة، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعالج بقراءة آية الكرسي والمعوذتين، وكثيرًا ما يقرأ في أذن المصروع: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ *} [المؤمنون] ، قال تلميذه ابن القيم: حدثني أنه قرأ مرة هذه الآية في أذن المصروع فقالت الروح: نعم، ومد بها صوته: قال: فأخذت له عصاً وضربته بها في عروق عنقه حتى كلت يدي من الضرب، وفي أثناء ذلك قالت: أنا أحبه، فقلت لها: هو لا يُحبك، قالت: أنا أريد أن أحج به، فقلت لها: هو لا يريد أن يحج معك، قالت: أنا أدعه كرامة لك، قلت: لا ولكن طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأنا أخرج، فقعد المصروع يلتفت يمينًا وشمالاً، وقال: ما جاء بي إلى حضرة الشيخ(1). هذا كلام ابن القيم يرحمه الله عن شيخه .
وقال ابن مفلح في كتاب: (الفروع)، وهو من تلاميذ شيخ الإسلام أيضًا: كان شيخنا إذا أتي بالمصروع وعظ مَنْ صَرَعَهُ، وأمره ونهاه، فإن انتهى وفارق المصروع أخذ عليه العهد أن لا يعود، وإن لم يأتمر ولم ينته ولم يفارق ضربه حتى يفارقه، والضرب في الظاهر على المصروع، إنما يقع في الحقيقة على من صرعه(2) .
وأرسل الإمام أحمد إلى مصروع ففارقه الصارع، فلما مات أحمد عاد إليه(3) .
وبهذا تبين أن صرع الجن للإنس ثابت بمقتضى دلالة الكتاب والسنة والواقع، وأنكر ذلك المعتزلة.
__________
(1) …«زاد المعاد» (4/68، 69) .
(2) …«الفروع» لابن مفلح (1/539) .
(3) …انظر: «الفروع» لابن مفلح (1/539)، بنحوه.(4/204)
ولولا ما أثير حول هذه المسألة من بلبلة وجدال أدى إلى جعل كتاب الله تعالى دالاً على معانٍ تخيلية لا حقيقة لها، ولولا أن إنكار هذا يستلزم تسفيه أئمتنا وعلمائنا من أهل السنة، أو تكذيبهم؛ أقول: لولا هذا وهذا ما تكلمت في هذه المسألة لأنها من الأمور المعلومة بالحس والمشاهدة، وما كان معلومًا بالحس والمشاهدة لا يحتاج إلى دليل؛ لأن الأمور الحسية دليل بنفسها وإنكارها مكابرة أو سفسطة، فلا تخدعوا أنفسكم، ولا تتعجلوا، واستعيذوا بالله من شرور خلقه من الجن والإنس، واستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور التواب الرحيم .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العقيدة، ص (323 - 328)
وصفة مُفصَّلة لعلاج المسحور
ما العلاج لمن به صرف أو عطف أو سحر ؟ وكيف يمكن للمؤمن أن ينجو من ذلك ولا يضره فعله ؟ وهل هناك أدعية أو ذكر من القرآن والسنة لذلك الشيء ؟
هناك أنواع من العلاج:
أولاً: ينظر فيما فعله الساحر؛ إذا عرف أنه مثلاً جعل شيئاً من الشعر في مكان، أو جمله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف؛ فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر .(4/205)
ثانياً: أن يلزم الساحر إذا عُرف أن يزيل ما فعل، فيقال له: إما أن تزيل ما فعلت أو تضرب عنقك، ثم إذا أزال ذلك الشيء يقتله ولي الأمر؛ لأن الساحر يقتل على الصحيح بدون استتابة؛ كما فعل ذلك عمر رضي الله تعالى عنه، وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ"(1)، ولما علمت حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أن جارية لها تتعاطى السحر قتلتها(2).
__________
(1) …الترمذي (1460)، والدارقطني في «سننه» 3/114 (112)، والطبراني في «الكبير» (1665، 1666). والحاكم 4/360 (8073) وقال: «صحيح غريب» ووافقه الذهبي. وقد ضعف الترمذي إسناده، وصحَّح وقفه على جندب بن عبدالله رضي الله عنه. وانظر: فيض القدير» للمناوي (3/376، 377) .
(2) …«موطأ مالك» 2/871 (1562)، والبيهقي في «الكبرى» (16276).(4/206)
ثالثاً: القراءة؛ فإن لها أثراً عظيماً في إزالة السحر: وهو أن يقرأ على المسحور أو في إناء آية الكرسي وآيات السحر التي في سورة الأعراف، وفي سورة يونس وفي سورة طه، ومعها سورة الكافرون، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، ويدعو له بالشفاء والعافية، ولا سيما بالدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَاسَ واشْفِِ َأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ؛ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا"(1)، ومن ذلك ما رقى به جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهو: "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ"(2)، ويكرر هذه الرقية ثلاثاً، ويكرر قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و(المعوذتين) ثلاثاً. ومن ذلك: أن يقرأ ما ذكرناه في ماء ويشرب منه المسحور، ويغتسل بباقيه مرة أو أكثر حسب الحاجة، فإنه يزول بإذن الله تعالى، وقد ذكر هذا العلماء رحمهم الله، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في كتاب: (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) في باب (ما جاء في النُّشْرَة)، وذكره غيره .
رابعاً: أن يأخذ سبع ورقات من السِّدر الأخضر ويدقها ويجعلها في ماء ويقرأ فيه ما تقدم من الآيات والسور السابقة والدعوات؛ فيشرب منه ويغتسل. كما أن ذلك ينفع في علاج الرجل إذا حبس عن زوجته؛ فتوضع السبع الورقات من السدر الأخضر في ماء فيقرأ فيه ما سبق ثم يشرب منه ويغتسل، فإنه نافع بإذن الله جل وعلا .
والآيات التي تقرأ في الماء وورق السدر الأخضر بالنسبة للمسحورين، ومن حبس عن زوجته ولم يجامعها - هي كما يلي:
1 - قراءة الفاتحة .
__________
(1) …البخاري (5675)، ومسلم (2191).
(2) …مسلم (2186).(4/207)
2 -…قراءة آية الكرسي من سورة البقرة، وهي قوله تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَْرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ *}.
3 - قراءة آيات الأعراف، وهي قوله تعالى: {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ *فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ *وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ *قَالَ الْمَلأَُْ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ *قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ *يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ *وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَْجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ *قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ *قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ *وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ *فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ *وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ *}.(4/208)
4 - قراءة آيات في سورة يونس، وهي قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ *فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ *فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ *وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ *}.
5 - قراءة آيات في سورة طه، وهي قوله عز وجل:{قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى *قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى *فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى *قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَْعْلَى *وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى *} .
6 - قراءة سورة الكافرون .
7 - قراءة سورة الإخلاص، والمعوذتين: وهما سورة الفلق والناس. (ثلاث مرات) .
8 - قراءة بعض الأدعية الشرعية؛ مثل: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ، واشْفِِ َأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا"(1) (ثلاث مرات)، فهذا طيب. وإذا قرأ مع ذلك "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ"(2) (ثلاث مرات) فهذا طَيِّب .
وإن قرأ ما سبق على المسحور مباشرة ونفث على رأسه أو على صدره؛ فهذا من أسباب الشفاء بإذن الله أيضاً - كما تقدم .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (8/144)
طرق شرعية لعلاج السحر
__________
(1) …البخاري (5675)، ومسلم (2191).
(2) …مسلم (2186).(4/209)
سمعت من أحد العلماء قوله: إن من يظن أنه عُمل له سحر عليه أن يأخذ سبع ورقات من السدر ثم يضعها في إناء به ماء، ويقرأ عليها المعوذتين وآية الكرسي وسورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وقوله تعالى: {وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}[البقرة، من الآية: 102] ، وسورة الفاتحة .. فما صحة هذا ؟ وماذا يفعل من يظن أنه قد سحر ؟ أفيدونا أفادكم الله .
لا شك أن السحر موجود، وبعضه تخييل، وأنه يقع ويؤثر بإذن الله عز وجل؛ كما قال الله سبحانه وتعالى في حق السحرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اُشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *} [البقرة، من الآية: 102].(4/210)
فالسحر له تأثير، ولكنه بإذن الله الكوني القدري؛ إذ ما في الوجود من شيء إلا بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى، ولكن هذا السحر له علاج وله دواء، وقد وقع على النبي صلى الله عليه وسلم فخلصه الله منه وأنجاه من شره ووجدوا ما فعله الساحر، فأخذ وأتلف، فأبرأ الله نبيه من ذلك عليه الصلاة والسلام، وهكذا إذا وجد ما فعله الساحر من تعقيد الخيوط أو ربط المسامير بعضها ببعض أو غير ذلك فإن ذلك يتلف؛ لأن السحرة من شأنهم أن ينفثوا في العقد ويضربوا عليها لمقاصدهم الخبيثة، فقد يتم ما أرادوا بإذن الله، وقد يبطل، فربنا على كل شيء قدير سبحانه وتعالى .
وتارة يعالج السحر بالقراءة؛ سواء كان ذلك بقراءة المسحور نفسه إذا كان عقله سليماً، وتارة بقراءة غيره عليه، فينفث عليه في صدره أو في أي عضو من أعضائه ويقرأ عليه الفاتحة، وآية الكرسي، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، والمعوذتين وآيات السحر المعروفة من سورة الأعراف، وسورة يونس، وسورة طه .
فمن سورة الأعراف قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ *فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ *} .
ومن سورة يونس قوله سبحانه:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ *فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ *فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ *وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ *} .(4/211)
ومن سورة طه قوله سبحانه: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى *قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى *فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى *قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَْعْلَى *وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى *} .
ويقرأ أيضاً سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} إلى آخرها، وسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. والأولى أن يكرر سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. والمعوذتين ثلاث مرات، ثم يدعو له بالشفاء: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ، واشْفِِ َأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا" (1) ويكرر هذا ثلاثاً، وهكذا يرقيه بقوله: "بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ" (2)، ويكررها ثلاثاً ويدعو له بالشفاء والعافية، وإن قال في رقيته: "أَُعِيْذُكَ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ" (3) وكررها ثلاثاً؛ فحسن .
__________
(1) …البخاري (5675)، ومسلم (2191).
(2) …مسلم (2186).
(3) …مسلم (2708)؛ عن خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك».(4/212)
كل هذا من الدواء المفيد، وإن قرأ هذه الرقية والدعاء في ماء ثم شرب منه المسحور واغتسل بباقيه كان هذا من أسباب الشفاء والعافية بإذن الله، وإن جعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها كان هذا أيضاً من أسباب الشفاء، وقد جرب هذا كثيراً ونفع الله به، وقد فعلناه مع كثير من الناس فنفعهم الله بذلك . فهذا دواء مفيد ونافع للمسحورين وهكذا ينفع هذا الدواء لمن حبس عن زوجته؛ لأن بعض الناس قد يحبس عن زوجته فلا يستطيع جماعها، فإذا استعمل هذا الرقية وهذا الدعاء نفعه بإذن الله؛ سواء قرأه على نفسه أو قرأه عليه غيره أو قرأه في ماء ثم شرب منه واغتسل بالباقي . كل هذا نافع بإذن الله للمسحور والمحبوس عن زوجته، وهذا من الأسباب، والله سبحانه وتعالى هو الشافي وحده، وهو على كل شيء قدير، بيده جل وعلا الدواء والداء، وكل شيء بقضائه وقدره سبحانه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً؛ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"(1)، وهذا فضل منه سبحانه وتعالى . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (2/688)
علاج مُجرَّب لِلْمَرْبُوط عن جِماع أهله
وهو أقسى أنواع السحر - والعياذ بالله - وأشدها إيلامًا وأكثر تعذيبًا .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
__________
(1) …البخاري (5678)، دون قوله: «علمه من علمه وجهله من جهله»، وأخرجه بهذه الزيادة: أحمد (1/377، 443، 453)، وَ (4/278)، وأبو يعلى في «مسنده» (5183)، والطبراني في «الكبير» (10331)، والحاكم 4/197 (7424) و4/399 (8205) وصححه ووافقه الذهبي في الموضع الثاني.(4/213)
يأخذ سبع ورقات من السِّدْر (النبق) الأخضر فيدقّها بحجر أو نحوه، ويجعلها في إناء ويصب عليها من الماء مايكفيه للغسل، ويقرأ فيها «آية الكرسي» و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وآيات السحر التي في سورة الأعراف وهي قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ *فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ *وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ *} .
والآيات التي في سورة يونس وهي قوله سبحانه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ *فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ *فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ *وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ *} .
والآيات التي في سورة طه وهي قوله سبحانه وتعالى: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى *قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى *فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى *قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَْعْلَى *وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى *} .(4/214)
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب بعض الشيء ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن شاء الله، وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء .
الشيخ ابن باز - علاج الأمراض بالقرآن والسنة، ص (24 - 26)
أذكار تقي من السحر والحسد
هل يوجد دعاء إذا ذكرته يمنع عني الحسد ؟ وهل يوجد دعاء إذا ذكرته لا يصيبني السحر ؟ جزاكم الله خيراً .
بسم الله والحمد لله . من أسباب العافية من جميع الشرور قراءة ،{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمُعَوِّذَتَيْن بعد صلاة الفجر والمغرب؛ ثلاث مرات. والتعوُّذ بكَلِمَاتِ الله التامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلَق(1)، ثلاث مرات صباحاً ومساءً، وأن تقول: "بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (2)؛ ثلاث مرات صباحاً ومساءً، كما صحت الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . وفق الله الجميع .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (2/687)
أسباب الإصابة بالسحر والعين وعلاجهما
ما هي أسباب الإصابة بالسحر والعين والمس ؟
__________
(1) …مسلم (2708)؛ عن خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك».
(2) …أحمد (1/62، 66، 72)، وأبو داود (5088)، والترمذي (3388)، وقال: «حسن غريب صحيح»، والنسائي في الكبرى (9843، 9844)، وابن ماجه (3869)، وابن حبان (852، 862)، والحاكم 1/514 (1895)، وصححه ووافقه الذهبي.(4/215)
اعلم أن عمل السحر محرم وكفر بالله تعالى؛ لأن الساحر يستعين بالشياطين ويتقرب إلى الجن حتى يساعدوه في الإصابة بالسحر، ومنه الصَّرْف والعَطْف(1)، فالساحر إذا أراد إضرار إنسان من رجل أو امرأة دعا شياطينه والمردة الذين يطيعونه وذبح لهم أو خدمهم وطلب منهم أن يلابسوا فلانًا أو فلانة؛ فيحصل المس بإذن الله تعالى .
وعلاج ذلك أولاً: التحصن بذكر الله وعبادته وطاعته والبعد عن المعاصي وعن مخالطة أهلها، والإكثار من قراءة القرآن وتدبره وقراءة الأوراد والأدعية والأذكار؛ فمع ذلك يحفظ الله تعالى عبده عن الإصابة بالمس والسحر .
أما العين: فهي أن بعض الناس يعرف بالحسد والحقد على الناس فمتى رأى منهم ما يغبطون به وجه إليهم قلبه وحاول أن يتكلم بكلام حاد، فيتوجه من نظره مواد سامة تؤثر في المعين بإذن الله .
وعلاج ذلك: الحرص على البعد عن هؤلاء المعروفين بالحسد، وعلى عدم إظهار الزينة قدامهم، ونصحهم عن الإضرار بالناس بغير حق، وطلبهم التبريك على المسلم؛ وقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ونحو ذلك .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
كيفية التخلص من عَبَث الجن وأذاهم
__________
(1) …يجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك؛ فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئًا فشيئًا حتى يهلك، وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه .(4/216)
س1: سائل يقول: إنه يسكن في منزل في البادية ورثه من آبائه وأجداده السالفين، والآن في المدة الأخيرة وبالذات في (2 رمضان) حدثت له فيه كارثة؛ ومن هذه الليلة وأنا أرمى بالحجارة من داخل المنزل ومن خارجه ويطفأ عليّ المصباح بدون أن أرى من يفعل بي هذا، ومكثت على ذلك مدة (4 أيام) وأنا أعاني من هذه المصيبة؛ فجئت إلى عشيرتي لعلهم يدلوني على شيء فأخبرتهم بهذا الخبر المفجع لكنهم ردوا عليّ بقولهم: إن أعداءك هم الذين يفعلون بك هذه الصنيعة الشنعاء، وراحوا معي فلما جاء الليل وأظلم شاهدوا الذي قلت لهم وصدقوني على ما قلت لهم . بعد هذا كله ألح عليّ أهلي بالخروج من هذا المسكن ومبارحته .. كيف يكون تفسيركم لهذه الكارثة والمصيبة ؟ ثم ما علاجها وما هو حكم الشريعة في ذلك ؟(4/217)
ج1: قد يكون هؤلاء نفرًا من شياطين الجن اعتدوا عليك وعبثوا بك لتخرج من البيت، أو لمجرد العبث بك واللعب عليك، وقد يكون منهم انتقاماً منك لإيذائك إياهم من حيث لا تعلم، وعلى كل حال الجأ إلى الله وتحصن بتلاوة كتاب الله في البيت وقراءة آية الكرسي عندما تضطجع في فراشك للنوم أو الراحة، وتستعيذ بالله من شر ما خلق؛ وتقول: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ" (1)؛ ثلاث مرات، وتقول كلما دخلت البيت: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ اللهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا"(2)، وتقول عند كل صباح ومساء ثلاث مرات: "بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (3) .
__________
(1) …مسلم (2708)؛ عن خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك».
(2) …أبو داود (5096)، وسكت عنه، والطبراني في «الكبير» (3452). قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/426): «رواه ابو داود من رواية إسماعيل بن عياش عن الحمصيين، فهو حديث حسن».
(3) …أحمد (1/62، 66، 72)، وأبو داود (5088)، والترمذي (3388)، وقال: «حسن غريب صحيح»، والنسائي في الكبرى (9843، 9844)، وابن ماجه (3869)، وابن حبان (852، 862)، والحاكم 1/514 (1895)، وصححه ووافقه الذهبي.(4/218)
وبالجملة تحافظ على تلاوة القرآن في البيت وغيره، وعلى الأذكار النبوية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فتذكر الله بها في أوقاتها ليلاً ونهارًا في البيت وغيره، وتجدها في كتاب «الكلم الطيب» لابن تيمية، وكتاب «الوابل الصيب» لابن القيم، وكتاب «الأذكار» للنووي، وغير ذلك من كتب الحديث، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - مجلة البحوث الإسلامية/ العدد (27) ص (76، 77)
س2: أنقل لفضيلتكم حال أسرة ابتليت بالمس وإيذاء الشياطين، وقد نصحهم أحد المشايخ بأن يداوموا على قراءة سورة البقرة بأنفسهم، وأن يجعلوها كذلك على جهاز تسجيل يعمل في البيت بشكل متواصل طوال اليوم والليلة .. فما حكم ذلك يحفظكم الله ؟
ج2: لا شك أن هذا الابتلاء من شياطين الجن والصرع والمس - عقوبة من الله تعالى، أو ابتلاء وامتحان؛ فننصح هذه الأسرة بالتوبة إلى الله وكثرة الذكر والاستغفار، والدعاء وقراءة القرآن والأعمال الصالحة، والتنفل بالصلوات والصيام والصدقات، وتطهير المساكن من آلات اللهو وأجهزة الأغاني والصور والأفلام الخليعة، والقنوات الفضائية التي توقع في الفتنة وتدعو إلى الحرام. ولهم أن يداوموا على قراءة سورة البقرة ؛ فهي التي لا يَسْتَطِيعُها البَطَلة(1) (أهل السحرة)، ويهرب الشيطان من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة(2)؛ والأفضل أن يقرأها أحد أهل البيت - رجل أو امرأة - ويواصل قراءتها في أول الليل قراءة متوسطة، وهكذا أيضًا يقرؤوها في جهاز تسجيل بشكل متواصل كل يوم أو كل ليلة، ولعلهم بذلك أن يتعافوا من هذا البلاء. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه، في: 7/11/1424هـ
على الممسوس ألا يطيع الجني بالمعصية وأن يرقي نفسه
__________
(1) …جزء من حديث: أخرجه مسلم (804).
(2) …جزء من حديث: أخرجه مسلم (780) بمعناه.(4/219)
من الناس من تلبس بهم الجن فيقال عليه أسياد أو عليه شيخ ويكون من الجان، وقد يكون كافراً أو نصرانياً فيأمر المتلبس بأشياء مخالفة للشرع؛ مثل عدم الصلاة أو بعمل أشياء لا يطيقها وإن لم يفعل فإنهم يعذبونه .. ما هي الطريقة الشرعية للتخلص من هؤلاء ؟
مس الجن الإنسان أمر واقع، وإذا أمر الجني من مسه بمحرم وجب على المصاب أن يتمسك بشرع الله وأن يعصي الجني في أمره بمعصيته الله وإن آذاه الجني، وعليه أن يتعوذ بالله من شره ويحصن نفسه بقراءة القرآن وبالتعوذات الشرعية وبالأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ منها: الرقية بقراءة سورة الفاتحة. ومنها: قراءة سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعَوِّذَتَيْن، ثم يَنْفُثُ في يَدَيْه ويَمْسَحُ بهما وَجْهَهُ وما استطاع مِنْ بَدَنِه، ثم يقرأ هذه السور الثلاث مرة ثانية وينفث في يديه ويمسح بهما وجهه وما استطاع من بدنه، ثم يقرؤها مرة ثالثة وينفث في يديه ويمسح بهما وجهه وما استطاع من بدنه(1). إلى غير ذلك من الرقية بسور القرآن وآياته وبالأذكار الثابتة، مع اللجوء إلى الله في طلب الشفاء والحفظ من شياطين الجن والإنس. وارجع إلى كتاب «الكلم الطيب» لابن تيمية، وكتاب «الوابل الصيب» لابن القيم، و «الأذكار» للنووي؛ ففيها بيان كثير من أنواع الرقية، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - مجلة البحوث الإسلامية/ العدد (27) ص (75)
حكم حَلّ السِّحر بالسحر (النُّشرة)
من كان به سحر؛ هل يجوز أن يذهب إلى ساحر ليزيل السحر عنه ؟
__________
(1) …البخاري برقم (5017، 5748، 6319).(4/220)
لا يجوز ذلك؛ والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النُّشْرَةِ(1) فقال: "هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ"(2).
وفي الأدوية الطبيعية، والأدعية الشرعية، ما فيه كفاية؛ فإن الله "مَا أَنْزَلَ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً؛ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"(3)، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي، ونهى عن التداوي بالمحرم، فقال صلى الله عليه وسلم: "عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا وَلا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ"(4)، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله لم يَجْعَلْ شِفَاءَكُم في حرام" (5) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - فتاوى مهمة لعموم الأمة، ص (106، 107)
حكم العلاج عند الكَهَنة والعَرَّافين (للجنة الدائمة)
__________
(1) …النُّشْرَة: نوع من الرُّقية لعلاج مَن به مسُّ من الجن، وقال الحسن: النشرة من السِّحر. «النهاية» لابن الأثير (5/46) بتصرف.
(2) …أحمد (3/294)، وأبو داود (3868)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه. وأخرجه الحاكم 4/418 (8292) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وصححه ووافقه الذهبي. وهو في «صحيح أبي داود» (3277).
(3) …هو حديث نبوي؛ تقدم تخريجه في الفتوى (94) من هذا الباب.
(4) …أبو داود (3874)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (2/336): «وسنده حسن». وأخرجه من حديث أم الدرداء رضي الله عنها: الطبراني في «الكبير» 24/254 (649). قال في «مجمع الزوائد» (5/86): «ورجاله ثقات».
(5) …أبو يعلى في «مسنده» (6966)، بإسناد جيد، وابن حبان (1391)، وعزاه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/86) لأبي يعلى والبزار، وقال: «ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، خلا حسان بن مخارق؛ وقد وثقه ابن حبان».(4/221)
تزوجت بفتاة يتيمة الأم غير متعلمة وذلك في عيد الفطر من عام 1403هـ، وفي بداية شهر ذي الحجة أصابها مرض نفسي عبارة عن بكاء ونحيب ويرتفع أحيانًا إلى صراخ وعويل، فأخذها والدها إلى منزله وأحضر لها كاهناً لمعالجتها فعالجها بالدخائن المنتنة، وأمر بحبسها طوال شهر محرم في غرفة مظلمة ويسمون هذا العلاج الحجبة، وقد حدث هذا دون أخذ موافقتي، فشفيت وبقيت في بيت أهلها شهري صفر وربيع الأول، فعادت إلى منزلي في بداية شهر ربيع الثاني فعاد إليها المرض نفسه، والآن أقوم بمعالجتها عند طبيب أخصائي نفسي يعالجها بالقرآن والأدعية المأثورة بالإضافة إلى العلاجات الأخرى، ولكن أهلها غير مقتنعين ويريدون علاجها لدى أحد الكهنة، وقد منعني أهلها من قراءة القرآن عليها إذا أصابتها النوبة؛ لأن الكاهن أخبرهم بأنني أنا السبب في زيادة مرضها؛ لأنني قرأت عليها المعوذتين وآية الكرسي .. فما هو الموقف الذي يجب أن أتخذه إذا عرضها والدها على كاهن آخر ؟ أرجو مساعدتي بالرد في أسرع وقت .
أحسنت بعلاجها بقراءة القرآن عليها ورقيتها بالأدعية النبوية المأثورة؛ لكن يحرم خلوة الأجنبي الذي يرقيها بها ويحرم عليها أن تكشف شيئًا من عورتها أمامه أو يضع يده عليها، ولو توليت علاجها بذلك أو تولاه أحد محارمها كان أحوط، ونرى أن تعالجها أيضاً بالمستشفى ونحوه عند دكتور الأمراض النفسية؛ فإنه متخصص في علاج هذا المرض.(4/222)
أما عرضها على الكُهَّان والذهاب بها إليهم للعلاج فممنوع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" (1)؛ رواه مسلم في صحيحه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ" (2) .
وفق الله الجميع لاتباع الحق والتمسك به وترك المخالفة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - مجلة البحوث الإسلامية/ العدد (26) ص (118، 119)
حكم العلاج عند الكَهَنة والعَرَّافين (للشيخ ابن باز)
كان والدي مريضًا مرضًا نفسيًا وطالت معه مدة المرض وتخلل ذلك مراجعة للمستشفى؛ لكن أشار علينا بعض الأقرباء بأن نذهب إلى امرأة قالوا: إنها تعرف علاجًا لمثل هذه الأمراض، وقالوا أيضًا: أعطوها الاسم فقط وهي تخبركم بما فيه وتصف له الدواء؛ فهل يجوز لنا أن نذهب لهذه المرأة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
هذه المرأة وأشباهها لا يجوز سؤالها ولا تصديقها؛ لأنها من جملة العرافين والكهنة الذين يدعون علم الغيب ويستعينون بالجن في علاجهم وأخبارهم .
__________
(1) …مسلم (2230).
(2) …أحمد (2/429)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» 1/434 (503)، والحاكم 1/8 (15) وصححه ووافقه الذهبي. قال المناوي في «فيض القدير» (6/23): «.. وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح. ورواه عنه - أي عن الحاكم - البيهقي في السنن، فقال الذهبي: إسناده قوي». اهـ.
- وأخرجه بزيادة فيه: أحمد (2/476)، وأبو داود (3409)، والترمذي (135)، والنسائي في «الكبرى» (9017)، وابن ماجه (639)، والبزار (3578).(4/223)
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ يَومَاً" (1)؛ أخرجه مسلم في صحيحه، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا أو كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ" (2)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
فالواجب الإنكار على هؤلاء ومن يأتيهم وعدم سؤالهم وتصديقهم، والرفع عنهم إلى ولاة الأمور حتى يعاقبوا بما يستحقون؛ لأن تركهم وعدم الرفع عنهم يضر المجتمع ويساعد على اغترار الجهال بهم وسؤالهم وتصديقهم .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ؛ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ" (3)؛ رواه مسلم في صحيحه .
ولا شك أن الرفع عنهم إلى ولاة الأمر كأمير البلد وهيئة الأمر بالمعروف والمحكمة من جملة الإنكار عليهم باللسان ومن التعاون على البر والتقوى. وفق الله المسلمين جميعًا لما فيه صلاحهم وسلامتهم من كل سوء.
الشيخ ابن باز - فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها، ص (36، 37)
حكم الراقي الذي يتعامل بالتمائم والسحر
__________
(1) …مسلم (2230)، بلفظ: «أربعين ليلة».
(2) …أحمد (2/429)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» 1/434 (503)، والحاكم 1/8 (15) وصححه ووافقه الذهبي. قال المناوي في «فيض القدير» (6/23): «.. وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح. ورواه عنه - أي عن الحاكم - البيهقي في السنن، فقال الذهبي: إسناده قوي». اهـ.
- وأخرجه بزيادة فيه: أحمد (2/476)، وأبو داود (3409)، والترمذي (135)، والنسائي في «الكبرى» (9017)، وابن ماجه (639)، والبزار (3578).
(3) …مسلم (49).(4/224)
يوجد أناس يحملون القرآن ولكنهم يتعاملون بالتمائم والسحر .. فما حكمهم(1) ؟
الذين يعملون بالتمائم يُنظر في تمائمهم هذه:
فإن كانت التمائم تتضمن شركًا ودعاء لغير الله واستغاثة بغير الله واستنجادًا بغير الله فإن هذا شرك أكبر مُخرج من الملة؛ لأن دعاء غير الله والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر، وهو من السفه والضلال؛ أما كونه من السفه فلأنه خروج عن ملة التوحيد التي هي ملة إبراهيم عليه السلام؛ وقد قال الله تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ}[البقرة، من الآية:130] . وأما كونه من الضلال - فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ *وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ *} [الأحقاف] .
وبين الله عز وجل أن من دعا غير الله فقد عبده ولكن هذا لا ينفعه؛ لأن هذا المدعو لا يمكن أن يستجيب له ولو دعاه إلى يوم القيامة، فلا أحد أضل ممن يدعو من هذه حاله .
وأما إذا كانت التمائم من القرآن أو من أدعية مباحة فقد اختلف العلماء في تعليقها - سواء علقها في الرقبة أو على العضد أو على الفخذ أو جعلها تحت وسادته أو ما أشبه ذلك؛ والراجح من أقوال أهل العلم عندي: أنها لا تجوز؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من حقنا أن نثبت سببًا لم ترد به الشريعة؛ فإن إثبات الأسباب التي لم ترد بها الشريعة كإثبات الأحكام التي لم ترد بها الشريعة؛ بل إن إثبات السبب هو في الحقيقة حكم بأن هذا السبب نافع؛ فلابد من أن يثبت ذلك عن صاحب الشرع وإلا كان لغوًا وعبثًا لا يليق بالمؤمن .
__________
(1) …كان السؤال يتضمن الاستفهام عن حكم الصلاة خلفهم، ولكن الجواب أغفل ذلك؛ فعدل السؤال ليناسب الجواب.(4/225)
وأما كونه يتعاطى السحر: فإن كان السحر بالاستعانة بالأرواح الشيطانية ودعائها وما أشبه ذلك فهو شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأنه كفر، وإن كان بما سوى ذلك فمحل خلاف بين أهل العلم؛ مثل أن يكون بأدوية ونحوها - وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اُشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *} [البقرة] ؛ والساحر حتى ولو لم يصل إلى حد الكفر فإن الواجب قتله إذا لم يتب من سحره؛ لأن قتله فيه مصلحة له ومصلحة لغيره .
أما كونه مصلحة له فلأنه يسلم من التمادي في ذلك العمل المحرم أو العمل الذي يصل إلى الكفر، وهذا خير له؛ فإن الله تعالى إذا أملى للكافر والمعتدي الظالم فإن ذلك ليس من مصلحته بل هو من مضرته - كما قال الله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَِنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *} [آل عمران، من الآية: 178] .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العقيدة، ص (316 - 318)
يحرم الذهاب إلى الراقي المُشرِك وإنْ نَفَع(4/226)
مرض رجل مرضاً شديداً واشتد به المرض وذهب إلى كل الأطباء فلم يكتب الله الشفاء لهذا الرجل على أيدي هؤلاء الأطباء، وذهب إلى رجل يتوسل ويستغيث ويتبرك بأصحاب القبور فكتب الله له الشفاء على يد هذا المتوثن المتوسل .. فهل الذهاب إلى هذا الرجل يجوز ؟ وهذه الفعلة تكررت عدة مرات واتخذها الناس عبرة واستقر في أذهانهم أنه يشفي الناس بما يفعل من أفعال الإشراك بالله - والعياذ بالله .. فما حكم الدين في ذلك ؟
يحرم الذهاب إلى من يفعل أعمال الشرك من دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لطلب الشفاء بدعائه ورقيته ونحو ذلك، ولو انتفع بعض الناس بذلك؛ لأن ذلك قد يوافق القدر فيظن أنه بسبب هذا الشخص، وقد يكون مرضه من أعمال الشياطين فيغروه بسؤال هؤلاء المشركين والذهاب إليهم؛ فإذا سألهم تركوا إيذاءه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة - مجلة البحوث الإسلامية - العدد (27) ص (65)
التحذير من مُسْتَحْضِري الجِنّ ونحوهم من المشعوذين
بعض الناس إذا أصيب له مريض بالصرع يذهب به إلى بعض الأطباء العرب، وهؤلاء يستحضرون وتصدر منهم حركات غريبة، ويحجبون المريض فترة من الزمن ويقولون: إنه مصاب بالجن أو مسحور ونحو ذلك، ويعالج هؤلاء المريض ويشفى وتدفع لهم الأموال مقابل ذلك .. فما الحكم في ذلك ؟
وما الحكم أيضًا في العلاج بالعزائم؛ التي تكتب فيها الآيات القرآنية ثم توضع في الماء وتشرب ؟
علاج المصروع والمسحور بالآيات القرآنية والأدوية المباحة لا حرج فيه؛ إذا كان ذلك ممن يعرف بالعقيدة الطيبة والالتزام بالأمور الشرعية.(4/227)
أما العلاج عند الذين يدعون علم الغيب أو يستحضرون الجن أو أشباههم من المشعوذين أو المجهولين الذين لا تعرف حالهم ولا تعرف كيفية علاجهم فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا العلاج عندهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" (1)؛ أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم" (2)؛ أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد جيد .
__________
(1) …مسلم (2230).
(2) …أحمد (2/429)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» 1/434 (503)، والحاكم 1/8 (15) وصححه ووافقه الذهبي. قال المناوي في «فيض القدير» (6/23): «.. وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح. ورواه عنه - أي عن الحاكم - البيهقي في السنن، فقال الذهبي: إسناده قوي». اهـ.
- وأخرجه بزيادة فيه: أحمد (2/476)، وأبو داود (3409)، والترمذي (135)، والنسائي في «الكبرى» (9017)، وابن ماجه (639)، والبزار (3578).(4/228)
ولأحاديث أخرى في هذا الباب كلها تدل على تحريم سؤال العرافين والكهنة وتصديقهم وهم الذين يدعون علم الغيب أو يستعينون بالجن ويوجد من أعمالهم وتصرفاتهم ما يدل على ذلك، وفيهم وأشباههم ورد الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النُّشْرة فقال: "هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ" (1)، وفسر العلماء هذه النشرة بأنها ما كان يعمل في الجاهلية من حَلَّ السحر بمثله. ويلتحق بذلك كل علاج يستعان فيه بالكهنة والعرافين وأصحاب الكذب والشعوذة .
وبذلك يعلم أن العلاج لجميع الأمراض وأنواع الصرع وغيره إنما يجوز بالطرق الشرعية والوسائل المباحة؛ ومنها القراءة على المريض والنفث عليه بالآيات والدعوات الشرعية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا"(2)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا، وَلا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ"(3) .
أما كتابة الآيات والأدعية الشرعية بالزعفران في صحن نظيف أو أوراق نظيفة ثم يغسل فيشربه المريض فلا حرج في ذلك؛ وقد فعله كثير من سلف الأمة كما أوضح ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» وغيره، إذا كان القائم بذلك من المعروفين بالخير والاستقامة، والله ولي التوفيق .
__________
(1) …أحمد (3/294)، وأبو داود (3868)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه. وأخرجه الحاكم 4/418 (8292) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وصححه ووافقه الذهبي. وهو في «صحيح أبي داود» (3277).
(2) …مسلم (2200)، وأبو داود (3886) واللفظ له.
(3) …أبو داود (3874)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (2/336): «وسنده حسن». وأخرجه من حديث أم الدرداء رضي الله عنها: الطبراني في «الكبير» 24/254 (649). قال في «مجمع الزوائد» (5/86): «ورجاله ثقات».(4/229)
الشيخ ابن باز - فتاوى العلاج بالقرآن والسنة - الرقى وما يتعلق بها، ص (31 - 33)
من علامات السَّحَرَة والمُشَعْوِذِين (للشيخ ابن باز)
هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم، وحينما أتيت إلى أحدهم قال لي: اكتب اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غدًا، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: إنك مصاب بكذا وكذا وعلاجك كذا وكذا . . ويقول أحدهم: إنه يستعمل كلام الله في العلاج .. فما رأيكم في مثل هؤلاء ؟ وما حكم الذهاب إليهم ؟
من كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن ويدعي علم المغيبات؛ فلا يجوز العلاج عنده كما لا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجنس من الناس: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" (1) أخرجه مسلم في صحيحه .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكُهّان والعرافين والسحرة والنهي عن سؤالهم وتصديقهم، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا أو كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ"(2)، وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى أو الودع أو التخطيط في الأرض أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه أو اسم أقاربه - فكل ذلك دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم .
__________
(1) …مسلم (2230).
(2) …أحمد (2/429)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» 1/434 (503)، والحاكم 1/8 (15) وصححه ووافقه الذهبي. قال المناوي في «فيض القدير» (6/23): «.. وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح. ورواه عنه - أي عن الحاكم - البيهقي في السنن، فقال الذهبي: إسناده قوي». اهـ.
- وأخرجه بزيادة فيه: أحمد (2/476)، وأبو داود (3409)، والترمذي (135)، والنسائي في «الكبرى» (9017)، وابن ماجه (639)، والبزار (3578).(4/230)
فالواجب الحذر منهم ومن سؤالهم ومن العلاج عندهم وإن زعموا أنهم يعالجون بالقرآن؛ لأن من عادة أهل الباطل التدليس والخداع فلا يجوز تصديقهم فيما يقولون. والواجب على من عرف أحدًا منهم أن يرفع أمره إلى ولاة الأمر من القضاة والأمراء ومراكز الهيئات في كل بلد حتى يحكم عليهم بحكم الله، وحتى يسلم المسلمون من شرهم وفسادهم وأكلهم أموال الناس بالباطل .
والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة - الفتاوى (2/22، 23)
من علامات السَّحَرَة والمُشَعْوِذِين (للجنة الدائمة)
هل يجوز للمسلم أن يذهب لأحد من الناس فيسأله عن مرضه فيخبره الآخر بأنه مسحور، ثم يطلب المريض منه أن يحل السحر عنه؛ فيقوم بصب الرصاص على رأس المريض في إناء فيه ماء ثم يخبره أن فلانًا قد سحره ؟ وهل يجوز أن تسأل الأم عن ابنها من سيتزوج ؟ وتسأل عن ابنها المتزوج هل تحبنا زوجته أو تُكِنّ لنا العداوة ؟
يجوز للمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنية أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية غير المحرمة شرعًا حسب ما يعلمه في علم الطب؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية، وقد أنزل الله تعالى الداء وأنزل الدواء؛ عرف ذلك مَن عرفه، وجَهِلَهُ من جهله .(4/231)
ولا يجوز أن يذهب إلى الكهنة الذين يزعمون معرفة الغيب ليعرف منهم مرضه، ولا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به؛ فإنهم يتكلمون رجمًا بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء شأنهم الكفر والاستعانة بهم شرك؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" (1)؛ رواه مسلم، وفي السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ" (2)؛ رواه البزار بإسناد جيد .
ولا يجوز له أن يخضع لما يزعمون علاجًا: من صبِّ رصاصٍ ونحوه على رأسه فإن هذا من الكهانة، ورضاه بذلك مساعدة لهم على الكهانة والاستعانة بشياطين الجن، كما لا يجوز لأحد أن يذهب إلى من يسأله من الكهان: من يتزوجها ابنه أو عما يكون من الزوجين أو أسرتيهما من المحبة والعداوة والوفاق أو الفراق؛ فإن ذلك من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة - مجلة البحوث الإسلامية/ العدد (19) ص (162، 163)
حكم الاستعانة بالجن أو الملائكة أو التمائم لحفظ البدن
__________
(1) …مسلم (2230).
(2) …أحمد (2/429)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» 1/434 (503)، والحاكم 1/8 (15) وصححه ووافقه الذهبي. قال المناوي في «فيض القدير» (6/23): «.. وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح. ورواه عنه - أي عن الحاكم - البيهقي في السنن، فقال الذهبي: إسناده قوي». اهـ.
- وأخرجه بزيادة فيه: أحمد (2/476)، وأبو داود (3409)، والترمذي (135)، والنسائي في «الكبرى» (9017)، وابن ماجه (639)، والبزار (3578).(4/232)
هل يجوز لمسلم أن يكتب الأسماء الروحانية ((الجن أو الملائكة)) أو أسماء الله الحسنى أو غير ذلك من الحرز والعزيمة - المشهورة عند العلماء الروحانيين - بإرادة حفظ البدن من شر الجن والشيطان والسحر ؟
الاستعانة بالجن أو الملائكة والاستغاثة بهم لدفع ضر أو جلب نفع أو للتحصن من شر الجن شرك أكبر يخرج عن ملة الإسلام، والعياذ بالله؛ سواء كان ذلك بطريق ندائهم أو كتابة أسمائهم وتعليقها تميمة أو غسلها وشرب الغسول أو نحو ذلك - إذا كان يعتقد أن التميمة أو الغسل تجلب له النفع أو تدفع عنه الضر دون الله .
وأما كتابة أسماء الله تعالى وتعليقها تميمة: فقد أجازه بعض السلف وكرهه بعضهم؛ لعموم النهي عن التمائم، واعتبار تعليقها ذريعة إلى تعليق غيرها من التمائم الشركية؛ ولأن تعليقها يعرضها للأوساخ والأقذار، وفي ذلك امتهان لها؛ وهذا هو الصواب. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة - مجلة البحوث الإسلامية/ العدد (28) ص (57)
بعض الوسائل الشِّركية للتداوى
أشخاص من ضمن أدويتهم التي يعالجون بها الناس: هو ذبح شيء من الغنم أو الدجاج على صدر الإنسان أو رأسه، أو بعض حلق الفضة التي توضع في يد المريض، أو قطعة قماش صغيرة أو حفنة من تراب .. أظنهم يقولون: إنها من ثوب وتراب قبر قريب لهم صالح؛ فما حكم التداوي بهذا كله ؟ وهل يجوز تصديقهم إذا أخبروا عن شيء ؟
يحرم الذبح لغير الله؛ وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من ذبح لغير الله، وهو من أنواع الشرك، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *} [الأنعام] ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ"(1) .
__________
(1) …مسلم (1978).(4/233)
أما التداوي بالطريقة المذكورة في السؤال فهو منكر لا يجوز؛ ولو كان الذبح لله سبحانه وتعالى، ولا يجوز التصديق فيما يخبرون به لكونهم من المشعوذين والدجالين، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ" (2)، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة - مجلة البحوث العدد (28) ص (85، 86)
حكم الذبح لغير الله بقصد الشفاء
بعض الناس حينما يصاب لهم قريب أو عزيز يذهبون به إلى شخص يسمونه ((الطبيب الشعبي))، وحينما يؤتى بالمريض إلى هذا الطبيب يسرد لولي المريض جملة من الأمراض ويؤكد بأن هذا المريض لن يشفى إلا إذا ذبح له حيوان معين لا يذكر اسم الله عليه ويدفن بعد ذلك في مكان يحدده .
هل إذا فعل الإنسان ذلك طلباً للشفاء غير قاصد الشرك يكون آثماً ؟ وهل يعتبر ذلك من الشرك الأكبر ؟ ثم ما تأثير الذبح لغير الله عموماً على عقيدة المسلم ؟
__________
(1) …مسلم (2230).
(2) …أحمد (2/429)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» 1/434 (503)، والحاكم 1/8 (15) وصححه ووافقه الذهبي. قال المناوي في «فيض القدير» (6/23): «.. وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح. ورواه عنه - أي عن الحاكم - البيهقي في السنن، فقال الذهبي: إسناده قوي». اهـ.
- وأخرجه بزيادة فيه: أحمد (2/476)، وأبو داود (3409)، والترمذي (135)، والنسائي في «الكبرى» (9017)، وابن ماجه (639)، والبزار (3578).(4/234)
الذبح لغير الله من أجل شفاء المريض أو لغير ذلك من الأغراض شرك أكبر؛ لأن الذبح عبادة - قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *}[الكَوثَر]، وقال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *} [الأنعام] .
فأمر سبحانه بأن يكون الذبح لله وحده وقرنه مع الصلاة، كما أمر سبحانه بالأكل مما يذكر اسم الله عليه من الذبائح، ونهى عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه؛ قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ *} [الأنعام] ، إلى قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}[الأنعام، من الآية: 121] .
فالذبح لغير الله شرك أكبر - لأي غرض من الأغراض؛ سواء كان لأجل شفاء المريض كما يزعمون أو لغير ذلك من الأغراض، وهذا الذي يأمر أقارب المريض بأن يذبحوا ذبيحة لا يذكرون اسم الله عليها: مُشعوذ يأمر بالشرك، فيجب إبلاغ ولاة الأمور عنه ليأخذوا على يديه ويريحوا المسلمين من شرِّه .
والله سبحانه وتعالى جعل لنا أدوية مباحة يعالج بها المرضى؛ وذلك بأن نذهب إلى الأطباء والمستشفيات ونعالج بالعلاج النافع المباح . وكذلك شرع الله سبحانه لنا الرقية بكتابه بأن نقرأ على المريض من كتاب الله وندعو الله له بالشفاء بالأدعية الواردة .
وفي هذا كفاية للمؤمن؛ {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}[الطلاق، من الآية: 3] ، أما هؤلاء المشعوذون فإنهم كذابون دجالون يريدون إفساد عقائد المسلمين وأكل أموال الناس بالباطل، فلا يجوز تركهم يعبثون بالناس ويضلونهم بل يجب ردعهم وكفّ شرهم .(4/235)
أما تركهم فإنه من أعظم المنكر والفساد في الأرض، ويجب على المسلم المحافظة على عقيدته؛ فلا يعالج جسمه بما يفسد دينه وعقيدته ولا يذهب إلى هؤلاء المشبوهين والدجالين، وإذا كانوا يخبرون الناس عن الأشياء الغائبة فهم كُهَّان؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم"(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
الشيخ الفوزان - كتاب الدعوة - الفتاوى (1/28-30)
الباب التاسع عشر
النساء
الفصل الأول :
الدماء الطبيعية
الفصل الثاني :
الحجاب والزينة
الفصل الثالث :
خروج المرأة من بيتها
الفصل الرابع :
شرح أحاديث متعلقة بالمرأة
الفصل الأول
الدماء الطبيعية
الفرق بين الحيض والاستحاضة والنفاس
ما هو الفارق بين دم الحيض ودم الاستحاضة ودم النفاس ؟
هذه الدِّماء المذكورة تخرج من مَحِلٍّ واحد، ولكن تختلف أسماؤها وأحكامها باختلاف أسبابها .
- فأما دم النفاس :
فسببه ظاهر، وهو الدم الخارج من الأنثى بسبب الولادة، وهو بقية الدَّم المحتبس وقت الحمل في الرَّحم، فإذا ولدت خرج هذا الدم شيئاً فشيئاً وما تولد بعد الولادة، وتطول مدته وقد تقصر .
- أما أقله: فلا حد له قولاً واحداً .
وأما أكثره: فعلى المذهب ما جاوز الأربعين، ولم يوافق عادة حيض فهو استحاضة .
وعلى الصحيح: لاحد لأكثره كما يأتي التَّنبيه على دليله في مسألة الحيض .
__________
(1) …أحمد (2/429)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» 1/434 (503)، والحاكم 1/8 (15) وصححه ووافقه الذهبي. قال المناوي في «فيض القدير» (6/23): «.. وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح. ورواه عنه - أي عن الحاكم - البيهقي في السنن، فقال الذهبي: إسناده قوي». اهـ.
- وأخرجه بزيادة فيه: أحمد (2/476)، وأبو داود (3409)، والترمذي (135)، والنسائي في «الكبرى» (9017)، وابن ماجه (639)، والبزار (3578).(4/236)
- وأما الدم الذي يخرج بغير سبب الولادة :
فقد أجرى الله سُنَّته وَعَادته أن الأنثى إذا صَلُحَت للحمل والولادة يأتيها الحيض غَالباً في أوقات معلومة بحسب حالتها وطبيعتها، ولذلك من حكمة وجود الدَّم؛ منها أنه أحد أركان مادة حياة الإنسان .
ففي بطن الأم يَتَغَذَّى بالدم ولهذا ينحبس غالباً في الحمل، وإذا كان هذا أصله وهو الواقع الموجود عرف أن أصل الدم الخارج من الأنثى حيض؛ لأن وُجُوده في وقته يدل على الصِّحة والاعتدال، وعَدَمهُ يَدُلُّ على ضد ذلك، وهذا المعنى مُتَّفق عليه بين أهل العلم بالشرع والعلم بالطب؛ بل معارف الناس وعَوَائِدهم وتجاربهم دَلَّتهم على ذلك.
ولذلك قال العلماء في حَدِّه: هو دَمُ طبيعة وجِبِلَّة يأتي الأنثى في أوقات معروفة، والتَّسْمية تابعة لذلك، والشارع أَقَرَّ النساء على هذه التسمية لهذا الدم الخارج منهن، وعَلَّقَ عليه من الأحكام الشرعية مَا عَلَّق، ففهم الناس عنه هذه الأحكام وعَلَّقُوها على وجود هذا الدَّم ومتى زَالَ زَالت؛ لأن الحكم يَدُور مع عِلّته وجُوداً وعدماً .
فلهذا كان الصحيح بل الصواب المقطوع به: أنه لا حَدّ لأقل الحيض سنًّا وزمناً ولا لأكثره، ولا لأقل الطُّهر بين الحيضتين؛ بل الحيض هو وجود الدَّم، والطهر فقده، ولو زاد أو نقص أو تأخر أو تقدم؛ لظاهر النُّصوص الشَّرعية وظاهر عمر المسلمين؛ ولأنه لا يَسَع النِّساء العمل بغير هذا القول.
وأما المشهور من المذهب: فإن أقل من تَحِيض فيه المرأه تسع سنين وأكثره خمسون سنة، وأقل مدة الحيض: يوم وليلة، وأكثره: خمسة عشر يوماً، وما خرج عن هذا فهو دم فساد لا تترك له العبادة، وإن زاد عن العادة أو تقدم أو تأخر لم تصر إليه حتى يتكرر ثلاثاً فيصير عادة تنتقل إليه، ثم تَقْضي ما صَامته أو اعتكفته ونحوه .
وحجتهم على هذا القول بعضِه لا كُلِّه: أن هذا الموجود الغالب وما خرج عنه نادر، والأصل أن النَّادر لا يثبت له حكم .(4/237)
وهذه حجة ضعيفة جدًّا فإن الوجود يتفاوت تفاوتاً كثيراً، وبالإجماع أَنَّ النِّساء يتفاوتن في هذه الأمور تفاوتاً ظاهراً .
والأسماء ثلاثة أقسام: شرعية ولغوية وعرفية، وكلها تتطابق على أن هذا الدَّم حيض وأن عدمه طهر؛ فلا أبلغ من حكم اتفقت عليه الحقائق الثلاث .
فعلى المذهب: الاستحاضة من تجاوز دمها خمسة عشر يوماً، أو كان دماً غير صالح للحيض؛ بأن نقص عن يوم وليلة أو كان قبل تِسْع سِنين أو بعد خمسين سنة .
وأما على القول الصَّحيح: فالحيض هو الأصل، والاستحاضة عارض لمرضٍ أو نحوه مثل أن يطبق عليها الدم، أو تكون شبيهة بالمطبق عليها الدم بأن لا تطهر إلا أوقاتاً لا تذكر .
وعلى كل: فإنه إذا ثبتت استحاضتها؛ فإن كان لها عادة قبل ذلك رجعت إلى عادتها، فصارت العادة هي حيضها، وما زاد فهي استحاضة تَغْتَسِل وَتَتَعَبَّد فيه، وإن لم يكن لها عادة وصار دمها متميزاً بعضه غليظ وبعضه رقيق أو بعضه أسود وبعضه أحمر أو بعضه مُنْتن وبعضه غير مُنْتن، فالغليظ والأسود والمُنْتن: حيض، والآخر: استحاضة، ولكن على المذهب يشترطون في المتميز أن يكون صالحاً للحيض لا ينقص عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر يوماً، ونحو ذلك مما هو على أصل المذهب .
والصواب: عدم اعتبار ذلك كما تقدم؛ فإن لم يكن لها عادة ولا تمييز جلست من كل شهر غالب الحيض ستة أيام أو سبعة؛ للأحاديث الثابتة في ذلك، ثم تغتسل إذا مَضَى المحكوم بأنه حيض وتسد الخارج حسب الإمكان، وتتوضأ لوقت كل صلاة وتُصَلِّي بلا إعادة .
فظهر مما تقدم :
- أن دم النفاس: سببه الولادة .
- وأن دم الاستحاضة: دَمٌ عارض لمرض ونحوه .
- وأن دم الحيض: هو الدَّم الأصلي. والله أعلم .
الشيخ السعدي - إرشاد أولي البصائر والألباب، ص (48 - 53)
الأحكام المتعلقة بالحيض والنفاس
ماهي الأحكام المتعلقة بالحيض والنفاس ؟(4/238)
الحيض قال أهل العلم: إنه دم طبيعة وجِبِلَّة يعتاد الأنثى إذا صلحت للحمل في أيام معلومة، وقالوا: إن الله عز وجل خلقه لغذاء الولد في بطن الأم، ولهذا إذا حملت المرأة انقطع عنها الحيض غالباً .
ثم إن هذا الحيض الطبيعي إذا أصاب المرأة تعلق به أحكام كثيرة:
أولاً: تحريم الصلاة والصيام :
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلَيْسَ إذا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ" (1) .
فلا يحل لها أن تصوم، ولا أن تصلي وهي حائض؛ فإن فعلت فهي آثمة، وصومها وصلاتها مردودان عليها .
ثانياً: يحرم عليها الطواف بالبيت :
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها حين حاضت: "اِفْعَلِي ما يَفْعَلُ الحَاجُّ غيرَ ألاَّ تَطُوفِي بِالْبَيْت" (2) .
ولما ذُكر له أن صفية بنت حُيَيّ رضي الله عنها قد حاضت قال: "أَحَابِسَتَنا هِي" ؟(3)؛ لأنه ظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، فقالوا: إنها قد أفاضت، فقال: "اُخْرُجُوا" .
ومن هذا الحديث نستفيد: أن المرأة إذا طافت طواف الإفاضة - وهو طواف الحج - ثم أتاها الحيض بعد ذلك، فإن نُسُكها يتم، حتى لو حاضت بعد طواف الإفاضة وقبل السَّعي، فإن نُسُكها يتم؛ لأن السعي يصح من المرأة الحائض .
ونستفيد أيضاً من هذا الحديث: أن طواف الوداع يسقط عن الحائض كما جاء ذلك صريحاً في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما؛ قال: "أُمِرَ الناسُ أن يكونَ آخِرَ عَهْدِهِم بالبيت، إلا أنَّهُ خُفِّفَ عن الحائض" (4) .
ثالثاً: يحرم على الحائض - أيضاً - الجماع :
__________
(1) …البخاري (304).
(2) …البخاري (1650) وأطرافه في (294)، ومسلم (1211).
(3) …البخاري (328، 1757، 4401) وأطرافه في (294)، ومسلم (1211).
(4) …البخاري (1755)، ومسلم (1328).(4/239)
فلا يحل للرجل أن يجامع زوجته وهي حائض؛ لقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} .
والآية الكريمة تُفيد: أنه يحرم على الإنسان أن يطأ زوجته وهي حائض، وأنها إذا طهرت لا يطأها أيضاً حتى تغتسل؛ لقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} .
ولكن يجوز للزوج أن يباشر زوجته وهي حائض، وأن يستمتع منها بما دون الفرج، وهذا يخفف من حدَّة الشهوة بالنسبة للإنسان الذي لا يستطيع الصبر عن أهله مدة أيام الحيض؛ فإنه يتمكن من الاستمتاع بهم فيما عدا الوطء في الفرج، أما الوطء في الدبر فهو حرام بكل حال؛ سواء كانت المراة حائضاً أم غير حائض .
رابعاً: ومن الأحكام التي تترتب على الحيض :
أن المرأة إذا طهرت في وقت الصلاة فإنه يجب عليها أن تبادر بالاغتسال؛ لتصلي الصلاة قبل خروج وقتها، فإذا طهرت مثلاً بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس وجب عليها أن تغتسل حتى تصلي صلاة الفجر في وقتها، وبعض النساء يتهاون في هذا الأمر فتجدها تطهر في الوقت ولكن تُسوِّف، ولاسيما في أيام الشتاء؛ تُسوِّف وتتهاون حتى يخرج الوقت، وهذا حرام عليها ولا يحل لها؛ بل الواجب أن تغتسل لتصلي الصلاة في وقتها .
وأوقات الصلوات معلومة لعامة الناس :
فهي في الفجر: من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس .
وفي الظهر: من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله - يعني طوله .
وفي العصر: من هذا الوقت إلى أن تصفر الشمس -وهذا وقت اختيار- وإلى أن تغرب - وهذا وقت الضرورة .
وفي المغرب: من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر .(4/240)
وفي العشاء: من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، وما بعد منتصف الليل فهو وقت لا تصلى فيه العشاء؛ لأن وقتها قد خرج، إلا إذا كان الإنسان قد نام أو نسي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن نامَ عن صلاةٍ أو نَسِيَها فَلْيُصَلِّها إذا ذَكَرها" (1) .
وليعلم أن الأصل في الدم الذي يصيب المرأة - إذا كان في سن الحيض - أن يكون حيضاً حتى يأتي ما يخرجه عن هذا الأصل .
والذي يخرجه عن هذا الأصل: أن نعلم أن هذا الدم خرج من عرق وليس دم الطبيعة؛ مثل: أن يكون ذلك إثر عملية أجرتها المرأة، أو يكون هذا الشيء لروعة أصابتها، أو نحو هذا من الأسباب التي تُوجب خروج الدم غير الطبيعي؛ فإنها في هذا الحال لا تعتبر هذا الدم دم حيض .
وكذلك: إذا أطبق عليها الدم وكثر حتى استغرق أكثر مدة من الشهر؛ فإنها في هذا الحال تكون مُسْتَحاضة وترجع إلى عادتها التي كانت عليها قبل حصول هذه الاستحاضة، فتجلس مدة عادتها ثم تغتسل وتصلي ولو كان الدم يجري .
خامساً: ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس: أنه لا يجوز للرجل أن يطلق المرأة وهي حائض :
فإن فعل فهو آثم، وعليه أن يردها إلى عصمته؛ حتى يطلقها وهي طاهر طهراً لم يجامعها فيه؛ لأنه ثبت في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُطَلِّقْها طَاهِراً أو حَامِلاً" (2) .
وكثير من الناس - نسأل الله لنا ولهم الهداية - يتسرعون في هذا الأمر فيطلق زوجته وهي حائض، أو يطلقها في طهر جامعها فيه قبل أن يتبين حملها، وكل هذا حرام، حرام يجب على المرء أن يتوب إلى الله منه وأن يُعِيد امرأته التي طَلَّقَها على هذا الحال .
__________
(1) …البخاري (597)، ومسلم (680، 684).
(2) …البخاري (4908) وأطرافه عنده، ومسلم (1471) واللفظ له.(4/241)
سادساً: ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس :
أن المرأة النفساء إذا طهرت قبل أربعين يوماً، فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي وتصوم - إذا كان ذلك في رمضان - لأنها إذا طهرت ولو في أثناء الأربعين صار لها حكم الطاهرات، حتى بالنسبة للجماع، فإنه يجوز لزوجها أن يجامعها وإن لم تتم أربعين؛ لأنه إذا جازت الصلاة جاز الوطأ من باب أولى .
ومن الأحكام التي تتعلق بالحيض والنفاس: ما أشرنا إليه فيما سبق وهو وجوب الغسل على الحائض والنفساء إذا طهرتا من الحيض والنفاس .
وأحكام الحيض والنفاس كثيرة جدًّا ونقتصر منها على هذا القدر، ولعل فيه كفاية إن شاء الله تعالى.
الشيخ ابن عثيمين - فقه العبادات (112 - 115)
حكم تدريس القرآن للمعلِّمة صاحبة العذر الشرعي
إذا حاضت مدرسة القرآن الكريم أو نفست فكيف تدرس القرآن الكريم للطالبات ؟ وهل يقال كذلك بالنسبة للطالبة إذا حاضت أو نفست ؟(4/242)
المعتاد للنفساء أن تمنح إجازة عادية لمدة النفاس؛ سواء كانت مدرسة أو طالبة، فإن اضطرت إلى الدراسة أو التدريس اقتصرت على تسميع الطالبات واستمعت لهن، وعند الخطأ تصحح لهن الأخطاء باللفظ أو بالإشارة، ولها أن تضع المصحف على الطاولة وتقلب الورقات بعود ونحوه، والطالبة تتابع القراءة بالنظر في المصحف وهو على كرسي أو على الطاولة أو مع زميلتها؛ وذلك لما روى ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقْرَأِ الجُنُبُ والحائِضُ شيئاً مِنَ القُرآن"(1) رواه أهل السنن. واستغربه الترمذي، وذكر أنه قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
لكن بعض العلماء رخصوا للحائض في القراءة إذا خافت النسيان، أو كان هناك ضرورة كاختبار وتدريس لازم، ويجوز قراءتها بعض آية كما يجوز الذكر والدعاء بالآيات التي تذكر في الأوراد؛ وذلك لأن الأحاديث في النهي عن القراءة للجنب والحائض لا تخلو من مقال - فلذلك خالفها بعض العلماء تصريحاً أو تلويحاً، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - الأجوبة الفقهية على الأسئلة التعليمية والتربوية، ص (104، 105) - إعداد: عبدالعزيز المسيند
ماذا تفعل المرأة إذا اضطربت عادة حيضها ؟
إذا اضطربت عادة المرأة في الحيض بتقدم أو تأخر، أو زيادة أو نقص؛ فماذا تفعل ؟
__________
(1) …الترمذي (131)، وابن ماجه (595، 596)، والدارقطني (1/117، 118)، (2/87)، والبيهقي في «الكبرى» (422، 1375). وقد صحح هذا الحديث بعض أهل العلم كالعلامة أحمد شاكر في تعليقه على «سنن الترمذي» 1/237، 238 (131)، وضعفه بعضهم كالشيخ الألباني في «إرواء الغليل» 1/206-210 (192). وانظر: «تلخيص الحبير» 1/138 (183)، و«فيض القدير» (6/543، 544) .(4/243)
أما ما ذكره الحنابلة أنها لا تنتقل إليه حتى يتكرر ذلك؛ فهو قول ليس العمل عليه، ولم يزل عَمَل النَّاس جارياً على القول الصَّحيح الذي قاله في الإنصاف ، ولا يَسَع النساء إلا العمل به؛ وهو أن المرأة إذا رأت الدَّم جلست فلم تصل ولم تَصُم، وإذا رأت الطهر البَيِّن، تطهرت واغتسلت وصَلَّت؛ سواء تَقَدَّمَت عادتها أو تأخرت، وسواء زادت، مثل أن تكون عادتها خمسة أيام وترى الدم سبعة، فإنها تنتقل إليها من غير تكرار(1).
وهذا هو الذي عليه عَمَل نِساء الصَّحابة رضي الله عنهن والتَّابعين من بعدهم، حتى الذين أدركنا من مشايخنا لا يفتون إلا به؛ لأن القول الذي ذكروا أنها لا تنتقل إلى ذلك إلا بتكراره ثلاثاً، قول لا دليل عليه، وهو مُخَالف للدَّليل .
وكذلك على الصحيح: أنه لا حدّ للسِّن الذي تحيض فيه المرأة ولو دون التِّسع، ولو جاوزت الخمسين سنة، ما دام يأتيها فإنها تجلسه؛ لأنه الأصل، والاستحاضة عارضة .
الشيخ السعدي - الفتاوى السعدية، ص (148)
حكم الكُدْرَة قبل الحيض
امرأة رأت الكُدْرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة، ثم نزل الدم على عادته؛ فما الحكم ؟
تَقُول أم عطية رضي الله عنها: كُنَّا لا نَعُدُّ الصُّفْرَة والكُدْرَة بعد الطُّهْرِ شَيْئاً (2) .
وعلى هذا: فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض؛ لاسيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المَغَص(3) وَوَجَع الظَّهر ونحو ذلك .
فالأولى لها: أن تُعِيد الصَّلاة التي تركتها في هذه المدة .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (4/280)
هل تَحيضُ الحامل ؟
أتحيض الحامل أم لا ؟ لأني رأيت روايتين بقول عائشة رضي الله عنها : أن الحامل لا تحيض، وفي رواية أخرى عن عائشة أيضاً بقولها: إذا رأت الحامل الدم فلتدع الصلاة .. فأي القولين أحسن ؟
__________
(1) …انظر: «الإنصاف» للمرداوي (1/371، 372)، بنحوه.
(2) …البخاري (326).
(3) …بفتح الغين وسكونها.(4/244)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
اختلف الفقهاء في الحامل: هل تحيض وهي حامل أو لا ؟
والصَّحيح من القولين: أنها لا تحيض أيام حَمْلِها(1)؛ وذلك أن الله سبحانه جعل من أنواع عدة المطلقة أن تحيض ثلاث حيض؛ ليتبين بذلك براءة رحمها من الحمل. ولو كانت الحامل تحيض ما صَحَّ أن يجعل الحيض عدة لإثبات براءة الرحم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5/392)
ما الحكم إذا انقطع دم الحيض ثم عاد ثانية ؟
إن دم الحيض في أيام العادة الشهرية يأتي يومين ثم ينقطع ثم في اليوم الرابع يعود مرة أخرى .. فهل أصلي اليوم الثالث من أيام العادة أم لا أصلي ؟ أفتونا مأجورين .
مَا دَامَت المرأة في أيام عادتها التي تعرفها فإنها تسقط عنها الصلاة، ولا يجزئها الصوم في وسط أيام العادة ولو توقف الدم في بعض الأيام ما دامت في زمن العادة ولم تر علامة الطُّهر؛ وهي القصة البيضاء التي تعرفها النساء علامة على انقضاء الحيض .
فهذه المرأة تتوقف عن الصلاة في أيام عادتها كلها؛ فلا تصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف في الثالث الذي ذكرت أو بعده حتى تطهر الطهر الكامل .
الشيخ ابن جبرين، فتاوى المرأة (25، 26)…جمع : محمد المسند، (ط 1409هـ)
حكم استعمال حبوب منع الحيض
ما حكم استعمال حُبُوب منع الحيض ؟
استعمال المرأة حُبُوب منع الحيض - إذا لم يكن عليها ضرر من الناحية الصحية - فإنه لا بأس به؛ بشرط أن يأذن الزوج بذلك. ولكن حسب ما علمته أن هذه الحبوب تضر المرأة؛ ومن المعلوم أن خروج دم الحيض خروج طبيعي، والشَّيء الطَّبيعي إذا منع في وقته، فإنه لابد أن يَحْصُل من مَنْعِه ضَرَر عَلَى الجسم .
__________
(1) …انظر: «المغني» لابن قدامة (1/218).(4/245)
وكذلك أيضاً: من المحذور في هذه الحبوب أنها تخلط على المرأة عادتها فتختلف عليها، وحينئذ تبقى في قلق وشك من صلاتها ومن مُبَاشَرة زَوْجها وغير ذلك؛ لهذا أنا لا أقول إنها حرام، ولكني لا أحب للمرأة أن تستعملها خوفاً من الضَّرر عليها .
وأقول: ينبغي للمرأة أن ترضى بما قدر الله لها؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم دخل عام حجة الوداع على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تبكي - وكانت قد أحرمت بالعمرة - فقال: "مَالَكِ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ"؟ قالت: نعم؛ قال: "هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمَ" (1) .
فالذي ينبغي للمرأة أن تَصْبر وتَحْتَسب، وإذا تعذر عليها الصَّوم والصلاة من أجل الحيض؛ فإن باب الذكر مفتوح ولله الحمد، تذكر الله وتُسَبِّح الله سبحانه وتعالى، وتَتصَدَّق وتُحْسِن إلى النَّاس بالقول والفعل، وهذا من أفضل الأعمال .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (4/283)
حكم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة
إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة .. فما الحكم ؟ وهل تقضى الصلاة عن وقت الحيض ؟
إذا حدث الحيض بعد دخول وقت الصلاة كأن حاضت بعد الزوال بنصف ساعة مثلاً؛ فإنها بعد أن تتطهر من الحيض تقضى هذه الصلاة التي دخل وقتها وهي طاهرة؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} .
ولا تقضى الصلاة عن وقت الحيض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل: "أَلَيْسَت إذَا حَاضَت لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ" ؟(2).
وأجمع أهل العلم على أنها لا تقضى الصلاة التي فاتتها أثناء مدة الحيض .
__________
(1) …البخاري (305) وأطراف في (294)، ومسلم (1211).
(2) …البخاري (304).(4/246)
أما إذا طهرت وكان باقياً من الوقت مقدار ركعة فأكثر فإنها تصلى ذلك الوقت الذي طهرت فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِن العَصْر قَبْل أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْس فَقَد أَدْرَكَ العَصْر" (1) .
فإذا طهرت وقت العصر أو قبل طلوع الشمس وكان باقياً على غروب الشمس أو طلوعها مقدار ركعة؛ فإنها تصلى العصر في المسألة الأولى والفجر في المسألة الثانية .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (4/276)
حكم من صلَّت وطَافَتْ وسَعَتْ وهي حائض
قدْ حَججتُ وجَاءتْني الدَّورة الشَّهرية فاسْتَحييتُ أنْ أُخْبر أحداً، ودخلت الحرم فَصَلَّيت وطُفتُ وسَعَيْتُ .. فَمَاذا عليَّ علماً بأنها جاءت بعد النِّفاس ؟
لا يحل للمرأة إذا كانت حائضاً أو نُفَسَاء أنْ تُصلي - سواء في مكة أو في بلدها أو في أي مكان؛ لقول النَّبِي صلى الله عليه وسلم في المرأة: "أَلَيْسَ إذا حَاضَتْ لمْ تُصَل وَلَمْ تَصُم" (2) .
وقد أجْمَع المسلمون على أنَّه لا يحل للحائض أنْ تَصُوم ولا يَحلُّ لها أنْ تُصَلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك عليها أنْ تَتُوب إلى الله، وأن تَسْتَغْفر مِمَّا وَقَعَ منها. وأمَّا طوافها حال الحَيْض فهو غير صحيح.
وأما سَعْيها: فَصَحِيحٌ؛ لأنَّ القول الرَّاجح جواز تَقْديم السَّعي على الطَّواف في الحج .
وعلى هذا: فَيَجِبُ عليها أنْ تعيدَ الطَّواف؛ لأن طواف الإفاضة رُكن من أرْكان الحج ولا يتم التَّحلل الثَّاني إلاَّ به.
وبناء عليه: فإنَّ هذه المرأة لا يُبَاشرها زَوْجها إنْ كانت مُتَزوجة حتى تطوف، ولا يَعْقِد عليها النِّكاح إن كانت غير مُتَزوجة حتى تَطُوف، والله تعالى أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (4/272)
هل يجوز للحائض الإحرام ؟
كيف تصلي الحائض ركعتي الإِحرام ؟ وهل يجوز للمرأة الحائض ترديد آي الذكر الحكيم في سرها أم لا؟
__________
(1) …البخاري (579)، ومسلم (608).
(2) …البخاري (304).(4/247)
يَنْبغي أن نعلم أن الإِحرام ليس له صَلاة؛ فإنه لم يرد عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنَّه شَرَع لأمَّته صَلاة الإِحرام لا بِقَوله ولا بِفعْلِهِ ولا بإِقراره .
ثانياً: إن هذه المرأة الحائض التي حَاضَت قَبْل أَنْ تُحْرم يمكنها أن تحرم وهي حائض؛ لأن النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ أسماء بنت عُمَيْس امرأة أبي بكر رضي الله عنه وعنها حين نُفِسَت في ذِي الحُليْفَة - أَمَرها أَن تَغْتَسل بِثَوْبٍ وتُحْرِم(1). وهكذا الحائِض أيضاً وتبقى على إِحرامها حتى تَطْهُر ثُمَّ تَطُوف بالبيت وتَسْعى .
وأما قوله في السؤال: هل لها أن تقرأ القُرآن ؟
فنعم؛ الحائض لها الحق أن تَقْرأ القرآن عند الحاجة أو المَصْلحة .
أَمَّا بدُون حاجة ولا مَصْلحة؛ إِنما تريد أَنْ تقرأه تَعَبُّداً وتَقَرُّباً إلى الله؛ فالأحسن ألاَّ تقرأه .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه، إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/647)
حكم من حاضت واضطرت للسفر قبل طواف الإفاضة
امرأة قدمت مع محرمها للحج، وأنها أتمت مناسك حجها ما عدا طواف الإفاضة؛ فقد حاضت، واضطرت إلى أن تسافر مع قافلتها دون أن تقضى طواف الإفاضة .. وتسأل: ماذا يترتب عليها ؟
الحمدلله .. يَحْرُم عليها ما يحرم على من تَحَلَّلَ التحلل الأول وبقى عليها التحلل الثاني؛ فيحرم عليها النكاح ودواعيه وعقده طالما بقى الطواف عليها، كما أنه يلزمها المجئ إلى مكة فوراً متى قَدَرَت على ذلك في أي وقت يتيسر لها القدوم فيه، فإذا وصلت قرب ميقات تَمُرُّ به فَتُحْرِم بعمرة، ثم تدخل مكة وتقضى مناسك العمرة، ثم تطوف طواف الإفاضة وبتمامه يَتِمُّ حَجُّها، ولا شيء عليها في مُقَابلة سَفَرها دون أدائه ثم رجوعها بعد ذلك لتأديته . وبالله التوفيق.
__________
(1) …أحمد (3/320)، وأبو داود (1743)، والنسائي (292، 2664، 2665)، وابن ماجه (2911-2913). وصححه الألباني كما في «صحيح ابن ماجه» (2353-2355).(4/248)
الشيخ محمد بن إبراهيم - فتاوى ورسائل (4/63، 64)
حكم الحائض إذا طَهُرَت في نهار رمضان
ما الحكم إذا طهرت الحائض في أثناء نهار رمضان ؟
عليها الإمساك في أَصَحّ قولي العلماء لزوال العُذر الشَّرعي، وعليها قضاء ذلك اليوم كما لو ثبت رؤية رمضان نهاراً؛ فإن المسلمين يمسكون بقية اليوم، ويَقْضون ذلك اليوم عند جمهور أهل العلم .
ومثلها المسافر: إذا قدم في أثناء النهار في رمضان إلى بلده، فإن عليه الإمساك في أصح قَوْلي العلماء؛ لزوال حُكم السَّفر مع قضاء ذلك اليوم. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/213)
ليس للحائض حضور حِلَق الذِّكر في المساجد
هل يجوز للحائض حضور حلق الذكر في المساجد ؟
المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد .
وأما مرورها بالمسجد: فلا بأس به، بشرط أن تَأْمَن تلويث المسجد مما يخرج منها من الدَّم. وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد، فإنه لا يَحِلّ لها أن تذهب لتستمع إلى حلق الذكر وقراءة القرآن؛ اللهم إلا أن يكون هناك موضع خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مُكَبِّر الصوت - فلا بأس أن تجلس فيه لاستماع الذكر؛ لأنه لا بأس أن تستمع المرأة إلى الذكر وقراءة القرآن - كما ثبت عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنه كان يَتَّكِئُ في حِجْرِ عائشة رضي الله عنها، فيقرأُ القرآنَ وهي حائض(1)، وأما أن تذهب إلى المسجد لتمكث فيه للاستماع للذكر، أو القراءة؛ فإن ذلك لا يجوز، ولهذا لما أُبلغ النَّبِي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، أن صفية رضي الله عنها كانت حائضاً قال: "أَحَابِسَتَنا هِيَ"؟(2)؛ ظن صلى الله عليه وسلم أنها لم تطف طواف الإفاضة؛ فقالوا: إنها قد أفاضت. وهذا يدل على أنه لا يجوز المُكْث في المسجد ولو للعبادة.
__________
(1) …البخاري (297، 7549)، ومسلم (301).
(2) …البخاري (328، 1757، 4401) وأطرافه في (294)، ومسلم (1211).(4/249)
وثبت عنه: أنه أمَرَ النساء أن يَخْرُجْنَ إلى مُصَلَّى العيد للصلاة والذِّكر، وأَمَرَ الحُيَّض أن يَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى(1).
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (4/273، 274)
وَطْءُ الحائض حرام وفيه كفارة
حكم وطء الرجل زوجته وهي حائض ؟
الحمدلله .. وطء الرجل امرأته وهي حائض حرام بنص الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} .
والمراد: المنع من وطئها في المحيض وهو موضع الحيض وهو الفرج.
فإذا تجرأ ووطئها فعليه التوبة وأن لا يعود لمثلها، وعليه الكفارة: وهي دينار أو نصف دينار على التخيير؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً في الذي يأتي امرأته وهي حائض؛ قال: "يتصدَّقُ بدِينارٍ أو نِصْفِ دِينارٍ"(2). رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
والمراد بالدِّينار: مثقال من الذهب(3)، فإن لم يجده فيكفي قيمته من الفضة. والله أعلم .
الشيخ محمد بن إبراهيم - فتاوى ورسائل (2/98، 99)
يكفي المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة
هل يكفي المستحاضة غسل الفرج وتعصيبه والوضوء للصلاة؟ أم الاغتسال لكل صلاة كغسل الجنابة؟
يجب على المستحاضة أن تغتسل غسلاً واحداً بعد انتهاء مدة حيضها، ولا يجب عليها الاغتسال بعد ذلك حتى يأتي وقت(4)، وعليها أن تتوضأ لكل صلاة .
- والأصل في ذلك:
__________
(1) …البخاري (324)، ومسلم (890).
(2) …أحمد (1/229، 312)، وأبو داود (264، 2168)، والترمذي (137) بنحوه، والنسائي (290)، وابن ماجه (640)، والحاكم 1/172 (612) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) …ويساوي أربعة أسباع الجنيه السعودي، فيتصدق بما يساوي الجنيه أو نصفه. انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (5/415).
(4) …كذا بالأصل، وفيه تقديم وتأخير، وسبك الجواب: وعليها أن تتوضأ لكل صلاة حتى يأتي وقت التي بعدها، كما في لفظ الحديث. (من حاشية الفتاوى).(4/250)
ما ثبت في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها قالت: جَاءَت فاطمة بنت أبي حُبَيْش إلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رَسُول الله .. إِنِّي امرأة أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ؛ أفأدَعُ الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا؛ إنما ذلك عِرْقٌ، وليس بِحَيْضٍ، فإذا أقبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاة، وإذا أَدْبَرت فَاغْسِلي عنه الدَّم، ثم تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ حتى يَجِيءَ ذلك الوَقْت" (1) .
وما ثبت فيهما أيضاً عن عائشة رضي الله عنها: أَنَّ أم حبيبة اسْتُحِيضَت سَبْعَ سِنينَ؛ فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأَمَرَهَا أن تَغْتَسِلَ؛ فقال: "هذا عِرْقٌ"، فكانت تغتسلُ لِكُلِّ صلاة(2).
- وجهة الدلالة من هذين الحديثين: أن حديث أم حبيبة رضي الله عنها مُطْلَق، وحديث فاطمةُ رضي الله عنها مُقَيَّد؛ فيحمل المطلق على المقيد، فتغتسل عند إدبار حيضتها وتتوضأ لكل صلاة، فيبقى اغتسالها لكل صلاة على الأصل وهو عدم وجوبه .
ولو كان واجبًا لَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم وهذا محل البيان، ولا يجوز للنَّبِي صلى الله عليه وسلم تأخير البيان عن وقت الحاجة بإجماع العلماء .
قال النووي في «شرح مسلم»(3) - بعد هذين الحديثين -: «واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشيء من الصلوات ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها. وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو مروى عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وهو قول عروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبدالرحمن ومالك وأبي حنيفة وأحمد». انتهى المقصود منه .
الشيخ محمد بن إبراهيم - فتاوى ورسائل (2/100، 101)
حكم من استمر معها الدم بعد الحيض
__________
(1) …البخاري (320، 325، 331)، ومسلم (333)، بنحوه.
(2) …البخاري (327)، ومسلم (334).
(3) …«صحيح مسلم» بشرح النووي (4/19).(4/251)
امرأة كانت تحيض ستة أيام في أول كل شهر ثم استمر الدم معها؛ فما الحكم ؟
هذه المرأة التي كان يأتيها الحيض ستة أيام من أول كل شهر ثم طرأ عليها الدم فصار يأتيها باستمرار، عليها أن تجلس مدة حيضها المعلوم السَّابق، فتجلس ستة أيام من أول كل شهر ويثبت لها أحكام الحيض، وما عداها استحاضة، فتغتسل وتُصَلِّي ولا تُبَالِي بالدَّم حينئذ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها قالت: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُر؛ أَفَأَدَعُ الصَّلاة ؟. قال: "لاَ؛ إِنَّ ذلك عِرْقٌ، وَلَكِن دَعِي الصَّلاة قَدْر الأيام التي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيها، ثُمَّ اغْتَسِلِي وصَلِّي" (1) رواه البخاري .
وعند مسلم: أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال لأم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها: "اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتكُِ، ثُمَّ اغْتَسِلي وَصَلِّي" (2) .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (4/279)
حكم النفساء إذا طهرت قبل الأربعين
هل يجوز للمرأة النفساء أن تصلي وتصوم إذا طهرت قبل الأربعين ؟
إذا طَهُرت النُّفسَاء قبل الأربعين؛ وَجَبَ عليها الغُسْل والصلاة والصوم في رمضان، وحَلّ لزوجها جماعها بإجماع أهل العلم. وليس لأقل النفاس حَدٌّ محدود. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة (2/75)
حكم النفساء إذا طهرت ثم عاد إليها الدم
إذا طهرت النفساء خلال أسبوع، ثم صامت مع المسلمين في رمضان أياماً معدودة، ثم عاد إليها الدم؛ هل تفطر في هذه الحالة ؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها ؟
مما لا شك فيه أن النفساء لا تصوم إذا كانت ترى الدم خلال أربعين يوماً، فإن انقطع عنها الدم قبل الأربعين؛ اغتسلت وصَامَت .
__________
(1) …البخاري (320، 325، 331)، ومسلم (333).
(2) …البخاري (327)، ومسلم (334).(4/252)
فإن عاد إليها نزول الدم قبل إتمام الأربعين؛ تركت الصِّيام مدة نزول الدم إلى الأربعين، وما صامته أيام انقطاع الدم عنها صوم صَحِيح؛ لأنها صامته في حالة طُهْر .
هذا أصح قولي العلماء في هذه المسألة. والله أعلم .
الشيخ الفوزان - المنتقى (3/204)
حكم النفساء إذا اتصل الدم معها بعد الأربعين
النفساء إذا اتصل الدم معها بعد الأربعين؛ فهل تصلي وتصوم ؟
المرأة النفساء إذا بقي الدم معها فوق الأربعين، وهو لم يتغير؛ فإن صادف ما زاد على الأربعين عادة حيضها السابقة - جلسته، وإن لم يصادف عادة حيضها السابقة فقد اختلف العلماء في ذلك:
فمنهم من قال: تغتسل وتصلي وتصوم ولو كان الدم يجري عليها، لأنها تكون حينئذٍ كالمستحاضة .
ومنهم من قال: إنها تبقى حتى تتم ستين يوماً؛ لأنه وجد من النِّساء من تبقى في النفاس ستين يوماً، وهذا أمر واقع، فإن بعض النساء كانت عادتها في النفاس ستين يوماً .
وبناء على ذلك: فإنها تنتظر حتى تتم ستين يوماً، ثم بعد ذلك ترجع إلى الحيض المعتاد فتجلس وقت عادتها ثم تغتسل وتصلي؛ لأنها حينئذ مستحاضة .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (4/289)
هل تحيض الحامل ؟ وما حكم دم الإسقاط ؟
ما الحكم إذا حاضت الحامل ؟ وهل يفطر الدم الذي يخرج من الحامل إذا أسقطت الجنين ؟
إن الحامل لا تَحيض - كما قال الإمام أحمد: إنما تَعْرف النِّساء الحمل بانقطاع الحَيْض(1). والحَيْضُ كما قال أهل العلم: خَلقَه الله تبارك وتعالى لحِكْمة غذاء الجنَين في بَطن أمه، فإذا نشأ الحمل انقطع الحيض .
لكن بعض النساء قد يستمر الحيض على عادته كما كان قبل الحمل؛ فإذا كان ذلك فإن الحامل لا تصوم ولا تُصلي؛ لأن هذا حيض .
وأما الدم الذي يخرج من الحامل إذا أسقطت الجنين:
- فإن كان الجنين قد تبين فيه خلق إنسان، فالدم نفاس، فلا تَصُوم ولا تُصَلِّي، وإذا أسقطت أثناء الصوم بطل صومها .
__________
(1) …انظر: «الروض المربع شرح زاد المستقنع» (1/106).(4/253)
- وإن كان الجنين أُسْقِطَ علقة أو مضغة لم يتبين أنها ابتداء خلق إنسان: فالدم ليس نِفَاساً، فَتصُوم وتُصَلِّي ولا حرج .
فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1/498، 499)
حكم خروج النفساء من المنزل قبل طُهْرِها
هل يلزم النفساء عدم مغادرة بيتها قبل انتهاء المدة ؟
النُّفَساء كغيرها من النِّساء لا حرج عليها في مغادرة بيتها للحاجة .
فإن لم يكن حاجة، فالأفضل لجميع النِّساء لزوم البيوت؛ لقول الله سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى}. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة (2/77)
حكم الصُّفْرَة أو السائل المُخَاطي للنفساء قبل الطُّهْر
المرأة ترى دم النفاس لمدة أسبوعين ثم يتحول تدريجياً إلى مادة مخاطية مائلة إلى الصفرة ويستمر كذلك حتى نهاية الأربعين، فهل ينطبق على هذه المادة التي تلت الدم حكم النفاس أم لا ؟
هذه الصُّفرة أو السَّائل المخاطي ما دام لم تظهر فيه الطهارة الواضحة البينة فإنه تابع لحكم الدم؛ فلا تكون طاهراً حتى تتخلص من هذا.
وإذا طهرت ورأت النقاء البين وجب عليها أن تغتسل وتصلي حتى ولو كان ذلك قبل الأربعين. وأما ما يظنه بعض النِّساء من أن المرأة تبقى إلى الأربعين ولو طهرت قبل ذلك - فهذا ظن خطأ وليس بصواب؛ بل متى طهرت ولو لعشرة أيام وَجَبَ عليها الصلاة، وجاز لها ما يجوز للنساء الطاهرات حتى الجماع .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (4/291)
حكم نفاس من ولدت بالعملية الجراحية (القيصرية)
بعض النسوة تعسر عليهن الولادة فيضطر إلى توليدهن بطريقة العملية الجراحية، ولربما يحصل من جراء ذلك خروج الولد عن طريق غير الفرج .. فما حكم أمثال هؤلاء النسوة في الشرع من ناحية دم النفاس ؟ وما حكم غسلهن شرعاً ؟
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:(4/254)
حُكمها حكم النفساء إن رأت دماً جلست حتى تطهر، وإن لم ترَ دماً فإنها تصوم وتصلي كسائر الطَّاهرات .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5/419، 420)
ما الحكم إذا وضعت الحامل ولم يخرج دم ؟
إذا وضعت الحامل ولم يخرج دم؛ فهل يحل لزوجها أن يجامعها ؟ وهل تصلي وتصوم أو لا ؟
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد: إذا وضعت الحامل ولم يخرج دم؛ وجب عليها الغسل والصلاة والصوم، ولزوجها أن يجامعها بعد الغسل؛ لأن الغالب في الولادة خروج دَم ولو قَلِيل مع المولود أو عَقِبه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5/420)
الفصل الثاني
الحجاب والزينة
بيان من اللجنة الدائمة لحقيقة الحملة الصحفية ضد المرأة المسلمة في بلادنا
الحمد لله، والصلاة والسلام وعلى رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .. وبعد:
فمما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه ما تعيشه المرأة المسلمة تحت ظلال الإسلام - وفي هذه البلاد خصوصاً - من كرامة وحشمة وعمل لائق بها، ونيل لحقوقها الشرعية التي أوجبها الله لها؛ خلافاً لما كانت تعيشه في الجاهلية، وتعيشه الآن في بعض المجتمعات المخالفة لآداب الإسلام من تسيب وضياع وظلم. وهذه نعمة نشكر الله عليها، ويجب علينا المحافظة فيها؛ إلا أن هناك فئات من الناس ممن تلوثت ثقافتهم بأفكار الغرب لا يرضيهم هذا الوضع المشرف الذي تعيشه المرأة في بلادنا من حياء، وستر، وصيانة، ويريدون أن تكون مثل المرأة في البلاد الكافرة والبلاد العلمانية، فصاروا يكتبون في الصحف، ويطالبون باسم المرأة بأشياء تتلخص في:(4/255)
1- هتك الحجاب الذي أمرها الله به في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ}[الأحزَاب، من الآية: 59]، وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزَاب، من الآية: 53]، وبقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النُّور من الآية: 31]، وقول عائشة رضي الله عنها في قصة تخلفها عن الركب ومرور صفوان بن المعطل رضي الله عنه عليها، وتخميرها لوجهها لما أحست به - قالت: وكان قد رآني قبل الحجاب، وقولها: (كُنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن مُحْرِماتٍ؛ فإذا مَرَّ بنا الرجال سَدَلَت إحدانا خِمَارَها على وَجْهِها، فإذا جاوَزُونا كَشَفْنَاهُ)(1) ؛ إلى غير ذلك، مما يدل على وجوب الحجاب على المرأة المسلمة من الكتاب والسنة، ويريد هؤلاء منها أن تخالف كتاب ربها وسنة نبيها، وتصبح سافرة يتمتع بالنظر إليها كل طامع وكل من في قلبه مرض .
2 - ويطالبون بأن تمكن المرأة من قيادة السيارة؛ رغم ما يترتب على ذلك من مفاسد وما يعرضها له من مخاطر لا تخفى على ذي بصيرة .
3 - ويطالبون بتصوير وجه المرأة ووضع صورتها في بطاقة خاصة بها تتداولها الأيدي، ويطمع فيها كل من في قلبه مرض، ولا شك أن ذلك وسيلة إلى كشف الحجاب .
__________
(1) …أحمد (6/30)، وأبو داود (1833)، وابن ماجه (2935)، والبيهقي في «السنن الكبرى» 5/48 (8833)، وجوَّدَ الألباني إسناده كما في «مشكاة المصابيح» (2690). ويشهد له حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عند الحاكم 1/454 (1668) وصححه ووافقه الذهبي.(4/256)
4 - يطالبون باختلاط المرأة والرجال، وأن تتولى الأعمال التي هي من اختصاص الرجال، وأن تترك عملها اللائق بها والمتلائم مع فطرتها وحشمتها؛ ويزعمون أن في اقتصارها على العمل اللائق بها تعطيلاً لها. ولا شك أن ذلك خلاف الواقع، فإن توليتها عملاً لا يليق بها هو تعطيلها في الحقيقة، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة من منع الاختلاط بين الرجال والنساء، ومنع خلو المرأة بالرجل الذي لا تحل له، ومنع سفر المرأة بدون محرم؛ لما يترتب على هذه الأمور من المحاذير التي لا تحمد عقباها. ولقد منع الإسلام من الاختلاط بين الرجال والنساء حتى في مواطن العبادة؛ فجعل موقف النساء في الصلاة خلف الرجال، ورغب في صلاة المرأة في بيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مساجدَ الله، وبُيُوتُهُنَّ خيرٌ لَهُنّ"(1)؛ كل ذلك من أجل المحافظة على كرامة المرأة وإبعادها عن أسباب الفتنة .
فالواجب على المسلمين أن يحافظوا على كرامة نسائهم وأن لا يلتفتوا إلى تلك الدعايات المضللة، وأن يعتبروا بما وصلت إليه المرأة - في المجتمعات التي قبلت مثل تلك الدعايات، وانخدعت بها - من عواقب وخيمة؛ فالسعيد من وعظ بغيره.
كما يجب على ولاة الأمور في هذه البلاد أن يأخذوا على أيدي هؤلاء السفهاء ويمنعوا من نشر أفكارهم السيئة؛ حماية للمجتمع من آثارها السيئة وعواقبها الوخيمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تَرَكْتُ بعدِي فتنةً أضرَّ على الرجالِ مِنَ النساء"(2)، وقال عليه الصلاة والسلام: "واسْتَوْصُوا بالنساء خيراً"(3)؛ ومن الخير لهن المحافظة على كرامتهن وعفتهن وإبعادهن عن أسباب الفتنة. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
__________
(1) …البخاري (900)، ومسلم (442)، وأبو داود (567) واللفظ له.
(2) …البخاري (5096)، ومسلم (2740).
(3) …مسلم (1468).(4/257)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/244) في 25/1/1420هـ
بيان من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حول المؤتمر العالمي الرابع المَعنِيِّ بالمرأة
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين الذي أوصى بالنساء خيراً؛ فقال: "اِسْتَوْصُوا بالنساءِ خيراً"(1) وقال: "خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأَِهْلِهِ، وَأَنا خَيْرُكُم لأَهْلِي"(2)، فكان بأقواله وأفعاله داعياً إلى الرحمة وهو نبي الرحمة .. وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية قد اطلع في دورته الاستثنائية التاسعة - المعقودة في مدينة الطائف ابتداء بيوم الثلاثاء 3/4/1416هـ - على مذكرة منهاج عمل «مؤتمر المرأة» المقرر عقده في بكين عاصمة الصين، وتَأمَّل منهاج هذا المؤتمر وأهدافه، ورأى مناقضات بعض مواد هذا المنهاج لبعض مواده، وتعمية متعمدة، والتواء في العبارات واضح، والهدف منه إطلاق الرغبات من كل قيد، وإفساح المجال للممارسات البعيدة عن ضوابط الأخلاق، وفطرة الله التي فطر الناس عليها، وشريعته التي شرعها لعباده، للانفلات وراء الرغبات الجنسية وإعداد الفتيات لهذه النزوات تحت ستار حرية المرأة، والرفق بالمرأة، ومشكلة المرأة .
ومعلوم أن المرأة المسلمة لا تواجهها مشكلة من حيث مكانتها في المجتمع؛ فهي أم وزوجة وأخت وبنت، كفلت لها شريعة الإسلام جميع الحقوق، وصانتها عن الابتذال والإذلال بكل معاني الصيانة والاحترام، وأعطتها من الحقوق كل ما يناسب تكوينها الذي منحها إياه خالقها - كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البَقَرَة: 228] .
__________
(1) …البخاري (3331، 5186)، ومسلم (1466) - (60).
(2) …الترمذي (3895) بزيادة في آخره، وقال: «حسن غريب صحيح».(4/258)
وفضَّل الرجل عليها في أحكام كثيرة، كالإرث والشهادة وأمور أخرى؛ كما قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[34 : النِّسَاء]، وقال سبحانه في سورة النساء أيضاً: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ}[من الآية: 11]، وقال سبحانه في آخرها: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النِّسَاء: 176]، وقال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البَقَرَة، من الآية: 282] .
ووثيقة منهاج عمل مؤتمر المرأة فيها المصادمة الصريحة لما شرعه الله والإلزام بنبذ كل ما جاء عن الله؛ إذا كان يخالف ما يدعو إليه هذا المؤتمر، وفي ذلك مصادمة لشرع الله، وتحطيم للأسرة، ومحادة لله ورسوله ولكافة رسله وأنبيائه، وإباحة صريحة لممارسات الزنا وغيره من الفواحش، وقضاء على ما بقي لدى الأمم من الأخلاق والقيم، وبذل لأموال طائلة في سبيل هذا الهدف الخبيث البعيد عن فطرة الله التي فطر الناس عليها وعن شرع الله الحكيم، مما لو بذل بعضه لإغاثة أمم منكوبة أو حماية أمم مقهورة بالظلم والعدوان لكفى، وما هذا المؤتمر إلا عقدة في سلسلة عقد سابقة ولاحقة يترتب عليها تدمير الكيان الاجتماعي السليم، أو الباقي على شيء من القيم الكريمة .(4/259)
ولكل ما تقدم فإن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية يدعو المسلمين: حكومات وشعوباً وعلماءً ومنظمات وجماعات وأفراداً للتنديد بمنهاج هذا المؤتمر، والتحذير منه، ودعوة الجميع للرد على أهدافه التي تقدمت الإشارة إليها؛ إنكاراً لما أنكره الله ورسوله وحماية للمسلمين عن الوقوع فيها. والله ولي التوفيق .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين .
هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية كتاب فتاوى وبيانات مهمة - دار عالم الفوائد، ص(60)
حكم الحجاب وصفته
ما حكم تغطية المرأة وجهها وكفيها؛ لا سيما إذا كانت ذات جمال ؟
النساء مأمورات بستر أبدانهن إذا كُنَّ بحضرة الرجال الأجانب؛ ومن ذلك الوجه والكفان، ويدل على ذلك الكتاب والسنة، أما أدلة الكتاب فهي:
الأول: قال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، وجه الدلالة: أن المرأة إذا كانت مأمورة بسدل الخمار من رأسها على جيبها لتستر صدرها - هي مأمورة بدلالة التضمن أن تستر ما بين الرأس والصدر، وهو الوجه والرقبة؛ ويبين ذلك ما رواه البخاري في (الصحيح) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: رَحِمَ اللهُ نساءَ المُهَاجِرِين الأُوَلَ؛ لَمَّا نزل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ أُزْرَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا(1). والخِمَار: ما تغطي به المرأة رأسها. والجَيْب: موضع القطع من الدِّرع والقميص، وهو من الأمام كما تدل عليه الآية لا من الخلف .
__________
(1) …البخاري (4758، 4759) بنحوه.(4/260)
الثاني: قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاََّّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}[النُّور]، قال الراغب في (مفرداته)(1) ، وابن فارس في (معجمه)(2): (القاعدة: لمن قعدت عن الحيض والتزوج)، وقال البغوي في (تفسيره)(3): قال ربيعة الرأي: هن العُجَّز اللاتي إذا سألن الرجال استقذروهن، فأما من كانت فيها بقية من جمال وهي محل الشهوة فلا تدخل في هذه الآية. انتهى كلام البغوي .
وأما التَبَرُّج فهو: إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال الأجانب. ذكر ذلك صاحب (اللسان) و(القاموس)(4) ، وغيرهما .
وجه الدلالة من الآية: أنها دلت بمنطوقها على أن الله تعالى رخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها، فلا تلقي عليها جلباباً، ولا تحتجب؛ لزوال المفسدة الموجودة في غيرها، ولكن إذا تسترت كالشابات فهو أفضل لها. قال البغوي: (وأن يستعففن فلا يلقين الحجاب والرداء خير لهن)(5) ، وقال أبو حيان: (وأن يستعففن عن وضع الثياب ويتسترن كالشابات فهو أفضل لهن)، انتهى كلام أبي حيان(6) .
ومفهوم المخالفة لهذه الآية: أن من لم تيأس من النكاح وهي التي قد بقي فيها بقية من جمال وشهوة للرجال فليست من القواعد، ولا يجوز لها وضع شيء من ثيابها عند الرجال الأجانب؛ لأن افتتانهم بها وافتتانها بهم غير مأمون .
__________
(1) …ص (679)، مادة (قعد). (بتحقيق: صفوان داوودي).
(2) …«معجم مقاييس اللغة» (5/108)، وفيه: (والأزواج) بدل: (والتزوج).
(3) …«معالم التنزيل» (3/356).
(4) …مادة ( ب ر ج).
(5) …تفسير البغوي (3/357).
(6) …تفسير البحر المحيط (6/434)(4/261)
الثالث: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *} .
وجه الدلالة من الآية: ما رواه ابن جرير(1)، وابن أبي حاتم، وابن مردويه في تفاسيرهم بأسانيدهم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعبيدة السلماني رضي الله عنه قالا: أمر الله النساء المسلمين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويُبينَّ عيناً واحدة. انتهى كلامهما .
وقوله: (عليهن) أي: على وجوههن؛ لأن الذي كان يبدو في الجاهلية منهن هو الوجه، والجلابيب: جمع جلباب الخمار، وقال ابن منظور في (لسان العرب) نقلاً عن ابن السكيت، أنه قال: قالت العامرية: الجلباب: الخمار. وقال ابن الأعرابي: الجلباب: الإزار. قال الأزهري: معنى قول ابن الأعرابي: (الجلباب: الإزار) لم يرد به إزار الحَقْو(2)؛ ولكنه أراد إزاراً يشتمل به فيجلل جميع البدن. وكذلك إزار الليل، وهو كثوب السابغ الذي يشتمل به النائم فيغطي جسده كله. انتهى كلام ابن منظور .
__________
(1) …تفسير ابن جرير (22/46).
(2) …الأصل في الحَقْو: مَعْقِد الإزَار، ثم سُمِّي به الإزار للمجاورة. «النهاية» لابن الأثير (1/400).(4/262)
وفي (صحيح مسلم): عن أم عطية رضي الله عنها قالت: يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: "لِتُلْبِسْهَا أُختُها من جِلْبَابِها"(1). وقال أبو حيان في (تفسيره): (كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة وهن مكشوفتي الوجه في دِرْع(2) وخمار، وكان الزُّناة يتعرضون لهن إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغِيطان(3)؛ للإماء، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأَمَة، يقولون: حسبناها أمة؛ فأمرن أن يخالفن بِزِيِّهِن عن زِيِّ الإماء بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجه؛ ليحتشمن ويُهَبْنَ فلا يطمع فيهن)(4). ونكتفي بذكر هذا القدر من أدلة الكتاب.
وأما الأدلة من السنة فهي :
الأول: عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ميمونة رضي الله عنها، قالت: بينما نحن عندها أقبل ابن أم مكتوم رضي الله عنه، وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فقال صلى الله عليه وسلم: "اِحْتَجِبَا مِنْهُ" ، فقلت: يا رسول الله: أليس هو رجل أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا ؟ أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِه ؟"(5)؛ رواه الترمذي وغيره، وقال بعد إخراجه: (حديث حسن صحيح)، وقال ابن حجر: (إسناده قوي). [الفتح 9/337].
__________
(1) …مسلم (890).
(2) …دِرْع المرأة: قميصها. (النهاية - لابن الأثير 2/107).
(3) …الغِيطَان: جمع غَيْط، وهو المكان المطمئن أو المنخفض الواسع من الأرض، ويطلقه أهل مصر على الحَقْل. انظر: (المعجم الوسيط، ص 666).
(4) …«البحر المحيط» (7/250).
(5) …أحمد (6/296)، وأبو داود (4112)، والترمذي (2778)، والنسائي في «الكبرى» (9241)، وابن حبان في «صحيحه» (5575).(4/263)
الثاني: عن أنس رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله: إن نساءَكَ يَدْخُلُ عليهِنَّ البَرُّ والفاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهاتِ المؤمنين بالحِجَابِ؛ فأنزل الله آيةَ الحجاب(1). رواه الشيخان .
الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الرُّكْبَان يَمرُّون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَات، فإذا حَاذَوْنا سَدَلَتْ إحدانا جِلْبَابَها من رَأْسِها على وَجْهِهَا، فإذا جاوَزُونا كَشَفْنَاه(2). رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم .
الرابع: عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أُخْتٍ لَهُ نَذَرَتْ أن تَحُجَّ حَافِيةً غيرَ مُخْتَمِرَةٍ، فأَمَرَهَا أن تَحُجَّ وتَخْتَمِرَ(3). الحديث .
وجه الدلالة من هذا الدليل: أنه صلى الله عليه وسلم أمرها بالاختمار؛ لأن النذر لم ينعقد فيه؛ لأن ذلك معصية، والنساء مأمورات بالاختمار والاستتار .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام جامع في هذه المسألة، نذكره بنصه؛ قال رحمه الله تعالى:
__________
(1) …البخاري (402، 4483، 4790)، ومسلم (2399) مختصراً.
(2) …أحمد (6/30)، وأبو داود (1833)، وابن ماجه (2935)، والبيهقي في «السنن الكبرى» 5/48 (8833)، وجوَّدَ الألباني إسناده كما في «مشكاة المصابيح» (2690). ويشهد له حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عند الحاكم 1/454 (1668) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) …أحمد (1/239، 252 و4/143، 145، 147، 149، 151، 152، 201)، وأصله في البخاري (1866)، ومسلم (1644) بدون ذكر مسألة الخمار.(4/264)
(والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين: فقال ابن مسعود رضي الله عنه ومن وافقه: هي الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه: هي ما في الوجه واليدين، مثل: الكحل والخاتم...، قال: وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة، وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم...، وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوي المحارم، وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجال وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها؛ لأنه يجوز لها إظهاره؛ ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ} حجب النساء عن الرجال؛ وكان ذلك لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش رضي الله عنها فأرخى الستر النبي صلى الله عليه وسلم ومنع النساء أن ينظرن، ولما اصطفى صفية بنت حيي رضي الله عنها بعد ذلك عام خيبر قالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإلا فهي مما ملكت يمينه؛ فحجبها، فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب - أمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن؛ والجلباب هو: الملاءة، وهو الذي يسميه ابن مسعود رضي الله عنه وغيره: الرداء، وتسميه العامة الإزار، وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها. وقد حكى عبيدة وغيره أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها، ومن جنسه النقاب، فكن النساء ينتقبن، وفي الصحيح: أن المُحْرِمَة لا تَنْتَقِبْ، ولا تَلْبَس القُفَّازَين(1). فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن، وهو: ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب - كان (حينئذ) الوجه واليدان من الزينة التي أمرت أن لا تظهرها للأجانب، فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب
__________
(1) …البخاري (1838).(4/265)
الظاهرة، فابن مسعود ذكر آخر الأمرين)(1). انتهى كلام شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله .
والمقصود: أن الأدلة التي جاءت دالة على جواز كشف الوجه واليدين كانت دالة على الأصل قبل نزول الأدلة القرآنية ومجيء الأدلة من السنة الدالة على الأمر بالتستر؛ وبهذا يعلم أن الأدلة الدالة على وجوب ستر الوجه واليدين ناسخة لما دل على جواز ذلك .
نعم؛ إذا دعت حاجة إلى أن المرأة تكشف وجهها ويديها جاز ذلك؛ ومن أمثلة ما يدعو إلى الكشف: أن تدعو الحاجة كمعالجة مرض في وجهها أو يديها، وكذلك إذا أريد الشهادة عليها ولا تعرف إلا بكشف وجهها - كُشِف، ونحو ذلك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/141-150)
فرضية الحجاب وأهميته
أرجو من فضيلتكم إجابتي عن أهمية الغطاء على وجه المرأة، وهل هو واجب أوجبه الدين الإسلامي ؟ وإذا كان كذلك فما هو الدليل على ذلك ؟ إنني أسمع الكثير وأعتقد أن الغطاء عم استعماله في الجزيرة على عهد الأتراك، ومنذ ذلك الوقت سار التشديد على استعماله حتى أصبح يراه الجميع أنه فرض على كل امرأة، كما قرأت أنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة الراشدين كانت المرأة تشارك الرجل في الكثير من الأعمال، كما تساعده في أيام الحروب؛ فهل هذه الأشياء حقيقة أم أن فهمي غلط لا أساس له ؟ إنني أنتظر الإجابة من فضيلتك لفهم الحقيقة وحذف ما هو مشوَّه .
__________
(1) …«الفتاوى» (22/109) وما بعدها، ورسالة (حجاب المرأة ولباسها في الصلاة) لشيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن (مجموعة رسائل في الحجاب والسفور) ص (6)، وما بعدها، طبعة رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء.(4/266)
الحجاب كان أول الإسلام غير مفروض على المرأة، وكانت تبدي وجهها وكفيها عند الرجال، ثم شرع الله سبحانه الحجاب للمرأة، وأوجب ذلك عليها؛ صيانة لها وحماية لها من نظر الرجال الأجانب إليها، وحسماً لمادة الفتنة بها، وذلك بعد نزول آية الحجاب؛ وهي قوله تعالى في الآية من سورة الأحزاب: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزَاب، من الآية: 53]، والآية المذكورة وإن كانت نزلت في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فالمراد منها: هن وغيرهن من النساء؛ لعموم العلة المذكورة والمعنى في ذلك . وقال سبحانه وتعالى في السورة نفسها: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الأحزَاب، من الآية: 33]؛ فإن هذه الآية تعمهن وغيرهن بالإجماع، ومثل قوله عز وجل في سورة الأحزاب أيضاً: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *}[الأحزَاب]. وأنزل الله في ذلك أيضاً آيتين أخريين في سورة النور؛ وهما قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ(4/267)
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *}[النُّور] والبعولة: هم الأزواج، والزينة: هي المحاسن والمفاتن، والوجه أعظمها. وقوله سبحانه: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}؛ المراد به: الملابس في أصح قولي العلماء؛ كما قاله الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود(1) رضي الله عنه، لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاََّّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}[النُّور]؛ ووجه الدلالة من هذه الآية على وجوب تحجب النساء وهو ستر الوجه وجميع البدن عن الرجال غير المحارم: أن الله سبحانه رفع الجناح عن القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً، وهن العجائز، إذا كن غير متبرجات بزينة؛ فعلم بذلك أن الشابات يجب عليهن الحجاب، وعليهن جناح في تركه. وهكذا العجائز المتبرجات بالزينة عليهم أن يتحجبن لأنهن فتنة، ثم إنه سبحانه أخبر في آخر الآية أن استعفاف القواعد غير المتبرجات خير لهن، وما ذاك إلا لكونه أبعد لهن من الفتنة، وقد ثبت عن عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما ما يدل على وجوب ستر المرأة وجهها عن غير المحارم، ولو كانت في حال الإحرام(2)
__________
(1) …انظر: «تفسير ابن كثير» (3/284).
(2) …أحمد (6/30)، وأبو داود (1833)، وابن ماجه (2935)، والبيهقي في «السنن الكبرى» 5/48 (8833)، وجوَّدَ الألباني إسناده كما في «مشكاة المصابيح» (2690). ويشهد له حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عند الحاكم 1/454 (1668) وصححه ووافقه الذهبي.(4/268)
. كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين ما يدل على أن كشف الوجه للمرأة كان في أول الإسلام ثم نسخ بآية الحجاب(1). وبذلك تعلم أن حجاب المرأة أمر قديم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد فرضه الله سبحانه وتعالى، وليس من عمل الأتراك .
أما مشاركة النساء للرجال في كثير من الأعمال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم - كعلاج الجرحى وسقيهم في حال الجهاد ونحو ذلك - فهو صحيح مع التحجب والعفة والبعد عن أسباب الريبة؛ كما قالت أم سليم رضي الله عنها: كُنَّا نَغْزُو مع النبي صلى الله عليه وسلم فَنَسْقِي الجَرْحَى، ونَحْمِلُ الماء، ونُدَاوِي المَرْضَى(2).
هكذا كان عملهن لا عمل نساء اليوم في كثير من الأقطار التي يدعي أهلها الإسلام، التي اختلطن بالرجال في مجالات الأعمال وهن متبرجات متبذلات، فآل الأمر إلى تفشي الرذيلة، وتفكك الأسر، وفساد المجتمع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ونسأل الله أن يهدي الجميع إلى صراطه المستقيم، وأن يوفقنا وإياك وسائر إخواننا للعلم النافع والعمل به؛ إنه خير مسؤول .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/354)
صفة الحجاب الشرعي
كثر بين بعض الفتيات حجاب إسلامي - على حد زعمهن- مكون من طرحة سوداء مزخرفة في جوانبها يضعنها على رؤوسهن مخمرات بها وجوههن، ولكن، وللأسف فإن العينين باديتان والوجه مجسَّد، ثم إن ما ينذر بالخطر من وراء هذا الحجاب الجديد أن أولئك الفتيات أخذن يوسعن فتحات الأعين شيئاً فشيئاً بحجة الرؤية .
__________
(1) …انظر مثلاً: صحيح البخاري (1618، 2661، 4483، 4796، 5166، 5239)، ومسلم (1428، 1445، 2170، 2770).
(2) …«صحيح مسلم» (1810)، وأبو داود (2531)، والترمذي (1575)، والطبراني في «الكبير» 25/123 (302)، وابن حبان في «صحيحه» (4723، 4724).(4/269)
ونظراً لسعة انتشار هذا الحجاب، فإن اللاتي لا يلبسنه منبوذات بين صويحباتهن، موصوفات بالتزمُّت، والتشدُّد، والرجعية، بحجة أن الصحابيات كن يفعلنه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
هل يجوز لبس مثل هذا الحجاب ؟ مع بيان صفة الحجاب الذي أمر الإسلام به.
أقول: إن الاستعمار الفكري لا يألو جهداً في صد الناس عن دينهم: عقيدة وخلقاً وعبادة ومعاملة؛ بقدر ما يستطيع، ولكن المؤمن يكون عنده منعة في إيمانه تحول بينه وبين قصد هؤلاء المفسدين، وذلك بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما هو الواجب على كل مؤمن عند التنازع أن يكون مرجعه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآْخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً *}[النِّسَاء]
ونحن إذا رجعنا إلى الكتاب والسنة في هذه المسألة: وجدنا أن الحجاب الإسلامي لابد فيه من تغطية الوجه عن الرجال الأجانب، وأدلة ذلك مذكورة في الكتب المؤلفة في هذا، ولا يتسع المقام لسياقها . والنظر الصحيح يقتضي ذلك؛ لأن الوجه هو جمال المرأة ومحط الرغبة، وهو الذي يقصده الرجال من المرأة فيمن يقصدون الجمال الخَلْقِي، وإذا كان كذلك؛ فإن الفتنة تكون فيه أعظم إذا كان مكشوفاً يشاهده كل إنسان، ويكون هو أولى بالحجاب من غيره، أولى بالحجاب من القدمين ومن الكفين؛ لأن الفتنة فيه أعظم .(4/270)
وما ذكره السائل من هذا الحجاب ... فإنه مناف لما تقتضيه الأدلة الشرعية، وذلك أن هذا الحجاب كما ذكره السائل يتضمن التبرج بالزينة؛ لما طرز به من وَشْي ونقش، وقد قال الله تبارك وتعالى في القواعد من النساء: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاََّّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}[النُّور، من الآية: 60] .
هذا في القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً، فكيف بالشابات اللاتي يرجون النكاح واللاتي تتعلق رغبات الرجال بهن، كيف يتبرجن بالزينة بخمرهن ؟!
ثم إن الفتحة للعينين - أي النقاب - إذا توسع النساء فيها حتى صرن يبدين الحواجب والوجنتين؛ فإن ذلك مخالف لما كان عليه نساء الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ونحن نعلم حسب التتبع والاستقراء أن مثل هذه الأمور تتغير فيها الأحوال بسرعة، وأنَّ النساء ربما استعملن هذا الشيء على وجه قريب مما كان عليه نساء الصحابة ثم لا يلبثن إلا يسيراً حتى يتسع الخرق على الراقع .
ومن القواعد المقررة عند أهل العلم: سد الذرائع؛ أي سد ما يكون ذريعة إلى مُحرَّم . وهذا لا شك إذا كان على الوجه الذي ذكره السائل فهو محرم في ذاته، وذريعة لما هو أعظم وأعظم.
ونصيحتي لنساء المؤمنين: أن يتقين الله في أنفسهن وألا يكنَّ ممن سنَّ في الإسلام سنَّة سيئة فيلحقهن وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة . وليسألن من يكبرهن سناً ومن هن محتشمات ومحتجبات بالحجاب الشرعي الذي يغطي سائر الوجه: هل ضرهن هذا الحجاب ؟ وهل كان سبباً في نقصان دينهن ؟ وهل كان سبباً في التفريط بواجباتهن وغيرها ؟ وهل كان سبباً لتخلفهن دينياً أو فكرياً أو خلقياً أو اجتماعياً ؟ وكل هذا لم يكن؛ فليسعهن ما وسع أمهاتهن؛ بل ما وسع نساء الصحابة رضي الله عنهم .
الشيخ ابن عثيمين - الدعوة، العدد (1320)
السِّن الواجب لحجاب المرأة(4/271)
إلى أي سن يجب على الفتاة أن تلبس الحجاب ؟ وهل يجب أن نفرضه على التلميذات ولو كرهن ذلك ؟
إذا بلغت البنت وجب عليها أن تلبس ما يستر عورتها، ومنها الوجه والرأس والكفان؛ سواء كانت تلميذه أم لا. وعلى ولي أمرها أن يلزمها بذلك ولو كرهت، وينبغي له أن يمرنها على ذلك قبل البلوغ حتى تتعوده، ويكون من السهل عليها الامتثال .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/219)
حد عورة المرأة في الصلاة
يتساهل كثير من النساء في الصلاة فتبدو ذراعاها أو شيء منهما وكذلك قدمها وربما بعض ساقها؛ فهل صلاتها صحيحة حينئذ ؟
الواجب على المرأة الحرة المكلفة ستر جميع بدنها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين؛ لأنها عورة كلها، فإن صلَّت وقد بدا شيء من عورتها كالساق والقدم والرأس أو بعضه لم تصح صلاتها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ حَائِضٍ إِلا بِخِمَارٍ"(1).
__________
(1) …أحمد (6/218)، وأبو داود (641)، والترمذي (377) وقال: «حديث حسن»، وابن ماجه (655)، والحاكم 1/251 (917) وصححه ووافقه الذهبي.(4/272)
والمراد بالحائض: البالغة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ"(1)، ولما روى أبوداود رحمه الله: عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ ؟ قَالَ: "إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا" (2)؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (البلوغ)(3): وصحَّحَ الأئمة وقفهُ - على أم سلمة رضي الله عنها. فإن كان عندها أجنبي وجب عليها أيضاً ستر وجهها وكَفَّيْها .
الشيخ ابن باز - فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة، ص (15، 16)
صفة حجاب المسلمة أمام الكافرة
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف وجهها أمام المرأة الكافرة أم لا ؟ وكذلك هل يجوز أن تكشف وجهها لأم زوجها إذا كانت امرأة كافرة - والعياذ بالله - ؟
لا مانع من كشف المرأة وجهها عند المرأة، مسلمة كانت أو كافرة؛ لأنها لم تؤمر بستر وجهها إلا عن الرجال الذين ليسوا من محارمها، قال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}، إلى قوله سبحانه: {أَوْ نِسَائِهِنَّ}؛ فأمرها الله سبحانه بضرب الخمار على وجهها وجيبها عن الرجال، ما عدا المحارم المذكورين في الآية، أو من بينها وبينهم رضاعة مُحَرِّمَة - كما في الأدلة الأخرى، والمراد بالنساء في الآية جميع النساء، المسلمات وغير المسلمات، والله أعلم .
__________
(1) …الترمذي (1173)، وقال: «حسن غريب»، وابن خزيمة في «صحيحه» (1685، 1686)، وابن حبان (5598، 5599)، وآخرون. وانظر: «مجمع الزوائد» (2/35) و(4/314).
(2) …أبو داود (640)، والحاكم 1/250 (915) وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في «السنن الكبرى» 2/233 (3068). ودِرْع المرأة: قميصها. (النهاية - لابن الأثير 2/107).
(3) …«بلوغ المرام» بتعليق المباركفوري، ص (63).(4/273)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/287)
حكم نظر الرجل إلى المرأة غير المسلمة
نعلم الحجاب المطلوب مراعاته أمام غير المحرم من الرجال؛ لكن هل هذا الأمر يشملنا بالنسبة للنساء غير المسلمات ؟
حكم الرجال المسلمين مع النساء الكافرات كالحكم مع المسلمة من جهة النظر إليها والخلوة بها؛ فلا يجوز له أن يخلو بالأجنبية منهن، ويحرم عليه أن ينظر إلى مثل ما يحرم نظره عليه من المسلمة الأجنبية بالنسبة له؛ درءاً للفتنة، وحفظاً للفروج، وحماية للأعراض والأنساب .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/205)
حكم نظر المرأة للرجل
ماحكم نظر المرأة للرجل من خلال التلفزيون أو النظرة الطبيعية في الشارع ؟
نظر المرأة للرجل لا يخلو من حالين - سواء كان في التلفزيون أو غيره:
1- نَظَرٌ بشهوة وتَمَتُّع؛ فهذا محرم لما فيه من المفسدة والفتنة .
2- نظرة مجردة لا شهوة فيها ولا تمتع؛ فهذه لا شيء فيها على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهي جائزة؛ لما ثبت في الصحيحين: أن عائشة رضي الله عنها كانت تَنْظُرُ إلى الحَبَشَةِ وهم يَلْعَبُون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُها عنهم(1)، وأقرَّها على ذلك. ولأن النساء يمشين في الأسواق وينظرن إلى الرجال وإن كن متحجبات، فالمرأة تنظر الرجل وإن كان هو لا ينظرها، ولكن بشرط ألا تكون هناك شهوة وفتنة . فإن كانت شهوة أو فتنة فالنظرة مُحَرَّمة في التلفزيون وغيره .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى المرأة، ص (109)
هل تتحجَّب المرأة من الأعمى؟
__________
(1) …البخاري (454) وأطرافه عنده، ومسلم (892).(4/274)
في بعض المدارس الثانوية للبنات يكون معلم القرآن رجلاً كفيف البصر، وتضطر الطالبات لكشف وجوههن للقراءة؛ فما حكم ذلك علمًا بأن البعض يطالب بعدم وجود الرجل ؟ أفيدونا أفادكم الله .
القول الراجح من أقوال أهل العلم أن المرأة لا يلزمها الحجاب عند الرجل الأعمى؛ وله دليلان:
أحدهما: قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها: "اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ"(1).
والدليل الثاني: أن عائشة رضي الله عنها كانت تَنْظُرُ إلى الحَبَشَةِ وهم يَلْعَبُون فِي المَسْجِدِ وكان النبي عليه الصلاة والسلام يَسْتُرُها ، وأَقَرَّهَا على ذلك(2).
وأما حديث أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا ؟ (3)؛ فإن فيه راويًا مجهولاً فلا يقاوم هذين الحديثين الصحيحين .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/60، 61)
حكم تصوير المرأة في جواز السفر
هل صورة وجه المرأة في جواز السفر وغيره عورة أم لا ؟ وهل يصح للمرأة إذا امتنعت من الصورة أن تدفع حجة عن نفسها؛ والسبب منع الجواز أم لا ؟ وإلى أين حد لباس المرأة في الكتاب والسنة المحمدية ؟
ليس لها أن تسمح بتصوير وجهها، لا في الجواز ولا غيره؛ لأنه عورة، ولأن وجود صورتها في الجواز وغيره من أسباب الفتنة بها .
__________
(1) …مسلم (1480).
(2) …البخاري (454) وأطرافه عنده، ومسلم (892).
(3) …أحمد (6/296)، وأبو داود (4112)، والترمذي (2778) وقال: «حسن صحيح» . وفي إسناده نبهان مولى أم سلمة: لم يوثقه غير ابن حبان. والنسائي في «الكبرى» (9241)، وابن حبان في «صحيحه» (5575).(4/275)
والمرأة كلها عورة في ظاهر أدلة الكتاب والسنة، فالواجب عليها ستر جميع بدنها عن غير محارمها؛ لقول الله تعالى: {ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ}، وقوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/169)
حكم كشف الطبيب على المرأة
تضطر المرأة إلى الذهاب للطبيب للفحص عليها مما يستلزم إظهار شيء من جسدها؛ فما حكم الشرع في ذلك ؟
إن ذهاب المرأة إلى الطبيب عند عدم وجود الطبيبة لا بأس به، وقد ذكر أهل العلم أنه لا بأس به . ويجوز أن تكشف للطبيب كل ما يحتاج النظر إليه، إلا أنه لابد وأن يكون معها مَحْرَم، وبدون خلوة من الطبيب بها؛ لأن الخلوة مُحَرَّمَة، وهذا من باب الحاجة، وقد ذكر أهل العلم - رحمهم الله - أنه إنما أبيح مثل هذا لأنه مُحَرَّمٌ تحريم الوسائل، وما كان تحريمه تحريم الوسائل فإنه يجوز عند الحاجة إليه .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه، إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/846)
حكم كشف الطبيبة على الرجل
ما رأي سماحتكم في تطبيب المرأة للرجل في مجال طب الأسنان .. هل يجوز ؟ علماً بأنه يتوفر أطباء من الرجال في نفس المجال ونفس البلد.(4/276)
لقد سعينا كثيراً وعملنا كثيراً مع المسؤولين لكي يكون طب الرجال للرجال وطب النساء للنساء، وأن تكون الطبيبات للنساء والأطباء للرجال في الأسنان وغيرها . وهذا هو الحق؛ لأن المرأة عورة وفتنة إلا من رحم الله. فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى؛ إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل - فهذا لا بأس به؛ والله يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام، من الآية: 119]. وإلا فالواجب أن يكون الأطباء للرجال والطبيبات للنساء، وأن يكون قسم الأطباء على حدة وقسم الطبيبات على حدة، أو يكون مستشفى خاصاً للرجال ومستشفى خاصاً للنساء؛ حتى يبتعد الجميع عن الفتنة والاختلاط الضار . هذا هو الواجب على الجميع .
الشيخ ابن باز - فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة، ص (29، 30)
حكم ستر كَفَّي المرأة
هل إخراج الكفين في الشارع حرام أم لا ؟
إن كَفَّي المرأة عورة لا يجوز كشفهما لغير المَحْرَم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/210)
حكم كشف الكَفِّ والسَّاعِد للأجانب
ما رأيكم في أن كثيراً من النساء اللاتي يَخرجن إلى الأسواق لقصد الشراء من أصحاب المحلات التجارية - يُخرجن أكف أيديهن والبعض الآخر يخرجن الكف مع الساعد؛ وذلك عند غير محارمهن، وهذا أكثر الموجود في الأسواق ؟(4/277)
لا شك أن إخراج المرأة كفيها وساعديها في الأسواق أمر منكر وسبب للفتنة؛ لا سيما أن بعض هؤلاء النساء يكون على أصابعهن خواتم وعلى سواعدهن أسورة؛ وقال الله تعالى للمؤمنات: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}[النُّور، من الآية: 31]، وهذا يدل على أن المرأة المؤمنة لا تبدي شيئاً من زينتها وأنه لا يحل لها أن تفعل شيئاً يعلم به ما تخفيه من هذه الزينة؛ فكيف بمن تكشف زينة يديها ليراها الناس ؟!
إنني أنصح النساء المؤمنات بتقوى الله عز وجل، وأن يُقَدِّمْنَ الهُدَى على الهوى، ويعتصمن بما أمر الله به نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي هن أمهات المؤمنين وأكمل النساء أدباً وعفةً - حيث قال لهن: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا *}[الأحزَاب]؛ ليكون لهن نصيب من هذه الحكمة العظيمة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.
وأنصح رجال المؤمنين الذين جعلهم الله قَوَّامِين على النساء: أن يقوموا بالأمانة التي حملوها واسترعاهم الله عليها نحو هؤلاء النساء؛ فيقوموهن بالتوجيه والإرشاد، والمنع من أسباب الفتنة؛ فإنهم عن ذلك مسؤولون، ولربِّهم ملاقون، فلينظروا بماذا يجيبون: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ *}[آل عِمرَان] .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى معاصرة، ص (34، 36)(4/278)
بيان من اللجنة الدائمة بشأن لباس المرأة عند مَحَارِمِها
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد:
فقد كانت نساء المؤمنين في صدر الإسلام قد بلغن الغاية في الطهر والعفة، والحياء والحشمة ببركة الإيمان بالله ورسوله واتباع القرآن والسنة، وكانت النساء في ذلك العهد يلبسن الثياب الساترة ولا يعرف عنهن التكشف والتبذل عند اجتماعهن ببعضهن أو بِمَحَارِمِهِنَّ، وعلى هذه السنة القويمة جرى عمل نساء الأمة - ولله الحمد - قرناً بعد قرن إلى عهد قريب؛ فدخل في كثير من النساء ما دخل من فساد في اللباس والأخلاق لأسباب عديدة ليس هذا موضع بسطها .
ونظراً لكثرة الاستفتاءات الواردة إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حدود نظر المرأة إلى المرأة وما يلزمها من اللباس فإن اللجنة تبين لعموم نساء المسلمين: أنه يجب على المرأة أن تتخلق بخلق الحياء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان وشُعبةً من شُعَبِهِ. ومن الحياء المأمور به شرعاً وعُرفاً: تستُّر المرأة واحتشامها وتخلُّقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتنة ومواضع الريبة .(4/279)
وقد دَلّ ظاهر القرآن على أن المرأة لا تُبْدِي للمرأة إلا ما تبديه لِمَحَارِمِها مما جرت العادة بكشفه في البيت وحال المهنة - كما قال تعالى: {ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ}. وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلت عليه السنة فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا. وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية الكريمة هو: ما يظهر من المرأة غالباً في البيت وحال المهنة ويشق عليها التحرز منه؛ كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين. وأما التوسع في التَّكَشُّف - فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة - هو أيضاً طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها؛ وهذا موجود بينهن. وفيه أيضاً قدوة سيئة لغيرهن من النساء، كما أن في ذلك تشبُّهاً بالكافرات والبغايا الماجِنات في لباسهن؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو مِنْهُم" (1)؛ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود. وفي صحيح مسلم: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين مُعَصْفَرَيْن؛ فقال: "إنَّ هذِهِ من ثيابِ الكفارِ؛ فلا تَلْبَسْها"(2). وفي صحيح مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صِنْفان من أهل النار لَمْ أَرَهُمَا: قومٌ معهم سِيَاطٌ
__________
(1) …أحمد (2/50، 92)، وأبو داود (4031) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والبزار (2966)، والطبراني في «الأوسط» (8327) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، بسندٍ ضعيف؛ لكن له شواهد تبلغ به مرتبة الحسن. انظر: «فيض القدير» 6/105 (8593).
(2) …مسلم (2077).(4/280)
كأَذْنَابِ البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ، مائِلاتٌ مُمِيلاتٌ، رُؤُوسُهنَّ كأَسْنِمَة البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجنةَ ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذَا وكذا"(1). ومعنى (كاسيات عاريات): هو أن تكتسي المرأة ما لا يسترها؛ فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من تلبس الثوب الرقيق الذي يشف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع جسمها، أو الثوب القصير الذي لا يستر بعض أعضائها.
فالمتعين على نساء المسلمين التزام الهَدْي الذي كان عليه أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهن ومن اتبعن بإحسان من نساء هذه الأمة، والحرص على التستر والاحتشام فذلك أبعد عن أسباب الفتنة، وصيانة للنفس عما تثيره دواعي الهوى الموقع في الفواحش .
كما يجب على نساء المسلمين الحذر من الوقوع فيما حرمه الله ورسوله من الألبسة التي فيها تشبه بالكافرات والعاهرات؛ طاعةً لله ورسوله ورجاء لثواب الله وخوفاً من عقابه .
كما يجب على كل مسلم أن يتقي الله فيمن تحت ولايته من النساء؛ فلا يتركهن يلبسن ما حرمه الله ورسوله من الألبسة الخالعة والكاشفة والفاتنة، وليعلم أنه راع ومسؤول عن رعيته يوم القيامة .
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل؛ إنه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/290-294)
المشروع في لباس المرأة عند النساء
__________
(1) …مسلم (2128). والبُخْت: الإبل الخراسانية، وهي جمال طوال الأعناق.(4/281)
يوجد ظاهرة عند بعض النساء وهي لبس الملابس القصيرة والضيقة التي تبدي المفاتن وبدون أكمام ومبدية للصدر والظهر وتكون شبه عارية تماماً، وعندما نقوم بنصحهن يقلن أنهن لا يلبسن هذه الملابس إلا عند النساء وأن عورة المرأة للمرأة من السرة إلى الركبة.... ما هو حكم الشرع في نظركم والاستشهاد بالأدلة من الكتاب والسنة في ذلك وحكم لبس هذه الملابس عند المحارم ؟
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صِنْفان من أهل النار لَمْ أَرَهُمَا: قومٌ معهم سِيَاطٌ كأَذْنَابِ البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ، مائِلاتٌ مُمِيلاتٌ، رُؤُوسُهنَّ كأَسْنِمَة البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجنةَ ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذَا وكذا" (1) .
__________
(1) …مسلم (2128). والبُخْت: الإبل الخراسانية، وهي جمال طوال الأعناق.(4/282)
وفسر أهل العلم الكاسيات العاريات بأنهن اللاتي يلبسن ألبسة ضيقة أو ألبسة خفيفة لا تستر ما تحتها أو ألبسة قصيرة . وقد ذكر شيخ الإسلام أن لباس النساء في بيوتهن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما بين كعب القدم وكف اليد؛ كل هذا مستور وهن في البيوت. أما إذا خرجن إلى السوق فقد علم أن نساء الصحابه كن يلبسن ثياباً ضافيات يسحبن على الأرض ورخص لهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يرخينه إلى ذراع لا يزدن على ذلك، وأما ما شبه على بعض النساء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَنْظُرِ المرأةُ إلى عَوْرَةِ المرأةِ، ولا يَنْظُرِ الرجلُ إلى عَوْرَةِ الرجل" (1)؛ وأن عورة المرأة بالنسبة للمرأة ما بين السرة والركبة حتى يكون في ذلك حجة، ولكنه قال: لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة؛ فنهى الناظرة لأن اللابسة عليها لباس ضافي لكن أحياناً تكشف عورتها لقضاء الحاجة أو غيره من الأسباب، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة. ولما قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل؛ فهل كان الصحابة يلبسون أُزرا من السرة إلى الركبة أو سراويل من السرة إلى الركبة ؟! وهل يعقل الآن أن امرأة تخرج إلى النساء ليس عليها من اللباس إلا ما يستر ما بين السرة والركبة ؟! هذا لا يقوله أحد ولم يكن هذا إلا عند نساء الكفار. فهذا الذي لُبِّسَ على بعض النساء لا أصل له؛ أي هذا الذي فهمه بعض النساء من هذا الحديث لا صحة له، والحديث معناه ظاهر؛ لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: لباس المرأة ما بين السرة والركبة. فعلى النساء أن يتقين الله وأن يتحلين بالحياء الذي هو من خلق المرأة والذي هو من الإيمان - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمان"(2). وكما تكون
__________
(1) …مسلم (338)، وأبو داود (4018)، والترمذي (2793)، وابن ماجه (661) واللفظ له.
(2) …البخاري (9)، ومسلم (35)، بزيادة في أوله.(4/283)
المرأة مضربًا للمثل؛ فيقال: (أَحْيَا من العذراء في خِدْرها)(1). ولم نعلم ولا عن نساء الجاهلية أنهن كن يسترن ما بين السرة والركبة فقط؛ لا عند النساء ولا عند الرجال. فهل يردن هؤلاء النساء أن تكون نساء المسلمين أبشع صورة من نساء الجاهلية ؟!
والخلاصة: أن اللباس شئ والنظر إلى العورة شئ آخر؛ أما اللباس فلباس المرأة مع المرأة المشروع فيه: أن يستر ما بين كف اليد إلى كعب الرجل، هذا هو المشروع ولكن لو احتاجت المرأة إلى تشمير ثوبها فلها أن تشمر إلى الركبة لو احتاجت أن تشمر ثوبها لشغل أو نحوه - فلها أن تشمر إلى الركبة، وكذلك لو احتاجت إلى تشمير الذراع إلى العضد فإنها تفعل ذلك بقدر الحاجة فقط، وأما أن يكون هذا هو اللباس المعتاد الذي تلبسه فلا. والحديث لا يدل عليه بأي حال من الأحوال؛ ولهذا وجه الخطاب إلى الناظرة لا إلى المنظورة ولم يتعرض الرسول عليه الصلاة والسلام لذكر اللباس إطلاقاً؛ فلم يقل لباس المرأة ما بين السرة والركبة حتى يكون في هذا شبهة لهؤلاء النساء .
وأما محارمهن في النظر فكنظر المرأة إلى المرأة؛ بمعنى أن يجوز للمرأة أن تكشف عند محرمها ما تكشفه عند النساء، تكشف الرأس والرقبة والقدم والكف والذراع والساق وما أشبه ذلك؛ لكن لا تجعل اللباس قصيراً.
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه في 20/11/1414هـ
صفة العَبَاءَة الشرعية
فقد انتشر في الآونة الأخيرة عباءة مفصلة على الجسم وضيقة، وتتكون من طبقتين خفيفتين من قماش الكريب، ولها كم واسع، وبها فصوص وتطريز، وهي توضع على الكتف .. فما حكم الشرع في مثل هذه العباءة ؟ أفتونا مأجورين، ونرغب - حفظكم الله - بمخاطبة وزارة التجارة لمنع هذه العباءة وأمثالها .
__________
(1) …الخِدْر: ناحية في البيت يُترك عليها ستر، فتكون فيه الجارية البِكر. «النهاية»، لابن الأثير (2/14).(4/284)
العباءة الشرعية للمرأة وهي (الجِلْبَاب) هي: ما تحقق فيها قَصْدُ الشارع من كمال السِّتْر والبعد عن الفتنة .
وبناءً على ذلك فلابد لعباءة المرأة أن تتوافر فيها الأوصاف الآتية:
أولاً: أن تكون سميكة لا تظهر ما تحتها، ولا يكون لها خاصية الالتصاق .
ثانياً: أن تكون ساترة لجميع الجسم، واسعة لا تبدي تقاطيعه .
ثالثاً: أن تكون مفتوحة من الأمام فقط، وتكون فتحة الأكمام ضيقة .
رابعاً: ألا يكون فيها زينة تلفت الأنظار، وعليه فلا بد أن تخلو من الرسوم والزخارف والكتابات والعلامات .
خامساً: ألا تكون مشابهة للباس الكافرات أو الرجال .
سادساً: أن توضع العباءة على هامة الرأس ابتداءً .
وعلى ما تقدم: فإن العباءة المذكورة في السؤال ليست عباءة شرعية للمرأة، فلا يجوز لبسها؛ لعدم توافر الشروط الواجبة فيها، ولا لبس غيرها من العباءات التي لم تتوافر فيها الشروط الواجبة، ولا يجوز كذلك استيرادها، ولا تصنيعها، ولا بيعها وترويجها بين المسلمين؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان؛ والله جل وعلا يقول: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
واللجنة إذ تبين ذلك فإنها توصي نساء المؤمنين بتقوى الله تعالى، والتزام الستر الكامل للجسم بالجلباب، والخمار عن الرجال الأجانب؛ طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبعداً عن أسباب الفتنة والافتتان .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/139-141)
حكم لبس العباءات المُزَيَّنة(4/285)
ظهرت الآن في الأسواق عباءات للنساء فيها زينات وتطريزات، وفيها حزام في موضع الخصر مما يحدد الجسم، وهي ذات أكمام طويلة مزركشة الأطراف وواسعة، وخلفها قبعة تشبه قبعة الجلابية المغربية، وهذه العباءات تتغير وتتطور بين فترة وأخرى؛ فما حكم لبس هذه العباءات أو بيعها والاتجار فيها ؟ أفتونا مأجورين .
هذه العباءات من الألبسة المنكرة؛ لما فيها من الزينات الظاهرة، والتطريزات، حيث إنها تلفت الأنظار وتسبب الفتنة، وقد توقع في المحذور؛ من متابعة الرجال لتلك المرأة التي ترتدي هذه العباءة، ومخاطبتها، ثم لما فيها من ذلك الحزام الذي يربط على موضع الخصر أو أسفل البطن، ويحدد الجسم؛ فإن المرأة لا تلبس الضيق الذي يبين تفاصيل شيء من جسمها، لما في ذلك من لفت الأنظار، والسبب في الافتتان بها، وأيضاً لما فيها من تلك الأكمام الطويلة المزركشة أطرافها، حيث إن النقوش ظاهرة للعيان؛ متى خرجت إلى الأسواق أو الطرق برزت أمام الناظرين بلباس غريب يسر الناظرين، ويوهم أن قصدها إعجاب من رآها، حيث إن أكمامها تشبه أكمام القمص والأكسية، فلا تكون كالعباءات والمشالح المعتادة. وأيضاً لما فيه من تلك القبعة التي تشبه قبعة الجلابية المغربية، وهي مكروهة؛ لأنها تشبه بنساء الغرب، والغالب عليهن الكفر أو العهر، أو التبرج، والأصل أن المسلمة تلبس جلباباً أو مشلحاً تضعه على رأسها، ويستر قدميها وجميع جسمها، ولا تلبس ما فيه فتنة أو مفسدة. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها توقيعه
حكم لبس العبَاءَة على الكَتِف(4/286)
انتشر بين نساء المسلمين ظاهرة خطيرة: وهي لبس بعض النساء العباءة على الكتفين، وتغطية الرأس بالطرح والتي تكون زينة في نفسها، وهذه العباءة تلتصق بالجسم أو شهرة، وتصف الصدر وحجم العظام، ويلبسن هذا اللباس موضة .. ما حكم هذا اللباس ؟ وهل هو حجاب شرعي ؟ وهل ينطبق عليهن حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا" ؟ .. أفتونا مأجورين .
لقد أمر الله النساء المؤمنات بالتستر والتحجب الكامل؛ فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ}[الأحزَاب: 59] ، والجلباب: هو الرداء الذي تلتف به المرأة ويستر رأسها وجميع بدنها، ومثله المشلح والعباءة المعروفة، والأصل أنها تلبس على الرأس حتى تستر جميع البدن، فلبس المرأة للعباءة هو من باب التستر والاحتجاب الذي يقصد منه منع الغير عن التطلع ومد النظر؛ قال تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ}[الأحزَاب: 59]. ولا شك أن بروز رأسها ومنكبيها مما يلفت الأنظار نحوها، فإذا لبست العباءة على الكتفين كان ذلك تشبهًا بالرجال، وكان فيه إبراز رأسها وعنقها وحجم المنكبين وبيان بعض تفاصيل الجسم كالصدر والظهر ونحوه؛ مما يكون سببًا للفتنة وامتداد الأعين نحوها وقرب أهل الأذى منها ولو كانت عفيفة .
وعلى هذا فلا يجوز للمرأة لبس العباءة فوق المنكبين؛ لما فيه من المحذور، ويخاف دخوله في الحديث المذكور؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ" إلى قوله: "وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا" (1)؛ والله أعلم .
__________
(1) …مسلم (2128). والبُخْت: الإبل الخراسانية، وهي جمال طوال الأعناق.(4/287)
الشيخ ابن عثيمين - مجلة الدعوة - العدد (1151)
من منكرات لباس النساء في الاحتفالات
لقد شُوهد أخيراً في مناسبات الزواج قيام بعض النساء بلبس الثياب التي خرجن بها عن المألوف في مجتمعنا؛ معللاتٍ بأن لبسها إنما يكون بين النساء فقط، وهذه الثياب فيها ما هو ضيق تتحدد من خلالها مفاتن الجسم، ومنها ما يكون مفتوحاً من الأعلى بدرجة يظهر من خلالها جزء من الصدر أو الظهر، ومنها ما يكون مشقوقاً من الأسفل إلى الركبة أو قريب منها .
أفتونا عن الحكم الشرعي في لبسها، وماذا على الولي في ذلك ؟(4/288)
ثبت في صحيح مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صِنْفان من أهل النار لَمْ أَرَهُمَا: قومٌ معهم سِيَاطٌ كأَذْنَابِ البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ، مائِلاتٌ مُمِيلاتٌ، رُؤُوسُهنَّ كأَسْنِمَة البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجنةَ ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذَا وكذا" (1)، فقوله صلى الله عليه وسلم (كاسيات عاريات): يعني أن عليهن كسوة لا تفي بالستر الواجب إما لقصرها أو خفتها أو ضيقها؛ ولهذا روى الإمام أحمد في مسنده - بإسناد فيه لين: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبْطِيَّةً (نوع من الثياب) فكسوتها امرأتي؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لَكَ لَمْ تَلْبَسِ القُبْطِيَّة ؟" قلت: يا رسول الله ..كَسَوْتُهَا امرأتي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلاَلةً؛ إنِّي أخَافُ أنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا" (2) .
__________
(1) …مسلم (2128). والبُخْت: الإبل الخراسانية، وهي جمال طوال الأعناق.
(2) …أحمد (5/205)، والطبراني في «الكبير» 1/160 (376)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (3079). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/137): «رواه أحمد والطبراني وفيه عبدالله بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات». والغِلاَلة: ما يُلبس تحت الثياب مما يلي الجسد.(4/289)
ومن ذلك فتح أعلى الصدر؛ فإنه خلاف أمر الله تعالى؛ حيث قال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}؛ قال القرطبي في تفسيره(1): وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها. ثم ذكر أثراً عن عائشة رضي الله عنها: أن حفصة بنت أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما دخلت عليها، بشيء يشف عن عنقها وما هنالك فشقته عليها، وقالت: إنما يُضْرَبُ بِالكَثِيفِ الذي يَسْتُرُ .
ومن ذلك ما يكون مشقوقاً من الأسفل إذا لم يكن تحته شئ ساتر، فإن كان تحته شئ ساتر فلا بأس؛ إلا أن يكون على شكل ما يلبسه الرجال فيحرم من أجل التشبه بالرجال .
وعلى ولي المرأة أن يمنعها من كل لباس مُحَرَّمٍ ومن الخروج متبرجة أو متطيبة؛ لأنه وليُّها فهو مسؤول عنها يوم القيامة في يوم لا تجزى نفس عن نفس شيئاً ولا تقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
الشيخ ابن عثيمين - كتبه في: (15/2/1411هـ)
حكم الكاسِيَات العارِيَات
هل الكاسيات العاريات كافرات أم لا ؟ وكيف يقول الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام: "لا يَدْخُلْنَ الجنة، ولا يَجِدْنَ رِيحَها.." الحديث(2)؛ إذا لم يكن كافرات ملعونات ؟!
منِ اسْتَحَلَّ منهن ذلك اللباس: فهن كافرات مُخلَّدات في النار إذا متن على ذلك، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وإن لبسن ذلك اللباس مع اعتقادهن تحريمه فقد ارتكبن كبيرة من كبائر الذنوب، لكن لا يخرجن بها من ملة الإسلام، وهن تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر لهن، وإن شاء عذبهن بما ارتكبن من السيئات، فلا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، إلا بعد سابقة عذاب .
وهذا مذهب أهل السنة، وفيه جمع بين نصوص الوعد والوعيد، وهو وسط بين مذهب المرجئة والخوارج والمعتزلة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
__________
(1) …«تفسير القرطبي» (12/230).
(2) …مسلم (2128).(4/290)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/104)
حكم لبس النِّقَاب
في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة بين أوساط النساء بشكل ملفت للنظر؛ وهي ما يسمى بالنقاب، والغريب في هذه الظاهرة ليس لبس النقاب؛ إنما طريقة لبس النقاب لدى النساء، ففي بداية الأمر كان لا يظهر من الوجه؛ إلا العينان فقط، ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئاً فشيئاً فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه؛ مما يجلب الفتنة، ولا سيما أنَّ كثيراً من النساء يكتحلن عند لبسه، وهن - أي النساء - إذا نوقشن في هذا الأمر احتججن بأن فضيلتكم قد أفتى بأن الأصل فيه الجواز .. فنرجو توضيح هذه المسألة بشكل مفصل . وجزاكم الله خيراً .
لا شك أنَّ النقاب كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النساء كن يفعلنه - كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة إذا أحرمت: "لا تَنْتَقِب"(1)؛ فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب، ولكن في وقتنا هذا لا نُفتي بجوازه بل نرى منعه؛ وذلك لأنَّه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، وهذا أمر - كما قاله السائل - مُشَاهَد، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب في أوقاتنا هذه؛ بل نرى أنه يُمنع منعاً باتاً، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر، وأن لا تتنقب؛ لأن ذلك يفتح باب شَرٍّ لا يمكن إغلاقه فيما بعد .
الشيخ ابن عثيمين - ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة، ص (73، 74)
الحجاب واجب على البَدَوِيَّة والحَضَرِيَّة
إننا نسكن في صحراء والناس كلهم بدو؛ وهناك النساء يلبسن ثياباً تغطي العورة؛ ولكنها قصيرة وبعض الأحيان ضيقة .. فبم تنصحون هؤلاء ؟
__________
(1) …البخاري (1838) .(4/291)
لا شك أن الواجب على النساء التستر والبعد عن التبرج وإظهار المحاسن؛ لقول الله تعالى عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى}[الأحزَاب: 33]؛ قال علماء التفسير: معنى التَّبَرُّج إظهار المحاسن والمفاتن .
فالواجب على المرأة أن تكون متسترة متحجبة إذا كانت بحضور رجل أو أكثر من غير محارمها، بعيدة عن الفتنة - كما قال عز وجل في سورة الأحزاب أيضاً: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزَاب: 53]؛ فأطهر لقلوب الرجال وقلوب النساء: التستر والتحجب من جهة النساء وعدم التبرج؛ حتى لا تُفتن ولا تَفتن . وقال عز وجل: {ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ}[النُّور: 31]، وقال تعالى في سورة الأحزاب: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *}[الأحزَاب: 59]؛ والجِلْبَاب: لباس تضعه المرأة فوق رأسها وعلى جميع بدنها فوق ثيابها العادية لمزيد الستر والبعد عن الفتنة.
هكذا ينبغي للمرأة سواء كانت بدوية أو حضرية؛ الواجب عليها أن تتمسك بحكم الإسلام، وأن تجتهد في ستر عورتها، وأن تكون ثيابها وسطاً لا ضيقة تبين حجم العورة، ولا واسعة تبين العورة، ولكن وسط بين ذلك مع ستر الرأس والوجه واليدين عند وجود رجل أجنبي؛ وإن كان ابن عمها أو ابن خالها أو زوج أختها أو أخاً لزوجها. وهكذا في صلاتها تستر جميع بدنها ما عدا الوجه؛ فالسنة كشفه في الصلاة إذا لم يكن حولها رجل ليس من محارمها . أما الكفَّان فإن كشفتهما فلا بأس، وإن غطتهما فهو أفضل .(4/292)
وأما القدمان فيجب سترهما في الصلاة عند جمهور أهل العلم، ولا يجوز كشفهما. ويكون سترهما بإرخاء القميص أو لبس الجوربين ونحوهما حين أداء الصلاة .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (31) ص (111، 112)
حجاب المرأة الكبيرة السِّن
هل يجوز للمرأة الكبيرة في السن - مثل أم (70) أو (90) عامًا - أن تكشف وجهها لأقاربها غير المحارم؟
قال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاََّّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *} [النور] ؛ والقواعد: هن العجائز اللاتي لا يرغبن في النكاح ولا يتبرجن بالزينة؛ فلا جناح عليهن أن يسفرن عن وجوههن لغير محارمهن؛ لكن تحجبهن أفضل وأحوط؛ لقوله سبحانه: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}؛ ولأن بعضهن قد تحصل برؤيتها فتنة من أجل جمال صورتها وإن كانت عجوزًا غير متبرجة بزينة. أما مع التبرج فلا يجوز لها ترك الحجاب، ومن التبرج: تحسين الوجه بالكحل ونحوه. والله ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (160، 161)
حجاب البنت الصغيرة
ما حكم البنات اللاتي لم يبلغن الحلم ؟ وهل يجوز لهن الخروج من غير سترة ؟ وهل يجوز لهن الصلاة من غير خمار ؟
يجب على وليهن أن يؤدبهن بآداب الإسلام؛ فيأمرهن بأن لا يخرجن إلا ساترات لعوراتهن؛ خشية الفتنة، وتعويدًا لهنّ على الأخلاق الفاضلة حتى لا يكنّ سببًا في انتشار الفساد، ويأمرهن بالصلاة في خِمَار، ولو صلّت بدونه صحّت صلاتها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ حَائِضٍ إِلا بِخِمَارٍ"(1) .
__________
(1) …أحمد (6/218)، وأبو داود (641)، والترمذي (377) وقال: «حديث حسن»، وابن ماجه (655)، والحاكم 1/251 (917) وصححه ووافقه الذهبي.(4/293)
اللجنة الدائمة - فتاوى المرأة، ص (160)
حجاب الخادمة
هل يلزم أن تحتجب الخادمة التي تعمل في المنزل عن مخدومها ؟
نعم؛ عليها أن تحتجب عن مخدومها وألا تتبرج بالزينة لديه، ويحرم عليه الخلوة بها؛ لعموم الأدلة، ولأن في عدم تحجبها وفي تبرجها بالزينة ما يثير الفتنة بها، وهكذا خلوته بها من أسباب تزيين الشيطان له الفتنة بها . والله المستعان.
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (161)
حكم تقبيل الرجل ابنته
هل يجوز للرجل أن يقبل ابنته إذا كبرت وتجاوزت سن البلوغ، سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، وسواء كان التقبيل في خدها أو فمها أو نحوه ؟ وإذا قبلته هي في تلك الأماكن؛ فما الحكم ؟
لا حرج في تقبيل الرجل لابنته الكبيرة والصغيرة بدون شهوة؛ على أن يكون ذلك في خدها إذا كانت كبيرة - لما ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قبَّلَ ابْنَتَهُ عائشة رضي الله عنها في خَدِّها(1).
ولأن التقبيل على الفم قد يفضي إلى تحريك الشهوة الجنسية فتركه أولى وأحوط. وهكذا البنت لها أن تقبل أباها على أنفه أو رأسه من دون شهوة، أما مع الشهوة فيحرم ذلك على الجميع؛ حسماً لمادة الفتنة وسداً لذرائع الفاحشة .. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة ، ص (188، 189)
حكم تقبيل المَحَارِم من النساء
ما حكم تقبيل المحارم ؟
تقبيل المحارم إذا كان لشهوة - وهو بعيد - أو خاف الإنسان ثوران الشهوة - وهو أيضاً بعيد - لكن قد يقع أحياناً فيما لو كانت المحارم محارم بالرضاع أو بالمصاهرة، أما المحارم بالقرابة فلا أظن أن هذا يقع، لكن المحارم بالمصاهرة أو بالرضاع ربما يقع، فإذا كان الإنسان يخاف على نفسه من ثوران الشهوة - فهو حرام بلا شك. وإذا كان لا يخاف فإن تقبيل الرأس والجبهة لا بأس به.
__________
(1) …البخاري (3918).(4/294)
وأما التقبيل على الخد أو الشفتين فإنه ينبغي تجنبه إلا بالنسبة للوالد مع ابنته مثلاً، أو للأم مع ابنها - فإن هذا أمره أسهل؛ لأنه ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه دَخَلَ على عائشة رضي الله عنها وهي مريضةٌ فَقَبَّلَها على خَدِّها وقال: كيف أنتِ يا بُنَيَّة(1) ؟
الشيخ ابن عثيمين - دروس وفتاوى الحرم المكي - ص (284)
حكم مصافحة المرأة الأجنبية
ما حكم مصافحة المرأة الأجنبية ؟ وإذا كانت تضع على يدها حاجزاً من ثوب ونحوه . . فما الحكم ؟ وهل يختلف إذا كان المصافح شاباً أو شيخاً أو كانت امرأة عجوزاً ؟
لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً؛ سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المُصَافِحُ شاباً أم شيخاً كبيراً؛ لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما .. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنِّي لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ" (2) .. وقالت عائشة رضي الله عنها: مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلامِ(3). ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل؛ لعموم الأدلة ولِسَدِّ الذرائع المُفْضِيَة إلى الفتنة .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة، العدد (885)
حكم مصافحة الأجنبية من وراء حائل
س1: يوجد بعض العادات، بعض الناس يصافح النساء ولسن محارم له، وتأتي المرأة وتحط جلبابها وبخناقها وتصافح الرجل، وعندما ينكر عليه بعض الناس يقول أنا ما صافحتها، هي حطت ثوبها أو جلبابها وأنا ما صافحتها .. ما الحكم ؟
__________
(1) …البخاري (3918).
(2) …«موطأ مالك» 2/982 (1775)، وأحمد (6/357)، والنسائي (4186)، وابن ماجه (2874)، وابن حبان (4553) بزيادة فيه. وصححه الألباني؛ في «صحيح ابن ماجه» (2323).
(3) …البخاري (5288)، ومسلم (1866) .(4/295)
ج1: الحكم أنه لا يجوز للرجل أن يصافح من ليست محرماً له، لا مباشرة ولا من وراء الحائل؛ لأن المصافحة من ورائل حائل يقبض الإِنسان على اليد ويجسّها(1)؛ فلا يجوز لها أن يصافحها سواء بحائل أو بغير حائل.
س2: هل صح الحديث الذي يقول: "لئن يُضْرَب أَحَدُكُم بمِخْيَطٍ في رَأْسِهِ خيرٌ مِنْ أنْ يُصَافِحَ امرأةً لا تَحِلُّ لَهُ"(2) ؟
ج2: هذا من أحاديث الوعيد وفيه مقال خفيف، ولكنه من أحاديث الوعيد الذي يحصل به التحذير في أمر معلوم قبحه .
الشيخ ابن عثيمين - لقاءات الباب المفتوح (س401)
س3: هل يجوز السلام على النساء إذا توقت بشيلتها عن يد الرجل الذي يسلم عليها من يده ؟
__________
(1) …يجسّها: أي يمسّها.
(2) …الطبراني في «الكبير» 20/211، 212 (486، 487) بنحوه مرفوعًا، وابن أبي شيبة في «المصنف» (17316) موقوفًا على معقل بن يسار رضي الله عنه قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/326): «رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح»، وصحَّح الألباني رفعه كما في «السلسلة الصحيحة» (1/447)، والمِخْيَط: هو ما يُخاط به؛ كالإبرة والمسلَّة ونحوهما.(4/296)
ج3: لا يجوز أن يضع رجل يده في السلام في يد امرأة ليس لها بمحرم، ولو تَوَقَّتْ بثوبها؛ لما روى البخاري في (صحيحه) رحمه الله: عن عروة عن عائشة رضي الله عنها في روايتها لقصة مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء - قالت: لا والله ما مَسَّتْ يده يَدَ امرأة في المبايعة قط، ما بايعهن إلا بقوله: قد بايَعْتُكُنَّ عَلَى ذلك (1)، وما رواه أحمد بإسناد صحيح، عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن... إلى أن قالت: قلنا: يا رسول الله: ألا تصافحنا ؟ قال: "إني لا أُصَافِحُ النساءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لامرأةٍ واحدةٍ قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ" (2)، ولنا فيه عليه الصلاة والسلام خير أسوة - كما قال عنه من أرسله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا *} .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/29، 30)
حكم الإسلام في اختلاط الرجال بالنساء
ماذا يقول الإسلام عن اختلاط النساء والرجال ؟
اختلاط الرجال بالنساء من الأمور الخطيرة؛ وقد صدر في ذلك فتوى لسماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله؛ هذا نصها:
اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات:
الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال؛ وهذا لا إشكال في جوازه.
الثانية: اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد؛ وهذا لا إشكال في تحريمه .
__________
(1) …البخاري (5288)، ومسلم (1866).
(2) …البخاري (5288)، ومسلم (1866) .(4/297)
الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب في دور العلم والحوانيت والمكاتب والمستشفيات والحفلات ونحو ذلك؛ فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر، ولكشف حقيقة هذا القسم فإننا نجيب عنه من طريق مجمل ومفصل:
أما المجمل: فهو أن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيِّئ؛ لأن النفس أمارة بالسوء والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.
وأما المفصل: فالشريعة مبنية على المقاصد؛ ووسائلها ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال، وقد سد الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر .
وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة:
- أما الأدلة من الكتاب فستة :
الدليل الأول: قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَْبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *}[يُوسُف]؛ وجه الدلالة: أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كان كامناً فطلبت منه أن يواقعها ولكن أدركه الله برحمته فعصمه منها، وذلك في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *}، وكذلك إذا حصل اختلاط الرجال بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر، وبذل بعد ذلك الوسائل للحصول عليه .(4/298)
الدليل الثاني: أمر الله الرجال بغض البصر وأمر النساء بذلك، فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} .
وجه الدلالة من الآيتين: أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأمره يقتضي الوجوب، ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر، ولم يعف الشارع إلاَّ عن نظر الفجأة؛ فقد روى الحاكم في [المستدرك]، عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عَلِيُّ، لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَة، فإنما لَكَ الأُولَى، ولَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ" (1)، قال الحاكم بعد إخراجه: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وبمعناه عدة أحاديث .
وما أمر الله بغض البصر إلاَّ لأن النظر إلى من يحرم النظر إليهن زنا؛ فروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، والأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاسْتِمَاعُ، واللِّسَانُ زِناهُ الكلامُ، واليَدُ زِنَاهَا البَطْشُ، والرِّجْلُ زِناها الخُطَا" (2)؛ متفق عليه، واللفظ لمسلم. وإنما كان زنا؛ لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها؛ فتعلق في قلبه فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها، فإذا نهى الشارع عن النظر إليها لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط ينهى عنه؛ لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه .
__________
(1) …أحمد (1/159، و5/351، 353، 357)، والدارمي 2/386 (2709)، وأبو داود (2149)، والترمذي (2777) وقال: «حسن غريب»، وابن حبان (5570)، والطبراني في «الأوسط» (674)، والحاكم 2/194 و3/123 (2788، 4623) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …جزء من حديث أخرجه: البخاري (6243، 6612)، ومسلم (2657).(4/299)
الدليل الثالث: الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة، ويجب عليها التستر في جميع بدنها؛ لأن كشف ذلك أو شيء منه يؤدي إلى النظر إليها، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها، ثم تبذل الأسباب للحصول عليها وكذلك الاختلاط .
الدليل الرابع: قال تعالى .
وجه الدلالة: إنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل وإن كان جائزاً في نفسه؛ لئلا يكون سبباً إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن، وكذلك الاختلاط يمنع لما يؤدي إليه من الفساد .
الدليل الخامس: قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَْعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ *}، فسرها ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، ومنهم المرأة الحسناء، أو تمر به، فإذا غفلوا لحظها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض، وقد علم الله من قلبه أنه وَدَّ لو اطلع على فرجها وأنه لو قدر عليها لزنى بها(1).
وجه الدلالة: أن الله تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة؛ فكيف بالاختلاط إذن ؟!
الدليل السادس: أنه أمرهن بالقرار في بيوتهن، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى}.
__________
(1) …انظر: «تفسير ابن كثير» (4/76)، بنحوه.(4/300)
وجه الدلالة: أنه الله تعالى أمر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن، وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين؛ لما تقرر في علم الأصول: أن خطاب المواجهة يعم إلاَّ ما دل الدليل على تخصيصه، وليس هناك دليل يدل على الخصوص، فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلاَّ إذا اقتضت الضرورة خروجهن .. فكيف يقال بجواز الاختلاط على نحو ما سبق ؟! على أنه كثر في هذا الزمان طغيان النساء وخلعهن جلباب الحياء واستهتارهن بالتبرج والسفور عند الرجال الأجانب والتعري عندهم، وقلَّ الوزاع ممن أنيط به الأمر من أزواجهن وغيرهم .
- وأما الأدلة من السنة فإننا نكتفي بذكر عشرة أدلة :
1 - روى الإِمام أحمد في [المسند] بسنده: عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنها: أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أُحِبُّ الصلاة معك، قال: "قد عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصلاةَ معي، وصلاتُك في بيتِك خيرٌ من صلاتِكِ في حُجرَتِكِ، وصلاتُكِ في حُجرتك خير من صلاتِك في دارِكِ، وصلاتُك في دارِك خيرٌ من صلاتِك في مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وصلاتُك في مسجدِ قَوْمِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في مَسْجِدِي" (1)، قال: فأَمَرَتْ فَبُنِيَ لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأَظْلَمِهِ، فكانت والله تُصلِّي فيه حتى ماتت.
__________
(1) …أحمد (6/371)، وابن خزيمة (1689)، والطبراني في «الكبير» 25/148 (356) بنحوه، وابن حبان (2217)، وابن أبي شيبة (7620). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: (2/34): «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح». وحسنه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (350)، وفي« صحيح ابن خزيمة» (1689).(4/301)
وروى ابن خزيمة في «صحيحه»: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أحَبَّ صلاةِ المرأةِ إلى الله في أَشَدِّ مكانٍ من بيتِها ظُلْمَةً" (1) .
وبمعنى هذين الحديثين عدة أحاديث تدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد .
وجه الدلالة: أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها، وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه، فلأن يمنع الاختلاط من باب أولى .
2 - ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما بأسانيدهم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صُفُوف الرجال أَوَّلُها، وشرُّها آخِرُها، وخيرُ صُفُوف النساءِ آخِرُها، وشَرُّها أَوَّلُهَا" (2)؛ قال الترمذي بعد إخراجه: (حديث صحيح) .
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للنساء إذا أتين إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن المصلين على حدة، ثم وصف أول صفوفهن بالشر والمؤخر منهن بالخيرية، وما ذلك إلاَّ لبعد المتأخرات من الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم، وذم أول صفوفهن لحصول عكس ذلك، ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم والقرب من الإمام وقربه من النساء اللائي يشغلن البال، وربما أفسدن عليه العبادة وشوشن النية والخشوع. فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك .. في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط وإنما هو مقاربة ذلك فكيف إذا وقع الاختلاط ؟!
__________
(1) …ابن خزيمة (1691، 1692)، والطبراني في [المعجم الكبير] كما في «مجمع الزوائد» (2/35)، والبيهقي في «الكبرى» (5145، 5146). وحسنه الألباني في «صحيح ابن خزيمة» (1691).
(2) …مسلم (440)، وأبو داود (678)، والترمذي (224)، والنسائي (821)، وابن ماجه (1000)، وابن خزيمة (1693)، والدارمي (1272).(4/302)
3 - روى مسلم في صحيحه: عن زينب زوجة عبدالله بن مسعود رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شَهِدَتْ إِحْداكُنَّ المسجدَ فلا تَمَسَّ طِيباً" (1) .
وروى أبو داود في سننه، والإمام أحمد والشافعي في مسنديهما بأسانيدهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مساجِدَ الله، ولكنْ لِيَخْرُجْنَ وهُنَّ تَفِلاَتٌ" (2) .
قال ابن دقيق العيد: فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد؛ لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سبباً لتحريك شهوة المرأة أيضاً... قال: ويلحق بالطيب ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة، قال الحافظ ابن حجر: وكذلك الاختلاط بالرجال(3). وقال الخطابي في [معالم السنن]: التَّفَل سوء الرائحة، يقال: امرأة تَفِلَة: إذا لم تتطيب، ونساء تَفِلاَت)(4).
4 - روى أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما تَرَكْتُ بَعْدِي فتنةً هي أَضَرَّ على الرجالِ من النساءِ" (5)؛ رواه البخاري ومسلم .
وجه الدلالة: أنه وصفهن بأنهن فتنة على الرجال؛ فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون ؟! هذا لا يجوز .
__________
(1) …أحمد (6/363)، ومسلم (443)، وابن خزيمة (1680)، وابن حبان (1212، 2215).
(2) …أحمد (2/438، 475) و(5/192، 193) و(6/69)، وأبو داود (565)، وابن خزيمة (1679)، والدارمي (1279)، وابن حبان (2211، 2214). قال في «مجمع الزوائد» (2/33): «وإسناده حسن»، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (529).
(3) …«إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (1/168) بنحوه. وانظر: «فتح الباري» (2/349)، و«فيض القدير» (1/387).
(4) …«معالم السنن» 1/140 (185).
(5) …البخاري (5096)، ومسلم (2740، 2741).(4/303)
5 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الدنيا حُلْوَةٌ خَضِرَة، وإن اللهَ مُسْتَخْلِفُكُم فيها فَيَنْظُرُ كيفَ تَعملون، فاتَّقُوا الدنيا واتَّقُوا النساءَ، فإنَّ أوَّلَ فتنةَ بَنِي إسرائيلَ كانت في النِّساءِ" (1) رواه مسلم .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتقاء النساء، وهو يقتضي الوجوب فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط ؟! هذا لا يمكن، فإذاً لا يجوز الاختلاط .
6 - روى أبو داود في [السنن]، والبخاري في [الكنى] بسنديهما، عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري، عن أبيه رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول - وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق - فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: "اِسْتَأْخِرْنَ؛ فإنَّهُ لَيْس لَكُنَّ أنْ تَحْقُقْنَ الطريقَ، عَلَيْكُنَّ بحافَّاتِ الطَّرِيق ؛ فكانت المرأة تَلْصَقُ بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لُصُوقِها به"(2). هذا لفظ أبي داود، قال ابن الأثير في [النهاية في غريب الحديث](3): (يَحْقُقْنَ الطريق: أن يَرْكَبْنَ حُقَّها وهو وسَطها) .
وجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا منعهن من الاختلاط في الطريق؛ لأنه يؤدي إلى الافتتان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك ؟!
__________
(1) …مسلم (2742).
(2) …أبو داود (5272)، والطبراني في «الكبير» 19/261 (580)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (7822). وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (4392).
(3) …(1/399)، مادة (حقق).(4/304)
7 - روى أبو داود الطيالسي في سننه وغيره، عن نافع عن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل باباً للنساء وقال: "لا يَلِجَنَّ مِنْ هذا البابِ مِنَ الرِّجَالِ أَحَدٌ" (1)، وروى البخاري في [التاريخ الكبير] له، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَدْخُلوا المسجدَ من باب النساء"(2) .
وجه الدلالة: : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال بالنساء في أبواب المساجد دخولاً وخروجاً، ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد؛ سداً لذريعة الاختلاط، فإذا منع الاختلاط في هذه الحالة ففيما سوى ذلك من باب أولى .
8 - روى البخاري في صحيحه، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّمَ من صلاتِهِ قامَ النساءُ حين يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، ومَكَثَ النبي صلى الله عليه وسلم في مكانِهِ يَسِيراً)(3) .
وفي رواية ثانية له(4): (كان يُسَلِّم فَتَنْصَرِفُ النساء فيدخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ من قَبْلِ أنْ يَنْصَرِفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية ثالثة: (كُنَّ إذا سَلَّمْنَ مِنَ المَكْتُوبَةِ قُمْنَ وثبَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن صَلَّى من الرجال ما شَاءَ اللهُ، فإذا قَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قامَ الرِّجال)(5) .
__________
(1) …«مسند الطيالسي» 1/251 (1829).
(2) …أبو داود (462، 571)، والطيالسي في «مسنده» (1829)، والطبراني في «الأوسط» (1018) بنحوه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (439). وأخرجه موقوفاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: البخاري في «التاريخ الكبير» 1/60 (130)، وأبو داود (462 - 464) قال: «وهو أصح».
(3) …البخاري (837، 849).
(4) …البخاري (850).
(5) …البخاري (866).(4/305)
وجه الدلالة: : أنه منع الاختلاط بالفعل، وهذا فيه تنبيه على منع الاختلاط في غير هذا الموضع .
9 - روى الطبراني في [المعجم الكبير] عن معقل بن يسار رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَأَنْ يُطْعَنَ في رَأْسِ أَحدِكُم بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خيرٌ من أنْ يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ لَهُ"(1) .
قال الهيثمي في [مجمع الزوائد](2): (رجاله رجال الصحيح)، وقال المنذري في [الترغيب والترهيب](3): (رجاله ثقات) .
10 - وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَأَنْ يَزْحَمَ رَجُلٌ خِنْزِيراً مُتُلَطِّخاً بِطِينٍ وحَمْأَةٍ خيرٌ له مِنْ أنْ يَزْحَمَ مَنْكِبُهُ مَنْكِبَ امرأةٍ لا تَحِلُّ له"(4).
وجه الدلالة: من الحديثين: أنه صلى الله عليه وسلم منع مماسة الرجل للمرأة بحائل وبدون حائل إذا لم يكن محرماً لها؛ لما في ذلك من الأثر السيئ، وكذلك الاختلاط يمنع لذلك.
__________
(1) …الطبراني في «الكبير» 20/211، 212 (486، 487) بنحوه مرفوعًا، وابن أبي شيبة في «المصنف» (17316) موقوفًا على معقل بن يسار رضي الله عنه قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/326): «رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح»، وصحَّح الألباني رفعه كما في «السلسلة الصحيحة» (1/447)، والمِخْيَط: هو ما يُخاط به؛ كالإبرة والمسلَّة ونحوهما.
(2) …«مجمع الزوائد» (4/326) .
(3) …«الترغيب والترهيب» 3/26 (2938).
(4) …الطبراني في «الكبير» 8/205 (7830)، قال في «مجمع الزوائد» (4/326): «فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف جداً وفيه توثيق».(4/306)
فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له: أن القول بأن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص، وإلاَّ فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة، ولهذا منعه الشارع؛ حسماً لمادة الفساد، ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة، كما يقع في الحرم المكي والحرم المدني .
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يزيد المهتدي منهم هدى، وأن يوفق ولاتهم لفعل الخيرات وترك المنكرات والأخذ على أيدي السفهاء؛ إنه سميع قريب مجيب. اهـ .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (2/53-61)
من مفاسد الاختلاط
هل يجوز العمل للفتاة في مكان مختلط مع الرجال؛ علماً بأنه يوجد غيرها من الفتيات في نفس المكان ؟
الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي أو بعمل في قطاع خاص أو في مدارس حكومية أو أهلية؛ فإن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة من الرجال؛ لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجال من النساء ولا حياء عند النساء من الرجال.(4/307)
وهذا (أعني الاختلاط بين الرجال والنساء) خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد، لا يختلطن بالرجال ؟! كما في الحديث الصحيح: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حين خَطَبَ في الرجال نَزَلَ وذَهَبَ للنساء فَوَعَظَهُنَّ وذَكَّرَهُنَّ(1). وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيرُ صُفُوفِ النساءِ آخِرُهَا وشَرُّها أوَّلُها، وخيرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أَوَّلُها وشَرُّها آخِرُها" (2) ؟! وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف. وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة ؟! ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة ؟! فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط.
__________
(1) …البخاري (98) وأطرافه عنده، ومسلم (884، 885).
(2) …مسلم (440)، وأبو داود (678)، والترمذي (224)، والنسائي (821)، وابن ماجه (1000)، وابن خزيمة (1693)، والدارمي (1272).(4/308)
والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط وأن يعلموا أنه من أَضَرِّ ما يكون على الرجال - كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "ما تركتُ بعدي فِتنةً أضَرَّ على الرجال من النساء"(1). فنحن والحمد لله - نحن المسلمين - لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا، ويجب أن نحمد الله سبحانه وتعالى أن مَنَّ علينا بها ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد. ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله عز وجل وعن شريعة الله فإنهم على ضلال وأمرهم صائر إلى الفساد، ولهذا نسمع أن الأمم التي كان يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا؛ ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد.
نسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة .
الشيخ ابن عثيمين - مجلة الدعوة (3/2/1414هـ)
إبطال شبهات حول السفور والاختلاط
هناك بعض الشباب الملتزمين بالإسلام، والحريصين على التمسك به، والغيورين عليه، تعرض عليهم بعض الشبهات، وخاصة في قضية المرأة مثل :
__________
(1) …البخاري (5096)، ومسلم (2740، 2741).(4/309)
أ - يرون أنه لا مانع من دخول المرأة على ضيوف زوجها، مع وجوده، وتقديم الشاهي وغيره للضيوف، والجلوس معهم، ويحتجون لذلك بحديث رواه البخاري : عن سهل رضي الله عنه قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلَّت تمرات في تَوْرٍ (إناء من حجارة) في الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الطعام أَمَاثَتْهُ له - أي: هرسته بيدها - فسقته تُحْفَةً بذلك.(1) ويحتجون كذلك بما ذكره البخاري: (باب: قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس)، وعندما سئل الإمام مالك رحمه الله في هذا الموضوع، أجاب بالجواز، وذلك في (الموطأ)، وبما ذكره البخاري في باب: (ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس) .
ب - يرون أنه لا مانع من استقبال الزوجة ضيوف زوجها من الرجال، حتى في عدم وجوده، ويحتجون لذلك بما رواه مسلم: أن رسول الله قال: "لا يَدْخُلَنَّ رجلٌ بعد يومي هذا على مُغِيبَةٍ إلا معه رجل أو اثنان"(2)، ويحتجون كذلك بزيارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لأم هانئ رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
جـ - يرون أن لا مانع من مشاركة المرأة الرجل أو الرجال في أعمالهم الوظيفية، وفي مجالس العلم والذكر ما دامت متحجبة، ويحتجون لذلك بعدة أمور، منها: مشاركة الصحابيات للمسلمين في الجهاد، وبتدريس عائشة رضي الله عنها لبقية الصحابة، وبفتاويها التي تفتي بها .
__________
(1) …البخاري (5182).
(2) …مسلم (2173).(4/310)
أ - يجب على المسلم إذا بحث عن حكم مسألة إسلامية أن ينظر فيما يتصل بهذه المسألة من نصوص الكتاب والسنة، وما يتبع ذلك من الأدلة الشرعية، فهذا أقوم سبيلاً، وأهدى إلى إصابة الحق، ولا يقتصر في بحثها على جانب من أدلتها دون آخر، وإلا كان نظره ناقصاً، وكان شبيهاً بأهل الزيغ والهوى، الذين يتبعون ما تشابه من النصوص ابتغاء الفتنة، ورغبة في تأويلها على مقتضى الهوى .
ففي مثل هذا الموضوع يجب أن ينظر إلى نصوص الكتاب السنة، في وجوب ستر المرأة عورتها، وفي تحريم النظرة الخائنة، وفي مقصد الشريعة من وجوب المحافظة على الأعراض والأنساب، وتحريم انتهاكها والاعتداء عليها، وتحريم الوسائل المفضية إلى ذلك من خلوة امرأة بغير زوجها ومحارمها، وكشف عورتها وسفرها بلا محرم، واختلاط مريب، وإفضاء الرجل إلى الرجل والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد، وإلى أمثال ذلك مما قد ينتهي إلى ارتكاب جريمة الفاحشة .
وإذا نظر إلى مجموع ما ذكر لزمه أن يحمل ما جاء في حديث سهل رضي الله عنه - في إعداد امرأة أبي أسيد الطعام والشراب لضيوفه وتقديمه لهم - على أنها كانت متسترة، وأن الفتنة مأمونة، ولم تحصل خلوة ولا اختلاط، إنما كان منها مجرد إعداد وتهيئة شراب، وتقديمه لضيوف زوجها دون جلوسها معهم؛ إذ ليس في الحديث ما يدل على جلوسها معهم كما ذكر في السؤال .(4/311)
ب - بناءً على ما تقدم ذكره في جواب الفقرة الأولى يقال أيضاً في حديث: "لاَ يَدْخُلَنَّ رجلٌ بَعْدَ يَوْمِي هذا على مُغِيبَةٍ إلا مَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ"(1): أنه محمول على ما إذا وجدت الدواعي إلى الدخول عليها عند غيبة زوجها ومحارمها، وأمنت الفتنة، وبَعُدَ التواطؤ منهم على الفاحشة، لا على الإطلاق، وليس هذا من التأويل بالرأي؛ بل هو مبني على المقصد الشرعي المفهوم من مجموع النصوص الواردة في حفظ الفروج والأنساب، وتحريم انتهاك الأعراض، ومنع الوسائل المفضية إلى ذلك، ومنها الحديث المذكور في هذه الفقرة، حيث اشترط في جواز الدخول وجود ما يزيل الخلوة؛ إبعاداً للريبة، وتحقيقاً للأمن من الفتنة .
جـ - لا مانع شرعاً من قيام المرأة بواجب التدريس، والوعظ والإفتاء، لكن مع مراعاة الحجاب الشرعي، والأمن من الفتنة، وعدم الاختلاط المريب؛ كما حصل من عائشة رضي الله عنها وغيرها من أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابيات، ولقوله تعالى في أمهات المؤمنين: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}، ويجوز لهن الخروج مع المجاهدين لخدمتهم في سقي، وإسعاف جرحى، وتمريض مصاب ونحو ذلك، لكن على أن يكون خروجهن لذلك مع أزواجهن أو محرم لهن؛ تحقيقاً للمصلحة، ومحافظةً على أعراضهن، وذلك هو ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لا كما تفعله الدول الكافرة، من خروجهن بلا زوج ولا محرم لقصد الترفيه الفاحش عن المحاربين، وتجنيدهن لذلك، أو لمباشرة القتال، فإنهن قد رفع عنهن الجِلاَد بالسلاح .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/81-85)
الجواب عن أحاديث ظاهرها يُوهم جواز السفور
__________
(1) …مسلم (2173).(4/312)
ما هو جوابكم على حديث العروسة التي قدمت لخطيبها مشروباً كاشفة عن وجهها بحضور النبي صلى الله عليه وسلم - مع العلم بأن الحديث في صحيح مسلم ؟
هذا الحديث وأمثاله مما ظاهره أن نساء الصحابة رضي الله عنهن يكشفن وجوههن، هذا ينزل على ما قبل الحجاب؛ لأن الآيات الدالة على وجوب الحجاب للمرأة كانت متأخرة في السنة السادسة من الهجرة، وكان النساء قبل ذلك لا يجب عليهن ستر وجوههن وأيديهن، فكل النصوص التي ترد يمكن أن تحمل على هذا .
ولكن قد ترد أحاديث فيها ما يدل على أنها بعد الحجاب؛ فهذه هي التي تحتاج إلى جواب:(4/313)
مثل: حديث المرأة الخَثْعَمِيَّة التي جاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الفضل ابن العباس رضي الله عنهما رديفاً له في حجة الوداع، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر(1) . فقد استدل بهذا من يرى أن المرأة يجوز لها كشف الوجه، وهذا الحديث بلا شك من الأحاديث المتشابهة التي فيها احتمال الجواز، وفيها احتمال عدم الجواز؛ أما احتمال الجواز فظاهر، وأما احتمال عدم الدلالة على الجواز فإننا نقول: هذه المرأة مُحْرِمَة؛ والمشروع في حق المحرمة أن يكون وجهها مكشوفاً، ولا نعلم أن أحداً من الناس ينظر إليها سوى النبي صلى الله عليه وسلم والفضل بن العباس، فأما الفضل بن العباس فلم يقره النبي صلى الله عليه وسلم بل صرف وجهه، وأما النبي صلى الله عليه وسلم: فإن الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له من النظر إلى المرأة أو الخلوة بها مالا يجوز لغيره، كما جاز له أن يتزوج المرأة بدون مهر، وبدون ولي، وأن يتزوج أكثر من أربع(2)، والله عز وجل قد فسح له بعض الشيء في هذه الأمور؛ لأنه أكمل الناس عفة، ولا يمكن أن يرد على النبي صلى الله عليه وسلم ما يرد على غيره من الناس من احتمال مالا ينبغي أن يكون في حق ذوي المروءة .
__________
(1) …البخاري (1513، 1855، 6228)، ومسلم (1334).
(2) …انظر: «الخصائص الكبرى» للسيوطي (2/426 - 432) .(4/314)
وعلى هذا فإن القاعدة عند أهل العلم أنه: إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، فيكون هذا الحديث من المتشابه، والواجب علينا في النصوص المتشابهة أن نردها إلى النصوص المحكمة الدالة دلالة واضحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها، وأن كشف المرأة وجهها من أسباب الفتنة والشر؛ والأمر كما تعلمون ظاهر الآن في البلاد التي رخص للنساء فيها بكشف الوجوه، فهل اقتصر النساء اللاتي رخص لهن بكشف الوجوه على كشف الوجه ؟ الجواب: لا؛ بل كشف الوجه والرأس والرقبة والنحر والذراع والساق والصدر أحياناً، وعجز هؤلاء أن يمنعوا نساءهم مما يعترفون بأنه منكر ومحرم، وإذا فتح باب الشر للناس فثق أنك إن فتحت مصراعاً فسوف ينفتح مصاريع كثيرة، وإذا فتحت أدنى شيء فسيشيع حتى لا يستطيع الراقع أن يرقعه . فالنصوص الشرعية والمعقولات العقلية كلها تدل على وجوب ستر المرأة وجهها .
وإني لأعجب من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر قدمها، ويجوز لها أن تكشف كَفَّيْها؛ فأيهما أولى بالستر ؟! أليس الكَفَّان ؟! لأن نعومة الكف وحسن أصابع المرأة وأناملها في اليدين أشد جاذبية من تلكما الرجلين .
وأعجب أيضاً من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر قدميها، ويجوز أن تكشف وجهها؛ فأيهما أولى بالستر ؟! هل من المعقول أن نقول إن الشريعة الإسلامية الكاملة التي جاءت من لدن حكيم خبير توجب على المرأة أن تستر القدم، وتبيح لها أن تكشف الوجه ؟!
الجواب: أبداً هذا تناقض؛ لأن تعلق الرجال بالوجوه أكثر بكثير من تعلقهم بالأقدام، ما أظن أحداً يقول للخطيب الذي أوصاه أن يخطب له امرأة: يا أخي ابحث عن قدميها أهي جميلة أو غير جميلة، ويترك الوجه، فهذا مستحيل؛ بل أول ما يوصيه به هو البحث عن الوجه: كيف الشفتان ؟ كيف العينان ؟ وهكذا .. أما أن يبحث عن القدم ويدع الوجه - فهذا مستحيل. فإذن محل الفتنة هو الوجه .(4/315)
وكلمة (عورة) لا تعني أيها الإخوة أنه كالفرج يستحيا من إخراجه أو من كشفه، وإنما نقول عورة أي يجب أن يستر، لأنه يعور المرأة بالفتنة بالتعلق بها .
وإني لأعجب من قوم يقولون: إنه لا يجوز للمرأة أن تخرج شعرات أو أقل من شعر رأسها، ثم يقولون: يجوز أن تخرج الحواجب الرقيقة الجميلة والأهداب الظليلة السوداء والأحجاب الرقيقة المفرقة، المقرونة حسب رغبة الناس، فهذه لا بأس ولا مانع من إظهارها ؟! ثم ليت الأمر يقتصر على إخراج هذا الجمال وهذه الزينة، بل في الوقت الحاضر يُجمّل بشتى أنواع المكياج من أحمر وغيره .
أنا أعتقد أن أي إنسان يعرف مواضع الفتن ورغبات الرجال لا يمكنه إطلاقاً أن يبيح كشف الوجه مع وجوب ستر القدمين، وينسب ذلك إلى شريعة هي أكمل الشرائع وأحكمها .
ولهذا رأيت لبعض المتأخرين القول بأن علماء المسلمين اتفقوا على وجوب ستر الوجه لعظم الفتنة - كما ذكره صاحب «نيل الأوطار» عن ابن رسلان قال(1): لأن الناس الآن عندهم ضعف إيمان والنساء عند كثير منهن عدم العفاف، فكان الواجب أن يستر هذا الوجه حتى لو قلنا بإباحته، فإن حال المسلمين اليوم تقتضي القول بوجوب ستره؛ لأن المباح إذا كان وسيلة إلى محرم صار محرماً تحريم الوسائل .
وإني لأعجب أيضاً من دعاة السفور بأقلامهم وما يدعون إليه اليوم وكأنه أمر واجب تركه الناس!! بل قد نقول: إنه لو كان أمراً واجباً تركه الناس ما صارت هذه الأقلام تحرر هذه الكلمات وتدعو إليه .
فإذا كان هذا على القول بأنه جائز إنما هو من باب المباح، فكيف نسوغ لأنفسنا أن ندعو ونحن نرى عواقبه الوخيمة فيمن قالوا بهذا القول ؟!
والإنسان يجب عليه أن يتقي الله قبل أن يتكلم بما يقتضيه النظر، وهذه من المسائل التي تفوت كثيراً من طلبة العلم، يكون عند الإنسان علم نظري، ويحكم بما يقتضيه هذا العلم النظري دون أن يرى إلى أحوال الناس ونتائج القوم .
__________
(1) …«نيل الأوطار» (6/245)، بمعناه.(4/316)
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أحياناً يمنع من شيء أباحه الشارع؛ جلباً للمصلحة، كان الطلاقُ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاقُ الثلاثِ واحدة ً - أي أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثاً بكلمة واحدة جعلوا ذلك واحداً، أو بكلمات متعاقبات على ما اختار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الراجح؛ فإن هذا الطلاق يعتبر واحداً، لكن لما كثر هذا في الناس - قال أمير المؤمنين عمر: إن الناس قد تَعَجَّلُوا في أَمْرٍ كانت لهم فيه أَنَاة: فلو أَمْضَيْنَاهُ عليهم، فأَمْضَاهُ عليهم(1)، ومنعهم من مراجعة الزوجات؛ لأنهم تعجلوا هذا الأمر، وتعجُّله حرام.
أقول: حتى لو قلنا بإباحة كشف الوجه، فإن الأمانة العلمية والرعاية المبنية على الأمانة تقتضي ألا نقول بجوازه في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن، وأن نمنعه من باب تحريم الوسائل، مع أن الذي يتبين من الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن كشف الوجه محرم تحريم المقاصد لا تحريم الوسائل، وأن تحريم كشفه أولى من تحريم كشف القدم أو الساق أو نحو ذلك .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي (3/219-223)
شَرَفُ المرأة وعفافُها لا يُغْنِي عن حِجَابها
س1: كثيراً ما نسمع دعوات موجهة للمرأة تدعوها لخلع الحجاب، وتقول لها: ( إن المرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال بشرفها في حصن حصين لا تمتد إليها الأعناق)، وربما تخدع بعض النساء بهذا الكلام؛ فما تعليقكم على هذا ؟ جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …مسلم (1472) بنحوه.(4/317)
ج1: تعليقنا هو أن هذه دعوة باطلة؛ مُصَادِمَة للكتاب والسنة والعقل والطبيعة الإنسانية، فإن كل امرأة تبدو كاشفة الوجه حاسرة عن مفاتنها لابد أن يتعلق بها الرجال مهما كانوا، ولابد أن تؤذى مهما كانت عفيفة، وربما يغويها الشيطان، ويجُرُّها إلى الفاحشة: إما لهوًى في نفسها مع كثرة المحاولة من أهل الفسوق، وإما للضغط عليها حتى تأتي على ما يريدون. وإذا كانت المرأة شريفة فإن شرفها يزداد إذا تحجبت الحجاب الشرعي، الذي يتضمن أول ما يتضمن تغطية الوجه، وهذا أمر معلوم بالعقل والفطرة، والطبيعة الإنسانية. إن الرجال مَيَّالون إلى النساء، ولا أحد أشرف ولا أعفّ من نساء الصحابة رضي الله عنهم(1)؛ ومع ذلك أُمرن بالحجاب .
الشيخ ابن عثيمين - ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة، ص (70، 71)
س2: رجل متزوج وله أبناء، زوجته تريد أن ترتدي الزي الشرعي وهو يعارض ذلك، فبماذا تنصحونه بارك الله فيكم ؟
ج2: إننا ننصحه أن يتقي الله عز وجل في أهله، وأن يحمد الله عز وجل الذي يسر له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن، وإذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار - في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *} [التحريم] .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حمّل الرجل المسؤولية في أهله؛ فقال: "وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(2).
__________
(1) …بل ولا من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
(2) …البخاري (893) وأطرافه فيه، ومسلم (1829) .(4/318)
فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزِّيَّ الشرعي في اللباس إلى زِيٍّ مُحَرَّم يكون سبباً للفتنة بها ومنها ؟! فليتق الله تعالى في نفسه، وليتق الله في أهله، وليحمد الله على نعمته، أن يَسَّرَ له مثل هذه المرأة الصالحة .
وأما بالنسبة لزوجته فإنه لا يَحِلُّ لها أن تطيعه في معصية الله أبداً؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
الشيخ ابن عثيمين - نور على الدرب - مكتبة الضياء، ص (80)
هل تُطِيعُ المرأة زوجها في كَشْفِ وجهها ؟
تزوجت رجلاً وبعد الزواج طلب مني ألا أستر وجهي عن إخوانه وإلا طلقني !! فماذا أفعل وأنا خائفة من الطلاق ؟
لا يجوز للرجل أن يُفسح المجال لزوجته في السفور للرجال، ولا يليق به أن يكون هكذا ضعيفاً ومتساهلاً مع أهله حتى تكشف وجهها لإخوانه أو لأعمامه أو لزوج أخته أو لبني عمّها ونحوهم ممن ليس مَحْرَماً لها، فهذا لا يجوز، وليس لها طاعته، إنما الطاعة في المعروف؛ بل عليها أن تتحجب وتتستر ولو طلقها. فإن طلقها فسوف يرزقها الله خيراً منه - إن شاء الله - قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا *} [النساء] ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ تَرَكَ شيئاً للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خيراً مِنْهُ"(1)، وقال عز وجل: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطلاق، من الآية: 4] . ولا يجوز للزوج أن يتوعدها بالطلاق إذا تحجبت وتعاطت ما هو من أسباب العفة والسلامة . نسأل الله العافية .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (131، 132)
حكم السفور خارج الوطن
__________
(1) …أبو نعيم في «الحلية» (2/196) بنحوه . قال العجلوني في «كشف الخفاء» (2199): رواه أبو نعيم عن ابن عمر وقال: «غريب؛ ولكن له شواهد .. إلخ» .(4/319)
في أوقات سفرنا إلى خارج المملكة: هل يجوز أن أكشف وجهي وأرمي الحجاب لأننا بعدنا عن بلدنا ولا أحد يعرفنا ؟ لأن والدتي تعمل المستحيل وتحرض والدي على أن يجبرني على كشف وجهي؛ لأنهم يعتبروني عندما أغطي وجهي أنني ألفت النظر إليهم. راجية منك يا والدي الشيخ أن تجيب عن أسئلتي في مجلة الدعوة حتى أتمكن من إطلاعهم عليها. وفقكم الله ورعاكم لما فيه خير هذا الدين القويم .
لا يجوز لك ولا لغيرك من النساء السفور في بلاد الكفار، كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين؛ بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواء كانوا مسلمين أو كفاراً، بل وجوبه عن الكفار أشد؛ لأنه لا إيمان لهم يحجزهم عن ما حرم الله، ولا يجوز لك ولا لغيرك طاعة الوالدين ولا غيرهما في فعل ما حرم الله ورسوله، والله سبحانه يقول في كتابه المبين في سورة الأحزاب: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الآية: 53] ؛ فبين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن تحجب النساء عن الرجال غير المحارم أطهر لقلوب الجميع.
وقال سبحانه في سورة النور: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} إلى أن قال سبحانه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ} [النور من الآية:31].
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة، العدد (870)
صوت المرأة ليس بِعَوْرَةٍ في الأصل
يقال إن صوت المرأة عورة؛ فهل هذا صحيح ؟(4/320)
المرأة موضع قضاء وطر الرجال، فهم يميلون إليها بدافع غريزة الشهوة؛ فإذا تغنجت في كلامها زادت الفتنة، ولذلك أمر الله المؤمنين إذا سألوا النساء حاجة أو متاعًا أن يسألوهن من وراء حجاب - فقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزاب من الآية:53] ، ونهى النساء إذا خاطبن الرجال أن يخضعن بالقول لئلا يطمع الذي في قلبه مرض - كما في قوله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب، من الآية: 32] .
فإذا كان هذا هو الشأن والمؤمنون في قوة إيمانهم وعزته؛ فكيف بهذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان وقل التمسك بالدين ؟! فعليك الإقلال من مخالطة الرجال الأجانب وقلة التحدث معهم إلا في حاجة ضرورية مع عدم الخضوع واللين في القول؛ للآية المذكورة .
وبهذا تعلمين أن الصوت المجرد والذي ليس معه خضوع ليس بعورة؛ لأن النساء كن يكلمن النبي صلى الله عليه وسلم ويسألنه عن أمور دينهن، وهكذا كن يكلمن الصحابة في حاجتهن ولم ينكر ذلك عليهن.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/203)
حكم المكالمات الهاتفية لِلتَّسْلِيَة مع غير المَحَارِم
ما الحكم فيما لو قام شاب غير متزوج وتكلم مع شابة غير متزوجة في التليفون ؟
لا يجوز التكلم مع المرأة الأجنبية بما يثير الشهوة كمُغازَلَةٍ وَتَغَنُّجٍ وخضوع في القول؛ سواء كان في التليفون أو في غيره؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}[الأحزاب، من الآية: 32]. فأما الكلام العارض لحاجة - فلا بأس به؛ إذا سلم من المفسدة، ولكن بقدر الضرورة.(4/321)
الشيخ ابن جبرين - فتاوى المرأة، ص (127)
حكم صداقة المرأة للأجنبي بحجة كون الصداقة شريفة
ما حكم الشرع في الصداقة مع الجنس الآخر؛ بمعنى: أن تتخذ الفتاة صديقاً أو العكس ؟ مع العلم أن هذه الصداقة شريفة عفيفة، يعلم بها الجميع، وليست في الخفاء.
هذا من أعظم المُحرَّمات، وأشد المنكرات، فلا يجوز للمرأة أن تصادق الرجال الذين ليسوا من مَحَارِمِها أو العكس؛ لأن ذلك وسيلة إلى الفتنة والوقوع في الفاحشة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/66، 67)
حكم المراسلات بين الرجال والنساء الأجانب
ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات؛ علماً بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام ؟
لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لايزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به. وقد أَمَرَ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَمِعَ الدَّجَّالَ أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يَأْتِيهِ وهو مُؤْمِنٌ؛ ولكن لا يَزَالُ به الدجال حتى يَفْتِنَهُ(1).
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير ويجب الابتعاد عنها؛ وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام . أما مراسلة الرجال للرجال والنساء للنساء، فليس فيها شيء إلا أن يكون هناك أمر محظور .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى المرأة المسلمة، ص (578)
تحريم العلاقات بين الجِنْسَيْن قبل العقد الشرعي
ما حكم الدين في العلاقات بين الجنسين قبل الزواج ؟
__________
(1) …أحمد (4/331)، 441، وأبو داود (4319)، والطبراني في «الكبير» 18/ 220، 221، 227 (550، 551، 552، 564)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» 7/488 (37459)، والبزار (3590)، والحاكم 4/531 (8615، 8616) وصححه وسكت عنه الذهبي. وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3629).(4/322)
قول السائلة: قبل الزواج؛ إن أرادت قبل الدخول وبعد العقد فلا حرج؛ لأنها بالعقد تكون زوجته، وإن لم تحصل مراسيم الدخول. وأما إن كان قبل العقد أثناء الخطبة أو قبل ذلك فإنه مُحَرَّم ولا يجوز . فلا يجوز لإنسان أن يستمتع مع امرأة أجنبية منه: لا بكلام ولا بنظر ولا بخلوة، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" (1) .
والحاصل: أنه إذا كان هذا الاجتماع بعد العقد فلا حرج فيه، وإن كان قبل العقد ولو بعد الخطبة والقبول فإنه لا يجوز وهو حرام عليه؛ لأنها أجنبية وحتى يعقد له عليها .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى المرأة، ص (118)
حكم جلوس المرأة مع أقارب زوجها
هل يجوز للمرأة أن تجلس مع أقارب زوجها وهي محجّبة حجاب السنة ؟
يجوز للمرأة أن تجلس مع أخي زوجها أو بني عمها أو نحوهم إذا كانت محجبة الحجاب الشرعي، وذلك بستر وجهها وشعرها وبقية بدنها؛ لأنها عورة وفتنة؛ إذا كان الجلوس المذكور ليس فيه ريبة ولا خلوة بأحد منهم. أما الجلوس الذي فيه خلوة أو تهمة لها بالشرّ فلا يجوز. وهكذا الجلوس معهم لسماع الغناء وآلات اللهو ونحو ذلك. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (157، 158)
حكم اقتناء مجلات الأزياء
ما حكم شراء مجلات عرض الأزياء ( البردة ) للاستفادة منها في بعض موديلات ملابس النساء الجديدة والمتنوعة ؟ وما حكم اقتنائها بعد الاستفادة منها وهي مليئة بصور النساء ؟
__________
(1) …البخاري (1862) وأطرافه عنده، ومسلم (1341) .(4/323)
لا شك أن شراء المجلات التي ليس بها إلا صور محرم؛ لأن اقتناء الصور حرام؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ" (1)؛ ولأنه لَمَّا شاهد الصورة في النُّمْرُقَة عند عائشة رضي الله عنها وقف ولم يدخل، وعُرفت الكراهية في وجهه(2).
وهذه المجلات التي تعرض الأزياء يجب أن ينظر فيها؛ فما كل زِيٍّ يكون حلالاً، قد يكون هذا الزِّيُّ متضمناً لظهور العورة إما لضيقه أو لغير ذلك، وقد يكون هذا الزي من ملابس الكفار التي يختصون بها، والتشبه بالكفار محرم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(3).
فالذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة ونساء المسلمين خاصة أن يتجنبن هذه الأزياء؛ لأن منها ما يكون تشبهاً بغير المسلمين، ومنها ما يكون مشتملاً على ظهور العورة. ثم إن تطلع النساء إلى كل زي جديد يستلزم في الغالب أن تنتقل عاداتنا التي منبعها ديننا إلى عادات أخرى متلقاة من غير المسلمين .
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة مهمة أجاب عنها فضيلته، ص (24)
حكم المجلات التي فيها صور النساء
ما حكم إصدار مجلات تظهر فيها النساء سافرات وبطريقة مغرية، وتهتم بأخبار الممثلين والممثلات ؟ وما حكم من يعمل في هذه المجلات ومن يساعد على توزيعها ومن يشتريها ؟
__________
(1) …البخاري (3225) وأطرافه عنده، ومسلم (2106) .
(2) …البخاري (2105) وأطرافه عنده، ومسلم (2107). والنُّمْرُقة: هي الوِسادة.
(3) …أحمد (2/50، 92)، وأبو داود (4031) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والبزار (2966)، والطبراني في «الأوسط» (8327) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، بسندٍ ضعيف؛ لكن له شواهد تبلغ به مرتبة الحسن. انظر: «فيض القدير» 6/105 (8593).(4/324)
لا يجوز إصدار المجلات التي تشتمل على نشر الصور النسائية أو الدعاية إلى الزنا والفواحش أو اللواط أو شرب المسكرات، أو نحو ذلك مما يدعو إلى الباطل ويعين عليه. ولا يجوز العمل في مثل هذه المجلات لا بالكتابة ولا بالترويج؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، ونشر الفساد في الأرض، والدعوة إلى إفساد المجتمع، ونشر الرذائل. وقد قال الله عز وجل في كتابه المبين: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة، من الآية: 2] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا"(1) .
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ؛ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا؛ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" (2) .
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . نسأل الله أن يوفق المسلمين لما فيه صلاحهم ونجاتهم، وأن يهدي القائمين على وسائل الإعلام وعلى شؤون الصحافة لكل ما فيه سلامة المجتمع ونجاته، وأن يعيذهم من شرور أنفسهم ومن مكائد الشيطان؛ إنه جواد كريم .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة، العدد (1032)
__________
(1) …مسلم (2674) .
(2) …مسلم (2128) . والبُخْت: الإبل الخراسانية، وهي جمال طوال الأعناق.(4/325)
شرح عبارة : "كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ" الواردة في الحديث
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ"(1) ؟
معنى قوله: "كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ" : أن هؤلاء النسوة عليهن كسوة، لكنها لا تفيد في ستر المرأة .
قال العلماء: مثل أن تكون الكسوة هذه خفيفة يرى من ورائها الجلد، فهذه كاسية ولكنها عارية، ومثل أن تكون الثياب عليها ثياب ثخينة لكنها قصيرة، فهذه أيضاً كاسية عارية، مثل أن تكون الثياب ضيقة بحيث تلصق على الجلد وتبدو المرأة وكأنه لا ثياب عليها، فهذه أيضاً كاسية عارية، وهذا بناء على أن المراد بالكسْوَةِ والعُرْيِ المعنى الحِسِّي .
أما إذا أريد به المعنى المعنوي، فإن المراد بالكاسيات: اللاتي يظهرن العفاف والحياء، والعاريات اللاتي يخفين الفجور ولا يبين أمرهن للناس، فهن كاسيات من وجهٍ وعاريات من وجه .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس فتاوى الحرم المكي (3/219)
حكم النظر إلى النساء في وسائل الإعلام
ما حكم النظر من قبل الرجال في وجوه وأجسام النساء الممثلات أو المغنيات المعروضة على شاشات التلفزيون أو السينما أو الفيديو أو الصورة على الورق ؟
يحرم النظر؛ لما يسبب ذلك من الفتنة بها، والآية الكريمة في سورة النور - وهي قوله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *} [النور] - تعم النساء المصوَّرات وغيرهن؛ سواء كن في الأوراق أو شاشة التلفاز أو في غير ذلك .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة، العدد (923)
حكم لبس الثوب المفتوح من أسفله للمرأة
ما حكم الفتحة التي تجعلها بعض النساء في أسفل ثيابهن بحيث تنكشف سيقانهن ؟ وما حكم هذه الفتحة إذا كانت المرأة تلبس جوربًا ساترًا بحيث لا يظهر لون جلد ساقها إنما يظهر شكلها فقط ؟
__________
(1) …مسلم (2128).(4/326)
الذي أرى ألا تلبس النساء هذا الثوب إذا خرجت إلى السوق؛ لأنه سينكشف ما تحته سواء أكان مستورًا بالجورب أو لم يكن، لأنه يصف حجم الساق إذا كان مستورًا بالجورب . ويبدي بشرة الساق إذا لم يكن مستورًا، وكلما كانت ثياب المرأة أستر لها فإنها أفضل .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/72، 73 )
حكم لبس الثوب الضيق والأبيض للمرأة
هل يجوز للمرأة لبس الثوب الضيق ؟ وهل يجوز لها لبس الثوب الأبيض ؟
لا يجوز للمرأة أن تظهر أمام الأجانب أو تخرج إلى الشوارع والأسواق وهي لابسة لباسًا ضيقًا، يحدد جسمها ويصفه لمن يراها؛ لأن ذلك يجعلها بمنزلة العارية، ويثير الفتنة، ويكون سبب شر خطير.
ولا يجوز لها أن تلبس لباسًا أبيض إذا كانت الملابس البيضاء في بلادها من سيما الرجال وشعارهم - لما في ذلك من تشبهها بالرجال؛ وقد لَعَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ(1) .
اللجنة الدائمة - فتاوى المرأة، ص (165)
حكم اللباس الضَّيِّق وغير السَّاتِر لمنسوبات المستشفيات
بعض منسوبات المستشفى من طبيبات أو ممرضات أو عاملات نظافة يلبسن لباساً ضيقاً، ويكشفن عن نحورهن وسواعدهن وسوقهن .. ما حكم الشرع في ذلك ؟
__________
(1) …البخاري (5885).(4/327)
الواجب على الطبيبات وغيرهن من ممرضات وعاملات أن يتقين الله تعالى وأن يلبسن لباساً محتشماً لا يبين معه حجم أعضائهن أو عوراتهن؛ بل يكون لباساً متوسطاً لا واسعاً ولا ضيقاً، ساتراً لهن ستراً شرعياً مانعاً من أسباب الفتنة؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزَاب، من الآية: 53]، وقوله: {ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ}[النُّور، من الآية: 31]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا؛ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" (2)، وهذا وعيد عظيم. أما الرجال الذين بأيديهم سياط فهؤلاء هم الذين يوكل إليهم أمر الناس فيضربونهم بغير حق؛ من شرطة أو جنود أو غيرهم . فالواجب ألا يضربوا الناس إلا بحق.
أما النساء الكاسيات العاريات فهن اللاتي يلبسن كسوة لا تسترهن؛ إما لقصرها وإما لرقتها، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة؛ مثل أن يكشفن رؤوسهن أو صدورهن أو سيقانهن أو غير ذلك من أبدانهن، وكل هذا نوع من العري .
__________
(1) …جزء من حديث أخرجه: الترمذي (1173)، وقال: «حسن غريب»، وابن خزيمة (1685، 1686)، وابن حبان (5598، 5599) وآخرون.
(2) …مسلم (2128). والبُخْت: الإبل الخراسانية، وهي جمال طوال الأعناق.(4/328)
فالواجب تقوى الله في ذلك، والحذر من هذا العمل السيىء وأن تكون المرأة مستورة بعيدة عن أسباب الفتنة عند الرجال، وشرع لها ذلك بين النساء تكون لابسة لباس حشمة حتى يقتدى بها بين النساء، والواجب تقوى الله على الطبيب والطبيبة والمريض والمريضة والممرض والممرضة، لابد من تقوى الله في حق الجميع، كما أن الواجب على الطبيبات والممرضات تقوى الله في ذلك، وأن يكنَّ محتشمات متسترات بعيدات عن أسباب الفتنة. والله الهادي إلى سواء السبيل .
الشيخ ابن باز - فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة - ص (18 - 21)
حكم لبس البنطلون للنساء
س1: ما حكم لبس ( البنطلون ) الذي انتشر في أوساط النساء مؤخرًا ؟
ج1: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
قبل الإجابة على هذا السؤال أوجه نصيحة إلى الرجال المؤمنين: أن يكونوا رعاة لمن تحت أيديهم من الأهل من بنين وبنات وزوجات وأخوات وغيرهن، وأن يتقوا الله تعالى في هذه الرعية، وألا يدعوا الحبل على الغارب للنساء اللاتي قال في حقهن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" (1) .
__________
(1) …البخاري (304، 1462)، ومسلم (79) .(4/329)
وأرى ألا ينساق المسلمون وراء هذه الموضة من أنواع الألبسة التي ترد إلينا من هنا وهناك، وكثير منها لا يتلاءم مع الزي الإسلامي الذي يكون فيه الستر الكامل للمرأة؛ مثل الألبسة القصيرة أو الضيقة جدًا أو الخفيفة، ومن ذلك البنطلون ؛ فإنه يصف حجم رجل المرأة وكذلك بطنها وخصرها وثدييها وغير ذلك، فلابسته تدخل تحت الحديث الصحيح: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا؛ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" (1) .
فنصيحتي لنساء المؤمنين ولرجالهن: أن يتقوا الله عز وجل، وأن يحرصوا على الزي الإسلامي الساتر، وألا يضيعوا أموالهم في اقتناء مثل هذه الألبسة. والله الموفق .
2: يا فضيلة الشيخ: حجتهم بهذا أن البنطال فضفاض وواسع بحيث يكون ساترًا ؟!
ج2: حتى وإن كان واسعًا فضفاضًا؛ لأن تمييزك رجل عن رِجل يكون به شيء من عدم الستر، ثم إنه يخشى أن يكون ذلك أيضًا من تشبه النساء بالرجال؛ لأن البنطال من ألبسة الرجال .
الشيخ ابن عثيمين - الدعوة، العدد (1/1476) - 18 /8/1415هـ
لبس القصير أمام الأولاد .. هل هو جائز ؟
لديّ أربعة أولاد وأنا ألبس أمامهم القصير . . . فما حكم ذلك ؟
لا يجوز للمرأة أن تلبس القصير من الثياب أمام أولادها ومحارمها، ولا تكشف عندهم إلا ما جرت العادة بكشفه مما ليس فيه فتنة، وإنما تلبس القصير عند زوجها فقط .
الشيخ الفوزان - المنتقى (2/170)
حكم اللباس القصير للبنات الصغيرات
__________
(1) …مسلم (2128). والبُخْت: الإبل الخراسانية، وهي جمال طوال الأعناق.(4/330)
بعض النساء هداهن الله يلبسن بناتهن الصغيرات ثياباً قصيرة تكشف عن الساقين .. وإذا نصحنا هؤلاء الأمهات قلن: نحن كنا نلبس ذلك من قبل ولم يضرنا ذلك بعد أن كبرنا، فما رأيكم بذلك ؟
أرى أنه لا ينبغي للإنسان أن يلبس ابنته هذا اللباس وهي صغيرة؛ لأنها إذا اعتادته بقيت عليه وهان عليها أمره . أما لو تَعَوَّدت الحِشْمَة من صغرها بقيت على تلك الحال في كبرها . والذي أنصح به أخواتنا المسلمات أن يتركن لباس أهل الخارج من أعداء الدين، وأن يعودن بناتهن على اللباس الساتر وعلى الحياء، فالحياء من الإيمان .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى المرأة، ص (177) - جمع محمد المسند
حكم لبس الثوب الذي عليه صليب
كثر في الآونة الأخيرة انتشار رسم الصليب بأشكاله المختلفة على الملابس النسائية؛ سواء ما كان منها أقمشة أو ملابس جاهزة، ونرى كثيراً من النساء لا يبالين بارتداء هذه الملابس . . فما حكم لبسها ؟ علماً بأنه قد نسب إلى فضيلتكم القول بأنه يجوز لبسها وخلعها عند الصلاة.. فهل هذا صحيح؟
كذلك إذا تم شراؤها دون علم بالصليب الموجود بها.. فماذا يعمل بها إذا رفض البائع إرجاعها ؟ نرجو توضيح ذلك .
ما نسب إلينا من جواز لبس الثياب التي عليها صليب غير صحيح؛ فنحن لا نفتي بجواز لبس ما عليه الصليب لا في الصلاة ولا خارج الصلاة، ولكن من ابتلي بشراء شيء من ذلك فإنه يطمس الصليب إن أمكن، وإلا رمى بالثوب وترك لبسه .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى معاصرة، ص (45)
حكم تشبُّه المرأة بالرجل في اللباس(4/331)
علمت بحديث: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ»(1) فهل ينطبق الحديث على التي تلبس البنطلون والبلوزة (القميص) والجينز وغيرها من لباس الرجال المعروفة حالياً في كثير من بلاد المسلمين ؟ هل ينطبق عليها الحديث إذا لبسته أمام زوجها وأبنائها وإخوانها فقط؛ لأن لعن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء دون تحديد لبسه أمام أحد ؟
لا يجوز لها لباس هذه الأكسية التي يلبسها الرجال، فذلك من اللبس المذموم، الذي فيه التشبه بالرجال، وورد فيه اللعن في الحديث، ولو كانت عند النساء، أو عند المحارم فقط، فإن هذا يسبب اعتيادها، وصيرورة ذلك محبوباً لديها، ويجرها إلى أن تلبسه عند الأجانب، وفي الحفلات، وترى ذلك فخراً وميزة وشرفاً، فتدخل في هذا الوعيد الشديد . أما إذا كانت عند الزوج وحده فلا مانع من لبس ذلك؛ لأن لها أن تتكشف عنده وله أن ينظر إلى جميع جسدها، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (90)
حكم إزالة الشَّعر من جسم المرأة
__________
(1) …أحمد (8/110)، وأبوداود (4098)، والنسائي في "الكبرى" (9253)، والطبراني في "الأوسط" (984)، والحاكم 4/194 (7415) وصححه وسكت عنه الذهبي. وصححه الألباني في "صحيح أبي داوود" (3454).(4/332)
نحن نعلم أنَّ الله - سبحانه وتعالى - لا يرضى بأن يغيِّر الإنسان من خِلقته، والشَّيطان - نعوذ بالله من شرِّه - قال: إنه سيأمر بني آدم أن يغيروا من خلق الله، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه أنَّه: لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ(1)، وفي نهاية الحديث قال صلى الله عليه وسلم : "الْمُغَيِّراتِ خَلْقَ الله"؛ وكأنَّ علَّة اللَّعن هي تغييرهن لخلق الله . وأعلم أن هناك أنواعاً من التغيير محمودة ومحثوث عليها، وهي التي من الفطرة، وأذكر منها: الختان، وقص الشارب، وحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الأظافر، وأنه رخص لنا في تركها أربعين يوماً، وهناك تغييرات منصوص على كراهيتها بدليل اللعن عليها، وهناك تغييرات منصوص على استحبابها والحث عليها إذ هي من الفطرة . بقيت أمور اشتبه عليّ أمرها؛ وأقصد: إزالة الشعر الزائد في الذراعين والرجلين؛ فهل تعتبر إزالته من التغيير بعامَّة في خلق الله ؟ وبالتالي ينبغي عدم إزالته . أو نعتبره من الأمور المشتبهات التي لا يظهر تحريمها ولا إباحتها ؟ وبالتالي لا نزيله أيضاً استبراء لديننا ؟ أم نعتبر أنها من الأمور التي سكت عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، فتكون لنا عافية ورخصة فنزيله ؟ أم يوجد نص آخر لم أعثر عليه يصرح بالنهي أو الإباحة ؟ ولماذا لا نعتبر هذا الأمر من المشتبهات ؟ ولماذا لا نعتبره من الأمور المسكوت عنها ؟ وقد سمعت أن هناك رأياً أنه يمكن إزالة هذا الشعر بالقص أو الحلق حتى لا نقع في التغيير؛ لكني أريد معرفة ذلك بالدليل ؟
__________
(1) …البخاري (4886) وأطرافه عنده، ومسلم (2122- 2125). والوَصْل: هو وَصْلُ شعر الرأس بشعرٍ آخر. والنَّمْص: هو نتف شعر الوجه أو الحاجبين. وأما الوَشْم: فهو أن يُغْرَز الجِلدُ بإبرة، ثم يُحْشَى بكُحْلٍ أو نِيلٍ، فيزرَقّ أَثَرُهُ أو يَخْضَر.(4/333)
هذا السؤال في الحقيقة يتضمن الجواب؛ إذ أن أحداً لو أراد أن يجيب بأكثر من هذه الاحتمالات التي ذكرتها السائلة فلن يستطيع فيما يظهر.
فتغيير الخلق منه ماهو مأمور به كسنن الفطرة، ومنه ما هو منهي عنه كالنمص وتفليج الأسنان والوشم وما أشبهها، ومنه ما هو مسكوت عنه كشعر الساقين والذراعين والكفين والقدمين وما أشبه ذلك .
وهذا المسكوت عنه فيه الاحتمالات التي ذكرتها السائلة، والأصل في التغيير التحريم؛ لأنه من أوامر الشيطان؛ فالواجب الكف عنه وتركه .
أو نقول: إنَّ هذا مما سكت الشارع عنه؛ لأنَّ الشارع لما نصَّ على أشياء ممنوعة وأشياء مأمور بإزالتها، وسكت عن هذا، دلَّ على أنه لا بأس به؛ لأنَّه لو كان من قسم الممنوع لنبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى بلفظ عام يدخل فيه الكل، ولو كان من المأمور به لنص عليه أيضاً، فيكون معفواً عنه بقرينة ذكر القسم الممنوع؛ لأن ذكر القسم الممنوع يقتضي أن ما سواه إما مأمور به وإما معفوٌ عنه.
ولا ريب أنَّ الاحتياط تركه وعدم التعرض له، إلا إذا كثر بحيث يشوِّه خلقة المرأة حتى يجعل يدها كيد الرجل، أو يجعل رجلها كرجل الرجل وما أشبه ذلك، مما قد تعافه نفس الزوج، ففي هذه الحال لا ريب أن إزالته جائزة، وسواء أزيل بالقص أو بالدهان بما يزيل الشعور أو غير ذلك . هذا هو حكم المسألة فيما أراه، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
الشيخ ابن عثيمين - نور على الدرب (الحلقة الثانية)، ص (47، 48)
حكم إزالة الشعر من وجه المرأة
ما حكم إزالة الشعر الذي ينبت في وجه المرأة ؟
هذا فيه تفصيل: إن كان شعراً عادياً فلا يجوز أخذه؛ لحديث: لَعَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّامِصَةَ والمُتَنَمِّصَة... (1) الحديث .
__________
(1) …البخاري (4886)، ومسلم (2125) بنحوه .(4/334)
والنَّمْص: هو أخذ الشعر من الوجه والحاجبين . أما إن كان شيئاً زائداً يعتبر مثله تشويها للخلقة كالشارب واللحية - فلا بأس بأخذه ولا حرج؛ لأنه يشوه خلقتها ويضرها .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث - العدد (37)، ص (170، 171)
حكم فرق الشعر بطريقة متعرجة
بعض النساء في هذه الأيام يقمن بتمشيط شعر رؤوسهن بطريقة جديدة، وذلك بفرقه من منتصف الرأس بطريقة متعرجة غير مستقيمة كما هو معروف، وقد ذكر أحدهم أنها حرام؛ لأنها من فعل الجاهلية.. فهل هذا صحيح ؟ أفتونا مأجورين .
الطريقة المتبعة عند نساء المسلمين فرق الشعر من نصف الوجه والرأس، وجعل الشعر نصفين يميناً وشمالاً، ثم تسريحه وجعله ذوائب تفتل من أعلاه المتصل بالرأس - كما قالت أم عطية رضي الله عنها في غسل بنت النبي صلى الله عليه وسلم - وقبل التكفين - قالت: فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلاثةَ قُرُونٍ وأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا(1)، وذكرت عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يسرح شعر رأسه، وكان يُسْدِلُه موافقة لليهود، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه بشيء، قالت: ثم إنه فَرَقَهُ بعد ذلك(2).
فأما هذه الفرقة المتعرجة فأرى أنها لا تجوز، وأنها تشبه بالكافرات، أو من فعل الجاهلية الأولى، أو جاهلية هذا الزمان المقلدين لنساء الغرب، ولهذا يكثر منهن التغير، ففي كل زمان تحدث موضة جديدة، يتركون معها ماسبق من العادات.
فأرى هذا من التقليد الأعمى، وأن الاتباع في الفرقة والتسريح هو ما عليه نساء المؤمنات سابقاً من تربية الشعر والعناية بمشطه وتسريحه وفتله ونحو ذلك. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه، وعليها توقيعه وختمه
حكم تغيير المرأة لون شعرها
__________
(1) …البخاري (1254، 1259، 1260، 1262، 1263)، ومسلم (939).
(2) …البخاري (3558، 3944، 5917)، ومسلم (2336) باختلاف يسير، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.(4/335)
ما حكم تغيير شعر الرأس باللون الأحمر أو الأصفر أو لون آخر ؟
أما تغيير المرأة لون رأسها بألوان متنوعة فهو موضة جديدة كما يقال، ويعبرون عنه بالميش، وقد تلقوه من الوافدين من نساء الغرب اللاتي يبدون أمام الرجال حاسرات عن الرأس والوجه وقد صبغن الشعر بعضه بأحمر وبعضه بأصفر وبعضه بأزرق . . إلخ، والقصد أن يلفتن النظر وأن يفتن الشباب . ومع أن هذا تمثيل وتقبيح فقد قلدهن نساء من أهل الوطن، وقد ألزمهن أزواجهن بذلك؛ لما رأوا أولئك النساء بتلك الصورة تعلقت نفوسهم بها فأحبوا أن يظهروها في زوجاتهم - رغم أن هذا التمثيل والتلوين يقبح المنظر ويشوه المظهر . وقد ورد في الحديث النهي عن التمثيل بالشعر، والنهي عن وصل الشعر، والنهي عن الصبغ بالسواد إذا كان الشعر أبيض، والرخصة في صبغ الشيب بالحُمْرَة؛ أي بالحِنَّاء والكَتَم فقط، فيقتصر على الوارد. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - النخبة من الفتاوى النسائية، ص (25-30)
حكم خلطة شعر معينة؛ وقاعدة في التحليل والتحريم
توجد خلطة حناء تباع في الأسواق من مواد طبيعية، وهذه الخلطة مقسمة إلى ثلاثة أكياس لاستعمالها على ثلاث مراحل، ويستمر مفعولها لمدة ستة أشهر، ومن مميزات هذه الخلطة أنها تنعم الشعر وتفرده وتغذيه وتطوله وتجعله أكثر لمعانًا، هذا حسب ما هو مكتوب عليها، وقد استفاد منها بعض الناس. لكن هذه الخلطة تجعل الشعر أسود أما الشيب فيظل أبيض لا يصطبغ منها؛ لذا فإني أحني شعري مرة أخرى بحناء حمراء حتى يصطبغ الشيب وحتى يصبح لون شعري أسود يميل إلى الاحمرار؛ لأنني أعلم أنه لا يجوز صبغ الشعر بالصبغ الأسود وفيه تشبه بالكفار .
س: هل يجوز لي أن أستمر في استعمال تلك الخلطة أم أتركها ؟ أفيدوني أفادكم الله .(4/336)
لا بأس أن تستمر في استعمال هذه الخلطة؛ لأن الظاهر مما ساقته في سؤالها أنه لا محظور فيها، وينبغي أن تعلم أن الأصل فيما عدا العبادات: الحِلّ حتى يقوم دليل على المنع، فإذا شككت في شيء: هل هو حرام أم حلال؟ وهل هو مشروع أو غير مشروع ؟ فإن كان من العبادات فالأصل المنع؛ فلا تُقدمي عليه حتى يتبيَّن لك أنَّه مشروع. وإن كان من غير العبادات فلك أن تقدمي عليه؛ لأن الأصل الحِلّ - لقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَْرْضِ جَمِيعًا}[البَقَرَة، من الآية: 29]، وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الأعرَاف، من الآية: 32] .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/73، 74 )
تحريم استعمال الباروكة
هل يجوز للمرأة أن تستعمل الباروكة - وهي الشعر المستعار - لزوجها ؟ وهل يدخل ذلك تحت النهي عن الواصل والمتصل ؟
الباروكة محرَّمة وهي داخلة في الوصل، وإن لم يكن وصلاً فهي تظهر رأس المرأة على وجه أطول من حقيقته فتشبه الوصل؛ وقد «لَعَنَ النبي صلى الله عليه وسلم الوَاصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَة»(1). لكن إن لم يكن على الرأس شعر أصلاً - كأن تكون قرعاء - فلا حرج من استعمال الباروكة ليستر هذا العيب؛ لأن إزالة العيوب جائزة؛ ولهذا أَذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم لِمَنْ قُطِعَت أَنْفُهُ في إحدى الغَزَوَاتِ أن يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ(2).
__________
(1) …البخاري (5941)، ومسلم (2122) .
(2) …أبو داود (4232)، والترمذي (1770) وقال: «حسن غريب»، والنسائي (5164، 5165).(4/337)
المسألة أوسع من ذلك؛ فتدخل فيها إذن مسائل التجميل وعملياته من تصغير للأنف وغيره. والتجمل ليس إزالة عيوب - فإن كان إزالة عيب فلا بأس به، أما إن كان لغير إزالة عيب - كالوشم والنمص مثلاً فهذا هو الممنوع. واستعمال الباروكة حتى لو كان بإذن الزوج ورضاه فهو حرام؛ لأنه لا إذن ولا رضى فيما حرمه الله .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى المرأة، ص (183)
محاذير الكوافيرات
انتشر في الآونة الأخيرة ذهاب بعض الفتيات إلى الكوافيرة؛ وهي التي تصفف الشعر على موضات مختلفة، منها ما اشتهر عند الفتيات بـ (قصّة كاريه) وهي قصّة أخذت من مجلة الأزياء التايلندية المنتشرة في الأسواق، ومنها تجعيد الشعر؛ أي تخشينه على الموضة الأمريكية، ولا يخفى عليكم أن في ذلك تشبهاً بالكافرات.
ومما تقوم به الكوافيرة من وضع المساحيق على الوجه وإزالة شعر الحاجبين وإزالة الشعور الداخلية . وكل ذلك يستغرق الساعات الطويلة والمبالغ الطائلة مما يصل إلى حد الإسراف والتبذير .
نرجو بيان حكم ذلك بالتفصيل لانتشاره بين أكثر الفتيات، لعل الله ينقذ بفتواكم هذه بعض فتياتنا اللاتي انخدعن وجرين وراء الموضة الغربية ونسين أو تناسين أنهن مسلمات يرجون الجنة ويخفن من النار . وجزاكم الله خيراً .
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . . أما بعد:(4/338)
فإنه يجب أن يعرف الإنسان قبل الإجابة على هذا السؤال أن أعداء المسلمين يكيدون للإسلام والمسلمين من كلّ وجه وفي كل زمان . ولا يخفى علينا جميعاً أن الكفار استعمروا كثيراً من بلاد الإسلام بقوة السلاح، ولما أخرجهم الله تعالى منها أرادوا أن يغزوها بفساد الأفكار والأخلاق. والله عز وجل قد بيّن في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم قد بيّن في سُنَّته ما فيه التحذير من موافقة هؤلاء الكفار في أعمالهم مما يختص بهم . قال الله عز وجل: {وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المَائدة، من الآية: 77]، وقال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}[المُمتَحنَة، من الآية: 1]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *}[المَائدة] .
وأنا أسوق هاتين الآيتين - لا لأن هؤلاء يتخذون اليهود والنصارى أولياء ويتخذون أعداء الله أولياء؛ ولكن تشبههم بهم فيما هم عليه من اللباس والهيئة يفضي إلى أن يتخذوهم أولياء؛ يحبونهم ويعظمونهم ويتخطون خطاهم حيثما كانوا . ولهذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر وقال: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(1).
__________
(1) …أحمد (2/50، 92)، وأبو داود (4031) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والبزار (2966)، والطبراني في «الأوسط» (8327) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، بسندٍ ضعيف؛ لكن له شواهد تبلغ به مرتبة الحسن. انظر: «فيض القدير» 6/105 (8593).(4/339)
فعلى المسلمين - وخصوصاً الرجال ذوي الألباب والعقول - عليهم أن يتقوا الله عز وجل في هؤلاء النساء اللاتي وصفهن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" (1)؛ يعني: النساء .
فعلى الرجال أن يمنعوا هؤلاء النساء من السير وراء هذه الموضات الحادثة التي أراد بها محدثوها وجالبوها إلينا أن ننسى الله عز وجل، وأن ننسى ما خلقنا له، وأن لا يكون همنا إلا التشبث بهذه الأشياء والافتتان بهذه الأزياء التي لا تجرّ إلينا إلا البلاء والشرّ والفساد، وكون الإنسان لا يهمه في هذه الحياة إلا أن يشبع رغبته من شهوة فرجه وبطنه .
وأرى أن هذه الكوافيرات فيها عدة محاذير:
* المحذور الأول: ما تفعله الكوافيرات من التحلية بحلي الكفار في الشعر وغيره، ومن المعلوم أن ذلك محرّم؛ لأنه من التشبُّه بهم، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم، كما ثبت فيه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
*…المحذور الثاني: أن عملهن - كما ذكر السائل - يكون فيه النّمْص، والنَّمْصُ قد لَعَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَاعِلَهُ (2)، فلعن النَّامِصَة والمُتَنَمِّصَة . واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله . ولا أعتقد أن مؤمناً أو مؤمنة يرضى أن يفعل فعلاً يكون سبباً لطرده وإبعاده من رحمة الله عز وجل .
__________
(1) …البخاري (304، 1462)، ومسلم (79) .
(2) …البخاري (4886) وأطرافه عنده، ومسلم (2122- 2125). والوَصْل: هو وَصْلُ شعر الرأس بشعرٍ آخر. والنَّمْص: هو نتف شعر الوجه أو الحاجبين. وأما الوَشْم: فهو أن يُغْرَز الجِلدُ بإبرة، ثم يُحْشَى بكُحْلٍ أو نِيلٍ، فيزرَقّ أَثَرُهُ أو يَخْضَر.(4/340)
*…المحذور الثالث: أن في هذا إضاعة لمال كثير بدون فائدة؛ بل إضاعة لمال كثير لما فيه مضرة، فالمرأة المصففة للشعور المحوِّلة لشعور المؤمنات إلى مثل شعور الكافرات أو الفاجرات تأخذ منا أموالاً كثيرة طائلة، لا نجني منها ثمرة سوى التحول إلى موضات قد تكون مدمرة .
*…المحذور الرابع: أن في ذلك تنمية لأفكار النساء أن يَتَّخِذْنَ مثل هذه الحلي التي يتمتع بها نساء الكافرين؛ حتى تميل المرأة بعد ذلك إلى ما هو أعظم من هذا الأمر من تحلل وفساد في الأخلاق .
*…المحذور الخامس: أنه كما ذكر السائل أن هذه الكوافيرات يفعلن بالنساء من هتك العورات ما لا حاجة إليه؛ فإن هذه الكوافيرة تمرّ ما يسمونه بالحلاوة على أفخاذ المرأة وعلى ما حول قُبُلِها حتى تطَّلع عليه بدون حاجة .
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تَنْظُرَ المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ(1). ولا يحل للمرأة أن تنظر إلى عورة المرأة إلا إذا كان هناك حاجة تدعو إلى النظر، وهذا ليس بحاجة .
ثم ما الفائدة من أن نجعل المرأة كأنها صورة من مطاط ليس فيها شيء من الشعر ؟
وما يدرينا لعل في إزالة الشعر الذي أنبته الله بحكمته مضرة على الجلد ولو على المدى البعيد .
ثم ما يدرينا لعل الصواب قول من يقول: إن إزالة الشعر من الساقين والفخذين والبطن لا تجوز؛ لأن هذا الشعر من خلق الله عز وجل وإزالته من تغيير خلق الله؛ وقد أخبر الله عز وجل أن تغيير خلق الله من اتباع أوامر الشيطان . ولم يأمر الله تعالى ولا رسوله بإزالة هذا الشعر . فالأصل أنه محرم لا يزال؛ هكذا ذهب إليه بعض أهل العلم . والذين قالوا بالجواز لا يقولون إن إزالته وإبقاءه على حدّ سواء؛ بل الورع والأولى ألا يزال هذا الشعر، وإن كان ليس بحرام؛ لأن دليل تحريمه ليس بذاك القوي .
__________
(1) …مسلم (338)، وأبو داود (4018)، والترمذي (2793)، وابن ماجه (661) واللفظ له.(4/341)
وإنني أؤكد النصيحة على الرجال وعلى النساء ألا ينخدعوا في هذه الأمور . وأرى أنه تجب مقاطعة هذه الكوافيرات،وأن تقتصرالنساء على التجمل بما لا يكون مضراً في الدين مُوقعاً في الحرام بالتشبه بالكفار .
وإذا أراد الله سبحانه وتعالى المحبة بين الزوجين فإنها لا تحصل بمعاصي الله، وإنما تحصل بطاعة الله، والتزام ما فيه الحياء والحشمة .
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحمي شعبنا من كيد أعدائنا، وأن يردنا إلى ما كان عليه سلفنا الصالح من الحشمة والحياء؛ إنه جواد كريم . والله الموفق .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى ورسائل في الأفراح، ص (27 - 36)
حكم الرموش الصناعية
هناك رموش للعينين صناعية، ويتم تركيبها على كامل رمش العين لمن كانت رموش عينيها قصيرة، أو يتم تركيبها جزئياً في الجهة التي شعر الرموش فيها قصيراً، ويتم إزالتها بعد انتهاء المناسبة كغيرها من المكياج فما حكم ذلك ؟ أفتونا مأجورين .(4/342)
الرموش هي الأَهْداب؛ أي: الشعر النابت على الأَجْفان، وقد خلقه الله تعالى لحماية العينين من الأتربة والأقذار، ولذلك يوجد في العين منذ الولادة، كما يوجد في أغلب الدواب، وهو شعر ثابت لا يطول ولا يقصر، وإذا نتف فإنه ينبت، لكن بعض الناس قد تتألم أجفانه فيحتاج إلى نتف الشعر منها ليخف الألم، وإذا كان كذلك فأرى أنه لايجوز تركيب هذه الرموش على العينين؛ لدخوله في وصل الشعر، فقد ثبت أن «النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الوَاصِلَة والمُسْتَوْصِلَة» (1)، فإذا نهي عن وصل شعر الرأس بغيره فكذلك رمش العين لا يجوز وصله، ولا تركيب الرموش لقصر الأهداب الأصلية؛ بل على المرأة أن ترضى بما قدر الله، ولا تفعل ما فيه تدليس أو جمال مستعار، (فالمتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) (2)، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها ختمه
المقصود بالنَّمْص المنهي عنه
ما هو المقصود بالنمص الذي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه ؟ هل المراد به نتف كامل الشعر أو نتف جزءمنه ؟ أفتونا مأجورين .
النَّمْص هو نتف شعر الحاجبين كله، أو نتف جزء منه، ويعم ذلك إزالته أو إزالة بعضه؛ سواء بالنتف أو بالحلق أو بالقص؛ وذلك لأن الله تعالى أنبته زيادة في الجمال والزينة، ووقاية للعين عن الأقذار والأتربة التي تعلق بالجبهة، وإذا وقع فيها زيادة شعر أو طول فيه، أو امتداد له إلى التقاء ما بين الحاجبين؛ فإن ذلك لحكمة ظاهرة أو خفية، ومنها حصول المعرفة، والتمييز بين الأشخاص، فلا يجوز تغيير خلق الله تعالى، والله أعلم. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها ختمه
حكم تخفيف الحاجب وتطويل الأظافر ووضع المناكير
__________
(1) …البخاري (5941)، ومسلم (2122) .
(2) …هو حديث نبوي أخرجه: البخاري (5219)، ومسلم (2129، 2130).(4/343)
1- ما حكم تخفيف الشعر الزائد من الحاجب ؟
2 - ما حكم تطويل الأظافر ووضع مناكير عليها، مع العلم بأنني أتوضَّأ قبل وضعه ويجلس (24) ساعة ثم أزيله ؟
3 - هل يجوز للمرأة أن تتحجب من دون أن تغطي وجهها إذا سافرت للخارج ؟
1 - لا يجوز أخذ شعر الحاجبين، ولا التخفيف منهما؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لَعَنَ النَّامِصَةَ والمُتَنَمِّصَة) (1). وقد بين أهل العلم أنَّ أخذ شعر الحاجبين من النَّمْص .
2 - تطويل الأظافر خلاف السنة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ - أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ"(2).
… ولا يجوز أن تترك أكثر من أربعين ليلة؛ لما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَنَتْفِ الإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»(3) ، ولأن تطويلها فيه تشبَّه بالبهائم وبعض الكفرة .
…أما المناكير فتركها أولى، وتجب إزالتها عند الوضوء؛ لأنها تمنع وصول الماء إلى الظفر .
__________
(1) …البخاري (4886)، ومسلم (2125) بنحوه .
(2) …البخاري (5889)، ومسلم (257) .
(3) …مسلم (258) .(4/344)
3 - يجب على المرأة أن تتحجب عن الأجانب في الداخل والخارج؛ لقوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزَاب، من الآية: 53]، وهذه الآية الكريمة تعم الوجه وغيره، والوجه هو عنوان المرأة وأعظم زينتها، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *}[الأحزَاب]، وقال سبحانه: {ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ}[النُّور، من الآية: 31] .
وهذه الآيات تدل على وجوب الحجاب في الداخل والخارج، وعن المسلمين والكفار . ولا يجوز لأي امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتساهل في هذا الأمر؛ لما في ذلك من المعصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك يفضي إلى الفتنة بها في الداخل والخارج .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة - ص (166، 167)
حكم تَشْقِير الحَوَاجِب أو قصّ بعضها
يقوم بعض النساء من ذوات الحواجب الكثيفة المليئة بالشعر الزائد بصبغ جزء من حواجبهن باللون الأشقر لكي لا يظهر ويتركن الجزء الآخر بلونه الطبيعي . ومنهن من يقمن بعد ذلك بقص الجزء المصبوغ بالمقص لكي لا يظهر لمن يراها عن قرب. والهدف من ذلك تجميل الحواجب وتحسينها .. فما حكم صبغ جزء من الحاجب باللون الأشقر ؟ وما حكم قص الجزء المصبوغ من الحاجب ؟ أفتونا مأجورين.(4/345)
أرى أن هذه الأصباغ وتغيير الألوان لشعر الحواجب لا تجوز؛ فقد «لَعَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم النَّامِصَاتِ والمُتَنَمِّصَاتِ والمغيِّراتِ خَلْقَ اللهِ» ، الحديث(1)، والنَّمْص: هو نتف الشعر من الحاجبين، ويعم أخذه بالمقص، أو بالموسى، أو بمُزِيل الشعر؛ فإن هذا الشعر أنبته الله تعالى لحكمة عظيمة، وهي أنه يقي العينين من الغبار والأتربة التي تتساقط من الجبين أو الرأس، مع كونها زينة وجمالاً في المظهر، ولهذا توجد في الطفل من حين ولادته، ومتى حلقت أونتفت فإنها تعود كما كانت. وقد جعل الله من حكمته من وجود الاختلاف فيها؛ فمنها كثيف ومنها خفيف، ومنها الطويل ومنها القصير، وذلك مما يحصل به التمييز بين الناس، ومعرفة كل إنسان بما يخصه ويعرف به. فعلى هذا لا يجوز الصبغ؛ لأنه تغيير لخلق الله تعالى، ولا يجوز القص؛ لأنه داخل في النمص المنهي عنه، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها ختمه
حكم خرق الأنف لأجل الزِّينَة
ما حكم لبس الزمام في الأنف للزينة ؟
يجوز للمرأة أن تتحلى بما جرت العادة بلبسه ولو أدى ذلك إلى خرق بعض بدنها، كالقرط في الأذن؛ ولعل الزمام في الأنف جائز، كما يجوز في البعير خرق أنفه وربطه بزمام يقاد به، ولا يُعدُّ ذلك مُثْلَة .
الشيخ ابن جبرين - من فتاواه / مجلة اليمامة (902)
حكم لبس عدسات العين الملونة
ما حكم لبس العدسات الملونة بحجة الزينة واتباع الموضة؛ علماً بأن قيمتها لا تقل عن (700) ريال ؟
لبس العدسات من أجل الحاجة لا بأس به. أما إذا كان من غير حاجة، فإن تركه أحسن خصوصاً إذا كان غالي الثمن؛ فإنه يعد من الإسراف المحرم علاوة على ما فيه من التدليس والغش؛ لأنه يظهر العين بغير مظهرها الحقيقي من غير حاجة إليه .
الشيخ الفوزان - المنتقى (3/177)
الوشم المؤقت .. هل هو جائز ؟
__________
(1) …البخاري (4886)، ومسلم (2125).(4/346)
ظهر حديثاً طريقة جديدة لعمل الكحل و تحديد الشفاه بطريقة الوشم المؤقت الذي تصل مدته إلى ستة أشهر أو سنة؛ وذلك بدلاً من الكحل العادي وقلم تحديد الشفاه .. فما حكم ذلك ؟ أفتونا مأجورين.
لا يجوز ذلك؛ لدخوله في مسمى الوشم، فقد «لَعَنَ النبي صلى الله عليه وسلم الوَاشِمَة والمُسْتَوْشِمَة» (1)، فإن هذا التحديد للشفاه والعينين يبقى سنة أو نصف سنة، ثم يجدد إذا اندرس، ويبقى كذلك، فيكون شبيهاً بالوشم المحرَّم. والأصل: أن الكحل علاج للعين، لونه أسود أو رمادي، يكتحل به على الأهداب ومشافر العينين عن الرمد، أو لحفظ العين عن المرض، وقد يكون جمالاً وزينة للنساء، كالزينة المباحة. فأما تحديد الشفاه بطريقة الوشم المؤقت فأرى أنه لا يجوز، فعلى المرأة أن تبتعد عن المشتبهات. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها ختمه
الفصل الثالث
خروج المرأة من بيتها
من أحكام خروج المرأة من بيتها
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى}[الأحزَاب: 33] .. هل هي خاصة بنساء الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ وما مدى شرعية خروج المرأة ؟ بمعنى خروجها للمسجد ولقضاء الحاجة، ما مدى ذلك من هذا الزمان ؟
__________
(1) …البخاري (4886) وأطرافه عنده، ومسلم (2122- 2125). والوَصْل: هو وَصْلُ شعر الرأس بشعرٍ آخر. والنَّمْص: هو نتف شعر الوجه أو الحاجبين. وأما الوَشْم: فهو أن يُغْرَز الجِلدُ بإبرة، ثم يُحْشَى بكُحْلٍ أو نِيلٍ، فيزرَقّ أَثَرُهُ أو يَخْضَر.(4/347)
أولاً: ليست الآية خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل هي عامة لجميع نساء المؤمنين، إلا أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم أصالة، ويشمل سائر نساء المؤمنين حكمها؛ فجميعهن مأمورات أن يلزمن بيوتهن، وأن يطعن الله ورسوله، ولا يُلِنَّ الحديث مع من يخاطبن من الرجال لِيناً يُطمع أهل الفسق والنفاق فيهن، وإنما يَقُلْنَ قولاً معروفاً، لا تَكَسُّرَ فيه ولا ريبة ولا تَجَهُّم فيه ولا وحشية، ولا يتزيَنَّ تَزَيُّنَ الجاهلية الأولى.
لكن هناك فرق بين نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر نساء المؤمنين، وهو تأكد الطاعة في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم أكثر؛ لكونهن في بيت القيادة الإسلامية، وفي الطاعة منهن حفظ لمكانة القيادة وكرامتها، وتأثير أعظم في سائر نساء المؤمنين؛ ولذا ضوعف لهن الأجر والثواب أكثر من سائر نساء المؤمنين، وكذا العذاب عند العصيان .
ثانياً: ليس المراد بالآية منعهن من الخروج مطلقاً، بل لهن أن يخرجن لكن للحاجة؛ كخروجهن للمساجد للصلاة، وسماع المواعظ، ولحضور المشهد الإسلامي يوم العيدين في المصلى، ولقضاء ما تدعو إليه الحاجة من المصالح، وكخروجها للعلاج، ولصلة الرحم، مع مراعاة التستر وعدم التبرج والتطيب، وعدم التكسر في المشي والحديث؛ فإن نساء النبي صلى الله عليه وسلم وسائر نساء المؤمنين كُنَّ يخرجن بعد نزول هذه الآية إلى المسجد للصلاة، وللحج والعمرة، ولقضاء الحاجة، وللتزاور وصلة الرحم بينهن، ومن خرجت قرعتها خرجت مع زوجها في السفر، ولم ينكر عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، واستمر العمل عليه بعد ذلك دون نكير فيما نعلم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/222-224)
حكم خروج المرأة دون استئذان زوجها(4/348)
عندما تخرج المرأة للسوق القريب من بيتها لشراء بعض الحاجات لها ولأبنائها وزوجها لا يعلم بذلك؛ فهل عليها في ذلك إثم ؟
على المرأة أن تطلب من زوجها إذنًا عامًا في الخروج للأشياء الضرورية للحاجة إلى ذلك، ومتى بدت لها حاجة فخرجت وهي محتشمة متحفظة غير متبرجة ولا متجملة؛ بل في ثياب بذلة ملتزمة غض البصر والبعد عن الريبة وما يسبب الفتنة وأسرعت بعد قضاء حوائجها اللازمة - فلا بأس عليها ولا إثم، إن شاء الله .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى المرأة، ص (110) جمع: محمد المسند (ط1 - 1409هـ)
حكم خروج المرأة من بيتها دون حاجة
كثير من النساء يخرجن بكثرة إلى الأسواق بحاجة وبغير حاجة، وقد يخرجن من غير محرم مع ما في السوق من فتن .. فما قولكم وجزاكم الله خيراً ؟
لا شك أن بقاء المرأة في بيتها خير لها - كما جاء في الحديث: "وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ" (1)، ولا شك أن إطلاق الحرية لها في الخروج خلاف ما يأمر به الشرع من حماية المرأة والحرص على وقايتها من الفتنة .
والواجب على الأولياء أن يكونوا رجالاً بمعنى الكلمة؛ فقد قال سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}[النساء، من الآية: 34] ، ومع الأسف فقد بدأ المسلمون في تقليد أعداء الله في جعل السيادة للنساء حتى صار النساء هن القوامات وهن المدبرات لشؤون الرجال .
__________
(1) …أحمد (2/76)، وأبو داود (567)، والحاكم 1/209 (755) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (530).(4/349)
ومن العجب أن هؤلاء يزعمون أنهم أهل التقدم والحضارة، وبؤساً لهم؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً"(1). وكلنا يعرف أن النساء كما وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" (2) .
فالواجب على الرجال أن ينفذوا ما جعل الله فيهم مع أهليهم من القيام على المرأة .
وعلى العكس من ذلك فقد يكون الرجل سيىء الخلق فيمنعها حتى من الخروج لصلة الأقارب الذين تجب صلتهم كالأم والأب والأخ والعم والخال مع أمن الفتنة؛ ويقول لها: لن تخرجي أبداً، فأنت حبيسة البيت . ويذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" (3)؛ أي: أسيرات، فأنت أسيرة عندي لا تخرجي، ولا تتحركي، ولا تذهبي، ولا يأتيك أحد، ولا تزوري أختاً لك في الله ! ! ! والدِّين وسط بين هذين .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس فتاوى الحرم المكي (3/250، 251)
ضوابط عمل المرأة خارج بيتها
ما حكم الشرع في تولي المرأة أعمالاً من الممكن أن يقوم بها الرجال بدلاً منها، وذلك من أجل إيجاد مجالات عمل للمرأة فقط ؟
الأصل في الشريعة أن تَتَبَوَّأَ المرأة المنزلة التي كرمها الله بها، من القرار في المنزل، والبعد عن أماكن الفتن والشبهات، وما يكون فيه عرضة لضررها، وأن تقوم بتربية أولادها تربية إسلامية، وتقوم بخدمة زوجها وشؤون بيتها .
__________
(1) …البخاري (4425، 7099).
(2) …البخاري (304، 1462)، ومسلم (79) .
(3) …جزء من حديث أخرجه: الترمذي (1163، 3087)، والنسائي في «الكبرى» (9169)، وابن ماجه (1851)؛ من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه. وقال الترمذي: «حسن صحيح». كما أخرجه الإمام أحمد (5/72)؛ من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه رضي الله عنهما.(4/350)
ولكن إذا اضطرت إلى أن تعمل فينبغي أن تختار من الأعمال ما يناسبها في دينها ودنياها؛ مما لا يؤثر على قيامها برعاية شؤون زوجها وأولادها، مع مراعاة إذن زوجها في ذلك .
أما أن تنافس الرجال في الأعمال التي هي من اختصاص الرجال، فإنه لا يجوز؛ لما في ذلك من السلبيات والأضرار والمفاسد الكثيرة التي تترتب على ذلك؛ حيث إن إعطاءها الفرصة في ذلك تحطيم للرجال، والقضاء على الفرص المتاحة لهم في العمل فيها، مع ما في عملها في تلك المجالات من جعلها عرضة للاختلاط بالرجال، والافتتان بها، وحصول ما لا تُحمد عُقْبَاه، إضافة إلى أن ذلك يضعف قيامها بواجبات زوجها، وشؤون أولادها وبيتها؛ مما يستلزم معه استجلاب الخدم والخادمات، وذلك له أضراره ومشاكله على النشء والدِّين كما لا يخفى .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/236)
حكم العمل في فندق أو مضيفة جوية
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تعمل في الخطوط الجوية كمضيفة أو في الفنادق وما إلى ذلك ؟
أولاً: عملها في الخطوط الجوية كمضيفة يستلزم سفرها بلا زوج ولا محرم كما يشهد له الواقع، ومع ذلك يعرضها للاحتكاك بالرجال، ورؤيتهم منها ما لا يحل لهم، وكل ذلك محرم .
ثانياً: عملها في الفنادق مثار فتنة، ومدعاة لاختلاط بها مريب، ومظنة لخلوة الأجانب بها، وفي ذلك ما فيه من الشر المستطير وفساد المجتمع .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/238)
المرأة إذا تعلمت الطب .. هل يلزمها العمل ؟(4/351)
اولاً: أحس بعظمة المسؤولية كطبيبة وثقلها على كاهلي، هل أستطيع أن أكون حقاً ملتزمة وأجتنب كل الآثام والمعاصي، وأحاسب نفسي كل يوم فأجدني دائماً مخطئة في شيء، وأخاف إن تركت الطب بكامله وجلست في بيتي أن يسألني ربي عن علمي الطبي ماذا عملت به ؟ خاصة وأن سنوات دراستي كلفت بلدي وأهلي الأموال الطائلة .
ثانياً: هناك من يقول: بأن عمل النساء كطبيبات يعتبر فرض كفاية، وهناك من يقول إنه نظراً لما قد تتعرض له المرأة من فتن في عملها لذا فلا حاجة لأن يكن طبيبات ويقوم الرجال بدورهن من باب الضرورة .. ما هو رأي فضيلتكم ؟
أولاً: عليك أن تتقي الله سبحانه حسب الطاقة، وأن تبذلي الوسع في نفع المرضى مع القيام بما أوجب الله عليك من الصلاة وغيرها، وترك ما حرم الله عليك، وما عجزت عنه من نفع المرضى إذ ليس عليك أمره فلا حرج عليك؛ لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[البَقَرَة، من الآية: 286]، وقوله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التّغَابُن، من الآية: 16].
ثانياً: يجوز للمرأة العمل في تطبيب النساء، ولا يجوز لها الاختلاط بالرجال في مكان العمل .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/70)
حكم ركوب أكثر من امرأة مع سائق أجنبي
نحن عائلة كبيرة، ولدينا سائق يقوم بإيصالنا إلى المدارس والأسواق والأقارب .. فما حكم ركوبنا معه داخل المدينة وخارجها؛ علما بأنه لا يوجد معنا رجل في السيارة ؟(4/352)
لا حرج في ذلك مع السائق إذا كان الموجود ثنتين فأكثر، وليس هناك ريبة؛ فلا بأس من الخروج معه إلى المدرسة أو غيرها للحاجة على وجه لا ريبة فيه. وإذا تيسر أن يكون معهن رجل فذلك خير وأصلح، ولكن لا يجب ذلك؛ بل يكفي ما يزيل الخلوة، وهو وجود امرأة ثانية فأكثر .. أو رجل آخر غير السائق مع توافر عدم الريبة؛ لأن وجود المحرم قد لا يتيسر في كل وقت لكل أحد.
أما إذا كانت المسافة تعتبر سفراً فلا يجوز سفرها بدون محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"(1) .
ولابد من الحجاب والبعد عن أسباب الفتنة حتى لا يقع شر بينها وبينه .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/78)
تحريم سفر المرأة بدون مَحْرَمٍ وأدلته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم من عميد شؤون الطلاب بجامعة الرياض، عن طريق الدكتور محيي الدين خليل، رئيس قسم الثقافة الإسلامية، إلى سماحة الرئيس العام، والمحال إلى اللجنة برقم (2554/2/د) وتاريخ 7/8/99هـ، ونصه :
__________
(1) …البخاري (3006)، ومسلم (1341) .(4/353)
إن طالبات الجامعة من خارج مدينة الرياض، يُقِمْنَ بوحدة أم المؤمنين السكنية، وتسافر الطالبات إلى بلادهن في الإجازات الرسمية أو في نهاية الأسبوع، وغالبيتهن يتوجهن إلى جدة أو الظهران بالطائرة، وتشترط العمادة أن يرافق كل طالبة محرم، ولكن هذا لا يتيسر لجميعهن وفي كل الأحوال، وقد تكون الطالبة راغبة في السفر تحت ظروف اضطرارية، ويشكو البعض من هذا الإجراء، ويرون أن الشرع في مثل حالتنا هذه يبيح السفر بدون محرم، إذ أنه لا يتجاوز ساعات محدودة، مستندين إلى: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو حرمة منها))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا ومعها محرم"، وعن أبي هريرة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها" .
لذا نأمل إفادتنا عما إذا كان يجوز شرعاً السماح للطالبة بالسفر إلى جدة أو الظهران بالطائرة بدون محرم .
وأجابت بما يلي :(4/354)
إن الشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، ومن مقاصدها الضرورية: المحافظة على الأنساب والأعراض، وقد ثبت في الكتاب والسنة ما يدل دلالة واضحة على سد الذرائع التي تفضي إلى اختلاط الأنساب، وانتهاك الأعراض؛ كتحريم خلوة المرأة بأجنبي، وتحريم إبدائها زينتها لغير زوجها ومحارمها، ومن في حكمهم ممن ذكرهم الله تعالى في سورة النور [الآية: 31]؛ كالأمر بغض البصر، وتحريم النظرة الخائنة. ومن الذرائع القريبة التي قد تفضي إلى الفاحشة، واختلاط الأنساب، وهتك الأعراض - سفر المرأة دون من فيه صيانة لها في اعتبار الشرع؛ من زوجها أو أحد محارمها، فكان حراماً؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تُسَافِرِ المرأةُ ثلاثَةَ أيَّامٍ إلا ومَعَها ذُو مَحْرَمٍ" (1) رواه أحمد والبخاري ومسلم، ولما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُسَافِرِ المرأةُ بَرِيدًا(2) إلا ومَعَهَا مَحْرَمٌ يَحْرُمُ عَلَيْها" (3)؛ رواه أبو داود والحاكم، ولما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب: "لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بِامْرَأةٍ إلا ومَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، ولا تُسَافِرِ المرأةُ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"؛ فقام رجل فقال: يا رسول الله: إن امرأتي خرجت حاجّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: "اِنْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِك" (4)؛ رواه
__________
(1) …البخاري (1086، 1087)، ومسلم (1338، 1339).
(2) …البَريد: مقياس قديم من مقاييس المسافة، قدَّروه بفَرْسَخَيْن، والفَرْسَخ: حوالي ثلاثة أميال.
(3) …أبو داوود (1725)، وابن خزيمة (2526)، وابن حبان في "صحيحه" (2727)، والحاكم 1/442 (1616) وصححه وأقرَّهُ الذهبي. وانظر: «فيض القدير» (6/398)، و«التيسير بشرح الجامع الصغير» (2/493).
(4) …البخاري (1862) وأطرافه عنده، ومسلم (1341) .(4/355)
أحمد والبخاري ومسلم، وورد في بعض الروايات التقييد بيوم(1)، وفي بعضها التقييد بليلة(2)، وفي بعضها التقييد بثلاثة أميال(3)، وفي بعضها بيومين. والتحديد بذلك ليس بمراد؛ وإنما هو تعبير عن أمر واقع، فلا يعمل بمفهومه، ثم هو مفهوم عدد معارض بمنطوق حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما في معناه، فلا يعتبر؛ وإنما يعتبر ما ثبت من الإطلاق في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو واضح في أن المرأة منهية عن كل ما يسمى سفراً إلا ومعها زوجها أو ذو محرم لها؛ سواء كان قليلاً أم كثيراً، وسواء كانت شابة أم عجوزاً، وسواء كان السفر براً أم بحراً أم جواً، ومن خالف في ذلك فخص النهي بالشابة، أو قيده بما ذكر من التحديد في بعض الأحاديث أو بما إذا كانت الطريق غير مأمونة أو اكتفى بالرفقة الثقاة المأمونة - فقوله مردود بعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ فإنه منطوق، فيقدم على مفهوم العدد في الأحاديث الأخرى .
وعلى هذا يكون سفر النساء بالطائرات بلا زوج أو محرم منهياً عنه؛ سواء كن طالبات أم غير طالبات؛ لكونه سفراً فيصدق عليه عموم النهي في الحديث .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/310)
وجود مَحْرَمِ السائق لا يُجِيز سفر النساء معه
__________
(1) …مسلم (1339).
(2) …مسلم (1339).
(3) …معجم الطبراني الكبير 2/121 (12652)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعاً بلفظ: (لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو مع ذي محرم) فقيل لابن عباس: الناس يقولون: ثلاثة أيام، قال: إنما هو وَهْم منهم.(4/356)
يتقدم أولياء أمور الطالبات اللاتي يدرسن بالدمام التي تبعد عن مدينة الخفجي بحوالي (300) كيلو متر، وذلك لعمل توكيل للسفر بهن إلى الجامعة بالدمام والعودة بهن إلى الخفجي بصفة جماعية، وذلك لشخص مع زوجته أو ابنته أو أخته أو أحد محارمه، وينص على ذلك في الوكالة، مثلاً: (وكلت فلاناً وابنته فلانة.. إلخ للسفر بابنتي إلى الدمام والعودة بها مع زميلاتها..) .. فما رأي سماحتكم إذا كان السفر بالمرأة أو الطالبات بهذه الصفة الجماعية ووجود أحد محارم قائد السيارة معه ؟ كذلك التوكيل على استلام خادمة من المطار والسفر بها إلى مكفولها ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً .
السفر المذكور لا يجوز؛ لأنه بدون محرم، كما أن التوكيل لا يصح ولا يفيد شيئاً في ذلك، ولا يحل سفر المرأة بدون محرم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/306)
حكم سفر المرأة لوحدها بالطائرة (للشيخ ابن عثيمين)
هل يجوز للمرأة أن تسافر بالطائرة مع وجود الأمن بدون محرم ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" (1)؛ قال ذلك وهو يخطب على المنبر في أيام الحج، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة، وإني اكْتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اِنْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ"(2). فأمره النبي صلى الله عليه وسلم، أن يدع الغزو ويحج مع امرأته، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم له: هل امرأتك آمنة على نفسها ؟ أو هل معها نساء؟ أو هل هي مع جيرانها ؟ فدل ذلك على عموم النهي عن سفر المرأة بلا محرم. ولأن الخطر حاصل حتى في الطائرة؛ ولنمش جميعاً في تتبع ذلك:
__________
(1) …البخاري (3006)، ومسلم (1341) .
(2) …البخاري (3006)، ومسلم (1341) .(4/357)
فهذا الرجل الذي أراد أن تسافر امرأته بالطائرة، متى يرجع من تشييعها ؟ إنه يرجع عند انتظارها ركوب الطائرة، وستبقى في هذه الصالة بدون محرم، ولنفرض أن الرجل دخل معها حتى أدخلها الطائرة، وأقلعت الطائرة، أفلا يمكن أن ترجع الطائرة أثناء الطريق ؟ هذا وارد ويحصل أن الطائرة قد ترجع لخلل فني، أو للأحوال الجوية. ولنفرض أنها استمرت في سيرها ووصلت إلى المدينة التي ستهبط فيها، ولكن المطار صار مشغولاً أو صارت أجواء المطار غير صالحة للهبوط، ثم انتقلت الطائرة إلى مكان آخر، فهذا محتمل. ولنفرض أن الطائرة قامت في الوقت المقرر، وهبطت في المطار المقرر، لكن المحرم الذي كان ينتظرها لم يحضر بسبب طارىء حدث له. ولنفرض أن هذا الاحتمال انتفى وجاء المحرم في الوقت المقرر، يتبقى عندنا من الخطر: من الذي يكون إلى جنب هذه المرأة في الطائرة ؟ لن تكون امرأة على كل حال، فقد يكون إلى جوارها رجل، وهذا الرجل قد يكون أَخْون عباد الله؛ يضحك إليها، ويتحدث إليها، ويمزح معها، ويأخذ رقم تليفونها، ويعطيها رقم هاتفه .. أليس هذا ممكناً ؟ من الذي يسلم من هذه الأخطار ؟
ولهذا تجد الحكمة العظيمة في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة بلا محرم بدون تفصيل، وبدون تقييد .
لكن قد تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولم يعلم عن هذه الطائرات، فلنحمل كلامه على السفر على الجمال لا على الطائرات، فلا تسافر المرأة على البعير إلا مع ذي محرم؛ لأن الرسول ما يعلم عن الطائرات التي تقطع المسافة ما بين الطائف إلى الرياض في ساعة وربع، بينما كان يقطع في شهر كامل !!
- فالجواب على هذا: أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم، فإن رب الرسول سبحانه يعلم، والله عز وجل يقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل، من الآية: 89] .(4/358)
فأنا أحذر إخواني من هذه الظاهرة الخطيرة، وهي التساهل في سفر المرأة بلا محرم، كما أحذرهم أيضاً من خلو السائق بالمرأة في السيارة ولو في البلد؛ لأن الأمر خطير، كما أحذرهم أيضاً من خلو قريب الزوج بالمرأة في البيت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل - لما قال: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ"؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ .. أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ "الْحَمْوُ الْمَوْتُ" (1)؛ أي: احذر منه أشد الحذر .
والغريب أن بعض العلماء - عفا الله عنهم - قال معنى قوله: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"؛ أي: أن الحمو لابد من دخوله على امرأة قريبه كما أن الموت لابد منه .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه، إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/852، 853)
حكم سفر المرأة لوحدها بالطائرة (للشيخ ابن جبرين)
ما زالت مشكلة سفر المرأة بدون محرم مطروحة، فهناك بعض العلماء يفتون بجواز ذلك في الطائرة ومع جماعة من النسوة موثوقات، وهناك من يُحرم ذلك .. فما الرأي الأصح في هذه المشكلة ؟ بارك الله فيكم ؟
__________
(1) …البخاري في النكاح (5232)، ومسلم في السلام (2172). والحَمْوُ: أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج.(4/359)
وردت السُنة بنهي المرأة عن السفر بدون محرم؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُسَافِرِ الْمرأةُ مَسِيرَةَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" (1)، وفي رواية: "مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ" (2) وفي لفظ: "مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"(3). ولا شك أن هذا يدل على التحريم، وذلك أن السفر يعرضها لركوب الأخطار، وسلوك الطرق البعيدة التي قد يوجد بها من الفسقة وقُطاع الطريق من يفجر بها طوعاً أو كرهاً، وكان السفر ذلك الوقت بواسطة الرواحل من الإبل والحُمر والخيل والسفن، وكلها تستغرق وقتاً طويلاً، مما تبتعد به عن محارمها وأهلها، وتطول غيبتها، وتقع في أسباب الردى، فلا جرم ورد النهي عن سفرها، ولو لحج ونحوه. وورد أيضاً جواز ذلك للحاجة؛ فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى الحبشة، واستصحب أم حبيبة رضي الله عنها بعد أن عقد النبي صلى الله عليه وسلم عليها من الحبشة إلى المدينة بدون محرم، وكذا زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلق زوجها من الأسر يوم بدر، واشترط عليه أن يرسلها إلى المدينة، فجاء بها بعض الصحابة من مكة إلى المدينة مسيرة عشرة أيام بدون محرم للضرورة، ثم إن بعض العلماء - كالمالكية(4) - أجازوا أن تحج المرأة مع نسوة ثقات، مع بُعد المسافة من المغرب وقُرى أفريقيا، الذي قد يستغرق شهراً أو أكثر؛ حيث إن الحج فريضة، والسفر بلا محرم مظنة فعل الفاحشة، والظن قد يخف أو يزول مع النسوة الثقات، فلا يكون الظن مانعاً للفرض، أما في هذه الأزمنة فقد تقاربت البلاد، ووجدت وسائل النقل المريحة التي
__________
(1) …البخاري (1086، 1087)، ومسلم (1338، 1339).
(2) …البخاري (1197، 1864، 1995)، ومسلم (827) بعد (1338).
(3) …مسلم (1339).
(4) …والشافعية أيضاً. وهذا محصور في سفر الفريضة ومنه سفر الحج؛ فلا يقاس عليه سفر الاختيار بالإجماع. انظر: «الفقه الإسلامي وأدلته» للزحيلي (3/2092، 2093).(4/360)
تقطع المساحات في زمن قريب .
فالذي أراه جواز سفر المرأة في الطائرة، لمدة نصف يوم أو ثلثيه، بحيث يوصلها المحرم الأول إلى المطار، ويتصل بالمحرم الثاني ليستقبلها في البلد الثاني، ولا خلوة في الطائرة، والمرأة كسائر الراكبات، وليس هناك مجال للخوف عليها، والاحتمالات التي تقدر نادرة الوجود، والأصل السلامة، وهذا يعم السفر للحج وغيره، وهذا ما ترجح عندي رفقاً بالمسلمين، وأستغفر الله من الخطأ والزلل، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه في: 19/11/1416هـ
س2: طالبة ملتزمة إن شاء الله بشرع الله، وترغب في أن تكمل دراستها بعد الثانوية، لكن لا يسمح لها هنا لأنها غير سعودية .. هل يجوز أن تسافر إلى بلدها بدون محرم لتكمل تعليمها عند أقارب المحارم أم لا ؟
ج2: لا بأس أن تسافر في الطائرة؛ بأن يوصلها زوجها إلى سلم الطائرة ثم يتصل بأحد إخوتها ليستقبلها هناك عند نزولها من الطائرة - إذا كانت المسافة أقل من يوم وليلة؛ لحديث: "لا تُسَافِرِ الْمرأةُ يوماً وليلةً إلا مع ذِي مَحْرَمٍ" (1)؛ فإن مفهومه إذا كان السفر لا يستغرق يوماً وليلة جاز لها ذلك، سيما وهي مع مجموعة كبيرة من الرجال والنساء، وفي مكان مؤمَّن لا يحصل فيه اعتداء ولا خلوة ولا محذور. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه في: 19/11/1416هـ
حكم استقدام الخادمة بدون مَحْرَمٍ
امرأة عندها 6 أطفال فهي عليها الطبخ والغسل وتربية الأولاد وغسل البيت والاهتمام بالزوج؛ فهل لها أن تأتي بخادمة مسلمة من سيلان ؟
لا يجوز استقدام المرأة الخادمة إلا مع مَحْرَمِها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ إلا مَعَ ذِي مَحْرمٍ" (2)؛ متفق على صحته من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
__________
(1) …مسلم (1339).
(2) …البخاري (3006)، ومسلم (1341).(4/361)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/326)
حكم العمل في مكاتب استقدام الخادمات
بحكم أني أعمل في مكتب خدمات عامة واستقدام، أقوم بإنجاز بعض المعاملات؛ كاستقدام الخادمات بلا محارم، وقد يكن غير مسلمات، وكذلك استقدام السائقين والأيدي العاملة التي فيها نسبة ظاهرة من غير المسلمين، فهل يجوز هذا العمل ؟ وما حكم ممارستي له ؟ وهل أعتبر شريكاً في الإثم ؟ أفيدونا أفادكم الله .
إن قاعدة الشريعة المطهرة: تحريم كسب المال من عمل لا يجوز شرعاً، وقد عُلم من نصوص السنة النبوية المشرفة - أن سفر المرأة بلا مَحْرَمٍ لا يجوز شرعاً(1)، وأنه: «لا يَجْتَمِعُ دِينَانِ في جَزيرةِ العرب» (2)؛ فلا يجوز استيطان الكفار في جزيرة العرب، ولا استقدامهم للعمل فيها من غير ضرورة، وعليه فإن مباشرة عمل يؤدي إلى هتك هذه الحرمات لا يجوز .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/330-331)
شروط المَحْرَم
البالغ من العمر (15) عامًا .. هل يصح أن يكون مَحْرَمًا مع أُمِّه وأخته ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
ذكر أهل العلم أن من شرط المحرم أن يكون بالغًا عاقلاً، فإذا بلغ الرجل خمسة عشر عامًا، أو نبت له شعر العانة أو أنزل المني باحتلام أو غيره؛ فقد بلغ وصح أن يكون مَحْرَمًا إذا كان عاقلاً. وعلى هذا فيكون من بلغ خمسة عشر عامًا مَحْرَمًا لأخته وأمه .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/122، 123)
حكم خروج المرأة من بيتها مُتَعَطِّرَةً مُتَزَيِّنَة
ما حكم تعطر المرأة وتزينها وخروجها من بيتها إلى مدرستها مباشرة ؟ هل لها أن تفعل هذا الفعل ؟ وما هي الزينة التي تحرم على المرأة المسلمة عند النساء؛ يعني ما هي الزينة التي لا يجوز إبداؤها للنساء ؟
__________
(1) …انظر الفتوى (104) من هذا الباب.
(2) …«موطأ مالك» 2/892 (1584).(4/362)
خروج المرأة مُتَطَيِّبَةً إلى السوق مُحَرَّمٌ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا ؛ يَعْنِي: زَانِيَةً"(1) .
ولما في ذلك من الفتنة، أما إذا كانت المرأة ستركب في السيارة ولا يظهر ريحها إلا لمن يحل له أن تظهر الريح عنده، وستنزل فوراً بدون أن يكون هناك رجال حول المدرسة - فهذا لا بأس به؛ لأنه ليس في هذا محذور، فهي في سيارتها كأنها في بيتها، ولهذا لا يحل للإنسان أن يمكن امرأته أو من له ولاية عليها أن تركب وحدها مع السائق؛ لأن هذه خلوة، أما إذا كانت ستمر إلى جانب الرجال فإنه لا يحل لها أن تتطيب.
وبهذه المناسبة أود أن أذكر النساء بأن بعضهن في أيام رمضان تأتي بالطيب معها وتعطيه النساء، فتخرج النساء من المسجد وهن متطيبات بالبخور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ" (2)؛ ولكن لا بأس أن تأتي بالبخور لتطييب المسجد.
أما بالنسبة للزينة التي تظهرها للنساء فإن كل ما اعتيد بين النساء من الزينة المباحة فهي حلال، وأما التي لا تحل؛ كما لو كان الثوب خفيفاً جداً يصف البشرة، أو كان ضيقاً جداً يبين مفاتن المرأة، فإن ذلك لا يجوز؛ لدخوله في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ... وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا"(3).
__________
(1) …أحمد (4/400، 413، 418)، وأبو داود (4173)، والترمذي (2786) وقال: «حسن صحيح»، والنسائي (5129)، والحاكم 2/396 (3497) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …مسلم (444) .
(3) …مسلم (2128). والبُخْت: الإبل الخراسانية، وهي جمال طوال الأعناق.(4/363)
الشيخ ابن عثيمين - من الأحكام الفقهية في الفتاوى النسائية / ص (53، 54)
حكم قيادة المرأة للسيارة (1) (للشيخ ابن باز)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد كثر حديث الناس في صحيفة الجزيرة عن قيادة المرأة للسيارة، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها؛ منها: الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها: السفور، ومنها: الاختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها: ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور.(4/364)
والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المُحَرَّمِ واعتبرها مُحَرَّمَةً، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت، والحجاب، وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن؛ لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع - قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الأحزاب، من الآية: 33] ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}[الأحزاب، من الآية: 59] ، وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} [النور] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ"(1)
__________
(1) …أحمد (1/18، 26) وَ (3/339، 446)، والترمذي (2165) وقال: «حسن صحيح غريب»، والنسائي في "الكبرى" (9219، 9221، 9223، 9225)، والطبراني في "الصغير" (245)، و"الأوسط" (1656، 2929، 7249)، وابن حبان (4576، 5586، 6728، 7254)، والحاكم 1/114، 115 (387- 390) وصححه ووافقه الذهبي.(4/365)
؛ فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة، بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة، وجعل عقوبته من أشد العقوبات، صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة. وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك . وهذا لا يخفى، ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات؛ كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار. وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِْثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [الأعراف]، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَْرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [البقرة].(4/366)
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاء"(1)، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ: "نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ: "نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا ؟ قَالَ: "نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ" . فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا؛ وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"(2) .
__________
(1) …البخاري (5096)، ومسلم (2740، 2741).
(2) …البخاري (3606)، ومسلم (1847) . ومعنى (وفيه دَخَنٌ): أي كَدَر؛ تشبيهًا له بدُخان الحطب. والمعنى: لا يكون ذلك الخير خالصاً بل فيه كَدَر، ولا تصفو القلوب بعضها لبعض؛ بل فيها حقد وفساد واختلاف. انظر: «شرح النووي على مسلم» (2/236، 237)، و«فتح الباري» (13/36).(4/367)
وإنني أدعو كل مسلم أن يتقي الله في قوله وفي عمله، وأن يحذر الفتن والداعين إليها، وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك، وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف. وقانا الله شر الفتن وأهلها، وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء، ووفق كتّاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقاولات متنوعة (3/ 351-353)
حكم قيادة المرأة للسيارة (2) (للشيخ ابن عثيمين)
أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة، وما رأيكم بالقول: إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي ؟
الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين؛ القاعدة الأولى: أن ما أفضى إلى المُحَرَّم فهو مُحَرَّمٌ . والقاعدة الثانية: أن دَرْءَ المفسدة - إذا كانت مكافئة لمصلحة من المصالح أو أعظم - مُقَدَّمٌ على جَلْبِ المصالح.(4/368)
فدليل القاعدة الأولى قوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام، من الآية: 108] ؛ فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين مع أنه مصلحة؛ لأنه يفضي إلى سب الله تعالى . ودليل القاعدة الثانية قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}[البقرة، من الآية: 219] ، وقد حرم الله تعالى الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءًا للمفسدة الحاصلة بتناولهما . وبناء على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة؛ فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسد هذا: نزع الحجاب؛ لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة، ومحط أنظار الرجال، ولا تعتبر المرأة جميلة وقبيحة عند الإطلاق إلا بوجهها؛ أي أنه إذا قيل: جميلة أو قبيحة لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه، وإذا قصد غيره فلابد من التقييد، فيقال: جميلة اليدين، جميلة الشعر، جميلة القدمين. وبهذا عُرف أن الوجه مدار قصد .
وربما يقول قائل: إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون هذا الحجاب بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين؛ والجواب عن ذلك أن يقال: هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارات، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في بداية الأمر فلن يدوم طويلاً، بل سيتحول في المدى القريب إلى ما كانت عليه النساء في البلاد الأخرى كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة .(4/369)
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: نزع الحياء منها، و "الحَيَاءُ مِنَ الإيمَانِ"(1) ؛ كما صَحَّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض إلى الفتنة، ولهذا كانت مضرب المثل فيه، ويقال: أحيا من العذراء في خِدرها . وإذا نُزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها .
ومن مفاسدها: أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت والبيت خير لها - كما قال ذلك أعلم الخلق بمصالح الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن عشاق القيادة يرون فيها متعة، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة؛ لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة .
ومن مفاسدها: أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده؛ لأنها وحدها في سيارتها متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل . وإذا كان أكثر الناس يعانون من هذا في بعض الشباب؛ فما بالك بالشابات إذا خرجت حيث شاءت يميناً وشمالاً في عرض البلد وطوله، وربما خارجه أيضاً ؟!
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها؛ فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب بسيارتها إلى حيث ترى أنها تُروِّح عن نفسها فيه، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملاً من المرأة .
__________
(1) …البخاري (24، 6118)، ومسلم (36).(4/370)
ومن مفاسدها: أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة؛ مثال ذلك: الوقوف عند إشارات الطريق، وفي الوقوف عند محطات البنزين، وفي الوقوف عند نقط التفتيش، وفي الوقوف عند رجال المرور عند تحقيق في مخالفة أو حادث، وفي الوقوف لتعبئة إطار السيارة بالهواء - البنشر - وفي الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق؛ فتحتاج المرأة إلى إسعافها، فماذا تكون حالها حينئذ ؟ ربما تُصادف رجلاً سافلاً يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها، لا سيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة ازدحام السيارات في الشوارع، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات، وهم أحق بذلك من المرأة وأجدر .
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة الحوادث؛ لأن المرأة بمقتضى طبيعتها أقل من الرجل حزماً وأقصر نظراً وأعجز قدرة، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف .
ومن مفاسدها: أنها سبب للإرهاق في النفقة؛ فإن المرأة بطبيعتها تحب أن تكمل نفسها بما يتعلق بها من لباس وغيره، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء كلما ظهر زيّ رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد، وإن كان أسوأ مما عندها ؟! ألا ترى إلى غرفتها ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة ؟! ألا ترى إلى ماصتها وإلى غيرها من أدوات حاجياتها ؟! وعلى قياس ذلك - بل لعله أَوْلى منه - السيارة التي تقودها، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد .
وأما قول السائل: وما رأيكم بالقول إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي ؟ فالذي أرى: أن كل واحد منهما فيه ضرر، وأحدهما أضر من الثاني من وجه، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب واحد منهما.(4/371)
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المَعْمَعَةِ والضجة حول قيادة المرأة للسيارة والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها، وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدوّ متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ويستظلون برايتنا!! قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأُعجبوا بما هم عليهم من أخلاق تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة، وصاروا كما قال ابن القيم رحمه الله في نُونِيَّتِه(1):
هَرَبُوا من الرِّق الذي خُلِقُوا لَهُ
فَبُلُوا برِقِّ النَّفْسِ والشيطانِ
وظن هؤلاء أن دول الكفر وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم مادي بسبب تحررهم هذا التحرر، وما ذلك إلا لجهلهم أو جهل كثير منهم بأحكام الشريعة وأدلتها الأثرية والنظرية وما تنطوي عليه من حِكم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم ودفع المفاسد.
فنسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم استقدام الخَادِمات ومُجَالَسَتِهِنَّ
ما حكم الجلوس في البيت الذي فيه خادمة بدون خلوة ؟
مسألة الخادمة أصبحت من المشاكل الاجتماعية التي لها خطر عظيم، وكم نسمع من أمور يندى لها الجبين من جراء استقدام هؤلاء الخدم ذكوراً وإناثاً، وقد تبين ضررها العظيم في المجتمع، مع كونها مظهر ترف ولا تدفع الحاجة إليه، وفيه من أسباب الفتنة ما يقتضي أن تكون الحكمة منعه:
فأولاً:…لا ينبغي لأي عاقل أن يستقدم خادماً لبيته إلا عند الضرورة القصوى، وليس لِمُجَرَّد الحاجة أو الرفاهية، فهذا ضرر للدِّين وسَفَهٌ في العقل وضياع للمال .
__________
(1) …انظر "شرح قصيدة ابن القيم" لأحمد عيسى، (2/466).(4/372)
ثانياً: لا بد أن تكون الخادمة ملتزمة بالشرع فتتحجب حجاباً كاملاً عن الرجال الذين في البيت، ولا يجوز أن تكون سافرة متبرجة.
ثالثاً: لا بد أن يكون حضورها مع مَحْرَمٍ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"(1).
وبعض الناس يستحضر الخدم تقليداً لغيرهم مما جرّ عليهم بلاء عظيماً، ومن ذلك: أن النساء يتركن أولادهن لتربية الخدم، ولن يجد الأبناء مثل حنان الأم وتربيتها .
وبخصوص السؤال: فما دامت الخادمة مُتَحَجِّبة حجاباً كاملاً مثل غيرها من النساء فلا بأس بالبقاء في المجلس الذي هي فيه؛ مادام ليس هناك خلوة، ولا كشف لما يجب ستره .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي (3/247، 248)
آداب تعامل النساء مع السائق والخادم
ما حكم مقابلة الخدم والسائقين ؟ وهل يعتبرون في حكم الأجانب ؟ علماً بأن والدتي تطلب مني الخروج أمام الخدم، وأن أضع على رأسي «إيشارب» .. فهل يجوز هذا في ديننا الحنيف الذي أمرنا بعدم معصية أوامر الله عز وجل ؟
السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال: يجب التحجُّب عنهما إذا كانا ليسا من المَحَارِم، ولا يجوز السفور لهما، ولا الخلوة بكل واحد منهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ" (2)، ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب، وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم. ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة، ص (99)
معنى الخَلْوَة
__________
(1) …البخاري (3006)، ومسلم (1341) .
(2) …أحمد (1/18، 26) وَ (3/339، 446)، والترمذي (2165) وقال: «حسن صحيح غريب»، والنسائي في "الكبرى" (9219، 9221، 9223، 9225)، والطبراني في "الصغير" (245)، و"الأوسط" (1656، 2929، 7249)، وابن حبان (4576، 5586، 6728، 7254)، والحاكم 1/114، 115 (387- 390) وصححه ووافقه الذهبي.(4/373)
هل الخلوة هي فقط أن يخلو الرجل بامرأة في بيت ما، بعيداً عن أعين الناس ؟ أم هي كل خلوة رجل بامرأة ولو كان أمام أعين الناس ؟
ليس المراد بالخلوة المحرمة شرعاً انفراد الرجل بامرأة أجنبية منه في بيت بعيداً عن أعين الناس فقط؛ بل تشمل انفراده بها في مكان تناجيه ويناجيها، وتدور بينهما الأحاديث، ولو على مرأى من الناس دون سماع حديثهما؛ سواء كان ذلك في فضاء أو سيارة أو سطح بيت أو نحو ذلك؛ لأن الخلوة منعت لكونها بريد الزنا وذريعة إليه، فكل ما وجد فيه هذا المعنى - ولو بأخذِ وَعْدٍ بالتنفيذ بعد - فهو في حكم الخلوة الحِسِّية بعيداً عن أعين الناس .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/57)
تحريم الخَلْوَة في المستشفيات وغيرها
أنا ممرض وأعمل في تمريض الرجال، ومعي ممرضة تعمل في نفس القسم في وقت ما بعد الدوام الرسمي، ويستمر ذلك حتى الفجر، وربما حصل بيننا خلوة كاملة، ونحن نخاف على أنفسنا من الفتنة، ولا نستطيع أن نغير من هذا الوضع؛ فهل نترك الوظيفة مخافة الله وليس لنا وظيفة أخرى للرزق ؟ نرجو توجيهنا بما ترون .(4/374)
لا يجوز للمسؤولين عن المستشفيات أن يجعلوا مُمَرِّضاً مُداوماً ومَمَرِّضَة يبيتان وحدهما في الليل للحراسة والمراقبة؛ بل هذا غلط ومنكر عظيم، وهذا معناه الدعوة للفاحشة؛ فإن الرجل إذا خلا بالمرأة في محل واحد فإنه لا يؤمن عليهما الشيطان أن يزين لهما فعل الفاحشة ووسائلها، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ" (1)؛ فلا يجوز هذا العمل، والواجب عليك تركه؛ لأنه مَحَرَّم ويفضي إلى ما حَرَّم الله عز وجل، وسوف يعوضك الله خيراً منه إذا تركته لله سبحانه؛ لقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق، الآيتان:2، 3] ، وقوله سبحانه: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطلاق، من الآية: 4] . وهكذا الممرضة عليها أن تحذر ذلك وأن تستقيل إذا لم يحصل مطلوبها؛ لأن كل واحد منكم مسؤول عما أوجب الله عليه وما حَرَّم عليه .
الشيخ ابن باز - فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة، ص (24 - 26)
حكم خلوة الرجل بالمرأة في السيارة (للشيخ ابن عثيمين)
__________
(1) …أحمد (1/18، 26) وَ (3/339، 446)، والترمذي (2165) وقال: «حسن صحيح غريب»، والنسائي في "الكبرى" (9219، 9221، 9223، 9225)، والطبراني في "الصغير" (245)، و"الأوسط" (1656، 2929، 7249)، وابن حبان (4576، 5586، 6728، 7254)، والحاكم 1/114، 115 (387- 390) وصححه ووافقه الذهبي.(4/375)
أقول وأنا كاتبه محمد بن صالح العثيمين: أنه لا يجوز للرجل أن ينفرد بالمرأة الواحدة بالسيارة إلا أن يكون محرماً لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ وامْرَأةٌ إلا مع ذِي مَحْرَمٍ"(1). أما إذا كان معه امرأتان فأكثر فلا بأس؛ لأنه لا خلوة حينئذ، بشرط أن يكون مأموناً، وأن يكون بغير سفر. والله الموفق .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم الخَلْوَة بالسائق في السيارة (للشيخ ابن باز)
ما حكم ركوب المرأة مع سائق أجنبي عنها وحدها ليوصلها في داخل المدينة ؟ وما الحكم إذا ركبت المرأة ومجموعة من النساء مع السائق وحدهن ؟
لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرماً لها وليس معهما غيرهما؛ لأن هذا في حكم الخلوة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ"(2).
__________
(1) …البخاري (1862) وأطرافه عنده، ومسلم (1341) .
(2) …البخاري (1862) وأطرافه عنده، ومسلم (1341) .(4/376)
وقال صلى الله عليه وسلم "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ"(1). أما إن كان معهما رجل آخر أو أكثر، أو امرأة أخرى أو أكثر، فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة؛ لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر . وهذا في غير السفر أما في السفر فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" (2) متفق على صحته . ولا فرق بين كون السفر من طريق الأرض أو الجو أو البحر، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجلة البلاغ، العدد (1026)/ 17 جمادى الآخرة /1410هـ
حكم الخلوة بالسائق للذهاب إلى المستشفى
والدتي مصابة بمرض الفشل الكلوي، وهي تذهب إلى المستشفى ثلاث مرات كل أسبوع، وهي تذهب مع سائق سعودي، وهو متزوج ويوجد لديه أولاد، وتذهب الوالدة معه دون وجود محرم؛ نظراً لقسوة الظروف وشدة الحاجة، ولأن الوالد مقعد ولا يستطيع الذهاب معها. فهل يجوز للوالدة أن تقوم بالركوب مع السائق دون محرم ؟ نظراً لأن لديها أولاداً ولكن لم يكونوا متواجدين في الوقت الذي تذهب مع السائق فيه، فهم يكونون في المدرسة، ولكن الحاجة ماسة وضرورية جداً. أفتونا جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …أحمد (1/18، 26) وَ (3/339، 446)، والترمذي (2165) وقال: «حسن صحيح غريب»، والنسائي في "الكبرى" (9219، 9221، 9223، 9225)، والطبراني في "الصغير" (245)، و"الأوسط" (1656، 2929، 7249)، وابن حبان (4576، 5586، 6728، 7254)، والحاكم 1/114، 115 (387- 390) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …البخاري (3006)، ومسلم (1341) .(4/377)
إذا أرادت والدتك أن تذهب إلى المستشفى فإنه يذهب معها أحد محارمها، ولا تذهب مع السائق الأجنبي، وليس معهما مَحْرَم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "مَا خَلاَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا"(1)، ووجودها مع السائق في السيارة بدون محرم خلوة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/58 - 59)
الحث على تعليم المرأة العلم النافع
لقد خصص رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً للنساء ليتعلمن أمور دينهن .. وكان يسمح لهن بالحضور خلف الرجال في المساجد لطلب العلم .. لماذا لا يقتدي العلماء بالرسول الكريم ؟ وإن كانوا قد قاموا ببعض الشيء في هذا المجال إلا أنه لا يكفي، ونطلب الزيادة .. جزاكم الله خيراً .
لا شك أن هذا فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وهكذا العلماء - بحمد الله - وأنا أيضاً فعلت ذلك مرات كثيرة: هنا، وفي مكة، والطائف، وجدة .
وليس عندي مانع من أن أخصص وقتاً للنساء في أي مكان إذا طلب مني ذلك .. وهذا أيضاً موقف زملائي العلماء . .
وبرنامج ( نور على الدرب ) فتح الله به خيراً كثيراً .. وبإمكان المرأة أن ترسل إلى البرنامج بأسئلتها وسيجاب عليها من خلاله، والبرنامج يُذاع مرتين كل ليلة من إذاعتي: نداء الإسلام ، و القرآن الكريم .
__________
(1) …أحمد (1/18، 26) وَ (3/339، 446)، والترمذي (2165) وقال: «حسن صحيح غريب»، والنسائي في "الكبرى" (9219، 9221، 9223، 9225)، والطبراني في "الصغير" (245)، و"الأوسط" (1656، 2929، 7249)، وابن حبان (4576، 5586، 6728، 7254)، والحاكم 1/114، 115 (387- 390) وصححه ووافقه الذهبي.(4/378)
ويمكن للنساء أيضاً أن يكتبن لدار الإفتاء، وتتولى الإجابة على هذه التساؤلات لجنة من العلماء مشكلة لهذا الغرض .. وعلى أية حال .. العلم للرجال والنساء على السواء .. ولا مانع من حضور المرأة للمحاضرات، بشرط الاحتجاب، وعدم التبرج .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (25، 26)
جواز حضور المرأة لِمَجَالِس العلم.. لكن بشروط
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تحضر مجالس العلم والدروس الفقهية في المساجد ؟
نعم؛ يجوز للمرأة أن تحضر مجالس العلم - سواء كان فِقْهًا حُكْمِيًّا، أو فقهًا متصلاً بالعقيدة والتوحيد - بشرط ألا تكون مُتطيِّبةً ولا مُتبرِّجة، ولابد أن تكون بعيدة عن الرجال غير مختلطة بهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"(1) . . وذلك لأن أوَّلَها أقرب إلى الرجال من آخرها، فصار آخرها خيرًا من أولها .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/129)
الفصل الرابع
شرح أحاديث متعلقة بالمرأة
معنى حديث : "... فَإنَّ المرأة خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع"
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "اِسْتَوصُوا بالنساء خيراً فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ"؛ متفق عليه .
يقول الشيخ/ شعيب الأرناؤوط، في تحقيقه وتعليقه على كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي تحت هذا الحديث، معلقاً على هذا الحديث بقوله: (الكلام هنا على التمثيل والتشبيه - كما هو مصرح به في الرواية الثانية: ((المرأة كالضلع))؛ لا أن المرأة خلقت من ضلع آدم كما توهمه بعضهم، وليس في السنة الصحيحة شيء من ذلك) .
__________
(1) …مسلم (440)، وأبو داود (678)، والترمذي (224)، والنسائي (821)، وابن ماجه (1000)، وابن خزيمة (1693)، والدارمي (1272).(4/379)
فضيلة الشيخ: هذا ما قاله الشيخ الأرناؤوط بالحرف الواحد، مع أن المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول بالحرف الواحد وبكل وضوح: "إن المرأة خلقت من ضِلَع"، ومصداق هذا أظن في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[النِّسَاء: 1]، وفي قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}[الرُّوم: 21]، وفي قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}[النّحل: 72]، وقد قال أهل التفسير: يعني: النساء، فإن حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام .
فضيلة الشيخ: هل ما قاله الشيخ الأرناؤوط صحيح أم خطأ ؟ وما توجيهكم للحديث الذي احتج به: "المرأةُ كالضِّلَعِ، إنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ وفِيهَا عِوَجٌ" ؟ أجيبونا مأجورين .
ظاهر الحديث(1): أن المرأة - والمراد بها حواء عليها السلام - خلقت من ضِلَع آدم عليه السلام، وهذا لا يخالف الحديث الآخر الذي فيه تشبيه المرأة بالضلع؛ بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه، أنها عوجاء مثله؛ لكون أصلها منه. والمعنى: أن المرأة خلقت من ضلع أعوج؛ فلا ينكر اعوجاجها، فإن أراد الزوج إقامتها على الجادَّة وعدم اعوجاجها أدى إلى الشقاق والفراق وهو كسرها، وإن صبر على سوء حالها وضعف عقلها ونحو ذلك من عوجها دام الأمر واستمرت العشرة - كما أوضح ذلك شراح الحديث؛ ومنهم: الحافظ ابن حجر في (الفتح) (6/368). رحم الله الجميع .
وبهذا يتبين أن إنكار خلق حواء من ضلع آدم غير صحيح .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/8-10)
معنى حديث : ".. ناقِصَاتُ عَقْلٍ ودِين"
__________
(1) …البخاري (3331، 5184، 5186)، ومسلم (1466، 1470)، بألفاظ متقاربة.(4/380)
بعض الناس يقولون: إن النساء ناقصات عقل ودين وميراث وشهادة. والبعض يقول: إن الله ساوى بينهم في الثواب والعقاب .. فما رأيكم: هل هن ناقصات في شريعة سيد الخلق أم لا ؟
الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم المرأة، والرفع من شأنها، وإحلالها المكان اللائق بها؛ رعاية لها، وحفظاً لكرامتها، فأوجبت على وليِّها وزوجها الإنفاق عليها، وحسن كفالتها، ورعاية أمرها، ومعاشرتها المعاشرة الحسنة؛ قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَِهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَِهْلِي"(1).
وأعطى الإسلام للمرأة ما يناسبها من جميع الحقوق والتصرفات الشرعية: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، من مختلف أنواع المعاملات: من البيع والشراء والصلح والوكالة والعارية والوديعة.. إلخ .
وأوجب عليها ما يناسبها من العبادات والتكاليف؛ مثل ما على الرجل من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج، ونحوها من العبادات الشرعية .
ولكن الشريعة جعلت للمرأة في الميراث نصف ما للرجل؛ لأنها ليست مكلفة بالنفقة على نفسها ولا بيتها ولا أولادها، وإنما المكلف بذلك الرجل . كما إن الرجل تعتريه النوائب في الضيافة والعقل والصلح على الأموال ونحو ذلك .
__________
(1) …الترمذي (3895) وابن ماجه (1977)، والدارمي (2260)، وابن حبان (4177، 4186)، والبيهقي في "الكبرى" 7/468 (15477) وقال الترمذي: «حسن غريب صحيح».(4/381)
كما أن شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد في بعض المواضع؛ لأن المرأة يعتريها النسيان أكثر بسبب ما رُكِّبَ في جِبِلَّتِهَا بما يعتريها من العادة الشهرية والحمل والوضع وتربية الأولاد؛ كل ذلك قد يشغل بالها وينسيها ما كانت تذكره؛ ولذلك دلت الأدلة الشرعية على أن تتحمل أختها معها الشهادة؛ ليكون ذلك أضبط لها، وأحكم لأدائها، على أن هناك من الأمور الخاصة بالنساء ما يكفي فيها شهادة المرأة الواحدة؛ كمعرفة الرضاع، وعيوب النكاح ونحوها .
والمرأة مساوية للرجل في الأجر، والإثابة على الإيمان والعمل الصالح، وبالاستمتاع بالحياة الطيبة في الدار الدنيا، والأجر العظيم في الدار الآخرة؛ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} .
فبذلك يعرف أن المرأة لها حقوق وعليها واجبات، كما أن الرجل له حقوق وعليه واجبات، وهناك أمور تناسب الرجال، جعلها الله سبحانه منوطة بالرجال، كما أن هناك أموراً تلائم المرأة جعلها الله منوطة بالنساء .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/6 -8)
معنى حديث : "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلّوْا أَمْرَهُم امْرَأَةً"
هل يجوز لجماعة من المسلمات، اللائي هن أكثر ثقافة من الرجال، أن يصبحن قادة للرجال ؟ بالإضافة إلى عدم قيام المرأة بإمامة الناس في الصلاة، ما هي الموانع الأخرى من تولي المرأة للمناصب أو الزعامة ؟ ولماذا ؟(4/382)
دلت السنة ومقاصد الشريعة والإجماع والواقع على أن المرأة لا تتولى منصب الإمارة ولا منصب القضاء؛ لعموم حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم - لما بلغه أن فارساً ولَّوا أمرهم امرأة - قال: "لَنْ يُفلِحَ قَومٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً" (1)، فإن كلاً من كلمة (قوم) وكلمة (امرأة): نكرة وقعت في سياق النفي فتعم؛ والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو معروف في الأصول. وذلك أن الشأن في النساء نقص عقولهن، وضعف فكرهن، وقوة عاطفتهن، فتطغى على تفكيرهن . ولأن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها، فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة وجماعاتها؛ رجالاً ونساء، في السلم والحرب، ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة، وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت .
ويشهد لذلك أيضاً إجماع الأمة في عصر الخلفاء الراشدين، وأئمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير، إجماعاً عملياً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المثقفات في علوم الدين اللاتي يرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام؛ بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة وما يتصل بها من المناصب والزعامات العامة .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمة والإفتاء (17/13)
معنى حديث : "يَقْطَعُ الصلاةَ: المرأةُ والكلبُ الأسود والحمار"
__________
(1) …البخاري (4425، 7099).(4/383)
أفيد سماحتكم بأنني امرأة مجاورة لأحد المساجد بالدمام، وإن المسجد جامع، وإنني ولله الحمد أؤدي الصلاة في أوقاتها، ومتوسطة في العلم والمعرفة. وقد سمعت إمام المسجد بواسطة مكبر الصوت يقول: الصلاة يقطعها ثلاثة: المرأة، والكلب الأسود، والحمار . فلا أعلم عن صحة الحديث هذا؛ كيف يربط المرأة بالحمار والكلب ؟ هل هي نجسة ؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء .
أولاً: الواجب على المسلم التسليم لأحكام الشرع؛ سواء فهم الحكمة منها أو لم يفهمها .
ثانياً: المرأة ليست نجسة، ولكن قد التمس بعض العلماء عِلَّةً لقطع المرأة للصلاة، وهي: أن المرأة تفتن الرجل .
ثالثاً: قد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأن هذه الثلاثة تقطع الصلاة إذا مَرَّت بين يَدَي المُصَلِّي؛ إذا لم يكن له سُتْرَة، أو بينه وبين سُتْرَتِهِ(1)، فوجب التسليم لحكم الله والعمل به. ومعنى القطع: إبطال الصلاة؛ في أصح قولي العلماء .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/11، 12)
معنى حديث : (نَهْيُ المرأة عن خَلْعِ ثيابِها في غيرِ بيتِ زوجها)
ثبت في الحديث النهي عن خلع المرأة ملابسها خارج بيت زوجها .. فما المقصود بذلك ؟ وهل يجوز أن تخلعها في بيت أهلها أو أقاربها ؟
__________
(1) …مسلم (510، 511).(4/384)
الحديث رواه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم، عن عائشة رضي الله عنها بلفظ: "أَيُّمَا امْرأةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا في غيرِ بيتِ زوجِها فقد هَتَكَتْ سِتْرَ ما بينَها وبينَ الله"(1)، ورواه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه بلفظ: "أَيُّمَا امْرأة نَزَعَتْ ثِيَابَهَا في غيرِ بيتُها خَرَقَ اللهُ عز وجل عنها سِتْرَهُ"(2)؛ ومراده صلى الله عليه وسلم - والله أعلم -: منعها من التساهل في كشف ملابسها في غير بيت زوجها على وَجْهٍ تُرَى فيه عَوْرَتُها، وتتهم فيه لقصد فعل الفاحشة ونحو ذلك. أما خلع ثيابها في محل آمن؛ كبيت أهلها ومحارمها لإبدالها بغيرها، أو للتنفس، ونحو ذلك من المقاصد المباحة البعيدة عن الفتنة - فلا حرج في ذلك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/224)
__________
(1) …أحمد (6/198)، وابن ماجه (3750)، والحاكم 4/321 (7780) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …أحمد (6/301)، والحاكم 4/321 (7782) وسكت عنه الذهبي، والطبراني في (الكبير) 23/314 (710) و23/402 (962)، والبيهقي في «شعب الإيمان» 6/158 (7774). قال المناوي في: «التيسير بشرح الجامع الصغير» (1/412): «بإسناد حسن أو صحيح».(4/385)