أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما: فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة؛ لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها، وذهب بعض المتأخرين من المالكية إلى عدم صحتها في الطائرة؛ لأن من شرط صحتها أن تكون الصلاة على الأرض، أو على ما هو متصل بها، كالراحلة أو السفينة مثلاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا .."(1) والله ولي التوفيق .
اللجنة الدائمة - فتاوى إسلامية، (1/227)
حكم المسافر الذي أدرك ركعتين من رُبَاعِيَّة مع مقيم
مسافر أتى على قوم يصلون العشاء جماعة دون قصر وهو يرغب أن يقصر؛ فهل يجوز له أن يلحق بهم ليكسب الجماعة ثم يجلس في التشهد الأول ويبقى جالساً حتى يتم الإمام صلاته ويسلم فيسلم معه ؟ وفي حال إذا فاتته الركعتان الأوليان، فهل يجوز له أن يلحق بهم ليكسب الجماعة فيصلي معهم الركعتين الأخيرتين ويسلم بعدها ؟
__________
(1) …البخاري (335)، ومسلم (521) .(2/231)
إذا صلى وحده له أن يقصر، وإذا صلى مع قوم يقصرون من الصلاة قصر معهم، وإذا صلى مع جماعة يتمون لزمه الإتمام حتى ولو لم يدرك معهم إلا آخر الصلاة، فإن عليه أن يقضي ما فاته؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أَدْرَكْتُم فَصَلُّوا وما فَاتَكُم فَاقْضُوا" (1)، وقيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما بال المسافر إذا صلَّى وحده قَصَرَ، وإذا صلَّى مع الجماعة أَتَمَّ ؟ فقال: (تلك السُّنة) (2)، والأفضل له أن يصلي جماعة ليكتسب الفضيلة. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليه توقيعه - في 2/11/1423هـ
كيف يصلي المسافر العشاء مع مقيم يصلي المغرب ؟
مسافر دخل الصلاة بنية العشاء مع إمام يُصلي المغرب .. فهل إذا جلس الإمام للتشهد الأول ينوي ذلك المأموم الانفراد ويُسلم لنفسه أم ينتظر حتى يأتي الإمام الركعة الثالثة ويُسلم ثم يسلم معه ؟
فيه قولان كما ذكر في السؤال، والأقرب: أن ينوي الانفراد ثم يسلم لنفسه بعد قيام الإمام الركعة الثالثة. وهناك من يقول: يعيد الصلاة فلا يصلي العشاء خلف من يُصلي المغرب، والأول أقرب.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليه توقيعه - في 2/11/1423هـ
هل تجب على المسافر الصلاة جماعة في المسجد ؟
هل من الواجب علي في السفر إذا سمعت الأذان أن أصلي في المسجد جماعة، أم أن صلاة الجماعة في المسجد تسقط عن المسافر ؟
إذا كان المسافر مقيماً في مكان فإنه يجب أن يصلي مع الناس في المسجد، أما إذا كان ماشياً وتوقف لحاجة؛ فلا تلزمه الجماعة في المسجد؛ بل يصليها مع أصحابه جماعة.
__________
(1) …أحمد (2/238، 270، 318، 489، 532)، والنسائي (861)، وابن خزيمة (1505، 1772)، وابن حبان (2145)، وآخرون. وصححه الألباني في «صحيح النسائي» برقم (830). والحديث في الصحيحين؛ بلفظ: (فأَتِمُّوا) بدل (فَاقْضُوا): البخاري (635)، ومسلم (602، 603).
(2) …أحمد (1/216)، بنحوه. وأصله في «صحيح مسلم» (688).(2/232)
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (15/419)
هل يكتفي المسافر بركعتين يدركهما خلف المقيم ؟
إذا كنت مسافراً إلى مكة ثم وقفت بمدينة من المدن وقد أذن العصر، ثم دخلت المسجد فوجدت الإمام الراتب قد صلى ركعتين اثنتين فدخلت معه وصليت الركعتين الباقيتين معه .. فهل أسلم معه على اعتبار أني مسافر وللمسافر قصر الرباعية ؟ أو آتي بركعتين أخريين لأتم أربعاً على اعتبار قولهم: (وإن ائتم بمن يلزمه الائتمام به أتم) ؟
قال أصحابنا(1): «وإِنِ ائْتَمَّ بِمَنْ يُتِم أَتَمَّ»؛ وعلى هذا فمتى ائتم المسافر بإمام مقيم لزمه إتمام الصلاة؛ سواء أكان مسبوقاً أم غير مسبوق، ولا فرق في ذلك بين الظهر، والعصر، والعشاء، ونحن نرى هذا القول حقًّا؛ بدليل عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فما أَدْرَكْتُم فَصَلُّوا وما فَاتَكُم فأَتِمُّوا" (2)، ولأن المأموم صلاته مرتبطة بصلاة إمامه ومأمور بالاقتداء به، وهذا منه. والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (15/268)
حكم الجمع للمسافر النَّازِل
ما هو الأفضل للمسافر: أن يصلي في مكان إقامته يجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء أم يصلي كل صلاة في وقتها ؟
الأفضل أن يصلي كل صلاة في وقتها، فإن شق عليه، فله أن يجمع؛ لأن القول الراجح أن الجمع في السفر جائز وإن لم يكن سائراً.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (15/419)
حكم الفصل بين الصلاتين المجموعتين
رجل نوى السفر وحينما وصل إلى المطار وقت الظهر وجد أناساً يصلون الظهر، فصلى معهم، وبعد السلام منها صعد الطائرة، وفي الطائرة صلى العصر قصراً بنية الجمع، فما حكم ذلك ؟
__________
(1) …انظر: «المغني» لابن قدامة (2/63).
(2) …البخاري (636، 908)، ومسلم (602).(2/233)
نرى أنه لا يصح له الجمع، فإن من شرط الجمع المواصلة بين الصلاتين وعدم الفصل بينهما، وهذا الرجل قد فصل بين الصلاتين، فصلى الظهر مع جماعة وأخر صلاة العصر قدر نصف ساعة أو نحوها، ففي هذه الحال عليه أن يعيدها في وقتها إذا هبطت الطائرة في المكان المعد للهبوط، إلا إذا خاف غروب الشمس قبل هبوطها، فله أن يصليها في الطائرة بحسب قدرته. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليه توقيعه - في 2/9/1424هـ
موضع الذِّكْر في الصلاتين المجموعتين
في حال الجمع بين الصلاتين في السفر كالجمع بين المغرب والعشاء أو بين الظهر والعصر؛ هل يصح للمسافر أن يأتي بالتسبيح والذكر والمشروع عقب كل صلاة ؟ أم أنه يصلي الثانية عقب الأولى مباشرة ويسقط عنه التسبيح ؟
في هذه الحالة يصلي الثانية بعد السلام من الأولى مباشرة، ويأتي بالأذكار والأوراد بعد الفراغ من الثانية؛ فإن تيسر له أن يأتي بأذكار الصلاتين بعد الفراغ منهما فهو أفضل، وإن اقتصر على ذكر إحدى الصلاتين فله ذلك، وإن انشغل بسفره وبعمله عن الذكر كله فله عذر، ولكن عليه الحرص أن يأتي بما يقدر عليه من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والدعاء؛ ليكون ذلك مما يكتب له به حسنات وأجر كبير.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليه توقيعه - في 2/11/1423هـ
حكم الذِّكْر بعد الصلاة في السفر
من المعلوم حفظكم الله أن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ترك السنن النافلة بعد الصلاة المفروضة في السفر ما عدى سنة الفجر؛ فما هي سنته صلى الله عليه وسلم حال السفر في الأذكار المشروعة عقب الصلوات المفروضة ؟ أفتونا مأجورين.(2/234)
إنما سقطت النوافل عن المسافر لأجل المشقة والتي يكلفه معها إتمام الصلاة والإتيان بالنوافل، فإذا انتفت المشقه فلا مانع من التطوع ولا حرج في إتمام الصلاة، ويستحب المواظبة على الأذكار والأوراد التي بعد الصلوات؛ لما ورد فيها من الفضل وعدم المشقة في المواظبة عليها؛ لقوله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 103]، يقدر المصلي أن يأتي بالأوراد ولو كان راكباً أو ماشياً أو مضطجعاً؛ فلا يحرم نفسه هذا الخير الذي هو ذكر الله تعالى والإتيان بهذه الأوراد. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليه توقيعه - في 29/4/1423هـ
رُخَص السفر
ما هي رخص السفر ؟
رخص السفر أربع:
1- صلاة الرباعية ركعتين.
2- الفطر في رمضان، ويقضيه عدة من أيام أخر.
3- المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها؛ ابتداء من أول مرة مسح.
4- سقوط المطالبة براتبة الظهر، والمغرب، والعشاء، أما راتبة الفجر وبقية النوافل فإنها باقية على مشروعيتها واستحبابها.
فيصلي المسافر صلاة الليل، وسنة الفجر، وركعتي الضحى وسنة الوضوء، وركعتي دخول المسجد، وركعتي القدوم من السفر؛ فإن من السنة إذا قدم الإنسان من سفر أن يبدأ قبل دخول بيته بدخول المسجد فيصلي فيه ركعتين(1).
وهكذا بقية التطوع بالصلاة فإنه لا يزال مشروعاً بالنسبة للمسافر ما عدا ما قلت سابقاً وهي: راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الرواتب الثلاث.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (15/400)
الفصل العاشر
صلاة الجمعة
العمل ليس بحُجَّة لترك الجمعة
__________
(1) …ورد هذا في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه الطويل في قصة توبته، ولفظه: «كان إذا قَدِمَ من سَفَرٍ بَدَأَ بالمسجدِ فَرَكَعَ فيه ركعتين». رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769).(2/235)
أرجوكم الفتوى عن صلاة الجمعة، هل هي فرض مثل الفرائض، أم هي واجبة ؟ لأنني أعمل في معمل الكفر، ولم يسمح لي أن أذهب لأداء صلاة الجمعة، وإني في حيرة من جهة قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجُمُعَة، من الآية: 9]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاةُ الجمعة واجبةٌ على كل مسلم). والآن أفيدوني أفادكم الله.
صلاة الجمعة فريضة على كل مكلف ذكر مستوطن ببناءٍ؛ للآية الكريمة المذكورة في السؤال، ولا يجوز لك التخلف عنها بسبب العمل، ولو منعك صاحب العمل؛ لأنه "لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ" (1)؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قولك: (صلاةُ الجُمُعة واجبةٌ على كُلِّ مسلم)؛ فليس هذا بحديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/185)
حكم غسل الجمعة (للشيخ ابن باز)
هل يكتفى بالغسل الواجب قبل صلاة الفجر للجمعة أم لا ؟
السُنة غسل يوم الجمعة عند التهيؤ لصلاة الجمعة، والأفضل أن يكون ذلك عند التوجه إلى المسجد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رَاحَ أَحَدُكُم إلى الجُمعة فَلْيَغْتَسِلْ"(2).
__________
(1) …أحمد (1/131، 409) (5/66)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (33717)، والطبراني في "الأوسط" (4322)، و"الكبير" (367، 381، 407، 437، 571). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/226:…«رواه أحمد بألفاظ، والطبراني باختصار، وفي بعض طرقه: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ورجال أحمد رجال الصحيح ».
(2) …البخاري (882) واللفظ له، ومسلم (845).(2/236)
وإذا كان اغتسل في أول النهار أجزأه؛ لأن غسل يوم الجمعة سُنة مؤكدة، وقال بعض أهل العلم بالوجوب، فينبغي المحافظة على هذا الغسل يوم الجمعة في يوم الجمعة، والأفضل أن يكون عند توجهه إلى الجمعة كما تقدم؛ لأن هذا أبلغ في النظافة، وأبلغ في قطع الروائح الكريهة، مع العناية بالطيب واللباس الحسن، وكذلك ينبغي له إذا خرج إليها أن يعتني بالخشوع وأن يقارب بين خطاه؛ لأن الخطا تحط بها السيئات ويرفع الله بها الدرجات فينبغي أن يكون له خشوع وعناية، وإذا وصل إلى المسجد قدم رجله اليمنى، وصلى على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسمَّى الله، وقال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، ثم يصلي ما قدَّر الله له، ولا يفرق بين اثنين، وبعد ذلك يجلس ينتظر: إما في قراءة وإما في ذكر واستغفار أو سكوت حتى يأتي الإمام، ويكون منصتاً إذا خطب الإمام، ثم يصلي معه، فإذا فعل ذلك فقد أتى خيراً عظيماً.
وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنِ اغتسلَ ثم أتى الجُمُعَةَ فصلَّى ما قُدِّرَ لَهَ، ثم أنصتَ حتى يَفْرُغَ من خُطبتِهِ ثم يُصلِّي معه؛ غُفِر له ما بينَهُ وبين الجمعة الأخرى وفَضْلُ ثلاثةِ أيام" (1)؛ وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (12/404)
حكم غسل الجمعة (للشيخ ابن عثيمين)
هل آثم إذا تركت غسل الجمعة أم لا ؟
__________
(1) …مسلم (857).(2/237)
إذا قلنا بوجوب غسل الجمعة فإن من تركه يأثم، وإذا قلنا بأنه سنة وليس بواجب فإن تاركه لا يأثم، والصحيح: أن غسل الجمعة واجب على كل بالغ يحضر الجمعة؛ لما ثبت من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي رواه البخاري وغيره، بل أخرجه جميع الأئمة المخرج لهم وهم السبعة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "غُسْلُ يَوْمِ الجُمعة واجبٌ على كُلِّ مُحْتَلِم" (1)؛ وهذه العبارة لو وجدناها في كتاب فقه عبر به العلماء لكنا لا نشك بأن هذه العبارة تدل على الوجوب الذي هو اللزوم والإثم بالترك؛ فكيف إذا كان الناطق بها أفصح الخلق، وأعلم الخلق بما يقول، وأنصح الخلق فيما يرشد عليه الصلاة والسلام ؟! فكيف يقول لأمته: غُسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ثم نقول: معنى (واجب) أي: متأكد ؟!
إذاً فغسل الجمعة واجب على كل بالغ محتلم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (16/135)
العدد المطلوب لصحة صلاة الجمعة
أنا أحد الطلبة السعوديين الذين يدرسون بالولايات المتحدة، وإنا نواجه صعوبات تعترض طريقنا؛ منها: صلاة الجمعة، فقد كنا من قبل لا نصليها لعلمنا أنها لا تجوز إلا بأربعين رجلاً، ونحن أقل من أربعين، ولا نعلم ما إذا سقطت عنا أم لا ؟
__________
(1) …البخاري (858) وأطرافه فيه، ومسلم (846).(2/238)
من كان مقيماً مثلكم إقامة تمنع قصر الصلاة في السفرفعليه إقامة صلاة الجمعة؛ على الصحيح من أقوال العلماء، ولا يشترط لوجوبها ولا لصحتها أن يكون العدد أربعين رجلاً؛ بل يكفي أن يكونوا ثلاثة فأكثر، من الرجال المستوطنين؛ على الصحيح أيضاً من أقوال العلماء؛ لعموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجُمُعَة، من الآية: 9]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لَيَنْتِهَيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهِمُ الجُمُعاتِ أو لَيَخْتِمَنَّ اللهُ على قلوبهم ثم لَيَكُونُنَّ من الغَافِلِين" (1) رواه مسلم. وغير المستوطنين من المقيمين إقامة تمنع القصر تلزمهم الجمعة تبعاً لغيرهم من المستوطنين.
أما ما مضى من ترككم صلاة الجمعة من قبل - لعلمكم أنها لا تجب عليكم إلا إذا كنتم أربعين رجلاً - فنرجو أن يعفو الله عما سلف؛ بسبب جهلكم في الحكم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/211، 212)
موضوعات خطبة الجمعة
س 1: هل يصح أن يتدخل الخطيب أثناء الخطبة في مواضيع تواجه الحياة ؟
س 2: ما حكم تدخل بعض الشيوخ في السياسة ؟
1، 2: للخطيب أن يبين في خطبة الجمعة وفي دروسه ومحاضراته ما تحتاجه الأمة من المعارف النافعة، وأن يعالج أمراض الشعب، ويحل مشاكلهم قدر استطاعته، بالحكمة والموعظة الحسنة؛ سواء سمي ذلك سياسة أو خطبة جمعة أو تعليماً وإرشاداً، وما كان يترتب عليه من كلامه فتنة أو مفسدة راجحة على ما يقصد من المصلحة أو مساوية لها ترك الحديث فيه؛ إيثاراً للمصلحة الراجحة، أو حذراً من وقوع ما لا تحمد عقباه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/230-231)
__________
(1) …مسلم، (865)، ومعنى (وَدْعِهم): أي تَرْكِهِم.(2/239)
حكم المصافحة أثناء الخطبة
هل إذا صافح المسلم أخاه المسلم يوم الجمعة بعد صعود الإمام المنبر وهو يخطب - كما يفعله كثير من الناس في هذه الأيام - تبطل صلاته وصلاة من صافحة ؟
يجب على من حضر لصلاة الجمعة الإنصات والاستماع للخطبة إذا خطب الإمام، وعدم الاشتغال بشيء يصده عن الاستماع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قُلتَ لِصَاحِبِكَ يومَ الجُمُعَة: أَنْصِتْ، والإمامُ يخطُبُ فقد لَغَوْتَ" (1)، متفق على صحته. أما المصافحة بدون كلام فلا بأس بها؛ كالإشارة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/245)
وقت ساعة الإجابة يوم الجمعة
آخر ساعة من عصر الجمعة هل هي ساعة الإجابة ؟ وهل يلزم المسلم أن يكون في المسجد في هذه الساعة، وكذلك النساء في المنازل ؟
أرجح الأقوال في ساعة الإجابة يوم الجمعة قولان:
*…أحدهما: إنها بعد العصر إلى غروب الشمس في حق من جلس ينتظر صلاة المغرب؛ سواء كان في المسجد أو في بيته يدعو ربه، وسواء كان رجلاً أو امرأة . فهو حريّ بالإجابة، لكن ليس للرجل أن يصلي في البيت صلاة المغرب، ولا غيرها إلا بعذر شرعي - كما هو معلوم من الأدلة الشرعية .
*…والثاني: أنها من حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة . فالدعاء في هذين الوقتين حري بالإجابة .
وهذان الوقتان هما أحرى ساعات الإجابة يوم الجمعة؛ لما ورد فيهما من الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك . وترجى هذه الساعة في بقية ساعات اليوم، وفضل الله واسع سبحانه وتعالى.
__________
(1) …البخاري (934)، ومسلم (851).(2/240)
- ومن أوقات الإجابة في جميع الصلوات فرضها ونفلها: حال السجود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ" (1)، وروى مسلم رحمه الله في صحيحه: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عز وجل، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"(2). ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فقمنٌ أن يستجاب لكم): أي حَرِيٌّ.
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث . العدد (34) ص: (142، 143)
حكم صلاة الجمعة في السفينة
س1: عملنا دائم على متن سفينة بحرية، وأحياناً تمضي الأيام والأسابيع على متنها، والسفينة مزودة بكل وسائل الراحة، فتصادفنا أيام جُمَع، وعددنا قد يصل إلى الستين ويزيد، فهل علينا أن نقيم صلاة الجمعة ؟ أم أننا نعتبر مسافرين فنصلي ظهراً ؟ وهل نصلي قصراً وجمعا مع أن الصلاة لا تحتاج منا إلى وقوف لنؤديها ؟ وقد خصصنا مكاناً للصلاة ولكنه في بعض الأحيان قد لا يتسع لكل المصلين فيصلون في مكان آخر مجاور، مقتدين بنفس الإمام؛ فهل هذا جائز ؟ مع العلم أنهم لا يرون الإمام ولكنهم يسمعونه، وما الحكم لو كان هذا المكان متقدماً على الإمام: هل الصلاة فيه صحيحة أم لا ؟
ج1: أمَّا بالنسبة لصلاة الجمعة فلا تصح منك، والواجب عليكم صلاة الظهر؛ لأنَّ الجمعة إنما تجب على المستوطنين، أمّا المسافر على سفينة أو على غيرها، فلا تجب عليه الجمعة، ولا تصح منه إذا صلاّها، إلا إذا صلاها تبعاً لأهل البلد، أما أن يُصليها وهو في حالة السفر فلا تصح منه.
وأمّا بالنسبة للجمع؛ فالجمع بين الصلاتين إنما يباح عند الحاجة، فإذا كان هناك حاجة إليه بحيث إنكم لا تتمكنون من أداء كل صلاة في وقتها - فلا بأس أن تجمعوا بين الصلاتين.
__________
(1) …مسلم (482) .
(2) …مسلم (479) .(2/241)
وأمَّا بالنسبة لصلاة من ذكرتم أنّ المكان يضيق بكم، وأنّ هناك مكاناً آخر ملاصقاً للمصلّي فيه جماعة - فلا بأس في ذلك؛ إذا سمعوا صوت الإمام، ولا يجوز أن يكونوا متقدمين عليه؛ بل لابد أن يكونوا عن يمينه، أو عن شماله أو خلف ظهره، أمّا أن يكونوا أمامه فلا يصح؛ لأنّ موقف المأموم خلف الإمام، أو عن يمينه، أو عن شماله إذا كان يمينه فيه مصلُّون آخرون.
- فالحاصل أنّه يُشترط للاقتداء بالإمام أن لا يكون المأموم أمام الإمام.
أما بالنسبة للقصر، فما دام أنّ سفرهم يبلغ مسافة القصر، ثمانين كيلو فأكثر، فيجوز لهم القصر؛ لأن القصر هو السنة في حقّ المسافر، والجمع يباح عند الحاجة.
س2: ولكن أليست الحكمة من القصر كسْبُ الوقت بالنسبة للسفر ؟
ج2: الله سبحانه وتعالى شرع للمسافر أن يقصر، وعلّق القصر بوجود السفرّ؛ فإذا وجد السفر فإنّه يشرع القصر.
الشيخ الفوزان - مجموع الفتاوى (1/269-271) جمع: حمود المطر، وعبدالكريم المقرن
الفصل الحادي عشر
أحكام العيدين
بعض أحكام العيدين
ما أحكام العيد والسنن التي فيه ؟
جعل الله في العيد أحكاماً متعددة، منها:
أولاً: استحباب التكبير في ليلة العيد من غروب الشمس آخر يوم من رمضان إلى حضور الإمام للصلاة، وصيغة التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أو يكبر ثلاثاً فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وكل ذلك جائز.
وينبغي أن يرفع الإنسان صوته بهذا الذكر في الأسواق والمساجد والبيوت، ولا ترفع النساء أصواتهن بذلك.
ثانياً: يأكل تمرات وتراً قبل الخروج للعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وتراً(1)، ويقتصر على وتر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) …البخاري (953).(2/242)
ثالثاً: يلبس أحسن ثيابه، وهذا للرجال، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلات" (1) أي: في ثياب عادية ليست ثياب تَبَرُّج، ويحرم عليها أن تخرج متطيبة متبرجة.
رابعاً: استحب بعض العلماء أن يغتسل الإنسان لصلاة العيد؛ لأن ذلك مروي عن بعض السلف، والغسل للعيد مستحب، كما شرع للجمعة لاجتماع الناس، ولو اغتسل الإنسان لكان ذلك جيداً.
خامساً: صلاة العيد. وقد أجمع المسلمون على مشروعية صلاة العيد، ومنهم من قال: هي سنة. ومنهم من قال: فرض كفاية. وبعضهم قال: فرض عين ومن تركها أثم، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حتى ذوات الخدور والعَوَاتق(2) ومن لا عادة لهن بالخروج أن يحضرن مصلى العيد، إلا أن الحُيَّض يعتزلن المصلى؛ لأن الحائض لا يجوز أن تمكث في المسجد، وإن كان يجوز أن تمر بالمسجد لكن لا تمكث فيه.
والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وإذا فاتت الإنسان سقطت لأنها كالجمعة، والجمعة إذا فاتت الإنسان سقطت، ولو أن الوقت وقت جمعة لقلنا لمن فاتته الجمعة لا تصل الظهر، لكن لما فاتته الجمعة وجبت صلاة الظهر؛ لأنه وقت الظهر، أما صلاة العيد فليس لها صلاة مفروضة غير صلاة العيد وقد فاتت.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يُسَنُّ قضاؤها، فإذا أتيت صلاة العيد والإمام يخطب، تصلي العيد على الصفة التي صلاها الإمام.
__________
(1) …أحمد (2/145، 438، 475، 528)، (5/192، 193)، (6/69)، وأبو داود (565)، والبزار (3772)، وابن حبان (2211، 2214)، والدارمي (1279)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (7609) وآخرون. قال الألباني في «صحيح أبي داود» (529): «حسن صحيح». وانظر: «مجمع الزوائد» (2/33).
(2) …العَوَائِق: جمع عَاتِق، وهي الشابة البكر التي لم تتزوج.(2/243)
ويقرأ الإمام في الركعة الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَْعْلَى *}[الأعلى] وفي الثانية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ *}[الغَاشِيَة] أو يقرأ سورة (ق) في الأولى، وسورة القمر في الثانية(1)، وكلاهما صح به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سادساً: إذا اجتمعت الجمعة والعيد في يوم واحد، فتقام صلاة العيد، وتقام كذلك صلاة الجمعة، كما يدل عليه ظاهر حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه(2)، ولكن من حضر مع الإمام صلاة العيد إن شاء فليحضر الجمعة، ومن شاء فليصل ظهراً.
سابعاً: ومن أحكام صلاة العيد أنه عند كثير من أهل العلم أن الإنسان إذا جاء إلى مصلى العيد قبل حضور الإمام فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى العيد ركعتين لم يُصلِّ قبلهما ولا بعدهما(3).
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا جاء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن مصلى العيد مسجد؛ بدليل منع الحيض منه، فثبت له حكم المسجد، فدل على أنه مسجد، وإلا لما ثبتت له أحكام المسجد، وعلى هذا فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا دَخَل أحدكُمُ المسجدَ فلا يجلس حتى يُصَلّي ركعتين"(4). وأما عدم صلاته صلى الله عليه وسلم قبلها وبعدها فلأنه إذا حضر بدأ بصلاة العيد.
إذن يثبت لمصلى العيد تحية المسجد كما تثبت لسائر المساجد، ولأننا لو أخذنا من الحديث أن مسجد العيد ليس له تحية لقلنا: ليس لمسجد الجمعة تحية؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضر مسجد الجمعة يخطب ثم يصلي ركعتين، ثم ينصرف ويصلي راتبة الجمعة في بيته، فلم يصل قبلها ولا بعدها.
__________
(1) …مسلم، (878، 891).
(2) …مسلم (878).
(3) …البخاري (964)، ومسلم (884).
(4) …البخاري (444، 1163)، ومسلم (714).(2/244)
والذي يترجح عندي أن مسجد العيد تصلى فيه ركعتان تحية المسجد، ومع ذلك لا ينكر بعضنا على بعض في هذه المسألة؛ لأنها مسألة خلافية، ولا ينبغي الإنكار في مسائل الخلاف إلا إذا كان النص واضحاً كل الوضوح، فمن صلى لا ننكر عليه، ومن جلس لا ننكر عليه.
ثامناً: من أحكام يوم العيد - عيد الفطر - أنه تفرض فيه زكاة الفطر، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُخْرَج قبل صلاة العيد(1)، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين - لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري: وكانوا يُعطُون قبل الفطر بيوم أو يومين (2)، وإذا أخرجها بعد صلاة العيد فلا تجزئه عن صدقة الفطر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: مَن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات (3)، فيحرم على الإنسان أن يؤخر زكاة الفطر عن صلاة العيد، فإن أخرها بلا عذر فهي زكاة غير مقبولة، وإن كان بعذر كمن في السفر وليس عنده ما يخرجه أو من يخرج إليه، أو من اعتمد على أهله أن يخرجوها واعتمدوا هم عليه، فذلك يخرجها متى تيسر له ذلك، وإن كان بعد الصلاة ولا إثم عليه؛ لأنه معذور.
تاسعاً: يهنئ الناس بعضهم بعضاً، ولكن يحدث من المحظورات في ذلك ما يحدث من كثير من الناس، حيث يدخل الرجال البيوت يصافحون النساء سافرات بدون وجود محارم. وهذه منكرات بعضها فوق بعض.
__________
(1) …البخاري (1509)، ومسلم (986).
(2) …البخاري (1511).
(3) …أبو داود، (1609)، والحاكم 1/409 (1488)، وصححه ووافقه الذهبي.(2/245)
ونجد بعض الناس ينفرون ممن يمتنع عن مصافحة من ليست محرماً له، وهم الظالمون وليس هو الظالم، والقطيعة منهم وليست منه، ولكن يجب عليه أن يبين لهم ويرشدهم إلى سؤال الثقات من أهل العلم للتثبت، ويرشدهم أن لا يغضبوا لمجرد اتباع عادات الآباء والأجداد؛ لأنها لا تحرم حلالاً، ولا تحلل حراماً، ويبين لهم أنهم إذا فعلوا ذلك كانوا كمن حكى الله قولهم: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ *}[الزّخرُف].
ويعتاد بعض الناس الخروج إلى المقابر يوم العيد يهنئون أصحاب القبور، وليس أصحاب القبور في حاجة لتهنئة، فهم ما صاموا ولا قاموا.
وزيارة المقبرة لا تختص بيوم العيد، أو الجمعة، أو أي يوم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم زار المقبرة في الليل؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم(1). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زُورُوا القبورَ فإنها تُذكِّركم الآخرة"(2).
ولو قيدها البعض بمن قسى قلبه لم يكن بعيداً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علل الأمر بالزيارة بأنها تذكر الآخرة، فكلما ابتعدنا عن الآخرة ذهبنا إلى المقابر، لكن لم أعلم من قال بهذا من أهل العلم، ولو قيل لكان له وجه.
وزيارة القبور من العبادات، والعبادات لا تكون مشروعة حتى توافق الشرع في ستة أمور منها الزمن، ولم يخصص النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بزيارة القبور، فلا ينبغي أن يخصص بها.
__________
(1) …مسلم (974).
(2) …مسلم، (976) بلفظ: ((فإنها تذكركم الموت)). وعند الترمذي (1054): «تذكر الآخرة». وقال: «حديث حسن صحيح».(2/246)
عاشراً: ومما يفعل يوم العيد معانقة الرجال بعضهم لبعض، وهذا لا حرج فيه، وتقبيل النساء من المحارم لا بأس به، ولكن العلماء كرهوه إلا في الأم فيقبل الرجل رأسها أو جبهتها وكذلك البنت، وغيرهما من المحارم يبعد عن تقبيل الخدين، فذلك أسلم.
الحادي عشر: ويشرع لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج من طريق ويرجع من آخر؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم(1) ، ولا تسن هذه السنة في غيرها من الصلوات: لا الجمعة ولا غيرها؛ بل تختص بالعيد، وبعض العلماء يرى أن ذلك مشروع في صلاة الجمعة، لكن القاعدة: «أن كل فعل وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فاتخاذه عبادة يكون بدعة من البدع».
فإن قيل: ما الحكمة من مخالفة الطريق ؟
فالجواب: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا *}[الأحزَاب]، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت رضي الله عنها: كان يُصِيبُنَا ذلك فَنُؤْمَرُ بقضاءِ الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة (2)، فهذه هي الحكمة.
وعلل بعض العلماء بأنه لإظهار هذه الشعيرة في أسواق المسلمين.
وعلل بعضهم بأنه لأجل أن يشهد له الطريقان يوم القيامة.
وقال بعضهم: للتصدق على فقراء الطريق الثاني. والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (16/216)
صفة التكبير في الأضحى ووقته
أسمع بعض الناس في أيام التشريق يكبرون بعد كل صلاة حتى عصر اليوم الثالث؛ هل هم على صواب أم لا ؟
__________
(1) …البخاري (986).
(2) …مسلم، (335). وعند البخاري (321) بلفظ: (كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله).(2/247)
يشرع في عيد الأضحى التكبير المطلق، والمقيد، فالتكبير المطلق في جميع الأوقات من أول دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق. وأما التكبير المقيد فيكون في أدبار الصلوات المفروضة من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع، وفعل الصحابة رضي الله عنهم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/312)
حكم التكبير الجماعي
ثبت لدينا أن التكبير في أيام التشريق سنة؛ فهل يصح أن يكبر الإمام ثم يكبر خلفه المصلون ؟ أم يكبر كل مصلٍ وحده بصوت منخفض أو مرتفع ؟
يكبر كلٌ وحده جهراً؛ فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التكبير الجماعي، وقد قال: "مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أَمْرُنَا فهو رَدّ"(1).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/310)
حكم صلاة العيدين للرجال
صلاة العيدين الفطر والأضحى .. هل هي واجبة أم سنة ؟ وما هي الذنوب على الذي يتركها ؟
صلاة العيدين: الفطر والأضحى، كل منهما فرض كفاية، وقال بعض أهل العلم: أنهما فرض عين كالجمعة؛ فلا ينبغي للمؤمن تركها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/284)
حكم صلاة العيدين للنساء
هل صلاة العيد واجبة على المرأة ؟ وإن كانت واجبة فهل تصليها في المنزل أو في المصلى ؟
ليست واجبة على المرأة ولكنها سنة في حقها، وتصليها في المصلى مع المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن بذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/284)
هل لمسجدِ العيدِ تحيَّة ؟
__________
(1) …علقه البخاري في كتابي البيوع والاعتصام، ووصله مسلم برقم (1718).(2/248)
نظراً لأن الأماكن التي تقام فيها صلاة العيدين والاستسقاء أصبحت مساجد معروفة ومسورة، وأوقافاً لا يجوز لأحد أن يتعدى عليها أو ينزل فيها، وعندما تقام الصلاة فيها للعيدين أو الاستسقاء يحدث خلاف كثير حول تحية هذه المساجد: هل هي مستحبة ؟ أم أنه منهي عنها ؟
إذا صلى المسلمون صلاة العيدين أو الاستسقاء خارج البلد في البرية: فلا يشرع لمن أتى المصلى أن يصلي تطوعاً، لا تحية المسجد ولا غيرها؛ وذلك عملاً بما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم عيد الفطر فصلى ركعتين لم يُصَلِّ قبلهما ولا بعدهما)(1) ، وإن أقيمت صلاة العيدين أو الاستسقاء في أحد مساجد البلد فلا بأس بصلاة تحية المسجد عند الدخول ولا يتنفل في موضع صلاته غيرها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/304)
هل تُقْضَى صلاة العيد ؟
س1: في صباح يوم عيد الفطر المبارك وعند وصولنا إلى المشهد في أحد ضواحي مدينة الطائف، وبالتحديد في منطقة بني مالك، وجدنا الإمام صلى وعلى انتهاء من الخطبة، وطلب الذين حضروا للصلاة ولم يتمكنوا من أداء الصلاة طلبوا من أحد الموجودين إقامة الصلاة بهم، وعددهم يتجاوز الخمسين، فقام وصلى بهم الركعتين والإمام يخطب. بعد الصلاة دار نقاش بعدم صحة الصلاة، ومنهم من قال: الصلاة صحيحة. نرجو تكرم فضيلتكم بالإجابة. وما مدى صحة الصلاة من عدمه ؟ وفقكم الله لكل خير والسلام عليكم.
__________
(1) …أحمد (1/340)، والبخاري (964، 989، 1431، 5881، 5883)، ومسلم (884) - (13).(2/249)
ج1: صلاة العيدين فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وفي الصورة المسؤول عنها: حصل أداء الفرض من الذين صلوا أولاً - الذين خطب بهم الإمام - ومن فاتته وأحب قضاءها استحب له ذلك؛ فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم. والأصل في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتُم الصلاةَ فامْشُوا وعليكم السكينة والوَقَار؛ فما أدركْتُم فصَلُّوا وما فاتكم فاقْضُوا" (1)، وما روي عن أنس رضي الله عنه: أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه، ثم قام عبدالله بن أبي عتبة - مولاه - فيصلي بهم ركعتين، يكبر فيهما. ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك؛ حتى يجمع بين المصلحتين.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/305، 306)
س2: إذا جاء الإنسان يوم العيد والإمام يخطب فهل يجلس أو يقضي صلاة العيد ؟
ج2: إذا جاء الإنسان يوم العيد والإمام يخطب فقد انتهت الصلاة كما هو معلوم، ولكن لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية للمسجد، فإن فقهاء الحنابلة - رحمهم الله - نصوا على أن مصلى العيد مسجد حكمه حكم المساجد؛ ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحُيَّض أن تعتزله، وهذا يدل على أن حكمه حكم المساجد، وبناء عليه فإنه إذا دخله الإنسان لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد.
- أما قضاء صلاة العيد إذا فاتت فقد اختلف فيها أهل العلم:
فمنهم من قال: إنها تقضى على صفتها.
ومنهم من قال: إنها لا تقضى.
__________
(1) …أحمد (2/238)، وأبو داود (572)، والنسائي (861)، وابن خزيمة (1505، 1772)، وابن حبان (2145). وهو في البخاري (635، 636، 908)، ومسلم (602) بلفظ: (فَأَتِمُّوا) بدل (فَاقْضُوا).(2/250)
والقائلون بأنها لا تقضى يقولون: لأنها صلاة شرعت على وجه الاجتماع فلا تقضى إذا فاتت كصلاة الجمعة، لكن صلاة الجمعة يجب أن يصلي الإنسان بدلها صلاة الظهر؛ لأنها فريضة الوقت، أما صلاة العيد فليس لها بدل، فإذا فاتت مع الإمام فإنه لا يشرع قضاؤها، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو عندي أصوب من القول بالقضاء، والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى ورسائل (16/255) ف (1376)
س3: من فاتته صلاة العيد هل عليه القضاء ؟
ج3: يستحب له أن يقضي الصلاة على صفتها؛ سواء كان منفرداً أو مع جماعة يقضونها، فإن هناك من قال بأنها فرض عين، وإذا قيل إنها فرض كفاية فلا ينبغي للمسلم التفريط فيها؛ بل عليه أن يحرص على أدائها بقدر الاستطاعة.
الشيخ ابن جبرين - من فتوى عليها توقيعه - في 2/11/1423هـ
أحكام إقامة الاحتفالات والأعياد
ما هو الرأي في الاحتفالات البهيجة التي يقيمها المسلمون في ترينيداد بمناسبة الزواج والانتقال إلى دار جديدة، وأعياد الميلاد الفردية وغيرها من المناسبات السارة، والتي يتلون خلالها القرآن الكريم، وينشدون أناشيد المديح في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ثم يختمون الحفل بالوقوف احتراماً وتقديراً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟
أولاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر، وأمر بإعلان النكاح، والاحتفال بمناسبة الزواج والانتقال بالعروس إلى دار زوجها من إعلان النكاح؛ فكان مشروعاً إلا إذا كان فيه غناء منكر أو اختلاط نساء برجال، أو ما أشبه ذلك من المحرمات.(2/251)
ثانياً: الأعياد في الإسلام ثلاثة: يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، ويوم الجمعة. أما أعياد الميلاد الفردية وغيرها مما يجتمع فيه من المناسبات السارة؛ كأول يوم من السنة الهجرية، والميلادية، وكيوم نصف شعبان، أو ليلة النصف منه، ويوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم تولى زعيمٌ الملك أو رئاسة جمهورية مثلاً؛ فهذه وأمثالها لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين، ولا في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، فهي من البدع المحدثة، التي سرت إلى المسلمين من غيرهم، وفتنوا بها، وصاروا يحتفلون فيها كاحتفالهم بالأعياد الإسلامية أو أكثر، وقد يحدث في بعض هذه الاحتفالات غلو في الأشخاص، وإسراف في الأموال، واختلاط نساء برجال، ومضاهاة لأهل الكفر فيما هو عادة لهم في احتفالهم بما يسمى عندهم أعياد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكُم ومُحْدَثَاتُ الأمور، فإنَّ كلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ" (1)، وقال: "مَنْ أحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ مِنْهُ فهو رَدّ" (2)، وهذا ظاهر فيما إذا كان الاحتفال لتعظيم من احتفل من أجله، أو لرجاء بركته، أو المثوبة من القيام كمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد الحسين رضي الله عنه، ومولد البدوي، وغيرهم، وكتعظيم ما احتفل به من الأيام والليالي، ورجاء المثوبة من الاحتفال به، والبركة من ذلك؛ كالاحتفال بليلة النصف من شعبان، أو يومها، وليلة الإسراء والمعراج، ونحو ذلك. فإن الاحتفال بما ذكر وأمثاله ضرب من الزلفى، والتقرب وقصد المثوبة. أما ما لم يقصد به التبرك ولا المثوبة: كالاحتفال بميلاد الأولاد، وأول السنة الهجرية، أو الميلادية، وبيوم تولي الزعماء
__________
(1) …أحمد (4/126)، وأبو داود (467)، والترمذي (2676) وقال: «حسن صحيح»، والحاكم 1/174 (329) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …البخاري (2697)، ومسلم (1718).(2/252)
لمناصبهم ـ فهو وإن كان من بدع العادات، إلا أن فيه مضاهات للكفار في أعيادهم، وذريعة إلى أنواع أخرى من الاحتفالات المحرمة، التي ظهر فيها معنى التعظيم والتقرب لغير الله، فكانت ممنوعة؛ سداً للذريعة، وبعداً عن مشابهة الكفار في أعيادهم واحتفالاتهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فهو منهم"(1).
ثالثاً: تلاوة القرآن من خير القربات والأعمال الصالحات، لكن جعلها ختاماً لاحتفالات مبتدعة لا يجوز؛ لأن فيه مهانة له بوضعه في غير موضعه، وأما إنشاد الأناشيد في مديح النبي صلى الله عليه وسلم فحسن إلا إذا تضمنت غلواً فيه، فلا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النصارى ابْنَ مريمَ، وإنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبدُالله ورسولُهُ" (2)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغُلُوُّ في الدِين، فإنما أَهْلَكَ مَنْ كان قبلكم الغلوّ" (3)، كما لا يجوز أن يخصوا ذلك بيوم يتخذ موسماً وعيداً.
رابعاً: اختتام الاحتفال بالقيام احتراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقديراً له اختتام سيِّئ لا يرضاه الله ولا رسوله، ولا تقره الشريعة؛ بل هو من البدع المحرمة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/317-320)
حكم الاحتفال باليوم الوطني ونحوه
__________
(1) …أحمد بزيادة فيه (2/ 50، 92)، وأبو داود (4031)، والطبراني في «الأوسط» (8327)، وهو حديث حسن بشواهده. انظر: «فتح الباري» (10/271)، و«فيض القدير» للمناوي 6/105 (8593).
(2) …أحمد (1/23، 24، 47، 55)، والبخاري (3445، 6830) وغيرهما.
(3) …أحمد (1/215، 347)، والنسائي (3057)، وابن ماجه (3029)، وابن خزيمة (2867) والطبراني في «الكبير» 12/156 (12747) وَ18/289 (742)، وابن حبان (3871)، والبيهقي في الكبرى (9317)، والحاكم 1/466 (1711) وصححه ووافقه الذهبي.(2/253)
ما رأي سماحتكم في الأعياد التي تقام الآن، لعيد الميلاد، والعيد الوطني، وغير ذلك ؟
أما عيد الميلاد: فإن كان المراد ميلاد عيسى بن مريم، عليه الصلاة والسلام، الذي يتخذه النصارى عبادة فإن إقامته للمسلم حرام بلا شك. وهو من أعظم المحرمات؛ لأنه تعظيم لشعائر الكفر، والإنسان إذا أقامه فهو على خطر.
وأما إذا كان المراد ميلاد كل شخص بنفسه، فهذا إلى التحريم أقرب منه إلى الكراهة، وكذلك إقامة أعياد المناسبات غير المناسبات الشرعية. والمناسبات الشرعية للأعياد هي: فطر رمضان، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (16/191)
الفصل الثاني عشر
صلوات الكسوف والخسوف والاستسقاء
هل معرفة توقيت الخسوف والكسوف من علم الغيب ؟
لقد اطلعنا على ما نشرته جريدة المدينة في عددها (5402) في 4/3/1402هـ: بأنه سيكون خسوف كلي للقمر يوم السبت القادم، وأنه يبدأ من الساعة الثامنة والنصف ليلاً، وينتهي الخسوف الجزئي يوم الأحد بعد منتصف الليل بـ38 دقيقة، ويخرج القمر من شبه ظلال الأرض الساعة الواحدة و37 دقيقة صباحاً، وقد وقع ذلك على ما ذكر .. فما تعليقكم ؟(2/254)
قد يُعرف وقت خسوف القمر وكسوف الشمس عن طريق حساب سير الكواكب، ويعرف به كذلك كون ذلك كلياً أو جزئياً ولا غرابة في ذلك؛ لأنه ليس من الأمور الغيبية بالنسبة لكل أحد، بل غيبي بالنسبة لمن لا يعرف علم حساب سير الكواكب، وليس بغيبي بالنسبة لمن يعرف ذلك العلم؛ لكونه يستطيع أن يعرفه بسبب عادي، وهو هذا العلم، ولا ينافي ذلك كون الكسوف أو الخسوف آية من آيات الله تعالى، التي يخوف بها عباده ليرجعوا إلى ربهم، ويستقيموا على طاعته، لكن لا يجوز تصديقهم ولا العمل بقولهم؛ لأنهم قد يخطئون، وإنما العمدة على رؤية الكسوف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشمسَ والقمرَ آيَتَانِ من آيات الله، لا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولا لِحَيَاتِه، ولكنَّ الله يُرْسِلُهما يُخَوِّفُ بهما عبادَهُ، فإذا رأيتم ذلك فَصَلُّوا وادْعُوا حتى يُكْشَفَ ما بِكُم"(1).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/322)
صفة صلاتي الخسوف والكسوف
كم عدد ركعات صلاة الخسوف ؟ وماذا يقرأ فيهما ؟
صلاة كسوف الشمس وصلاة خسوف القمر كل منهما ركعتان يجهر فيهما بالقراءة، وفي كل ركعة ركوعان: الثاني منهما أقصر من الأول، وقراءتان، يقرأ بعد تكبيرة الإحرام بالفاتحة وسورة طويلة ويقرأ بعد الركوع الأول بالفاتحة، وسورة طويلة، لكنها أقصر مما قبلها، وفي كل ركعة سجدتان. هذا هو أصح ما ورد فيها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/324)
صفة صلاة الاستسقاء
__________
(1) …البخاري (1040-1063)، ومسلم (901-915) بألفاظ متقاربة.(2/255)
ما صفة صلاة الاستسقاء ؟ وهل لها خطبة واحدة فقط ؟ وهل تقدم الخطبة على الصلاة أو تقدم الصلاة على الخطبة ؟ وإذا فاتت صلاة الاستسقاء والعيدين هل تقضى ؟ وإذا فاتته ركعة فهل يقضي التكبيرات أم لا ؟ وبالنسبة للأئمة الذين لا يطلبون من المأمومين تسوية الصفوف؛ فما نصيحتكم لهم ؟ وما حكم قول الإمام: (استقيموا) ؟
هذا السؤال يأتي في مناسبة طيبة؛ لأنه صادف اليوم الذي أقمنا فيه صلاة الاستسقاء، والاستسقاء هو طلب السقيا، وطلب السقيا يكون على أوجه كثيرة: قد تستسقي وأنت في السجود، وقد تستسقي وأنت في مجلس أصحابك، وقد يستسقي الخطيب في يوم الجمعة، وقد يخرج الناس إلى مصلى العيد ليصلوا صلاة الاستسقاء.
- وصفة صلاة الاستسقاء كصلاة العيد.
- أما الخطبة فإنها خطبة واحدة، وليست كخطبة العيد، فالعيد فيه خطبتان، هذا هو المشهور عن أهل العلم، وقيل: للعيد خطبة واحدة، وهو الذي تدل عليه الأدلة الصحيحة السالمة من التضعيف. خطبة العيد خطبة واحدة؛ لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخطب الرجال أولاً، ثم ينزل إلى النساء فيعظهن.
أما الاستسقاء فهو خطبة واحدة، حتى على قول من يرى أن صلاة العيد لها خطبتان، فهي خطبة واحدة: إما قبل الصلاة وإما بعد الصلاة. فالأمر كله جائز، لو أن الإمام حين حضر إلى المصلى فاستقبل القبلة ودعا، وأمّن الناس على ذلك لكان كافياً، وإن أخّر الخطبة إلى ما بعد الصلاة فهو أيضاً كافٍ وجائز، فالأمر في هذا واسع.(2/256)
وإنما قلت ذلك لئلا ينفر أحد مما قد يفعله بعض الأئمة من الخطبة والدعاء في صلاة الاستسقاء قبل الصلاة، فإن من فعل ذلك لا ينكر عليه؛ لأنه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم(1).
أما إذا فاتت الإنسان صلاة الاستسقاء، فأنا لا أعلم في هذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو صلى ودعا فلا بأس.
وأما صلاة العيد فإنها لا تقضى إذا فاتت؛ لأنها صلاة شرعت على وجه معين، وهو حضور الناس واجتماعهم على إمام واحد، فإذا فاتت فإنها لا تقضى.
وكذلك صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة إذا فاتت لا تقضى أيضاً، لكن يصلي بدلها ظهراً؛ لأن هذا وقت الظهر، فإن لم يتمكن من الجمعة صلى الظهر.
أما العيد فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم عنها بدل، فإذا فاتتك مع الإمام، فقد فاتت، ولا يشرع لك قضاؤها.
وأما بالنسبة للتكبيرات، التي بعد تكبيرة الإحرام فإنك إذا دخلت مع الإمام بعد انتهاء التكبيرات، فإنك لا تعيد التكبيرات؛ لأنها سنة فات محلها، فإذا فات محلها سقطت.
__________
(1) …من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأ حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم واستيخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم... ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين»؛ أخرجه أبو داود (1173). وفي صحيح البخاري (1024): «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحَوَّلَ رداءه، ثم صلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة».(2/257)
أما طلب الأئمة تسوية الصفوف في صلاة العيد وفي صلاة الاستسقاء، فإنه مشروع كغيرها من الصلوات؛ وذلك لأن الناس إذا لم ينبهوا على هذا ربما يغفلون عنه، فكل صلاة يشرع فيها الجماعة فإنه يشرع للإمام - إذا كان الناس صفوفاً - أن ينبههم وأن يقول: اسْتَوُوا، اعْتَدِلُوا(1).
وأما قول بعض الأئمة: (استقيموا) فإن هذه لا أصل لها، ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بحثت عنها وسألت بعض الإخوان أن يبحثوا عنها، فلم يجدوا لها أصلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: استقيموا.
ولا وجه لقوله: (استقيموا) ؛ لأن المراد بقوله: (استقيموا) يعني على دين الله وليس هذا محله؛ لأن هذا محل أمر الناس بإقامة الصفوف في الصلاة، فالمشروع أن يقول: أقيموا صفوفكم.. سووا صفوفكم.. وما أشبه ذلك.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (16/354)
صفة دعاء الاستسقاء
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في (الشرح الممتع) - ط (دار ابن الجوزي) 5/218 - ما نصه:
(.. يرفع الإمام يديه؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يُرَى بَياضُ إِبْطَيْه (2) [متفق عليه] والمراد: أنه حال الخطبة لا يرفع يديه إلا إذا دعا للاستسقاء، وكذلك المستمعون يرفعون أيديهم؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: لمَّا رَفَعَ يديه حين استسقى في خُطبة الجُمعة رَفَعَ الناس أيديهم (3) [رواه البخاري].
__________
(1) …كلمة (استووا): وردت عند مسلم (432) وغيره. و(اعتدلوا): وردت عند أبي داود (670)، وابن حبان (2168)، وابن أبي شيبة (3524)، والبيهقي في «الكبرى» (5135).
(2) …البخاري (1031، 3565)، ومسلم (895).
(3) …البخاري (1029) بمعناه.(2/258)
وينبغي لهذا الرفع أن يبالغ فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبالغ فيه حتى يُرى بياض إبطيه، ولا يرى البياض إلا مع الرفع الشديد؛ حتى إنه جاء في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "جَعَلَ ظُهُورَهُمَا نَحو السماء"(1). أخرجه مسلم برقم (896) عن أنس رضي الله عنه.
واختلف العلماء في تأويله: فقال بعض العلماء: يجعل ظهورهما نحو السماء، وقال بعض العلماء: بل رفعهما رفعاً شديداً حتى كان الرائي يرى ظهورهما نحو السماء؛ لأنه إذا رفع رفعاً شديداً صارت ظهورهما نحو السماء. وهذا هو الأقرب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(2)، وذلك أن الرافع يديه عند الدعاء يستجدي ويطلب، ومعلوم أن الطلب إنما يكون بباطن الكف لا بظاهره).
الباب السادس
الجنائز
الفصل الأول :
من أحكام الجنائز
الفصل الثاني :
من بدع الجنائز ومحرماتها الفصل الأول من أحكام الجنائز
الشهداء سبعة منهم النُّفَسَاء
هل هناك آثار وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثواب المرأة التي توفيت وهي حبلى ؟
__________
(1) …مسلم (896) بلفظ: (فأشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إلى السَّماء).
(2) …انظر كتابه: «بيان تلبيس الجهمية» (2/444).(2/259)
نعم؛ روى الإمام مالك في «الموطأ» وأحمد في «المسند» وأبو داود وابن ماجه والنسائي في «سننهم» وابن حبان في «صحيحه» والحاكم في «المستدرك» عن جابر بن عتيك رضي الله عنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : الشَّهادةُ سَبْعٌ سِوَى القَتْلِ في سبيل الله: المقتولُ في سبيل الله شهيدٌ، والمَطْعُون شهيد، والغَرِيق شهيد، وصاحبُ ذاتِ الجَنْبِ شهيد، والمَبْطُونُ شهيد، وصاحب الحَرِيق شهيد، والذي يموتُ تحتَ الهَدْم شهيد، والمرأة تموتُ بجُمْعٍ شهيد (1)، قال النووي: «حديث صحيح»، ومعنى قوله: والمرأة تموت بجُمع بضم الجيم وكسرها: التي تموت بالولادة(2)؛ يعني: ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/347)
صفة تجهيز الميت المسلم ودفنه
س1: ما هي صفة تغسيل الميت ؟ وما هي نصيحتك لطلبة العلم حيال ذلك والإقدام على تغسيل الأموات ؟
__________
(1) …«موطأ مالك» 1/233 (554)، وأحمد (5/446)، وأبو داود (3111) والنسائي (1846، 3194)، وابن ماجه (2803)، وعبدالرزاق (6695)، وابن أبي شيبة (19474، 19475)، وابن حبان (3189، 3190)، والطبراني في الكبير 2/191، 192 (1779، 1780)، والحاكم 1/352 (1300)، والبغوي في شرح السنة (1532). و(ذَاتِ الجَنْبِ): هي الدُّمَّل الكبيرة التي تظهر في باطن الجَنْب، وتنفجر إلى داخل.
(2) …وقيل: التي تموت حاملاً أو نفساء.(2/260)
ج1: صفة تغسيل الميت : أن يجعل في مكان مستور لا تشاهده العيون، ولا يحضره أحد إلا من يباشر تغسيله، أو من يساعده، ثم يجرَّد من ثيابه بعد أن يوضع على عورته خرقة حتى لا يراها ولا الغاسل، ثم يُنْجِيهِ(1) وينظِّفه، ثم يُوَضَّأ كما يتوضأ للصلاة؛ إلا أن أهل العلم قالوا : لا يدخل الماء إلى فمه ولا إلى أنفه، وإنما يبل خرقة بالماء ويدلك بها أسنانه، وداخل أنفه، ثم بعد هذا يغسل رأسه، ثم يغسل سائر جسده، ويبدأ بالأيمن فالأيمن، وينبغي أن يجعل في الماء سِدْرًا ؛ لأنه ينظف ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته، وينبغي كذلك أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافُورًا، أو شيئًا من كافور؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك النساء اللائي يغسلن ابنته - قال : «اِجْعَلْنَ في الغَسْلَةِ الأخيرة كافُورًا أو شيئًا مِن كَافُور»(2)، ثم ينشفه ثم يضعه على أكفانه.
وتغسيل الميت فرض كفاية - كما هو معروف - إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين ؛ وعلى هذا فمن قام به: قام بفرض كفاية؛ يثاب عليه ثواب الفرض. ولا ينبغي أن يتولى تغسيله إلا من يعرف كيفية الغسل الشرعي، وليس من اللازم أن يباشر ذلك طلبة العلم ؛ لأن طلبة العلم قد يكونون مشغولين بما هو أهم؛ حيث إن تغسيل الميت يقوم به من يكفي من الجهات المسؤولة. لكن يجب أن يفهَّم هؤلاء كيفية تغسيل الميت، وتكفينه، حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز (ص 86) - جمع وترتيب : فهد السليمان
س2: نرجو من فضيلتكم التكرم بكتابة ما يلزم ويجب في حق المسلم عند الدفن والتجهيز، وأيضاً كتابة ما يستحب في هذا الباب.
__________
(1) …يُنْجِيه : أي يستخرج النَّجْو من بطنه، ويزيل الأذى عن بدنه بالغَسل والمسح. انظر : «النهاية» لابن الأثير (5/22).
(2) …البخاري (1253، 1254، 1258، 1263)، ومسلم (939) بنحوه.(2/261)
ج2: إذا تبين موت المسلم شرع لمن حوله تغميض عينيه، وشد لَحْيَيْهِ وتسجيته، والإسراع في تجهيزه؛ ابتداء بغسله الغسل الشرعي: فيغسل يديه، ثم يُنْجِيهِ ثم يوضئه وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر أو نحوه من صابون أو أُشْنَان(1)، ثم يفيض الماء على شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يغسله كذلك مرة ثانية، وثالثة، وإن لم ينق زاد إلى خمس أو سبع، ويجعل في الأخيرة كافوراً إن تيسر، ويجعل الطِّيب بعد في مَغَابِنِه(2)، ومواضع سجوده، وإن طَيَّبَهُ كله فحسن، وإن اكتفى بغسلة واحدة جاز ذلك، والمرأة يضفر رأسها ثلاثة قرون، وتجعل من روائها، ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، يدرج فيها إدراجاً، ويجوز أن يكفن في قميص وإزار ولفافة أو لفافة فقط. والمرأة تكفن في خمسة أثواب: في دِرْع(3) ومِقْنَعَة(4) وإزار ولفافتين، وإن كفنت في لفافة واحدة جاز. ويصلى عليه الصلاة الشرعية: يكبر ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يكبر ويدعو للميت، وإن جاء بنص الدعاء المأثور فهو حسن؛ ومنه: اللهم اغفر لِحَيِّنا ومَيِّتِنا وشاهِدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذَكَرِنا وأُنْثانا، اللهم مَنْ أَحَيَيْتَهُ مِنَّا فأحْيِهِ على الإسلام، ومن تَوَفَّيته فَتَوَفَّهُ على الإيمان، اللهم لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ ولا تفتِنَّا بَعْده، اللهم اغفر له وارحمه وعافِه واعْفُ عنه، وأكرم نُزُلَهُ ووَسِّعْ
__________
(1) …الأُشْنَان: شجر ينبت في الأرض الرملية يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي. «المعجم الوسيط» باختصار يسير.
(2) …المَغَابِن: بَوَاطِن الأَفْخَاذ عند الحَوَالِب، وهي مَعَاطِف الجِلْد أيضًا. «النهاية» لابن الأثير (3/307).
(3) …دِرْع المرأة: قَمِيصُها، وهو أيضًا: الثوب الصغير تلبسه الجارية الصغيرة في بيتها.
(4) …المِقْنَعَةَ والقِنَاع: ما تَتَقَنَّع به المرأة من ثوب تُغَطِّي به رأسها ومحاسنها.(2/262)
مُدْخَلَهُ واغسله بالماء والثلج والبَرَد، ونقِّهِ من الذنوب والخطايا كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس، وأَبْدِلْهُ داراً خيراً من داره وأَهْلاً خيراً من أهله، وأدخِلْهُ الجنة وقِهِ فتنةَ القبر وعذاب النار (1)، ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه.
ولا يجوز أن يتبع بأنوار ولا أن ترفع الأصوات معه بدعوات، ولا تهليلات. ويوضع في لحد إن أمكن، وإلا قص شق، وبعد تسوية قبره يستحب أن يقف الحاضرون عليه، ويستغفرون له، ويدعون له بالثبات. ولا يجوز أن يؤخر إلا في حدود حاجة تجهيزه أو انتظار حضور أقاربه، أو جيرانه إذا لم يطل ذلك عرفاً؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَسْرِعُوا بالجنازة (2) الحديث، ولا يجوز أن يقام له مأتم، سرادقات ونحوها، بما يسمى بمراسم العزاء، ويصلي على قبره من لم يحضر الصلاة عليه إذا كان في المدينة التي هو فيها، إلى حدود شهرين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على قبرِ أُمِّ سعدٍ رضي الله عنها وقد مضى على دفنها شهر(3).
ولا يجوز دفن المسلم في مقابر النصارى ولا غيرهم من الكفرة؛ كاليهود والشيوعيين وعباد الأوثان.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/353)
صفة تكفين الميت
كيف يُكفَّن الرجل والمرأة ؟
__________
(1) …أحمد (2/368، 6/23،28)، ومسلم (963)، وغيرهما.
(2) …البخاري (1315)، مسلم (944).
(3) …الترمذي (1038)، وابن أبي شيبة (11935)، والطبراني في «الكبير» (5378)، والبيهقي في «الكبرى» (6812، 6813)؛ مرسلاً من حديث سعيد بن المسيب رحمه الله.(2/263)
تُبخَّر الأكفانُ أولاً بالبخور المعروف، ثم يُذَرُّ بينها شيء من الحَنُوط - وهو أخلاط من الطيب يصنع للموتى - وكذلك يجعل من هذا الحنوط على وجه الميت، ومَغَابِنهِ(1)، ومواضع سجوده ويوضع في قطن على عينيه، ومِنْخَرَيْه، وشفتيه وكذلك بين إِلْيَتَيْهِ، ثم يوضع الميت فوق الكفن، وهو للرجل ثلاث لفائف بِيض، يوضع بعضها فوق بعض، ثم يرد طرف اللفافة العليا من جانب الميت الأيمن على صدره، ثم طرفها من جانبه الأيسر، ثم يفعل باللفافة الثانية ثم الثالثة كذلك، ثم يرد طرف اللفائف من عند رأس الميت ورجليه ويعقدها.
وأما المرأة فإنها تُكفَّن في خمسة أثواب : إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين، وإن كُفِّنت المرأة كما يُكفَّن الرجل فلا حرج في ذلك.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (95) - جمع وترتيب : فهد السليمان
حكم شد لَحْيَي الميت وتليين مفاصِله
هل ورد دليل على أنه يُسَن إذا مات الإنسان أن يُشَدَّ لَحْيَاهُ، وتُليَّن مفاصله، وتُغمض عيناه وتُوضع حديدة على بطنه ؟
شَدُّ لَحْيَي الميت وتليينُ مفاصله لم يرد فيه دليل؛ وإنما ذكره الفقهاء - رحمهم الله - لأن في شد اللَّحْيَيْنِ حفظ الميت من بقاء فمه مفتوحًا، ودرءًا عن تشويه وجهه، وتليين المفاصل ليسهل غسله وتكفينه.
وأما تغميض العينين: فقد وردت به السنة الصحيحة من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي سلمة رضي الله عنه؛ حين أتاه وقد شَخُصَ بصره فأغمضه وقال : «إن الرُّوحَ إذا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَر»(2).
وأما وضع حديدة على بطن الميت فليس من السنة.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (75) - جمع وترتيب : فهد السليمان
حكم تأخير دفن الميت والصلاة عليه لأجل حضور أقاربه
__________
(1) …المَغَابِن: بَوَاطِن الأَفْخَاذ عند الحَوَالِب، وهي مَعَاطِف الجِلْد أيضًا. «النهاية» لابن الأثير (3/307).
(2) …مسلم (920) - (7).(2/264)
يترك بعض الناس جثة الميت في البيت حتى يُمكَّنُ بعض الأقارب من توديعه .. فما حكم هذا العمل ؟
هذا العمل خلاف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ حيث قال : «أَسْرِعُوا بالجنازة ؛ فإنْ تَكُ صالحةً فخيرٌ تُقَدِّمُونَها إليه، وإن تَكُ سِوَى ذلك فَشَرٌ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُم»(1). وهذا أيضًا جناية على الميت إذا كان صالحًا ؛ لأن الميت إذا كان صالحًا وخرج من بيته فإن روحه تقول : «قَدِّمُونِي قدِّموني» (2) ؛ وذلك لأن الإنسان إذا احتضر وكان من أهل الخير فإنه يُبشَّر بالجنة، وحينئذ يشتاق إليها ويرغب أن يقدم إلى الدفن، حتى ينعم بما أنعم الله به عليه، فإنه إذا كان صالحًا وسأله الملكان عن ربه، ودينه، ونبيه، وأجاب بالصواب: فإنه يفتح له باب إلى الجنة، ويأتيه من رَوْحِها ونعيمها، ويفسح له في قبره مدّ البصر. وقد ذكر أهل العلم أنه يسن الإسراع في تجهيز الميت، وأنه لا ينبغي تأخيره.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (76، 77) - جمع وترتيب : فهد بن ناصر السليمان
ماذا يُفْعَل بالميت التارك للصلاة ؟
هناك أناس لا يصلون الفرائض الخمس إطلاقاً إلا صلاة الجمعة، فما حكم الميت منهم ؟ وهل يجب على المسلمين دفنهم والصلاة عليهم ؟
إذا كان الواقع كما ذكر فإن تاركها جاحداً لوجوبها كافر بإجماع المسلمين، أما إن تركها كسلاً مع اعتقاد وجوبها فهو كافر؛ على الصحيح من قولي العلماء؛ للأدلة الثابتة الدالة على ذلك، وعلى هذا القول الصحيح لا يغسل ولا يصلي عليه المسلمون صلاة الجنازة، ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ بل يدفن في محل خاص بعيداً عن مقابر المسلمين.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/410)
حكم نقل الميت إلى بلد آخر
ما حكم نقل الميت من بلد إلى آخر ؟
__________
(1) …البخاري، (1315)، ومسلم، (944).
(2) …البخاري، (1314، 1316، 1380).(2/265)
يجوز نقل الميت من بلد إلى آخر إذا كان هناك غرض صحيح، ولم يخف على الميت من التفسخ ؛ لكن الأفضل دفنه في البلد الذي مات فيه؛ لأنه أسرع في تجهيزه.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (76) - جمع وترتيب : فهد السليمان
موقف الإمام عند الصلاة على الميت
س1 : ما موقف الإمام عند الصلاة على الرجال، النساء، الأطفال ؟
ج1 : موقف الإمام عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة ؛ سواء كانوا كبارًا أو صغارًا، فالطفل الصغير الذكر يقف الإمام عند رأسه، والطفلة الصغيرة الأنثى يقف الإمام عند وسطها - كما يفعل ذلك في الكبار.
س2 : عند وجود عدد من الأموات رجالاً ونساء .. كيف نرتبهم ؟ وهل نقدم للإمام أعلمهم ؟ أم هم سواء ؟
ج2 : إذا اجتمعت جنائز فإنه يُصلَّى عليهم صلاة واحدة، ويُقدَّم الرجال ثم النساء، ويقدم الصبي من الذكور على المرأة ؛ فإذا كان رجل بالغ، وصبي لم يبلغ، وامرأة بالغة، وفتاة لم تبلغ رتبناهم هكذا : الرجل البالغ، ثم الصبي الذي لم يبلغ، ثم المرأة البالغة، ثم الفتاة التي لم تبلغ، ويكون وسط الأنثى بحذاء رأس الرجل.
وإذا اجتمعوا من جنس واحد ؛ يعني تعدد الرجال مثلاً: نقدِّم إلى الإمام أعلمهم ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهداء أُحُد الذين يدفنون في قبر واحد كان يأمر أيّهم أكثر قرآنًا فيقدِّمه في اللَّحد(1)، وهذا يدل على أن العالِم هو الذي يُقدَّم مما يلي الإمام، والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (102) - جمع وترتيب : فهد السليمان
حكم بيان جنس الميت عند الصلاة عليه
ما حكم بيان جنس الميت - أذكر هو أو أنثى - عند الصلاة عليه ؟
__________
(1) …البخاري، (1343، 1347، 1348، 1353، 4079).(2/266)
لا بأس بالإخبار عن الميت أذكر أم أنثى عند تقديمه للصلاة عليه، إذا لم يعرف المصلون ذلك ؛ من أجل أن يدعوا له دعاء التذكير إن كان ذكرًا، ودعاء التأنيث إن كان أنثى. وإن لم يفعل فلا بأس أيضًا، وينوي المصلون الذين لا يعلمون عن هذا الميت: ينوون على الحاضر الذي بين أيديهم، وتجزئهم الصلاة؛ سواء قالوا بلفظ المذكر: (اللهمَّ اغفِرْ له) ؛ أي لهذا الحاضر بين أيدينا، أو بلفظ المؤنث: (اللهم اغفِرْ لها) ؛ أي لهذه الجنازة التي بين أيدينا.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (103) - جمع وترتيب : فهد السليمان حكم دفن أكثر من ميت في قبرٍ واحد
حصل وماتت طفلة عمرها (ستة أشهر) وقُبرت مع طفل قد سقط وهو في الشهر السادس وهو في بطن أمّه .. فهل هذا يجوز أم لا ؟ وإن كان لا فما حكم اللذين قبروهما في قبر واحد ؟
المشروع أن يُدفن كل ميت في قبر وحده، هذه هي السنّة التي عمل المسلمون بها من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عهدنا هذا، ولكن إذا دعت الحاجة إلى قبر اثنين أو أكثر في قبر واحد فلا حرج في هذا ؛ فإنه ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع الرجلين والثلاثة من شهداء أُحد بقبر واحد(1) ؛ إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وهذه الطفلة وهذا السقط اللذان جمعا في قبر واحد لا يجب الآن نبشهما ؛ لأنه قد فات الأوان، ومن دفنهما في قبر واحد جاهلاً بذلك فإنه لا إثم عليه، ولكن الذي ينبغي لكل من عمل عملاً من العبادات أو غيرها أن يعرف حدود الله تعالى في ذلك العمل قبل أن يتلبّس به ؛ حتى لا يقع فيما هو محذور شرعاً.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى إسلامية (2/34)، جمع وترتيب : محمد المسند
حكم تشييع جنائز عباد القبور
__________
(1) …انظر : صحيح البخاري برقم (1343)، وأطرافه عنده.(2/267)
يقول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ *}[التّوبَة].
إن ظاهر الآية السابقة يمنع الاستغفار للمشركين ولو كانوا من ذوي القرابة، والكثير منا نحن أعراب البادية من له والدان وأقرباء وقد اعتادوا الذبح عند القبور والتوسل بأهلها، وتقديم النذور والاستعانة بتوسيط أهل القبور في فك الكربات، وشفاء المرضى وقد ماتوا على ذلك، ولم يصلهم من يعرفهم معنى التوحيد ومعنى (لا إله إلا الله)، ولم يصلهم من يعلمهم أن النذور والدعاء عبادة لا يصح صرفها إلا لله وحده؛ فهل يصح المشي في جنائزهم، والصلاة عليهم، والدعاء والاستغفار لهم وقضاء حجهم، والتصدق عليهم ؟
من مات على الحالة التي وصفت لا يجوز المشي في جنازته، ولا الصلاة عليه، ولا الدعاء ولا الاستغفار له، ولا قضاء حجه، ولا التصدق عنه؛ لأن أعماله المذكورة أعمال شركية، وقد قال سبحانه وتعالى في الآية السابقة: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}[التّوبَة، من الآية: 113]، ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: استأذنتُ ربي في الاستغفار لأُمِّي فلم يأذن لي، واستأذنته في زيارة قَبْرِها فأذن لي(1).
وليسوا معذورين بما يقال عنهم: أنهم لم يأتهم من يبين لهم أن هذه الأمور المذكورة التي يرتكبونها شرك؛ لأن الأدلة عليها في القرآن الكريم واضحة، وأهل العلم موجودون بين أظهرهم، ففي إمكانهم السؤال عما هم عليه من الشرك؛ لكنهم قد أعرضوا ورضوا بما هم عليه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/12، 13)
حكم تشييع جنائز الكفار
__________
(1) …أحمد (2/441، 5/355، 359)، ومسلم (976).(2/268)
ما حكم الله في حضور جنائز الكفار؛ الذي أصبح تقليداً سياسياً وعرفاً متفقاً عليه ؟
إذا وجد من الكفار من يقوم بدفن موتاهم فليس للمسلمين أن يتولوا دفنهم، ولا أن يشاركوا الكفار ويعاونوهم في دفنهم، أو يجاملوهم في تشييع جنائزهم؛ عملاً بالتقاليد السياسية، فإن ذلك لم يعرف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن الخلفاء الراشدين؛ بل نهى الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم على قبر عبدالله بن أُبي بن سلول، وعلل ذلك بكفره؛ قال تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ *}[التّوبَة]، وأما إذا لم يوجد منهم من يدفنه دفنه المسلمون كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلى بدر، وبعمه أبي طالب - لما توفي قال لعلي رضي الله عنه: اِذْهَبْ فَوَارِه(1).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/10، 11)
هل يدفن الكافر في مقابر المسلمين ؟
هل يجوز دفن ولد كافر في مقابر المسلمين إذا أخذه المسلم مُتَبَنِّياً له ثم مات قبل أن يبلغ ؟
لا يجوز دفن كافر في مقابر المسلمين؛ سواء كان متبنّى لمسلم أم لا، وسواء بلغ أم لم يبلغ، لكن إذا وجد منه ما يدل على إسلامه دفن في مقابر المسلمين - علماً بأنه يحرم التبني في الإسلام؛ لقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ}[الأحزَاب، من الآية: 5].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/10)
حكم البقاء عند قبر الميت بعد دفنه
__________
(1) …أحمد (1/97، 129)، والنسائي (190، 2008)، وابن أبي شيبة (11840)، والطبراني في «الأوسط» (6322)، وصححه الألباني في «صحيح النسائي» (184).(2/269)
بعد دفن الميت هناك حديث يرشد إلى أن يبقى الإنسان عند الميت بعد دفنه قدر ما يذبح البعير، فما معنى ذلك ؟
هذا أوصى به عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال : «أَقِيمُوا حَوْلَ قبري قَدْرَ ما تُنْحَرُ جزورٌ ويُقْسَمُ لَحْمُها»(1)، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرشد إليه الأمة، ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم؛ بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : «اِسْتَغْفِرُوا لأخِيكم، واسألوا له التَّثْبِيت، فإنه الآن يُسْأَلُ»(2)، فتقف على القبر وتقول : اللهم ثَبِّتْهُ، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له. ثم تنصرف، أما المكث عنده فليس بمشروع.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (218) - جمع وترتيب : فهد السليمان
حكم الصلاة على قاتل نفسه
القاتل نفسه غضباناً .. هل يمكن أن يصلى عليه أم لا ؟
القاتل نفسه يصلى عليه، ولكن لا يصلي عليه السلطان العام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قاتل نفسه؛ تعظيماً لهذه الجريمة، وتحذيراً منها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/394)
حكم الصلاة على من عليه دَيْن
من مات وهو مُوحِّد ولكن عليه دين .. فهل نصلي عليه ؟
من مات وعليه دين ينبغي المسارعة في قضاء دينه، أو تكفل أحد عنه بأداء الدين، فإن لم يتمكن من ذلك قبل الصلاة عليه صُلّيَ عليه ولو كان عليه دين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استقرت سنته على الصلاة على المسلمين ولو كان عليهم دين.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________
(1) …مسلم (121).
(2) …أبو داوود (3221)، والحاكم 1/370 (1372) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي أيضًا في «السنن الكبرى» (6856). وصححه الألباني في «صحيح أبي داوود» (2758).(2/270)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/390)
نسي أن يصلي على طفله المتوفى .. فماذا يفعل ؟
توفي لي طفل عمره ستة أشهر، وذهبت به إلى المقبرة ودفنته فيها دون أن أصلي عليه سهواً مني، علماً بأني لا أعرف جهة القبر الذي دفنت فيه الطفل؛ فهل هناك صدقة تجزئ عن الصلاة أو أي عمل آخر يجزئ عن الصلاة عليه ؟
ج : ليس هناك عمل آخر يجزئ عن صلاة الجنازة على الميت طفلاً أو كبيراً ؛ لا الصدقة ولا غيرها من أفعال البّر، وعليك أن تذهب إلى المقبرة التي دفنته في قبرٍ منها، وتجعل المقبرة بينك وبين القبلة، وتصلي صلاة الجنازة على هذا الطفل متطهراً مُستكملاً لباقي شروط الصلاة، ويكفيك ذلك ؛ حيث إنك لا تعرف قبر الطفل بعينه، قال الله تعالى : {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[البَقَرَة: 286]، وقال : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التّغَابُن: 16]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا أَمَرْتُكُم بأمرٍ فَأْتُوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكُم عن شيء فَاجْتَنِبُوه (1)، والله الموفق.
اللجنة الدائمة - فتاوى إسلامية (2/27)، جمع وترتيب : محمد المسند معنى تعليق نفس الميت بدَيْنه
من مات وعليه دين لم يستطع أداءه لفقره هل تبقى روحه مرهونة معلقة ؟
__________
(1) …البخاري (7288)، ومسلم (1337).(2/271)
أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه: عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: نَفْسُ المؤمن مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه (1)؛ وهذا محمول على من ترك مالاً يقضى منه دينه، أما من لا مال له يقضى منه فيرجى ألا يتناوله هذا الحديث؛ لقوله سبحانه وتعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[البَقَرَة، من ا لآية: 286]، وقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البَقَرَة، من الآية: 280]. كما لا يتناول من بَيَّتَ النية الحسنة بالأداء عند الاستدانة ومات ولم يتمكن من الأداء؛ لما روى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مَنْ أَخَذَ أموالَ الناس يُريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إِتْلافَها أَتْلَفَهُ الله(2).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/344)
هل تشرع صلاة الجنازة للنساء ؟
فريضة صلاة الجنازة أهي محصورة في الرجال خاصة أم عامة كل مسلم؛ رجالاً ونساء على السواء ؟
__________
(1) …أحمد (2/508)، والترمذي (1078، 1079)، وقال: «حديث حسن»، وابن ماجه (2413)، والحاكم 2/32 (2219، 2220)، وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …البخاري، (2387).(2/272)
صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وإذا تركها الجميع وهم يعلمون أثموا، ولا خصوصية للرجال بذلك؛ بل الرجال والنساء في مشروعية الصلاة على الجنازة سواء، وإن كان الأصل في مباشرة ذلك للرجال، لكن ليس للمرأة أن تتبع الجنازة؛ لما ثبت من قول أم عطية رضي الله عنها: (نُهِينَا عن اتِّبَاعِ الجنائز، ولَمْ يُعْزَمْ علينا)(1) ؛ رواه البخاري ومسلم، وفي رواية(2): (نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..) الحديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/417)
حكم التَّعْزِية وصيغتها
ما حكم التعزية ؟ وبأي لفظ تكون مع الدليل ؟
تعزية المصاب سنة، وفيها أجر وثواب، ومن عزى مصاباً كان له مثل أجره، ولكن اللفظ الذي يعزى به أفضله ما جاء في السنة: اِصْبِرْ واحْتَسِبْ فإن لله ما أَخَذ، وله ما أبقى، وكل شيء عنده بأجلٍ مُسمَّى.
__________
(1) …أحمد (6/408)، والبخاري (1278)، ومسلم (938) وآخرون.
(2) …«سنن أبي داود» (1139)، والبيهقي في «الكبرى» (5427)، وأبو يعلى (226)، والطبراني في «الكبير» 25/62 (147)، والضياء المقدسي في «المختارة» (285)، وليس في جميعها عبارة: (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).(2/273)
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسلت له إحدى بناته تخبره بطفل، أو طفلة عندها في سياق الموت، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: مُرْهَا فَلْتِصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، فإنَّ للهِ ما أَخَذَ، ولَهُ ما أَعْطَى، وكلُّ شيءٍ عندهُ بأَجَلٍ مُسَمّى (1)، وإن عزى بغير هذا اللفظ مثل أن يقول: أعظم الله لك الأجر، وأعانك على الصبر، وما أشبه - فلا حرج؛ لأنه لم يرد شيء معين لابد منه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (17/345)
من أحكام المتوفى عنها زوجها
س1: ما هي واجبات وأحكام المرأة نحو زوجها المتوفى عنها ؟
ج1: المرأة المتوفى عنها زوجها يجب أن تتربص في بيتها ولا تخرج منه إلا لضرورة، ويجب عليها أن تتجنب جميع الأشياء التي فيها زينة من لباس وحلي وطيب وبخور وكحل ونحو هذا مما يعد زينة . . ويجوز لها أن تخاطب الناس بالهاتف مثلاً، ويجوز لها أن تصعد إلى السطح وأن تشاهد القمر وقد قال بعض العوام: إن المرأة المعتدة لا يجوز لها أن تشاهد القمر؛ لأن القمر عندهم وجه إنسان، وإذا خرجت إلى السطح وهي تشاهد القمر معناه أن الإنسان شاهدها . وهذا كله من الخرافات، فلها أن تبقى في بيتها وتذهب إلى فوق وإلى تحت كما تريد .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5) (2/131)
س2: المرأة المتوفى زوجها وهي في العدة هل لها أن ترد على الهاتف مع أنها لا تعلم أرجل هو أم امرأة ؟ وماذا يجب على المرأة في العدة ؟
__________
(1) …البخاري (1284) وأطرافه عنده، ومسلم (923) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه. وورد بلفظ: (ولَهُ ما أَبْقَى) بدل (وله ما أعطى) مختصراً؛ أخرجه: الضياء المقدسي «المختارة» (936)، والطبراني في «الكبير» (284)، والبزار في «مسنده» (1012)، من حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه.(2/274)
ج2: على المرأة زمن الحداد تجنب الزينة من لباس الشهرة والجمال ومن الحلي والخضاب والكحل للتجمل ونحو ذلك، ولا تخرج من بيتها إلا لضرورة ولا تتطيب ولا تتعطر ولا تبرز أمام الرجال الأجانب . ويجوز لها في دارها أن تمشي في داخل الدار وملحقاته، وتصعد أعلاه ونحو ذلك، وإذا احتاجت إلى مكالمة في هاتف أو نحوه فلا بأس بذلك، فإن عرفت أن ذلك المتكلم من أهل النساء والذين يريدون التعرف على من يناسبهم فعليها قطع المكالمة فورًا؛ كما يلزم غيرها ذلك، ويجوز لها أن تكلم أقاربها من غير المحارم من وراء الحجاب أو في الهاتف ونحوه، كما يجوز لها ذلك في غير زمن الحداد .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى المرأة، ص (143)
ما الأعمال الصالحة التي يصل ثوابها للميت ؟
س1: هل يجوز إيصال الثواب للميت بالأعمال الحسنة عامة ؟
س2: هل يجوز عقد مجلس لختم القرآن ثم إيصال ثواب القراءة للموتى حتى الأنبياء ؟
س3: هل يجوز الحضور في مثل هذا المجلس لهذا الغرض، وأكل الطعام معهم بعد الحفلة ؟
أولاً: الصحيح من أقوال العلماء: أن فعل القرب من حي لميت مسلم لا يجوز، إلا في حدود ما ورد الشرع بفعله؛ مثل الدعاء له، والاستغفار، والحج، والعمرة، والصدقة عنه، والضحية، وصوم الواجب عمن مات وعليه صوم واجب.(2/275)
ثانياً: قراءة القرآن بنية أن يكون ثوابها للميت لا تجوز؛ لأنها لم ترد عن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، والأمر كما قدمنا بالفقرة الأولى: أنه لا يجوز فعل قربة من حي لميت مسلم، إلا في حدود ما ورد الشرع به، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يزور القبور، ويدعو للأموات بأدعية علّمها أصحابه وتعلموها عنه، من ذلك: السلامُ عليكم أهْلَ الدِّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُم لاحِقُون، نسألُ الله لَنَا ولكم العَافِية (1)، ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ سورة من القرآن، أو آيات منه للأموات، مع كثرة زيارته لقبورهم، ولو كان ذلك مشروعاً لفعله، وبينه لأصحابه؛ رغبةً في الثواب، ورحمةً بالأمة، وأداءً لواجب البلاغ، فإنه كما وصفه تعالى بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *}[التّوبَة]، فلما لم يفعل ذلك مع وجود أسبابه دل على أنه غير مشروع، وقد عرف ذلك أصحابه رضي الله عنهم؛ فاقتفوا أثره، واكتفوا بالعبرة والدعاء للأموات عند زيارتهم، ولم يثبت عنهم أنهم قرؤوا قرآناً للأموات، فإن القراءة لهم بدعة محدثة، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليس مِنْهُ فهو رَدٌّ(2).
ومما تقدم يعلم أنه لا يجوز عقد مجلس لختم القرآن للغرض المذكور.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/47-49)
قرِينُ الإنسان .. هل يرافقه بعد موته ؟
ما هو القرين ؟ وهل يرافق الميت في قبره ؟
__________
(1) …مسلم (975)، وابن ماجه (1547) واللفظ له.
(2) …البخاري (2697)، ومسلم (1718).(2/276)
القرين هو الشيطان ؛ مسلَّط على الإنسان بإذن الله عز وجل، يأمره بالفحشاء وينهاه عن المعروف ؛ كما قال عز وجل : {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ *}[البَقَرَة: 268].
ولكن إذا منّ الله سبحانه وتعالى على العبد بقلب سليم، صادق متجه إلى الله عز وجل، مريد للآخرة، مؤثر الله على الدنيا: فإن الله تعالى يعينه على هذا القرين حتى يعجز عن إغوائه.
ولذلك ينبغي للإنسان كلما نَزَغه من الشيطان نَزْغٌ أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، كما أمر الله، حيث قال تعالى : {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}[الأعرَاف: 200].
والمراد بنزغ الشيطان: أن يأمرك بترك الطاعة، ويأمرك بفعل المعصية.
فإذا أحسست من نفسك الميل إلى ترك الطاعة فذلك من الشيطان، أو الميل إلى فعل المعصية فهذا من الشيطان؛ فبادر بالاستعاذة بالله منه يعيذك الله عز وجل منه، وأما كون هذا القرين يمتد بأن يكون مع الإنسان في قبره، فلا ؛ فالظاهر - والله أعلم - بمجرد أن يموت الإنسان يفارقه ؛ لأن مهمته التي كان مسخرًا لها قد انتهت : «إذا مَاتَ ابْنُ آدمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلا من ثلاث : صَدَقةٍ جارِية، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِه، أو وَلَدٍ صالح يَدْعُو لَه»(1).
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (427، 428) - جمع : فهد السليمان
الفصل الثاني من بدع الجنائز ومحرماتها
مظاهر الحزن المشروعة وغير المشروعة على الميت
هل يجوز البكاء على الميت إذا كان البكاء فيه نواح ولطم الخد وشق الثوب ؟ فهل البكاء يؤثر على الميت ؟
__________
(1) …حديث نبوي: أخرجه مسلم (1631) بنحوه.(2/277)
لا يجوز الندب ولا النياحة ولا شَقُّ الثياب ولَطْمُ الخدود وما أشبه ذلك؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس منَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ وشَقَّ الجُيُوبَ ودَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّة (1)، وثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه «لعَنَ النائِحَة والمُسْتَمِعَة» (2)، وصح عنه أيضاً أنه قال: إنَّ الميت يُعَذَّبُ في قبرِه بما نِيحَ عليه (3)، وفي لفظ: إنَّ الميت لَيُعَذَّبُ بِبُكَاء أهلِه عليه (4)، والمراد بالبكاء هنا: النياحة، أما البكاء بدمع العين من دون نياحة فلا حرج فيه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات ابنه إبراهيم: العينُ تَدْمَعُ، والقلب يَحْزَنُ، ولا نقولُ إلا ما يُرْضي الرَّب، وإنا بِفِرَاقِكَ يا إبراهيمُ لَمَحْزُونُون (5)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ الله لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العينِ ولا بِحُزْن القلب، وإنما يُعذِّب بهذا أو يَرْحَم ، وأشار إلى لسانه(6)، عليه الصلاة الصلاة والسلام.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/160)
معنى تعذيب الميت ببكاء أهله عليه
__________
(1) …البخاري (1294)، وأطرافه عنده.
(2) …أحمد (3/65)، وأبو داود (3128)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وسندهما ضعيف. ورواه الطبراني في «الكبير» 11/145 (11309) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال في «مجمع الزوائد» (3/13): «وفيه المصباح أبو عبدالله، ولم أجد من ذكره».
(3) …البخاري (1291، 1292)، ومسلم (927، 933).
(4) …البخاري (1286، 1288، 1304، 3978)، ومسلم (927-932).
(5) …أحمد (3/194)، والبخاري (1303)، ومسلم (2315).
(6) …البخاري (1304)، ومسلم (924).(2/278)
يقال إن تذكر الميت من قبل الحي، مثل ولد يتذكر والده الميت في كل حين، وفي كل مكان وزمان، والحزن عليه، والبكاء عليه، والتأثر به، يقال: إن الميت يتأثر من ذلك ويضره، ويسيء له فينبغي عدم تذكر الميت بحزن وبكاء وتأثر؛ بل يكتفى بالدعاء والاستغفار له، والترحم عليه فقط .
فما صحة ذلك من عدمه ؟ جزاكم الله خيرًا: وما ينبغي أن يفعل بحق الميت ؟ جزاكم الله خيرًا .
ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ رواه البخاري(1) وفسر ذلك بما إذا أوصى أهله بذلك؛ كفعل الجاهليين . وقيل: هذا إذا كان من عادتهم النياحة والندب فلم يحذرهم، وقيل: إن العذاب هو التألم والحزن على فعلهم الذي لا يغني عنهم شيئًا، وليس هو عذاب النار .
فأما مجرد التذكر والحزن والاسترجاع، فلا يدخل في النهي، وذلك لأنه مما يغلب على الإنسان، ولا يستطيع دفع حديث النفس، وما يخطر بالبال من تذكر الميت، والحزن عليه، والتألم لفقده، فإذا تذكره واسترجع ودعا ربه أن يعينه على الصبر والسلوان، ويخلف له خيرًا من مصيبته: أثابه الله وآجره على مصيبته .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (63، 64)
بدعية الاجتماع للعزاء .. ووضع الطعام للحاضرين
يوجد لدى بعض المجتمعات - يا فضيلة الشيخ - عادة وهي أنه عندما يتوفى شخص فإن أهل الميت يقيمون خيمة كبيرة ويتقبلون فيها التعازي وتقوم بقية أفراد هذا المجتمع بتجهيز الفطور والغداء طوال أيام التعزية، ويقعدون لتناول الفطور والغداء مع أهل الميت وتكثر الأحاديث والضحك بينهم وكأنهم أتوا للفرح لا للتعزية .. فما حكم ذلك ؟
فأرجو من سماحتكم التوجيه والنصح في ذلك، ولكم جزيل الشكر.
قد أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على مثل هذا السؤال، وإليك عزيزي السائل نص الفتوى رقم (16552) بتاريخ 6/12/1414هـ.
بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
__________
(1) …البخاري، (1286) ومسلم (928) .(2/279)
أولاً: بأن تعزية المصاب مشروعة مواساة له وتخفيفاً عنه، بأن يدعو للميت بالمغفرة ولأهله وأصحابه بأن يجبر الله مصيبتهم، ويأمرهم بالصبر والاحتساب، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه عَزَّى إحدى بناته في صبيها فقال: إنَّ للهِ تعالى ما أَخَذَ، ولهُ ما أَعطى، وكل شيْءٍ عندهُ بأجلٍ مُسَمَّى (1)، وأمرها بالصبر والاحتساب. رواه البخاري ومسلم، وأي دعاء دعا لهم به جاز؛ مثل: أحسن الله عزاءك، وآجرك في مصيبتك، وخلف لك خيراً منها، وذلك لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما مِنْ عبدٍ تُصِيبُه مصيبةٌ فيقولُ: إنا للهِ وإنا إليهِ راجعون، اللهم أْجُرْنِي في مُصِيبتي وأَخْلِفْ لِي خيراً منها، إلا أَجَرَهُ الله في مُصِيبَتهِ وأَخْلَفَ له خيراً منها ، قالت: فلما توفي أبو سلمة رضي الله عنه قلت كما أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأخلف الله لي خيراً منه: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)(2) رواه مسلم.
ثانياً: لا تكون التعزية بذبح بقر أو غنم أو نحوهما أو الاجتماع جزءاً من الزمن؛ بل إنما تكون بكلمات طيبة تعين على الصبر والرضاء بالقدر، وطمأنينة النفس إلى قضاء الله رجاء المثوبة وخشية العقوبة.
ثالثاً: التعزية تكون في أي مكان لقي فيه المسلم أخاه، فيعزي المسلم أهل المصاب في أي مكان قابلهم فيه؛ سواء في المسجد عند الصلاة على الجنازة أو في المقبرة أو في الشارع أو السوق أو في منزلهم، أو يتصل بهم بالهاتف.
__________
(1) …البخاري (1284، 7377، 7448)، ومسلم (923).
(2) …مسلم (918).(2/280)
رابعاً: تعزية المسلم بميته من امرأة أو رجل سواء؛ فكما لا يجتمعون لتعزية المرأة، بل يذهبون فرادى ولا ينصبون خياماً لذلك، فكذلك الرجل يعزى به ولا يجوز نصب السرادق أو تحديد أيام معينة للعزاء، إذ لم يرد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابته الكرام أو خلفائه الراشدين أو أحد من الأئمة أنه جلس للعزاء خاصة، أو حدد يوماً أو وقتاً أو مكاناً للعزاء، أو جمع الناس للعزاء، ولو كان ذلك يجوز لفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وقد قتل عمه حمزة ابن عبدالمطلب، وقتل ابن عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما، وتوفي ابنه - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم، وتوفيت ابنته زينب رضي الله عنها، وتوفي من خيار أصحابه في عهده - صلى الله عليه وسلم -، ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله من المحبة الشديدة في قلوب المسلمين؛ وأصحابه أشد له حباً، ما لو كان الاجتماع للعزاء مشروعاً لفعلوه. وكذلك توفي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وتوفيت أمهات المؤمنين زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسائر الصحابة وما علم أن أحداً أقام لهم عزاء، أو اجتمعوا لذلك؛ فدل على أن الاجتماع للعزاء وصنع الطعام للحاضرين بدعة منكرة لا أصل لها في الدين، بل يجب إنكارها، ويأثم من ساعد على إقامتها.(2/281)
ولما أحدثت الأجيال اللاحقة الاجتماع وصنعوا الطعام للمجتمعين: قال الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: كُنَّا - أي معشر الصحابة - نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصَنِيعَةِ الطعام بعد دَفْنِه من النِّيَاحة (1)؛ رواه الإمام أحمد بإسناد حسن. وأما تقديم الطعام لأهل الميت من جيرانه أو أقاربه - فهذا سنة؛ لما روى أبو داود عن عبدالله بن جعفر رضي الله عنه قال: لما جاء نَعْيُ جعفر رضي الله عنه حين قتل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اصْنَعُوا لآلِ جعفر طعاماً؛ فإنهم قد أَتَاهُم ما يُشْغِلُهم(2). ورواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وحسّنه الترمذي. ويقدم الطعام لأهل الميت في بيتهم؛ لا للمجتمعين في السرادقات أو الخيام المنصوبة؛ لأن المقصود من ذلك أنه قد شغل أهل الميت الحزن عن صنع طعامهم فيقدم لهم الطعام، وبالله التوفيق،.. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة - الفتوى رقم (16552) في:…6/12/ 1414هـ - مجلة الدعوة/ العدد (1669)
كشف شبهات حول الاجتماع للعزاء
مسألة العزاء والاجتماع عليه، بعض الناس لو كلَّمناهم في هذا يقول: نحن نفعل هذا ولا نقصد به التعبد وإنما نقصد به العادة، وأن ترك المشاركة في الاجتماع يعتبر قطيعة رحم.. فكيف الرد عليهم ؟
الجواب على هذا أن التعزية سنة؛ التعزية من العبادة، فإذا صيغت العبادة على هذا الوجه الذي لم يكن معروفاً في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ صارت بدعة، ولهذا جاء الثواب في فضل من عزى المصاب، والثواب لا يكون إلا على العبادات.
__________
(1) …أحمد (2/204)، وابن ماجه (1612)، والطبراني في «الكبير» (2279)، وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1308).
(2) …أحمد (1/205)، وأبو داود (3132)، والترمذي (998)، وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه (1610)، والحاكم 1/372 (1377)، وصححه ووافقه الذهبي.(2/282)
مسألة العزاء، فالعزاء إنما كان تركه قطيعة رحم؛ لأن الناس اعتادوه فصار الذي يتخلف عنه عندهم قاطع رحم، لكن لو أن الناس تركوه كما تركه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون رحمهم الله ما صار تركه قطيعة رحم؛ صار تركه عادة، ولهذا لو أن طلبة العلم بينوا للناس هذا الأمر وبدأوا بأنفسهم هم، كما بدأنا بأنفسنا، والدنا توفي ولم نجلس للعزاء، ووالدتنا توفيت ولم نجلس للعزاء، لو أن أهل العلم فعلوا ذلك لكان فيه خير كثير، ولترك الناس هذه العادات، لا سيما في بعض البلاد إذا مررت ببيت مات فيه ميت تقول: هذا بيت فيه زواج؛ لأنك ترى فيه من الأنوار في الداخل والخارج والكراسي والأشياء التي تنافي الشرع، وفيها إسراف وفيها بذخ .
فالواجب على الإنسان أن يعرف الحق من الكتاب والسنة لا من عادات الناس، لو أن الناس تركوا هذه العادات وصار العزاء إن وجدوا في السوق، أو في المسجد عُزِّي، وأيضاً يعزيه إذا كان مصاباً لا إذا كان قريباً، بعض الأقارب لا يهتم بموت قريبه، وربما يفرح إذا مات قريبه، قد يكون بينه وبين قريبه مشادات ومنازعات وخصومات؛ فإذا مات قال: الحمد لله الذي أراحني من هذا.
فالتعزية للمصاب فقط - كما جاء في الحديث: مَنْ عَزَّى مُصَاباً فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِه (1)؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مصاباً ولم يقل: (من عزى من مات له ميت). فمثل هذه المسائل يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس الحق فيها، حتى يسير الناس فيه على الهدى لا على الهوى.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (17/373)
حكم استئجار قارئ القرآن على روح الميت
ما حكم استئجار قارئ ليقرأ القرآن الكريم على روح الميت ؟
__________
(1) …الترمذي (1073)، وابن ماجه (1602)، والبزار في «مسنده» (1632)، والبيهقي في «الكبرى» (6880) بسندٍ ضعيف، وروي موقوفاً. انظر: «فيض القدير» (6/179).(2/283)
هذا من البدع، وليس فيه أجر لا للقارئ ولا للميت ؛ ذلك لأن القارئ إنما قرأ للدنيا والمال فقط، وكل عمل صالح يقصد به الدنيا فإنه لا يقرب إلى الله، ولا يكون فيه ثواب عند الله. وعلى هذا فيكون هذا العمل ضائعًا ليس فيه سوى إتلاف المال على الورثة ؛ فليحذر منه فإنه بدعة ومنكر.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (222) - جمع وترتيب : فهد السليمان
حكم المصافحة والتقبيل في التعزية
هل المصافحة والتقبيل سنة في التعزية ؟
المصافحة والتقبيل ليست سنة في التعزية، وإنما المصافحة عند الملاقاة ؛ فإذا لاقيت المصاب وسلمت عليه وصافحته - فهذه سنة؛ من أجل الملاقاة لا من أجل التعزية، ولكن الناس اتخذوها عادة فإن كانوا يعتقدون أنها سنة فينبغي أن يعرفوا أنها ليست سنة، وأما إذا كانت عادة بدون أن يعتقدون أنها سنة فلا بأس بها، وعندي فيها قلق. وتركها بلاشك أولى.(2/284)
* ثم هاهنا مسألة ينبغي التفطُّن لها وهي : أن التعزية يقصد بها تقوية المصاب على الصبر واحتساب الأجر من الله عز وجل، وليست كالتهنئة يهنئ بها كل من حصلت له مناسبة؛ فمناسبة الموت إذا أصيب بها الإنسان يُعزى - أي: بما يقوي صبره واحتسابه الأجر من الله سبحانه وتعالى - وقد صارت عند كثير من الناس كالتهاني يأتون إليها أرسالاً، ويعد أهل الميت مكانًا ينتظرون فيه المُعزِّين، وربما صفوا الكراسي، وأوقدوا أنوار الكهرباء، وكل هذا مخالف لهدي السلف الصالح؛ فإنهم لم يكونوا يجتمعون للعزاء، أو يحدثون شيئًا غير عادي من الأنوار، أو غيرها، وقد صرح علماؤنا - رحمهم الله - بكراهة الجلوس للتعزية؛ فقال في (المنتهى) (1)وشرحه : وكُرِهَ جلوس لها؛ أي التعزية بأن يجلس المصاب بمكان ليعزَّى. وقال في (الإقناع) (2)وشرحه مثل ذلك. وقال النووي في (شرح المهذب) (3): وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته، ... قالوا : يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية، قالوا : بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها. انتهى كلامه.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (341، 342) - جمع وترتيب : فهد السليمان
حكم الذهاب للتعزية والجلوس لها
ما حكم القصد إلى التعزية والذهاب إلى أهل الميت في بيتهم ؟
هذا ليس له أصل من السنة؛ ولكن إذا كان الإنسان قريباً لأهل الميت ويخشى أن يكون من القطيعة أن لا يذهب إليهم فلا حرج أن يذهب. ولكن بالنسبة لأهل الميت لا يشرع لهم الاجتماع في البيت، وتلقي المعزين؛ لأن هذا عَدَّهُ بعض السلف من النياحة، وإنما يغلقون البيت، ومن صادفهم في السوق أو في المسجد عزاهم؛ فهاهنا أمران:
__________
(1) …«شرح منتهى الإرادات» (1/382).
(2) …انظر : «كشاف القناع» (2/160)
(3) …المسمى بكتاب «المجموع» (5/270، 271).(2/285)
الأول: الذهاب إلى أهل الميت، وهذا ليس بمشروع، اللهم إلا كما قلت: إذا كان من الأقارب ويخشى أن يكون ترك ذلك قطيعة.
الثاني: الجلوس لاستقبال المُعَزِّين، وهذا لا أصل له؛ بل عده بعض السلف من النياحة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (17/342)
حكم السفر للعزاء
ما حكم السفر من أجل العزاء؛ بحيث يسافر الإنسان من مكانه الذي هو فيه إلى مكان التعزية ؟
لا أرى السفر للتعزية، اللهم إلا إذا كان الإنسان قريباً جداً للشخص، وكان عدم سفره للتعزية يعتبر قطيعة رحم؛ ففي هذه الحال ربما نقول: إنه يسافر للتعزية لئلا يُفضي ترك سفره إلى قطيعة رحم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (17/345)
الزيارة الشرعية والبدعية للقبور
ما حكم من يزور القبور ثم يقرأ الفاتحة وخاصة على قبور الأولياء - كما يسمونهم في بعض البلاد العربية المجاورة ؟ بالرغم أن بعضهم يقول لا أريد الشرك ولكن إذا لم أقم بزيارة هذا الولي فإنه يأتي إلي في المنام ويقول لي: لماذا لم تزرني ؟ فما حكم ذلك - جزاكم الله خيراً ؟
يسن للرجال من المسلمين زيارة القبور كما شرعه الله سبحانه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ (1)، وروى مسلم في صحيحه أيضاً: عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ(2).
__________
(1) …مسلم (976) بنحوه.
(2) …مسلم ( 975) .(2/286)
وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة رضي الله عنها: أنه كان إذا زار القبور يقول: السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ (1)، ولم يكن حال الزيارة عليه الصلاة والسلام يقرأ سورة الفاتحة ولا غيرها من القرآن، فقراءتها وقت الزيارة بدعة، وهكذا قراءة غيرها من القرآن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ (2)، وفي رواية مسلم رحمه الله يقول - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ (3)، وفي صحيح مسلم: عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في خطبته يوم الجمعة: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ (4)، وأخرجه النسائي وزاد: وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ(5). فالواجب على المسلمين التقيد بالشرع المطهر، والحذر من البدع في زيارة القبور وغيرها .
__________
(1) …مسلم (974) .
(2) …البخاري (2697)، ومسلم (1718) .
(3) …علقه البخاري في كتابي البيوع والاعتصام، ووصله مسلم (1718) - (18) .
(4) …مسلم (867).
(5) …النسائي (1578) .(2/287)
والزيارة مشروعة لقبور المسلمين جميعاً: سواء سموا أولياء أم لم يسموا أولياء، وكل مؤمن وكل مؤمنة من أولياء الله - كما قال الله عز وجل: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *}[يُونس]، وقال سبحانه في سورة الأنفال: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[الأنفَال، من الآية: 34]، ولا يجوز للزائر ولا لغيره دعاء الأموات أو الاستغاثة بهم أو النذر لهم أو الذبح لهم عند قبورهم أو في أي مكان؛ يتقرب بذلك إليهم ليشفعوا له أو يشفوا مريضه أو ينصروه على عدوه أو لغير ذلك من الحاجات؛ لأن هذه الأمور من العبادة، والعبادة كلها لله وحده؛ كما قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}[البَيّنَة، من الآية: 5]، وقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *}[الذّاريَات]، وقال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا *}[الجنّ]، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}[الإسرَاء، من الآية: 23]، والمعنى: أَمَرَ ووَصَّى، وقال عز وجل: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *}[غَافر]، وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *}[الأنعَام]، والآيات في هذا المعنى كثيرة .(2/288)
وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا (1)، وهذا يشمل جميع العبادات: من صلاة وصوم وركوع وسجود وحج ودعاء وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة، كما أن الآيات السابقات تشمل ذلك كله، وفي صحيح مسلم: عن علي رضي الله عنه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ(2). وفي صحيح البخاري: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ(3). والأحاديث في الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن الإشراك به وعن وسائل ذلك كثيرة معلومة .
أما النساء فليس لهن زيارة القبور؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ (4) والحكمة في ذلك - والله أعلم - أن زيارتهن قد تحصل بها الفتنة لهن ولغيرهن من الرجال . وقد كانت الزيارة للقبور في أول الإسلام ممنوعة حسماً لمادة الشرك . فلما فشى الإسلام وانتشر التوحيد أذن - صلى الله عليه وسلم - في الزيارة للجميع، ثم خص النساء بالمنع حسماً لمادة الفتنة بهن .
أما قبور الكفار فلا مانع من زيارتها للذكرى والاعتبار، ولكن لا يدعى لهم ولا يستغفر لهم؛ لما ثبت في صحيح مسلم: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه استأذن رَبَّهُ أن يستغفرَ لأُمَّهِ فلم يَأْذَنْ له، واستأذنه أن يزورَ قَبْرَها فَأَذِنَ له»(5)، وذلك أنها ماتت في الجاهلية على دين قومها .
__________
(1) …البخاري (2856)، ومسلم (30) .
(2) …مسلم (1978) .
(3) …البخاري (3445، 6830) .
(4) …أحمد (2/337، 356)، (3/442)، والترمذي (1056) وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه (1574 - 1576).
(5) …مسلم (976) بمعناه.(2/289)
وأسأل الله أن يوفق المسلمين رجالاً ونساء للفقه في الدين والاستقامة عليه قولاً وعملاً وعقيدة، وأن يعيذهم جميعاً من كل ما يخالف شرعه المطهر؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث العدد (42)، ص (132 - 134)
حكم تخصيص يوم الجمعة لزيارة القبور ودعاء الزيارة
فيه حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من زار قبر والديه أو أحدهما كل جمعة غفر له وكتب باراً». أرجو إفادتي: هل هناك دعاء خاص يقال عند قبر الوالدين أو أحدهما ؟ وهل الزيارة قبل صلاة الجمعة أو بعدها، أو فيه وقت مفضل في يوم الجمعة ؟
أولاً: الحديث المذكور ضعيف جداً، ولا يصلح الاحتجاج به لضعفه، وعدم صحته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثانياً: زيارة القبور مشروعة في أي وقت، ولم يرد دليل يخصص يوم الجمعة أو غير يوم الجمعة بزيارتها فيه، وقد روى الإمام مسلم رحمه الله: عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: السلامُ على أَهْلِ الدِّيارِ من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكم لاَحِقُون، أسألُ اللهَ لَنَا ولكم العافِيَة (1)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مَرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أَهْلَ القُبور، يَغْفرُ الله لَنَا ولكم، أنتم سَلَفُنَا ونحنُ بِالأَثَر (2)؛ رواه الترمذي وقال: «حسن».
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/112، 113)
حكم زيارة ما يعرف بقبور الأولياء
__________
(1) …مسلم (975).
(2) …الترمذي (1053)، وقال: «حسن غريب»، والطبراني في «الكبير» 12/107 (12613)، والضياء في «المختارة» (532).(2/290)
فضيلة الشيخ نرجو منكم توجيه نصيحة لمن يزور القبور، ويدعو الأموات، وينذر لهم ويستغيث، ويستعين بهم؛ لأنهم كما يزعم أولياء الله.
نصيحتنا لهؤلاء وأمثالهم: أن يرجع الإنسان إلى عقله وتفكيره؛ فهذه القبور التي يُزعم أن فيها أولياء تحتاج:
أولاً: إلى إثبات أنها قبور؛ إذ قد يوضع شيء يشبه القبر ويقال: هذا قبر فلان كما حدث ذلك، مع أنه ليس بقبر .
ثانياً:…إذا ثبت أنها قبور، فإنه يحتاج إلى إثبات أن هؤلاء المقبورين كانوا أولياء لله؛ لأننا ما ندري: هل هم أولياء لله أم أولياء للشيطان ؟!
ثالثاً:…إذا ثبت أنهم من أولياء الله فإنهم لا يزارون من أجل التبرك بزيارتهم أو دعائهم أو الاستغاثة بهم والاستعانة بهم؛ وإنما يزارون كما يزار غيرهم للعبرة والدعاء لهم فقط، على أنه إن كان في زيارتهم فتنة أو خوف فتنة بالغلو فيهم فإنه لا تجوز زيارتهم دفعاً للمحظور ودرءاً للمفسدة .
فأنت أيها الإنسان حكّم عقلك، فهذه الأمور الثلاثة التي سبق ذكرها لابد أن تتحقق وهي:
أ- ثبوت القبر .
ب - ثبوت أنه ولي .
ج - الزيارة لأجل الدعاء لهم . فهم في حاجة إلى الدعاء مهما كانوا؛ فهم لا ينفعون ولا يضرون، ثم إننا قلنا: إن زيارتهم من أجل الدعاء لهم جائزة ما لم تستلزم محظوراً .
أما من زارهم ونذر لهم وذبح لهم أو استغاث بهم - فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة؛ يكون صاحبه به كافراً مخلَّداً في النار .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العقيدة، ص: (30، 31)
حكم المشي بالنعال بين القبور
هل خلع النعال في المقابر من السنة أم بدعة ؟(2/291)
يشرع لمن دخل المقبرة خلع نَعْلَيْهِ(1)؛ لما روى بشير بن الخصاصية رضي الله عنه قال: (بينا أنا أماشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رجل يمشي في القبور وعليه نعلان، فقال: يا صاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْن، أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلعهما فرمى بهما)(2) ، رواه أبو داود، وقال أحمد: «إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة»(3)، والعلة التي أشار إليها أحمد رحمه الله: كالشوك والرمضاء ونحوهما، فلا بأس بالمشي فيهما بين القبور لتوقي الأذى.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/123، 124)
حكم البناء على القبور والكتابة عليها
لاحظت عندنا على بعض القبور عمل صبة بالأسمنت بقدر متر طولاً في نصف متر عرضاً، مع كتابة اسم الميت عليها وتاريخ وفاته وبعض الجمل كـ ( اللّهم ارحم فلان بن فلان ..) وهكذا، فما حكم مثل هذا العمل ؟
__________
(1) …المقصود إذا مشى بين القبور كما هو لفظ الحديث.
(2) …أحمد (5/83، 84، 224)، وأبو داود (3230)، والنسائي (2048)، وابن ماجه (1568)، وابن حبان (3170)، والحاكم 1/373، (1380، 1381) وصححه ووافقه الذهبي. وحسَّن النووي إسناده في «الأذكار» ص 229 (859).
(3) …انظر: «المغني» لابن قدامة (2/223)، و«حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (9/37).(2/292)
لا يجوز البناء على القبور لا بصبة ولا بغيرها، ولا تجوز الكتابة عليها - لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن البناء عليها والكتابة عليها؛ فقد روى مسلم رحمه الله من حديث جابر رضي الله عنه قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ(1). ولأن ذلك نوع من أنواع الغلو فوجب منعه، ولأن الكتابة ربما أفضت إلى عواقب وخيمة من الغلو وغيره من المحظورات الشرعية، وإنما يعاد تراب القبر عليه، ويرفع قدر شبر تقريباً حتى يعرف أنه قبر، هذه هي السنة في القبور التي درج عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم، ولا يجوز اتخاذ المساجد عليها، ولا كسوتها، ولا وضع القباب عليها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ(2).
__________
(1) …مسلم (970). وأخرجه الترمذي (1052) وغيره بإسناد صحيح، وزاد: (وأن يكتب عليه).
(2) …البخاري (1330)، ومسلم (529) .(2/293)
ولما روى مسلم في صحيحه: عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس يقول: إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، أَلا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ؛ أَلا فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ(1). والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . ونسأل الله أن يوفق المسلمين للتمسك بسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، والثبات عليها، والحذر مما يخالفها؛ إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/329)
حكم دفن الموتى في المساجد
ما حكم دفن الموتى في المساجد ؟
الدفن في المساجد نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذر - صلى الله عليه وسلم - أمته، ويذكر - صلى الله عليه وسلم - أن هذا من فعل اليهود والنصارى، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل، لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل في أصحاب هذه القبور، فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون، أو أن لهم خاصية تستوجب أن يتقرب إليهم بالطاعات من دون الله سبحانه وتعالى.
__________
(1) …مسلم (532) .(2/294)
فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تكون المساجد خالية من القبور، مؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة؛ قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا *}[الجنّ]، فيجب أن تكون المساجد لله سبحانه وتعالى خالية من مظاهر الشرك، تؤدى فيها عبادة الله وحده لا شريك له . هذا هو واجب المسلمين . والله الموفق .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العقيدة، ص (26، 27)
وجوب إخراج القبر من المسجد
رجل بنى مسجداً، وأوصى أن يدفن فيه فدفن .. فما العمل الآن ؟
هذه الوصية أعني الوصية أن يدفن في المسجد غير صحيحة؛ لأن المساجد ليست مقابر، ولا يجوز الدفن في المسجد، وتنفيذ هذه الوصية محرم، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل، (2/233)
حكم بناء القباب على القبور .. وهل يحتج بقبة القبر النبوي ؟
هناك من يحتجون ببناء القبة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القباب على باقي القبور؛ كالصالحين وغيرهم .. فهل يصح هذا الاحتجاج أم ماذا يكون الرد عليهم ؟
لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين أو غيرهم؛ لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره - صلى الله عليه وسلم - حرام يأثم فاعله؛ لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال: (قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألاَّ تَدَعَ تِمْثَالاً إلا طَمَسْتَهُ، ولا قبراً مُشْرِفاً إلا سَوَّيْتَه (1)، وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُجَصَّص القبر، وأن يُقْعَدَ عليه، وأن يُبْنَى عليه (2)، رواهما مسلم في صحيحه.
__________
(1) …مسلم (969).
(2) …مسلم (970).(2/295)
فلا يصح أن يحتج أحد بفعل بعض الناس المحرم على جواز مثله من المحرمات؛ لأنه لا يجوز معارضة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بقول أحد من الناس أو فعله؛ لأنه المبلغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته، والحذر من مخالفة أمره؛ لقول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحَشر، من الآية: 7] وغيرها من الآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله، ولأن بناء القبور واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/82، 83)
حكم نشر التعازي في الصحف
تنشر على مساحات كبيرة في بعض الصحف تعازي لبعض الناس في وفاة أقربائهم، وأحيانًا تكون الكتابة بلون أبيض على صفحات سوداء، وأحيانًا بعض العبارات فقط؛ فما حكم هذا العمل ؟
التعزية لأهل الميت بالدعاء لهم ولميتهم مشروعة - إذا كانت في حدود الوارد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ بأن يقول لأخيه المصاب إذا لقيه: أَحْسَنَ اللهُ عزاءَك، وجَبَر اللهُ مُصيبَتَك، وغفرَ لِمَيِّتك(1). وإذا كان بعيدًا عنه، وكتب له خطابًا ضمنه هذه التعزية؛ فلا بأس بذلك .
وأما الإعلان في الصحف عن وفاة الميت فلا داعي له؛ إلا إذا كان القصد منه الإعلام بوفاته من أجل أن يقوم من له عليه حقوق لاستيفائها، أو من أجل بيان مكان الصلاة على جنازته من أجل الحضور لذلك .
__________
(1) …قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: مُرْهَا فَلْتِصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، فإنَّ للهِ ما أَخَذَ، ولَهُ ما أَعْطَى، وكلُّ شيءٍ عندهُ بأَجَلٍ مُسَمّى. أما الصيغة المذكورة هنا فليست من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أجازها ونحوها في التعزية بعض أهل العلم. انظر: «الأذكار» للنووي، ص (119).(2/296)
أما إذا كان من أجل الإشادة به والمدح؛ فهذا لا ينبغي؛ لأنه قد يفضي إلى المبالغة والإطراء، وأيضاً هنا العمل يستدعي تكاليف مالية تدفع للجريدة في مقابل الإعلان، وهو عمل لا يترتب عليه فائدة، وكذا لا يشرع الإعلان عن مكان العزاء، ولا إقامة حفلات وولائم .
قال جرير بن عبدالله رضي الله عنه: كُنَّا نَرَى الاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ مِنْ النِّيَاحَةِ(1).
الشيخ الفوزان - المنتقى (2/284)
حكم لبس السواد حدادًا على الميت
هل يجوز لبس الثوب الأسود حزنًا على المتوفى وخاصة إذا كان الزوج ؟
لبس السواد عند المصائب شعار باطل؛ لا أصل له . . والإنسان عند المصيبة ينبغي له أن يفعل ما جاء به الشرع؛ فيقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون، اللّهم أْجُرْنِي في مصيبتي وأَخْلِفْ لِي خيرًا منها»(2). فإذا قال ذلك بإيمان واحتساب فإن الله سبحانه وتعالى يؤجره على ذلك ويبدله بخير منها. أما ارتداء لبس معين كالسواد وما شابهه فإنه لا أصل له، وهو أمر باطل ومذموم .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى المرأة، ص (143، 144)
حكم وضع الزهور على القبور والوقوف دقيقة صمت
في كثير من البلدان الاشتراكية - وهي دول إسلامية - تتبع في المحافل المقامة لديها ما يسمى وضع الإكليل من الزهور على الشهداء، أو على قبر الجندي المجهول .. فما موقف الإسلام من هذا العمل ؟ وهل هناك ما يدل على تحريمها أو تحليلها ؟ أم أنها منقولة من الغرب ليس إلا ؟
__________
(1) …أحمد (2/204)، وابن ماجه (1612)، والطبراني في «الكبير» (2279). وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1308).
(2) …مسلم (918).(2/297)
كذلك تتبع كثير من الدول - وهي دول إسلامية - والتي نشأت وتنشأ فيها ثورات ضد الاستعمار: ممارسة عادة مألوفة في افتتاح أو اختتام احتفالاتها الوطنية طلب الوقوف على الأقدام من الحضور لما يسمى دقيقة صمت، ترحماً على أرواح الشهداء؛ فما موقف الإسلام من ذلك تحليلاً وتحريماً ؟ أو هل هناك ما يشير من الكتاب أو السنة على ذلك ؟ وهل هذا يتعارض مع قراءة سورة الفاتحة على الميت ؟ أو يكون ذلك بديلاً عنها ؟ أو هي الأخرى بدعة في الإسلام ؟(2/298)
أولاً: وضع الزهور على قبور الشهداء أو قبور غيرهم، أو عمل قبر الجندي المعلوم أو المجهول - من البدع التي أحدثها بعض المسلمين في الدول التي اشتدت صلتها بالدول الكافرة؛ استحساناً لما لدى الكفار من صنيعهم مع موتاهم، وهذا ممنوع شرعاً لما فيه من التشبه بالكفار، واتباعهم فيما ابتدعوه لأنفسهم في تعظيم موتاهم، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك بقوله: بُعِثْتُ بين يَدَيِ الساعةِ بالسيفِ حتى يُعْبَدَ الله وحدَهُ لا شريك له، وجُعِلَ رزقي تحتَ ظِلِّ رُمْحِي، وجُعِلَ الذُّل والصَّغار على مَنْ خالف أمري، ومن تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم (1) رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير، وبقوله عليه الصلاة والسلام: لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كان قبلكم شِبْراً بشبرٍ وذِرَاعاً بِذِراعٍ؛ حتى لَوْ أنَّ أحدَهُم دخلَ جُحْرَ ضبٍّ لَدَخَلْتُم، وحتى لو أن أحدهم جامَعَ امرأَتَهُ بالطريق لَفَعَلْتُمُوه(2). رواه الحاكم وقال على شرط مسلم، وأقره الذهبي ورواه أيضاً البزار، قال الهيثمي: «رجاله ثقات».
__________
(1) …أحمد (2/50، 92) وابن أبي شيبة في «مصنفه» (19401)، والطبراني في «مسند الشاميين» 1/135 (216).…قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/267) وَ (6/49): «وفيه عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان؛ وثقة ابن المديني وأبو حاتم وغيرهما، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات».…وإسناده حسن - كما قال المناوي في «التيسير بشرح الجامع الصغير» (1/434)، وقد علقه البخاري في «صحيحه» في كتاب الجهاد، قبل (2914).
(2) …البزار «كشف الأستار...» 4/98 (3285). الحاكم 4/455 (8404)، وصححه ووافقه الذهبي. وأصله في الصحيحين: البخاري (3456، 7320)، ومسلم (2669).(2/299)
وقد كان من الصحابة والتابعين وسائر السلف رضي الله عنهم شهداء وجنود؛ لهم وجاهتهم، وآخرون مغمورون، ولم يعرف لديهم وضع شيء من الزهور عليها، فكان وضعها على القبور بدعة محدثة، والخير كل الخير في اتباع سلف هذه الأمة، والشر في ابتداع من خَلَف.
ثانياً: إقامة احتفال للشهداء ووقوف من حضروا الاحتفال على أقدامهم مدة دقيقة صمت؛ ترحماً على أرواح الشهداء - بدعة منكرة؛ لم يفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا خلفاؤه الراشدون، ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم، ولا أئمة المسلمين في القرون الأولى، التي شهد لها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها خير القرون، رحمهم الله تعالى، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذا ما ليس منه فهو رَدّ (1)، وفي رواية: مَنْ عمِلَ عملاً ليس عليه أَمْرُنا فهو رَدّ (2)، والخير كل الخير في اتباعه - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين، والسير على منهجهم القويم، وعدم اتباع ما عليه الكفار مما يخالف هدي الإسلام.
ثالثاً: لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ سورة الفاتحة أو غيرها من القرآن على أرواح الشهداء، أو غيرهم من الأموات، وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم، وقد كان كثيراً ما يزور القبور، ولم يثبت أنه قرأ على من فيها قرآناً، إنما كان يستغفر للمؤمنين، ويدعو لهم بالرحمة ويعتبر بأحوال الأموات.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/89-92)
حكم تلقين الميت بعد الدفن
يقول كثير من الناس: إن التلقين حرام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعله .. أهذا صحيح ؟
__________
(1) …البخاري (2697)، ومسلم (1718).
(2) …علقه البخاري في كتابي البيوع والاعتصام، ووصله مسلم؛ برقم (1718).(2/300)
نعم؛ تلقين الميت بعد الدفن بدعة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله ولا خلفاءه الراشدون، ولا بقية الصحابة رضي الله عنهم، والأحاديث الواردة في ذلك غير صحيحة. وإنما التلقين المشروع هو تلقين المحتضر قبل موته كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لَقِّنُوا مَوْتَاكُم لا إله إلا الله (1)؛ خرجه مسلم في صحيحه، والمراد بالموتى هنا: المحتضرون، كما أوضح ذلك أهل العلم في شرح هذا الحديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/340).
حكم قراءة القرآن على القبر
ما حكم قراءة القرآن على القبر بعد دفن الميت ؟ وما حكم استئجار من يقرؤون في البيوت ونسميها رحمة على الأموات ؟
الراجح من أقوال أهل العلم أن القراءة على القبر بعد الدفن بدعة ؛ لأنها لم تكن في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يأمر بها ولم يكن يفعلها؛ بل غاية ما ورد في ذلك: أنه كان عليه الصلاة والسلام بعد الدفن يقف ويقول : «اسْتغفِرُوا لأخِيكم، واسْأَلُوا له التَّثْبِيتَ، فإنه الآنَ يُسْأَل»(2). ولو كانت القراءة عند القبر خيرًا وشرعًا لأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تعلم الأمة ذلك.
__________
(1) …أحمد (3/3)، ومسلم، (916، 917) وغيرهما.
(2) …أبو داود (3221)، والحاكم 1/370 (1372) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (6856). وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2758).(2/301)
وأيضًا اجتماع الناس في البيوت للقراءة على روح الميت لا أصل له، وما كان السلف الصالح رضي الله عنهم يفعلونه، والمشروع للمسلم إذا أصيب بمصيبة أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله، ويقول ما قاله الصابرون: «إنا لله وإنا إليه راجعون .. اللهم أْجُرْنِي في مصيبتي وأَخْلِفْ لِي خيرًا منها»(1). وأما الاجتماع عند أهل الميت، وقراءة القرآن ووضع الطعام وما شابه ذلك فكلها من البدع.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى في أحكام الجنائز ص (219) - جمع وترتيب : فهد السليمان
نقد أخبار واهية في أحوال أهل القبور
لقد قرأت في بعض كتب شيخ الإسلام حول تكليم الموتى فذكر: أن ذلك يكون من الشيطان؛ حيث يخرج من القبر ويكلم القادم إليه، وغير ذلك؛ فهل قصة مطرف التي ذكرها ابن القيم من هذا النوع ؟ وما هو الحد الفاصل بين تكليم الموتى إن كان من شيطان أو لا ؟
دُنُوُّ أرواح الأموات من قبورهم يوم الجمعة أو ليلتها، ومعرفتهم من زارهم أو مرَّ بهم وسلم عليهم أكثر من معرفتهم بهم في غير يوم الجمعة أو ليلتها، والتقاء الأحياء والأموات ذلك اليوم - كل هذا من الأمور الغيبية التي استأثر الله بعلمها؛ فلا تعلم إلاَّ بوحي من الله لنبي من أنبيائه، ولم يثبت في ذلك حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما نعلم، ولا يكفي في معرفة ذلك الأحلام فإنها تخطئ وتصيب، فالقول بها والاعتماد عليها رجم بالغيب.
ثانياً: ما قرأته في كتاب [زاد المعاد] لابن القيم رحمه الله في هذا الموضوع مبني على ما رواه أبو بكر عبدالله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا في كتاب [القبور] - باب معرفة الموتى بزيارة الأحياء - من أحاديث غير ثابتة، وآثار وأحلام، وفيما يلي ذكر ذلك مع نقده:
__________
(1) …مسلم (918).(2/302)
قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن عون، ثنا يحيى بن يمان، ثنا عبدالله بن سمعان، عن زيد بن أسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما مِنْ رَجُلٍ يَزُور قَبْرَ أخيه ويجلسُ عنده إلاَّ اسْتَأنَسَ به ورَدَّ عليه حتى يقُوم(1).
في سنده: يحيى بن يمان، قال ابن حجر في [التقريب](2): (يحيى بن يمان العجلي الكوفي صدوق عابد يخطئ كثيراً وقد تغير). وفي سنده أيضاً: عبدالله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي المدني، قال ابن حجر في [التقريب](3): (متروك اتهمه بالكذب أبو داود وغيره).
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن قدامة الجوهري، ثنا معن بن عيسى القزاز، أخبرنا هشام بن سعد، ثنا زيد بن أسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إذا مر الرجل بقبر أخيه يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام). في سنده: محمد بن قدامة الجوهري الأنصاري أبو جعفر البغدادي، قال ابن حجر في [التقريب](4): (فيه لين)، وفي سنده أيضاً: هشام بن سعد المدني أبو عباد أو أبو سعد القرشي، ضعفه يحيى بن معين والنسائي، وقال حرب: لم يرضه أحمد، وذكره ابن عبدالبر في باب من نسب إلى الضعف ممن يكتب حديثه، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث يستضعف وكان متشيعاً، وقال ابن حجر في [التقريب](5): (صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع).
__________
(1) …انظر: «تفسير ابن كثير» (3/439)، عند تفسير الآيتين (52، 53) من سورة الروم.
(2) …«تقريب التهذيب» (7679).
(3) …«تقريب التهذيب» (3326).
(4) …«تقريب التهذيب» (6234).
(5) …«تقريب التهذيب» (7294).(2/303)
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن الحسين، حدثني يحيى بن بسطام الأصغر، حدثني مسمع، حدثني رجل من آل عاصم الجحدري قال: (رأيت عاصماً الجحدري في منامي بعد موته بسنتين، فقلت: أليس قد مت ؟! قال: بلى، قلت: فأين أنت ؟ قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة، أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبدالله المزني فنتلقى أخباركم، قال: قلت أجسادكم أم أرواحكم ؟ قال: هيهات، بليت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواح، قال: قلت: فهل تعلمون بزيارتنا إياكم ؟ قال: نعم؛ نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله وليلة السبت إلى طلوع الشمس، قال: قلت: فكيف ذلك دون الأيام كلها ؟ قال: لفضل يوم الجمعة وعظمته).
في سنده: رجل مبهم، وفي سنده يحيى بن بسطام، قال ابن حجر في [لسان الميزان]: (قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه؛ لأنه داعية إلى القدر؛ ولأن في روايته مناكير ... وذكره العقيلي في [الضعفاء] ... وقال أبو داود: تركوا حديثه، قال له معتمر بن سليمان: أنت قدري ؟ قال: نعم)(1).
هذا ولو صح سنده لم يصح مستنداً؛ لأنه رؤيا من غير معصوم فلا تقوم بها حجة.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش، ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي التياح قال: كان مطرف يغدو فإذا كان يوم الجمعة أدلج، قال: وسمعت أبا التياح يقول: بلغنا أنه كان ينور له في سوطه، فأقبل ليلة حتى إذا كان عند مقابر القوم وهو على فرسه فرأى أهل القبور كل صاحب قبر جالساً على قبره فقالوا: هذا مطرف يأتي الجمعة، قلت: وتعلمون عندكم يوم الجمعة ؟ قالوا: نعم، ونعلم ما تقول الطير، قلت: وما يقولون ؟ قالوا يقولون: سلام سلام(2).
__________
(1) …«لسان الميزان» 6/243 (854).
(2) …انظر: «حلية الأولياء» (2/205)، و«الروح» لابن القيم، ص (6).(2/304)
خالد بن خداش: هو أبو الهيثم المهبلي ومولاهم البصري؛ قال فيه ابن حجر في [التقريب](1): (صدوق يخطئ). ثم هذه الرواية منام فلا تقوم به حجة تعارض الأصل المحقق وسنة الله الكونية الثابتة في أن الأموات لا يكلمون الأحياء وأن الأحياء لا يسمعون كلام الأموات؛ إلاَّ معجزة لنبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذلك لا يخرجون من قبورهم إلاَّ يوم القيامة؛ كما قال سبحانه: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ *ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ *}[المؤمنون].
أما رد السلام فقد ورد فيه حديث ضعيف، وذكره الشيخ ابن عبدالهادي في [الصارم المنكي](2) ، ولو فرضنا صدق المنام لم يدل على صحة ما ذكره ابن القيم فيما تقدم نقله عنه؛ لأنه بلاغ من غير معصوم عن مجهول.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/440-443)
تحريم تعليق صور الميت والحي
تعليق صورة الميت في البيت .. هل هي حرام ؟ وهل جمع صور الموتى والاحتفاظ بها حرام أم لا ؟
لا يجوز تعليق صور ذوات الأرواح في البيوت، ولا غير البيوت؛ سواء كانت لأحياء أو لأموات، أو للذكرى، أو لغير ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه: لا تَدَعْ صورةً إلا طَمَسْتَهَا، ولا قبراً مُشْرِفاً إلا سَوَّيْتَهُ (3) رواه مسلم في صحيحه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/81)
الباب السابع
الزكاة
الفصل الأول :
حكم الزكاة وشروطها
الفصل الثاني :
أهل الزكاة
الفصل الثالث :
زكاة النقدين
الفصل الرابع :
زكاة الخارج من الأرض وعروض التجارة الفصل الأول…حكم الزكاة وشروطها
حكم الزكاة .. ومتى فرضت ؟
ما حكم الزكاة ومتى فرضت ؟
__________
(1) …«تقريب التهذيب» (1623).
(2) …«الصارم المنكي» (1/296، 297).
(3) …مسلم (969).(2/305)
ج: الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها؛ لقول النبي (ص): بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وصومِ رمضان، وحجِّ بيت الله الحرام (1) وهي فرض بإجماع المسلمين؛ فمن أنكر وجوبها فقد كفر، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشئ في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر، ولكنه يُعلّم، وإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتدًّا، وأما من منعها بخلاً وتهاوناً ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يكفر، وهو إحدى روايتين عن الإمام أحمد، ومنهم من قال: إنه لا يكفر، وهذا هو الصحيح، ولكنه قد أتى كبيرة عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي (ص) ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة، ثم قال: حَتَّى يُقْضَى بين العباد فَيُرَى سَبِيلَهُ: إمَّا إلى الجنةِ وإمَّا إلى النار(2). وإذا كان يمكن أن يرى له سبيلاً إلى الجنة فإنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة، ولكن على مانعها بخلاً وتهاوناً من الإثم العظيم ما ذكره الله تعالى في قوله: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَّرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *}[آل عِمرَان]. وفي قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَْحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا
__________
(1) …البخاري (8)، ومسلم (16).
(2) …مسلم (987).(2/306)
جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ *}[التّوبَة]. فعلى المرء المسلم أن يشكر الله على نعمته بالمال، وأن يؤدي زكاته حتى يزيد الله له في ماله بركة ونماء.
- وأما قول السائل: متى فرضت الزكاة ؟
فجوابه: أن الزكاة فرضت في أصح أقوال أهل العلم بمكة، ولكن تقدير الأنصبة والأموال الزكوية وأهل الزكاة كان بالمدينة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/14)
شروط وجوب الزكاة
ما شروط وجوب الزكاة ؟
شروط وجوب الزكاة: الإسلام، والحرية، وملك النصاب، واستقراره، ومضي الحول إلا في المعشرات.
فأما الإسلام: فإن الكافر لا تجب عليه الزكاة، ولا تقبل منه لو دفعها باسم الزكاة؛ لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ *}[التّوبَة].
ولكن ليس معنى قولنا: إنها لا تجب على الكافر ولا تصح منه أنه معفي عنها في الآخرة؛ بل إنه يعاقب عليها - لقوله تعالى: {إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ *فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ *عَنِ الْمُجْرِمِينَ *مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ *قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ *وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ *وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ *وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ *حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ *}[المدَّثِّر] ؛ وهذا يدل على أن الكفار يعذبون على إخلالهم بفروع الإسلام، وهو كذلك.(2/307)
- وأما الحرية: فلأن المملوك لا مال له، إذ أن ماله لسيده؛ لقول النبي (ص): مَنْ بَاعَ عبداً له مال فَمَالُهُ لبائِعِه؛ إلا أن يَشْتَرِطَهُ المُبْتَاع (1)، فهو إذن غير مالك للمال حتى تجب عليه الزكاة، وإذا قدر أن العبد ملك بالتمليك فإن ملكه في النهاية يعود لسيده؛ لأن سيده له أن يأخذ ما بيده، وعلى هذا ففي ملكه نقص ليس بمستقر استقرار أموال الأحرار، فعلى هذا تكون الزكاة على مالك المال، وليس على المملوك منها شيء، ولا يمكن أن تسقط الزكاة عن هذا المال.
- وأما ملك النصاب: فمعناه أن يكون عند الإنسان مال يبلغ النصاب الذي قدره الشرع، وهو يختلف باختلاف الأموال، فإذا لم يكن عند الإنسان نصاب فإنه لا زكاة عليه؛ لأن ماله قليل لا يحتمل المواساة.
والنصاب في المواشي مقدر ابتداءً وانتهاءً، وفي غيرها مقدر ابتداءً وما زاد فبحسابه.
- وأما مضي الحول: فلأن إيجاب الزكاة في أقل من الحول يسلتزم الإجحاف بالأغنياء، وإيجابها فيما فوق الحول يستلزم الضرر في حق الفقراء، فكان من حكمة الشرع أن يقدر لها زمن معين تجب فيه: وهو الحول، وفي ربط ذلك بالحول توازن بين حق الأغنياء وحق أهل الزكاة.
وعلى هذا فلو مات الإنسان مثلاً، أو تلف المال قبل تمام الحول سقطت الزكاة؛ إلا أنه يستثني من تمام الحول ثلاثة أشياء:
الأول: ربح التجارة.
الثاني: نتاج السائمة.
الثالث: المعشرات.
- أما ربح التجارة فإن حوله حول أصله، وأما نتاج السائمة فحول النتاج حول أمهاته، وأما المعشرات فحولها وقت تحصيلها، والمعشّرات: هي الحبوب والثمار.
مثال ذلك في الربح: أن يشتري الإنسان سلعة بعشرة آلاف ريال، ثم قبل تمام حول الزكاة بشهر تزيد هذه السلعة، أو تربح نصف الثمن الذي اشتراها به، فيجب عليه زكاة رأس المال وزكاة الربح، وإن لم يتم للربح حول؛ لأنه فرع، والفرع يتبع الأصل.
__________
(1) …البخاري (2379)، ومسلم (1543).(2/308)
- وأما النتاج مثل أن يكون عند الإنسان من البهائم نصاب ثم في أثناء الحول يتوالد هذا النصاب حتى يبلغ نصابين، فيجب عليه الزكاة للنصاب الذي حصل بالنتاج وإن لم يتم عليه الحول، لأن النتاج فرع فيتبع الأصل.
- وأما المعشرات فحولها حين أخذها مثل الحبوب والثمار، فإن الثمار في النخل مثلاً لا يتم عليه الحول حين يجز؛ فتجب الزكاة عند جَزِّه، وكذلك الزرع يزرع ويحصد قبل أن يتم عليه الحول، فتجب الزكاة عند حصاده، لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعَام، من الآية: 141] فهذه الأشياء الثلاثة تستثنى من قولنا: إنه يشترط لوجوب الزكاة تمام الحول.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/16)
الفصل الثاني…أهل الزكاة
أصناف المستحقين للزكاة
لمن تصرف الزكاة ؟ ونأمل تفسير كل نوع من مستحقيها.
جـ: تصرف للأصناف الثمانية التي ذكرها الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *}[التّوبَة].(2/309)
الفقير: الذي يجد بعض ما يكفيه. والمسكين: الذي لا شيء له، وقال بعض العلماء بالعكس، وهو الراجح. والمراد بالعاملين عليها: السعاة الذين يبعثهم إمام المسلمين أو نائبه لجبايتها، ويدخل في ذلك كاتبها وقاسمها. والمراد بالمؤلفة قلوبهم: من دخل في الإسلام وكان في حاجة إلى تأليف قلبه لضعف إيمانه. والمراد بقوله تعالى: ُ ؤ ح ِ : عتق المسلم من مال الزكاة، عبداً كان أو أمة، ومن ذلك فك الأسارى ومساعدة المكاتبين. والمراد بالغارمين: من استدان في غير معصية، وليس عنده سداد لدينه، ومن غرم في صلحٍ مشروع. والمراد بقوله تعالى: ُ 5 4 3 ِ : إعطاء الغزاة والمرابطين في الثغور من الزكاة ما ينفقونه في غزوهم ورباطهم. والمراد بابن السبيل: المسافر الذي انقطعت به الأسباب عن بلده وماله، فيعطى ما يحتاجه من الزكاة حتى يصل إلى بلده ولو كان غنياً في بلده. وإذا أردت التوسع في ذلك فراجع: تفسير البغوي وابن كثير.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/6)
معنى الفقير والمسكين
جاء ذكر الفقراء والمساكين في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} إلى آخر الآية الكريمة [التّوبَة]، ونستفتي سماحتكم عن معنى الفقير والمسكين المذكورين في هذه الآية الكريمة ؟ ثم في حالة اشتراط إعطاء كل من الفقير والمسكين (ما يكفيه): ماذا تعني الكفاية هنا بالنسبة للفقير ؟ وماذا تعني الكفاية هنا بالنسبة للمسكين ؟
الفرق بين الفقير والمسكين: أن الفقير هو من لا يملك ما يسد حاجته ولا يقوى على كسب ما يسدها، والمسكين من كان أخف حاجة من الفقير، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء فيهما، وقال آخرون عكس ذلك. ويعطى كل منهما ما فيه كفايته أي ما يسد حاجته سنة، مع مراعاة دخله دون زيادة عليها؛ لأنه بأخذه ذلك صار غنياً، والحاجة تختلف باختلاف البيئة في المدن والقرى.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(2/310)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/21)
حكم دفع الصدقة للمُتَسَوَّلِين
يتجول عدد كبير من المتسولين من رجال ونساء وأطفال بمختلف الأعمار والهيئات بين الناس في الأسواق والشوارع والمساجد وغيرها من الأماكن العامة طالبين المساعدة ومد يد العون لهم.
وأمام هذه الظاهرة يحتار كثير من الناس في كيفية التصرف مع هؤلاء؛ وهل ندفع لهم من أموالنا من صدقات وزكاة ؟ أفتونا مأجورين والله يحفظكم ويرعاكم.
إن الحكم يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص؛ وقد عرف أن الكثير من المتسولين ليسوا ذوي حاجة؛ بل فيهم من هم أثرياء وذوو أموال كثيرة؛ ولكن اتخذوا هذا التسوُّل حرفة ولا يستطيعون تركه. فمن رأيتم من الرجال ذا قوة ونشاط وجلد فلا تعطوه؛ حيث إنه يقدر على التكسب كسائر العمال، أما الأطفال فيعرف المحتال منهم بجرأته وقوة جنانه مما يدل على أنه اتخذ التسول عادة فاعتاد الكلام بقوة وحفظ الأدعية والأوصاف. وأما النساء فيعرفن بالاعتياد وكثرة ترددهن، وبكل حال من عرف أنه من أهل الاحتراف الدائم بدون حاجة فخذُوه فغلُّوه، ثم ابعثوا به إلى مكافحة التسول كما هو معلوم . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه
صرف الزكاة لواحد
هل تجوز الزكاة كلها على رجل فقير وهو قريب لي عم لي ؟
نعم؛ يجوز ذلك في حدود حاجة ذلك الفقير.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/20)
هل تُصرف زكاة مؤسسة لِموظَّفين فيها ؟
مؤسسة تجارية يوجد بين موظفيها من يستحق الزكاة؛ فما حكم إعطائهم من أموال المؤسسة الزكوية ؟(2/311)
إذا كان هؤلاء الموظفون مسلمين وفقراء: فلا مانع من دفع الزكاة إليهم؛ لكن بقدر استحقاقهم، ولا يجوز أن يجعلوها كراتب لهم أو أجرة على العمل، ولا أن يقصدوا بها استجلاب إخلاصهم وبقائهم في العمل، والأفضل دفعها إلى الموظفين بخفية، أو بواسطة طرف ثالث؛ حيث لا يشعر أنها من المؤسسة؛ لإبعادهم عن الشبهة. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (141)
دفع الزكاة للإعانة على الزواج
هل يجوز صرف الزكاة لشاب يريد الزواج من أجل إعفاف فرجه ؟ وهل هناك فرق بين من تعدى سن الزواج المعتاد وبين من لم يبلغ العشرين سنة ؟ وإذا كان يريد الزواج من أجل خدمة والدته كبيرة السن؛ فهل يجوز له صرف الزكاة ؟
يجوز ذلك؛ إذا كان لا يجد نفقات الزواج العرفية التي لا إسراف بها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/17)
فضل الجهاد وبذل الزكاة والصدقات فيه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه .. أما بعد:
شيخنا الفاضل: محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله تعالى وأعانه وسدّده -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
لا يخفى على فضيلتكم الدور الذي يقوم به إخواننا المسلمون في أفغانستان وفلسطين وأرتيريا من جهاد أعداء الله الثلاثة: الشيوعية الملحدة، والنصرانية الصليبية، واليهودية الصهيونية الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، فهم يقومون بفريضة طالما عطلت عن الأمة أزماناً طويلة حتى ذل المسلمون إلا من رحم الله، ولا شك أن الجهاد يحتاج إلى دعم هائل تعجز عنه ميزانيات الدول أحياناً، كذلك ما يخلفه الجهاد من أيتام وأرامل ومهاجرين يكونون فريسة سهلة للمنظمات الصليبية إن لم يقم المسلمون بدورهم الذي فرضه عليهم على أتم وجه، من دعم مادى ومعنوي؛ فسؤالنا يا فضيلة الشيخ هو:
هل يجوز أن ندفع زكاة أموالنا لهم ؟(2/312)
وهلاَّ بينت لنا فضل من قام بإعداد المجاهدين، وإخلافهم في أهلهم، وكفالة أيتامهم عند الله سبحانه وتعالى. وجزاك الله عنا وعن المسلمين والمجاهدين منهم خير الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، لا شك أن الجهاد لأعداء الله عز وجل من فروض الكفايات، والجهاد كما قال النبي (ص): ذِرْوَةُ سَنَامِ الإسلام (1) ولا يكون للأمة الإسلامية عز ورفعة، ولدين الإسلام ظهور وغلبة إلا بالجهاد وقمع أعداء الله، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله عز وجل. ولا ريب أن الأعداء تسلطوا على المسلمين منذ أزمان كثيرة؛ لأن المسلمين تفرقوا شيعاً، وناموا وغفلوا عن مصالحهم، واستعمر الأعداء بلادهم وأفكارهم، حتى غيروا عقائدهم وأخلاقهم، وجعلوا يبثون بينهم العداوة ليتفرق المسلمون حتى لا تكون لهم شوكة، ولا تقوم لهم أمة، وبالتالي لا يكون لهم ملة قوية؛ سواء من اليهود، أو النصارى، أو من الشيوعيين. والواجب على الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين أن ينتبهوا لهذا الأمر الخطير العظيم، وأن يقوموا لله مثنى وفرادى في كبح جماح أعداء الله، والقضاء على سلطتهم، وهم منصورون إذا نصروا الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ *}[محَمَّد]. وقال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
__________
(1) …أحمد (5/231، 234، 235، 237)، والترمذي (2616)، وابن ماجه (3973)، والنسائي في «الكبرى» (11394)، وقال الترمذي: «حسن صحيح». وأخرجه أيضاً: الحاكم 2/76، 413 (2408، 3548) وصححه ووافقه الذهبي.(2/313)
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النُّور، من الآية: 55]، وقال عز وجل: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَْرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُْمُورِ *}[الحَجّ].
والواجب على الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين أن يرجعوا إلى دين الله عز وجل رجوعاً حقيقيًّا: في العقيدة، وفي القول، وفي الفعل، وأن يحكموا شريعة الله ويقيموها في أرضه، لتكون كلمة الله هي العليا، ولا شك أن المسلمين اليوم في حال يرثى لها؛ لأنهم متفرقون متشتتون، تتربص كل طائفة بالأخرى الدوائر، وذلك لعدم صدقهم في معاملة الله عز وجل، وفي الانتصار لدين الله سبحانه وتعالى ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم، ولو صدقوا الله لجمع كلمتهم على الحق؛ كما حصل ذلك في أول هذه الأمة الإسلامية. ولا شك أن الجهاد الذي حصل في أفغانستان صار له أثر كبير بالنسبة للمستعمَرِين المضطهدين من المسلمين في فلسطين وفي أرتيريا، وسيكون أيضاً إن شاء الله في غيرها من البلاد المضطهدة، وسيكون النصر للإسلام والمسلمين؛ إن قاموا به على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.(2/314)
وبذل الزكاة في الجهاد في سبيل الله أمر معلوم نص الله عليه في كتابه في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *}[التّوبَة]؛ فبذل الزكاة في الجهاد في سبيل الله بذل في أحد مصارف الزكاة وأصنافها، ولكن لا يعني ذلك أن تنصب الزكوات في هذا الصنف من أصناف الزكاة، وتنسى الأصناف الأخرى التي جعلها الله شريكة للمجاهدين في سبيل الله.
ولا ينبغي أيضاً أن يغفل هذا الجانب من أهل الزكاة؛ بل يكون صرف الزكاة في هؤلاء وهؤلاء؛ لأن فقراء المسلمين يحتاجون أيضاً إلى سد عوزهم وإزالة حاجتهم، والإنسان العاقل يستطيع أن يوفق بين هذا وهذا، بحيث يحكم عقله على ضوء الكتاب والسنة، كما أنه ينبغي أن يكون هناك تبرع خارج عن الزكاة للبذل في سبيل الله عز وجل؛ لأن من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا، والتعاون على البر والتقوى أمر واجب أمر الله به في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى}[المَائدة، من الآية: 2]؛ فلا ينبغي أن يفتح للناس جعل الزكاة في الجهاد فقط، دون أن يفتح لهم باب التبرع؛ لأن النفوس مجبولة على الشح، فإذا فتح هذا الباب صار الناس لا يبذلون في الجهاد إلا ما كان واجباً بالزكاة، فإذا لم يكن عندهم زكاة فتروا.
والذي ينبغي أن يحث الناس على البذل في الجهاد في سبيل الله تبرعاً، ومن الزكاة أيضاً حتى تكون أبواب الخير مفتوحة أمام أهل المال وأهل الغنى، ويحصل الحماس للجهاد في سبيل الله والتبرع فيه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/403)
جواز بذل الزكاة لمجاهدي الشيشان وغيرهم
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..(2/315)
أما بعد: فإنه لا يخفى على فضيلتكم ما يحدث لإخواننا في بلاد القوقاز المسلمة، وبالذات في الشيشان من حرب على الإسلام وإبادة المسلمين، وقتل وتشريد للمدنيين، وكبار السن والنساء والأطفال، وذلك بالقصف العشوائي على القرى والمدارس والمستشفيات والمدن.
فما حكم بذل الصدقات والزكوات للمسلمين هناك ومناصرتهم بالنفس والمال ؟ نصر الله بكم الإسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بذل الصدقات والزكوات للمسلمين في بلاد القوقاز خصوصاً في الشيشان جائز، فالزكوات تكون للمجاهدين والفقراء، والصدقات أوسع من ذلك، وإني لأسأل الله تعالى أن يفرج كربات إخواننا في الشيشان وغيرها من بلاد المسلمين، وأن يرد كيد أعدائهم في نحورهم، وينصر المسلمين في كل مكان؛ إنه على كل شيء قدير.
كتبه محمد بن صالح العثيمين في 26/ 7/ 1420هـ
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/401)
إرسال الزكاة للأسير المسلم
هل يجوز إرسال الزكاة للأسير المسلم ؟
يشرع دفعها في فك رقبته من الأسر، وفي الإنفاق عليه إن احتاج إلى ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/32)
هل يأخذ الوكيل على إخراج الزكاة منها ؟
إذا قام بعض الناس بإعطاء صدقاتهم وزكاتهم لشخص يأتمنونه عليها، وطلبوا منه أن يعطيها من يستحقها؛ هل يحق لذلك الشخص أن يأخذ منها شيئاً إذا كان محتاجاً إليها،كمهر الزواج وغيره ؟ علماً بأن هذا الشخص إمام مسجدهم، وهل يستأذنهم بذلك ؟
أرى أن يستأذنهم، ويخبرهم بحاجته إلى مهر الزواج، وأنه عاجز عنه، ومضطر إلى الزواج، وأن الزكاة يجوز صرفها إلى أمثاله، فأما إن لم يخبرهم فلا يأخذ منها شيئاً؛ لأنه مؤتمن عليها، وقد وثقوا به في إيصالها إلى مستحقيها، ويفرقها جميعاً على الفقراء، فلا يدخل نفسه معهم. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (142)(2/316)
تكاليف مكتب توزيع الزكاة .. هل تؤخذ من الزكاة ؟
لدينا مجموعة من الأعمال التجارية المختلفة، وتتوفر لدينا أموال كبيرة للزكاة في كل عام، وكنا نوزعها توزيعاً دون أن نستطيع تثبتاً تاماً من الحالات التي تطلب الزكاة، وقد أشار علينا أحد الإخوة الأفاضل بتأسيس مكتب خيري يعنى بصرف الزكاة والتأكد من وصولها إلى مستحقيها، وذلك بفرز الطلبات والتقصي بالبحث حولها لمعرفة مدى استحقاقها للزكاة، وهذا يتوجب أن يكون للمكتب مدير وعدد من الباحثين والعاملين ليقوم بمهامه على الوجه المطلوب، ونحن ندفع جميع مصاريف تشغيل المكتب من الزكاة وتتمثل في رواتب العاملين، وإيجار المكتب، والأثاث والأجهزة اللازمة، والمصروفات الإدارية اليومية: كالقرطاسية والكهرباء والهاتف ونحوها من المصروفات اللازمة لتشغيل المكتب؛ فهل تصرفنا هذا صحيح ؟
قد ذكر الله تعالى مصارف الزكاة، وجعل من أهلها العاملين عليها وهم جُباتُها وحفاظها؛ فإذا احتاج توزيع الزكاة إلى مدراء وعمال يبحثون عن المستحقين، وينظرون في الطلبات، ويقرأون المعاريض، ويقومون بالبحث عن أحوال الطالبين للزكاة - جاز أن تصرف رواتبهم من الزكاة بقدر عملهم، وجاز دفع أجرة المكاتب وما تحتاجه من الأثاث والأجهزة والأوراق، ومصروفات الكهرباء والهواتف ونحوها من الزكاة؛ لأن في هذه تثبيتٌ وحرصٌ(1) على جمع الزكاة وإيصالها لمستحقيها حتى تبرأ الذمة، وحتى لا يأخذها من لا يستحقها.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 2/11/1423هـ
حكم دفع الزكاة للمؤسسات الإسلامية والدعوية (للشيخ ابن عثيمين)
نحن ندرس في بلاد غير إسلامية ولا يوجد من يستحق زكاة المال أو زكاة الفطر؛ فما العمل ؟ وهل تصرف لصالح المركز الإسلامي المزمع إنشاؤه ؟
حل هذه المشكلة بسيط؛ وذلك بأن توكلوا من يخرجها عنكم إما في بلادكم الأصلية، أو غيرها من البلاد التي فيها أحد من أهل الزكاة.
__________
(1) …لها وجه صحيح في اللغة.(2/317)
ولا يصح صرفها لحساب المركز الإسلامي المزمع إنشاؤه في... لأنه ليس من مصارف الزكاة؛ فإن المراد بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *}[التّوبَة].
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/317)
حكم دفع الزكاة للمؤسسات الإسلامية والدعوية (للجنة الدائمة)
هل يجوز صرف الزكاة لإتحاد الطلبة المسلمين ليصرفها في عمله الذي يقوم به وهو الدعوة إلى الله ؟ أرجو التكرم بالإجابة على هذا الاستفتاء، أثابكم الله ووفقكم والسلام عليكم.
سبق أن بحثت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية هذا الموضوع، وأصدرت قراراً بينت فيه الحكم، فتكتفي اللجنة بذكر مضمونه فيما يلي لاشتماله على الإجابة عن هذا الاستفتاء:(2/318)
(بعد الاطلاع على ما أعدته اللجنة الدائمة في ذلك من أقوال أهل العلم في بيان المراد بقول الله تعالى في آية مصارف الزكاة: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التّوبَة: 60]، ودراسة أدلة كل قول، ومناقشة أدلة من فسر المراد بسبيل الله في الآية بأنهم الغزاة وما يلزمهم من أجل الغزو خاصة، وأدلة من توسع في المراد بها، ولم يحصرها في الغزاة، فأدخل فيها بناء المساجد والقناطر وتعليم العلم وتعلمه وبث الدعاة والمرشدين إلى غير ذلك من أعمال البر ووجوهه، ورأى أكثر أعضاء الهيئة الأخذ بقول جمهور العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء - أن المراد بقوله تعالى: ُ 5 4 3 ِ في آية مصارف الزكاة: الغزاة المتطوعون بغزوهم، وما يلزم لهم من استعداد، وإذا لم يوجدوا صرفت الزكاة كلها لما وجد من مصارفها الأخرى، ولا يجوز صرفها في شيء من المرافق العامة: من بناء المساجد وقناطر وأمثالهما، إلا إذا لم يوجد لها مستحق من الأصناف الثمانية المنصوص عليها في آية مصارف الزكاة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم).
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/47، 48)
رأي في جواز دفع الزكاة في الدعوة إلى اللّه
حيث إن نشر الكتاب الإسلام والشريط مهم في الدعوة إلى الله في هذا الزمان: في تصحيح العقيدة وتوضيح العبادات الشرعية والحث على الآداب الإسلامية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهل يجوز صرف الزكاة في نشر وطباعة الكتاب والشريط الإسلامي ؟ فقد سبق أن ناقش مجلس المجمع الفقهي هذه المسألة وقد صدر عنه القرار التالي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بدورته الثامنة والمنعقدة بمكة المكرمة فيما بين 27/ 4/ 1405هـ، 8/ 5/ 1405هـ - وبعد دراسة ما يدل عليه معنى: ُ 5 4 3 ِ في الآية الكريمة، ومناقشة وتداول الرأي فيه - ظهر أن للعلماء في المسألة قولين:(2/319)
أحدهما: قصر معنى: ُ 5 4 3 ِ في الآية الكريمة على الغزاة في سبيل الله، وهذا رأي جمهور العلماء، وأصحاب هذا القول يريدون قصر نصيب: ُ 5 4 3 ِ من الزكاة على المجاهدين الغزاة في سبيل الله تعالى.
القول الثاني: أن سبيل الله شامل عام لكل أطراف الخير، والمرافق العامة للمسلمين؛ من بناء المساجد وصيانتها، وبناء المدارس والربط وفتح الطرق، مما ينفع الدين وينفع المسلمين، وهذا قول قلة من المتقدمين، وقد ارتضاه واختاره كثير من المتأخرين. وبعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
1 - نظراً إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين، وأن له حظاً من النظر في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذىً}[البَقَرَة، من الآية: 262]، ومن الأحاديث الشريفة: مثل ما جاء في أبي داود: أن رجلاً جعل ناقة في سبيل الله، فأرادت امرأته الحج، فقال لها النبي (ص) : «اِرْكَبِيهَا فإن الحج في سبيل الله»(1).
2 - ونظراً إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى، ونشر دينه بإعداد الدعاة، ودعمهم ومساعدتهم على أداء مهمتهم؛ فيكون كلا الأمرين جهاداً.
__________
(1) …أبو داود (1990)، وابن خزيمة في «صحيحه» (3077)، والطبراني في «الكبير» (12911)، والحاكم 1/484 (1779) وصححه، والبيهقي في «الكبرى» (11699). والحديث صححه الألباني في «الإرواء» رقم (1587).(2/320)
لما روى الإمام أحمد والنسائي وصححه الحاكم: عن أنس رضي الله عنه : أن النبي (ص) قال: «جَاهِدُوا المشركينَ بِأموالكم وأنفُسِكم وأَلْسِنَتِكُم»(1).
3 - ونظراً إلى أن الإسلام محارب بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي، فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه.
4 - ونظراً إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها، ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون.
لذلك كله فإن المجلس قرر - بالأكثرية المطلقة - دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يعين عليها، ويدعم أعمالها في معنى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التّوبَة: 60] في الآية الكريمة.
هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين.
أما الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فقال: (ها هنا أمر هام يصح أن يصرف فيه من الزكاة، هو إعداد قوة مالية للدعوة إلى الله، ولكشف الشبه عن الدين؛ وهذا يدخل في الجهاد، وهذا من أعظم سبيل الله).
نرجو من فضيلتكم التفصيل في هذه المسألة المهمة.
فإني أقول إن ما ذكره هؤلاء العلماء المشهورون قول صحيح ورأي سديد، وفيه توسعة على المسلمين، وتأييد للدعاة والمرشدين، وسبب قوي لنشر الدين وقمع المشركين.
__________
(1) …أحمد (3/124، 153، 251)، وأبو داود (2504)، والنسائي (3096)، والدارمي (2431)، وابن حبان (4708)، والحاكم 2/81 (2427) وصححه ووافقه الذهبي. وقال الألباني في تخريج أحاديث المشكاة رقم (3821): «إسناده صحيح».(2/321)
ولا شك أنه سبيل الله تعالى هو الطريق الموصل إليه، وجمعه سُبُل، كما قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ}[المَائدة، من الآية: 16]؛ أي: يهدي إلى السبيل التي تؤدي من سلكها إلى السلام، فكل عمل صالح يقرب إليه تعالى ويوصل إلى رضاه وجنته فهو من سبيل الله؛ لأن الله تعالى يحب أن يتقرب به إليه، ويترتب عليه ثوابه وكرامته، فالله تعالى ذكر في آية الصدقات أشخاصاً يستحقونها لحاجاتهم الخاصة بهم، كالفقير والغارم والمؤلَّف وابن السبيل ونحوهم، ممن يأخذها لمصلحته وحاجته الحاضرة، ثم أجمل الجهات الأخرى بقوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التّوبَة، من الآية: 60]، وقد جعل الله الهجرة من سبيله بقوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَْرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}[النِّسَاء، من الآية: 100].
ولا شك أن مصلحة الدعوة إلى دين الله، وبيان محاسن الدين، والرد على المفسدين والملحدين، وتفنيد شبهات الكفار والمنافقين ونحو ذلك، هو من نصر الله ونشر دينه الذي ارتضاه وأحبه وفرضه على البشر، فإذا تعطل هذا الباب ولم يوجد من ينفق عليه، ويدفع به إلى الأمام، ويتبرع للدعاة والمصلحين بما يكفل استمرارهم في عملهم - وجب أن يصرف فيه من الزكوات المفروضة، لاقتضاء المصلحة، فالنفقة فيه قد تكون أهم من دفعها لبعض المذكورين، كالمُكاتَب والمؤلَّف وابن السبيل؛ فإن هؤلاء قد يتحملون الصبر، ولا يكون فيهم من الضرورة كضرورة الرد على المفسدين وقمع المنافقين، ونشر العلم وطبع المصاحف وكتب الدين، وتسجيل أشرطة إسلامية؛ تتضمن بيان حقيقة الإسلام وأهدافه، ومناقشة الشبهات التي تروج على ضعفاء البصائر، فمتى توقف الإنفاق على هذه المصالح من التبرعات - جاز الصرف على جميعها وما أشبهها من الزكاة، التي شرعت لمصالح الإسلام وما يسد خلتهم. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(2/322)
الشيخ ابن جبرين - فتاوى الزكاة - إعداد (علي أبو لوز) ص (137)
حكم دفع الزكاة لبني هاشم
هل تحل الزكاة والصدقة لبني هاشم ؟
أما الصدقة؛ فقد صح عن النبي (ص): « أنها لا تَحِلُّ لآل محمد»(1)، وهم بنو هاشم. لكن هل هذا خاص في الصدقة الواجبة وهي الزكاة، أو عام في الصدقة الواجبة وصدقة التطوع ؟ على قولين للعلماء:
من العلماء من قال: إنه يجوز للهاشمي أن يأخذ زكاة الهاشمي، ومن العلماء من قال(2): إذا لم يكن لهم خمس مما أفاء الله فلهم أخذ الزكاة من أجل دفع ضرورتهم، وهو خير لهم من سؤال الناس. والله أعلم.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 16/ 6/ 1409هـ
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/427) ـ فـ(314)
حكم تسديد ديون الأموات من الزكاة
هل تسدد ديون الغارمين بعد موتهم ؟ وكيف العمل إن لم تسدد من الزكاة ؟
لا يسدد دين الغارم بعد موته من الزكاة على قول الجمهور من أهل العلم؛ بل حكاه أبو عبيد وابن عبدالبر إجماعاً(3).
ولكن العلماء لم يجمعوا على ذلك: فمنهم من أجازه، وهو قول مرجوح عندي.
والراجح هو قول الجمهور، ودليل ذلك من السنة؛ حيث لم يثبت أن النبي (ص) قضى ديون الغرماء من الزكاة، مع أنهم قد يكونون في حاجة إلى ذلك، وكان رسول الله (ص) إذا قدم إليه الميت سأل: هَلْ عَلَيْهِ دَيْن ؟ فإن قيل: نعم؛ لم يُصَلِّ عليه، وإلا صلى عليه(4). ولما فتح الله عليه وكثر المال كان يقضي الدين من بيت المال، ولو كان قضاء هذا الدين من الزكاة لفعله رسول الله (ص)؛ لأن الزكاة كانت قد فرضت قبل أن تفتح الفتوح، فهذا من جهة النقل.
__________
(1) …مسلم (1072).
(2) …ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. انظر: «الفتاوى الكبرى» (4/457)، طبعة دار المعرفة.
(3) …انظر: «كشاف القناع» (2/269).
(4) …البخاري (2298)، ومسلم (1619).(2/323)
ومن جهة التعليل: فلو أجزنا ذلك لصرفت الزكاة على الأموات وسدد الناس ديون ذويهم وأهليهم، وحرم الأحياء من قضاء ديونهم، مع أن قضاء دين الحي أولى من الميت حتى في الصدقة غير الواجبة؛ لأن الحي يذل بالدَّيْن ويتألم، والميت إن كان أخذ المال يريد أداءه فإن الله سبحانه يؤدي عنه؛ كما جاء في الحديث: مَنْ أَخَذَ أموالَ الناس يُريد أَداءَها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إِتْلاَفَها أَتْلَفهُ الله(1).
ومن قضى دين ميت من صدقة التطوع فهذا طيب ويشكر عليه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/377) - فـ(283)
حكم الإعفاء من الدَّيْن بنية الزكاة
س1: هل يجوز إسقاط الدين عن المدين، ويكون ذلك من الزكاة ؟
__________
(1) …البخاري (2387).(2/324)
ج1: هذا لا يجوز؛ لأن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ}[التّوبَة، من الآية: 103]، والأخذ لابد أن يكون ببذل من المأخوذ منه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: أَعْلِمْهُمْ أن الله افْتَرَضَ عليهم صدقةً تُؤْخَذُ من أغنيائهم فَتُرَدُّ (1)؛ فقال: تؤخذ من أغنيائهم فترد ، فلابد من أخذ ورد، والإسقاط لا يوجد فيه ذلك؛ ولأن الإنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده، فكأنما أخرج الرديء عن الطيب؛ لأن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين، فإن العين ملكه وفي يده، والدين في ذمة الآخرين قد يأتي وقد لا يأتي، فصار الدين دون العين، وإذا كان دونها فلا يصح أن يخرج زكاة عنها لنقصه، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}[البَقَرَة، من الآية: 267]؛ ومثال ما سألت عنه: لو كان على الإنسان عشرة آلاف ريال زكاة وهو يطلب رجلاً فقيراً عشرة آلاف ريال، فذهب إلى الرجل الفقير وقال: قد أسقطت عنك عشرة آلاف ريال، وهي زكاتي لهذا العام. قلنا: هذا لا يصح؛ لأنه لا يصح إسقاط الدين وجعله عن زكاة عين لما أشرنا إليه آنفاً، وهذه مسألة يخطئ فيها بعض الناس ويتجاوزها جهلاً منه، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه لا يجزئ إسقاط الدين عن زكاة العين بلا نزاع(2).
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/377) - فـ(285)
س2: رجل أقرض فقيراً مبلغاً من المال ولم يستطع الفقير سداده برغم مطالبته به؛ فهل يصح للدائن أن يسامح الفقير في مبلغ الدين ويحتسب ذلك من زكاة ماله ؟
__________
(1) …البخاري (1395)، ومسلم (19).
(2) …انظر: «مجموع الفتاوى» (25/84).(2/325)
ج2: لا يحتسبه من زكاة ماله لأنه قد يئس من وفائه؛ ولكن لصاحب الدين أن يطلب له من الأغنياء، فإذا جمع له من غيره زكوات وتبرعات احتسبها من دينه، وله أن يعطي ذلك المدين من زكاة ماله نقداً، فإن ردها المدين عليه وقال: خُذْهُ وفاءً للدَّين الذي في ذمتي؛ فله أخذه.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 14/10/1423هـ
حكم دفع الزكاة لمن لا يصلي
هل يجوز أن أعطي والدتي مبلغاً من المال، واعتبره من الزكاة ؟ علماً بأن والدي ينفق عليها وهو بحالة جيدة والحمد لله...
كذلك فإنه لي أخ قادر على العمل، ولم يتزوج بعد، وهو - هداه الله - لا يحافظ على الصلاة كثيراً؛ فهل يجوز أن أصرف له شيئاً من الزكاة.. ؟ أفيدوني، والله يحفظكم.
لا يجوز لك أن تعطي أمك شيئاً من الزكاة؛ لأن الوالدين لا تصرف فيهما الزكاة . . . ولأنها غنية عنها بإنفاق والدك عليها . .
أما أخوك فلا يجوز صرف الزكاة إليه، مادام يترك الصلاة؛ لأن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولأن تركها عمداً كفر أكبر، ولأنه قوي مكتسب، ومتى دعت الحاجة إلى الإنفاق عليه فأبوه أولى بذلك، لأنه هو المسؤول عنه من جهة النفقة؛ مادام يستطيع ذلك... هداه الله وأرشده إلى الحق، وأعاذه من شر نفسه وشيطانه، وجلساء السوء .
الشيخ ابن باز، فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (61)
حكم إعطاء الكافر من الزكاة
هل يجوز أن يعطي من زكاة المال أو النسك يوم النحر للجار الكافر المشرك الذي ليس بينك وبينه أي قرابة ؟(2/326)
بين الله مصارف الزكاة في آية التوبة؛ وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[التّوبَة: 60]، وقال (ص) لما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن: أَخْبِرْهُم بأنَّ اللهَ فَرَضَ عليهم - المسلمين - صدقةً تُؤْخَذُ من أغنيائهم وتُرَدُّ في فقرائهم (1) متفق على صحته؛ فلا يجوز أن يصرفها في غير المسلمين إلا المؤلفة قلوبهم، وأما الضحية فلا بأس بإعطاء الجار الكافر والقريب الكافر منها؛ لأنها صدقة من الصدقات.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/28، 29)
حكم دفع الزكاة للجهات الخيرية غير الإسلامية
هل يجوز لي أن أتبرع بزكاة مالي لبعض الجهات الخيرية في مدينتنا.. مع العلم أنه لا يوجد مسلمين فيها.. ولكن السكان متكاتفين ومتعاونين بمختلف دياناتهم ؟
لا يجوز صرف الزكاة لغير المسلمين المستحقين لها من الفقراء والمساكين والغارمين ونحوهم؛ فإن كانت تلك الجهات الخيرية تصرف ما يُدفع لها فيما ينفع الإسلام والمسلمين - كبناء المساجد وطبع المصاحف أو ترجمة معاني القرآن، أو نشرات إسلامية - جاز دفع الزكاة إليهم، وإلا أرسلت إلى بلاد الإسلام - ولو كانت بعيدة - لتُصرف على مستحقيها. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 2/9/1424هـ
حكم نقل الزكاة لبلد آخر (للشيخ ابن جبرين)
هل يجوز إخراج الزكاة وإرسالها إلى ناس مستحقين في بلد آخر؛ أي: في بلدي؛ لأنني مغترب في المملكة العربية السعودية ؟ أفيدونا، بارك الله فيكم.
__________
(1) …سبق تخريجه في الفتوى (19) من هذا الباب.(2/327)
يجوز نقل الزكاة إلى غير بلد المال على الصحيح؛ لمصلحة راجحة كشدة فقر وفاقة، وقرابة مسلمين ذوي حاجة، ونحو ذلك، ولا يجوز على وجه المحاباة مع وجود من هو مستحقها، ومعرفة استحقاقه ثم حرمانه. فإن كان أهل البلد مشكوكاً في استحقاقهم مع التحقق من حاجة الأقارب في البلد البعيد، وشفقتهم وترقبهم لما ترسل إليهم - فهم أولى، والصدقة عليهم صدقة وصلة .
الشيخ ابن جبرين، فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (53)
حكم نقل الزكاة لبلد آخر (للشيخ ابن عثيمين)
رجل يقيم خارج بلده، كيف يؤدي زكاة ماله ؟ هل يرسلها إلى بلده أم يؤديها في البلد المقيم بها ؟ أم يكلف أهله بتأديتها نيابة عنه ؟
ينظر ما هو الأصلح لأهل الزكاة: هل الأصلح أن يدفعها إليهم في بلده ؟ أم يرسلها إلى بلد آخر فيه فقراء ؟ فإن تساوى الأمران فيدفعها في البلد الذي هو فيه.
الشيخ ابن عثيمين، فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (69)
هل نُخبِر المُسْتَحِقّ أنها زكاة ؟
إذا أعطى الإنسان زكاته لمستحقها .. فهل يخبره أنها زكاة ؟
إذا أعطى الإنسان زكاته إلى مستحقها: فإن كان هذا المستحق يرفض الزكاة ولا يقبلها فإنه يجب على صاحب الزكاة أن يخبره أنها زكاة؛ ليكون على بصيرة من أمره: إن شاء رفض وإن شاء قبل. وإذا كان من عادته أن يأخذ الزكاة فإن الذي ينبغي أن لا يخبره؛ لأن إخباره بأنها زكاة فيه نوع من المنة؛ وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَْذَى}[البَقَرَة، من الآية: 264].
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/312) - ف(230)
الفصل الثالث…زكاة النقدين
كيف يزكَّى المال المدَّخر من الراتب وغيره ؟
موظف يوفر من مرتبه شهرياً مبلغاً متفاوتاً من المال؛ شهر يقل فيه التوفير، وشهر آخر يزيد، ويكون أولهما قد مضى عليه الحول، والبعض الآخر لم يمض عليه الحول، ولا يعرف مقدار ما وفره في كل شهر؛ فكيف يزكيه ؟(2/328)
من ملك نصاباً من النقود، ثم ملك تباعاً نقوداً أخرى في أوقات مختلفة وكانت غير متولدة من الأولى، ولا ناشئة عنها؛ بل كانت مستقلة كالذي يوفره الموظف شهرياً من مرتبه، وكإرث أو هبة أو أجور عقار مثلاً، فإن كان حريصاً على الاستقصاء في حقه، حريصاً على ألا يدفع من الصدقة لمستحقيها إلا ما وجب لهم في ماله من الزكاة، فعليه أن يجعل لنفسه جدول حساب لكسبه؛ يخص فيه كل مبلغ من أمثال هذه المبالغ بحول يبدأ من يوم ملكه، ويخرج زكاة كل مبلغ لحاله، كلما مضى عليه حول من تاريخ امتلاكه إياه .
وإن أراد الراحة وسلك طريق السماحة، وطابت نفسه أن يؤثر جانب الفقراء وغيرهم من مصاريف الزكاة على جانب نفسه، زكى جميع ما يملكه من النقود حينما يحول الحول على أول نصاب ملكه منها.
وهذا أعظم لأجره، وأرفع لدرجته، وأوفر لراحته، وأرعى لحقوق الفقراء والمساكين، وسائر مصارف الزكاة، وما زاد فيما أخرجه عما وجب عليه من الزكاة يقصد به التوسعة والإحسان شكراً لله على نعمه وكثرة عطائه، وأملاً فيه سبحانه أن يزيده من فضله؛ كما قال سبحانه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََْزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم، من الآية: 7]، والله الموفق .
اللجنة الدائمة - فتاوى للموظفين والعمال، ص (75 - 77)
كيفية زكاة الدَّيْن
الديون التي في ذمم الناس هل فيها زكاة ؟
إذا كانت الديون على مَلِيء ففيها الزكاة كل عام، لكن صاحبها بالخيار: إن شاء أخرج الزكاة مع زكاة ماله، وإن شاء أخر زكاة الديون حتى يقبضها، فيزكيها لكل ما مضى.
أما إذا كانت الديون على غير مليء فلا زكاة فيها على القول الراجح، لكن إذا قبضها يؤدي زكاة سنة واحدة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل، (18/25) - فـ(12)
كيفية زكاة الدَّيْن المقسَّط
بعت بيت طين بمبلغ مائة ألف ريال (100.000) على أقساط عشر سنوات، كل سنة عشرة آلاف ريال (10.000) فكيف تجب الزكاة عليه ؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.(2/329)
تجب الزكاة في المبلغ المذكور جميعه إذا حال عليه الحول من بدء بيعك له، وتزكيه كل سنة عند رأس حوله، ولا يؤثر تأجيله المدة المذكورة على وجوب الزكاة فيه؛ لأن ذلك التأجيل حصل باختيارك ولمصلحتك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/192، 193)
زكاة أقساط البيع
رجل عنده مزرعة لم يأت في باله بيعها ولا عرضها، ولكن عرض له من الأمور فباعها بأقساط تمتد على عشر سنوات؛ كل سنة قسط، كيف يزكي هذا ؟
قبل أن يبيعها ليس عليه فيها زكاة؛ لأنها ليست عروضاً، بعد بيعها تكون زكاته زكاة دين؛ بمعنى أنه إذا استوفى شيئاً أدى زكاته لسنته، إذا استوفى في السنة الثانية يؤدي زكاته لسنتين، وإذا استوفى الثالثة يؤديه لثلاث سنوات وهكذا.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/208) - فـ(128)
زكاة أقساط التأجير
إذا كان عند الإنسان عقارات أعدها للتأجير؛ فهل عليه زكاة في هذه العقارات ؟
لا زكاة عليه في هذه العقارات؛ لقول النبي (ص): لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ ولا فَرَسِهِ صَدَقة (1)، وإنما الزكاة في أجرتها إذا تم عليها حول من حين العقد؛ مثال ذلك: رجل أجر هذا البيت بعشرة آلاف، واستلم عشرة آلاف بعد تمام السنة فتجب عليه الزكاة في العشرة؛ لأنه تم لها حول من العقد، ورجل آخر أجر بيته بعشرة آلاف خمسة منها استلمها عند العقد وأنفقها خلال شهرين، وخمسة منها عند نصف السنة فأخذها وأنفقها خلال شهرين ولما تمت السنة لم يكن عنده شيء من الأجرة فلا زكاة عليه؛ لأنه لم يتم عليها الحول، ولابد في وجوب الزكاة من تمام الحول.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/208) - فـ(129)
وجوب الزكاة في حُلِيِّ النساء
هل تجب الزكاة في الذهب والفضة الذي تقتنيه المرأة للزينة والاستعمال فقط وليس للتجارة ؟
__________
(1) …البخاري (1464)، ومسلم (982).(2/330)
في وجوب الزكاة في حلي النساء إذا بلغت النصاب ولم تكن للتجارة خلاف بين أهل العلم.. والصحيح: أنها تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب ولو كان لمجرد اللبس والزينة .
ونصاب الذهب: عشرون مثقالاً، ومقداره: أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه السعودي، فإن كان الحلي أقل من ذلك فليس فيها زكاة إلا أن تكون للتجارة ففيها الزكاة مطلقاً(1)؛ إذا بلغت قيمتها من الذهب أو الفضة نصاباً .
أما نصاب الفضة فهو: مائة وأربعون مثقالاً، ومقداره من الدراهم ستة وخمسون ريالاً؛ فإن كان الحلي من الفضة أقل من ذلك فليس فيها زكاة إلا أن تكون للتجارة ففيها الزكاة مطلقاً(1) إذا بلغت قيمتها نصاباً من الذهب أو الفضة.
والدليل على وجوب الزكاة في الحلي من الذهب والفضة المعدة للِّبس: عموم قول النبي (ص): مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ (2) الحديث.
__________
(1) …أي بلا خلاف بين العلماء. وطريقة إخراج الزكاة: أن الحلي من الذهب والفضة إذا بلغ النصاب المحدد أو أكثر (بتقدير أهل الخبرة من الصاغة) فتقدر قيمته الحاضرة بالريالات الورقية ثم تخرج منه الزكاة ومقدارها: (2.5%)؛ علماً بأن نصاب الذهب (85) جراماً ونصاب الفضة (595) جراماً - كما ذكر ذلك الشيخ محمد العثيمين رحمه الله [انظر: مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين: 18/141].
(2) …مسلم (987) .(2/331)
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ (ص) وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ؛ فَقَالَ لَهَا: أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا ؟ قَالَتْ: لا قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟! قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ (ص) وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ(1).
وحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَكَنْزٌ هُوَ ؟ فَقَالَ: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ (2) ولم يقل لها (ص): لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ . وما روي عن النبي (ص) أنه قال: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ (3)؛ فهو حديث ضعيف لا يجوز أن يعارض به الأصل، ولا الأحاديث الصحيحة، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/100)
هل تجب الزكاة في ذهب النساء المُعَدّ للاستعمال ؟
هل يجب أن تزكي المرأة الذهب الذي تلبسه إذا كان كثيراً ؟
__________
(1) …أبو داود (1563)، والترمذي (637) بنحوه، والنسائي (2479)، والدارقطني (2/112)، والبيهقي في «الكبرى» (7340) بإسناد حسن . انظر: «نصب الراية» للزيلعي (2/369)، و«سبل السلام» (2/135)، و«عون المعبود» (4/298). ومعنى (مَسَكَتان): أي سِوَارَان، والمفرد مَسَكَة.
(2) …أبو داود (1564)، والدارقطني (2/105) بنحوه، والحاكم(1/390) (1438) وصححه ووافقه الذهبي. ومعنى (أَوْضَاحا): هي نوع من الحُلِيّ يعمل من الفضة، مفردها: وَضَح.
(3) …الدارقطني (2/107)، وانظر: إرواء الغليل (817) .(2/332)
لقد كثر الخلاف والكلام حول زكاة الحلي الذي تلبسه النساء من الذهب والفضة ونحوهما؛ فالجمهور على أنه لا زكاة فيه؛ حيث إنه معد للاستعمال ولا نماء فيه. وقيل: زكاته عاريته.
والراجح من حيث الدليل: أن يزكى كل عام؛ فيقدر بقيمته الحالية ويخرج عنها ولا ينظر إلى رأس المال، والدليل: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في المرأة التي في يد ابنتها مَسَكَتَان من ذهب؛ فقال لها النبي (ص): أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا ؟ قَالَتْ: لا، قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟! (1) إلخ، وغيره من الأحاديث. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - جريدة المسلمون - العدد (54)
تفصيل الخلاف والترجيح في مسألة زكاة الحُلِيّ المستعمل
لقد علمنا من كتب الحنابلة أن الحُلي عند استعماله لا زكاة فيه .. فما هي أدلتهم ؟ وما هي أدلة القائلين بزكاة حلي الذهب المستعمل ؟ وإذا ثبت أن فيها زكاة فما العمل في السنوات الماضية ؟ وإذا كنت أملك حُليًّا في الماضي ثم بعته فهل عليّ أن أزكي عن تلك السنوات ؟ وما حكم من لم يزكِّ عن الحلي بعد ثبوت الدين ؟
أهل العلم اختلفوا في زكاة الحلي: فمذهب أبي حنيفة رحمه الله ورواية عن أحمد رحمه الله: أنه تجب فيها الزكاة، وهذا عند كثير من أهل العلم هو الذي تدل عليه الأدلة الشرعية؛ منها: عموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، فإنه لم يستثن منها شيء، ومن المعلوم أن من تحلت بالذهب والفضة فإنها تكون صاحبة ذهب وفضة، فمن قال: إنها خارجة من العموم فإن كل إنسان يقول: إن فرداً من أفراد العموم خارج من العموم. فإن عليه أن يأتي بالدليل وحينئذ يكون مقبولاً.
__________
(1) …تقدم تخريجه في الفتوى السابقة.(2/333)
وحجة القائلين بالوجوب أيضاً: أنه قد وردت أدلة خاصة في وجوب زكاة الحلي، فضلاً عن الأدلة العامة: منها حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن امرأة أتت النبي (ص) وفي يد ابنتها مَسَكَتَان غليظتان من ذهب - أي سواران - فقال: أَتُؤَدِّينَ زكاةَ هذا ؟ قالت: لا، قال: أَيَسُرُّكَ أن يُسَوِّرَكِ الله بِهما سِوَارَيْنِ من نار ؟! (1)؛ فخلعتهما فألقتهما إلى النبي (ص) وقالت: (هما لله ورسوله). قال الحافظ ابن حجر - وهو إمام وحجة في علم الحديث - قال في بلوغ المرام: (أخرجه الثلاثة وإسناده قوي)(2) ، وذكر له شاهدين من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما؛ قالوا: ولأن هذا هو الأحوط والإنسان مأمور بالاحتياط وإبراء الذمة، لقول النبي (ص): دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلى ما لا يريبك (3)، ولقوله (ص): الحلال بَيِّنٌ والحرام بَيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهات، لا يَعْلَمُهُنَّ كثيرٌ مِن الناس، فمَنِ اتَّقَى الشُّبُهات فقد اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ (4)؛ وبراءة الإنسان لدينه وعرضه أمر مطلوب، وأما الذين يقولون بعدم وجوب الزكاة فإنهم استدلوا بحديث جابر رضي الله عنه: أن النبي (ص) قال: ليس في الحُلِيِّ زكاة (5)؛ ولكن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي (ص)؛ كما قرر ذلك أهل العلم، وهو أيضاً لا يصح من حيث المتن؛ فإن إطلاقه يقتضي ألا زكاة مطلقاً في الحلي، وليس الأمر كذلك، حتى عند القائلين بعدم وجوب الزكاة.
__________
(1) …تقدم تخريجه في الفتوى السابقة.
(2) …«بلوغ المرام» بتعليق المباركفوري، ص 174 (606، 607).
(3) …النسائي (5714). كما أخرجه بزيادة فيه: أحمد (1/200)، والترمذي (2518)، والحاكم 2/13، وَ 4/99 (2169، 2170، 7046) وصححه في الموضع الأول ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: «حسن صحيح».
(4) …البخاري (52)، ومسلم (1599).
(5) …الدارقطني، (2/107)، وذكره ابن الجوزي في كتاب «التحقيق» (2/42). وانظر: «إرواء الغليل» (817).(2/334)
ومنها: أنه مروي عن خمسة من الصحابة رضي الله عنهم، وقول الصحابي حجة على القول الراجح، ولكن الحقيقة أن قول الصحابي حجة إذا لم يعارضه النص أو يعارضه قول صحابي آخر؛ فإن عارضه النص وجب قبول النص، وإذا عارض قول الصحابي قول صحابي آخر وجب علينا أن نسلك طريق الترجيح؛ فمن ترجح قوله منهما بأي سبب من المرجحات المعلومة عند أهل العلم وجب اتباعه.
واستدلوا أيضاً بالقياس على الثياب والقياس على الأمتعة والقياس على المركوبات، وقد ثبت عن النبي (ص) أنه قال: ليس على المسلم في عَبْدِهِ ولا فَرَسِهِ صدقة (1)؛ قالوا: فلما قال النبي (ص): ليسَ على المسلم في عَبْدِهِ ولا فَرَسِهِ صدقة دل ذلك على أن ما يختص به الإنسان لنفسه ليس عليه فيه زكاة، فيدخل في ذلك الحلي؛ ولكننا نقول: إن الحديث:- ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة - إنما نفى النبي (ص) الصدقة عن شيء لا تجب الصدقة عن جنسه، فإن العبد والفرس ليس فيهما زكاة أصلاً، ولا زكاة فيهما إلا إذا أعدا للتجارة وكانا من عروض التجارة، أما الذهب والفضة فإن الزكاة تجب في أعيانهما وفرق بين الأمرين، وقد ذكر أهل الأصول أنه لا يصح القياس إلا إذا تساوى الأصل والفرع في العلة، قالوا أيضاً: ولأن الإنسان إذا أعد لنفسه ثياباً يلبسها أو شماغاً يلبسه أو مشلحاً يلبسه فإنه لا زكاة فيه؛ فهذا مثله. الجواب على ذلك: ما سبق من أن هذا القياس لا يصح، ولذلك لو أن الإنسان أعد ثيابه وأمتعته للنفقة فقط كلما احتاج باع منها وأنفق أن الزكاة لا تجب فيها، والذين يقولون لا تجب الزكاة في الحلي يقولون: إنه إذا أعد للنفقة، بحيث إذا احتاجت المرأة باعت انفقت على نفسها. قالوا: إن الزكاة تجب فيه، وحينئذ يعرف الفرق بين الأمرين، ولا يصح قياس أحدهما على الآخر، وبهذه الوجوه التي ذكرتها يتبين للإنسان الذي عنده علم أي القولين أولى بالترجيح والاتباع، ونسأل الله تعالى أن
__________
(1) …البخاري (1464)، ومسلم، (982).(2/335)
يهدينا صراطه المستقيم، وأن يجعلنا ممن يرى الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه.
وإني ضارب لكم مثلاً: امرأة عندها حلي تلبسه وتتجمل به وهي غنية جداً، لا تعد هذا الحلي للنفقة، وإنما تعده للتزين والتجمل، وامرأة أخرى فقيرة عندها حلي، ولكنها تحتاجها للنفقة كلما احتاجت أنفقت، الأخيرة يقول هؤلاء: إن عليها الزكاة في حليها، والأولى يقولون: أنه لا زكاة عليها في حليها، مع أن النظر يقتضي أن الأولى هي التي يجب عليها زكاة الحلي؛ لأنها هي الغنية، والثانية هي التي لا يجب عليها زكاة الحلي؛ لأنها إنما اتخذت الحلي للحاجة لا للتزين، ومع ذلك الأدلة تدل على وجوب الزكاة على هذه وعلى هذه، كما تقرر، والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/120)
فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم: لا زكاة في الحلي المستعمل
ما حكم الشريعة الإسلامية في زكاة الحلي المعد للاستعمال ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
حلي النساء من الذهب والفضة المتخذ للبس: في تزكيته خلاف بين العلماء قديماً وحديثاً، والراجح عندنا أنه لا زكاة فيه؛ لأمور:
1 - ما رواه عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: «لَيْسَ فِيْ الْحُلِيِّ زَكَاةٌ»(1) . وعافية بن أيوب نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه قال فيه: لا بأْس به. وحديثه المذكور قواه ابن الجوزي في «التحقيق»(2)، وفي ذلك رد على دعوى البيهقي: أن عافية مجهول، وأن حديثه هذا باطل.
2 - أن زكاة الحلي لو كانت فرضاً كسائر الصدقات المفروضة لانتشرت فرضيتها في زمن النبي (ص)، ولفعلتها الأئمة بعد النبي (ص)، ولكان لها ذكر في شيء من كتب صدقاتهم، وكل ذلك لم يقع، كما بينه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في: كتاب الأموال(3) .
__________
(1) …تقدم تخريجه في الفتوى السابقة.
(2) …«التحقيق في أحاديث الخلاف» (2/42).
(3) …(1/544).(2/336)
3 - ما رواه الأثرم عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: خمسة من الصحابة رضي الله عنهم - في الأصل تحت السين ثلاث نقط هكذا - كانوا لا يرون في الحلي زكاة: ابن عمر، وعائشة، وأنس، وجابر، وأسماء. نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في «الدِّرَاية» (1) عن الأثرم. قال الباجي في «المنتقى»(2) شرح الموطأ: هذا - أي إسقاط الزكاة في الحلي - مذهب ظاهر بين الصحابة، وأعلم الناس به عائشة رضي الله عنها؛ فإنها زوج النبي (ص) ومن لا يخفى عليها أمره في ذلك، وعبدالله بن عمر؛ فإن أخته حفصة كانت زوج النبي (ص) وحكم حليها لا يخفى على النبي (ص)، ولا يخفى عنها حكمه فيها.اهـ.
وفي كتاب الأموال (3) لأبي عبيد: أن زكاة الحلي لم تصح عن أحد من الصحابة إلا عن ابن مسعود رضي الله عنه. قلت: في رواية المدوَّنة (4) عن ابن مسعود ما يوافق قول من تقدم ذكرهم من الصحابة، ففي المدونة ما نصه: قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن جابر بن عبدالله وأنس بن مالك وعبدالله بن مسعود والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب وربيعة بن أبي عبدالرحمن وعمرة ويحيى بن سعيد أنهم قالوا ليس في الحلي زكاة.اهـ.
وللقول بإسقاط الزكاة في الحلي أدلة أخرى يطول الكلام باستقصائها.
__________
(1) …«الدراية في تخريج أحاديث الهداية» 1/259 (333).
(2) …«المنتقى» (3/154).
(3) …1/544 (1292).
(4) …(2/248).(2/337)
وأما من أوجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال؛ فعموم صحيح ما استدل به كحديث: فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْر (1)، وَلَيْسَ فِيْما دُوْنَ خَمْس أَوَاق صَدَقَةٌ (2) لا يتناول الحلي كما بينه الإمامان: أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال (3)، وابن قدامة في المغني (4)؛ حيث ذكرا أن اسم الرِّقَة لا يطلق عند العرب إلا على الدراهم المنقوشة ذات السِّكَّة السائرة في الناس، وأن لفظ (الأواقي) لا يطلق عندهم إلا على الدراهم؛ كل أُوقية أربعون درهماً.
وصريح ما استدل به الموجب لزكاة الحلي المعد للاستعمال من النصوص المرفوعة: كحديث المَسَكتين، وحديث عائشة رضي الله عنها في فَتخاتها(5) من الوَرِق، وحديث أم سلمة رضي الله عنها في أوضاح الذهب التي كانت تلبسها، وحديث فاطمة بنت قيسٍ رضي الله عنها: أن النبي (ص) قال: فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ (6)، وحديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها في أسورة الذهب. كل ذلك يعلم من تتبع كلام الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد والنسائي والترمذي والدارقطني والبيهقي وابن حزم: أن الاستدلال به غير قوي لعدم صحتها، ولا شك أن كلامهم أولى بالتقديم من كلام من حاول من المتأخرين تقوية بعض روايات ذلك الصريح.
__________
(1) …البخاري (1454). وكحديث «قد عَفَوْتُ عن الخيل والرقيق؛ فهاتوا صدقة الرِّقَة من كل أربعين درهماً درهمٌ»؛ رواه أحمد (1/92، 145)، وأبو داود (1574) وغيرهما.
(2) …البخاري (1405، 1447)، ومسلم (979).
(3) …1/543 (1290).
(4) …2/322
(5) …الفَتَخَة والفَتْخَة: خواتيم كِبار توضع في الأيدي، وربما وضعت في أصابع الرِّجل.
(6) …الدارقطني في «سننه» 2/107 (4). وفي سنده: ميمون أبو حمزة، وهو ضعيف الحديث.(2/338)
والحاصل: أننا لا نرى زكاة الحلي المعد للبس للأدلة الصحيحة، وذلك هو قول مالك والشافعي في القديم وأحمد وأبي عبيد وأسحاق وأبي ثور ومن تقدم ذكرهم من الصحابة والتابعين. وكذلك ما أُعد للعارية لا زكاة فيه. وأما الحلي الذي ليس للاستعمال ولا العارية ففيه الزكاة.
الشيخ محمد بن إبراهيم - فتاوى ورسائل (4/95)
هل للأوراق المالية حكم الذهب والفضة في الزكاة والربا ؟
هل العملة التي يتداولها الناس اليوم (الأوراق المالية) تقوم مقام الذهب والفضة فتجب فيها الزكاة أم لا ؟ وهل هي تدخل في الربويات أم لا ؟
أما من جهة الزكاة فإنها تقوم مقامها فتجب فيها الزكاة؛ لأن الناس الآن استبدلوا النقود من الذهب والفضة بهذه الأوراق؛ يعني جعلوا هذه الأوراق بديلاً عنها.
وأما في الربا فإنها تلحق بالدراهم في ربا النسيئة فقط دون ربا الفضل مع اختلاف الجنس، فمثلاً إذا أراد أحد أن يأخذ ما يسمونه بالهلل: تسعة بورقة من فئة العشرة ريالات فلا بأس، ولكن بشرط التقابض قبل التفرق، وكذلك لو أراد أن يأخذ دولاراً قيمته أربعة ريالات بأقل أو أكثر فلا بأس بشرط التقابض في مجلس العقد.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/173) - فـ(98)
حكم شراء أعيان من مال الزكاة وتوزيعها على الفقراء
نحب أن نستوضح من سماحتكم عن موضوع صرف مبالغ من الزكاة لشراء مواد غذائية منوعة وعينية: كالبطانيات والملابس وصرفها لبعض الجهات الإسلامية الفقيرة مثل السودان وأفريقيا والمجاهدين الأفغان - خاصة في الحالات التي لا تتوفر المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان أو تكاد تكون معدومة فيها كلية، وإن توفرت فيها فهي بأسعار مضاعفة عن الأسعار التي تصلهم بها لو أرسلت عيناً.. نرجو إفادتنا جزاكم الله خيراً بما ترونه حيال ذلك.
إذا كان الأمر كما ذكر فإنه لا حرج في ذلك؛ مراعاة لمصلحة مستحقيها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم(2/339)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/433)
جواز إخراج زكاة المال طعاماً أو ملابس أو غير ذلك
هل يجوز إخراج زكاة المال في صورة أخرى مثل طعام.. ملابس.. أو أشياء أخرى.. تشترى وتقدم لأرباب الزكاة ؟ وهل يجوز إخراج جزء منها للأقارب ؟ وما هي درجة القرابة ؟
يحسن إخراج زكاة المال من جنسه، إلا أموال التجارة، فتقوّم وتُخرج زكاة قيمتها نقوداً، لكن إن رأى المزكي أن يشتري بها حاجة ضرورية للفقير ككسوة ونفقة ومتاع هو محتاج إليه فالأقرب جوازه. ثم إن الزكاة تدفع إلى أهلها الذين سماهم الله، ولو كانوا من القرابة؛ بل يفضل إعطاء القريب إذا كانت حاجته أشد - ما لم تكن محاباة، وتخصيصاً له دون من هو أحق منه من الأباعد. ولا يجوز دفعها إلى من يرثه المزكي، ولا إلى أصوله وفروعه، كالآباء والأجداد والأولاد وإن نزلوا.
الشيخ ابن جبرين - فتاوى الزكاة - جمع محمد المسند، ص(66)
حكم إخراج زكاة المال مواداً عينية
هل يجوز إخراج زكاة المال في صورة سلع استهلاكية وملابس إذا علم أن بعض الأسر الفقيرة من الأصلح لها شراء هذه الأشياء؛ بحيث يخشى أنه لو أعطيت النقود فسوف يتصرفون فيها فيما لا فائدة منه ؟
هذه المسألة مهمة يحتاج الناس إليها: إذا كان أهل هذا البيت فقراء، ولو أعطيناهم الدراهم لأفسدوها بشراء الكماليات والأشياء التي لا تفيد، فإذا اشترينا لهم الحاجات الضرورية ودفعناها لهم، فهل هذا جائز ؟ فمعروف عند أهل العلم أن هذا لا يجوز؛ أي: لا يجوز للإنسان أن يشتري بزكاته أشياء عينية يدفعها بدلاً عن الدراهم، قالوا: لأن الدراهم أنفع للفقير، فإن الدراهم يتصرف فيها كيف يشاء؛ بخلاف الأموال العينية فإنه قد لا يكون له فيها حاجة، وحينئذ يبيعها بنقص.(2/340)
ولكن هناك طريقة إذا خفت لو أعطيت الزكاة لأهل هذا البيت صرفوها في غير الحاجات الضرورية، فقل لرب البيت - سواء كان الأب، أو الأم، أو الأخ، أو العم - قل له: عندي زكاة فما هي الأشياء التي تحتاجونها لأشتريها لكم وأرسلها لكم، فإذا سلك هذه الطريقة، كان هذا جائزاً، وكانت الزكاة واقعة موقعها.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/481) - ف(346)
حكم زكاة التركة قبل توزيعها
رجل مات وترك مالاً ولم يحل عليه الحول، وظل هذا المال فترة لم يوزع على الورثة؛ فهل إذا حال الحول عليه تخرج زكاته ؟
أما بالنسبة للميت الذي مات قبل أن يتم الحول فلا زكاة عليه؛ لأنه مات قبل الوجوب، فلا يقضى عنه.
أما بالنسبة للورثة فالذي يبلغ نصيبه نصاباً: عليه الزكاة إذا تم الحول على موت مورثه، والذي ماله قليل لا يبلغ النصاب وليس عنده ما يكمله به فإنه لا زكاة عليه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى (18/22) - فـ(8)
حكم تأخير الزكاة أو تقديمها
ما حكم تأخير الزكاة إلى رمضان ؟
الزكاة كغيرها من أعمال الخير تكون في الزمن الفاضل أفضل؛ لكن متى وجبت الزكاة وتم الحول وجب على الإنسان أن يخرجها ولا يؤخرها إلى رمضان؛ فلو كان حول ماله في رجب فإنه لا يؤخرها إلى رمضان؛ بل يؤديها في رجب، ولو كان يتم حولها في محرم فإنه يؤديها في محرم، ولا يؤخرها إلى رمضان، أما إذا كان حول الزكاة يتم في رمضان فإنه يخرجها في رمضان، وكذلك لو طرأت فاقة على المسلمين وأراد تقديمها قبل تمام الحول فلا بأس بذلك.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/295) - ف(209)
حكم تأخير الزكاة لعذر
س1: ما حكم من أخر جزءاً من زكاة ماله لعدم تمكنه من حصر المال ؟(2/341)
ج1: الواجب على الإنسان أن يبادر بإخراج زكاته؛ لأن زكاته كالدَّيْن عليه؛ بل هي دين، ومَطْلُ الغني ظُلم، والإنسان لا يدري فلعله يموت وتبقى زكاته في ماله ديناً عليه بعد موته، فالواجب أن يبادر بإخراج الزكاة ولا يؤخرها؛ لكن إذا أَخَّرَ إخراجها من أجل حصر المال فلا شيء عليه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/295) - ف(210)
س2: أرفع إلى فضيلتكم أنني رجل ميسور الحال - والحمد لله - وأنني أقوم في نهاية كل عام بحصر ما عندي من أموال ثم أُحدِّد مقدار الزكاة فيها، ثم أعمل بعد ذلك على إخراجها إلى مستحقيها على دفعات خلال العام التالي، متحريًا في ذلك الدقة والبحث عن المستحقين من خلال أشخاص قمت بتوظيفهم لهذا الأمر؛ بحيث لا يحول الحول التالي إلا وقد استنفد المال المخصص للزكاة، لأبدأ دورة جديدة من زكاة الحول التالي .. فهل عملي هذا جائز ؟ وبخاصة أن الدافع من وراء تأخير إخراج الزكاة دفعة واحدة في وقتها هو احتياجي لوقت بعد الحول لحسابها بدقة، وكذلك بقصد البحث والتحري عن المستحقين .. أفتونا مأجورين .(2/342)
ج2: لا بأس بذلك؛ فإن كثيرًا من الفقراء إذا دفعت إليهم الزكاة صرفوها في حينها، وقد يتوسعون في النفقات، وقد يشترون غير الضروريات، وقد ينافسون أهل الثروات، ثم بعد وقت قصير ينفد ما عندهم ويبقون بقية العام يتكففون الناس ويحترفون بالكُدْيَة(1) والاستِجْداء، فإذا دفعت إليهم الزكاة مفرَّقة: شهريًا أو نصف الحول - سُدَّت حاجاتهم ولم يتعرضوا لتكفف الناس ولا لشدة الإعواز. ثم في تأخيرها وتفريقها طوال السنة قوة التحرِّي؛ حتى لا تصرف إلا لمستحقيها - إذا عين أشخاص يبحثون عن المستحقين ويحرصون على الدقة في البحث عن الفقراء والمساكين. وهكذا إذا أخرت لحساب الأموال والدقة والتحري والتأكد من مقدار الأموال الزكوية والاحتياط في إخراجها؛ دون تأخير أكثر من العام، ودون نقص من مقدار الزكاة الواجبة. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه
حكم زكاة المال المُعَدّ للزواج
رجل يجمع لابنه مالاً عدة سنوات كي يتزوج .. فهل عليه زكاة في ماله هذا ؟ علماً بأنه لا يريد بها إلا تزويج ابنه فقط.
عليه أن يزكي جميع ما جمعه من النقود، إذا مضى عليها الحول. ولو كان ينوي بها تزويج ابنه؛ لأنها مادامت لديه فهي ملكه، فعليه أن يؤدي زكاتها كل عام، حتى تصرف في الزواج؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على ذلك.
الشيخ ابن باز - فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (13)
هل تزكَّى التبرعات ؟
إذا كان هناك جماعة يدفع كل منهم جزءاً من المال، ويدخرونه لقصد الاستفادة منه، عند وقوع حوادث لبعضهم - لا سمح الله - واحتاجوا إليه في شؤونهم العامة، وحال الحول على هذا المبلغ: فهل عليه زكاة ؟
__________
(1) …الكُدْيَة: هي حِرْفَة السائل المُلِحّ.(2/343)
هذه الأموال وأشباهها التي يتبرع بها أهلها للمصالح العامة، وللتعاون على الخير فيما بينهم ليس فيها زكاة؛ لأنها قد أخرجت من أملاكهم ابتغاء وجه الله، ومنافعها مشتركة لغنيهم وفقيرهم، لعلاج الحوادث التي تنزل بهم؛ فتعتبر بذلك خارجة عن أملاكهم وفي حكم الصدقات المجموعة لإنفاقها في سبيلها الذي أخرجت له.
الشيخ ابن باز - فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (48)
هل يزكَّى المال الموقوف ؟
لدينا في جامعة الملك سعود صندوق للطلبة؛ وهو عبارة عن جهاز مالي يتم تمويله من الجامعة، وباقتطاع جزء يسير من مكافآت الطلاب، ويتم من خلال هذا الصندوق إعانة الطلاب المحتاجين .. فهل على المبالغ الموجودة في الصندوق زكاة ؟
ليس في مال الصندوق المذكور وأشباهه زكاة؛ لأنه مال لا مالك له، بل هو معد لوجوه الخير كسائر الأموال الموقوفة في أعمال الخير.
الشيخ ابن باز - فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (47)
هل يزكَّى مال الصغير ؟
أنا شاب عمري 17 عاماً، أعيش مع أهلي ووالدي ينفق علي، ولي مال مدخر في بنك إسلامي، قد حال عليه الحول، فهل علي فيه زكاة ؟ وهل على الأرباح زكاة ؟ وهل تبدأ الزكاة من سن البلوغ ؟
تجب الزكاة في المال الزكوي، وهو بهيمة الأنعام، والنقدان، والخارج من الأرض، وعروض التجارة، ولو كان مالكها صغيراً، فتجب في مال اليتيم كالكبير، ويخرجها الولي وتجب الزكاة في ربح التجارة، ولو كان أقل من نصاب؛ إذا كان أصله قد بلغ النصاب. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين، فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (10)
هل يزكَّى مال اليتيم والمجنون ؟
هل تجب الزكاة في مال اليتيم والمجنون ؟(2/344)
تجب الزكاة في مال كل منهما، إذا كان حراً مسلماً تام الملك؛ لما روى الدارقطني؛ مرفوعاً إلى النبي (ص): مَنْ وَلِيَ مَالَ اليَتِيْمِ فَلْيَتْجُرْ بِهِ، وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأكُلَهُ الصَّدَقَةُ (1)، ولما روى مالك في «الموطأ»، عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِهَا؛ فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ(2). والقول بوجوب الزكاة في مال كل منهما هو قول علي وابن عمر وجابر وعائشة والحسن بن علي رضي الله عنهم(3)، حكاه عنهم ابن المنذر.
اللجنة الدائمة - فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (11)
هل يزكَّى القرض ؟ وكيف ؟
أقرضت شخصاً مبلغاً من المال، وحال عليه الحول، ولم يسدد، فهل أدفع الزكاة ؟ أم أنتظر حتى يسدد، ثم أخرج عن سنة عند القبض ؟
متى كان الدين أو القرض عند شخص غني موسر تقدر على أخذه منه متى أردت: فإن فيه الزكاة كل عام؛ لأنه بمنزلة الأمانة، وسواء تركته عنده للتوسعة عليه أو لعدم حاجتك إليه. أما إن كان الدين أو القرض عند معسر أو مماطل أوعاجز عن الوفاء فإن المختار والراجح: أنه لا زكاة فيه حتى تقبضه، فإذا قبضته فأخرج زكاته عن سنة واحدة. ولو بقي عند الغريم عدة سنوات. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (51) الفصل الرابع…زكاة الخارج من الأرض وعروض التجارة
هل يزكَّى نخيل البيوت ؟
__________
(1) …الترمذي (641)، والدارقطني 2/109 (1)، والبيهقي في «السنن الكبرى» 6/2 (10764)، من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهو حديث ضعيف؛ لكن تشهد له آثار صحيحة عن الصحابة رضي الله عنهم وشاهد مرسل عند الشافعي. انظر: «تلخيص الحبير» (2/157-159)، و«تحفة الأحوذي» (3/238، 239).
(2) …«موطأ مالك» 1/251 (589)، والبيهقي في «السنن الكبرى» 6/3 (10768).
(3) …انظر: «المغني» لابن قدامة (2/256).(2/345)
اشتريت قبل ثلاث سنوات بيتاً، وفيه - ولله الحمد - ثلاث نخلات مثمرات من نوعين، وفيهن ثمر كثير؛ فهل عليَّ زكاة والحال هذه ؟ فإذا كان الجواب بنعم والناس يجهلون ذلك جداً فأسأل أسئلة :
أولاً: كيف يكون معرفتي بلوغ النصاب من عدمه وأنا أخرفها خَرْفاً(1) ؟
ثانياً: كيف يكون تقدير الزكاة ؟ وهل تدفع من كل نوع بنسبته أم يضم بعضها إلى بعض وتخرج من نوع واحد ؟ وهل يجوز أن أدفع نقوداً ؟ وماذا أصنع في السنوات الماضية ؟
ما ذكره السائل من خفاء حكم هذه النخيل التي تكون في البيوت على كثير من الناس فهو صحيح؛ كثير من الناس يكون عنده سبع نخل أو عشر نخل أو أكثر أو أقل، وثمرتها تبلغ النصاب، لكنهم لا يعلمون أن فيها زكاة، يظنون أن الزكاة في البساتين فقط. والزكاة في ثمر النخل؛ سواء كان في البستان أو في الدور، وعلى هذا فليأت بإنسان عنده خبرة، وليقدر ثمر هذا النخل: هل يبلغ النصاب أو لا ؟ فإذا بلغ النصاب وجب عليه أن يزكيه. ولكن كيف يزكّيه وهو يخرفه - كما قال السائل ؟
- أرى أنه في مثل هذه الحالة تقدر قيمة النخل(2)، ويخرج نصف العشر من قيمتها؛ لأن ذلك أسهل على المالك وأنفع للمحتاج، يعني إعطاء الدراهم أنفع للمحتاج وتقويمها بالدراهم أسهل على المالك، ولكن كم مقدار الزكاة ؟ مقدار الزكاة: خمسة في المائة، بينما زكاة المال في المائة اثنين ونصف، لكن هذه فيها خمسة في المائة؛ لأن زكاتها زكاة ثمر وليست زكاة تجارة.
أما ما مضى من السنوات وهو لم يزكه جاهلاً؛ فإنه يقدر الآن في نفسه: كم يظن الثمرات الماضية ويخرج زكاتها الآن، وليس عليه إثم فيما سبق من تأخير الزكاة؛ لأنه جاهل بذلك، لكن لابد من أداء زكاة ما سبق. 10/ 2/ 1415هـ.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/60) - ف(40)
حكم زكاة الأسهم
__________
(1) …الخَرْفُ: هو جَنْيُ الثمر واقتطافه.
(2) …أي: قيمة ثمره.(2/346)
س1: لا يخفى على سماحتكم، أن الناس يتداولون بالأسهم في العقارات، ومنهم من يجمد له مبالغ فيها قد تزيد وتنقص، وقد تمكث مدة طويلة من الزمن مدتها أربع السنوات والخمس، والأكثر والأقل، ومالكها إذا أراد البيع في السوق قبل الحراج على العقار، قد تبلغ القيمة التي اشترى بها، وقد تنقص، ويمكث السنوات العديدة على هذه الحالة، وكذا قد تكون له أموال في أراض ويقصد منها غلاء السوق فيبيعها، وهكذا، والسؤال هو: هل يلزم الإنسان زكاة سنوية على الأسهم التي في العقارات التي لم تبع حتى الآن ؟ وقد مكثت مدة طويلة وهي ثابتة على قيمتها، وربما كانت أنقص من القيمة الأساسية في السوق، والأراضي التي اشتراها من أجل التكسب هل يلزم عليها زكاة سنوية، كعروض تجارة ؟ أم تبقى حتى يبيعها ويزكيها كما يراه بعض العلماء ؟ لأنها ربما مضت عليها سنون، وهي على قيمة واحدة، لم تتحرك بالزيادة . وإذا قيل إن عليها زكاة فهل يزكيها كل سنة أم مرة واحدة ؟ فإذا باع هل يزكيها للسنوات الماضية أو سنة واحدة ؟ مع ملاحظة أن الفرد قد يكون عنده في هذه العقارات والأسهم مال كثير، وإذا أراد أن يزكي اقترض أو باع منها، والمعنى: أن النقد لا يقف عنده؛ بل بمجرد توافر شيء لديه يشتري به ولا يقف عنده.
ج1: الأسهم المذكورة في السؤال من عروض التجارة تجب الزكاة فيها؛ يقوّمها كل سنة بقيمتها من غير نظر إلى قيمة الشراء، فإن كان عنده مال أخرج الزكاة منه، وإلا فإنه يخرج زكاتها عن السنوات الماضية من قيمتها بعد بيعها وتسلم ثمنها. وهكذا العقارات المعدة للتجارة التي ليست بأسهم.
اللجنة الدائمة، فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (35، 36)
س2: رجل يمتلك أسهمًا في شركة مساهمة، وهذه الشركة تخرج الزكاة عن تلك الأسهم؛ فهل يلزمه إخراج الزكاة عما يخصه من الأسهم أيضًا ؟(2/347)
ج2: لا يلزمه إخراج لزكاة أسهمه؛ فإن المال لا يزكى مرتين. ولكن إذا كانوا يفرقون الأرباح فله أن يزكي نصيبه من الأرباح إذا قبضه، وإن كانت الشركة قد جعلت رأس المال في أدوات أو مكائن أو عقارات للتأجير أو الاستعمال فلا زكاة في رأس المال؛ وإنما الزكاة في الأرباح أو الأجرة.
أما إن كان رأس المال جعل في تجارة كالعروض التي تباع ويشترى غيرها - فالزكاة في الجميع.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه، في: 14/10/1423هـ
س3: رجل يمتلك أسهمًا خاسرة وحال عليها الحول؛ فهل عليها زكاة ؟ وكيف يتم حسابها ؟
ج3: إذا كانت هذه الأسهم في عقار فلا زكاة فيها حتى تباع، ومتى استلم نصيبه أخرج منه زكاة سنة واحدة؛ سواء خسرت الأسهم أو ربحت. أما إذا كانت الأسهم في تجارة فإنها تزكى قيمة تلك العروض، ولصاحب الأسهم أن يقدر قيمتها التي تساويها؛ فإذا كان رأس المال مائة ريال لكل سهم فأصبحت لا تساوي إلا خمسين فإنه يزكي الخمسين.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه، في: 14/10/1423هـ
زكاة العمائر والمحلات والأراضي
لي أخ يملك أموالاً كثيرة، وقد جعل أمواله في عمائر ومحلات تجارية، وأراض، وكلها تثمر، ونصحته بإخراج زكاة أصل مال تجارته، فأخبرني أنه لا يجب عليه إلا زكاة الأجرة إذا حال عليها الحول دون أصل ماله، ولو وضع الأجرة كلما قبضها في عمارة لم تجب عليه الزكاة فيها، ولا في أصلها، إلا إذا دار الحول على الأجرة قبل أن يضعها في عمارة، ولأخي هذا نظراء يفعلون مثله؛ فهل يجيز الإسلام مثل هذا الفعل ولا يأثم الفاعل ؟! وما العقار الذي لا تجب الزكاة في أصله ولا إدارته حتى يحول عليه الحول ؟ وهل له حد يقف عنده أو يستوي في ذلك القليل والكثير ؟(2/348)
المال الذي يملكه الإنسان أنواع: فما كان منه نقوداً وجبت فيه الزكاة؛ إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول. وما كان أرضاً زراعية وجبت الزكاة في الحبوب والثمار يوم الحصاد؛ لا في الأرض نفسها. وما كان منه أرضاً تؤجر أو عمارة تؤجر وجبت الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول، وبلغت نصاباً لا في الأرض نفسها أو العمارة، وما كان منه أرضاً أو عمائر أو عروضاً أخرى للتجارة وجبت الزكاة فيه؛ إن حال عليه الحول، وحَولُ الربحِ فيها حَولُ الأصل إذا كان الأصل نصاباً . وما كان منه من بهيمة الأنعام وجبت فيه الزكاة؛ إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول. وبالله التوفيق.
اللجنة الدائمة، فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (28، 29)
حكم زكاة السيارات المعدة للنقل
السيارات التجارية التي تسافر وتجلب الحبوب وغيرها .. هل عليها زكاة ؟
ليس على السيارات والجمال المعدة لنقل الحبوب والأمتعة وغيرها من بلاد إلى بلاد زكاة؛ لكونها لم تعد للبيع، وإنما أعدت للنقل والاستعمال. أما إن كانت السيارات معدة للبيع، وهكذا غيرها من الجمال والحمير والبقر وسائر الحيوانات التي يجوز بيعها - إذا كانت معدة للبيع فإنها تجب فيها الزكاة؛ لما روى أبوداود وغيره عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ(1). وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم، حكاه الإمام أبو بكر بن المنذر - يرحمه الله .
اللجنة الدائمة، فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (32)
__________
(1) …أبو داود (1562)، والطبراني في «الكبير» 7/253 (7029)، والبيهقي في «السنن الكبرى» 4/146 (7388). قال في «مجمع الزوائد» 3/69: «وفي إسناده ضعيف». وقال الملا علي القاري في «مرقاة المفاتيح» (4/277): «قال ابن الهمام رحمه الله: سكت عليه هو - [أي أبو داود] - والمنذري، وهذا تحسين منهما. وصرح ابن عبدالبر بأن إسناده حسن. اهـ.».(2/349)
حكم زكاة الأرض
أمتلك قطعة أرض ولا أستفيد منها، وأتركها لوقت الحاجة؛ فهل يجب علي أن أخرج زكاة عن هذه الأرض ؟ وإذا أخرجت الزكاة .. هل علي أن أقدر ثمنها في كل مرة ؟
ليس عليك زكاة في هذه الأرض؛ لأن العروض إنما تجب الزكاة في قيمتها إذا أعدت للتجارة، والأرض والعقارات والسيارات والفرش ونحوها عروض لا تجب الزكاة في عينها؛ فإن قصد بها المال؛ أعني الدراهم بحيث تعد للبيع والشراء والاتجار: وجبت الزكاة في قيمتها. وإن لم تعد - كمثل سؤالك، فإن هذه ليست فيها زكاة .
الشيخ ابن جبرين، فتاوى الزكاة، جمع محمد المسند، ص (26)
الباب الثامن
الصيام
الفصل الأول :
حكم الصيام وشروطه
الفصل الثاني :
ما يُفَطِّر وما لا يُفطِّر
الفصل الثالث :
صيام أهل الأعذار
الفصل الرابع :
القضاء والكفارات
الفصل الخامس :
صوم النوافل والاعتكاف الفصل الأول حكم الصيام وشروطه
حكم الصيام وحكم تاركه
ما حكم صيام شهر رمضان ؟(2/350)
صيام شهر رمضان فرض بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *}[البَقَرَة] إلى قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البَقَرَة، من الآية: 185]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وصومِ رمضان، وحج بيت الله الحرام(1). وقال عليه الصلاة والسلام: إذا رَأَيْتُمُوهُ فصُوموا (2)، وأجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض، وأنه أحد أركان الإسلام؛ فمن أنكر فرضيته كفر، إلا أن يكون ناشئاً في بلاد بعيدة، لا يعرف فيها أحكام الإسلام فيُعرَّف بذلك، ثم إن أصر بعد إقامة الحجة عليه كفر، ومن تركه تهاوناً بفرضيته فهو على خطر، فإن بعض أهل العلم يرى أنه كافر مرتد، ولكن الراجح أنه ليس بكافر مرتد؛ بل هو فاسق من الفساق لكنه على خطر عظيم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/11)
سن التكليف للذكر والأنثى
أرجو إشعاري بسن التكليف لكل من الذكور والإناث ؟
يتحقق التكليف بالبلوغ والعقل؛ فإذا بلغ الإنسان وهو عاقل ثبت تكليفه بما قدر عليه من أحكام للشرع ذكراً كان أو أنثى، كل فيما يخصه منها. وللبلوغ علامات: منها الحيض أو الحبل بالنسبة للإناث، ولو حصل ذلك دون خمس عشرة سنة من عمرهن. ومنها: نزول المني مناماً أو يقظة بشهوة بالنسبة للذكور والإناث، ولو كان ذلك منهم قبل خمس عشرة سنة، ومنها أن يبلغ الإنسان خمس عشرة سنة؛ سواءً كان ذكراً أم أنثى، ومن ذلك إنبات شعر العانة الخشن.
__________
(1) …البخاري، (8)، ومسلم (16) بألفاظٍ متقاربة.
(2) …البخاري (1900)، ومسلم (1080، 1081).(2/351)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/146)
حكم صيام الصغير لشهر رمضان
طفلي الصغير يصرُّ على صيام رمضان رغم أن الصيام يضره لصغر سنه واعتلال صحته؛ فهل أستخدم معه القسوة ليفطر ؟
إذا كان صغيرًا لم يبلغ فإنه لا يلزمه الصوم؛ ولكن إذا كان يستطيعه دون مشقة فإنه يؤمر به؛ وكان الصحابة يُصوِّمُونَ أولادهم(1)؛ حتى أن الصغير منهم يبكي فيعطونه اللعب يتلهى بها، ولكن إذا ثبت أن هذا يضره فإنه يمنع منه، وإذا كان الله منعنا عن إعطاء الصغار أموالهم خوفًا من الإفساد بها، فإن خوف إضرار الأبدان من باب أولى أن يمنعهم منه، ولكن المنع يكون عن غير طريق القسوة؛ فإنه لا تنبغي في معاملة الأولاد عند تربيتهم.
الشيخ ابن عثيمين - فقه العبادات، ص (225)
حكم التهنئة برمضان
ما حكم التهاني والتبريكات التي يتبادلها الناس بمقدم شهر رمضان؛ سواء بالزيارات أو المراسلات أو المكالمات أو عبر رسائل الجوال ؟ وهل لذلك أساس من الشرع ؟
جائزة هذه التهاني ونحوها؛ فإنها دعاء يرجى إجابته، وفيها إظهار فرح وسرور بالمواسم الفاضلة، وفيها أيضاً تذكير بفضل تلك المواسم كالأعياد وشهر رمضان وعشر ذي الحجة، وقد استدل عليها ابن رجب في «لطائف المعارف» (2) بما ذكره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان. فيدل ذلك على أن هذه التهاني كانت مستعملة قديماً، فعلى هذا لا يستغرب استعمال الناس لهذه التهاني والتبريكات؛ سواءً كانت بالزيارات أو المراسلات أو المكالمات الهاتفية، ففي ذلك كله دعاء وخير كثير، ويراجع ما ذكره ابن رجب في أول فضائل شهر رمضان. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 14/10/1423هـ
نية الصيام
هل نية الصيام كافية عن نية صوم كل يوم على حدة ؟
__________
(1) …البخاري (1960)، ومسلم (1136)، وغيرهما.
(2) …ص (279)(2/352)
من المعلوم أن كل شخص يقوم في آخر الليل ويتسحر فإنه قد أراد الصوم ولا شك في هذا؛ لأن كل عاقل يفعل الشيء باختياره، لا يمكن أن يفعله إلا بإرادة. والإرادة هي النية، فالإنسان لا يأكل في آخر الليل إلا من أجل الصوم، ولو كان مراده مجرد الأكل لم يكن من عادته أن يأكل في هذا الوقت. فهذه هي النية ولكن يحتاج إلى مثل هذا السؤال فيما لو قدر أن شخصاً نام قبل غروب الشمس في رمضان وبقي نائماً لم يوقظه أحد حتى طلع الفجر من اليوم التالي فإنه لم ينو مِن الليل لصوم اليوم التالي فهل نقول: إن صومه اليوم التالي صوم صحيح بناء على النية السابقة ؟ أو نقول: إن صومه غير صحيح، لأنه لم ينوه من ليلته ؟
نقول: إن صومه صحيح؛ لأن القول الراجح أن نية صيام رمضان في أوله كافية لا يحتاج إلى تجديد النية لكل يوم، اللهم إلا أن يوجد سبب يبيح الفطر، فيفطر في أثناء الشهر، فحينئذ لابد من نية جديدة للصوم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/176)، ف(131)
كيفية النية
كيف ينوي الإنسان صيام رمضان ؟ وهل مجرد العلم بدخول رمضان يصح الصوم بقية الأيام ؟
تكون النية بالعزم على الصيام، ولابد من تبييت نية صيام رمضان ليلاً كل ليلة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/246)
الطريقة الشرعية لثبوت دخول رمضان
ما الطريقة الشرعية التي يثبت بها دخول الشهر ؟ وهل يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية في ثبوت الشهر وخروجه ؟ وهل يجوز للمسلم أن يستعمل ما يسمى (بالدربيل) في رؤية الهلال ؟
الطريقة الشرعية لثبوت دخول الشهر أن يتراءى الناس الهلال؛ وينبغي أن يكون ذلك ممن يوثق به في دينه وفي قوة نظره، فإذا رأوه وجب العمل بمقتضى هذه الرؤية؛ صوماً إن كان الهلال هلال رمضان، وإفطاراً إن كان الهلال هلال شوال .(2/353)
ولا يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية إذا لم يكن رؤية، فإن كان هناك رؤية ولو عن طريق المراصد الفلكية فإنها معتبرة؛ لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا(1).
أما الحساب فإنه لا يجوز العمل به ولا الاعتماد عليه.
وأما استعمال ما يسمى (بالدربيل) وهو المنظار المقرب في رؤية الهلال فلا بأس به، ولكن ليس بواجب؛ لأن الظاهر من السنة أن الاعتماد على الرؤية المعتادة لا على غيرها . ولكن لو استعمل فرآه من يوثق به فإنه يعمل بهذه الرؤية. وقد كان الناس قديماً يستعملون ذلك لما كانوا يصعدون (المنائر) في ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان فيتراءونه بواسطة هذا المنظار.
على كل حال متى ثبتت رؤيته بأي وسيلة فإنه يجب العمل بمقتضى هذه الرؤية؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/150، 151)
هل يصوم المسلمون كلهم ويفطرون برؤية واحدة ؟
هل يلزم المسلمين جميعاً في كل الدول الصيام برؤية واحدة ؟ وكيف يصوم المسلمون في بعض بلاد الكفار التي ليس فيها رؤية شرعية ؟
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم - أي: إذا رئي الهلال في بلد من بلاد المسلمين وثبتت رؤيته شرعاً فهل يلزم بقية المسلمين أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية ؟
- فمن أهل العلم: من قال إنه يلزمهم أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية؛ واستدلوا بعموم قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البَقَرَة، من الآية: 185]، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا (2) قالوا: والخطاب عام لجميع المسلمين .
__________
(1) …البخاري (1900)، ومسلم (1080، 1081).
(2) …البخاري (1900)، ومسلم (1080، 1081).(2/354)
ومن المعلوم أنه لا يراد به رؤية كل إنسان بنفسه؛ لأن هذا متعذر وإنما المراد بذلك إذا رآه من يثبت برؤيته دخول الشهر . وهذا عام في كل مكان.
- وذهب آخرون من أهل العلم: إلى أنه إذا اختلفت المطالع فلكل مكان رؤيته. وإذا لم تختلف المطالع، فإنه يجب على من لم يروه إذا ثبتت رؤيته بمكان يوافقهم في المطالع أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية.
واستدل هؤلاء بنفس ما استدل به الأولون فقالوا:إن الله تعالى يقول: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البَقَرَة، من الآية: 185]، ومن المعلوم أنه لا يراد بذلك رؤية كل إنسان بمفرده، فيعمل به في المكان الذي رئي فيه، وفي كل مكان يوافقهم في مطالع الهلال، أما من لم يوافقهم في مطالع الهلال فإنه لم يره لا حقيقة ولا حكماً..
قالوا: وكذلك نقول في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا ؛ فإن من كان في مكان لا يوافق مكان الرائي في مطالع الهلال لم يكن رآه لا حقيقة ولا حكماً، قالوا: والتوقيت الشهري كالتوقيت اليومي . فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطار اليومي فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري، ومن المعلوم أن الاختلاف اليومي له أثره باتفاق المسلمين، فمن كانوا في الشرق فإنهم يمسكون قبل من كانوا في الغرب ويفطرون قبلهم أيضاً.
فإذا حكمنا باختلاف المطالع في التوقيت اليومي، فإن مثله تماماً في التوقيت الشهري.
ولا يمكن أن يقول قائل: إن قوله تعالى: {فَالآْنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البَقَرَة، من الآية: 187].(2/355)
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ - فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ (1) - لا يمكن لأحد أن يقول إن هذا عام لجميع المسلمين في كل الأقطار.
وكذلك نقول في عموم قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البَقَرَة، من الآية: 185]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا .
وهذا القول - كما ترى - له قوته بمقتضى اللفظ والنظر الصحيح والقياس الصحيح أيضاً: قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي.
وذهب بعض أهل العلم: إلى أن الأمر معلق بولي الأمر في هذه المسألة؛ فمتى رأى وجوب الصوم أو الفطر مستنداً بذلك إلى مستند شرعي فإنه يعمل بمقتضاه، لئلا يختلف الناس ويتفرقوا تحت ولاية واحدة . واستدل هؤلاء بعموم الحديث: الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ(2).
وهناك أقوال أخرى ذكرها أهل العلم الذين ينقلون الخلاف في هذه المسألة .
وأما الشق الثاني من السؤال: وهو كيف يصوم المسلمون في بعض بلاد الكفار التي ليس بها رؤية شرعية ؟ فإن هؤلاء يمكنهم أن يثبتوا الهلال عن طريق شرعي، وذلك بأن يتراءوا الهلال إذا أمكنهم ذلك، فإن لم يمكنهم هذا فإنه متى ثبتت رؤية الهلال في بلد إسلامي فإنهم يعملون بمقتضى هذه الرؤية؛ سواء رأوه أو لم يروه.
__________
(1) …البخاري (1954)، ومسلم (1100) .
(2) …أبو داود (2344)، والترمذي (697) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والترمذي بنحوه (802) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال الترمذي في الموضع الأول: «حديث غريب حسن»، وفي الموضع الثاني: «حديث حسن غريب صحيح».(2/356)
وإن قلنا بالقول الثاني - وهو اعتبار كل بلد بنفسه، إذا كان يخالف البلد الآخر في مطالع الهلال، ولم يتمكنوا من تحقيق الرؤية في البلد التي هم فيها - فإنهم يعتبرون أقرب البلاد الإسلامية إليهم؛ لأن هذا أعلى ما يمكنهم العمل به.
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5) (2/152 - 156)
أكمل يوم (28) من رمضان في غير بلده ثم رأوا هلال شوال
رجل رأى هلال رمضان في بلده وبدأ الصوم، ثم سافر إلى بلد آخر ودخل عليه (28) رمضان وأهل تلك البلدة رأوا هلال شوال؛ فهل يصلي معهم العيد مع أن مدة صيامه (28) يوماً ؟
العبرة في بدء صيام رمضان برؤية الهلال في مطلعه بجهته يوم كان في بلده، وكذلك الحال في الفطر فتعتبر رؤية هلال شوال في البلد الذي سافر إليه، وعلى ذلك يجب أن يفطر ويصلي العيد مع من في البلد الذي رئي فيه هلال شوال، وهو بين أظهرهم، ويقضي ما نقص من أيام صومه حتى يكون ما صامه تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الشهر يكون (29) أحياناً و(30) أحياناً.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/128)
حكم صيام من لا يصلي
ما حكم من يصوم وهو تارك للصلاة ؟ وهل صيامه صحيح ؟(2/357)
الصحيح أن تارك الصلاة عمداً يكفر بذلك كفراً أكبر، كذلك لا يصح صومه ولا بقية عباداته حتى يتوب إلى الله سبحانه؛ لقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعَام، من الآية: 88]، وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث. وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر بذلك، ولا يبطل صومه ولا عبادته إذا كان مقراً بالوجوب، ولكنه ترك الصلاة تساهلاً وكسلاً. والصحيح القول الأول، وهو أنه يكفر بتركها عامداً ولو أقر بالوجوب؛ لأدلة كثيرة منها: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ (1) أخرجه مسلم في «صحيحه» من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاةُ؛ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ (2)؛ أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح: من حديث بريدة بن الحُصَيْب الأسلمي رضي الله عنه . وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله القول في ذلك في رسالة مستقلة في أحكام الصلاة وتركها، وهي رسالة مفيدة تحسن مراجعتها والاستفادة منها.
الشيخ ابن باز، فضائل رمضان، جمع عبد الرازق حسن، ص (15)
حكم صيام تارك الصلاة
يعيب بعض علماء المسلمين على المسلم الذي يصوم ولا يصلي؛ فما دخل الصلاة في الصيام ؟ فأنا أريد أن أصوم لأدخل مع الداخلين من باب الريان، ومعلوم أن رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن .. أرجو التوضيح وفقكم الله.
__________
(1) …مسلم (82)، وغيره.
(2) …أحمد (5/346، 355)، والترمذي (2621)، والنسائي (464)، وابن ماجه (1079)، وابن حبان (1454). وقال الترمذي: «حسن صحيح غريب».(2/358)
الذين عابوا عليك أنك تصوم ولا تصلي على صواب فيما عابوه عليك؛ وذلك لأن الصلاة عمود الإسلام، ولا يقوم الإسلام إلا بها، والتارك لها كافر خارج عن ملة الإسلام، والكافر لا يقبل الله منه صياماً، ولا صدقة، ولا حجاً ولا غيرها من الأعمال الصالحة؛ لقول الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ *}[التّوبَة]، وعلى هذا فإذا كنت تصوم ولا تصلي؛ فإننا نقول لك إن صيامك باطل غير صحيح، ولا ينفعك عند الله، ولا يقربك إليه. وأما ما توهمته من أن رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما فإننا نقول لك: إنك لم تعرف الحديث الوارد في هذا؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ (1)؛ فاشترط النبي عليه الصلاة والسلام لتكفير رمضان إلى رمضان اشترط أن تجتنب الكبائر، وأنت أيها الرجل الذي لا تصلي وتصوم لم تجتنب الكبائر؛ فأي كبيرة أعظم من ترك الصلاة ؟! بل إن ترك الصلاة كفر، فكيف يمكن أن يكفر الصيام عنك ؟ فترك الصلاة كفر، ولا يقبل منك الصيام.
فعليك - يا أخي - أن تتوب إلى ربك، وأن تقوم بما فرض الله عليك من صلاتك، ثم بعد ذلك تصوم. ولهذا لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن قال: فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؛ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (2)، فبدأ بالصلاة ثم الزكاة، بعد ذكر الشهادتين.
__________
(1) …مسلم (233) .
(2) …البخاري (1395)، ومسلم (19).(2/359)
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى الصيام، جمع محمد المسند، ص (34)
الفصل الثاني
ما يُفَطِّر وما لا يُفَطِّر
هل غسيل الكِلَى يفسد الصوم ؟
يوجد بعض المرضى (شفاهم الله) تتعطل كلاهم عن العمل مما يضطرهم إلى ما يسمى بالغسيل؛ وهو أن هناك كليه صناعية تقوم بتطهير الدم وتنقيته من الشوائب وذلك في الأسبوع مرتين أو ثلاث بحيث يخرج دم الإنسان كله من جسده بأنبوب آخر بعد التنقية. مع أنه يضاف للدم داخل الكلية الصناعية بعض المواد المطهرة؛ ولولا هذا العمل لتعرضت حياة الإنسان للموت بسبب تعطل الكلى فهذا الأمر ضروري. والسؤال:
هل يؤثر الغسيل على الصيام إذا كان الإنسان صائماً ؟ علماً بأن هذا ضرورة له ويشق عليه أن يفطر ويقضي، وجسمه لا يستفيد سوى تنقية الدم من الشوائب، وقد كثر التساؤل .. أرجو من سماحتكم الإفادة جزاكم الله خيراً.
جرت الكتابة لكل من: مدير مستشفى الملك فيصل التخصصي بالخطاب رقم 1756/2 في 14/8/1406، ومدير مستشفى القوات المسلحة بالرياض بالخطاب رقم 1757/2 في 4/8/1406؛ للإفادة عن صفة واقع غسيل الكلى، وعن خلطه بالمواد الكيماوية، وهل تشتمل على نوع من الغذاء ؟
وقد وردت الإجابة منهما بالخطاب رقم 5693 في 27/8/1406 ورقم 10/16/7807 في 19/8/1406 بما مضمونه: أن غسيل الكلى عبارة عن إخراج دم المريض إلى آلة (كلية صناعية) تتولى تنقيته ثم إعادته إلى الجسم بعد ذلك، وأنه يتم إضافة بعض المواد الكيماوية والغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم. وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء والوقوف على حقيقة الغسيل الكلوي بواسطة أهل الخبرة؛ أفتت اللجنة بأن الغسيل المذكور للكلى يفسد الصيام.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/189 - 191)
حكم الحِجَامة للصائم
هل يفطر الحاجم والمحجوم في نهار رمضان ؟ وما الحكم هل يفطران ويقضيان ما فاتهما أم ماذا عليهما ؟(2/360)
يفطر الحاجم والمحجوم، وعليهما الإمساك والقضاء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجُوم(1).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/261، 262)
حكم من أكلَ أو شَرِبَ ناسياً
الإنسان إذا أفطر ناسياً في رمضان .. هل عليه القضاء ؟ أم لا قضاء عليه؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أفطر ناسياً.. وكقوله - صلى الله عليه وسلم - : «رُفِعَ عن أُمَّتي الخطأُ والنِّسيانُ وما اسْتُكْرِهُوا عليه»(2) ؟
من أفطر ناسياً في نهار رمضان وهو صائم فلا إثم عليه، وعليه أن يتم صوم يومه، ولا قضاء عليه على الصحيح من قولي العلماء، وهذا ما ذهب إليه الشافعي وأحمد؛ لما رواه البخاري ومسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: مَنْ نَسِيَ وهو صائم فأكَلَ أو شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صومَهُ فإنما أَطْعَمَهُ الله وسَقَاه (3)، وفي لفظ: إذا أكل الصائمُ ناسياً أو شرب ناسياً فإنما هو رِزْقٌ ساقَهُ الله إليه، ولا قضاءَ عليه (4) رواه الدارقطني وقال: «إسناده صحيح».
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/269)
هل يفسد المَذْيُ الصيام ؟
__________
(1) …أحمد في مواضع كثيرة: أولها (2/364)، وأبو داود (2367 - 2371)، والترمذي (774) وقال: «حسن صحيح»، والنسائي في «الكبرى» (3134) وما بعده، وابن ماجه (1679، 1681).
(2) …ابن ماجه (2043، 2045)، وابن حبان (7219)، والطبراني في «الصغير» (765)، و«الأوسط» (2137، 8273)، و«الكبير» (11273)، والحاكم 2/198 (2801) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1662، 1664).
(3) …أحمد (2/395، 425، 489، 491، 493، 513، 514)، والبخاري (1933، 6669)، ومسلم (1151)، واللفظ له.
(4) …سنن الدارقطني (2/178، 179).(2/361)
في أحد أيام رمضان كنت جالساً بجوار زوجتي ونحن صيام، حوالي نصف ساعة، وكنا نمزح وبعد أن ابتعدت عنها وجد على سروالي نقطة مبتلة خارجة من الذكر، وقد تكررت مرة ثانية. أرجوا إفادتي هل عليَّ كفارة ؟
إذا كان الواقع كما ذكرت فليس عليك قضاء ولا كفارة مراعاة للبقاء مع الأصل، إلا أن يثبت أن ذلك البلل مَنْيٌ فعليك الغسل والقضاء دون كفارة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/273)
احتلام الصيام
في يوم من أيام شهر رمضان الكريم وفي وقت الصيام كذلك وأنا نائم حصل أني احتلمت؛ فما هو الحكم في ذلك ؟ وهل عليه كفارة ؟
من احتلم وهو صائم أو محرم بالحج أو العمرة فليس عليه إثم ولا كفارة ولا يؤثر على صيامه وحجه وعمرته، وعليه غسل الجنابة إذا كان قد أنزل منياً.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/274)
حكم استمناء الصائم
إذا تحركت شهوة المسلم في نهار رمضان ولم يجد طريقاً إلا أن يستمني؛ فهل يبطل صومه ؟ وهل عليه قضاء أو كفارة في هذه الحالة ؟
الاستمناء في رمضان وغيره حرام، لا يجوز فعله؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ *}[المعَارج]، وعلى من فعله في نهار رمضان وهو صائم أن يتوب إلى الله، وأن يقضي صيام ذلك اليوم الذي فعله فيه، ولا كفارة؛ لأن الكفارة إنما وردت في الجماع خاصة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/256)
هل يفطِّر قَلعُ الضرس وسحب الدم ؟
قلع الضرس للصائم هل يفطر، وكذلك بلع الريق وتحليل الدم ؟(2/362)
الدم الخارج بقلع الضرس ونحوه لا يفطر؛ فإنه لا يؤثر تأثير الحجامة فلا يفطر به أبداً، كذلك أيضاً لا يفطر الصائم بإخراج الدم من أجل التحليل؛ فإن الطبيب قد يحتاج الأخذ من دم المريض ليختبره، يختبر هذا الدم وينظر: ما هو المرض الذي أصابه فهذا أيضاً لا يفطر؛ لأنه دم يسير لا يؤثر على البدن تأثير الحجامة فلا يكون مفطراً، والأصل بقاء الصيام ولا يمكن أن نفسده إلا بدليل شرعي، وهنا لا دليل على أن الصائم يفطر بمثل هذا الدم اليسير، وأما أخذ الدم الكثير من الصائم من أجل حقنه في رجل محتاج إليه مثلاً؛ فإنه إذا أخرج منه الدم الكثير الذي يفعل بالبدن مثل فعل الحجامة فإنه يفطر بذلك، وعلى هذا فإذا كان الصوم واجباً فإنه لا يجوز لأحد أن يتبرع بهذا الدم الكثير لأحد، إلا أن يكون هذا المتبرع له في حالة خطرة لا يمكن أن يصبر إلى ما بعد الغروب وقرر الأطباء أن دم هذا الصائم ينفعه ويزيل ضرورته؛ فإنه في هذه الحال لا بأس أن يتبرع بدمه ويفطر ويأكل ويشرب حتى تعود إليه قوته، ويقضي هذا اليوم الذي أفطره. والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين، مسائل عن الصيام، دار ابن الجوزي، ص:(25، 26)
هل يفطر خروج الدم بنفسه ؟
رجل سافر وهو صائم في شهر رمضان وبعد صلاة الظهر فوجئ بنزول دم من أنفه وفمه، ورغم ذلك لم يفطر بل استمر على إكمال صيام ذلك اليوم .. فما الحكم في ذلك ؟ وهل يقضي ذلك اليوم؛ مع العلم أنه مضى عدة أعوام ولم يتم قضاء هذا اليوم حتى الآن ؟
لا تأثير لما خرج من فمك وأنفك من الدم فجأة؛ ما دمت أمسكت عن المفطرات إلى غروب الشمس، سواء قلّ ذلك أم كثر؛ فصومك صحيح وليس عليك قضاء.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/266، 267)
حكم الحقنة الشرجية للصائم
ما حكم الحقن الشرجية التي يحقن بها المريض وهو صائم ؟(2/363)
الحقن الشرجية التي يحقن بها المرضى في الدبر ضد الإمساك اختلف فيها أهل العلم:
- فذهب بعضهم إلى أنها مفطرة؛ بناء على أن كل ما يصل إلى الجوف فهو مفطر.
- وقال بعضهم: إنها ليست مفطرة، وممن قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية(1) رحمه الله، وعلل ذلك بأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والذي أرى أن ينظر إلى رأي الأطباء في ذلك فإذا قالوا: إن هذا كالأكل والشرب وجب إلحاقه به وصار مفطراً، وإذا قالوا: إنه لا يعطي الجسم ما يعطيه الأكل والشرب فإنه لا يكون مفطراً.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/204) - ف(152)
حكم التحاميل للصائم
ما حكم استعمال التحاميل في نهار رمضان إذا كان الصائم مريضاً ؟
لا بأس أن يستعمل الصائم التحاميل التي تجعل في الدبر إذا كان مريضاً؛ لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والشارع إنما حرم علينا الأكل أو الشرب؛ فما كان قائماً مقام الأكل والشرب أعطي حكم الأكل والشرب، وما ليس كذلك فإنه لا يدخل في الأكل والشرب لفظاً ولا معنى، فلا يثبت له حكم الأكل والشرب، والله أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/204) - ف(153)
حكم الكحل والقطرات للصائم
ما حكم الكحل للصائم والقطرة في العين والأذن والأنف ؟
__________
(1) …انظر: «مجموع الفتاوى» (25/233-247).(2/364)
لا بأس على الصائم أن يكتحل، وأن يقطر في عينه، وأن يقطر كذلك في أذنه حتى وإن وجد طعمه في حلقه، فإنه لا يفطر به؛ لأنه ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، والدليل إنما جاء في منع الأكل والشرب فلا يلحق بهما ما ليس في معناهما، وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية(1) رحمه الله، وهو الصواب. أما لو قطر في أنفه فدخل جوفه فإنه يفطر إن قصد ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: بالِغْ في الاستنشاق إلا أن تكونَ صائماً(2).
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/205) - ف(154)
حكم الحُقَن في نهار رمضان
هل الإبر والحقن العلاجية في نهار رمضان تؤثر على الصيام ؟
الإبر العلاجية قسمان:
أحدهما: ما يقصد به التغذية ويستغنى به عن الأكل والشرب لأنها بمعناه فتكون مفطرة؛ لأن نصوص الشرع إذا وجد المعنى الذي تشتمل عليه في صورة من الصور - حكم على هذه الصورة بحكم ذلك النص.
أما القسم الثاني: وهو الإبر التي لا تغذي؛ أي: لا يستغنى بها عن الأكل والشرب فهذه لا تفطر؛ لأنه لا ينالها النص لفظاً ولا معنى فهي ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب. والأصل صحة الصيام حتى يثبت ما يفسده بمقتضى الدليل الشرعي.
الشيخ ابن عثيمين، فتاوى الصيام، جمع محمد المسند، ص (58)
هل يَفْسُد الصوم بالقطرة والقيء ؟
في كتاب (الضياء اللامع)(3) ورد في خطبة خاصة بشهر رمضان، وما يتعلق بالصيام عبارة نصها: (ولا يفطر أيضاً إذا غلبه القيء وإذا داوى عينيه أو أذنه أو قطر فيهما)؛ فما رأيكم في ذلك ؟
__________
(1) …انظر: «مجموع الفتاوى» (25/233-247).
(2) …أبو داود (142، 2366)، والترمذي (788) وقال: «حسن صحيح»، والنسائي (87)، وابن ماجه (407)، وابن حبان (1054، 1087، 4510)، والحاكم 1/147، 148 (522-525) وَ4/110 (7094) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) …«الضياء اللامع من الخطب الجوامع»، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، (2/465، 466) بمعناه.(2/365)
ما قاله من أن من قطر في عينيه أو أذنيه للتداوي لا يفسد صومه بذلك هو الصحيح؛ لأن ذلك لا يسمى أكلاً ولا شرباً لا في العرف العام ولا في لسان الشرع، ولأنه يدخل من مدخل غير معتاد للطعام والشراب، ولو أخر التقطير في عينيه وأذنيه إلى الليل كان أحوط؛ للخروج من الخلاف.
وكذلك من غلبه القيء لا يفسد صومه بخروجه؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، والشريعة مبنية على رفع الحرج؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحَجّ، من الآية: 78]، وغير ذلك من الأدلة؛ ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ(1).
اللجنة الدائمة - فتاوى الصيام، ص (44)
حكم حبوب منع الحيض
تعمد بعض النساء أخذ حبوب في رمضان لمنع الدورة الشهرية - الحيض - والرغبة في ذلك حتى لا تقضي فيما بعد .. فهل هذا جائز ؟ وهل في ذلك قيود حتى تعمل بها هؤلاء النساء ؟
الذي أراه في هذه المسألة: ألا تفعله المرأة، وتبقى على ما قدره الله عز وجل وكتبه على بنات آدم عليه السلام، فإن هذه الدورة الشهرية لله تعالى حكمة في إيجادها، هذه الحكمة تناسب طبيعة المرأة، فإذا منعت هذه العادة فإنه لا شك يحدث منها رد فعل ضار على جسم المرأة؛ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ(2).
__________
(1) …أبو داود (2380)، والترمذي (720) وقال: «حسن غريب»، وابن ماجه (1676)، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2084).
(2) …أحمد (1/313) بزيادة فيه، وابن ماجه (2341) بلفظ: (لا ضَرَرَ ولا إِضْرَار). قال النووي في «الأربعين» (32): «له طرق يقوي بعضها بعضاً».(2/366)
هذا بقطع النظر عما تسببه هذه الحبوب من أضرار على الرحم، كما ذكر ذلك الأطباء . فالذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملن هذه الحبوب، والحمد لله على قدره وعلى حكمته إذا أتاها الحيض تمسك عن الصوم والصلاة، وإذا طهرت تستأنف الصيام والصلاة، وإذا انتهى رمضان تقضي ما فاتها من الصوم.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى الصيام، ص (64)
حكم استعمال الدهان للصائم
هل الدهان المرطب للبشرة يضر بالصيام إذا كان من النوع غير العازل لوصول الماء إلى البشرة ؟
لا بأس بدهن الجسم مع الصيام عند الحاجة؛ فإن الدهن إنما يبل ظاهر البشرة ولا ينفذ إلى داخل الجسم، ثم لو قدر دخوله المسام لم يعد مفطراً.
الشيخ ابن جبرين، فتاوى الصيام، جمع محمد المسند، ص (41)
حكم استخدام بخاخ الربو للصائم
في بعض الصيدليات بخاخ يستعمله بعض مرضى الربو؛ فهل يجوز للصائم استعماله في نهار رمضان ؟
استعمال هذا البخاخ جائز للصائم؛ سواء كان صيامه في رمضان أم في غير رمضان؛ وذلك لأن هذا البخاخ لا يصل إلى المعدة وإنما يصل إلى القصبات الهوائية فتنفتح؛ لما فيه من خاصية، ويتنفس الإنسان تنفساً عادياً بعد ذلك، فليس هو بمعنى الأكل ولا الشرب، ولا أكلاً ولا شرباً يصل إلى المعدة.
ومعلوم أن الأصل: صحة الصوم حتى يوجد دليل يدل على الفساد من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح.
الشيخ ابن عثيمين، فضائل رمضان، جمع عبد الرازق حسن، (س1)
حكم استعمال المعجون للصائم
ما حكم استعمال معجون الأسنان للصائم في نهار رمضان ؟(2/367)
استعمال المعجون للصائم لا بأس به إذا لم ينزل إلى معدته، ولكن الأولى عدم استعماله؛ لأن له نفوذاً قوياً قد ينفذ إلى المعدة والإنسان لا يشعر به؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للقيط بن صبرة رضي الله عنه وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا (1)، فالأولى ألا يستعمل الصائم المعجون، والأمر واسع؛ فإذا أخره حتى أفطر؛ فيكون قد توقى ما يخشى أن يكون به فساد الصوم.
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/168)
حكم السباحة للصائم
ما حكم السباحة في البحر أو في البرك في نهار رمضان ؟
نقول: لا بأس للصائم أن يسبح في البحر أو في البِرَك؛ سواء كانت البركة عميقة أو غير ذلك، فإنه يسبح كما يريد وينغمس بالماء، ولكن يحرص ألا يتسرب الماء في جوفه بقدر ما يستطيع، وهذه السباحة تنشط الصائم وتعينه على صومه؛ وما كان منشطاً على طاعة الله فإنه لا يمنع؛ لأنه مما يخفف العبادة على العابد وييسرها عليه، وقد قال الله تبارك وتعالى في معرض آيات الصوم: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}[البَقَرَة، من الآية: 185].
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ؛ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ (2)؛ فلا بأس أن يسبح في البركة، كما أنه لا بأس أن يتسبح من الدش(3) وغيره. والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين، مسائل عن الصيام، دار ابن الجوزي، ص (32)
حكم تَذَوُّق الطعام للصائم
__________
(1) …أبو داود (142، 2366)، والترمذي (788) وقال: «حسن صحيح»، والنسائي (87)، وابن ماجه (407)، وابن حبان (1054، 1087، 4510)، والحاكم 1/147، 148 (522-525) وَ4/110 (7094) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …البخاري (19).
(3) …أي: يغتسل: و(الدش): آلة تستخدم للاغتسال ترش الماء رشَّاً.(2/368)
هل يجوز لطاهي الطعام أن يتذوق طعامه ليتأكد من صلاحيته وهو صائم ؟
لا بأس بتذوق الطعام للحاجة؛ بأن يجعله على طرف لسانه ليعرف حلاوته وملوحته وضدها، ولكن لا يبتلع منه شيئاً؛ بل يمجه أو يخرجه من فيه، ولا يفسد بذلك صومه على المختار. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين، فتاوى الصيام، جمع راشد الزهراني، ص (48)
حكم السواك للصائم بعد الزوال
ما حكم السواك للصائم بعد الزوال ؟ وما دليل الذين يكرهونه ؟
الصحيح استحبابه في كل الأوقات للصائم وغير الصائم، وأنه يجوز للصائم بعد الزوال كما يجوز قبله.
والدليل حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه في «السنن» قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا أُحْصِي يَتسوَّكُ وهو صائم(1). ولم يفرق هل رآه قبل الزوال أو بعده؛ بل أطلق رؤيته يتسوك، والغالب أنه رآه بعد الزوال؛ لأن صلاة النهار كلها بعد الزوال وقد أكد التسوك للصلاة.
وأما الذين كرهوه للصائم فقد استدلوا على ذلك بحديث: إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا أَوَّلَ النَّهَارِ وَلا تَسْتَاكُوا آخِرَهُ (2)؛ ولكنه ضعيف لا تقوم به الحجة.
__________
(1) …أحمد (3/445)، وأبو داود (2364)، والترمذي (725) وقال: «حديث حسن»، والدارقطني 2/202، والبيهقي في «الكبرى» (8109)، وعلقه البخاري في «صحيحه»، بعد (1933). قال الحافظ ابن حجر في «التلخيص» 1/62: و«إسناده حسن».
(2) …أخرجه بنحوه، مرفوعاً من حديث خباب رضي الله عنه، وموقوفاً من حديث علي رضي الله عنه: الدارقطني 2/204، والطبراني في «الكبير» 4/78 (3696)، والبيهقي في «الكبرى» (8120، 8121). وأخرجه بنحوه: البزار في «مسنده» (2137) مرفوعاً من حديث علي رضي الله عنه. قال في «مجمع الزوائد» 3/164: «رواه الطبراني في الكبير ورفعه عن خباب ولم يرفعه عن علي، وفيه كيسان أبو عمر، وثقه ابن حبان وضعفه غيره».(2/369)
واستدلوا أيضاً بحديث الخلوف؛ وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ (1)؛ فقالوا: إن السواك قد يُذهب الخلوف الذي هو طيب عند الله تعالى.
وهذا التعليل غير صحيح؛ فإن السواك لا يذهب الخلوف؛ لأن خلوف فم الصائم ليس في الأسنان والفم إنما هو في المعدة؛ فخلو المعدة من الطعام يجعل روائح كريهة تخرج منها، وهذه الرائحة مستكرهة في مشام الناس، ولكنها محبوبة عند الله، فالسواك لا يزيل الخلوف، وإنما ينظف الفم ويزيل رائحة تحصل بسبب طول الصمت ونحوه. فالصحيح أن السواك جائز أول النهار وآخره .
الشيخ ابن جبرين، فتاوى الصيام، جمع راشد الزهراني، ص (88)
هل يجوز صوم الجُنُب ؟
هل يجوز صيام المرء وهو على جنابة بدون قصد لهذه الجنابة ؟
ثبت في الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُدْرِكُهُ الفجر وهو جُنُب من أهلِهِ، ثم يغتسل ويصوم(2). وحيث إن الاغتسال من الجنابة شرط لصحة الصلاة فلا يجوز تأخيره لوجوب صلاة الصبح في وقتها؛ لكن لو غلبه النوم وهو جنب فلم يستيقظ إلا في الضحى فإنه يغتسل ويصلي صلاة الفجر ويستمر في صومه، وكذا لو نام في النهار وهو صائم فاحتلم؛ فإنه يغتسل لصلاة الظهر أو العصر ويتم صومه .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى الصيام، جمع محمد المسند، ص (31)
الفصل الثالث صيام أهل الأعذار
مسافة السفر المبيح للفطر
على مسافة كم من الكيلومترات يجب الإفطار؟ وماذا لو صام ولم يفطر ؟
رخص بعض العلماء في قصر الصلاة الرباعية والفطر في نهار رمضان في كل ما يسمى سفراً، وحدد جمهور العلماء المسافة بثمانين كيلو متر تقريباً.
__________
(1) …البخاري (1904)، ومسلم (1151) .
(2) …البخاري (1925، 1926، 1930، 1931)، ومسلم (1109).(2/370)
ومن صام في السفر الذي يشرع فيه الإفطار فصيامه صحيح؛ للأدلة الدالة على ذلك، ولا حرج عليه إلا إذا أضرَّ به الصوم فإنه يتأكد عليه الإفطار؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ليسَ مِنَ البِرِّ الصومُ في السَّفر(1).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/203)
لا يفطر المسافر إلا إذا غادر بلده
إنني في رمضان لعام 1401هـ ذهبت أنا وجماعة معي من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة لغرض أداء العمرة، ونحن نسكن في حي وعيرة بجوار المطار بالمدينة المنورة، ومعلوم أن المطار يقع في شرقي المدينة المنورة، وعندما خرجنا من بيوتنا ووصلنا إلى وسط البلد أي المدينة المنورة أفطرنا، وذلك لجهلنا بالحكم، أرجو من الله ثم من سماحتكم إجابتنا بالحكم.
إذا كان الواقع كما ذكرتم فقد أثمتم بفطركم وأنتم لم تبرحوا المدينة، وقد كان الواجب عليكم أن تسألوا أهل العلم عن الحكم قبل الفطر، وعليكم قضاء اليوم الذي أفطرتموه وأنتم في المدينة، ولا كفارة عليكم إلا إذا كان فطركم بجماع.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/297)
أيهما أفضل للمسافر: الفطر أم الصوم ؟
رجل اعتاد أن يصوم الاثنين والخميس وغيرها من الأيام التي يستحب فيها الصوم؛ فما هو الأفضل له حال السفر: هل من الأفضل له الصوم أم الفطر ؟
__________
(1) …البخاري (1946) واللفظ له، ومسلم (1115).(2/371)
جاء في حديث حمزة بن عمرو رضي الله عنه: أنه كان يسرد الصيام ويكثر السفر، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل يصوم في السفر؟، فقال له: إن شِئْتَ فصُمْ، وإن شِئْتَ فأَفْطِرْ (1)، هكذا خيَّرَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فدل على أن المسافر إذا كان يطيق الصوم ولا مشقة عليه جاز له الصيام فرضاً أو تطوعاً، فإن الإفطار في السفر سببه جهد المشقة، فكان مظنة التيسير، قال الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البَقَرَة، من الآية: 185]، وقد يكون الصوم مع المشقة أجره كبير إذا كان الصيام لا يعوقه عن خدمة نفسه، أما إذا كان يحوجه إلى أن يخدمه رفقاؤه لعجزه بسبب الصيام؛ فإن الفطر أفضل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليومَ بالأَجْر (2)، وعليه يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ليسَ مِنَ البِرِّ الصيامُ في السَّفَر (3)؛ إذا كان الصائم يحتاج إلى من يظلل عليه ويرشه بالماء ويسقي دابته ويحط رحله ويصلح طعامه وشرابه؛ لعجزه عن ذلك، فنرى أنه يفضل في حقه أن يفطر حتى يستغني عن خدمة أولئك له، وحتى يخدم نفسه. أما إذا كان الصيام لا يعوقه عن العمل فإن الصوم أفضل، سواء كان فرضاً أو تطوعاً.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقعيه - في 2/11/1423هـ
حكم من نوى السفر فجامع قبل المغادرة
رجل معه جماعته أراد السفر في نهار رمضان مع نفس الجماعة، واقع امرأته في نفس النهار الذي يسافر فيه وسافر؛ هل عليه شيء ؟ وبعض الناس قال: لا شيء عليه؛ لأن أنس بن مالك رضي الله عنه لما أراد السفر أفطر في السفينة.
__________
(1) …البخاري (1943)، ومسلم (1121).
(2) …البخاري (2890)، ومسلم (1119).
(3) …البخاري (1946) واللفظ له، ومسلم (1115).(2/372)
أولاً: عليه الإثم، وعليه أن يقضي هذا اليوم، وأن يكفر كفارة الجماع في نهار رمضان؛ لأن الرجل لا يجوز أن يترخص برخص السفر إلا إذا غادر البلد، أما قبل مغادرة البلد فهو مقيم.
وأما ما ورد عن أنس(1) رضي الله عنه في الفُسْطاط(2): أنه لما أراد أن يسافر والسفينة على الشاطئ أتى بسفرته وأفطر، فهذا خلاف ما عليه عامة الصحابة رضي الله عنهم والله عز وجل يقول: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ}[النِّسَاء، من الآية: 43].
فهذا الرجل إن كان طالب علم، وفهم من هذا الحديث أنه جائز له فليس عليه شيء، مع أني أرى أن الواجب على طلبة العلم الصغار ألا يتسرعوا في إفتاء أنفسهم؛ لأنهم ليس عندهم إدراك للترجيح بين الأدلة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/345) - ف(314)
هل يمسك المسافر بقية يومه إذا وصل إلى بلده ؟
مسافر أفطر في سفره وعندما يصل إلى محل إقامته: أيمسك أم ليس عليه حرج في الأكل ؟ وما الدليل ؟
الفطر في السفر رخصة جعلها الله توسعة لعباده، فإذا زال سبب الرخصة زالت الرخصة معه، فمن وصل إلى بلده من سفره نهاراً وجب عليه أن يمسك؛ لدخوله في عموم قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البَقَرَة، من الآية: 185].
__________
(1) …الصواب: عن أبي بَصْرَة الغفاري رضي الله عنه؛ انظر: مسند أحمد (6/398)، وأبو داود (2412)، وابن خزيمة (2040)، والدارمي (1713)، والطبراني في «الكبير» (2169، 2170)، والبيهقي في «الكبرى» (7967). وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2109).
…وأما المروي عن أنس رضي الله عنه: فليس فيه ذكر الفسطاط والسفينة والشاطئ؛ انظر: «سنن الترمذي» (799)، والدارقطني 2/187 (37)، والبيهقي في «الكبرى» (7969). وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (641).
(2) …الفُسْطاط - بضم الفاء وكسرها -: المدينة التي فيها مجتمع الناس، ويقال لمسر والبصرة: الفسطاط. وهو في الأصل: البيت من الشَّعر، أو الخيمة الكبيرة.(2/373)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/210)
لا يجب الإمساك على المسافر إذا أقام مؤقتاً أو وصل بلده نهاراً
إذا قدم المسافر لبلد غير بلده .. فهل ينقطع سفره ؟
إذا قدم المسافر لبلد غير بلده لم ينقطع سفره؛ فيجوز له الفطر في رمضان وإن بقي جميع الشهر، أما إذا قدم إلى بلده وهو مفطر فإنه لا يجب عليه الإمساك، فله أن يأكل ويشرب بقية يومه؛ لأن إمساكه لا يفيده شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليه، هذا هو القول الصحيح، وهو مذهب مالك والشافعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله؛ لكن لا ينبغي له أن يأكل ويشرب علناً.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/99)
كم يوماً يترخص المسافر المقيم مؤقتاً ؟
هل يجوز الفطر للمسافر خلال سفره في مكثه أياماً في بلد كما يقصر الصلاة فيها أو لا ؟
نعم؛ يجوز له الفطر في السفر - كما جاز له قصر الصلاة في حال السفر وحال الإقامة في بلدٍ إقامةً لا تقطع حكم السفر؛ وهي إقامة أربعة أيام أو أقل، فإن أقام أكثر من ذلك بنية الإقامة أَتَمَّ الصلاة ووجب عليه الصوم عند أكثر أهل العلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/211، 212)
حكم جماع المسافر في نهار رمضان
رجل مسافر يجوز له الفطر في رمضان، جامع زوجته وهي صائمة، فهل عليه كفارة في ذلك ؟ وكيف تكفر هي عن ذلك على الرغم من أنها أكرهت من قبل زوجها ؟
أرى أنه لا كفارة عليه إذا كان مسافراً سفر قصر يبيح له الفطر؛ فإنه إذا أبيح الفطر بالأكل في نهار رمضان جاز الوطء في النهار، فإذا صامت المرأة جاز إفطارها لذلك؛ وحيث إنها والحال هذه مكرهة فأرى أنه لا إثم ولا كفارة، والله الموفق .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى الصيام، جمع محمد المسند، ص (41)
متى يجوز الإفطار للمريض ؟(2/374)
أعاني من مرض بكليتي وقد نصحني الأطباء بالإفطار، وأنا لا أطاوع كلامهم فأصوم فيزداد ألمي؛ فهل علي حرج لو أفطرت ؟ وما كفارة ذلك ؟
متى كان الصوم يشق عليك ويزيد في المرض، ونصحك طبيب مسلم معروف بالإصابة وأخبرك بأن الصيام يضر بالصحة ويزيد في الألم وأن على نفسك خطراً: فإنه يجوز لك أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليك؛ لعدم التمكن من القضاء؛ لكن لو قدر زوال المرض وسلامتك وعودة الصحة فإنك بعد ذلك تصوم الشهر المستقبل كغيرك، ولا يلزمك قضاء السنوات الماضية التي أفطرتها وكفرت عن الإفطار.
الشيخ ابن جبرين - فتاوى الصيام جمع محمد المسند ص، (19)
صفة الطبيب الذي يأمر المريض بالإفطار
الدكتور الذي يأمر بالإفطار .. هل يسمع أي دكتور كان ؟ أم يشترط فيه أن يكون مسلمًا ؟
إذا كان الطبيب متخصصًا في المهنة وصادقًا فيها، وقال للمريض: إن الصوم يضرك - فإنه يفطر؛ ولو كان الطبيب غير مسلم إذا لم يوجد غيره؛ وخصوصًا إذا كان المريض بحاجة إلى الفطر.
الشيخ الفوزان - جامع الفتاوى الطبية، ص (195)…جمع وترتيب: د. عبدالعزبز بن فهد بن عبد المحسن
ما الحكم إذا طهرت المرأة بعد الفجر في رمضان ؟
إذا طهرت المرأة بعد الفجر مباشرة .. هل تمسك وتصوم هذا اليوم ويعتبر يوماً لها ؟ أم يجب عليها قضاء ذلك اليوم ؟
إذا انقطع الدم منها وقت طلوع الفجر أو قبله بقليل صح صومها وأجزأ عن الفرض، ولو لم تغتسل إلا بعد أن أصبح الصبح، أما إذا لم ينقطع إلا بعد أن تبين الصبح فإنها تمسك ذلك اليوم ولا يجزئها؛ بل تقضيه بعد رمضان. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى الصيام، جمع محمد المسند، ص (26)
حكم صيام العاجز والحامل والمرضع
أسأل فضيلتكم عن الإطعام للعاجز في رمضان: كالشيخ العاجز والمرأة العاجزة من كبر، ثم المريض الذي لا يشفى، ثم الحامل والمرضع التي إذا صامت نشف لبنها عن ابنها.(2/375)
أولاً: من عجز عن صوم رمضان لكبر سن كالشيخ الكبير والمرأة العجوز، أو شق عليه الصوم مشقة شديدة - رخص له في الفطر، ووجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً؛ نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك مما يطعمه أهله، وكذا المريض الذي عجز عن الصوم أو شق عليه مشقة شديدة ولا يرجى برؤه؛ لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[البَقَرَة، من الآية: 286]، وقوله {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحَجّ، من الآية: 78]، وقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البَقَرَة، من الآية: 184] قال ابن عباس رضي الله عنهما: (نزلت رُخْصَةً في الكبير والمرأة الكبيرة وهما لا يُطِيقان الصيام: أن يُفْطِرَا ويُطْعِما عن كلِّ يوم مسكيناً)(1) اهـ . والمريض الذي يعجز عن الصوم أو يشق عليه مشقة شديدة ولا يُرْجَى بُرْؤُهُ: حكمه حكم الشيخ الكبير الذي لا يقوى على الصوم.
ثانياً: أما الحامل التي تخاف ضرراً على نفسها أو على حملها من الصوم، والمرضع التي تخشى ضرراً على نفسها أو رضيعها من الصوم، فعليهما فقط أن يقضيا ما أفطرتا فيه من الأيام؛ كالمريض الذي يُرْجَى بُرْؤُهُ إذا أفطر.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/160)
حكم الإفطار لمجرد مشقة العمل
سمع خطيباً من أئمة المساجد في ثاني جمعة في رمضان المبارك أجاز الإفطار للعامل الذي أجهده العمل وليس له مورد غير عمله هذا: أن يطعم مسكيناً لكل يوم من أيام رمضان وحده ولو نقداً خمسة عشر درهماً؛ هذا مما دعاني لكتابة هذه الرسالة، وهل لهذا دليل صحيح من الكتاب والسنة ؟
__________
(1) …البخاري (4505) بلفظ قريب منه، وأبو داود (2318)، والبيهقي في «الكبرى» (7866)، وآخرون.(2/376)
لا يجوز للمكلف أن يفطر في نهار رمضان لمجرد كونه عاملاً؛ لكن إن لحق به مشقة عظيمة اضطرته إلى الإفطار في أثناء النهار فإنه يفطر بما يدفع المشقة ثم يمسك إلى الغروب ويفطر مع الناس ويقضي ذلك اليوم الذي أفطره. والفتوى التي ذكرتها ليست بصحيحة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/233)
حكم الإفطار لمشقة الامتحانات
تقول أنا امرأة أجبرتني الظروف على الإفطار ستة أيام من شهر رمضان؛ والسبب: ظروف الامتحانات؛ لأنها بدأت في شهر رمضان والمواد صعبة، ولولا إفطاري هذه الأيام لم أتمكن من دراسة هذه المواد نظراً لصعوبتها، أرجو إفادتي .. ماذا أفعل كي يغفر الله لي ؟
أولاً: إضافة الشيء إلى الظروف خطأ، والأولى أن يقال: اضطررت وما أشبه ذلك.
ثانياً: إفطارها في رمضان من أجل الاختبار أيضاً خطأ ولا يجوز؛ لأنه بإمكانها أن تراجع بالليل، وليس هناك ضرورة إلى أن تفطر، فعليها أن تتوب إلى الله عز وجل، وعليها القضاء؛ لأنها متأولة لم تتركها تهاوناً.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/84) - ف(39)
الفصل الرابع
القضاء والكفارات
هل يلزم التتابع في القضاء ؟
من فاته من رمضان صيام بعض الأيام وذلك لعذر؛ فهل يجب عليه أن يصومها متتابعة أم يجوز له أن يفرقها ؟
الصحيح أنه يجوز قضاؤها متفرقة؛ لأن الآية ليس فيها نص على التتابع، بل إن الله جل وعلا أطلق فيها؛ فدل على أنه يجوز أن يقضيها متفرقة.
ولكن الأفضل أن يقضيها متوالية؛ لأن ذلك حكاية الأداء، فإن الأيام التي أفطرها كانت متوالية فيقضيها متوالية .
الشيخ ابن جبرين، فتاوى الصيام، جمع راشد الزهراني، ص (124، 125)
من أفطر من غير عذر في رمضان فعليه القضاء
ما كفارة الرجل الذي أفطر متعمداً بغير عذر شرعي في رمضان ؟(2/377)
إن كان إفطار الرجل متعمداً بجماع فعليه القضاء والكفارة، مع التوبة إلى الله سبحانه؛ وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وعلى المرأة مثل ذلك إذا كانت غير مكرهة، وإن كان بأكل وشرب ونحوهما فعليه القضاء والتوبة، ولا كفارة عليه(1).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/355)
حكم قضاء من لم يَصُم رمضان سنوات عديدة
ما حكم المسلم الذي مضى عليه أشهر رمضان يعني سنوات عديدة بدون صيام مع إقامة بقية الفرائض وهو بدون عائق عن الصوم؛ أيلزمه القضاء إن تاب ؟
الصحيح أن القضاء لا يلزمه إن تاب؛ لأن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا تعمد الإنسان تأخيرها عن وقتها بدون عذر؛ فإن الله لا يقبلها منه، وعلى هذا فلا فائدة من قضائه، ولكن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ويكثر من العمل الصالح، ومن تاب تاب الله عليه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/87) - ف(41)
حكم الأكل أثناء أذان الفجر أو بعده بقليل
قال تعالى: {وَكُلُوا...} [البقرة، من الآية: 187 ]: ما حكم من أكمل سحوره وشرب ماء وقت الأذان أو بعد الأذان للفجر بربع ساعة ؟
إذا كان صاحب السؤال يعلم أن ذلك قبل تبين الصبح فلا قضاء عليه، وإن علم أنه تبين الصبح فعليه القضاء، أما إن كان لا يعلم هل كان أكله وشربه بعد تبين الصبح أو قبله فلا قضاء عليه؛ لأن الأصل بقاء الليل . ولكن ينبغي للمؤمن أن يحتاط لصيامه وأن يمسك عن المفطرات إذا سمع الأذان، إلا إذا علم أن هذا الأذان كان قبل الصبح.
اللجنة الدائمة - فتاوى الصيام، ص (33)
حكم من تسحر نهاراً ظاناً بقاء الليل
__________
(1) …أما حديث: «من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقض عنه صوم الدهر وإن صامه»؛ فهو حديث ضعيف. ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في «الفتح» (4/161).(2/378)
س1: استيقظت من النوم وكنت في حالة من غيبوبة من النعاس فذهبت مسرعاً إلى المطبخ وتناولت فوراً بعض الأكل الجاهز، وعندما بدأت في الأكل نظرت إلى الساعة فوجدتها الخامسة إلا ثلثاً صباحاً؛ الوقت الذي أذان الفجر عندنا في تبوك الساعة الرابعة والربع وفي نفس اللحظة أوقفت الأكل ولزمت الصوم، علماً بأنني قد أكلت ثلاث أو أربع ملاعق من الأكل؛ فهل يا سماحة الشيخ أقضي هذا اليوم أم أنه مجزئ ؟
ج1: إذا كان الأمر كما ذكر وجب عليك أن تقضي اليوم الذي أفطرته؛ لأن الأكل وقع منك بعد طلوع الفجر.
س2: في يوم آخر من هذا الشهر الكريم استيقظت من النوم في الليل، وشربت ماء كان بجانب فراشي وعدت إلى النوم بعد الانتهاء من الشرب، ثم استيقظت من النوم وإذ المصلون عائدون من صلاة الفجر والصبح واضح جداً، ففي هذه الحالة صرت أسأل نفسي: متى شربت ؟ هل هو قبل طلوع الفجر أو في أثنائه أو بعده ؟ لكوني كنت نائماً وأنعس، أما الشرب متأكد منه؛ فهل يا سماحة الشيخ أقضي هذا اليوم أم لا ؟
جـ2: إذا كان الأمر كما ذكر، فالأصل بقاء الليل وصيامك صحيح؛ إلا إذا تبين لك فيما بعد أن الشرب وقع منك بعد طلوع الفجر فيجب عليك قضاء هذا اليوم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/284)
حكم من ظن غروب الشمس فأفطر
إن شخصاً من الناس كان صائماً في شهر رمضان، فبعد العصر صار السحاب الكثيف - وكان في الصحراء فظن - أن الشمس غربت فأفطر ثم ظهرت الشمس، فما الحكم لصومه ؟ هل يواصل صوماً أم فسد صومه وعليه القضاء ؟ أم عليه كفارة ؟(2/379)
إذا كان الواقع كما ذكر فسد صومه، ووجب عليه الإمساك حتى تغيب الشمس، وعليه قضاء يوم مكان هذا اليوم في الصحيح من قولي العلماء؛ كما رواه هشام بن عروة عن فاطمة امرأته عن أسماء رضي الله عنها قالت: (أفطرنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم غيم ثم طلعت الشمس) قيل لهشام: فأمروا بالقضاء ؟ قال: بُدٌّ من قضاء(1). أخرجه البخاري وليس عليه كفارة، وهشام المذكور: هو هشام بن عروة بن الزبير؛ وهو من ثقات التابعين.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/289، 290)
حكم من أفطر أو لم يُمسك شكاً أو ظناً
من أكل شاكًّا في طلوع الفجر ثم تبين له أن الفجر قد طلع، وكذلك من أكل ظاناً أن الشمس غربت ثم تبين أنها لم تغرب، ومن أكل شاكًّا في غروب الشمس ثم تبين أنها لم تغرب؛ فما الحكم في هذه الحالات ؟ أفتونا مأجورين.
إذا شك في طلوع الفجر: هل طلع أم لا ؟ ثم أكل، ثم تبين بعد ذلك أنه قد طلع الفجر فلا قضاء عليه؛ سواء غلب على ظنه أن الفجر قد طلع أم لم يغلب؛ لأن الله يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البَقَرَة، من الآية: 187]؛ والأكل المأذون فيه ليس فيه إثم ولا قضاء.
__________
(1) …أحمد (6/346)، والبخاري (1959)، وأبو داود (2359)، وابن ماجه (1674). وتتمة الحديث عند البخاري: (.. وقال معمر: سمعت هشاماً يقول: لا أدري أقضوا أم لا). وقال الحافظ في شرحه (4/200): (وقد اختلف في هذه المسألة فذهب الجمهور إلى إيجاب القضاء) ثم سرد الخلاف.(2/380)
أما في غروب الشمس فإن أكل ظانًّا غروب الشمس ثم تبين أنها لم تغرب فلا قضاء عليه على القول الراجح؛ لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنهم أَفْطَرُوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في يومِ غَيْمٍ، ثم طلعتِ الشمس(1). ولم يؤمروا بالقضاء.
وأما إذا أكل شاكًّا في غروب الشمس ثم تبين أنها لم تغرب فإنه يجب عليه القضاء؛ لأن الأكل في هذه الحال - أي في حال الشك في غروب الشمس - حرام عليه، إذ لا يجوز له أن يفطر إلا إذا تيقن غروب الشمس، أو غلب على ظنه غروبها، وفي هذه الحال أي إذا أكل شاكًّا في غروب الشمس ثم تبين أنها لم تغرب يجب عليه القضاء، لأن فطره غير مأذون به.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/290) فتوى (263)
هل يعتمد على التقويم في الامساك ؟
بعض الأهل عندما كانوا يأكلون بعد أذان الفجر؛ ذكرت لهم أن ذلك لا يجوز فقالوا: ما في ذلك شيء. فما حكم هذه الأيام الماضية ؟
كلمة (ما في ذلك شيء) ليست حجة، لكن لو قالوا: ما طلع الفجر؛ مثل أن يكونوا في البر وليس حولهم أنوار، وقالوا: لم نشاهد الفجر؛ لأن بعض الناس الآن يشككون في التقويم الموجود بين أيدي الناس، يقولون: إنه متقدم على طلوع الفجر، وقد خرجنا إلى البر وليس حولنا أنوار، ورأينا الفجر يتأخر، حتى بالغ بعضهم وقال: يتأخر ثلث ساعة.
__________
(1) …أحمد (6/346)، والبخاري (1959)، وأبو داود (2359)، وابن ماجه (1674). وتتمة الحديث عند البخاري: (.. وقال معمر: سمعت هشاماً يقول: لا أدري أقضوا أم لا). وقال الحافظ في شرحه (4/200): (وقد اختلف في هذه المسألة فذهب الجمهور إلى إيجاب القضاء) ثم سرد الخلاف.(2/381)
لكن الظاهر أن هذا مبالغة لا تصح، والذي نراه أن التقويم الذي بين أيدي الناس الآن فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصة، يعني لو أكلت وهو يؤذن على التقويم فلا حرج، إلا إذا كان المؤذن يحتاط ويتأخر، فبعض المؤذنين - جزاهم الله خيراً - يحتاطون ولا يؤذنون إلا بعد خمس دقائق من التوقيت الموجود الآن، وبعض جهال المؤذنين يتقدمون في أذان الفجر، زعماً منهم أن هذا أحوط للصوم، لكنهم ينسون أنهم يهملون ما هو أشد من الصوم وهو صلاة الفجر؛ ربما يصلي أحد قبل الوقت بناء على أذانهم، والإنسان إذا صلى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام - ما صحت صلاته.
ثم هم - أعني هؤلاء المؤذنين قبل الفجر - يقولون: نحن نحتاط ..!
نقول: تحتاطون أكثر مما احتاط الله لعباده؛ إن الله تعالى يقول: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ}[البَقَرَة، من الآية: 187] فلابد أن تتبين الفجر. حتى التعبير القرآني لم يقل: حتى يطلع الفجر؛ بل قال: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ}؛ فأنتم الآن أذَّنتم ومنعتم عباد الله: ألا يأكلوا ولا يشربوا في هذه اللحظة؛ معناه: أنكم حرمتم على الناس ما أباح الله لهم، فيكون عليكم إثم من هذه الناحية أيضاً؛ حتى لو فرض أن الناس تمهلوا ولم يصلوا، فعليكم إثم من جهة أنكم منعتم عباد الله مما أحل الله لهم.
فالجهل داء قاتل، وبعض الناس يكون جاهلاً وينظر بعين الأعور، لا يرى إلا من جانب واحد، والجانب الثاني مهمل، وهذا غلط عظيم، ولذلك يجب على طلبة العلم أن ينبهوا الناس على هذه المسألة، وخصوصاً المؤذنين، ويقولون: اتقوا الله في عباد الله، كيف تؤذنون قبل الفجر وتمنعون عباد الله مما أحل الله لهم ؟! ربما يكون الإنسان قائماً من النوم وعطشان يريد أن يشرب، ولكن بورعه وتقواه لما سمع المؤذن أمسك، والمؤذن يؤذن قبل الفجر زعماً منه أن هذا هو الأحوط، فيحرم هذا الرجل المسكين من شربه الماء، فليس الاحتياط أن تتبع الأشد؛ بل الاحتياط الحقيقي أن تتبع ما جاءت به الشريعة.(2/382)
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/301) - ف (277)
عليَّ من الصيام القضاء الكثير .. فماذا أفعل ؟
عليَّ من الصيام القضاء الكثير: لا يقل عن ثلاثة أشهر تقريبًا .. فهل هذا لا يقضى إلا بالصوم ؟ أم هناك كفارة عنه تكون مقبولة عند الله ؟ وإذا كنت لا أعرف مساكين للكفارة مثلاً فماذا أفعل ؟
هذه الأعوام الثلاثة التي تركت الصيام فيها لابد أن نعرف السبب: فإن كنت تركتها متعمدة فإن ذلك ذنب عظيم، ولا ينفعك الآن إذا قضيتيه، ولكن عليك الآن أن تتوبي إلى الله، وتصلحي العمل، ومن تاب تاب الله عليه.
أما إذا كنتِ قد تركتها لجهل منك - كما يحصل لبعض النساء؛ حيث يعتقدن أن المرأة لا تصوم إلا إذا بلغت خمسة عشر عامًا، ولو أتاها الحيض مبكرًا، وهذا خطأ منهن - وفي مثل هذه الحال فإنك تقضين الصيام ويقبل منك ؛ لأنك تركته جاهلة، وتقضينها فورًا لأنه قد مضى عليها سنة، وقضاء رمضان على التراخي حتى يأتي رمضان الثاني، فلا يحل لمن عليه قضاء من رمضان أن يؤخر إلى رمضان آخر، فليتب إلى الله وليبادر بقضاء ما عليه. والله الموفق.
الشيخ ابن عثيمين - فقه العبادات، ص (198)
حكم من أخر القضاء إلى رمضان الثاني (للشيخ ابن عثيمين)
ما حكم من أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي ؟
تأخير القضاء رمضان إلى رمضان التالي لا يجوز على المشهور عند أهل العلم؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليَّ الصومُ من رمضان فلا أستطيع أن أَقْضِيَهُ إلا في شعبان (1)؛ وهذا يدل على أن لا رخصة بعد رمضان الثاني، فإن فعل بدون عذر فهو آثم، وعليه أن يبادر القضاء بعد رمضان الثاني. واختلف العلماء: هل يلزمه مع ذلك إطعام أو لا يلزمه ؟ والصحيح: أنه لا يلزمه إطعام؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البَقَرَة، من الآية: 185]، فلم يوجب الله سبحانه وتعالى سوى القضاء.
__________
(1) …البخاري (1950)، ومسلم (1146).(2/383)
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/378) - ف(357)
حكم من أخر القضاء إلى رمضان الثاني (للشيخ ابن جبرين)
من أخر قضاء رمضان إلى رمضان آخر ماذا عليه ؟
إذا كان لعذر؛ كأن يكون مريضاً أحد عشر شهراً وهو على فراشه ولم يستطع أن يصوم هذه المدة فليس عليه إلا القضاء، وأما إذا كان تفريطاً منه وإهمالاً وهو قادر فإن عليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم كفارة عن التفريط.
الشيخ ابن جبرين، فتاوى الصيام، جمع راشد الزهراني، ص (60)
جواز قضاء الصيام عن الميت
من مات وعليه قضاء أيام من رمضان .. فهل يصام عنه مطلقاً ؟ أم يقضي الأيام المنذورة فقط ؟
ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن القضاء خاص بالنذر؛ أما الفرض فإنه لا يقضى عن الميت، ولكن يتصدق من تركته عن كل يوم نصف صاع. واستدل الإمام أحمد رحمه الله بحديث: لا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ(1).
وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا فرق بين النذر والفرض، فكلاهما يقضى عن الميت؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ(2). أمّا الحديث الذي استدلّ به الإمام أحمد فإنه محمول على الأحياء؛ فإن الحي لا يجوز له أن يوكل غيره في العبادات إلا في بعض الحالات .
فالقول الصحيح - إن شاء الله: أن قضاء الصيام عن الميت عام في الفرض والنذر.
ابن جبرين - فتاوى الصيام، جمع راشد الزهراني، ص (124، 125)
كيف يقضى الصيام عن الميت ؟
__________
(1) …أخرجه موقوفًا عن ابن عمر رضي الله عنهما: مالك في «الموطأ» 1/303 (669)، وعبدالرزاق في «مصنفه» (16346)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (15122)، والبيهقي في «الكبرى» (8004).
- وأخرجه موقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنهما: النسائي في «الكبرى» (2918). وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في «التلخيص» (2/209) .
(2) …البخاري (1952)، ومسلم (1147) .(2/384)
هناك امرأة أنجبت في شهر رمضان منذ حوالي خمسين سنة ولم تقض صوم رمضان الشهر كاملاً؛ علماً أنها توفيت بعد الولادة بحوالي سنتين .. هل يجوز لأقربائها الصيام ؟ وهل له كفارة بعد هذه السنين ؟ وما مقدار كفارة الشهر كاملاً ؟
نعم .. يجوز لأوليائها أن يصوموا عنها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ مات وعليه صيامٌ صامَ عنه وَلِيُّه (1)، فإن لم يصوموا أطعموا عن كل يوم مسكيناً ولا تلزمهم كفارة للتأخير؛ لأن القول الراجح: أن تأخير القضاء إلى رمضان الثاني لا يوجب الكفارة؛ لعدم الدليل الذي يقتضي ذلك.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/394) - ف(372)
جماع الصائم لزوجته وما يترتب عليه
ماذا يجوز للصائم من زوجته الصائمة ؟
الصائم صوماً واجباً لا يجوز له أن يستعمل مع زوجته ما يكون سبباً لإنزاله، والناس يختلفون في سرعة الإنزال؛ فمنهم من يكون بطيئاً، وقد يتحكم في نفسه تماماً؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كان أَمْلَكَكُم لِإِرْبِهِ(2). ومنهم من لا يملك نفسه، ويكون سريع الإنزال، فمثل الأخير يحذر من مداعبة الزوجة ومباشرتها بقبلة أو غيرها في الصوم الواجب، فإذا كان الإنسان يعرف من نفسه أنه يملك نفسه فله أن يقبل وأن يضم حتى في الصوم الواجب، ولكن إياه والجماع؛ فإن الجماع في رمضان - ممن يجب عليه الصوم - يترتب عليه أمور خمسة:
الأمر الأول: الإثم.
الأمر الثاني: فساد الصوم.
الأمر الثالث: وجوب الإمساك؛ لأن كل من أفسد صومه في رمضان بغير عذر شرعي: فإنه يجب عليه الإمساك، وقضاء ذلك اليوم.
الأمر الرابع: وجوب القضاء؛ لأنه أفسد عبادة واجبة، فوجب عليه قضاؤها.
__________
(1) …البخاري (1952)، ومسلم (1147) .
(2) …البخاري (1927)، ومسلم (1106). ومعنى: «أمْلَكَكُم لِإِرْبِه»: أي أضبطكم لنفسه وشهوته.(2/385)
والأمر الخامس: الكفارة وهي أغلظ الكفارات: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
- أما إذا كان الصوم واجباً في غير نهار رمضان - كقضاء رمضان وصوم الكفارة ونحوها - فإنه يترتب على جماعه أمران:
الإثم والقضاء.
- وأما إذا كان الصوم تطوعاً وجامع فيه فلا شيء عليه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/342) - ف(310)
مسائل في كفارة الجماع في نهار رمضان
مما لا يخفى على الجميع أن حكم من جامع زوجته نهار رمضان عليه: عتق رقبة أو صيام شهرين متتاليين أو إطعام ستين مسكيناً .. والسؤال:
1 - إذا جامع الرجل زوجته أكثر من مرة وفي أيام متفرقة؛ هل يصوم عن كل يوم شهرين ؟ أم أن الشهرين تكفي عن كل ما جامع فيه من عدد الأيام ؟
2 - إذا كان لا يعلم أن من جامع زوجته عليه الحكم المذكور أعلاه، وإنما كان يعتقد أن كل يوم يجامع فيه زوجته يقضيه بيوم واحد فقط؛ فما الحكم في ذلك ؟
3 - هل على الزوجة مثلما على الزوج ؟
4 - هل يجوز أن يدفع فلوساً بدلاً من الإطعام ؟
5 - هل يجوز أن يطعم مسكيناً واحداً عنه وعن زوجته ؟
6 - فيما لو لم يجد أحداً يطعمه .. هل يجوز أن يدفعها فلوساً لإحدى الجمعيات الخيرية مثل جمعية البر بالرياض، أو إحدى الجمعيات الأخرى ؟
من يجب عليه الصوم:
أولاً: إذا جامع زوجته نهاراً في رمضان مرة أو مرات في يوم واحد فعليه كفارة واحدة؛ إذا كان لم يكفر عن الأولى، وإذا جامع في أيام من رمضان نهاراً فعليه كفارات على عدد الأيام التي جامع فيها.
ثانياً: تجب عليه الكفارة بالجماع ولو كان جاهلاً؛ أنه تلزمه الكفارة بالجماع.
ثالثاً: على الزوجة الكفارة بالجماع كذلك إذا كانت مطاوعة لزوجها في ذلك؛ أما المكرهة فلا شيء عليها.
رابعاً: لا يجوز أن يدفع فلوساً عن الإطعام، ولا يجزئه ذلك.(2/386)
خامساً: يجوز أن يطعم مسكيناً واحداً نصف صاع عن نفسه ونصف صاع عن زوجته، ويعتبر ذلك واحداً من ستين مسكيناً عنهما جميعاً.
سادساً: لا يجوز دفعها إلى مسكين واحد، ولا إلى جمعية البر أو غيرها؛ لأنها قد لا توزعها على ستين مسكيناً، والواجب على المؤمن أن يحرص على براءة ذمته من الكفارات وغيرها من الواجبات.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/320-322)
هل تتكرر الكفارة بتكرر الجماع ؟
إذا تعدد الجماع في يوم، أو في شهر رمضان .. فهل تتعدد هذه الكفارة ؟
المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه إذا تعدد في يوم ولم يكفر عن الجماع الأول - كفاه كفارة واحدة، وإن تعدد في يومين لزمه لكل يوم كفارة؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/346) - ف(315)
حكم من جامع ظاناً بقاء الليل
رجل واقع أهله في ليلة رمضان ظاناً أن الفجر؛ لم يطلع، ولكن بعد انتهاء وطره خرج من الغرفة فتبين له أنه جامع بعد الفجر ندم وأتم صومه، ولكنه يشعر بالإثم. ويقول: ماذا يترتب على فعله ؟
إذا كان الواقع كما ذكر فعليه قضاء يوم عن ذلك اليوم إذا كان تبين له أن جماعه حصل بعد وجوب الإمساك بطلوع الفجر، وعليه كفارة وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً؛ لتساهله في معرفة طلوع الفجر، وكذلك الزوجة إذا كانت غير مُكْرَهَة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/317)
حكم من جامع جهلاً في نهار رمضان
جامع امرأته في نهار رمضان جهلاً منه .. فما الحكم في ذلك ؟(2/387)
إذا جامع زوجته في نهار رمضان؛ يظن أن الجماع لا بأس به - فلا حرج عليه لا إثم ولا كفارة ولا قضاء؛ لأن القاعدة: أن كل من فعل محظوراً في العبادة ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البَقَرَة، من الآية: 286] فقال الله تعالى: قد فَعَلْت (1)، ولقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزَاب، من الآية: 5].
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/340)
حكم من جامع ولم يُنْزِل
رجل جامع زوجته في نهار رمضان بدون إنزال، وكان يعتقد أن الكفارة على الإنزال؛ أي: يعلم أن الجماع بإنزال عليه الكفارة، ولكن لا يعلم أن الجماع بدون إنزال حرام !!
إذا كان هذا اعتقاده فإنه لا شيء عليه ولا قضاء؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البَقَرَة، من الآية: 286].
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (19/343)
حكم من جامع وهو صائم صوم قضاء
شخص كان يقضي يوماً عليه من رمضان في شوال 1410هـ فتعرضت له زوجته وهي غير صائمة، فلم يتمالك حتى واقعها، أفتونا مأجورين.
يجب على من أفطر في غير رمضان بجماع أن يقضي بدل ذلك اليوم الذي أفسده بالجماع، ولا كفارة عليه؛ لأن جماعه لم يقع في رمضان، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، وهكذا الزوجة عليها التوبة من ذلك؛ لأنها تسببت في إفطارك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/319)
الفصل الخامس
صوم النوافل والتراويح والاعتكاف
هل يفطر المتطوع مجاملة لأقاربه ؟
__________
(1) …هو جزء من حديث: أخرجه مسلم (126).(2/388)
رجل اعتاد أن يصوم الإثنين والخميس وغيرها من الأيام التي يستحب فيها الصوم؛ فما هو الأفضل له إذا وافق يوم صومه مناسبةً عائلية كاجتماع الأسرة على طعام لديه أو دعي لحضور طعام: هل الأفضل له الفطر ومشاركة أهله وجماعته مناسبتهم تلك ؟ أم يحافظ على عادته ويعتذر لهم ؟
في هذه الحال ينظر إلى المصلحة من الإفطار أو الصيام؛ فإن ترتب على صيامه ضرر كسخط أقاربه أو سوء ظنهم به - فله أن يفطر؛ فالمتطوع أمير نفسه، وفي الفطر إجابة دعوتهم ومؤانستهم وجمع قلوبهم، وتوطيد المحبة والمودة بينهم. أما إن كانوا يعذرونه ولا يسيؤون به الظن، ولا يهمهم إفطاره أو صيامه؛ فالأفضل له إتمام صيامه - لقوله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[محَمَّد، من الآية: 33]، ومتى أبيح له الإفطار إذا دعي إلى وليمة أو استضاف أصدقاءه فأكل معهم، فالمستحب أن يقضي يوماً مكان ذلك اليوم؛ من باب المحافظة على الأعمال.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 2/11/1423هـ
اعتاد صيام يوم معين ثم سافر فيه مفطرًا .. فهل يؤجر على ذلك اليوم ؟
رجل اعتاد أن يصوم الإثنين والخميس ثم إنه ينوي السفر ظهر يوم الخميس ولم يبيت النية لصوم ذلك اليوم؛ إلا أنه وفي الصباح بقى ممسكًا عن الطعام والشراب، ثم أفطر قبل أن يسافر بسويعات ثم سافر؛ فهل يكتب له أجر صوم ذلك اليوم الذي اعتاد صيامه في الحضر ؟
جاء في حديث مرفوع : «إذا مَرِضَ العَبْدُ أو سافر كتبَ الله لَهُ ما كان يعملُه صحيحًا مُقيمًا»(1)؛ فهذا الرجل له أجر على نيته، ولكن لا يعد ذلك اليوم من أيام صيامه ولو أمسك أول النهار؛ فإن الصائم هو الذي يمسك النهار كله إلى الغروب مع النية. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه
حكم صيام ستة أيام من شوال
__________
(1) …البخاري (2996)؛ باختلاف يسير.(2/389)
ماذا ترى في صيام ستة أيام بعد رمضان من شهر شوال ؟ فقد ظهر في موطأ مالك: أن الإمام مالك بن أنس قال في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: أنه لم ير أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه. هذا الكلام في الموطأ الرقم (228) الجزء الأول.
ثبت عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مَنْ صَامَ رمضان ثم أَتْبَعَهُ سِتًّا من شَوَّال فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْر (1)؛ رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي، فهذا حديث صحيح يدل على أن صيام ستة أيام من شوال: سُنَّة، وقد عمل به الشافعي وأحمد وجماعة من أئمة العلماء، ولا يصح أن يقابل هذا الحديث بما يعلل به بعض العلماء لكراهة صومها من خشية أن يعتقد الجاهل أنها من رمضان، أو خوف أن يظن وجوبها، أو بأنه لم يبلغه عن أحد ممن سبقه من أهل العلم أنه كان يصومها؛ فإنه من الظنون، وهي لا تقاوم السنة الصحيحة، ومن علم حجة على من لم يعلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/389، 390)
حكم تقديم السِّت من شوال على القضاء
هل من صام ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان إلا أنه لم يكمل صوم رمضان؛ حيث قد أفطر من شهر رمضان عشرة أيام بعذر شرعي؛ هل يثبت له ثواب من أكمل صيام رمضان وأتبعه ستاً من شوال، وكان كمن صام الدهر كله ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
__________
(1) …أحمد (5/417، 419)، ومسلم (1164)، وغيرهما.(2/390)
تقدير ثواب الأعمال - التي يعملها العباد لله - هو من اختصاص الله جل وعلا، والعبد إذا التمس الأجر من الله جل وعلا واجتهد في طاعته فإنه لا يضيع أجره؛ كما قال تعالى: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}[الكهف، من الآية: 30]، والذي ينبغي لمن كان عليه شيء من أيام رمضان أن يصومها أولاً ثم يصوم ستة أيام من شوال؛ لأنه لا يتحقق له اتباع صيام رمضان لست من شوال إلا إذا كان قد أكمل صيامه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/392)
حكم إفراد صيام يوم عاشوراء
س1: هل يجوز إفراد صيام يوم عاشوراء ؟ وما حكم من صام بدون يوم بعده أو يوم قبله ؟
ج 1: لا بأس بإفراد صوم يوم عاشوراء؛ لأن أكثر الأحاديث وردت في صوم يوم عاشوراء؛ كحديث أبي قتادة رضي الله عنه في صحيح مسلم: صَومُ يومِ عَاشُوراء يُكَفِّرُ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ (1)، والأفضل: أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده حتى تحصل مخالفة اليهود التي هي مقصود شرعي للشارع.
س2: هل يلزم التتابع في صيام يوم عاشوراء ؟
ج2: نعم؛ من صام يوم عاشوراء فليصم التاسع والعاشر متتابعين، فإن صام بعده صام العاشر والحادي عشر متتابعين، ولا يجزي صوم التاسع والحادي عشر وترك العاشر، ولا يصام عن العاشر غيره من وسط الشهر، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه في 12/1/1423هـ
حكم إهداء ثواب الصيام للميت
هل يجوز إهداء ثواب الصيام للميت ؟
النفل المطلق؛ الصحيحُ: أنه يجوز صيامه وإهداء ثوابه للميت ويصل إليه الثواب - إن شاء الله .
الشيخ ابن جبرين، فتاوى الصيام، جمع راشد الزهراني، ص (124)
حكم صلاة التراويح
نطلب من سماحتكم إفتاءنا عن صلاة التراويح: هل هي سنة مشروعة أو بدعة ؟
__________
(1) …مسلم (1162).(2/391)
التراويح سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفعل الصحابة لها مشهور، وتلقته الأمة عنهم خلفاً بعد سلف. وأول من جمعهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الليل: عمر رضي الله عنه، وهو خليفة راشد، ولا ينكر التراويح إلا أهل البدع من الرافضة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/194)
عدد ركعات التراويح
ما قول السادة الفقهاء أئمة الدين في صلاة التراويح: هل هي عشرون ركعة سنة أم ثمان ركعات سنة ؟ وإذا كانت السنة ثمان ركعات فلماذا تصلى عشرين ركعة في المسجد النبوي الشريف ؟ كما سمعنا بأنها تصلى عشرين ركعة وعامة الناس يستدلون بذلك على أن السنة عشرون ركعة.(2/392)
صلاة التراويح سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد دلت الأدلة على أنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة؛ وقد سأل أبو سلمة عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ فقال يا عائشة: إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبي (1) متفق عليه، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في بعض الليالي ثلاث عشرة ركعة؛ فوجب أن يحمل كلام عائشة رضي الله عنها في قولها (ما كان يزيد - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) على الأغلب جمعاً بين الأحاديث، ولا حرج في الزيادة على ذلك، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحدد في صلاة الليل شيئاً؛ بل لما سئل عن صلاة الليل قال: مَثْنَى مَثْنَى؛ فإذَا خَشِيَ أَحَدُكُم الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً واحِدَة تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى (2) متفق عليه، ولم يحدد إحدى عشرة ركعة ولا غيرها، فدل على التوسعة في صلاة الليل في رمضان وغيره.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/194-196)
هل يجوز أداء صلاة التراويح في البيت ؟
عندما يمر شهر رمضان وحان وقت صلاة التراويح .. هل أذهب إلى المسجد أم أصلي في بيتي ؟ وأنا لست إماماً ولكن مأموم وأحب أن أقرأ القرآن، وأفضل قراءتي على استماعي، وإذا صليت في بيتي هل فيه ذنب علي ؟ نقصد صلاة التراويح فقط.
__________
(1) …«موطأ مالك» 1/120 (263)، والبخاري (1147) وأطرافه عنده، ومسلم (738).
(2) …البخاري (472، 990)، ومسلم (749).(2/393)
لا حرج عليك في صلاتها في البيت لكونها نافلة؛ لكن صلاتها مع الإمام في المسجد أفضل؛ تأسياً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه - لما صلى بهم التراويح في بعض الليالي إلى ثلث الليل وقال له بعضهم: لو نفلتنا بقية ليلتنا-: مَنْ قَامَ مع الإمام حتى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَة (1) رواه أحمد وأصحاب السنن بإسناد حسن، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/201، 202)
حكم القراءة من المصحف في التراويح
ما حكم قراءة القرآن الكريم في المصحف في قيام رمضان ؟
__________
(1) …أحمد (5/159)، وأبو داوود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي (1365، 1606)، وابن ماجه (1327). وقال الترمذي: «حسن صحيح».(2/394)
اختلف أهل العلم في حكم ذلك: فكرهه بعضهم وأجازه جمهورهم؛ ففي كتاب «قيام الليل وقيام رمضان» للشيخ العلامة محمد بن نصر المروزي: عن ابن أبي مليكة: أن ذكوان أبا عمرو - كانت عائشة أعتقته عن دُبُرٍ - فكان يَؤُمُّها ومن معها في رمضان في المصحف(1). وسئل ابن شهاب عن الرجل يؤم الناس في رمضان في المصحف ؟ قال: ما زالوا يفعلون ذلك منذ كان الإسلام، كان خيارنا يقرؤون في المصاحِف(2). وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه: أنه كان يأمره أن يقوم بأهله في رمضان، ويأمره أن يقرأ لهم في المصحف ويقول: أسمعني صوتك. وعن أيوب عن محمد: أنه كان لا يرى بأساً أن يؤم الرجل القوم في التطوع يقرأ في المصحف، وقال عطاء في الرجل يؤم في رمضان من المصحف: لا بأس به. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: لا أرى بالقراءة من المصحف في رمضان بأساً؛ يريد القيام. وقال ابن وهب رحمه الله: سئل مالك رحمه الله عن أهل قرية ليس أحد منهم جامعاً للقرآن: أترى أن يجعلوا مصحفاً يقرأ لهم رجل منهم فيه ؟ فقال: لا بأس به.
__________
(1) …علقه البخاري في «صحيحه» - كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمَوْلى. ووصله ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7217). ومعنى (عن دُبُر) أي: تعليق عتق العبد بموت سيِّدِه. وسُمِّي ذلك تدبيراً لأنه يحصل العتق فيه في دبر الحياة.
(2) …انظر: «المغني» لابن قدامة (1/335).(2/395)
وفي «المنتهى» وشرحه ما نصه: (ولِمُصَلٍّ قراءة في المصحف ونظر فيه، أي: المصحف، قال أحمد: لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف، قيل له الفريضة ؟ قال: لم أسمع فيها شيئاً. وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال: كان خيارنا يقرؤون في المصاحف)(1). اهـ. وممن كره ذلك مجاهد وإبراهيم وسفيان، كرهوا أن يؤم الرجل القوم في رمضان في المصحف خشية تشبهه بأهل الكتاب؛ قال محمد ابن نصر في كتابه: «قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر» : (إنما كره ذلك قوم لأنه من فعل أهل الكتاب؛ فكرهوا لأَهْلِ الإسلام أن يتشبَّهُوا بهم)، وأجاب عن القول بالمشابهة بقوله: (وقراءة القرآن بعيدة الشبه من قراءة كتب الحساب والكتب الواردة؛ لأن قراءة القرآن من عمل الصلاة، وليست قراءة كتب الحساب من عمل الصلاة في شيء).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/204-206)
قضاء التراويح والأفضل للمرأة في موضع أدائها
هل يجوز للرجل أن يؤدي صلاة التراويح منفرداً إن فاتته مع الجماعة ؟ وهل صلاة المرأة التراويح في بيتها أفضل أو في المسجد ؟
يشرع للرجل ذلك، وصلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد؛ سواء كانت فريضة أم نافلة تراويح أم غيرها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/200، 201)
مشروعية التراويح في حق المسافر
ما رأيكم في المسافرين: هل الأفضل لهم أن يصلوا التراويح في رمضان أم لا ؟ (وهم يقصرون الصلاة).
__________
(1) …«شرح منتهى الإرادات» للبهوتي (1/211).(2/396)
قيام رمضان سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا أخذها عنه الصحابة رضوان الله عليهم وعملوا بها واستمرت إلى يومنا هذا، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلاها ليالي فصلوها معه ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر وقال: إني خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيكُم فَتَعْجِزُوا عنها (1)، وفي البخاري: أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح (2)، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن: أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت: (ما كان يزيدُ في رمَضانَ ولا فِي غَيْرِه على إِحْدَى عَشرةَ رَكْعَة)(3). أخرجه البخاري ومسلم في التهجد، وكان - صلى الله عليه وسلم - يسافر في رمضان، ومن ذلك سفره - صلى الله عليه وسلم - لفتح مكة، فقد خرج - صلى الله عليه وسلم - لِعَشْرٍ مضين من رمضان في سنة ثمان من الهجرة، قال ابن القيم(4): (ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة).
- وبذلك يتبين أنهم إذا صلوها في سفر فقد أصابوا السنة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/206)
مشروعية التراويح في البادية
نحن بادية لسنا في مدن؛ فهل تجوز علينا صلاة التراويح أم لا تجوز ؟
صلاة التراويح في شهر رمضان سنة بالنسبة لسكان الحضر وسكان البادية؛ دون فرق لعموم الأدلة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/200)
حكم الاعتكاف في غير رمضان
__________
(1) …البخاري (729، 924، 1129، 2012)، ومسلم (761).
(2) …البخاري (2010)، بنحوه.
(3) …البخاري (1147، 2013، 3569)، ومسلم (738).
(4) …«زاد المعاد» (1/324).(2/397)
هل يجوز الاعتكاف في أي وقت دون العشر الأواخر من رمضان ؟
نعم؛ يجوز الاعتكاف في أي وقت، وأفضله ما كان في العشر الأواخر من رمضان؛ اقتداءً برسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -: أنه اعْتَكَفَ في شوال (1)؛ في بعض السنوات.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/410)
شروط الاعتكاف ومحظوراته
س1: ما هي شروط الاعتكاف ؟ وهل الصيام منها ؟ وهل يجوز للمعتكف أن يزور مريضاً، أو يجيب الدعوة، أو يقضي حوائج أهله أو يتبع جنازة، أو يذهب إلى العمل ؟
ج1: يشرع الاعتكاف في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة، وإن كان المعتكف ممن يجب عليهم الجمعة ويتخلل مدة اعتكافه جمعة: ففي مسجد تقام فيه الجمعة أفضل، ولا يلزم له الصوم، والسنة ألا يزور المعتكف مريضاً أثناء اعتكافه، ولا يجيب الدعوة، ولا يقضي حوائج أهله، ولا يشهد جنازة، ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: السُّنة على المُعتكِف ألاَّ يَعُودَ مريضاً، ولا يشهدَ جنازةً، ولا يمَسَّ امرأة، ولا يُبَاشِرَها، ولا يَخْرُجَ لحاجةٍ إلا لِمَا لا بُدَّ منه(2).
س2: إذا أراد شخص أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان كلها في المسجد؛ فمتى يكون بدء دخوله المسجد ؟ ومتى يكون انتهاء اعتكافه ؟
جـ2: روى البخاري ومسلم رحمهما الله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يَعْتَكِفَ صلَّى الفجر ثم دخل مُعْتَكَفَهُ (3)، وينتهي مدة اعتكاف عشر رمضان بغروب شمس آخر يوم منه.
__________
(1) …البخاري (2033، 2034، 2041، 2045)، ومسلم (1173).
(2) …أبو داود (2473) واللفظ له، والدارقطني (2/201)، قال الألباني في «صحيح أبو داود» (2160): «حسن صحيح».
(3) …البخاري (2041))، ومسلم (1173) واللفظ له.(2/398)
س3: هل تعتبر غرفة الحارس وغرفة لجنة الزكاة في المسجد صالحة للاعتكاف فيها ؟ علماً بأن أبواب هذه الغرف في داخل المسجد.
جـ3: الغرف التي داخل المسجد وأبوابها مشرعة على المسجد لها حكم المسجد، أما إن كانت خارج المسجد فليست من المسجد وإن كانت أبوابها داخل المسجد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/410 - 412)
متى يبتدئ اعتكاف العشر الأواخر من رمضان ؟
متى يبتدئ الاعتكاف ؟ أفتونا مأجورين.
جمهور أهل العلم على أن ابتداء الاعتكاف من ليلة إحدى وعشرين لا من فجر إحدى وعشرين، وإن كان بعض العلماء ذهب إلى أن ابتداء الاعتكاف من فجر إحدى وعشرين؛ مستدلاً بحديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري: فلَمَّا صَلَّى الصُّبح دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ (1)، لكن أجاب الجمهور عن ذلك: بأن الرسول عليه الصلاة والسلام انفرد من الصباح عن الناس، وأما نية الاعتكاف فهي من أول الليل؛ لأن العشر الأواخر تبتدئ من غروب الشمس يوم عشرين.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (20/170) - ف(469)
متى يخرج معتكف العشر ؟
متى يخرج المعتكف من اعتكافه: أبعد غروب شمس ليلة العيد ؟ أم بعد فجر يوم العيد ؟
يخرج المعتكف من اعتكافه إذا انتهى رمضان، وينتهي رمضان بغروب الشمس ليلة العيد.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (20/170) - ف(470)
الباب التاسع
الحج والعمرة والذبائح
الفصل الأول :
فضل الحج
الفصل الثاني :
حكم الحج وشروطه
الفصل الثالث :
صفة الحج
الفصل الرابع :
النيابة عن الغير في الحج
الفصل الخامس :
من أحكام العمرة
الفصل السادس :
من أحكام الذبائح الفصل الأول…فضل الحج
الحج يُكفِّر كبائر الذنوب
__________
(1) …البخاري (2041)، ومسلم (1173) بنحوه.(2/399)
س1: قلنا عن الحج: إنه يكفر الذنوب، ويعود الحاج كيوم ولدته أمه. فالحديث الذي قال النبي (ص) فيه للصحابي الذي اشترط أن يغفر له ما سبق قال: «ألم تعلم أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الحج يهدم ما قبله»(1)؛ أفي هذا دليل على أن كبائر الذنوب كذلك تغفر بالحج ؟
ج1: ظاهر الحديث: مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ إذا أتى بهذا القيد رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّه (2)، وكذلك حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي أشرت إليه هو: أنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ ظاهره العموم؛ فهو يهدم كل شيء ما عدا الكفر، فلابد فيه من توبة.
س2: قال بعض علماء الحديث: إن كبائر الذنوب لا تغفر إلا بالتوبة.
ج2: يقال هذا ظاهر الحديث، وليس لنا أن نعدو الظاهر إلا بدليل، وهذا الذي ذكره السائل ذكره بعض العلماء، قالوا: إذا كانت الصلوات الخمس لا تكفر إلا إذا اجتنبت الكبائر، وهي أعظم من الحج وأحب إلى الله، فالحج من باب أولى، لكن نقول: هذا ظاهر الحديث: ولله تعالى في حكمه شؤون، والثواب ليس فيه قياس، والحمد لله أنت احتسب على ربك هذا؛ فلعل الله عز وجل أن يؤتيك إياه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/40)
حكم ترك حج النافلة توسعةً على المسلمين
تتوق النفس للحج ؛ ولكن نسمع كلمات من الناس لا ندري أهي صحيحة أم لا ؟
يقولون: من حج فليترك المجال لغيره؛ مع أننا نعلم أن الله عز وجل أمرنا بالتزود .. فهل هذا القول صحيح ؟ وإذا كان ذهاب الإنسان للحج ربما نفع الله به عدداً كبيراً؛ سواء ممن يقدم إلى هذه البلاد أو من يصاحبهم من بلاده هو .. فما تقولون وفقكم الله ؟
__________
(1) …مسلم (121).
(2) …البخاري (1521)، ومسلم (1350).(2/400)
نقول: إن هذا القول ليس بصحيح؛ أعني القول بأن من حج فرضه فليترك فرصة لغيره؛ لأن النصوص دالة على فضيلة الحج، وقد روي عن النبي (ص) أنه قال: تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمرة؛ فإنهما يَنْفِيَانِ الفَقْرَ والذُّنوب كما يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحديد والذَّهَبِ والفِضَّة(1).
والإنسان العاقل يمكن أن يذهب إلى الحج ولا يؤذي ولا يتأذى إذا كان يسايس الناس؛ فإذا وجد مجالاً فسيحاً أسرع، وإذا كان المكان ضيقاً عامل نفسه وغيره بما يقتضيه هذا الضيق؛ ولهذا كان النبي (ص) حين دَفَعَ من عرفة يأمر الناس بالسكينة، وشَنَقَ لناقتِهِ الزِّمَام - يعني جَذَبَهُ - حتى إن رأسها لَيُصِيب مَوْرِكَ رَحْلِه مِنْ شِدَّةِ جَذْبِهِ للزِّمام؛ لكنه إذا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ(2). وقال العلماء: يعني إذا وجد مُتَّسَعًا أسرع . فدل هذا على أن الحاج ينبغي له أن يتعامل مع الحال التي هو عليها؛ إذا وجد الضيق فليتأنّ وليسايس الناس في مشيه؛ وبهذا لا يتأذى ولا يؤذي .
والذي نراه في هذه المسألة: أن الإنسان يحج ويستعين بالله تعالى على هذا الحج، ويقوم بما يلزمه من واجبات، ويحرص على ألا يؤذي أحداً ولا يتأذى بقدر المستطاع . نعم؛ لو فرض أن هناك مصلحة أنفع من الحج: كأن يكون بعض المسلمين محتاجاً إلى الدراهم للجهاد في سبيل الله، فالجهاد في سبيل الله أفضل من حج التطوع، وحينئذ يصرف هذه الدراهم إلى المجاهدين في سبيل الله؛ أو كانت هناك مَسْغَبة - أي: جوع شديد - على المسلمين، فهنا صرف الدراهم في إزالة المسغبة أفضل من الحج بها .
ابن عثيمين - اللقاء الشهري، (16/18)
__________
(1) …أحمد في «المسند» (1/25،387)، والترمذي (810)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب»، والنسائي (2629، 2630)، وابن ماجه (2887).
(2) …البخاري (1666، 2999، 4413)، ومسلم (1218، 1286). ومعنى (نَصَّ): أسَرع. ومَوْرِكُ الرَّحل: الموضع الذي يضع الراكب رجله عليها ليستريح من وضع رِجله في الرِّكاب.(2/401)
هل لقبول الحج والعمرة علامات ؟
هل هناك علامات يمكن أن تظهر على المقبولين في أداء الحج والعمرة ؟
قد تكون هناك علامات لمن تقبل الله منهم من الحجاج والصائمين والمتصدقين والمصلين: وهي انشراح الصدر، وسرور القلب، ونور الوجه؛ فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها؛ بل على ظاهره وباطنه أيضاً، وذكر بعض السلف أن من علامة قبول الحسنة: أن يوفق الإنسان لحسنةٍ بعدها، فإن توفيق الله إياه لحسنة بعدها يدل على أن الله عز وجل قبل عمله الأول، ومنَّ عليه بعمل آخر، ورضي به عنه .
ابن عثيمين، دليل الاخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر، ص (115)
الفصل الثاني…حكم الحج وشروطه
هل يجب الحج على المستطيع على الفور ؟
هل وجوب الحج على الفور أم على التراخي ؟
الصحيح أنه واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج بيت الله الحرام أن يؤخره، وهكذا جميع الواجبات الشرعية؛ إذا لم تُقيّد بزمن أو سبب، فإنها واجبة على الفور.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/13) - س (3)
هل تشرع الاستخارة للحج ؟
هل تستحب الاستخارة في الحج ؟ وما هي الأشياء التي تستحب فيها الاستخارة ؟
الاستخارة مشروعة في كل أمر يتردد فيه الإنسان؛ فمثلاً إذا تردد: هل يحج هذا العام أم لا يحج ؟ فله أن يستخير. إذا قلنا: إن الحج ليس واجباً على الفور، أما إذا قلنا: إنه واجبٌ على الفور؛ فالواجب عليه أن يحج بدون استخارة، كذلك أيضاً الأمور التي لا تحتاج إلى استخارة؛ مثل: إذا هم الإنسان أن يصلي، أو إذا أراد أن يتغدى فلا يصلي استخارة؛ وإنما الاستخارة فيما إذا كان الإنسان في تردد، ولهذا يقول في دعاء الاستخارة: (اللهم إِنْ كُنتَ تَعلمُ أنَّ هذا الأمرَ خيرٌ لي فَاقْدُرْهُ لِي ويسِّرْهُ لي)(1).
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/26) س (16)
جزاء من استطاع الحج فلم يحجّ
__________
(1) …جزء من حديث جابر عن عبدالله رضي الله عنهما: البخاري (1162، 6382، 7390).(2/402)
س1: قال رسول الله (ص) «من استطاع الحج ولم يحج فَلْيَمُتْ إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا»(1) ما معنى ذلك ؟ جزاكم الله خيراً.
ج1: هذا الحديث في صحته نظر، والمعنى (إن صح الحديث): أنه إذا مات فإنه يخشى أن يكون كافراً: إما مع اليهود، وإما مع النصارى.
س2: ما معنى قول الله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عِمرَان، من الآية: 97] تعقيباً على الأمر بالحج ؟
ج2: عبَّر الله تعالى بقوله: ُ ن م ل ك ق ف 9 ِ ؛ لأنه لم يلتزم بأركان الإسلام. والكفر يطلق على ما دون الشرك، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِم كُفْر: الطَّعْنُ في النَّسَب، والنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّت (2) ، وبالاتفاق أن هذا لا يخرج من الدين، والذي جعلنا نرجح هذا أن عبدالله بن شقيق رحمه الله وهو من كبار التابعين المعروفين قال: ما كان أصحاب النبي (ص) يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة(3).
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/23) س (11، 12)
أيهما أولى: الحج أم الزواج ؟
رجل يريد أن يحج ولم يتزوج فأيهما يقدم ؟
يقدم النكاح إذا كان يخشى المشقة في تأخيره؛ مثل أن يكون شاباً شديد الشهوة، ويخشى على نفسه المشقة فيما لو تأخر زواجه، فهنا نقدم النكاح على الحج، أما إذا كان عادياً ولا يشق عليه الصبر فإنه يقدم الحج، هذا إذا كان حج فريضة، أما إذا كان حج تطوع فإنه يقدم النكاح بكل حال، ما دام عنده شهوة وإن كان لا يشق عليه تأجيله؛ وذلك لأن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة، كما صرح بذلك أهل العلم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/72) - س (70)
هل تجزئ الحجة قبل البلوغ عن الفريضة ؟
__________
(1) …الترمذي (812) بنحوه، وقال: «هذا حديث غريب»، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (5860).
(2) …مسلم (67).
(3) …الترمذي (2622).(2/403)
إذا حج الصبي قبل أن يبلغ ثم بلغ .. هل يلزمه أن يحج مرة أخرى ؟
لا تجزئه الحجة الأولى؛ بل لابد أن يحج مرة ثانية؛ لأن الحجة التي وقعت منه أولاً وقعت على أنها نفل، لا على أنها فرض، وحج الإسلام حج فرض، فيجب عليه أن يعيد الحجة مرة ثانية، والأولى تكون تطوعاً.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/78) - س (79)
كيفية الحج بالطفل أو الصبي
نويت الحج في هذا العام ولي ابن صغير عمره عامان نريد أن يحج معنا؛ فهل يجوز أن ينوي له والده ويحمله أثناء الطواف والسعي ؟ أم يطوف والده ويسعى ثم يطوف ويسعى عن الابن ؟
الذي أرى أنه في هذا العصر لكثرة الحجاج ومشقة الزحام ألا يعقد الإحرام للصغار؛ لأن هذا الحج الذي يحجونه ليس مجزياً عنهم، فإنهم إذا بلغوا وجب عليهم أن يعيدوه وهو سنة، يعني فيه أجر لولي الصبي، ولكن هذا الأجر الذي يرتقبوه قد يفوتون به أشياء كثيرة أهم؛ لأنه سيبقى مشغولاً بهذا الطفل في الطواف وفي السعي، ولا سيما إذا كان هذا الطفل لا يميز فإنه لا يجوز له أن يحمله في طوافه ناوياً الطواف عن نفسه وعن هذا الصبي؛ لأن القول الراجح في مسألة حمل الأطفال في أثناء الطواف والسعي: أنهم إذا كانوا يعقلون النية وقال لهم وليهم: انوُوا الطواف. انوُوا السعي؛ فلا بأس أن يحملهم حال طوافه وسعيه، وأما إذا كانوا لا يعقلون النية فإنه لا يجزئه أن يطوف بهم وهو يطوف عن نفسه، أو يسعى بهم وهو يسعى عن نفسه؛ لأن الفعل الواحد لا يحتمل نيتين لشخصين.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/79) - س (80)
حكم حج المَدِين
س1: إذا كان على الإنسان دَيْن ورغب الحج واستسمح صاحب الدين؛ فهل يحج ؟
ج1: إذا استسمح صاحب الدين فإن الحج ليس واجباً عليه؛ لأن صاحب الدين سوف يطالبه به، غاية ما هنالك أن صاحب الدين يسمح له أن يقدم الحج فقط، فنقول: حتى لو سمح لك: فالمسألة ليست تحريم المغادرة من أجل حق الدائن؛ المسألة إبراء الذمة قبل أن يحج.(2/404)
س2: هل الدَّين يمنع من الحج ؟ وإذا كان مانعاً من الحج فما الحكم بالنسبة لديون البنوك الطويلة لا سيما بنك التسليف التي ربما تستغرق العمر كله ولا نستطيع سدادها ؟
ج2: الدَّين إذا كان حالاً فإنه مقدم على الحج؛ لسبقه وجوب الحج فيوفي الدين ويحج، وإذا لم يكن عنده شيء بعد وفاء الدين ينتظر حتى يغنيه الله، وإذا كان مؤجلاً نظامياً: فإن كان الإنسان واثقاً من نفسه أنه إذا حَلَّ الأجل يسدده - فإن الدين هنا لا يمنع وجوب الحج؛ سواءً أذن له الدائن أم لم يأذن، وإن كان لا يضمن القدرة على الوفاء فإنه ينتظر حتى يحل الأجل. وبناءً على ذلك نقول: من عنده دين لصندوق التنمية العقارية - إذا كان يعلم من نفسه أنه إذا حَلَّ الأجل أوفى - يجب عليه الحج ولو كان عليه دين.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/91) - س (95، 96)
هل يجب على الزوج الحج بزوجته ؟
لي زوجة ولم تحج .. فهل يلزمني أن أحج بها ؟ وهل تلزمني نفقتها في الحج ؟ وإذا لم يجب عليَّ فهل يسقط عنها ؟
إن كانت الزوجة قد اشترطت عليه في العقد أن يحج بها وجب عليه أن يوفي بهذا الشرط وأن يحج بها؛ لقول النبي (ص): إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا به ما اسْتَحْلَلْتُم بِهِ الفُرُوج (1)، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المَائدة، من الآية: 1]، وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}[الإسرَاء، من الآية: 34] أما إذا لم تشترط عليه ذلك، فإنه لا يلزمه أن يحج بها، ولكني أشير عليه أن يحج بها؛ لأمور:
أولاً:…طلباً للأجر؛ لأنه يكتب له من الأجر مثل ما كتب لها، وهي قد أدت فريضة.
ثانياً:…أن ذلك سبب للألفة بينهما، وكل شيء يوجب الألفة بين الزوجين فإنه مأمور به.
__________
(1) …البخاري (2721،5151)، ومسلم (1418).(2/405)
ثالثاً:…أنه يمدح ويثنى عليه بهذا العمل، ويقتدى به، فليستعن بالله ويحج بزوجته؛ سواء شرطت عليه أم لم تشترط. وأما إذا اشترطت فيجب عليه أن يوفي به.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/115) - س (137)
هل تجب على الأب نفقة حج أولاده ؟
رجل لديه أبناء ذكور وإناث مكلفون وليس لديهم الاستطاعة المالية؛ فهل يلزم والدهم أن ينفق عليهم ما يكفيهم لأداء الحج ؟ أم ينتظرون حتى يكون لديهم الاستطاعة بأنفسهم ؟
لا يلزم الوالد أن يحج بأولاده ولو كان عنده مال كثير؛ لأن هذا دين، فإن تحقق فيهم الشرط وهو الاستطاعة بأنفسهم وجب عليهم، لكن إن تطوع الأب وحج بهم فهذا طيب، وله أجر بلا شك، ولا يجب وربما نقول: يجب فيما لو حج ببعضهم وترك الآخرين. فنقول: يجب أن تحج بالآخرين، بناءً على وجوب العدل. فإذا سمح الآخرون وقالوا: يا والدنا إن شئت فحج بنا، وإن شئت فلا تحج: سقط عنه الوجوب.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/109) - س (128)
حكم طلب المال من الوالد للحج
أنا طالب قد بلغت وليس لي مال خاص بي؛ فهل أطلب من والدي المال لأحج الآن أم أنتظر لحين تخرجي وعملي لأحج بمالي الخاص ؟ مع أن ذلك سيطول .. فبماذا تنصحونني ؟
الحج لا يجب على الإنسان إذا لم يكن عنده مال، حتى وإن كان أبوه غنياً، ولا يلزمه أن يسأل أباه أن يعطيه ما يحج به؛ بل إن العلماء يقولون: لو أن أباك أعطاك مالاً لتحج به لم يلزمك قبوله، ولك أن ترفضه وتقول: أنا لا أريد الحج والحج ليس واجباً عليَّ.
وبعض العلماء يقول: إذا أعطاك إنسان - مثل الأب أو الأخ الشقيق - مالاً لتحج به فإنه يجب عليك أن تأخذه وتحج به، أما لو أعطاك المال شخص آخر تخشى أن يمنّ به عليك يوماً من الدهر فإنه لا يلزمك أن تأخذه وتحج به . وهذا القول هو الصحيح .(2/406)
والمسألة الآن مفهومة: إنسان أعطاه شخص مالاً ليؤدي به الفريضة، فهل يلزمه أن يقبل هذا المال ويؤدي به الفريضة ؟ الجواب: لا يلزمه، وله أن يرده خشية المنة - أي يمن عليه الذي أعطاه مالاً يحج به - حيث لم يجب عليه الحج بعد لعدم الاستطاعة . أما إذا كان الذي أعطاه المال أباه أو أخاه الشقيق فهناك نقول: خذ المال وحج به؛ لأن أباك لا يمن عليك والشقيق لا يمن عليك .
وعلى هذا نقول للأخ الطالب: انتظر حتى يغنيك الله عز وجل وتحج من مالك؛ ولست بآثم إذا تأخرت عن الحج .
ابن عثيمين - اللقاء الشهري، (16/22)
حكم الحج على حساب مؤسسة
أنا أعمل في إحدى المؤسسات التي تعمل على إيفاد بعض عامليها للحج على نفقتها، فيتم اختيار هذه المجموعة حسب كبر السن ومدة الخدمة في المؤسسة؛ فهل يصح هذا الحج ؟ أم لا يصح ؟
نعم؛ يصح هذا الحج؛ فيجوز للإنسان أن يقبل التبرع من شخص ليقوم المتبرع له بأداء فريضة الحج من هذا المال، ومثل هذه المسألة التي ذكرها السائل لا يكون فيها في الغالب منة؛ لأنه نظام شركة يستوي فيه فلان وفلان .
أما لو كان التبرع من شخص معين لشخص معين فهنا قد نقول: لا ينبغي أن تقبل هذا؛ لأنه يخشى أن يمنّ عليك الدهر فيقول: أنا الذي أعطيتك ما تؤدي به فريضة الحج، وما أشبه ذلك .
وعلى كل حال: مَنْ قَبِل من شخص تبرعاً ليؤدي به الحج فلا بأس به؛ لكن كما قلت: إن كان من شخص معين فالأولى بأن لا تقبل، وإذا كان من شركة على وجه العموم وهذا نظامها: فلا بأس .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى نور على الدرب (1/276)
حكم استدانة مال للحج
بعض من الناس يأخذ سلفيات من الشركة التي يعمل بها يتم خصمها من راتبه بالتقسيط ليذهب إلى الحج؛ فما رأيكم في هذا الأمر ؟(2/407)
الذي أراه أنه لا يفعل؛ لأن الإنسان لا يجب عليه الحج إذا كان عليه دين؛ فكيف إذا استدان ليحج ؟! فلا أرى أن يستدين ليحج؛ لأن الحج في هذه الحال ليس واجباً عليه. والذي ينبغي له أن يقبل رخصة الله سبحانه وتعالى وسعة رحمته، ولا يكلف نفسه ديناً، لا يدري هل يقضيه أم لا ؟ ربما يموت ولا يقضيه؛ فيبقى في ذمته.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/93) - س (102)
هل يسقط الحج عن المرأة بعدم المحرم ؟
المرأة إذا لم يوجد لها محرم وهي لم تؤد فرضها؛ فأيهما أفضل لها أن توكِّل أو تحج مع خالتها أو عمتها ؟
إذا لم تجد المرأة محرماً لها، فإن الحج غير واجب عليها؛ لأنها لا تستطيعه شرعاً والحج لا يجب إلا على المستطيع، ولا يجوز لها أن تحج بلا محرم مع خالتها، أو عمتها.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/209) - س (262)
عمر المَحْرَم الشرعي
متى يكون الابن محرماً لأمه: هل هو بالبلوغ أم بالتمييز ؟
يكون محرماً إذا كان بالغاً عاقلاً؛ فمن لم يبلغ فليس بمحرم، ومن كان في عقله خلل فليس بمحرم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/221) - س (277)
تحريم سفر المرأة بالطائرة بلا محرم ولو للحج أو العمرة
امرأة تريد السفر إلى جدة للعمرة، وودعها محرم لها من الرياض، وركبت الطائرة واستقبلها في جدة محرم آخر .. هل يجوز ذلك ؟
إذا كان الأمر قد وقع فقد انتهى، ومع ذلك فإن هذا حرام عليها؛ لأنها داخلة في عموم قوله (ص): لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ(1). وهذه امرأة سافرت بدون محرم فصدق عليها الوقوع في ما نهى عنه الرسول (ص)، قد تقول: إن محرمها إذا شيعها إلى المطار، واستقبلها المحرم الآخر زال المحذور، والرسول (ص) ما نهى عن ذلك إلا خوف المحذور، فإذا زال المحذور فلا بأس.
__________
(1) …البخاري (3006)، ومسلم (1341) .(2/408)
فالجواب: أن الرسول (ص) أطلق النهي قال: لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ (1) فأمره الرسول (ص) أن يلغي الغزوة، وأن يذهب مع امرأته . وهل استفصل النبي (ص) هذا الرجل، وقال: هل امرأتك آمنة أو غير آمنة ؟ لا . هل قال: معها نساء أو لا ؟ لا؛ ما قال . هل قال: هي عجوز أو شابة ؟ ما قال. فالأصل بقاء اللفظ على عمومه؛ لاسيما أن قصة هذا الرجل وقعت مؤيدة للعموم. وأما كون محرمها يشيعها للمطار فأرجو أن تكونوا معي في هذه المسألة؛ إن كنت أخطأت فصححوا خطئي وإن كنت أصبت فوافقوني على هذا وحذروا الناس؛ هذا الذي ذهب معها إلى المطار: من العادة أن الصالة التي للمسافرين لا يدخلها أحد إلا المسافرون وحدهم، فمحرمها سيشيعها إلى هذه الصالة ويرجع، هذا الغالب، إذا رجع هل من المؤكد مئة في المئة أن الطائرة ستقلع في الوقت المحدد ؟ لا، قد تتأخر . ثم إذا أقلعت في الوقت المحدد وسارت في الجو: هل من المضمون بالتأكيد أنه سيبقى الجو ملائماً أو قد تحدث حالات توجب رجوع الطائرة ؟ الجواب: قد تحدث مثل هذه الحالات . ثم لو فرض أنها استمرت ووصلت إلى البلد الذي فيه الهبوط، فقد لا يتسنى ذلك، فتذهب إلى مكان آخر، فمن يقابلها في المطار الثاني ؟ وإذا قدر أنها هبطت في المطار الذي تريد الهبوط فيه؛ فهل المحرم الذي كان من المقرر أن يقابلها هل مقابلته إياها مضمونة، وفي نفس الوقت ؟ هي غير مضمونة؛ فقد يعتريه مرض، وقد يضيع، وقد تكون السيارات مزدحمة فينحبس بازدحام السيارات، كل هذا وارد، أليس كذلك ؟! سلمنا أن كل هذه الموانع فقدت وجاءت المسألة على مايرام، ولكن من الذي يجلس إلى جانبها في الطائرة ؟ - والله أعلم - قد يجلس إلى جانبها
__________
(1) …البخاري (1862)، ومسلم (1341).(2/409)
رجل عفيف وغيور على محارم المسلمين فيحميها، وقد يكون أحسن من محرمها، وقد يجلس إلى جانبها فاجر ماكر مخادع يغرها ويغريها، ومادامت المسألة خطيرة، والشارع له تشوف بالغ لحفظ الأعراض؛ حتى قال الله عز وجل: {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وسَاءَ سَبِيلاً *}[الإسرَاء]، ولم يقل: ولا تزنوا، حتى نبتعد عن كل ما قد يكون سبباً للوصول إلى الزنا؛ فإن الواجب على المؤمن الخائف من الله عز وجل الغيور على محارمه أن لا يمكن أحداً من محارمه من السفر إلا بمحرم، وما أيسر الأمر، اذهب معها وارجع، فما فيه كلفة . والحمد لله.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (2/590)
حكم سفر المرأة مع نساء بلا محرم
امرأة تقول: أنا أنوي أن أؤدي العمرة في رمضان ولكن برفقة أختي وزوجها ووالدتي؛ فهل يجوز لي أن أذهب للعمرة معهم ؟
لا يجوز لك أن تذهبي للعمرة معهم؛ لأن زوج أختك ليس محرماً لك، وقد ثبت عن النبي (ص) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي (ص) يخطب يقول: لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذِي مَحْرَمٍ، ولا تُسَافِر امرأة إلا مع ذي محرم فقال رجل: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي (ص): اِنْطَلِق فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِك(1). ولم يستفصل النبي (ص) هل مع هذه المرأة نساء ؟ وهل كانت شابة أم عجوزاً ؟ وهل كانت آمنة أم غير آمنة ؟ وهذه السائلة إذا تخلفت عن العمرة - من أجل أنه لا محرم لها - فإنه لا إثم عليها حتى ولو كانت لم تعتمر من قبل؛ لأن من شروط العمرة والحج أن يكون للمرأة محرم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/185) - س (236)
إذا طلق الرجل زوجته في السفر .. فمن مَحْرَمُها ؟
امرأة طلقها زوجها بعد ما تلبست بالإحرام وهو محرم؛ هل تتم نسكها أم تعود وتعتبر محصرة ؟
__________
(1) …البخاري (1862)، ومسلم (1341).(2/410)
لا تعود؛ لأنه إذا طلق الإنسان زوجته الطلقة الأولى أو الثانية فهو محرم لها، يجوز أن تتجمل له وأن تتزين له وأن تفعل المغريات التي توجب أن يراجعها؛ ولهذا قال الله عز وجل في الرجعيات: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يُخْرَجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطّلاَق، من الآية: 1].
كثير من الناس اليوم مع الأسف إذا طلق زوجته طردها من البيت، وهذا حرام عليه إلا أن تأتي بفاحشة مبينة. وكثير من النساء إذا طلقت ذهبت إلى أهلها، وهذا حرام عليها، {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ}. ثم قال في الآخر: {لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}. إذن المطلقة الرجعية تبقى في بيت زوجها تتجمل له وتتطيب وتفعل جميع المغريات لرجوعها إلى زوجها. وبالنسبة لهذه المرأة التي طلقها زوجها وهو محرمها نقول: إذا كان الطلاق الأول أو الثاني هو محرم لها. وإذا كان الثالث فليس بمحرم ولكن تمضي في حجها معه للضرورة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/224) - س (282)
حكم حج الخادمات بلا محرم
ما حكم الحج والعمرة بالخادمة إذا لم يكن معها محرم ؟ وما حكم استقدام الخادمة بدون محرم أو نقل كفالتها ممن استقدمها مسبقاً ؟
هذان سؤالان: الأول إذا حج أهل البيت وعندهم خادمة وليس معها محرم فليحجوا بها؛ وذلك لأن حجهم بها أحفظ لها من أن تبقى في البيت وحدها، أو يعيروها لأحد من الناس، فنرى أن تذهب معهم؛ لأنها باقية معهم في البيت بلا محرم.
وأما بالنسبة لاستقدام النساء بلا محرم فكنت بالأول أتساهل فيه بعض الشيء؛ وأقول: إذا جاء بها محرمها ثم رجع، فالأمر سهل، لكن حصلت وقائع من بعض ضعيفي الإيمان، وأوجبت لي أن أقول: لا يجوز أن تستقدم خادمة إلا بمحرمها الذي يبقى معها.(2/411)
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/205) - س (257)
حكم حج تارك الصلاة
ما حكم من حج وهو تارك للصلاة؛ سواء كان عامداً أو متهاوناً ؟ وهل تجزئه عن حجة الإسلام ؟
من حج وهو تارك للصلاة: فإن كان عن جحدٍ لوجوبها كفر إجماعاً ولا يصح حجّه، أما إن كان تركها تساهلاً وتهاوناً فهذا فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من يرى صحة حجِّه، ومنهم من لا يرى صحة حجِّه، والصواب: أنه لا يصح حجه أيضاً؛ لقول النبي (ص): العَهْدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة فمَنْ تَرَكَها فقد كفر (1)، وقوله (ص): بَيْنَ الرجلِ وبين الكُفر والشِّرك تَرْكُ الصلاة (2)؛ وهذا يعم من جحد وجوبها، ويعم تركها تهاوناً، والله ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - فتاوى إسلامية، (2/185)
الانشغال بالرضيع عذر في تأخير الحج
أريد أداء فريضة الحج لأول مرة وأنا متزوجة ولي أولاد صغار؛ أصغرهم تبلغ من العمر خمسة أشهر، وأقوم برضاعة طبيعية، ولكن باستطاعتها أن تتناول وجبة أخرى بجانب الحليب، وقد منعني زوجي من الحج بحجة الرضاعة الطبيعية، وأنا لا أريد اصطحابها معي خوفاً عليها من الأمراض وتغير الجو.
وأيضاً لأنها سوف تشغلني في وقتي؛ مع العلم أن موافقة زوجي متوقفة على إفتاء فضيلتكم؛ فهل هذا من الأمور التي تسمح لي بترك الحج هذا العام ؟
__________
(1) …أحمد (5/346)، والترمذي (2621) وقال: «حسن صحيح غريب»، والنسائي (464)، وابن ماجه (1079)، وابن حبان (1454)، والحاكم 1/7 (11) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …مسلم (82).(2/412)
لا حرج على هذه المرأة التي هذه حالها أن تؤخر الحج إلى سنة قادمة؛ أولاً: لأن كثيراً من العلماء يقولون: إن الحج ليس واجباً على الفور، وإنه يجوز للإنسان أن يؤخر مع قدرته، وثانياً: أن هذه محتاجة للبقاء من أجل رعاية أولادها، ورعاية أولادها من الخير العظيم؛ قال النبي (ص): المرأةُ راعِيَةٌ في بيتِ زوجها ومَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِها(1). فأقول: تنتظر إلى العام القادم، ونسأل الله أن ييسر لها أمرها، ويقدر لها ما فيه الخير.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/66) - س (62)
حكم استئذان الوالدين للحج
هل يجب استئذان الوالدين في الذهاب إلى الحج؛ سواءً كان فرضاً أم تطوعا ؟
أما إذا كان فرضاً فإنه لا يشترط رضاهما ولا إذنهما؛ بل لو منعاه من الحج وهو فرض وجب عليه أن يحج ولا يطيعهما؛ لقول الله: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمَان، من الآية: 15]، ولقول النبي (ص): لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في معصيةِ الخالق (2)، أما إذا كان نفلاً فلينظر إلى المصلحة: إن كان أبوه وأمه لا يستطيعان الصبر عنه، ولا أن يغيب عنهما: فبقاؤه عندهما أولى؛ لأن رجلاً استأذن النبي (ص) في الجهاد، فقال له: أَحَيٌّ والِدَاك ؟ قال: نعم، قال: فَفِيهِمَا فَجَاهِد (3)؛ ففي الفريضة لا يطاعان، والنافلة ينظر ما هو الأصلح.
__________
(1) …البخاري، (893)، ومسلم (1829).
(2) …أحمد (1/129، 131، 409)، (5/66) والطبراني في: «الأوسط» (4322)، و«الكبير» (18/165، 170، 177، 185، 229)، وابن حبان (4568، 4569). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» 5/226: «ورجال أحمد رجال الصحيح» وصححه الألباني في «صحيح الجامع» رقم (7520). وأصله في الصحيحين بلفظ: «لا طاعة في معصية الله، وإنما الطاعة في المعروف»: «البخاري» (7257)، و«مسلم» (1840) واللفظ له.
(3) …البخاري (3004)، ومسلم، (2549).(2/413)
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/67) - س (63)
حكم الحج بِجَواز مُزَوَّر
من حج بجواز سفر مزور؛ فما حكم حجه ؟
حجه صحيح؛ لأن تزوير الجواز لا يؤثر في صحة الحج، ولكن عليه الإثم، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يعدل اسمه إلى الاسم الصحيح؛ حتى لا يحصل تلاعب لدى المسؤولين، ولئلا تسقط الحقوق التي وجبت عليه بالاسم الأول لاختلاف اسمه الثاني عن الاسم الأول، فيكون بذلك آكلاً للمال بالباطل مع الكذب في تغيير الاسم .
وبهذه المناسبة أود أن أنصح إخواني بأن الأمر ليس بالهين بالنسبة لأولئك الذين يزورون الأسماء، ويستعيرون أسماء لغيرهم من أجل أن يستفيدوا من إعانة الحكومة، أو من أمور أخرى، فإن ذلك تلاعب في المعاملات، وكذب وغش، وخداع للمسؤولين والحكام، وليعلموا أن من اتقى الله عز وجل جعل له مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب، وأن من اتقى الله جعل الله له من أمره يسراً، وأن من اتقى الله وقال قولاً سديداً أصلح الله له عمله وغفر له ذنبه .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى أركان الاسلام، ص (572)
هل تحج المعتدة ؟
هل يجوز للمرأة أن تؤدي فريضة الحج وهي في العدة بعد وفاة زوجها أو في عدة الطلاق معتدة عموماً: في طلاق أو وفاة ؟(2/414)
أما بالنسبة للمتوفى عنها فإنه لا يجوز لها أن تخرج من بيتها أو تسافر للحج حتى تنقضي العدة؛ لأنه يجب عليها أن تتربص في البيت - لقوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البَقَرَة، من الآية: 234]، فلا بد أن تنتظر في بيتها حتى تنتهي العدة. وأما المعتدة في غير الوفاة: فإن الرَّجْعِيَّة(1) حكمها حكم الزوجة فلا تسافر إلا بإذن زوجها، ولا حرج عليه أن يسمح لها بالحج و تحج مع محرم لها، وأما المُبَانة(2) فإن المشروع أن تبقى في بيتها أيضاً؛ ولكن لها أن تحج إذا وافق الزوج على ذلك؛ لأنه له الحق في هذه العدة، فإذا أذن بالخروج فلا حرج.
والحاصل: أن المتوفى عنها يجب أن تبقى في البيت ولا تخرج، وأما المطلقة الرجعية فأمرها إلى زوجها؛ لأن لها حكم الزوجات، وأما المبانة فإن لها حرية أكثر من الرجعية، ولكن مع ذلك لزوجها أن يمنعها صيانة لِعِدَّتِهِ .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/69)
حكم منع الزوج زوجته من الحج دون سبب
أنا امرأة كبيرة وغنية؛ وعرضت الحج على زوجي أكثر من مرة فرفض أن أحج دونما سبب، وعندي أخ كبير يريد الحج .. فهل أحج معه وإن لم يأذن لي زوجي ؟ أم أترك الحج وأمكث في بلدي طاعة لزوجي ؟ أفتونا جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …الرجعية: هي التي طُلّقت بواحدة أو اثنتين ويجوز لزوجها الرجوع إليها.
(2) …المُبانة: هي التي طلقت ثلاثاً ولا يجوز لزوجها الرجوع إليها إلا بعد زوج غيره.(2/415)
حيث إن الحج واجب على الفور بتمام شروطه؛ وحيث وجد في هذه المرأة التكليف والقدرة والمحرم فإنه يجب عليها المبادرة إلى الحج، ويحرم على زوجها منعها بدون سبب، ويجوز لها والحال ما ذكر أن تحج مع أخيها ولو لم يوافق زوجها لِتَعَيُّن الفرض كتعين الصلاة والصيام؛ فحق الله أولى بالتقديم، ولا أحقية لهذا الزوج الذي يمنع زوجته من أداء فريضة الحج بلا مبرر، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
الشيخ ابن جبرين - ، فوائد وفتاوى تهم المرأة المسلمة، ص (101)
الفصل الثالث…صفة الحج
هل (جدة) ميقات للإحرام ؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ ( ر . ص . ح ) . والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3990) وتاريخ 16/7/1417هـ . وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه:
(أود معرفة رأي سماحتكم فيما كتبه عدنان عرعور في رسالة تحت عنوان: [ أدلة إثبات أن جدة ميقات ] وبيان المسألة. وفقكم الله لكل خير).
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
سبق وأن صدر من سماحة المفتي العام بيان حول الكتاب المذكور، هذا نصه:
(الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين . . وبعد:(2/416)
فإن رسول الله (ص) قد بين مواقيت الإحرام التي لا يجوز لمن مر بها يريد الحج أو العمرة تجاوزها بدون إحرام، وهي: ذو الحُلَيْفَة - أبيار علي - لأهل المدينة ومن جاء عن طريقهم، والجُحْفَة لأهل الشام ومصر والمغرب ومن جاء عن طريقهم، ويَلَمْلَم (السَّعْدية) لأهل اليمن ومن جاء عن طريقهم، وذَاتُ عِرْق لأهل العراق ومن جاء عن طريقهم، وقَرْنُ المَنَازِل لأهل نجد والطائف ومن جاء عن طريقهم. ومن كان منزله دون هذه المواقيت مما يلي مكة فإنه يحرم من منزله؛ حتى أهل مكة يحرمون من مكة للحج، وأما العمرة فيحرمون بها من أدنى الحِلّ، كما يحرم أهل جدة والمقيمون فيها من جدة إن هم أرادوا الحج أو العمرة .
ومن مر بهذه المواقيت قادماً إلى مكة وهو لا يريد حجاً ولا عمرة فإنه لا يلزمه إحرام على الصحيح، لكن لو بدا له أن يحج أو يعتمر بعدما تجاوزها فإنه يحرم من المكان الذي نوى فيه الحج أو العمرة إلا إذا نوى العمرة وهو في مكة، فإنه يخرج إلى أدنى الحل ويحرم (كما سبق)؛ فالإحرام يجب من هذه المواقيت على كل من مر بها أو حاذاها براً أو بحراً أو جواً وهو يريد الحج أو العمرة .
والذي أوجب نشر هذا البيان أنه قد صدر من بعض الإخوة في هذه الأيام كتيب اسمه: (أدلة الإثبات أن جدة ميقات) - يحاول فيه إيجاد ميقات زائد على المواقيت التي وقتها رسول الله (ص)؛ حيث ظن أن جدة تكون ميقاتاً للقادمين في الطائرات إلى مطارها أو القادمين إليها عن طريق البحر أو عن طريق البر، فلكل هؤلاء أن يؤخروا الإحرام إلى أن يصلوا إلى جدة ويحرموا منها؛ لأنها (بزعمه وتقديره) تحاذي ميقاتي السعدية والجحفة فهي ميقات .(2/417)
وهذا خطأ واضح يعرفه كل من له بصيرة ومعرفة بالواقع؛ لأن جدة داخل المواقيت، والقادم إليها لابد أن يمر بميقات من المواقيت التي حددها رسول الله (ص)، أو يحاذيه براً أو بحراً أو جواً، فلا يجوز له تجاوزه بدون إحرام إذا كان يريد الحج أو العمرة؛ لقوله (ص) لما حدد هذه المواقيت: هُنَّ لَهُنَّ، ولِمَنْ أَتَى عليهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهلِهن، مِمَّنْ يُرِيدُ الحَجَّ أو العمرة(1). فلا يجوز للحاج والمعتمر أن يخترق هذه المواقيت إلى جدة بدون إحرام ثم يحرم منها؛ لأنها داخل المواقيت .
ولما تسرع بعض العلماء منذ سنوات إلى مثل ما تسرع عليه صاحب هذا الكتيب؛ فأفتى بأن جدة ميقات للقادمين إليها: صدر عن هيئة كبار العلماء قرار بإبطال هذا الزعم وتفنيده، جاء فيه ما نصه: (وبعد الرجوع إلى الأدلة وما ذكره أهل العلم في المواقيت المكانية ومناقشة الموضوع من جميع جوانبه، فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:
1 -…إن الفتوى الصادرة الخاصة بجواز جعل جدة ميقاتاً لركاب الطائرات الجوية والسفن البحرية فتوى باطلة؛ لعدم استنادها إلى نص من كتاب الله، أو سنة رسوله، أو إجماع سلف الأمة، ولم يسبقه إليها أحد من علماء المسلمين الذين يعتد بأقوالهم .
2 - لا يجوز لمن مر بميقات من المواقيت المكانية، أو حاذى واحداً منها جواً أو براً أو بحراً أن يتجاوزه من غير إحرام، كما تشهد لذلك الأدلة، وكما قرره أهل العلم رحمهم الله تعالى إذا كان يريد الحج أو العمرة .
ولِواجب النصح لله ولعباده رأيت أنا وأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إصدار هذا البيان؛ حتى لا يغتر أحد بالكتيب المذكور . انتهى.
هذا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه).
اللجنة الدائمة - فتوى رقم (19210) وتاريخ 2/11/1417هـ
ما ميقات من استوطن الرياض ووالداه في جدة ؟
__________
(1) …البخاري (1524).(2/418)
رجل متزوج ويسكن مع زوجته وأولاده في الرياض، وأمه وأبوه في جدة؛ فما الحكم ؟
هذا إذا جاء إلى جدة فهو مسافر، فهنا إذا أراد أن يذهب إلى أهله للزيارة، وهو مريد أن يعتمر - نقول: لابد أن تحرم من الميقات؛ لأن وطنك الرياض.
أما جدة فهي وطن أبيه وأمه. ولهذا لو كان في رمضان فله أن يفطر إذا سافر إلى مقر أبيه وأمه وهو ساكن في بلد آخر. والله تعالى أعلم.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/329) - س (395)
ميقات من يعمل في الشرقية وأهله في جدة
رجل يعمل بالمنطقة الشرقية ويرغب قضاء الإجازة عند أهله في جدة؛ ولكن في نفس الوقت يريد أن يحج؛ فهل يحرم من جدة لأنه سوف يذهب إلى أهله في جدة قبل الحج ؟
إذا كان مجيئه إلى أهله على أنه استوطن المكان الذي يقيم فيجب عليه أن يحرم من الميقات، أما إذا كان جلس في المنطقة الشرقية ويقول: أنا ما جلست في هذا البلد إلا للدراسة أو العمل وأهلي هم أهلي في جدة، وأنا سوف أذهب إلى أهلي وإذا جاء الوقت أحرمت من جدة: فلا بأس، ففرق بين إنسان انتقل من بلده جدة إلى الشرقية، وإنسان لم ينتقل ولم ير نفسه أنه استوطن الشرقية، فالذي يرى نفسه أنه استوطن الشرقية فهذا لا يتجاوز الميقات، والذي يقول: أنا لم أستوطن الشرقية ولكن بقيت للعمل فقط، وإن حصل لي أن أرجع إلى أهلي اليوم لرجعت، وكان في رجوعه من الشرقية إلى جدة رجوعاً إلى أهله - فهذا يحرم من جدة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/329) - س (396)
ما ميقات من يدرس في الشرقية وأهله في جدة ؟
أنا طالب أدرس في المنطقة الشرقية وأهلي في جدة وأريد الحج .. فمن أين أحرم ؟ هل من قرن المنازل أو من سكني في جدة ؟
أنت مخير ما دمت من سكان جدة دون الميقات، وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى؛ لكونك وافداً وأخذت بالأكمل والأحوط، وإن أنت قصدت أهلك ثم أحرمت منهم فلا بأس.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (17/54)(2/419)
حكم من تجاوز الميقات خطأً
حججنا أو اعتمرنا بالنقل الجماعي، ولم ينتبه السائق للميقات إلا بعد أن تجاوزه بمائة كيلو، فرفض العودة إليه وواصل الرحلة حتى وصلت إلى جدة .. فماذا علينا والحال هكذا ؟
الواجب على السائق أن يتوقف عند الميقات ليحرم الناس منه، فإن نسي - ولم يذكر إلا بعد مائة كيلو كما قال السائل - فإن الواجب عليه أن يرجع بالناس حتى يحرموا من الميقات؛ لأنه يعلم أن هؤلاء يريدون العمرة أو يريدون الحج . فإذا لم يفعل وأحرموا من مكانهم؛ أي: بعد تجاوز الميقات بمائة كيلو فإن على كل واحد فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء؛ لأنهم تركوا واجباً من واجبات النسك؛ سواء في حج أو في عمرة.
وفي هذه الحال لو حاكموا هذا السائق لربما حكمت المحكمة عليه بغرم ما ضمنوه من هذه الفدية؛ لأنه هو الذي تسبب لهم في غرمها، وهذا يرجع إلى رأي القاضي - إذ يمكنه أن يلزم السائق بقيمة الفداء التي دفعها هؤلاء؛ لأنه فرّط في حقهم بنسيانه، ثم اعتدى عليهم بمنعهم من حق الرجوع للإحرام .
الشيخ ابن عثيمين - - اللقاء الشهري، (16/25)
جواز الإحرام في الطائرة قبل الميقات
هل يجوز للإنسان إذا سافر للعمرة أو الحج بالطائرة أن يحتاط ويحرم قبل الميقات بقليل ؟
الإحرام بالطائرة ينبغي للإنسان أن يحتاط فيه؛ وذلك لأن الطائرة سريعة المرور؛ فلهذا ينبغي أن يحتاط ويحرم قبل خمس دقائق أو دقيقتين ونحو ذلك.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/387) - س (459)
حكم الطفل إذا أحرم ثم لم يكمل المناسك
رجل اصطحب ابنه معه لأداء العمرة ولبس هذا الطفل ثياب الإحرام، وفي أثناء العمرة خلع الطفل إحرامه ولم يكمل هذه المناسك؛ فما عليه ؟
ليس عليه شيء؛ لأن الصحيح: أن الذين لم يبلغوا إذا أحرموا بحج أو بعمرة فما جاء منهم فاقبل، وما لم يأت فلا تطلب؛ لأنهم غير مكلفين.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/80) - س (82)
حكم لبس المُحْرِم السراويل للحاجة(2/420)
فضيلة الشيخ، لا يخفى عليكم - وفقكم الله - أنه مع شدة الحر وكثرة المشي يصاب بعض الرجال بالحرق الذي يكون في الفخذين .. فهل يجوز للرجل إذا أصابه ذلك أن يلبس السروال، أو يلبس شيئاً قريباً منه لكي يفصل بين لحمه؛ ليقي نفسه ؟ لأننا نرى بعض الناس ربما يسيل دمه من ذلك الحرق وهو قد تأذى بذلك .. فما نصيحتك وما توجيهك ؟
يجوز للإنسان في هذه الحال أن يلف على فخذه لفافة، ويربطها من فوق، ويسلم من هذا الحرق، فإن لم يتمكن فله أن يلبس السراويل، ولكن يطعم (على المشهور) ستة مساكين: لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يذبح شاة يوزعها على الفقراء؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البَقَرَة، من الآية: 196]، وفي هذه الحال ليس عليه إثم؛ لأنه فعل ذلك لعذر .
الشيخ ابن عثيمين - - اللقاء الشهري، (16/36)
حكم الإحرام بحَجَّتَيْن، وكيفية التلبية
هل يصح الإحرام بحجتين أو عمرتين ؟ وما هي التلبية وشروطها ؟ وما حكمها وما وقتها ؟
لا يصح أن يحرم في عام واحد بحجتين، ولا يجوز إلا حجة واحدة كل عام، وكذا لا يجوز أن يحرم بعمرتين في وقت واحد، ولا يجعل الحجة الواحدة عن شخصين ولا يحرم بعمرة واحدة عن اثنين، فلم يرد في الأدلة شيء من ذلك.(2/421)
وأما التلبية فهي إجابة لنداء الله تعالى في قوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}[الحَجّ، من الآية: 27]. ولفظها: (لبَّيْكَ اللهمَّ لبَّيك، لبيك لا شريك لَكَ لبيك، إن الحمد والنعمة لك والمُلك لاشريك لك)(1). ويجوز الزيادة على ذلك بما تيسر كقولك: (لبيك وسَعْدَيْك؛ والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، لبيك والرَّغْباء إليك والعمل، لبيك حقاً حقاً، تَعَبُّداً ورِقّاً)(2).
وحكم التلبية: سنة مؤكدة، وجعلها بعضهم ركناً؛ حيث إنها شعار ظاهر للحاج والمعتمر.
ووقتها: بعد النية عقب إحرامه وهو في مُصلاّه، ويأتي بها إذا ركب وإذا نزل وكلما علا مرتفعاً أو هبط وادياً أو سمع ملبياً أو تلاقت الرفاق أو فعل محظوراً أو صلى مكتوبةً أو أقبل ليل أو أقبل نهار، ونحو ذلك من تغيرات الأحوال. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - ، فتاوى إسلامية، (2/211)
حكم خياطة لباس الإحرام إذا تمزَّق
هل يجوز أن يخيط الإحرام إذا تمزق أو يبدله ؟
__________
(1) …البخاري (1549، 1550، 5915)، ومسلم (1184، 1218).
(2) …هذه الزيادة أخرجها: مسلم (1184) وغيره من كلام عبدالله بن عمر رضي الله عنهما إلى قوله: (لبيك والرغباء إليك والعمل). وأما ما بعده فهو من كلام زيد بن عمرو بن نفيل؛ أخرجه: الطبراني في «الكبير» 1/151 (350). قال في « مجمع الزوائد» 9/417: «رواه الطبراني والبزار باختصار عنه، وفيه المسعودي وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات» اهـ. قلت: هذه الزيادة ونحوها قد وردت أيضاً عن جماعة من الصحابة والتابعين. انظر: «التمهيد» لابن عبدالبر (15/125-130)، و«المغني» لابن قدامة (3/131)، و«مرقاة المفاتيح» لملاّ علي القاري (5/449، 455، 456) .(2/422)
له أن يخيطه وله أن يبدله بغيره، والأمر في ذلك واسع والحمد لله. والمخيط المنهي عنه: هو الذي يحيط بالبدن كله كالقميص والفنيلة وأشباه ذلك . أما المخيط الذي يكون في الإزار أو في الرداء لكونه مكوناً من قطعتين أو أكثر خيط بعضها في بعض: فلا حرج، وهكذا لو حصل به شق أو خرق فخاطه أو رقعه - فلا بأس بذلك .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة…(5/119) - وفتاوى ورسائل للمعتمرين (1/13)
محظورات الأحرام وما يترتب عليها
ما محظورات الإحرام ؟ وما أقسامها ؟
هي تسعة:
1 - حلق الشعر من الرأس أو البدن .
2 - قص الأظافر من اليد أو الرجل .
3 - لبس المخيط للرجل: وهو كل ما خيط على قدر جزء من البدن؛ كالقميص والسراويل والتبان والجبة والفانيلة والعباءة، ونحو ذلك .
4 - تغطية الرأس بملاصق كالعمامة والقلنسوة؛ بخلاف المظلة والخيمة وحمل المتاع على الرأس فلا بأس به .
5 - استعمال الطيب؛ وهو كل ما له رائحة عطرة بقصد استعماله في الثوب أو البدن من المسك والورد والريحان وسائر العطورات .
6 - قصد اصطياد الصيد البري المتوحش من الطير؛ كالحمام والحباري والحجل والعصافير ونحوها، أو الظباء والوعول وحمر الوحش والضب واليربوع والوبر، وما أشبهها .
7 - عقد النكاح؛ فلا يخطب المحرم ولا ينكح زوجة ولا يكون ولياً، ونحو ذلك.
8 - الجماع في الفرج مع زوجته أو أمته .
9 - المباشرة دون الفرج والتقبيل واللمس لشهوة، ونحو ذلك .
* وهي أربعة أقسام :
الأول: ما فيه فدية ولا يبطل النُّسُك وهو الخمسة الأولى، والثاني: فيه الجزاء مثله ونحوه وهو الصيد . والثالث: يبطل النسك ولا فدية فيه وهو النكاح . الرابع: لا يبطل النسك وفيه دم وهو المباشرة .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة، (2/101)
الحكمة من الطواف وتقبيل الحجر
هل الحكمة في تقبيل الحجر التبرك به ؟(2/423)
الحكمة من الطواف بيّنها النبي (ص) حين قال: إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ؛ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ(1). فالطائف الذي يدور على بيت الله تعالى يقوم بقلبه من تعظيم الله تعالى ما يجعله ذاكراً لله تعالى، وتكون حركاته بالمشي والتقبيل واستلام الحجر والركن اليماني والإشارة إلى الحجر ذكراً لله تعالى؛ لأنها من عبادته، وكل العبادات ذكر لله تعالى بالمعنى العام. وأما ما ينطق به بلسانه من التكبير والذكر والدعاء فظاهر أنه من ذكر الله تعالى. وأما تقبيل الحجر فإنه عبادة؛ حيث يقبل الإنسان حجراً لا علاقة له به سوى التعبد لله تعالى بتعظيمه واتباع رسول الله (ص) في ذلك؛ كما ثبت أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حين قَبَّل الحجر: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ(2).
وأما ما يظنه بعض الجهال من أن المقصود بذلك التبرك به فإنه لا أصل له؛ فيكون باطلاً . وأما ما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على قبور أوليائهم وأنه وثنية؛ فذاك من زندقتهم وإلحادهم؛ فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله؛ وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى.
ألا ترى أن السجود لغير الله شرك أكبر، ولما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم كان السجود لآدم عبادة لله تعالى، وكان ترك السجود له كفراً.
__________
(1) …أحمد (6/64، 75، 138 )، وأبو داود (1888)، والترمذي (902) بنحوه، وقال: «حسن صحيح»، والدارمي (1853)، والحاكم 1/459 (1685) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …البخاري (1597)، ومسلم (1270) .(2/424)
وحينئذ يكون الطواف بالبيت عبادة من أجلّ العبادات، وهو ركن في الحج، والحج أحد أركان الإسلام . ولهذا يجد الطائف بالبيت إذا كان المطاف هادئاً من لذة الطواف وشعور قلبه بالقرب من ربه ما يتبين به علو شأنه وفضله. والله المستعان.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العقيدة، ص (28، 29)
حكم تحلُّق الطائفين حول نسائهم
هناك أمر نراه كثيراً في الطواف، حيث يعمد بعض الناس أن يتحلقوا حول نسائهم؛ فتكون ظهور بعضهم إلى الكعبة .. فهل هذا جائز ؟ وهل حجهم صحيح ؟ وبم تنصحون من كان معه نساء: هل يكونون جماعات أم يكونون فرادى ؟
أظن أن صورة المسألة واضحة؛ بعض الناس يكون معهم نساء ثم يدورون حول نسائهم، وفي هذه الحال ستكون ظهور بعضهم إلى الكعبة، وبعضهم صدره إلى الكعبة، والطواف يجب فيه أن تكون الكعبة عن يسار الطائف، فهؤلاء الذين ولوا ظهورهم أو صدورهم نحو الكعبة لا يصح طوافهم؛ لأنهم تركوا شرطاً من شروط صحة الطواف؛ وهي أن يجعل الطائف الكعبة عن يساره . وهذه مسألة يجب أن يتنبه لها الطائف .
أما الشق الثاني من السؤال وهو: هل الأولى أن الناس يجتمعون جميعاً على نسائهم ؟ أو أن كل واحد منهم يمسك بيد امرأته أو أخته أو المرأة التي يطوف بها من محارمه وحدها ؟ هذا يرجع إلى حال الإنسان؛ فقد يكون الإنسان ضعيفاً لا يستطيع المزاحمة فيحتاج إلى أن يكون حوله أحد من رفقته ليدافع عنه، وقد يكون الإنسان قوياً؛ فهنا نرى أن كونه يأخذ بيد امرأته ويطوف بها وحدها أيسر له ولها وللناس أيضاً .
الشيخ ابن عثيمين - - اللقاء الشهري، (16/23)
حكم إيذاء الطائفين بالصلاة عند المقام
يكون في المطاف زحام شديد فيصلي هناك بعض الجهال قريباً من المقام، ويحولون بين الناس وبين طوافهم، وقد يتحلق بعضهم على بعض؛ فهل علينا من شيء إذا دفعناهم خصوصاً في حال الزحام الشديد ؟(2/425)
إن أولئك الذين يصلون خلف المقام ويصرون على أن يصلوا هناك، مع احتياج الطائفين إلى مكانهم، قد ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم، وهم آثمون معتدون ظالمون؛ ليس لهم حق في هذا المكان، ولك أن تدفعم، ولك أن تمر بين أيديهم، ولك أن تتخطاهم وهم ساجدون؛ لأن لاحق لهم في هذا المكان أبداً . وكونهم يصرون على أن يكونوا في هذا المكان فهذا من جهلهم لاشك؛ لأن ركعتي الطواف تجوز في كل المسجد، فمن الممكن للإنسان أن يبتعد عن مكان الطائفين ويصلي ركعتين، حتى إن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه صلى ركعتي الطواف بذِي طُوًى(1)؛ وهي بعيدة عن المسجد الحرام فضلاً عن أن تكون في المسجد الحرام .
فالإنسان يجب عليه أن يتقي الله في نفسه، ويتقي الله في إخوانه؛ فلا يصلي خلف مقام إبراهيم عليه السلام، والناس يحتاجون إلى هذا المكان في الطواف، فإن فعل فلا حرمة له، ولنا أن ندفعه، ولنا أن نقطع صلاته عليه، ولنا أن نتخطاه وهو ساجد؛ لأنه هو المعتدي الظالم - والعياذ بالله .
الشيخ ابن عثيمين - اللقاء الشهري، (16/40)
حكم الاستراحة أثناء الطواف
رجل طاف شوطين، ولكثرة الزحام خرج من الطواف، وارتاح لمدة ساعة أو ساعتين، ثم رجع للطواف ثانية .. فهل يبدأ من جديد أم يكمل طوافه من حين انتهائه ؟
إذا كان الفصل طويلاً فإن الواجب عليه إعادة الطواف من جديد، وإذا كان قليلاً فلا بأس بالإكمال؛ وذلك لأنه يشترط في الطواف وفي السعي الموالاة؛ وهي تتابع الأشواط، فإذا فصل بينها بفاصل طويل بطل الأول - أي: أول الأشواط - ويجب عليه أن يستأنف الطواف أو السعي من جديد. أما إذا كان الفصل قصيراً جلس لمدة دقيقتين أو ثلاث ثم قام وأكمل فلا بأس، أما الساعة والساعتان فهما من الفصل الطويل الذي يلزمه إعادة الطواف .
__________
(1) …«موطأ مالك»، 1/368 (820). ورواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في كتاب الحج - باب: الطواف بعد الصبح والعصر، قبل (1628).(2/426)
الشيخ ابن عثيمين - - اللقاء الشهري، (16/37)
هل تطوف الحائض للإفاضة لأجل ضرورة السفر ؟
امرأة حاضت ولم تطف طواف الإفاضة، وتسكن خارج المملكة وحان وقت مغادرتها المملكة ولا تستطيع التأخر ويستحيل عودتها للمملكة مرة أخرى؛ فما الحكم ؟
إذا كان الأمر كما ذكر: امرأة لم تطف طواف الإفاضة وحاضت ويتعذر أن تبقى في مكة أو أن ترجع إليها إذا سافرت قبل أن تطوف؛ ففي هذه الحالة يجوز لها أن تستعمل واحداً من أمرين:
فإما أن تستعمل إبراً توقف هذا الدم وتطوف، وإما أن تَتَلَجَّم بِلِجَامٍ يمنع من سيلان الدم إلى المسجد وتطوف للضرورة؛ وهذا القول الذي ذكرناه هو القول الراجح والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية(1) رحمه الله. وخلاف ذلك واحد من أمرين: إما أن تبقى على ما بقي من إحرامها بحيث لا تحل لزوجها ولا أن يعقد عليها إن كانت غير مزوَّجة، وإما أن تعتبر مُحْصَرَةً تذبح هَدْياً وتُحِلُّ من إحرامها؛ وفي هذه الحال لا تعتبر هذه الحجة لها، وكلا الأمرين أمر صعب؛ فكان القول الراجح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مثل هذه الحال للضرورة؛ وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحَجّ، من الآية: 78]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البَقَرَة، من الآية: 185].
أما إذا كانت المرأة يمكنها أن تسافر ثم ترجع إذا طهرت فلا حرج عليها أن تسافر؛ فإذا طهرت رجعت فطافت طواف الحج. وفي هذه المدة لا تحل للأزواج؛ لأنها لم تحل التحلل الثاني .
الشيخ ابن عثيمين - - فتاوى إسلامية (2/237)
حكم من صَلَّت وطافت وسعت وهي حائض
قد حججت وجاءتني الدورة الشهرية فاستحييت أن أخبر أحداً، ودخلت الحرم فصليت وطفت وسعيت .. فماذا عليَّ علماً بأنها جاءت بعد النفاس ؟
__________
(1) …انظر: «مجموع الفتاوى» (26/244، 245).(2/427)
لا يحل للمرأة إذا كانت حائضاً أو نفساء أن تصلي؛ سواء في مكة أو في بلدها أو في أي مكان؛ لقول النبي (ص) في المرأة: أليسَ إذا حاضَت لَمْ تُصَلِّ ولم تَصُم(1). وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل للحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك عليها أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها. وأما طوافها حال الحيض فهو غير صحيح، وأما سعيها فصحيح؛ لأن القول الراجح جواز تقدم السعي على الطواف في الحج. وعلى هذا فيجب عليها أن تعيد الطواف؛ لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ولا يتم التحلل الثاني إلا به؛ وبناء عليه فإن هذه المرأة لا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف، ولا يعقد عليها النكاح إن كانت غير متزوجة حتى تطوف. والله تعالى أعلم .
الشيخ ابن عثيمين - الاحكام الفقهية في الفتاوى النسائية، ص (48)
ما الحكم إذا حاضت الحاجَّةُ ؟
إذا نوت المرأة وكانت حائضاً أو نفساء؛ ماذا تعمل ؟ وما الحكم لو حاضت بعد إحرامها أو بعد نهاية طوافها ؟
إذا مرت المرأة بالميقات وهي تريد العمرة أو الحج وهي نفساء أو حائض فإنها تفعل ما تفعله الطاهرات؛ أي: تغتسل، ولكنها تَسْتَثْفِر بثوب(2)؛ أي: تتلجم به وتحرم، فإذا طهرت طافت وسعت وقصرت وانتهت عمرتها .
وأما إذا أتاها الحيض أو النفاس بعد الإحرام فإنها تبقى على إحرامها حتى تطهر ثم تطوف وتسعى وتقصر، وأما إذا أتاها الحيض بعد الطواف فإنها تمضي في عمرتها ولا يضرها شيء؛ لأن ما بعد الطواف لا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا الطهارة من الحيض .
الشيخ ابن عثيمين - الفتاوى المكية، ص (19)…والفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة، ص (45)
حكم استعمال حبوب منع الحيض لأداء الحج
هل يجوز للمرأة أن تستعمل حبوباً تمنع العادة أو تؤخرها في وقت الحج ؟
__________
(1) …البخاري (304).
(2) …وأحسن منه: (الحفاظات) الخاصة لذلك.(2/428)
يجوز للمرأة أن تستعمل حبوب منع الحيض وقت الحج خوفاً من العادة، ويكون ذلك بعد استشارة طبيب مختص؛ محافظة على سلامة المرأة، وهكذا في رمضان إذا أحبت الصوم مع الناس .
اللجنة الدائمة - فتاوى المرأة، ص (89)
حكم الطواف في سطح المسجد الحرام
طفت طواف الإفاضة من سطح الحرم، ومن شدة الزحام كان بعض طوافي بجوار جدار المسعى؛ فهل يجزىء هذا الطواف ؟ وإذا كان لا يجزىء فهل أعيد السعي معه ؟
إذا كان قد حصل ذلك الطواف سبعة أشواط كفى ذلك؛ ولو كان بعضها على الجدار، المهم الدوران على الأرض أو مع الجدار، فأنت أكملت الطواف والسعي كذلك .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة ( الفتاوى )، (4/160)
حكم التعلق بأستار الكعبة
ما حكم التعلق بأستار الكعبة أو الإنكباب عليها ؟
التعلق بأستار الكعبة أو الإنكباب عليها ليس له أصل في الشريعة، ولهذا لما رأى ابن عباس معاوية يطوف بالكعبة ويستلم الأركان الأربعة - بيَّنَ له أن الاستلام خاص بالحجر الأسود والركن اليماني، فقال له معاوية: (ليس شيءٌ من البيت مَهْجُوراً) ؛ فأجاب ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، ولَمْ يَسْتَلِم النبي (ص) إلا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْن) (1)؛ فرجع معاوية رضي الله عنه إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما .
الشيخ ابن عثيمين - الفتاوى المكية، ص (8)
حكم المناقشة العلمية أثناء الطواف والسعي
ما حكم المناقشة العلمية بين شخصين فأكثر في أثناء الطواف أو السعي ؟
__________
(1) …أحمد في المسند (1/217). وأصله في البخاري (1608)، ومسلم (1269) مختصراً.(2/429)
المناقشة العلمية في الطواف أو السعي لا بأس بها؛ لا تبطل الطواف ولا السعي، لكن الأفضل أن يشتغل الإنسان بالذكر؛ لأن الطواف ينتهي ويزول والمناقشة لها وقت. أما الإجابة الخاطفة على سؤال من الأسئلة في أثناء الطواف أو السعي فإنها لا يفوت بها شيء مالم يكثر السائلون؛ ولهذا نقول لاحرج على الإنسان إذا سأله سائل في الطواف أن يقول: انتظر حتى أفرغ من الطواف؛ من أجل أن يفرغ نفسه للذكر .
الشيخ ابن عثيمين - الفتاوى المكية، ص (10)
لمس جسم المرأة لا يبطل الطواف
رجل كان يطوف طواف الإفاضة في زحام شديد ولامس جسم امرأة أجنبية عنه؛ هل يبطل طوافه ويبدأه من جديد قياساً على الوضوء أم لا ؟
لمس الإنسان جسم المرأة حال طوافه أو حال الزحمة في أي مكان لا يضر طوافه، ولا يضر وضوءه؛ في أصح قولي العلماء. وقد تنازع الناس في لمس المرأة هل ينقض الوضوء على أقوال: قيل: لا ينقض مطلقاً، وقيل: ينقض مطلقاً، وقيل: ينقض إن كان مع الشهوة، والأرجح من هذه الأقوال والصواب منها: أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً، وأن الرجل إذا مس المرأة أو قبَّل لا ينتقض وضوءه في أصح الأقوال؛ لأن الرسول (ص) قَبَّلَ بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ولأن الأصل سلامة الوضوء وسلامة الطهارة، فلا يجوز القول بأنها منتقضة بشيء إلا بحجة قائمة تدل على نقض الوضوء بلمس المرأة مطلقاً.(2/430)
أما قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النِّسَاء، من الآية: 43]، فالصواب في تفسيرها: أن المراد به الجماع، وهكذا القراءة الأخرى: أو لَمَسْتُم النساء (1) فالمراد بها: الجماع؛ كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة(2)، وليس المراد به مجرد مس المرأة كما يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه، بل الصواب في ذلك: هو الجماع؛ كما يقوله ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة. وبهذا يعلم أن الذي مس جسمه جسم امرأة في الطواف أن طوافه صحيح، وهكذا الوضوء، ولو مس امرأته أو قبلها فوضوءه صحيح؛ ما لم يخرج منه شيء .
الشيخ ابن باز - فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة، ص (32)
حكم تخصيص دعاء معين للطواف
ما حكم الدعاء من الكتيبات المخصصة للدعاء أثناء الطواف بالبيت العتيق ؟
الالتزام بهذا لا يجوز؛ لأن النبي (ص) لم يحدد للطواف دعاء مخصوصاً، وإنما كان يقول عليه الصلاة والسلام بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآْخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البَقَرَة، من الآية: 201]؛ هذا ما ثبت عنه(3) (ص) .
أما في بقية الشوط فإن المسلم يدعو ما تيسر له من الأدعية، أو يذكر الله بالتسبيح والتهليل . وكل يطيق ذلك، أو يقرأ ما تيسر من القرآن وهو أفضل الذكر .
__________
(1) …بغير ألف بعد اللام: (لَمَسْتُم)، وهي قراءة حمزة والكسائي.
(2) …انظر: «تفسير الطبري» (5/101-105)، و«الدر المنثور» (2/549، 551).
(3) …أحمد (3/411)، وأبو داود (1892)، والنسائي في «الكبرى» (3934)، وابن حبان (3826)، والحاكم 1/455 و2/277 (1673، 3098) وصححه وافقه الذهبي.(2/431)
أما أن يلتزم الناس بأدعية مخصصة لكل شوط فهذا ليس له أصل في الشرع . وينبغي منع مثل هذا لاسيما وأن الناس اتخذوه وكأنه من فرائض الطواف، وأيضاً يجتمع جماعة خلف قارىء واحد يقرأ بصوت مرتفع ثم يرفعون أصواتهم خلفه، وقد لا يعقلون هذا الدعاء ولا يعرفون معناه، ويشوشون على غيرهم .
والدعاء إذا كان عن غير حضور قلب ولا معرفة لمعناه لا ينفع صاحبه، فينبغي للمسلم أن يدعو لنفسه بما تيسر بدعاء يحضره قلبه ويفهم معناه؛ لينفعه الله به .
الشيخ الفوزان - فتاوى نور على الدرب (3/96)
حكم من طاف من داخل الحِجْر
ما حكم طواف من دخل مع وسط حِجْر إسماعيل بحيث يضع حجر إسماعيل على يمينه والكعبة على يساره ؟
أولاً: تعبير السائل بحجر إسماعيل خطأ؛ لأن هذا الحِجْر ليس لإسماعيل عليه السلام ولا يعرفه إسماعيل، وهذا الحجر إنما كان من فعل قريش حين أرادوا بناء الكعبة فلم يجدوا أموالاً تكفي لبنائها على أساسها الأول على قواعد إبراهيم عليه السلام؛ فاحتجروا منها هذه الجهة؛ ولهذا تسمى «الحِجْر»، وتسمى «الحَطِيم» أيضاً؛ لأنه حُطِمَ من الكعبة، وأكثر هذا الحجر من الكعبة، وعلى هذا فإذا طاف الإنسان من دونه بأن دخل من الباب الذي بينه وبين البناية القائمة وخرج مما يقابل فإن شوطه لم يتم؛ لأن الشوط لابد فيه من استيعاب الكعبة والحجر أيضاً. وعلى هذا فمن طاف على هذا الوجه فإن طوافه غير صحيح فعليه إعادته، ولا يترتب عليه ما يترتب على الطواف؛ فلا يحصل به التحلل إذا كان التحلل يتوقف عليه. وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه أنه يجب على من أراد الحج أو العمرة أن يتعلم أحكامهما قبل أن يدخل فيهما؛ لئلا يقع في مثل هذا الخطأ العظيم .
الشيخ ابن عثيمين - الفتاوى المكية، ص (7)
حكم من ترك سعي الحج جهلاً(2/432)
إنني ذهبت إلى الحج متمتعاً فأحرمت، وعندما وصلت إلى مكة طفت بالبيت الحرام، ثم سعيت بين الصفا والمروة، ثم تحللت من ملابس الإحرام إلى اليوم الثامن من ذي الحجة . ثم ذهبت إلى منى وعرفة والمزدلفة ورميت الجمرات، ثم قمت بجميع هذه المناسك على الوجه الأكمل، وعندما رجعت إلى مكة طفت بالبيت الحرام طواف الإفاضة؛ ولكنني لم أسع بين الصفا والمروة جهلاً مني. وكنت أظن أن طواف الإفاضة هو آخر ركن في الحج وليس بعده سعي؛ ولذلك لم أسع وطفت طواف الوداع ورجعت إلى القاهرة ولم أعرف بهذا إلا بعد أن تذكرت بمصر . . فما الحكم في حجي ؟
حجك صحيح؛ لكنه لم يكمل إلى الآن؛ لأنك تركت السعي، والسعي ركن من أركان الحج؛ لأنك فيما وصفت من أفعالك متمتع، والمتمتع عليه طوافان وسعيان: طواف وسعي للعمرة؛ وهذا قد أديته، وطواف وسعي للحج وقد أديت الطواف وبقي عليك السعي . وعليك أن تقدم لمكة وأن تسعى للحج سبعة أشواط بين الصفا والمروة بنية سعي الحج.
وإذا كنت قد جامعت زوجتك في هذه الفترة فيجب عليك ذبح شاة في مكة؛ تذبحها وتوزعها على فقراء الحرم ولا تأكل منها شيئاً .
وكذلك عليك شاة أخرى عن الوداع؛ لأن وداعك الأول ليس في محله؛ لأنك طفت للوداع قبل كمال أركان الحج، وبإمكانك أن تقدم إلى مكة وتحرم بعمرة وتأتي بأعمالها، وإذا فرغت منها تسعى للحج فلا بأس بذلك .
وإن دخلت إلى مكة ولم تحرم للعمرة وسعيت للحج مباشرة فلا حرج في ذلك، ولكن الصفة الأولى أحسن .
الشيخ الفوزان - فتاوى نور على الدرب (3/95)
حكم تقديم السعي على الطواف
هل يجوز تقديم السعي على الطواف لعذر شرعي ؟(2/433)
أما بالنسبة لتقديم سعي الحج على طواف الإفاضة فهذا جائز؛ لأن النبي (ص) وقف يوم النحر وجعل الناس يسألونه؛ فأحدهم يقول مثلاً: نحرت قبل أن أرمي أو قبل أن أحلق أو ما أشبه ذلك، فيقول: لا حَرَج (1)؛ حتى قيل له: سعيت قبل أن أطوف فقال: لا حَرَج(2).
أما العمرة إذا قدم الإنسان سعيها على طوافها؛ فلم يرد في هذا حديث عن الرسول (ص)؛ لكن قال بعض العلماء - وأظنه عطاء رحمه الله من التابعين - قال: إنه يجوز أن يقدم سعي العمرة قبل الطواف، وعن أحمد رواية: إنه يجوز أن يقدمه إذا كان جاهلاً؛ أي: إذا كان لعذر .
والاحتياط ألا يقدمه مطلقاً، وأنه لو فرض أنه سعى قبل الطواف ناسياً أو جاهلاً؛ فإنه إذا طاف ينبغي له أن يعيد السعي؛ لقول النبي (ص): لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم(3).
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى ورسائل للمعتمرين (1/21)
كفارة ترك المبيت بمزدلفة
شخص أدى فريضة الحج لهذا العام ولم يتمكن من الخروج من عرفة إلا صبيحة اليوم العاشر؛ وبالتالي فاته المبيت بمزدلفة، وذلك بسبب ازدحام السيارات وكثرة الناس، واتجه مباشرة إلى منى مروراً بمزدلفة بعد طلوع شمس يوم العاشر ... فماذا يجب عليه ؟
__________
(1) …البخاري (83، 84) وأطرافه فيهما، ومسلم (1306، 1307).
(2) …أبو داود (2015)، والطبراني في «الكبير» 1/181 (472)، والدارقطني في «سننه» (2/251)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (9431). وصححه الألباني في «صحيح أبو داود» (1775).
(3) …صحيح مسلم (1297).(2/434)
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البَقَرَة، من الآية: 196]؛ فإذا أحصر الانسان عن ترك واجب في الحج - كالمبيت بمزدلفة - فإنه يذبح هدياً بمكة في مزدلفة أو في منى أو في داخل مكة، فإن لم يجد فلا شيء عليه؛ لأن إيجاب صيام عشرة أيام لمن لم يجد هدياً في الإحصار أو لمن لم يجد فدية في ترك الواجب: لا دليل عليه؛ وقياسه على هدي التمتع قياس مع الفارق، كما أنه أيضاً مخالف لظاهر النص؛ فإن الله تعالى ذكر في هدي التمتع: أن من لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وأما الاحصار فإنه قال: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البَقَرَة: 196]، ولم يذكر بدلاً عن الهدي، فدل هذا على الفرق بينهما .
والخلاصة: أن الذي أرى أن هؤلاء الذين فاتهم المبيت بمزدلفة بسبب ازدحام السيارات عليهم هدي احتياطاً وإبراء للذمة؛ وهم إذا كانوا أغنياء فإنهم لن يضرهم ذلك شيئاً؛ أما إذا كانوا فقراء فليس عليهم شيء .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (2/18)
حكم المبيت خارج منى لعدم المكان
من لم يجد مكاناً في منى فبات بمكة ؟!
هذا لا يجوز؛ بل الواجب أن تبقوا حيث انتهاء الخيام ولو خارج منى إن لم تجدوا مكاناً؛ إذا بحثتم وتم البحث ولم تجدوا مكاناً في منى: كونوا عند آخر خيمة من خيام الناس.(2/435)
وقد ذهب بعض أهل العلم في زمننا إلى أنه إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فإنه يسقط عنه المبيت، ويجوز له أن يبيت في أي مكان في مكة أو في غيرها، وقاس ذلك على ما إذا ما فقد عضواً من أعضاء الوضوء فإنه يسقط غسله. ولكن في هذا نظر؛ لأن العضو يتعلق حكم الطهارة به ولم يوجد، أما هذا فإن المقصود من المبيت أن يكون الناس مجتمعين أمة واحدة في مكان واحد، فالواجب أن يكون الإنسان عند آخر خيمة حتى يكون مع الحجيج. ونظير ذلك: ما إذا امتلأ المسجد من الجماعة وصار الناس يصلون حول المسجد فإنه لابد أن تتواصل الصفوف وأن يكون كل صف يلي الصف الآخر حتى تكون الجماعة جماعة واحدة؛ فالمبيت نظير هذا وليس نظير العضو المفقود .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى الحج والعمرة، ص (18)
الطريقة الصحيحة لتقصير الشعر
رأينا في الحج بعض الناس عند التقصير في حج أو عمرة يقصرون من أسفل الرأس فقط على شكل دائرة، يمرون على أسفله من جميع الجهات، أما الباقي فلا يأخذون منه شيئاً، ولما قلنا لهم: إن التقصير لابد أن يكون بتعميم الرأس، قالوا لنا: هذا هو المطلوب؛ فأي العمل هو الواجب ؟
الواجب تعميم الرأس كله بالحلق أو التقصير في حج أو عمرة، ولا يلزمه أن يأخذ من كل شعرة بعينها، وما فعله من ذكرت لا يكفي في أصح أقوال العلماء، وليس من سنة محمد عليه الصلاة والسلام.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/217، 218)
هل يجزئ سُبع البدنة أو البقرة في الأضحية ؟
أرجو التكرم بإفتائنا: هل يجزئ السُبع من البقرة أو البدنة عن الرجل وأهل بيته ؟ أرجوا أن تتفضلوا بالجواب مشكورين؛ لأن عندنا بعض الناس لا يرون هذا مجزئاً، والعيد على الأبواب؛ ونحب أن نكون على بصيرة في هذا الأمر .. والسلام .(2/436)
قد دلت السنة الصحيحة عن النبي (ص) أن الرأس الواحد من الإبل والبقر والغنم يجزئ عن الرجل وأهل بيته وإن كثروا، أما السبع من البدنة والبقرة ففي إجزائه عن الرجل وأهل بيته تردد وخلاف بين أهل العلم. والأرجح: أنه يجزئ عن الرجل وأهل بيته؛ لأن الرجل وأهل بيته كالشخص الواحد، ولكن الرأس من الغنم أفضل. والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (18/44)
حكم ذبح الهدي خارج مكة
من حج ورمى الجمرة الأولى وذهب ليذبح الهدي فوجده غالي الثمن، فذهب من منى إلى مدينة جدة واشترى هديه وذبحه .. هل يصح أم لا ؟
أولاً: لا يجوز للحاج أن يخرج إلى جدة يوم العيد .
ثانياً: شراء الهدي من خارج حدود الحرم كجدة وغيرها جائز، وإنما الذي لا يجوز هو ذبحه خارج حدود الحرم؛ فذلك لا يجوز، ومن ذبح فشاته شاة لحم ولا تجزئه عن الهدي الواجب، ويعتبر في حكم من لم يُهْدِ؛ لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المَائدة، من الآية: 95]، وقوله: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البَقَرَة، من الآية: 196].
الشيخ ابن باز - فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة، ص (85)
حكم رمي الجمرات في الليل
جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: إني رميت بعدما أمسيت قال: "لا حرج" صححه البيهقي .. فهل هذا صحيح وأنه يجوز رمي جمرة العقبة بعد غروب شمس يوم النحر ؟
جاء عن النبي (ص): أنه سئل يوم النحر وليس في أيام التشريق؛ حيث جاء في البخاري أن أحد الصحابة قال: رَمَيْتُ بعدما أَمْسَيت(1)؛ أي: أنه رمى في آخر النهار وهذا مجزىء عند الجميع؛ إذا رمى آخر النهار يوم العيد بعد الظهر أو بعد العصر فلا بأس، وليس معناه أنه رمى في الليل؛ لأنه سأل النبي (ص) قبل أن يجيء الليل .
__________
(1) …البخاري (1723).(2/437)
أما الرمي بعد غروب الشمس فهو محل خلاف بين أهل العلم: منهم من قال أنه يجزىء وهو قول قوي، وقال آخرون إذا غربت الشمس لا يجزىء بل يؤجل ويرمي بعد زوال الشمس من اليوم الحادي عشر؛ ولكن يرمي جمرة العقبة قبل أن يرمي جمرات اليوم الحادي عشر. هذا هو المشروع عند العلماء.
ولكن ينبغي للمسلم أن يجتهد حتى يرمي جمرة العقبة في النهار يوم العيد كما رمى النبي (ص) وكما رمى الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وهكذا في الأيام التي الرمي فيها بعد الزوال وقبل غروب الشمس، فإذا ضاقت عليه الأمور وغابت الشمس ولم يرم: أجزأه الرمي بعد الغروب إلى آخر الليل على الصحيح. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - المجلة العربية (95) - فتاوى ورسائل الحج (1/32)
حكم التوكيل في رمي الجمرات
هل يمكن توكيل شخص عني لرمي الجمرات ثاني أيام التشريق بسبب ظروف عائلية تستوجب عودتي للرياض في هذا اليوم ؟ أم أن عليَّ في ذلك دم ؟
لا يجوز لأحد أن يستنيب ويسافر قبل إتمام الرمي؛ بل يجب عليه أن ينتظر: فإن كان قادراً رمى بنفسه، وإن كان عاجزاً انتظر ووكل من ينوب، ولا يسافر الإنسان حتى ينتهي وكيله من رمي الجمار، ثم يودع البيت هذا الموكِّل، وبعد ذلك له السفر .
أما إذا كان صحيحاً فليس له التوكيل بل يجب أن يرمي بنفسه؛ لأنه لما أحرم بالحج وجب عليه إكماله وإن كان متطوعاً؛ لأن الشروع بالحج يوجب إكماله - كما قال سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البَقَرَة، من الآية: 196]، وهكذا العمرة كما في الآية الكريمة؛ إذا شرع فيها وجب عليه الإتمام والإكمال وليس له أن يوكل في بعض أعمال الحج - على الصحيح - مادام قادراً على فعلها.
الشيخ ابن باز - فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة، ص (95)
حكم الرمي بالحصى المستعمل
يقال: إنه لا يجوز الرمي بجمرة قد رمي بها؛ فهل هذا صحيح ؟ وما الدليل عليه ؟(2/438)
هذا ليس بصحيح؛ لأن الذين استدلوا بأنه لا يرمى بجمرة قد رمى بها - عللوا ذلك بعلل ثلاث: قالوا: إنها - أي الجمرة التي رمي بها - كالماء المستعمل في طهارة واجبة، والماء المستعمل في الطهارة الواجبة يكون طاهراً غير مُطهِّر، وإنها: كالعبد إذا أعتق فإنه لا يعتق بعد ذلك في كفارة أو غيرها، وإنه يلزم من القول بالجواز: أن يرمي جميع الحجيج بحجر واحد، فترمي أنت هذا الحجر ثم تأخذه وترمي ثم تأخذه وترمي حتى تكمل السبع، ثم يجيء الثاني فيأخذه فيرمي حتى يكمل السبع. فهذه ثلاث علل؛ وكلها عند التأمل عليلة جداً:
- أما التعليل الأول: فإننا نقول بمنع الحكم في الأصل؛ وهو أن المستعمل في طهارة واجبة يكون طاهراً غير مطهر؛ لأنه لا دليل على ذلك ولا يمكن نقل الماء عن وصفه الأصلي وهو الطهورية إلا بدليل، وعلى هذا فالماء المستعمل في طهارة واجبة طهور مطهر؛ فإذا انتفى حكم الأصل المقيس عليه انتفى حكم الفرع.
- وأما التعليل الثاني: وهو قياس الحصاة المرمى بها على العبد المعتق فهو قياس مع الفارق؛ فإن العبد إذا أعتق كان حراً لا عبداً فلم يكن محلاً للعتق؛ بخلاف الحجر إذا رمي به فإنه يبقى حجراً بعد الرمي به؛ فلم ينتف المعنى الذي كان من أجله صالحاً للرمي به؛ ولهذا لو أن هذا العبد الذي أعتق استرق مرة أخرى بسبب شرعي جاز أن يعتق مرة ثانية.
- وأما التعليل الثالث: أنه يلزم من ذلك أن يقتصر الحجاج على حصاة واحدة؛ فنقول: إن أمكن ذلك فليكن، ولكن هذا غير ممكن ولن يعدل إليه أحد مع توفر الحصا .
وبناء على ذلك؛ فإنه إذا سقط من يدك حصاة أو أكثر حول الجمرات فخذ بدلها مما عندك وارم به؛ سواء غلب على ظنك أنه قد رمي بها أم لا.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى إسلامية، (2/278)
أوقات رمي الجمرات أداءً وقضاءً
متى ينتهي رمي جمرة العقبة أداءً ؟ ومتى ينتهي قضاء ؟(2/439)
أما رمي جمرة العقبة يوم العيد، فإنه ينتهي بطلوع الفجر من اليوم الحادي عشر ويبتدئ من آخر الليل من ليلة النحر للضعفاء ونحوهم من الذين لا يستطيعون مزاحمة الناس، وأما رميها في أيام التشريق فهي كرمي الجمرتين اللتين معها، يبتدىء الرمي من الزوال، وينتهي بطلوع الفجر من الليلة التي تلي اليوم؛ إلا إذا كان في آخر أيام التشريق انتهت بغروب شمسها، ومع ذلك فالرمي في النهار أفضل؛ إلا أنه في هذه الأوقات مع كثرة الحجيج وغشمهم وعدم مبالاة بعضهم ببعض: إذا خاف على نفسه من الهلاك أو الضرر أو المشقة الشديدة - فإنه يرمي ليلاً ولا حرج عليه، كما أنه لو رمى ليلاً بدون أن يخاف هذا فلا حرج عليه، ولكن الأفضل أن يراعي الاحتياط في هذه المسألة ولا يرمي ليلاً إلا عند الحاجة اليه، وأما قوله: قضاء؛ فإنها تكون قضاء إذا طلع الفجر من اليوم التالي.
الشيخ ابن عثيمين، كتاب الدعوة، (2/20)
حكم تأخير الرمي إلى اليوم الثالث عشر
هل يجوز رمي الجمرات في آخر أيام التشريق دفعة واحدة وفي فترة واحدة عن جميع أيام التشريق ؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون الرمي ؟ ومتى ؟ ولمن ؟(2/440)
المشروع للمؤمن في الحج أن يرمي كما رمى النبي (ص) في حجة الوداع؛ فيرمي جمرة العقبة يوم العيد، بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم يرمي يوم الحادي عشر الجمرات الثلاث بعد الزوال ويرمي كل واحدة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويبدأ بالتي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة التي تلي مكة، وهي التي رماها يوم العيد، ثم يرمي في اليوم الثاني عشر، الجمار الثلاث، بعد الزوال . كما رماها في اليوم الحادي عشر، والمشروع له أن يقف بعد رمي الجمرة الأولى في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر، ويرفع يديه ويدعو ويجعلها عن يساره، وهكذا بعد الثانية بعد الرمي يقف ويرفع يديه ويدعو، ويجعلها عن يمينه، تأسياً بالنبي (ص) في ذلك، أما الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة، فإنه يرميها ولا يقف عندها للدعاء، ثم إن شاء تعجل قبل الغروب وتوجه إلى مكة، وإن شاء بقي في منى، وبات بها في الليلة الثالثة عشرة، ورمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر بعد الزوال كما رماها في اليوم الحادي عشر وفي اليوم الثاني عشر، وهذا هو الأفضل إذا تيسر ذلك؛ تأسياً بالنبي (ص)؛ لأنه لم يتعجل، ولو أخر الحاج رمي الحادي عشر والثاني عشر ورماها في اليوم الثالث عشر مرتبة بعد الزوال أجزأه ذلك؛ ولكنه يعتبر مخالفاً للسنة، وعليه أن يرتبها فيبدأ برمي الحادي عشر، في جميع الجمرات الثلاث مرتبة، ثم يعود ويرميها عن اليوم الثاني عشر، ثم يعود ويرميها عن الثالث عشر؛ كما نص على ذلك كثير من أهل العلم، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة (الفتاوى)، (4/168)
حكم خروج الحاج إلى جدة أيام التشريق
إذا خرج الحجاج من مكة إلى جدة مثلاً، قبل أن تنتهي أعمال الحج للحاجة ثم عادوا إلى مكة؛ فهل يلزمهم عن خروجهم ذلك وداع أم لا ؟(2/441)
إذا كانوا قد أكملوا الرمي يلزمهم وداع، أما إن كانوا قد خرجوا في الحادي عشر أو الثاني عشر قبل أن ينفر الحاج فلا شيء عليهم، أما إذا كان بعد كمال الرمي فلا ينفروا حتى يودعوا .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة ( الفتاوى )، (4/157)
حكم من ترك بعض واجبات الحج جهلاً
ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظاناً أن هذا هو التعجيل، وترك المبيت بمنى وطواف الوداع جاهلاً .
حجك صحيح؛ لأنك لم تترك ركناً من أركان الحج لكنك تركت فيه ثلاثة واجبات: الواجب الأول المبيت بمنى ليلة الثاني عشر، والواجب الثاني رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر، والواجب الثالث طواف الوداع. والواجب عند أهل العلم - إذا تركه الإنسان في الحج - وجب عليه دم يذبحه في مكة ويفرقه على الفقراء؛ لكن ترك المبيت بمنى ليلة واحدة لا يوجب الدم . وبهذه المناسبة أود أن أنبه إخواني الحجاج على هذا الخطأ الذي ارتكبه أخونا السائل؛ فإن كثيراً من الحجاج يفهمون من قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}[البَقَرَة، من الآية: 203]، أي: خرج في اليوم الحادي عشر؛ يعتبرون اليومين يوم العيد ويوم الحادي عشر، والأمر ليس كذلك؛ بل هذا خطأ في الفهم؛ لأن الله تعالى قال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}[البَقَرَة: 203]، والأيام المعدودات هي: أيام التشريق، وأيام التشريق أولها اليوم الحادي عشر؛ وعلى هذا فيكون قوله: ُ 4 1 2 7 ِ {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} أي: من أيام التشريق؛ وهو اليوم الثاني عشر، فينبغي أن يصحح الإنسان مفهومه نحو هذه المسألة حتى لا يخطىء.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى الحج والعمرة، ص (18)
خروج الحاج بلا وداع بنية العودة للوداع(2/442)
نحن من سكان جدة قدمنا العام الماضي للحج وأكملنا جميع المناسك ما عدا طواف الوداع؛ فقد أجلناه إلى نهاية شهر ذي الحجة، وبعد أن خف الزحام عدنا ... هل حجنا صحيح ؟
إذا حج الإنسان وأخر طواف الوداع إلى وقت آخر فحجه صحيح؛ وعليه أن يطوف للوداع عند خروجه من مكة فإن كان في خارج مكة كأهل جدة وأهل الطائف والمدينة وأشباههم فليس له النفير حتى يودع البيت بطواف سبعة أشواط حول الكعبة فقط؛ ليس فيه سعي؛ لأن الوداع ليس فيه سعي بل طواف فقط، فإن خرج ولم يودع البيت فعليه دم عند جمهور أهل العلم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء والمساكين، وحجه صحيح كما تقدم. هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم.
فالحاصل: أن طواف الوداع نُسُكٌ واجب في أصح أقوال أهل العلم، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مَنْ تَرَكَ نُسُكاً أو نَسِيَهُ فَلْيُرِقْ دماً (1)، وهذا نسك تركه الإنسان عمداً فعليه أن يريق دماً يذبحه في مكة للفقراء والمساكين، وكونه يرجع بعد ذلك لا يسقطه عنه؛ هذا هو المختار وهذا هو الأرجح عندي. والله أعلم.
الشيخ ابن باز - فتاوى تتعلق بأحكام الحج و العمرة والزيارة، ص (126)
حكم النظر إلى النساء في المسجد الحرام
هل يؤاخذ المرء على النظر إلى النساء في الحرم مع أنه بغير شهوة ولا تمتع؛ علماً بأن النساء هن اللواتي يجذبن إليهن الأنظار ؟
__________
(1) …«موطأ مالك» 1/397، 419 (890، 940). والدارقطني في «السنن» 2/244 (37،39)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8707، 9470، 9606).(2/443)
الحقيقة أن مشكلة النساء في هذا المكان مشكلة كبيرة؛ لأن من النساء من يحضر إلى هذا المكان - الذي هو مكان عبادة وخضوع - يحضر على وجه يفتن من لا يفتتن؛ فتأتي المرأة متبرجة متطيبة يبدو من حركاتها أنها تغازل الرجال وهذا أمر منكر في غير المسجد الحرام؛ فكيف بالمسجد الحرام ؟! ونصيحتي لمن يسمع منهن: أن يتقين الله تعالى في أنفسهن وأن يحترمن بيت الله عز وجل ومن وقوع المعاصي فيه، وعلى الرجال إذا رأوا امرأة على وجه غير سائغ؛ عليهم أن ينصحوها وينهروها أو يبلغوا عنها من يستطيع منعها ونهرها، والناس - ولله الحمد - فيهم خير .
ولكن مع هذا نقول: إن الرجل يجب عليه أن يغض بصره بقدر ما يستطيع: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}[النُّور، من الآية: 30]، فعليه أن يغض بصره ما استطاع؛ لاسيما إذا رأى من نفسه تحركاً لتمتع أو لذة، فإنه يجب عليه الغض أكثر وأكثر، والناس في هذا الباب يختلفون اختلافاً كبيراً .
الشيخ ابن عثيمين، فتاوى الأسرة وخاصة المرأة، ص (36)
حكم استعمال آلات اللهو المحرمة في الحج أو العمرة
ما الحكم فيمن يصطحب معه آلات اللهو المحرمة في الذهاب إلى الحج أو العمرة ؟
اصطحاب الآلات المحرمة إذا استعملها الإنسان لاشك أنه على معصية؛ والإصرار على المعصية كبيرة، وإذا استعملت حين تلبسه بالإحرام بالعمرة أو بالحج كان ذلك أشد إثماً؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البَقَرَة، من الآية: 197]. فعلى الإنسان المسلم أن يتجنب كل ما حرم الله عليه؛ لا في الذهاب إلى الحج، ولا في الرجوع منه، ولا في التلبس به.
الشيخ ابن عثيمين، الفتاوى المكية، ص (4)
مضاعفة أجر الصلاة خاص بمسجد الكعبة
هل تضعيف أجر الصلاة في المسجد الحرام خاص بالمسجد أو يعم سائر الحرم ؟(2/444)
تضعيف الأجر في الصلاة في المسجد الحرام خاص بالمسجد الذي فيه الكعبة فقط، ولا يشمل ذلك جميع الحرم؛ لما رواه مسلم في «صحيحه»: باب فضل الصلاة بمسجد مكة والمدينة، عن ميمونة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: صلاةٌ فيه - أي: المسجد النبوي - أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سِوَاه من المساجدِ إلا مَسْجِدَ الكعبة(1). هذا هو القول الراجح، وهو ظاهر كلام أصحابنا فقهاء الحنابلة، كما ذكر ذلك صاحب الفروع عنهم؛ قال في «الفروع» (ص600 ج1 ط آل ثاني): وظاهر كلامهم في المسجد الحرام أنه نفس المسجد، ومع هذا فالحرم أفضل من الحِل؛ فالصلاة فيه أفضل. اهـ. وذلك لأن المسجد الحرام عند الإطلاق يختص بالمسجد الذي فيه الكعبة؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}[البَقَرَة، من الآية: 191]، وقوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[التّوبَة، من الآية: 19] وقوله: {فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}[التّوبَة، من الآية: 28]، وقوله: {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الفَتْح، من الآية: 25] ولم يصدوه عن الحرم، وكقوله (ص): لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجد: المسجدِ الحرام، ومسجدي هذا، والمسجدِ الأقْصَى(2). فإن المرء لو شد الرحل إلى مسجد الشعب، أو مسجد الجودرية، أو مسجد الخيف، أو غيرهن من مساجد الحرم لم يكن له ذلك، فإذا كان شد الرحل خاصًّا بالمسجد الذي فيه الكعبة كان التضعيف خاصًّا به أيضاً؛ لأنه إنما جاز شد الرحل من أجل هذا التضعيف ليدركه من شد الرحل، ولكن لا شك أن الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحل؛ إلا أنه ليس فيها التضعيف الذي في المسجد الحرام. هذا هو القول الراجح.
__________
(1) …مسلم (1396).
(2) …البخاري (1188)، ومسلم (1397).(2/445)
والقول الثاني: أن التضعيف يشمل جميع الحرم؛ واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التّوبَة، من الآية: 28]، وقوله سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الإسرَاء، من الآية: 1]؛ وقد روي أنه (ص) أسري به من بيت أم هانئ رضي الله عنها. واستدلوا بأن النبي (ص) كان في الحديبية مقيماً في الحِلّ ويصلي في الحرم(1). ولكن لا دلالة فيما ذكروا لقولهم؛ لأن الآية الأولى قال فيها سبحانه: ُ ( ) ِ لم يقل: فلا يدخلوا. وعليه فالمراد بالمسجد الحرام فيها مسجد الكعبة نهوا عن قربانه، وذلك بأن لا يدخلوا حدود الحرم، ولو كان المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم لكان المشركون منهيين عن قربان الحرم، لا عن الدخول فيه، ولكان بين حدود الحرم والمكان المباح لهم مسافة تفصل بينهم وبين الحرم؛ بحيث لا يكونون قريبين منه.
وأما الآية الثانية: فإن المراد بالمسجد الحرام فيها مسجد الكعبة أيضاً؛ وذلك لأن الرواية الصحيحة أنه أسري به من الحِجر لا من بيت أم هانئ رضي الله عنها(2).
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (20/164) ف - (465)
هل تتضاعف السيئات في مكة ؟
هل تتضاعف السيئات في مكة ؟ وما كيفية مضاعفتها ؟
__________
(1) …البخاري، (2731، 2732).
(2) …البخاري، (3570)، ومسلم، (162).(2/446)
المضاعفة في مكة بالنسبة للسيئات ليست من ناحية الكمية، ولكنها تتضاعف من ناحية الكيفية؛ بمعنى أن العقوبة تكون أشد وأوجع، والدليل أنها لا تضاعف كمية؛ قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *}[الأنعَام]، وهذه الآية مكية؛ لأنها في سورة الأنعام، لكن كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *}[الحَجّ]؛ يعني: أن إيلام العقوبة في مكة أشد من إيلام العقوبة إذا فعلت هذه المعصية خارج مكة. وفي هذا التحذير الشديد من المعاصي في مكة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (20/169) - ف(468)
ما لِلسَّاكِنِ في مكة وما عليه
يقال أن الساكن بمكة - حرسها الله - المقيم بها له أجر العابد في غيرها؛ فهل هذا صحيح ؟(2/447)
لا شك أن مكة - حرسها الله - من أفضل البقاع، ولكنها لا تقدس من سكنها، وقد قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[البَقَرَة: 126]؛ فدل ذلك على أن مكة يسكنها الكفار والمشركون؛ فإن أهلها لما بعث النبي (ص) إليهم آذوه وكذبوه، وعذبوا من آمن به، فخرج منها هو ومن آمن معه وبقي بها رؤساء الكفر كأبي جهل وأبي لهب؛ فالمقيم بها إذا عمل عملاً صالحاً، ضاعف الله أجره، وإن عمل السيئات فذنبه أعظم، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحَجّ: 25]؛ وقد أخذ من هذه الآية: أن من عزم أن يعمل الخطايا والسيئات والمحرمات بمكة فهو أهل أن يعذب على هذه النية؛ وذلك لانتهاكه حرمة الحرم بعزمه على فعل المعصية.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 3/3/1424هـ
الفصل الرابع…النيابة عن الآخرين في الحج
حكم الحج عن الآخرين وشروطه
ما الأمور التي يجوز فيها الإنابة أو التوكيل في مناسك الحج ؟ ومتى يجوز الحج عن الغير ؟
يجوز الحج والعمرة عن الميت المسلم، وعن الحي المسلم العاجز عن أدائها بنفسه؛ لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، وتجوز النيابة في رمي الجمار عن العاجز الذي لا يقوى على مباشرة الرمي بنفسه؛ كالصبي والمريض وكبير السن، إذا كان النائب من الحجاج ذلك العام، وقد رمى عن نفسه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/76)
إعانة من لم يحج أفضل من التوكيل لحج النافلة
من دفع نفقة شخص لم يؤد الحج وهي فريضة .. فهل له مثل أجره ؟ وهل هو أفضل من أن ينيب من يحج عنه ؟(2/448)
نعم - إن شاء الله - له مثل أجر حجِّه، يعنى أجر حج فريضة؛ لأن النبي (ص) قال: مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فَقد غَزَا (1)؛ والحج نوع من الجهاد، وإعطاء هذا الفقير ليحج حج الفريضة أفضل من كونه يعطي الدراهم لشخص يحج عنه حجة نافلة؛ لأنه سيأتي أجر فريضة إلى أخيه لأداء ركن من أركان الإسلام عنه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/108) س (127)
حكم النيابة الجزئية في الحج
ما هي النيابة الجزئية في الحج ؟
__________
(1) …البخاري (2843)، ومسلم (1895)، بزيادة في آخره.(2/449)
النيابة الجزئية في الحج - معناها: أن يوكل الإنسان من يقوم ببعض أفعال الحج؛ مثل: أن يوكل من يطوف عنه، أو يسعى عنه، أو يقف عنه، أو يبيت عنه، أو يرمي عنه، أو ما أشبه ذلك من جزئيات الحج، والراجح: أنه لا يجوز للإنسان أن يستنيب من يقوم عنه بشيء من أجزاء الحج أو العمرة؛ سواءً كان ذلك فرضاً أو نفلاً؛ وذلك لأن من خصائص الحج والعمرة: أن الإنسان إذا أحرم بهما صار فرضاً ولو كان الحج أو العمرة نفلاً - لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البَقَرَة، من الآية: 197]، وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج؛ أي قبل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}[آل عِمرَان، من الآية: 97]، وهذا يدل على أن تلبس الإنسان بالحج أو العمرة يجعله فرضاً عليه، وكذلك يدل على أنه فرض إذا شرع فيه؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *}[الحَجّ]، وهذا يدل على أن الشروع في الحج يجعله كالمنذور؛ وبناء على ذلك فإنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً في شيء من جزئيات الحج، ولا أعلم في السنة أن الاستنابة في شيء من أجزاء الحج قد وقعت إلا فيما يروى من كون الصحابة رضي الله عنهم يرمون عن الصبيان، ويدل لهذا أن أم سلمة رضي الله عنها لما أرادت الخروج قالت: يا رسول الله إني أريد الخروج وأجدني شاكية، فقال: طُوفِي مِن وراء الناس وأنتِ راكِبَةٌ (1)؛ وهذا يدل على أنه لا يجوز التوكيل في جزئيات الحج.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/160) س (199)
آداب النيابة في الحج
عرض رجل مبلغاً من المال مقابل حجة عن الغير .. فهل يجوز له أخذ المبلغ ؟ علماً أنه لولا هذا المبلغ لا ينوي الحج لوجود ظروف مانعة.
__________
(1) …البخاري (1633) ومسلم، (1276).(2/450)
إذا أعطي الإنسان مالاً يحج به فلا بأس؛ لا سيما إذا قصد الإنسان بهذا خيراً؛ يقصد أولاً: قضاء حاجة أخيه؛ لأن كثيراً من الناس يتمنى أن يجد من يحج عنه، أو عن ميِّتِهِ مثلاً. ثانياً: أن ينوي بذلك التقوي بهذا المال على الوصول إلى المشاعر؛ لعله يصاب برحمة الله عز وجل في ذلك المكان. ثالثاً: إذا كان طالب علم ينوي بذلك أن يذهب إلى تلك المشاعر ليهدي الله على يده من شاء من عباده، وبهذه النيات الثلاث كلها نيات طيبة لا تضر.
أما من حج من أجل المال فهذا هو الخاسر؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية(1) رحمه الله: من أخذ المال ليحج به فلا حرج، ومن حج ليأخذ المال فما له في الآخرة من خلاق. يعني: ما له نصيب من الآخرة. فالذي ينبغي لمن أخذ مالاً ليحج به عن الغير أن ينوي ما ذكرت.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/139) - س (174) حكم الاستنابة عن الحي في الحج
الاستنابة في الحج عن الحي .. هل تجوز ؟
الاستنابة في الفرض عن العاجز عجزاً لا يرجى زواله لا بأس بها؛ لأنها جاءت بها السنة، وكذلك عن الميت الذي لم يؤد فريضته جاءت بها السنة، أما عن الحي في النفل فأرى أنه لا تصح الاستنابة لا للعاجز ولا للقادر؛ لأنها إنما جاءت في الفريضة للضرورة بالنسبة للعاجز، والنافلة لا ضرورة فيها، ولهذا أجاز بعض العلماء أن يصرف من الزكاة في حج الفقير، ولا يصرف في نفله؛ لأن الحج فريضة، والصرف فيه ضرورة بخلاف النفل، فلا أرى الاستنابة في النفل؛ لأن الحج عبادة: إما أن يفعلها الإنسان بنفسه حتى يتأثر بها قلبه ويشعر بأنه متعبد لله، فإن حصل ذلك وإلا فلا حاجة إذا كان لديه مال فليصرفه لمن لم يحج فريضة، فهو أفضل؛ لأنه أعان في فرض.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/148) - س (185)
حكم من حج عن غيره قبل حجه عن نفسه
ما حكم من حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه ؟ ولمن تكون حجته ؟
__________
(1) …انظر: «مجموع الفتاوى» (26/15-18)، بنحوه وزيادة.(2/451)
إذا حج الإنسان عن غيره وقد وجبت عليه الفريضة بأن كان مستطيعاً، ولكنه لم يحج ثم حج عن غيره - فإن ذلك غير صحيح؛ قال أهل العلم: وتكون الحجة لنفسه، لا لمن نواها له، وإذا كان قد أخذ شيئاً ممن نوى الحج عنه فإنه يرده إليه.
أما إذا كان لم يحج عن نفسه لعدم استطاعته وحج عن غيره؛ فإن هذا لا بأس به؛ وذلك لأنه إذا لم يكن مستطيعاً فالحج في حقه غير فريضة، فيكون قد أدى عن غيره حجاً في محله فيجزئ عنه.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (21/145) - س (180)
حكم توكيل المرأة الرجل لرمي الجمرات
هل يجوز أن توكل المرأة في رمي الجمرات؛ خشية الزحام، وحجها فريضة، أو ترمي بنفسها ؟
يجوز عند الزحام في رمي الجمرات أن توكل المرأة من يرمي عنها، ولو كانت حجتها حجة الفريضة؛ وذلك من أجل مرضها أو ضعفها، أو المحافظة على حملها إن كانت حاملاً، وعلى عرضها وحرمتها؛ حتى لا تنتهك حرمتها شدة الزحام.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/284)
حكم إهداء ثواب الطواف وغيره من العبادات
عندما كنت في مكة المكرمة وصلني نبأ أن قريبتي قد توفيت فطفت لها سبعاً حول الكعبة ونويتها لها؛ فهل يجوز ذلك ؟(2/452)
نعم؛ يجوز لك أن تطوفي سبعاً تجعلين ثوابه لمن شئت من المسلمين؛ هذا هو المشهور من مذهب الامام أحمد رحمه الله: إن أي قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها لمسلم ميت أو حي فإن ذلك ينفعه؛ سواء كانت هذه القربة عملاً بدنياً محضاً كالصلاة والطواف، أم مالياً محضاً كالصدقة، أم جامعاً بينهما كالأضحية . ولكن ينبغي أن يعلم أن الأفضل للإنسان أن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه وأن يخص من شاء من المسلمين بالدعاء له؛ لأن هذا هو ما أرشد إليه النبي (ص) في قوله: إذا ماتَ الانسانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِن ثَلاث: من صدقةٍ جارِيَة أو علمٍ يُنْتَفَعُ بِه أو وَلَدٍ صالحٍ يَدْعُو له(1).
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة، (2/27)
حكم إهداء ثواب الطواف
ما حكم التبرع بأجر الطواف لشخص آخر ؟ حيث أن البعض إذا رأى شخصاً سيذهب يقول له: خذ لي سبعاً؛ أي: سبعة أشواط، ينوي أجرها له .. هل هذا جائز أم لا ؟
الطواف بالكعبة لا يقبل النيابة، فلا يطوف أحد عن غيره إلا إذا كان حاجاً عنه أو معتمراً؛ فينوب عنه فيه تبعاً لجملة الحج أو العمرة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/236)
الفصل الخامس…من أحكام العمرة
حكم العمرة
هل العمرة واجبة على أهل مكة أم لا ؟ وإذا كانت واجبة أرجو الدليل من الكتاب والسنة، وإذا كانت غير واجبة لأهل مكة أرجو الدليل أيضاً، وإذا كانت واجبة عليهم .. هل يذهبون إلى التنعيم أم لا ؟ أفيدونا أفادكم الله.
العمرة في الإسلام واجبة مرة في العمر على أهل مكة وغيرهم؛ لعموم أدلة الوجوب.
وأما الإحرام بالعمرة لمن كان داخل الحرم فمن الحِلّ: كالتنعيم، والجِعْرَانة(2)، ونحوهما.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________
(1) …مسلم (1631) وغيره.
(2) …الجِعْرَانة أو الجعِرَّانة: موضع بين مكة والطائف.(2/453)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/316)
حكم تكرار العمرة في السنة الواحدة
س :
ما حكم تكرر العمرة في السنة ؟
الصحيح: أنه يجوز تكرر العمرة في السنة عدة مرات؛ لقول النبي (ص): العُمْرَةُ إلى العمرة كفارةٌ لِمَا بينهما، والحجُّ المَبْرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة (1) متفق على صحته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/334) حكم قطع العمرة بسبب الحيض
أحرمت امرأة بالعمرة، ثم حاضت فلم تطف ولم تسع، ورجعت إلى منزلها وحلت إحرامها؛ فهل عليها من شيء ؟ وإن كانت لم تحل إحرامها فهل عليها من شيء ؟
من أحرمت بالعمرة ثم حاضت فحلت من إحرامها قبل أن تطوف وتسعى: فإن كانت جاهلة الحكم ولم يجامعها زوجها وجب أن تكمل عمرتها بعد انقطاع حيضها، ثم اغتسالها منه كما تغتسل من الجنابة، فتطوف وتسعى وتتحلل بعد التقصير من شعر رأسها ولا شيء عليها. وإن حصل الجماع بطلت عمرتها، وعليها أن تكملها بالطواف والسعي والتقصير، ووجب عليها أن تقضيها فتأتي بعمرة بدلها من الميقات الذي أحرمت بالأولى منه، وعليها دم؛ إما شاة من الضأن سنها ستة أشهر فأكثر، أو المعز سنها سنة فأكثر، تذبح بمكة وتوزع على فقرائها. أما إن كانت لم تحل من عمرتها فعليها أن تكمل عمرتها فتطوف وتسعى وتتحلل من عمرتها بقص شيء من شعر رأسها، ولا تبطل عمرتها بالحيض على كل حال.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/323)
حكم طواف الوداع للمعتمر (للجنة الدائمة)
أنا كنت ألزم المعتمرين بطواف الوداع عند خروجهم من البلد الحرام، وقد سمعت من سماحتكم في درسكم بالحرم أنه لا وداع لها، فأرجو زيادة البيان في هذا الموضوع .
__________
(1) …البخاري (1773)، ومسلم (1349).(2/454)
يجب طواف الوداع على من حج بيت الله الحرام عند سفره؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (أُمِرَ الناس أن يكون آخرُ عَهْدِهِم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض)(1) متفق عليه، ولقوله: (كان الناس ينصرفون في كل وَجْهٍ؛ فقال رسول الله (ص): لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتى يكونَ آخرُ عَهْدِهِ بالبيت )(2) ؛ رواه أحمد ومسلم، وهذا أمر للحجاج بقرينة الحال؛ فإنه (ص) قاله عند الفراغ من الحج؛ إرشاداً للحجاج. أما المعتمر فلا يجب عليه طواف الوداع، لكن يسن له أن يطوفه عند سفره؛ لعدم الدليل على الوجوب، ولأنه (ص) لم يطف للوداع عند خروجه من مكة بعد عمرة القضاء فيما علمنا من سنته في ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/336)
حكم طواف الوداع للمعتمر (للشيخ ابن عثيمين)
ما حكم طواف الوداع للمعتمر إذا تأخر بعد العمرة يوماً أو بعض يوم ؟
طواف الوداع للمعتمر إذا كان من نيته حين قدم مكة أن يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ثم يرجع - فلا طواف عليه؛ لأن طواف العمرة في حقه صار بمنزلة طواف الوداع، أما إذا بقي في مكة فالراجح أنه يجب عليه أن يطوف الوداع؛ وذلك للأدلة التالية:
أولاً: عموم قوله (ص): «لا يَنْفِرنَّ أحدٌ حتى يكونَ آخِرُ عَهْدهِ بالبيت» (3)؛ وهذا شامل، و(أحد) نكرة في سياق النفي أو في سياق النهي؛ فتعم كل من خرج .
__________
(1) …البخاري (1755)، ومسلم (1328).
(2) …أحمد (1/222)، ومسلم (1327)، وابن ماجه (3070)، والطبراني في «الكبير» 11/43 (10986).
(3) …أحمد (1/222)، ومسلم (1327)، وابن ماجه (3070)، والطبراني في «الكبير» 11/43 (10986).(2/455)
ثانياً: إن العمرة كالحج سماها النبي (ص) حجاً أصغر - كما في حديث عمرو ابن حزم رضي الله عنه المشهور الذي تلقته الأمة بالقبول؛ قال النبي (ص): «والعُمْرَةُ هي الحَجُّ الأَصْغَرُ»(1).
ثالثاً: إن النبي (ص) قال ليعلى بن أمية رضي الله عنه: «اِصْنَعْ في عُمْرَتِكَ ما أنْتَ صانِعٌ في حَجِّك»(2) . فإذا كنت تصنع طواف الوداع في حجك فاصنعه في عمرتك، ولا يخرج من ذلك إلا ما أجمع العلماء على خروجه: مثل الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة والمبيت بمنى ورمي الجمار؛ فإن هذا بالإجماع ليس مشروعاً في العمرة، ولأن الإنسان إذا طاف صار أبرأ لذمته وأحوط؛ لأنك إذا طفت لم يقل أحد من العلماء أنك أخطأت، لكن إذا خرجت بدون طواف قال بعض أهل العلم: إنك أخطأت حيث خرجت بدون وداع .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى ورسائل للمعتمرين (1/24)
الفصل السادس…من أحكام الذبائح
حكم السؤال عن كيفية الذبح قبل الأكل
في يوم من الأيام دعوت أصحابي وزملائي في العمل إلى تناول طعام الغداء؛ ولما حضروا وقدمت لهم المائدة كان من ضمن المأكولات دجاج مشوي على الفحم نعمله في البيت، سألني أحدهم - وهو معروف بصلاحه وتدينه - عنه: هل هو وطني أم مستورد ؟ فذكرت له أنه مستورد وأظنه فرنسي فكف عن الأكل منه؛ فسألته: لماذا ؟ فأجابني بقوله: إنه محرَّم . فقلت له: من أين لك هذا ؟ فرد علي بقوله: سمعت بعض المشائخ يقولون بذلك.. فأرجو من فضيلتكم أن توضحوا لنا الحكم الشرعي الصحيح - حفظكم الله.
__________
(1) …الدارقطني في «السنن» 2/285 (222)، والطبراني في «الكبير» 9/44 (8336)، وابن حبان (6559)، والحاكم 1/395-397 (1447)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7047، 8553). قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/74): «رواه الطبراني في الكبير، وفيه هشام بن سليمان، وقد ضعفه جماعة من الأئمة ووثقه البخاري». اهـ.
(2) …مسلم (1180).(2/456)
الوارد من دول أجنبية - أي: غير إسلامية - إذا كان الذين يباشرون ذبحه من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى: فإنه يجوز أكله، ولا ينبغي السؤال عن كيفية ذبحه ولا هل سمّوا عليه أم لا ؟ وذلك لأن النبي (ص) أكل من الشاة التي أهدتها إليه اليهودية في خيبر(1). وأكل من الطعام الذي دعاه إليه يهودي وكان فيه إِهَالَةٌ سَنِخَة(2)؛ وهي الشحم المتغير، ولم يسأل النبي (ص): كيف ذبحوه، ولا: هل سَمُّوا عليه أم لا.
وفي صحيح البخاري(3): (أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ (ص): إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ لا نَدْرِي: أَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لا ؟ فَقَالَ: «سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ». قَالَتْ - عائشة رضي الله عنها راوية الحديث -: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ).
ففي هذه الأحاديث دليل على أنه لا ينبغي السؤال عن كيفية الواقع إذا كان المباشر له معتبر التصرّف، وهذا من حكمة الشرع وتيسيره؛ إذ لو طلب من الناس أن ينقبوا عن الشروط فيما يتلقونه من صحيح التصرّف لكان في ذلك من المشقة والحرج النفسي مما يجعل الشريعة شريعة حرج ومشقة.
أما إذا كان المذبوح قد أتى من دولة أجنبية والذين يباشرون ذبحه ممن لا تحل ذبيحتهم كالمجوس وعبدة الأوثان ومن لا يدينون بدين؛ فإنه لا يحل أكله؛ لأن الله تعالى لم يبح من أطعمة غير المسلمين إلا طعام الذين أوتوا الكتاب؛ وهم اليهود والنصارى.
وإذا شككنا في أن الذابح ممن تحل ذبيحته أم ممن لا تحل ذبيحته: فإنه لا بأس به .
__________
(1) …البخاري (2617)، ومسلم (2190) .
(2) …البخاري (2069، 2508) . وانظر كلام الحافظ في الفتح (5/167) حول ذلك: هل اليهودي هو الذي دعا ؟ أم أن أنسا رضي الله عنه هو الذي قدم ؟ أم أن اليهودي أرسل أنسا كما في رواية أخرى ؟ .
(3) …البخاري (2057، 5507، 7398).(2/457)
وقد قال الفقهاء رحمهم الله: (إذا وجدت ذبيحة منبوذة في مكان يحل الذبح من أكثر أهله فهي حلال)؛ إلا أنه في هذه الحالة ينبغي أن يتجنب إلى ما لا شك فيه . ومثل هذا لو أتى لحم ممن تحلّ ذبائحهم، وكان بعضهم يذبح على طريقة شرعية ينهر فيها الدم بحد وليس بسن ولا ظفر، وبعضهم يذبح على غير الطريقة الشرعية والأكثر على الطريقة الأولى الشرعية؛ فإنه لا بأس بأكل ما أتى منه عملاً بالأكثر، ولكن الأولى أن يتجنبه تورّعًا .
الشيخ ابن عثيمين - جريدة المسلمون/ العدد (2)
حكم الأكل من ذبائح أهل الكتاب المعاصرين
نضطر أحياناً للأكل خارج السكن في بعض المطاعم الأمريكية السريعة (كنتاكي - البرغر والبيتزا) وجميعها من الدجاج أو اللحم، ولا نعلم كيف ذبحت هل هي بالصعق الكهربائي أو بإطلاق النار عليها أو بالخنق ؟ ونحن أيضاً لا نعلم: هل ذكر اسم الله عليها أم لا ؟ هل يجوز لنا الأكل منها أم لا ؟ أفتونا مأجورين.
ننصح بترك الأكل من تلك اللحوم المشتبهة؛ لاحتمال أنها غير مباحة؛ لأن الغالب على أهل تلك البلاد عدم الالتزام بالذكاة الشرعية التي هي ذبح الحيوان بالسكين الحادة وتصفية دمه وذكر اسم الله عليه؛ حيث إن أكثر ذبحهم بالصعق الكهربائي أو بالغمس في الماء الحار حال الحياة لينسلخ الجلد والريش بسهولة، ولقصد زيادة الوزن ببقاء الدم في العروق، وعدم اعترافهم بذكر اسم الله عند الذبح - وقد قال تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعَام، من الآية: 121].
وإنما أباح الله ذبائح أهل الكتاب لأنهم كانوا قديماً يسمون عند الذبح ويذبحون بالسكين ويخرجون الدم كله من محل الذبح؛ كانت هذه عادتهم يحملهم عليها ما التزموه في كتبهم التي يعترفون بها.(2/458)
أما في هذه الأزمنة فلم يعودوا يعملون بما في كتبهم فأصبحوا كالمرتدين؛ فنرى ألا تؤكل ذبائحهم إلا إذا تحقق أنهم يذبحونها ذبحاً شرعياً فعلى هذا نرى منع الأكل من تلك اللحوم المشتبهة، ولكم أن تأكلوا من لحم السمك في تلك المطاعم، أو تقصدوا مطاعم إسلامية يلتزم أهلها بالذبح الشرعي، أو تتولوا ذبح الحيوان المباح كالدجاج وبهيمة الأنعام وتقتصروا على ما ذبحتم أو ما ذبحه من يوثق بذبحه من مسلم أو كتابي. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 19/12/1420هـ
حكم أخذ المُضَحِّي من شَعْرِه أو ظُفْرِه أو بَشَرَتِه
رجل يريد أن يضحي عن نفسه فقط .
أو يريد أن يضحي عن والديه فقط .
أو يريد أن يضحي عن نفسه وعن والديه .
- فما حكم أخذه شيئاً من شعره أو أظافره في أيام العشر ؟ وما حكم المرأة التي يتساقط بعض شعرها أثناء مشطه ؟ وما الحكم إذا نوى الأضحية بعد دخول العشر بأيام؛ وكان قبل النية يأخذ من شعره وأظافره ؟
وما مدى درجة الإخلال لو أخذ شيئاً من شعره أو أظافره عمداً وهو ناوٍ أن يضحي عن نفسه أو عن والديه أو عن نفسه وعن والديه ؟ فهل يؤثر ذلك على صحة الأضحية ؟ أفتونا مأجورين ،،،
عن أم سلمة رضي الله عنها : أن النبي (ص) قال: إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا(1) رواه مسلم؛ وهو نص أن الذي لا يأخذ هو من أراد أن يضحي؛ سواء جعل الأضحية عن نفسه أو عن والديه أو نواها عنه وعن أبويه؛ حيث إنه الذي يشتريها ويدفع ثمنها، فأما أبواه أو أولاده أو امرأته فإنهم لا يمتنعون عن الأخذ ولو أشركهم معه في أضحيته أو تبرع لهم بأضحية خاصة من ماله. فأما مشط المرأة شعرها فلها ذلك ولو تساقط منه شعر، وكذا لو مشط الرجل رأسه أو لحيته وسقط منه شعر فلا بأس بذلك.
__________
(1) …مسلم (1977).(2/459)
ومن عزم على الأضحية في وسط العشر فإنه يمتنع من الأخذ في بقية العشر ولا يضره ما أخذه في أول العشر قبل عزمه على الأضحية، وهكذا لا يترك الأضحية إذا كان قد أخذ من شعره أو من أظفاره ولو متعمداً؛ فلا يترك الأضحية لأجل الامتناع عن أخذ الشعر إذا كان معتاداً تقصير شعره كل يوم أو كل أسبوعين أو أقل أو أكثر؛ إذا لم يصبر عن الأخذ، وإذا صبر وقوي على الترك وجب عليه الترك وحرم عليه الأخذ. ولعل الامتناع؛ لأنه يشبه من ساق الهدي - لقول الله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البَقَرَة، من الآية: 196]، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى بتاريخ (8/12/1421هـ) عليها توقيعه هل يحرم على الوكيل الأخذ من شعره وظفره ؟
رجل وكّل غيره أن يضحِّي عنه .. فهل يلزمه الامتناع عن أخذ شيء من شعره وأظافره ؟
يمتنع المُوكِّل عن أخذ الشعر والظفر في العشر كلها حتى يدخل وقت ذبح الأضاحي ولو لم يحضر ذبح أضحيته، وأما الوكيل فلا يمتنع ولا حرج عليه فيما يفعل من أخذ الشعر والظفر إلا إذا كان سوف يضحي عن نفسه؛ فإنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئاً كغيره، فالامتناع في حق من يشتري الأضحية من ماله أو يدفع ثمنها لمن يشتريها له.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم أضحية من أصرَّ على حلق لحيته
رجل اعتاد على حلق لحيته باستمرار وأراد أن يضحي؛ وهو لا يصبر عن حلق لحيته؛ فماذا يفعل ؟(2/460)
حلق اللحية محرم؛ سواء في عشر ذي الحجة أو في غيرها؛ لأنه معصية ومخالفة للسنة وللإرشادات النبوية، فننصح المسلم عن هذه المعصية، ويجب على هذا وعلى غيره التوبة من هذا الذنب؛ فإن اللحية زينة الرجال وجمالهم، وهي هيبة ووقار وفارقة بين الرجال والنساء؛ وشعار للمسلمين المتمسكين بدينهم، وحلقها تشبه بالنساء وتشبه بالكفار من اليهود والنصارى والمجوس؛ ومن تَشَبَّه بِقَوْمٍ فَهُو مِنْهُم(1). وليس في إعفائها مشقة ولا ثقل؛ بل إنه يسلم من تعذيب نفسه كل يوم بإمرار الموسى على وجهه، ويرد بأجرة الحلاق أو بقيمة الأدوات والأدوية التي يستعملها كل يوم أو كل أسبوع مما يوفر عليه مالاً كثيراً يمكنه أن يتصدق به فيجد أجره في الدار الآخرة، ومع ذلك نقول لا يترك الأضحية ويدَّعي أنها تمنعه من حلق اللحية الذي اعتاده ولا يقدر على تركه كما يدعي؛ بل لا يرده ذلك عن ذبح أضحيته، فلا يجمع بين فعل المعصية وترك السُنَّة والطاعة، وله حيئنذ أجرٌ على صدقته وأضحيته ولو فعل تلك المعصية، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 19/12/1422هـ
حكم ذبح الأضحية في غير مكان المضحِّي
هل ينطبق على الأضحية ما ينطبق على الهدي بالنسبة لموضع ذبحها ؟
__________
(1) …حديث نبوي: أخرجه أحمد (2/50، 92) بزيادة فيه، وأبو داوود (4031)، والبزار في «مسنده» (2966)، والطبراني في «الأوسط» (8327) بسند ضعيف، لكن يتحسّن بشواهده. انظر: «فتح الباري» 10/271، و«فيض القدير» 6/105 (8593).(2/461)
نعم ؛ ينطبق على الأضحية ما ينطبق على الهدي، ولأن الأضحية المشروع أن تكون في مكان المضحي، فإن الرسول (ص) ذبح أضحيته في بلده، وبين أصحابه، حيث كان يُخْرَجُ بها إلى المُصلَّى فيذبحها هناك إظهارًا لشعائر الله. والدعوة إلى أن تؤخذ الدراهم من الناس وتذبح الضحايا في أماكن بعيدة: دعوة إلى تحطيم هذه الشعيرة وخفائها على المسلمين ؛ لأن الناس إذا نقلوا ضحاياهم إلى أماكن أخرى لم تظهر الشعائر - الأضاحي - في البلاد، وأظلمت البلاد من الأضاحي، مع أنها من شعائر الله.
ويفوت بذلك :
أولاً : مباشرة المُضحِّي لذبح أُضحيته بنفسه ؛ فإن هذا هو الأفضل والسنة، كما فعل النبي (ص) ؛ فإنه كان يذبح أُضْحِيَتَهُ بيدِه - عليه الصلاة والسلام.
ثانيًا : يفوت بذلك سُنِّيةُ الأكل منها؛ فإن النبي (ص) أمر بالأكل من الأضاحي، كما أمر الله بذلك في قوله : [الحَجّ: 28] ؛ فإن هذا أمرٌ بالأكل من كل ذبيحة يتقرب بها الإنسان إلى الله. ولَمَّا أَهْدَى رسول الله (ص) في حجة الوداع مائةَ بَدَنَة ذبح منها ثلاثًا وستين بيده الكريمة، وأعطى عليًا رضي الله عنه الباقي فوكَّلَه في ذبحه، ووكَّلَه أيضًا في تفريق اللحم، إلا أنه أمر أن يؤخذ من كل بَدَنَةٍ بَضْعَةٌ - أي قطعة من لحم - فجُعلت في قِدْرٍ، فطُبِخَتْ، فأكل من لحمها وشرب من مَرَقِها(1). وهذا يدل على تأكُّدِ أكلِ الإنسان مما أهداه من الذبائح، وكذلك مما ضحى به.
نحن نقول : إنه يجوز التوكيل ؛ أن يوكَّل الإنسانُ من يذبح أضحيته، لكن لابد أن تكون الأضحية عنده وفي بيته أو في بلده على الأقل، يشاهدُها ويأكُل منها، وتظهر بها شعائرُ الدين، وليعلم أنه ليس المقصود من الأضاحي المادة البحتة وهي اللحم؛ فإن الله تعالى يقول : {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}[الحَجّ: 37].
__________
(1) …مسلم (1218) بنحوه.(2/462)
والنبي (ص) قال فيمن ذبح قبل الصلاة : «فإنما هو لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأهلِه»(1)، وقال لأبي بُرْدَة رضي الله عنه : «شاتُكَ شاةُ لحمٍ»(2)؛ ففرَّق النبي (ص) بين الأضحية وبين اللحم. وأيضًا فإن العلماء يقولون : لو تصدق بلحم مائة بعير، فإنه لا يجزئه عن شاة واحدة يُضَحَّى بها. وهذا يدل على أن الأضحية يُتَقَرَّبُ إلى الله تعالى بذبحها، قبل أن ينظر إلى منفعة لحمها.
الشيخ ابن عثيمين - فقه العبادات، ص (342، 343)
حكم العقيقة .. وعلى من تُشْرَع ؟
هل العقيقة واجبة في مال الصبي أو الأب ؟
العقيقة سنة مؤكدة في حق الأب؛ شكراً لله تعالى أن رزقه بهذا المولود، ولا تصل إلى الوجوب. ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله في من لم يجد ثمن العقيقة قال: له أن يستقرض ويعق عن ولده؛ لأنه يحيي بذلك سنة، ولعل الله أن يعينه على وفاء ثمنها، وإذا قام بها أحد من الأقارب أجزأته - كما ثبت: أن النبي (ص) عَقَّ عَنِ الحَسَنِ والحُسَيْنُ رضي الله عنهما كَبْشًا كبشًا(3)؛ مع أنه جدهما أبو أمهما، وهو ابن عم أبيهما؛ فدل على جواز تولي غير الأب لذبح العقيقة.
الشيخ ابن جبرين - فتوى له برقم (1255)
هل يشرع في العقيقة ذبح جزور أو بقرة ؟
هل يستحب أن يذبح للمولود جزور كامل أو بقرة كاملة ؟
__________
(1) …البخاري (965، 5545)، ومسلم (1961).
(2) …البخاري (955، 983، 5556)، ومسلم (1961).
(3) …أبو داود (2841)، والطبراني في «الكبير» 11/316 (11856)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (19050، 19066). وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2466).(2/463)
المستحب أن يذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، والشاة اسم للواحدة من الغنم: يعم الذكر والأنثى من الظأن والمعز، وإن اقتصر على واحدة أجزأ ذلك؛ فقد ثبت: أن النبي (ص) عَقَّ عَنِ الحَسَنِ والحُسَيْنُ رضي الله عنهما كَبْشًا كبشًا(1). فعلى هذا لو جعل بدل الشاة بدنة كاملة أو بقرة كاملة أجزأ ذلك؛ لكثرة لحمها ولكثرة الانتفاع بها، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى له برقم (2781)
متى تذبح العقيقة ؟
ما هو آخر يوم تذبح فيه العقيقة : هل هو السابع أم الرابع عشر أم الحادي والعشرون ؟ وهل من المفروض أن أذبح في أحد هذه الأيام فقط أم يجوز الذبح في الخامس مثلاً أو الثامن .... إلخ ؟
ورد في بعض الأحاديث في العقيقة أنها تذبح يوم سابعه، وقال بعض الصحابة: إذا فات اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر، فإذا فات ففي اليوم الحادي والعشرين، فإذا فات فمتى تيسرت ولو بعد شهر أو أشهر أو سنة أو سنوات. وذهب بعضهم إلى أن الطفل إذا بلغ سن الرشد سقطت في حقه، ويرى بعض العلماء أنه يعق عن نفسه، ولم يثبت في ذلك دليل صحيح، فعلى هذا إن تيسر ذبحها في آخر كل أسبوع فهو أفضل، وإن شق ذلك جاز تعجيلها في الأسبوع الأول أو الثاني، وإن لم يوافق تمام الأسبوع.
الشيخ ابن جبرين - فتوى له برقم (3095)
حكم الاشتراك في العقيقة
ما حكم الاشتراك في العقيقة ؟ كأن يشترك عدد من الأشخاص في بدنة أو بقرة فيذبحونها عقيقة عن أبنائهم .. أفتونا مأجورين.
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
ذكر العلماء أنه لا يجزئ فيها شرك في دم؛ بل إما أن يذبح واحدة من الغنم عن الأنثى واثنتين عن الذكر، وإما أن يذبح واحدة من البقر كاملة أو من الإبل كاملة، فعلى هذا لا يجزئ الاشتراك في العقيقة بأن يشترك سبعة أو ثلاثة فيذبحوا بدنة أو بقرة، فإنها لا تجزئ إلا عن واحد.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 17/6/1423هـ
الباب العاشر
__________
(1) …انظر: تخريجه في الفتوى السابقة.(2/464)
الهجرة والجهاد والرق
الفصل الأول :
الهجرة
الفصل الثاني :
الجهاد
الفصل الثالث :
الرق
الفصل الأول الهجرة
شروط الهجرة في الإسلام
ما هي شروط الهجرة في الإسلام ؟ وما المقصود بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((عبادةٌ في الهَرْج كهجرةٍ إليَّ)) ؟
الهجرة هي: الخروج من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وهي واجبة، قال تعالى: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النِّسَاء: 97]، قال ابن كثير على هذه الآية: هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين؛ فهو ظالم لنفسه، مرتكب حراماً بالإجماع(1). اهـ.
أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: العبادَةُ في الهَرْج كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ (2)؛ فهو يدل على فضل العبادة لله وحده في أوقات الفتن والقتال، وأنها في الفضل كهجرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - لمّا كان المسلمون يهاجرون إليه في المدينة من بلاد الكفر: مكة قبل الفتح؛ وليس في ذلك دلالة على إسقاط الهجرة عمن تمكن منها إذا كان في بلد الكفر، ولا يستطيع إقامة دينه بين أولئك الكفرة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/48) الهجرة بشروطها مشروعة في كل زمان
ورد في حديث نبوي شريف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة قال: «لا هِجْرَةَ بعد الفتح» فهل هذا الحديث صحيح ؟ وهل يمكننا أن نفهم منه أن المضطهدين في أفغانستان وسوريا وغيرهم؛ لا يجوز لهم الهجرة من بلادهم ؟ أم أن مكة أصبحت دار إسلام؛ لذلك فلا يجوز للمسلم أن يهاجر منها ؟
__________
(1) …تفسير ابن كثير (1/543).
(2) …أحمد (5/25، 27)، ومسلم (2948).(2/465)
الحديث: لا هِجْرَةَ بعدَ الفَتْحِ، ولكن جهادٌ ونِيَّة حديث صحيح؛ جاء في صحيح البخاري ومسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: لا هجرةَ بعد الفَتح، ولكن جهادٌ ونيَّة، وإذا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا(1).
قال الحافظ في (الفتح) (2)على قوله - صلى الله عليه وسلم -: ولكن جهاد ونية : «قال الطيبي وغيره: هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعدها لما قبله، والمعنى: أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت، إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر، والخروج في طلب العلم، والفرار بالدين من الفتن، والنية في جميع ذلك». انتهى. والخير له الخروج من أي بلد إذا كان خروجه منها أصلح لدينه؛ سواء سمي هجرة أم لم يسم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/49،50)
كيفية الهجرة في هذا العصر
كيف تكون الهجرة في سبيل الله في هذا العصر ؟
الهجرة في سبيل الله هي الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، كما انتقل المسلمون من مكة قبل إسلام أهلها إلى المدينة؛ لكونها صارت بلد إسلام بعد مبايعة أهلها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وطلبهم هجرته إليهم، وتكون الهجرة أيضاً من بلاد الشرك إلى بلاد شرك أخف شراً، وأقل خطراً على المسلم؛ كما هاجر بعض المسلمين من مكة بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بلاد الحبشة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/50)
صفة الدار التي تجب الهجرة منها
ما الشروط الواجب توفرها في بلد حتى تكون دار حرب أو دار كفر ؟
__________
(1) …البخاري (1834، 2783، 2825، 3077، 3189)، ومسلم (1353، 1864).
(2) …فتح الباري (6/39) .(2/466)
كل بلاد أو ديار يقيم حكامها وذوو السلطان فيها حدود الله، ويحكمون رعيتها بشريعة الإسلام، وتستطيع فيها الرعية أن تقوم بما أوجبته الشريعة الإسلامية عليها؛ فهي دار إسلام؛ فعلى المسلمين فيها أن يطيعوا حكامها في المعروف، وأن ينصحوا لهم، وأن يكونوا عوناً لهم على إقامة شؤون الدولة، ودعمها بما أوتوا من قوة علمية وعملية، ولهم أن يعيشوا فيها، وألا يتحولوا عنها إلا إلى ولاية إسلامية تكون حالتهم فيها أحسن وأفضل، وذلك كالمدينة بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها، وإقامة الدولة الإسلامية فيها، وكمكة بعد الفتح؛ فإنها صارت بالفتح وتولي المسلمين أمرها دار إسلام - بعد أن كانت دار حرب تجب الهجرة منها على من فيها من المسلمين القادرين عليها.(2/467)
وكل بلاد أو ديار، لا يقيم حكامها وذوو السلطان فيها حدود الله، ولا يحكمون في الرعية بحكم الإسلام، ولا يقوى المسلم فيها على القيام بما وجب عليه من شعائر الإسلام؛ فهي دار كفر، وذلك مثل مكة المكرمة قبل الفتح، فإنها كانت دار كفر، وكذا البلاد التي ينتسب أهلها إلى الإسلام، ويحكم ذوو السلطان فيها بغير ما أنزل الله، ولا يقوى المسلمون فيها على إقامة شعائر دينهم، فيجب عليهم أن يهاجروا منها، فراراً بدينهم من الفتن، إلى ديار يحكم فيها بالإسلام، ويستطيعون أن يقوموا فيها بما وجب عليهم شرعاً، ومن عجز عن الهجرة منها من الرجال والنساء والولدان فهو معذور، وعلى المسلمين في الديار الأخرى أن ينقذوه من ديار الكفر إلى بلاد الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَْرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا *إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً *فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا *}[النِّسَاء] ، وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا *}[النِّسَاء]. أما من قوي من أهلها على إقامة شعائر دينه فيها، وتمكن من إقامة الحجة على الحكام وذوي السلطان، وأن يصلح من أمرهم، ويعدل من سيرتهم، فيشرع له البقاء بين أظهرهم؛ لما يرجى من إقامته(2/468)
بينهم من البلاغ والإصلاح، مع سلامته من الفتن.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/51-53)
منع بعض شعائر الإسلام يوجب الهجرة
لا يجوز في بريطانيا الجهر بالأذان في المساجد إلا في داخل المسجد؛ فهل المسلمون آثمون في ذلك لمتابعة القانون الإنجليزي ؟
لا تجوز الإقامة في بلد يحال فيه بين المسلم وإظهاره شعائر الإسلام وإعلانها؛ فعلى من يستطيع الهجرة أن يهاجر منه إلى بلد يتمكن فيها من إقامة شعائر دين الإسلام وإعلانها، ويتم له التعاون مع المسلمين على البر والتقوى، ويكثر به سواد المسلمين، وسوف لا يعدم رزقاً؛ فإنه: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *}[الطّلاَق: 2-3] ومن بقي في تلك الأماكن وأمثالها مما فيه حجر على المسلم في إعلان شعائر دينه بعد قدرته على الهجرة منه - فهو آثم؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَْرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا *}[النِّسَاء] الآية.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/54)
الفصل الثاني
الجهاد
منزلة الجهاد في الإسلام(2/469)
ما فضل الجهاد في سبيل الله ؟
الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات؛ بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعد عذر شرعي؛ كما لو استنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضراً بين الصفين، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة معلومة، ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *}[التّوبَة].(2/470)
ففي هذه الآية الكريمة الترغيب العظيم في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وبيان أن المؤمن قد باع نفسه وماله على الله عز وجل، وأنه سبحانه قد تقبل هذا البيع وجعل ثمن أهله الجنة وأنهم يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون، ثم ذكر سبحانه أنه وعدهم بذلك في أشرف كتبه وأعظمها التوراة والإنجيل والقرآن، ثم بين سبحانه أنه لا أحد أوفى بعهده من الله ليطمئن المؤمنون إلى وعد ربهم ويبذلوا السلعة التي اشتراها منهم؛ وهي نفوسهم وأموالهم في سبيله سبحانه عن (إخلاص وصدق وطيب نفس) حتى يستوفوا أجرهم كاملاً في الدنيا والآخرة، ثم يأمر سبحانه المؤمنين أن يستبشروا بهذا البيع لما فيه من الفوز العظيم والعاقبة الحميدة والنصر للحق والتأييد لأهله وجهاد الكفار والمنافقين وإذلالهم ونصر أوليائه عليهم وافساح الطريق لانتشار الدعوة الاسلامية في أرجاء المعمورة، وقال عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنَجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ *}[الصَّف].(2/471)
ففي هذه الآيات الكريمات الدلالة من ربنا عز وجل على أن الايمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله هما التجارة العظيمة المنجية من العذاب الأليم يوم القيامة؛ ففي ذلك أعظم ترغيب وأكمل تشويق إلى الايمان والجهاد، ومن المعلوم أن الايمان بالله ورسوله يتضمن توحيد الله وإخلاص العبادة له سبحانه، كما يتضمن أداء الفرائض وترك المحارم، ويدخل في ذلك الجهاد في سبيل الله لكونه من أعظم الشعائر الاسلامية ومن أهم الفرائض؛ ولكنه سبحانه خصه بالذكر لعظم شأنه، وللترغيب فيه لما يترتب عليه من المصالح العظيمة والعواقب الحميدة التي سبق بيان الكثير منها. ثم ذكر سبحانه ما وعد الله به المؤمنين المجاهدين من المغفرة والمساكن الطيبة في دار الكرامة ليعظم شوقهم إلى الجهاد، وتشتد رغبتهم فيه، وليسابقوا إليه ويسارعوا في مشاركة القائمين به، ثم أخبر سبحانه أن من ثواب المجاهدين شيئاً معجلاً يحبونه وهو النصر على الأعداء والفتح القريب على المؤمنين، وفي ذلك غاية التشويق والترغيب.(2/472)
- أما الأحاديث: ففي الصحيحين: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضعُ سَوْطِ أحدِكُم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والرَّوْحَةُ يَرُوحُها العبدُ في سبيل الله، أو الغَدْوَةُ خير من الدنيا وَمَا عليها (1)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَثَلُ المُجاهدِ في سبيل الله - والله أعلمُ بِمَنْ يُجاهدُ في سبيلِه - كمثل الصائمِ القائم، وتَوكَّلَ اللهُ للمجاهدِ في سبيله بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أن يُدْخِلَهُ الجنةَ أو يُرْجِعَهُ سالِماً من أجرٍ أو غنيمة (2)، خرجه مسلم في صحيحه، وفي لفظ له: تَضَمَّنَ الله لِمَنْ خرج في سبيله لا يُخْرِجُهُ إلا جهاداً في سبيلي وإِيماناً بِي وتصديقاً برُسُلي؛ فهو عليَّ ضامِنٌ أن أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أو أُرْجِعَهُ إلى مَسْكَنِهِ الذي خرج منه نائلاًِ ما نالَ مِنْ أجرٍ أو غنيمة (3)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من مَكْلُومٍ يُكْلَمُ في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكَلْمُهُ يَدْمَى، اللونُ لَوْنُ الدَّمِ والريحُ رِيحُ المِسْك (4) متفق عليه، وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جَاهِدُوا المشركينَ بأموالكم وأنفسِكم وأَلْسِنَتِكُم (5)؛ رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم.
__________
(1) …البخاري (2892، 3250، 6415)، ومسلم (1881).
(2) …البخاري (2787) واللفظ له، ومسلم (1876).
(3) …مسلم (1876).
(4) …البخاري (237، 2803، 5533)، ومسلم (1876).
(5) …أحمد (3/124، 251)، وأبو داود (2504)، والنسائي (3098)، والدارمي (2431)، والحاكم 2/81 (2427) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في: «صحيح أبي داود» (2186).(2/473)
وعن أبي عبس بن جبر الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما اغْبَرَّتا قَدَمَا عبدٍ في سبيل الله فَتَمَسَّهُ النار (1)، رواه البخاري في صحيحه، وفيه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ في الجنة مائةُ درجةٍ أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله؛ ما بين الدَّرَجَتَيْنِ كما بين السماء والأرض (2)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَن ماتَ ولم يَغْزُ ولم يُحَدِّثْ به نفسَهُ مات على شُعْبَةٍ من نِفَاق (3)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اذا تَبَايَعْتُم بالعِينَةِ، وأَخَذْتُم أَذْنَابَ البقرِ، ورَضِيتُم بالزَّرع، وتَرَكْتُم الجهاد: سَلَّطَ اللهُ عليكم ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حتى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ (4) رواه أحمد وأبو داود، وصححه ابن القطان(5)، وقال الحافظ في (البلوغ)(6): «رجاله ثقات». والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين وبيان ما أعد الله للمجاهدين الصادقين من المنازل العالية، والثواب الجزيل، وفي الترهيب من ترك الجهاد والاعراض عنه كثيرة جداً. وفي الحديثين الآخرين وما جاء في معناهما الدلالة على أن الاعراض عن الجهاد وعدم تحديث النفس به من شعب النفاق، وأن التشاغل عنه بالتجارة والزراعة والمعاملات الربوية من أسباب ذل المسلمين وتسليط الأعداء عليهم كما هو الواقع،
__________
(1) …البخاري (907، 2811).
(2) …البخاري (2790، 7423).
(3) …مسلم (1910).
(4) …أحمد (2/42، 84)، وأبو داود (3462) واللفظ له، والطبراني في «مسند الشاميين» 3/329 (2417)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (10484). وصححه الألباني في: «صحيح أبي داود» (2956). وانظر: «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» 9/245 .
(5) …انظر: «تلخيص الحبير» لابن حجر 3/19 (1181).
(6) …«بلوغ المرام» ص 245 (828).(2/474)
وأن ذلك الذل لا ينزع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم بالاستقامة على أمره والجهاد في سبيله.
فنسأل الله أن يمن على المسلمين جميعاً بالرجوع إلى دينه، وأن يصلح قادتهم ويصلح لهم البطانة، ويجمع كلمتهم على الحق، ويوفقهم جميعاً للفقه في الدين والجهاد في سبيل رب العالمين؛ حتى يعزهم ويرفع عنهم الذل، ويكتب لهم النصر على أعدائه وأعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الشيخ ابن باز - مختصر ومصاغ على شكل سؤال وجواب من رسالة (فضل الجهاد والمجاهدين) ص (3 - 11)
الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان
أي عمل من الأعمال أفضل عند الله سبحانه وتعالى ؟
سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العملِ أفضل ؟ قال: إيمانٌ بالله ورسوله ، قيل: ثم ماذا ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، قيل: ثم ماذا ؟ قال: حَجٌّ مَبْرُور (1) متفق عليه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/14، 15)
أهداف الجهاد في سبيل اللّه وأنواعه
ما المقصود من الجهاد ؟
__________
(1) …البخاري (26، 1519)، ومسلم (83).(2/475)
الجهاد جهادان: جهاد طلب، وجهاد دفاع، والمقصود منهما جميعاً: هو تبليغ دين الله ودعوة الناس إليه وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإعلاء دين الله في أرضه وأن يكون الدين كله لله وحده - كما قال عز وجل في كتابه الكريم من سورة الأنفال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفَال، من الآية: 39]، وقال عز وجل في سورة التوبة: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *}[التّوبَة]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أُمِرْتُ أن أُقاتلَ الناسَ حتى يَشْهَدُوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فَعَلُوا ذلك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحِسَابُهم على الله (1) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفي الصحيحين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؛ فإذا قَالُوهَا عَصَمُوا مني دماءهم وأموالهم إلا بِحَقِّها، وحسابهم على الله (2)، وفي صحيح مسلم عنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بِي وبِمَا جئتُ به (3)، وفي صحيح مسلم أيضاً: عن طارق الأشجعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من وَحَّدَ الله وكَفَرَ بما يُعْبَدُ من دون الله حَرُمَ
__________
(1) …البخاري (25)، ومسلم (22).
(2) …هو بنحوه في «صحيح مسلم» (21).
(3) …هو بنحوه في «صحيح مسلم» (21).(2/476)
مالُه ودمُهُ، وحِسَابُهُ على الله (1)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وفي هذه الآيات والأحاديث الدلالة الظاهرة على وجوب جهاد الكفار والمشركين وقتالهم بعد البلاغ والدعوة إلى الاسلام، واصرارهم على الكفر حتى يعبدوا الله وحده ويؤمنوا برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ويتبعوا ما جاء به، وأنه لا تحرم دماؤهم وأموالهم إلا بذلك؛ وهي تعم جهاد الطلب، وجهاد الدفاع، ولا يستثنى من ذلك إلا من التزم بالجزية بشروطها إذا كان من أهلها - عملاً بقول الله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ *}[التّوبَة]، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخذ الجزية من مجوس هَجَر. فهؤلاء الأصناف الثلاثة من الكفار وهم اليهود والنصارى والمجوس ثبت بالنص أخذ الجزية منهم؛ فالواجب أن يجاهدوا ويقاتلوا مع القدرة حتى يدخلوا في الاسلام أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أما غيرهم فالواجب قتالهم حتى يسلموا في أحد قولي العلماء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل العرب حتى دخلوا في دين الله أفواجا، ولم يطلب منهم الجزية، ولو كان أخذها منهم جائزاً تحقن به دماؤهم وأموالهم لبينه لهم، ولو وقع ذلك لنقل. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز أخذها من جميع الكفار لحديث بريدة رضي الله عنه المشهور في ذلك؛ المخرج في صحيح مسلم(2). والكلام في هذه المسألة وتحرير الخلاف فيها وبيان الأدلة مبسوط في كتب أهل العلم من أراده وجده، ويستثنى من الكفار في القتال النساء والصبيان والشيخ الهرم ونحوهم ممن ليس من أهل القتال ما لم يشاركوا فيه؛ فإن شاركوا فيه أو ساعدوا عليه بالرأي والمكيدة قوتلوا كما هو معلوم
__________
(1) …مسلم (23).
(2) …مسلم (1731).(2/477)
من الأدلة الشرعية.
الشيخ ابن باز - من رسالة (فضل الجهاد والمجاهدين) - ص (12 - 15)
الأطوار التي مَرَّ بها الجهاد
ما الأطوار التي مرَّ بها الجهاد ؟
كان الجهاد في الاسلام على أطوار ثلاثة:
الطور الأول: الإذن للمسلمين في ذلك من غير إلزام لهم به - كما في قوله سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ *}[الحَجّ].
الطور الثاني: الأمر بقتال من قاتل المسلمين والكف عمن كف عنهم، وفي هذا النوع نزل قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البَقَرَة، من الآية: 256]، وقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف، من الآية: 29]، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ *}[البَقَرَة] في قول جماعة من أهل العلم، وقوله تعالى في سورة النساء: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا *إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً *}[النِّسَاء].(2/478)
الطور الثالث: جهاد المشركين مطلقاً وغزوهم في بلادهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله؛ ليعم الخير أهل الأرض وتتسع رقعة الإسلام، ويزول من طريق الدعوة دعاة الكفر والإلحاد، وينعم العباد بحكم الشريعة العادل وتعاليمها السمحة، وليخرجوا بهذا الدين القويم من ضيق الدنيا إلى سعة الاسلام، ومن عبادة الخلق إلى عبادة الخالق سبحانه، ومن ظلم الجبابرة إلى عدل الشريعة وأحكامها الرشيدة، وهذا هو الذي استقر عليه أمر الإسلام وتوفي عليه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وأنزل الله فيه: قوله عز وجل في سورة براءة وهي من آخر ما نزل: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التّوبَة: 5]، وقوله سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: 39] ، والأحاديث السابقة كلها تدل على هذا القول وتشهد له بالصحة.
- وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الطور الثاني وهو القتال لمن قاتل المسلمين والكف عمن كف عنهم قد نسخ؛ لأنه كان في حال ضعف المسلمين، فلما قواهم الله وكثر عددهم وعدتهم أمرهم بقتال من قاتلهم ومن لم يقاتلهم؛ حتى يكون الدين لله وحده، أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهلها.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن الطور الثاني لم ينسخ بل هو باق يعمل به عند الحاجة إليه؛ فإذا قوى المسلمون واستطاعوا بدء عدوهم بالقتال وجهاده في سبيل الله فعلوا ذلك - عملاً بآية التوبة وما جاء في معناها، أما إذا لم يستطيعوا ذلك فإنهم يقاتلون من قاتلهم واعتدى عليهم، ويكفون عمن كف عنهم - عملاً بآية النساء وما ورد في معناها. وهذا القول أصح وأولى من القول بالنسخ؛ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.(2/479)
وبهذا يعلم كل من له أدنى بصيرة أن قول من قال من كُتَّاب العصر وغيرهم: أن الجهاد شرع للدفاع فقط - قول غير صحيح، والأدلة التي ذكرنا وغيرها تخالفه؛ وإنما الصواب هو ما ذكرنا من التفصيل كما قرر ذلك أهل العلم والتحقيق. ومن تأمل سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرة أصحابه رضي الله عنهم في جهاد المشركين اتضح له ما ذكرنا وعرف مطابقة ذلك لما أسلفنا من الآيات والأحاديث. والله ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - من رسالة (فضل الجهاد والمجاهدين) - ص (15 - 18)
وجوب الإعداد للجهاد
ما الإعداد الواجب للجهاد ؟(2/480)
قد أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يعدوا للكفار ما استطاعوا من القوة وأن يأخذوا حذرهم - كما في قوله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفَال، من الآية: 60]، وقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 71]، وذلك يدل على وجوب العناية بالأسباب والحذر من مكائد الأعداء، ويدخل في ذلك جميع أنواع الاعداد المتعلقة بالأسلحة والأبدان، كما يدخل في ذلك إعداد جميع الوسائل المعنوية والحسية، وتدريب المجاهدين على أنواع الأسلحة وكيفية استعمالها، وتوجيههم إلى كل ما يعينهم على جهاد عدوهم والسلامة من مكائده في الكر والفر والأرض والجو والبحر وفي سائر الأحوال؛ لأن الله سبحانه أطلق الأمر بالإعداد وأخذ الحذر ولم يذكر نوعاً دون نوع ولا حالاً دون حال؛ وما ذاك إلا لأن الأوقات تختلف والأسلحة تتنوع، والعدو يقل ويكثر ويضعف ويقوى. والجهاد قد يكون ابتداءً وقد يكون دفاعاً؛ فلهذه الأمور وغيرها أطلق الله سبحانه الأمر بالإعداد وأخذ الحذر ليجتهد قادة المسلمين وأعيانهم ومفكروهم في إعداد ما يستطيعون من القوة لقتال أعدائهم وما يرونه من المكيدة في ذلك، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الحَرْبُ خَدْعَةٌ (1) متفق عليه؛ ومعناه: أن الخصم قد يدرك من خصمه بالمكر والخديعة في الحرب ما لا يدركه بالقوة والعدد، وذلك مجرب معروف، وقد وقع في يوم الأحزاب من الخديعة للمشركين واليهود والكيد لهم على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان من أسباب خذلان الكافرين وتفريق شملهم واختلاف كلمتهم، وإعزاز المسلمين ونصرهم عليهم، وذلك من فضل الله ونصره لأوليائه ومكره لهم - كما قال عز وجل: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفَال، من الآية: 30].
__________
(1) …البخاري (3029، 3030)، ومسلم (1739، 1740).(2/481)
ومما تقدم يتضح لذوى البصائر أن الواجب امتثال أمر الله والإعداد لأعدائه وبذل الجهود في الحيطة والحذر، واستعمال كلما أمكن من الأسباب المباحة الحسية والمعنوية، مع الاخلاص لله والاعتماد عليه والاستقامة على دينه، وسؤاله المدد والنصر، فهو سبحانه وتعالى الناصر لأوليائه والمعين لهم إذا أدوا حقه، ونفذوا أمره وصدقوا في جهادهم وقصدوا بذلك إعلاء كلمته وإظهار دينه، وقد وعدهم الله بذلك في كتابه الكريم وأعلمهم أن النصر من عنده ليثقوا به ويعتمدوا عليه مع القيام بجميع الأسباب؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ *}[محَمَّد]، وقال سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الرُّوم، من الآية: 47]، وقال عز وجل: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَْرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُْمُورِ *}[الحَجّ]، والآيات في هذا المعنى كثيرة. ولما قام سلفنا الصالح بما أمرهم الله به ورسوله وصبروا وصدقوا في جهاد عدوهم؛ نصرهم الله وأيدهم وجعل لهم العاقبة مع قلة عددهم وعدتهم وكثرة أعدائهم - كما قال عز وجل: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البَقَرَة، من الآية: 249]، وقال عز وجل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي(2/482)
يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ *}[آل عِمرَان]، ولما غير المسلمون وتفرقوا ولم يستقيموا على تعاليم ربهم وآثر بهم أكثرهم أهواءهم؛ أصابهم من الذل والهوان وتسلط الأعداء ما لا يخفى على أحد. وما ذاك إلا بسبب الذنوب والمعاصي، والتفرق والاختلاف وظهور الشرك والبدع والمنكرات في غالب البلاد، وعدم تحكيم أكثرهم الشريعة - كما قال الله سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ *}[الشّورى]، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الأنفَال، من الآية: 53]، وقال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *}[الرُّوم]. ولما حصل من الرماة ما حصل يوم أُحد من النزاع والاختلاف والإخلال بالثغر الذي أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلزومه - جرى بسبب ذلك على المسلمين من القتل والجراح والهزيمة ما هو معلوم، ولما استنكر المسلمون ذلك أنزل الله قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *}[آل عِمرَان]، ولو أن أحداً يَسْلَم من شر المعاصي وعواقبها الوخيمة لسَلِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام يوم أُحد وهم خير أهل الأرض، ويقاتلون في سبيل الله؛ ومع ذلك جرى عليهم ما جرى بسبب معصية الرماة التي كانت عن تأويل لا عن قصد للمخالفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتهاون بأمره، ولكنهم لما رأوا هزيمة المشركين ظنوا أن الأمر قد انتهى وأن الحراسة لم يبق لها حاجة؛ وكان الواجب عليهم أن(2/483)
يلزموا الموقف حتى يأذن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتركه، ولكن الله سبحانه قد قدر ما قدر وقضى ما قضى لحكمة بالغة وأسرار عظيمة، ومصالح كثيرة قد بينها في كتابه سبحانه وعرفها المؤمنون وكان ذلك من الدلائل على صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه رسول الله حقاً، وأنه بشر يصيبه ما يصيب البشر من الجراح والآلام ونحو ذلك، وليس بإلهٍ يعبد وليس مالكاً للنصر؛ بل النصر بيد الله سبحانه ينزله على من يشاء، ولا سبيل إلى استعادة المسلمين مجدهم السالف واستحقاقهم النصر على عدوهم إلا بالرجوع إلى دينهم والاستقامة عليه وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، وتحكيمه في أمورهم كلها، واتحاد كلمتهم على الحق وتعاونهم على البر والتقوى؛ كما قال الإمام مالك بن أنس - رحمة الله عليه -: (لَنْ يُصْلِحَ آخِرَ هذه الأمة إلا ما أَصْلَحَ أَوَّلَها)(1) ؛ وهذا هو قول جميع أهل العلم. والله سبحانه إنما أصلح أول هذه الأمة باتباع شرعه والاعتصام بحبله والصدق في ذلك والتعاون عليه، ولا صلاح لآخرها إلا بهذا الأمر العظيم.
الشيخ ابن باز - باختصار يسير وإضافة سؤال من رسالة (فضل الجهاد والمجاهدين) ص (19 - 25) حكم اعتناق الإسلام وأخذ الجزية من غير اليهود والنصارى
هل يجب على الكافر أن يعتنق الإسلام ؟
__________
(1) …انظر: «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (1/231، 353)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» ص (367، 394).(2/484)
يجب على كل كافر أن يعتنق دين الإسلام ولو كان نصرانياً أو يهودياً؛ لأن الله تعالى يقول في الكتاب العزيز: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُْمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ *}[الأعرَاف]؛ فواجب على جميع الناس أن يؤمنوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن هذا الدين الإسلامي من رحمة الله عز وجل وحكمته أنه أباح(1) لغير المسلمين أن يبقوا على ديانتهم بشرط أن يخضعوا لأحكام المسلمين؛ فقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ *}[التّوبَة]. وفي صحيح مسلم: من حديث بريدة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أمَّرَ أميراً على جيش أو سرية أمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً؛ وقال: فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ؛ أَيَّتُهَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ(2). ومن هذه الخصال: أن يبذلوا الجزية .
ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم: إن الجزية تقبل من غير اليهود والنصارى.
فالحاصل: أن غير المسلمين يجب عليهم إما الدخول في الإسلام، وإما الخضوع لأحكام الإسلام، والله الموفق .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (1/60، 61)
__________
(1) …الكلمة موهمة أنه لا عقوبة عليهم في الآخرة إذا بقوا على دينهم، فلو قال (رحمه الله): (أنه لم يكره الكفار على ترك دينهم): لزال الاحتمال.
(2) …مسلم (1137).(2/485)
حكم الجهاد على المرأة
هل جهاد المرأة غير واجب؛ أكان جهاد الدعوة أو جهاد الكفار ؟
ليس جهاد الكفار بالقتال واجباً على المرأة؛ ولكن عليها جهاد بالدعوة إلى الحق، وبيان التشريع، في حدود لا تنتهك فيها حرمتها، مع لبس ما يستر عورتها، وعدم الاختلاط بالرجال غير المحارم، وعدم الخضوع بالقول والخلوة بالأجانب، قال الله تعالى في نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}[الأحزَاب، من الآية: 34]، وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله .. هل على النساء من جهاد ؟ قال: نعم؛ عليهن جهادٌ لا قِتالَ فيه: الحج والعمرة (1)، رواه أحمد وابن ماجه، وثبت عنها أيضاً أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل؛ أفَلاَ نُجَاهِد ؟ قال: لكنَّ أَفْضَلَ الجهادِ حجٌّ مَبْرُور (2)، رواه أحمد والبخاري.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/34، 35)
حكم إذن الوالدين في الجهاد
أستفسر عن الجهاد في سبيل الله، علماً بأني أكبر إخواني، ووالدي متوفى، وأمي موجودة، ولي زوجة وأطفال، وقد طلبت موافقة والدتي على الجهاد فرفضت؛ فهل لي جهاد ؟
__________
(1) …أحمد (6/ 75، 120، 165)، وابن ماجه (2901)، والدارقطني (2/284)، وابن خزيمة (3074)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8540). وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (2345).
(2) …أحمد (6/67، 71، 79)، والبخاري (1520، 1861، 2784)، والنسائي (2629)، والبيهقي (8401، 17583).(2/486)
الجهاد من أفضل الأعمال، وكذلك بر الوالدين، وإذا أراد الشخص أن يذهب إلى الجهاد الشرعي فإنه يستأذنهما؛ فإن أذنا له وإلا فلا يذهب إلى الجهاد، بل يلزمهما، فإنَّ لزومهما أو لزوم أحدهما نوع من أنواع الجهاد، والأصل في ذلك ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله ؟ قال: الصلاةُ على وقتِها ، قلت: ثم أي ؟ قال: بِرُّ الوالدين ، قلت: ثم أي ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، حدثني بهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو استزدته لزادني)(1) متفق عليه.
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد، فقال: أَحيٌّ والِدَاك ؟ قال: نعم، قال: فَفِيهِما فَجَاهِدْ )(2) رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.
وفي رواية: (أتى رجل فقال: يا رسول الله: إني جئت أريد الجهاد معك، ولقد أتيت وإن والدَيَّ يبكيان، قال: فَارْجِعْ إليهما فَأَضْحِكْهُما كما أَبْكَيْتَهُما )(3) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رجلاً هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليمن، فقال: هل لك أحدٌ باليمن ؟ فقال: أبواي، فقال: أَذِنا لك ؟ ، قال: لا، قال: فارْجِعْ إليهما، فاسْتَأْذِنْهُما، فإنْ أَذِنَا لك فَجَاهِدْ وإلا فَبِرَّهُما (4)، رواه أبو داود.
__________
(1) …البخاري (527) وأطرافه فيه، ومسلم (85).
(2) …البخاري (3004، 5972)، ومسلم (2549).
(3) …أحمد (2/160، 194، 198، 204)، وأبو داود (2528)، والنسائي (4168)، وابن ماجه (2782)، وابن حبان (419، 423)، والحاكم 4/152، 153 (7250، 7255)، وصححه ووافقه الذهبي.
(4) …أحمد (3/75)، وأبو داود (2530)، وابن حبان (422). قال في «مجمع الزوائد» (8/138): «رواه أحمد وإسناده حسن» اهـ. وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2207).(2/487)
وعن معاوية بن جاهمة السلمي: أن جاهمة رضي الله عنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله .. أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: هل لَكَ من أُمٍّ ؟ قال: نعم، فقال: اِلْزَمْهَا؛ فإنَّ الجنة عند رِجْلَيْهَا (1) رواه أحمد والنسائي.
وهذه الأدلة كلها وما جاء في معناها لمن لم يتعين عليه الجهاد؛ فإذا تعين عليه فترْكُه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن الجهاد المتعين أن يحضر بين الصفين أو يستنفره الإمام(2).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/15/18)
المراد بالشهيد
من هم الشهداء ؟ وكم عددهم في الحديث ؟ وهل من أصابه الصرع منهم ؟ كما في حديث المرأة التي طلبت من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لها بالشفاء من الصرع، وأنها كانت تتكشف إذا صرعت .. وهل هذا عام لأمة محمد أم هو خاص بتلك المرأة ؟
__________
(1) …أحمد (3/429)، والنسائي (3106)، وابن ماجه (2781) مطوَّلاً، والبيهقي في «السنن الكبرى» (17610)، والحاكم 2/104، 4/151 (2502، 7248) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …أو يهجم الكفار على بلد من بلاد المسلمين فيتعين على أهلها جهادهم، فإن عجزوا تعين على من يليهم حتى يتحقق دحر الكافر المعتدي.(2/488)
الشهيد الحقيقي: من يموت في معركة في سبيل الله، أو يصاب فيها ويموت بجرحه، وقد يسمى غيره شهيداً؛ لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الشهداء خمسة: المَطْعُونُ والمَبْطُون والغَرِقُ وصاحِبُ الهَدْمِ والشهيد في سبيل الله (1)، وقد ترجم البخاري للشهداء بقوله: (باب الشهادة سَبْعٌ سِوَى القتل)(2) ، وهذه الترجمة جاء ما فيها من العدد في حديث خرجه: مالك من رواية جابر بن عتيك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبدالله بن ثابت رضي الله عنه، فذكر الحديث، وفيه: ...ما تَعَدُّونَ الشهيد فيكم ؟ قالوا: من يقتل في سبيل الله..، وفيه: الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله ، فذكر - زيادة على ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق -: الحرِيقُ وصاحب ذاتِ الجَنْبِ والمرأة تموت بِجُمْع(3). وروى أصحاب السنن، وصححه الترمذي من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه مرفوعاً: مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهو شهيد، ومن قتل دون دِينِهِ فهو شهيد، ومن قتل دون دَمِهِ فهو شهيد، ومن قتل دون أهلِهِ فهو شهيد (4)، وروى النسائي من حديث سويد بن مقرن رضي الله عنه مرفوعاً: من قتل دون مَظْلَمَتِهِ فهو شهيد(5)
__________
(1) …البخاري (653) وأطرافه عنده، ومسلم (1914).
(2) …البخاري، قبل (2829).
(3) …«موطأ مالك» 1/233 (554)، وأحمد (5/446)، وأبو داود (3111)، والنسائي (1847)، وابن ماجه (2803)، وابن أبي شيبة (19473-19475)، والطبراني في «الكبير» 2/191، 192 (1779، 1780)، وابن حبان (3189، 3190)، والحاكم 1/352 (1300) وصححه ووافقه الذهبي. وقد سبق معنى: (ذات الجَنْب) و(تموتُ بجُمْع) في باب الجنائز، فتوى (2).
(4) …أحمد (1/190)، وأبو داود (4772)، والترمذي (1421)، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي (4095، 4096).
(5) …أحمد (1/305)، والنسائي (4098-4101)، والطبراني في «الكبير» 7/86 (6454)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.(2/489)
.
وبالجملة فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد الحصر؛ قال ابن حجر في (فتح الباري)(1): «وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة».
أما حديث المرأة التي كانت تُصْرَعُ (2) فلم يرد ما يدل على أن الحكم يخصها؛ بل يرجى أن يعم أمثالها ممن أصيب بالصرع فصبر واحتسب حتى مات على ذلك، أما عدها من الشهداء فلا نعلم أنه ورد ما يدل على ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/18-20) متى يسمى القتيل شهيداً ؟
هل يجوز إطلاق كلمة (الشهيد) على كل من استبان لنا منه أنه من أهل الصلاح والتقوى، ثم قتل في سبيل الله ؟ فهل يجوز لنا أن نقول عنه شهيد ؟
من قتل في سبيل الله في معركة مع العدو، وهو صابر محتسب فهو شهيد معركة، لا يغسل ولا يكفن، بل يدفن بملابسه. وأما غير شهيد المعركة فهو كثير، ويسمى شهيداً؛ كمن قتل دون عرضه، أو نفسه، أو ماله، وكالمبطون والمطعون، والغريق ونحوهم، وهذا يغسل ويكفن ويصلى عليه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/23)
حكم من يُقتل في سبيل مكافحة المخدرات
هل يعتبر شهيدًا من قتل من رجال مكافحة المخدرات عند مداهمة أوكار متعاطي المخدرات ومروجيها ؟ ثم ما حكم من يدلي بمعلومات تساعد رجال المكافحة للوصول إلى تلك الأوكار.. ؟ أفتونا مأجورين .
__________
(1) …«فتح الباري» (6/43).
(2) …أخرجه البخاري (5652)، ومسلم (2576).(2/490)
لا ريب أن مكافحة المسكرات والمخدرات من أعظم الجهاد في سبيل الله، ومن أهم الواجبات التعاون بين أفراد المجتمع في مكافحة ذلك ؛ لأن مكافحتها في مصلحة الجميع؛ ولأن فشوها ورواجها مضرة على الجميع. ومن قتل في سبيل مكافحة هذا الشر وهو حَسَن النية فهو من الشهداء، ومن أعان على فضح هذه الأوكار وبيانها للمسؤولين فهو مأجور، وبذلك يعتبر مجاهدًا في سبيل الحق وفي مصلحة المسلمين وحماية مجتمعهم مما يضرّ بهم.
فنسأل الله أن يهدي أولئك المروجين لهذا البلاء، وأن يردهم إلى رشدهم، وأن يعيذهم من شرور أنفسهم ومكائد عدوهم الشيطان، وأن يوفق المكافحين لهم لإِصابة الحق، وأن يعينهم على أداء واجبهم، ويسدد خطاهم وينصرهم على حزب الشيطان ؛ إنه خير مسؤول.
الشيخ ابن باز - هداية السالكين (1/356) - جمع وتخريج : محمد بن رياض السلفي
معنى الرِّباط في سبيل اللّه
ما المقصود في الرباط في سبيل الله ؟ وما فضله عند الله ؟ مع قبول عظيم شكري واحترامي.(2/491)
يقصد بالمرابطة في سبيل الله: مرابطة الجنود وإقامتهم في نحر العدو؛ لحفظ حدود وثغور البلاد المسلمة، وصيانتها عن دخول الأعداء إلى داخل البلاد الإسلامية، وقد وردت أحاديث كثيرة في بيان فضيلة المرابطة في سبيل الله؛ ففي صحيح الإمام البخاري رحمه الله، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رِبَاط يومٍ في سبيلِ الله خيرٌ من الدنيا وما عليها (1)، وفي صحيح الإمام مسلم رحمه الله: عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: رِباطُ يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيام شهرٍ وقيامِه (2)، وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وسنن أبي داود والترمذي: عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ على عملِهِ، إلا الذي مات مُرابطاً في سبيلِ الله، فإنه يَنْمُو لهُ عملُهُ إلى يوم القيامة، ويَأْمَنُ فِتنَةَ القبر )(3) وقال الترمذي: «حسن صحيح».
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/32،33) بعض المحرمات الشرعية في النظم العسكرية
__________
(1) …البخاري (2892)، وغيره.
(2) …مسلم (1913).
(3) …أحمد (6/20)، وأبو داود (2500)، والترمذي (1621)، وابن حبان (4624)، والحاكم 2/79، 144 (2417، 2637) وصححه ووافقه الذهبي.(2/492)
أفيدوني عن حكم من يعمل بالجيش (إحدى الدول الإسلامية) وهذا مصدر رزقه، وتفرض عليه نظم الجيش وقوانينه أن يحلق لحيته، ويعظم بعضنا بعضاً؛ كما تفعله الأعاجم، وأن نلقي التحية بكيفية ليست بالتي أمرنا بها الله ورسوله، وأن نعظم علم الدولة، ونحتكم فيما بيننا بشريعة غير شريعة الله (قوانين عسكرية). وإذا حاربت دفاعاً عن الوطن، ولكن ليس تحت راية: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشاء الله أن أقتل؛ فما حكمي من القرآن والسنة ؟ وهل يمكن أن أحارب بنية مغايرة لنية الجيش الذي أحارب ضمن صفوفه ؟ وإذا عملت ما قد سلف دفعاً لأذى يمكن أن يلحق بي فهل أأثم بهذا ؟ وهل يمكن لمسلم أن يعمل في الجيش بنية تعلم فنون القتال التي لا يمكن أن يتعلمه خارجه في ظروفنا الحالية ؟
وأفيدوني عن طاعة الوالدين في هذا الأمر، إذا اختلفت وجهات النظر، في حالة إذا كان الوالدان لا يحتكمان لقرآن ولا لسنة، ولكن لتقاليد مجتمع وما اجتمع عليه الناس، ويعتبران أن الدين ليس سوى صلاة وصيام، وغير هذا فهو تطرف. وفقكم الله إلى ما فيه رضاه، وسدد خطاكم وحفظكم .
أولاً: يحرم حلق اللحية، ويجب إعفاؤها.
ثانياً: لا تجوز تحية العلم.
ثالثاً: يجب الحكم بشريعة الإسلام، والتحاكم إليها، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم؛ لما ورد من النهي عن التشبه بهم، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم.
رابعاً: من قاتل لإعلاء كلمة الله، والذود عن المسلمين، والحفاظ على بلاد المسلمين من العدو - فهو في سبيل الله، وإن قتل فهو شهيد؛ لأن العبرة بالمقاصد والغايات. ويمكن أن تنوي نية مغايرة لنية الجيش؛ كأن تنوي إعلاء كلمة الله بجهادك، وإن كان غيرك ينوي خلاف ذلك، كالجهاد للوطن.
خامساً: طاعة الوالدين واجبة في غير معصية الله؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(2/493)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/20-22)
كيفية مجاهدة المنافقين والكفار
ما السبيل الأرشد لمواجهة الحرب التي تشن على الإسلام من بعض أبناء المسلمين أنفسهم؛ سواء كانوا من العلمانيين أو من غيرهم ؟
الواجب على الأمة الإسلامية أن تقابل كل سلاح يصوّب نحو الإسلام بما يناسبه، فالذين يحاربون الإسلام بالأفكار والأقوال يجب أن يبين بطلان ما هم عليه بالأدلة النظرية العقلية، إضافة إلى الأدلة الشرعية؛ حتى يتبين بطلان ما هم عليه . والذين يحاربون الإسلام من الناحية الاقتصادية يجب أن يدافعوا؛ بل أن يهاجموا إذا أمكن بمثل ما يحاربون به الإسلام، ويبين أن أفضل طريقة لتقويم الاقتصاد على وجه عادل هي طريقة الإسلام . والذين يحاربون الإسلام بالأسلحة يجب أن يقاوموا بما يناسب تلك الأسلحة؛ ولهذا قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *}[التّوبَة].
من المعلوم أن جهاد المنافقين ليس كجهاد الكفار؛ لأن جهاد المنافقين يكون بالعلم والبيان، وجهاد الكفار يكون بالسيف والسهام .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة - العدد (1288)، 11/10/1411هـ
نوعية جهاد الفلسطينيين
ما تقول الشريعة الإسلامية في جهاد الفلسطينيين الحالي : هل هو جهاد في سبيل الله ؟ أم جهاد في سبيل الأرض والحرية ؟ وهل يعتبر الجهاد من أجل تخليص الأرض جهادًا في سبيل الله ؟
لقد ثبت لدينا بشهادة العدول الثقات أن الانتفاضة الفلسطينية والقائمين بها من خواص المسلمين هناك وأن جهادهم إسلامي ؛ لأنهم مظلومون من اليهود ؛ ولأن الواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوة.(2/494)
وقد أخبرنا الثقات - الذين خالطوهم في جهادهم وشاركوهم في ذلك - عن حماسهم الإسلامي وحرصهم على تطبيق الشريعة الإسلامية فيما بينهم. فالواجب على الدول الإسلامية وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلصوا من عدوهم وليرجعوا إلى بلادهم؛ عملاً بقول الله عز وجل : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ *}[التّوبَة: 123]، وقوله سبحانه : {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *}[التّوبَة]، وقوله عز وجل : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنَجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ *}[الصَّف: 10-13]. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «جَاهِدُوا المشركينَ بِأموالِكُم وأنفسِكُم وأَلْسِنَتِكُم»(1).
__________
(1) …أحمد (3/124، 153، 251)، وأبو داوود (2504)، والنسائي (3098)، والدارمي (2431)، وابن حبان (4708)، والحاكم 2/81 (2427) وصححه ووافقه الذهبي.(2/495)
ولأنهم مظلومون ؛ فالواجب على إخوانهم المسلمين نصرهم على من ظلمهم - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «المسلمُ أخُو المسلم؛ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ»(1) متفق على صحته، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «انْصُرْ أخاكَ ظالمًا أو مظلومًا» قالوا: يا رسول الله : نصرته مظلومًا .. فكيف أنصره ظالمًا ؟ قال: «تَحْجُزُهُ عن الظلم؛ فذلك نَصْرُكَ إيَّاه»(2).
والأحاديث في وجوب الجهاد في سبيل الله ونصر المظلوم وردع الظالم كثيرة جدًّا.
فنسأل الله أن ينصر إخواننا المجاهدين في سبيل الله في فلسطين وفي غيرها على عدوهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يوفق المسلمين جميعًا لمساعدتهم والوقوف في صفهم ضد عدوهم، وأن يخذل أعداء الإسلام أينما كانوا وينزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين؛ إنه سميع قريب.
الشيخ ابن باز - هداية السالكين (2/354، 355) - جمع : محمد بن رياض السلفي.
مصير القضية الفلسطينية
كيف السبيل وما هو المصير في القضية الفلسطينية التي تزداد مع الأيام تعقيدًا وضراوة ؟
إن المسلم ليألم كثيرًا، ويأسف جدًّا من تدهور القضية الفلسطينية من وضع سيئ إلى وضع أسوأ منه، وتزداد تعقيدًا مع الأيام، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في الآونة الأخيرة؛ بسبب اختلاف الدول المجاورة، وعدم صمودها صفًّا واحدًا ضد عدوها، وعدم التزامها بحكم الإسلام الذي علق الله عليه النصر، ووعد أهله بالاستخلاف والتمكين في الأرض، وذلك ينذر بالخطر العظيم، والعاقبة الوخيمة ؛ إذا لم تسارع الدول المجاورة إلى توحيد صفوفها من جديد، والتزام حكم الإسلام تجاه هذه القضية، التي تهمهم وتهم العالم الإسلامي كله.
__________
(1) …البخاري (2442، 6951)، ومسلم (2580).
(2) …البخاري (2444، 6952)، ومسلم (2584).(2/496)
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولاً وأخيرًا؛ ولكن أعداء الإسلام بذلوا جهودًا جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي، وإفهام المسلمين من غير العرب : أنها قضية عربية ؛ لا شأن لغير العرب بها، ويبدوا أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك، ولذا فإنني أرى أنه لا يمكن الوصول إلى حل لتلك القضية، إلا باعتبار القضية إسلامية، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها، وجهاد اليهود جهادًا إسلاميًا، حتى تعود الأرض إلى أهلها، وحتى يعود شذاذ اليهود إلى بلادهم التي جاؤوا منها، ويبقى اليهود الأصليون في بلادهم تحت حكم الإسلام؛ لا حكم الشيوعية ولا العلمانية، وبذلك ينتصر الحق، ويخذل الباطل، ويعود أهل الأرض إلى أرضهم على حكم الإسلام، لا على حكم غيره، والله الموفق.
الشيخ ابن باز - هداية السالكين (2/355، 356) - جمع : محمد بن رياض السلفي
انتشار الإسلام بالدعوة وبالسيف
يدعي بعض أعداء الدين أن الإسلام قد انتشر بحد السيف؛ فما رد فضيلتكم على ذلك ؟
الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له، وانتشر بالقوة والسيف بالنسبة لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره؛ فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/14)
الفصل الثاني
الرِّق
الحكمة من استرقاق أَسْرَى الكفار
يقولون: لماذا لا يحرم الإسلام الرِّقَّ ؟ تعالى الله عما يقولون.(2/497)
لله سبحانه كمال العلم والحكمة، واللطف والرحمة، فهو عليم بشؤون خلقه، رحيم بعباده، حكيم في خلقه وتشريعه، فشرع للناس ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، وما يكفل لهم السعادة الحقة والحرية والمساواة، لكن في نطاق عادل، وهدي شامل، وفي حدود لا تضيع معها حقوق الله ولا حقوق العباد، وأرسل بهذا التشريع رسله، مبشرين ومنذرين، فمن اتبع سبيله، واهتدى بهدي رسله؛ كان أهلاً للكرامة، ونال الفوز والسعادة، ومن أبى أن يسلك طريق الاستقامة نزل به ما يكره من قتل أو استرقاق؛ إقامةً للعدل، وتحقيقاً للأمن والسلام، ومحافظةً على النفوس والأعراض والأموال، من أجل ذلك شرع الجهاد؛ أخذاً على يد العتاة وقضاءً على عناصر الفساد، وتطهيراً للأرض من الظالمين.
ومن وقع منهم أسيراً في يد المسلمين كان الإمام مخيراً فيه:
بين القتل - إن فَحُشَ شره ولم يُرْجَ صلاحه، وبين العفو عنه أو قبول الفدية منه - إن كان المعروف يملكه، ويسهل به إلى خير، وبين أن يسترقه إن رأى أن بقاءه بين أظهر المسلمين يصلح نفسه، ويقوِّم اعوجاجه، ويكسبه معرفة بطرق الهدي والرشاد، وإيماناً بها، واستسلاماً لها؛ لما يراه من عدل المسلمين معه، وحسن عشرتهم، وجميل معاملتهم له، ولما يسمعه من نصوص التشريع في أحكام الإسلام وآدابه، فينشرح صدره للإسلام، ويحبب الله إليه الإيمان، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، وعند ذلك يبدأ حياة جديدة مع المسلمين، يكون بها أهلاً لكسب الحرية بطريق الكتابة - كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النُّور، من الآية: 33]، أو بطريق العتق في كفارة يمين أو ظهار أو نذر ونحو ذلك، أو بطريق العتق؛ ابتغاء وجه الله، ورجاء المثوبة يوم القيامة، إلى غير ذلك من أنواع التحرير.(2/498)
وبهذا يعلم أن أصل الاسترقاق إنما هو عن طريق الأسر أو السبي في جهاد الكافرين لإصلاح من استرقوا بعزلهم عن بيئة الشر، وعيشتهم في مجتمع إسلامي يهديهم سبيل الخير، وينقذهم من براثن الشر، ويطهرهم من أدران الكفر والضلال، ويجعلهم أهلاً لحياة حرة يتمتع فيها بالأمن والسلام، فالاسترقاق في حكم الإسلام كأنه مطهرة أو سون حمام يدخله من استرقوا من باب ليغسلوا ما بهم من أوساخ، ثم يخرجوا من باب آخر في نقاء وطهارة وسلامة من الآفات.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/570-572)
حكم الاسترقاق في العصر الحاضر
هل يجوز الاسترقاق اليوم وليس فيه حروب شرعية ؟ أو هذا خاص بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لوجود الحروب الشرعية ؟ وما الدليل ؟(2/499)
لا شك أن الحروب التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين الكفار كانت حروباً شرعية، وقد استرق بعض من أسر فيها من الكفار، وجرت حروب شرعية بين المسلمين والكفار زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم زمن القرون الثلاثة المشهود لها بالخير، وكان العمل عندهم في أسرى الكفار على ما كان عليه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من المَنِّ على من أُسر أو قبول الفداء أو الاسترقاق أو القتل، حسب ما يراه الإمام مصلحة للمسلمين؛ عملاً بالقرآن، واتباعاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل جرى العمل في الأسرى بعده على ما كان عليه في زمنه بإجماع الأئمة، فإن وجدت اليوم حروب شرعية بين المسلمين والكفار - وكتب النصر فيها للمسلمين، وأسروا بعض الكفار - فلإمام المسلمين الحكم فيمن أسر منهم بالمَنِّ، أو الفداء، أو القتل، أو الاسترقاق، حسب ما يراه مصلحة للمسلمين؛ عملاً بالكتاب والسنة. وإن لم توجد حروب شرعية فلا يجوز إنشاء استرقاق وابتداؤه. أما من ثبت رِقُّهُ من قبل في حرب شرعية واستمر رِقُّه بالتوالد والتوارث فهو على رقه حتى تتاح له فرصة التحرير.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/572، 573)
شروط الرق الشرعي وعتقاء الدولة
س 1: ما قولكم - أدام الله عزكم - في نفس استرقت من غير جهاد ؟
س2: ما قولكم - أدام الله شرفكم - في الأرقاء الموجودين عندنا في أفريقيا: أهم أرقاء شرعاً أم لا ؟ ومتى استرقوا ؟
س3: هل تصلح عبودية من استرقوا في الحروب التي تقع بين الملوك أو الدول طمعاً في شرف الدنيا أو سيادتها أو الغارات التي كان ذووا الطاقات يقومون بها على الضعفاء فيسترقون النفوس؛ مسلمة كانت أم كافرة ؟ فإن ثبت استرقاق هذه النفوس على هذا الشكل المذكور أو العدم، فما هي الأدلة في الكتاب والسنة ؟
س5: كم شروط العبودية، وما هي ؟(2/500)
ج1، 2، 3، 5: الأصل في الاسترقاق: أن يكون من طريق الاستيلاء على أسارى من الكفار في حروب دارت بينهم وبين المسلمين، وجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه .
أما ما يكون من غير حرب وجهاد؛ بل عن سرقة للأحرار، أو كان استرقاق لمسلم في حرب بين دول إسلامية، أو كان عن بيع لحر ـ فهو غير جائز؛ بل محرم ولا تثبت به الملكية، ومن ذلك تعرف شروط الاسترقاق، ويعرف بالتطبيق الجواب عن الأسئلة 1، 2، 3، 5.
س4: ما قولكم - وفقنا الله وإياكم - في رقيق أعتقته الحكومة جبراً : أيعتق بإعتاق الحكومة إياه أو لا ؟
جـ4: إذا ثبت أن استرقاقه عن طريق مشروع؛ فلا يجوز للحاكم أن يعتقه قهراً عن مالكه، ولا يعتق بذلك شرعاً إلا إذا رأى الحاكم الشرعي أن المصلحة العامة في اعتاقه فيعتقه، ويدفع قيمته لمن كان مالكاً له؛ لحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن استرقوا من سبي هوازن، أما إن كان استرقاقه عن طريق غير مشروع - على ما تقدم بيانه في الجواب عن الأسئلة 1، 2، 3، 5 - فيجب على الحكومة إعتاقه، وينفذ ذلك ولو كره من زعم أنه عبد مملوك له، ولا يعوض عنه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/576، 577)
الرِّق حالة طارئة لا لَوْنَ لها ولا وَطَن
ما حكم العبودية في أفريقيا الذين يدعيهم الناس أنهم عبيد ؟ وما حكم إرثهم إذا ماتوا ؟ وهل هذه العبودية صحيحة أم باطلة ؟ وأرجو أن تكون الفتوى بالدليل القاطع من الكتاب والسنة .(3/1)
الأصل في الإنسان الحرية، والرِّق طارئ على بعض أفراده، والرق عَجْزٌ حُكْمِيٌّ يقوم بالإنسان؛ سببه الكفر. والرق ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، والرقيق لا يَرِث ولا يُورَث ولا يَحْجِب، والمبعّض يرث ويورث، ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، وتعيين أن هذا الشخص بعينه رقيق يحتاج إلى بينة شرعية، وكون الإنسان أسود أو أبيض لا تعلق له بإثبات الرق؛ لأن الرقيق قد يكون أسود، وقد يكون أبيض، وإنما المعول على تحقق سبب الرق الشرعي في ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/579)
حدود تصرف السيِّد برَقِيقِه
ما المراد بكلمة {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، وهل يحق للمالك هذا أن يتصرف فيما يملكه كيف يشاء بجميع ألوان التصرف دون أي حساب ؟ مع الافتراض بأنني أملك أمة وأملك زوجها مثلاً .. أيحق لي كل ألوان التصرف فيهما ؟ وما حدود هذا التصرف ؟
المراد بكلمة {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 3] في الشرع: ما ملكه الإنسان من العبيد أو الإماء أو غيرهما ملكاً شرعياً، وليس لمالك العبد أو الأمة أن يتصرف فيه بهواه أو رأيه المحض؛ بل بما شرعه الله من العدل، فيستخدمهما فيما يطيقانه من العمل المباح، وله أن يطأ أمته غير المتزوجة، فإذا حملت منه فهي أم ولده، لا يجوز له بيعها بل تصير حُرَّةً بموته، ولا يجوز له أن يفرق بين الأمة وطفلها. إلى غير ذلك مما شرعه الله من أحكام التصرفات العادلة للسيد في عبده وأمته من إباحة وتحريم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/578) ميراث الرقيق المُعْتَقِ
عبدتنا سابقاً أعتقناها، فالآن انتقلت إلى جوار ربها، ولا لها ولد ولا غيره، ولها أثاث منزلي وبيت .. هل لي الحق بالتصرف بالأثاث والبيت أتصدق وأضحي لها ؟(3/2)
هذه الأمة المعتقة التي توفيت وتركت أثاثاً منزلياً وبيتاً، المقدم في ذلك وفاء دينها وتنفيذ وصيتها الشرعية، فما بقي بعد ذلك يكون لأقرب ورثتها نسباً، فإن لم يوجد لها ورثة فلِمُعتِقها ذكراً أو أنثى، فإن لم يوجد الشخص الذي أعتقها بنفسه فلأقرب عصبة المُعْتِق من الذكور.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/565)
الباب الحادي عشر
الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الفصل الأول :
الدعوة
الفصل الثاني :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الفصل الأول
الدعوة
حكم الدعوة إلى الله تعالى
نود من سماحتكم أن تبينوا لنا حكم الدعوة إلى الله عز وجل ، وأوجه الفضل فيها ؟
أما حكمها: فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنها من الفرائض . والأدلة في ذلك كثيرة؛ منها: قوله سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *}[آل عِمرَان]، ومنها: قوله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل، من الآية: 125]، ومنها: قوله عز وجل: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[القَصَص، من الآية: 87] ومنها: قوله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يُوسُف، من الآية: 108].(3/3)
فيبين سبحانه أن أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - هم الدعاة إلى الله، وهم أهل البصائر. والواجب - كما هو معلوم - هو اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا *}[الأحزَاب].
وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة . فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية: إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة وعملاً صالحاً جليلاً.
وإذا لم يقم أهل الإقليم أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام صار الإثم عاماً، وصار الواجب على الجميع وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى عموم البلاد فالواجب أن يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله جلّ وعلا في أرجاء المعمورة تبلغ رسالته وتبين أمر الله عز وجل بالطرق الممكنة؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بعث الدعاة وأرسل الكتب إلى الناس وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله عز وجل.
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث العدد (40) ص (135 ، 136)
أوليات الدعوة وأصولها لا تتغير
أوليّات الدعوة الإسلامية .. هل تتغير من عصر إلى عصر ومن مجتمع إلى آخر ؟ وهل ما بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دعوة إلى العقيدة يطالب به الدعاة في كل عصر ؟(3/4)
لا شك أن الدعوة الإسلامية منذ بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلى أن تقوم الساعة أوليّاتها وأصولها واحدة لا تتغير بتغير الزمان؛ لكن قد تكون بعض الأصول محققة عند قوم وليس فيها ما ينقضها أو ينقصها؛ فيعمل الداعية إلى النظر في أمور أخرى يكون فيها من يدعوهم مقصرين، لكن باعتبار الأصول في الدعوة إلى الإسلام لا تتغير أبدًا؛ فقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى أهل اليمن: فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ: أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؛ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ (1)؛ هذه هي أصول الدعوة التي يجب أن نرتبها هكذا إذا كنا ندعو قومًا كافرين، لكن إذا كنا ندعو قومًا مسلمين قد عرفوا الأصل الأول وهو التوحيد ولم ينقصوه: أو ينقضوه دعوناهم إلى ما بعده - كما هو بيِّن من هذا الحديث.
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5) (2/154، 155)
حفظ الله للدين لا ينافي الدعوة
يثير البعض قضية أن الله عز وجل قد تكفل بحفظ هذا الدين؛ ومن ثم فإن العمل الذي يؤديه الدعاة في سبيل خدمة الإسلام عبث لا داعي له .. فكيف الرد على هؤلاء ؟
الرد على هؤلاء بسيط؛ لأن نزعتهم نزعة من ينكر الأسباب، ولا ريب أن إنكار الأسباب من الضلال في الدين والسفه في العقل . إن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ هذا الدين لكن بأسباب؛ وذلك بما يقوم به الدعاة إلى هذا الدين من نشره وبيانه للناس والدعوة إليه.. وما هذا القول إلا بمنزلة من يقول: لا تتزوج فإن قدّر لك ولد فسيأتيك . أو لا تَسْعَ في طلب الرزق فإن قدر لك رزق فسيأتيك .
__________
(1) …البخاري (1458)، ومسلم (19) .(3/5)
فنحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *}[الحِجر]؛ فإنما يقول ذلك لعلمه بأنه سبحانه وتعالى حكيم لا تكون الأشياء إلا بأسباب، فيقدر الله تعالى لحفظ هذا الدين من الأسباب ما يكون به الحفظ . ولهذا نجد علماء السلف حينما حفظ الله دينه من البدع العقدية والعملية صاروا يتكلمون ويكتبون ويبينون للناس، فلابد أن نقوم بما أوجبه الله علينا من الدفاع عن الدين وحمايته ونشره بين العباد.. وبذلك يتحقق الحفظ المطلوب .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/156، 157 )
دواء ضعف المسلمين وتفرُّقهم
كيف ترون سماحتكم الدواء الناجع للعالم الإسلامي للخروج به من الدوامة التي يوجد فيها في الوقت الحاضر ؟
إن الخروج بالعالم الإسلامي من الدوامة التي هو فيها من مختلف المذاهب والتيارات العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، إنما يتحقق بالتزامهم بالإسلام، وتحكيمهم شريعة الله في كل شيء، وبذلك تلتئم الصفوف وتتوحد القلوب .(3/6)
وهذا هو الدواء الناجع للعالم الإسلامي، بل للعالم كله، مما هو فيه من اضطراب واختلاف وقلق وفساد وإفساد؛ كما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ *}[محَمَّد]، وقال عز وجل: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَْرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُْمُورِ *}[الحَجّ]، وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النُّور: 55]، وقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا}[آل عِمرَان: 103]، والآيات في هذا المعنى كثيرة . ولكن مادام أن القادة - إلا من شاء الله منهم - يطلبون الهدى والتوجيه من غير كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويحكمون بغير شريعته، ويتحاكمون إلى ماوضعه أعداؤهم لهم، فإنهم لن يجدوا طريقاً للخروج مما هم فيه من التخلف والتناحر فيما بينهم، واحتقار أعدائهم لهم، وعدم إعطائهم حقوقهم؛ {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[آل عِمرَان: 117]، فنسأل الله أن يجمعهم على الهدى، وأن يصلح قلوبهم(3/7)
وأعمالهم، وأن يمن عليهم بتحكيم شريعته والثبات عليها، وترك ما خالفها؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/261، 262)
صفات الداعية الناجح
كيف ترون سماحتكم الداعية الناجح ؟ وما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر فيه ويكون من شأنها زيادة فعالية الدعوة والتأثير على المدعوين ؟
الداعية الناجح هو الذي يعتني بالدليل، ويصبر على الأذى، ويبذل وسعه في الدعوة إلى الله مهما تنوعت الإغراءات، ومهما تلوع من التعب، ولا يضعف من أذى أصابه، أو من أجل كلمات يسمعها؛ بل يجب أن يصبر ويبذل وسعه في الدعوة بجميع الوسائل، ولكن مع العناية بالدليل والأسلوب الحسن؛ حتى تكون الدعوة على أساس متين يرضاه الله ورسوله والمؤمنون. وليحذر من التساهل حتى لا يقول على الله بغير علم، فيجب أن تكون لديه العناية الكاملة بالأدلة الشرعية، وأن يتحمل في سبيل ذلك المشقة في كونه يدعو إلى الله عن طريق وسائل الإعلام أو عن طريق التعليم، فهذا هو الداعية الناجح والمستحق للثناء الجميل والمنازل العالية عند الله؛ إذا كان ذلك عن إخلاص منه لله.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/267، 268)
الدعاةُ إلى الله حَقّاً
لقد كثر المنتسبون إلى الدعوة هذه الأيام، مما يتطلب معرفة أهل العلم المعتبرين الذين يقومون بتوجيه الأمة وشبابها إلى منهج الحق والصواب .. فمن هم العلماء الذين تنصح الشباب بالاستفادة منهم، ومتابعة دروسهم وأشرطتهم المسجلة، وأخذ العلم عنهم، والرجوع إليهم في المهمات والنوازل وأوقات الفتن ؟(3/8)
الدعوة إلى الله أمر لابد منه، والدين إنما قام على الدعوة والجهاد بعد العلم النافع : {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ *}[العَصر: 3]؛ فالإيمان: يعني العلم بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته، وعبادته، والعمل الصالح يكون فرعًا عن العلم النافع ؛ لأن العمل لابد أن يؤسس على علم، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والتناصح بين المسلمين هذا أمر مطلوب، ولكن ما كل أحد يحسن أن يقوم بهذه الوظائف، هذه الأمور لا يقوم بها إلا أهل العلم والرأي الناضج ؛ لأنها أمور ثقيلة مهمة لا يقوم بها إلا من هو مؤهّل للقيام بها، ومن المصيبة اليوم أن باب الدعوة صار بابًا واسعًا كل يدخل منه ويتسمى بالدعوة، وقد يكون جاهلاً لا يحسن الدعوة، فيفسد أكثر مما يصلح، متحمسًا يأخذ الأمور بالعجلة والطيش، فيتولَّد عن فعله من الشرور أكثر مما عالج وما قصد إصلاحه ؛ بل ربما يكون فيمن ينتسبون إلى الدعوة من لهم أغراض وأهواء يدعون إليها، ويريدون تحقيقها على حساب الدعوة، وتشويش أفكار الشباب باسم الدعوة والغيرة على الدين، وهو يقصد خلاف ذلك كالانحراف بالشباب، وتنفيرهم عن مجتمعهم، وعن ولاة أمورهم، وعن علمائهم؛ فيأتيهم بطريق النصيحة، وبطريق الدعوة في الظاهر - كحال المنافقين في هذه الأمة الذين يريدون للناس الشر في صورة خير؛ أضرب ذلك مثلاً : أصحاب مسجد الضِّرار، بنوا مسجدًا ؛ في الصورة والظاهر أنه عمل صالح، وطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي فيه من أجل أن يرغَّب الناس به، ولكن الله علم من نيات أصحابه أنهم يريدون بذلك الإضرار بالمسلمين، الإضرار بمسجد قباء أول مسجد أسس على التقوى، ويريدون أن يفرقوا جماعة المسلمين، فبيّن الله لرسوله مكيدة هؤلاء ؛ وأنزل قوله : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا(3/9)
لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ *}[التّوبَة: 107-108] .
يتبين لنا من هذه القصة العظيمة أن ما كل من تظاهر بالخير والعمل الصالح يكون صادقًا فيما يفعل؛ فربما يقصد من وراء ذلك أمورًا بعكس ما يظهر، فالذين ينتسبون إلى الدعوة اليوم فيهم مُضلِّلون يريدون الانحراف بالشباب، وصرف الناس عن الدين الحق، وتفريق جماعة المسلمين، والإيقاع في الفتنة، والله سبحانه وتعالى حذرنا من هؤلاء : {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَْوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ *}[التّوبَة: 47]، فليس العبرة بالانتساب أو فيما يظهر؛ بل العبرة بالحقائق، وبعواقب الأمور، والأشخاص الذين ينتسبون إلى الدعوة يجب أن ينظر فيهم: أين درسوا ؟ ومن أين أخذوا العلم ؟ وأين نَشَؤُوا ؟ وما هي عقيدتهم ؟ وتنظر أعمالهم وآثارهم في الناس، ماذا أنتجوا من الخير ؟ وماذا ترتب على أعمالهم من الإصلاح ؟ فيجب أن تدرس أحوالهم قبل أن يغتر بأقوالهم ومظاهرهم، هذا أمر لابد منه، خصوصًا في هذا الزمان الذي كثر فيه دعاة الفتنة؛ وقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاة الفتنة بأنهم : «قومٌ مِنْ بني جِلْدَتِنَا، ويتكلَّمُون بأَلْسِنَتنَا»، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن دعاة الفتن قال : «دعاةٌ على أبوابِ جَهَنَّم، مَنْ أَطَاعَهُم قَذَفُوهُ فيها»(1) ؛ سماهم دعاة، فعلينا أن ننتبه لهذا، ولا نحشد في الدعوة كل من هب ودب، وكل
__________
(1) …البخاري (3606، 7084)، ومسلم (1847).(3/10)
من قال: أنا أدعو إلى الله، وهذه جماعة تدعو إلى الله- لابد من النظر في واقع الأمر، ولابد من النظر في واقع الأفراد والجماعات، فإن الله سبحانه وتعالى قيد الدعوة بالدعوة إلى الله؛ قال تعالى : [يُوسُف: 108]؛ دل ذلك على أن هناك أناسًا يدعون إلى غير الله، والله تعالى أخبر أن الكفار يدعون إلى النار؛ فقال : {وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ}[البَقَرَة: 221]؛ فالدعاة يجب أن ينظر في أمرهم. قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى - عن هذه الآية : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}[يُوسُف: 108] -: «فيه التنبيه على الإخلاص ؛ لأن كثيرًا من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه»(1).
الشيخ الفوزان - حوار مع عالم، ص (22- 25) جمع وترتيب : عمر بن عبدالرحمن العمر
الدعوة بالحسنى .. لا بمنهج التكفير
مما يلاحظ على الثقافة الإسلامية المعاصرة اليوم أنه يشوبها شيء من فكر بعض الفرق الضالة؛ مثل: الخوارج والمعتزلة، فتجد في بعضها تكفير المجتمعات والأفراد، وتسويغ العنف ضد العصاة والفساق من المسلمين؛ فما توجيهكم في ذلك ؟
«هذا منهج خاطئ ؛ لأن الإسلام ينهى عن العنف في الدعوة؛ يقول تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل: 125].
ويقول لنبيه موسى وهارون - عليهما السلام - تجاه فرعون : {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى *}[طه: 44].
والعنف يُقابل بالعنف، ولا يفيد إلا عكس المطلوب، وتكون آثاره على المسلمين سيئة .
__________
(1) …«كتاب التوحيد» ص (21)، باختلاف يسير.(3/11)
فالمطلوب الدعوة بالحكمة وبالتي هي أحسن، وباستعمال الرفق مع المدعوِّين. أما استعمال العنف مع المدعوين والتشدد، والمُهاتَرات، فهذا ليس من دين الإسلام، فالواجب على المسلمين أن يسيروا في الدعوة على منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعلى حسب توجيهات القرآن الكريم .
والتكفير له ضوابط شرعية ؛ فمن ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام التي ذكرها علماء أهل السنة والجماعة: حكم بكفره بعد إقامة الحجة عليه، ومن لم يرتكب شيئًا من هذه النواقض، فليس بكافر».
الشيخ الفوزان - كلمات مضيئة لأصحاب الفضيلة العلماء في الإرهاب، ص (119، 120) - جمع : عمرو عبدالمنعم سليم
تنوُّع طرق الدعاة نِعْمَة
من الدعاة من ينتهج أسلوب التربية والتعليم للمدعوين، ومنهم من ينتهج أسلوب الوعظ والتذكير في الأماكن العامة التي يجتمع فيها النساء؛ فما رأي فضيلتكم في هذا ؟ وأي الأساليب أنجح ؟
الذي أرى أن هذه من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد .. أن جعلهم يختلفون في الطريق أو الوسيلة في الدعوة إلى الله، فهذا رجل واعظ أعطاه الله سبحانه وتعالى بيانًا وقدرة على الكلام وتأثيرًا.. فهذا يعتبر الوعظ أحسن بالنسبة له .. وهذا آخر أعطاه الله تعالى لينًا ورفقًا ولطفًا يدخل به إلى قلوب الناس، ومثل هذا الداعية صاحب أسلوب أفضل من الأول، ولا سيما إذا كان لا يحسن الحديث؛ لأن بعض الدعاة يملك العلم، لكنه لا يحسن مخاطبة الآخرين. إن فضل الله سبحانه وتعالى موزّع بين عباده وهو قد رفع بعضهم فوق بعض درجات.. فالذي أراه: أن على الإنسان أن يستعمل الأسلوب الذي يعتقد أنه أنفع وأجدى وأنه به أقوم، ولا يُدخل نفسه في أمر يعجز عنه؛ بل عليه أن يكون واثقًا من نفسه مستعينًا بالله عز وجل حتى إذا وردت عليه الإيرادات تخلص منها.
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/170، 171)
آداب الخلاف بين الدُّعاة(3/12)
فضيلة الشيخ: كثير من الخلاف الذي ينشأ بين العاملين في حقل الدعوة إلى الله والذي يسبب الفشل وذهاب الريح - كثير منه ناشىء بسبب الجهل بأدب الخلاف .. فهل لكم من كلمة توجيهية في هذا الموضوع ؟
نعم؛ الذي أوصي به جميع إخواني من أهل العلم والدعوة إلى الله عز وجل هو تحري الأسلوب الحسن، والرفق في الدعوة وفي مسائل الخلاف عند المناظرة والمذاكرة في ذلك، وأن لا تحمله الغيرة والحدة على أن يقول ما لا ينبغي أن يقول، مما يسبب الفرقة والاختلاف والتباغض والتباعد؛ بل على الداعي إلى الله والمعلم والمرشد أن يتحرى الأساليب النافعة، والرفق في كلمته حتى تقبل كلمته، وحتى لا تتباعد القلوب عنه - كما قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عِمرَان: 159].
وقال سبحانه لموسى وهارون عليهما السلام لما بعثهما إلى فرعون: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى *}[طه]، والله يقول سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل: 125]، ويقول سبحانه: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[العَنكبوت: 46].
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ" (1)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ"(2).
__________
(1) …مسلم (2594) .
(2) …مسلم (2592) .(3/13)
فعلى الداعي إلى الله والمعلم أن يتحرى الأساليب المفيدة النافعة، وأن يحذر الشدة والعنف؛ لأن ذلك قد يفضي إلى رد الحق، وإلى شدة الخلاف والفرقة بين الإخوان، والمقصود هو بيان الحق والحرص على قبوله والاستفادة من الدعوة، وليس المقصود إظهار علمك أو إظهار أنك تدعو إلى الله أو أنك تغار لدين الله، فالله يعلم السر وأخفى، وإنما المقصود أن تبلغ دعوة الله، وأن ينتفع الناس بكلمتك. فعليك بأسباب قبولها وعليك الحذر من أسباب ردها وعدم قبولها .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/155، 156)
ضرورة دعم حركات الدعوة الإسلامية
يكثر أعداء الحركات الإسلامية .. فما الوسيلة للتصدي لهم ؟
لا شك أن الحركات الإسلامية في كل مكان لها أعداء وخصوم قد تكاتفوا ضدها . وهناك تنظيم علني وسري يمدهم بأنواع الدعم والتعضيد ورسم الخطط . والذي أرى في هذا المقام هو أنه يجب على الدول الإسلامية وأثرياء المسلمين إمداد تلك الحركات الإسلامية في كل مكان بالدعاة المخلصين المعروفين بالعلم والنشاط الإسلامي والصدق والصبر وحسن العقيدة، وبالأموال التي تعينهم على القيام بمهمة الدعوة ونشرها والرد على خصوم الإسلام، وبالكتب والرسائل والنشرات المفيدة في هذا المقام؛ على أن تكون بشتى اللغات على حسب الجهات التي فيها الحركات الإسلامية، وأن يكون هناك مراقبون لهذه الحركات يزورونها فيما بين وقت وآخر لمعرفة نشاطها وصدقها وحاجتها، ولتوجيهها إلى ما ينبغي أن تسير عليه، وتسهيل العقبات التي قد تقف في طريقها، ومعرفة الأشخاص أو المؤسسات التي تناصر الأعداء وتمدهم في السر أو في العلن لتحذر وتعامل بما يليق لها . ولاشك أن ما ذكرنا يحتاج إلى جهود صادقة ونفوس مؤمنة تريد الله والدار الآخرة، فنسأل الله أن يهيء للحركات الإسلامية وللمسلمين في كل مكان ما يعينهم على الحق ويبصرهم به ويثبتهم عليه؛ إنه خير مسؤول.(3/14)
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/253)
حكم قيام جماعات إسلامية للدعوة
هل تعتبر قيام جماعات إسلامية في البلدان الإسلامية لاحتضان الشباب وتربيتهم على الإسلام من إيجابيات هذا العصر ؟
وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين؛ ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله، وألاّ تتنافر مع بعضها. وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها، وأن تحب إحداها الأخرى، وتنصح لها، وتنشر محاسنها، وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها . ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث الإسلامية، العدد (32)، ص (119)
نصيحة لهذه الجماعات
بم تنصح الشباب داخل هذه الجماعات ؟
أن يترسموا طريق الحق ويطلبوه، وأن يسألوا أهل العلم فيما أشكل عليهم، وأن يتعاونوا مع الجماعات فيما ينفع المسلمين بالأدلة الشرعية لا بالعنف ولا بالسخرية؛ ولكن بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن، وأن يكون السلف الصالح قدوتهم، والحق دليلهم، وأن يهتموا بالعقيدة الصحيحة التي سار عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته رضي الله عنهم .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث الإسلامية، العدد (32)، ص (119)
حل مشكلة تعدد الجماعات الدعوية وتنازعها
ما واجب علماء المسلمين حيال كثرة الجمعيات والجماعات في كثير من الدول الإسلامية وغيرها، واختلافها فيما بينها ؟ حتى إن كل جماعة تضلل الأخرى .. ألا ترون من المناسب التدخل في مثل هذه المسألة بإيضاح وجه الحق في هذه الخلافات؛ خشية تفاقمها وعواقبها الوخيمة على المسلمين هناك ؟(3/15)
إن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بين لنا درباً واحداً يجب على المسلمين أن يسلكوه: وهو صراط الله المستقيم ومنهج دينه القويم؛ يقول الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *}[الأنعَام].
كما نهى رب العزة والجلال أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - عن التفرق واختلاف الكلمة؛ لأن ذلك من أعظم أسباب الفشل وتسلط العدو - كما في قوله جلّ وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا}[آل عِمرَان: 103]، وقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ *}[الشّورى].(3/16)
فهذه دعوة إلهية إلى اتحاد الكلمة وتآلف القلوب . والجمعيات إذا كثرت في أي بلد إسلامي من أجل الخير والمساعدات والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها فهي خير وبركة وفوائدها عظيمة. أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى وتنقد أعمالها فإن الضرر بها حينئذ عظيم والعواقب وخيمة . فالواجب على علماء المسلمين توضيح الحقيقة ومناقشة كل جماعة أو جمعية ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن تجاوز هذا أو استمر في عناده لمصالح شخصية أو مقاصد لا يعلمها إلا الله - فإن الواجب التشهير به والتحذير منه ممن عرف الحقيقة؛ حتى يتجنب الناس طريقهم، وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه في قوله جلّ وعلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *}[الأنعَام].
ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولاً وأعداء الإسلام من الإنس ثانياً؛ لأن اتفاق كلمة المسلمين ووحدتهم وإدراكهم الخطر الذي يهددهم ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين ودرء الخطر عن دينهم وبلادهم وإخوانهم . وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم وبذر أسباب العداوة بينهم.
نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلالة، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/202-204)
تحذير الملتزمين من التنازع، ورأي في جماعة التبليغ(3/17)
ما نصيحتكم لما يحصل من الشباب الملتزم في مواجهة بعضهم والتبرؤ من بعضهم البعض ؟ وما رأيكم في تعدد الجماعات في وقتنا الحاضر ؟ وهل تنصحني بمشاركة جماعة التبليغ والخروج معهم ؟
لا شك أن هذا الذي حدث للشباب الملتزم من التفرق وتضليل بعضهم بعضاً وحمل العداوة لمن لا يوافقهم على مناهجهم - لا شك أنه محزن ومؤسف، وربما يؤدي إلى انتكاسة عظيمة، ومثل هذا التفرق هو قرة عين شياطين الجن والإنس، لأن شياطين الإنس والجن لا يودون من أهل الخير أن يجتمعوا على شيء، فهم يريدون أن يتفرقوا؛ لأنهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام والاتجاه إلى الله عز وجل، ويدل لهذا قوله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفَال: 46]، {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عِمرَان: 105]، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعَام: 159]، {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشّورى: 13].(3/18)
فالله تعالى قد نهانا عن التفرق وبين لنا عواقبه الوخيمة، والواجب علينا أن نكون أمة واحدة، وكلمة واحدة، فالتفرق فساد وشتات للأمر وموجب لضعف الأمة الإسلامية . والصحابة رضي الله عنهم حصل بينهم الاختلاف، لكن لم يحصل التفرق ولا العداوة ولا البغضاء . وحصل بينهم الاختلاف حتى في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة الأحزاب، وجاءه جبريل عليه السلام يأمره أن يخرج إلى بني قريظة لنقضهم العهد، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ (1)، فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وحان وقت العصر فقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ؛ فنقول: سمعنا وأطعنا .
ومنهم من قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد بذلك المبادرة والإسراع إلى الخروج ولم يرد منا تأخير الصلاة؛ فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعنف أحداً منهم ولم يوبخه على ما فهم، وهم بأنفسهم لم يتفرقوا من أجل اختلاف الرأي في فهم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا يجب علينا ألا نتفرق وأن نكون أمة واحدة. وأما أن يحصل التفرق فيقال: هذا من السلفيين، وهذا من الإخوانيين، وهذا من التبليغيين، وهذا من السنيين، وهذا من المقلدين، وهذا من كذا وهذا من كذا ونتفرق، فهذا خطره عظيم، والأمل الذي نؤمله من هذه الصحوة واليقظة الإسلامية سوف يتلاشى؛ إذا علمنا أن هذه الصحوة سيكون منها طوائف متفرقة يضلل بعضها بعضاً ويسفه بعضها بعضاً .
__________
(1) …البخاري (946)، ومسلم (1770)، ولكن في مسلم: «الظهر» بدل: «العصر».(3/19)
والحل لهذه المشكلة: أن نسلك ما سلكه الصحابة رضي الله عنهم، وأن نعلم أن هذا الخلاف الصادر عن اجتهاد - في مكان يسوغ فيه الاجتهاد - أن نعلم أن هذا الخلاف لا يؤثر؛ بل إنه في الحقيقة وفاق .. فكيف ذلك ؟ أنا أخالفك في مسألة من المسائل؛ لأن مقتضى الدليل عندي خلاف ما تقول، وأنت تخالفني في هذه المسألة؛ لأنه مقتضى الدليل عندك خلاف ما أقول أنا. فالواقع أننا لسنا مختلفين؛ الدليل أمام أعيننا جميعاً، وكلنا لم يأخذ برأيه إلا لأنه مقتضى الدليل، فأنا أحمدك وأثني عليك لأنك تجرأت على مخالفتي، وأنا أخوك وصاحبك، ولأن هذه المخالفة مقتضى الدليل عندك، فالواجب عليَّ ألا يكون في نفسي شيء عليك؛ بل أن أحمدك على ما ذهبت إليه، وأنت كذلك. ولو أننا ألزمنا أحدنا أن يأخذ بقول الآخر؛ لكان إلزامي إياه أن يأخذ بقولي ليس أولى من إلزامه إياي أن آخذ بقوله؛ ولذلك أقول: يجب أن نجعل هذا الخلاف - المبني على اجتهاد - أن نجعله ليس خلافاً بل نجعله وفاقاً؛ حتى تجتمع الكلمة ويحصل الخير .
ولكن إذا قال قائل:قد تكون هذه معالجة غير متيسرة بالنسبة لعامة الناس .. فما هو الحل ؟
الحل: أن يجتمع رؤساء القوم وأعيانهم من كل طائفة للنظر والبحث في مسائل الاختلافات بيننا حتى نكون متحدين ومؤتلفين .(3/20)
ولقد جرى في سنة من السنين مسألة في منى - على يدي ويد بعض الإخوان - وقد تكون غريبة عليكم؛ حيث جيء بطائفتين، وكل طائفة من ثلاثة أو أربعة رجال، وكل واحدة تتّهم الأخرى بالكفر واللعن، وهم حجاج؛ وخبر ذلك: أن إحدى الطائفتين قالت: إن الأخرى إذا قامت تصلي وضعت اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر، وهذا كفر بالسّنة؛ حيث إن السّنة عند هذه الطائفة إرسال اليدين على الفخذين، والطائفة الأخرى تقول: إن إرسال اليدين على الفخذين دون أن يجعل اليمنى على اليسرى كفر مبيح للعنه، وكان النزاع بينهم شديداً . ولكن بفضل الله ثم جهود الإخوان وبيان ما يجب أن تكون عليه الأمة الإسلامية من ائتلاف ذهبوا وكل واحد منهم راضٍ عن الآخر.
فانظر كيف لعب الشيطان بهم في هذه المسألة التي اختلفوا فيها حتى بلغ أن كفر بعضهم بعضاً بسببها؛ هي سنة من السنن فليست من أركان الإسلام، ولا من فرائضه، ولا من واجباته، غاية ما هنالك أن بعض العلماء يرى أن وضع اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر هو السنة، وآخرين من أهل العلم يقولون: إن السنة هو الإرسال، مع أن الصواب الذي دلت عليه السنة هو وضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى؛ كما قال سهل بن سعد رضي الله عنه؛ فيما رواه البخاري: قال: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ(1).
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يمن على إخواننا - الذين لهم مشارب ومناهج في وسائل الدعوة - أن يمن عليهم بالائتلاف والمحبة وصلاح القلوب، وإذا حسنت النية سهل العلاج، أما إذا لم تحسن النية وكان كل واحد منهم معجباً برأيه ولا يهمه غيره فإن النجاح سيكون بعيداً .
ملاحظة: إذا كان الاختلاف في مسائل العقائد فيجب أن تصحح، وما كان على خلاف مذهب السلف فإنه يجب إنكاره، والتحذير ممن يسلك ما يخالف مذهب السلف في هذا الباب.
__________
(1) …البخاري (740) .(3/21)
- أما بالنسبة لجماعة التبليغ .. فرأيي فيهم: أنهم جماعة نفع الله بهم نفعاً عظيماً فكم من إنسان عاص هداه الله على أيديهم، بل كم من إنسان كافر دخل في الإسلام على أيديهم، وتأثيرهم لا أحد ينكره في الواقع؛ لكن لا شك أن عند القوم جهلا كثيراً، وأنهم يحتاجون إلى طلبة علم يشاركونهم ويبينون لهم ما هم عليه من بعض الأشياء التي يفعلونها ظناً منهم أنها لا بأس بها وأنها مفيدة وهي في الحقيقة تحتاج إلى تصحيح؛ مثل تقييد بعضهم الخروج بثلاثة أيام، أو أربعة أيام، أو أربعين يوماً، أو ستة شهور، أو ما أشبه ذلك . ثم يقولون: إننا نفعل هذا من باب الوسيلة وليس من باب القصد؛ أي أننا لا نعتقد أن هذا أمر مشروع أو أنه يتعبد لله به؛ لكن نعتقد أن هذا التقدير من أجل شد الإنسان والتزامه لأجل أن يتكيف للدعوة والحق والانتقال عن الترف، وما أشبه ذلك .
فالذي أرى: أنهم بلا شك عندهم صلاح، وفيهم نفع وخير كثير، ولكن عندهم جهل كثير يحتاجون إلى طلبة العلم الذين يبينون لهم، كما أني أنتقد عليهم: أن بعضهم - ولا أقول كلهم - إذا دخلت معهم في مناقشة للعلم تجد منه أنه لا يرتاح لذلك، ولا يحب المناقشة أو التعمق في العلم، وهذا بلا شك خطأ؛ لأن الواجب على الإنسان - ولا سيما الشباب - أن يكون حريصاً على العلم وعلى البحث فيه، ولكن بهدوء وطلب للحق لا بجدال وشدة وعنف كما يوجد من بعض الناس، كما أني أيضاً أحب أن تكون هذه الجماعة على صلة بإخوانهم الآخرين وأن يجتمعوا جميعاً على كلمة واحدة؛ هذا يتعلم من هذا العلوم الشرعية، وهذا يتعلم من هذا الأخلاق والآداب والسماحة. والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى العقيدة، ص (778 - 783)
الدعوة إلى الله على بصيرة(3/22)
إن دعاة السوء والشر يحبون أن يتفرق دعاة الخير؛ لأنهم يعلمون أن اتحادهم وتعاونهم سبب لنجاحهم، وأن تفرقهم سبب لفشلهم . . وإن كل واحد منا معرض للخطأ، فإذا رأى أحدنا من أخيه خطأ فليبادر بالاتصال به و تحقيق الأمر معه؛ فقد يكون الخطأ خطأ في ظننا ولكنه في الواقع ليس كذلك ..
كما أنه لا يجوز اتخاذ الخطأ سببًا للقدح في الداعية والتنفير منه؛ فهذا ليس من سمات المؤمنين فضلاً عن أن يكون من سمات الدعاة إلى الله عز وجل.
الدعوة المقصودة هي التي تكون على بصيرة - كما قال الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *}[يُوسُف]؛ والبصيرة تكون فيما يدعو إليه الشخص، وفي حال من يدعوهم وفي أسلوب الدعوة.. والبصيرة فيما يدعو إليه الشخص تقتضي العلم؛ فلا يتكلم الشخص إلا بما يعلم أنه حق أو بما يغلب على ظنه أنه الحق؛ إذا كان الشيء الذي يدعو إليه مما يسوغ فيه الظن.. أما أن يدعو الشخص وهو يجهل فإنه يهدم أكثر مما يبني مع أنه أَثِم إثماً كبيراً.. يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً *}[الإسرَاء].
والبصيرة بحال من يدعوهم - من مقتضياتها: أن يفرق الداعية في دعوته بين الإنسان الجاهل وبين الإنسان المعاند المكابر.. والبصيرة بأسلوب الدعوة: هي أن يعرف الداعية كيف يدعو الناس.. هل يدعو بالعنف والشدة والقدح فيما هم عليه ؟ أم يدعو باللين والرفق وتحسين ما يدعوهم إليه دون أن يقبحهم فيما هم عليه ؟
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/174، 175 )
الدعوة إلى الله على بصيرة (كلمة للشيخ ابن عثيمين)(3/23)
يقوم الإنتاج الإعلامي الحالي بتوجيه هذا الجيل كيفما يريد المنتجون.. فما يقدمه التليفزيون والإذاعة من تمثيليات ومسرحيات وبرامج مختلفة إنما يعمل على تكريس قيم وأفكار ومبادىء يريدها صانعو هذه المصنفات الفنية؛ فإن تركنا إنتاج هذه المصنفات لغيرنا أفسدوا أبناءنا، وبناتنا، وإن وجهنا أبناءنا وبناتنا لفهم ودراسة هذه الفنون من أجل صياغتها صياغة إسلامية خافوا .. فما الحل ؟
إن على المسؤولين في الدول الإسلامية أن يتقوا الله في المسلمين وأن يولوا هذه الأمور لعلماء الخير والهدى والحق، كما أن على علمائنا ألا يمتنعوا عن إيضاح الحقائق بالوسائل الإعلامية، وألا يدعوا هذه الوسائل للجهلة والمتهمين، وأهل الإلحاد؛ بل يتولاها أهل الصلاح والإيمان والبصيرة، وأن يوجهوها على الطريقة الإسلامية حتى لا يكون فيها ما يضر المسلمين شيباً أو شباناً، رجالاً أو نساءً. كما وأنه على العلماء أن يقدموا للناس إجابات وافية حول ما يبثه التلفاز ريثما يتولاها الصالحون، وأن على الدول الإسلامية أن تولي الصالحين حتى يبثوا الخير ويزرعوا الفضائل، نسأل الله للجميع التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث الإسلامية، العدد (32) ص (117)
حثُّ للدعاة المقصِّرين
نريد من سماحتكم تشجيع الدعاة وطلبة العلم على إقامة الدروس والمحاضرات في كافة أنحاء البلاد؛ حيث لوحظ الجفاء في بعض المناطق، وقلة الدعاة وتكاسل طلبة العلم وإحجامهم عن الدروس والمحاضرات، مما يسبب انتشار الجهل وعدم العلم بالسنة، وانتشار الشركيات والبدع، حفظكم الله .(3/24)
لا شك أن الواجب على العلماء أينما كانوا أن ينشروا الحق وينشروا السنة ويعلموا الناس وأن لا يتقاعسوا عن ذلك، بل يجب على أهل العلم أن ينشروا الحق بالدروس في المساجد التي حولهم، وإن كانوا غير أئمة فيها.. وفي خطب الجمعة من أئمة الجوامع، يجب على كل واحد أن يعتني بخطبة الجمعة، ويتحرى حاجة الناس.. وهكذا المحاضرات والندوات يجب على القائمين بها أن يتحروا حاجة الناس، ويبينوا لهم ما قد يخفى عليهم من أمور دينهم، وما يلزم نحو إخوانهم من الجيران وغيرهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وتعليم الجاهل بالرفق والحكمة . ومتى سكت العلماء ولم ينصحوا ولم يرشدوا الناس تكلم الجهال، فضلوا وأضلوا؛ وقد جاء في الحديث الصحيح: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ؛ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ؛ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا(1).
فنسأل الله السلامة من كل سوء، لنا ولإخواننا المسلمين .
وبما ذكرنا يعلم أن الواجب على أهل العلم أينما كانوا في القرى والمدن، وفي القبائل وفي هذه البلاد، وفي كل مكان أن يعلموا الناس، وأن يرشدوهم بما قال الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما أشكل عليهم في ذلك وجب عليهم أن يراجعوا الكتاب والسنة ويراجعوا كلام أهل العلم .
فالعالم يتعلم إلى أن يموت، ويتعلم ليعلم ما أشكل عليه، ويراجع كلام أهل العلم بالأدلة حتى يفتي الناس ويعلمهم على بصيرة، وحتى يدعو إلى الله على بصيرة .
__________
(1) …البخاري (100) .(3/25)
فالإنسان في حاجة إلى العلم إلى أن يموت، ولو كان من الصحابة رضي الله عنهم، فكل إنسان محتاج إلى طلب العلم، والتفقه في الدين، ليعلم ويتعلم، فيراجع القرآن الكريم ويتدبره، ويراجع الأحاديث الصحيحة وشروحها، ويراجع كلام أهل العلم حتى يستفيد ويتضح له ما أشكل عليه، ويعلم الناس مما علمه الله؛ سواء كان في بيته أو في المدرسة، أو في المعهد أو في الجامعة، أو في المساجد التي حوله، أو في السيارة، أو في الطائرة، أو في أي مكان، أو في المقبرة إذا حضر عند الدفن، ولم يَنْقَضِ القبرُ بأن جلسوا ينتظرون، يذكرهم بالله - كما كان - صلى الله عليه وسلم - يفعل .
والمقصود أن العالم ينتهز الفرصة في كل مكان مناسب، واجتماع مناسب، لا يضيع الفرصة؛ بل ينتهزها ليذكر ويعلم بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن والتثبت والحذر من القول على الله بغير علم.. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث العدد (36) ص (127، 128)
كيف يدعو إلى الله مَنْ لا عِلْمَ عنده ؟
أنا شاب أريد أن أكون داعية، ولكن لا يوجد لديّ الأسلوب المناسب .. هل الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي المفيد يكفي بأن أقوم بنشره أو توزيعه ؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا .
نعم؛ لا شك أن الإنسان قد لا يتمكن من الدعوة بنفسه، ولكنه يتمكن من الدعوة بنشر الكتب النافعة والأشرطة النافعة، ولكن بناء على أنه لا يستطيع الدعوة بنفسه فإنه لا ينشر هذه الكتب ولا هذه الأشرطة إلا بعد عرضها على طالب علم ليعرف ما فيها من خطأ؛ حتى لا يوزّع هذا الرجل ما كان خطأ وهو لا يشعر به . . وله أيضًا من أساليب الدعوة أن يتفق مع طالب علم: بأن يكتب طالب العلم ما فيه الدعوة إلى الخير، ويكون تمويل هذا على هذا الرجل الذي لا يستطيع الدعوة بنفسه.
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/171) حكم من يدعو ولا يعمل(3/26)
إذا كان الداعية يدعو إلى شيء لا يستطيع تطبيقه بعد المحاولة على ذلك، ويرى أن هذا المدعو سوف يقدر على القيام به؛ فهل يدعو إليه ؟
إذا كان هذا الداعي الذي يدعو إلى الخير لا يستطيع أن يفعله بنفسه فعليه أن يدعو غيره إليه، ولنفرض لذلك أن رجلاً يدعو إلى قيام الليل ولكنه لا يستطيع أن يقوم الليل؛ فلا تقل: إذا كنت لا تستطيع فلا تدعو إلى قيام الليل . . رجل يدعو إلى الصدقة، وهو لا يستطيع ولا يملك أن يتصدق نقول: ادع، وأما شيء يدعو إليه وهو يستطيعه ولا يفعله فلا شك أنه سفه في العقل وضلال في الدين .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/173)
بيان حول أسلوب النقد بين الدعاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين.
وبعد .. فإن الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الظلم والبغي والعدوان، وقد بعث الله نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بما بعث به الرسل جميعًا من الدعوة إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، وأمره بإقامة القسط، ونهاه عن ضد ذلك؛ من عبادة غير الله والتفرق والتشتت والاعتداء على حقوق العباد .
وقد شاع في هذا العصر أن كثيرًا من المنتسبين إلى العلم والدعوة إلى الخير يقعون في أعراض كثير من إخوانهم الدعاة المشهورين، ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاة والمحاضرين، يفعلون ذلك سرًا في مجالسهم، وربما سجلوه في أشرطة تنشر على الناس، وقد يفعلونه علانية في محاضرات عامة في المساجد، وهذا المسلك مخالف لما أمر الله به ورسوله من جهات عديدة؛ منها :
أولاً - أنه تعدٍّ على حقوق الناس من المسلمين ؛ بل من خاصة الناس من طلبة العلم والدعاة الذين بذلوا وسعهم في توعية الناس وإرشادهم وتصحيح عقائدهم ومناهجهم، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضرات وتأليف الكتب النافعة .(3/27)
ثانيًا - إنه تفريق لوحدة المسلمين وتمزيق لصفوفهم، وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة والبعد عن الشتات والفرقة وكثرة القيل والقال فيما بينهم ؛ خاصة وأن الدعاة الذين نيل منهم من أهل السنة والجماعة المعروفين بمحاربة البدع والخرافات، والوقوف في وجه الداعين إليها، وكشف خططهم وألاعيبهم، ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداء المتربصين من أهل الكفر والنفاق، أو من أهل البدع والضلال .
ثالثًا - أن هذا العمل فيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين والمستغربين وغيرهم من الملاحدة الذين اشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة والكذب عليهم والتحريض ضدهم فيما كتبوه وسجلوه، وليس من حق الأخوة الإسلامية أن يعين هؤلاء المتعجلون أعداءهم على إخوانهم من طلبة العلم والدعاة وغيرهم.
رابعًا - إن في ذلك إفساد قلوب العامة والخاصة، ونشرًا وترويجًا للأكاذيب والإشاعات الباطلة، وسببًا في كثرة الغيبة والنميمة، وفتح أبواب الشر على مصاريعها لضعاف النفوس الذين يدأبون على بث الشبه وإثارة الفتن، ويحرصون على إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا.
خامسًا - أن كثيرًا من الكلام الذي قيل لا حقيقة له؛ وإنما هو من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها وأغراهم بها؛ وقد قال الله تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[الحُجرَات: 12]، والمؤمن ينبغي أن يحمل كلام أخيه المسلم على أحسن المحامل، وقد قال بعض السلف(1) : لا تَظُنَّنَّ بكلمةٍ خرجت من أخيك سوءًا وأنت تَجِدُ لها في الخير مَحْمَلاً.
__________
(1) …هو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر: «تاريخ مدينة دمشق» (44/360)، و«الآداب الشرعية» لابن مفلح (2/295).(3/28)
سادسًا - وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم - فيما يسوغ فيه الاجتهاد - فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولا يُثَرَّب عليه(1) إذا كان أهلاً للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن ؛ حرصًا على الوصول إلى الحق من أقرب طريق، ودفعًا لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين، فإن لم يتيسر ذلك ورأى أحد أنه لابد من بيان المخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة، ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه، ودون تعرض للأشخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوِّغ لها، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في مثل هذه الأمور : «ما بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وكَذَا؟!»(2).
فالذي أنصح به هؤلاء الإخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة ونالوا منهم: أن يتوبوا إلى الله تعالى مما كتبته أيديهم، أو تلفظت به ألسنتهم مما كان سببًا في إفساد قلوب بعض الشباب وشحنهم بالأحقاد والضغائن، وشغلهم عن طلب العلم النافع وعن الدعوة إلى الله، والقيل والقال عن فلان وفلان، والبحث عما يعتبرونه أخطاء للآخرين وصيدها، وتكلف ذلك. كما أنصحهم أن يُكَفِّروا عما فعلوا كتابة أو غيرها مما يبرؤون فيه أنفسهم من مثل هذا الفعل، ويزيلون ما علق بأذهان من يستمع إليهم من قولهم، وأن يقبلوا على الأعمال المثمرة التي تقرب إلى الله وتكون نافعة للعباد، وأن يحذروا من التعجيل في إطلاق التكفير أو التفسيق أو التبديع لغيرهم بغير بينة ولا برهان ؛ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ قَالَ لأخِيهِ : يا كَافِر فقد بَاءَ بها أحدُهما"(3).
__________
(1) …من التَّثْرِيب : وهو التأنيب والتوبيخ.
(2) …مسلم (1401).
(3) …البخاري، (6103، 6104)، ومسلم (60). ومعنى (بَاءَ): أي رَجَع.(3/29)
ومن المشروع لدعاة الحق وطلبة العلم - إذا أشكل عليهم أمر من كلام أهل العلم أو غيرهم - أن يرجعوا فيه إلى العلماء المعتبرين ويسألوهم عنه ليبينوا لهم جلية الأمر ويوقفوهم على دقيقته، ويزيلوا ما في أنفسهم من التردد والشبهة؛ عملاً بقول الله عز وجل في سورة النساء: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَْمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً *}[النِّسَاء: 83].
والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا ويجمع قلوبهم وأعمالهم على التقوى، وأن يوفق جميع علماء المسلمين، وجميع دعاة الحق لكل ما يرضيه وينفع عباده، ويجمع كلمتهم على الهدى ويعيذهم من أسباب الفرقة والاختلاف، وينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
الشيخ ابن باز - فتاوى العلماء حول الدعوة والجماعات الإسلامية، ص (60- 63) - جمع وترتيب : أبو أنس صلاح الدين السعيد
تعقيب على موضوع نقد الدعاة
صدر عن سماحتكم بيان قبل أسابيع حول أسلوب النقد بين الدعاة فتأوَّله بعض الناس بتأويلات مختلفة؛ فما قول سماحتكم في ذلك ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن اهتدى بهداه.. أما بعد:
فهذا البيان الذي أشار إليه السائل أردنا فيه نصيحة إخواني العلماء والدعاة بأن يكون نقدهم لإخوانهم - فيما يصدر من مقالات أو ندوات أو محاضرات - أن يكون نقدًا بناءً بعيدًا عن التجريح وتسمية الأشخاص؛ لأن هذا قد يسبب شحناء وعداوة بين الجميع .(3/30)
وكان من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - وطريقته إذا بلغه عن بعض أصحابه شيء لا يوافق الشرع نَبَّهَ على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا ، ثم يبين الأمر الشرعي عليه الصلاة والسلام .
ومن ذلك: أنه بلغه أن بعض الناس قال: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء؛ فخطب الناس - صلى الله عليه وسلم -، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا ؟! لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي(1).
فمقصودي هو ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: أن التنبيه يكون بمثل هذا الكلام، بعض الناس قال كذا، وبعض الناس يقول كذا، والمشروع كذا، والواجب كذا؛ فيكون الانتقاد من غير تجريح لأحد معين، ولكن من باب بيان الأمر الشرعي؛ حتى تبقى المودة والمحبة بين الإخوان وبين الدعاة وبين العلماء .
ولست أقصد بذلك أناسًا معينين، وإنما قصدت العموم جميع الدعاة والعلماء في الداخل والخارج .
فنصيحتي للجميع: أن يكون التخاطب فيما يتعلق بالنصيحة والنقد من طريق الإبهام لا من طريق التعيين؛ إذ المقصود التنبيه على الخطأ والغلط وما ينبغي من بيان الصواب والحق من دون حاجة إلى تجريح فلان وفلان. وفق الله الجميع.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (7/315، 316 )
الموقف الصحيح من أخطاء الدعاة
لا شك أن التعاون بين الدعاة أمر محتم لنجاح دعوتهم وقبول الناس لها.. والسؤال: إن الساحة الإسلامية تحفل بكثير من الدعاة، ولكل منهم أسلوبه وطريقته؛ لكن مع ذلك قد يكون هناك خلاف في مسائل مهمة كالعقيدة؛ فما هي الضوابط التي ترونها للعمل والتعاون مع هؤلاء وغيرهم، والدعاة بحاجة إلى توجيهكم في هذه المسألة وفقكم الله ؟
__________
(1) …مسلم (1401) .(3/31)
لا شك أن الضوابط لهذا الخلاف هي الرجوع إلى ما أرشد الله إليه في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآْخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً *}[النِّسَاء]، وفي قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشّورى: 10].
فالواجب على من خرج عن الصواب في العقيدة أو في العمل - أي: في الأمور العلمية أو العملية - الواجب أن يُبيَّن له الحق ويوضح؛ فإن رجع فذلك من نعمة الله عليه، وإن لم يرجع فهو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى له، وعلينا أن نبين الخطأ الذي هو واقع فيه، وأن نحذر من هذا الخطأ بقدر الاستطاعة، ومع هذا لا نيأس فإن الله سبحانه وتعالى ردّ أقوامًا من بدع عظيمة حتى صاروا من أهل السنة.
ولا يخفى على كثير منا ما اشتهر عن أبي الحسن الأشعري رحمه الله من أنه بقي في طائفة الاعتزال أربعين سنة من عمره، ثم اعتدل بعض الشيء لمدة، ثم هداه الله عز وجل إلى السبيل الأقوم؛ إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة.
فالحاصل: أن مسائل العقيدة مهمة ويجب التناصح فيها، كما يجب التناصح أيضًا في الأمور العملية . وإن كانت دائرة الخلاف بين أهل العلم في المسائل العملية أوسع وأكثر؛ إذ إن المسائل العلمية العقدية لم يحصل فيها اختلاف في الجملة، وإن كان بعضها قد وقع فيه الخلاف: كمسألة فناء النار، ومسألة عذاب البرزخ، ومسألة الموازين، ومسألة ما يوزن، وأشياء متعددة، ولكن إذا قستها بالخلاف العملي وجدت أنها في دائرة ضيّقة ولله الحمد.. ولكن مع هذا يجب علينا فيمن خالفنا في الأمور العلمية أو العملية يجب علينا المناصحة وبيان الحق على كل حال.(3/32)
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/160 - 162)
مشروعية قيام المرأة بالدعوة إلى الله
هل من سبيل إلى تهيئة الفرصة أمام المرأة الداعية إلى الله سبحانه ؟
لا أعلم مانعًا في ذلك؛ متى وجدت المرأة الصالحة للقيام بالدعوة إلى الله سبحانه فينبغي أن تعان، وأن توظف، وأن يطلب منها أن تقوم بإرشاد بنات جنسها؛ لأن النساء في حاجة إلى مرشدات من بنات جنسهن، وأن وجود المرأة بين النساء قد يكون أنفع في تبليغ الدعوة إلى طريق الحق من الرجل؛ فقد تستحي المرأة من الرجل فلا تبدي له ما يهمها، وقد يمنعها مانع من سماع الدعوة من الرجل، لكنها مع المرأة الداعية بخلاف ذلك؛ لأنها تخالطها وتعرض ما عندها وتتأثر بها أكثر.
فالواجب على من لديها علم من النساء أن تقوم بالواجب نحو الدعوة والتوجيه إلى الخير حسب طاقتها؛ لقول الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل: 125]، وقوله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يُوسُف: 108]، وقوله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ *}[فُصّلَت]، وقوله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التّغَابُن: 16]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهي تعم الرجال والنساء. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (7/325، 326 )
مدح الملتزمين وحثهم على الاعتدال
بعض الناس يحاولون النيل من شباب الصحوة، بحجة أن فيهم تطرفاً وتزمتاً؛ فما تعليق سماحتكم على ذلك ؟(3/33)
الواجب تشجيع الشباب على الخير، وشكرهم على نشاطهم في الخير، مع توجيههم إلى الرفق والحكمة، وعدم العجلة في الأمور؛ لأن الشباب وغير الشباب يكون عندهم زيادة غيرة، فيقعون فيما لا ينبغي . فالواجب توجيه الشيخ والشاب إلى أن يتثبت في الأمور وأن يتحرى الحق في كل أعماله حتى تقع الأمور منه في موقعها، وقد رأى رجل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض المنكرات، فحملته الغيرة لله على أن قال لصاحب المنكر: والله لا يغفر الله لك، فقال الله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ؛ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ(1).
وما ذلك إلا لأنه تجاوز الحد الشرعي؛ بجزمه بأن الله لا يغفر لصاحب هذا المنكر، وذلك يوجب على المؤمن التثبت والحذر من خطر اللسان وشدة الغيرة.
والمقصود: أن الشاب والشيخ وغيرهما كلهم عليهم واجب إنكار المنكر. لكن بالرفق والحكمة والتقيد بنصوص الشرع؛ فلا يزيدون على الحد الشرعي. فيكونون غلاة كالخوارج والمعتزلة ومن سلك سبيلهم، ولا يكونون جفاة ولا متساهلين بأمر الله؛ ولكن يتحرون الوسط في كلامهم وإنكارهم. وتحريهم للأسباب التي تجعل قولهم مقبولاً ومؤثراً . ويبتعدون عن الوسائل التي قد تنفر من قبول قولهم، ولا ينتفع بهم المجتمع؛ لقول الله عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عِمرَان: 159].
__________
(1) …مسلم (2621). ومعنى (يتأَلَّى): أي يحكم على الله ويحلف عليه.(3/34)
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ" ،(1) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ"(2).
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث - العدد (36)
واجب العلماء في مواجهة انتشار الباطل
إن هداية الناس ثمرة لانتشار العلم الشرعي بين الناس، ولكن من الملاحظ أن الباطل أكثر انتشاراً عبر الصحافة، وكافة وسائل الإعلام ومناهج التدريس؛ فما موقف الدعاة والعلماء من هذا ؟
هذه واقعة منتشرة في الزمان كله، وحكمة أرادها الله سبحانه - كما قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ *}[يُوسُف]، ويقول سبحانه: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَْرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنعَام: 116].
ولكن هذا يختلف: ففي بلاد يكثر، وفي بلاد يقل، وفي قبيلة يكثر . وفي قبيلة يقل، وأما بالنسبة إلى الدنيا فأكثر الخلق على غير الهدى . ولكن هذا يتفاوت بالنسبة إلى بعض الدول، وبعض البلاد، وبعض القرى، وبعض القبائل .
__________
(1) …مسلم (2594).
(2) …مسلم (1828) .(3/35)
فالواجب على أهل العلم أن ينشطوا، وألا يكون أهل الباطل أنشط منهم . بل يجب أن يكونوا أنشط من أهل الباطل في إظهار الحق والدعوة إليه أينما كانوا: في الطريق وفي السيارة، وفي الطائرة وفي المركبة الفضائية، وفي بيته وفي أي مكان . عليهم أن ينكروا المنكر بالتي هي أحسن، ويعلِّموا بالتي هي أحسن، بالأسلوب الطيب، والرفق واللين؛ يقول الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل: 125]، ويقول سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عِمرَان: 159].
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ (1)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ(2).
فلا يجوز لأهل العلم السكوت وترك الكلام للفاجر والمبتدع والجاهل، فإن هذا غلط عظيم، ومن أسباب انتشار الشر والبدع، واختفاء الخير وقلته وخفاء السنة .
__________
(1) …مسلم (1893).
(2) …مسلم (2594).(3/36)
فالواجب على أهل العلم: أن يتكلموا بالحق ويدعوا إليه، وأن ينكروا الباطل ويحذروا منه، ويجب أن يكون ذلك عن علم وبصيرة؛ كما قال الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *}[يُوسُف]، وذلك بعد العناية بأسباب تحصيل العلم: من الدراسة على أهل العلم، وسؤالهم عما أشكل، وحضور حلقات العلم، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبره، ومراجعة الأحاديث الصحيحة؛ حتى تستفيد وتنشر العلم كما أخذته عن أهله بالدليل، مع الإخلاص والنية الصالحة والتواضع. ويجب أن تحرص على نشر العلم بكل نشاط وقوة، وألا يكون أهل الباطل أنشط في باطلهم، وأن تحرص على نفع المسلمين في دينهم ودنياهم .
وهذا واجب العلماء شيوخاً وشباباً أينما كانوا: بأن ينشروا الحق بالأدلة الشرعية، ويرغبوا الناس فيه، وينفروهم من الباطل ويحذروهم منه؛ عملاً بقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى}[المَائدة، من الآية: 2]، وقوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ *إِنَّ الإْنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ *} [سورة العصر] .
هكذا يكون أهل العلم، أينما كانوا يدعون إلى الله، ويرشدون إلى الخير، وينصحون لله ولعباده، وبالرفق فيما يأمرون به، وفيما ينهون عنه، وفيما يدعون إليه، حتى تنجح دعوتهم، ويفوز الجميع بالعاقبة الحميدة، والسلامة من كيد الأعداء . . . والله المستعان .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (36)، ص (125)
نصيحة للشباب
كيف يسلم المسلم ؟ وماذا يعمل المسلم في هذه الحياة المادية التي طغت فيها المادة على الناس طغياناً شديداً حتى قست قلوبهم والعياذ بالله من ذلك ؟(3/37)
ما هي نصائحكم وتوجيهاتكم لي كشاب في سن العشرين مقبل على الدنيا ؟ وما هي الكتب التي تنصحوننا بقراءتها ؟
عليك بتقوى الله وطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والاعتصام بكتابه تعالى وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والتزام ما يعنيك واجتناب ما لا يعنيك والبعد عن الفتن، وملازمة الأخيار ومجانبة الأشرار، والإكثار من تلاوة القرآن مع تدبر معانيه، والمحافظة على الأذكار الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع تذلل وحضور قلب، والقراءة من الكتب التي تكثر فيها الحكم والمواعظ؛ مثل: كتاب «الفوائد»، وكتاب «الداء والدواء»؛ كلاهما لابن القيم، وادع الله في سجودك بما ورد في السنة من الأدعية، مع تضرع وخشوع عسى أن يهديك ويشرح صدرك للخير ويدفع عنك الفتن ما ظهر منها وما بطن .
ومن الكتب المفيدة: «زاد المعاد في هدي خير العباد»، و«إغاثة اللهفان»، كلاهما لابن القيم رحمه الله، و«فتح المجيد شرح كتاب التوحيد». مع العناية بالصحيحين وتفسير ابن كثير. وصلى الله على نبينا محمد وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - فتاوى إسلامية (4/498)
أسباب ضعف المسلمين وتأخّرهم
هل المسلمون الآن متخلفون ؟ ولماذا ؟ وكيف يمكن النهوض بهم ؟(3/38)
لا شك أن وضع المسلمين حالياً لا يرضى عنه أي مؤمن؛ فهم قد تخلفوا كثيراً بسبب تقصيرهم في مسؤوليتهم التي أوجبها الله عليهم.. قصروا من ناحية تبليغ الدين إلى العالم والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.. قصروا في إعداد القوة التي أمرهم الله بها؛ كما في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفَال، من الآية: 60]، وقصروا في الحذر من عدوهم، والله تعالى يقول: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 102]، ويقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عِمرَان، من الآية: 118]، وكما يقول أيضاً: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المَائدة، من الآية: 51].
فهذه الأمور التي قصروا فيها سببت لهم ما وقعوا فيه من هذا التأخر الذي نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يزيله عنهم، برجوعهم إلى المسار الصحيح الذي وضعهم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا" (1)، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ"(2).
__________
(1) …أحمد (4/126)، ابن ماجه (43)، والطبراني في «الكبير» 18/247، 257 (619، 642). وصححه الألباني في: «صحيح ابن ماجه» (41).
(2) …«موطأ مالك» 2/899 (1594) بلاغاً.(3/39)
فسبب تأخر المسلمين: هو أنهم لم يعملوا بما أوصاهم الله تعالى به، وما أوصاهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من التمسك بدينهم والتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم، كذلك لم يأخذوا الحذر ليأمنوا مكر عدوهم.. ولكن مع هذا لا نقول إن الخير معدوم، وإن الفرصة قد انتهت.. فالخير في هذه الأمة لا زال مهما بلغت من ضعف؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ"(1). فمهما بلغت الأمة من ضعف إلا أن الخير لا ينعدم فيها، ولابد أن يكون فيها من يقوم بدين الله سبحانه وتعالى ولو في محيط ضيق، وسيبقى الخير بهذه الأمة متى رجع إليه أبناؤها .
الشيخ الفوزان - كتاب الدعوة (7)، (2/166، 167)
هل يمكن الوصول إلى مرتبة الصحابة ؟
هل يمكن أن يصل المسلم في هذا العصر إلى ما وصل إليه الصحابة من الالتزام بدين الله ؟
أما الوصول إلى مرتبة الصحابة فهذا غير ممكن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"(2).
__________
(1) …مسلم (1920) من حديث ثوبان رضي الله عنه. وقد جاء بنحوه عن غير واحد من الصحابة.
(2) …البخاري (2652)، ومسلم (2533) .(3/40)
وأما إصلاح الأمة الإسلامية حتى تنتقل عن هذا الوضع الذي هي عليه، فهذا ممكن، والله على كل شيء قدير، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ"(1). ولا ريب أن الأمة الإسلامية في الوضع الحالي في وضع مُزْرٍ، بعيدة عما يريده الله منها من الاجتماع على دين الله والقوة في دين الله؛ لأن الله يقول: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ *}[المؤمنون].
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (3/51)
نصح وتوجيه للإعلاميين
بعض الدعاة يحتجب عن المشاركة في وسائل الإعلام بسبب رفضه لسياسة الصحيفة أو المجلة التي تعتمد على الإثارة في تسويق أعدادها.. فما رأي سماحتكم ؟
الواجب على أصحاب الصحف أن يتقوا الله وأن يحذروا ما يضر الناس؛ سواء كانت الصحف يومية أو أسبوعية أو شهرية، وهكذا المؤلفون؛ يجب أن يتقوا الله في مؤلفاتهم، فلا يكتبوا ولا ينشروا بين الناس إلا ما ينفعهم ويدعوهم إلى الخير ويحذرهم عن الشر، أما نشر صور النساء على الغلاف أو في داخل المجلات أو الصحف فهذا منكر عظيم وشر كبير يدعو إلى الفساد والباطل، وهكذا نشر الدعوات العلمانية المضللة أو التي تدعو إلى بعض المعاصي كالزنا أو السفور أو التبرج أو تدعو إلى الخمر أو تدعو إلى ما حرم الله، فكل هذا منكر عظيم، ويجب على أصحاب الصحف أن يحذروا ذلك، ومتى كتبوا هذه الأشياء كان عليهم مثل آثام من تأثر بها، فعلى صاحب الصحيفة الذي نشر هذا المقال السيىء؛ سواء كان رئيس التحرير أو من أمره بذلك؛ عليهم مثل آثام من ضل بهذه الأشياء وتأثر بها، كما أن من نشر الخير ودعا إليه يكون له مثل أجور من تأثر بذلك.
__________
(1) …مسلم (1920) من حديث ثوبان رضي الله عنه. وقد جاء بنحوه عن غير واحد من الصحابة.(3/41)
ومن هذا المنطلق يجب على وسائل الإعلام التي يتولاها المسلمون أن ينزهوها عمّا حرم الله، وأن يحذروا البث الذي يضر المجتمع؛ حيث يجب أن تكون هذه الوسائل مركزة على ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم وأن يحذروا أن تكون عوامل هدم وأسباب إفساد لما يبث فيها، وكل واحد من المسؤولين الإعلاميين مسؤول عن هذا الشيء على حسب قدرته. ويجب على الدعاة أن يطرقوا هذا المجال فيما يكتبون وفيما ينشرون، ويحذروا ممّا حرم الله عز وجل، وهذا واجبهم في خطبهم وفي اجتماعاتهم مع الناس؛ فكل المجالس مجالس دعوة، أينما كان فهو في دعوة؛ سواء في بيته أو في زياراته لإخوانه، أو في مجتمعه مع أي أحد، فالواجب عليه أن يستغل هذه الوسائل - وسائل الإعلام - وينشر فيها الخير ولا يحتجب عنها.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/266، 267)
تزايد التقبل والحاجة إلى الدعوة
هل تعتقدون - سماحتكم - أن تقبل المجتمع للدعوة الآن أفضل من السابق؛ بمعنى أنه لا يوجد اليوم ما يسمى: (حائط الاصطدام بين الدعوة والمجتمع ) ؟
الناس اليوم في أشد الحاجة للدعوة، وعندهم قبول لها بسبب كثرة الدعاة إلى الباطل، وبسبب انهيار المذهب الشيوعي، وبسبب هذه الصحوة العظيمة بين المسلمين . فالناس الآن في إقبال على الدخول في الإسلام والتفقه في الإسلام حسب ما بلغنا في سائر الأقطار .(3/42)
ونصيحتي للعلماء والقائمين بالدعوة: أن ينتهزوا هذه الفرصة، وأن يبذلوا ما في وسعهم في الدعوة إلى الله وتعليم الناس ما خلقوا له من عبادة الله وطاعته مشافهة وكتابة وغير ذلك بما يستطيعه العالم من خطب الجمعة والخطب الأخرى في الاجتماعات المناسبة، وعن طريق التأليف، وعن طريق وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فالعالم أو الداعي إلى الله جلّ وعلاّ ينبغي له أن ينتهز الفرصة في تبليغ الدعوة بكل وسيلة شرعية، وهي كثيرة والحمد لله؛ فلا ينبغي التقاعس عن البلاغ والدعوة والتعليم، والناس الآن متقبلون لما يقال لهم من خير وشر. فينبغي لأهل العلم بالله ورسوله أن ينتهزوا الفرصة ويوجهوا الناس للخير والهدى على أساس متين من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يحرص كل واحد من الدعاة على أن يكون قد عرف ما يدعو إليه عن طريق الكتاب والسنة، وقد فقه في ذلك حتى لا يدعو على جهل، بل يجب أن تكون دعوته على بصيرة؛ قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يُوسُف، من الآية: 108].
فمن أهم الشروط: أن يكون العالم أو الداعي إلى الله على بصيرة فيما يدعو إليه، وفيما يحذر منه، والواجب الحذر من التساهل في ذلك؛ لأن الإنسان قد يتساهل في هذا ويدعو إلى باطل أو ينهى عن حق، فالواجب التثبت في الأمور، وأن تكون الدعوة على علم وهدى وبصيرة في جميع الأحوال.
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (40) ص (143، 144)
وجوب ترشيد الصحوة الإسلامية
يلحظ فضيلتكم وكل أحد، انتشار الصحوة الإسلامية لدى المسلمين وفي صفوف الشباب خاصة .. فما رأي فضيلتكم في ترشيد هذه الصحوة ؟ وما هي المحاذير التي تخافونها على هذه الصحوة ؟(3/43)
تقدم في جواب بعض الأسئلة أن الحركة الإسلامية التي نشطت في أول هذا القرن وفي آخر القرن السابق أنها تبشر بخير، وأنها بحمد الله حركة منتشرة في أرجاء المعمورة، وأنها في مزيد وتقدم.
وأن الواجب على المسلمين دعمها ومساندتها والتعاون مع القائمين بها. ولا شك أن القائمين بها يجب أن يدعموا ويساعدوا، وأن يحذروا من الزيادة والنقص، فإن كل دعوة إسلامية وكل عمل إسلامي، للشيطان فيه نزغتان؛ إما إلى جفاء وإما إلى غلو .
فعلى أهل العلم والبصيرة أن يدعموا هذه الدعوة، وأن يوجهوا القائمين بها إلى الاعتدال والحذر من الزيادة حتى لا يقعوا في البدعة والغلو، والحذر من النقص حتى لا يقعوا في الجفاء والتأخر عن حق الله، وأن تكون دعوتهم وحركتهم إسلامية مستقيمة على دين الله، ملتزمة بالصراط المستقيم الذي هو الإخلاص لله والمتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - من غير غلو ولا جفاء، وبذلك تستقيم هذه الحركة وتؤتي ثمارها على خير وجه.
وعلى قادتها بوجه أخص أن يهتموا بهذا الأمر، وأن يعتنوا به غاية العناية حتى لا تزل الأقدام إلى جفاء أو غلو . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/158، 159)
الأسلوب الأمثل للدعوة إلى الله
من واقع خبرتكم الطويلة في هذا المجال.. ما هو الأسلوب الأمثل للدعوة ؟(3/44)
الأسلوب - مثل ما بينه الله عز وجل - واضح في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ يقول سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل، من الآية: 125]، ويقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عِمرَان، من الآية: 159]، ويقول عز وجل في قصة موسى وهارون عليهما السلام لما بعثهما إلى فرعون: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى *}[طه] .
فالداعي إلى الله يتحرى الأسلوب الحسن والحكمة في ذلك؛ وهي العلم بما قاله الله، وورد في الحديث النبوي الشريف، ثم الموعظة الحسنة والكلمات الطيبة التي تحرك القلوب وتذكرها بالآخرة والموت وبالجنة والنار؛ حتى تقبل القلوب الدعوة وتقبل عليها وتصغي إلى ما يقوله الداعي. وكذلك إذا كان هناك شبهة يتقدم بها المدعو عالجها بالتي هي أحسن وأزالها - لا بالشدة والعنف - ولكن بالتي هي أحسن . فيذكر الشبهة ويزيحها بالأدلة، ولا يمل ولا يضعف ولا يغضب غضباً ينفر المدعو؛ بل يتحرى الأسلوب المناسب والبيان المناسب والأدلة المناسبة، ويتحمل ما قد يثير غضبه لعله يؤدي موعظته بطمأنينة ورفق، لعل الله يسهل قبولها من المدعو.
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (40) ص (145، 146)
ضرورة اللِّين والإخلاص للداعية
بعض الذين نحسبهم من الملتزمين بالدين يعاملون الناس بشيء من الغلظة والجفاء ويبدو بعضهم مكفهر الوجه دائماً .. فما نصيحتكم لهؤلاء ؟.. وما واجب المسلم تجاه أخيه وبخاصة إذا كان عنده قصور في الالتزام ؟(3/45)
الذي تدل عليه السنة المطهرة؛ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الواجب على الإنسان أن يدعو إلى الله تعالى بالحكمة وباللين وبالتيسير؛ فقد قال الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل: 125]، وقال الله تعالى له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}[آل عِمرَان، من الآية: 159]، وقال الله تعالى حين أرسل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى *}[طه]، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ(1) ، وكان يقول إذا بعث بعثاً: يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ(2) .
__________
(1) …مسلم (2593) بنحوه.
(2) …البخاري (69)، ومسلم (1734) بنحوه، من حديث أنس رضي الله عنه، وليس فيه: «فإنما بعثتم ميسرين»، وإنما ورد هذا المقطع في حديث الرجل الذي بال في المسجد: رواه البخاري (220) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(3/46)
وهكذا ينبغي للداعية أن يكون ليناً طليق الوجه منشرح الصدر؛ حتى يكون ذلك أدعى لقبول صاحبه الذي يدعوه إلى الله، ويجب أن تكون دعوته إلى الله عز وجل لا إلى نفسه، لا يحب الانتصار أو الانتقام ممن خالف السبيل؛ لأنه إذا دعا إلى الله وحده صار بذلك مخلصاً، ويسر الله له الأمر، وهدى على يديه من شاء من عباده، لكن إذا كان يدعو لنفسه، كأنه يريد أن ينتصر، وكأنه يشعر بأن هذا عدو له يريد أن ينتقم منه؛ فإن الدعوة ستكون ناقصة، وربما تنزع بركتها .. فنصيحتي لإخواني الدعاة أن يشعروا هذا الشعور؛ أي أنهم يدعون الخلق رحمة بالخلق وتعظيماً لدين الله عز وجل ونصرة له .
الشيخ ابن عثيمين - مجلة الدعوة، العدد (1291)
معنى الحكمة في الدعوة وغيرها
ما الحكمة ؟ وكيف يستطيع المسلم التحلي بها ؟
الحكمة: هي موافقة الصواب في التصرف والحكم، والخطأ في التصرف خلاف الحكمة. ولهذا فبعض الدعاة إلى الله يدعون على غير وجه الحكمة؛ فإذا رأى شخصاً على أمر يظنه منكراً قام يشنّع عليه وصاح فيه، ومن ذلك: من رأى شخصاً دخل المسجد وجلس بدون أن يصلي تحية المسجد فيصيح به بعض الناس، ولكن الحكمة أن يبين له الحكم ويعرف بالحديث، وهكذا في الواجبات والمحرمات وغيرها.
وكذلك في التصرفات الخاصة بالإنسان؛ كالنواحي المالية لابد أن يكون فيها حكمة، فكم من إنسان يبذر ويستدين لأتفه سبب وبدون أدنى ضرورة.
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي (3/362)
كيفية دعوة الوالدين والأقربين
كيف يكون التعاون على البر والتقوى في البيت إذا كان الأب والأخ الأكبر لا يصلون في المسجد ؟(3/47)
هذا من أهم التناصح ومن أوجب التعاون، إذا كان الوالد أو الأخ أو غيرهما من أهل البيت يتعاطى شيئاً من المنكر؛ يجب التناصح والتعاون والتواصي بالحق على قدر المستطاع، بالأسلوب الحسن، وتحري الوقت المناسب، حتى يزول المنكر؛ كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التّغَابُن: 16]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"(1). فالوالد له شأن، والوالدة لها شأن، والأخ سواء كان كبيراً أوصغيراً له شأن، وكل يعامل بالأسلوب الحسن واللين والرفق بقدر المستطاع؛ حتى يحصل المقصود ويزول المحذور.
__________
(1) …مسلم (1337) .(3/48)
وعلى الناصح والداعي إلى الله أن يتحرى الأوقات المناسبة والأسلوب المناسب، لا سيما مع الوالدين؛ لأنهما ليسا مثل بقية الأقارب، فلهما شأن عظيم، وبرهما متعين حسب الطاقة؛ قال الله جلّ وعلا: {وَوَصَّيْنَا الإِْنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ *وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *}[لقمَان: 14-15]، هذا وهما كافران فكيف بالوالدين المسلمين ؟! فإذا كان الوالدان الكافران يصحبهما الولد بالمعروف ويحسن إليهما لعله يهديهما بأسبابه، فالمسلمان أولى وأحق بذلك. فإذا كان الوالد يتكاسل عن الصلاة في المسجد أو يتعاطى شيئاً من المعاصي الأخرى كالتدخين أو حلق اللحية أو الإسبال أو غير ذلك من المعاصي التي يقع فيها؛ فإن على الولد أن ينصح بالحسنى، ويستعين على ذلك بمن يرى من خيار أهل البيت . وهكذا مع الوالدة والأخ الكبير وغيرهما من أهل البيت حتى يحصل المطلوب .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث . العدد (37) ص (173 - 175)
وجوب دعوة الخادم إلى الإسلام
من كان عنده خادم كافر أو خادمة كافرة : فهل يتعين عليه دعوتهما للإسلام ؟(3/49)
نعم؛ يجب عليه أن يدعوهما للإسلام إلا إذا كان هناك من يقوم بدعوتهما.. والغالب أنه لا يقوم بدعوة من هو في بيته وتحت خدمته إلا هو. ويدل لوجوب الدعوة عليه قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل، من الآية: 125]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ(1). والإسلام إنما ينتشر بالدعوة القولية والفعلية كما هو ظاهر في انتشار الإسلام في أول عهده. ولا يخفى على الجميع فضل الدعوة إلى الإسلام وأن الإنسان إذا اهتدى على يده أحد فله مثل أجره؛ لأن الدال على الخير كفاعله. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ"(2).
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/164، 165)
كيفية دعوة المتأثرين بثقافات منحرفة
إذا كان المدعوون أو المدعوات متأثرين بثقافات معينة، أو بمجتمعات معينة .. ما هو السبيل الأمثل لدعوتهم ؟
يبين لهم الداعي إلى الله - جل وعلا - ما في المذاهب التي تأثروا بها، والطرق التي انتسبوا إليها، والبيئات التي عاشوا فيها، من الأخطاء والبدع ونحو ذلك، وهكذا يبين لهم ما في الجمعيات والمجتمعات التي عاشوا فيها من الأشياء المخالفة للشرع، ويدعوهم إلى أن يعرضوا كل ما أشكل عليهم على الميزان العادل، وهو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فما وافقهما أو أحدهما فهو المعتبر شرعاً، وما خالفهما رد على قائله كائنا من كان.
__________
(1) …البخاري (1458)، ومسلم (19) .
(2) …البخاري (2942)، ومسلم (2406) .(3/50)
وهكذا كان أهل العلم يعرضون مسائل الاختلاف على الأدلة الشرعية؛ فما وافق الشرع وجب أن يبقى، وما خالف الشرع وجب أن يطرح، ولو كان قائله عظيماً؛ لأن الحق فوق الجميع، وهكذا العمل فيما يخالف الشرع من العادات والأخلاق يجب أن يترك، ولو كان من خلق الآباء والمشايخ والأسلاف وغير ذلك، وأن يتمسك الجميع بكل ما أمر الله ورسوله به؛ لأن ذلك هو سبيل النجاة - كما قال الله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *}[الأنعَام]، وبالله التوفيق.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/240)
كيفية النجاة من فتن العصر
كيف ترون - سماحتكم - المدخل لكي يتجنب الشباب الوقوع تحت وطأة مغريات هذا العصر ويتجه الوجهة الصحيحة ؟
إن الطريق الأمثل - ليسلك الشباب الطريق الصحيح في التفقه في دينه والدعوة إليه - هو أن يستقيم على المنهج القويم بالتفقه في الدين ودراسته، وأن يعنى بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، وأنصحه بصحبة الأخيار والزملاء الطيبين من العلماء المعروفين بالاستقامة حتى يستفيد منهم ومن أخلاقهم . كما أنصحه بالمبادرة بالزواج، وأن يحرص على الزوجة الصالحة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ .. مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"(1).
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/262)
طريقة دعوة العاصي المُجاهِر
رسالة وصلت من الكويت باعثها يشكو من أخ له، ويقول: إنه يقترف بعض المعاصي، وقد نصحه كثيراً إلا أن الأمر آل به إلى المجاهرة .. ويرجو التوجيه في هذا الموضوع .
__________
(1) …البخاري (5066)، ومسلم (1400) .(3/51)
الواجب على المسلمين فيما بينهم التناصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه - كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة: 2]، وقال سبحانه: {وَالْعَصْرِ *إِنَّ الإْنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ *}[العَصر]، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: الدِّينُ النَّصِيحَةُ قيل: لمن يا رسول الله ؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ(1). هاتان الآيتان مع الحديث الشريف كلها تدل على وجوب التناصح والتعاون على الخير والتواصي بالحق. فإذا رأى المسلم من أخيه تكاسلاً عما أوجب الله عليه، أو ارتكاباً لما حرم الله عليه؛ وجب نصحه، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر حتى يصلح المجتمع، ويظهر الخير، ويختفي الشر؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التّوبَة، من الآية: 71]، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ؛ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ(2).
__________
(1) …مسلم (55)، وعلقه البخاري في كتاب الإيمان، قبل (57).
(2) …مسلم (49) .(3/52)
فأنت أيها السائل ما دمت نصحته ووجهته إلى الخير ولكنه مازاده ذلك إلا إظهاراً للمعصية؛ فينبغي لك هجره وعدم اتخاذه صاحباً. وينبغي لك أن تشجع غيرك من الذين قد يؤثّرون عليه وقد يحترمهم أكثر على نصيحته ودعوته إلى الله؛ لعل الله ينفع بذلك، وإن رأيت أن الهجر يزيده شراً وأن اتصالك به أنفع له في دينه وأقل لشره فلا تهجره؛ لأن الهجر يقصد منه العلاج فهو دواء، فإذا كان لا ينفع بل يزيد الداء داءً فأنت تعمل ما هو الأصلح من الاتصال به، وتكرار النصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من غير اتخاذه صاحباً ولا خليلاً؛ لعل الله ينفع بذلك . وهذا هو أحسن ما قيل في هذا من كلام أهل العلم رحمهم الله.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/343، 344) رسالة المسجد في الإسلام
رسالة المسجد ورسالة المنبر في الإسلام رسالة يكتب عنها كثير من الناس، البعض منهم يقول: لقد انحرف الناس بالمنبر عن رسالته، وآخرون يقولون: لقد حرمنا من أعزّ بقاع الأرض، وأطهرها بيوت الله فلا نستطيع الجلوس فيها ولا المذاكرة ولا الدراسة، وآخرون أيضاً يقولون: لقد استخدمت المنابر لغير الدعوة إلى الله، فهي تدعو إلى يوم كذا، وحزب كذا .. وهلم جراً.
لا ريب أن المسجد والمنبر هما آلتان قديمتان في توجيه المسلمين خاصة والناس بصفة عامة إلى الخير وتعليم الناس ما ينفعهم، وتبليغ الناس رسالة ربهم سبحانه وتعالى، وقد بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام يبلغون الناس رسالات الله، ويعلمونهم شريعة الله، هكذا بعث الله الرسل من آدم عليه الصلاة والسلام ثم نوح ومن بعده من الرسل، كلهم بعثوا ليبلغوا رسالات الله من طريق المساجد والمنابر؛ سواء كانت المنابر في المسجد أو في غير المسجد، وسواء كان المنبر مبنياً، أو غير مبني.
فقد يكون المنبر ناقة، أو فرساً أو غير ذلك من الدواب التي تركب، وقد يكون المنبر محلاً مرتفعاً تبلغ منه رسالات الله.(3/53)
فالمقصود: أن الله جلّ وعلا شرع لعباده أن يبلغوا رسالات ربهم، وأن يعلموا الناس ما بعث الله به رسله من كل طريق، ولكن المنبر والمسجد هما أهم طريق في تبليغ الرسالة، ونشر الدعوة، تلك الرسالة العظيمة التي يجب على جميع العلماء ومعلمي الناس الخير أن يعنوا بها، وأن يعيدوها إلى حالتها الأولى، وأن يفقهوا الناس أمور دينهم من طريق المسجد؛ لأنه مجمع المسلمين في الجُمَع وغيرها.
كما أن عليهم بأن يبلغوا الناس ما يجب عليهم في أمور دينهم ودنياهم في الطرق الأخرى كطريق الإذاعة والتلفاز والصحافة، وطريق الخطابة في المجتمعات، وفي الحفلات المناسبة، ومن طريق التأليف، ومن كل طريق يمكن منه تبليغ شرع الله سبحانه ورسالته.
هكذا يجب على أتباع الرسل، وخلفائهم من أهل العلم والإيمان: أن يبلغوا رسالات الله، وأن يعلموا الناس شريعة الله، حتى يتفقه الكبير والصغير، والرجل والمرأة والموافق والمخالف؛ وحتى تقوم الحجة وتنقطع المعذرة.
ولا يجوز لولاة الأمور ولا غيرهم أن يحولوا بين الناس وبين هذه المنابر؛ إلا من عُلم أنه يدعو إلى باطل، أو أنه ليس أهلاً للدعوة، فإنه يمنع أينما كان.(3/54)
أما من كان يدعو إلى الحق والهدى، وهو أهل لذلك؛ فالواجب أن يشجع وأن يعان على مهمته. وأن تسهل له الوسائل التي يبلغ بها أمر الله وشرعه سبحانه وتعالى؛ كما قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2]، وقال عز وجل: {وَالْعَصْرِ *إِنَّ الإْنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ *}[العَصر]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ قيل: لمن يا رسول الله ؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"(1). والأدلة في هذا المعنى من الكتاب والسنة كثيرة.
وعلى جميع أهل العلم من حملة الكتاب والسنة في كل مكان: أن يقوموا بواجب الدعوة والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب الاستطاعة؛ لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التّغَابُن، من الآية: 16].
وعليهم أن يبلغوا رسالة الله أينما كانوا: في المسجد وفي البيت وفي الطريق وفي السيارة وفي الطائرة وفي القطار وفي كل مكان؛ ليس للتبليغ محل مخصوص بل التبليغ مطلوب في كل مكان حسب الاستطاعة؛ لقول الله عز وجل: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}[النّحل، من الآية: 35].
__________
(1) …مسلم (55)، وعلقه البخاري في كتاب الإيمان، قبل (57).(3/55)
وقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}[المَائدة: 67]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً (1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ؛ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ(2). وكان إذا خطب عليه الصلاة والسلام يقول: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ . ولما خطب الناس في عرفات في حجة الوداع في أعظم جمع، قال لهم في آخر خطبته وهو على راحلته: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؛ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ، وقال: وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ(3).
ولما بعث علياً رضي الله عنه إلى خيبر - لدعوة اليهود وقتالهم إن لم يقبلوا الدعوة - قال له: ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ؛ فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ (4)؛ متفق على صحته من حديث سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه .
__________
(1) …البخاري (3461) .
(2) …الترمذي (2657) وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه (232) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقد ورد بنحوه عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم .
(3) …البخاري (67)، ومسلم (1218) .
(4) …البخاري (3009) ومسلم (2406) .(3/56)
وفي صحيح مسلم: من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ (1)، والآيات والأحاديث في الدعوة إلى الله سبحانه وإرشاد الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر كثيرة جداً .
فعلى جميع أهل العلم والإيمان من ولاة الأمر وغيرهم في جميع الدول الإسلامية وغيرها أن يبلغوا رسالة الله، وأن يعلموا الناس دينهم، وأن يتحروا الحكمة والرفق في ذلك، والأساليب المناسبة التي ترغّب الناس في قبول الحق ولا تنفرهم منه؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل، من الآية: 125]، وقال سبحانه وبحمده: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[العَنكبوت، من الآية: 46]، وقال عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ *}[فُصّلَت].
وقال سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عِمرَان: 159]، وقال عز وجل لما بعث موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى *}[طه]، وفي الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ (2)، وقال عليه الصلاة والسلام: مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ (3)، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
__________
(1) …مسلم (1893) .
(2) …مسلم (2594) .
(3) …مسلم (2592) .(3/57)
فالواجب على جميع المسلمين أن يتفقهوا في دينهم، وأن يسألوا أهل العلم عما أشكل عليهم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"(1).
وعلى أهل العلم: أن يفقهوا الناس ويعلموهم ويبلغوهم ما أعطاهم الله من العلم، وأن يسابقوا إلى هذا الخير، وأن يسارعوا إليه، وأن يتحملوا هذا الواجب بأمانة وإخلاص وصبر، حتى يبلغوا دين الله لعباد الله، وحتى يعلموا الناس ما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم من طريق المساجد وحلقات العلم في المساجد وغيرها، وخطب الجمع والأعياد وغير ذلك من المناسبات؛ لأنه ليس كل أحد يستطيع أن يتعلم في المدارس والمعاهد والجامعات، وليس كل أحد يجد مدرسة تعلّمه دين الله وشرعه المطهر، وتعلّمه القرآن الكريم كما أنزل والسنة المطهرة كما جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فوجب على أهل العلم والإيمان أن يبلغوا الناس من منابر الإذاعة، ومنابر التلفاز، ومنابر الصحافة، ومنابر الجمعة، ومنابر العيد، وفي كل مكان، وبالدروس والحلقات العلمية في المساجد وفي غير المساجد.
فكل طالب علم منَّ الله عليه بالفقه في الدين، وكل عالم فتح الله بصيرته، عليه أن يستغل ما أعطاه الله من العلم، وأن يستغل كل فرصة تمكنه من الدعوة، حتى يبلغ أمر الله وحتى يعلم الناس شريعة الله، وحتى يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويشرح لهم ما قد يخفى عليهم مما أوجبه الله عليهم أو حرمه عليهم.
__________
(1) …البخاري (71)، ومسلم (1037) .(3/58)
هذا هو الواجب على جميع أهل العلم، فهم خلفاء الرسل، وهم ورثة الأنبياء، فعليهم أن يبلغوا رسالات الله، وعليهم أن يعلموا عباد الله شريعة الله، وعليهم أن ينصحوا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن يصبروا على ذلك، وعلى جميع ولاة الأمور أن يعينوهم ويشجعوهم ويقوموا بكل ما يسهل عليهم أداء هذا الواجب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى}[المَائدة، من الآية: 2]، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ" (1)؛ متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" (2)؛ خرَّجه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .. وأسأل الله عز وجل لنا ولجميع إخواننا المسلمين وللعلماء بوجه أخص ولطلاب العلم عامة التوفيق والهداية والإعانة على أداء الحق، إنه جواد كريم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/80-81)
هل الأصل في وسائل الدعوة التوقيف ؟
إن مما وقع فيه الخلاف بين الدعاة إلى الله عز وجل أمر وسائل الدعوة: فمنهم من يجعلها عبادة توقيفية؛ وبالتالي ينكر على من يقيمون الأنشطة المتنوعة الثقافية أو الرياضية أو المسرحية كوسائل لجذب الشباب ودعوتهم.. ومنهم من يرى أن الوسائل تتجدد بتجدد الزمان، وللدعاة أن يستخدموا كل وسيلة مباحة في الدعوة إلى الله عز وجل .. نرجو من فضيلتكم بيان الصواب في ذلك.
__________
(1) …البخاري (2442)، ومسلم (2580) .
(2) …مسلم (2699) .(3/59)
الحمد لله رب العالمين، لا شك أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى عبادة - كما أمر الله بها في قوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل، من الآية: 125]، والإنسان الداعي إلى الله يشعر وهو يدعو إلى الله عز وجل أنه ممتثل لأمر الله متقرب إليه به، ولا شك أيضًا أن أحسن ما يدعى به كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن كتاب الله سبحانه وتعالى هو أعظم واعظ للبشرية: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ *}[يُونس]. والنبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك يقول أبلغ الأقوال موعظة، فقد كان يعظ أصحابه أحيانًا موعظة يصفونها بأنها: وَجِلَتْ منها القلوب، وذَرَفَتْ منها العيون(1).
فإذا تمكن الإنسان من أن تكون عظته بهذه الوسيلة فلا شك أن هذه خير وسيلة؛ أي بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإذا رأى أن يضيف إلى ذلك أحياناً وسائل مما أباحه الله فلا بأس بهذا . . ولكن بشرط ألا تشتمل هذه الوسائل على شيء محرم كالكذب أو تمثيل دور الكافر مثلاً في تمثيليات أو تمثيل الصحابة رضي الله عنهم أو الأئمة.. أئمة المسلمين من بعد الصحابة، أو ما أشبه ذلك مما يخشى منه أن يزدري أحد من الناس هؤلاء الأئمة الفضلاء..
ومنها أيضًا: ألا تشتمل التمثيلية على تشبه رجل بامرأة أو العكس؛ لأن هذا مما ثبت فيه اللعن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه لَعَنَ المُتشبِّهات من النساء بالرجال، والمُتشبِّهين من الرجال بالنساء(2).
__________
(1) …أحمد (4/126)، وأبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42، 43)، وابن حبان (5). وقال الترمذي: «حسن صحيح».
(2) …رواه البخاري، برقم (5885).(3/60)
المهم أنه إذا أخذ بشيء من هذه الوسائل أحيانًا من أجل التأليف ولم يشتمل هذا على شيء محرم؛ فلا أرى به بأسًا. أما الإكثار منها وجعلها هي الوسيلة للدعوة إلى الله والإعراض عن الدعوة بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث لا يتأثر المدعو إلا بمثل هذه الوسائل فلا أرى ذلك؛ بل أرى أنه محرم؛ لأن توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله أمر منكر؛ لكن فعل ذلك أحيانًا لا أرى فيه بأسًا إذا لم يشتمل على شيء محرم.
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/167 - 169) الدعوة بالشريط الإسلامي
أنا أحب الدعوة إلى الله ومتحمس لها، ولكن ليس عندي أسلوب حسن؛ فهل يكفي في ذلك اختياري لشريط لأحد العلماء والدعاة وأهديه لأقاربي والمسلمين عامة ؟
نعم؛ الشريط إذا كان من عالم معروف بحسن العقيدة وسعة العلم، إذا أهديته إلى إخوانك فقد أحسنت ولك مثل أجره؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ"(1). أما أنت فلا مانع من أن تتكلم بما تعلم من الحق بالأسلوب الحسن: مثل حثّ الناس على الصلاة في الجماعة، وأداء الزكاة، وتحذيرهم من الغيبة والنميمة، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وما حرم الله من الفواحش؛ لأن هذه الأمور وأمثالها معلومة للمسلمين من العلماء وغيرهم.
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث العدد (36) ص (126، 127)
دفاع عن التسجيلات الإسلامية
تعلمون ما تقوم به التسجيلات الإسلامية في هذا الوقت من دور هام في توجيه الناس، وقد قام أهل الشر بتشويه سمعتهم، وأنهم ماديون .. وغير ذلك .. أرجو من فضيلتكم توضيح الأمر لنا؛ حتى لا تلتبس الحقيقة على من ليس له بصيرة.
__________
(1) …مسلم (1893) .(3/61)
لا شك أن الحرص على تسجيل المقالات النافعة، والمواعظ والأحاديث المفيدة، كل ذلك مفيد للأمة، ومن فعل ذلك لنفع الأمة فهو مأجور، وعليه في ذلك الصبر والاحتساب . ولو قيل فيه ما قيل تأسياً بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وبالأخيار قبله. ولا حرج في بيع الأشرطة المشتملة على ذلك مع تحري الأسعار الخفيفة التي لا تثقل على الناس، ليستعين بها على مهمته، وينفع الناس بعمله؛ لما في ذلك من نشر العلم، وتعميم الفائدة.
وأنا أنصح باقتناء الأشرطة الطيبة، وأنصح بشرائها والاستفادة منها، إذا كانت صالحة؛ لأنه ليس كل شريط صالح، وليس كل من تكلم يكون كلامه مفيداً وجديراً بأن يسجل .
فالواجب على طالب العلم أن يختار من الأشرطة ما كان صادراً من أهل العلم المعروفين بالعلم والتحقيق، ليستفيد من ذلك، ويسمعه أهله وإخوانه وزملاءه، وعليه أن يحذر من تسجيل ما يضره ولا ينفعه.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/77)
أهمية الإنترنت في الدعوة
شبكة الإنترنت وسيلة من الوسائل؛ فهل من الممكن استثمارها من أجل الدعوة ؟ ولماذا نرى قصوراً من طلبة العلم في دخول هذا المجال ؟ نأمل التوجيه وجزاكم الله خيراً.
الدعوة إلى الله من فروض الكفاية، وتشمل نشر العلم وذكر محاسن الدين وبيان الأحكام الشرعية، وذكر تفاصيل الحلال والحرام والحث على العمل الصالح وذكر أدلة الأحكام، وبيان وجه دلالتها وذكر الوعد والوعيد والثواب والعقاب ونحو ذلك، مما يكون سبباً لتفقه المسلمين ومعرفتهم بأحكام دينهم، وهكذا ينتج عن الدعوة إلى الله ونشر العلم معرفة الجهال ما يلزمهم من حق الله تعالى وحقوق بعض المسلمين على بعض، مما يسبب الرجوع إلى الله والتوبة إليه من المعاصي والمخالفات والبدع والمحدثات وهكذا يعرف الإسلام من لم يسمع بمحاسنه، ويعرف حقيقته من بلغه هذا الدين بصورة مشوهة فيدخل في الإسلام عن رغبة وقناعة.(3/62)
ولا شك أن كل وسيلة يمكن استعمالها للدعوة إلى الله فإنه يلزم المسلمين سلوكها؛ ففي الزمن القديم كانت وسائل الدعوة مقتصرة على الخطابة والمكاتبة والمناظرة والمقابلة بين الداعي والمدعوين والحلقات العلمية؛ امتثالاً لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل، من الآية: 125]، ونحو ذلك من الوسائل. وأما في هذه الأزمنة فنرى سلوك كل وسيلة يمكن استغلالها في الدعوة إلى الإسلام؛ كالإذاعة المسموعة والمرئية والنشرات العلمية والمقالات الإسلامية في الصحف والمجلات السليمة؛ ومن ذلك وسيلة الإنترنت التي ظهرت في هذه الأزمنة وانتشرت في العالم كله، فنرى على حملة العلم والدعاة إلى الله استغلال هذه الوسيلة في نشر المقالات والكلمات المفيدة والنصائح الصحيحة ليستفيد من ذلك من يريد الخير ويقصد تحصيل العلم والعمل به؛ فإن هذا الإنترنت قد تمكن وجوده وظهوره في البلاد جميعها، فلا يُتْرَكُ يستغله النصارى واليهود والمشركون والمبتدعة والعصاة والفسقة؛ فينشرون فيه أفكارهم وشبهاتهم ودعاياتهم وضلالاتهم فينخدع بها من يتلقاها ويحسن الظن بمن قالها؛ معتقداً نصحه وسلامة وجهته، فيقع الذين يتلقون هذه النشرات والمقالات في الكفر والبدع والمعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن، أما إذا استغله أهل العلم الصحيح وأهل التوحيد والإخلاص فإنهم يضيقون المجال على دعاة الفساد وينتفع بمقالاتهم من يريد الحق ويقصد الانتفاع بالعمل الصالح والعلم النافع. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 24/7/1420هـ
الحث على استغلال وسائل الإعلام بشروط
كيف تفسرون إحجام بعض الدعاة عن التعاون مع وسائل الإعلام ؟.. وكيف يمكن تجاوز تلك الفجوة وإيجاد قناة مفتوحة بين الدعاة ووسائل الإعلام ؟(3/63)
لا شك أن بعض أهل العلم قد يتساهل في هذا الأمر؛ إما لمشاغل دنيوية تشغله، وإما لضعف في العلم، وإما أمراض تمنعه، أو أشياء أخرى يراها وقد أخطأ فيها؛ كأن يرى أنه ليس أهلاً لذلك، أو يرى أن غيره قد قام بالواجب وكفاه.. إلى غير هذا من الأعذار .
ونصيحتي لطالب العلم: ألاّ يتقاعس عن الدعوة ويقول: هذا لغيري؛ بل يدعو إلى الله على حسب طاقته وعلى حسب علمه، ولا يدخل نفسه في ما لا يستطيع، بل يدعو إلى الله حسب ما لديه من علم، ويجتهد في أن يقول بالأدلة وألا يقول على الله بغير علم، ولا يحقر نفسه مادام عنده علم وفقه في الدين . فالواجب عليه أن يشارك في الخير من جميع الطرق في وسائل الإعلام وفي غيرها، ولا يقول: هذا لغيري، فإن كل الناس إن تواكلوا - بمعنى كل واحد يقول: هذا لغيري - تعطلت الدعوة، وقلَّ الداعون إلى الله، وبقي الجهلة على جهلهم، وبقيت الشرور على حالها، وهذا غلط عظيم؛ بل يجب على أهل العلم أن يشاركوا في الدعوة إلى الله أينما كانوا في المجتمعات الأرضية والجوية، وفي القطارات والسيارات، وفي المراكب البحرية، فكلما حصلت فرصة انتهزها طالب العلم في الدعوة والتوجيه، فكلما شارك في الدعوة فهو على خير عظيم؛ قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ *}[فُصّلَت]؛ فالله سبحانه يقول: ليس هناك قول أحسن من هذا، والاستفهام هنا للنفي؛ أي: لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله. وهذه فائدة عظيمة ومنقبة كبيرة للدعاة إلى الله عز وجل، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ"(1). وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا"(2). وقال عليه الصلاة والسلام
__________
(1) …مسلم (1893) .
(2) …مسلم (2674) .(3/64)
لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر: "فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ"(1).
فلا ينبغي للعالم أن يزهد في هذا الخير أو يتقاعس عنه احتجاجاً بأن فلاناً قد قام بهذا؛ بل يجب على أهل العلم أن يشاركوا وأن يبذلوا وسعهم في الدعوة إلى الله أينما كانوا، والعالم كله بحاجة إلى الدعوة: مسلمه وكافره؛ فالمسلم يزداد علماً، والكافر لعل الله يهديه فيدخل في الإسلام.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/265، 266)
يبدأ الداعية بالأَهَمِّ فالمُهِم
إذا أراد إنسان أن يدعو إنسانًا آخر .. كيف يبدأ معه وبماذا يكلمه ؟
كأن السائل يريد أن يدعوه إلى الله، والدعوة إلى الله لابد أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة ولين الجانب وعدم التعنيف واللوم والتوبيخ، ويبدأ بالأهم فالأهم.. كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث رسله إلى الآفاق أمرهم أن يبدؤوا بالأهم فالمهم.
وقد قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ؛ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ(2). فيبدأ بالأهم فالأهم، ويتحين الفرص والوقت المناسب لدعوته والمكان المناسب لدعوتهم؛ فقد يكون من المناسب أن يدعوه إلى بيته ويتكلم معه، وقد يكون من المناسب أن يذهب هو إلى بيت الرجل ليدعوه، ثم يكون من المناسب أن يدعوه في وقت دون وقت. فعلى كل حال المسلم العاقل البصير يعرف كيف يتصرف في دعوة الناس إلى الحق .
__________
(1) …البخاري (3009)، ومسلم (2406) .
(2) …البخاري (1458)، ومسلم (19) .(3/65)
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/155، 156 )
يجب أن تدعو إلى ما تَعْلَم من الدِّين
هل الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة أم تقتصر على العلماء وطلاب العلم فقط ؟
إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه فلا فرق بين أن يكون عالمًا كبيرًا يشار إليه، أو طالب علم مُجِدٌّ في طلبه، أو عاميًا.. لكنه علم المسألة علمًا يقينًا.. فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً"(1). ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغًا كبيرًا في العلم؛ لكن يشترط أن يكون عالمًا بما يدعو إليه. أما أن يقوم عن جهل ويدعو بناء على عاطفة عنده فإن هذا لا يجوز .
ولهذا نجد عند الإخوة الذين يدعون إلى الله وليس عندهم من العلم إلا القليل.. نجدهم لقوة عاطفتهم يُحَرِّمون ما لم يحرمه الله، ويوجبون ما لم يوجبه الله على عباده، وهذا أمر خطير جدًا؛ لأن تحريم ما أحل الله كتحليل ما حرم الله.. فهم مثلاً: إذا أنكروا على غيرهم تحليل هذا الشيء فغيرهم ينكر عليهم تحريمه أيضًا؛ لأن الله جعل الأمرين سواء؛ فقال: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ *مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *}[النّحل].
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (56)، (2/158، 159 ) حكم إعطاء غير المسلم مصحفاً
لو طلب مني رجل نصراني مصحفًا .. هل أعطيه أو لا ؟
__________
(1) …البخاري (3461) .(3/66)
ليس لك أن تعطيه، ولكن تقرأ عليه القرآن، وتسمعه القرآن، وتدعوه إلى الله وتدعو له بالهداية؛ لقوله تعالى في كتابه العزيز: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ *}[التّوبَة]، والنبي - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ (1) .
فدل ذلك على أنه لا يعطى الكافر المصحف خشية أن يهينه أو يعبث به؛ ولكن يُعلَّم ويُقرأ عليه القرآن ويُوجَّه ويُدعى له، فإذا أسلم سُلِّم له المصحف، ولا مانع أن يُعطى بعض كتب التفسير أو بعض كتب الحديث؛ إذا رجي انتفاعه بذلك، أو بعض تراجم معاني القرآن الكريم.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (6/372، 373)
حكم الوعظ والتعليم في الاحتفالات والمناسبات
يحصل في المناسبات والاحتفالات كالزوارة والضيفة والتحوال وغيرها: أن يقوم بعض الدعاة أو الداعيات - جزاهم الله خيراً - بإلقاء بعض الكلمات التربوية والوعظية، ويعترض عليهم بعض الناس بأن هذا بدعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينقل عنه الوعظ في مثل هذه المناسبات .. بينوا لنا وجه الصواب بالتفصيل - يحفظكم الله ويرعاكم .
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... وبعد:
لا بأس بهذه الكلمات الوعظية والإرشادية؛ فلها مناسبة في هذه الاجتماعات؛ حيث يحصل بسببها تعليم الجُهال والتحذير من المخالفات والترغيب في الطاعات والحث على المسابقة إلى الخيرات؛ فإن هذه الاجتماعات لابد فيها من الكلام، فإما أن يكون كلاماً مفيداً، أو كلاماً محرماً كالغيبة والنميمة، وإذا كان كذلك فشغل هذه الأماكن بالذكر والقرآن والعلم النافع والفوائد الدينية أولى من السكوت، وحتى لا تُشغل بالمحرمات.
__________
(1) …البخاري (2990) بمعناه، ومسلم (1869).(3/67)
وقد كانت مجالس النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل المجتمعات معمورة بقراءة القرآن وتعليم العلم وشرح تعاليم الإسلام، وهكذا كانت مجتمعات الصحابة وسلف الأمة؛ يدلُ على ذلك كثرة ما رُوي عنهم من الأحكام والتفاسير والمواعظ والإرشادات حيث يُتحقق أن جميعها لم يتلقوها في خطبة جمعة أو عيد أو مدرسة خاصة؛ فدل ذلك على أن كل اجتماعاتهم معمورة بالدعوة إلى الله وبالمواعظ والإرشادات: سواء كانوا في المساجد أو في الأسواق أو في المنازل أو الأسفار؛ وذلك دليل واضح على أنهم لم يشغلوا مجالسهم بالقيل والقال الذي ورد النهي عنه، ولا بالغيبة والنميمة المحرمة، ولم يكونوا يسكتون في مجتمعاتهم سكوتاً كاملاً إلى أن تنقضي مجالسهم؛ فدل على أنهم يعمرونها بالعلم النافع والعمل الصالح . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - بتاريخ 27/7/1421هـ
الفصل الثاني
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
حكم تغيير المنكر وبيان درجاته
هل يغير المنكر باليد ؟ ولمن يكون التغيير باليد ؟ مع ذكر الأدلة .. حفظكم الله .
الله جلّ جلاله وصف المؤمنين بإنكار المنكر، والأمر بالمعروف؛ قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التّوبَة، من الآية: 71]، وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[آل عِمرَان، من الآية: 104]، وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[آل عِمرَان، من الآية: 110] .
والآيات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جداً، وما ذاك إلا لأهمية وشدة الحاجة إليه .(3/68)
وفي الحديث الصحيح يقول - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ؛ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ"(1).
فالإنكار يكون باليد في حق من استطاع ذلك؛ كولاة الأمور والهيئة المختصة بذلك، فيما جعل إليها، وأهل الحسبة فيما جعل إليهم، والأمير فيما جعل إليه، والقاضي فيما جعل إليه، والإنسان في بيته مع أولاده، وأهل بيته فيما يستطيع .
أما من لا يستطيع ذلك، أو إذا غير بيده يترتب عليه الفتنة والنزاع والمضاربات، فإنه لا يغير بيده؛ بل ينكر بلسانه ويكفيه ذلك لئلا يقع بإنكاره باليد ما هو أنكر من المنكر الذي أنكره؛ كما نصّ على ذلك أهل العلم .
أما هو فحسبه أن ينكر بلسانه فيقول: يا أخي: اتق الله، هذا لا يجوز، هذا يجب تركه، هذا يجب فعله، ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة، والأسلوب الحسن.
ثم بعد اللسان: القلب، يعني يكره بقلبه، ويظهر كراهته، ولا يجلس مع أهله، فهذا من إنكاره بالقلب.. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث - العدد (36)، ص (121، 122)
كيفية تغيير المنكر بالقلب
ما كيفية تغيير المنكر بالقلب ؟
هو أن يكره المنكر، ولا يجلس مع أهله؛ لأن جلوسه معهم بغير إنكار يشبه فعل بني إسرائيل؛ الذي لعنهم الله عليه في قوله سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *}[المَائدة].
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/74، 75)
وجوب الإنكار وطريقته
__________
(1) …مسلم (49) .(3/69)
إنني فتاة أسكن في السكن الداخلي مع الطالبات، وقد هداني الله إلى الحق، وأصبحت متمسكة به ولله الحمد، لكنني متضايقة جداً مما أرى حولي من المعاصي والمنكرات الخاصة من بعض زميلاتي الطالبات: كسماع الأغاني والغيبة والنميمة، وقد نصحتهن كثيراً، ولكن بعضهن يهزأ بي ويسخر مني، ويقولون: إنني معقدة . سماحة الشيخ : أرجو إفادتي .. ماذا أعمل ؟ جزاكم الله خيراً .
الواجب عليك إنكار المنكر حسب الطاقة بالكلام الطيب، والرفق وحسن الأسلوب، مع ذكر الآيات والأحاديث الواردة في ذلك حسب علمك، ولا تشاركيهن في الأغاني، ولا في الغيبة، ولا في غيرها من الأقوال والأفعال المحرمة، واعتزليهن حسب الإمكان حتى يَخُضْنَ في حديث آخر؛ لقول الله سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}[الأنعَام، من الآية: 68]، ومتى أنكرت بلسانك حسب الطاقة، واعتزلت عملهن، لم يضرك فعلهن ولا عيبهن لك؛ كما قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *}[المَائدة]؛ فأبان سبحانه أن المؤمن لا يضره من ضل إذا لزم الحق واستقام على الهدى، وذلك بإنكار المنكر، والثبات على الحق، وحسن الدعوة إليه. وسيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً، وسينفعهن الله بإرشادك إذا صبرت واحتسبت - إن شاء الله، وأبشري بالخير العظيم، والعاقبة الحميدة مادمت ثابتة على الحق، منكرة لما خالفه؛ كما قال الله سبحانه: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعرَاف، من الآية: 128]. وقال عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هُود، من الآية: 49]، وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(3/70)
*}[العَنكبوت].
وفقكِ الله لما يرضيه، ومنحك الصبر والثبات، ووفق أخواتك وأهلك وزميلاتك لما يحبه ويرضاه؛ إنه سميع قريب، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (30)، ص (117، 118)
آداب الحكم على الناس ونصحهم
هل يجوز للإنسان أن ينصب نفسه حكماً على غيره في كل المواقف ؟ ومتى يسوغ شرعاً للشخص أن يقول : هذا خبيث وهذا غير ذلك ؟
لا يصلح للإنسان أن ينصِّب نفسه حكماً على الناس وينسى نفسه؛ بل على الإنسان أن ينظر إلى عيوب نفسه أولاً قبل أن ينظر إلى عيوب غيره .. لكن إن نصب المسلم نفسه ناصحاً لإخوانه آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر فهذا شيء طيب، ولا يقال: إنه نَصَّبَ نفسه حكماً على الناس، يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحُجرَات، من الآية: 10]، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" (1)، ويقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2]، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ ؟ قَالَ: للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" (2)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"(3).
وعلى الإنسان أن يصلح نفسه أولاً ثم يحاول إصلاح الآخرين(4)؛ من باب محبة الخير لهم والنصيحة إليهم، وليس من باب تنقيص الآخرين أو التماس عيوبهم، فإن هذا هو ما نهى عنه الإسلام، وإنما في حب الخير لهم.
__________
(1) …البخاري (2446)، ومسلم (2585) .
(2) …مسلم (55) .
(3) …البخاري (13)، ومسلم (45) .
(4) …فإن ضعف عن إصلاح نفسه لم يُسقط هذا عنه واجب الأمر والنهي.(3/71)
وبالنسبة لقول الإنسان: هذا خبيث وهذا غير ذلك .. فالإنسان المسلم لا يسوغ له شرعاً أن يقول ذلك في حق أخيه المسلم إلا إذا كان معروفاً بالانحراف ومعروفاً بالمقاصد السيئة، من يعرف حاله يجب عليه أن يقول ما يعلم عن خبثه وانحرافه إذا كان ذلك يترتب عليه مصلحة دينية؛ بأن يحذر الناس منه حتى يمكنهم مقاومة خطره. أما إذا قال ذلك لمجرد النيل منه أو لمجرد الذم فهذا لا يجوز؛ لأن هذا يصبح تعرضاً شخصياً لا مصلحة فيه .
ولا شك أن الحكم على الناس يحتاج إلى روية وتثبت .. فالإنسان لا يعتمد على ظنه - والله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[الحُجرَات، من الآية: 12].
وكذلك يجب على الإنسان ألا يعتمد في هذا الموضوع على خبر فاسق؛ فالله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ *}[الحُجرَات]، ولهذا على المرء أن يتجنب الظنون السيئة ولا يحكم لمجرد ظنونه . وعليه ألا يقبل الأخبار ممن جاء بها بدون تمحيص وبدون تثبت، ولا يحكم على الناس إلا بموجب العلم الشرعي فإذا كان عنده علم شرعي فإنه يحكم بموجب ما ثبت لديه، أما إذا كان جاهلاً بالأحكام الشرعية فلا يجوز له الحكم على تصرفات الناس .(3/72)
وعلى المرء ألا يخوض في هذه المجالات التي ليس له بها علم: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً *}[الإسرَاء]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِْثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *}[الأعرَاف].
فالذي ليس عنده علم لا يصدر الأحكام بمجرد ظنه أو مجرد رأيه أو ما تمليه عليه نفسه؛ بل عليه أن يتوقف لأن الأمر خطير جداً، ومن رمى مؤمناً بما ليس فيه أو وصفه بصفة لا تنطبق عليه فإن ذلك يرجع وباله عليه؛ كما جاء في الحديث: إِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ(1).
وكذلك لا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه: يا فاسق، أو يا كافر، أو يا خبيث أو ما شابه ذلك من الألقاب السيئة؛ يقول الله تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ بِئْسَ الإِْسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِْيمَانِ}[الحُجرَات: 11].
فالمسلم يجب عليه أن يتحفظ من هذه المجالات وأن يكون عنده علم وبصيرة يستطيع الحكم بها على نفسه أولاً، وعلى الناس ثانياً، كما أنه يجب أن تكون عنده تؤدة وتثبت وبعد نظر وعدم تسرع في الأمور.
الشيخ الفوزان - كتاب الدعوة (7)، (2/168 - 170)
ضوابط إنكار المنكر في الخلافيات
__________
(1) …أبو داود (4908)، والترمذي (1978) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقال: «حسن غريب»، وأبو داود (4905) بنحوه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (4099، 4102).(3/73)
قام أحد الإخوان بالإنكار بشدة على شخص في مسألة فيها خلاف بين العلماء، فرد عليه ذلك الشخص بقوله: لا يحق لك أن تنكر علي في هذا، فالمسألة فيها سعة .. فما هي ضوابط إنكار المنكر ؟ وهل صحيح أنه لا ينكر في المسائل الخلافية ؟ وما حكم من ينكر على الغير في المسائل الخلافية ؟
المسائل الخلافية هي التي تكون محل اجتهاد، وليس فيها نص صريح، ولا دليل صحيح يرجح أحد القولين، ووقع فيها الخلاف بين الأئمة المشهورين، وهي تتعلق بفروع الشريعة، فهذه لا ينكر فيها بشدة على أحد المجتهدين مثل الجهر بالبسملة، والقراءة خلف الإمام، والتورك في الثنائية، وقبض اليدين بعد الرفع من الركوع، وعدد تكبيرات الجنازة، ووجوب الزكاة في العسل وفي الخضروات والفواكه، والفطر بالحجامة، ووجوب الفدية على المحرم إذا نسي وقص شعره أو تطيب ناسياً، ونحو ذلك .
أما إذا كان الخلاف ضعيفاً ومصادماً لنص صريح - فإنه ينكر على من تركه، ويكون الإنكار بالدليل، كرفع اليدين عند الركوع والرفع منه، والطمأنينة في الركوع والسجود والرفع منهما، والتأمين مع رفع الصوت به في الجهرية، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، ووجوب السلام للخروج من الصلاة، ونحو ذلك .
أما إذا كان الخلاف في العقائد، كصفة العلو والاستواء، وإثبات الصفات الفعلية لله تعالى، وخلق أفعال العباد، والتكفير بالذنوب، والخروج على الأئمة، والطعن في الصحابة رضي الله عنهم، وصفة البداء لله تعالى، والغلو في علي رضي الله عنه وذريته وزوجته، وإخراج الأعمال من مسمى الإيمان، وإنكار الكرامات، والبناء على القبور، والصلاة عندها، ونحو ذلك - فهذا ينكر على من خالف فيه بشدة؛ حيث إن الأئمة متفقون فيه على قول السلف، وإنما جاء الخلاف من المبتدعة أو من بعد الأئمة، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (296، 297)
حكم ترك الأمر والنهي مع الاستطاعة(3/74)
ما حكم من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يستطيع ذلك ؟
حكمه أنه عاص لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ضعيف الإيمان، وعليه خطر عظيم من أمراض القلوب وعقوباتها العاجلة والآجلة؛ كما قال الله سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *}[المَائدة]، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ؛ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ" (1)، وقال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ" (2)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعاً للقيام بهذا الواجب العظيم على الوجه الذي يرضيه.
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (37) ص (169)
معنى قوله تعالى: {لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}
عندما تقول لبعض الناس: لماذا لا تغير هذا المنكر ؟ أو لماذا لا تنصح أهلك عن هذا الأمر المنكر ؟ فإنه يحتج ويقول: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}[المَائدة، من الآية: 105] .. فما جوابكم على هؤلاء ؟
__________
(1) …مسلم (49) .
(2) …أحمد (1/2، 7، 9)، وأبو داود (4338)، والترمذي (2168، 3057) وصححه، وابن ماجه (4005)، وابن حبان (305).(3/75)
الجواب على هذا: أن الآية آية محكمة، لم تنسخ ولكن هذا الذي استدل بها أخطأ في فهمه؛ فالآية الكريمة يقول الله تعالى فيها: {لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؛ ومن الهداية أن يأمر الإنسان بالمعروف، وينهى عن المنكر، بقدر استطاعته، فإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يقال: إنه اهتدى، وإذا ظهر المنكر في قوم ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه .
الشيخ ابن عثيمين - ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة، ص (33)
حكم من لا ينكر المنكر بحجة أنه يفعله
يقول بعض الناس عندما تقول له: لماذا لا تنكر هذا المنكر ؟ يقول: كيف أنكره، وأنا أفعله؛ فيحتج بقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}[البَقَرَة، من الآية: 44] ، وحديث الرجل الذي تندلق أقتاب بطنه في النار .. فكيف الرد على هذا ؟
نقول: إن الإنسان مأمور بترك المنكر، ومأمور بالإنكار على فاعل المنكر. فإذا قُدّر أنه لم يترك المنكر فإنه يبقى عليه واجب آخر، وهو الإنكار على فاعل المنكر. وما جاء في الآية الكريمة فإن فيها اللوم موجه على كونه يأمر الناس وهو لا يفعله، لا على كونه يأمرهم؛ ولهذا قال: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[البَقَرَة، من الآية: 44]؛ هل من العقل أن الإنسان يأمر غيره بالبر ولا يفعله ؟ هذا خلاف العقل!! كما أنه خلاف الشرع. فالنهي ليس منصباً على كونه يأمر الناس، بل على كونه يجمع بين الأمرين، يأمر الناس وهو لا يفعل.
وكذلك ما جاء في الحديث من الوعيد الشديد فيمن يُلْقَى في النار حتى تَنْدَلِقُ أَقْتَاب بَطْنِه، فيجتمع إليه أهل النار فيقول لهم: إنه كان يَأْمُرُ بالمعروف، ولا يَأْتِيهِ، ويَنْهَى عن المنكر ويَأْتِيه(1)!! هذا أيضاً يدل على أن هذا الرجل يصاب بهذا العذاب، لكن لو كان لا ينكر ما ندري قد يكون عذابه أشد.
__________
(1) …البخاري (3267، 7098)، ومسلم (2989) بنحوه. ومعنى (أَقْتَاب): أمْعَاء؛ مفردها: قِتْب.(3/76)
الشيخ ابن عثيمين - ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة، ص (32، 33)
ولاة الأمر ليسوا بمعصومين .. لكن نصيحتهم لها أصول
س1 : سماحة الشيخ : أنتم وإخوانكم العلماء في هذه البلاد سلفيون - ولله الحمد - وطريقتكم في مناصحة الولاة شرعية كما بينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا نزكي على الله أحدًا، ويوجد من يعيب عليكم عدم الإنكار العلني لما يحصل من مخالفات، والبعض الآخر يعتذر لكم ويقول : إن عليكم ضغوطًا من قبل الدولة؛ فهل من كلمة توجيهية توضيحية لهؤلاء القوم ؟
ج1 : لا شك أن الولاة كغيرهم من البشر ليسوا معصومين من الخطأ، ومناصحتهم واجبة، ولكن تناولهم في المجالس وعلى المنابر يعتبر من الغيبة المحرمة؛ وهو منكر أشد من المنكر الذي يحصل من الولاة؛ لأنه غيبة، ولما يلزم عليه من زرع الفتنة وتفريق الكلمة، والتأثير على سير الدعوة؛ فالواجب إيصال النصيحة لهم بالطرق المأمونة لا بالتشهير والإشاعة.
وأما الوقيعة في علماء هذه البلاد وأنهم لا يناصحون أو أنهم مغلوبون على أمرهم ؛ فهذه اتهامات يقصد بها الفصل بين العلماء والشباب والمجتمع حتى يتسنى للمفسد زرع شروره؛ لأنه إذا أسيء الظن بالعلماء وفقدت الثقة بهم سنحت الفرصة للمغرضين في بث سمومهم.
وأعتقد أن هذه الفكرة دسيسة دخيلة على هذه البلاد وأهلها من عناصر أجنبية، فيجب على المسلمين الحذر منها.
الشيخ الفوزان - الإجابات المهمة في المشاكل المدلهمة (1/16، 17)
س2 : بعض الشباب اليوم يفهم معنى قوله تعالى : {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ}[المَائدة: 54]؛ أنهم أولئك الذين يذكرون أخطاء الحكّام على المنابر، وأمام الملأ، وفي الأشرطة المسجلة، ويحصرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذلك أيضًا .. نرجو توجيه أولئك الشباب هداهم الله إلى السلوك الصحيح وتوضيح المعنى الصحيح لهذه الآية، وحكم أولئك الذين يتكلمون في الحكام علنًا.(3/77)
ج2 : يقول الله سبحانه وتعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ}[المَائدة: 54]، هذه الآية في كل من قال كلمة الحق وجاهد في سبيل الله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر طاعة لله تعالى، ولم يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من أجل الناس أو من خشية الناس، ولكن قضية النصيحة والدعوة إلى الله كما قال تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل: 125]، والله سبحانه وتعالى قال لموسى وهارون عليهما السلام لما أرسلهما إلى فرعون : {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى *}[طه: 44]، وقال تعالى في حق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عِمرَان: 159]؛ فالنصيحة للحكام تكون بالطرق الكفيلة لوصولها إليهم من غير أن يصاحبها تشهير أو يصاحبها استنفار لعقول السذج والدهماء من الناس، والنصيحة تكون سرًا بين الناصح وبين ولي الأمر: إما بالمشافهة، وإما بالكتابة له، وإما أن يتصل به ويبيِّن له هذه الأمور، ويكون ذلك بالرفق، ويكون ذلك بالأدب المطلوب.(3/78)
أما الكلام في الولاة على المنابر، وفي المحاضرات العامة، فهذه ليست نصيحة، هذا تشهير(1)، وهذا زرع للفتنة، والعداوة بين الحكام وشعوبهم، وهذا يترتب عليه أضرار كبيرة؛ قد يتسلط الولاة على أهل العلم وعلى الدعاة بسبب هذه الأفعال، فهذه تفرز من الشرور ومن المحاذير أكثر مما يظن فيها من الخير. فلو رأيت على شخص عادي ملاحظة أو وقع في مخالفة، ثم ذهبت إلى الملأ وقلت : فلان عمل كذا وكذا؛ لاعتبر هذا من الفضيحة، وليس من النصيحة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "مَنْ سَتَرَ مسلمًا سَتَرَهُ الله في الدنيا والآخرة"(2). وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينبّه على شخص لا يخصّ قومًا بأعيانهم؛ بل يقول : "ما بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُون كَذَا وكذا"(3)؛ لأن التصريح بالأشخاص يفسد أكثر مما يصلح، بل ربما لا يكون فيه صلاح؛ بل فيه مضاعفة سيئة على الفرد وعلى الجماعة.
وطريق النصيحة معروف، وأهل النصيحة الذين يقومون بها لابد أن يكونوا على مستوى من العلم والمعرفة، والإدراك والمقارنة بين المضار والمصالح، والنظر في العواقب؛ ربما يكون إنكار المنكر منكرًا - كما قال ذلك شيخ الإسلام رحمه الله(4)؛ وذلك إذا أنكر المنكر بطريقة غير شرعية ؛ فإن الإنكار نفسه يكون منكرًا لما يولد من الفساد، وكذلك النصيحة ربما نسميها فضيحة ولا نسميها نصيحة، نسميها تشهيرًا، نسميها إثارة، ونسميها زيادة فتنة إذا جاءت بغير الطريق الشرعي المأمور به.
__________
(1) …نبّه إلى خطورة التشهير سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله؛ حيث قال : «ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة على المنابر...» «الفتاوى» (8/210)، وانظر كتاب : «معاملة الحكام» للشيخ عبدالسلام آل عبدالكريم، ص (39) وما بعدها.
(2) …مسلم (2699).
(3) …البخاري (456، 750، 2735، 6101، 7301)، ومسلم (1401، 2356) بنحوه.
(4) …انظر : «مجموع الفتاوى» (28/126)، و«إعلام الموقعين» (3/4).(3/79)
الشيخ الفوزان - حوار مع عالم، ص (16- 18) جمع وترتيب : عمر بن عبدالرحمن العمر
حكم الامتناع عن النُّصح مخافة الرياء
امرأة تسأل فتقول: إني أخاف من الرياء وأحذره لدرجة أنني لا أستطيع أن أنصح بعض الناس أو أنهاهم عن أمور معينة: مثل الغيبة والنميمة ونحو ذلك، فأخشى أن يكون ذلك رياء مني، وأخشى أن يظن الناس فيَّ ذلك ويعدوه رياء، فلا أنصحهم بشيء، كما أني أقول في نفسي: إنهم أناس متعلمون وليسوا في حاجة إلى نصح .. فما هو توجيهكم ؟
هذا من مكائد الشيطان يخذل بها الناس عن الدعوة إلى الله وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك أن يوهمهم أن هذا من الرياء، أو أن هذا يخشى أن يعده الناس رياء،فلا ينبغي لك أيتها الأخت في الله أن تلتفتي إلى هذا؛ بل الواجب عليك أن تنصحي لأخواتك في الله وإخوانك إذا رأيت منهم التقصير في الواجب أو ارتكاب المحرم: كالغيبة والنميمة وعدم التستر عند الرجال، ولا تخافي الرياء، ولكن أخلصي لله واصدقي معه وأبشري بالخير واتركي خداع الشيطان ووساوسه، والله يعلم ما في قلبك من القصد والإخلاص لله تعالى والنصح لعباده.
ولا شك أن الرياء شرك ولا يجوز فعله؛ لكن لا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة أن يدع ما أوجب الله عليه من الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً من الرياء، فعليه الحذر من ذلك، وعليه القيام بالواجب في أوساط الرجال والنساء، والرجل والمرأة في ذلك سواء، وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز؛ حيث يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *}[التّوبَة].
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (37) ص (171، 172)
لا يُترَك الأمر والنهي ولو غضب المخالف(3/80)
إذا حاولنا منع النميمة والغيبة بين الناس فإن من نأمره بالمعروف وننهاه عن المنكر يقوم بسبنا ويغضب علينا .. فهل علينا إثم بسبب غضبه؛ حتى لو كان أحد الوالدين ؟ وهل نمنعهم أم ندع ما لا يعنينا في هذا الأمر المهم ؟ أفيدونا أفادكم الله.
من أهم الفرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما قال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التّوبَة، من الآية: 71]؛ فأوضح سبحانه في هذه الآية: أن من صفات المؤمنين والمؤمنات الواجبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عِمرَان، من الآية: 110].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ؛ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ" (1)، والآيات والأحاديث في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذم من ترك ذلك كثيرة. فالواجب عليكن وعلى كل مؤمن ومؤمنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو غضب من أنكرتم عليه، ولو سَّبكُنَّ فلابد من الصبر؛ تأسياً بالرسل عليهم الصلاة والسلام، وأتباعهم بإحسان - كما قال عز وجل يخاطب نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف، من الآية: 35]، وقال عز وجل: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفَال، من الآية: 46]، وقال سبحانه - عن لقمان الحكيم إنه قال لابنه: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُْمُورِ *}[لقمَان].
__________
(1) …مسلم (49) .(3/81)
ولا شك أن صلاح المجتمع واستقامته إنما يكون بالله سبحانه، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن فساده وتمزقه وتعرضه للعقوبة العامة من أعظم أسبابه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ"(1). وقد حذر الله سبحانه عباده من سيرة الكفار من بني إسرائيل - في قوله عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *}[المَائدة].
فنسأل الله أن يوفق جميع المسلمين حكاماً ومحكومين للقيام بهذا الواجب على خير وجه، وأن يصلح أحوالهم، وأن يعيذ الجميع من أسباب غضبه وانتقامه. إنه سميع مجيب .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة / ص (203، 204)
السبيل الأمثل للأمر والنهي
ما السبيل الأمثل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
__________
(1) …أحمد (1/2، 7، 9)، وأبو داود (4338)، والترمذي (2168، 3057) وصححه، وابن ماجه (4005)، وابن حبان (305).(3/82)
على أصحاب الحسبة - الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر - أن يلتزموا بالآداب الشرعية، ويخلصوا لله في عملهم، ويتخلقوا بما يتخلق به الدعاة إلى الله من حيث الرفق وعدم العنف، إلا إذا دعت الحاجة إلى غير ذلك من الظلمة والمكابرين والمعاندين فحينئذ تستعمل معهم القوة الرادعة؛ لقول الله سبحانه: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[العَنكبوت: 46]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -، "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ؛ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ"(1).
__________
(1) …مسلم (49) .(3/83)
أما غيرهم فيعامل في إنكار المنكر والدعوة إلى المعروف بمثل ما يفعل الداعي: ينكر المنكر بالرفق والحكمة، ويقيم الحجة على ذلك حتى يلتزم صاحب المنكر بالحق، وينتهي عما هو عليه من الباطل، وذلك على حسب الاستطاعة؛ كما قال الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التّغَابُن: 16]، وكما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا" [الحديث]. ومن الآيات الجامعة في ذلك: قول الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التّوبَة: 71]، وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عِمرَان: 110]. وقد توعد الله سبحانه من ترك ذلك ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهم السلام؛ حيث قال في كتابه الكريم في سورة المائدة: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *}[المَائدة].(3/84)
فالأمر عظيم والمسؤولية كبيرة، فيجب على أهل الإيمان وأهل القدرة من الولاة والعلماء وغيرهم من أعيان المسلمين الذين عندهم قدرة وعلم: أن ينكروا المنكر ويأمروا بالمعروف، وليس هذا لطائفة معينة، وإن كانت الطائفة المعينة عليها واجبها الخاص، والعبء الأكبر؛ لكن لا يلزم من ذلك سقوطه عن غيرها؛ بل يجب على غيرها مساعدتها، وأن يكونوا معها في إنكار المنكر، والأمر بالمعروف حتى يكثر الخير ويقل الشر، ولا سيما إذا كانت الطائفة المعينة لم تقم بالمطلوب ولم يحصل بها المقصود، بل الأمر أوسع، والشر أكثر، فإن مساعدتها من القادرين واجبة بكل حال.
أما لو قامت بالمطلوب وحصل بها الكفاية فإنه يسقط بها الوجوب عن غيرها في ذلك المكان المعين أو البلد المعين؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإذا حصل بالمعينين أو المتطوعين المطلوب من إزالة المنكر والأمر بالمعروف صار في حق الباقين سنة، أما المنكر الذي لا يستطيع أن يزيله غيرك لأنك الموجود في القرية أو القبيلة أو الحي وليس فيها من يأمر بالمعروف فإنه يتعين عليك إنكار المنكر والأمر بالمعروف مادمت أنت الذي علمته، وأنت الذي تستطيع إنكاره، فإنه يلزمك، ومتى وجد معك غيرك صار فرض كفاية؛ من قام به منكما حصل به المقصود، فإن تركتماه جميعاً أثمتما جميعاً .
فالحاصل: أنه فرض على الجميع (فرض كفاية)؛ فمتى قام به من المجتمع أو القبيلة من يحصل به المقصود سقط عن الباقين.
وهكذا الدعوة إلى الله متى تركها الجميع أثموا، ومتى قام بها من يكفي دعوة وتوجيهاً وإنكاراً للمنكر صارت في حق الباقين سنة عظيمة؛ لأنه اشتراك في الخير وتعاون على البر والتقوى .
الشيخ ابن باز - من جواب سؤال في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/240)
نصائح مهمة لمن ينهى عن المنكر(3/85)
نلاحظ كثيراً من الشباب المتحمس لإنكار المنكر، ولكنهم لا يحسنون الإنكار.. فما هي نصيحتكم وتوجيهاتكم لهؤلاء ؟ .. وما هي الطريقة المثلى في إنكار المنكر ؟
نصيحتي لهم أن يتثبتوا في الأمر، وأن يتعلموا أولاً حتى يتيقنوا أن هذا الأمر معروف أو منكر، بالدليل الشرعي، حتى يكون إنكارهم على بصيرة؛ لقول الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *}[يُوسُف8].
مع نصيحتي لهم بأن يكون الإنكار بالرفق والكلام الطيب والأسلوب الحسن؛ حتى يقبل منهم، وحتى يصلحوا أكثر مما يفسدون؛ لقول الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل، من الآية: 125]، وقول الله عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عِمرَان، من الآية: 159]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ (1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ(2). والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة.
__________
(1) …مسلم (2592) .
(2) …مسلم (2594) .(3/86)
ومما ينبغي للداعي إلى الله، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: أن يكون من أسبق الناس إلى ما يأمر به، ومن أبعد الناس عما ينهى عنه؛ حتى لا يتشبه بالذين ذمهم الله بقوله سبحانه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *}[البَقَرَة]، وقال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ *}[الصَّف].
وحتى يتأسى به في ذلك، وينتفع الناس بقوله وعمله.. والله ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/75، 76)
حكم الشراء ممن يبيع المحرمات
أتقدم لفضيلتكم بهذا السؤال: وهو أنه يوجد في الحي الذي أسكن فيه عدة محلات تجارية بعضها يباع فيه الدخان والمجلات الفنية المشتملة على الصور النسائية !!.. وبعضها الآخر لا يباع فيه الدخان ولا المجلات .. فهل الأفضل أن نشتري ونتسوق من المحلات التي لا تبيع ما ذكر ؟ وهل نحن مأجورين في هذا ؟ وهل يدخل هذا الفعل في قوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2] ؟ أفيدونا أثابكم الله.
نقول: لا يجوز لكم تشجيع العصاة ودعاة الفساد وأهل الشرور والمنكرات الذين يسعون في الأرض فساداً، والذين يساعدون العصاة ويقربون لهم ما يعينهم على المعصية.(3/87)
فعلى هذا لا تعاملوا من يبيع الدخان أو الخمر أو المخدرات أو الصور الفاتنة الداعرة التي توقع في المنكر وتغرس الشر في النفوس وتثير الغرائز إلى ارتكاب الفواحش؛ وذلك لأن الشراء منهم تقوية لمعنويتهم وترويج لبضائعهم وترغيب لهم في المحلات المذكورة وتنمية لأموالهم التي يشوبها هذا المحرم؛ وهو ثمن الدخان والصور الخليعة، وعليكم أن تشتروا من أهل التنزه وتحري الحلال والاقتصار على المبيعات المباحة التي لا شبهة فيها رجاء أن تساعدوهم وترغبوهم في البقاء والاستمرار على ترك بيع هذه المحرمات والاكتفاء بما أباحه الله.
ورَغِّبوا أهليكم وأحبابكم في شراء حوائجهم وأغراضهم ومطالبهم من أهل الورع والصلاح ولو كانوا بعيداً عنكم؛ فاصبروا على المشقة وشجعوا هؤلاء وخصوهم بالمصلحة ولو كان الأولون أقرب مكاناً وأنزل قيمة.
وهكذا نقول عليكم أن لا تشتروا من كل العصاة؛ فمتى رأيت شارب الدخان أو حليق اللحية أو من لا يصلي أو المتهم بفاحشة أو منكر - فافعلوا معه ما يوبخه ويصغر شأنه ويسبب تحقيره لنفسه وعند الناس؛ فذلك من التعاون على البر والتقوى وترك التعاون على الإثم والعدوان. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - عضو الإفتاء برئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء من قوله
يجب التبليغ عن أهل الجرائم بعد النصح
شخص يعرف بعض مروجي المخدرات؛ لكنه لا يستطيع أن يبلغ عنهم لخوفه على نفسه منهم أو لوجود صلة قرابة تربطه بهم .. ما هو الحكم لو بلغ عنهم وتعرض للضرب أو للقتل ؟ وهل يكون ذلك في سبيل الله ؟(3/88)
أولاً إنه لا يلزم من إخباره بهم أن يعلموا به؛ لأن الواجب على الجهات المبلغة أن لا تخبر بمن بلَّغ، بل إن وثقت به عملت بمقتضى هذه الثقة، وإن لم تثق به لم تلتفت إلى قوله . ولو أننا فتحنا الباب للإعلان عن اسم كل من جاء ليخبر عن منكر لم يأت أحد ليبلغ السلطات؛ لأن كل إنسان سوف يخاف على نفسه من الأذية القولية أو الفعلية، ولكن الواجب على السلطات ألا يعلنوا عن اسم من أبلغهم. وكما قلت: إن وثقوا بقوله عملوا بمقتضى هذه الثقة، وإن لم يثقوا فإنهم لا يلتفتون إلى هذا القول .. ولا شك أنه لو أُخبِر عن هذا المبلِّغ فإنه يناله في الغالب أذية إما بالقول أو بالفعل، أو ما أشبه ذلك؛ وفي هذا ضرر عليه. وإذا لم يكن هناك إيمان قوي في النفوس - قد يمنعها الخوف من أن تقوم بواجب التبليغ. ولكنه يزول بكتمان المبلِّغ ما يجب عليه من الكتمان. ولكن يجب نصح هؤلاء قبل رفعهم إلى الجهات المسؤولة فإن انتهوا فهذا المطلوب، وإن لم ينتهوا وجب رفعهم ولو كانوا أولي قربى.
الشيخ ابن عثيمين - أخبار الحسبة، العدد (2)
حكم الإنكار على الصائم الناسي
ما حكم من أكل أو شرب ناسياً في رمضان ؟ وهل يجب على من رآه يأكل ويشرب ناسياً أن يذكره بصيامه ؟
من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم فإن صيامه صحيح؛ لكن إذا تذكر يجب عليه أن يقلع؛ حتى إذا كانت اللقمة أو الشربة في فمه، فإنه يجب عليه أن يلفظها، ودليل تمام صومه: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - - فيما ثبت عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ" (1)؛ ولأن النسيان لا يؤاخذ به المرء في فعل محظور؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البَقَرَة: 286]، فقال الله تعالى: قَدْ فَعَلْتُ(2).
__________
(1) …البخاري (1933)، ومسلم (1155) .
(2) …مسلم (126) .(3/89)
أما من رآه: فإنه يجب عليه أن يذكره؛ لأن هذا من تغيير المنكر، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ" (1)؛ ولا ريب أن أكل الصائم وشربه حال صيامه من المنكر، ولكنه يعفى عنه حال النسيان بعدم المؤاخذة. أما من رآه فإنه لا عذر له في ترك الإنكار عليه .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (4)، (1/163، 164)
الباب الثاني عشر
البيع والمعاملات
الفصل الأول :
البيع
الفصل الثاني :
الربا والصرف
الفصل الثالث :
القمار والميسر
الفصل الرابع :
التأمين
الفصل الخامس :
البطاقات التجارية
الفصل السادس :
الشركات
الفصل السابع :
الإجارة
الفصل الثامن :
الوقف
الفصل التاسع :
الهبة
الفصل العاشر :
المسابقات
الفصل الحادي عشر :
الموظفون والعمال
الفصل الأول
البيع
نصيحة لِلْبَاعَة
ما هي نصيحتكم للباعة عموماً ؟ وحبذا لو أوضحتم الفرق بين أكل الكسب الحلال وأكل الكسب الحرام الذي هو سحت - والعياذ بالله.
نصيحتي للباعة عموماً: أن يتقوا الله عز وجل وأن تكون معاملتهم بالصدق والبيان، والصدق بما يتكلمون به عن السلعة من الأوصاف المرغوبة، والبيان فيما يكون من العيوب في السلع حتى يبارك لهم في بيوعهم. وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ: فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ"(2).
وثبت عنه أنه قال: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" (3)؛ فإذا كان الإنسان يكره أن يعامله أحد من غير أن يبين له؛ فكيف يكره ذلك لنفسه ويرضاه لغيره ؟!
__________
(1) …مسلم (49) .
(2) …مسلم (1844).
(3) …البخاري (13)، ومسلم (45).(3/90)
نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية والنصح لعباد الله؛ إنه جواد كريم، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة من بعض بائعي السيارات، ص (22، 23)
التراضي شرط في صحة البيع
هل يجوز البيع بغير تراضي ؟
لا يجوز البيع بغير تراضي؛ قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}[النِّسَاء، من الآية: 29]، إلا إذا كان ذلك بحق، كبيع الرهون من جهة المحكمة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (13/30)
إذا خُدع البائع جاز له الفسخ
رجل أراد أن يبيع سيارتين له، فطلب من أحد زملائه الذين يعملون معه ويأتمنهم بأن يحضر له شخصاً يشتري منه السيارتين، فأحضر له شريطياً من معارض السيارات، فعمل على تقييم إحدى السيارتين بخمسة آلاف ريال، والأخرى بأربعة آلاف ريال، وبعد أن تفرقوا حصل اتصال بين الشريطي ومالك السيارتين، أبلغ المالك الشريطي بموافقته على بيع السيارتين بالمبلغ الذي ذكره، بعد ذلك لقي المالك شخصاً آخر دفع له في السيارة الأولى مبلغ سبعة آلاف ريال فأتم البيعة له وقبض الثمن؛ لشعوره بأن الشريطي قد غبنه في السعر الذي قدمه له .. فما حكم البيع ؟
يجوز له ذلك؛ إذا كان هذا المشتري قد خدعه وقوم السيارة بأقل من قيمتها، فإن لصاحبها أن يبيعها على غيره ولو كان قد أجاز له الشراء، فيدخل في خيار الغبن، ويدخل ذلك المشتري في الخديعة والغش وعدم النصيحة للمسلمين. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 2/9/1424هـ
حكم الكذب في البيع والشراء
بعض باعة السيارات يتساهلون بالكذب، ولا يرون أن الصدق واجب في البيع وفي الشراء، وقد يحلفون بالله كذباً، دفعهم إلى هذا حب الكسب الوفير؛ فبماذا تنصحونهم ؟ جزاكم الله خيراً .(3/91)
ننصحهم بأن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يكونوا من الصادقين مع الله تعالى ومع عباد الله؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، والبرِّ يهدي إلى الجنة. ونحذرهم من الكذب؛ لا سيما الكذب المتضمن لليمين الكاذبة، وأكل أموال الناس بالباطل؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: "الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ"(1). وحذر النبي عليه الصلاة والسلام من أن يحلف الإنسان على سلعته وهو كاذب؛ فقال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ: لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"(2).
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة من بعض بائعي السيارات، ص (17، 18)
حكم الشراء من غير المسلمين
ما حكم ترك المسلمين التعاون بينهم؛ بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين، ويرغب في الشراء من دكاكين الكفار .. هل هذا حلال أم حرام ؟
الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود؛ لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم - من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة - إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر: فهذا حرام؛ لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب؛ فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل عنه إلى غيره، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________
(1) …البخاري (2087)، ومسلم (1606)، بلفظ: " الحلف .. إلخ "، وأحمد (2/235، 242، 413)، واللفظ له .
(2) …البخاري (2669، 2670)، ومسلم (138) .(3/92)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (13/18)
فتوى الشيخ ابن جبرين بشأن مقاطعة المنتجات الأمريكية والإسرائيلية
لا يخفى عليكم ما يتعرض له إخواننا الفلسطينيون في الأرض المقدسة من قتل واضطهاد من قبل العدو الصهيوني، ولا شك أن اليهود لم يمتلكوا ما امتلكوا من سلاح وعدة إلا بمؤازرة من الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، والمسلم حينما يرى ما يتعرض له إخواننا لا يجد سبيلاً لنصرة إخوانه وخذلان أعدائهم إلا بالدعاء للمسلمين بالنصر والتمكين، وعلى الأعداء بالذلة والهزيمة. ويرى بعض الغيورين أنه ينبغي لنصرة المسلمين أن تقاطع منتجات إسرائيل وأمريكا؛ فهل يؤجر المسلم إذا قاطع تلك المنتجات بنية العداء للكافرين وإضعاف اقتصادهم ؟ وما هو توجيهكم حفظكم الله ؟(3/93)
يجب على المسلمين عموماً التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان؛ بما يكفل لهم ظهورهم وتمكينهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقه للأحكام الدينية وإقامة الحدود والعمل بتعاليم الدين، وبما يكون سبباً في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه؛ فقد ورد في الحديث: جاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُم وَأَنْفُسِكُم وأَلْسِنَتِكُم(1). فيجب على المسلمين مساعدة المجاهدين بكل ما يستطيعونه وبذل كل الإمكانيات التي يكون فيها تقوية للإسلام والمسلمين، كما يجب عليهم جهاد الكفار بما يستطيعونه من القدرة، وعليهم أيضاً أن يفعلوا كل ما فيه إضعاف للكفار أعداء الدين، فلا يستعملونهم كعمال لأجرة ككُتَّابٍ أو حُسَّابٍ أو مهندسين أو خدم بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يكتسحون أموال المؤمنين ويعادون بها المسلمين، وهكذا أيضاً على المسلم أن يقاطع جميع الكفار بترك التعامل معهم وبترك شراء منتجاتهم؛ سواء كانت نافعة كالسيارات والملابس وغيرها، أو ضارة كالدخان بنية العداء للكفار وإضعاف قوتهم وترك ترويج بضائعهم، ففي ذلك إضعاف لاقتصادهم مما يكون سبباً في ذلهم وإهانتهم. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - في 27/7/1421هـ
حكم المزايدة لغير الشراء
في بعض الأحيان أزيد في ثمن السيارة وأنا لا أريدها، ولكن أقصد من ذلك شيئاً آخر؛ هل يجوز ذلك ؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
ما هو الشيء الآخر الذي تريد ؟ إذا كنت تزيد فيها لأنك رأيتها رخيصة فلما علت قيمتها تركتها - فهذا لا بأس به .
__________
(1) …أحمد (3/124، 153، 251)، والدارمي (2431)، وأبو داوود (2504)، والنسائي (3096)، والحاكم 2/81 (2427) وصححه ووافقه الذهبي.(3/94)
وأما إذا كنت تريد الإضرار بالمشترين، أو تريد نفع البائع فإن هذا حرام؛ لأنه من النَّجْش الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -(1) .
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة من بعض بائعي السيارات، ص (2، 3)
حكم كتمان عيوب السلعة
يلاحظ في الحراج على السيارات أن الدلاّل يذكر عيوباً كثيرة في السيارة وهي ليست بصحيحة، ويهدف من وراء ذلك إلى إخفاء العيوب الحقيقية في السيارة تحت هذه العيوب الوهمية المعلن عنها، وليس للمشتري في عرفهم حق الرجوع ولو مع وجود البائع؛ فهل يجب عليّ أن أوضح عيوب سيارتي الحقيقية أثناء الحراج ؟ مع ملاحظة أن الدلاّل لا يذكر العيوب الوهمية إلا بعد البيع وتسليم العربون، ولا يمكن للمشتري فحص السيارة، بل ولا يسمح له بذلك، أفتونا عن هذه الطريقة التي تتبع في كل مزادات السيارات . جزاكم الله خيراً.
البائع إذا كان يعلم أن في السيارة عيباً بيّناً ولكنه يخفيه بذكر عيوب كثيرة وهمية فإن هذه الطريقة محرمة؛ لأنها غش ظاهر، ولا يجوز للإنسان أيضاً أن يقول للمشتري: أبرئني من العيوب التي تجدها فيها وهو يعلم أن فيها عيباً معيناً لم يذكره. أما إذا كان لا يدري عنها؛ مثل أن يكون قد اشتراها وباعها قبل أن يعلم ما فيها من العيوب فلا حرج عليه حينئذٍ أن يقول: أبرئني من كل عيب تجده فيها، فإذا أبرأه فلا بأس . ولا حق للمشتري حينئذ في الرجوع لو وجد عيباً.
وخلاصة الجواب: أن من علم عيباً في سيارته أو غيرها مما يبيعه فإن الواجب عليه تبيينه للمشتري، ولا يحل له أن يخفيه بأي أسلوب كان . وإذا تم البيع والبائع قد أخفى العيب فإن للمشتري حق الرجوع ولو أنه قد التزم بعدم الرجوع ما دام البائع كتم العيب وهو عالم به . أما إذا كان جاهلاً بالعيب وشرط على المشتري أن يبرئه من كل عيب يجده فهذا جائز، ولا حق للمشتري في الرجوع حينئذ .
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة من بعض بائعي السيارات، ص (20 - 22)
__________
(1) …البخاري (2140)، ومسلم (1413).(3/95)
حكم بيع الرجل على بيع أخيه
هل يجوز إذا رأيت أحد المشترين يرغب أن يشتري سيارة - وهو في غير محلي - أن أقول له: عندي أحسن منها فتعال معي لتراها ؟ أفتونا جزاكم الله خيراً .
لا يجوز إذا رأيت شخصاً يريد أن يشتري سلعة من شخص (سواء كانت سيارة أم غيرها) أن تقول له: عندي أحسن منها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يَبِيعَ الرَّجُلُ على بيعِ أَخِيهِ، وأن يَسُومَ على سَوْمِه(1).
أما إذا لم يتفق مع صاحب السيارة ولم يحصل مساومة بينهما فالأمر راجع إليك؛ مع أن عدم التعرض له أولى .
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة من بعض بائعي السيارات، ص (19، 20)
حكم تنفير المشترين من السلعة ليشتريها لنفسه
رأيت شخصاً يريد أن يبيع سيارة جيدة، وقد اجتمع الناس حوله، وقد عرفت بالخبرة، فسألته عنها فقال لي: سِيمَتْ بكذا، فقلت له: عجيب لا تساوي هذا السعر، وقصدي من هذا أن أفرق الناس من حولها، وأقلل من شأنها في أعين المشترين ثم أشتريها بأقل ؟ أفتونا عن ذلك جزاكم الله خيراً .
هذا حرام من عدة أوجه أو أكثر؛ لأنك كذبت حين قلت: لا تساوي هذا السعر مع أنها تساويه، ولأنك ظلمت الناس الذين لهم فيها إرادة، وظلمت أخاك الذي باعها . وواحد من هذه الأشياء يوجب تحريم هذه المعاملة .
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة من بعض بائعي السيارات ص (16، 17) حكم عبارة: البضاعة لا ترد ولا تستبدل
ما حكم الشرع في كتابة عبارة «البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل» - التي يكتبها بعض أصحاب المحلات التجارية على الفواتير الصادرة عنهم - ؟ وهل هذا الشرط جائز شرعاً ؟ وما هي نصيحة سماحتكم حول هذا الموضوع ؟
__________
(1) …البخاري (2140)، مسلم (1412).(3/96)
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن بيع السلعة بشرط ألا ترد ولا تستبدل لا يجوز؛ لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعمية، ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة. واشتراطه هذا لا يبرئه من العيوب الموجودة في السلعة؛ لأنها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة، أو أخذ المشتري أرش العيب .
ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة، وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذٌ بغير حق .
ولأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي، وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب، تنزيلاً لاشتراط سلامة المبيع عرفاً منزلة اشتراطها لفظاً . وبالله التوفيق .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (13/ 197، 198)
حكم الجوائز التي تقدم من المحلات التجارية
ما حكم الجوائز التي تقدم من المؤسسات والمحلات التجارية ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه .. أما بعد:
فقد لوحظ قيام بعض المؤسسات والمحلات التجارية بنشر إعلانات في الصحف وغيرها عن تقديم جوائز لمن يشتري من بضائعهم المعروضة؛ مما يغري بعض الناس على الشراء من هذا المحل دون غيره، أو يشتري سلعاً ليس له فيها حاجة طمعاً في الحصول على إحدى هذه الجوائز .
وحيث إن هذا نوع من القمار المحرم شرعاً والمؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، ولما فيه من الإغراء والتسبب في ترويج سلعته وإكساد سلع الآخرين المماثلة ممن لم يقامر مثل مقامرته؛ لذلك أحببت تنبيه القراء على أن هذا العمل محرّم، والجائزة التي تحصل من طريقه محرمة؛ لكونها من الميسر المحرم شرعاً، وهو القمار.(3/97)
فالواجب على أصحاب التجارة الحذر من هذه المقامرة، وليسعهم ما يسع الناس، وقد قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا *وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا *}[النِّسَاء]، وهذه المقامرة ليست من التجارة التي تباح بالتراضي؛ بل هي من الميسر الذي حرمه الله؛ لما فيه من أكل المال بالباطل، ولما فيه من إيقاع الشحناء والعداوة بين الناس - كما قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ *}[المَائدة].
والله المسؤول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر عباده، وأن يعيذنا جميعاً من كل عمل يخالف شرعه؛ إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (19/398)، وفتاوى إسلامية، (4/443، 444)
صور ربوية لبيع التقسيط
لقد لوحظ أن بعض الشركات يأتي إليها الشخص وهو بحاجة إلى شراء أثاث أو سيارة أو منزل أو غير ذلك- وهي غير مملوكة لدى الشركة- فتقوم الشركة بشراء هذه الحاجة ثم بيعها على هذا الشخص بالتقسيط مع أخذ الفوائد عليها . . أو تُكلفه بشرائها ثم تقوم الشركة بتسديد المبلغ حسب الفواتير وتأخذ على هذا الشخص فائدة . . فما الحكم في ذلك ؟(3/98)
من المعلوم أن من استقرض مائة ألف ريال ليوفيها على أقساط مع زيادة (8%) لكل قسط، وتزيد هذه النسبة كلما امتد الأجل أولا تزيد - أن هذا من الربا؛ ربا النسيئة والفضل، وأنه يزداد قبحاً إذا كان كلما امتد الأجل ازدادت النسبة، وهذا من ربا الجاهلية الذي قال الله فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *}[آل عِمرَان].
ومن المعلوم أن التحيّل على هذه المعاملة تحيّل على محارم الله، ومكر وخداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . ومن المعلوم أن التحيّل على محارم الله لا يجعلها حلالاً بمجرد صورة ظاهرها الحلال ومقصودها الحرام . ومن المعلوم أن التحيّل على محارم الله لا يزيدها إلا قبحاً؛ لأن المتحيّل عليها يقع في محذورين:
المحذور الأول: الخداع والمكر والتلاعب بأحكام الله عز وجل.
المحذور الثاني: مفسدة ذلك المحرَّم الذي تحيّل إلى الوصول إليه؛ لأنها قد تحققت بتلك الحيلة . ومن المعلوم أن التحيّل على محارم الله تعالى وقوع فيما ارتكبته اليهود؛ فيكون المتحيّل مشابهاً لهم في ذلك؛ ولهذا جاء في الحديث: "لا تَرْتَكِبُوا ما ارتَكَبَت اليهود؛ فتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بأَدْنَى الحِيَل"(1).
ومن المعلوم للمتأمل المتجرد عن الهوى أن من قال لشخص يريد سيارة: اذهب إلى المعرض وتَخَيَّر السيارة التي تريد وأنا أشتريها من المعرض، ثم أبيعها عليك مؤجلة بأقساط.
__________
(1) …ابن بطة في «إبطال الحيل» ص (47)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وانظر «الإرواء» (1535). وقد حسَّن إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (29/29).(3/99)
أو قال لشخص يريد أرضاً: اذهب إلى المخطط وتخير الأرض التي تريد وأنا أشتريها من المخطط ثم أبيعها عليك مؤجلة بأقساط.
أو قال لشخص يريد أن يعمر عمارة ويحتاج إلى حديد: اذهب إلى المتجر الفلاني وتَخيَّر الحديد الذي يعجبك، وأنا أشتريه ثم أبيعه عليك مؤجلاً بأقساط .
أو قال لشخص يريد أن يعمر عمارة ويحتاج إلى أسمنت: اذهب إلى المتجر الفلاني وتخير الأسمنت الذي تريد، وأنا أشتريه ثم أبيعه عليك مؤجلاً بأقساط .
أقول: من المعلوم للمتأمل المنصف المتجرد عن هوى النفس أن التعامل على هذا الوجه من التحيّل على الربا؛ وذلك لأن التاجر الذي اشترى السلعة لم يقصد شراءها، ولم يكن ذلك يدور في فكره، ولم يكن اشتراها لطالبها من أجل الإحسان المحض إليه، وإنما اشتراها من أجل الزيادة التي يحصل عليها منه في مقابلة التأجيل؛ ولهذا كلما امتد الأجل كثرت الزيادة، فهو في الحقيقة كقول القائل: أقرضك ثمن هذه الأشياء بزيادة ربوية مقابل التأجيل، ولكنه أدخل بينهما سلعة؛ كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سئل عن رجل باع من رجل حَرِيرةً بمائة ثم اشتراها بخمسين ؟ فقال: دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة(1).
قال ابن القيم رحمه الله - [5/103 من تهذيب السنن]-: (وهذا الربا تحريمه تابع لمعناه وحقيقته، فلا يزول بتبدل الاسم بصورة البيع). اهـ .
__________
(1) …انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (3/166)، و«حاشيته على سنن أبي داود» (9/241).(3/100)
وأنت لو قارنت مسألة العِينَة بهذه المسألة لوجدت هذه المسألة أقرب إلى التحيّل على الربا من مسألة العينة في بعض صورها؛ فإن العينة كما قال الفقهاء: أن يبيع سلعة على شخص بثمن مؤجل ثم يشتريها منه نقداً بأقل؛ مع أن البائع قد لا ينوي حين بيعها أن يشتريها، ومع ذلك يحرم عليه . ولا يبرر هذه المعاملة قول البائع المتحيّل: أنا لا أجبره على أخذ السلعة التي اشتريتها له؛ وذلك لأنه من المعلوم أن المشتري لم يطلبها إلا لحاجته إليها، وأنه لن يرجع عن شرائه . ولم نسمع أن أحداً من الناس الذين يشترون هذه السلع على هذا الوجه رجع عن شرائه؛ لأن التاجر المتحيّل قد احتاط لنفسه، وهو يعلم أن المشتري لن يرجع؛ اللهم إلا أن يجد في السلعة عيباً أو نقصاً في المواصفات .
- فإن قيل: إذا كانت هذه المعاملة من التحيّل على الربا؛ فهل من طريق تحصل به مصلحة هذه المعاملة بدون تحيل على الربا ؟
- الجواب: إن الله تعالى بحكمته ورحمته لم يغلق عن عباده أبواب المصالح؛ فإنه إذا حرم عليهم شيئاً من أجل ضرره فتح لهم أبواباً تشتمل على المصالح بدون ضرر .
والطريق للسلامة من هذه المعاملة: أن تكون السلع موجودة عند التاجر فيبيعها على المشترين بثمن مؤجل، ولو بزيادة على الثمن الحال . ولا أظن التاجر الكبير يعجزه أن يشتري السلع التي يرى إقبال الناس عليها كثيراً لبيعها إياهم بالثمن الذي يختاره، فيحصل له ما يريد من الربح، مع السلامة من التحيل على الربا، وربما يحصل له الثواب في الآخرة إذا قصد بذلك التيسير على العاجزين عن الثمن الحال؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"(1).
__________
(1) …البخاري (1)، ومسلم (1907).(3/101)
وما ذكره السائل من كون الشركة تكلف المشتري بشراء السلعة التي يريدها؛ فإن كانت تريد أن يكون وكيلاً عنها في ذلك فهذه هي المسألة التي تكلمنا عنها، وإن كانت تريد أن يشتريها لنفسه فهذا قرض جر نفعاً، ولا إشكال في أنه ربا صريح.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى معاصرة، ص (47- 52)
عقد فاسد لبيع التقسيط
إحدى الشركات تقوم بشراء الأثاث ومواد البناء لمن يريد؛ يذهب الزبون إلى الشركة ويحدد الأثاث الذي يريده أو مواد البناء. يدفع الزبون دفعة أولى مثل تقسيط السيارات، وبقية المبلغ المؤجل يتم تسديده على أقساط شهرية مع نسبة زيادة تصل إلى (10%) للشركة، فتعطي الشركة للزبون أمر استلام ليذهب إلى محل الأثاث فيستلم أثاثه بنفسه، وتسديد المبلغ المؤجل يكون للشركة التي قامت بالتقسيط؛ فما الحكم ؟
ليس للشركة أن تبيع الأثاث ولا غيره من المنقولات إلا بعد أن يتم البيع وتقبض المبيع إلى حوزتها وتنقله من ملك البائع إلى مكان آخر، ثم يتم البيع بعد ذلك. أما دفع العربون للشركة قبل ذلك فلا يجوز. وليس لها أن تبيع شيئاً إلا بعد أن تحوزه وتنقله من مكان البائع إلى مكان آخر، والله ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (19/9، 10)
كيفية التعامل مع شركات التقسيط
نقرأ كثيرًا عن شركات التقسيط في الصحف ونسمع عنها من الناس . . هل يجوز التعامل مع هذه الشركات والاستفادة من خدماتها ؟
لا بد أن نعرف ما المقصود بشركات التقسيط: هل هو يريد البيع بالتقسيط أم ماذا ؟ فإذا كان يريد البيع بالتقسيط فإن البيع إلى أجل - جائز بظاهر القرآن وصريح السنة .(3/102)
ففي القرآن يقول الله تعالى: {وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا}[البَقَرَة، من الآية: 282]، وهو جائز - أعني البيع المؤجل - بصريح السنة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى رجل قدم له بَزٌّ(1) من الشام أن يبيع عليه ثوبَيْن إلى مَيْسَرة(2).. وفي الصحيحين وغيرهما: من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ؛ فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ(3).
لكن سمعنا أن بعض الناس يبيع ما لا يملكه بعد علمه بطلب المشتري له؛ مثل: أن يأتي شخص إلى تاجر فيقول له: أنا أريد السلعة الفلانية وليس عندي ثمنها، فيذهب التاجر ويشتريها من صاحبها ثم يبيعها إلى هذا الطالب بثمن مؤجل أكثر مما اشتراها به. ولا شك أن هذا حيلة على الربا واضحة جدًا؛ فإن هذا التاجر لم يشترِ السلعة رغبة فيها ولا اشتراها لنفسه، وإنما المقصود التوصل إلى الربح الذي سوف يعطيه إياه المشتري، وهو ما سيكون فرقًا بين النقد وبيع المؤجل .
__________
(1) …البَزُّ: نوع من الثياب.
(2) …أحمد (6/147)، والترمذي في البيوع (1213) وقال: «حسن صحيح غريب»، والنسائي (4628)، والحاكم 2/23، 24 (2207، 2208) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) …البخاري (2239 - 2241)، ومسلم (1604) .(3/103)
ويعمد بعض الناس أحيانًا إلى أن يقول: أربح عليك مثلاً (8%) وفي السنة الثانية (10%) وفي السنة الثالثة (15%) وهكذا تزداد إضافة الربا كلما ازداد الزمن أو كلما تأخر التسديد .. هذه دلالة ظاهرة جدًا على أن مراد هذا التاجر هو الربا فقط .
والعاقل إذا تأمل ذلك يجد أن هذه الحيلة أقرب إلى الربا من العِينَة التي حذر منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والعينة: أن يبيع شيئًا بثمن مؤجل ثم بثمن يشتريه بأقل منه نقدًا من الذي باعه عليه .
وقد يكون هذا البائع - أعني البائع الأول - حين بيعه لا يخطر بباله أنه سيشتريها ممن اشتراها منه، والمشتري لا يخطر بباله أنه سيبيعها ثم بعد ذلك يعدل عنها ويعرضها في السوق، فلا يحل لبائعها الأول أن يشتريها بأقل مما باعها به . وهذا من العينة التي حذر منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ: سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"(1).
ومعلوم أن الحيلة في بيع التقسيط الذي ذكرته آنفًا أقرب بكثير من الحيلة في مسألة العينة . وعلى هذا فإني أقدم النصيحة لإخواني البائعين والمشترين عن هذه المعاملة التي لا ينالون بها إلا نزع البركة في بيعهم.. وقال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ *}[البَقَرَة].
__________
(1) …أبو داود (3462) واللفظ له، وأحمد (2/42، 84)، وأبو يعلى (5659)، والبيهقي في «الكبرى» (10484). وله طرق يتقوى بها، انظر: «حاشية ابن القيم على أبي داود» 9/245، وكذا (السلسلة الصحيحة رقم 11 ) .(3/104)
ثم إن هذه المعاملة فيها مفسدة من الناحية الاقتصادية؛ لأنها لسهولتها يقدم عليها الفقراء ويتجشمون الدَّيْن، ويشغلون ذممهم بهذه الديون التي تتركب عليهم، وربما يأتي الزمن الذي يعجزون فيه عن التسديد، فحينئذ تقع المشكلات والنزاعات بين البائع والمشتري، وربما تصل الحال إلى الإفلاس، فيكون هذا البائع الذي قصد الربا من هذه المعاملة خاسراً دنياً وأخرى . إن نصيحتي لإخواني المسلمين: أن يتقوا الله عز وجل وأن يُجملوا في الطلب .. فإنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها.
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/55 - 58)
حكم مقاهي الإنترنت
انتشر في هذه الأيام ما يسمى بمقاهي الانترنت؛ وهي عبارة عن محلات يوجد فيها أجهزة للحاسب الآلي يقوم صاحب المحل بتأجيرها بالساعة مثلا للزبائن، حيث يدخلون من خلالها على الإنترنت. ومع كونها قد يستفيد منها بعض الزبائن الذين لا يستطيعون الاشتراك في الخدمة؛ إلا أن كثيراً من الشباب جعلوها وسيلة للدخول إلى بعض المواقع السيئة.
نرجو من فضيلتكم في ضوء ما سبق توجيه كلمة حول حكم الاتجار في هذه المقاهي، وحكم تأجير المحلات لمن يفتحونها، وحكم التردد عليها وضوابط ذلك، وجزاكم الله خيراً .
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. وبعد:(3/105)
فالواجب على أصحاب هذه المقاهي وأصحاب هذه الأجهزة صيانتها وحفظها عن الفساد والمفسدين والابتعاد عن كل سوء وعمل سيئ، ولا شك أن هذه الأجهزة سلاح ذوحدين، ولكن المشاهد أن الفساد والشر فيها أكثر، وأن أغلب الذين يرتادون هذه المقاهي وينظرون فيما تبثه وترسله هذه الأجهزة أنه شر وفساد، وقد رأينا التأثير البليغ والانحراف في هؤلاء الشباب الذين يتلقون ما تبثه أجهزة الإنترنت: من صور خليعة ومقالات فاتنة وشبهات مضللة وحكايات مكذوبة؛ فنصيحتنا لأرباب هذه المقاهي منع هذا الضرب من الاشتراك في التلقي أو في البث، والواجب أن يكون هناك مراقبة شديدة لكل من يرتاد هذه المقاهي حتى يتحفظ عليها ويقتصر أهلها على ما يفيد المسلمين في دينهم ودنياهم، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 24/7/1420هـ
حكم البيع والشراء عن طريق الإنترنت
تتم في هذه الأيام عمليات البيع عن طريق شبكة الإنترنت؛ فما الحكم الشرعي في ذلك ؟ أفتونا مأجورين .
من شروط البيع معرفة الثمن ومعرفة المبيع، حتى تزول الجهالة عن العوض والمعوض؛ فإن الجهالة تسبب الخلافات والمنازعات مما يكون له الأثر الظاهر في وقوع العداوات بين المسلمين والتهاجر والتقاطع والتدابر الذي نهى الله تعالى عنه وحذر منه. وحيث إن معرفة السلع يتوقف تحققها على الرؤية أو الصفة الواضحة فنرى أنها لا تتبين إلا بالمقابلة والمشافهة ومشاهدة المبيع ومعرفة منفعته ونوعيته، وقد لا يحصل ذلك على التمام إذا كان التعاقد بواسطة الشاشات أو المكالمات التي يقع فيها التساهل في البيان، والمبالغة في مدح الإنتاج، وفي ذكر محاسن المنتجات؛ كما هو ظاهر في كثير من الإعلانات والدعايات التي تنشر عبر الصحف والمجلات - فإنها لا تتحقق أو أكثرها عند الاستعمال.(3/106)
وعلى كل حال فإذا تحقق شرط البيان والمعرفة للثمن والمثمن، وزالت الجهالة - فإنه يجوز التعامل والتعاقد بيعاً وشراء بواسطة الهاتف وبواسطة الشاشة أو الإنترنت أو غيرها من الوسائل التي يستفاد منها، وتؤمن المفسدة والغرر والاستبداد بالمصالح واكتساب الأموال بغير حق، فإذا أضيف شيء من هذه المحاذير لم تجز المبايعة بهذه الوسائل؛ فكم حدث بسببها من الخسارات الفادحة وإفلاس الكثير من ذوي الأموال الطائلة، مع ما يحصل بعدها من المنازعات والمخاصمات التي انشغل بحلها القضاة والحكام. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 24/7/1420هـ
حكم بيع الأسهم وشرائها عبر الإنترنت
يتم عبر شبكة الإنترنت تداول أسهم الشركات التجارية بيعاً وشراء .. فما الحكم الشرعي في ذلك ؟(3/107)
الشركات الإسلامية جائزة ومباحة؛ سواء أكانت تجارية أو صناعية أو زراعية أو معمارية أو نحوها، وقد ذكر الفقهاء للشركة خمسة أنواع وهي: شركة العنان، وشركة المضاربة، وشركة الأبدان، وشركة الوجوه، وشركة المفاوضة؛ فإذا كانت الشركة قد وضعت رأس مالها في سلع تعرض للبيع والشراء وتلك السلع مما يباح التعامل فيها - جاز بيع الأسهم فيها؛ إذا كان رأس المال معروفاً ومقدار السهم المبيع محدداً؛ فيجوز لمالكه أن يقول للمشتري: بعتك نصيبي من هذه الشركة الذي يمثل نصفها أو عشرها أو ربع العشر أو عشر العشر أو نحو ذلك، فيقوم المشتري مقام البائع متى صفيت الشركة أخذ رأس مال البائع وقسطه من الربح، وهكذا يقال في الشركات الصناعية إذا جعل رأس المال في معدات وأدوات تستعمل في الإنتاج وتسويق ما ينتجونه؛ فللمساهم أن يبيع نصيبه كله أو بعضه بثمن معلوم يتم قبضه بمجلس العقد أو قبض سنده، حتى لا يكون بيع كالِئ بكالئ. وإذا كان للشركة رصيد من النقود فالأولى عدم بيعه؛ لئلا يبيع نقداً وسلعاً بنقد؛ وهي مسألة (مُدّ عَجْوَة)(1) إلا أن يكون يسيراً فيدخل تبعاً، ولا بأس ببيع الأسهم المذكورة بواسطة الأجهزة الجديدة كالهاتف والإنترنت إذا تحقق الإيجاب والقبول متواليين، فإن اختل التوالي أو كان القبول مخالفاً للإيجاب أو حصلت جهالة في مقدار المبيع أو لم يحصل قبض العوض أو سنده حال التعاقد، أو كانت الأسهم ربوية كأسهم بعض البنوك - فإن هذا البيع لا يجوز؛ سواء بواسطة الإنترنت أوالمشافهة أو الهاتف أو غير ذلك. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 24/7/1420هـ
حكم بيع ما قد يستعمل في مُحرَّم
__________
(1) …وهو أن يبيع مُدَّ عَجْوَةٍ ودِينَارًا بِدِينَارَيْنِ مثلاً.(3/108)
إن والدي يعمل في العراق، ويرسل لنا المصروف وبجانب المصروف يرسل لنا علب أمواس حلاقة لنبيعها، ونصرف من ثمنها؛ وذلك لأن هذا الأمر أفضل من ناحية التغير للعملات، ونظراً لأن هذه الأمواس غالباً ما تستخدم في حلق اللحية، ونادراً ما تستخدم في الشارب والعانة، نظراً لذلك فقد داخلني الشك: هل هي حلال أم حرام؛ أي : هل بيعها يجوز أم لا ؟ وماذا نفعل بثمنها ؟ وإذا كان الأهل مصرين على بيعها فما يكون موقفي ؟
لا يحرم عليكم بيعها والانتفاع بثمنها؛ ولكن يحرم على من كانت في حوزته أن يستعملها في محرم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (13/30،31)
حكم بيع الحيوانات المحنَّطة واقتنائها
برز في الآونة الأخيرة ظاهرة بيع الحيوانات والطيور المحنطة؛ فنأمل من سماحتكم بعد الاطلاع إفتاؤنا عن حكم اقتناء الحيوانات والطيور المحنطة، وما حكم بيع ما ذكر ؟ وهل هناك فرق بين ما يحرم اقتناؤه حيًّا وما يجوز اقتناؤه حيًّا في حالة التحنيط ؟ وما الذي ينبغي على المحتسب حيال تلك الظاهرة ؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
اقتناء الطيور والحيوانات المحنطة - سواء ما يحرم اقتناؤه حيًا أو ما جاز اقتناؤه حيًا - فيه إضاعة للمال وإسراف وتبذير في نفقات التحنيط؛ وقد نهى الله عن الإسراف والتبذير، ونَهَى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعةِ المال(1)؛ ولأن ذلك وسيلة إلى تصوير الطيور وغيرها من ذوات الأرواح، وتعليقها ونصبها في البيوت أو المكاتب وغيرها وذلك محرم؛ فلا يجوز بيعها ولا اقتناؤها. وعلى المحتسب أن يبين للناس أنها محرمة، وأن يمنع ظاهرة تداولها في الأسواق .
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، (1/493)
حكم شرب الدخان وبيعه (للشيخ ابن باز)
__________
(1) …البخاري (1477)، ومسلم (1715).(3/109)
ما حكم شرب الدخان ؟ وهل هو حرام أم مكروه ؟ وما حكم بيعه والاتجار فيه ؟
الدخان محرَّم؛ لكونه خبيثاً ومشتملاً على أضرار كثيرة، والله سبحانه وتعالى إنما أباح لعباده الطيبات من المطاعم والمشارب وغيرها، وحرم عليهم الخبائث ... قال الله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المَائدة، من الآية: 4]، وقال سبحانه في وصف نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في سورة الأعراف: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعرَاف، من الآية: 157]، والدخان بأنواعه كلها ليس من الطيبات؛ بل هو من الخبائث، وهكذا جميع المسكرات كلها من الخبائث.
والدخان لا يجوز شربه ولا بيعه ولا التجارة فيه كالخمر . والواجب على من كان يشربه أو يتجر فيه البدار بالتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، والندم على ما مضى، والعزم على ألا يعود في ذلك، ومن تاب صادقاً تاب الله عليه - كما قال عز وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النُّور، من الآية: 31]، وقال سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى *}[طه].
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة، ص (236)
حكم شرب الدخان وبيعه (للشيخ ابن عثيمين)
ما حكم شرب الدخان أو بيعه ؟(3/110)
شرب الدخان محرّم، وكذلك بيعه وشراؤه وتأجير المحلات لمن يبيعه؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان. ودليل تحريمه قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النِّسَاء، من الآية: 5]؛ ووجه الدلالة من ذلك: أن الله تعالى نهى عن أن نؤتي السفهاء أموالنا؛ لأن السفيه يتصرف فيها بما لا ينفع. وبيّن سبحانه وتعالى أن هذه الأموال قيام للناس لمصالح دينهم ودنياهم، وصرفها في الدخان ليس من مصالح الدين ولا من مصالح الدنيا؛ فيكون صرفها في ذلك منافياً لما جعله الله تعالى لعباده. ومن أدلة تحريمه قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 29]، ووجه الدلالة من الآية: أنه قد ثبت في الطب أن شرب الدخان سبب لأمراض مستعصية تؤول بصاحبها إلى الموت؛ مثل: السرطان، فيكون متناولها قد أتى سبباً لهلاكه. ومن أدلة تحريمه قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعرَاف، من الآية: 31]، ووجه الدلالة من هذه الآية: أنه إذا كان الله قد نهى عن الاسراف في المباحات - وهو مجاوزة الحد فيها - فإن النهي عن صرف المال في أمر لا ينفع يكون من باب أولى. ومن أدلة تحريمه: نَهْيُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعةِ المال(1)؛ ولا شك أن صرف المال في شراء هذا الدخان إضاعة له؛ لأنه إذا صرف المال في ما لا فائدة منه فهذه إضاعة بلا شك. وهناك أدلة أخرى، والعاقل يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أما النظر الصحيح الدال على تحريمه: فهو أن كل عاقل لا يمكنه أن يتناول شيئاً يكون سبباً لضرره ومرضه ويستلزم نفاذ ماله في صرفه فيه؛ لأن العاقل لابد أن يحافظ على بدنه وعلى ماله، ولا يهمل ذلك إلا من كان ناقصاً في عقله وتفكيره.
__________
(1) …البخاري (1477)، ومسلم (1715).(3/111)
ومن الأدلة النظرية على تحريمه أيضاً: أن شارب الدخان إذا فقده ضاق صدره وكثرت عليه البلابل والأفكار ولا ينشرح صدره إلا بالعودة إلى شربه. ومن الأدلة النظرية على تحريمه أيضاً: أن شارب الدخان يستثقل الصوم جداً؛ لأنه حرمان له من شربه من بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا قد يكون في أيام الصيف الطويلة فيكون الصوم لديه مكروهاً؛ وحينئذ فإنني أوجه النصيحة لإخواني المسلمين والمبتلين به خصوصاً بالتحذير منه: بيعاً، وشراء، وشرباً، وتأجير المحلات من أجل بيعه فيها، ومعونةً عليه من أي وجه كان.
الشيخ ابن عثيمين - من كتاب أسئلة مهمة - ص (16) حكم بيع الكحول وشرائه
هل يجوز شراء الكحول (وهو مسكر) لاستعماله فيما هو إتلاف له؛ كاستعماله كوقود أو في بعض الصناعات ؟ وهل يجوز بيعه لمن تيقن أنه يريده لهذا الغرض ؟
بيع الخمر أو أي مسكر حرام، وواجب على من لديه شيء من ذلك إتلافه، وعدم بيعه؛ لعموم قول الله سبحانه: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (13/53)
حكم استعمال العطور الكحولية والمتاجرة بها
لقد لمسنا فيك تحري الصدق في فتواك وقول الحق، ولذلك نرجو توضيح تلك المسألتين؛ لأنه قد وجدنا فيهما اختلافاً بين الإباحة والتحريم، ولكثرة تعرض المسلمين لهما. ولكم جزيل الشكر:
أ - التجارة في العطور الكحولية واستعمالها؛ إذا كانت نسبة الكحول كبيرة أو بسيطة جداً .
ب - وكذا تجارة المصاحف .(3/112)
أولاً: إذا كانت نسبة الكحول بالعطور بلغت درجة الإسكار بشرب الكثير من تلك العطور؛ فالشرب من تلك العطور مُحرَّم، والاتجار فيها محرم، وكذا سائر أنواع الانتفاع؛ لأنها خمر، سواء كثر أم قل، وإن لم يبلغ المخلوط من العطور بالكحول درجة الإسكار بشرب الكثير منه - جاز استعماله والاتجار فيه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَام"(1).
ثانياً: الاتجار في المصحف جائز؛ لما فيه من التعاون على الخير، وتيسير الطريق للحصول على المصاحف، وحفظ القرآن أو قراءته نظراً، والبلاغ وإقامة الحجة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (13/54، 55)
حكم التجارة بأشرطة الفيديو
ما حكم تجارة أشرطة الفيديو .. التي أقل ما فيها أن تظهر فيها النساء سافرات .. وتمثل فيها قصص الغرام والهيام ؟ وهل مال التاجر حرام ؟ وماذا يجب عليه ؟ وكيف يتخلص من هذه الأشرطة والأجهزة ؟ وجزاكم الله خيراً .
هذه الأشرطة يحرم بيعها واقتناؤها و سماع ما فيها والنظر إليها لكونها تدعو إلى الفتنة والفساد، والواجب إتلافها والإنكار على من تعاطاها حسماً لمادة الفساد، وصيانة للمسلمين من أسباب الفتنة . والله ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة/ العدد (1045)
حكم أخذ الأجرة على لِقَاح الخيل
__________
(1) …أحمد (2/91، 167، 179)، وَ (3/112)، وأبو داوود (3681)، والترمذي (1865)، وقال: «حديث حسن غريب من حديث جابر»، والنسائي (5607)، وابن ماجه (3392 - 3394)، وغيرهم عن جماعة من الصحابة. وقال الألباني في «صحيح أبي داود» (3128): «حسن صحيح».(3/113)
ما حكم تلقيح الخيل مقابل أجرة يتقاضاها صاحب الخيل ؟ وما حكم بيع الحيوانات المنوية للخيل ؟ كل ذلك من أجل تكثير نسل الخيول الأصيلة، علماً أن أجرة التلقيح أو قيمة بيع الحيوانات المنوية تتراوح عالمياً بين ألف ريال وقد تصل إلى المليوني ريال ؟
لا يجوز أخذ الأجرة على ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن عَسْبِ الفَحْلِ(1)، أي: نهى عن بيع ضِرَابِ الفحل، كأن يقول صاحبه: (كل أنثى يَنْزُو عليها فأجرتها كذا)؛ سواء كان الفحل من الإبل أو الغنم أو البقر أو الخيل؛ وذلك لأنه ليس مقدوراً عليه، فإنه يرجع إلى شهوة الفحل، ولكن إذا أهداه صاحب الخيل شيئاً من الهدية بعد التلقيح - جاز لصاحب الفحل قبول تلك الهدية(2). وأما بيع الحيوانات المنوية على أهل الخيول فقد يجوز ذلك إذا كان نافعاً ومؤثراً، وكان القصد تكثير نسل الخيول الأصيلة، ولكن ينبغي أن تكون القيمة معتادة دون التشدد في رفع قيمة تلك الحيوانات المنوية؛ لأنها رخيصة على أهلها، وليس عليهم نقص في ذهابها. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 2/9/1424هـ
الفصل الثاني
الربا والصرف
تحريم المساهمة في البنوك الربوية والإيداع فيها بربا
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز؛ إلى من يراه من إخواننا المسلمين، وفقني الله وإياهم لسلوك صراطه المستقيم، وجنبنا جميعاً طريق المغضوب عليهم والضالين . آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد :
__________
(1) …البخاري (2284). وأخرجه مسلم (1565) بلفظ: «نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بَيْعِ ضِرَابِ الجَمَلِ».
(2) …انظر: «سنن الترمذي» (1274)، والطبراني في «الصغير» (1032)، و«الأوسط» (5994).(3/114)
فقد كثرت الدعايات للمساهمة في البنوك الربوية في الصحف المحلية والأجنبية وإغراء الناس بإيداع أموالهم فيها مقابل فوائد ربوية صريحة معلنة، كما تقوم بعض الصحف بنشر فتاوى لبعض الناس تجيز التعامل مع البنوك الربوية بفوائد محددة . وهذا أمر خطير؛ لأن فيه معصية لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومخالفة لأمره .. والله سبحانه وتعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النُّور، من الآية: 63]. ومن المعلوم من الدين بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة: أن الفوائد المعينة التي يأخذها أرباب الأموال مقابل مساهمتهم أو إيداعهم في البنوك الربوية حرام سُحت، وهي من الربا الذي حرمه الله ورسوله، ومن كبائر الذنوب، ومما يمحق البركة، ويغضب الرب عز وجل، ويسبب عدم قبول العمل .. وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ . وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ . ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ. وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"(1).
__________
(1) …مسلم (1015) .(3/115)
وليعلم كل مسلم أنه مسؤول أمام ربه عن ماله: من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ ففي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ"(1).
__________
(1) …الترمذي (2416) بنحوه؛ من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، و(2417) بنحوه، من حديث أبي برزة رضي الله عنه . وقال في الموضع الثاني: «حسن صحيح». وقد حسَّن الألباني حديث ابن مسعود، وصحَّح حديث أبي برزة رضي الله عنه؛ كما في «صحيح سنن الترمذي» (1969، 1970).(3/116)
واعلم يا عبدالله - وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه - أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب التي جاء تحريمها مغلّظاً في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بجميع أشكاله وأنواعه ومسمّياته؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *}[آل عِمرَان]، وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}[الرُّوم، من الآية: 39]، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ *}[البَقَرَة]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ *}[البَقَرَة]، فما أعظم جريمة من حارب الله ورسوله ؟! نسأل الله العافية من ذلك .(3/117)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ" (1)، وفي صحيح مسلم: عن جابر رضي الله عنه قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ"(2). فهذه بعض الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - التي تبين تحريم الربا وخطره على الفرد والأمة، وأن من تعامل به وتعاطاه فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وقد أصبح محارباً لله ولرسوله .
فنصيحتي لكل مسلم يريد الله والدار الآخرة: أن يتقي الله سبحانه وتعالى في نفسه وماله، وأن يكتفي بما أباحه الله ورسوله، وأن يكف عما حرمه الله ورسوله، ففيما أباح الله كفاية وغنىً عما حرم، وعلى المسلم الناصح لنفسه - الذي يريد لها الخير والنجاة من عذاب الله والفوز برضاه ورحمته - أن يبتعد عن الاشتراك في البنوك الربوية، أو الإيداع فيها بفوائد، أو الاقتراض منها بفوائد؛ لأن المساهمة فيها أو الإيداع فيها بفوائد أو الاقتراض منها بفوائد: كل ذلك من المعاملات الربوية، ومن التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة، من الآية: 2].
__________
(1) …البخاري (2766)، ومسلم (89) .
(2) …مسلم (1598).(3/118)
فاتق الله يا عبدالله وانْجُ بنفسك، ولا تغتر بكثرة البنوك الربوية ولا بكثرة انتشار معاملاتها في كل مكان، ولا بكثرة المتعاملين معها؛ فإن ذلك ليس دليلاً على إباحتها، وإنما هو دليل على كثرة الإعراض عن أمر الله، ومخالفة شرعه . والله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَْرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنعَام، من الآية: 116]. ومع الأسف الشديد أن كثيراً من الناس لما أنعم الله عليهم ووسع عليهم من فضله وأغناهم بكثرة المال أصبحوا لا يهتمون بالعمل بأحكام الإسلام، والاستغناء بما أباح الله لهم عما حرم عليهم، وإنما يهتمون بما يدر عليهم المال من أي طريق كان؛ حلالاً كان أم حراماً، وما ذلك إلا لضعف إيمانهم وقلة خوفهم من ربهم عز وجل؛ وغلبة حب الدنيا على قلوبهم . نسأل الله لنا ولهم السلامة والعافية من كل ما يخالف شرعه المطهر .(3/119)
وهذا الواقع المؤلم لحال كثير من المسلمين: مؤذن بحلول غضب الله ونقمته . وقد قال سبحانه محذراً ومنذراً من شؤم المعاصي والذنوب: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *}[الأنفَال]، وإني أوجه نصيحتي إلى المسؤولين في الصحف المحلية خاصة وفي صحف البلاد الإسلامية عامة: أن يطهروا صحافتهم من نشر كل ما يخالف شرع الله المطهر في أي مجال من مجالات الحياة، كما أوصي الجهات المسؤولة بالتأكيد على رؤساء الصحف بأن لا ينشروا شيئاً فيه مخالفة لدين الله وشرعه . ولا شك أن هذا أمر واجب عليهم، وسيسألون عنه أمام الله إذا قصروا فيه، كما أوصي إخواني المسلمين عامة أن يتقوا الله تبارك وتعالى، ويتمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن يكتفوا بما أحلّه الله، ويحذروا ما حرمه الله، ولا يغتروا بما قد يكتب أو ينشر من فتاوى أو مقالات تجيز المساهمة في البنوك الربوية أو الإيداع فيها بفوائد، أو تقلل من سوء عاقبة ذلك؛ لأن هذه الفتاوى والمقالات لم تبن على أدلة شرعية: لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هي آراء الرجال وتأولاتهم، نسأل الله لنا ولهم الهداية والعافية من مضلات الفتن .
والله المسؤول أن يوفق المسلمين عامة، وولاة أمورهم خاصة للعمل بكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتحكيم شرع الله في جميع شؤونهم الخاصة والعامة، وأن يأخذ بنواصيهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأن يجنب الجميع طريق المغضوب عليهم والضالين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (19/137)
حكم أسهم البنوك والعمل فيها(3/120)
ينشر في هذه الأيام في وسائل الإعلام للاكتتاب في أسهم بنك الرياض .. فهل تجوز المساهمة فيها ؟ وما هو دور العلماء والدعاة والخطباء حيال هذا الأمر ؟ وما هو رأي فضيلتكم في العمل في بنك الرياض وغيره من البنوك التي تتعامل بالفوائد ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
المعروف أن البنوك تقوم أساساً على الربا؛ بأن تعطي - مثلاً- ألفاً وتأخذ ألفاً ومائتين، أو تأخذ ألفاً وتعطي ألفاً ومائتين؛ فتكون آكلة للربا ومُوكِلة له . وإن كانت قد يكون لها معاملات أخرى غير ربوية - لكن الأساس قيامها على الربا، هذا هو المعروف، وبناء على ذلك لا تحل المساهمة فيها؛ لقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ *}[البَقَرَة]؛ ففي هذه الآية الكريمة التصريح بأن الربا حرام؛ حرّمه الله الذي له الملك، وله وحده الحكم، وإلى شرعه التحاكم. وقد بين الله تعالى في آية أخرى بعد هذه الآية: أن أخذ الربا إعلان حرب على الله والرسول؛ فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ *}[البَقَرَة]، وفي صحيح مسلم: عن جابر ابن عبدالله رضي الله عنه(3/121)
قال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ (1)، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، هكذا فسره أهل العلم . وفي الآيتين الكريمتين والحديث ما يدل دلالة صريحة على أن الربا من كبائر الذنوب، وفي الحديث ما يدل على أن المعين عليه بكتابة أو شهادة داخل في لعنة الله، مساوٍ لآكله وموكله في ذلك. وبه يتبيّن حكم العمل في أي مجال يكون به إثبات الربا بكتابة أو شهادة .
وأما دور العلماء والدعاة حيال هذا الأمر وغيره مما يخفى على المسلمين وتدعو الحاجة إلى بيانه والتحذير منه - فواجب كبير ومسؤولية عظيمة؛ لأن الله حمَّلهم العلم ليقوموا ببيانه للناس . نسأل الله أن يعيننا وإخواننا على مافيه صلاح العباد في المعاش والمعاد .
الشيخ ابن عثيمين - كتبه في 9/7/1412هـ
كيفية التخلص من أسهم البنوك الربوية
عند أبي (30) سهماً من أسهم البنك، وعندما علمنا أنه بنك ربوي قام أحد إخواني بتوجيه النصح له، وأنها حرام، فقال: إذاً قوموا ببيعها . وبعد وفاته وجدنا الأسهم كما هي . وكان يريد بيعها في حياته، وكانت الأسهم قد تضاعفت فأصبحت (60) .. فالسؤال: هل يلحقه إثم في ذلك - رحمه الله تعالى - ؟
عفا الله عنه، ولعله لا يلحقه إثم؛ وذلك لأنه عزم على التخلي منها في حياته، ولم يستطع، ولعله لعذر حصل أو مانع وجد، وعليكم بيع الأسهم، والصدقة(2) بجزء من الربح، ولو عشرة فى المائة أو عشرين للتخلص من الربا الذي فيها، واقتسموا الباقي .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين من فتاوى، ص (196)
حكم أخذ الربا لصرفه في أوجه الخير
شاب يدرس في أمريكا ويضع أمواله اضطراراً في بنوك ربوية، ولذا فالبنك يعطيه فائدة؛ فهل له أن يأخذها ويصرفها على أوجه الخير ؟ لأنه إن لم يأخذها فسيستفيد البنك منها .
__________
(1) …مسلم (1598).
(2) …بنية التخلص منها لا بنية الصدقة.(3/122)
أولاً: أقول لا يجوز للإنسان أن يضع ماله في تلك البنوك؛ لأن هذه البنوك إذا أخذت المال فسوف تنتفع به، وتتجر به، ومعلوم أنه لا ينبغي أن نسلط الكفار على أموالنا يكتسبون من ورائها، فإن دعت الضرورة الى ذلك بحيث يخشى الإنسان على ماله أن يسرق أو ينهب، بل ربما أن يخشى على نفسه أن يقتل ليؤخذ ماله - فلا بأس أن يضعها في هذه البنوك للضرورة، ولكن إذا وضعها للضرورة فلا يجوز أن يأخذ شيئاً في مقابل هذا الوضع، ويحرم عليه أن يأخذ شيئاً؛ لأنه إذا أخذ شيئاً فإنه يكون ربا، وإذا كان ربا فقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ *} [سورة البقرة]، والآية صريحة وواضحة بألا نأخذ شيئاً منها .
…وخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة في أكبر جمع للمسلمين، وقال: "ألا وإنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ" - أي مُهْدَر، فالربا الذي تم عقده قبل الإسلام وضعه النبي - صلى الله عليه وسلم -: - "وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا: رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ"(1).
… فإن قلت: إنك إذا لم تأخذه سلطت هؤلاء القوم على مالك فأخذوه وجعلوه في الكنائس، وفي المعدات الحربية التي يقاتلون بها المسلمين.
…فالجواب: أنني إذا امتثلت أمر الله بترك الربا فما ينتج عن ذلك ليس من عملي، فأنا مأمور ومطالب بامتثال أمر الله عز وجل، وإذا نتج عن ذلك مفاسد فليس من شغلي، فعندي أمر مقدم من الله: {اتَّقُوا...} [سورة البقرة، من الآية: 278].
ثانياً: نقول: هل هذه الفائدة التي أعطيتها .. هل هي من مالي ؟
__________
(1) …مسلم (1218).(3/123)
…الجواب: إنها ليست من مالي؛ لأنه من الجائز أن يعملوا بمالي فيتجروا به فيخسروا، فليست هذه الفائدة التي أعطيتها ليست نماء ملكي بالتأكيد، بل قد يربحونها، أو يربحون أكثر منها، أو لا يربحون شيئاً من مالي، فلا يقال: إن سلطتهم على شيء من مالي يذهبون به إلى الكنائس، أو إلى شراء الأسلحة ضد المسلمين .
ثالثاً: أن نقول: إن في أخذ هذا وقوع(1) فيما يقر به الإنسان أنه ربا؛ لأن هذا الرجل سيقر يوم القيامة أمام الله بأنه ربا، فإذا كان ربا فهل يمكن الإنسان أن يعلل الشيء بالمصلحة مع اعتقاده بأنه ربا ؟ الجواب: لا؛ لأنه لا قياس في مقابلة النّص .
رابعاً: وهل من المؤكد أن يصرفوا هذه الفائدة إلى ما ذكرت من مصالح الكنائس أو إلى المعدات الحربية ضد المسلمين ؟
…الجواب: أنه ليس من المؤكد ذلك . إذن .. فإذا أخذناه فإننا نكون قد وقعنا في محظور محقق اتقاء مفسدة موهومة، والعقل يمنع من ذلك؛ أي: يمنع أن يرتكب الإنسان مفسدة محققة لدفع مفسدة موهومة قد تكون، أو لا تكون؛ إذ من الجائز أن البنك يأخذ هذه الفائدة لمصلحته هو، ومن الجائز أن موظفي البنك يأخذونها لمصلحتهم هم أنفسهم، وليس من المؤكد أن تذهب إلى الكنائس أو المعدات الحربية ضد المسلمين .
__________
(1) …وكذا في الأصل المطبوع، والظاهر أن كلمة (وقوع) اسم إن) مؤخر فتكون منصوبة. لكن يصح الرفع بتقدير اسم (إن) ضمير الشأن فتكون (وقوع) خبرها.(3/124)
خامساً: أنك إذا أخذت هذه التي تزعم أنها فائدة بنية أنك سوف تنفقها وتخرجها من ملكك تخلصاً منها؛ فمعنى ذلك أنك لطخت نفسك بالسيئة لتحاول التطهر منها، وهذا ليس منطقاً عقلياً. فنقول: تجنب السيئة أولاً قبل أن تتلطخ بها ثم تحاول أن تتطهر منها. وهل من المعقول أن الإنسان يعرض ثوبه للبول من أجل أن يطهره إذا أصابه البول ؟! أبداً ليس هذا من المعقول؛ ما دمت أنك تعتقد أن هذا حرام وربا ثم تقوم بأخذه والتصدق به والتبرؤ منه؛ فنقول: لا تأخذه أصلاً، ونزِّه نفسك عنه .
سادساً: نقول: إذا أخذه الإنسان بهذه النية فهل هو على يقين من أنه سيغلب نفسه فيتخلص منه بصرفه في صدقات أو في مصالح عامة ؟ كلاّ؛ إذ من الجائز أن يأخذه بهذه النية، لكن إذا قام القلب يفيده(1)، وحدثته نفسه إذا وجد أنها ربطات كبيرة كمليون، أو مائة ألف بأن ينظر في الأمر، فكان في بداية الأمر عازماً، ثم يتحول العزم إلى النظر في الموضوع، وبعد النظر في الموضوع يتحول إلى: إدخاله في الصندوق . فالإنسان لا يأمن على نفسه، فقد يأخذ بهذه النية، ولكن ينتقض العزم عندما يرى هذه الربطات الكثيرة من الفلوس، فيشح ويعجز أن يخرجها .
… ولقد ذكر لي: أن بعض البخلاء في يوم من الأيام صعد على السطح، ووضع أصبعيه في أذنيه، وصاح لجيرانه: أنقذوني، أنقذوني؛ ففزع الجيران، وجاؤوا إليه: ما بالك يا أبا فلان ؟ فقال: لقد عزلت زكاتي عن مالي لأخرجها، لكني وجدتها كثيرة، وقالت لي نفسي: إنه إذا أخذها غيرك نقص مالك فأنقذوني منها .
__________
(1) …هكذا في المطبوع، ولعلها خطأ طباعي، والصحيح: (لكن إذا قام يقلبه بيده).(3/125)
سابعاً: إن أخذ الربا تشبه باليهود الذين ذمهم الله تعالى في قوله:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا *وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا *} [سورة النساء].
ثامناً: إن في أخذ الربا إضراراً وطعناً في المسلمين؛ فإن علماء النصارى وعلماء اليهود يعلمون أن الدين الإسلامي يحرم الربا، فإذا أخذها هذا المسلم قالوا: هاكم: المسلمون كتابهم يحرم عليهم الربا وهم يأخذونه منا، ولا شك أن هذا موطن ضعف بالنسبة للمسلمين، فإن أعداء المسلمين إذا عرفوا أن المسلمين خالفوا دينهم علموا علم اليقين أن هذه نقطة ضعف؛ لأن المعصية لا تؤثر في المسلمين على العاصي فقط؛ بل على الإسلام كله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *} [سورة الأنفال] . وها هم الصحابة رضي الله عنهم وهم حزب الله وجنوده مع أشرف بشر خرج للناس محمد - صلى الله عليه وسلم - - في غزوة أحد حصل منهم معصية واحدة؛ فماذا حصل ؟ الهزيمة بعد النصر؛ قال تعالى: {حَتَّى...} [سورة آل عمران، من الآية: 152 ] أي: حصل ما تكرهون .
فالمعاصي لها تأثير عظيم في تأخر المسلمين، وتسلّط أعدائهم عليهم، وانهزامهم أمامهم، وإذا كان النصر بعد وجوده يذهب بالمعصية، فما بالك بنصر لم يكن ؟!
فأعداء المسلمين يفرحون أن يأخذ المسلمون الربا، وإن كانوا يكرهون أن يأخذوه من جهة أخرى، لكن يفرحون؛ لأن المسلمين إذا وقعوا في المعاصي هزموا .(3/126)
فكل هذه المفاسد الثمانية التي حضرتني الآن، واحد منها يكفي في منع أخذ هذه الفوائد من البنوك، ولا أظن أحداً يتبصر في الأمر ويتدبره تدبراً كاملاً إلا وجد أن القول الصواب في هذه المسألة: إنه لا يجوز أخذه. وهذا الذي أقول به وأفتي به، فإن كان صواباً فمن الله وهو المانّ به، والحمد لله عليه، وإن كان خطأً فإنه مني، ولكن أرجو أن يكون صواباً بما ذكرته من الحكم والأدلة السمعية .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي (3/386-390)
كيفية التخلص من الفائدة الربوية في البنوك الخارجية
رجل أودع مبلغاً من المال في أحد البنوك الخارجية كأمانة ومضى عليها فترة من الزمن، وعندما أراد سحبه من البنك وجد أنه قد زاد المبلغ (أي فوائد مالية) فوق رأسماله الذي أودعه .. فما هو الحكم والتصرف الشرعي بهذه المبالغ الزائدة ؟ هل يصرفها على المحتاجين والمساكين من الأقارب وغيرهم أو يساهم بها في المشاريع الخيرية المختلفة ؟ أفتونا مأجورين جزاكم الله عنا خير الجزاء .
لا شك أن المال هو مال الله يؤتيه من يشاء، ولكنه يكتسب الحرمة بوصف دخوله على الفرد؛ فيكون خبيثاً على من اكتسبه بسرقة أو غصب أو اختلاس أو ربا أو رشوة أو غش أو ثمن خمر أو نحو ذلك، ثم إن التحريم يختص بالمتعامل بذلك؛ أي: الغاصب والمرابي ونحو ذلك، فعلى هذا متى صرفت هذه الأموال في مصارف شرعية حلت وأبيحت. ولذلك كان المسلمون يأخذون الجزية من ثمن الخمور ونحوها؛ قال عمر رضي الله عنه: وَلُّوهم بَيْعَهَا، وخذوا من ثمنها الجزية والخراج(1).
__________
(1) …انظر: «أحكام القرآن» لابن العربي (1/647)، و«الكافي في فقه ابن حنبل» لابن قدامة (4/368)، و«المغني» (4/234 و5/4، 173) . وأخرج الجزء الأول منه: عبدالرزاق في «مصنفه» (9886، 10044).(3/127)
وقد أباح الله لنا الغنائم من الكفار ولو كانت من أثمان الخمور والخنازير والمكوس؛ فعلى هذا فإن الفوائد لا تحل لصاحب المال، ولكن لا يتركها للكفار يستعينون بها على بناء الكنائس وحرب المسلمين؛ بل يصرفها في المساكين والمساجد ووجوه الخير التي تنفع المسلمين؛ لأنها فاءت إلى المسلمين فحَلَّت وذهب خبثها؛ كثمن الخنازير ومهر البغي إذا تابت يصرف في المصالح العامة وعلى المستضعفين والفقراء ونحوهم(1). وقد أفتى بذلك الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله وغيره. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه - في 14/12/1419هـ
حكم الاستثمار المباح في البنوك الربوية
هناك عدد من الصناديق الاستثمارية في البنوك المحلية والتي تقول إنها تعمل وفق الشريعة الإسلامية من خلال تجارة المرابحة؛ حيث يتم شراء سلع غير محرمة شرعاً مثل المعادن، الزيوت النباتية والسيارات وغيرها والمتاجرة فيها، وتساهم في رأس مال الصندوق عدد من الشركات والمؤسسات المحلية والعالمية والتي يغلب على أنشطتها التجارية في المواد غير المحرمة شرعاً كما سبق ذكره .. ما حكم الاشتراك في هذه الصناديق علماً بأنها تأخذ (10%) من الأرباح نظير أتعابها علماً بأنها لا تضمن الربح ؟
__________
(1) …وهذا بالطبع في حال الاضطرار للإيداع في البنوك الربوية بغير قصد الربا، وإلا فالأصل تحريم ذلك؛ لأنه تقوية لهم على حربهم لله ورسوله.(3/128)
استثمر مالك استثماراً شرعياً في غير البنوك؛ لأن البنوك أساساً قائمة على التعامل الربوي فلا يصدقون في قولهم: إنهم يستثمرون الأموال استثماراً شرعياً؛ لأن العبرة بغالب أحوالهم فلا يوثق بهم. كما أن التعامل مع هذه البنوك الربوية فيه تشجيع لهم وإعانة لهم على الاستمرار في معاملاتهم المحرمة، وكل ذلك يشمله النهي المنصوص عليه في قوله الله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة، من الآية: 2].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الفتوى رقم (21406) / في 23/3/1421هـ
حكم العمل في البنوك الربوية (للشيخ ابن عثيمين)
ما حكم العمل في البنوك الربوية ومعاملتها ؟
العمل فيها محرم؛ لأنه إما إعانة على الربا، فإذا كان إعانة على الربا فإنه يكون داخلاً في لعنة المُعِين؛ حيث صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ(1). وإن لم يكن إعانة فهو رضا بهذا العمل وإقرار له، ولا يجوز التوظّف في البنوك التي تتعامل بالربا. وأما وضع الفلوس عندهم للحاجة فلا بأس إذا لم نجد مأمناً سوى هذه البنوك؛ فإنه لا بأس به بشرط: أن لا يأخذ الإنسان منه الربا؛ فإن أخذ الربا فهو حرام .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه، إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/703)
حكم العمل في البنوك الربوية (للشيخ ابن باز)
لي ابن عم يشتغل في البنك موظفاً .. فهل يجوز له التوظف أم لا يجوز ؟ أفتونا جزاكم الله خيراً .. حيث سمعنا من الإخوان أنه لايجوز التوظف في البنك .
__________
(1) …مسلم، (1598).(3/129)
لا يجوز التوظف في البنوك الربوية؛ لأن العمل فيها يدخل في التعاون على الإثم والعدوان .. وقد قال الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة، من الآية: 2]، ومعلوم أن الربا من أكبر الكبائر، فلا يجوز التعاون مع أهله .. وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ(1).
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة، (1/142، 143)
حكم العمل في البنوك الربوية (للجنة الدائمة)
ما حكم الإسلام في العمل بالبنوك التي تتعامل بالربا مثل: بنك مصر، والبنك الأهلي المصري - ج - م - ع .. هل هو جائز - لأنه عمل بالوظائف الحكومية - أو لا ؟
الربا حرام بالكتاب والسنة والإجماع، وهو مما علمت حرمته بالضرورة من دين الإسلام، والعمل بالبنوك التي تتعامل بالربا حرام؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2]، وقد لعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الربا ومُوكِلَهُ وكاتِبه وشاهِدَيْه ، وقال: هُمْ سَوَاء(2).
وتقرير الحكومة له أو ترخيصها بفتح البنوك وإنشائها أو السكوت عن ذلك لا يبيح للمسلم التعامل بالربا، ولا يبيح له العمل فيها؛ لأنها ليس إليها سلطة التشريع، إنما التشريع إلى الله وحده في كتابه العزيز، أو وحيه إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/51)
أسباب تحريم العمل في البنوك الربوية
ما حكم العمل في البنوك الحالية ؟
__________
(1) …مسلم (1598) .
(2) …مسلم (1598) .(3/130)
أكثر المعاملات في البنوك المصرفية الحالية يشتمل على الربا، وهو حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن من أعان آكل الربا وموكله بكتابة له، أو شهادة عليه وما أشبه ذلك؛ كان شريكاً لآكلِهِ في اللعنة والطرد من رحمة الله؛ ففي (صحيح مسلم) وغيره، من حديث جابر رضي الله عنه: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الربا ومُوكِلَهُ وكاتِبَهُ وشاهِدَيْه ، وقال: هم سَوَاء (1)، والذين يعملون في البنوك المصرفية أعوان لأرباب البنوك في إدارة أعمالها: كتابة أو تقييداً أو شهادة، أو نقلاً للأوراق، أو تسليماً للنقود، أو تسلماً لها.. إلى غير ذلك مما فيه إعانة للمرابين، وبهذا يعرف أن عمل الإنسان بالمصارف الحالية حرام. فعلى المسلم أن يتجنب ذلك، وأن يبتغي الكسب من الطرق التي أحلها الله، وهي كثيرة، وليتق الله ربه، ولا يعرض نفسه للعنة الله ورسوله .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/38، 39)
حكم راتب موظف البنك
ما حكم الراتب الذي يأخذه الموظف في البنك ؟
إذا كان البنك غير ربوي؛ فما يأخذه الموظف به من مرتب أو مكافأة، أجراً على عمله - من الكسب الحلال؛ لاستحقاقه إياه مقابل عمل جائز . أما إن كان البنك ربوياً؛ فما يأخذه الموظف من مرتب أو مكافأة أجراً على عمله به - حرام؛ لتعاونه مع أصحاب البنك الربوي على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2]، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن آكل الربا ومُوكِلَهُ وكاتِبَهُ وشاهِدَيْه ؛ وقال: هُمْ سَوَاء (2) رواه مسلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________
(1) …مسلم (1598).
(2) …مسلم (1598) .(3/131)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/52)
حكم العمل بتحصيل الأقساط الربوية
إنني رجل أمن، وأعمل بشرطة العاصمة المقدسة - قسم الحقوق المدنية بمكتب الأقساط، وبحكم عملي في هذا المكتب، فإن كلاً من الدائن والمدين يتفقون على تسديد المبلغ على أقساط شهرية عن طريق هذا المكتب الذي أُعْتَبَرُ أحد موظفيه، والمشكلة هو أن البنوك التجارية مثل: البنك الأهلي، وبنك الرياض وكافة البنوك، تتقدم بشكاوى ضد عملائها، وعند ورود المعاملة تحال إلى قسم البنوك بالحقوق ليتم اتخاذ اللازم، وأكثر الناس يتم الاتفاق بينهم وبين البنك على تسديد المبلغ على أقساط شهرية أو سنوية، وعند ذلك تحال المعاملة إلى مكتبي لاستحصال الأقساط في مواعيدها من المدينين وتسليمها للبنك، وعند تأخره يتم طلبه وتكليفه بالتسديد.
وسؤالي: هل في ما أقوم به محذور شرعي ؟
إذا كانت المعاملة التي ترد إليك بين طرفين دائن وهو البنك التجاري، ومدين وهو فرد مثلاً، وتحققت وجود رباً فيها؛ فلا يجوز لك تسجيل تقسيط الدين بينهما؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/62)
حكم العمل عند مؤسسة تقترض بالربا
ما حكم العمل لدى مؤسسة أو شركة تتعامل مع البنك إيداعاً وسحباً وتأخذ منه قروضاً بالفائدة ؟
لا يجوز العمل بها؛ لما فيه من التعاون على المحرم، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/10)
حكم العمل البعيد عن الربا في مؤسسة ربوية
هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس ؟(3/132)
لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية؛ ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً؛ وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضا بها؛ لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه .
أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك - فهو لا شك أنه مباشر للحرام؛ وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر رضي الله عنه؛ أنه: لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ(1).
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس فتاوى الحرم المكي، (3/369)
حكم العمل حارساً في البنك الربوي
إنه يعمل في أحد البنوك من مدة عشر سنوات، ولقد علم أن العمل في البنوك غير جائز، وهو يعمل حارساً ليلياً، وليس له علاقة في المعاملات؛ هل يستمر في العمل أو يتركه ؟
البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز للمسلم أن يكون حارساً لها؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2] .
وأغلب أحوال البنوك التعامل بالربا، وينبغي لك أن تبحث عن طريق حلال من طرق طلب الرزق غير هذا الطريق.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/43)
حكم دهان مكاتب البنك وحجراته
أنا أعمل نقاشاً ببنك ناصر الاجتماعي؛ أي: أقوم بأعمال الطلاء لمكاتب وحجرات البنك فقط، دونما تدخل مني في كافة أعماله المصرفية أو المالية أو غيرها، ولا علاقة لي بالحسابات، بل وظيفتي النقاشة .. فهل هذا يعتبر عملاً أو مشاركة في صرح ربوي يتعين عليَّ تركه أم أن وضعي مختلف لاختلاف طبيعة العمل ؟ وجزاكم الله عني خير الجزاء.
__________
(1) …مسلم (1598) .(3/133)
العمل في البنك يشمل كل الأعمال المتعلقة به، مما فيه تعاون معه، فعملك هذا يعتبر عملاً في البنك الربوي، وتعاوناً معه على الإثم والعدوان، فعليك بتركه والتماس عمل غيره مما أباح الله، وقد قال الله سبحانه: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *}[الطّلاَق، من الآيتان: 2-3]. يسر الله أمرك وأمر كل مسلم، والله الهادي إلى سواء السبيل.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/63)
حكم العمل في صيانة أجهزة البنوك
ما حكم العمل كمهندس صيانة في إحدى شركات الأجهزة الإلكترونية، والتي تتعامل مع بعض البنوك الربوية ؟ تقوم الشركة ببيع الأجهزة (حاسب آلي، ماكينات تصوير، تليفونات) للبنك، وتكلفنا كمهندسي صيانة بالذهاب للبنك لصيانة هذه الأجهزة بصفة دورية .. فهل هذا العمل حرام على أساس أن البنك يقوم بإعداد حساباته وتنظيم أعماله بهذه الأجهزة، وبذلك فنحن نعينه على المعصية ؟ وفقكم الله لما فيه رضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا يجوز لك العمل في الشركات على الوصف الذي ذكرته؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/18، 19) حكم المتاجرة بالعملة (للشيخ ابن عثيمين)(3/134)
ما حكم شراء العملة وبيعها عند ارتفاع قيمتها ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً .
التعامل بالبيع والشراء في العملات يسمى صَرْفًا، والصرف لابد فيه من التقابض في مجلس العقد، فإذا حصل التقابض في مجلس العقد فإن ذلك لا بأس به؛ بمعنى أن الشخص لو صرف نقودًا سعودية بدولارات أمريكية فلا بأس بهذا، ولو كان يريد الربح في المستقبل؛ لكن بشرط أن يأخذ الدولار الذي اشترى وأن يعطي الدراهم السعودية التي باع . . أما بدون قبض فإن ذلك لا يصح، وهو من ربا النسيئة .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/40 )
حكم المتاجرة بالعملة (للشيخ ابن جبرين)
هل يصلح للمسلم المتاجرة في العملة ؟ وهل يتفق ذلك مع الإسلام ؟ وما حكم الدين في ذلك ؟
لا بأس في التجارة في العملة: وهو بيع نقد بنقد؛ ولكن بشرط التقابض قبل التفرق - سواء سلّم العين واستلم ما يقوم مقامها من الشيكات المصدقة الموثوقة، وسواء كان المتصارفان مالكين أو وكيلين. فإن كان الصرف ليس على هذه الصفة فلا يجوز، وفاعله عاصٍ بفعله وناقص الإيمان، ولا يخرجه ذلك إلى الكفر .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى إسلامية، (2/364)
حكم تجارة العملة في السوق السوداء
هل تجوز تجارة العملة في السوق السوداء؛ رغم أن قوانين البلد تمنع ذلك ؟
يجوز شراء العملة بعملة أخرى من غير جنسها، ولو تفاوت السعر يداً بيد، ولا يمنع من ذلك المخالفة للقوانين الوضعية.
فتاوى إسلامية، اللجنة الدائمة (2/15 )
حكم استبدال النقود المعدنية بالورقية وشرطه
هل تجوز المفاضلة بين القروش المعدنية والريالات الورقية للاستفادة منها في مكالمات الهاتف ؟(3/135)
إذا كان يقصد السائل صرف عشرة ريالات ورقية بتسعة قروش من الحديد - فالجواب: نعم، ولا بأس بذلك؛ لاختلاف الجنس، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما عدّ الأصناف التي يجري فيها الربا، قال: "فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ"(1).
وعلى كل نحن نرى أن النقود إذا اختلفت أجناسها باختلاف الحقيقة؛ المعدن مع الورق، أو باختلاف الدولة كالريال مع الدولار، فإنه لا بأس بالتفاضل شرط أن يكون ذلك يدًا بيد .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5) (2/45، 46 )
الفصل الثالث
القمار والميسر
حكم اليانصيب .. وإنفاق أرباحه في طرق الخير
ما حكم الاشتراك باليانصيب ؟ والاشتراك: هو أن يدفع الشخص تذكرة ثم إذا حالفه الحظ حصل على مبلغ كبير - علماً بأن هذا الشخص ينوي أن يقيم بهذا المبلغ مشاريع إسلامية ويساعد بذلك المجاهدين حتى يستفيدوا من ذلك ؟
هذه الصورة التي ذكرها السائل أن يشتري تذكرة ثم قد يحالفه الحظ - كما يقول - فيربح ربحاً كبيراً؛ هذه داخلة في المَيْسِر الذي قال الله تعالى فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ *وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ *}[المَائدة].
__________
(1) …مسلم (1587) - (18).(3/136)
فهذا الميسر - وهو كل معاملة دائرة بين الغُرْم والغُنْم(1) - لا يدري فيها المعامل: هل يكون غانماً أو يكون غارماً ؟ كله محرَّم؛ بل هو من كبائر الذنوب، ولا يخفى على الإنسان قبحه إذا رأى أن الله تعالى قرنه بعبادة الأصنام وبالخمر والأزلام، وما نتوقع فيه من منافع فإنه مغمور بجانب المضار؛ قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[البَقَرَة، من الآية: 219].
وتأمل هذه الآية حيث ذكر المنافع بصيغة الجمع، وذكر الإثم بصيغة المفرد؛ فلم يقل: فيهما آثام كبيرة ومنافع للناس؛ بل قال: إثم كبير إشارة إلى أن المنافع مهما كثرت ومهما تعددت فإنها مغمورة بجانب هذا الإثم الكبير؛ والإثم الكبير راجح بها، فإثمهما أكبر من نفعهما مهما كان فيهما من النفع الحاصل بهما.
إذن لا يجوز للإنسان أن يتعامل باليانصيب؛ وإن كان غرضه أن ما يحصله سوف يضعه في منافع؛ كإصلاح الطرق وبناء المساجد وإعانة المجاهدين وما أشبه ذلك . بل إنه إذا صرف هذه الأموال المحرمة - التي اكتسبها بطريق محرم في هذه الأشياء يريد التقرب بها إلى الله - فإن الله لا يقبلها منه ويبقى عليه الإثم، ويحرم من الأجر؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن صرفها في هذه المصالح والمنافع كبناء المساجد تخلصاً منها، فهذا من السفه؛ إذ كيف يكتسب الإنسان الخطيئة ثم يحاول التخلص منها ؟! والعقل كل العقل الذي يؤيده الشرع: أن يدع الخطيئة أصلاً دون أن يتلطخ بها ثم يحاول أن يتخلص منها.
__________
(1) …الغُرْم: ما يُصيبُ الإنسان في ماله من ضررٍ بغيرِ جنايةٍ منه أو خيانة.…والغُنْم: الفوز بالشيء من غير مشقة. «المعجم الوسيط».(3/137)
وعلى هذا فإنه لا يجوز للإنسان أن يكتسب هذا المال الحرام لأجل أن يقيم عليه أشياء يريد أن يتقرب بها إلى الله، ولا أن يكتسبه وهو ينوي أنه إذا حصَّله تخلص منه بصرفه فيما ينفع العباد؛ بل الواجب على المؤمن أن يدع المحرم أصلاً ولا يتلطخ به.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى إسلامية (4/441، 442)
السحب على شهادات الاستثمار من المَيسِر
يصدر بعض البنوك في بعض الدول شهادات استثمار؛ وهي عبارة عن شهادات تُشترى من البنك ويجري السحب عليها (الشهادات المشتراة) شهرياً، والشهادة التي تفوز تربح مبلغاً كبيراً من المال، مع احتفاظ صاحب الشهادة برد الشهادة إلى البنك وأخذ قيمتها في أي وقت شاء .. فما حكم الشرع في هذا المبلغ الطائل من المال الذي يفوز به صاحب الشهادة الرابحة ؟
إذا كان الواقع كما ذكر فهذه المعاملة من المَيْسِر - القمار - وهو من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ *}[المَائدة].
فعلى من يتعامل به أن يتوب إلى الله ويستغفره ويجتنب التعامل به، وعليه أن يتخلص مما كسبه منه عسى الله أن يتوب عليه . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - فتاوى إسلامية (4/443)
الجوائز على المشتريات هل هي من القمار والميسر ؟
الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله وآله وصحبه .. أما بعد:(3/138)
فقد اشتهر قيام بعض المؤسسات والمحلات التجارية بنشر إعلانات في الصحف وغيرها عن تقديم جوائز لمن يشتري من بضائعهم المعروضة، مما يغري بعض الناس على الشراء من هذا المحل دون غيره، أو يشتري سلعاً ليس له فيها حاجة طمعاً في الحصول على إحدى هذه الجوائز التي قد يحصل عليها وقد لا يحصل .
ولما كان هذا النوع من القمار المحرم شرعاً والمؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، ولما فيه من الإغراء والتسبب في ترويج سلعته وإكساد سلع الآخرين المماثلة ممن لم يقامر مثل مقامرته - رأيت تنبيه القراء على أن هذا العمل محرم، والجائزة التي تحصل من طريقه محرمة؛ لكونها من الميسر المحرم شرعاً وهو القمار . فالواجب على أصحاب التجارة الحذر من هذه المقامرة وليسعهم ما يسع الناس؛ وقد قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا *وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا *}[النِّسَاء].
وهذه المقامرة ليست من التجارة التي تباح بالتراضي؛ بل هي من الميسر الذي حرمه الله لما فيه من الغرر والخداع وأكل المال بالباطل، ولما فيه من إيقاع الشحناء والعداوة بين الناس - كما قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ *}[المَائدة].(3/139)
والله المسؤول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر عباده، وأن يعيذنا جميعاً من كل عمل يخالف شرعه؛ إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (19/398)
الفصل الرابع
التأمين
حكم التأمين على الحياة
ما حكم التأمين على الحياة والممتلكات ؟
التأمين على الحياة غير جائز؛ لأن المؤمِّن على حياته إذا جاءه ملك الموت فلا يستطيع أن يحيله على شركة التأمين، فهذا خطأ وسَفَهٌ وضلال، وفيه اعتماد على هذه الشركة من دون الله؛ فهو يعتمد أنه إذا مات فالشركة ستضمن لورثته قوتهم ونفقتهم، وهذا اعتماد على غير الله .
وأصل هذه المسألة: مأخوذ من المَيْسِر؛ بل هي في الواقع ميسر، وقد قرن الله الميسر في كتابه بالشرك والاستقسام بالأزلام والخمر . وفي التأمين إذا دفع الإنسان مبلغاً من المال فقد يبقى سنوات طويلة يدفع ويكون غارماً، وإذا مات عن قرب صارت الشركة هي الغارمة؛ وكل عقد دار بين الغُنْم والغُرْم(1) فهو ميسر .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس فتاوى الحرم المكي (3/192)
حكم التأمين على الممتلكات
سمعت من بعض الناس أنه يمكن أن يؤمِّن الشخص على ما يملك؛ وفي حالة حصول حادث للأشياء المؤمَّنة تقوم الشركة بدفع تعويضات عن الأشياء التي لحقها التلف. أرجو من فضيلتكم بيان حكم هذا التأمين، وهل في التأمينات ما هو جائز وما هو غير ذلك ؟
__________
(1) …تقدم معناهما في حاشية الفتوى رقم (48) من الفصل السابق.(3/140)
التأمين معناه: أن الشخص يدفع إلى الشركة شيئاً معلوماً شهرياً أو سنوياً من أجل ضمان الشركة للحادث الذي يكون على الشيء المؤمَّن . ومن المعلوم أن الدافع للتأمين غارِم بكل حال، أما الشركة فقد تكون غانمة وقد تكون غارمة؛ بمعنى أن الحادث إذا كان كبيراً أكثر مما دفعه المُؤمِّن صارت الشركة غارمة؛ وإذا كان صغيراً أقل مما دفعه المُؤمِّن أو لم يكن حادث أصلاً صارت الشركة غانمة، والمُؤمِّن غارم . وهذا النوع من العقود - أعني العقد الذي يكون الإنسان فيه دائراً بين الغُنْم والغُرْم - يعتبر من المَيْسِر الذي حرمه الله عز وجل في كتابه وقرنه بالخمر وعبادة الأصنام . وعلى هذا: فهذا النوع من التأمين محرَّم . ولا أعلم شيئاً من التأمين المبني على الغرر يكون جائزاً، بل كله حرام؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ(1).
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم التأمين التجاري وخصوصاً على السيارة
ما حكم الشرع في التأمين التجاري، وخاصة التأمين على السيارة ؟
حكم التأمين التجاري أنه لا يجوز شرعاً؛ ودليله قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البَقَرَة، من الآية: 188]؛ حيث إن الشركة تأكل أموال هؤلاء المؤمنين بغير حق؛ فإن أحدهم يدفع شهرياً مبلغاً من المال، قد يبلغ مجموعه عشرات الآلاف، ولا يحتاج إلى إصلاح طوال السنوات، ولا ترد عليه أمواله .
وأيضاً فإن بعضهم قد يدفع مالاً قليلاً، فيحصل منه حادث يكلف الشركة أضعاف ما دفع لها فيأكل مال الشركة بغير حق .
وأيضاً فإن الكثير من الذين دفعوا التأمين للشركة يتهوَّرُون، ويركبون الأخطار، ويتعرضون للحوادث، ويسرعون ويقولون: إن الشركة قوية . وقد تدفع ما يحصل من الحوادث، وفي ذلك ضرر على المواطنين بكثرة الحوادث والوفيات، والله أعلم .
__________
(1) …مسلم (1513).(3/141)
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (190، 191)
التأمين ميسر وقمار
أفيدكم بأني شخص وقعت عقداً للتأمين على سيارتي الخاصة وعلى رخصة القيادة وعلى مصنعي الذي أملكه مع إحدى الشركات مقابل مبلغٍ أسلمه للشركة عند العقد؛ تلتزم الشركة بمقتضاه بأن تسلم لي مبلغاً من المال في حالة وقوع حادث على ما تم التعاقد عليه. وقد ذكر لي أحد الاخوة بأن هذا العقد لا يجوز؛ علماً بأني لم أقم بالتوقيع على العقد إلا حينما نقل إلي فتوى عن سماحتكم بجواز هذا العقد .
آمل من فضيلتكم توضيح ما أشكل، وبيان وجه الحل أو الحرمة في هذا الأمر الذي وقع فيه كثير ممن أعرف .. وبماذا تنصحونا ؟ جزاكم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء .
هذا العقد وأمثاله يعتبر من التأمين التجاري؛ وهو نوع من أنواع القمار. وقد صدر من مجلس هيئة كبار العلماء قرار بتحريمه والمنع منه؛ لما فيه من الغرر والمقامره - وقد قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *}[المَائدة]. والميسر: هو القمار، فالواجب عليكم ترك هذا العقد والتحذير منه؛ عملاً بقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى}[المَائدة، من الآية: 2]، وقوله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التّوبَة، من الآية: 71] . وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - فتوى له/ برقم 2307خ/ في (18/11/1417هـ) وعليها خاتمه
الفرق بين التأمين التعاوني المباح والتجاري المحرم(3/142)
ظهرت بعض شركات التأمين في الوقت الحاضر وكلها تقول إن لديها فتوى بإباحة التأمين، وقد تعبر بعض الشركات بقولهم: إن ما تدفعه من مال لتأمين سيارتك يرد إليك بمجرد بيعها .. فما الحكم في ذلك النشاط التأميني ؟ جزاكم الله خيراً .
التأمين .. تأمينان .. وقد درسه مجلس هيئة كبار العلماء منذ سنوات وأصدر فيه قراراً؛ لكن كثيراً من الناس يلتبس عليه الجائز من المحرم، أو يتعمد تسمية الجائز بالمحرم حتى يلبس على الناس.
فالتأمين التعاوني الجائز مثل: أن تشترك جماعة وتضع مالاً معلوماً للصدقة أو بناء مسجد أو مساعدة الفقراء . وكثير من الناس أخذوا هذا الاسم وجعلوه حجة لهم في التأمين التجاري .. وهذا غلط منهم وتلبيس على الناس .
ومثال التأمين التجاري: أن يقوم أحد الأشخاص بالتأمين على سيارته أو على بضاعته التي تأتي من الخارج بكذا وكذا، وقد لا يقع عليه شيء؛ فتؤخذ أمواله، وهذا من الميسر الذي قال الله فيه: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[المَائدة، من الآية: 90].
الخلاصة: أن التأمين التعاوني هو ما يجمعه جماعة من الناس ويتبرعون بنقود معلومة لمقصد شرعي؛ كمساعدة الفقراء والأيتام وبناء المساجد، وغير هذا من وجوه الخير .
وفيما يلي ننشر للقارىء الكريم نص فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول التأمين التجاري والتأمين التعاوني:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .. أما بعد:(3/143)
فإنه سبق أن صدر من هيئة كبار العلماء قرار بتحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه؛ لما فيه من الضرر والمخاطرات العظيمة، وأكل أموال الناس بالباطل، وهي أمور يحرمها الشرع المطهر وينهى عنها أشد النهي . كما صدر قرار من هيئة كبار العلماء بجواز التأمين التعاوني وهو الذي يتكون من تبرعات من المحسنين ويقصد به مساعدة المحتاج والمنكوب ولا يعود منه شيء للمشتركين - لا رؤوس أموال ولا أرباح ولا أيّ عائد استثماري - لأن قصد المشترك ثواب الله سبحانه وتعالى بمساعدة المحتاج ولم يقصد عائداً دنيوياً، وذلك داخل في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2]، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ(1). وهذا واضح لا إشكال فيه، ولكن ظهر في الآونة الأخيرة من بعض المؤسسات والشركات تلبيس على الناس وقلب للحقائق؛ حيث سموا التأمين التجاري المحرَّم تأميناً تعاونياً، ونسبوا القول بإباحته إلى هيئة كبار العلماء من أجل التغرير بالناس والدعاية لشركاتهم، وهيئة كبار العلماء بريئة من هذا العمل كل البراءة؛ لأن قرارها واضح في التفريق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، وتغيير الاسم لا يغير الحقيقة؛ ولأجل البيان للناس وكشف التلبيس ودحض الكذب والافتراء صدر هذا البيان. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/268، 269)
حكم التأمين الصحي
قامت إدارة شركة الاتصالات السعودية مؤخراً بالتعاقد مع إحدى شركات التأمين لعلاج موظفي الشركة مع أبنائهم وزوجاتهم؛ وذلك بأن تدفع شركة الاتصالات مبلغاً مقطوعاً مقابل التأمين لعلاج كل شخص .. فنسأل في هذه الحالة:
__________
(1) …مسلم (2699) .(3/144)
1 - هل يجوز لإدارة شركة الاتصالات توقيع هذا العقد مع شركة التأمين بحيث تدفع إدارة شركة الاتصالات مبلغاً مقطوعاً مقابل رسم الاشتراك السنوي لكل شخص؛ بغض النظر زادت تكاليف علاج هذا الشخص خلال السنة عن قيمة الرسم أم كانت أقل ؟
2 - هل يجوز لموظفي شركة الاتصالات الاستفادة من العلاج المقدم بموجب هذا العقد الذي تم بين إدارة شركة الاتصالات وشركة التأمين ؟ علماً بأن الموظفين لم يشاركوا في دفع قيمة هذا العقد وليسوا بملزمين بدفع جزء من رسم التأمين .
التأمين الطبي المذكور ضرب من ضروب التأمين التجاري المحرم شرعاً؛ لما فيه من الغرر والمقامرة وأكل أموال الناس بالباطل، وقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بتحريم التأمين التجاري .
لهذا فلا يجوز لشركة الاتصالات السعودية إجراء هذا العقد، ولا يجوز لموظفيها الاستفادة منه، ولا الدخول فيه، ونرفق لك عدداً من الفتاوى الصادرة بذلك، وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/310)
حكم التأمينات الاجتماعية(3/145)
أود أن أضع أمام سماحتكم موضوعاً مهماً، يتعلق بالتأمين ضد الأخطار، والذي تقوم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بإلزام المؤسسات الفردية والشركات بالتأمين لديها ضد الأخطار؛ سواء كانت المؤسسة التجارية أو الخدمية يتعرض عمالها للأخطار المحتملة، أم أن إمكانية تعرضهم معدومة أو شبه معدومة، وحجتها في ذلك: أن هذا نظام يجب الالتزام به، وتسديد التأمين الشهري للمؤسسة العامة للتأمينات، ولكون هذا النوع من التأمين فيه شبهة الحرمة، وأنه من العقود المحرمة وفق ما جاء في الفتوى الصادرة من مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة في دورته العاشرة بقرارها رقم (55)، المنعقدة بمدينة الرياض، بتاريخ 4/4/1397هـ، بتحريم التأمين بأنواعه، وتم تأييد هذه الفتوى من قبل مجمع الفقه الإسلامي بقراره الصادر في دورته الأولى المنعقدة في 10 شعبان 1398هـ، بمكة المكرمة، بمقر رابطة العالم الإسلامي.(3/146)
إن التأمين الذي تطالب به المؤسسة هو: تأمين يقوم على توهم خطر يمكن أن يحدث للعامل غير معلوم طبيعته أو شكله أو تأثيره؛ فالمؤسسة تطلب أن ندفع مبلغاً شهرياً لعقد يتوفر فيه فساد عقود المعاوضات المالية الاحتمالية، فهو عقد غرر فاحش؛ لأن المستأمن لا يعرف وقت العقد، ومتى يقع الخطر فيدفع أقساط التأمين الشهرية طوال وجود الموظف يعمل مع صاحب العمل، فالموظف الذي التزمنا بالتأمين عليه لا يأخذ شيئاً، كما أن المؤسسة العامة للتأمينات لا تستطيع تحديد ما تعطي لكل موظف ولكل نوع من الخطر، كما أن هذا التأمين هو نوع من الغُرْم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغُنْم من قبل المؤسسة بلا مقابل أو بمقابل غير معروف مقداره وقيمته وزمنه، كما أن في هذا العقد شبه ربا الفضل والنسأ؛ حيث إذا قامت المؤسسة بدفع مبلغ أكثر، سواء للموظف أو لورثته أكثر مما تم دفعه من النقود ففيه ربا فضل؛ حيث إن المؤسسة تدفع له بعد مدة، فيكون ربا نسأ، كما أن هذا العقد عقد رهان؛ لما فيه من جهالة وغرر ومغامرة، كما أن فيه أخذ مال من صاحب المؤسسة بلا مقابل، كما أنه إلزام بما لا يلزم شرعاً؛ حيث إن الخطر لم يحدث على الموظف المؤمن عليه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما يكون بناء على الإلزام من قبل المؤسسة العامة على ضمان الخطر، على تقدير وقوعه مقابل ما يتم دفعه بجانب أنه عقد إذعان، وأخذ أموال الناس بالباطل بدون مسوغ شرعي، بحجة أن ولي الأمر أصدره، وإن كان مخالفاً لأمر الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
يا صاحب السماحة: ولكون المؤسسة احتجت بأنكم قد راجعتم نظام التأمينات، وبالتالي فإن هذا العقد جائز، وإنه غير محرم؛ لأنه ورد في النظام، وأنكم راجعتم النظام، وأقريتموه، ولكون القول يخالف ما جاء في قرار هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي بحرمة جميع أنواع التأمين؛ لذا آمل إفتائي بالآتي:(3/147)
هل يجوز التأمين لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في فرع الأخطار المهنية، وفق ما جاء في المواد من (27 - 37) ؟ وهل هذا النوع من التأمين جائز شرعاً ؟ وفي حالة عدم الجواز .. فهل أكون ارتكبت محرماً إذا قمت بالتأمين، لأنه لا خيار لي بحكم أن المؤسسة سلطة حكومية لا يستطيع الفرد إلا الإذعان لها ؟
1 - لا يجوز للمسلم أن يؤمِّن على نفسه ضد المرض؛ سواء كان في بلاد إسلامية أم في بلاد الكفار؛ لما في ذلك من الغرر الفاحش والمقامرة .
2 - لا يجوز أن يؤمن المسلم على النفس أو على أعضاء الجسد كُلاًّ أو بعضاً أو على المال أو الممتلكات أو السيارة أو نحو ذلك؛ سواء كان ذلك في بلاد الإسلام أم بلاد الكفار؛ لأن ذلك من أنواع التأمين التجاري، وهو محرم؛ لاشتماله على الغرر الفاحش والمقامرة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/307- 310)
حكم بطاقة صيانة السيارة
هناك شركة تعطي عضوية اشتراك سنوية للأفراد، بمبلغ لا يتجاوز (150) ريالاً سعودياً سنوياً، ومقابل هذه العضوية فإنهم يتعهدون بإنقاذ الإنسان في حالة تعطله بالسيارة في أي مقطع وأي مكان، فينقلونه هو وسيارته إلى أي مكان يريده إذا لم يستطيعوا أن يصلحوا له السيارة، علماً أن لديهم السيارات الكثيرة المنتشرة على جميع الطرق، كذلك لديهم مهندسون مستعدون على مدار (24) ساعة للخدمة في أي ساعة من ليل أو نهار. فهل تعتبر هذه الخدمة مماثلة للتأمين في حالة عدم وقوع أي تعطيل على الفرد خلال عام العضوية، وعدم احتياجه إليهم ؟ وهل يجوز الاشتراك في عضوية هذه الشركة ؟
لا يجوز هذا الاشتراك؛ لما فيه من الغرر والمقامرة، وهو من جنس التأمين التجاري .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/263)
تحريم شراء السيارات التالفة من شركات التأمين(3/148)
يوجد لدى شركات التأمين بعض السيارات المصدومة، تعرضها للبيع، وقد اشتهر بين الناس أن هذه هي سيارات المؤمَّن عليهم حينما أخذوا عليها عوضاً وسلموها للشركة، وظاهر الحال أنها كذلك .. فما حكم شراء هذه السيارات منها ؟ وهل يجب في مثل تلك الحال السؤال عن الكيفية التي حصلت بها شركات التأمين على هذه السيارة أم أن الأصل السلامة ؟ وهل كون شركات التأمين ملكتها بهذه الطريقة يؤثر على حكم الشراء منها ؟ علماً بأن استمارات هذه السيارات باسم أشخاص غير الشركة، وقد تنازلوا عنها للشركة .
التأمين التجاري حرام بجميع أشكاله، ولا يجوز شراء السيارات التي تحصلت عليها الشركة من جراء عقد التأمين؛ لأنها ليست ملكاً لها شرعاً.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/314)
حكم الخدعة التأمينية: ادفع ريالاً يومياً
برفقه قصاصة من جريدة الرياض، ينشر فيها دعاية ربوية يخدع بها من لا يعرف أنواع الربا، وكيفيتها: أن يدفع الشخص ريالاً واحداً يومياً يأخذ رخصة خاصة تعويضاً عن الخسائر إذا حدث حادث، وكذلك يضمن عدم توقيف المرء لو ألحق ضرراً بالغير. وهذه لها عدة مفاسد:
أولاً: الاستهتار بالأرواح مقابل ريال يدفعه يومياً .
ثانياً: أكل أموال الناس بالباطل، وهو من أنواع الربا الذي حرمه الله، وهذا مما يسبب العقوبات العاجلة، وقد قالت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها : يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : "نعم؛ إذا كَثُرَ الخَبَث"(1)؛ لذا جرى الرفع لكم .
__________
(1) …البخاري (3346)، ومسلم (2880).(3/149)
هذا من التأمين التجاري المحرم شرعاً؛ لما يحتوي عليه من الغرر الفاحش والمقامرة والرهان المحرم وأكل أموال الناس بالباطل، وقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بتحريم التأمين التجاري بجميع صوره وأشكاله، فالواجب على المسلم عدم المشاركة فيه، وعلى شركة التأمين التعاونية إلغاؤه، ولا يجوز لوسائل الإعلام نشره، ولا الدعاية له.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/315)
حكم العمل في شركات التأمين التجاري
أعمل محاسباً بشركة التأمين الأهلية المصرية (تأمين على الحياة) منذ عام 1981م حتى الآن، وأتقاضى مرتباً + حوافز شهرية + أجور إضافية + مكافآت أرباحاً سنوية طوال هذه المدة .. ما حكم الدين في العمل أولاً، والأجور المذكورة بعاليه ثانياً ؟ وإذا كانت ليست بحلال فما حكم الدين في الأموال التي جمعت منها تلك المدة، والتي أريد أن أحج منها أو أعتق منها في سبيل الله ؟ أطلب من الله العلي القدير أن ترد علي بأسرع ما يمكن؛ حيث إنني في حيرة وقلق . وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أولاً: التأمين على الحياة من التأمين التجاري، وهو محرم؛ لما فيه من الجهالة والغرر، وأكل المال بالباطل. والعمل في هذه الشركة لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم، وقد نهى الله عن ذلك بقوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2] .
ثانياً: الأجور والأموال التي اكتسبتها من العمل في تلك الشركة قبل علمك بالتحريم لا بأس من الانتفاع بها؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}[البَقَرَة، من الآية: 275] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم(3/150)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/8)
قرار هيئة كبار العلماء في التأمين التعاوني البديل
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد:
ففي الدورة العاشرة لمجلس هيئة كبار العلماء، المنعقدة بمدينة الرياض، في شهر ربيع الأول، عام 1397هـ، اطلع المجلس على ما أعده جماعة من الخبراء، فيما يصلح أن يكون بديلاً من التأمين التجاري، والأسس التي يقوم عليها لتحقيق الأهداف التعاونية الشرعية، التي أنشئ من أجلها، وصلاحيته أن يكون بديلاً شرعاً عن التأمين التجاري بجميع أنواعه.
وبعد استماع المجلس إلى ما دعت الحاجة إلى قراءته مما أعد في ذلك، وبعد الدراسة والمناقشة وتداول الرأي قرر المجلس - ما عدا فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع - جوازه، وإمكان الاكتفاء به عن التأمين التجاري في تحقيق ما تحتاجه الأمة من التعاون على وفق قواعد الشريعة الإسلامية؛ للأمور الآتية:
الأول: أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، والاشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث، وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية، تخصص لتعويض من يصيبه الضرر. فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحاً من أموال غيرهم؛ وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر .
الثاني: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسأ، فليس عقود المساهمين ربوية، ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية .
الثالث: أنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم من النفع؛ لأنهم متبرعون، فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة بخلاف التأمين التجاري، فإنه عقد معاوضة مالية تجارية .(3/151)
الرابع: قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون، سواء كان القيام بذلك تبرعاً أو مقابل أجر معين . ورأى المجلس - ما عدا فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع - أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية مختلطة للأمور الآتية:
1-…الالتزام بالفكر الاقتصادي الإسلامي الذي يترك للأفراد مسؤولية القيام بمختلف المشروعات الاقتصادية، ولا يأتي دور الدولة إلا كعنصر مكمل لما عجز الأفراد عن القيام به، وكدور موجه ورقيب لضمان نجاح هذه المشروعات وسلامة عملياتها.
2-…الالتزام بالفكر التعاوني التأميني، الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون بالمشروع كله، من حيث تشغيله، ومن حيث الجهاز التنفيذي ومسئولية إدارة المشروع .
3-…تدريب الأهالي على مباشرة التأمين التعاوني، وإيجاد المبادرات الفردية والاستفادة من البواعث الشخصية، فلا شك أن مشاركة الأهالي في الإدارة تجعلهم أكثر حرصاً ويقظة على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون مجتمعين تكلفة تعويضها، مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين التعاوني؛ إذ أن تجنب المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل، كما أن وقوعها قد يحملهم أقساطاً أكبر في المستقبل .
4- أن صورة الشركة المختلطة لا يجعل التأمين كما لو كان هبة أو منحة من الدولة للمستفيدين منه، بل بمشاركة منها معهم فقط؛ لحمايتهم ومساندتهم باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية، وهذا موقف أكثر إيجابية ليشعر معه المتعاونون بدور الدولة، ولا يعفيهم في نفس الوقت من المسؤولية .
ويرى المجلس - ما عدا فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع - أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين التعاوني الأسس الآتية:(3/152)
الأول: أن يكون لمنظمة التأمين التعاوني مركز له فروع في كافة مدن المملكة، وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب الأخطار المراد تغطيتها، وبحسب مختلف فئات ومهن المتعاونين، كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحي، وثان للتأمين ضد العجز والشيخوخة.. إلخ . أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة المتجولين، وآخر للتجار، وثالث للطلبة، ورابع لأصحاب المهن الحرة؛ كالمهندسين والأطباء والمحامين.. إلخ .
الثاني: أن تكون منظمة التأمين التعاوني على درجة كبيرة من المرونة، والبعد عن الأساليب المعقدة .
الثالث: أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل، ويقترح ما يلزمها من لوائح وقرارات تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة .
الرابع: يمثل الحكومة في هذا المجلس من تختاره من الأعضاء، ويمثل المساهمين من يختارونه؛ ليكونوا أعضاء في المجلس، ليساعد ذلك على إشراف الحكومة عليها واطمئنانها على سلامة سيرها، وحفظها من التلاعب والفشل .
الخامس: إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة الأقساط؛ فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة، ويرى المجلس - ما عدا فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع - أن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من الخبراء المختصين في هذا الشأن، تختارهم الدولة، وبعد انتهائهم من ذلك يعاد ما كتبوه إلى مجلس هيئة كبار العلماء لدراسته وتطبيقه على قواعد الشريعة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/287-292)
الفصل الخامس
البطاقات التجارية
حكم بطاقة فيزا سامبا
يتداول بين الناس في الوقت الحاضر بطاقة ( فيزا ) سامبا صادرة من البنك السعودي الأمريكي، وقيمة هذه البطاقة إذا كانت ذهبية ( 548 ) ريالاً؛ وإذا كانت فضية ( 245 ) ريالاً، تسدد هذه القيمة سنوياً للبنك لمن يحمل بطاقة فيزا للاستفادة منها كاشتراك سنوي .(3/153)
وطريقة استعمال هذه البطاقة: أنه يحق لمن يحمل هذه البطاقة أن يسحب من فروع البنك المبلغ الذي يريده (سلفة)، ويسدد بنفس القيمة خلال مدة لا تتجاوز أربعة وخمسين يومًا، وإذا لم يسدد المبلغ المسحوب (السلفة) خلال الفترة المحدودة: يأخذ البنك عن كل مائة ريال - من (السلفة) المبلغ المحسوب - فوائد قيمتها: ريال وخمس وتسعون هللة (1.95)، كما أن البنك يأخذ عن كل عملية سحب نقدي لحامل البطاقة: ( 3.5 ) ريال عن كل (100) ريال تسحب منهم،، أو يأخذون (45) ريالاً كحد أدنى عن كل عملية سحب نقدي .
ويحق لمن يحمل هذه البطاقة شراء البضائع من المحلات التجارية التي يتعامل معها البنك دون أن يدفع مالاً نقديًا، وتكون سلفة عليه للبنك . وإذا تأخر عن سداد قيمة الذي اشتراه أربعة وخمسين يومًا يأخذون على حامل البطاقة عن كل مائة ريال - من قيمة البضاعة المشتراة من المحلات التجارية التي يتعامل معها البنك - فوائد قيمتها: ريال وخمس وتسعون هللة (1.95) .
فما حكم استعمال هذه البطاقة والاشتراك السنوي مع هذا البنك للاستفادة من هذه البطاقة ؟ والله يحفظكم ويرعاكم .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي: إذا كانت حال بطاقة: سامبا فيزا كما ذكر؛ فهو إصدار جديد من أعمال المرابين وأكل لأموال الناس بالباطل وتأثيمهم وتلويث مكاسبهم وتعاملهم، وهو لا يخرج عن حكم ربا الجاهلية المحرم في الشرع المطهر؛ إما أن تقضي وإما أن تربي. لهذا فلا يجوز إصدار هذه البطاقة ولا التعامل بها . وبالله التوفيق .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (13/524)
حكم بطاقة التخفيض من الغرفة التجارية(3/154)
قمنا بتسويق بطاقة تخفيض بالتعاون مع إحدى المؤسسات لخدمة رجال الأعمال بالمنطقة، وقد اطلعنا على فتاوى تحرم التعامل بهذه النوعية من البطاقات، أردنا أن نوضح جميع ما يتعلق بهذه البطاقة لتتضح الرؤية لسماحتكم حولها؛ حيث اتفقت الغرفة التجارية الصناعية بمنطقة القصيم، مع إحدى المؤسسات على إصدار بطاقة سنوية للتخفيض، مقابل مائة (100) ريال لمنتسبي الغرفة، ومائة وخمسين (150) ريالاً لغير المنتسبين، يكون حصة الغرفة منها (20%) صافية، والباقي للمؤسسة، على أن تقوم بالاتفاق مع المؤسسات التجارية على تخفيض معين، وتصدر بذلك دليلاً يشمل جميع المشتركين بالتخفيض؛ من فنادق ومحلات تجارية ومطاعم وصيدليات ومستوصفات، موضحاً فيها نسبة التخفيض، وكروت كشف مجاني عند بعض المستوصفات، بدون تحمل المؤسسة المصدرة للبطاقة أي أعباء مالية نتيجة التخفيض للمشتري .
علماً أن بعض المؤسسات تعطي التخفيض من السعر المعلق الأساسي، وتقوم المؤسسة بتسويق البطاقات وعمل جميع ما يلزم إيصال البطاقة بعد إصدارها إلى المستفيد مع الدليل الشامل للمؤسسة بتسويق البطاقات، وعمل جميع ما يلزم إيصال البطاقة بعد إصدارها إلى المستفيد، مع الدليل الشامل للمؤسسات، علماً أن مصدر البطاقة - الغرفة والمؤسسة - لا يطولهم ضرر من ذلك الذين يتحملون نسبة الخصم، رغبة في كسب أكبر عدد من العملاء، كما أن صاحب المؤسسة المشتركة بالتخفيض يهمه أن يعلن اسمها بهذا الدليل، وأن يقصدها حامل البطاقة من بين المحلات الأخرى؛ للاستفادة من التخفيض، وذلك كنوع من الدعاية، والبطاقة مدتها سنة، وتجدد بنفس الرسم لمن يرغب الاستمرار .(3/155)
والهدف منها خدمة لمنتسبي الغرفة بمنطقة القصيم، وتقديم خدمات متميزة أخرى لهم، وكذلك تقديم خدمات لأصدقاء الغرفة، وهم من غير المشتركين، مع استفادتهم من مركز المعلومات بالغرفة وتزويدهم بأي معلومة عند طلبها، ولكن الإقبال على بطاقة الغرفة لن يتم إلا إذا وجدوا فيها خدمات مثل التخفيض من بعض المحلات المشاركة في التخفيض، علماً أن الحرية مطلقة بخصوص الاشتراك بالبطاقة أو الاشتراك من قبل المؤسسات المشاركة بالتخفيض، والتي يتم الإعلان عنهم بالدليل الذي يصدر للأعضاء، هذا خلاف الإعلان بالدليل عن المنشآت التي ترغب الإعلان بصفحة أو أكثر مقابل رسم إعلان .
لذا نأمل من سماحتكم إفتاءنا عن جواز هذه البطاقة من عدمه، وفي حالة عدم جواز هذا العمل نرجو من سماحتكم إرشادنا عن الطريقة الجائزة؛ حيث إننا قمنا بتسويق هذه البطاقة وإصدار بعض البطاقات للمستفيدين، وتمت طباعة الدليل لذلك . ولأهمية هذا الأمر وكونه حيز التنفيذ فإننا نرجو تكرمكم بسرعة النظر والبت فيه .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
بطاقة التخفيض المذكورة لا يجوز التعامل بها إصداراً أو اشتراكاً لأمور عدة، منها:
أولاً: اشتمالها على الغرر والمخاطرة؛ لأن دفع المبلغ مقابل الحصول عليها دفع بلا مقابل حقيقة؛ إذ قد تنتهي صلاحيتها ولم يستعملها حاملها، أو يكون استعماله لها لا يقابل ما دفعه من رسومها، وفي هذا غرر ومخاطرة، والله سبحانه يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[النِّسَاء، من الآية: 29] .
ثانياً: اشتمالها على الربا؛ لأن دفع مصدرها نسبة التخفيض لحاملها في حال امتناع صاحب المتجر عن التخفيض هو الربا المحرم، والتخفيض هنا قد يتجاوز رسم إصدار البطاقة، وقد أثبتت الوقائع حصول هذا فحصل غرم على مصدرها .(3/156)
ثالثاً: أن لها آثاراً سالبة، ومنها: إثارة العداوة والبغضاء بين أصحاب المحلات المشتركين في التخفيض وغير المشتركين، بنفاق السلعة المخفضة وكساد غيرها من بضائع الذين لم يشتركوا في (دليل التخفيض) .
رابعاً: ومن آثارها أيضاً: دفع حاملها إلى الاسترسال في الشراء، لقاء التباهي بحملها والاغترار بالدعاية من ورائها، وفي هذا تصفية لمدخراته، وزيادة في الاستهلاك والإسراف فيه، فالبطاقة في حقيقتها تعود بتنامي المصاريف وزيادتها، لا بالتوفير وزيادة الادخار .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/13-16)
حكم بطاقة التخفيض للمعلِّم
حكم بطاقة المعلم، والتي يؤخذ عليها رسوم معينة؛ من أجل حصوله على تخفيضات من بعض الفنادق والمستشفيات والمراكز والمحال التجارية ؟
بطاقة المعلم على هذا النظام المذكور؛ وهو أخذ الرسوم عليها: غير جائزة شرعاً؛ لما فيها من الغرر وأكل المال بالباطل. وبناء على ذلك فلا يجوز إصدارها ولا التعامل بها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/16، 17)
الفصل السادس
الشركات
حكم المُسَاهَمَة في بعض الشركات
هل يجوز المساهمة في الشركات، مثل: شركة صافولا، وشركة مكة، وشركة سابك، وشركة طيبة وغيرها من الشركات المساهمة؛ لأنه كثر الكلام بين الناس عن حكم ذلك ؟ وفقكم الله وجزاكم الله خيرا ً .
سؤالكم عن المساهمة في الشركات مثل شركة صافولا ونحوها ..
نفيدكم بأن ما يطرح للمساهمة على قسمين:(3/157)
القسم الأول: أن تكون المساهمة في شركات ربوية أنشئت أصلاً للربا أخذاً وإعطاءً كالبنوك؛ فهذه لا تجوز المساهمة فيها، والمساهم فيها معرض نفسه لعقوبة الله تعالى، وقد جعل الله للربا عقوبات لم تأت لغيره من المعاصي التي دون الشرك؛ فقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ *}[البَقَرَة]، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ (1) .
القسم الثاني: أن تكون المساهمات في شركات لم تنشأ للربا أصلاً؛ ولكن ربما يدخل في بعض معاملاتها، مثل: شركة صافولا ونحوها مما وقع السؤال عنه، فهذه الأصل فيها: جواز المساهمة؛ لكن إذا كان قد غلب على الظن أن في بعض معاملاتها ربا فإن الورع هجرها وترك المساهمة فيها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ" (2) .
فإن كان قد تورط فيها، أو أبى أن يسلك سبيل الورع، فساهم فإنه إذا أخذ الأرباح وعلم مقدار الربا وجب عليه التخلص منه بصرفه في أعمال خيرية؛ من دفع حاجة فقير أو غير ذلك. ولا ينوي بذلك التقرب إلى الله بالصدقة بها؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً؛ ولأن ذلك لا يبرئ ذمته من إثمها، ولكن ينوي بذلك التخلص منها ليسلم من إثمها؛ لأنه لا سبيل له للتخلص منها إلا بذلك .
وإن لم يعلم مقدار الربا فإنه يتخلص منه بصرف نصف الربح فيما ذكرنا .
الشيخ ابن عثيمين - كتبه في 21/4/1412هـ
__________
(1) …مسلم (1598).
(2) …البخاري (52)، ومسلم (1599) .(3/158)
حكم الربح المضمون المتغيِّر النسبة في المضاربة
تعطي المصارف الإسلامية ما يسمى بالربح المتغير؛ وهو يعني إعطاء ربح غير ثابت شهرياً يتراوح بين 12% و17% فهل هذا التعامل مع هذا النوع من الأرباح حلال ؟ أفتونا جزاكم الله خيراً .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد:
فإن تعيين الربح بمبلغ معلوم في المضاربة أو غيرها من أنواع الشركات لا يجوز بل يبطل به العقد؛ لأن ذلك يفضي إلى أن يربح أحد الشريكين أو الشركاء ويخسر الآخر، وإنما يكون الربح جزءاً مشاعاً(1)؛ كالنصف أو أقل أو أكثر بإجماع أهل العلم، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (19/323، 324)
كيفية التخلّص من الشركة المحرَّمة
رجل تشارك مع آخر في دكان لآلات التصوير، وقد تاب، فكيف يُنهي شراكته فيه بحيث لا يخسر ؟ وما حكم ما يأتيه من كسب هذا الدكان ؟
يُنهي الشراكة بالتقويم، ويصطلح هو وإياه على القيمة التي يرضاها الشخصان جميعاً، وما دخل عليه من ذلك فهو مباح له؛ إلا إذا كان شيء من ذلك قيمة لتصوير ذوات الأرواح أو شيء من المحرمات الأخرى - فلا يجوز له أكل ذلك؛ بل عليه أن يتوب إلى الله توبةً صادقة، ويعزم على عدم العودة إلى ذلك، ويتصدق به أو يصرفه في مشروع خيري .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (19/328)
الفصل السابع
الإجارة
حكم تأجير العقارات لبيع المحرَّمات أو فعلها
ما حكم تأجير المحلات والمستودعات لمن يبيع الأشياء المحرمة؛ مثل آلات اللهو، أو محلات الأغاني والبقالات التي تبيع الدخان والمجلات المخالفة لشرع الله، أو محلات الحلاقة المنتشرة ؟
وما حكم تأجير الأحواش والمنازل لمن يجتمعون فيها على آلات اللهو والتهاون في الصلاة أو تركها ؟
وما حكم الأموال التي يأخذها المكتب العقاري مقابل تأجيرها ؟
__________
(1) …أي: من الربح العام للشركة.(3/159)
تأجير المحلات والمستودعات لمن يبيع فيها أو يودع الأشياء المحرمة حرام؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله تعالى عنه في قوله: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2] .
وكذلك تأجير المحلات لمن يحلقون اللِّحَى؛ لأن حلق اللحى حرام، ففي تأجير المحلات له إعانة على المحرم وتسهيل لطريقه .
وكذلك تأجير الأحواش والمنازل لمن يجتمعون فيها على فعل المحرم أو ترك الواجب. وأما تأجير البيوت للسكنى إذا فعل الساكن فيها معصية أو ترك واجباً فلا بأس به؛ لأن المؤجِّر لم يؤجرها لهذه المعصية أو ترك الواجب، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"(1).
ومتى حرم تأجير المحلات أو المستودعات أو الأحواش أو المنازل فإن الأجرة المأخوذة على ذلك حرام، وما يأخذه المكتب العقاري من السعي حرام أيضاً؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللهَ إذا حَرَّمَ شيئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ" (2) .
أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم، ويطيّب رزقنا، ويجعله عوناً لنا على طاعته .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى معاصرة، ص (59)
تحريم تأجير العقارات على البنوك
لي دكاكين تقع على طريق الحجاز، وتقدم البنك الوطني لاستئجارها، وحيث إن هذا البنك من البنوك التي تتعامل بالربا؛ فهل يجوز لي تأجير هذا البنك وأمثاله ممن يتعامل بالربا ؟ أفتونا أثابكم الله .
لا يجوز ذلك؛ لكون البنك المذكور سيتخذها مقراً للتعامل بالربا المحرم، وتأجيرها عليه لهذا الغرض تعاون معه في عمل محرم، وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
__________
(1) …البخاري (1)، ومسلم (1907) .
(2) …مسلم (1579) بنحوه.(3/160)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/36، 37)
تحريم تأجير العقارات على المقاهي
إنني أملك بناية قرب المدينة المنورة، مشتركة بيني وبين أخي، ولم نجد من يستأجرها منا سوى رجل يضعها مقهى، والمقهى يستلزم وضع شيش الجراك والتلفزيون؛ مع العلم بأن المقهى هذا مقابل للمسجد الجامع، لا يفصل بينهما إلا الشارع .. فهل يجوز لنا شرعاً أن نؤجر محلنا على من يضع فيه هذه الأشياء المذكورة ؟
لا يجوز أن يؤجر المحل على من يستعمله في محرم؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2]، وهذه المسألة المسؤول عنها داخلة في ذلك، مع ما فيه من أذى الداخل في المسجد والخارج منه، والجماعة في وقت الصلاة، وعليكم بالصبر حتى تجدوا من يستأجره لغير هذا الغرض وأبشروا بالخير؛ لقول الله سبحانه: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *}[الطّلاَق، الآيتان: 2-3] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/444)
تحريم تأجير المحل على المُصوِّر أو حالق اللِّحى
ما قولكم - وفقكم الله - فيمن يؤجر دكاناً أو نحوه على من يجعله مكاناً للتصوير أو للحلاقة، ومن ذلك حلق اللحى ؟ وما حكم أخذ الأجرة على من هذا عمله ؟(3/161)
الأصل في إجارة الدكاكين الجواز؛ لكن إذا علم أو غلب على ظن المؤجر أن المستأجر سيستعملها في محرم كالتصوير، أو بيع الخمور، أو حلق اللحية، ونحو ذلك من المحرمات - لم يجز أن يؤجرها له .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/445)
تحريم تأجير المحل على بائع الأغاني
لقد تم إيجار محل من والدي لرجل، وهذا الرجل قام بإيجاره من شخص يبيع الأغاني والموسيقى، وقلت لوالدي: هذا حرام، ويجب أن تخرجه، لكن الأمر الذي حصل: أن الرجل الذي استأجر المحل من والدي هو الذي قام بإيجار الدكان من صاحب الأغاني، ثم قرأت كتاباً فيه: إنه حرام أن يؤجر الرجل من أصحاب الأغاني، وقلت لوالدي هذا وأعطيته الكتاب؛ لكنه قال لي: إن الأغاني هي حرام وليس الأجار، فقلت أنا: لا، بل حرام، وصار نقاش حول هذا الموضوع، فقلت: سوف أكتب لسعادتكم لكي توضحوا لوالدي هذا الشيء الخطير، وطلب والدي مني الدليل على أن إيجار الدكان من صاحب الأغاني حرام .
لا يجوز تأجير المحل لمن يبيع آلات الأغاني والموسيقى وأشرطتها؛ لما في ذلك من إعانتهم على المحرم، وتمكينهم من ترويج باطلهم؛ لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة، من الآية: 2] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/446)
حكم تأجير المحل على بائع الدخان والمجلات الخليعة
ما حكم تأجير الدكاكين على أصحاب البقالات الذين من جملة مبيعاتهم الدخان، وكذلك تأجير المحلات على أصحاب المكتبات الذين من جملة مبيعاتهم المجلات الخليعة ؟(3/162)
يشترط لصحة الإجارة: أن تكون على منفعة مباحة، وبيع الدخان والمجلات الخليعة عمل محرم، فيجب على صاحب المحل حينما يؤجر أن يشترط على المستأجر إذا كان لا يثق منه أن لا يستعمله في محرم، فإذا خالف الشرط فله أن يفسخ الإجارة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/447)
حكم الإيجار المنتهي بالتمليك
قرار رقم (198) وتاريخ 6/12/1420هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه .. وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء، درس موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك في دوراته التاسعة والأربعين، والخمسين، والحادية والخمسين، بناءً على استفتاءات متعددة وردت إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، واطلع على البحوث المعدة في الموضوع من قبل عدد من الباحثين . وفي دورته الثانية والخمسين المنعقدة في مدينة الرياض ابتداء من تاريخ 29/10/1420هـ استأنف دراسة هذا الموضوع، وبعد البحث والمناقشة رأى المجلس بالأكثرية أن هذا العقد غير جائز شرعاً؛ لما يأتي:
أولاً: أنه جامع بين عقدين على عين واحدة غير مستقر على أحدهما، وهما مختلفان في الحكم متنافيان فيه . فالبيع يوجب انتقال العين بمنافعها إلى المشتري، وحينئذ لا يصح عقد الإجارة على البيع لأنه ملك للمشتري، والإجارة توجب انتقال منافع العين فقط إلى المستأجر. والمبيع مضمون على المشتري بعينه ومنافعه، فتلفه عليه عيناً ومنفعة، فلا يرجع بشيء منهما على البائع، والعين المستأجرة من ضمان مؤجرها، فتلفها عليه عيناً ومنفعة، إلا أن يحصل من المستأجر تعد أو تفريط .(3/163)
ثانياً: أن الأجرة تقدر سنوياً أو شهرياً بمقدار مقسط يستوفى به قيمة المعقود عليه؛ يعده البائع أجرة من أجل أن يتوثق بحقه حيث لا يمكن للمشتري بيعه. مثال ذلك: إذا كانت قيمة العين التي وقع عليها العقد خمسين ألف ريال وأجرتها شهرياً ألف ريال حسب المعتاد؛ جعلت الأجرة ألفين، وهي في الحقيقة قسط من الثمن حتى تبلغ القيمة المقدرة، فإن أعسر بالقسط الأخير مثلاً سحبت منه العين باعتبار أنها مؤجرة، ولا يرد عليه ما أخذ منه؛ بناءً على أنه استوفى المنفعة . ولا يخفى ما في هذا من الظلم والإلجاء إلى الاستدانة لإيفاء القسط الأخير .
ثالثاً: أن هذا العقد وأمثاله أدى إلى تساهل الفقراء في الديون حتى أصبحت ذمم كثير منهم مشغولة منهكة، وربما يؤدي إلى إفلاس بعض الدائنين لضياع حقوقهم في ذمم الفقراء. ويرى المجلس أن يسلك المتعاقدان طريقاً صحيحاً وهو أن يبيع الشيء ويرهنه على ثمنه ويحتاط لنفسه بالاحتفاظ بوثيقة العقد واستمارة السيارة ونحو ذلك .
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
هيئة كبار العلماء - مجلة الدعوة - العدد (22) محرم 1421هـ
حكم تأجير العقارات داخل حدود الحرم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. سماحة الشيخ: عبدالعزيز بن باز مفتي عام المملكة حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أفيدكم أن لي عمارة داخل حدود الحرم أقوم بإيجارها، وقد سمعت أن إيجار دور الحرم أو مكة فيه شبهة، وبعض العلماء قال: إنه حرام . وحيث إن هذا المال أنفقه على أهلي وأريد الحلال؛ فماذا عن جوابكم ؟ وإن كان حراماً ماذا أفعل في الإيجارات السابقة التي أنفقت أكثرها على أهلي ونفسي ؟ أرجو التكرم بالإجابة وجزاكم الله خيراً .
ملاحظة: أرجو ذكر الدليل حتى يطمئن قلبي .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته: لا حرج عليكم في ذلك إن شاء الله . وفق الله الجميع، والسلام عليكم .(3/164)
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (19/336)
الفصل الثامن
الوقف
حكم إخراج المصحف من الحرم
هل يجوز إخراج المصحف من الحرم للقراءة به في البيت ؟
ما كان وقفاً من المصاحف والكتب لينتفع بها في مكان معين لا يجوز إخراجها إلى غيره؛ سواء كان حرماً أم غيره، إلا إذا تعطل مكانها فتنقل إلى مثله أو أفضل في الانتفاع. وما كان وقفاً للانتفاع به مطلقاً جاز الانتفاع به في غير مكانه من بيت وغيره بإذن المشرف على الوقف، ثم المصاحف كثيرة وثمنها زهيد، ولا ضرورة إلى إخراجها من مكانها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/19، 20)
لا يجوز بيع الكتب الموقوفة ونحوها
هناك بعض الكتب والأشرطة يبعثها بعض الإخوة والمؤسسات الخيرية ليست موقوفة؛ أي: ليس مكتوب على الغلاف: (وقف لله تعالى)، أو يهدى ولا يباع، يكتب عليها ثمن الكتب، فهل يجوز بيعها عن الاستغناء عنها ؟ وهل يجوز بيعها من أجل شراء كتب وأشرطة أخرى ؟
ما يوزع من الكتب والأشرطة مجاناً من قبل المتبرعين والمؤسسات الخيرية - يعتبر وقفاً فلا يجوز بيعه، ولا التجارة به، ومن استغنى عنه دفعه إلى من هو محتاج إليه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/24) حكم أخذ الكتب من المكتبة المدرسية وعدم إعادتها(3/165)
الأخت من عنيزة في المملكة العربية السعودية تقول في سؤالها: في سنوات دراستي الماضية كان لدينا في مدرستنا مكتبة تضم عدداً من الكتب والمجلات وكانت لا تلقى أي اهتمام من الطالبات، وقدكنت أحب القراءة واقتناء الكتب وأعجبتني بعض الكتب الدينية التي كانت فيها، وكذلك الكتب الطبية والقصصية وهي حوالي أربعة كتب، وقد أخذتها من مكتبة المدرسة حتى أقرأها وأعيدها، وفي زحمة الدراسة نسيت أن أعيدها إلى المكتبة، وبعد أن تخرجت من المدرسة بحوالي ثلاث سنوات قالت لي إحدى الأخوات: إن أخذ هذه الكتب وعدم إرجاعها حرام ومحاسبون عليه يوم القيامة، مع العلم أنني عندما أخذتها لم أكن أعلم بحكم أخذها، وكذلك لم يكن للمكتبة أي اهتمام من المدرسات أو الطالبات، وأنا قد استفدت منها وخاصة الدينية، ولا أود أن أعيدها؛ لأن فيها أحكاماً أفادتني .. فما الحكم في ذلك ؟ جزاكم الله خيراً .
الواجب عليك ردها إلى المكتبة لأنها في حكم الوقف على المكتبة، ولا يجوز لأحد أن يأخذ من المكتبات العامة ولا من المكتبات المدرسية شيئاً إلا بإذن المسؤول عنها على وجه العارية لمدة محدودة، وعليك مع ذلك التوبة إلى الله مما فعلت . ونسأل الله أن يتوب عليك ويغفر لك؛ إنه خير مسؤول .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (42)، ص (138)
حكم تبادل الكتب الموقوفة
الكتب المأخوذة من دائرة الإفتاء أو الرابطة بمكة أو كتب الوقف عموماً .. هل يجوز بيعها عند الضرورة أو عدمها ؟ ثم هل يجوز تبديل المكرر منها أو أن يعتمد الطالب ويأخذ أكثر من مرة ثم يبدل المكرر مع غيره من الأشخاص ؟(3/166)
لا يجوز بيع الكتب المذكورة ونحوها من الكتب الموقوفة، وعلى صاحبها أن يستفيد منها أو يدفعها إلى من يستفيد منها بدون مقابل، ولا يجوز له أن يأخذ من الرئاسة أو الرابطة أكثر من مرة بطريق الكذب والحيلة. وأما تبادل الكتب الموقوفة بين طلبة العلم بدون عوض، بل على حسب الحاجة، فلا نعلم في ذلك حرجاً إن شاء الله؛ لأن المقصود من ذلك الاستفادة لا المعاوضة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/25)
هل يجوز للإمام تأجير بيت المسجد ؟
رجل وقف على إمام المسجد داراً .. فهل لإمام المسجد تأجيرها إذا لم يرغب سكناها وأخذ الأجرة أم لا ؟
يجوز لإمام المسجد أن يؤجر الدار الموقوفة على الإمام ويأخذ أجرتها لنفسه، ولا حرج في ذلك ما دام قائماً بالإمامة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/58)
حكم الرجوع في الوقف
هل يصح - إذا اتخذ رجل من الناس مسجداً تحت بيته تقام فيه الجماعات، ولكن لا تقام فيه الجمعة - أن يحوله إلى شيء آخر، مثلاً: متجر أو خلافه غير المسجد إذا أراد ذلك أو احتاج ؟
إذا اتخذ مسلم مسجداً تحت بيته ليصلى فيه، وخلى بينه وبين الناس فصلوا فيه؛ فلا يجوز له أن يرجع فيه؛ لا باتخاذه مسكناً أو متجراً، ولا أن يبيعه أو يؤجره أو نحو ذلك من أنواع التصرف، ولو لم تصل فيه الجمعة؛ لأنه باتخاذه مسجداً والتخلية بينه وبين الناس قد صار وقفاً خارجاً من ملكه، لا يباع ولا يوهب ولا يورث .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/88، 89)
الفصل التاسع
الهِبَة (الهدية ، العطية)
شروط الهَدِيَة
ما هي الشروط الشرعية لجواز الهدية ؟
يشترط لجواز الهدية:(3/167)
1-…الإيجاب والقبول، فيقول الواهب مثلاً: وَهَبْتُك كذا، ويقول الموهوب له: قَبِلْتُ، وأي قول أو فعل دل على هذا المعنى فله حكمه .
2-…أن تكون في معلوم، فلا تصح في مجهول .
3-…أن تكون مقدوراً على تسليمها، فلا تصح في المعجوز عن تسليمه .
4- لا تكون في المبيع قبل قبضه .
5-…ألا تكون مُعَلَّقة على شرط مستقبل .
6-…العدل فيها، إذا كانت للأولاد؛ فلا يجوز أن يخص الوالد أحداً من أولاده بشيء دون الآخرين، على سبيل الأثرة .
7-…ألا يقصد بها معنى الرشوة كهدايا العمال، مثل: هدية المراجع للموظف، والطالب لأستاذه في الدراسة النظامية .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/170) يستحب الرد على الهدية بمثلها
إن من طبع أهالي قريتي أنه إذا حصلت مناسبة، يذهبون إلى المرأة التي حصلت عندها المناسبة بهدايا ونقود، والواجب عليها ردها لهم في مناسباتهم؛ فما الحكم إذا وقعت مناسبة وليس بيدها شيء ؟ وهل هذا حرام ؟
يستحب لمن أهدي له شيء أن يرد مثله أو أفضل منه، لكن الواجب على أهل القرية ألا يلزموا الفقير بأن يرد عليهم مثل هداياهم؛ بل المشروع أن يهدي المسلم الهدية وهو لا ينتظر لها مقابلاً، بل ينتظر الثواب من الله سبحانه وتعالى، ومن أهدي له شيء فلا يجب عليه أن يرد على المهدي شيئاً، وإن رد شيئاً فهو أفضل .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/172)
حكم شراء المُهدِي الهدية من المُهدَى له
رجل أعطى أخاه سيارة هدية، فأراد الذي أهدي إليه أن يبيع السيارة؛ فهل للذي أهدى السيارة أن يشتريها أم لا يحل له أن يشتريها ؟(3/168)
لا يجوز للمهدي أن يشتري ما أهداه لأخيه، فعن عمر رضي الله عنه قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فظننت أنه بائعه بِرُخْصٍ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: "لا تَبْتَعْهُ وإنْ أعطاكَهُ بدِرْهِم، فإن العَائِدَ في صَدَقَتِهِ كالكلب يَعُودُ فِي قَيْئِهِ" (1) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/184)
حكم شراء المُهْدِي الهدية من طرف ثالث
رجل وهب لرجل سيارة بدون مقابل، وباعها - الموهوبة له - على شخص آخر، وأراد صاحبها الأول الذي درجت منه على سبيل الهدية أن يشتريها من الأخير الذي اشتراها، فهل هذا جائز ويعتبر من تغير الصفة ؟
يجوز شراء الهبة في الصورة المذكورة؛ لأن الواهب اشتراها من غير الموهوبة له .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/184)
وجوب العدل بين الأولاد في الهبة
بما أني اشتريت داراً بجدة، وكتبت هذه الدار باسم ابني أحمد الأكبر حسبما هو مسجل بالصك المرفق، فعليه أرجو التكرم منكم بإفتائي: هل يجوز أن يبرّ شخص ويحرم الآخرون ؟
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، واطلاعها على الصك المرفق المثبت لما ذكره المستفتي كتبت الجواب التالي:
حيث جاء في صورة الصك المرفق، الصادر من كاتب عدل جدة برقم 200 في 29/3/1391هـ، وقد جاء في هذا الصك ذكر شرائك لبيت معلوم المساحة والحدود في جدة بستة آلاف ريال ومائتي ريال سعودي من مال ابنك أحمد القاصر، المتبرع به منك له، وقد جعلت البيت لابنك المذكور ا.هـ .
__________
(1) …البخاري (1490) وأطرافه عنده، ومسلم (1620، 1621).(3/169)
فبناء على ذلك وعلى سؤالك: فتفضيلك لابنك أحمد على بقية أولادك لا يجوز، وإنما المشروع في عطية الأولاد هو التسوية بينهم في العطاء على السواء، ولا يجوز التفضيل إلا لمسوغ شرعي؛ لكون أحدهم مقعداً أو صاحب عائلة كبيرة أو لاشتغاله بالعلم، أو صرف عطية عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه .
والأصل في مشروعية التسوية: ما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: تصدق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي - عَمْرَةُ بنتُ رَوَاحَة رضي الله عنها -: لا أرضَى حتى تُشهِد عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانطلق أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لِيُشْهِدَهُ على صَدَقَتِي، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَفَعَلْتَ هذا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ ؟ قال: لا، قال: اتقُوا الله واعْدِلُوا بين أولادكم قال: فرجع أبي فردَّ تلك الصدقة، وفي لفظ قال: فَارْدُدْهُ ، وفي لفظ: فَأَرْجِعْهُ ، وفي لفظ: لا تُشْهِدْنِي على جَوْرٍ ، وفي لفظ: فَأَشْهِدْ علَى هذا غيري (1)، وفي لفظ: سَوِّ بينهم (2) متفق عليه. فهذا الحديث يدل على التحريم؛ لأنه سماه جوراً، وأمر برده، وامتنع من الشهادة عليه، والجور حرام، والأمر يقتضي وجوب رده، ووجوب التسوية بينهم، وأما إذا فضل بعضهم على بعض لمسوغ شرعي نحو ما تقدم؛ فقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على الجواز، فإنه قال في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه(3).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/192-194)
متى يجوز التمييز بين الأولاد في الهبة ؟
__________
(1) …البخاري (2586، 2587، 2650)، ومسلم (1623)، ولفظ الأصل له.
(2) …أحمد (4/268، 276)، والنسائي (3685، 3686)، وابن حبان (5098).
(3) …انظر: «المغني» لابن قدامة (5/388).(3/170)
أرجو من سماحتكم إفتائي عن الأمور التالية: (منها):
إذا كان للوالد أبناء يعيشون بعيداً عن والدهم، ومستقلين مالياً عنه، وأبناء آخرون يعيشون تحت كنف والدهم وقائمون بخدمته وتحت تصرفاته، فهل يجوز أن يبرهم والدهم بشيء من المال في حياته أو بعد مماته مقابل تضحيتهم ومرابطتهم مع والدهم، وكذلك الحال أيضاً إذا كان له أكثر من زوجة وبنفس الصورة المذكورة ؟
يجوز للوالد أن يعطي من أولاده من قام لخدمته، والقيام بشؤونه مقابل هذه الخدمة، وليس في ذلك تفضيل له عن إخوته الآخرين، بشرط أن يكون ما يدفعه له هو أجرة المثل؛ سواء كان ذلك يومياً أو شهرياً أو سنوياً.... .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/201، 204)
حكم تصرف الوالد بمال الابن
س1: هل يجوز التصرف في الأموال من قبل الوالدين إذا أهديت لأولادهم؛ سواء كانت عينية أم نقدية ؟
ج1: يجوز ذلك عند الحاجة دون إضرار بالولد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أَطْيَبَ ما أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وإنَّ أولادَكُم من كَسْبِكُم" (1) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/252)
س2: إذا قام شخص بإرسال نقود لوالده ليحفظها له كأمانة عنده لدى عودته إلى بلده، أو تخويل الوالد باستثمارها له (للابن)، ثم قام الوالد بشراء قطعة أرض لنفسه وسجلها باسمه؛ فهل للولد أن يطلب من والده أن يقوم بتسجيل الأرض باسمه (باسم الابن) ؟ أم يطالبه بأن يعطيه نقوده التي سبق أن أرسلها إليه ؟ أم ماذا يفعل في هذه الحالة ؟
__________
(1) …أحمد (2/179، 214)، (6/41، 162، 201)، وأبو داود (3530)، الترمذي (1358) وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه (2290، 2292)، والحديث في «صحيح أبي داود» للألباني، برقم (3015).(3/171)
ج2: إذا كان الواقع من حالك ما ذكرت، فلك أن تطلب حقك من أبيك بالمعروف، إلا إذا كان محتاجاً لغلة ما أعطيته، فإن استجاب لك فالحمد لله، وإن كان محتاجاً له أو لغلته للإنفاق على نفسه ومن يعول فليس لك مطالبته؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنتَ ومالُكَ لأَِبِيك" (1) حين قال له رجل: إن أبي اجتاج مالي، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ أَطْيَبَ ما أكلتُمْ من كسبكم، وإنَّ أولادَكُم مِن كَسْبِكُم" .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/253)
تحريم وضع حسابات للتبرعات في البنوك الربوية
هل يجوز وضع صناديق للتبرعات في البنوك الربوية ؟
لا يجوز وضع الصندوق المذكور لدى البنوك الربوية؛ لكونها تستعين بما يرد له في معاملاتها الربوية .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/259)
حكم العدل في تزويج الأبناء
رزقني الله بعدد من الأولاد - أصلحهم الله وبارك فيهم - منهم من تخرج وتزوج وتوظف، ومنهم من لم يتزوج بعد، فهل إذا قمت بمساعدة الذين لم يتزوجوا على الزواج دون من تم زواجهم يكون في ذلك حرج ؟ أفتوني جزاكم الله خيراً وضاعف مثوبتكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
يجب عليك أن تزوج من احتاج إلى الزواج من أبنائك إذا كان لا يقدر على الزواج من ماله، وأنت قادر على ذلك، وتقوم بتكاليف زواجه، ولا تدفع للأبناء المتزوجين والذين يقدرون على الزواج بأموالهم مثل ما دفعت في تزويج هذا الابن المحتاج؛ لأن هذا يعتبر من الإنفاق الواجب، وليس هو من العطية التي تجب فيها التسوية بين الأولاد .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
__________
(1) …أحمد (2/179، 214)، وأبو داود (3530)، وابن ماجه (2291، 2292). وصححه الألباني في: «صحيح ابن ماجه» (1855، 1856).(3/172)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/226)
الفصل العاشر
المسابقات
حكم الاشتراك في المسابقات العلمية
ما الحكم في الاشتراك في مسابقات علمية، أو معلومات عامة، وفي حالة الاشتراك قيمة الجائزة 10000 ريال ؟
يجوز؛ إذا كان ذلك في حل مسائل علمية تتعلق بالتوحيد، أو الفقه أو التفسير، وليس فيها دعاية إلى المحلات، أو إضاعة أوقات، ولا بأس بأخذ الجائزة في هذه الحال. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (213، 214)
حكم مسابقات الجرائد والمجلات (للشيخ ابن جبرين)
ما حكم الاشتراك في المسابقات التي تقيمها الجرائد والمجلات ؟
لا شك أن هذه الجوائز التي تمنحها الصحف والمجلات، ما قصدوا منها إلا مصلحتهم؛ حيث يكثر شراء تلك الصحف، وتنتشر وتروج بين الأفراد فيربحون ربحاً كثيراً، أضعاف ما يبذلونه من الجوائز، رغم أن تلك الصحف ليس لها ميزة عن غيرها؛ بل ربما يكون فيها فساد وشر، وصور فاتنة، ومقالات منكرة، فيقصدون ترويجها بين الناس بهذه الجوائز؛ فعلى هذا لا يجوز الاشتراك فيها؛ لما فيه من تشجيعهم، وتقوية صحفهم، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين ، ص (212، 213)
حكم مسابقات الجرائد والمجلات (للجنة الدائمة)
ما حكم شراء الصحف بغرض الفوز بالمسابقة التي تطرح فيها مقابل مبلغ من المال لمن يحالفه الحظ ؟ علماً بأن المسابقة عبارة عن أسئلة ثقافية عامة، ويتخللها بعض الأسئلة الدينية .
هذه المسابقات التي تنشر في الصحف، الغرض منها ترويج الصحف والدعاية لها، وليس القصد منها نشر العلم، فلا تجوز المشاركة فيها؛ لأن ذلك من أكل المال بالباطل؛ لما فيها من المقامرة، وقد تكون هذه الصحف أو المجلات التي تعمل المسابقات تحمل أفكاراً سيئة، تريد ترويجها ونشرها، فيجب الحذر منها وعدم الاشتراك فيها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(3/173)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5/182، 183)
حكم الاشتراك في مسابقات المحلات التجارية
ما حكم الاشتراك في المسابقات التي تقيمها المحلات والمؤسسات التجارية، وهي قد تشترط على المشارك شراء شيء من سلعها، وقد لا تشترط ذلك ؟
هذه أيضاً من الدعايات إلى ترويج السلع، وإشهار الأماكن، ونشر سمعة بين الناس، لهذه المحلات، فننصح بعدم الشراء منهم لأجل تلك الجوائز. أما إذا اشترى منهم لحاجته إلى السلع، ولم يقصدهم، ويذهب إلى محلاتهم البعيدة لأجل الشراء، بل اشترى منهم لقربهم منه؛ فلا بأس بأخذ الجوائز ونحوها .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (213)
حكم ورقة ما يسمى (بالحظ الوافر)
أنا شاب أردني اشتريت منذ فترة قصيرة ورقة يدرج فيها مجموعة من الأسماء، وعددهم خمسة أشخاص بدينارين، ثم أدفع دينارين للشركة المشرفة، ودينارين للأسم الأول في القائمة، عندها أكون قد دفعت ما مجموعه 6 دنانير، عندها يكون اسمي رقم (15) ويكون رقم (1) قد خرج من القائمة. وعندها أحصل على ثلاث أوراق مشابهة أبيعها لثلاثة أشخاص بمبلغ دينارين للورقة الواحدة، وبذلك أسترجع ما كنت قد دفعته، وكل واحد من المشتركين الثلاثة الجدد يعمل نفس الخطوات وهكذا إلى أن أصل إلى رقم واحد في (243 قائمة) وبذلك أحصل على (2×243=486 دينار)، أرفق مع رسالتي هذه نسخة من التعليمات. وقد حصلت فعلاً على هذا المبلغ. أريد من سماحتكم رأي الحكم الإسلامي بذلك لأريح ضميري، مع أن هذه العملية انتشرت انتشاراً واسعاً في صفوف الناس في كل من قبرص، عمان، والزرقاء. وما الحكم في الفلوس التي حصلت عليها من جراء هذه العملية ؟ راجياً الرد من سماحتكم على رسالتي هذه .(3/174)
إذا كان الأمر كما ذكر؛ فهذه المعاملة نوع من القمار والميسر الذي نهى الله عنه بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *}[المَائدة] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/211، 212)
حكم الجوائز في المباريات الرياضية
في المسابقات الرياضية تقدم جوائز للفريق الفائز - كأس - ما حكمه في الإسلام ؟ علماً بأن الدراهم تؤخذ من الفرق المشاركة في الدورة ويتم بهذه الدراهم شراء الكأس .
لا يجوز أخذ المال على المسابقات الرياضية؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا سَبَقَ إلا في نَصْلٍ أو خُفٍّ أو حَافِر" (1)؛ لأن المسابقات على هذه الثلاث فيها تدريب على الجهاد، بخلاف المسابقات الرياضية، فليست كذلك، فلا يجوز أخذ العوض عليها، والمراد بالثلاث المذكورة بالحديث: الإبل والخيل والسلاح .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/173)
حكم مشاهدة المباريات الرياضية
ما حكم مشاهدة المباراة الرياضية، المتمثلة في مباراة كأس العالم وغيره ؟
__________
(1) …أحمد (2/256، 358، 385، 424، 474)، وأبو داود (2574)، والترمذي (1700) وقال «حديث حسن»، وصححه الألباني - كما في «صحيح سنن أبي داود» برقم (2244).(3/175)
مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام؛ لكون ذلك قماراً؛ لأنه لا يجوز أخذ السبق وهو العوض إلا فيما أذن فيه الشرع، وهو المسابقة على الخيل والإبل والرماية، وعلى هذا فحضور المباريات حرام ومشاهدتها كذلك، لمن علم أنها على عوض؛ لأن في حضوره لها إقراراً لها، أما إذا كانت المباراة على غير عوض ولم تشغل عن ما أوجب الله من الصلاة وغيرها، ولم تشتمل على محظور؛ ككشف العورات، أو اختلاط النساء بالرجال، أو وجود آلات لهو - فلا حرج فيها ولا في مشاهدتها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/238، 239)
حكم المُراهَنة
هل المراهنة تعتبر قانونية ؟
المراهنة في حكم القمار، ولا يجوز استعمالها إلا إذا كانت فيما أباحه الشرع المطهر، وذلك في المسابقة بالإبل والخيل والرمي؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا سَبَقَ إِلاَّ في نَصْلٍ أو خُفٍّ أو حَافِر" (1) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/168)
تحريم ما يسمى بـ(كوبونات) سباق الخيل
لدينا مجموعة من الأشخاص يقومون بشراء المجلة الرياضية، الصادرة عن جريدة (الشرق الأوسط)، والقصد من ذلك: تعبئة كوبون بها، خاص بسباق الخيل، حيث يقومون بتحديد الفرس الفائز في السباق لكل شوط، ويعبئون عدة كوبونات من عدة مجلات بقصد الفوز بالجائزة، ويخسرون بذلك مبلغاً من المال .
نرجو من سماحتكم فتوى في ذلك، حيث إننا بحاجة لتلك الفتوى حتى يعلم هؤلاء الأشخاص الحكم الشرعي في هذا الأمر، وفقكم الله ونفع بعلمكم المسلمين .
__________
(1) …أحمد (2/256، 358، 385، 424، 474)، وأبو داود (2574)، والترمذي (1700) وقال «حديث حسن»، وصححه الألباني - كما في «صحيح سنن أبي داود» برقم (2244).(3/176)
هذا العمل لا يجوز؛ لأنه من الرهان المحرم الذي يدخل في الميسر، والله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *}[المَائدة] . وعليه فهو أكل المال بالباطل .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/224، 225)
حكم ما أخذ من جوائز قبل العلم بالتحريم
لقد قرأنا الفتوى المنسوبة إليكم والتي فيها بيان تحريم الجوائز المقدمة من المحلات، والمؤسسات التجارية، بقصد ترويج بضاعتهم. والسؤال: ما الحكم في من كان عنده شيء من هذه الجوائز التي حصل عليها قبل أن يعلم بالتحريم: هل يعيدها أم يكسرها أم يستخدمها ؟
من كان عنده شيء من الجوائز التي حصل عليها من التجار لترويج بضائعهم قبل العلم بالتحريم؛ فإنه لا حرج عليه في استعمالها؛ لكونه معذوراً بالجهل؛ عملاً بقول الله سبحانه فيمن عامل بالربا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}[البَقَرَة، من الآية: 275]. أما ما حصل عليه من الجوائز بعد العلم بالتحريم فإنه يتصدق بها أو يبيعها وينفق ثمنها في وجوه البر، وذلك للتخلص منها مع التوبة إلى الله سبحانه من ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/178)
الفصل الحادي عشر
الموظفون والعمال
وجوب مراقبة الله في أداء العمل
بعض الموظفين والعاملين لا يعطون عملهم الحماسة اللازمة؛ فنجد بعضهم يمر عليه عام فأكثر وهو لا يأمر بخير ولا ينهى عن شر ويتأخرعن العمل، ويقول: أنا مأذون من رئيسي فلا عليّ شيء. فمن كانت هذه حاله فهل عليه شيء في دينه ما دام على هذه الحال ؟ أفتونا جزاكم الله خيراً .(3/177)
أولاً: المشروع لكل مسلم ومسلمة التبليغ عن الله سبحانه وتعالى لما سمع من الخير؛ كما دل على ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "نَضَّرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مقَالَتِي فوَعَاهَا، ثم أَدَّاها كما سَمِعَها" (1)، وقال عليه الصلاة والسلام: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً" (2)، وكان إذا خطب الناس وذكَّرهم يقول: "فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؛ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ"(3).
فأنا أوصيكم جميعاً أن تبلغوا ما سمعتم من الخير عن بصيرة وتثبت. فكل من سمع علماً وحفظه يبلغ أهل بيته وإخوانه ومجالسيه ما يرى فيه الخير من ذلك، مع العناية بضبط ذلك وعدم التكلم بشيء لم يحفظه؛ حتى يكون من المتواصين بالحق ومن الدعاة إلى الخير .
أما الموظفون الذين لا يؤدون أعمالهم أو لا ينصحون فيها فقد سمعتم أن من خصال الإيمان أداء الأمانة ورعايتها - كما قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَْمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النِّسَاء، من الآية: 58]، فالأمانة من أعظم خصال الإيمان، والخيانة من أعظم خصال النفاق. كما قال الله سبحانه في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ *}[المؤمنون]، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *}[الأنفَال] .
__________
(1) …أخرجه باختلاف يسير وبزيادة فيه: أحمد (3/225، 4/80، 82)، والترمذي (2658)، وابن ماجه (230)، والدارمي (228)، والبزار في «مسنده» (3416)، وهو الأقرب إلى المذكور هنا، وآخرون. وصححه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (187، 188، 193).
(2) …البخاري (3461) .
(3) …البخاري (1741)، ومسلم (1679) .(3/178)
فالواجب على الموظف أن يؤدي الأمانة بصدق وإخلاص وعناية وحفظٍ للوقت حتى تبرأ الذمة ويطيب الكسب ويرضي ربه وينصح لدولته في هذا الأمر أو للشركة التي هو فيها أو لأي جهة يعمل فيها؛ هذا هو الواجب على الموظف أن يتقي الله وأن يؤدي الأمانة بغاية الإتقان وغاية النصح يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ويعمل بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَْمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النِّسَاء، من الآية: 58] .
ومن خصال أهل النفاق: الخيانة في الأمانات؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ"(1).
فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بأهل النفاق؛ بل يجب عليه أن يبتعد عن صفاتهم، وأن يحافظ على أمانته وأن يؤدي عمله بغاية العناية ويحفظ وقته ولو تساهل رئيسه، ولو لم يأمره رئيسه فلا يقعد عن العمل أو يتساهل فيه، بل ينبغي أن يجتهد حتى يكون خيراً من رئيسه في أداء العمل والنصح في الأمانة، وحتى يكون قدوة حسنة لغيره .
الشيخ ابن باز - فتاوى للموظفين والعمال، ص (7 -9)
حكم مراعاة معارف المدير
أحياناً يطلب مني المدير التساهل في بعض الأشياء لأجل بعض معارفه أو أقاربه؛ فهل يجوز لي أن أقوم بذلك ؟ مع العلم بأن بعض هذه الأشياء يكون روتينياً وليس بذات أهمية، وبعضها مهم وله تأثير .
__________
(1) …البخاري (33)، ومسلم (59) .(3/179)
يجب على الإنسان أن يعامل الناس بالعدل، وألا يحابي قريباً ولا صديقاً، لا له ولا لمسؤوله؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"(1). فلا يجوز أن يحابي أقارب المسؤول أو أصدقاءه من أجله؛ سواء كان هذا النظام كما قال السائل له أهمية، أو أنه أمر روتيني، فإن كل شيء وضعته الحكومة وهو لا يخالف الشرع يجب علينا أن نقوم به؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ} [النِّسَاء، من الآية: 59]
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (15)
حكم هدايا الموظفين إلى مُدِيرِيهم
ما حكم من يسلم أشياء ثمينة بدعوى أنها هدية لمن يرأسه في العمل ؟
__________
(1) …البخاري (3475)، ومسلم (1688) .(3/180)
هذا خطأ ووسيلة لشرٍّ كثير، والواجب على الرئيس ألا يقبل الهدايا؛ فقد تكون رشوة ووسيلة إلى المداهنة والخيانة؛ إلا إذا أخذها للمستشفى ولمصلحة المستشفى لا لنفسه، ويخبر صاحبها بذلك فيقول له: هذه لمصلحة المستشفى لا آخذها أنا. والأحوط ردّها ولا يقبلها له ولا للمستشفى؛ لأن ذلك يجره إلى أخذها لنفسه، وقد يساء به الظن، وقد يكون للمهدِي بسببها جرأة عليه وتطلّع لمعاملته أحسن من معاملة غيره؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما بعث بعض الناس لجمع الزكاة قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فأنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وخطب في الناس وقال: "مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي! أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا ؟!" (1) . وهذا الحديث يدل على أن الواجب على الموظف في أي عمل من أعمال الدولة أن يؤدي ما وكل إليه، وليس له أن يأخذ هدايا فيما يتعلق بعمله، وإذا أخذها فليضعها في بيت المال، ولا يجوز له أخذها لنفسه؛ لهذا الحديث الصحيح، ولأنها وسيلة للشر والإخلال بالأمانة . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الشيخ ابن باز - فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة، ص (44، 45)
المدير راعٍ ومسؤول عن رعيَّته
هل يجب على من تولى أمراً من الأمور ومعه موظفون تحت سلطته أن يأمر المقصر منهم في الصلاة بأدائها وهكذا غيرها من أمور الشرع ؟ وهل يدخل ذلك في حديث: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ؟"
__________
(1) …البخاري (6636)، ومسلم (1832) .(3/181)
يلزم كل مسؤول أن يأمر من تحت يده من الموظفين بما أوجب الله؛ كأداء الصلاة في الجماعة، وأداء الأمانة في الوظيفة، وترك ما حرم الله عليهم من الغش والخيانة وإيذاء المراجعين وظلمهم وغير ذلك. وهو داخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (1) .
الشيخ ابن باز - فتاوى للموظفين والعمال، ص (70)
صاحب العمل مسؤول عن استقامة عُمَّاله
ما حكم من يعمل لديه مدمن خمر وتارك صلاة ؟
الواجب على صاحب العمل مناصحة من تحت يده من عماله عن ترك الواجبات وفعل المحرمات؛ فإن استجابوا لذلك فهذا هو المطلوب، وإلا فالواجب على صاحب العمل استبدالهم بخير منهم؛ لعل ذلك يكون رادعاً لهم عن أفعالهم المحرمة، فيقلعوا عنها ويتوبوا إلى الله سبحانه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/390)
حكم استخدام المدير موظفيه لمصالحه الخاصة
إنني رئيس في إحدى الدوائر ولدي موظفون وسائقون، وفي بعض الأحيان أستخدم أحدهم في أعمال خاصة بي .. فهل في هذا شيء عليّ ؟
لا يجوز لك أن تستخدم الموظفين والسائقين الذين هم تبع للدائرة الحكومية في مصالحك الخاصة؛ لأن هذا الاستخدام خارج عما خصصوا له من ناحية، واستغلال لموظفي الدولة لمصالحك الخاصة. وإذا كان عندك عمل خاص فاستأجر له على حسابك الخاص .
الشيخ الفوزان - كتاب الدعوة (8)، (3/53، 54 )
حكم الاستخدام الشخصي لسيارة العمل وأدواته
هل يجوز للمسلم الموظف في دائرة حكومية أن يستخدم سيارة العمل؛ علماً أن لديه سيارة يملكها ؟
__________
(1) …البخاري (893)، ومسلم (1829) .(3/182)
الموظف عند الدولة يعتبر كالعامل بأجرة؛ فهو مؤتمن على ذلك العمل الذي نيط به وفوض إليه، ومؤتمن على ما أعطيه من الأدوات والآلات التي يتم بها العمل الذي فوض إليه؛ فلا يستعمل شيئاً منها إلا في العمل الحكومي أو ما يتعلق به؛ فلا يركب السيارة المذكورة في حاجاته الشخصية ولا يستخدم الهاتف ونحوه في مصلحة خاصة، وكذا الدفاتر والأوراق والأقلام ونحوه. فالتورع عنها وعدم استعمالها لنفسه من تمام الأمانة؛ وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ *}[المؤمنون]، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (32، 33)
حكم التقصير في أعمال الوظيفة
ما حكم راتب الموظف الذي يتساهل في عمله ولا يؤديه على الوجه الأكمل: هل يصبح حراماً أم حلالاً ؟
إن راتبه فيه شبهة؛ ينبغي له أن يتقي الله وأن يعتني بعمله حتى لا يكون في راتبه شبهة؛ لأن الواجب عليه أن يؤدي الحق الذي عليه حتى يستحل الراتب، فإذا كان لا يبالي فراتبه بعضه حرام، فينبغي له أن يحذر ويتقي الله عز وجل .
الشيخ ابن باز - فتاوى للموظفين والعمال، ص (61)
حكم أخذ مكافأة «خارج الدوام» دون عمل
أنا موظف في إحدى الدوائر الحكومية، وأحياناً يصرف لنا بدل خارج وقت الدوام من إدارتنا بدون تكليفنا بالعمل خارج وقت الدوام وبدون حضورنا للإدارة، ويعتبرونه مكافأة للموظفين بين الحين والآخر، مع العلم أن رئيس الإدارة يعلم عنه ويقرّه. أفيدونا جزاكم الله خيراً ... هل يجوز أخذ هذا المال ؟ وإذا كان لا يجوز فكيف أعمل فيما استلمته من أموال في السابق مع العلم أني قد تصرفت فيها ؟ جزاكم الله خيراً .(3/183)
إذا كان الواقع ما ذكرت فذلك منكر لا يجوز؛ بل هو من الخيانة، والواجب رد ما قبضت من هذا السبيل إلى خزينة الدولة، فإن لم تستطع فعليك الصدقة به في الفقراء المسلمين وفي المشاريع الخيرية مع التوبة إلى الله سبحانه والعزم الصادق ألا تعود في ذلك؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ شيئاً من بيت مال المسلمين إلا بالطرق الشرعية التي تعلمها الدولة وتقرها. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (52)
كيفية التخلص من مكافأة انتداب وَهْمِي
انتدبت أنا وزميلي إلى إحدى المناطق لمدة أربعة أيام؛ إلا أنني لم أذهب مع زميلي وبقيت على رأس عملي. وبعد فترة استلمت ذلك الانتداب؛ فهل يجوز لي استهلاكه أم لا ؟ وإذا كان لا يحل لي أخذه فهل يجوز صرفه في مستلزمات المكتب الذي أعمل فيه ؟
الواجب عليك ردُّه؛ لأنك لا تستحقه لعدم قيامك بالانتداب، فإن لم يتيسر ذلك وجب صرفه في بعض جهات الخير: كالصدقة على الفقراء والمساهمة به في بعض المشاريع الخيرية، مع التوبة والاستغفار والحذر من العودة إلى مثل ذلك .
الشيخ ابن باز - فتاوى للموظفين والعمال، ص 61، 62
حكم الخروج قبل نهاية الدوام بقليل
ما الحكم في الخروج قبل نهاية الدوام بعشر دقائق خاصة إذا كان ذلك بعلم المدير المباشر وليس لديه عمل يقوم به ؟
يقال لنا إن خروج الموظف قبل نهاية الدوام بربع ساعة ونحوها مما يسمح فيه نظاماً؛ من أجل أن يصل الإنسان إلى بيته عند تمام الساعة (30:)2، فإذا كان الأمر كذلك فلا حرج أن يخرج الإنسان قبل هذه المدة. أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك وأن الموظف ملزم بالبقاء إلى انتهاء الدوام؛ فإنه لا يجوز لأحد أن يسرق من وقت الدوام شيئاً .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (52)
حكم التزوير للعلاج على حساب العمل(3/184)
وقعت لي حادثة خارج العمل، ولما عجزت عن تحمل مصاريف العلاج جعلتها حادثة عمل، ودفعت الشركة مصروفات العلاج، وأنا نادم الآن .. فهل ما فعلت حراماً ؟
يلزمك أن تخبر أهل الشركة بحقيقة الحال وتعرض عليهم ردّك ما صرفوا عليك من أجرة العلاج أو خصمها من راتبك؛ فإن عفوا عنك إن كان لهم الصلاحية سقط الغرم، وإلا فلا تبرأ ذمتك إلا باستباحتهم أو رد المصاريف إليهم، واستغفر ربك عن الكذب والظلم .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (60)
إذا شفي الموظف قبل نهاية الإجازة المرضية .. فما الحكم ؟
إذا كان عندي إجازة مرضية لمدة عشرة أيام، وقد تماثلت للشفاء في سبعة أيام ولله الحمد والفضل؛ فهل يجوز أخذ الثلاثة الأيام الباقية ؟
إذا أخذت إجازة مرضية لمدة عشرة أيام ثم شفيت قبلها فارجع إلى مرجعك، فإن سمح لك في البقية فالأمر إليه، وإن لم يسمح فباشر العمل .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (60)
حكم ما يسمى بالواسطة
ما حكم الواسطة ؟ وهل هي حرام ؟ مثلاً إذا أردت أن أتوظف أو أدخل في مدرسة أو نحو ذلك واستخدمت الواسطة فما حكمها ؟
أولاً: إذا ترتب على توسط من شفع لك في الوظيفة حرمان من هو أولى وأحق بالتعيين فيها من جهة الكفاية العلمية التي تتعلق بها والقدرة على تحمل أعبائها والنهوض بأعمالها مع الدقة في ذلك - فالشفاعة محرمة؛ لأنها ظلم لمن هو أحق بها وظلم لأولي الأمر؛ وذلك بحرمانهم من عمل الأكفاء وخدمته لهم ومعونته إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها ويقوم بشؤونها في هذا الجانب على خير حال، ثم هي مع ذلك تولد الضغائن وظنون السوء، ومفسدة للمجتمع .(3/185)
…وإذا لم يترتب على الوساطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة؛ بل مرغّب فيها شرعاً ويؤجر عليها الشفيع - إن شاء الله، وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ"(1) .
ثانياً: المدارس والمعاهد والجامعات مرافق عامة للأمة يتعلمون فيها ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ولا فضل لأحد من الأمة فيها على أحد منها إلا بمبررات أخرى غير الشفاعة، فإذا علم الشافع أنه يترتب على الشفاعة حرمان من هو أولى من جهة الأهلية أو السن أو الأسبقية في التقديم أو نحو ذلك - كانت الوساطة ممنوعة؛ لما يترتب عليها من الظلم لمن حُرِم أو اضطر إلى مدرسة أبعد فناله تعب ليستريح غيره، ولما ينشأ عن ذلك من الضغائن وفساد المجتمع . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى للموظفين والعمال، اللجنة الدائمة، ص (11، 12)
حكم التصرف بوقت الفراغ أثناء الدوام
إذا قام الموظف بأداء عمله المكلف به، وأراد أن يستفيد من وقت الدوام بقراءة القرآن، أو قراءة شيء مفيد، أو حتى أراد أن ينعس ليرتاح قليلاً؛ فهل عليه شيء من ذلك ؟
ليس عليه شيء مادام قائماً بالعمل الذي وكل إليه، أما إذا كان يفرّط أو ينقص من أداء عمله؛ فإن ذلك حرام عليه ولا يجوز، وأما النعاس فلا رخصة له فيه؛ لأنه لا يملك نفسه فقد ينام عن عمله من حيث لا يشعر.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (54، 55)
حكم أداء العبادة والذِّكْر وقت العمل الرسمي
هل يجوز لي أداء سنة الضحى في وقت العمل الرسمي؛ علمًا بأن ذلك لا يؤدي إلى تعطيل الأعمال أو تأخيرها ؟
ج : صلاة الضحى سنة، وفيها فضل، وإذا كنت موظفًا ولا يؤثر فعلها على العمل الوظيفي المنوط بك فلا بأس أن تصليها .
__________
(1) …البخاري (1432) وأطرافه فيه، ومسلم (2627).(3/186)
أما إذا كان فعلها يؤثر على العمل فإنه لا يجوز لك فعلها؛ لأنه يشغلك عن القيام بالواجب .
الشيخ الفوزان - المنتقى من فتاواه (5/40)
حكم ممارسة الأعمال الخاصة أثناء الدوام
بعض الموظفين يتهرب من العمل لوجود مصالح أخرى لديه شخصية غير الوظيفة؛ فيستأذن من رئيسه ويختلق الأعذار التي غالباً ما تكون مقنعة أو غير مقنعة، فإذا كان رئيسه يعلم بعدم صحتها فهل يأثم على موافقته بالإذن للموظف ؟
لا يجوز لرئيس الدائرة أو مديرها أو من يقوم مقامهما أن يوافق على شيء يعتقد عدم صحته؛ بل عليه أن يتحرى إن كان هناك ضرورة في الاستئذان لحاجة ماسة والاستئذان لا يضر العمل فلا بأس به، أما الأعذار التي يعرف أنها باطلة أو يغلب على ظنه أنها باطلة فإن على رئيسه أن لا يأذن له ولا يوافق عليه؛ لأن ذلك خيانة للأمانة وعدم نصح لمن ائتمنه وللمسلمين؛ يقول عليه الصلاة والسلام: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (1)، وهذا أمانة؛ والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَْمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النِّسَاء، من الآية: 58]، ويقول سبحانه في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ *}[المؤمنون، وفي سورة المعارج، الآية: 32]، ويقول سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *}[الأنفَال] .
الشيخ ابن باز - فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة، ص (38 - 40)
حكم غياب الموظف إذا لم يكن عنده عمل
نحن ثلاثة أشخاص نشتغل في عمل واحد، وهذا العمل يكفي له اثنان بل ويزيدون؛ فهل علينا إثم إذا اتفقنا فيما بيننا أن يتغيب كل منا عن يوم واحد في الأسبوع ؟
نعم عليكم في ذلك إثم، والواجب أن يشتغل كل منكم في أيام العمل ولا يتخلف .
__________
(1) …البخاري (893)، ومسلم (1829) .(3/187)
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (57، 58)
حكم ما يسمى بجمعية الموظفين
جماعة من المدرسين يقومون في نهاية كل شهر بجمع مبلغ من المال من رواتبهم ويعطى لشخص معين منهم، وفي نهاية الشهر الثاني يعطى لشخص آخر وهكذا حتى يأخذ الجميع نصيبهم، وتسمى عند البعض بالجمعية .. فما حكم الشرع في ذلك ؟
ليس في ذلك بأس؛ وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد. وقد نظر في ذلك مجلس هيئة كبار العلماء فقرر بالأكثرية جواز ذلك؛ لما فيه من المصلحة للجميع بدون مضرة .. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى للموظفين والعمال، ص (62)
حكم طعام مَنْ مَكْسَبُه حرام
إذا كان والدي مكسبه حرام؛ فهل يجوز لنا أن نأكل مما يحضره لنا ؟ وإذا كان لا يجوز، فما العمل ؟
إذا كان مكسب الوالد حراماً فإن الواجب نصحه؛ فإما أن تقوموا بنصحه بأنفسكم إن استطعتم إلى ذلك سبيلاً، أو تستعينوا بأصحابه لعلهم يقنعونه حتى يتجنب هذا الكسب الحرام، فإذا لم يتيسر ذلك فلكم أن تأكلوا منه بقدر الحاجة، ولا إثم عليكم في هذه الحالة؛ لكن لا ينبغي أن تأخذوا أكثر من حاجتكم للشبهة في جواز الأكل ممن كسبه حرام .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5) (2/63)
حكم الاحتيال للاستفادة من عدة وظائف
يوجد لدينا إمام قد أخذ إمامة ثلاثة مساجد بأسماء أولاده وهم خارج المدينة، وقد جلب عمالاً ليؤمّوا المسلمين في هذه المساجد بالإنابة مقابل نصف الراتب، وعندما ناصحته قال: عندي فتوى وكل الناس يفعلون ذلك، فقلت له: فعل الناس ليس حجة فقال: أحضر لي فتوى من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز حتى أقتنع؛ فقلت له: سأحاول، وها أنذا أكتب إلى سماحتكم راجياً بيان الحقيقة في هذا الموضوع؛ لأنه منتشر في كثير من المدن والقرى .(3/188)
هذا العمل غير جائز؛ بل هو منكر لا يجوز للمسلم أن يكذب على الجهة المسؤولة عن الإمامة أو الأذان بأن يسمي أئمة أو مؤذنين لا وجود لهم، ثم يعين على رأيه من يقوم بذلك؛ بل يجب عليه أن يوضح الحقيقة للجهة المسؤولة حتى توافق على الشخص المعين، وهكذا النائب عنه يجب أن يوضح للجهة المسؤولة حتى تعلم أنه أهل لذلك، وتوافق على قيامه بالعمل؛ لأن هذه العبادة وهي عبادة الإمامة وهكذا الأذان عبادة عظيمة، ويتعلق بها أعظم عبادة بعد الشهادتين وهي الصلاة . فالواجب ألا يتولاها إلا من هو أهل لها من جهة العقيدة والخلق الفاضل والاستقامة على الحق . وعلى المذكور أن يتوب إلى الله سبحانه وأن يبلغ الجهة المسؤولة عما عمله، وأن يتفق معها على الإمام الصالح للمساجد التي عين فيها أبناءه.
نسأل الله للجميع الهداية والعافية من طاعة الهوى والشيطان .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (35) ص (99، 100)
حكم التورُّع عن المناصب الدينية
ينفر كثير من طلبة العلم من المناصب الدينية .. فما هو السبب ؟ وهل من نصيحة للحضور ؟ كما يلاحظ أن كثيراً من الطلبة في كليات الشريعة، يبحث بشتى الطرق للتخلص من القضاء، فما نصيحة فضيلتكم لهم ؟
المناصب الدينية - من القضاء والتعليم والفتوى والخطابة - مناصب شريفة ومهمة، والمسلمون في أشد الحاجة إليها، وإذا تخلى عنها العلماء، تولاّها الجهال، فضلوا وأضلوا .
فالواجب على من دعت الحاجة إليه من أهل العلم والفقه في الدين، أن يمتثل؛ لأن هذه الأمور من القضاء والتدريس والخطابة والدعوة إلى الله، وأشباه ذلك من فروض الكفايات، فإذا تعينت على أحد من المؤهلين، وجبت عليه، ولم يجز له الاعتذار منها، والامتناع .(3/189)
ثم لو قدر أن هناك من يظهر أنه يكفي، وأنها لا تجب عليه هذه المسألة، فينبغي له أن ينظر الأصلح، كما ذكر الله سبحانه عن يوسف - عليه الصلاة والسلام - أنه قال لملك مصر: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَْرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ *}[يُوسُف]؛ لما رأى المصلحة في توليه ذلك طلب الولاية، وهو نبي ورسول كريم، والأنبياء هم أفضل الناس، طلبها للإصلاح: يصلح أهل مصر، ويدعوهم إلى الحق .
فطالب العلم، إذا رأى المصلحة في ذلك، طلب الوظيفة ورضي بها: قضائية أو تدريساً، أو وزارة أو غير ذلك . على أن يكون قصده الإصلاح والخير، وليس قصده الدنيا، وإنما يقصد وجه الله، وحسن المآب في الآخرة، وأن ينفع الناس في دينهم أولاً ثم في دنياهم، ولا يرضى أن يتولى المناصب الجهال والفساق، فإذا دعي إلى منصب صالح يرى نفسه أهلاً له، وأن فيه قوة عليه، فليجب إلى ذلك، وليحسن النية، وليبذل وسعه في ذلك، ولا يقل أخشى كذا، وأخشى كذا .
ومع النية الصالحة، والصدق في العمل؛ يوفّق العبد، ويُعان على ذلك، إذا أصلح لله نيته، وبذل وسعه في الخير، وفقه الله .
ومن هذا الباب: حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله: اجعلني إمام قومي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتَ إِمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ، وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا" (1) .
فطلب رضي الله عنه إمامة قومه للمصلحة الشرعية، ولتوجيههم للخير وتعليمهم وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، مثلما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام .
__________
(1) …أحمد (4/21، 217)، وأبو داود (531)، والنسائي (672)، وابن ماجه (987)، والحاكم 1/199، 201 (715،722) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (497).(3/190)
قال العلماء: إنما نهي عن طلب الإمرة والولاية، إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك؛ لأنه خطر، كما جاء في الحديث النهي عن ذلك، لكن متى دعت الحاجة والمصلحة الشرعية إلى طلبها - جاز ذلك؛ لقصة يوسف عليه الصلاة والسلام، وحديث عثمان رضي الله عنه المذكور.
مجلة البحوث (47)، ابن باز، ص (161 - 163)
حكم أخذ الأجرة على الأذان (للجنة الدائمة)
إنني مؤذن، وأستلم مكافأة شهرية من الأوقاف، ولكني وجدت حديثاً بكتاب الفقه والسنة، عن عثمان بن أبي العاص قال: قلت: يا رسول الله: اجعلني إمام قومي، قال: «أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً» .. ما صحة هذا الحديث ؟ وهل أترك المكافأة التي تصرف لي ؟ علماً إنني بحاجة لها .
الحديث ثابت، قال ابن المنذر(1): ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: "واتَّخِذْ مؤذِّناً لا يأخُذُ على أذانِه أجراً"(2). وروى الخمسة عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: (آخِرُ ما عَهِدَ إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أَتَّخِذَ مؤذِّناً لا يَأْخُذُ على أذانِهِ أجراً)(3) ، وهذا الحديث يدل على أن المؤذن لا يأخذ أجراً على أذانه، فإن لم يوجد متطوع بالأذان فلا مانع من أن يجري الإمام له رزقاً من بيت المال، وروي عن الإمام أحمد: الجواز، ورخص فيه مالك؛ لأنه عمل معلوم، يجوز أخذ الرزق عليه، أشبه سائر الأعمال .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/105، 106)
__________
(1) …انظر: «الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف» لابن المنذر (3/62)، حديث (1238).
(2) …أحمد (4/21، 217)، وأبو داود (531)، والنسائي (672)، وابن ماجه (987)، والحاكم 1/199، 201 (715،722) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (497).
(3) …الترمذي (209) وقال: «حسن صحيح»، و«مصنف ابن أبي شيبة» (2369).(3/191)
حكم أخذ الأجرة على الأذان (للشيخ ابن عثيمين)
ما حكم من أذَّن لأخذ الأجرة فقط ؟
أولاً: يجب أن نعلم أن ما تعطيه الحكومة من المكافآت للأئمة والمؤذنين ليس بأجرة ولكنه عطاء من بيت المال لمن قام بمصلحة من مصالح المسلمين، كالمدرسين والأئمة والمؤذنين والقضاة والأمراء وما أشبه ذلك .
فليس هذا من باب الأجرة حتى نقول إن الأجرة على القُرَب لا تجوز؛ بل هو من باب العطاء من بيت المال لمن قام بهذه الوظيفة . ولكن يبقى النظر في مسألة: هل يجوز للمؤذن أو الإمام أن يقول: أنا أؤذن من أجل الراتب أو أكون إماماً للناس من أجل الراتب ؟
الجواب نقول: لا تنوِ هذه النية، هذه النية تحبط عملك ولا يكون لك أجر من الأذان، ولا أجر من الإمامة، ولا أجر من القضاء، ولا أجر من التدريس. اِنْوِ أنك تدرس وأنك تقبل ما يأتي من الحكومة من هذا الراتب لتستعين به على أمور حياتك .
فإذا فعلت ذلك فإن الراتب لا يفوتك والنية الصالحة تبقى لك، ولكن قد يغلب الشيطان بني آدم يقول: أؤذن لهذا العطاء ؟ أدرِّس لأجل هذا العطاء ؟ فهذا قال فيه شيخ الإسلام رحمه الله: (إن من عمل عبادة لأجل المال فليس له في الآخرة من خلاق)(1) ؛ بل ليس له نصيب في الآخرة. المهم أن ندعو الناس إلى تصحيح النية .
الشيخ ابن عثيمين - لقاءات الباب المفتوح/ المسألة (729)
حكم من يدخل في مسابقة وظيفية باسم غيره
إذا دخل مسابقة الوظائف صديقان قد توفرت فيهما شروط القبول واختبر أحدهما عن الآخر، فهل يحل ذلك إذا كان يستطيع القيام بالعمل ؟ وهل يباح له الراتب ؟
لا يجوز مثل هذا العمل؛ لما فيه من الكذب والتدليس وفتح أبواب تجرُّؤ غير الأَكْفَاء على الأعمال بوسائل الكذب والاحتيال على ما لا يباح له .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (37) ص (169، 170)
تزييف الشهادات من أجل الوظائف
__________
(1) …هو بنحوه في: «مجموع الفتاوى» (10/716، 717) وَ(26/16، 17، 20) .(3/192)
إذا كان إنسان يرغب العمل بوظيفة وهو يستطيع القيام بعملها والنجاح في المسابقة، ولكن ليس لديه شهادة تخوِّله الدخول فيها؛ فهل يجوز له تزييف شهادة الدخول في المسابقة ؟ وإذا نجح فهل يجوز له الراتب أم لا ؟
الذي يظهر لي من الشرع المطهر وأهدافه السامية عدم جواز مثل هذا العمل؛ لأنه توصل إلى الوظائف من طريق الكذب والتلبيس، وذلك من المحرمات المنكرة، ومما يفتح أبواباً من الشر وطرقاً من التلبيس. ولا شك أن الواجب على من يسند إليهم أمر التوظيف أن يتحروا الأَكْفَاء والأمناء حسب الإمكان .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث/ العدد (37) ص (168، 169)
حكم عمل موظفي الحكومة بالتجارة
ما حكم استقدام العمال باسم الزوجة أو الأخ الأصغر، ثم يدير هذه المؤسسة والأرباح الأخ الأكبر أو الزوج؛ علماً أنه موظف حكومي ؟ هل يجوز له فعل ذلك ؟ وما حكم الأموال التي استفادها ؟
منعت الحكومة موظفيها من مزاولة التجارة أو الحرفة؛ مخافة أن ينشغل الموظف عن عمله الحكومي، أو يتأخر عن عمله، أو يشغل التليفون الحكومي، أو يشغله المراجعون عن وظيفته ونحو ذلك، فإذا كان الموظف لا يضيع وقت الوظيفة ولا يتأخر عن عمله، فله أن يشغل وقت فراغه بما يريد، فعمله في الكسب وتنمية المال أفضل من عكوفه على سماع الأغاني ومشاهدته للأفلام الخليعة؛ معتذراً بشغل الفراغ، وكذا لعبه بالنردشير والبلوت، ولهوه وسهره بحجة شغل الوقت. وعلى كل حال نرى الأفضل أن لا ينشغل بنفسه في هذه المؤسسة التي باسم أخيه أو باسم زوجته؛ بل يترك الشغل لهما والعمال باسم أحدهما حتى لا يقع في محذور. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (24)
التحايل على نظام الدولة لإقامة مشروع تجاري(3/193)
هناك واحد من الناس بحكم أنه موظف فلا يسمح له بممارسة التجارة .. فرأى أن يستغل اسم أمه - وهي موجودة - في فتح محل خياط نسائي، وله إخوة وأخوات من هذه الأم، فأمه أعطته وكالة من أجل استقدام العامل وفتح المحل. والربح طبعاً - ربح المحل - سيكون له شخصياً من دون إخوانه، وأمه سمحت له بهذا الشيء؛ فما رأي فضيلتكم في هذا ؟
هذا العمل تضمن عدة محاذير: تضمن الكذب؛ لأنه خلاف الواقع، وتضمن المكر بالدولة والخداع لها، وتضمن أكل المال بالباطل؛ لأنه بغير حق، وتضمن محاباة أحد الأبناء دون البقية، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقُوا الله وَاعْدِلُوا بَيْنَ أولادِكُم"(1) .
فنصيحتي للأم أن تسحب هذه المنحة التي أعطتها ابنها، وأن تستغفر الله، ونقول لهذا الشخص الموظف: أنت بالخيار، الحكومة لم تلزمك بشيء؛ إما أن تدع الوظيفة وتفتح المحل، وإما أن تبقى في الوظيفة وتترك المحل .
__________
(1) …البخاري (2587)، ومسلم (1623).(3/194)
ثم إن الذي فهمته من السؤال أن هذا الأخ سيجعل المحل باسم أمه وسيعطيه العامل ويأخذ عليه الربح؛ فإن كان الربح مشاعاً، بأن قال: لك كذا - الثلث مثلاً - يحصل من الربح أو الربع أو النصف؛ فهذا جائز من الناحية الشرعية، ويكون من هذا المواد والآلات ومن هذا العمل، لكن إن كانت الدولة أيضاً تمنع هذا فهو أيضاً لا يجوز؛ لأن علينا أن نسمع للدولة في كل أمر إلا ما خالف الشرع، وهذا لا يخالف الشرع؛ إذا قالت: لا تمنحوا هؤلاء عملاً، وإنما يبقون عندكم بالأجرة الشهرية المقطوعة. ولكن يقول بعض الناس: إذا جعلناهم بالأجرة المقطوعة حصل إشكال وهو تلاعب العمال بحيث لا ينتجون؛ فنقول - دفعاً لهذا المحذور-: يجعل للعامل نسبة فيما ينتج؛ فيقال: لك الأجر الشهري المتفق عليه، ولك على كل متر كذا وكذا، أو على كل ثوب إذا كان خياطاً كذا وكذا، أو على كل وحدة إذا كان كهربائيا كذا وكذا، وبهذا يحصل موافقته الحكومة فيما ألزمت به الجالب، ويحصل مصلحة وعدم تلاعب .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى البيوع والمعاملات المالية ص (83، 84) - جمع: أبو أنس صلاح الدين السعيد
حكم العمل في جريدة تنشر المحرمات
أعمل محاسباً في جريدة، والجريدة تنشر يومياً صفحة عن أخبار الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات؛ فهل في راتبي شيء ؟(3/195)
الغالب في أخبار الممثلين والممثلات في فنهم، وفي الحديث عن المطربين والمطربات في طربهم: الشر والانحراف عن الجادة، وفي ذلك ترويج لفنون اللهو، وإشاعة للفتن والمغريات بالفواحش، ونشر للشر والفساد، وأمثال ذلك مما يدنس الهيئة، ويذهب بالكرامة والقيم الأخلاقية، ولا شك أن العمل في مثل هذا الميدان لا يجوز؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وعلى هذا لا يجوز اتخاذه طريقاً للكسب وطرق الرزق كثيرة، فليتق العبد ربه؛ قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *}[الطّلاَق، من الآيتين: 2-3]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[الطّلاَق: 3] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/52، 53)
حكم عمل المحاسب القانوني(3/196)
لدي مكتب محاسب قانوني، نقوم فيه بعمل مراجعة البيانات المالية للمؤسسات والشركات من واقع الدفاتر المحاسبية التي لدى المؤسسة، وذلك بغرض إظهار نتيجة المراجعة في نهاية السنة المالية في شكل ميزانيات وتقارير عن الوضع المالي للمؤسسة؛ لتقديمها عن طريق المؤسسة لإحدى الدوائر الحكومية، أو لأحد البنوك، أو لمصلحة الزكاة والدخل، وكذلك نقوم بعملنا خلال السنة للمراقبة على أموال المؤسسة من التلاعب والاختلاسات. ولدي بعض الأسئلة أرجو من سماحتكم بالرد عليها:
1 - قد يظهر في بعض حسابات المؤسسات في بنود الميزانية حسابات مع البنوك، وتكون هذه الحسابات دائنة؛ أي مطالبة بها المؤسسة نتيجة لحصولها على قرض من هذا البنك أو نتيجة سحبها أكثر من رصيدها، مما يترتب عليه أن يقوم البنك بأخذ فوائد على ذلك، أي: رباً، وبطبيعة عملنا فإننا نقوم بإظهار هذا الحساب مع بقية الحسابات الأخرى في الميزانية، وذلك من واقع دفاتر وسجلات المؤسسة، وكشوف البنك، ولا نستطيع إسقاطه من بقية الحسابات، ويجب إظهاره لكي تعبر الميزانية عن الواقع الحقيقي للمؤسسة .. فهل علينا إثم في ذلك، وهل نعتبر من الشاهدين على الربا ؟
2 - ما حكم إعداد هذه الميزانيات لهذه المؤسسات، إذا كان المكتب يعلم أنها ستقدم إلى البنك للحصول على قرض، ولكن المكتب يقدمها للمؤسسة وصاحب المؤسسة يقدمها للبنك ؟
3 - قمنا بدراسة لإحدى المؤسسات بناء على طلب هيئة فض المنازعات التجارية، عن حسابات المؤسسة مع البنك، وذلك من واقع كشوف البنك المقدمة من البنك للمؤسسة، فقمنا بإظهار رصيد المؤسسة بدون العمولات، ورصيد المؤسسة بالعمولات، وتم تقديمه للمؤسسة لكي تقدمها للهيئة، وبحمد الله لم تدفع المؤسسة إلا القليل من تلك الفوائد، فهل يجوز عمل مثل تلك الدراسات بالنسبة لمكتبنا ؟ مع العلم أننا قمنا بعمل دراستين مثل ذلك . نرجو الإجابة - جزاكم الله كل خير .(3/197)
لا يجوز لك أن تكون محاسباً لما ذكرت في السؤال؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/20)
حكم العمل في أماكن التبرج والاختلاط
عندنا في العمل الحكومي يوجد الاختلاط بصورة مشينة؛ فجميع المكاتب بالدائرة التي نعمل بها يوجد بها النساء أكثر من الرجال، وطبعاً معظم النساء متبرجات بصورة مزرية، ويقع بصرنا رغماً عنا على هذه المناظر .. فما نصيحتكم لمثلنا في هذا الأمر ؟ أأمكث في هذا العمل، أم نبحث عن غيره ؟
إذا كان الواقع كما ذكرت، ولم تستطيع تغيير المنكر فاجتهد مع المسؤولين في نقلك إلى عمل آخر لا اختلاط فيه، فإذا لم يتم ذلك فاترك هذا العمل واكتسب من عمل لا منكر فيه، ولو غير حكومي؛ محافظة على دينك، وبعداً عن مثار الفتنة، وطرق الكسب المشروعة كثيرة: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *}[الطّلاَق، من الآيتين: 2-3] .
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطّلاَق: 4] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/161)
حكم عمل المضيف الجوي(3/198)
ما حكم ديننا الإسلامي الحنيف في وظيفة مضيف جوي، وصفة هذه الوظيفة هي: تقديم المشروبات والعصير والمأكولات للركاب على الطائرات المدنية، وخدمتهم في جميع شركات الطيران، ومنها الخطوط السعودية، وإلى هنا والأمر يسير في ضوء تعالم ديننا الحنيف، ولكن يوجد في كل طائرة مدنية إلزامياً عدد من المضيفين الشباب وعدد آخر من المضيفات الفتيات الفاتنات على نفس الطائرة، ومنهن نسبة كبيرة غير مسلمات، وجميعهن غير محتشمات على الإطلاق، وألبستهن تبدي فتنتهن وعوراتهن بشكل سافر يتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تماماً، وفي هذا دعوة غير مباشرة من المضيفات لزملائهن من الشباب المضيفين للفسق والفجور والفساد والخروج عن تعاليم ديننا الحنيف، وبشكل صارخ، فمهما حاول الشاب المضيف أن يمسك نفسه عن الفواحش والمعاصي فإنه لا يستطيع أمام إغرائهن وفتنة جمالهن، وهو معهن بالساعات والأيام الطويلة في مقصورة الركاب بالطائرات، يقوم معهن بنفس العمل أن يعصم نفسه أو يمنعها من المعاصي، وبما أن وظيفة مضيف جوي تؤدي إلى الفسق والفجور والفساد والخروج عن تعاليم الإسلام بطبيعتها فإننا نوجه لكم هذا السؤال:
ما هو حكم الدين الإسلامي في هذه الوظيفة ؟(3/199)
خدمة الركاب وتقديم الأطعمة والمشروبات غير المحرمة من الأعمال الجائزة؛ لكن عمل الذكور مع بنات فاتنات كاسيات عاريات واختلاطهم بهن في العمل محرم؛ لأنه مثار فتنة، ومدعاة لانتشار الشر والفساد. فيحرم على المسلم أن يعمل في هذا المجال؛ محافظة على دينه، وبعداً عن ذرائع الفساد وانتهاك الأعراض: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *}[الطّلاَق، من الآيتين: 2-3].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/159)
تعريف الرشوة وحكمها الشرعي
ما حكم الشرع في الرشوة ؟(3/200)
الرشوة حرام بالنص والإجماع، وهي: ما يبذل للحاكم ولغيره ليميل عن الحق ويحكم لصاحبها بما يوافق هواه. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: لَعَنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي (1)، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه: «لعَنَ الرَّائِش» (2) أيضاً، وهو الواسطة بينهما، ولا شك أنه آثم ومستحق للذم والعيب والعقوبة؛ لكونه معيناً على الإثم والعدوان وقد قال سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة، من الآية: 2] .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة، (1/156)
حكم دفع الرشوة وأخذِها
أعمل مع تاجر لا يُسَيِّر عملاً إلا بالرشاوي .. إنني أدير حساباته وأراقب العمل وأتقاضى على ذلك أجراً منه .. فهل عليَّ إثم في العمل معه أم لا ؟
أولاً: يجب أن تعلم أن الرشوة المُحرَّمة هي التي يتوصل بها الإنسان إلى باطل؛ كأن يرشي القاضي مثلاً ليحكم له بالباطل أو يرشي الموظف ليسامحه على أمر لا تسمح به الدولة أو ما أشبه ذلك ... هذا هو المحرم .
أما الرشوة التي يتوصل بها الإنسان إلى حقه .. كأن لا يمكنه الحصول على حقه إلا بشيء من المال - فإن هذا حرام على الآخذ وليس على المعطي؛ لأن المعطي إنما أعطى من أجل الوصول إلى حقه، لكن الآخذ الذي أخذ تلك الرشوة هو الآثم لأنه أخذ ما لا يستحق .
__________
(1) …أحمد (2/164)، وأبو داود (3580)، والترمذي (1336، 1337) وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه (2313).
(2) …أحمد (5/279)، والبزار (1353)، والطبراني في الكبير (1415) . قال الهيثمي في المجمع (4/198): «فيه أبو الخطاب، وهو مجهول». وحسَّن إسناده المناوي في: «التيسير بشرح الصغير» (2/292)، والعجلوني في «كشف الخفاء» 2/186 (2048).(3/201)
وإنني بهذه المناسبة أحذر من هذا العمل المهين المحرم شرعاً والذي لا يرضاه العقل .. فإن البعض - نسأل الله لهم الهداية - لا يمكن أن يقوموا بالواجب عليهم من حقوق الناس في تسيير أمورهم إلا ببذل شيء من المال لهم، وهذا حرام عليهم، وخيانة للدولة وللأمانة، وأكل المال بالباطل، وظلم لإخوانهم . فعليهم أن يتقوا الله عز وجل ويقوموا بالأمانة التي حملوها .
أما بالنسبة للعمل مع هذا التاجر الذي يتقاضى رشاوى فإنه ينبني على ما ذكرنا .. فالعمل عند هذا الشخص حرام؛ لأن العمل عند فاعل الحرام إعانة له على حرامه، فالإعانة على الحرام مشاركة للفاعل على الإثم. وعليك أن تنظر إذا كان هذا الرجل يبذل ما يبذل من مال من أجل الحصول على الحق الذي يستحقه .. ومن هنا ليس عليك إثم ولا حرج في البقاء عنده .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (16 - 18)
آثار الرشوة على عقيدة المسلم
ما هي آثار الرشوة على عقيدة المسلم ؟
الرشوة وغيرها من المعاصي تضعف الإيمان، وتُغضب الرب عز وجل، وتسبب تسليط الشيطان على العبد في إيقاعه في معاصي أخرى. فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الرشوة ومن سائر المعاصي، مع رد الرشوة إلى أصحابها إن تيسر له ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك تصدق بما يقابلها عن صاحبها على الفقراء، مع التوبة الصادقة عسى الله أن يتوب عليه.
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة، (1/157)
آثار الرشوة على المجتمع
ما آثار الرشوة على إفساد مصالح المسلمين وسلوكهم وتعاملهم ؟(3/202)
من آثار الرشوة على مصالح المسلمين: ظلم الضعفاء، وهضم حقوقهم أو إضاعتها أو تأخر حصولها بغير حق بل من أجل الرشوة. ومن آثارها أيضاً: فساد أخلاق من يأخذها من قاضٍ وموظف وغيرهما، وانتصاره لهواه، وهضم حق من لم يدفع الرشوة أو إضاعته بالكلية، مع ضعف إيمان آخذها، وتعرضه لغضب الله وشدة العقوبة في الدنيا والآخرة؛ فإن الله سبحانه يمهل ولا يغفل، وقد يعاجل الظالم بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة.. كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ: مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ" (1) .
ولا شك أن الرشوة وسائر أنواع الظلم من البغي الذي حرمه الله . وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ؛ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ" ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ *}[هُود](2).
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة (1/156)
حكم الرشوة لدفع الظلم
هل يجوز إعطاء رشوة لظالم لدفع ظلمه ؟
يجوز للإنسان أن يفتدي الظلم عن نفسه بالمال، ويكون الآثم الظالم، أما المظلوم فلا حرج عليه .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/44، 45)
حكم استقدام العمالة غير المسلمة إلى جزيرة العرب
س1: بعثت أطلب خادمة لإعانة زوجتي في المنزل، فأفادوا بالمراسلة أنه لا يوجد مسلمة في البلد الذي أريد الخادمة منه، فهل يجوز أن أستقدم خادمة غير مسلمة ؟
__________
(1) …أحمد (5/38)، أبو داود (4902)، والترمذي (2511)، وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه (4211)، والحاكم 2/356 (3359) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …البخاري (4686)، ومسلم (2583) .(3/203)
ج1: لا يجوز استقدام خادمة غير مسلمة، ولا خادم غير مسلم، ولا سائق غير مسلم، ولا عامل غير مسلم إلى الجزيرة العربية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراج اليهود والنصارى منها، وأمر ألا يبقى فيها إلا مسلم، وأوصى عند وفاته - عليه الصلاة والسلام - بإخراج جميع المشركين من هذه الجزيرة .
ولأن في استقدام الكفرة من الرجال والنساء خطراً على المسلمين في عقائدهم، وأخلاقهم، وتربية أولادهم؛ فوجب منع ذلك طاعة لله سبحانه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحسماً لمادة الشرك والفساد، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة، ص (202)
س2: هل يجوز استقدام العمالة الكافرة ؟
ج2: لا ريب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب؛ وقال: "لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لا أَدَعَ إِلا مُسْلِمًا" (1) .
__________
(1) …مسلم (1767) من حديث عمر رضي الله عنه.(3/204)
وهذه الأحاديث تدل على أن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تبقى جزيرة العرب ليس فيها إلا مسلم؛ لما في وجود النصارى وغيرهم من الكفار في الجزيرة من الخطر . وهذه الجزيرة منها بدأ الإسلام وانتشر في أرجاء العالم، وإليها يعود كما ثبت في الصحيح: "إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا"(1). وإذا كان كذلك فإن استقدام غير المسلمين إلى هذه الجزيرة فيه خطر عظيم، ولو لم يكن من خطره ومضرته إلا أن المستقدم لهم يألفهم ويركن إليهم، وربما يقع في قلبه محبة لهم وتودد إليهم؛ وقد قال الله تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهُ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِْيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}[المجَادلة، من الآية: 22]، وربما يشتبه عليه الحق بالباطل، فيظن أنهم إخوة لنا، يطلق عليهم إخوة، ويدعي بما يوحي به الشيطان أنهم إخوة لنا في الإنسانية، وهذا ليس بصحيح؛ فإن الأخوة الإيمانية هي الأخوة الحقيقية، ومع اختلاف الدين لا أخوة؛ حتى أن الله عز وجل لما قال نوح عليه السلام: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}[هُود، من الآية: 45]، قال: {يانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}[هُود، من الآية: 46].
__________
(1) …البخاري (1876)، ومسلم (146) . ومعنى (لَيَأْرِزُ): أي ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. (النهاية لابن الأثير 1/41).(3/205)
وقد قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلة بين المؤمنين والكافرين حتى في الميراث بعد الموت؛ فقال: "لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ"(1). وإذا كان الأمر هكذا فإن الاحتكاك بغير المسلمين واستقدامهم ومشاركتهم في الأعمال، وفي الأكل والشرب، والذهاب والمجيء، كل هذا ربما يميت الغيرة في قلوب المسلمين؛ حتى يألفوا من قال الله تعالى فيهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}[المُمتَحنَة، من الآية: 1] .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
س3: هل يجوز للمسلم أن يستخدم خادماً أو سائقاً غير مسلم، وإذا كان هذا العامل لا دين له ؟
ج3: لا يجوز للمسلم أن يستخدم كافراً كخادم أو سائق أو غير ذلك في الجزيرة العربية؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَى بإخراج المشركين من هذه الجزيرة(2)، ولما في ذلك من تقريب من أبعده الله، وائتمان من خونه الله، ولما يترتب على الاستخدام من المفاسد الكثيرة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/382)
س4: هل يجوز استقدام خادمة غير مسلمة أو مسلمة كاشفة الوجه واليدين ؟ وهل يجوز لرب الأسرة وأولاده الذكور النظر إليها والتحدث معها أم لا ؟
ج4: لا يجوز استقدام الخدم غير المسلمين إلى الجزيرة العربية، وأما إذا كانوا من المسلمين فلا بأس إذا كان معهن محرم. ولا يجوز لرب الأسرة ولا لأبنائه النظر إلى الخادمة وهي سافرة، ويجوز لكل منهم التحدث مع الآخر فيما يحتاجان إليه مع غض البصر، ومع حجابها وعدم الخلوة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
__________
(1) …البخاري (4283)، ومسلم (1614) .
(2) …البخاري (3053، 3168، 4431)، ومسلم (1637).(3/206)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/383)
س5: لدى أحد أقاربي عامل هندي يدين بديانة السيخ؛ يعني أنه كافر، وتم التعاقد معه لمدة أربع سنوات، يعمل لدى قريبي في المملكة، وقد مضت من المدة سنتان فقط، واكتشفنا أنه يحول المبالغ التي يحصل عليها إلى بلده؛ لبناء معابد هندوسية، وذلك بصفة مستمرة .
وعندما علمنا ذلك، قال كفيله: إنه سوف يرحله، وينهي معه الاتفاق بناءً على ما حصل منه من مساعدة بني دينه على المسلمين، ولكن ذكرنا أحد الإخوة بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المَائدة، من الآية: 1] ؛ ونرجو منكم توجيهنا حيال ما ذكر. حفظكم الله ورعاكم .
ج5: الواجب عليكم إنهاء عقد هذا العامل الكافر، وإبداله بعامل مسلم يوثق به؛ لما في التعاقد مع المسلم من التآزر والتكافل، وإعانته على أمور دينه ودنياه، مما يكون سبباً في تقوية المسلمين ضد أعدائهم، ولأن هذه الجزيرة لا يجوز أن يستقدم لها الكفار .(3/207)
أما التعاقد مع الكافر من وثنيين ومجوس ويهود ونصارى وغيرهم، وإبقاؤهم بين المسلمين - فإن ضرره كبير، وخطره جسيم؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد والفتن والشرور ما لا تحمد عقباه، حيث يسهل عليهم نشر معتقداتهم وعاداتهم بين المسلمين، والتأثير فيهم، كما أن في التعاقد معهم إعانة لهم على باطلهم، وتقوية اقتصادهم، وتنفيذ مخططاتهم ضد المسلمين، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوصى عند موته بإخراج الكفار من جزيرة العرب، فقد أخرج البخاري في صحيحه، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وجاء فيه: (وأوصى عند موته بثلاث: قال: "أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَب" (1) الحديث؛ ولذلك أجلى النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود من المدينة، ومنعهم من سكناها، فأجلاهم إلى خيبر، فلما فتح ما بقي من خيبر هَمَّ بإجلاء من بقي ممن صالحهم للعمل في خيبر، ثم سألوه أن يبقيهم ليعملوا في الأرض، فأبقاهم للضرورة، فلما قويت شوكة المسلمين وزالت الضرورة، أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته من جزيرة العرب كلها .
وعقد استقدام العامل الكافر لا يجوز الاستمرار فيه، ولا يجب الوفاء به حتى انتهاء مدة عقده؛ فلا يدخل في عموم قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المَائدة، من الآية: 1]، كما يظنه بعض من قال لك ذلك؛ وإنما المراد بها وجوب الوفاء بالعقود التي يجب الوفاء بها، سواء كانت بين الله وبين عباده، كالعقود التي عقدها الله على عباده، وألزمهم بها من أحكام دينه، أو كانت بين العباد على بعض مما يجب الوفاء به، وهو ما وافق كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن خالفهما فلا يجب الوفاء به، ولا يحل الالتزام به .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/387-389)
__________
(1) …البخاري (3053، 3168، 4431)، ومسلم (1637).(3/208)
س6: أنا صاحب مكتب خدمات، وأقوم باستقدام عاملات المنازل من مسلمات وغير مسلمات حسب طلب الكفيل، ودوري هو التوسط بين الكفيل وأصحاب المكاتب في الخارج مقابل مبلغ من المال، وكثير من المعاملات يأتين بدون محرم، ويستقبلها كفيلها من المطار، وليس لي علاقة غير إشعار الكفيل بذلك؛ فما هو حكم عملي هذا ؟ جزاكم الله خيراً .
ج6: استقدام الكفار إلى الجزيرة العربية، واستقدام النساء مسلمات أو غير مسلمات بدون محارم أمر محرم؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين، وتعريض المجتمع إلى أخطار كثيرة من هؤلاء المستقدمين. وعليه فالعمل على استقدام المذكورين لا يجوز، والكسب الذي يحصل من ذلك كسب محرم، فعليك بالتوبة إلى الله، وترك هذا العمل والاتجاه إلى عمل خير منه؛ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *}[الطّلاَق، من الآيتين: 2-3] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/386)
بيان حول حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة (للشيخ ابن باز)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا وإمامنا وسيدنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:(3/209)
فقد شكا إلي الكثير من الناس ظاهرة كثرة السائقين والخدم، وأن البعض يستخدمهم من غير ضرورة ملحة أو حاجة ماسة، والبعض منهم على غير دين الإسلام، ويحصل منهم فساد كبير على عقيدة المسلمين وأخلاقهم وأمنهم، إلا من شاء الله منهم . ورغب إلي البعض أن أكتب في هذا الشأن نصيحة للمسلمين تتضمن تحذيرهم من التمادي والتساهل في هذا الأمر، فأقول مستعيناً بالله:
لا شك أن كثرة الخدم والسائقين والعمال بين المسلمين وفي بيوتهم وبين أسرهم وأولادهم له نتائج خطيرة وعواقب وخيمة لا تخفى على عاقل، وأنا لا أحصي من يتذمر ويتضجر منهم، وما يحصل من بعضهم من المخالفات لقيم هذه البلاد وأخلاقها، وما تمادى الناس وتساهلوا في جلبهم وتمكينهم من بعض الأعمال، وأخطرها الخلوة بالنساء، والسفر بهن إلى مكان بعيد أو قريب، ودخولهم البيوت، واختلاطهم بالنساء.
هذا بالنسبة إلى السائقين والخدم، أما الخادمات فلا يقل خطرهن عن أولئك بسبب اختلاطهن بالرجال، وعدم التزامهن بالحجاب والتستر، وخلوتهن بالرجال داخل البيوت، وربما تكون شابة وجميلة، وقد تكون غير عفيفة لما اعتادته في بلادها من الحرية المطلقة، والسفور، ودخول أماكن العهر والدعارة، وما ألفته من عشق الصور، ومشاهدة الأفلام الخليعة . يضاف إلى ذلك ما يتصف به بعضهن من الأفكار المنحرفة، والمذاهب الضالة، والأزياء المخالفة لتعاليم الإسلام.(3/210)
ومن المعلوم أن هذه الجزيرة لا يجوز أن يقيم بها غير المسلمين؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَى بإخراج الكُفَّار من الجزيرة(1)، فلا يدخلوها إلا لحاجة عارضة، فلا يجوز استقدامهم، ولا السماح لهم بذلك . فالحاصل أن الجزيرة العربية لا يجوز أن يقر فيها دينان، لأنها معقل الإسلام ومنبعه، ومهبط الوحي، فلا يجوز أن يقر فيها المشركون، إلا بصفة مؤقتة لحاجة يراها ولي الأمر؛ كالبُرُدِ: وهم الرسل الذين يقدمون من دول كافرة لمهمات، وكباعة المِيرَة ونحوها مما يجلب إلى بلاد المسلمين مما يحتاجون إليه، ويقيم أياماً لذلك ثم يرجع إلى بلاده حسب التعليمات التي يضعها ولي الأمر .
فوجود غير المسلمين فيه خطر عظيم على المسلمين في عقائدهم، وأخلاقهم، ومحارمهم . وقد يفضي الأمر إلى موالاة الكفار، ومحبتهم، والتزيي بزيهم، ومن اضطر إلى خادم أو سائق أو خادمة فالواجب أن يتحرى الأفضل فالأفضل من المسلمين لا من الكفار، وأن يجتهد في اختيار من كان أقرب إلى الخير وأبعد عن مظاهر الفسق والفساد . ولأن بعض المسلمين يدَّعي الإسلام وهو غير ملتزم بأحكامه فيحصل به ضرر عظيم، وفساد كبير. فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويحفظ عليهم دينهم وأخلاقهم، وأن يغنيهم بما أحل لهم عن ما حرم عليهم، وأن يوفق ولاة الأمر لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، والقضاء على أسباب الشر والفساد، إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة - العدد (1037) في 24/8/1408هـ
حكم زيادة العامل في السعر لصالحه
ما حكم ذلك العامل الذي يبيع في محل الكفيل لكن ذلك العامل يبيع السلعة بمبلغ أكثر مما حدد لها ؟ فمثلاً سلعة قيمتها خمسمائة ريال، يزيد عليها عشرة ريالات مثلاً ثم يأخذ الزيادة فقط .. هل يجوز هذا الفعل أم لا ؟
__________
(1) …البخاري (3053، 3168، 4421)، ومسلم (1637، 1767).(3/211)
نقول لا يحلّ له أخذ شيء من قيمة السلعة؛ بل ما زاد فيها فلصاحبها وما نقص فعليه، أما العامل فإنه أمين يؤدي ما استلمه من الثمن قليلاً كان أو كثيراً، وليس له إلا ما أعطاه الكفيل من راتب أو مكافأة أو نحوهما، لكن إن أذن له الكفيل في أخذ ما زاد على الحد المحدد فله ذلك، ولكن فعله هذا قد يضر بالتجارة؛ فإنه متى زاد على غيره في القيمة تعطل البيع، وذهب المشتري إلى من يبيع رخيصاً فيحصل الكساد بسبب الزيادة .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (25)
حكم الزيادة في سعر الفاتورة لاقتسامها مع المشتري
عامل في أحد المحلات - الكهرباء مثلاً - يكتب فاتورة بزيادة المبلغ ثم يتفق مع المشتري على النصف من هذه الزيادة، ما حكم هذا العمل ؟
وهذا أيضاً لا يجوز؛ بل هو خيانة من العامل لصاحب المحل، ومن المشتري لمن وكّله بالشركة، والواجب أن كلاً منهما يخبر بالحقيقة؛ فالبائع يدفع الثمن كله إلى صاحب المحل، فإن سمح له بشيء منه أخذه، وإلا اقتصر على مرتبه، وكذا المشتري - وقد يكون وكيلاً عن غيره - يأخذ من الموكل جميع الثمن الذي في الفاتورة وهو لم يدفعه كله، وهذا حرام؛ بل عليه أن لا يأخذ سوى ما سلمه للبائع، وهذا مقتضى الأمانة. والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (26)
حكم الهدايا للعمال
أعمل في إحدى شركات الصيانة براتب شهري محدّد، لكني حين أذهب إلى المنازل لإصلاح بعض الآلات يصر بعض أصحابها على منحي مبلغاً إضافياً وأنا أرفض ذلك؛ لكنهم يصرون، فماذا أفعل ؟(3/212)
الورع ألا تقبل هذا الشيء وأن تدعه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عاملاً على الصدقة يقال له: عبدالله بن اللُّتْبِيَّة رضي الله عنه؛ فلما رجع بالصدقة، قال:هذا لكم وهذا أُهْدِيَ إليَّ، فخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنكر ذلك وقال: "أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا ؟!" (1) .
فدل ذلك التعبير وهو: أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ على السبب الذي من أجله حذر أصحاب الأعمال العامة من قبول ما يهدى إليهم، فلو بقيت في منزلك لما أَهدَى إليك هؤلاء شيئاً .. والأسلم والأورع ألا تقبل شيئاً غير راتبك .. والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (67، 68)
وجوب منع العمال من العمل وقت الصلاة
البعض من العمال لا يوقف العمل أثناء الصلاة، كصلاة الظهر مثلاً أو العصر .. بم تنصحون هؤلاء العمال وأمثالهم ؟ وما حكم المبلغ الذي يحصلون عليه اثناء الصلاة ؟
لا يجوز العمل وقت الصلاة؛ سواء كان العمال مسلمين أو نصارى أو بوذيين أو هندوساً أو غيرهم، فمتى أذّن للصلاة لزم الكفيل والرئيس للعمال أن يمنعهم من العمل حتى يصلوا مع الجماعة أو يخرج المصلون من المسجد إن كان العمال غير مسلمين، ولا بد أن المقاول أو الكفيل يؤخذ عليه التعهد أن يمنع عماله من الشغل وقت الصلاة.
__________
(1) …البخاري (2597)، ومسلم (1832).(3/213)
ولهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصلاحية في منعهم من العمل وقت الصلاة، وأن يعاقبوا من يخالف ذلك بما يردعه ويردع غيره، وعلى من رآهم يعملون أن ينهاهم، أو يخبر رئيسهم بأنه لا يجوز هذا العمل، أو يخبر أقرب مركز للهيئة ليأخذوا على أيديهم. فأما المال الذي حصلوه أثناء الصلاة فهو حرام إن كانوا مسلمين عالِمِين إذا أدَّى بهم إلى أن تركوا الصلاة لأجله حتى خرج وقتها؛ كما نهى الله عن البيع بعد النداء للجمعة، وألحق به العلماء إذا تضايق وقت المكتوبة . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (28)
على العمال تقديم الصلاة على كل عمل
عند بعض العمال ظاهرة خطيرة ألا وهي التهاون في الصلاة .. بم تنصحون هؤلاء وأمثالهم ؟
نقول: لا شك أن الصلاة هي عمود الإسلام، وركنه الأعظم بعد الشهادتين، وأن التهاون بها ذنب كبير وخصلة من خصال النفاق؛ كما قال تعالى في حقهم: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}[التّوبَة، من الآية: 54]، والكسل هو التهاون أو التثاقل عن أدائها. وكذلك توعد الله على السهو عنها بقوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ *}[المَاعون]، أي: يؤخرونها عن وقتها، أو لا يؤدونها إلا بعد خروج الوقت. فأما أهل الإيمان فإنهم يحافظون عليها ويداومون على أدائها ويخشعون فيها، ويصلونها كاملة كما وردت، بطمأنينة، ومحبة، وحضور قلب. فننصح كل مؤمن من العمال وغيرهم عن التهاون بالصلاة، وعن تخفيفها ونقرها وعدم الاهتمام بها؛ حذراً من الاتصاف بصفات المنافقين، الذين توعدهم الله بالدرك الأسفل من النار .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (32)
حكم تشغيل العمال في نهار رمضان(3/214)
عامل طلب منه كفيله العمل نهاراً في رمضان؛ لكن هذا العامل تعب من العمل؛ هل له أن يفطر أم ماذا يفعل ؟ وبماذا تنصحون أصحاب المؤسسات عند قدوم رمضان ؟
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تُكَلِّفُوهُم ما يَغْلِبُهُم - أو ما لا يَطِيقُون - فإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُم"(1). نقول: لا شك أن العمل في رمضان مع طول النهار وشدة الحر ومشقة العمل في الشمس، وبالحمل، أو الحفر، أو البناء ونحوه مما يُجهد الصائم؛ فعلى الكفيل أن يخفف عن عماله في رمضان نهاراً، وله أن يأخذ بقية الزمن منهم ليلاً، فيعملون أول النهار في وقت البرودة والنشاط، ثم يريحهم عند التعب. وعليه الرفق بعماله مطلقاً، وعليه أن يساعدهم على العبادة، لا سيما في رمضان، ويُمكنهم من فعل الطاعات والاستكثار منها إذا رغبوا في ذلك، ولم يكن قصدهم الهرب من الشغل، وعليهم الصبر والتحمل مع المشقة إذا كلفهم في النهار، ولا يجوز لهم الإفطار لأجل الشغل؛ بل يصبرون حتى يتموا صومهم، وهو أعظم لأجرهم. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (30)
حكم عمل العامل خارج وقت عمله
هل يجوز للعامل أن يعمل في يوم الجمعة مثلاً أو في الليل بعد أن انتهى من عمله مع كفيله ؟ أم أن العقد يلزمه بعدم العمل ؟
__________
(1) …البخاري (30، 2545)، ومسلم (1616) بلفظ: (ما يغلبهم). وأما لفظ: (ما لا يطيقون)؛ فقد أخرجه عبدالرزاق في «مصنفه» برقم (17934، 17966).(3/215)
لا مانع من عمله عند فراغه في الليل أو آخر كل نهار أو يوم الجمعة؛ بشرط أن لا يرهق نفسه إرهاقاً يعجزه عن العمل اللازم له عند كفيله، أو يسبب له مللاً يقلل من إنتاجه، فإذا لم يكن كذلك جاز أن يعمل ويتكسب، وله كسبه، ولا يحق للكفيل أن يمنعه من ذلك، كما لا يمنع الموظف الحكومي من العمل في منزله في بناء أو سقي أو حرث أو إصلاح أو شغل يدوي أو شراء حاجة أو حمل أو تنزيل ويملك ما ينتجه من ذلك؛ لأنه تحصيله الذي حصل عليه من كدِّ يمينه. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (28)
جواز غياب العامل عن زوجته للحاجة
هل يجوز للعامل أن يتأخر عن زوجته أكثر من سنة ؟
نعم .. يجوز ذلك للعذر؛ وهو الغربة في طلب الرزق واكتساب المعيشة - كما هو الحال في هؤلاء العمال من الهند والباكستان وبنغلاديش ونحوهم من المسلمين، ويظهر أن زوجته قد سمحت لأجل تحصيل القوت لهم ولأولادهما، ومع ذلك فقد ثبت: أن عمر رضي الله عنه كتب إلى الجنود في الغزو: أن لا يغيب الزوج أكثر من نصف سنة(1)؛ لكن ذلك في زمن الرخاء، وفي الجهاد الذي يمكن الغازي أن يرجع ويخلفه غيره، فأما في هذا الزمان فإنه مع تقارب المسافة يشترط الكفيل أن لا يرجع العامل إلا بعد سنتين، ويلتزم بذلك العامل، فإن تمكن العامل من الرجوع كل عام فهو الأولى. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (31)
العامل في الأماكن النائية هل يقصر الصلاة وتسقط عنه الجمعة ؟
إذا كان مكان العامل يبعد عن المدينة أكثر من (80) كم؛ هل يجوز له أن يقصر الصلاة، ويصلي الجمعة رباعية أم ماذا يفعل ؟ علماً بأنه في مزرعة أو غيرها وليس لديه وسيلة توصله إلى الصلاة مع جماعة المسلمين يوم الجمعة ؟
__________
(1) …عبدالرزاق في «مصنفه» (12594)، وسعيد بن منصور في «سننه» (2463).(3/216)
عليه أن يتم الصلاة ما دام في عمله في هذه المزرعة، فلا يقصر ولا يجمع؛ لأنه مقيم والمزرعة هي محل إقامته التي يعمل فيها فلا يترخص في هذه الحالة. أما صلاة الجمعة فلا تلزمه إذا كان بينه وبين المسجد مسيرة أكثر من ساعة على الأقدام، إلا أن يكون هناك من يوصله من أهل السيارات الذين بقربه، فعليه صلاة الجمعة، وإلا صلاّها في المزرعة ظهراً . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (32)
حكم نقض العقد مع العامل
إذا جاء إنسان بعامل واتفقا على مبلغ معين كألف ريال عن كل شهر؛ لكن عندما وصل العامل إلى المكان قال له الكفيل: إن كنت تريد العمل بنصف المبلغ وإلا فارجع . علماً بأن العامل دفع الأموال الكثيرة من أجل المجيء إلى هذا المكان، ولن يستطيع الرجوع، وإنما قول الكفيل تحدّ له من أجل أن يرضى بذلك .. فما حكم هذا الفعل ؟ أرجو النصح لإخواننا المسلمين .
لا شك أن هذا ظلم عظيم لهذا العامل الضعيف من هؤلاء الكذبة؛ حيث يخدعون هؤلاء العمال ويرغبونهم حتى يحضروا بعد كلفة وخسران ودفع أموال في سبيل المجيء للعمل بأجر زهيد لا يساوي ربع ما يعملون، ثم مع ذلك يكذبون عليهم ويحتقرونهم ويظلمونهم ظلماً كبيراً ويبخسون حقهم.
والواجب على هؤلاء الكفلاء أن يفوا بوعدهم وكلامهم وأن يصدقوا فيما قالوا، وأن يخافوا من سطوة الله وعقوبته ومن دعوة المظلوم ولو كافراً؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، وعلى العامل أن يتوثق من العقد وأن يطلب منه صورة تتضمن مقدار الراتب، وإذا لم يوفه ما شرط عليه فله أن يشتكيه إلى المسؤولين عن العمال، فهناك موكَّلون بشأن هؤلاء المظلومين عليهم أن ينصفوا المظلومين ويعطوهم حقهم كاملاً ممن ظلمهم؛ حتى لا تعم العقوبة السماوية للجميع. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (44)
حكم إلزام العامل بغير ما في العقد(3/217)
ما حكم الكفيل الذي يُحمِّل العامل أكثر من عمل؛ كأن يكون صاحب بنشر وطلب منه أكثر من عمل ؟ هل يجوز ذلك ؟ مع العلم أنه ما جاء إلا لعمل واحد فقط .
يرجع في هذا إلى الاتفاق المسبق؛ فإذا استقدم على أن يعمل حارساً فلا ينقل إلى سائق، وإذا جاء ليعمل في الكهرباء لم يلزمه بالخياطة، وإذا جاء ليعمل في الزراعة لم يلزم بالعمل في بقالة، وإذا جاء ليعمل بنَّاءً لم يلزمه بالهندسة ونحوها، فلكل منهم اختصاص. فلذلك يلزم الكفيل أن يفي بوعده، وأن لا يكلف العامل ما لا يطيقه، أو لا يحسنه، وليس من تخصصه. كما أن عليه أن لا يشق عليه بطول مدة العمل؛ فالعادة أن يعمل سبع ساعات أو ثمان ساعات وهذا عند الإطلاق، فإن اتفق على نوع من العمل وزمن مخصص ومدة محدودة، فلا يجوز تجاوزها، فإن تراضيا على تغيير المهنة أو العمل والزيادة أو النقص ولو بزيادة في الراتب أو نقص منه؛ فكيفما اتفقا جاز. وإلا فلا بد من إعطاء العامل ما يستحق مقابل تشغيله زيادة على المتفق عليه بينهما. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (54)
حكم الاتفاق مع العمال على نسبة من الربح
يوجد من الكفلاء والعمال من يتفقان بالنسبة مثلاً (20%) أو أقل أو أكثر؛ هل يجوز هذا الفعل ؟ مع العلم أن الكفيل يؤمِّن لهم السكن وغيره ؟ وما نصيحتكم لهذا وأمثاله ؟(3/218)
لا بأس أن يتفق الكفيل مع عماله أو بعضهم على أن يشتغلوا عند غيره بالنسبة المذكورة؛ إذا رأى أن عملهم بالنسبة أنجز من عملهم بالراتب الشهري أو اليومي؛ فإن كثيراً من العمال إذا عملوا بالراتب تكاسلوا وأخروا الأعمال وطالت المدة على المقاول ونحوه؛ بخلاف ما إذا عملوا بالنصف أو الخمس ونحو ذلك، فإنهم يجدُّون في الاشتغال ويفرغون سريعاً من العمل ليبدؤوا في غيره، وهذا بشرط أن يؤمّن لهم العمل، أو متى وجدوا شغلاً اتفق مع صاحبه على أن يعملوه وهو مشرف عليهم، مع تأمين سكنهم ونقلهم وما يترتب على ذلك . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (48)
جواز تشغيل العامل بغير مهنته الأصلية
ما حكم اتفاق الكفيل والعامل على افتتاح محل تجاري والربح بينهما ؟ علماً بأن العامل متفق عند مجيئه على أنه سباك أو غير ذلك ؟
نرى أنه جائز؛ إذا كان العامل أميناً مأموناً على العمل وعلى دخله، وقد وثق منه الكفيل بالنصح والصدق، وعرف أنه يحسن القيام بذلك العمل المتفق عليه في ذلك المحل التجاري؛ سواء يتولى البيع والشراء أو الكتابة والحساب، أو غير ذلك. ولا يعني استقدامه باسم عمل خاص كخياط وسباك ونحوه؛ فالعامل قد يحسن عدة أعمال يدوية. وعمل التجارة والحرفة والبيع والشراء سهل لا يحتاج إلى تعلم ودراسة في الغالب، ومع ذلك الأولى بالكفيل أن يعامل كل فرد بما يحسنه ويقدر عليه. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (51)
حكم الموظف المسؤول الذي يُمَيِّز في تعامله بين الناس
ما رأيكم في الموظف المسؤول الذي يميز في تعامله بين الناس على أساس القبيلي وغير القبيلي (خضيري) ؟(3/219)
لا يجوز ذلك؛ فإن من تولى أمراً من أمور المسلمين فعليه أن يعدل بينهم، وألا يميز أحداً منهم لنسب أو شرف أو قرابة أو شهرة أو غيرها، فقد ذكر العلماء أن القاضي يجلس الخصمين أمامه ولو تفاوتت منزلتهما، ويعدل بينهما في لحظه ولفظه وكلامه، وهكذا في معلم وطبيب وكاتب وخادم ونحوهم؛ فإن الله تعالى أمر بالعدل - كما في قوله: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[النِّسَاء: 58]. ولاشك أن تفضيل بعضهم وتقديمه في المعاملة - بسبب كونه شريفاً أو رفيعاً أو صاحباً - أن هذا من الظلم الذي حرمه الله؛ كما في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا" (1)، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه، بتاريخ 29/10/1420هـ
وجوب العدل بين العامل المسلم والكافر
يوجد لدي عاملان أحدهما مسلم والثاني كافر، وهما متكافئان في العمل، ومطلوب مني أن أقوّم عملهما؛ فهل يجوز أن أغمط الكافر حقه بسبب ديانته ؟
الواجب العدل بينهما، ولكن يجب إبعاد الكافر ولو كان أنشط؛ لأن المسلم أبرك، ولو كان أقل كفاءة، فما بالك إذا كان مساوياً له ؟! وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: أَوْصَى بإخراج الكفار من هذه الجزيرة(2)، وأن لا يَبْقَى فيها دِينَان(3)، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث (ج/27)
تولية الكافر رئيساً للعمال المسلمين خلل في العقيدة
ما حكم هذا الكفيل الذي وضع على العمالة المسلمة رئيساً كافراً ؟ مع العلم أن في المسلمين كفاءة إدارية ناجحة ؟
__________
(1) …مسلم (2577) .
(2) …البخاري (3053، 3168، 4431)، ومسلم (1637، 1767) بنحوه.
(3) …«موطأ مالك» 2/892 (1583، 1584).(3/220)
لا يجوز رفع مقام الكفار، ولا يجعل أحدهم رئيساً على العمال المسلمين ما دام موجوداً بين المسلمين من يصلح للرئاسة، ولو كان الكافر أحذق وأعرف بالحرفة أو الهندسة، فالمسلم أولى منه؛ بل يحرم تولية كافر على المسلمين، قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}[النِّسَاء، من الآية: 141]، ولا شك أن الكافر متى كان رئيساً فإنه يفرض نفسه ويتسلط على المؤمنين ويحرص على إهانتهم وتحقيرهم والحط من شأنهم، ويرفع فوقهم الكفار ويقربهم ويوليهم الولايات الهامة، ومتى أسلم أحد الكفار تسلّط عليه وأذلّه وأبعده، أو حرص على حرمانه أو فصله مما يكون حائلاً عن اعتناقه الإسلام.
هذا مع أنه لا حاجة إلى تولية الكافر بل في أفراد المسلمين من هو خير منه؛ بل اختيار العمالة الكافرة وتفضيلهم على المؤمنين قدح في العدالة ونقص في الدين. فعلى المسلمين أن يحترموا إخوانهم ويقربوهم، ويحذروا من أعدائهم الكافرين ويبعدوهم؛ لما عُرف عنهم من البغض والعداء للإسلام وأهله .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (49)
تحريم تأخير رواتب العمال
بم تنصحون الكفلاء الذين يؤخرون رواتب عمالهم إلى أكثر من ثلاثة أشهر أو يزيد عن ذلك ؟(3/221)
ننصحهم أن لا يفعلوا ما فيه ضرر على هؤلاء العمال؛ فإنه ظلم كبير وهضم لحقوقهم، فكما لا يرضون هذا لأنفسهم مع قلة حاجتهم؛ فكيف يرضونه لعمالهم الفقراء الذين هم بأمس الحاجة إلى هذا الراتب القليل نسبياً ؟! فإنا نشاهد الموظفين الحكوميين متى قرب آخر الشهر تطلعوا لقبض الراتب، فإذا تأخر سخطوا وشددوا في الطلب، وقد ورد في الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أن يَجْفَّ عَرَقُه" (1)؛ أي: قبل مُضِيّ زمان ولو قليلاً، ولا شك أن تأخيره شهرين أو أكثر يشق على هؤلاء الفقراء؛ لاسيما أن عليهم حقوقاً ونفقات لأهاليهم ولأنفسهم؛ فتأخيره يعرضهم للجوع والجهد والعراء والاقتراض والاستدانة، وهذا ظلم كبير.
فعلى هؤلاء الكفلاء أن يتذكروا ذلك، وأن يفكروا في أنفسهم لو حُبس عنهم حقهم مع فاقتهم .. ماذا يفعلون ؟! وأن يخافوا دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (53)
حكم فرض مبلغ شهري على العامل
ما حكم ذلك الكفيل الذي يأتي بأكثر من ثلاثين عاملاً ويطلب من كل واحد مائة ريال أو أكثر ؟ هل يجوز هذا الفعل مع العلم أنه لا يدري عنهم شيئاً إلا إذا حدثت مشكلة كبيرة ؟
__________
(1) …ابن ماجه (2443)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وله شواهد من حديث أبي هريرة وجابر بن عبدالله وأنس رضي الله عنهم. وصححه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» برقم (1980).(3/222)
هذا الفعل خطأ من الكفيل؛ فإن عليه أن يؤمن لهم عملاً يناسب ما اتفقوا عليه، ويدفع لهم رواتبهم كل شهر، فإن لم يكن عنده عمل يناسبهم فعليه أن يشغلهم عند غيره في أي حرفة يحسنونها، ويجري لهم رواتبهم، أو يتفق معهم أن يعملوا عند غيره بالنسبة؛ أي: بربع ما يحصلون أو سدسه أو نحو ذلك، سواء كان عملهم في بناء أو كهرباء أو هندسة سيارات أو بيع دواجن أو غيرها. فأما إهماله لهم وتركهم يتطلبون العمل ويفرض عليهم كل شهر مالاً محدداً يدفعونه له - سواء وجدوا عملاً أو لم يجدوا - فإن في ذلك ضرر عليهم، فلا بد من اتفاقه معهم على شيء لا يضرهم . والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (56)
إهانة العمال وإيذاؤهم ظلم
بعض من الكفلاء يتصرفون بقسوة - قولاً وفعلاً - مع عمالهم الذين يتحملون ذلك من أجل لقمة العيش؛ فالبعض من الكفلاء يضرب والآخر يشتم، فما توجيهكم في ذلك ؟
نقول: هذا لا يجوز شرعاً ولا عقلاً؛ وذلك لأن الكفيل استقدمهم للعمل بالأجرة ولم يكونوا مماليك له، فإن انتقدهم في العمل فله أن يهددهم بإلغاء العقد وردهم إلى بلادهم، أو بالحسم من مرتباتهم، وعليه أن يراقب الله ولا يغتر بنفسه وبما أعطاه الله من السلطة والتمكن، وأن يتذكر أن الله تعالى أقدر على أن يعذبه وينتقم منه، وأن هؤلاء المستضعفين العاجزين عن الأخذ بالثأر لهم رب عظيم هو الله تعالى، فلابد أن يستوفي منه حقهم الذي بخسهم إياه أو ظلمه لهم. وما الله بغافل عما يعمل الظالمون .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (57)
حكم تمكين العمال من أداء الفرائض النوافل
هل يجوز للكفيل منع العمال من أداء صلاة التراويح أو التهجد في رمضان ؟ علماً بأن عملهم ليلاً .(3/223)
على الكفيل أن يتفق مع العمال على ساعات معينة يعملونها؛ سواء في الليل أو النهار، فهذا هو المعتاد إن كان العمل شاقاً كالبناء ونحوه، ولا يردهم عن الصلاة المكتوبة وسنتها إذا تخللت هذه المدة. فإذا كان العمل ليلاً فلهم التهجد بعد انتهاء المدة التي حددت لهم، وليس له منعهم من الصلاة المكتوبة بخلاف صلاة التراويح التي يطول زمنها، فإن اشترطوا عليه أداءها مع الجماعة لزمه تمكينهم وإلا قضوها بعد انتهائهم من العمل. وكذا أصحاب المخابز والبقالات والمطاعم والورش التي تعمل في رمضان ليلاً: يندب لهم أن يصلوا مع الجماعة صلاة التراويح، ويمكِّنوا عمالهم منها؛ فإن امتنعوا فيقضونها إن تمكنوا من القضاء ليلاً .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (58)
مساعدة العمال على أداء الحج والعمرة
هل يجوز صاحب المؤسسة أن يمنع العامل من أداء العمرة أو الحج؛ علماً بأن هذه هي الفرصة المتاحة له في حياته ؟ وبما ذا تنصحون الكفلاء في هذا الأمر ؟
ننصح الكفلاء بالرفق بعمالهم، وبمساعدتهم على الطاعة والعبادة، ومن ذلك تمكينهم من أداء نسك الحج في زمنه، حيث إنه لا يتيسر لهم غالباً إذا انتهى عقدهم ورجعوا إلى بلادهم؛ لمشقة السفر وكلفته وبعده وقلة من يسمح لهم بالحج من هناك للزحام وقت الموسم، وغير ذلك من المعوقات الكثيرة. فعلى هذا متى سنحت لهم الفرصة وتمكنوا من أداء هذا النسك فيلزم الكفيل الإذن لهم، ولا يجوز له منعهم وقد تمت شروطه وانتفت الموانع .(3/224)
ثم إن ذلك لا يخلّ بالعمل لديه لقصر المدة؛ فهي لا تستغرق أكثر من عشرة أيام ذهاباً وإياباً وأداءً للمناسك، فإن كانوا كثيراً لديه فله أن يقسمهم على عامين أو أكثر يرخص في كل عام لبعضهم في أداء هذه المناسك، فذلك من التعاون على البر والتقوى ومن الإعانة على القيام بالواجبات والأركان الإسلامية. فأما العمرة فوقتها واسع، وله أن يرخص لهم في أي وقت من السنة لأدائها ولا تستغرق أكثر من يومين غالباً، فإن تبرع بنفقتهم فله أجر كبير وإلا أنفقوا على أنفسهم. وبكل حال لا يحق له منعهم إذا تمت الشروط وزالت العوائق . والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - الدر الثمين في فتاوى الكفلاء والعاملين، ص (59-61)
حكم مهنة الحلاقة
ما حكم الذي يحلق اللِّحَى وشعر الرأس ؟ وما حكم الحلاق الذي يحلق اللحى ؟
حلق اللحية حرام، واتخاذه مهنة حرام؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان الذي نهى سبحانه وتعالى عنه بقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المَائدة، من الآية: 2] .
وأما حلق شعر الرأس فمشروع، ولا إثم على من حلق رأس غيره أو اتخذ حلقه حرفة يتكسب منها. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه .
فتاوى للموظفين والعمال، اللجنة الدائمة، ص (64، 65)
تحريم صيانة الأجهزة المستخدمة غالباً للفساد
أنا أعمل مهندس إلكترونيات، ومن عملي إصلاح الراديو والتلفزيون والفيديو، ومثل هذه الأجهزة .. فأرجو إفتائي عن الاستمرار في هذه الأعمال، مع العلم أن ترك هذا العمل يفقدني كثيراً من الخبرة، ومن مهنتي التي تعلمتها طوال حياتي، وقد يقع علي ضرر خلال تركها .
دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة؛ أنه يجب على المسلم أن يحرص على طيب كسبه، فينبغي لك أن تبحث عن عمل يكون الكسب فيه طيباً، وأما الكسب من العمل الذي ذكرته فهذا ليس بطيب؛ لأن هذه الآلات تستعمل غالباً في أمور محرمة .(3/225)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/420)
حكم العمل في أماكن المعاصي
نشرت جريدة " المسلمون " فتوى لأحد المشايخ بجواز عمل رجل في مقهى يقدم الخمر لأنه في حكم المضطر .. فأي اضطرار هذا ؟! أريد توضيحاً أكثر حول هذا الموضوع؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن كل من يعمل في الخمر .
صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا" (1) .
فهذا العامل إن كان له عمل فيما يتعلق بالخمر - كما ذكر في هذا الحديث - حرم عمله في هذا المقهى، فإن كان يعمل في جانب آخر كإصلاح طعام أو قهوة أو غسل أواني القهوة ونحو ذلك ولا صلة له بالخمر ولا بمن يتعاطاها فلا إثم عليه، مع أن البعد عنهم أفضل؛ وإنما أبيح له للضرورة إذا لم يجد حرفة ووجهاً لكسب المعيشة الحلال، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى للموظفين والعمال، ص (46)
تحريم العمل في استريو الأغاني وتحريم كسبه
أرسل إليك رسالتي هذه بخصوص استريو أغاني؛ أنا أعمل به من أجل الكسب فقط، ليس لي هواية، ولا أحب أن أستمع إلى الأغاني، ولكن أقوم بتشغيل هذه الأشرطة للمشتري من أجل البيع، وأنا أعمل في هذا الاستريو منذ (15) عاماً، وقال لي بعض أهل العلم: عملك هذا حرام، ولا يجوز العمل فيه، وكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به .. هل هذا صحيح، هل أنا آثم ؟ أم هذا حرام ولا يجوز العمل في استريو الأغاني ؟ أفتونا. واستريو الأغاني عبارة عن موسيقى وأغاني رجال ونساء، جميع المغنيين والمغنيات. جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …أحمد (2/25، 71)، وأبو داود (3674) دون قوله: «وآكل ثمنها»، وابن ماجه (3380)، وغيرهم. وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (3121).(3/226)
عملك في الاستريو حرام، والكسب الذي تحصل عليه من ذلك حرام، فالواجب عليك ترك هذا العمل، والتخلص من المال الحرام: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *}[الطّلاَق: 2-3] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/452)
تحريم حراسة أماكن الكفر والفسوق
هل يجوز للمجند المسلم أو الجندي المسلم حراسة الكنيسة، أو البارات، أو دور السينما، أو دور اللهو كالكازينوهات ومحلات بيع الخمور ؟
لا يجوز العمل في حراسة الكنائس ومحلات الخمور ودور اللهو من السينما ونحوها؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم، وقد نهى الله جل شأنه عن التعاون على الإثم فقال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المَائدة: 2] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/481)
حكم استقدام الخادمة لغير ضرورة
زوجتي معلمة، ولدي ستة أطفال منها، وهي تتعب كثيراً في عملها ومع أطفالها في العناية بهم، مع قيامها بأعباء المنزل فضلاً عن كثرة زيارات أقاربنا وأهلنا لنا، والسؤال هو:
هل يجوز استقدام خادمة مسلمة لتقوم بمساعدة زوجتي وتخفيف العبء عنها ؟ أفتونا مأجورين جزاكم الله خيراً .(3/227)
ننصحك بعدم استقدام خادمة ما دام الحال كما ذكرت، وعلى الزوجة أن تبقى في المنزل لتربية أولادها، والقيام بحقك وحاجة المنزل، والعمل ليس بلازم إذا ترتب عليه ما ذكرته في سؤالك، أصلح الله حال الجميع .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (14/384، 385)
الباب الثالث عشر
الوصايا والمواريث
الفصل الأول :
الوصايا
الفصل الثاني :
المواريث
الفصل الأول
الوصايا
حكم الوصِيَّة ونصُّها الشرعي
هل كتابة الوصية واجبة ؟ وهل يلزم لها شهود ؟ وحيث إنني لا أعرف النص الشرعي أرجو إرشادي إليه .. جزاكم الله خيراً .
تكتب الوصية حسب الصيغة التالية: أنا الموصي أدناه أوصي: بأنني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبدُ الله ورسوله وكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مريم ورُوحٌ منه، وأن الجنة الحق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يَبَعَثُ مَن في القبور، أُوصِي مَن تركتُ من أهلي وذريتي وسائر أقاربي بتقوى الله وإصلاح ذاتِ البَيْن وطاعة الله ورسوله والتواصي بالحق والصبر عليه، وأوصيهم بمثل ما أوصى به إبراهيم عليه السلام بَنِيهِ ويعقوب: {يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[البَقَرَة: 132]. ثم يذكر ما يحب أن يوصي به من ثلث ماله أو أقل من ذلك أو مال معين لا يزيد على الثلث، ويبين مصارفه الشرعية، ويذكر الوكيل على ذلك .(3/228)
والوصية ليست واجبة بل مستحبة إذا أحب أن يوصي بشيء؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما حَقُّ امرِئٍ مُسلمٍ، لَهُ شيءٌ يُريدُ أن يُوصِي فِيه، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُه مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ"(1). لكن إذا كانت عليه ديون أو حقوق ليس عليها وثائق تثبتها لأهلها - وجب عليه أن يوصي بها حتى لا تضيع حقوق الناس، وينبغي أن يشهد على وصيته شاهدان عدلان، وأن يحرّرها من يوثق بتحريره من أهل العلم حتى يعتمد عليها، ولا ينبغي أن يكتفي بخطه فقط؛ لأنه قد يشتبه على المسؤولين، وقد لا يتيسر من يعرفه من الثقات. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (20/76، 77)
من أحكام الوصية
ما حكم الشرع في الوصية، أي: ما يوصي به الشخص قبل موته ؟ وما هي صيغتها ؟ وما هو الشيء الذي تجب الوصية بشأنه ؟
من أراد أن يوصي من ماله فعليه المبادرة بكتابة وصيته قبل أن يفاجئه الأجل، وعليه الاعتناء بتوثيقها والإشهاد عليها، وهذه الوصية تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الوصية الواجبة، كالوصية ببيان ما عليه وما له من حقوق؛ كدين أو قرض أو أقيام بيوع، أو أمانات مودعة عنه، أو بيان حقوق له في ذمم الناس - فالوصية في هذه الحالة واجبة؛ لحفظ أمواله وبراءة ذمته، ولئلا يحصل نزاع بين ورثته بعد موته وبين أصحاب تلك الحقوق؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما حَقُّ امرئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا ووَصِيَّتُهُ مَكتوبَةٌ عِنْدَه" (2)، أخرجه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري ج3 ص186 .
__________
(1) …البخاري (2738)، ومسلم (1627).
(2) …البخاري (2738)، ومسلم (1627).(3/229)
القسم الثاني: الوصية المستحبة، وهو التبرع المحض، كوصية الإنسان بعد موته في ماله - بالثلث فأقل - لقريب غير وارث، أو لغيره، أو الوصية في أعمال البر من الصدقة على الفقراء والمساكين، أو في وجوه الخير؛ كبناء المساجد والأعمال الخيرية؛ لما رواه خالد بن عبيد السلمي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ اللهَ عزَّوجل أَعْطَاكُم عِنْدَ وَفَاتِكُم ثُلُثَ أَمْوالِكُم زيَادَةً فِي أَعْمَالِكُم" ، قال الهيثمي في (مجمع الزوائد)(1): «رواه الطبراني(2) وإسناده حسن»، وأخرج الإمام أحمد في مسنده(3) نحوه عن أبي الدرداء رضي الله عنه، ولحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه المخرج في الصحيحين(4)، قال: جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني وأنا بمكة، وهو يَكْرَهُ أن يموت بالأرض التي هاجر منها، قال: "يَرْحَمُ اللهُ ابْنَ عَفْرَاءَ ، قلت: يا رسول الله: أُوصِي بمالي كله ؟ قال: لا قلت: فالشَّطْرُ ؟ قال: لا ، قلت: الثلث ؟ قال: الثُّلُث والثلثُ كَثير، إنك أَنْ تَدَع وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خيرٌ مِن أن تَدَعَهُم عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِم" ، الحديث لفظ البخاري، وفي لفظ للبخاري أيضاً: قلت: أريدُ أن أُوصِي وإنما لي ابنةٌ، قلت: أُوصِي بالنصف ؟ قال: النِّصْفُ كَثِير ، قلت: فالثلث ؟ قال: الثُّلُثُ والثلثُ كَثِير - أو - كَبِير قال: فأَوْصَى الناسُ
__________
(1) …«مجمع الزوائد» (4/212) .
(2) …في «المعجم الكبير» 4/198 (4129)، وابن ماجه (2709)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (12351) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه بنحوه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: الطبراني في «الكبير» 20/54 (94)، والدارقطني في «سننه» 4/150 (3). وحسَّن الألباني حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما في «صحيح سنن ابن ماجه» (2190).
(3) …أحمد (6/441)، وكذا الطبراني في «مسند الشاميين» (1484).
(4) …البخاري (2742، 2744)، ومسلم (1628).(3/230)
بِالثلث وجَازَ ذلك لهم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/263 - 266)
حول كتاب: (هذه وَصِيَّتِي الشرعية)
أرفق مع خطابي نسخة من كتيب: (هذه وصيتي الشرعية)، حيث أصبح الناس عندنا يشترونه ويعتقدون بوجوب تطبيقه بهذه الصيغة، وبعضهم يشترونه ويهدونه، البعض يتم توزيعهم مجاناً في مراكز تحفيظ القرآن، إما للعمل به أو للانتفاع به. نريد من فضيلتكم رأي الشرع في ذلك، وحكم توزيعه وإهدائه، أو العمل به بنفس الطريقة الموضحة في داخله . وجزاكم الله خيراً .
بقراءة الوصية المذكورة لم يوجد فيها ما يخالف الشرع، ولكن صياغتها بشكل وصية من كل فرد وتوزيعها على الناس يوهم أنه يستحب لكل شخص أن يوصي بما فيها أو يشتريها ويدفعها لمن يتولى شأنه بعد موته، مع أنه لا داعي لذلك؛ لأن أحكام الجنائز المذكورة فيها موجودة في كتب الفقه، يراجعها من يحتاج إليها بدون إيصاء أو توزيع؛ لا سيما وعمل المسلمين في هذه البلاد - والحمد لله - في أحكام الجنائز يتمشى على السنة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/289، 290)
وجوب تنفيذ الوصية
أصاب والدي - قبل موته بعام - مرض شديد أقعده على الفراش، وقد طلب من الحضور عنده وأشهدهم وأملى عليهم وصية بإخراج الربع من نخله سبيل، وكتب ذلك في ورقة . ثم شفى الله والدي ولم يمت في مرضه ذلك، وبعد عام حصل على والدي حادث انقلاب مفاجئ ومات فجأة قبل أن يوصي، وقد فقدت الورقة التي تحمل الوصية؛ ولكن الشهود لم يزالوا أحياء؛ فهل يجب علينا إمضاء وصية والدنا ؟ وهل يلزمنا إنفاذها ؟
إذا ثبتت وصية والدك شرعاً؛ ولم يثبت أنه رجع عنها - وجب على الورثة تنفيذها بعد سداد ما على الميت من دين قبل قسمة تركته .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم .(3/231)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/262، 263)
كيفية تعيين الوصي
إذا أردت أن أوصي أحد أولادي بثلث مالي ما دمت على قيد الحياة، فهل أوصيهم شفوياً أم عند قاضي محكمة ؟ وهل الوصية تكون للكبير من الأولاد أو الأوسط أو الصغير أو لأي منهم، أو لعدد منهم ؟
ينبغي للمسلم أن يكتب وصيته في المحكمة أو عند طالب علم شرعي معروف، يعتمد خطه حتى يجريها على القواعد الشرعية، ويجعل الوصية على يد من يتوخى فيه الخير والأمانة والقوة على التنفيذ من أولاده الذكور أو الإناث .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/266)
الحكمة من منع الوصية للوارث
لماذا منع الإسلام الوصية للوارث ؟
منع الإسلام الوصية للوارث؛ لأنه من تعدي حدود الله عز وجل؛ فإن الله عز وجل حدد الفرائض والمواريث بحدود؛ قال فيها: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ *}[النِّسَاء] .
فإذا كان للإنسان بنت وأخت شقيقة مثلاً: فإن من المعلوم أن للبنت النصف فرضاً، وللأخت الشقيقة الباقي تعصيباً، ولو أوصى للبنت في مثل هذه الحال بثلث ماله مثلاً لكان معنى ذلك أن البنت ستأخذ الثلثين، والأخت ستأخذ الثلث فقط، وهذا تعدي لحدود الله .
وكذلك لو كان له ابنان: فإن من المعلوم أن المال بينهما نصفان، فلو أوصى لأحدهما بالثلث مثلاً صار المال بينهما أثلاثاً، وهذا من تعدي حدود الله، فلذلك كانت حراماً؛ لأنها لو أجيزت ما كان لتحديد المواريث فائدة، ولكان الناس يتلاعبون وكل يوصي لمن شاء فيزداد نصيبه من التركة، ويحرم من شاء فينقص نصيبه .(3/232)
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى نور على الدرب (2/558)
حكمة تحديد الوصية بالثلث
لماذا منعت الوصية بأكثر من الثلث ؟
منعت الوصية بأكثر من الثلث؛ لأن حق الورثة يتعلق بالمال، فإذا أوصى بزائد على الثلث صار في ذلك هضم لحقوقهم، ولهذا لما استأذن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوصي بثلثي ماله - قال: لا قال: فالشَّطْرُ ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ، قال: فالثُّلُثُ ؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الثلث؛ والثلث كَثِيرٌ . إنك أَنْ تَذَرَ ورثتَكَ أغنياءَ خيرٌ من أن تَذَرَهُم عالَةً يَتكفَّفُونَ الناس (1) . فبين الرسول عليه الصلاة والسلام بل أشار في هذا الحديث إلى الحكمة في منع ما زاد على الثلث، ولهذا لو أوصى بزائد على الثلث وأذن الورثة فلا بأس بذلك .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى نور على الدرب (2/559)
حكم إخراج الثلث عن الميت من غير وصية منه
توفى الوالد ولم يوص بثلث؛ فهل يخرج له ثلث أم لا ؟
إذا كان الواقع ما ذكر، فلا يلزمكم إخراج الثلث. وإن تبرع المرشدون من الورثة بإخراج شيء من التركة أو غيرها يكون صدقة فذلك حسن .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/285)
مشروعية الوصية لأبناء الابن المتوفى في حياة أبيه
ما حكم الشرع في منع الرجل المتوفى في حياة والده من الميراث حتى ولو كان له أولاد صغار فقراء ؟ وهل يجوز أن نعطيهم شيئاً كرهاً عن الآخرين ؟
يشرع للرجل إذا مات ابنه في حياته وترك أولاداً أن يوصي لهم بشيء أقل من الثلث - ولو كره أعمامهم؛ فإن للرجل التصرف في الثلث بعد الموت، فإذا لم يرثه أولاد ابنه استحب أن يوصي لهم بإرث أبيهم إن كان ثلثاً أو أقل منه، حسب اجتهاده؛ فإن لم يفعل فلا شيء لهم إلا إذا سمح أعمامهم .
__________
(1) …البخاري (1295، 2742، 2744، 3936، 4409، 5354، 5659)، ومسلم (1628).(3/233)
الشيخ ابن جبرين - فتاوى إسلامية (3/55)
الفصل الثاني
المواريث
من مات وهو يدعو غير الله مشرك لا يُورَث
رجل يصلي ويصوم ويفعل جميع أركان الإسلام ومع ذلك كله يدعو غير الله؛ حيث إنه يتوسل بالأولياء وينتصر بهم ويعتقد أنهم قادرون على جلب المنافع ودفع المضار، أخبرنا جزاكم الله خيراً .. هل يرثه أولاده الموحدون بالله الذين لا يشركون مع الله شيئاً ؟ وأيضاً ما هو حكمهم ؟
من كان يصلي ويصوم ويأتي بأركان الإسلام إلا أنه يستغيث بالأموات والغائبين وبالملائكة ونحو ذلك - فهو مشرك. وإذا نصح ولم يقبل وأصرَّ على ذلك حتى مات فهو مشرك شركاً أكبر يخرجه من ملة الإسلام؛ فلا يغسل ولا يصلى عليه صلاة الجنازة ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يدعى له بالمغفرة، ولا يرثه أولاده ولا أبواه ولا إخوته الموحدون ولا نحوهم ممن هو مسلم؛ لاختلافهم في الدِّين؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ" (1)، رواه البخاري ومسلم . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة - كتاب فتاوى إسلامية (3/51)
تحريم مخالفة الشرع في قسمة الميراث
امرأة تقول: توفي أخي وترك عندي مبلغاً من المال قدره ثمانون ألف ريال أمانة عندي، وله ابن وبنت، فأتى إلي أحد الأولاد وطلب ذلك المبلغ، فأنكرته بحجة أنه وهبه لي، وكان أخي يعرف ذلك، ثم جاءت البنت، وقالت: ما تركه والدي أمانة عندك ! .. وبعد مدة خفت من أن ينتقم الله مني بسبب الأمانة التي حملتها، فوزعت المبلغ المذكور بينهما بالتساوي، فأعطيت الابن مثل ما أعطيت البنت (40.000) أربعون ألف ريال لكل منهما، فسألت أحد العلماء، فقال: أنت آثمة في قسمتك هذه، وحرام عليك؛ فهل ما قاله هذا العالم صحيح أم لا ؟ وماذا عليّ أن أفعله الآن ؟
أولاً: مماطلتك في حق الورثة شيء لا يجوز لك؛ بل الواجب أداء الأمانة لأهلها .
__________
(1) …البخاري (6764)، ومسلم (4140).(3/234)
ثانياً: قسمتك المال بين الذكر والأنثى سواء، وهما ليسا في حكم الله سواء؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ}[النِّسَاء، من الآية: 11]؛ فالأولاد إذا كانوا ذكوراً وإناثاً؛ فللذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يجوز تسوية الذكر بالأنثى .
فالذي عليك الآن استدراك هذا الشيء، ويلزمك أن تسحبي من البنت الزيادة عن نصيبها، وتدفيعها لأخيها، وإن لم تستطيعي سحب الزائد من البنت؛ فإنك تغرمين للابن ما يكمِّل نصيبه . والله تعالى أعلم .
الشيخ الفوزان - فتاوى المرأة المسلمة، ص (907، 908)
الترهيب من حرمان البنات من الإرث
بعض الناس يمنع ابنته من الإرث خوفاً على ثروته أن يأخذ من يتزوج ابنته نصيبها من هذه الثروة .. هل هذا جائز ؟
بين الله تعالى الورثة ونصيب كل منهم في سورة النساء، ومن هؤلاء: البنات، وأوصى بإيتاء كل ذي حق حقه، وختم آيات الميراث الأولى منها بقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ *}[النِّسَاء]، وختم الآية الأخيرة من السورة بقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النِّسَاء: 176]؛ فمن حَرَم البنت أو غيرها من الحق الذي جعله الله لها دون رضاها وطيب نفس منها، فقد عصى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، واتبع هواه، واستولت عليه العصبية الممقوتة والحمية الجاهلية، ومأواه جهنم إن لم يتب ويؤدي الحقوق لأربابها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/493، 494)
أولاد البنات لا يرثون(3/235)
نحن أسرة مكونة من سبع بنات، وقد توفيت أختي الكبيرة من أبي، ولديها ثمانية أبناء؛ فهل لأبنائها الموجودين على قيد الحياة الحق في الإرث من مال والدي ؟ لأن والدي مازال موجوداً على قيد الحياة، وهي ماتت قبله؛ فهناك عدة مشكلات تحدث مع أولادها بشأن هذا الإرث .
أولاد البنات ليس لهم من الإرث شيء؛ لأنهم من ذوي الأرحام فما دام يوجد أصحاب فروض أو عصبات؛ فإنه لا حق لذوى الأرحام في الإرث؛ فمال أبيكم لبناته منه الثلثان، والباقي للعاصب، فإن لم يكن هناك عاصب؛ فإنه يرد على البنات .
الشيخ الفوزان - فتاوى المرأة المسلمة، ص (909، 910)
أولاد الأخ الشقيق لا يرث منهم إلا الذكور
رجل توفاه الله ولم يكن له زوجة ولا ذرية؛ لكن له أولاد أخ شقيق متوفى من قبل . . فهل أولاد الأخ ذكورهم وإناثهم يرثون العم المتوفى ؟
إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل فالإرث كله لأبناء الأخ الشقيق دون البنات بإجماع المسلمين؛ لقول النبي، - صلى الله عليه وسلم -: "أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَِوْلَى رَجُلٍ ذَكَر" (1)، متفق على صحته. ولأن بنات الأخ لسن من أهل الفروض ولا من العصبة؛ بل من ذوي الأرحام بإجماع أهل العلم.
الشيخ ابن باز - فتاوى إسلامية (3/56)
حكم توزيع التركة قبل الموت
إني رجل متزوج ولله الحمد .. وعندي مال وليس لي إلا بنت واحدة فقط؛ ولي أخ وأخت من أبي، وبنتي حالتها المادية ميسورة وتريدني أن أسجل كل ما يخصها من التركة لعمها الذي هو أخي، وأختي كذلك تريد نفس الشيء تسجل ما يخصها لأخيها، مع العلم أنني متزوج بامرأة غير أم البنت ولم تنجب شيئاً ولكنهم يكرهونها وإني لا أريد أن أفرط في نصيبها، في نفس الوقت أخشى لو سجلتها لأخي أن يخرجني أنا وزوجتي من البيت فأرجو إرشادي إلى العمل الأصلح .
__________
(1) …البخاري (6732)، ومسلم (4141).(3/236)
العمل الأصلح أن تبقي مالك في يدك؛ لأنك لا تدري ماذا يعرض لك في حياتك، ولا تكتبه لأحد . وأنت إذا قدر الله عليك فمُتَّ: ورث الورثة من مالك بقدر ما جاء في شريعة الله سبحانة وتعالى. ثم إنك كيف تكتبه لهؤلاء على أنهم ورثتك؛ مع أنك لا تدري فقد يموتون قبلك وتكون أنت الوارث لهم ؟!. فالمهم أننا ننصحك بأن تمسك عليك مالك ولا تكتبه لأحد، ودعه بيدك تتصرف فيه كما شئت بالحدود الشرعية . وإذا قدر أن مات أحدكم ورثه الآخر بحسب ما حدده الله سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى نور على الدرب (2/559، 560)
الرضاع ليس سبباً للإرث
إذا توفيت امرأة ولها مال وليس بعدها وارث، وأقرب شخص إليها هو من قامت بإرضاعه رجلاً كان أو أمرأة؛ فهل هو أحق بتركتها أم تؤول إلى بيت مال المسلمين ؟
ليست الصلة بالرضاع من أسباب الإرث؛ فأخوه من الرضاع وأبوه من الرضاع ليس له إرث ولا ولاية ولا نفقة ولا شيء من حقوق القرابات، ولكن لاشك أن له شيئاً من الحقوق التي ينبغي أن يكرم بها، وأما الإرث فلا حق له في الإرث؛ وذلك لأن أسباب الإرث ثلاثة: القرابة والزوجية والولاء؛ وليس الرضاع من أسبابها. وعلى هذا فالمرأة المذكورة في السؤال يكون ميراثها لبيت مال المسلمين يصرف إلى بيت المال، ولا يستحقه هذا الابن من الرضاع .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى نور على الدرب (2/560)
هل ترث المطلَّقة المتوفَّى عنها زوجها ؟
هل ترث المرأة المطلقة التي توفي زوجها فجأة - وكان قد طلقها - وهي في فترة العدة أو بعد انقضاء العدة ؟
المرأة المطلقة إذا مات زوجها وهي في العدة؛ فإما أن يكون الطلاق رجعياً أو غير رجعي:(3/237)
فإذا كان الطلاق رجعياً: فهي في حكم الزوجة وتنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة، والطلاق الرجعي هو أن تكون المرأة طلقت بعد الدخول بها بغير عوض، وكان الطلاق لأول مرة أو ثاني مرة؛ فإذا مات زوجها فإنها ترثه؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *}[البَقَرَة، من الآية: 228]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصَوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يُخْرَجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا *}[الطّلاَق]؛ فقد أمر سبحانه وتعالى الزوجة المطلقة أن تبقى في بيت زوجها في فترة العدة، وقال: {لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} يعني به الرجعةَ.
أما إذا كانت المطلقة التي مات زوجها فجأة مطلقة طلاقاً بائناً: مثل أن يكون الطلقة الثالثة، أو أعطت الزوج عوضاً ليطلقها، أو كانت في عدة فسخ لا عدة طلاق - فإنها لا ترث ولا تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة . ولكن هناك حالة ترث فيها المطلقة طلاقاً بائناً مثل: إذا طلقها الزوج في مرض موته مُتَّهَماً بقصد حِرمانها؛ فإنها في هذه الحالة ترث منه ولو انتهت العدة ما لم تتزوج؛ فإنها إنْ تزوجت فلا إرث لها .(3/238)
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه (2/820)
وجوب قضاء الدَّيْنِ قبل قسمة الإرث
ورثت بعض المال عن قريب لي واشترك معي في الميراث بنت له وزوجتان، ثم تبين بعد فترة أن المتوفى عليه ديون كثيرة، وأبَى بقية الورثة أن يساهموا في سداد ديونه، ورَقَّ قلبي للمتوفى ومسؤولية ذلك أمام الله تعالى، فقررت أن أتاجر فيما معي من مال حتى أنميه وأسدد ما عليه من ديون؛ نظراً لأن ديونه تفوق ما معي من مال، فما الحكم ؟
لا يحل لورثة الميت شيء من ميراثه إلا بعد قضاء ديونه؛ لأن الله تعالى لما ذكر الميراث قال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النِّسَاء، من الآية: 11] . وعلى هذا فلا حق للورثة في شيء من مال مورثهم إلا بعد قضاء دينه؛ فإذا اقتسموا الميراث جاهلين بهذا الدَّين ثم تبينوا ذلك وجب على كل منهم أن يرد ما ورث في قضاء دينه؛ فإذا امتنع أحدهم عن ذلك فهو آثم ومعتد على الميت ومعتد على صاحب الدين. فإذا كنت قد تصرفت هذا التصرف بأن تاجرت بما قبضت من الميراث لتنميه حتى تسدد ما على الميت من الديون فهذا تصرف اجتهادي، وحيث وقع اجتهاداً منك فأرجو ألا يقع عليك فيه إثم، وعليك أن تقضي الدين من أصل ما ورثت ومن ربحه. ولكن مثل هذا العمل الذي عملته ليس بجائز؛ لأنه ليس لك الحق في أن تتصرف في مال لا تستحقه - لكن نظراً لأن هذا وقع منك على سبيل الاجتهاد فأرجو ألا تكون آثماً .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى إسلامية، (3/49)
نفقة الحج الواجب تكون قبل قسمة الإرث(3/239)
توفيت امرأة عن زوجها ووالدها وإخوتها - ذكور وإناث - بعد أن أنجبت بنتاً توفيت قبل أمها المذكورة، وخلفت بعض النقود القليلة .. يرغب الورثة معرفة فرض كل منهم . هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية فإن المرأة المتوفاة المذكورة لم تؤد فريضة الحج، وبعض الورثة يفضل أن يكلف من يحج عنها قبل توزيع الفروض، والبعض منهم لا يوافق على ذلك إلا بعد الاستفتاء ومعرفة الوجه الشرعي؛ ونحن في انتظار الإجابة .
إذا كان الأمر كما ذكر فيدفع من تركتها ما يكفي للحج والعمرة لمن يحج عنها ويعتمر إذا كانت قادرة على الحج في حياتها؛ أما إن كانت فقيرة فلا حج عليها ولا عمرة . وما بقي بعد ذلك يُقضى دينها منه إن كان عليها دَيْن، ثم تنفذ وصيتها الشرعية إن كانت مُوصِيَة، وما بقي بعد ذلك فمسألته من اثنين للزوج النصف، والباقي للأب ولا شيء لإخوتها؛ لأن الأب يسقطهم، وأما ابنتها التي توفيت قبلها فلا ترث من أمها لأن من شروط الإرث تحقق وجود الوارث حين موت المورِّث وهو مفقود هنا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - كتاب: فتاوى إسلامية (3/49)
الزوجة ترث وتُحِدّ بمجرد العقد
لي أخت تبلغ من العمر (14) سنة وعقد لها على ابن عمها بعقد قران؛ ولكن الله قضى على ابن عمها فتوفي .. أرجو إفادتي: هل عليها الحداد كاملاً أو نصفه أو لا حداد عليها ؟ وهل ترث من ملكه ؟ علماً أنه لم يدخل عليها بتاتاً ولم يأتها منه أي شيء لا حلي ولا غير ذلك .. أفيدونا جزاكم الله خيراً .(3/240)
إذا مات الرجل قبل الدخول بزوجته فإن عليها الإحداد ولها الإرث؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البَقَرَة، من الآية: 234]؛ فلم يفرق سبحانه بين المدخول بها وغير المدخول بها؛ بل أطلق الحكم في الآية فعمهن جميعاً. وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة أنه قال: "لا تُحِدُّ امرأةٌ على ميتٍ فوق ثلاثةِ أيام إلا على زوجٍ؛ فإنها تُحِدُّ عليه أربعةَ أشهرٍ وعشراً" (1)، ولم يفرق - صلى الله عليه وسلم - بين المدخول بها وغير المدخول بها. وقال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النِّسَاء، من الآية: 12] .
ولم يفرق عز وجل بين المدخول بها وغيرها، فدل ذلك على أن جميع الزوجات يرثن أزواجهن؛ سواء كن مدخولاً بهن أو غير مدخول بهن مالم يمنع مانع شرعي من ذلك - كالرِّق والقتل واختلاف الدين .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة (1/160)
الباب الرابع عشر
النكاح
الفصل الأول :
النكاح
الفصل الثاني :
العشرة بين الزوجين
الفصل الثالث :
الطلاق والعِدَد
الفصل الرابع :
النسب والرضاع
الفصل الأول
النكاح
حكم الزواج
__________
(1) …البخاري (313، 1280، 1281، 1282، 5334، 5335، 5341، 5345)، ومسلم (بعد 1491)، بألفاظ قريبة من المذكور هنا.(3/241)
هل يجوز لأي إنسان أن يترك الزواج مختاراً وهو يملك نفقة الزواج والشقة والقدرة الجنسية وأحواله المادية متيسرة ؟ لأن لي صديقاً بمثل هذه الحالة، يزعم أنه لا يريد أن ينجب أبناء يتعذبون في هذه الدنيا، وتارة بحجة أنه كبير في السن، علماً بأن أمه تريده أن يتزوج .
الزواج مشروع في الإسلام، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمر مرغب فيه في الإسلام، ومشروعية الزواج تختلف باختلاف الأحوال؛ فمن خاف على نفسه الوقوع في المحظور إن ترك النكاح فهذا يجب عليه الزواج إن كان قادراً على مؤنته في قول عامة فقهاء الإسلام؛ لأن إعفاف النفس عن الحرام واجب وطريقه الزواج، ولهذا يُقدَّم في هذه الحال على الحج. وإن كان يأمن على نفسه من الوقوع في المحظور استحب له الزواج، وعليه: فإذا كان الحال ما ذكر في سؤالك فينبغي له أن يستعين بالله، ويطلب زوجة صالحة؛ ليحصن نفسه ويحصنها، وفي ذلك خير كثير، وأجر عظيم.
وأما التعليل بأن يترك الزواج حتى لا يحصل أولاد يتعذبون في هذه الدنيا فهذا تعليل فاسد، لا يجوز أن يخطر ببال مسلم فضلاً أن يبني عليه أحكاماً .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/8، 9)
الواجب على الرجل الأعزب
بالنسبة لموضوع غض البصر، فأنا شاب عندي (20) سنة، فإنني أغض من بصري؛ ولكن في أثناء وقبل النوم أظل قليلاً أفكر في حب الشهوة؛ فكيف أمتنع عن هذه العادة السيئة، وأبعد الشيطان عني، مع أنني أقرأ القرآن قبل النوم ؟
أولاً: يجب عليك أن تغض من بصرك عن المحارم، وكذلك لا يجوز لك مطالعة المجلات والأفلام التي تشتمل على صور النساء؛ قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *}[النُّور] .(3/242)
ثانياً: عليك بالزواج إن استطعت، فإنه معين على غض البصر، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه، فإنه قال: "يا مَعْشَرَ الشباب مَنِ استطاعَ منكم البَاءَةَ فليتزوَّجْ؛ فإنه أَغَضُّ للبصرِ وأَحْصَنُ للفَرْجِ، ومن لم يستطِعْ فعليهِ بالصوم فإنه له وِجَاء" (1) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/32)
حكم الاستمناء (العادة السرية)
س1: إذا أراق الرجل الأعزب منيه مع نفسه فهل يعتبر ذلك زنا ؟ وما حكم ذلك ؟
ج1: هذا يسمى عند بعض الناس العادة السرية، ويسمى جلد عميرة، ويسمى الاستمناء . والذي عليه جمهور أهل العلم تحريمه، وهو الصواب؛ لأن الله جل وعلا قال - لما ذكر المؤمنين وصفاتهم -: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ *}[المؤمنون] .
والعادي هو الظالم المتعدي لحدود الله؛ فأخبر سبحانه أن من تجاوز جماع الزوجة وجماع السُّرِّيَّة(2) فإنه عادٍ . ولاشك أن الاستمناء خارج عن ذلك .
__________
(1) …البخاري (1905، 5065، 5066)، ومسلم (1400).
…و(الباءَةُ والبَاءُ): النكَاح والتزوُّج. ومعنى (وِجَاء): أي قاطِع ومُذْهِب للشهوة.
(2) …وهي الأَمَة التي يعاشرها مولاها معاشرة الزوجات.(3/243)
ولهذا استنبط العلماء من هذه الآية الكريمة تحريم هذه العادة السرية؛ وهي الاستمناء باليد، يعني إخراج المني بيده عند تحرك الشهوة، فلايجوز له هذا العمل وفيه مضار كثيرة قالها الأطباء، بل ألَّف بعض أهل العلم في ذلك مؤلفاً جمع فيه المضار لهذه العادة السرية. فالواجب عليك أيها السائل أن تحذر ذلك، وأن تبتعد عن هذه العادة ففيها من المضار الكثيرة ما لا يخفى؛ ولأنها عادة تخالف ظاهر كتاب الله العزيز، وتخالف ما أباح الله لعباده، فيجب اجتنابها والحذر منها، وينبغي لمن اشتدت فيه الشهوة وخاف على نفسه أن يبادر بالزواج، فإن لم يتيسر ذلك فَلْيَصُمْ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (1) ولم يقل: فمن لم يستطع فليخرج منيه بيده أو: فليستمن؛ بل قال: "وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أمرين:
أحدهما: المبادرة بالزواج لمن قدر .
__________
(1) …البخاري (1905، 5065، 5066)، ومسلم (1400).(3/244)
الثاني: الاستعانة بالصوم لمن عجز عن النكاح؛ لأن الصوم يضعف مجاري الشيطان. فينبغي لك يا عبد الله أن تتأدب بالآداب الشرعية، وأن تجتهد في إحصان نفسك بالزواج الشرعي حتى ولو بالاستدانة أو القرض، فإن الله سبحانه سوف يوفي عنك؛ فإن الزواج عمل صالح وصاحبه مُعان كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ"(1).
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث: العدد (26) - ص (129، 130)
س2: ما حكم استعمال العادة السرية ؟
ج2: استعمال العادة السرية، وهي الاستمناء باليد أو بغيرها: محرَّم بدلالة الكتاب والسنة والنظر الصحيح؛ أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ *}[المؤمنون] .
ومن طلب نيل شهوته بغير زوجته ومملوكته فقد ابتغى وراء ذلك، ويكون عادياً بمقتضى هذه الآية الكريمة.
__________
(1) …أحمد (2/251، 437)، والترمذي (1655) وقال: « حديث حسن »، والنسائي (3218)، وابن ماجه (2518)، وابن حبان (4030)، والحاكم 2/160، 217 (2678، 2859) وصححه ووافقه الذهبي .(3/245)
وأما السنة ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (1)، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لا يستطيع أن يتزوج بالصوم. ولو كان الاستمناء جائزاً لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه؛ فلما لم يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم مع يُسْرِه - علم أنه ليس بجائز.
وأما النظر الصحيح فهو ما يترتب على هذا الفعل من مضار كثيرة ذكرها أهل الطب؛ ففيه مضار تعود على البدن، وعلى الغريزة الجنسية، وعلى الفكر أيضاً والتدبير، وربما تعيقه عن النكاح الحقيقي؛ لأن الإنسان إذا أشبع رغبته بمثل هذا الأمر قد لا يلتفت إلى الزواج .
الشيخ ابن عثيمين - أسئلة مهمة - ص (9)
حكم عَضْل النساء
إذا تقدم شخص لخطبة فتاة ولكن ولي الفتاة رفض تزويجها بقصد حرمانها من الزواج؛ ما حكم الإسلام في ذلك ؟
الواجب على الأولياء البدار بتزويج مولياتهم إذا خطبهن الأكفاء ورضين بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ؛ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (2) .
__________
(1) …البخاري (1905، 5065، 5066)، ومسلم (1400).
(2) …- أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1084) ورَجَّحَ إرساله، وابن ماجه (1967)، والحاكم 2/165 (2695)، والطبراني في "الأوسط" (446، 7074).
…- وأخرجه من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1085) وقال: « حسن غريب »، والطبراني في "الكبير" 22/299 (762)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (13259). وحسنه الألباني؛ كما في "صحيح سنن الترمذي" (865، 866).(3/246)
ولا يجوز عَضْلُهُنَّ من أجل تزويجهن على من لا يرضين من أبناء عمهن أو غيرهم، ولا لطلب المال الكثير، ولا لغير ذلك من الأغراض التي لم يشرعها الله ورسوله . والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والقضاة الأخذ على يد من عرف بالعضل، والسماح لغيره من الأولياء(1) بالتزويج لمولياتهم - الأقرب فالأقرب - منعاً للظلم، وتنفيذاً للعدل، وحماية للشباب والفتيات من الوقوع فيما حرَّم الله عليهم بأسباب عضل أوليائهم وظلمهم . نسأل الله للجميع الهداية، وإيثار الحق على هوى النفوس .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة ص (165)
حكم عَضْل البنت طمعاً في راتبها
ما حكم الشرع - في رأيكم - في الآباء الذين يمتنعون عن تزويج بناتهم لأنهم يأخذون رواتبهن ؟
__________
(1) …أي من يليه في ذلك الأمر.(3/247)
امتناع الأولياء من الآباء أو غيرهم عن تزويج مولياتهم من أجل أخذ الرواتب مُحرَّم؛ فإن كان غير الأب فليس له الحق أن يأخذ من مال مَوْلِيَتهِ شيئاً، وإن كان الأب فله أن يتملك من مالها ما لا يضرها ولا تحتاجه، ومع ذلك لا يحل له أن يمنع تزويجها من أجل هذا؛ لأن هذا خيانة للأمانة، وقد قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ *}[الأنفَال]؛ فتأمل هاتين الآيتين: لما نهى الله سبحانه وتعالى عن خيانة الله ورسوله وخيانة الأمانة - قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ *}[الأنفَال] إشارة إلى أنه لا تجوز الخيانة؛ لا مراعاة للمال ولا مراعاة للأولاد، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ؛ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيْرٌ" (1) أو قال: عَرِيض . وإذا قدر أن الأب أو غيره من الأولياء امتنع من تزويج مَوْلِيَتهِ كُفْئاً لها؛ فإنه في هذه الحال تنتقل الولاية إلى غيره من الأولياء الأولى فالأولى. وإذا تكرر منه هذا الشيء فإن ولايته تسقط؛ لأنه في هذا الحال يكون فاسقاً .
__________
(1) …- أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1084) ورَجَّحَ إرساله، وابن ماجه (1967)، والحاكم 2/165 (2695)، والطبراني في "الأوسط" (446، 7074).
…- وأخرجه من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1085) وقال: « حسن غريب »، والطبراني في "الكبير" 22/299 (762)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (13259). وحسنه الألباني؛ كما في "صحيح سنن الترمذي" (865، 866).(3/248)
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم تأخير الزواج لإكمال التعليم
س1: هناك عادة منتشرة وهي رفض الفتاة أو والدها الزواج ممن يخطبها؛ لأجل أن تكمل تعليمها الثانوي أو الجامعي، أو حتى لأجل أن تدرس لعدة سنوات .. فما حكم ذلك ؟ وما نصيحتك لمن يفعله؟ فربما بلغ بعض الفتيات سن الثلاثين أو أكثر بدون زواج !!
ج1: حكم ذلك أنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ" (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ" (2)، وفي الامتناع عن الزواج تفويت لمصالح الزواج.
__________
(1) …- أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1084) ورَجَّحَ إرساله، وابن ماجه (1967)، والحاكم 2/165 (2695)، والطبراني في "الأوسط" (446، 7074).
…- وأخرجه من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1085) وقال: « حسن غريب »، والطبراني في "الكبير" 22/299 (762)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (13259). وحسنه الألباني؛ كما في "صحيح سنن الترمذي" (865، 866).
(2) …البخاري (1905، 5065، 5066)، ومسلم (1400).(3/249)
فالذي أنصح به إخواني المسلمين من أولياء النساء وأخواتي المسلمات من النساء: ألايمتنعن من الزواج من أجل تكميل الدراسة أو التدريس، وبإمكان المرأة أن تشترط على الزوج أن تبقى في الدراسة حتى تنتهي دراستها، وكذلك أن تبقى مدرسة لمدة سنة أو سنتين مادامت غير مشغولة بأولادها، وهذا لا بأس به، على أن كون المرأة تترقى في العلوم الجامعية مما ليس لنا به حاجة أمر يحتاج إلى نظر، فالذي أراه أن المرأة إذا أنهت المرحلة الابتدائية وصارت تعرف القراءة والكتابة بحيث تنتفع بهذا العلم في قراءة كتاب الله وتفسيره، وقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وشرحها؛ فإن ذلك كافٍ، اللهم إلا أن تترقى لعلوم لابد للناس منها؛ كعلم الطب وما أشبهه - إذا لم يكن في دراسته شيء محذور من اختلاط أو غيره .
الشيخ ابن عثيمين - رسالة: أسئلة مهمة ص (26، 27)
س2: هناك عادة منتشرة وهي رفض الفتاة أو والدها من يخطبها لأجل أن تكمل تعليمها الثانوي أو الجامعي، أو حتى لأجل أن تدرس لعدة سنوات .. فما حكم ذلك ؟ وما نصيحتك لمن يفعله فربما بلغ بعض الفتيات سن الثلاثين أو أكثر بدون زواج ؟
ج2: نصيحتي لجميع الشباب والفتيات البدار بالزواج والمسارعة إليه إذا تيسرت أسبابه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ؛ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (2)
__________
(1) …البخاري (1905، 5065، 5066)، ومسلم (1400).
…و(الباءَةُ والبَاءُ): النكَاح والتزوُّج. ومعنى (وِجَاء): أي قاطِع ومُذْهِب للشهوة.
(2) …- أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1084) ورَجَّحَ إرساله، وابن ماجه (1967)، والحاكم 2/165 (2695)، والطبراني في "الأوسط" (446، 7074).
…- وأخرجه من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1085) وقال: « حسن غريب »، والطبراني في "الكبير" 22/299 (762)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (13259). وحسنه الألباني؛ كما في "صحيح سنن الترمذي" (865، 866).(3/250)
، وقوله صلى الله عليه وسلم: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَة" (1)، ولما في ذلك من المصالح الكثيرة التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم: من غض البصر، وحفظ الفرج، وتكثير الأمة، والسلامة من فساد كبير وعواقب وخيمة .
وفق الله المسلمين جميعاً لما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم؛ إنه سميع قريب .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة العدد (117)
س3: كنت في صغري سعيدة وزميلاتي كن يغبطنني على سعادتي إلى أن أصبحت فتاة مؤهلة للزواج؛ فطرق بابنا بعض راغبي الزواج مني .. فرفض والديّ بحجة إكمال تعليمي، وقد حاولت إقناعهما كثيراً برغبتي في الزواج، وأن ذلك لن يتعارض مع دراستي، ولكنهما أصرا على موقفهما؛ فهل يجوز لي أن أتزوج دون رضاهما ؟ وإلا فماذا أفعل ؟ أجيبوني رحمكم الله .
ج3: لا شك أن منع والدك تزويجك لمن هو كفء أمر مُحرَّم. والزواج أهم من الدراسة، وهو لا ينافي الدراسة؛ لأنه من الممكن الجمع . وفي مثل هذه الحال يجوز لك أن تتصلي بالمحكمة الشرعية لإبداء ما جرى، ثم بعد ذلك يكون النظر الأخير لها، أي: للمحكمة الشرعية .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه، (إعداد: أشرف بن عبدالمقصود) - (2/754)
حكم الزواج من الأقارب
تقدم لي أحد الأقارب؛ لكنني سمعت أن الزواج من الأباعد أفضل من حيث مستقبل الأطفال وغير ذلك .. فما رأيكم في ذلك ؟
__________
(1) …- أخرجه من حديث أنس رضي الله عنه:
…أحمد (3/158، 245)، والطبراني في "الأوسط" (5099)، وابن حبان (4028)، وسعيد ابن منصور في "سننه" (490). وحسن الهيثمي إسناده في "المجمع" (4/258).
…- وأخرجه من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه:
…أبو داوود (2050)، والنسائي (3227)، والطبراني في "الكبير" 20/219 (508)، وابن حبان (4056، 4057)، والحاكم 2/162 (2685) وصححه ووافقه الذهبي.(3/251)
هذه القاعدة ذكرها بعض أهل العلم وأشار إلى ما ذكرت من أن للوراثة تأثيرًا، ولا ريب أن للوراثة تأثيرًا في خلق الإنسان وفي خلقته؛ ولهذا جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: "إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ - يُعَرِّض بهذه المرأة كيف يكون الولد أسود وأَبْوَاهُ كل منهما أبيض ؟! - فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا ؟ قَالَ: حُمْرٌ . قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ ؟ قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا . قَالَ: فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ ؟ قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ ؟ قَالَ: وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ"(1). فدل هذا على أن للوراثة تأثيرًا، ولا ريب في هذا، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (2) .
فالمرجع في خطبة المرأة إلى الدين، فكلما كانت أدين وكلما كانت أجمل فإنها أولى؛ سواء أكانت قريبة أم بعيدة؛ وذلك لأن الملتزمة بدينها تحفظه في ماله وفي ولده وفي بيته، والجميلة تسدُّ حاجته وتغضُّ بصره ولا يلتفت معها إلى أحد.. والله أعلم .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/83، 84)
ضابط المنع من نكاح قريبات الزوجة
__________
(1) …البخاري (5305، 6847، 7314)، ومسلم (1500)، والأَوْرَق: الأسود الذي يميل إلى الغبرة.
(2) …البخاري (5090)، ومسلم (1466). ومعنى (تَرِبَتْ يَدَاك): أي افتقرت وخسرت حتى لصقت بالتراب. قيل: هذه كلمة جارية على لسان العرب ولا يريدون منها وقوع الأمر والدعاء عليه؛ بل مرادهم إيقاظ المخاطب بذلك المذكور ليعتني به. وقيل المعنى: تربت يداك إن لم تفعل ما أمرتُك به. "تهذيب اللغة" للأزهري (14/194، 15/432)، وَ"تهذيب الأسماء" للنووي (3/38)، بتصرف يسير.(3/252)
(ع.م.س) يرغب الزواج بابنة عمة زوجته التي في عصمته من النسب، والبنت التي يريد الزواج بها اسمها (ص.م.ث) .
الضابط في هذا: أن كل امرأتين بينهما رحم محرم فإنه يحرم الجمع بينهما؛ بحيث لو كانت إحداهما ذكراً لم يجز له التزوج بالأخرى، وفي الصورة المسؤول عنها لا ينطبق عليها هذا الضابط، فيجوز لـ(ع.م.س) أن يتزوج بابنة عمة زوجته التي في عصمته؛ لأن الأصل جواز الجمع، ولا نعلم دليلاً مانعاً من ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/336)
هل زوج الأم الأول مَحْرمٌ لبناتها من الزوج الثاني ؟
تزوج رجل من امرأة وأنجب منها ولداً ثم طلقها، وبعد مدة تزوجت المرأة برجل آخر وأنجبت منه بنتين؛ فهل يجوز للبنتين الكشف لزوج أمهن الأول، الذي هو والد أخيهن من الأم ؟ أفتونا مأجورين .(3/253)
إذا تزوج رجل امرأة ودخل بها، والدخول هو الوطء، ثم طلقها، وتزوجت غيره، وأنجبت منه بنات، فإنهن يكنّ محارم لزوج أمهن الأول؛ لقول الله سبحانه وتعالى في بيان المحرمات في النكاح في سورة النساء: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاََّّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاََّّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 23]. أما قوله سبحانه: {اللاََّّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} فهو وصف أغلبي، وليس شرطاً عند أهل العلم؛ لأن الله سبحانه قال: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}، ولم يقل سبحانه: فإن لم يكنَّ في حجوركم فلا جناح عليكم؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه: "لا تَعْرِضْنَ عليَّ بَنَاتُكُنَّ ولا أَخَوَاتُكُنّ..."(1). وهكذا بنات الزوجات المدخول بهن إذا كان من زوج سابق؛ حكمهن حكم البنات اللاتي ولدن من زوج بعد الفرقة والدخول .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (21/12)
حكم الزواج من الرافضية
ما حكم الزواج من الرافضة ؟ وإن حصل وتم فما الحكم الآن ؟
لا يجوز للسُّني أن يتزوج من نساء الرافضة، وإذا وقع النكاح وجب فسخه؛ لأن المعروف عنهم دعوة أهل البيت والاستغاثة بهم، وذلك من الشرك الأكبر .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/313)
يحرم تزويج المسلمة بالكتابي وغيره من الكفار
__________
(1) …البخاري (5101) وأطرافه عنده، ومسلم (1449).(3/254)
يطيب لي إحاطة سماحتكم أن الرابطة قد تلقت من مكتبها في باريس أن الشيخ/ دليل أبو بكر، عميد مسجد باريس، قد أدلى بتصريح لمجلة (تليراما) الفرنسية، العدد (2370) في 14/6/1995م، يتضمن أن اليهود والنصارى ليسوا كفاراً، وأنهم سائرون في طريق الله، وأباح تزويج المسلمة منهم، وأضاف دليلاً قائلاً: إن القرآن لم يحرم تزويج المسلمة بيهودي أو نصراني، وأن فقهاء الإسلام هم الذين منعوا هذا الزواج، بقياسهم اليهود والنصارى على الكفار - على حد قوله .
وجاء في الخطاب أيضاً: أن الأزهر الشريف بمصر نشر قبل سنتين عن (دليل) بأنه من علماء فرنسا، وبذلك أعطي أكثر مما يستحقه، فأخذ يفتي بغير علم .
ولخطورة هذه المسألة حيث أعطى المذكور الضوء الأخضر لبنات المسلمين، ليقعن في حبائل اليهود والنصارى، ورغبة من الرابطة في توعية نساء المسلمين بأمور دينهن، وتحذيرهن من مغبة الوقوع في حبائل اليهود والنصارى، وهو الأمر الذي تكون له عواقب وخيمة، تؤدي إلى اعتناقهن دين أزواجهن، ويتبعهن ذرياتهن .
لذا فإن الرابطة ترجو من سماحتكم التفضل بإصدار فتوى شرعية حول هذا الأمر الخطير، وعلى ضوء ذلك يمكن للرابطة إكمال اللازم .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي:
أجمع المسلمون على أنه لا يحل للمسلمة أن تتزوج من كافر أيًّا كان؛ وثنيًّا أو يهوديًّا أو نصرانيًّا؛ للنص القاطع في حرمة ذلك من كتاب الله تعالى، قال تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَْمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}[البَقَرَة، من الآية: 221]، وقوله تعالى: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} الآية [المُمتَحنَة، من الآية: 10] .(3/255)
أما ما لبّس به صاحب هذه الفتوى الباطلة، من أن اليهود والنصارى ليسوا كفاراً.. إلخ - فكلام لا يصدر عن مؤمن، والذي يشك في كفر اليهود والنصارى كافر من جنسهم؛ لأنه كذّب الله تعالى في خبره، وقد قال سبحانه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ *}[البَيّنَة]، فهذه الآية ونظيراتها قاطعة في الإخبار بكفر أهل الكتاب، وهم: اليهود والنصارى .
وقد اجتمع في الفتوى المذكورة ثلاثة أمور عظيمة:
1 - تكذيب الله تعالى في خبره .
2 - مخالفة إجماع المسلمين المبني على نص الكتاب القاطع .
3 - الهجوم القبيح على فقهاء المسلمين، بأنهم يؤلفون أحكاماً من عند أنفسهم .
وهذه ثلاثة بلايا، هي عظيمةٌ عند الله تعالى، وإن كان أولها وهو تكذيب الله تعالى في خبره أعظمها وأشدها خطراً تهوي بصاحبها في حظيرة الكفر. نسأل الله تعالى السلامة .
لذا وجب تكذيب هذه الفتوى، وبيان زيفها وما تضمنته من كلام كفري، والتنبيه على ضلال المذكور فيما ذكر، ووجوب مناصحته، وبيان خطئه فيما ذهب إليه، لعل الله أن يهديه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/278، 280)
صفة زواج الشِّغَار (البَدَل) وحكمه
ما حكم زواج البدل ؟ يتفق الطرفان على أن يزوج كل منهما الآخر، وأن يعطي كل منهما مهراً لزوجته .
إذا زوج الرجل موليته لرجل على أن يزوجه الآخر موليته فهذا هو نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي يسميه بعض الناس نكاح البدل، وهو نكاح فاسد؛ سواء سمي فيه مهر أم لا، وسواء حصل التراضي أم لا .
أما إن خطب هذا مولية هذا، وخطب الآخر موليته من دون مشارطة وتم النكاح بينهما برضى المرأتين مع وجود بقية شروط النكاح - فلا خلاف في ذلك، ولا يكون حينئذ من نكاح الشغار .(3/256)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/427)
حكم نكاح المتعة
ما حكم الإسلام في زواج المتعة ؟
نكاح المتعة محرم وباطل لو وقع؛ لما روى البخاري ومسلم رحمهما الله: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المُتْعَة وعن لُحُوم الحُمُر الأهلية زمن خيبر، وفي رواية: نهى عن متعة النساء يوم خيبر(1)، قال الخطابي(2) رحمه الله: تحريم المتعة بالإجماع، إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى علي، فقد صح عن علي أنها نسخت، ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد: أنه سئل عن المتعة، فقال: هي الزنا بعينه.
ولما روى مسلم في (صحيحه): عن سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني قد كنتُ أَذِنْتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّمَ ذلك إلى يوم القيامة؛ فمن كان عنده منهن شيء فَلْيُخِلِّ سَبِيلَهُ، ولا تأخذوا مما آتيتمُوهُنَّ شيئاً" (3).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/440)
كشف شبهة حول نكاح المتعة
__________
(1) …«موطأ مالك» 2/542 (1129)، وأحمد (1/79، 103، 142)، والبخاري (4216) وأطرافه عنده، ومسلم (1407)، وغيرهم.
(2) …انظر: «فتح الباري» (9/173)، باختلاف يسير.
(3) …رواه بهذا اللفظ من حديث سبرة الجهني رضي الله عنه: أحمد (2/405، 406)، ومسلم (1406) - (21) واللفظ له.(3/257)
قرأت في بعض الكتب أن المتعة حلال؛ والدليل على ذلك قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء، من الآية: 24] . وإنما حرمت المتعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأغلب الظن أن عمر رضي الله عنه حرمها، وكان الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: ( لولا أنَّ عمر حرم المتعة ما زنى إلا شقي ) .. فما صحة هذا الخبر ؟
كانت حلالاً في أول الإسلام؛ لأنهم حديثو عهد بكفر، فأبيحت لتأليفهم، ثم حَرَّمها النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح إلى يوم القيامة(1) ، وليس عمر رضي الله عنه هو الذي حرمها وإنما عمر نهى عن متعة الحج(2)، فغلط عليه بعضهم.
فأما المنقول عن علي رضي الله عنه فإنما أشاعه الرافضة كذباً وزوراً. فأما الآية فهي في النكاح، والأجور هي المهور كقوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ}[النِّسَاء، من الآية: 4]، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى إسلامية، جمع محمد المسند، (3/234)
حكم النكاح بنية الطلاق
س1: هذا شخص أراد أن يذهب إلى الخارج - لأنه مبتعث - فأراد أن يحصن فرجه بأن يتزوج من هناك لمدة معينة، ثم بعد ذلك يطلق هذه الزوجة دون أن يخبرها بأنه سوف يطلقها؛ فما حكم فعله هذا ؟
ج1: هذا النكاح بنية الطلاق لا يخلو من حالين: إما أن يشترط في العقد بأنه يتزوجها لمدة شهر أو سنة أو حتى تنتهي دراسته؛ فهذا نكاح متعة وهو حرام.
__________
(1) …مسلم (1406).
(2) …"مسند أحمد" (5/142)، والبزار 4/65 (1232)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (8657، 13948).(3/258)
وإما أن ينوي ذلك بدون أن يشترطه، فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه حرام، وأن العقد فاسد؛ لأنهم يقولون: إن المنوي كالمشروط؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" (1)، ولأن الرجل لو تزوج امرأة من شخص طلقها ثلاثًا من أجل أن يُحلّها له ثم يطلقها: فإن النكاح فاسد، وإن كان ذلك بغير شرط؛ لأن المنوي كالمشروط. فإذا كانت نية التحليل تفسد العقد فكذلك نية المتعة تفسد العقد. هذا هو قول الحنابلة .
والقول الثاني لأهل العلم في هذه المسألة: أنه يصح أن يتزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها؛ إذا فارق البلد - كهؤلاء الغرباء الذين يذهبون إلى الدراسة ونحو ذلك - قالوا: لأن هذا لم يشترط، والفرق بينه وبين المتعة: أن المتعة إذا تم الأجل حصل الفراق شاء الزوج أم أبى، بخلاف هذا فإنه يمكن أن يرغب في الزوجة وتبقى عنده. وهذا أحد القولين لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وعندي أن هذا صحيح ليس بمتعة؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف المتعة؛ لكنه محرَّم من جهة أنه غش للزوجة وأهلها، وقد حرم النبي عليه الصلاة والسلام الغش والخداع، فإن الزوجة لو علمت بأن هذا الرجل لا يريد أن يتزوجها إلا لهذه المدة ما تزوجته، وكذلك أهلها .
كما أنه هو لا يرضى أن يتزوج ابنته شخص في نيته أن يطلقها إذا انتهت حاجته منها، فكيف يرضى لنفسه أن يعامل غيره بمثل ما لا يرضاه لنفسه ؟! هذا خلاف الإيمان؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"(2).
__________
(1) …البخاري (1)، ومسلم (1907) .
(2) …البخاري (13)، ومسلم (45) .(3/259)
ولأنني سمعت أن بعض الناس اتخذ من هذا القول ذريعة إلى أمر لا يقول به أحد: وهو أنهم يذهبون إلى البلاد للزواج فقط؛ يذهبون إلى هذه البلاد ليتزوجوا ثم يبقوا ما شاء الله مع هذه الزوجة التي نوى أن زواجه منها مؤقت ثم يرجع، فهذا أيضًا محظور عظيم في هذه المسألة. فيكون سد الباب فيها أولى؛ لما فيها من الغش والخداع والتغرير، ولأنها تفتح مثل هذا الباب؛ لأن الناس جهال وأكثر الناس لا يمنعهم الهوى من تعدي محارم الله.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى المرأة، ص (115، 116)
س2: بعض المسلمين يسافرون للدراسة وغيرها إلى الخارج؛ فهل يجوز له أن يتزوج بنية الطلاق ؟ وما الفرق بينه وبين زواج المتعة ؟ .. أرجو توضيح هذا الأمر وفقكم الله .
ج2: الزواج في الخارج فيه ضرر عظيم وخطر كبير، فلا يجوز السفر للخارج إلا بشروط مهمة؛ لأن السفر للخارج يعرضه للكفر بالله، ويعرضه للمعاصي من شرب الخمر وتعاطي الزنا وغير هذا من الشرور . ولهذا نص العلماء على تحريم السفر إلى بلاد الكفار؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم "أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ" (1)؛ فالإقامة بينهم خطيرة جداً؛ سواء كانت للسياحة أو للدراسة أو للتجارة أو غير ذلك. فهؤلاء المسافرون من الطلبة من الثانوي والمتوسط أو للدراسة الجامعية على خطر عظيم. والواجب على الدولة - وفقها الله - أن تؤمن لهم الدراسة في الداخل، وليس لها أن تسمح لهم بالسفر إلى الخارج؛ لما فيه من الخطر العظيم .
__________
(1) …أبو داود (2645)، والترمذي (1604)، والطبراني في "الكبير" 2/303 (2264). وصححه الألباني؛ في "صحيح سنن أبي داوود" (2304).(3/260)
وقد نشأ عن ذلك شر كثير: من الردة والتساهل بالمعاصي؛ من الزنا وشرب الخمور وأعظم من ذلك ترك الصلوات، كما هو معلوم عند من سبر أحوال من يسافر للخارج إلا من رحم الله منهم وهم القليل. فالواجب منعهم من ذلك وأن لا يسافر إلا الرجال المعروفون بالدين والإيمان والعلم والفضل - إذا كان ذلك للدعوة إلى الله أو التخصص لأمور تحتاجها الدولة الإسلامية .
وعلى المسافر - المعروف بالعلم والفضل والإيمان - واجب الاستقامة حتى يدعو إلى الله على بصيرة ويتعلم ما بعث من أجله، وقد يستثنى من ذلك ما يضطر إليه من العلوم وليس له من يدرسه ولا يتيسر استقدام من يدرسه، وأن يكون المبتعث ممن عرف بالدين والإيمان والعلم والفضل كما ذكرنا آنفاً .
- أما الزواج بنية الطلاق: ففيه خلاف بين العلماء؛ منهم من كره ذلك كالأوزاعي رحمه الله وجماعة، وقالوا: إنه يشبه المتعة، فليس له أن يتزوج بنية الطلاق عندهم. وذهب الأكثرون من أهل العلم - كما قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (1) - إلى جواز ذلك إذا كانت النية بينه وبين ربه فقط وليس بشرط؛ كأن يسافر للدراسة أو أعمال أخرى وخاف على نفسه فله أن يتزوج ولو نوى طلاقها إذا انتهت مهمته، وهذا هو الأرجح - إذا كان ذلك بينه وبين ربه فقط من دون مشارطة ولا إعلام للزوجة ولا وليها؛ بل بينه وبين الله. فجمهور أهل العلم يقولون: لا بأس بذلك - كما تقدم - وليس من المتعة في شيء؛ لأنه بينه وبين الله، ليس في ذلك مشارطة .
أما المتعة: ففيها المشارطة شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين بينه وبين أهل الزوجة، أو بينه وبين الزوجة . وهذا النكاح يقال له نكاح متعة، وهو حرام بالإجماع، ولم يتساهل فيه إلا الرافضة. وكان مباحاً في أول الإسلام ثم نسخ وحرمه الله إلى يوم القيامة - كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) …(7/137)، بنحوه .(3/261)
أما أن يتزوج في بلاد سافر إليها للدراسة، أو لكونه سفيراً، أو لأسباب أخرى تسوغ له السفر إلى بلاد الكفار - فإنه يجوز له النكاح بنية الطلاق إذا أراد أن يرجع كما تقدم؛ إذا احتاج إلى الزواج خوفاً على نفسه. ولكن ترك هذه النية أولى احتياطاً للدِّين وخروجاً من خلاف العلماء، ولأنه ليس هناك حاجة إلى هذه النية؛ لأن الزوج ليس ممنوعاً من الطلاق إذا رأى المصلحة في ذلك ولو لم ينوه عند النكاح .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (5/41-43)
س3: انتشر بين أوساط الشباب السفر خارج البلاد للزواج بنية الطلاق، والزواج هو الهدف في السفر استناداً على فتوى بهذا الخصوص، وقد فهم الكثير من الناس الفتوى خطأ؛ فما حكم هذا ؟
ج3: الزواج بنية الطلاق زواج مؤقت، والزواج المؤقت زواج باطل؛ لأنه متعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح: أن يتزوج بنية بقاء الزوجية والاستمرار فيها، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها، قال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البَقَرَة، من الآية: 229] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/448، 449)
حكم ما يسمى بـ زواج (المِسْيَار)
قرأت في إحدى الجرائد تحقيقًا عما يسمى (زواج المسيار)؛ وهذا الزواج هو أن يتزوج الإنسان ثانية أو ثالثة أو رابعة، وهذه الزوجة يكون عندها ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتهما؛ فيذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما .. فما حكم الشريعة الغراء في مثل هذا الزواج ؟ أفتونا مأجورين .(3/262)
لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعًا؛ وهي وجود الولي، ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد، وسلامة الزوجية من الموانع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ" (2)؛ فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها، أو على أن القسم يكون لها نهارًا لا ليلاً أو في أيام معينة أو ليالي معينة؛ فلا بأس بذلك، بشرط إعلان النكاح وعدم إخفائه. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - جريدة الجزيرة العدد (8768)، الاثنين 18 جمادى الأولى 1417هـ
تحريم الزواج الصوري لأخذ الجنسية
أسهل طريق للحصول على الجنسية في هذه البلاد هو الزواج بامرأة أمريكية، فيلجأ كثير من الناس إلى الاتفاق مع امرأة على أن يعقد عليها عقداً صورياً مقابل مبلغ من المال، ولا يدخل بها ولا يترتب عليه أي أثر سوى أنه وسيلة مريحة للحصول على الجنسية .. فهل يجوز هذا الزواج الصوري ؟
لا يجوز هذا العقد؛ لأنه كذب وخداع، ولا يجوز أخذ جنسية كافرة، وقد صدر منا فتوى في حكم التجنس بجنسية كافرة مضمونها: (لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة؛ لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم والموافقة على ما هم عليه من الباطل) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/448)
فتوى اللجنة الدائمة في إبطال قانون الزواج المدني اللبناني لمخالفته للشريعة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.. وبعد:
__________
(1) …البخاري (5151)، ومسلم (1418) واللفظ له.
(2) …علقه البخاري في (الإجارة) قبل (2274)، ووصله غيره، انظر: فتح الباري (4/528)، و"المقاصد الحسنة" 1/607 (1023)، و"كشف الخفاء" 2/273 (2302).(3/263)
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية نظرت في البيانات الصادرة عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في لبنان، وعن مجلس المفتين برئاسة سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية: الشيخ محمد رشيد قباني المتضمنة رفض مشروع قانون الأحوال الشخصية الاختياري (نظام الزواج المدني) الصادر من رئاسة الجمهورية اللبنانية؛ لما يتضمنه هذا المشروع من أمور كثيرة مخالفة للشريعة الإسلامية بل وللشرائع السماوية كلها، حيث يسمح للمسلمة أن تتزوج بغير المسلم، وللأخ أن يتزوج أخته من الرضاع، ولا يسمح للرجل بالطلاق، ولا يجعل اختلاف الدين مانعاً من التوارث بين الزوجين، ويمنع من تعدد الزوجات، إضافة إلى أنه لا يرجع في هذا العقد إلى حكم الشرع، وإنما يرجع فيه إلى القانون المدني .
وبناء على ذلك فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية تؤيد ما صدر عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وعن مجلس المفتين في لبنان من رفض هذا القانون وإبطاله شرعاً، وتحذر المسلمين منه؛ لأنه قانون مخالف للشريعة الإسلامية فلا يترتب عليه شيء من أحكام الزواج الشرعي: من حل الوطء والتوارث وإلحاق الأولاد وغير ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء كتاب : فتاوى بيانات مهمة، ص (58)
حدود طاعة الوالدين في اختيار الزوجة
ما الحكم إذا أراد الأب أن يزوج ابنه من امرأة غير صالحة ؟ وما الحكم إذا رفض أن يزوجه من امرأة صالحة ؟
لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها؛ سواء كان لعيب فيها: ديني أو خِلْقي أو خُلُقي. وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن يتزوجوا بنساء لا يريدونهن؛ لكن يقول: تزوجها لأنها ابنة أخي، أو لأنها من قبيلتك، وغير ذلك، فلا يلزم الابن أن يقبل، ولا يجوز للوالد أن يجبره عليها .(3/264)
كذلك لو أراد الولد أن يتزوج بامرأة صالحة، ولكن الأب منعه، فلا يلزم الابن طاعته؛ فإذا رضي الابن زوجة صالحة، وقال أبوه: لا تتزوج بها، فله أن يتزوج بها ولو منعه أبوه؛ لأن الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شيء لا ضرر على أبيه فيه، وللولد فيه منفعة، ولو قلنا: إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شيء - حتى ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب - لحصل في هذا مفاسد، ولكن في مثل هذه الحال ينبغي للابن أن يكون لَبِقاً مع أبيه، وأن يداريه ما استطاع، وأن يُقنعه ما استطاع .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه - إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/761)
ليس للوالد إجبار ابنته على الزواج
س1: لي أخت من الأب، وقد زَوَّجها أبي من رجل دون رضاها، ودون أخذ رأيها، وهي تبلغ إحدى وعشرين سنة، وقد شهد الشهود زوراً على عقد النكاح أنها موافقة، ووقعت والدتها بدلاً عنها على وثيقة العقد، وهكذا تم الزواج، وهي لاتزال رافضة هذا الزواج؛ فما الحكم في هذا العقد وشهادة الشهود ؟(3/265)
ج1: هذه الأخت إن كانت بكراً وأجبرها أبوها على الزواج من هذا الرجل - فقد ذهب بعض أهل العلم إلى صحة النكاح، ورأوا أن للأب أن يجبر ابنته على الزواج بمن لا تريد إذا كان كُفْئًا، ولكن القول الراجح في هذه المسألة: أنه لا يَحِلُّ للأب أو لغيره أن يجبر الفتاة على الزواج بمن لا تريد وإن كان كُفْئًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ"(1). وهذا عام لا يستثنى منه أحد من الأولياء؛ بل قد ورد في «صحيح مسلم»: "وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا" (2)؛ فنص على البكر ونص على الأب، وهذا نص في محل النزاع فيجب المصير إليه. وعلى هذا فيكون إجبار الرجل ابنته للزواج برجل لا تريد الزواج منه يكون محرماً، والمحرم لا يكون صحيحاً ولا نافذاً؛ لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي، وما نهى الشارع عنه، فإنه يريد من الأمة ألا تتلبس به أو تفعله، ونحن إذا صححناه فمعناه: أننا تلبسنا به وفعلناه وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع، وهذا أمر لا يكون. وعلى هذا فالقول الراجح: يكون تزويج والدك ابنته هذه بمن لا تريده يكون تزويجاً فاسداً. والعقد فاسد يجب النظر في ذلك من قبل المحكمة الشرعية .
أما بالنسبة لشهود الزور فقد فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب؛ كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ فذكرها، وكان متكئاً فجلس ثم قال: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فمازال يكررها حتى قالوا: لَيْتَهُ سَكَت"(3) .
فهؤلاء المزوِّرون: عليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل ويقولوا قولة الحق، وأن يبينوا للحاكم الشرعي أنهم قد شهدوا زوراً، وأنهم راجعون عن شهادتهم هذه .
__________
(1) …البخاري (5136)، ومسلم (1419) .
(2) …مسلم (1421) .
(3) …البخاري ( 5976 )، ومسلم (87) بنحوه.(3/266)
وكذلك الأم حيث وقّعت عن ابنتها كذباً فإنها آثمة بذلك، وعليها أن تتوب إلى الله، وألا تعود لمثل هذا .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (2/759، 760)
س2: هل يجوز للأب أن يرغم ابنته على الزواج من شخص لا تريده ؟
ج2: ليس للأب ولا غير الأب أن يرغم موليته على الزواج ممن لا تريده، بل لابد من إذنها؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا ؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ" ، وفي لفظ آخر قال: "وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" ، وفي اللفظ الثالث: "وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" (1) .
فالواجب على الأب أن يستأذنها إذا بلغت تسعاً فأكثر، وهكذا أولياؤها لا يزوجونها إلا بإذنها. هذا هو الواجب على الجميع، ومن زَوَّجَ بغير إذن فالنكاح غير صحيح؛ لأن من شرط النكاح الرضى من الزوجين، فإذا زوجها بغير رضاها وقهرها بالوعيد الشديد أو بالضرب،فالزواج غير صحيح، إلا الأب فيما دون التسع؛ لو زَوَّجها وهي صغيرة أقل من التسع: فلا حرج على الصحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بغير إذنها وهي دون التسع، كما جاء به الحديث الصحيح(2). أما إذا بلغت تسعاً فأكثر فلا يزوجها إلا بإذنها ولو أنه أبوها. وعلى الزوج إذا عرف أنها لا تريده لا يقدم على ذلك ولو تساهل معه الأب، فالواجب عليه أن يتقي الله وألا يقدم على امرأة لا تريده، ولو زعم أبوها أنه لم يجبرها، فالواجب عليه أن يحذر ما حرم الله عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاستئذان.
__________
(1) …البخاري (5136) . ومسلم (1419- 1421) .
(2) …البخاري (5133، 5134)، ومسلم (1422) .(3/267)
ونوصي المخطوبة بتقوى الله، والموافقة إذا رأى والدها أن يزوجها، إذا كان الخاطب طيباً في دينه وفي أخلاقه؛ لما في النكاح من الخير الكثير والمصالح الكثيرة، ولأن العزوبة فيها خطر، فالذي نوصي به جميع الفتيات بالموافقة متى جاء الكفء، وعدم الاعتذار بالدراسة أو بالتدريس أو بغير ذلك. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (101، 102)
هل يجوز للأب تزويج من دون التاسعة بغير إذنها ؟
ما حكم من خطب بنتاً عمرها من سنتين إلى عشر سنوات أو أقل وعقد الملكة؛ هل يصح زواجه أم لا ؟ علماً أنه ربما إذا كبرت أنها لا تريده. وما عمر البنت التي يجوز أن تخطب إن بلغته ؟
يجوز العقد على الصغيرة من أبيها، خاصة إذا رأى المصلحة لها في ذلك؛ لقصة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي دون التسع، وأما غير الأب فليس له تزويج من دون التسع مطلقاً، ولا من بلغت تسعاً فأكثر إلا بإذنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حتى تُسْتَأْمَر، ولا تُنكح البِكْرُ حتى تُسْتَأْذَن ، قالوا: يا رسول الله: وكيف إذنها ؟ قال: أن تَسكُت" (1)، وإن حصل نزاع بعد ذلك فمرده المحاكم الشرعية .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/123)
جواز تزويج الصغير بالصغيرة
ما حكم زواج طالب في الصف الثاني المتوسط يبلغ من العمر (14) عاماً ببنت عمرها يتراوح بين (10) سنوات إلى (14) سنة إذا كانا متحابين، وأولياء أمورهما راضيين عن ذلك ؟ الهدف من السؤال هذا هو صغر سنهما؛ يعني هل يجوز ويصح زواجهما رغم أن عمر كل منهما صغير ؟
يصح عقد الصبي الصغير على الصغيرة بإذن أوليائهم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/25، 26)
__________
(1) …البخاري (5136) . ومسلم (1419- 1421) .(3/268)
هل الزواج بالصغيرة خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟
هل صحيح أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها وهي صغيرة خصوصية من خصوصياته أم أنه تشريع للأمة ؟
ألا يجوز الدخول على غير البالغة ؟ إذا كان لا يجوز الدخول فكيف تعتد ثلاثة أشهر ؟
النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، ودخل بها في المدينة وهي بنت تسع سنين(1) ، وليس هذا خاصًّا به صلى الله عليه وسلم؛ فيجوز العقد على الفتاة قبل بلوغها، ويجوز الدخول بها ولو قبل البلوغ إذا كانت ممن يوطأ مثلها، أما عدة غير البالغة فالله سبحانه وتعالى جعل عدة الآيسة من المحيض والتي لم تحض لصغرها: ثلاثة أشهر، قال تعالى: {وَاللاََّّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاََّّئِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطّلاَق، من الآية: 4] أي: كذلك عدتهن ثلاثة أشهر، وغير البالغة تدخل في قوله: {وَاللاََّّئِي لَمْ يَحِضْنَ} .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/124)
هل يضر الفرق في السن بين الزوجين ؟
ما السن المناسب للزواج بالنسبة للمرأة والرجل ؟ لأن بعض الفتيات لا يقبلن الزواج ممن يكبرهن سناً؛ وكذلك بعض الرجال لا يتزوجون ممن يكبرهم في السن .. نرجو الإجابة جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …أحمد (6/118)، والبخاري (3894، 5133، 5134، 5158)، ومسلم برقم (1422)، وغيرهم.(3/269)
أوصي الفتيات بألا يرفضن الرجل لكبر سنّه؛ كأن يكون يكبرها بعشر سنين أو بعشرين سنة، أو بثلاثين سنة؛ ليس هذا بعذر. فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وهي بنت تسع سنين، فالكبر لا يضر. فلا حرج أن تكون المرأة أكبر ولا حرج أن يكون الزوج أكبر، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها وهي بنت أربعين وهو ابن خمس وعشرين قبل أن يوحى إليه، عليه الصلاة والسلام؛ أي أنها تكبره بخمس عشرة سنة، رضي الله عنها وأرضاها، ثم تزوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بنت ست أو سبع سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين وهو ابن ثلاث وخمسين سنة . وكثير من هؤلاء الذين يتكلمون في المذياع أو التلفاز وينفرون من التفاوت بين سن الزوج والزوجة: كله غلط، لا يجوز لهم هذا الكلام. الواجب أن المرأة تنظر في الزوج؛ فإذا كان صالحاً ومناسباً فإنه ينبغي لها أن توافق ولو كان أكبر منها سناً . وهكذا الرجل ينبغي له أن يعتني بالمرأة الصالحة ذات الدين؛ ولو كانت أكبر منه إذا كانت في سن الشباب وسن الإنجاب.
فالحاصل: أن السنّ لا ينبغي أن يكون عذراً، ولا ينبغي أن يكون عيباً مادام الرجل صالحاً والفتاة صالحة. أصلح الله حال الجميع.
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (99، 100)
جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح
هل يصح أن تتقدم الفتاة لطلب يد (للزواج) من أخ كريم في الله؛ لما تجد فيه من صفات المسلم الملتزم، كما فعلت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ؟ وإذا كان الإسلام يبيح هذا.. هل هذا لا يكون فيه إهدار لكرامة الفتاة بعد ذلك ؟ أو ما هي الشروط التي يجب أن تفعلها الفتاة إذا أعجبت بأخ في الله؛ حيث أعجبها فيه أخلاقه وإسلامه والتزامه بكتاب الله وسنة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟(3/270)
إذا كان الأمر كما ذكر: شرع لها أن تعرض نفسها على ذلك الرجل أو نحوه، ولا حرج في ذلك فقد فعلته خديجة رضي الله عنها وفعلته الواهبة المذكورة في سورة الأحزاب، وفعله عمر رضي الله عنه بعرضه ابنته حفصة على أبي بكر ثم على عثمان رضي الله عنهما .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/48)
فقر الرجل لا يمنع تزويجه
لقد تقدم لأختي أخ نحسبه على خير كثير وخلق جم، ولكنه ليس عنده المقومات الأساسية لفتح بيت مسلم، مع العلم: 1 - البيت: لم يطلب منه شيئاً إطلاقاً مثل الأشياء التي انتشرت في هذه الأيام، ولكنه طلب توفير المأكل والملبس والمأوى للأخت بدون تحديد شكل المأوى والملبس والمأكل. 2 - الأخ ليس به عاهة تمنعه من العمل والاستمرار فيه. 3 - هذا الأخ سنه (21) عاماً .
والسؤال الآن: هل يجوز رفض هذا الأخ ؟ مع العلم أنه من حفظة القرآن، وعلى دين وخلق، ولكنه ليس عنده تحمل مسؤولية زوجة وبيت وإذا قدر الله ورزق بأطفال، وأرجو الإجابة في أسرع وقت حتى لا أقع في الحديث: "إذا جاءكم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقه فزوِّجوه"(1) إلى آخر الحديث، وذلك حتى لا يسبب هذا الأخ مشاكل أو حرج مع الوالد بعد الزواج؛ لأن الوالد تارك لي أمر تزويج أخواتي .
__________
(1) …- أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1084) ورَجَّحَ إرساله، وابن ماجه (1967)، والحاكم 2/165 (2695)، والطبراني في "الأوسط" (446، 7074).
…- وأخرجه من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1085) وقال: « حسن غريب »، والطبراني في "الكبير" 22/299 (762)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (13259). وحسنه الألباني؛ كما في "صحيح سنن الترمذي" (865، 866).(3/271)
إذا كان الأمر كما ذكر فإن قلة ذات اليد لا تمنع من تزويج المذكور إذا رضيته المخطوبة، وسوف يغنيه الله من فضله، قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَْيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ *}[النُّور] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/414، 415)
هل يشترط في النكاح الكَفَاءة في النَّسَب ؟
لي جار في السكن، وهو من قريش من الشرفاء، فطلبت منه الزواج من بنته فأبى أن يزوجني بقوله: إنه غير جائز الزواج من الشرفاء إلا فيما بينهم .(3/272)
الصحيح: أن المعتبر في النكاح الكفاءة في الدين لا في النسب؛ لعموم قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحُجرَات، من الآية: 13]، ولما ثبت من: أن النبي صلى الله عليه وسلم زَوَّجَ فاطمة بنت قيس - وهي قرشية - أسامة ابن زيد مولاه رضي الله عنهم(1)، ولما ثبت من أن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم تزوج زينب بنت جحش ، وهي أسدية(2)، ولما رواه البخاري والنسائي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي - وكان ممن شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم - تَبنَّى سالماً، وأنكحه بنت أخيه: هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وهو مولى لامرأة من الأنصار(3)، ولما رواه الترمذي عن أبي حاتم المزني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فأَنْكِحُوهُ، إلا تَفْعَلُوهُ تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبير ، قالوا: يا رسول الله: وإن كان فيه ؟ قال: إذا جاءكم مَنْ تَرضَوْن دِينَهُ وخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوه.." ثلاث(4) مرات، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب»، ولما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن أبا هندٍ رضي الله عنهما حَجَمَ النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا بني بَيَاضَة! أَنْكِحُوا أبا هِنْد وأَنْكِحُوا إليه" (5)
__________
(1) …« موطأ مالك» 2/580 (1210)، والشافعي في «الرسالة» ص (309 - 310)، وأحمد (6/373، 412، 414، 415)، ومسلم (1480) وغيرهم.
(2) …رواه ابن جرير الطبري في (التفسير) 20/271، 272 عند تفسير آية الأحزاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} الآية. [الأحزَاب: 36] .
(3) …«موطأ مالك» 2/605 (1265)، والبخاري (4000، 5088) واللفظ له، وغيرهما.
(4) …سبق تخريجه في الفتوى (4) من هذا الباب .
(5) …أبو داود (2102)، والدارقطني 3/300 (204)، وابن حبان (4067)، والطبراني في (الكبير) 22/321 (808)، والحاكم 2/164 (2693) وصححه ووافقه الذهبي.(3/273)
، وأخرجه الحاكم وحسنه. لكن لابد من استئذان البكر واستئمار الثيب، وحصول الرضا، ولو كانت المخطوبة أعجمية وخاطبها قرشي؛ للأحاديث الواردة في اعتبار ذلك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/185، 187)
حكم التفاخر بالأنساب
س1: يرى البعض أن التفاخر بالأنساب شيء محمود، ويستدلون لذلك بقوله تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام، من الآية: 165] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى هَاشِمًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ"(1) .. فما رأيكم في ذلك ؟ أفتونا مأجورين .
__________
(1) …مسلم (2276)، وأحمد في مسنده (4/107)، والترمذي (3606)، وابن حبان (6242، 6333، 6475).(3/274)
ج1: هذا ليس بصحيح على الإطلاق فإن الفخر بمجرد النسب لا يجوز، وقد ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا ... أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ"(1). فالفخر بالأحساب من أمور الجاهلية؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآْبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ" (2)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ" (3) وهذا ذم للفخر بالأحساب؛ وذلك أن الإنسان إنما يشرف بأفعاله ولا ينفعه شرف آبائه وأجداده، وقال الشاعر:
إذا افتخرتَ بأقوامٍ لهم شرفٌ
قُلنا صدقتَ ولكن بئسَ ما وَلَدوا(4)
__________
(1) …الترمذي (3955) واللفظ له، وأبو داوود (5116) بنحوه.
(2) …أبو داود (5116)، والترمذي (3955) وقال: « حسن غريب ».
(3) …مسلم (934) .
(4) …البيت منسوب لابن الرومي بلفظ:
لَئِنْ فَخَرْتَ بآباءٍ ذَوي حَسَبٍ
لقد صَدَقْتَ ولكن بئسَ ما وَلَدوا(3/275)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ"(1). وأما الآية الكريمة فالمراد بالدرجات: الفضائل الظاهرة كالعلم والزهد والعبادة والجود والشجاعة وما أشبهها؛ فإن الله يرفع أهلها في الدنيا وفي الآخرة - لقول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجَادلة، من الآية: 11]. وأما الحديث: فالمراد أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم اصطفاه الله من أشرف العرب وأشهرهم، حتى يكون أقوى لمعنويته وأقرب إلى تصديقه واتباعه إذا عرف أنه من قبيلة لها شهرة ولها مكانة مرموقة، فإن ذلك أقرب إلى أن يكون محل صدق وأمانة، ومع ذلك فإن هذا الشرف لم ينفع بقية قبيلته كأعمامه الذين حرموا من متابعته ومنهم: عمه أبو لهب - الذي قال الله فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ *}[المَسَد]، وفيه يقول الشاعر(2):
لَعَمْرُكَ ما الإنسانُ إلا بدِينهِ
فلا تَتْرُكِ التقوى اتِّكالاً على النسب
فقد رَفَعَ الإسلام «سلمانَ» فارسٍ
وقد وَضَعَ الشركُ الشَّقِيَّ «أبا لهب»
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه بتاريخ 29/10/1420هـ
__________
(1) …مسلم (3699) .
(2) …البيتان منسوبان لأمير المؤمنين: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وللصاحب بن عباد أيضًا. وعندهما: (الشَّريف) بدل (الشقيّ).(3/276)
س2: يرى البعض أن التفاخر بالأنساب شيء محمود ويستدلون لذلك بقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}[الزّخرُف، من الآية: 32] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ اللهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ"(1) .. فمارأيكم في ذلك ؟ أفتونا مأجورين .
ج2: رأيي في ذلك أن التفاخر بالأنساب من دعوى الجاهلية، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء، وأما قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}[الزّخرُف، من الآية: 32]، فالمراد في أمور الدنيا؛ لأن الله تعالى قال: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ *أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ *}[الزّخرُف]؛ فهذا فقير وهذا غني، وهذا صحيح وهذا مريض، وهذا قوي وهذا ضعيف، .. إلى آخره.. هذا المراد . أما التفاخر بالأنساب فهو من دعوى الجاهلية، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ *}[الحُجرَات]؛ لتعارفوا لا لتفاخروا.
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
__________
(1) …أحمد (4/107)، وابن أبي شيبة (31731)، والترمذي (3605) وقال: «هذا حديث حسن صحيح». وله شاهد عند مسلم (2276).(3/277)
حكم الزواج بين القبيليين والخضيريين
س1: ينتشر في أوساط سكان نجد قصر الزواج على ناس وتحريمه على ناس آخرين؛ حيث هناك تفرقة: هذا حِرَفي وهذا صانع أو خضيري.. فهل قصر هذا الزواج على فئة دون فئة يقره الشرع ؟ وهل مايعمله الكثير من الناس من هذه العصبية القبلية يقره الشرع أو هو من الجاهلية ؟ وما المقياس بين الناس ؟ ثم هل الأنبياء لم يعملوا بحرفة مثل النجارة التي ينكرها ويحتقرها بعض مواطني نجد ؟ وما سبب هذه التفرقة ؟ أرجو الإجابة بالاستناد على هذا الموضوع بالأدلة من الكتاب والسنة. وأرجو أن تؤكدوا على هذه الناحية لأنها تستعر بين المواطنين وبخاصة في القرى، وأنا أريد الجواب الوافي لأني خطيب جمعة وأريد إيضاح هذه الملابسات على ضوء جوابكم، وفقكم الله . وأرجو أن تكتب كتيباً لإيضاح هذا الموضوع ؟
ج1: اختلفت العلماء فيما تعتبر فيه الكفاءة في النكاح، والصحيح أنها تعتبر في الدين فقط؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحُجرَات، من الآية: 13] وبهذا قال مالك بن أنس، وهو منقول عن عمر وابن مسعود من الصحابة رضي الله عنهم. ومنقول أيضاً عن محمد بن سيرين وعمر بن عبدالعزيز رحمهما الله.(3/278)
ويدل لذلك أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّجَ زيد بن حارثة مولاه زينب بنت جحش وهي قرشية وأمها هاشمية، وزوج فاطمة بنت قيس وهي قرشية من أسامة بن زيد بن حارثة(1)، وهو وأبوه زيد من موالي النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس - وكان قرشياً ممن شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم - تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة ابن ربيعة، وهو مولى امرأة من الأنصار(2)؛ رواه البخاري والنسائي وأبو داود. وعن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت: رأيت أخت عبدالرحمن بن عوف تحت بلال؛ ومعلوم أن عبدالرحمن قرشي وبلالٌ حبشي وعتيق لأبي بكر. وبذلك يتبين أنه لاحرج في الشرع أن يتزوج قبلي من العجم والموالي ومن يسمى عند بعض الناس خضيرياً، وكذا العكس .
اللجنة الدائمة - مجلة الدعوة، العدد (851)
س2: ما حكم من يمنع زواج ابنته من الكفء المتقدم لها بحجة أن المتقدم خضيري وهو قبيلي ؟ وإذا نوقش في ذلك قال: إن الله جعل الناس درجات، والخضيري ليس له أصل، واستدل بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَْرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}[الأنعَام، من الآية: 165]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[الحُجرَات، من الآية: 13] .
__________
(1) …انظر: الحاشية (1) و(2) من الفتوى (27) السابقة ص 1327 .
(2) …«موطأ مالك» 2/605 (1265)، والبخاري (4000، 5088)، وأبو داود (2061)، والنسائي (3224).(3/279)
ج2: الواقع أن الاعتماد على النسب في مسألة النكاح - وإن ذهب إليه بعض أهل العلم وقالوا: للإنسان أن يمنع من تزويج المرأة القبيلية برجل غير قبيلي؛ لكن الذي ينبغي للإنسان أن ينظر إلى الدين والخلق؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ؛ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(1). هذا هو الذي ينبغي أن يلاحظه الإنسان، وأما مسألة النسب قبيلي أو خضيري فهذا أمر ثانوي. والذي أرى ما ذكرته الآن أن يعتمد في هذا على الدين والخلق؛ فإذا كان الخاطب ذا دين وخلق فليزوج، وإن لم يكن قبيلياً.
وأما قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَْرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}[الأنعَام، من الآية: 165]، فهذا لا شك منه واقع؛ فإن الله رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات: في العلم، في الدين، في الحكمة، في العقل، في الأجسام، في كل شيء، ولكن لا يعني هذا أن تمنع الكفء الخاطب من أن تزوجه لكونه غير قبيلي وكون المرأة قبيلية، فإن هذا من الأمور التي لا ينبغي الرجوع إليها.
__________
(1) …- أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1084) ورَجَّحَ إرساله، وابن ماجه (1967)، والحاكم 2/165 (2695)، والطبراني في "الأوسط" (446، 7074).
…- وأخرجه من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1085) وقال: « حسن غريب »، والطبراني في "الكبير" 22/299 (762)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (13259). وحسنه الألباني؛ كما في "صحيح سنن الترمذي" (865، 866).(3/280)
وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا"(1): فهذا حقيقة؛ يعني أن هذا مما يريده الناس، لكن هل هذا مما يريده الشرع ؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام - في نفس الحديث-: "فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم تفضيل الكتابية على الخضيرية
مارأيكم فيمن يفضل الزواج من كتابية عن أن يتزوج بمسلمة غير قبيلية ؟ معللاً ذلك بأن الزواج من المسلمة غير القبيلية سوف يعرضه لمشاكل اجتماعية؛ لأنها في نظره ليس لها أصل !!
أرى أنه أخطأ؛ قال الله عز وجل: {وَلأَْمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}[البَقَرَة، من الآية: 221]، مسألة الخضيري والقبيلي هذه لا أصل لها؛ فيجوز أن يتزوج الخضيري من القبيلية، والقبيلي من الخضيرية ويصح النكاح، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتبر شيئين لا ثالث لهما؛ قال: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ؛ إِلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ"(2).
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
معنى حديث : "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ"
__________
(1) …البخاري (5090) ومسلم (1466) .
(2) …- أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1084) ورَجَّحَ إرساله، وابن ماجه (1967)، والحاكم 2/165 (2695)، والطبراني في "الأوسط" (446، 7074).
…- وأخرجه من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه:
…الترمذي برقم (1085) وقال: « حسن غريب »، والطبراني في "الكبير" 22/299 (762)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (13259). وحسنه الألباني؛ كما في "صحيح سنن الترمذي" (865، 866).(3/281)
مامعنى قوله صلى الله عليه وسلم : "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ"(1) الحديث ؟ وهل فيه حجة لمن يقول بعدم التزاوج بين القبيلي وغير القبيلي (الخضيري) للمحافظة على الأنساب والتعلم منها ما تُوصل به الرحم ؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الحديث هذا لا أدري عن صحته عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لكن إن صح فمعناه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن نعرف أنسابنا؛ أي: أقاربنا لنصلهم؛ سواء أكانوا من قبيلتنا أم من غير قبيلتنا، سواء أكانوا كما يزعمون أنهم قبليون أم غير قبيليين؛ لأنه مثلاً: لو أن رجلاً أمُّهُ أَمَةٌ مملوكة وهو حُرّ؛ كما لو وطئ السيد أمته فولدت منه فهنا يجب عليه أن يصلها ولو كانت أَمَةً في الأصل. الحديث لا يومئ إلى هذا؛ أي، إلى الفرق بين القبيلي وغير القبيلي؛ لا يومئ إليه بأي حال من الأحوال، الأقارب أقارب وإن خالفوا في النسب، والأقارب أقارب وإن كانوا غير قبيليين .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
معنى حديث : ( تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُم )
يعتقد بعض الناس أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَأَنْكِحُوا الأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ )(2) عدم زواج القبيلي من غير القبيلية (الخضيرية )، وعدم تزويج صاحب الدين والأمانة لأنه غير قبيلي .. فما رأيكم في هذا ؟ أفتونا مأجورين.
__________
(1) …أحمد (2/374)، والترمذي (1979) وقال: «حديث غريب من هذا الوجه»، والحاكم 4/161 (7284) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه أيضاً الألباني في (الصحيحة) (1/276).
(2) …ابن ماجه (1968)، والدارقطني 3/299 (198)، والحاكم 2/163 (2687) وصححه ولم يوافقه الذهبي، وفيه الحارث بن عمران وهو متروك الحديث.(3/282)
رأينا: هذا الحديث غير صحيح، (تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ) ؛ وإذا كان غير صحيح بطل ما احتج به هؤلاء الشعوبيون .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
معنى المولى شرعاً
ما معنى المولى شرعاً ؟ وهل يلزم أن يكون المولى عبداً ؟
المولى يطلق على العتيق وقد يطلق على المُعتِق؛ فيقال مثلاً: إن أبا رافع مولى بني هاشم، كما يقال إن بني هاشم موالي أبي رافع. والمعنى في ذلك: أنه يتولاهم وينتسب إليهم وينصرهم ويأوي إليهم، وهم كذلك يضمونه إليهم، ويعدونه كأفرادهم ويساوونه عند الحاجة ويرثونه تعصيباً. وعند بعض العلماء: أنه يرث من مُعتِقِه إذا لم يكن له عصبة من النسب؛ فعلى هذا يطلق اسم المولى على العتقاء ولو كان العتق لأجدادهم وإن بعدوا، وقد يكونون من العرب كزيد بن حارثة رضي الله عنه، وقد يكونون من الفرس أو الروم أو غيرهم، وكذلك كان أكثر الموالي في صدر الإسلام مع ما اشتهروا به من العلم والفقه والحفظ: كسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس بن كيسان، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم كثير. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه، بتاريخ 29/10/1420هـ
حكم النظر إلى المخطوبة
من أسباب الطلاق - يا سماحة الشيخ - عدم رؤية الزوج لزوجته قبل الدخول عليها، وديننا الإسلامي قد أباح ذلك؛ فما تعليق سماحتكم حول هذا الموضوع ؟(3/283)
لا شك أن عدم رؤية الزوج للمرأة قبل النكاح قد يكون من أسباب الطلاق، إذا وجدها خلاف ما وصفت له، ولهذا شرع الله سبحانه للزوج أن يرى المرأة قبل الزواج حيث أمكن ذلك؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا" (1)، وصححه الحاكم من حديث جابر رضي الله عنه. وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا"(2).
وروى مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه خطب امرأة؛ فقال له صلى الله عليه وسلم: "أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا"(3).
وهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على شرعية النظر للمخطوبة قبل عقد النكاح؛ لأن ذلك أقرب إلى التوفيق وحسن العاقبة .
وهذا من محاسن الشريعة التي جاءت بكل ما فيه صلاح للعباد وسعادة المجتمع في العاجل والآجل، فسبحان الذي شرعها وأحكمها، وجعلها كسفينة نوح عليه السلام؛ من ثبت عليها نجا، ومن خرج عنها هلك .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة - بتاريخ 4/4/1410هـ
ضوابط رؤية المخطوبة
__________
(1) …أحمد (3/334، 360)، وأبو داود (2082)، والحاكم 2/165 (2696) وصححه ووافقه الذهبي. قال ابن حجر في «الفتح» 9/181: « وسنده حسن ». ومعنى (أَنْ يُؤْدَمَ): أي أن يُؤَلَّف ويُوَفَّق.
(2) …أحمد (4/244، 246)، والترمذي (1087) وقال: « حديث حسن »، والنسائي (3235)، وابن ماجه (1866)، والحاكم 2/165 (2697) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) …مسلم (1424) .(3/284)
ما هي الأجزاء التي يجوز للخاطب أن يراها من مخطوبته ؟ لقد سمعت كثيراً من رجال الدين يحددها بالوجه والكفين، ولكني قرأت في جريدة (النور) التي تصدر في مصر، عن أحد الأحزاب السياسية - أنه يجوز للخاطب أن يرى قدم مخطوبته إلى ما تحت الركبة، فأرجو أن ترسلوا لنا الرأي السديد في هذا الموضوع. وهل يجوز للخاطب أن يراقب المرأة التي يريد خطبتها أثناء سيرها في الطريق ؟ وهل ورد فعلاً أن أحد الصحابة فعل ذلك ؟
يجوز لمن أراد أن يتزوج امرأة أن ينظر عند خطبتها إلى وجهها بلا تلذذ ولا شهوة، ودون خلوة بها باتفاق العلماء، وقد شرع ذلك رعاية للحاجة، ورجاء أن يؤدم بينهما إذا تزوجها، وفي ذلك الكفاية؛ لأن الوجه مجمع المحاسن، وبه تندفع الحاجة، وأجاز بعض الأئمة النظر إلى الكفين أيضاً وما يظهر من المرأة غالباً مما يدعو إلى نكاحها. ويجوز للخاطب أن يرقبها أثناء سيرها في الطريق ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها؛ كما روى أبو داود: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خَطَبَ أحدكم المرأةَ فإن استطاعَ أن يَنْظُرَ إلى ما يَدْعُوهُ إلى نِكاحِهَا فَلْيَفْعَلْ" ، قال جابر: (فخطبت امرأة فكنت أتخبَّأُ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها)(1) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطب رجل امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اُنْظُرْ إليها، فإنَّ في أَعْيُنِ الأنصارِ شيئاً" (2) رواه أحمد وأبو داود .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
__________
(1) …أحمد (3/334، 360)، وأبو داود (2082)، والحاكم 2/165 (2696) وصححه ووافقه الذهبي. قال ابن حجر في «الفتح» 9/181: « وسنده حسن ». ومعنى (أَنْ يُؤْدَمَ): أي أن يُؤَلَّف ويُوَفَّق.
(2) …مسلم (1424)، وأحمد (2/286، 299)، والنسائي (3248، 3249)، وآخرون. ومعنى (شَيْئًا): قيل: صِغَرٌ، وقيل: زُرْقَةٌ، وقيل: عَمَشٌ.(3/285)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/75)
حكم التزيّن للخاطب
هل يجوز للمخطوبة الظهور أمام الخاطب بالكحل والزينة والعطر ؟ وما حكم الشبكة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
المخطوبة قبل أن يتم العقد عليها امرأة أجنبية عن الخاطب، فهي كالنساء اللاتي في السوق؛ ولكن الشرع رخص للخاطب أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها للحاجة إلى ذلك، ولأن هذا أحرى أن يؤدم بينهما؛ أي: أن يؤلف بينهما، ولا يحل لها أن تخرج إليه متجملة أو متزينة لا بثيابها ولا بالمكياج لأنها أجنبية عنه. ولأن الخاطب إذا رآها في هذه الزينة ثم تغيرت بعد زوالها فإنه سوف تتغير الصورة عنده، وربما تكون رغبته نفورًا منها .
والذي يجوز للخاطب أن ينظر إليه من مخطوبته مثل الوجه والقدمين والرأس والرقبة بشرط ألا يخلو بها، ولا يطيل المكالمة المباشرة معها إن كلّمته. وكذلك لا يجوز له أن يتصل بها هاتفيًا؛ لأن ذلك فتنة يزينها الشيطان في قلب الخاطب والمخطوبة، وإذا عقد له عليها فله أن يكلمها وله أن يخلو بها وأن يباشرها، ولكننا ننصح بعدم مجامعتها؛ لأنه إذا جامعها قبل الدخول المعلن ووضعت في وقت مبكر فربما تتهم المرأة، وكذلك لو توفي عنها قبل الدخول المعلن ثم وضعت فإنها تتهم أيضًا .
أما الشبكة فهي عبارة عن هدية يعطيها الخاطب مخطوبته - إشارة إلى أنه راضٍ بها وراغب فيها، ولا بأس؛ لأن الناس ما زالوا يفعلون ذلك، وإن كانت باسم آخر .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5) - (2/85، 86)
حكم مكالمة الخاطب عبر الهاتف
مكالمة الخاطب لخطيبته عبر الهاتف؛ هل هي جائزة شرعًا أم لا ؟
مكالمة الخطيب عبر الهاتف لا بأس به؛ إذا كان بعد الاستجابة له، وكان الكلام من أجل المفاهمة، وبقدر الحاجة، وليس فيه فتنة، وكون ذلك عن طريق وليِّها أتم وأبعد عن الريبة .(3/286)
أما المكالمات التي تجري بين الرجال والنساء وبين الشباب والشابات، وهم لم تجر بينهم خطبة، وإنما من أجل التعارف؛ كما يسمونه؛ فهذا منكر ومحرم، ومدعاة إلى الفتنة والوقوع في الفاحشة؛ يقول الله تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا}[الأحزَاب، من الآية: 32]؛ فالمرأة لا تكلم الرجل الأجنبي إلا لحاجة، وبكلام معروف لا فتنة فيه ولا ريبة .
وقد نص العلماء على أن المرأة المُحْرِمَة تلبي ولا ترفع صوتها .
وفي الحديث: "إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ؛ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللهِ" (1) .
مما يدل على أن المرأة لا تسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم، مع الحياء والحشمة. والله أعلم .
الشيخ الفوزان - المنتقى، (2/163، 164 )
حكم المهر في النكاح
رجل مؤمن موحد، ولكنه أباح بناته الجميلات بالمناكحة بغير صداق، لا مال ولا ثوب ولا أي شيء إلا بالله ورسوله.. هل يصح ذلك النكاح ؟
__________
(1) …البخاري (1218)، ومسلم (421) .(3/287)
الصداق في النكاح لابد منه؛ لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على وجوبه، ويسمى أيضًا مَهْرًا وأَجْرًا؛ قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}[النِّسَاء، من الآية: 4] أي: عن طيب نفس، بما فرض الله لهن عليكم بالزواج بهن، وقال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} الآية [24: سورة النِّسَاء] ، وثبت أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له فيها حاجة، فأراد بعض أصحابه أن يتزوجها، فطلب منه صداقاً لها، فاعتذر لفقره، فقال له: "اِلْتَمِسْ ولو خاتماً من حديد" (1)؛ فالتمسه لكنه لم يجد، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه إياها إلا بشيء يبذله لها، وفيه منفعة تعود عليها، وانتهى الأمر إلى أن زوجه النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة بما معه من القرآن؛ يعلمها إياه. وأجمعت الأمة على أنه لابد من الصداق في النكاح، ومن تزوج امرأة من وليها على أَلاَّ مَهْرَ لَهَا فقيل: نكاحهما باطل، وقيل: النكاح صحيح والشرط باطل، ويجب لها مَهْرُ المِثْلِ بالدخول بها، أو الوفاة عنها؛ لقوة الشبه بالمفوضة الآنف ذكرها، والأرجح الثاني. أما من تزوج امرأة أن لها مهراً لكنه لم يُسَمِّ، فنكاحها صحيح، ولها مَهْرُ مِثْلِهَا بالدخول أو الوفاة، قال تعالى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} الآية [236: سورة البقرة] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
__________
(1) …البخاري (5029، 5030، 5087، 5121، 5126، 5132، 5135، 5141، 5871)، ومسلم (1425).(3/288)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/31-33)
هل مقدار المهر محدد شرعًا ؟
هل هذا جائز في الشريعة الإسلامية: من زوج ابنته لرجل مسلم ولم يأخذ من الرجل مالاً للزواج - لوجه الله ؟ وما مقدار المهر الشرعي ؟
الأصل مشروعية المهر، ولا نعلم دليلاً شرعياً يدل على تحديده، والوقائع التي حصلت في عهد التشريع تدل على تفاوته؛ فورد في مسند أحمد وسنن الترمذي وصححه: جعل المهر نعلين، وفي مسند أحمد وسنن أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أنَّ رجلاً أعطى امرأةً صَداقاً مِلْءَ يَدَيْهِ طعاماً كانت لَهُ حلالاً" (1)، وفي (صحيح البخاري ومسلم) وغيرهما، عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أَثَرُ صُفْرَة، فقال: ما هذا ؟ قال: تزوجتُ امرأة على وزنِ نَوَاةٍ من ذهبٍ؛ قال: "بارك الله لك، أَوْلِمْ ولَوْ بِشَاة" (2)، وجاء في (الصحيحين) وغيرهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله: إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله: زَوِّجْنِيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل عندكَ من شيءٍ تَصْدُقُهَا إياها ؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أَعْطَيْتَهَا إزَارَك جَلَسْتَ ولا إِزارَ لك، فالْتَمِسْ شيئاً فقال: ما أجد شيئاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء ؟ قال: نعم؛ سورة كذا وسورة كذا، لِسُوَرٍ يُسمِّيها، فقال له النبي صلى الله
__________
(1) …أحمد (3/355)، وأبو داود (2110) ورجح وقفه، والدارقطني (3/243)، والخطيب في (تاريخ بغداد) 6/365، والبيهقي في (الكبرى) 7/238 (14149). وانظر: (تلخيص الحبير) 3/190 (1551).
(2) …البخاري (2048، 2049، 3781، 3937، 5072، 5153، 5155، 5167، 6386)، ومسلم (1427)، وغيرهما.(3/289)
عليه وسلم: قد زَوَّجْتُكَها بما معك من القرآن" متفق عليه، وفي رواية متفق عليها: "قد مَلَّكْتُكَها بما معك من القرآن" ، وفي رواية أخرى في (الصحيحين) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للخاطب: "اِلْتَمِسْ ولو خاتَماً من حديد" (1) .
وبذلك يعلم أنه لابد من المهر في النكاح ولو كان قليلاً، وهذا هو الذي دل عليه قول الله عز وجل في النكاح: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} الآية [24: سورة النِّسَاء] .
لكن إذا لم يُسَمَّ شيء في النكاح صحَّ، ووجب للمرأة مَهْرُ المِثْلِ، كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/79-81)
حكم المغالاة في المهور
أرى ويرى الجميع أن الكثير من الناس يبالغون في المهور ويطلبون عند تزويجهم بناتهم مبالغ كبيرة، إضافة إلى بعض الشروط الأخرى .. فهل هذه الأموال التي تؤخذ حلال أم حرام ؟
المشروع تخفيف المهر وتقليله، وعدم المنافسة في ذلك؛ عملاً بالأحاديث الكثيرة الواردة في ذلك، وتسهيلاً للزواج، وحرصاً على عفة الشباب والفتيات. ولا يجوز للأولياء اشتراط أموال لأنفسهم؛ لأنه لا حق لهم في ذلك، بل الحق للمرأة وحدها - إلا الأب خاصة فله أن يشترط ما لا يضر البنت ولا يعوق تزويجها، وإن ترك ذلك فهو خير له وأفضل . وقد قال الله سبحانه: {وَأَنْكِحُوا الأَْيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النُّور، من الآية: 32] .
__________
(1) …البخاري (5029، 5030، 5087، 5121، 5126، 5132، 5135، 5141، 5871)، ومسلم (1425).(3/290)
وقال صلى الله عليه وسلم - من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه -: "خَيْرُ الصِّدَاقِ أَيْسَرُهُ"(1).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يزوج بعض أصحابه امرأة وهبت نفسها له صلى الله عليه وسلم -: "الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" (2)، فلما لم يجد زوَّجه إياها على أن يعلمها من القرآن سوراً عددها الخاطب .
وكانت مهور نسائه صلى الله عليه وسلم: خمسمائة درهم، تعادل اليوم مائة وثلاثين ريالاً تقريباً. ومهور بناته: أربعمائة درهم، تعادل مائة ريال تقريباً. وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزَاب، من الآية: 21] .
وكلما كانت التكاليف أقل وأيسر سهل إعفاف الرجال والنساء، وقلَّت الفواحش والمنكرات، وكثرت الأمة.
كلما عظمت التكاليف وتنافس الناس في المهور قَلَّ الزواج، وكثر السفاح، وتعطل الشباب والفتيات إلا من شاء الله .
فنصيحتي لجميع المسلمين في كل مكان تيسير النكاح وتسهيله، والتعاون في ذلك، والحذر كل الحذر من المطالبة بالمهور الكثيرة، والحذر أيضاً من التكلف في الولائم، والاكتفاء بالوليمة الشرعية التي لا تكلف الزوجين كثيراً .
أصلح الله حال المسلمين جميعاً، ووفقهم للتمسك بالسنة في كل شيء.
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة - الفتاوى (1) ص (166 - 168)
حكم صداق المتوفى عنها قبل الدخول
ما الحكم إذا تزوج الرجل امرأة ولم يبن بها حتى مات ؟
إذا كان الواقع ما ذكر فتعتد وتُحِدّ وترث زوجها وتستحق جميع صداقها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/83)
__________
(1) …الحاكم في (المستدرك) 2/182 (2742) وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو داوود (2117)، وابن حبان (4072) بلفظ: « خيرُ النكاحِ أيسَرُه ».
(2) …البخاري (5029، 5030، 5087، 5121، 5126، 5132، 5135، 5141، 5871)، ومسلم (1425).(3/291)
للوالد الأخذ من مهر ابنته ما لا يضُرّها
من العادة عند الزائيريين أن مهر الزواج يأخذه الوالدان دون البنت، هل هذا صحيح أم لا ؟
يجوز للوالد أن يأخذ من مهر ابنته ما لا يضرها ولا تحتاجه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنتَ ومالُكَ لأبيك" (1)، رواه ابن ماجه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أَطْيَبَ ما أَكَلْتُم من كَسْبِكُم، وإنَّ أولادَكُم مِن كَسْبِكُم" (2)، رواه الخمسة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/71)
حكم حفلة الشَّبْكة المختلطة
ما حكم ما يفعله بعض الناس بما يسمى ( حفلة الشبكة ) ؟ حيث يلتقي الخاطب والمخطوبة، ويقوم الخاطب بإلباسها عقداً أو سواراً - (الشبكة ) - يكون قد أحضره لها، ويتم كل هذا قبل عقد القران ؟ جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …أخرجه عن جماعة من الصحابة، وبزيادة عند بعضهم: أحمد (2/204)، وابن ماجه (2291)، وابن حبان (410، 4262)، وابن أبي شيبة (36217)، وأبو يعلى (5731)، والطبراني في (الصغير) (2، 947)، و(الأوسط) (57، 3534، 6570، 6728، 7088)، و(الكبير) (6961، 10019)، و(البزار) (295). وهو حديث يصل بمجموع طرقه إلى مرتبة الحسن. انظر: (تلخيص الحبير) 3/189، 190 (1548)، و(كشف الخفاء) 1/239- 241 (628).
(2) …أحمد (2/179، 214) وَ(6/41، 162، 201)، وأبو داوود (3530)، والترمذي (1358) وقال: « حسن صحيح »، والنسائي (4450)، وابن ماجه (2290، 2292)، والبيهقي في (الكبرى) (15528). والحديث في (صحيح أبي داوود) للألباني، برقم (3015).(3/292)
من المعلوم أن المخطوبة قبل أن يتم العقد عليها امرأة أجنبية لا صلة لها بالخاطب؛ فلا يجوز للخاطب أن يباشرها، أو أن يخلو بها، أو يحادثها محادثات طويلة. وما ذكره السائل من هذه الحفلة فهي حفلة محرمة لا يجوز إقرارها؛ بل الواجب البعد عنها والتحرز منها . أما إذا تم العقد بين الرجل والمرأة فعلى كل حال هي امرأته، وله أن يفعل هذا الذي ذكره السائل، يذهب إليها ويلبسها ما يلبسها ويخلو بها .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم حفلة الشَّبْكة غير المختلطة
ما الحكم الشرعي في ما يسمى بحفلة الشبكة ؟ وصفة ذلك: أن تقام حفلة عشاء يحضرها أهل العروسين في منزل أهل العروس (الفتاة) عند الخطبة، وتقوم أم العريس بإلباس الفتاة المخطوبة الشبكة المقدمة لها من الزوج (الخاطب)؛ فما الحكم في هذه الحفلة وهذا التصرف ؟ وهل لهما أصل في الشرع ؟ أفتونا مأجورين .
هذه الحفلة من الأمور التي تخضع للعادة، ولا تعتبر من الأمور الشرعية؛ فإن المشروع في الزواج هو وليمة العرس التي يفعلها الزوج عند الزفاف أو بعده،، فأما حفلة الشبكة فليست مشروعة، ولا تتخذ سنة، ولا يجوز الإلزام بها، وردّ الزوج الذي لا يلتزم بها، ولا ينكر على من أخل بها؛ سواء أهل الزوج (الخاطب) أو أهل العروس (الفتاة). وينكر اعتياد أن أم العريس تلبس الفتاة الشبكة المقدمة لها من الزوج الخاطب؛ بل إن هذه الشبكة لم تكن معتادة، ولا أصل لها؛ وإنما يدفع الزوج لها الحُلِيّ المعتاد من أَسْوِرَة وأقراط، وخواتيم وقلائد ونحوها، إذا قدر على ذلك، وللفتاة أن تقوم بشراء من ماله لما تحب من الكسوة أو الحلي ونحوه، ويكره الإسراف في ذلك، وكذا الافتخار والمباهاة. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها توقيعه
حكم حفلة (المِلْكَة)(3/293)
ما حكم إقامة الحفلة التي تسمى بالمِلْكَة التي يقوم بها أهل العروس ويحضرها الرجال والنساء، ويقدم فيها طعام العشاء، ويتم فيها عقد النكاح بين الزوجين، ويصاحب ذلك لدى البعض الضرب بالدف ؟ أفتونا مأجورين .
المِلْكَة والتمليك عند العامة هي عقد النكاح، وقد اعتاد بعض الناس أن يكون العقد في منزل الزوجة، ثم يعد ولي المرأة لهم طعاماً إذا كان ذلك في وقت العشاء كضيافة أو كرامة، ولا بأس بذلك إذا لم يعتقد أنه قُرْبَةٌ أو سُنَّة مُتَّبَعة كوليمةِ العرس. والعادة أن يحضرها مع الزوج والده وإخوته أو بعض خواصه كشهود، وكذا يحضر أهل المرأة كأبيها وإخوتها للتهنئة والتبريك، والمشاركة في هذا الاجتماع؛ لكن لا يجوز ضرب الدف، ولا الطبل، ولا الأغاني؛ لعدم إشهار ذلك، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه
حكم عقد النكاح وإعلانه في المسجد
الذي جعل الشباب في بلدتنا مذبذباً في الحكم على النكاح في المسجد: هل هو سنة أم بدعة ؟ حديث: ((أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المسجد واضربوا عليه بالدف)) .
نريد مدى صحة هذا الحديث، وخاصة جملة: ((اجعلوه في المساجد)) .. هل جعل النكاح في المساجد سنة أم بدعة ؟ ونريد أسماء الكتب والأسانيد في تخريج هذا الحديث .
وقد ذكر الترمذي في كتاب (فقه السنة): أنه حديث حسن، فنرجو من سماحتكم التعليق على هذا حتى يستبين للناس الحكم؛ لأنهم يقيمون الأفراح في المساجد، ويعتبرونها سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم .(3/294)
أولاً: هذا الحديث رواه الترمذي بسنده، قال: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَعْلِنُوا هذا النكاح، واجْعَلُوهُ في المساجد، وَاضْرِبُوا عليهِ بالدُّفُوف (1)، ثم قال: «هذا حديث غريب حسن في هذا الباب، وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث، وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن أبي نجيح التفسير هو ثقة»، وأخرج هذا الحديث أيضاً البيهقي، وفي إسناده خالد بن إلياس، وهو منكر الحديث .
ثانياً: حث الشرع على إعلان النكاح .
وأما عقد النكاح في المسجد فليس بسنة، والحديث المذكور ليس بحجة، بل هو ضعيف؛ لضعف عيسى بن ميمون الأنصاري وخالد بن إلياس.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/112)
هل يجوز عقد النكاح بالهاتف ؟
إذا توفرت أركان النكاح وشروطه إلا أن الولي والزوج كل منهما في بلد؛ فهل يجوز العقد تليفونياً أو لا ؟
__________
(1) …الترمذي (1089)، والبيهقي في (الكبرى) (14476). وذهب بعضهم إلى أنه حسن لشواهده؛ انظر: (المقاصد الحسنة) 1/125 (129)، و(كشف الخفاء) 1/162 (422).(3/295)
نظراً إلى ما كثر في هذه الأيام من التغرير والخداع، والمهارة في تقليد بعض الناس بعضاً في الكلام وإحكام محاكاة غيرهم في الأصوات؛ حتى إن أحدهم يقوى على أن يمثل جماعة من الذكور والإناث صغاراً وكباراً، ويحاكيهم في أصواتهم وفي لغاتهم المختلفة محاكاة تلقي في نفس السامع أن المتكلمين أشخاص، وما هو إلا شخص واحد، ونظراً إلى عناية الشريعة الإسلامية بحفظ الفروج والأعراض، والاحتياط لذلك أكثر من الاحتياط لغيرها من عقود المعاملات - رأت اللجنة أنه ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب والقبول والتوكيل على المحادثات التليفونية؛ تحقيقاً لمقاصد الشريعة، ومزيد عناية في حفظ الفروج والأعراض حتى لا يعبث أهل الأهواء ومن تحدثهم أنفسهم بالغش والخداع .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/90، 91)
هل يجوز للخاطب تولِّي عقد النكاح بنفسه ؟
إذا عقد الزوج: قرأ خطبة الحاجة، وسأل يد المرأة من وليها أمام الشهود بدون أن يكون هناك عاقد يعقد له؛ هل يجوز هذا العقد بدون مأذون أم لا ؟
إذا كان الأمر كما ذكر من صدور الإيجاب من الأب والقبول من الزوج بحضور الشاهدين فإنه يصح النكاح، وأما تولي الزوج قراءة خطبة الحاجة فإنه لا يمنع من انعقاد النكاح، ولكن يشرع إعلان النكاح وعدم كتمانه؛ لأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأَمْرِهِ بِضَرْبِ الدُّفِّ عليه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/88)
الصفة الشرعية لعقد النكاح(3/296)
ما هي الطريقة المسنونة في عقد النكاح ؟ هل ورد في الأحاديث كيفية كلمات خطبة النكاح ؟ أي المكان أفضل لخطبة النكاح ؟ من أحق بخطبة النكاح ؟ ما حكم المعمول في جنوب أفريقيا من أن يقرأ قارئ ما تيسر له من القرآن الكريم قبل خطبة النكاح ؟ ما حكم الدعاء على هيئة الجماعة بعد خطبة النكاح ؟ أي: الخطيب يدعو جهراً رافعاً يديه والحاضرون يؤمنون على دعائه رافعين أيديهم .
عقد النكاح يتم بالإيجاب؛ وهو اللفظ الصادر من ولي المرأة أو وكيله بقوله: أنكحتك أو زوجتك، أو ما أشبه ذلك، وبالقبول؛ وهو اللفظ الصادر من الزوج أو وكيله بقوله: قبلت هذا النكاح أو رضيت به أو ما أشبه ذلك، ويكون ذلك بحضور شاهدين عدلين. وليس هناك ألفاظ أو دعوات أو قراءة قبل العقد؛ إلا أنه يستحب قراءة خطبة الحاجة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهي: الحمدُ لله، نَحْمَدُهُ ونستَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرُورِ أَنْفُسِنا وسيئاتِ أعمَالِنا، مَن يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ لَه، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم (1)، ثم قراءة ثلاث آيات هي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *}[آل عِمرَان]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} الآية [النِّسَاء، من الآية: 1] ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا *} الآية
__________
(1) …أحمد (1/392، 432)، وأبو داوود (2118)، والترمذي (1105) وقال: «حديث حسن»، والنسائي (1405، 3279، 3280)، وابن ماجه (1892)، والطبراني في (الأوسط) (7872)، و(الكبير) 10/98، 211 (10079، 10499)، والحاكم 2/182 (2744) وصححه وسكت عنه الذهبي.(3/297)
[الأحزَاب] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/83-85)
بطلان العقد بدون التلفظ بالإيجاب والقبول
أنا من المغرب العربي، مسلم، تزوجت من مصر، ونظراً لأنني اعتبر أجنبياً في مصر فإن الأجنبي يعقد له عقد القران المحامي المسلم بمصر، يختار أي محامي يريده، طريقة عقد الزواج الذي تم :
كتب بيننا المحامي عقد زواج على سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى مذهب أبي حنيفة، بحضور (الزوج، ووالد الزوجة، والزوجة، وشاهدين، ووالدة الزوجة) وكتب المحامي العقد كتابة، وقرأه عليهم قراءة، ووافق الجميع على جميع ما هو مكتوب بالعقد، ووقع الزوج، ووالد الزوجة، والزوجة، والشهود، والمحامي، على جميع ما هو مكتوب بهذا العقد، وتم توثيق العقد من المحكمة في مصر، ولم يطلب المحامي الذي عقد القران من والد الزوجة أن ينطق بـ: زوّجتك ابنتي، ولم يطلب من الزوج أن ينطق: قبلت هذا الزواج، بل وافق الجميع على عقد الزواج كتابة وقراءة وسماعاً من المحامي، ووقَّع والد الزوجة، ووقع الزوج، ووقعت الزوجة، ووقع الشاهدان، ووقع المحامي على ذلك العقد، وتم الزواج ودخل الزوج بزوجته، ولهما عام كامل وزواجهما موفق .
المطلوب: هل هذا العقد والزواج صحيح أم باطل، أو يحتاج إلى تجديد ؟ وماذا يترتب عليهما من كفارة إذا كان هذا الزواج غير صحيح ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً .
الواجب إعادة العقد المذكور؛ لأنه لا يجزئ في عقد النكاح مجرد التوقيع على العقد المكتوب، فلابد من لفظ يصدر من الولي بالإيجاب، ولفظ يصدر من الزوج بالقبول بأي لفظ تعارفا عليه، وما مضى يعتبر نكاحاً باطلاً، وعلى الجميع التوبة إلى الله من ذلك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/85 - 87)
بطلان عقد النكاح بدون وليّ
هل يجوز للمرأة أن تتزوج بدون ولي ؟(3/298)
من شروط صحة الزواج: الولاية، فلا يجوز للمرأة أن تتزوج بدون ولي؛ فإن تزوجت بدون ولي فنكاحها باطل؛ لما روى أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نِكَاحَ إِلا بَوَلِيّ" (1)، ولما روى سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَيُّمَا امْرَأةٍ نَكَحَتْ بغيرِ إِذْنِ وليِّها فَنِكَاحُها باطِلٌ، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل؛ فإِنْ دَخَلَ بها فلَهَا المَهْرُ بما اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فإِن اشْتَجَرُوا فالسلطانُ وَلِيُّ مَن لاَ وَلِيَّ لَه" (2)، رواهما الخمسة إلا النسائي، وروى الثاني أبو داود الطيالسي، ولفظه: "لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ، وأيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَير إذْنِ ولي فنكاحُهَا بَاطِلٌ باطل باطل، فإن لم يَكُن لها وَلِيُّ فالسلطانُ وَلِيُّ مَن لاَ وَلِيَّ لَها"(3).
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله(4): إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/141 - 143)
من هو ولي المرأة الذي له حق تزويجها ؟
بنت بلغت سن الزواج وليس لها ولي يزوجها، ولا يوجد قاض في البلد، ويسأل: هل يقوم الأمير مقام القاضي في تزويج مثل هذه البنت ؟
__________
(1) …أحمد (4/394، 413، 418)، وأبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وابن ماجه (1881)، وابن حبان (4077، 4078، 4083، 4090) وصححه، والحاكم 2/169- 172 (2710- 2717) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …أحمد (6/47، 66، 165)، وأبو داوود (2083)، والترمذي (1102) واللفظ له، وقال: «حديث حسن»، وابن ماجه (1879)، وابن حبان (4074)، والحاكم 2/168- 169 (2706- 2709) وصححه، وكذا الألباني في «صحيح سنن أبي داوود» (1835).
(3) …«مسند أبي داوود الطيالسي» 1/206 (1463).
(4) …انظر: «فتح الباري» لابن حجر (9/187) .(3/299)
أولى الناس بولاية المرأة في الزواج أبوها ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل، ثم أخوها لأبويها، ثم أخوها لأبيها، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث، ثم السلطان، وينوب عنه الحاكم الشرعي. أما الأمير وهو ما يسمى بالحاكم الإداري فإن نيابته عن ولي الأمر فيما هو من الأمور الإدارية، وفي تنفيذ أحكام القضاء. ومما ذكرنا يتضح أنه ليس للأمير ولاية على من لا ولي لها من النساء، وإنما ولايتها إلى القاضي في حال عدم وجود ولي لها من أهلها، وليس هناك بلد في بلادنا ليس لها قاضٍ؛ فإما أن يكون القاضي في البلد نفسه أو أن تكون البلد تابعة لغيرها في القضاء .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/143)
الشهود شرط في صحة العقد
المسألة تدور حول النكاح، أعني نكاح التفويض، ومن المعلوم أن هذا النكاح هو عقد نكاح بدون تسمية الصداق؛ فهل يكفي اتفاق الولي والزوج الذي هو الركن الأصيل في عقد النكاح بدون إشهاد، أم لابد من إشهاد ؟
لا يكفي في عقد النكاح اتفاق ولي المرأة مع من خطبها منه على تزويجه إياها دون إشهاد على العقد، ولو تم الإيجاب والقبول منهما؛ بل لابد من حضور شاهدين عدلين حين العقد؛ لما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نِكَاحَ إِلا بَوَلِيٍّ وشَاهِدَيْ عَدْلٍ" (1)
__________
(1) …الدارقطني (3/226، 227)، والطبراني في (الأوسط) (9291)، وابن حبان (4075)، والبيهقي في (الكبرى) (13496، 13497، 20313) من حديث عائشة رضي الله عنها.
…- وأخرجه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: عبدالرزاق في (مصنفه) (10473)، والطبراني في (الكبير) 18/142 (299)، والبيهقي في (الكبرى) (13498).
…- وأخرجه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: الدارقطني (3/225) .
… - وأخرجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: الدارقطني (3/221)، والبيهقي في (الكبرى) (13494).
…- وأخرجه من حديث جابر رضي الله عنه: الطبراني في (الأوسط) (5564).
…- وأخرجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: الدارقطني (3/225) .
…- وأخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: الطبراني في (الأوسط) (6366). قال في (فيض القدير) 6/438: «قال الذهبي في المهذَّب: إسناده صحيح». قلت: وهو بمجموع طرقه الكثيرة يصل إلى مرتبة الحسن لغيره على أقل تقدير.(3/300)
، ولأن الاكتفاء في عقد النكاح باتفاق ولي المرأة مع من خطبها دون شهادة عدلين ذريعة إلى الزنا .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/182)
تصح شهادة الأقارب عدا عمودي النسب
هل يصح عقد النكاح بحضور شاهدين من أقارب الزوجة أو أقارب الزوج أو أقارب الولي، كالأخ والابن والجد ؟ حيث إن البعض يقول: إن العقد في مثل هذه الصورة غير صحيح، والبعض الآخر يجيز ذلك، نأمل توضيح ذلك .
يصح عقد النكاح بشاهدين عدلين من أقارب الزوجين إذا لم يكونا من عمودي نسب المشهود له، أي: آبائه وأجداده أو أبنائه وأبناء أولاده؛ لعدم التهمة في حقهم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/184)
وجود الشهود على العقد إعلان للنكاح
إني أريد أن أستفتي فضيلتكم في عقد زواج تم بإيجاب وقبول بين ولي الزوجة والزوج، وفي حضرة أربعة شهود من الرجال، ثم تم بعد ذلك إعلان العقد لأناس دون أناس، فهل يعتبر هذا إعلاناً للزواج ؟ وهل عقد الزواج صحيح أم غير صحيح ؟
إذا كان الواقع كما ذكرت، فالعقد صحيح، وما حصل فيه من الإشهاد يعتبر إعلاناً ولو كان الشهود اثنين فقط .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/117)
حكم لبس الدُّبْلَة
س1: ما حكم لبس ما يسمى بالدبلة في اليد اليمنى للخاطب واليسرى للمتزوج علماً أن هذه الدبلة من غير الذهب ؟
ج1: لا نعلم لهذا العمل أصلاً في الشرع، والأولى ترك ذلك، سواء كانت الدبلة من فضة أو غيرها؛ لكن إذا كانت من الذهب فهي حرام على الرجل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نَهَى الرجل عن التَّخَتُّم بالذَّهَب(1).
الشيخ ابن باز - فتاوى إسلامية (2/370)
__________
(1) …البخاري ( 6235 )، ومسلم (2066) من حديث البراء رضي الله عنه .(3/301)
س2: ما حكم لبس دبلة الزواج الفضية للرجال؛ أي لبسها في الأصبع ؟
ج2: لبس الدبلة للرجال أو النساء من الأمور المبتدعة، وربما تكون من الأمور المحرمة؛ ذلك لأن بعض الناس يعتقدون أن الدبلة سبب لبقاء المودة بين الزوج والزوجة، ولهذا يذكر لنا أن بعضهم يكتب على دبلته اسم زوجته، وتكتب على دبلتها اسم زوجها، وكأنهما بذلك يريدان دوام العلاقة بينهما، وهذا نوع من الشرك؛ لأنهما اعتقدا سبباً لم يجعله الله سبباً لا قدراً ولا شرعاً، فما علاقة هذه الدبلة بالمودة أو المحبة ؟! وكم من زوجين بدون دبلة وهما على أقوى ما يكون من المودة والمحبة، وكم من زوجين بينهما دبلة وهما في شقاء وعناء وتعب .
فهي بهذه العقيدة الفاسدة نوع من الشرك، وبغير هذه العقيدة تشبّه بغير المسلمين؛ لأن هذه الدبلة متلقاة من النصارى، وعلى هذا فالواجب على المؤمن أن يبتعد عن كل شيء يخل بدينه .
أما لبس خاتم الفضة للرجل - من حيث هو خاتم لا باعتقاد أنه دبلة تربط بين الزوج وزوجته - فإن هذا لا بأس به؛ لأن الخاتم من الفضة للرجال جائز، والخاتم من الذهب محرم على الرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً في يد أحد الصحابة رضي الله عنهم فطرحه وقال: "يَعْمَدُ أحَدُكُم إلى جَمْرَةٍ مِنَ النارِ فَيَضَعُهَا في يَدِه" (1) .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع فتاوى ورسائل (18/100)
ما يجوز للرجل من زوجته بعد العقد وقبل الدخول
س1: ماذا يجوز للرجل من زوجته بعد عقد النكاح وقبل الدخول والبناء بها ؟
__________
(1) …مسلم (2090).(3/302)
ج1: يجوز له منها ما يجوز للرجال مع زوجاتهم؛ لكن ينبغي أن يصبر حتى يتيسر الدخول، فإن احتاج إلى زيارتها أو الاتصال بها بإذن أهلها لأمر واضح فلا حرج في ذلك، وإذا اجتمع بها وخلا بها بإذن أهلها فلا حرج في ذلك، أما على وجه سري لا يعرف فهذا فيه خطر، فإنه قد تحمل منه ثمّ يُظن بها السوء، أو يُنكر اتصاله بها، فيكون فتنة وشر كبير. فالواجب عليه أن يمتنع ويصبر، حتى يتيسر الدخول والبناء بها، وإذا دعت الحاجة إلى اتصاله بها، والاجتماع بها فليكن ذلك مع أبيها أو أمها أو أخيها، حتى لا يقع شيء يخشى منه العاقبة الوخيمة. وفق الله الجميع .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (21/208)
س2: هل جماع الزوج زوجته بعد العقد وقبل إعلان الزفاف على الناس فيه شيء شرعاً؛ لأن العرف يعارض ذلك ؟
ج2: ليس في جماع الزوج زوجته بعد العقد وقبل الزفاف بأس من الناحية الشرعية، لكن إذا كان يخشى من ترتب آثار سيئة على ذلك فإنه يمتنع عن ذلك؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/271)
حكم إجابة دعوة العرس
من المعلوم أن إجابة دعوة الطعام فرض عين على المسلم، فمن كان بطبعه يميل إلى العزلة ولا يحب مخالطة الناس .. فهل يجوز له أن يترك إجابة الدعوة ؟ وإذا كان المدعو يشعر بحرج من حضور الوليمة بسبب وجود من هم فوق مستواه، أي أعلى من مستواه هناك، علماً أو غنى أو جاهاً أو أنه لا يعرف معظم المدعوين، وهو كالغريب بينهم، فيتضايق من ذلك؛ فهل يجوز له أن يعتذر إلى صاحب الطعام ويطلب منه أن يعفيه من الحضور أم لا ؟ وهل يجوز له ترك الإجابة لتلك الأسباب ونحوها ولو بدون إعلام صاحب الدعوة مسبقاً ؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً .(3/303)
الأصل وجوب إجابة دعوة المسلم إذا عينه الداعي، ما لم يمنع مانع شرعي من ذلك في الداعي أو المدعو، أو محل الوليمة؛ للأدلة الدالة على ذلك، ولا ينبغي لك التأخر عن إجابة أخيك؛ للأسباب التي ذكرت، لكن إذا استسمحته وسمح فلا بأس .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/102)
حكم الذهاب إلى عُرسٍ فيه مُنكَرات
تعلمون أن الأعراس هذه الأيام بها نوع من عدم الحكمة والمغالاة في الأكل، فهل يجوز أن أذهب إليها مع علم مسبق أنه سوف يكون هناك إسراف ؟ وهل يجوز أن أسمح لزوجتي أن تذهب إلى العرس ؟ علماً أن العريس وبعض أهله الرجال وقت الزفة - على حد قولهم - يدخلون عند النساء .. فما الحكم ؟ أثابكم الله وجزاكم خيراً .
إذا كانت أحوال العرس كما ذكرت - من المغالاة في الوليمة، ومن اختلاط الرجال الأجانب بالنساء عندما يسمى بالزفة - فلا تذهب إلى هذا العرس، ولا تسمح لزوجتك بالذهاب إليه، إلا إذا كانت لديك من القوة والوجاهة ما تستطيع أن تغير به المنكر، وترشد من حضر إلى الحق والصواب، فيجوز لك الحضور، بل يجب عليك؛ إقامةً للحق، وقضاءً على المنكر. وكذلك الحال بالنسبة لزوجتك، والله الهادي إلى سواء السبيل .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/103)
حكم ضرب الدف والغناء والاختلاط في الأعراس
إنه في الآونة الأخيرة بمناسبة بدء الإجازة الصيفية كثرت الأخطاء في مناسبات الزواج في المنازل أو قصور الأفراح، وفي القصور أشد وأقبح، مثل:(3/304)
( الطق بمكبر الصوت والغناء من النساء، والتصوير بالفيديو) . والأشد من ذلك: الرجل المتزوج يقبّل زوجته أمام النساء، فأين الحياء والخوف من الله ؟! وعند إسداء النصح من الغيورين على محارم الله يجابهون بالقول: الشيخ الفلاني أفتى بجواز (الطق)؛ فإذا كان هذا صحيحاً نرجو من فضيلتكم إيضاح الحق للمسلمين ؟
الطق في الدف أيام العرس جائز أو سنة إذا كان في ذلك إعلان النكاح؛ ولكن بشروط:
*…الشرط الأول: أن يكون الضرب بالدف، وهو ما يسمى عند بعض الناس بالطار وهو المختوم من وجه واحد؛ لأن المختوم من الوجهين يسمى (الطبل) وهو غير جائز؛ لأنه من آلات العزف، والمعازف كلها حرام، إلا ما دل الدليل على حله وهو الدف حال أيام العرس .
*…الشرط الثاني: أن لا يصحبه محرم كالغناء الهابط المثير للشهوة، فإن هذا ممنوع؛ سواء كان معه أم لا، وسواء كان في أيام العرس أم لا ؟
*…الشرط الثالث: أن لا يحصل بذلك فتنة كظهور الأصوات الجميلة للرجال، فإن حصل بذلك فتنة كان ممنوعاً .
*…الشرط الرابع: أن لا يكون في ذلك أذية على أحد، فإن كان فيه أذية كان ممنوعاً؛ مثل أن تظهر الأصوات عبر مكبرات الصوت، فإن في ذلك أذية على الجيران وغيرهم ممن ينزعج بهذه الأصوات، ولا يخلو من فتنة أيضاً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المُصَلِّين أن يجهر بعضهم على بعض في القراءة؛ لما في ذلك من التشويش والايذاء .. فكيف بأصوات الدفوف والغناء ؟!
…وأما تصوير المشاهد بآلة التصوير فلا يشك عاقل في قبحه، ولا يرضى عاقل فضلاً عن المؤمن أن تلتقط صور محارمه من الأمهات والبنات والأخوات والزوجات وغيرهن لتكون سلعة تعرض لكل واحد، أو ألعوبة يتمتع بالنظر إليها كل فاسق .
…وأقبح من ذلك تصوير المشهد بواسطة الفيديو؛ لأنه يصور المشهد حياً بالمرأى والمسمع، وهو أمر ينكره كل ذي عقل سليم ودين مستقيم، ولا يتخيل أحد أن يستبيحه مَنْ عنده حياء وإيمان .(3/305)
…وأما الرقص من النساء فهو قبيح لا نفتي بجوازه لما بلغنا من الأحداث التي بين النساء بسببه. وأما إن كان من الرجال فهو أقبح، وهو من تشبه الرجال بالنساء، ولا يخفى ما فيه، وأما إن كان من الرجال والنساء مختلطين كما يفعله بعض السفهاء فهو أعظم وأقبح لما فيه من الاختلاط والفتنة العظيمة؛ لاسيما وأن المناسبة مناسبة نكاح ونشوة عرس .
وأما ما ذكره السائل - من أن الزوج يحضر مجمع النساء ويقبل زوجته أمامهن - فإن تعجَبْ فعجَبٌ أن يحدث مثل هذا من رجل أنعم الله عليه بنعمة الزواج فقابلها بهذا الفعل المنكر شرعاً وعقلاً ومروءة. وكيف يمكّنه أهل الزوجة من ذلك ؟! أفلا يخافون أن يشاهد هذا الرجل في مجتمع هؤلاء النساء من هي أجمل من زوجته وأبهى فتسقط زوجته من عينه، ويدور رأسه في التفكير الشيء الكثير، وتكون العاقبة بينه وبين عروسه غير حميدة .
إنني في ختام جوابي هذا: أنصح إخواني المسلمين منع القيام بمثل هذه الأعمال السيئة، وأدعوهم إلى القيام بشكر الله على هذه النعمة وغيرها، وأن يتبعوا طريق السلف الصالح، فيقتصروا على ما جاءت به السنة، ولا يتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى معاصرة/ ص (36 - 39)
لا يشرع اللَّهْو للرجال في حفلات الزواج
هل يجوز للمسلم الرقص والدف ؟
الرقص للنساء وضرب الدف في مناسبات الزواج إذا لم يشترك فيه الرجال - لا نعلم فيه بأساً. وأما الرقص للرجال - سواء كان معه ضرب أم دف أم لا - لا نعلم له دليلاً يدل على مشروعيته .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/116)
حكم الإسراف في حفلات الزواج والمناسبات (للشيخ ابن باز)
وجوب شكر النعم والحذر من صرفها في غير مصارفها .
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه .. أما بعد:(3/306)
فقد يبتلي الله عباده بالفقر والحاجة كما حصل لأهل هذه البلاد في أول القرن الرابع عشر، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَْمْوَالِ وَالأَْنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *}[البَقَرَة] .
كما يبتليهم بالنعم وسعة الرزق كما هو واقعنا اليوم؛ ليختبر إيمانهم وشكرهم - قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ *}[التّغَابُن]، والعاقبة الحميدة في كل ذلك للمتقين الذين تكون أعمالهم وفق ما شرع الله؛ كالصبر والاحتساب في حال الفقر، وشكر الله على النعم، وصرف المال في مصارفه في حال الغنى. ومن الاقتصاد صرف المال في مصارفه في المأكل والمشرب من غير تقتير على النفس والأهل، ولا إسراف في تضييع المال من غير حاجة، وقد نهى الله عن ذلك كله، قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا *}[الإسرَاء]، وقال تعالى في النهي عن إضاعة المال: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النِّسَاء، من الآية: 5] .(3/307)
نهى الله جل وعلا في هذه الآية عن إعطاء الأموال للسفهاء؛ لأنهم يصرفونها في غير مصارفها، فدلَّ ذلك على أن صرفها في غير مصارفها أمر منهي عنه، وقال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ *}[الأعرَاف]، وقال سبحانه: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا *إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيْاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا *}[الإسرَاء، من الآيتين: 26-27] .
والإسراف: هو الزيادة في صرف الأموال على مقدار الحاجة .
والتبذير: صرفها في غير وجهها، وقد ابتلي الناس اليوم بالمباهاة في المآكل والمشارب؛ خاصة في الولائم وحفلات الأعراس فلا يكتفون بقدر الحاجة، وكثير منهم إذا انتهى الناس من الأكل ألقوا باقي الطعام في الزبالة والطرق الممتهنة .
وهذا من كفر النعمة وسبب في تحولها وزوالها، فالعاقل من يزن الأمور بميزان الحاجة، وإذا فضل شيء عن الحاجة بحث عمن هو في حاجته، وإذا تعذر ذلك وضعه في مكان بعيد عن الامتهان، لتأكله الدواب ومن شاء الله، ويسلم من الامتهان.(3/308)
والواجب على كل مسلم أن يحرص على تجنب ما نهى الله عنه، وأن يكون حكيماً في تصرفاته، مبتغياً في ذلك وجه الله شاكراً لنعمه، حذراً من التهاون بها وصرفها في غير مصارفها، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََْزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ *}[إبراهيم]، وقال عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ *}[البَقَرَة]، وأخبر سبحانه أن الشكر يكون بالعمل لا بمجرد القول؛ فقال سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سَبَإ، من الآية: 13]، فالشكر لله سبحانه يكون بالقلب واللسان والعمل؛ فمن شكر قولاً وعملاً زاده من فضله، وأحسن له العاقبة. ومن كفر بنعم الله ولم يصرفها في مصارفها فهو على خطر عظيم، وقد توعده الله بالعذاب الشديد.
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويمنحهم الفقه في دينه، وأن يوفقنا وإياهم لشكر نعمه، والاستعانة بها على طاعته، ونفع عباده؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (4/37)
حكم الإسراف في حفلات الزواج والمناسبات (للشيخ ابن عثيمين)
ما الأعمال المشروعة التي يجوز أن تُفعل لإظهار الأعراس للرجال والنساء ؟ وما توجيهكم لأولئك الذين يبالغون في إقامة الحفلات في الزواج كمن يستأجر أماكن الأفراح بما يزيد عن عشرة آلاف ريال لليلة واحدة، ومن يبالغ في تقديم المأكولات والأطعمة وكذلك فستان العروس الذي قد يصل ثمنه إلى سبعة عشر ألف ريال.. ؟(3/309)
الحفلات التي تقام للزواج أو تقام لمناسبات أخرى كغيرها من التصرفات التي يتصرف بها الإنسان؛ أي: أنها إذا كانت في الحدود الشرعية فلا بأس بها، وإذا زادت عن الحدود الشرعية كانت حراماً؛ فإن الله سبحانه وتعالى ذكر قاعدة عامة في كتابه؛ فقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا}[الأعرَاف، من الآية: 31]؛ فكل ما كان فيه إسراف وخرج عن حدود الاعتدال فإنه منهي عنه .. وقد امتدح الله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا *}[الفُرقان] .
والذي أنصح به إخواننا: أن يكونوا في حفلات الزواج معتدلين في نفقاتهم بالنسبة للولائم وبالنسبة للمكان وبالنسبة للّباس؛ لأن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة، وهذه النفقات الزائدة تحول بين الشباب وبين الزواج؛ لأن هذه النفقات تستدعي أموالاً، والأموال ستكون على حساب الزوج الذي يتقدم لهذه المرأة .
الشيخ ابن عثيمين - مجلة الدعوة، العدد (1307)
حكم إقامة الأفراح بالفنادق
ما رأي سماحتكم في الحفلات التي تقام في الفنادق ؟
الحفلات التي تقام في الفنادق فيها أخطاء وفيها مؤاخذات متعددة، منها: أن بها في الغالب إسرافاً وزيادة لا حاجة إليها .
والأمر الثاني: أن ذلك يفضي إلى التكلف في اتخاذ الولائم في الفنادق والزيادة وحضور من لا حاجة إليه .(3/310)
والأمر الثالث: أنه قد يؤدي إلى الاختلاط بين الرجال والنساء من الفندق وغيرهم، فيكون هذا اختلاطاً مشيناً منكراً؛ ولهذا صدر من هيئة كبار العلماء قرار رفع إلى الملك مضمونه النصيحة بأن تمنع الولائم والأعراس في الفنادق، وأن يصنع الناس ولائمهم في بيوتهم، وألا يتكلفوا في الفنادق؛ لما تفضي إليه تلك الولائم من الشرور، وهكذا قصور الأفراح التي تستأجر بنقود كثيرة. كل هذا صدر في النصيحة بأن تمنع رفقاً بالناس، وحرصاً على الاقتصاد وعدم الإسراف والتبذير، وحتى يتمكن المتوسطون في الدخل من الزواج وعدم التكلف؛ لأنه إذا رأى ابن عمه أو قريبه يتكلف في الفنادق وفي الولائم الكبيرة: إما أن يماثله ويشابهه فيتكلف الديون والنفقات الباهظة، وإما أن يتأخر ويتقاعس عن الزواج خوفاً من هذه التكلفة.
فنصيحتي لجميع الإخوان المسلمين ألا يقيموها في الفنادق، وألا يقيموها في قصور الأفراح الغالية؛ إنما في قصر نفقته قليلة. وعدم إقامتها في قصور الأفراح وإقامتها في البيت أولى، أو في بيت أقاربه إذا أمكن ذلك .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (105، 106)
اللهو المشروع في احتفالات النكاح
هل يصح اللعب في أفراح الزفاف ورقص النساء في مكان بعيد عن الرجال، ولعب الرجال في مكان بعيد عن النساء؛ كل على حدة ؟ أم لا ؟(3/311)
رغب النبي صلى الله عليه وسلم في إعلان النكاح ليكون ذلك فرقاً بينه وبين السفاح، لكن ذلك الإعلان يكون بما يجوز من الشهادة، ومن ضرب النساء بالدف، وبغنائهن غناءً غير مَاجِنٍ، ولا فيه فتنة، ولا اختلاط رجال بنساء، ويكون أيضاً بالدعوة إلى الوليمة ولعب الرجال بالحراب ونحوها، مما فيه تدريب على الجهاد في سبيل الله إذا كانوا على حدة. أما إذا كان إعلان النكاح بما لا يجوز شرعاً؛ من ضرب الرجال بالدف، ورقص رجال أو نساء، أو عمل تمثيليات، أو استعمال آلات لهو؛ كأجهزة الموسيقى وسائر المعازف؛ فذلك غير جائز، ولو كان كل من الرجال والنساء على حدة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/117، 118)
حكم الزغاريد والتصفيق في الأفراح
في الأفراح والمناسبات السعيدة اعتاد النساء على إطلاق الصيحات التي تسمى بـ (الزغاريد)، وكذلك يقمن بالتصفيق عند قدوم العروس؛ فما حكم الشرع في هذا ؟ أفتونا مأجورين .
لا تجوز هذه الصيحات، فالمرأة لا ترفع صوتها، فهو عورة عند الرجال؛ بدليل منعها من الأذان، ومن رفع الصوت بالتلبية، فعلى هذا يجوز لهن عند قدوم العروس التهنئة لها، والسلام عليها، والتبريك والدعاء للزوجين بالخير والسرور، والسعادة الدائمة، بدون رفع صوت، وبدون زغاريد، وكذلك لا حاجة إلى التصفيق؛ ولو قصدوا به الإعجاب والغبطة، وإنما يجوز التصفيق للنساء عند الحاجة إلى تنبيه الرجال، أو الإمام في الصلاة ونحو ذلك. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها توقيعه
حكم زَفِّ العروس(3/312)
تعودن النساء القيام بزف العروس من مدخل قاعة الأفراح إلى ما يسمى بالكوشة؛ وهي منصة مرتفعة مزينة بالورود تجلس عليها العروس أمام الحضور، وفي أثناء الزفة يضربن بالدف وينشدن بعض الأناشيد المشتملة على ذكر الله أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو الدعاء للعروسين وتهنئتهما، وغير ذلك من الألفاظ العفيفة؛ فما حكم الزفة ؟ وما حكم اتخاذ الكوشة والجلوس عليها ؟ وما حكم هذه الأناشيد ؟ وما حكم رقص النساء على أناشيد كهذه ؟ أفتونا مأجورين .
هذه الزفة من محدثات الأمور، وكل محدثة بدعة. فالأصل في النساء عموماً وفي العروس خصوصاً الاستحياء والاحتشام، والتزين للزوج خاصة، والتستر عن غيره، فبروزها أمام الحضور، وجلوسها على الكوشة المرتفعة المزينة بالورود دليل رعونتها وعدم خفارتها، وإنما على أهلها سترها وحجبها حتى تدخل على زوجها وهي مصونة محفوظة عن الأنظار؛ حتى لا تكون محل احتقار وازدراء وتصغير لشأنها.
فأما الضرب بالدف الذي ليس فيه صنوج، وليس له صوت رفيع - فإنه جائز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَعْلِنُوا النِّكَاح واضْرِبُوا عَلَيهِ بِالدُّف" (1)، ويكون علامة على الفرح والسرور والابتهاج.
__________
(1) …الترمذي (1089) بزيادة فيه، وقال: «حسن غريب في هذا الباب، وعيسى بن ميمون الأنصاري يُضعف في الحديث»، وابن ماجه (1895) بلفظ: «واضرِبوا عليه بالغِرْبَال»، وفيه خالد بن إلياس، قال فيه أحمد: «متروك الحديث». وهو حديث حسن بشواهده؛ انظر: «مصباح الزجاجة» (2/105، 106) . والغِرْبال: هو الدّف.(3/313)
ولا بأس أيضاً بالنشيد المشتمل على التحية، والهناء والترحيب، والمديح الصادق، وعلى ذكر الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الدعاء للعروسين، وعلى التهنئة والتبريك، والكلمات الحسنة، بدون تغنج أو تلحين يثير الكوامن، ويكون ذلك النشيد بين النساء، ولا يطول زمانه بعد الزفاف. ويباح رقص النساء بينهن على مثل تلك الأناشيد، بدون مبالغة أو سهر طويل، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها توقيعه
حكم زف العروسين أمام النساء
س1: ما حكم ما يفعله بعض الناس في حفلات الزواج حيث يقومون بزف العريس والعروس أمام النساء، ويجلسونهم في منصة أو ما يسمى بالتشريعة، والعريس ينظر إلى النساء وهن ينظرن إليه ؟ ونرجو الدليل على ذلك . جزاكم الله خيراً .
ج1: هذا العمل محرم ولا يجوز؛ لأن قيام الرجل هو وزوجته أمام النساء في هذه المناسبة يثير الفتنة بلا شك ويبعث كوامن الشهوة، وربما يكون فيه ضرر على الزوجة نفسها؛ فإن الرجل قد يرى من النساء اللاتي أمامه من هي أجمل من امرأته وجهاً وأحسن منها بُنْيَة فيزهد في زوجته التي كان قد أقبل عليها وهو يظنها أجمل النساء وأحسن النساء. فالواجب الْكَفُّ عن هذا، وأن تبقى الزوجة في مكان ويدخل عليها الزوج وحده، ولا بأس أن يدخل معه أهله(1) إذا أرادوا أن يبركوا عليه في نفس الغرفة، بدون أن يكون هو جالساً إلى جنب الزوجة يحدثها ويخاطبها، أو يفعل ما يفعله بعض السفهاء من إعطائها حلاوة أو ما أشبه ذلك. وكل هذه عادات ليست من عادات المسلمين، وإنما هي عادات مستحدثة أتى بها أعداء الإسلام إلى المسلمين فاستمرؤوها واسْتَسَاغُوها .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
س2: ما حكم زف العروسين أمام النساء في الأفراح، وجلوسهم في المنصة أو ما يسمى التشريعة ؟
__________
(1) …من النساء والمحارم من الرجال.(3/314)
ج2: من الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء، يجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات، وربما حضر معه غيره من أقاربه أو أقاربها من الرجال .
ولا يخفى على ذوي الفطر السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير، وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة النساء الفاتنات المتبرجات، وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة، فالواجب منع ذلك والقضاء عليه حسماً لأسباب الفتنة، وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر .
وإني أنصح جميع إخواني المسلمين في هذه البلاد وغيرها: بأن يتقوا الله ويلتزموا شرعه في كل شيء، وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم، وأن يبتعدوا عن أسباب الشر والفساد في الأعراس وغيرها التماساً لرضى الله سبحانه وتعالى، وتجنباً لأسباب سخطه وعقابه .
وأسأل الله الكريم أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين باتباع كتابه الكريم والتمسك بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يعصمنا من مضلات الفتن واتباع شهوات النفوس، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه؛ إنه خير مسؤول .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .
الشيخ ابن باز - فتاوى نسائية ص (44، 45)
حكم إلقاء الكلمات التوجيهية في الأفراح
هناك في بعض الأحيان وعندما تقام حفلات الزفاف في قصور الأفراح أو الفنادق أو غيرها، يطلب أهل الزوجة أو أهل الزوج من أحد طلبة العلم أن يقوم بإلقاء كلمة لوعظ الناس وتذكيرهم، وغالباً ما تكون هذه الكلمة حول أمور الزواج، والإسراف في مغالاة المهور، أو الإسراف في الولائم، أو ما يدور فيها من المحرمات؛ كالتصوير والاختلاط والغناء ونحو ذلك، وعارض على ذلك بعض الإخوة بحجة أنها أفراح، ولم يرد الوعظ في الأفراح .. فما هو الحل في مثل هذا الأمر ؟ وجزاكم الله خيراً .(3/315)
لا مانع من إلقاء محاضرة نافعة على الحاضرين في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر في حفل الزواج .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/106)
حكم حفلة (الزوارة)
يقوم أهل (العروس أو العريس) بتكريم الزوجة (العروسة) بعد الزواج ببضعة أيام؛ فيقيمون حفلاً يسمى بالزوارة يدعى إليه الرجال والنساء، ويتم فيه لدى البعض الضرب بالدف؛ فما حكم الشرع في ذلك ؟ أفتونا مأجورين .
هذا من الأمور العادية التي لا تتخذ قربة ولا سنة؛ حيث إن زيارة المرأة لأهلها من صلة الرحم، وحق الوالدين، والقرابة، فمتى حصلت هذه الزيارة بعد شهر أو نصفه فقد يحتاجون إلى إكرامها وضيافتها؛ لكونها وافدة عليهم بعد رحيلها الأول، فلا بأس بهذا الحفل المذكور؛ ولو دعي إليه أقارب الزوجين، أو الرفقاء والأصحاب والجيران ونحوهم. لكن لا يجوز الإسراف في ذلك بوضع أطعمة كثيرة ومنوعة لا حاجة إلى أكثرها، ولا يجوز أيضاً الضرب بالدف، أو اللعب والغناء والطرب، كما يفعله الكثير من النساء - سيما إذا لم يحصل اللعب في ليلة الزفاف؛ فإن ذلك لا مناسبة له، وليس هو من إعلان النكاح الوارد في الحديث. والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها خاتمه
حكم حفلة (التِّحْوَال)
في اليوم الثاني من الزواج يقام حفل عشاء في منزل الزوج ( أهل العريس) ويسمى (التحوال): ويصاحب هذا الحفل لدى البعض الضرب بالدف بين النساء؛ فما حكم الشرع في ذلك الحفل ؟ أفتونا مأجورين .(3/316)
الأصل أن الوليمة تشرع في حق الزوج، وتكون في منزله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه لما تزوج - قال: "بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" (1)، ولكن اعتاد الناس في هذه الأزمنة جعل الوليمة في منزل الولي، وقد تجعل في قصر حفلات، وتكلفتها غالباً على الزوج، ثم إن الزوج بعد ذلك يجعل مأدبة أو طعاماً في منزله؛ إكراماً لأهل الزوجة ولأقاربه، وأرى أن ذلك جائز، وقد ورد حديث: «أن الوَلِيمَة في اليوم الأول سُنَّةٌ، وفي اليوم الثاني كَرَامَةٌ، وفي اليوم الثالث رِيَاءٌ وسُمْعَة»(2) ؛ فعلى هذا لامانع من إجابة الدعوة لليوم الثاني، ولو سمي بالتحوال؛ لكن لايجوز أن يصحبه ضرب بالدف؛ لوقوعه بعد تمام الزفاف، فإن علم الإنسان فيه منكراً فله الامتناع من الإجابة إلا بشرط إزالة المنكر. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها خاتمه
حكم حفلة (الضيفة)
__________
(1) …البخاري (5155)، وأطرافه عند (2049)، ومسلم (1427) .
(2) …أحمد (5/28، 371)، والدارمي (2065)، وأبو داوود (3745)، والنسائي في «الكبرى» (6596)، وابن ماجه (1915)، والبيهقي في «الكبرى» (14286، 14289)، والطبراني في «الأوسط» (2116، 7393)، و«الكبير» (8967)، ولفظه عند أحمد (5/28): «الوليمةُ أوَّل يوم حق، والثاني معروف، والثالث سمعة ورياء».
…- وأخرجه أيضاً: الترمذي (1097)، والطبراني في (الكبير) 10/164 (10332)، والبيهقي (14289)، بلفظ: (سُنَّة) مكان (معروف). والحديث ضعيف لكن يتحسن بشواهده؛ بل صححه بعضهم، انظر: «مصباح الزجاجة» (2/108، 109)، و«عمدة القاري» (20/157، 158)، و«تغليق التعليق» (4/422)، و«سبل السلام» (3/157) .(3/317)
في اليوم الثاني من الزواج يقام حفل غداء في منزل أهل الزوج (أهل العريس) وهو ما يسمى بالضيفة، ويصاحب هذا الحفل لدى البعض الضرب بالدف بين النساء؛ فما حكم الشرع في ذلك الحفل ؟ أفتونا مأجورين .
لا بأس بإقامة الزوج هذا الحفل الذي هو الضيافة في اليوم الثاني؛ إكراماً لأصهاره وأصدقائه، ويكون هذا الحفل هو الوليمة المشروعة في حق الزوج؛ حيث أن اليوم الأول يقيم الحفل أهل الزوجة، وإن كانت التكلفة من نفقة الزوج، لكنها تنسب إلى الولي؛ لأنه الذي يباشرها، فعلى هذا متى أقيم الغداء - الذي هو الضيافة - لم يجز أن يقام حفل آخر ليلاً؛ وهو المسمى بالتحوال، بل يكتفى بالغداء أو العشاء، ولا يجوز أن يصحبه ضرب بالدف؛ لاختصاصه بليلة الزفاف. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملائه وعليها خاتمه
ما الحكم في زوجين دخل كل منهما بزوجة الآخر خطأً ؟
تزوج أخوان اثنان بأختين في ليلة واحدة، وعند الصباح تبين لهما أن كلاً منهما دخل بغير من عقد عليها العقد الشرعي (عقد النكاح) بطريق الخطأ، أي: أن كل واحد دخل بزوجة الآخر خطأ؛ فما الحكم الشرعي في ذلك ؟ وكم تكون مدة العدة لكل منهما ؟
إذا كان الواقع كما ذكر:
أولاً: يجب أن يفرق بين كل منهما وبين موطوءته فوراً حينما يتبين أنها غير زوجته، وأن تستبرئ بحيضة .
ثانياً: الأصل أن تعود كل منهما إلى من عقد له عليها بعد الاستبراء، ومن تبين حملها لحق الولد بالواطئ؛ لأنه وطء شبهة يعتقد حِلَّه، لا وطء زناً .
ثالثاً: إذا رضي كل من الأخوين بموطوءته ورضيت به طلق كل منهما زوجته وتزوجها الآخر دون عدة ولا استبراء؛ لأن الماء ماؤه، ولو حملت فالولد لاحق به على كل حال .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/290، 291)
الفصل الثاني
العشرة بين الزوجين
حقوق الزوجين وواجباتهما(3/318)
ما هي حقوق المرأة على زوجها ؟ وما هي حقوق الزوج على زوجته ؟
الأصل في الحقوق بين الزوجين أن الزوجة كما لها حقوق فإن عليها واجبات للزوج، ويجمع ذلك قول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البَقَرَة، من الآية: 228]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ألاَ واسْتَوْصُوا بالنساء خيراً، فإنما هُنَّ عَوَانٌ عندكم، ليس تَمْلِكُونَ منهن شيئاً غيرَ ذلك إلا أن يَأْتِينَ بفاحشةٍ مُبَيَّنَة، فإن فعلْنَ فاهجُرُوهُنَّ في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مُبرِّح، فإنْ أطعْنَكُم فلا تَبْغُوا عليهن سبيلا، أَلاَ إنَّ لكم على نسائكم حقًّا ولنسائكم عليكم حقًّا، فأما حَقُّكُم على نسائكم: فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم مَنْ تَكْرَهُون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لِمَن تكرهون، ألا وحَقُّهنَّ عليكم: أن تُحسِنُوا إليهن في كِسْوَتِهِنَّ وطَعَامِهِنَّ" (1)؛ قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»، وأخرج الإمام أحمد وأبو داود نحوه .
__________
(1) …أحمد (5/72)، والترمذي (1163، 3087)، والنسائي في (الكبرى) (9169)، وابن ماجه (1851) وغيرهم. ومعنى (عَوَانٌ عندكم»: أي أَسِيرات؛ شبههُنَّ بالأسْرى لِتَحَكُّم الرجال فيهنَّ.(3/319)
ويدل لذلك أيضاً: ما رواه معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال: "أن تُطْعِمَها إذا طَعِمْتَ، وتَكْسُوَهَا إذا اكْتَسَيْتَ، ولا تَضْرِبِ الوَجْهَ ولا تُقَبِّحْ ولا تَهْجُرْ إلا في البيت" (1)؛ حديث حسن رواه أبو داود .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/212 - 214)
هل لأم الزوج حق الخدمة على الزوجة ؟
هل لأم الزوج حق على الزوجة بالنسبة للخدمة وغيرها ؟
أم الزوج ليس لها حق واجب على الزوجة بالنسبة للخدمة؛ لكن لها حق من المعروف والإحسان، وهذا مما يجلب مودة الزوج لزوجته، أن تراعي أمه في مصالحها، وتخدمها في الأمر اليسير، وأن تزورها من حين لآخر، وأن تستشيرها في بعض الأمور. وأما وجوب الخدمة فلا تجب .
الشيخ ابن عثيمين - لقاءات الباب المفتوح (س1525)
جواز خروج الابن بزوجته عن أهله لمصلحة
__________
(1) …أحمد (4/446- 447)، (5/3، 5)، وأبو داوود (2142- 2144)، والنسائي في (الكبرى) (9171، 9180، 11104، 11431)، وابن ماجه (1850)، والبيهقي في (الكبرى) (14556، 15471)، وابن حبان (4175)، والحاكم 2/188 (2764) وصححه ووافقه الذهبي. وانظر: «المغني عن حمل الأسفار» (1/401)، (1517)، و«تلخيص الحبير» (4/7)، و«فيض القدير» (1/67) .(3/320)
شاب يبلغ من العمر الثالثة والعشرين، متزوج على سنة الله ورسوله فتاة وهي بنت عمه؛ شقيق والده، وله فترة من الزواج تقارب الأربعة أشهر ويسكن هو وزوجته في بيت أبيه، يقول: في ذات يوم حصل سوء تفاهم بين زوجتي وأهلي، فذهبت زوجتي إلى بيت أبيها، وبعد ذلك طلبت مني زوجتي أن أستأجر شقة على قد الحال لنسكن أنا وهي وحدنا، ونبعد عن المشاكل، أو أن نسكن في بيت أبيها بشرط أن لا تنقطع صلتي بأهلي أبداً وأن أسأل عنهم دوماً، فوافقت على ذلك الأمر، وعرضته على أهلي، ولكنهم رفضوا ذلك، وأصروا على أن أسكن عندهم .. هل عليَّ ذنب إذا خالفتهم على إصرارهم وسكنت أنا وزوجتي في شقة في بيت أبيها ؟
هذه المشكلة تقع كثيراً بين أهل الرجل وزوجته، والذي ينبغي في مثل هذه الحال: أن يحاول الرجل الالتئام بين زوجته وأهله والائتلاف بقدر الإمكان، وأن يؤنب من كان منهم ظالماً معتدياً على حق أخيه على وجه لبِق وليّن حتى تحصل الألفة والاجتماع؛ فإن الاجتماع والألفة كلها خير . فإذا لم يمكن الإصلاح والالتئام فلا حرج عليه أن ينعزل في مسكن وحده؛ بل قد يكون ذلك أصلح وأنفع للجميع حتى يزول ما في قلوب بعضهم على بعض، وفي هذه الحال لا يقاطع أهله؛ بل يتصل بهم.
ويحسن أن يكون البيت الذي ينفرد به هو وزوجته قريباً من بيت أهله حتى تسهل مراجعتهم ومواصلتهم، فإذا قام بما يجب عليه نحو أهله ونحو زوجته - مع انفراده مع زوجته في مسكن واحد بحيث تعذر أن يسكن الجميع في محل واحد - فإن هذا خير وأولى .
الشيخ ابن عثيمين - نور على الدرب (الحلقة الثانية) - ص (50، 51)
حكم إسكان الزوجة في بيت فيه إخوانه العُزَّاب(3/321)
أنا رجل موظف ومتزوج، ولكن ظروف والدي الصحية والمادية جعلتنا نسكن في منزل واحد، مع العلم أن لي اثنين من الإخوة، يبلغ عمر الأصغر منهما حوالي (17) سنة؛ فما رأي فضيلتكم في بقائي أنا وزوجتي مع والدي وإخواني في منزل واحد ؟ أفيدوني أفادكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لا حرج في سكنى إخوانك معك في مسكن واحد بشرط أن تكون زوجتك محتشمة في لباسها، ومتحجبة، وعدم خلوة أحد من إخوانك بها في المنزل .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/366، 367)
معنى: (خَلْق المرأة من ضِلَعٍ أَعْوَج ونقصان عقلها ودينها)
في الحديث: "استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه..." إلخ الحديث، والرجاء توضيح معنى الحديث مع توضيح معنى: (( أعوج ما في الضلع أعلاه)) ؟
هذا حديث صحيح - رواه الشيخان في الصحيحين - عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ ... فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" (1) انتهى .
__________
(1) …البخاري (5186) .(3/322)
هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيراً، وأن يحسنوا إليهن، وألا يظلموهن، وأن يعطوهن حقوقهن، ويوجهوهن إلى الخير. وهذا هو الواجب على الجميع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" . وينبغي ألا يمنع من ذلك كونها قد تسيء في بعض الأحيان إلى زوجها وأقاربها بلسانها أو فعلها؛ لأنهن خلقن من ضلع - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. ومعلوم أن أعلاه مما يلي منبت الضلع فإن الضلع يكون فيه اعوجاج، هذا معروف. فالمعنى: أنه لابد أن يكون في خلقها شيء من العوج والنقص؛ ولهذا ورد في الحديث الآخر في الصحيحين: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" (1)، والمقصود أن هذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ثابت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. ومعنى نقص العقل - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - أن شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد، وأما نقص الدين فهو - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - أنها «تمكث الأيام والليالي لا تصلي»(2)؛ يعني من أجل الحيض، وهكذا النفاس، وهذا نقص كتبه الله عليها ليس عليها فيه إثم. فينبغي لها أن تعترف بذلك على الوجه الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت ذات علم وتقى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وإنما ذلك منه وحي يوحيه الله إليه فيبلغه الأمة؛ كما قال عز وجل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى *مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *}[النّجْم] .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - (5/300، 301)
كيفية تأديب المرأة الناشز
__________
(1) …البخاري (304)، ومسلم (80، 89) .
(2) …البخاري (304)، ومسلم (80، 89) .(3/323)
رجل عنده امرأة وهو قد هجرها في الفراش لتأديبها؛ السؤال: كم مدة الهجر في الفراش؛ خاصة إذا كانت المرأة لا يفيد فيها هذا الهجر ؟
ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ثلاث مراحل؛ فقال: {وَاللاََّّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ}[النِّسَاء، من الآية: 34]. وهذا أول ما يبدأ به الإنسان امرأته حين يخاف نشوزها. {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}[النِّسَاء، من الآية: 34]. هذه المرحلة الثانية. {وَاضْرِبُوهُنَّ}[النِّسَاء، من الآية: 34]، هذه المرحلة الثالثة؛ فإذا لم يفد بها الهجر، فإنه يضربها لكن ضرباً غير مبرح، يعني غير مؤلم وموجع؛ لأن المقصود هو التأديب، ولكن لا يلجأ إلى الضرب إلا في الحالات القصوى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم "أنكر أن يَجْلِدَ الرجلُ امرأتَهُ جَلْدَ العبد ثم يُضَاجِعها"(1) ؟! لأن هذا شيء غير مستساغ بمقتضى الطبيعة، فكيف تألف المرأة رجلاً ضربها قبل ساعات ثم الآن يضاجعها ؟! هذا بعيد في النفوس والفطر، لهذا لا يلجأ إلى الضرب بعد الهجر الذي لم يفد إلا في حال الضرورة القصوى، فإن صلحت الحال، بعد الضرب وإلا فيحكِّم حكمان، حكمٌ من أهله وحكمٌ من أهلها، ويصلحا بينهما، ويجب على هذين الرجلين أن يتقيا الله عز وجل وأن يأخذا بالعدل، وأن يريدا الإِصلاح؛ وقد قال الله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا}[النِّسَاء، من الآية: 35]؛ يعني الزوج والزوجة، أو الحكمان: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}[النِّسَاء، من الآية: 35] .
الشيخ ابن عثيمين - لقاءات الباب المفتوح (س1047)
حكم امتناع الزوجة عن فراش زوجها لعُذْرٍ
هل يقع على المرأة إثم إن امتنعت عن زوجها حين يطلبها بسبب حالة نفسية عابرة تمر بها، أو لمرض ألمَّ بها ؟
__________
(1) …البخاري (4942، 5204، 6042)، ومسلم (2855)، بنحوه.(3/324)
يجب على المرأة أن تجيب زوجها إذا دعاها إلى فراشه، ولكن إذا كانت مريضة بمرض عضوي لا تتمكن من مقابلة الزوج معه، أو مريضة بمرض نفسي؛ فإن الزوج في هذه الحال لا يحل له أن يطلب ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" (1)، وعليه أن يتوقف، أو يستمتع بها على وجه لا يؤدي إلى ضرر.
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى المرأة، ص (133، 134)
حكم إيذاء الزوجة لولادتها بِنتًا
في هذا الزمان سمعنا من بعض الناس أشياء تثير الجدل والغرابة، ومن هذه الأشياء: أن أناسًا يقولون: لا نحب أن تأتي زوجاتنا ببنات، وبعضهم يقول لامرأته: والله لو أتيت ببنت فإني أطلقك - نبرأ إلى الله من هؤلاء - وترى بعض النساء في هلع شديد من أمرها وكيف وماذا تصنع بما يقوله زوجها .. فهل لفضيلتكم من توجيه حول هذا ؟
أعتقد أن هذا الذي قاله الأخ نادر جدًا جدًا، ولا أظن أحدًا يصل به الجهل إلى هذه الحال بحيث يهدد زوجته بالطلاق إن ولدت بنتًا - اللّهم إلا أن يكون قد ملّ من زوجته ويريد أن يطلقها فجعل هذا وسيلة إلى طلاقها؛ فإنه إذا كان كذلك ولم يستطع الصبر معها وحاول أن يبقى معها ولكنه لم يستطع فليطلقها طلاقًا منجزًا على غير هذا الوجه؛ لأن الطلاق عند الحاجة إليه لا بأس به، ولكن مع ذلك نحن ننصح كل من وجد من زوجته ما يكره أن يصبر؛ كما قال الله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النِّسَاء، من الآية: 19] .
__________
(1) …أحمد (1/313)، (5/326)، وابن ماجه (2341)؛ قال النووي في (الأربعين) عند الحديث (32): «له طرق يقوي بعضها بعضاً» اهـ. ومعنى (لا ضَرَرَ): أي لا يضُرُّ الرجل أخاه، و(لا ضِرَار): أي لا يُجازيهِ على إِضْرَارِه بإدخالِ الضَّرَرِ عليه.(3/325)
وأما كراهة البنات فلا شك أنه من أمر الجاهلية، وأن فيه نوعًا من التسخط من قضاء الله وقدره، والإنسان لا يدري فلعل البنت خير له من أولاد ذكور كثيرين، وكم من بنت صارت بركة على أبيها في حياته ومماته، وكم من ابن صار نقمة ومحنة على أبيه في حياته ولم ينفعه بعد مماته .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/152، 153)
حكم لعن الزوجة
ما حكم لعن الزوج لزوجته عمداً ؟ وهل الزوجة محرمة عليه بسبب لعنه لها ؟ أم هل تصبح في حكم الطلاق ؟ وما كفارة ذلك ؟
لعن الزوج لزوجته أمر منكر لا يجوز؛ بل هو من كبائر الذنوب؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ" (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (3) .
والواجب عليه التوبة من ذلك، واستحلال زوجته من سبِّه لها، ومن تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، وزوجته باقية في عصمته لا تحرم عليه بلعنه لها، والواجب عليه أن يعاشر بالمعروف، وأن يحفظ لسانه من كل قول يغضب الله سبحانه، وعلى الزوجة أيضاً أن تحسن عشرة زوجها، وأن تحفظ لسانها مما يغضب الله عز وجل ومما يغضب زوجها إلا بحق؛ يقول الله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النِّسَاء، من الآية: 19]، ويقول عز وجل: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البَقَرَة، من الآية: 228]. وبالله التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى هيئة كبار العلماء - (2/ 687، 688)
حكم ضرب الزوجة وغَصْبِ مالها
ما حكم الشرع في نظرك فيمن يضرب زوجته ويأخذ منها مالها بالقوة ويعاملها معاملة سيئة ؟
__________
(1) …البخاري (6105)، ومسلم (110) .
(2) …البخاري (48)، ومسلم (64). ومعنى (وقتالُه كُفْر): أي كفر أصغر غير مخرج من المِلَّة.
(3) …مسلم (2598) .(3/326)
هذا الذي يضرب زوجته ويأخذ مالها ويعاملها معاملة سيئة: آثم عاصٍ لله عز وجل؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النِّسَاء، من الآية: 19]، وقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البَقَرَة، من الآية: 228]، ولا يجوز لأحد أن يعامل امرأته هذه المعاملة السيئة ثم يذهب ليطالبها أن تعامله معاملة حسنة، فإن هذا من الجور الداخل في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ *}[المطفّفِين]، فكل إنسان استوفى حقه من الناس كاملاً ثم لا يعطي الناس حقوقهم كاملة فإنه داخل في هذه الآيات الكريمة .
والذي أنصح به هذا وأمثاله: أن يتقيَ الله عز وجل في النساء - كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في عرفة عام حجة الوداع؛ حيث قال: "فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ" (1)، وأقول له ولأمثاله: إنه لا يمكن أن تكون الحياة سعيدة إلا إذا تعامل الزوجان كل منهما مع الآخر بالعدل والإحسان والغض عن المساوىء ومشاهدة المحاسن، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"(2).
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
حكم منع الزوجة من صلة رحمها
هل يجوز للزوج أن يمنع الزوجة من صلة رحمها، وخصوصاً الوالدة والوالد ؟
__________
(1) …مسلم (1218) .
(2) …مسلم (1469) . ومعنى (لا يَفْرَكُ): أي لا يُبْغِض ولا يَكْرَهُ.(3/327)
صلة الرحم واجبة، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته منها ؛ لأن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب، ولا يجوز للزوجة أن تطيعه في ذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؛ بل تصل رحمها من مالها الخاص، وتراسله وتزوره، إلا إذا ترتب على الزيارة مفسدة في حق الزوج؛ بأن يخشى أن قريبها يفسدها عليه، فله أن يمنعها من زيارته، لكن تصله بغير الزيارة مما لا مفسدة فيه. والله أعلم .
الشيخ الفوزان - فتاوى العلماء في عشرة النساء، ص (187) - إعداد وترتيب : نبيل بن محمد محمود
علاج سوء خلق الزوج
زوجي - سامحه الله - رغم ما يلتزم به من الأخلاق الفاضلة والخشية من الله - لا يهتم بي إطلاقاً في البيت، ويكون دائماً عابس الوجه ضيق الصدر - قد تقول إنني السبب - ولكن الله يعلم أنني ولله الحمد قائمة بحقه، وأحاول أن أقدم له الراحة والاطمئنان، وأبعد عنه كل ما يسوؤه وأصبر على تصرفاته تجاهي .
وكلما سألته عن شيء أو كلمته في أي أمر غضب وثار، وقال إنه كلام تافه وسخيف، مع العلم أنه يكون بشوشاً مع أصحابه وزملائه.. أما أنا فلا أرى منه إلا التوبيخ والمعاملة السيئة، وقد آلمني ذلك منه، وعذبني كثيراً، وترددت مرات في ترك البيت .
وأنا ولله الحمد امرأة تعليمي متوسط، وقائمة بما أوجب الله علي .
سماحة الشيخ: هل إذا تركت البيت وقمت أنا بتربية أولادي وأتحمل لوحدي مشاق الحياة أكون آثمة ؟.. أم هل أبقى معه على هذه الحال وأصوم عن الكلام والمشاركة والإحساس بمشاكله.. ؟
أفيدوني ماذا أعمل ؟ جزاكم الله خيراً .(3/328)
لا ريب أن الواجب على الزوجين المعاشرة بالمعروف، وتبادل وجوه المحبة والأخلاق الفاضلة مع حسن الخلق وطيب البشر؛ لقول الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النِّسَاء، من الآية: 19]، وقوله سبحانه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البَقَرَة: 228]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا"(3). إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة على الترغيب في حسن الخلق، وطيب اللقاء، وحسن المعاشرة بين المسلمين عموماً، فكيف بالزوجين والأقارب.. ؟!
__________
(1) …مسلم (2553 ) .
(2) …مسلم (2626) .
(3) …أحمد (2/472)، والترمذي (1162) وقال: « حسن صحيح »، وابن حبان (4176)، وأبو يعلى (5926)، وابن أبي شيبة (25318)، والبيهقي في (شعب الإيمان) (27، 7981)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(3/329)
ولقد أحسنت في صبرك وتحملك ما حصل من الجفاء وسوء الخلق من زوجك . . وأوصيك بالمزيد من الصبر وعدم ترك البيت؛ لما في ذلك - إن شاء الله - من الخير الكثير والعاقبة الحميدة؛ لقوله سبحانه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفَال، من الآية: 46]، وقوله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يُوسُف، من الآية: 90]، وقوله سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزُّمَر، من الآية: 10]، وقوله عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هُود، من الآية: 49]، ولا مانع من مداعبته، ومخاطبته بالألفاظ التي تلين قلبه، وتسبب انبساطه إليك وشعوره بحقك، واتركي طلب الحاجات الدنيوية مادام قائماً بالأمور المهمة الواجبة؛ حتى ينشرح قلبه ويتسع صدره لمطالبك الوجيهة، وستحمدين العاقبة إن شاء الله.
وفقك الله للمزيد من كل خير، وأصلح حال زوجك، وألهمه رشده، ومنحه حسن الخلق، وطيب البشر، ورعاية الحقوق، إنه خير مسؤول، وهو الهادي إلى سواء السبيل .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه، إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/830، 831)
وجوب الصبر على أذى الزوج
إنني متزوجة منذ حوالي (25سنة)، ولديَّ العديد من الأولاد والبنات، وأواجه كثيراً من المشكلات من قبل زوجي، فهو يكثر من إهانتي أمام أولادي وأمام القريب والبعيد، ولا يقدرني أبداً من دون سبب، ولا أرتاح إلا عندما يخرج من البيت.. مع العلم أن هذا الرجل يصلي ويخاف الله .. أرجو أن تدلوني على الطريق السليم جزاكم الله خيراً .(3/330)
الواجب عليك الصبر ونصيحته بالتي هي أحسن، وتذكيره بالله واليوم الآخر، لعله يستجيب ويرجع إلى الحق ويدع أخلاقه السيئة، فإن لم يفعل فالإثم عليه، ولك الأجر العظيم على صبرك وتحملك أذاه. ويشرع لك الدعاء له في صلاتك وغيرها لأن يهديه الله للصواب، وأن يمنحه الأخلاق الفاضلة، وأن يعيذك من شرّه وشرّ غيره، وعليك أن تُحاسبي نفسك وأن تستقيمي في دينك وأن تتوبي إلى الله سبحانه مما قد صدر منك من سيئات وأخطاء في حق الله أو في حق زوجك، أو في حق غيره؛ فلعله إنما سُلِّطَ عليك لمعاصٍ اقترفتيها؛ لأن الله سبحانه يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ *}[الشّورى]، ولا مانع أن تطلبي من أبيه أو أمه أو إخوته الكبار أو من يقدِّرهم من الأقارب والجيران - أن ينصحوه ويوصوه بحسن المعاشرة؛ عملاً بقول الله سبحانه: {يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النِّسَاء، من الآية: 19]، وقول الله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البَقَرَة، من الآية: 228] .
أصلح الله حالكما، وهدى زوجك ورده إلى الصواب، وجمعكما على خير وهدى؛ إنه جواد كريم .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (129)
كيفية التعامل مع غيرة الزوج وشَكِّه
زوجي يغار عليّ كثيرًا .. يصل في بعض الأحيان الأمر إلى حد الشك، مع العلم أنني امرأة محافظة؛ فماذا أعمل تجاهه ؟(3/331)
الأصل في المسلمة العدالة والنزاهة؛ فلا يجوز لزوج المسلمة أن يتشكك فيها لمجرد هواجس نفسية شيطانية أو لخبر نمام مفسد؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ *}[الحُجرَات: 6]. وعلى المرأة المسلمة التي يصاب زوجها بهذا المرض النفسي أن تصبر ما دامت تعلم من نفسها الصدق والعفة، ولن تضرها خواطر زوجها النفسية؛ لأنه ربما تكون تلك الخواطر ناتجة عن مرض نفسي ويزول بإذن الله.
الشيخ الفوزان - فتاوى العلماء في عشرة النساء ص (276)، إعداد: نبيل بن محمد محمود
حكم بقاء المرأة مع زوج لا يصلي
امرأة تقول عن زوجها: إنه لا يصلي أبداً، وقد يصلي الجمعة نادراً، ويتعاطى الخمر والمخدرات، وإذا قامت إلى الصلاة استهزأ بها؛ فهل يجوز لها البقاء في عصمته ؟
إذا كان واقع الزوج كما ذكر فلا يجوز لزوجته المسلمة المحافِظة على الصلاة أن تبقى معه؛ لأن الزوج بتركه للصلاة واستهزائه بمن يصلي صار كافراً، وقد قال تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[المُمتَحنَة: 10]، وعليها أن تخلص نفسها منه بما تستطيع من الطرق الشرعية .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/282، 283)
حكم بقاء الرجل مع زوجة لا تصلي
أنا متزوج ابنة خالي، ومعي منها ولد، وهي لا تصلي ولا تصوم شهر رمضان، وأخاف أن يلحقني بعد ذلك ذنب وإثم، وأنا في الوقت الحاضر محتار من هذا الأمر، أفيدوني جزاكم الله خيراً .(3/332)
أنت آثم في عشرتك إياها المدة الماضية وهي تاركة للصلاة والصيام دون أن تجتهد في نصحها وتحزم أمرك معها. أما اليوم فإذا كان الأمر لا يزال على ما كان من تركها للصلاة والصيام فاجتهد في أمرها بالصلاة وبالصيام وغيرهما من فرائض الإسلام، واستعن بالله ثم بالحي من والديك ووالديها ومحارمها على نصحها؛ فإن أطاعت وتابت إلى الله وصلت فالحمدلله، وعليك أن تحسن عشرتها. وإن أصرت على ترك الصلاة والصيام فطلقها، وما عند الله خير لك، والله المستعان؛ لأن ترك الصلاة كفر وردة عن الإسلام؛ لحديث: "بَيْنَ الرجُل وبين الشِّرك والكُفْرِ تَرْكُ الصلاة" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "العَهْدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَنْ تركها فقد كَفَر" (2)، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[المُمتَحنَة، من الآية: 10] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/283، 284)
واجب الزوجين في مجال النفقات
كثير من الزوجات تثقل على زوجها في المطالب، وربما يستدين لذلك ويزعمن أن ذلك حقهن؛ فهل هذا صحيح ؟
هذا من سوء العشرة؛ فقد قال سبحانه وتعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}[الطّلاَق، من الآية: 7]؛ فلا يحل للمرأة أن تطلب أكثر مما يستطيع من النفقة، ولا يحل لها أكثر مما جرى به العرف وإن كان يطيقه؛ لقول الله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النِّسَاء، من الآية: 19]، وقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البَقَرَة، من الآية: 228] .
__________
(1) …مسلم (82).
(2) …أحمد (5/346)، والترمذي (2621)، والنسائي (464)، وابن ماجه (1079)، وقال الترمذي: « حسن صحيح غريب ».(3/333)
وكذلك فلا يحل للزوج أن يمنع الواجب عليه من النفقة؛ لأن بعض الأزواج لا يقوم بالواجب عليه من الإنفاق على زوجته وأهله لشدة بخله، وللمرأة في هذه الحالة أن تأخذ منه ما تقوم به حاجتها ولو بدون علمه، وقد اشتكت هند بنت عتبة رضي الله عنها إلى رسول صلى الله عليه وسلم: أن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيها من النفقة ما يكفيها وأولادها؛ فقال لها: "خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ" (1) .
الشيخ ابن عثيمين - مجموع دروس فتاوى الحرم المكي (3/249، 250)
لا ولاية للزوج المسافر الذي لا ينفق على زوجته
أنا امرأة سعودية تزوجت من رجل غير سعودي كان يأمل في الحصول على الجنسية السعودية، وبعد مضي سبع سنوات ولما لم يتمكن من الحصول على الجنسية يئس وقرر الذهاب مع أهله إلى أمريكا ليحصل على الجنسية الأمريكية دون أن يشاورني أو يبلغ أهلي إلا في آخر لحظة - علماً أن أموره المادية كانت متيسرة؛ فقد كان يعمل لدى والدي وبراتب عالٍ . وقد تركني أنا وأبنائي الثلاثة لنعيش في منزل يملكه والدي - حفظه الله - وأنا أعمل لأصرف على نفسي وأبنائي، ويساعدني والدي في ذلك؛ لأنه لا يرسل لنا أي شيء. ومع هذا فإنه يصر على أن أستأذنه في كل صغيرة وكبيرة وفي كل تحركاتي، مثل: ( زيارة إخواني وأهلي)، وهذا يوقعني في حرج شديد؛ فكما لا يخفاكم ارتفاع أجور المكالمات الدولية إلى أمريكا، وهو لا ينفق علينا، ومع هذا مطلوب مني أن أتصل به باستمرار لإعلامه عن كل تحركاتي .
فهل يلزمني استئذانه في تحركاتي لعملي وزياراتي لأهلي وأقاربي في كل مرة هاتفياً لأمريكا ؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خير الجزاء .
__________
(1) …البخاري (2211)، ومسلم (1714) .(3/334)
لا يحق له في هذه الحال إمساك زوجته بدون نفقة عليها وبدون أداء لحقوقها، ونرى في هذه الحالة أن ترفع أمرها إلى المحاكم الشرعية وتثبت حالته وحالتها وتطالب بفسخ النكاح حتى تتمكن من أن تتزوج مِمَّن ينفق عليها ويسد حاجتها؛ فإن بقاءها مع هذا الزوج وهو في أمريكا ضرر عليها؛ يدخل في قول الله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا}[البَقَرَة، من الآية: 231]. فعليه الإمساك بمعروف، أو الفراق بمعروف.
وحيث إنه لا ولاية له عليها فنرى أنه لا يحق له منعها من الخروج لحاجتها ومن السفر مع محارمها؛ فلها أن تخرج لذلك بدون إذنه وبدون علمه. والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - من قوله وإملأئه وعليها توقيعه
حكم علاج الزوجة المريضة
هل يجب على الزوج أن يداوي زوجته إذا مرضت ويدفع مصاريف علاجها، كما يجب عليه نفقتها وكسوتها ؟ وهل ورد فيه نص في الشريعة المحمدية آية أو حديث صحيح ؟
في التزامه تكاليف علاج زوجته إذا مرضت خلاف بين الفقهاء: فمنهم من جعل ذلك في حكم كسوتها وطعامها، ومنهم من لم يلزمه بذلك، وهو الصواب، وقيامه بذلك من مكارم الأخلاق، ومن حسن العشرة، قال ابن قدامة في «المغني»: (ولا يجب عليه - الزوج - شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب؛ لأنه يراد لإصلاح الجسم فلا يلزمه، كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها، وكذلك أجرة الحجام والفاصد)(1).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/260)
جواز أخذ المرأة من مال زوجها البخيل بدون علمه
زوجي لا يعطيني مصروفاً، أنا ولا أبنائي، ونحن نأخذ من عنده أحياناً بدون علمه؛ فهل علينا ذنب ؟
__________
(1) …«المغني» (8/159) .(3/335)
يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها بغير علمه ما تحتاج إليه هي وأولادها القاصرون بالمعروف؛ من غير إسراف ولا تبذير - إذا كان لا يعطيها كفايتها؛ لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان لا يعطيني ما يَكْفِينِي ويَكْفِي بَنِيَّ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ"(1). والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (131)
تحريم إفساد الزوجة على زوجها
ما حكم الذي يسيء ويخل العلاقات بين الزوج والزوجة وهو من أقرباء الزوجة ؟
يحرم إفساد المرأة على زوجها وتخبيبها عليه، سواء كان المُخَبِّب من الأقارب أو غيرهم؛ فقد أخرج النسائي وأبو داود وابن حبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من خَبَّبَ امرأةً على زوجِها أو عبداً على سَيِّدِه" (2)، واللفظ لأبي داود .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/56)
المُخَبِّب مَلعون ولو كان من أقرب الناس
ما حكم الرجل الذي يمنع زوجته من الذهاب إلى بيت أهلها إذا كانوا يقومون بإثارة المشاكل والتدخل في حياة الزوجين ؟ وما الحد الأدنى المطلوب من الزوجة لصلة رحمها ؟ وهل يكتفى بالرسالة والمكالمة فقط ؟
__________
(1) …البخاري (2211)، ومسلم (1714) .
(2) …أحمد (2/397)، وأبو داوود (2175، 5170)، والحاكم 2/196 (2795) وصححه ووافقه الذهبي. ومعنى (خَبَّبَ): خَدَعَ وأَفْسَد.(3/336)
نعم؛ يحق للرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى أهلها إذا كان يترتب على ذهابها إليهم مفسدة في دينها أو في حق زوجها.. لأن في منعها من الذهاب في هذه الحالة درْءًا للمفسدة. وبإمكان المرأة أن تصل أهلها بغير الذهاب إليهم في هذه الحالة؛ بل عن طريق المراسلة أو المكالمة الهاتفية إذا لم يترتب عليها محذورٌ؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التّغَابُن: 16]. والله أعلم .
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها ويخببها عليه، فقد جاء في الحديث: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا" (1)؛ ومعناه: أفسد أخلاقها عليه وتسبب في نشوزها عنه. والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم .
الشيخ الفوزان - كتاب الدعوة (7)، ص (156)
تَفَرُّغ الزوجة لبيتها خير من الخادمة
أنا لي زوجة تعمل في التدريس وعندها أطفال ويسبب ذلك لها إرهاقاً مع أعمال البيت الأخرى، وتطالبني بإيجاد خادمة، وأنا لا أزال متردداً؛ لأن أكثرهن يأتين بدون محرم، وإذا أتيت بخادمة بمحرم فلن نستطيع منعها من زوجها، وربما يقع عليها الحمل وأيضاً نحتاج إلى من يخدمها، فأنا رفضت ذلك، فقلت سأقوم بفصلك من التدريس ولا آتي بخادمة أبداً - علماً بأنها مدرسة تربية إسلامية .. فأرجو توجيهي في هذه الأمور؛ لأنه يحصل لأناس كثير غيري ؟
فَصْلها أولى ولا تأت بالخادمة، ولا حاجة أن تتولى التدريس، تبقى في بيتها عند أولادها، وابعد عن الشر وأهله، وجود الخادمة خطر عظيم عليك، وعلى أهلك فافصلها والحمد لله، ويعينك الله على النفقة، وهي تستريح مع أولادها في بيتها، وحاجة بيتها، وأنت بهذا تربح دينك ودنياك جميعاً، هذه وصيتي لك ولأمثالك .
__________
(1) …أحمد (2/397)، وأبو داوود (2175، 5170)، والحاكم 2/196 (2795) وصححه ووافقه الذهبي. ومعنى (خَبَّبَ): خَدَعَ وأَفْسَد.(3/337)
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - (21/231)
حكم الهدية في ذكرى الزواج
هل يجوز للزوج أن يهدي لزوجته هدية في ذكرى يوم زواجهما في كل سنة تجديدًا للمودة والمحبة بينهما ؟ علمًا بأن الذكرى ستقتصر فقط على الهدية ولن يقيم الزوجان احتفالاً بهذه المناسبة ؟
الذي أرى سدّ هذا الباب؛ لأنها ستكون هذا العام هدية، وفي العام الثاني قد تكون احتفالاً، ثم إن مجرد اعتياد هذه المناسبة بهذه الهدية يعتبر عيدًا؛ لأن العيد كل ما يتكرر ويعود، والمودة لا ينبغي أن تجدد كل عام، بل ينبغي أن تكون متجددة كل وقت كلما رأت المرأة من زوجها ما يسرها، وكلما رأى الرجل من زوجته ما يسره، فإنها سوف تتجدد المودة والمحبة .
الشيخ ابن عثيمين - كتاب الدعوة (5)، (2/92)
من آداب ليلة الدخول بالزوجة
فضيلة الشيح: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وضع يده على ناصية إحدى زوجاته ؟ وما يجب أن يفعل من يدخل على زوجته ليلة البناء ؟
ورد من قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإِنسان إذا ملك دابة أو تزوج زوجة أو ما أشبه ذلك أخذ بناصيتها، وقال: "اللهم إني أسألُكَ خَيْرَها وخيرَ ما جَبَلْتَها عليه، وأعوذُ بك من شرِّها وشرِّ ما جَبَلْتَها عليه"(1). لكن لو أن الإنسان فعل هذا أول ما يدخل على زوجته ربما يحصل منها نفرة؛ فليمسك برأسها كأنه يريد أن يقبلها ويقول هذا الذكر سراً؛ حتى تحصل المصلحة بدون مفسدة .
الشيخ ابن عثيمين - لقاء الباب المفتوح - س (999)
آداب الجماع بين الزوجين
الجماع بين الرجل وزوجته: ما آدابه وحدوده ؟ وما هو مكروه وما هو محرم ؟ وأفضله وخلافه ؟
__________
(1) …أبو داود (2160)، والنسائي في «الكبرى» (10093)، وابن ماجه (1918، 2252)، والحاكم في المستدرك 2/185 (2757) وصححه ووافقه الذهبي. ومعنى (جَبَلْتَها): خَلَقْتَها وطبَعْتَهَا عليه.(3/338)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أحدَكُم إذا أَتَى أهلَهُ قال: بسم الله، اللهم جَنِّبْنَا الشيطان، وجَنِّبِ الشيطان ما رَزَقْتَنَا؛ فإنْ قُدِّر بينهما في ذلك وَلَدٌ لن يَضُرَّ ذلك الولدَ الشيطانُ أبداً" (1) رواه الجماعة إلا النسائي، ويحرم عليه أن يجامعها في الحيض والنفاس، ويحرم أيضاً أن يجامعها في دبرها. ونوصيك بأن تقرأ ما ذكره العلامة ابن القيم في كتابه (زاد المعاد) في الموضوع، وستجد ما سألت عنه إن شاء الله .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/355)
حكم التجرد من اللباس بين الزوجين
هل يصح أن يتعرى كل من الزوجين أمام الآخر ؟ وهل للجماع دعاء قبله ؟ وإن كان فاكتب لي نصه .
أولاً: يجوز لكل من الزوجين أن يتعرى أمام الآخر؛ لما رواه أبو داود، عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله: "عَوْرَاتُنا ما نَأتِي منها وما نَذَر ؟ قال: اِحْفَظْ عَوْرَتَكَ إلا مِنْ زَوجتِكَ أو ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ، قال: قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال: إن استطعتَ ألا يَرَيَنَّها أحدٌ فَافْعَلْ ، قال: قلت: يا رسول الله: إذا كان أحدنا خالياً ؟ قال: اللهُ أحَقُّ أن يُسْتَحْيا مِنْهُ مِنَ الناس" (2) .
__________
(1) …أحمد (1/216، 220، 243، 283، 286)، والبخاري (141) وأطرافه عنده، ومسلم (1434)، وغيرهم.
(2) …أحمد (5/3، 4)، وأبو داوود (4017)، والترمذي (2769) وقال: « حديث حسن »، والنسائي في (الكبرى) (8972)، وابن ماجه (1920)، والحاكم 4/180 (7358) وصححه ووافقه الذهبي.(3/339)
ثانياً: يقول الرجل إذا أتى أهله: بسم الله، اللهم جَنِّبْنِي الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ لما رواه البخاري ومسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَمَا لو أَنَّ أحدهم يقول حين يأتي أهله: بسم الله، اللهم جَنِّبْنِي الشيطان وجَنِّبِ الشيطان ما رَزَقْتَنَا، ثم قُدِّرَ بينهما في ذلك أو قُضِيَ ولدٌ لم يَضُرُّهُ الشيطان أبداً" (1) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/363)
يجوز للزوجة قول دعاء الجماع
قول: ((بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا)) .. هل تقوله المرأة أم لا ؟ على وجه أن يكون سنة في حقها ؟
هذا الدعاء مشروع في حق الرجل إذا أراد أن يأتي أهله؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن أحَدَكُم إذا أراد أن يأتي أهله قال: "باسم الله، اللهم جَنِّبْنَا الشيطان، وجَنِّبِ الشيطان ما رَزَقْتَنَا، فإنه إن قُضِي بينهما ولدٌ في ذلك لم يَضُرُّهُ الشيطان أبداً" (2) متفق عليه، ورواه أصحاب السنن وغيرهم، لكن لو دعت به فلا بأس؛ لأن الأصل عدم الخصوصية .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/356)
الوضوء قبل معاودة الجماع خاص بالرجل
قال عليه السلام : "إذا أراد أحدكم أن يعود إلى أهله فليتوضَّأ"(3) .. هل هذا الحكم مختص بالذكر أم للمرأة أيضاً ؟
الوضوء مشروع عند إرادة معاودة الجماع في حق الرجل؛ لأنه هو الذي أُمر بذلك دون المرأة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
__________
(1) …أحمد (1/216، 220، 243، 283، 286)، والبخاري (141) وأطرافه عنده، ومسلم (1434)، وغيرهم.
(2) …أحمد (1/216، 220، 243، 283، 286)، والبخاري (141) وأطرافه عنده، ومسلم (1434)، وغيرهم.
(3) …مسلم (308) بنحوه.(3/340)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/350)
ما يجوز أن يستمتع به الرجل من بدن زوجته
هل يجوز للرجل أن يستمتع بجميع بدن زوجته مقبلة ومدبرة؛ حتى بين إليتيها من غير إيلاج في حلقة الدبر ؟
يجوز للرجل أن يستمتع من زوجته بجميع جسمها؛ ما عدا الدبر، والجماع في الحيض والنفاس، والإحرام للحج والعمرة؛ حتى يتحلل التحلل الكامل .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/351)
حكم إتيان المرأة في الدبر
ما الحكم الشرعي فيمن أتى امرأته - أي زوجته الشرعية - ونكحها من الدبر من غير أن يعلم ؟(3/341)
يحرم على الرجل أن يطأ زوجته في دبرها، ومن حصل منه ذلك وهو لا يعلم لأمر ما فهو معذور معفو عنه إذا كف حينما تبين له، والدليل على تحريم وطء الزوجة في دبرها: ما رواه أحمد والبخاري ومسلم، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أن يهود كانت تقول: (إذا أُتِيَت المرأةُ من دُبُرِهَا في قُبُلها ثم حَمَلَتْ كان ولدُها أَحْوَل) قال: فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البَقَرَة: 223](1)، وزاد مسلم: (إن شاءَ مُجَبِّيَةً وإن شاء غيرَ مُجَبِّيَة، غير أنَّ ذلك في صِمَامٍ واحد)، فكذَّب الله اليهود في قولهم: (إن الرجل إذا أتى زوجته في قبلها من جهة دبرها وهي مُجَبِّية - أي: مُكَبَّة على وجهها - جاء الولد أحول)، وبيَّن بالآية: أنه يجوز للرجل أن يأتي زوجته على أي كيفية شاء، مستلقية على ظهرها أو مكبة على وجهها ما دام وطؤه إياها في قبلها؛ بدليل فهم الصحابة ذلك وهم عرب، وتسمية الله النساء حرثاً ترجى منه الذرية، ولا ترجى الذرية من الوطء في الدبر، وما ذكر في سبب النزول من ذكر الحمل ومجيء الولد أحول، والحمل والولد لا يكون من الوطء في الدبر أصلاً، لا أحول ولا غير أحول، وروى أحمد والترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البَقَرَة: 223]، «يعني: صِمَاماً واحداً»(2) ، وقال: «حديث حسن». هذا وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن وطء الرجل زوجته في الدبر، منها ما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَلعونٌ مَنْ أَتَى امرأةً في دُبُرِها (3)
__________
(1) …البخاري (4528)، ومسلم (1435)، واللفظ له.
(2) …أحمد (6/305، 310، 318)، والدارمي (1119)، والترمذي (2979) وآخرون.
(3) …أحمد (2/444، 479)، وأبو داوود (2162)، والنسائي في «الكبرى» (9015). وحسنه الألباني في «صحيح أبي داوود» (1894).(3/342)
، وفي لفظ: لا ينظرُ الله إلى رجلٍ جامَعَ امرأتَهُ في دُبُرها (1) رواه أحمد وابن ماجه، ومنها ما رواه أحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَأْتُوا النساءَ في أَعْجَازِهِن ، أو قال: في أَدْبارِهِنّ" (2) .
ومنها ما رواه أحمد والترمذي عن علي بن طلق رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تَأْتُوا النساء في أَسْتَاهِهِنَّ، فإن الله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَق" (3)، وقال الترمذي: «حديث حسن» .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/281-284)
لا يضر وصول لبن المرأة جوف زوجها
ما حكم الدين في رجل يرضع أو يتمتع بالإرضاع من ثدي زوجته .. هل هذا الفعل حرام أو مكروه ؟ وهل إذا ما وصل اللبن إلى معدة الرجل (الزوج) هل تحرم عليه زوجته ويجب التفريق بينهما ؟ أفيدونا بحكم الدين أفادكم الله .
يجوز للزوج أن يمص ثدي زوجته، ولا يقع تحريم بوصول اللبن إلى المعدة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/351)
وجوب الرضا بما قسم الله وأن الإنجاب بقدره ومشيئته
__________
(1) …أحمد (2/272، 344)، وابن ماجه (1923)، والنسائي في «الكبرى» (9013، 9014)، وابن أبي شيبة (16811)، وصححه الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1560).
(2) …أحمد (1/86)، قال الهيثمي في «المجمع» (1/243): «ورجاله موثقون». وانظر «تفسير ابن كثير» (1/263) في تفسير آية البقرة: [البَقَرَة: 223] {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}.
(3) …الترمذي (1164، 1166) بلفظ: «أعجازهن»، والدارمي (1142) بلفظ: «أدبارهن»، والطحاوي في «شرح المعاني» (3/45)، بلفظ «أعجازهن»، وابن أبي شيبة (16802)، والبيهقي في «الشعب» (5375) بلفظ: «أستاههن».(3/343)
امرأة قلقة لكونها لم تحمل، وتلجأ إلى البكاء والتفكير الكثير والزهد من هذه الحياة .. فما هو الحكم ؟ وما هي النصيحة لها ؟
لا ينبغي لهذه المرأة أن تقلق وتبكي لكونها لم تحمل ؛ لأن إيجاد الاستعداد الكوني في الرجل لإنجاب الأولاد ذكوراً فقط، أو إناثاً فقط، أو جمعاً بين الذكور والإناث، وكون الرجل والمرأة لا ينجبان - كل ذلك بتقدير الله جل وعلا ؛ قال تعالى : {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ *أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ *}[الشّورى: 49، 50]، فهو جل وعلا عليم بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، قدير على ما يشاء من تفاوت الناس في ذلك .
وللسائلة أسوة في يحيى بن زكريا وابن مريم عليهما الصلاة والسلام؛ فإن كلاً منهما لم يولد له، فعليها أن ترضى وتسأل الله حاجتها فله الحكمة البالغة والقدرة القاهرة .
ولا مانع من عرض نفسها على بعض الطبيبات المختصات والطبيب المختص عند عدم وجود الطبيبة المختصة ؛ لعله يعالج ما يمنع الإنجاب من بعض العوارض التي تسبب عدم الحمل، وهكذا زوجها ينبغي أن يعرض نفسه على الطبيب المختص ؛ لأنه قد يكون المانع فيه نفسه . وبالله التوفيق.
الشيخ ابن باز - فتاوى العلماء في عشرة النساء ص (234، 235) -إعداد : نبيل بن محمد محمود
حكم تحديد النسل وتنظيمه
هل يجوز للمسلم تنظيم أسرته باتباع الوسائل المختلفة في تحديد النسل ؟
لقد سبق أن بحث مجلس هيئة كبار العلماء هذه المسألة فأصدر قراراً مضمونه ما يأتي:(3/344)
نظراً إلى أن الشريعة الإسلامية ترغب في انتشار النسل وتكثيره، وتعتبر النسل نعمة كبرى ومنة عظيمة، من الله بها على عباده، فقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله، مما أوردته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بحثها المعد للهيئة والمقدم لها، ونظراً إلى أن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الخلق عليها، وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الرب تعالى لعباده، ونظراً إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين بصفة عامة، وللأمة العربية المسلمة بصفة خاصة، حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد واستعمار أهلها، وحيث إن في الأخذ بذلك ضرباً من أعمال الجاهلية وسوء ظن بالله تعالى، وإضعافاً للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها - لذلك كله فإن المجلس يقرر بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً، ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق؛ لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها.
- أما إذا كان منع الحمل لضرورة محققة؛ ككون المرأة لا تلد ولادة عادية، وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد، أو كان تأخيره لفترة ما لمصلحة يراها الزوجان - فإنه لا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره؛ عملاً بما جاء في الأحاديث الصحيحة، وما روي عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم، من جواز العزل، وتمشياً مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين؛ بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرورة المحققة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/296)
حكم قطع النسل بعذر أو بدونه
أحد الإخوة يسأل عن حكم قطع النسل بدون عذر، وما هي الأعذار التي تبيح ذلك ؟(3/345)
قطع النسل قطعاً نهائياً قد صرّح العلماء - رحمهم الله - بأنه حرام؛ لما في ذلك من المضادة لما يريده النبي صلى الله عليه وسلم من أمته، ولما في ذلك من أسباب الذل للمسلمين؛ فإن المسلمين كلما كثروا كان ذلك عزة لهم ورفعة، ولهذا امتن الله عز وجل على بني إسرائيل حيث جعلهم كثرة، فقال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}[الإسرَاء، من الآية: 6]، وذكَّر شعيب قومه بذلك فقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ}[الأعرَاف، من الآية: 86]، والواقع شاهد بهذا؛ فإن الأمة الكثيرة تستغني عن غيرها، ويكون لها صولة وهيبة أمام أعدائها، فلا يجوز للإنسان أن يتسبب في قطع النسل قطعاً نهائياً. اللهم إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك؛ كما لوكانت الأم إذا حملت خيف عليها أن تهلك وتموت، ففي هذه الحال تكون ضرورة، ولا حرج أن يعمل لها - أي لهذه المرأة - ما يقطع الحمل عنها. هذا هو العذر الذي يبيح قطع النسل، وكذلك لو أصيبت بمرض في رحمها يُخشى أن يسري فيهلكها، واضطرت إلى نزع الرحم فلا بأس بذلك .
الشيخ ابن عثيمين - من فتاواه - إعداد: أشرف بن عبدالمقصود (2/836)
صفة العزل وحكمه
س1: هل إراقة المني خارج فرج المرأة بالنسبة للرجل المتزوج حرام ؟ أفيدونا - أفادكم الله - وخاصة في حالة الحيض أو الولادة ؟(3/346)
ج1: إراقة المني خارج الفرج إذا كان للمصلحة جائز، وهذا يسمى العزل، فقد ثبت عن الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - أنهم كانوا يعزلون، وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ وذلك إذا كان لمصلحة: إما لكونه لا يرغب في الحمل في ذلك الوقت، أو لما ذكره السائل لكونه محرماً عليه الجماع في الحيض أو النفاس إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن المحرَّم هو الجماع. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، في حق الحائض: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ" (1) ؟ يعني الجماع. فله أن يباشرها من التقبيل والضم إلى نفسه والاستمتاع بفخذها وبطنها ونحو ذلك، لكن الأفضل أن يكون عليها إزار وسراويل ابتعاداً عن الخطر، فإن المباشرة حول الفرج قد تدعو إلى الجماع؛ قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم، يَأْمُرُ إِحْدَانَا - إذا أرادَ أن يُبَاشِرَها وهي حائض - أن تَتَّزِرَ فيباشرها مِنْ وَرَاءِ ذلك) (2)؛ هكذا صح عن عائشة رضي الله عنها. والمقصود أن السنة في حق الزوج إذا كانت المرأة حائضاً أو نفساء أن يباشرها من وراء إزار أو من وراء السراويل ونحو ذلك، لكن لو باشرها من داخل الإزار أو السراويل فلا حرج في هذا؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ" . وكانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها في البيت .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (26) ص (132)
س2: متى يجوز العزل وما كيفيته ؟
__________
(1) …مسلم (302) .
(2) …البخاري (300، 302)، ومسلم (293) بنحوه.(3/347)
ج2: روى الإمام أحمد وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعْزَلَ عن الحُرَّة إلا بِإِذْنِهَا)(1) ، وأخرج عبدالرزاق في (مصنفه) والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى عن عَزْلِ الحُرَّة إلا بإذنها)(2) ، فهذا يدل على جواز العزل عن الحرة بإذنها، ومنعه بدون إذنها، وأن العزل عن الأَمَة لا يحتاج إلى إذنها. مع مراعاة عدم فعله إلا من حاجة شديدة أو ضرورة. وصفة العزل: النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/328)
حكم التلقيح الصناعي (الأنابيب)
ما حكم التلقيح الصناعي - طفل الأنابيب - وهو أخذ ماء الرجل فيوضع في رحم المرأة عن طريق أنابيب بواسطة طبيب أو طبيبة ؟
التلقيح الصناعي يقول: إنه يؤخذ ماء الرجل ويوضع في رحم المرأة عن طريق أنابيب (إبرة)، وهذه المسألة خطيرة جداً، ومن الذي يأمن الطبيب أن يلقي نطفة فلان في رحم زوجة شخص آخر ؟ ولهذا نرى سد الباب ولا نفتي إلا في قضية معينة بحيث نعرف الرجل والمرأة والطبيب، وأما فتح الباب فيخشى منه الشر .
__________
(1) …أحمد (1/31)، وابن ماجه (1928)، والطبراني في «الأوسط» (3679)، والبيهقي في «الكبرى» (14102) بنحوه . والحديث ضعيف لكن له شواهد.
(2) …عبدالرزاق في (مصنفه) (12562)، والبيهقي في «الكبرى» (14103) بنحوه.(3/348)
وليست المسألة هينة؛ لأنه لو حصل فيها غش لزم إدخال نسب في نسب وصارت الفوضى في الأنساب؛ وهذا مما يحرمه الشرع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُوطَأُ ذاتُ حَمْلٍ حَتَّى تَضَعَ"(1). فأنا لا أفتي في ذلك. اللهم إلا أن ترد إليَّ قضية معينة أعرف فيها الزوج والمرأة والطبيب .
الشيخ ابن عثيمين - لقاءات الباب المفتوح (س921)
ترك التلقيح الصناعي أَوْلَى من فِعْلِه
أنجبت زوجتي أربعة أطفال ولم تعد قادرة على الإنجاب مرة أخرى منذ أربع سنوات، واتفق الأطباء على تلقيحها صناعياً .. علماً بأنه لا يوجد في مستشفياتنا الحكومية؛ بل فقط في جدة، وقد رفضت إجراء العملية، فما الحكم ؟
إن التلقيح الصناعي أجازه بعض أهل العلم المعاصرين، بشروط مهمة واحتياطات حتى لا يقع ما حرم الله عز وجل، ولكن أنا ممن توقف في ذلك وأنصح بعدم فعله؛ لأنه قد يفتح باب شر لا نهاية له، ولكن إذا كانت لا تستطيع الإنجاب، فالأربعة الذين حصلوا فيهم الكفاية والحمد لله، وفي إمكانه أنه يتزوج ثانية وثالثة ورابعة؛ ويأتي الله له برزق آخر من غير هذه المرأة. فتركه أفضل .
الشيخ ابن باز - محموع فتاوى ومقالات متنوعة (21/192)
حكم تعدد الزوجات
هل تعدد الزوجات مباح في الإسلام أو مسنون ؟
__________
(1) …أحمد (3/28، 62، 87)، وأبو داوود (2157)، والدارقطني 4/112 (34)، والدارمي (2295)، والحاكم 2/195 (2790) وصححه وسكت عنه الذهبي. وصححه الألباني في «صحيح أبي داوود» (1889).(3/349)
تعدد الزوجات مسنون مع القدرة؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا *}[النِّسَاء]، ولفعله عليه الصلاة والسلام؛ فإنه قد جمع تسع نسوة ونفع الله بهن الأمة. وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، أما غيره فليس له أن يجمع أكثر من أربع. ولما في تعدد الزوجات من المصالح العظيمة للرجال والنساء وللأمة الإسلامية جمعاء، فإن تعدد الزوجات يحصل به للجميع غض الأبصار، وحفظ الفروج، وكثرة النسل، وقيام الرجل على العدد الكثير من النساء بما يصلحهن، ويحميهن من أسباب الشر والانحراف . أما من عجز عن ذلك وخاف ألا يعدل فإنه يكتفي بواحدة؛ لقوله سبحانه: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النِّسَاء، من الآية: 3].
وفق الله المسلمين جميعاً لما فيه صلاحهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
الشيخ ابن باز - مجلة البلاغ/ العدد (1028)
حِكْمَة إباحة تعدد الزوجات
إن الإسلام أباح تعدد الزوجات، مثنى وثلاث ورباع في وقت واحد .. لماذا هذه الإباحة ؟ وما هي شروطها وخصائصها ومميزاتها ؟ وكيف الرد على المشككين بهذه الإباحة ؟(3/350)
إن الله تعالى هو الذي أباح للمسلم أن يتزوج أكثر من زوجة إلى أربع زوجات؛ إذا استطاع القيام بواجبهن، ووثق من نفسه أن يعدل بينهن، وأمن الجور، فأنزل ذلك في كتابه، وأوحى به إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا *}[النِّسَاء]، فأذن تعالى للمسلم أن يتزوج أكثر من واحدة، إن شاء اثنتين اثنتين، وإن شاء ثلاثاً ثلاثاً، وإن شاء أربعاً أربعاً؛ إن لم يخف على نفسه الجور، وعدم العدل بينهن، وهو سبحانه العليم الخبير بشؤون عباده، الحكيم في تشريعه، فلا يشرع لهم إلا ما فيه مصلحتهم، وينتظم به أمرهم، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فيجب التسليم له سبحانه، وتفويض الأمر له في تشريعه، كما يجب الإيمان بقضائه وقدره، فكل ذلك مقتضى الحكمة، علمها الإنسان أم لم يعلمها؛ فإن في عقول البشر من القصور ما قد يحول بينهم وبين إدراك تفاصيل الحكم في كثير من فروع التشريع، وليرجع العالم المسلم بمن يجادله من الشكاك والملحدين في ذلك إلى المناظرة في أصل الدين والإيمان بأن للعالَم ربًّا عليماً حكيماً، رؤوفاً رحيماً، وأنه أرسل رسلاً أمناء صادقين، مبشرين ومنذرين، وأوحى سبحانه إليهم بما فيه سعادة البشر وصلاح الكون، وقد بلغوا البلاغ المبين، وقامت بهم الحجة على العباد، فإن آمن بعلم الرب وحكمته وعدله ورحمته، وبصدق الرسل وأمانتهم وتبليغهم قامت عليه الحجة، ووجب عليه التسليم لله في تشريعه، علم الحكمة في فروع التشريع أم لم يعلمها، وإن أبى أن يؤمن بالأصول لم تكن هناك فائدة للدخول معه في تفاصيل الشريعة .
- ومع هذا ففي إباحة تعدد الزوجات حِكَم:(3/351)
منها: أن الإحصاء أو الاستقراء دل على أن عدد من يولد من الإناث أكثر من عدد من يولد من الذكور، وأن عدد من يتوفى من الذكور أكثر من عدد من يتوفون من الإناث؛ لكثرة ما يتعرض له الذكور دون الإناث من أسباب الموت، كالمواجهات في الحروب، ودفع غائلة الأعداء، والقيام بالأعمال الشاقة، والأسفار البعيدة، ونحو ذلك مما يكون الإنسان فيه عرضة للمتاعب والأخطار، فلو منع تعدد الزوجات لبقي عدد من النساء بلا أزواج، وفات عليهن المتعة وإشباع الغريزة الجنسية، بقضاء الوطر على وجه يليق بالشرف والكرامة، ويقوم عليه بناء الأسر والقبائل والشعوب، ويسقط كثير من النساء في شباك أهل الهوى يعبثون بهن، فتنتهك الأعراض، ويقل النسل، ويكثر اللقطاء، وتنحل الأسر، ويستشري الفساد في المجتمع، ويعم البلاء، ويتبع ذلك انتشار الأمراض الفتاكة؛ كالزهري والسيلان .
ومنها: أن في تعدد الزوجات كثرة النسل، لتعدد محل الحرث، وقضاء الوطر، وفي هذا زيادة في بناء الأمة، ودعم لقوتها، وتعاون على متاعب الحياة، وعمارة الأرض التي جعل الإنسان خليفة فيها، وقد حث الشرع على النكاح تحقيقاً للعفة، وكثرة النسل، وصيانة للأعراض، ومحافظة على بقاء النوع .
ومنها: ما جرت به سنة الله الكونية من أن النساء يحضن ويحملن ويلدن ويستمر بهن دم النفاس زمناً، فإذا كان في عصمة الرجل أكثر من زوجة وجد الزوج لديه من يعف بها فرجه عن الحرام، فيقضي معها وطره، ويكون ذلك عوناً له على ضبط نفسه، وكبح جماحه، فلا يستهويه الشيطان، ولا تستولي عليه الأهواء .
ومنها: أن الزوجة قد تكون عقيماً، وبينها وبين زوجها وئام، ويرغب في الزواج للنسل المحبب إلى الله، والذي به عمارة الأرض وقوة الأمة، فأباح الشرع له تعدد الزوجات، عسى أن يرزقه الله منهن نسلاً تقر به عينه، ويسعد به في حياته .. إلى غير ذلك من الحِكَم .(3/352)
وأخيراً فالأمر كما تقدم أولاً من أن تعدد الزوجات تشريع من لدن حكيم حميد، رحيم ودود، يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فليعرف العبد قدر ربه، ولينزل نفسه منزلتها من القصور، وليرد علم ما لم يعلم إلى من يعلم غيب السماوات والأرض، وليشغل نفسه بفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/175-178)
هل يشترط رضا الزوجة الأولى عند التعدد ؟
أنا رجل متزوج منذ سنين، ولي عدد من الأولاد، وسعيد في حياتي العائلية . ولكنني أشعر أنني بحاجة إلى زوجة أخرى؛ لأنني أريد أن أكون مستقيماً، وزوجة واحدة لا تكفيني، حيث لدي طاقة تزيد عن طاقة المرأة، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى: فأنا أريد زوجة فيها شروط معينة ليست متوفرة في زوجتي التي معي، ولأنني لا أريد أن أقع في الحرام، وفي الوقت نفسه أجد صعوبة في الزواج بامرأة أخرى بحكم العشرة، ولأن زوجتي التي لم أر منها مكروهاً ترفض الزوجة الثانية رفضاً مطلقاً، فبماذا تنصحونني ؟ وبماذا تنصحون زوجتي لكي تقتنع ؟ وهل يحق لها أن ترفض رغبتي في الزواج، وبخاصة وأنني سوف أعطيها كامل حقوقها، ولدي مقدرة مالية - والحمد لله - على الزواج ؟ أرجو الإجابة بالتفصيل؛ لأن هذا الأمر يهم كثيراً من الناس .(3/353)
إذا كان الواقع هو ما ذكرته في السؤال فإنه يشرع لك أن تتزوج زوجة ثانية وثالثة ورابعة؛ حسب قدرتك وحاجتك لإحصان فرجك وبصرك - إذا كنت قادراً على العدل - عملاً بقول الله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النِّسَاء، من الآية: 3]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"(1).
__________
(1) …البخاري (5065، 5066)، ومسلم (1400). ومعنى (وِجَاء): أي قَاطِع للشهوة.(3/354)
ولما في ذلك من التسبب في كثرة النسل، والشريعة ترمي الى كثرة النسل، وتدعو إلى ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَة"(1). والمشروع للزوجة ألا تمانع في ذلك، وأن تسمح لك بالزواج، وعليك أن تحرص على تمام العدل والقيام بكل ما يلزم لهما جميعاً، وهذا كله من باب التعاون على البر والتقوى؛ وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى}[المَائدة، من الآية: 2]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" (2)؛ وأنت أخوها في الله، وهي أختك في الله، والمشروع لكما جميعاً التعاون على الخير، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ"(3).
ولكن ليس رضاها شرطاً في جواز التعدد؛ وإنما ذلك مطلوب منها لتستمر العشرة بينكما على خير وجه. أصلح الله حال الجميع، وكتب لكما جميعاً ما تحمد عاقبته .
الشيخ ابن باز - المجلة العربية/ العدد (168)
شرح آية التعدد وبيان حكمته
__________
(1) …أحمد (3/158، 245)، وأبو داوود (2050)، والنسائي (3229)، وابن حبان (4028، 4056، 4057)، والطبراني في (الأوسط) (5099)، و(الكبير) 20/219 (508)، والحاكم 2/162 (2685) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …مسلم (2699) .
(3) …البخاري (2442)، ومسلم (2580) .(3/355)
يقول بعض الناس: إن الزواج بأكثر من واحدة لم يشرع إلا لمن كان تحت ولايته يتامى وخاف عدم العدل فيهم؛ فإنه يتزوج الأم أو إحدى البنات .. ويستدلون بقول الله عزّ وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء، من الآية: 3 ] . نرجو من فضيلتكم بيان الحقيقة في ذلك ؟
هذا قول باطل؛ ومعنى الآية الكريمة: أنه إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى سواها فإنهن كثيرات، ولم يضيق الله عليه. والآية تدل على شرعية التزوج باثنتين أو ثلاث أو أربع؛ لأن ذلك أكمل في الإحصان، وفي غض البصر، وإحصان الفرج، ولأن ذلك سبب لإكثار النسل، وعفة الكثير من النساء، والإحسان إليهن، والإنفاق عليهن.
ولا شك أن المرأة التي يكون لها نصف الرجل أو ثلثه أو ربعه خير من كونها بلا زوج؛ لكن بشرط العدل في ذلك والقدرة عليه. ومن خاف ألا يعدل اكتفى بواحدة مع ما ملكت يمينه من السراري. ويدل على هذا ويؤكده فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قد توفي صلى الله عليه وسلم وعنده تسع من الزوجات .
وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزَاب، من الآية: 21]، وقد بين صلى الله عليه وسلم للأمة أنه لايجوز لأحد منهم أن يتزوج بأكثر من أربع، فعلم بذلك أن التأسي به يكون بأربع فأقل، ومازاد على ذلك فهو من خصائصه صلى الله عليه وسلم .
الشيخ ابن باز - المجلة العربية/ العدد (83)
معنى العدل في آيات التعدد(3/356)
ورد في القرآن الكريم آية كريمة في مجال تعدد الزوجات تقول: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}[سورة النساء، من الآية: 3] . وورد في مكان آخر قوله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ}[سورة النساء، من الآية: 129] . ففي الأولى: اشترط العدل للزواج بأكثر من واحدة، وفي الثانية: أوضح أن شرط العدل غير ممكن؛ فهل يعني هذا نسخ الآية الأولى وعدم الزواج إلا من واحدة؛ لأن شرط العدل غير ممكن ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً .
ليس بين الآيتين تعارض، وليس هناك نسخ لإحداهما بالأخرى، وإنما العدل المأمور به هو المستطاع، وهو العدل في القسمة والنفقة، أما العدل في الحب وتوابعه من الجماع ونحوه فهذا غير مستطاع، وهو المراد في قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}[من النساء: 129]؛ ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت -: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ؛ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ؛ فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ(1). والله ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (108)
حِكْمَة زواجه صلى الله عليه وسلم من تسع نسوة
لماذا يتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم مجموعة من النساء ؟
__________
(1) …أحمد (6/144)، وأبو داود (2134)، والترمذي (1140)، والنسائي (3943)، وابن ماجه (1971)، والدارمي (2207)، وابن حبان (4205)، والحاكم 2/187 (2761) وصححه ووافقه الذهبي.(3/357)
لله الحكمة البالغة، ومن حكمته: أنه سبحانه أباح للرجال في الشرائع السابقة وفي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يجمع في عصمته أكثر من زوجة، فلم يكن تعدد الزوجات خاصاً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان ليعقوب عليه الصلاة والسلام زوجتان، وجمع سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام بين مائة امرأة إلا واحدة، وطاف عليهن في ليلة واحدة؛ رجاء أن يرزقه الله من كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، وليس هذا بدعاً في التشريع، ولا مخالفاً للعقل، ولا لمقتضى الفطرة؛ بل هو مقتضى الحكمة، فإن النساء أكثر من الرجال حسب ما دل عليه الإحصاء المستمر، وإن الرجل قد يكون لديه من القوة ما يدعوه إلى أن يتزوج أكثر من واحدة لقضاء وطره في الحلال بدلاً من قضائه في الحرام، أو كبت نفسه، وقد يعتري المرأة من الأمراض أو الموانع؛ كالحيض والنفاس، ما يحول بين الرجل وبين قضاء وطره معها، فيحتاج إلى أن يكون لديه زوجة أخرى يقضي معها وطره بدلاً من الكبت، أو ارتكاب الفاحشة.
وإذا كان تعدد الزوجات مباحاً ومستساغاً عقلاً وفطرة وشرعاً، وقد وجد العمل به في الأنبياء السابقين، وقد توجبه الضرورة، أو تستدعيه الحاجة أحياناً، فلا عجب أن يقع ذلك من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وهناك حكم أخرى لجمعه صلى الله عليه وسلم بين زوجات، ذكرها العلماء:
منها: توثيق العلاقات بينه وبين بعض القبائل، وتقوية الروابط عسى أن يعود ذلك على الإسلام بالقوة، ويساعد على نشره؛ لما في المصاهرة من زيادة الألفة، وتأكيد أواصر المحبة والإخاء.
ومنها: إيواء بعض الأرامل وتعويضهن خيراً مما فقدن، فإن في ذلك تطييباً للخواطر، وجبراً للمصائب، وشرع سنة للأمة في نهج سبيل الإحسان إلى من أصيب أزواجهن في الجهاد ونحوه.
ومنها: رجاء زيادة النسل؛ مسايرة للفطرة، وتكثيراً لسواد الأمة، ودعماً لها بمن يؤمل أن ينهض بها في نصر الدين ونشره.(3/358)
ومنها: تكثير المعلمات والموجهات للأمة مما تعلمنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمنه من سيرته الداخلية .
وليس الداعي إلى جمعه صلى الله عليه وسلم مجرد الشهوة؛ لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً ولا صغيرة إلا عائشة رضي الله عنها، وبقية نسائه ثيبات، ولو كانت شهوته تحكمه، والغريزة الجنسية هي التي تدفعه إلى كثرة الزواج وتصرفه - لتخير الأبكار الصغيرات؛ لإشباع غريزته، وخاصة بعد أن هاجر وفتحت الفتوح، وقامت دولة الإسلام، وقويت شوكة المسلمين، وكثر سوادهم، ومع رغبة كل أسرة في أن يصاهرها، وحبها أن يتزوج منها، ولكنه لم يفعل، إنما كان يتزوج لمناسبات كريمة، ودواع سامية، يعرفها من تتبع ظروف زواجه بكل واحدة من نسائه. وأيضاً: لو كان شهوانياً لعرف ذلك في سيرته أيام شبابه وقوته يوم لم يكن عنده إلا زوجته الكريمة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهي تكبره سناً، ولعرف عنه الانحراف والجور في قسمه بين نسائه وهن متفاوتات في السن والجمال، ولكنه لم يعرف عنه إلا كمال العفة والأمانة في عرضه وصيانته لنفسه، وحفظه لفرجه في شبابه وكبر سنه، مما يدل على كمال نزاهته، وسمو خلقه، واستقامته في جميع شؤونه، حتى عرف بذلك، واشتهر بين أعدائه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/170 - 173)
الطريقة الشرعية للقسم بين الزوجات
العريس مع زوجته: أسبوعاً مع البكر، ومع الثيب ثلاثاً، لا يخرج لصلاة الجماعة .. هل هو في السنة حتى عدم الخروج للصلاة ؟(3/359)
إذا تزوج بكراً أقام عندها سبعاً ثم قَسَمَ، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً؛ فإن أحبَّت أن يقيم عندها سبعاً فعل وقضاهن للبواقي، والأصل في ذلك: ما روى أبو قلابة عن أنس رضي الله عنه، قال: من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عنده ثلاثاً ثم قسم، قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه ولفظه للبخاري. وما روته أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثاً وقال: "إنه ليسَ بِكِ هَوَانٌ على أهلِك، فإن شِئْتِ سَبَّعْتُ لك، وإن سبَّعتُ لكِ سبعتُ لِنَسَائِي" (1)؛ رواه مسلم .
ولا يجوز لمن تزوج بكراً أو ثيباً أن يتأخر عن صلاة الجماعة في المسجد بحجة أنه متزوج؛ لعدم الدليل على ذلك، وليس في الحديثين المذكورين ما يقتضي ذلك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/208، 209)
هل يجب العدل في المبيت إذا كان بعض زوجاته في العذر ؟
عندي زوجتان - ولله الحمد - فهل إذا حصل لإحداهما عذر شرعي كولادة أو غيرها ؛ فهل يجوز لي اعتزالها والمبيت عند الأخرى خلال هذه المدة المعينة ؟
لا يجوز ذلك إذا كانت عندك في بيتك ؛ بل عليك أن تبيت عندها وتؤنسها وتأكل معها وتحادثها ولو كانت حائضاً أو نفساء، أما إذا كانت عند أهلها أو سافرت وغابت عن المنزل فلك أن تبيت كل وقتك عند الأخرى، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - النخبة من الفتاوى النسائية، ص (79)، جمع : عبدالله الحوطي
جواز القَسْم بين الزوجات لأكثر من ليلة
هل يجوز للرجل الذي لديه زوجتان أن يقسم لكل زوجة أسبوعاً، بدلاً من يوم؛ فكل زوجة لها أسبوع يجلس عندها، ثم الأسبوع الآخر عند الأخرى، وهكذا ؟
__________
(1) …مسلم (1460)، وآخرون.(3/360)
يجوز ذلك؛ فإن القصد التسوية بينهن فى القسم الذي هو المبيت والمؤانسة، فإذا رضين بهذا القسم الطويل جاز ذلك، كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج بأم سلمة مكث عندها ثلاثاً، ثم قال: "إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي"(1). والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (262)
الفصل الثالث
الطلاق والعِدَد
الحلول الممكنة بين الزوجين قبل الطلاق
الإسلام لم يضع الطلاق إلا كَحَلٍّ أخير للفصل بين الزوجين. ووضع حلولاً أولية قبل اللجوء إلى الطلاق . فلو تحدثنا - يا سماحة الشيخ - عن هذه الحلول التي وضعها الإسلام لفض النزاع بين الزوجين قبل اللجوء إلى الطلاق .
لقد شرع الله الإصلاح بين الزوجين واتخاذ الوسائل التي تجمع الشمل وتزيل شبح الطلاق؛ ومن ذلك: الوعظ والهجر والضرب اليسير، إذا لم ينفع الوعظ والهجر - كما في قوله سبحانه: {وَاللاََّّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}[النِّسَاء، من الآية: 34] .
ومن ذلك: بعث الحكمين من أهل الزوج وأهل الزوجة - عند وجود الشقاق بينهما - للإصلاح بين الزوجين؛ كما في قوله سبحانه:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا *} [النساء] .
__________
(1) …مسلم (1460)، وآخرون.(3/361)
فإن لم تنفع هذه الوسائل ولم يتيسر الصلح واستمر الشقاق - شرع الله للزوج الطلاق إذا كان السبب منه. وشرع للزوجة المفاداة بالمال إذا لم يطلقها بدون ذلك إذا كان السبب منها أو البغضاء؛ لقول الله سبحانه: {اَلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاََّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاََّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البَقَرَة، من الآية: 229] .
ولأن الفراق بإحسان خير من الشقاق والخلاف، وعدم حصول مقاصد النكاح التي شرع من أجلها .
ولهذا قال الله سبحانه: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا *}[النِّسَاء] .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أَمَرَ ثابت بن قيس الانصاري رضي الله عنه - لَمَّا لم تستطع زوجته البقاء معه لعدم محبتها له، وسمحت بأن تدفع إليه الحديقة التي أَمْهَرَها إياها - أن يَقْبَل الحديقة ويُطلِّقها؛ ففعل ذلك. رواه البخاري في (صحيحه)(1). والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة - العدد (1318)
حكم الطلاق بدون سبب، وحكمة كونه بيد الزوج
ما الحكمة في جعل الطلاق بيد الزوج ؟ وما الحكم فيمن طلق زوجته دون سبب ؟ وما حكم الزوجة التي تطلب الطلاق بلا أسباب ؟
__________
(1) …البخاري (5273)، وأطرافه عنده .(3/362)
أما كون الطلاق بيد الزوج فإنه هو العدل؛ لأن الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، فيجب أن يكون هو الذي بيده حل هذه العقدة، ولأن الزوج قائم على المرأة - كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النِّسَاء، من الآية: 34]. وإذا كان هو القائم صار الأمر بيده، هذا مقتضى النظر الصحيح. ولأن الزوج أكمل عقلاً من المرأة وأبعد نظراً؛ فلا تجده يقدم على الطلاق إلا حيث رأى أنه لا بد منه. لكن لو كان بيد الزوجة لكانت الزوجة أقل عقلاً وأقصر نظراً وأسرع عاطفة، فربما يعجبها شخص من الناس فتذهب فتطلق زوجها؛ لأنها رأت من أعجبها صورته فقدمته على زوجها، وهناك حِكَم أخرى لا تحضرني الآن. لكن هذه الحكم الثلاث التي ذكرتها هي من أعظم الحكم لجعل الطلاق بيد الزوج .
- أما الفقرة الثانية: وهي الحكم فيمن طلق زوجته بغير سبب؛ فإن أهل العلم يقولون: إن الطلاق تجري فيه الأحكام الخمسة؛ أي: أنه يكون واجباً، ويكون حراماً، ويكون مستحباً، ويكون مكروهاً، ويكون مباحاً . فالأصل أن الطلاق غير مرغوب فيه؛ وذلك لأنه حَلّ قيد النكاح الذي رغب فيه الشرع ودعا إليه، ولأنه ربما يحصل فيه مضار كثيرة؛ كما لو كانت المرأة ذات أولاد من الزوج فإنه يحصل بهذا الطلاق تفرق الأسرة والمشاكل التي تنتج عن هذا . وإذا دعت الحاجة إليه لعدم التمكن من العيش بسعادة بين الزوجين فحينئذ يكون مباحاً، وهو من نعمة الله عز وجل؛ أعني كونه مباحاً في هذه الحال؛ لأنه لو بقي الزوجان في حياة شقاء وعناء لتنكدت عليهم الدنيا، ولكن من نعمة الله أنه إذا دعت الحاجة إليه كان مباحاً .(3/363)
وأما سؤال الزوجة الطلاق: فإنه حرام إلا أن يكون هناك بأس؛ مثل أن يكون الزوج ناقص الدين أو ناقص الخلق أو عجزت أن تطيق الصبر معه؛ فحينئذ لا بأس أن تسأل الطلاق - كما فعلت ذلك زوجة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه حين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله .. ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام؛ تريد أنها تخشى أن تكفر حق زوجها بالإسلام فتطلب المفارقة؛ فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟" - وكان قد أعطاها إياها مهراً - قالت: نعم؛ فقال لزوجها ثابت رضي الله عنه: "اِقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً"(1). وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاَقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ" (2)، وهذا الحديث يدل على أن سؤالها الطلاق - من غير سبب يقتضيه - من كبائر الذنوب؛ لأنه جاء فيه الوعيد .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
جواز الطلاق لمصلحة ولو بغير رضا الوالدين
أنا رجل بار بوالديّ في طاعة الله، فأمراني بالزواج من فتاة لا أرغبها؛ لأنها لا تتخلق بصفات الإسلام، وهما مصران على ذلك، فتزوجتها وأنا لا أريدها، فأصابها مس جني - حفظكم الله من كل مكروه - وكان ذلك بعد الزواج، فشفاها الله، وأنا لا أزال أكرهها لمعاملتها وأخلاقها السيئة، وحاولت حبها لطاعة والدي، فلا أستطيع، فأريد طلاقها فأخاف غضب والدي عليّ. أفيدوني في ذلك جزاكم الله خيراً .
__________
(1) …البخاري (5273)، وأطرافه عنده .
(2) …أحمد (5/277، 283)، والدارمي (2270)، وأبو داود (2226)، والترمذي (1187) وقال: «حديث حسن»، وابن ماجه (2055)، والحاكم 2/200 (2809) وصححه ووافقه الذهبي.(3/364)
إذا كنت تكره هذه المرأة نفسياً أو أخلاقياً فلك أن تطلقها ولو لم يوافق والداك على طلاقها؛ لأنه ليس لهما أن يجبراك عليها وأنت تكرهها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّما الطاعةُ فِي المَعْرُوف" (1)، ولعدم توافر مقاصد النكاح .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/136)
لا طاعة للوالدة في طلاق الزوجة بدون سبب
إن السائل تزوج امرأة، وأنجبت منه أولاداً ثم طالبته والدته بطلاق زوجته دون سبب أو عيب في دينها، بل ذلك لحاجة شخصية، وحاولت أخته وبعض أهل الخير إقناعها، فلم تقتنع إلا بطلاقها، وخرجت من البيت وسكنت مع إحدى بناتها فوقع في حرج من خروجها، لكن زوجته غالية عنده، ولم يعرف عنها إلا الخير .. فماذا يصنع ؟ أفتوني .
إذا كان الواقع كما ذكر السائل، من أن أحوال زوجته مستقيمة، وأنه يحبها وغالية عنده، وأنها لم تسيء إلى أُمِّه، وإنما كرهتها لحاجة شخصية، وأمسك زوجته وأبقى على الحياة الزوجية معها - فلا يلزمه طلاقها طاعة لأمه؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّما الطاعةُ في المَعْروف"(2)، وعليه أن يَبَرَّ أُمَّهُ ويَصِلَها بزيارتها والتلطف معها والإنفاق عليها، ومواساتها بما تحتاجه، وينشرح به صدرها، ويرضيها بما يقوى عليه، سوى طلاق زوجته، والله المستعان .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/29، 30)
حكم طلب الطلاق لِعُقْم الزوج
هل يحق للمرأة التي لا ينجب زوجها الأطفال أن تطلب الطلاق منه ؟ وهل لها حق في المهر المتأخر ؟
__________
(1) …جزء من حديث أخرجه: البخاري (4340، 7145، 7257)، ومسلم (1840).
(2) …جزء من حديث أخرجه: البخاري (4340، 7145، 7257)، ومسلم (1840).(3/365)
إن كانت قد علمت ذلك قبل العقد، وعُرف أنه عقيم لا يولد له وأقدمت على الزواج منه - فلا حق لها في طلب الطلاق ؛ فإن لم تعلم ذلك، فإن لها الحق في ذلك ؛ لأن طلب الولد مَرْكُوز في هِمَّة كثير من الرجال والنساء، فلها الحق بعدما تعرف ذلك إما بطول مقامها معه، وإما معرفة ذلك بإقامته مع غيرها، فحينئذ لها ذلك. فإن كانت عالمة بذلك أو قد عرفت فليس لها الحق ؛ لأن ذلك يعتبر شرطًا - كأنه قد شرط عليها المقام معه ولو كان عقيمًا .
ومتى طلبت الطلاق بحق لفقد شرط أو نحو ذلك فلها كامل الصداق مقدَّمه ومؤخره، فإن طلبت الطلاق بدون وجود عيب ونحو ذلك فليس لها حق؛ بل له أن يطلب منها مالاً تدفعه مقابل فراقها، ويسمى «عِوَض الخُلْع».
الشيخ ابن جبرين - فوائد وفتاوى تهم المرأة المسلمة، ص (142)
لا يقع طلاق بُنِيَ على أمرٍ ظَهَر خلافُه
رجل جاءه مكاتيب مزيفة على أهله، فظن صدقها، فطلق زوجته لأجل ذلك، ثم تبين له زيفها بعد ذلك؛ ويسأل هل يقع طلاقه والحال ما ذكر ؟
إذا كان الأمر كما ذكر بأن المطلق لم يطلق زوجته إلا بناء على هذه المكاتيب التي كان يعتقد صحة ما فيها، ثم تبين له أنها مزورة ومكذوبة - فإن طلاقه والحال ما ذكر لا يقع؛ لأن الطلاق المذكور على الصفة المذكورة يعتبر من قبيل الطلاق المُعلَّق على شرط لم يقع .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/165)
صفة الطلاق البِدْعِي وحكمه
هل الطلاق البدعي يقع أو لا ؟ وإذا وقع هل يعد طلقة واحدة أو ثلاثة ؟
الطلاق البدعي أنواع، منها: أن يطلق الرجل امرأته في حيض، أو نفاس، أو في طُهْر مَسَّها فيه، والصحيح في هذا أنه لا يقع. ومنها: أن يطلقها ثلاثاً، والصحيح أنه يعتد به طلاقاً، ويعتبر طلقة واحدة على الصحيح من أقوال العلماء إذا كان ثلاثاً بلفظ واحد .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(3/366)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/58)
حكم طلاق الثلاث بلفظ واحد
رجل طلق امرأته ثلاثاً بلفظ واحد؛ فهل تعد واحدة أو ثلاثاً ؟
تعتبر طلقة واحدة على الصحيح من أقوال العلماء؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنهما طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجَلُوا في أمرٍ قد كانت لهم فيه أَنَاة، فلو أَمْضَينَاهُ عليهم، فأَمْضَاهُ عليهم(1)، رواه مسلم في (صحيحه)، وقال الجمهور: يعتبر ثلاثاً، كما أمضاه عمر. وارجع في تفصيل الأقوال ودليل كلٍّ وبيان الراجح منها إلى كتاب (زاد المعاد)(2) ، للعلامة ابن القيم رحمه الله .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/163)
حالات الطلاق بالثلاث وأحكامها
إذا طلق الرجل زوجته بالثلاث .. هل يجوز له مراجعتها ؟ وإذا أمر الرجل زوجته بالذهاب إلى أهلها هل يكون ذلك طلاقاً لها ؟ وهل تمكن مراجعتها بعد ذلك ؟
إن تطليق الرجل امرأته بالثلاث فيه تفصيل: وهو أن تطليقه لها بالثلاث قد يكون في أوقات متعددة فيطلقها ثم يراجعها في العدة أو بنكاح جديد بعد خروجها من العدة، ثم يطلقها طلقة ثانية ثم يراجعها في العدة أو بنكاح جديد بعد خروجها من العدة، ثم يطلقها الطلقة الثالثة، فهذه الزوجة، والحال ما ذكر - تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره، نكاح رغبة ويطأها؛ لقول الله عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البَقَرَة، من الآية: 230] .
__________
(1) …أحمد (1/314)، ومسلم (1472)، بهذا اللفظ عن ابن عباس رضي الله عنهما .
(2) …«زاد المعاد» (5/247 - 271) .(3/367)
وقد أجمع العلماء على ذلك، ويلحق بهذه الصورة صور أخرى عند عامة أهل العلم؛ منها: إذا قال لها: أنتِ طالق، ثم طالق، ثم طالق، أو قال: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، ولم يقصد في هذه الصورة الأخيرة تأكيداً ولا إفهاماً، ومنها: لو قال: أنتِ طالق، وطالق، وطالق، أو قال: طالق، فطالق، فطالق، وأشباه ذلك، ففي هذه الصور كلها تقع عليها الطلقات الثلاث، ولا يحل له الرجوع إليها حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة ويطأها؛ للآية المذكورة، ولحديث عائشة رضي الله عنها: أن امرأة رفاعة القرظي طلقها البتَّةَ، فتزوجت بعده عبدالرحمن بن الزبير، وذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه لم يتمكن من وطئها؛ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أتُريدين أن تَرْجِعي إلى رِفَاعَة ؟ لا؛ حتى تَذُوقي عُسَيْلَتَهُ ويذوقَ عُسْيَلَتَكِ"(1). متفق عليه. والمراد بذوق العُسَيْلَة: (الجماع) عند أهل العلم .
__________
(1) …البخاري (2639) وأطرافه فيه، ومسلم (1433).(3/368)
ومن صور الطلاق بالثلاث: إذا طلق الرجل امرأته بالثلاث واحد كأن يقول لها: أنت طالق بالثلاث، أو مطلقة بالثلاث؛ فهذه الصورة ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها تقع بها الثلاث على المرأة، وتحرم على زوجها بذلك حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة ويطأها كالصور السابقة، واحتجوا على ذلك بالآية الكريمة المذكورة آنفاً، وبأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمضاها على الناس. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها تعتبر طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة حلت له بنكاح جديد، واحتجوا على ذلك بما ثبت في صحيح مسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الطلاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أَنَاة، فلو أَمْضَيْنَاهُ عليهم؛ فأمْضَاهُ عليهم(1). وفي رواية أخرى لمسلم: أن أبا الصهباء قال لابن عباس رضي الله عنهما: ألم تكن الثلاث تُجْعَل واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من عهد عمر رضي الله عنه ؟ قال: بلى(2). واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد في المسند بسند جيد: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أبا رُكَانة طلق امرأته ثلاثاً فحزن عليها؛ فردَّها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنها واحدة(3). وحملوا هذا الحديث والذي قبله على الطلاق بالثلاث بلفظ واحد جمعاً بين هذين الحديثين، والآية الكريمة السابق ذكرها، وذهب إلى هذا القول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية صحيحة عنه، وذهب إلى قول الأكثرين في الرواية الأخرى عنه، ويروى القول بجعلها واحدة عن علي وعبدالرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعاً، وبه قال جماعة من
__________
(1) …أحمد (1/314)، ومسلم (1472)، بهذا اللفظ عن ابن عباس رضي الله عنهما .
(2) …مسلم (1472)، بنحوه .
(3) …أحمد (1/165)، بنحوه وزيادة .(3/369)
التابعين، ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة، وجمع من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، وهو الذي نفتي به؛ لما في ذلك من العمل بالنصوص كلها، ولما في ذلك أيضاً من رحمة المسلمين والرفق بهم .
أما المسألة الثانية: وهي ما إذا قال الرجل لزوجته: اذهبي إلى أهلك إلى آخره .. فالجواب: هذا فيه تفصيل: فإن كان الزوج حين قال لها: اذهبي إلى أهلك أراد طلاقها طلقت بذلك واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ فإن خرجت من العدة قبل مراجعته لها لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعاً. أما إن كان لم ينو بذلك الطلاق فإنه لا يقع عليها شيء، بل هي باقية في عصمته؛ لأن هذه الكلمة وأشباهها تعتبر من كنايات الطلاق، والكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية؛ ولهذا لما قال كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه لزوجته - لَمَّا أُمِرَ باعتزالها -: (اِلْحَقِي بأهلِك)؛ لم يقع عليها شيء بذلك؛ لكونه ما أراد الطلاق، وإنما أراد بقاءها عند أهلها حتى يحكم الله في أمره، وأمر صاحبيه؛ بسبب تخلفهم عن غزوة تبوك، والقصة معروفة في السير والمغازي(1)، وفي تفسير قوله تعالى في سورة براءة: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} الآية [التّوبَة، من الآية: 118] .
وأسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياك وسائر إخواننا الفقه في دينه والثبات عليه، والسلامة من مضلات الفتن؛ إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (21/397)
هل يقع الطلاق بحديث القلب والنية ؟
أنا شاب في العشرين، والحمدلله، متزوج؛ ولكن صار معي أنني بيني وبين نفسي أحلف بالطلاق دون الجهر بالقول، أطلب من الله ثم منكم إفادتي في هذا الموضوع جزاكم الله عنا ألف خير .
__________
(1) …وهي في صحيحي: (البخاري) (4418)، ومسلم (2769).(3/370)
إذا كان ما يحصل معك هو من قبيل أحاديث القلب دون نطق باللسان بما ذكرت فإنها وساوس من وساوس الشيطان، ولا حرج عليك في ذلك إن شاء الله، ولا يقع بذلك طلاق ما لم تتكلم به أو تعمل، ككتابة طلاق زوجتك، ويدل لذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الله تَجاوَزَ عن أُمَّتي ما حَدَّثَتْ به أَنْفُسَها ما لم تَعْمَل أو تَتَكَلَّم" (1) رواه البخاري ومسلم.
وننصحك بكثرة قراءة القرآن والأدعية والأذكار المشروعة والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم لدفع وساوس الشيطان عنك، مع الإعراض عن ذلك إذا عرض لك، والاشتغال بما ينفعك في أمور دينك ودنياك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/213)
حكم خروج المُطَلَّقَة الرَّجْعِيَّة أو إخراجها من البيت
إن المطلقة تبقى في بيت زوجها بعد الطلاق إلى انقضاء المدة المحددة لها، فكيف يكون للزوجة أن تبقى في بيت الزوج وهي طالق إلى انقضاء المدة المحددة لها، وكيف تكون هي وزوجها في هذا البيت بعد الطلاق ؟
إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً رجعياً، مثل: أن يطلقها طلقة واحدة بعد الدخول بها، وكان طلاقه إياها بلا عوض منها - وجب عليها أن تقعد في بيتها عند زوجها، وحرم عليها أن تخرج منه ما دامت في العدة، وحرم عليه أن يخرجها منه حتى تنقضي العدة، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة؛ لأنها في حكم الزوجة، وله الحق في مراجعتها أيام عدتها بشهادة عدلين، ولو لم ترض بالرجعة، ولا يتوقف رجوعها إليه على عقد جديد ولا مهر ولا على رضاها .
__________
(1) …البخاري (2528، 5269، 6664)، ومسلم (127).(3/371)
أما إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً بائناً، مثل: أن يطلقها قبل الدخول بها أو بعد الدخول ولكن على عوض - فإنها تصير بهذا أجنبية منه، فلا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين برضاها، ولا يكفي في هذه الحالة الرجعة كما كتبت في الحالة الأولى، ولا يجوز له أن يخلو بها، ولا يرى منها إلا ما يجوز أن يراه الأجانب منها .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/62)
من أحكام الطلاق الرَّجعي
يوجد عندي زوجة ذات أخلاق سيئة جدًّا، وأريد أن أؤدبها ؛ حيث إنني أطلقها طلقة واحدة وأرسلها إلى بيت أهلها، ثم أقوم بمراجعتها قبل انتهاء العدة بشهادة شاهدين وإثبات ذلك في ورقة. وأن عملي هذا كان القصد منه تأديبها فقط ؛ فهل هذه الطريقة صحيحة أم لا ؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً .
السنَّة لمن أراد الطلاق أن يطلق واحدة ويتركها في بيتها مع تجنب مسها، وهي لا تحتجب عنه ؛ فإن بدا له راجعها في العدة، فإن انتهت العدة قبل الرجعة حَلَّت لغيره .
أما إرسالها إلى بيت أهلها كتأديب مع الطلاق فجائز ؛ لكن لابد من رجعتها قبل انتهاء العدة بشهادة شاهدين، ولابد من إخبارها قبل العدة حتى لا تتزوج قبل علمها بالرجعة. ولا بأس أن يؤخر الرجعة إلى قُبَيل انتهاء العدة، والأولى كتابة الرجعة في ورقة مع توقيع الشاهدين، والله أعلم . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - النخبة من الفتاوى النسائية، ص (100)، جمع : عبدالله الحوطي
صفة الغضب الذي يمنع وقوع الطلاق(3/372)
رجل حلف على زوجته أنها لا تخرج من بيته إلى بيت أبيها بقصد الفرار(1) عليه إلا بإذنه، وإذا خرجت بغير إذنه فهي طالق. فخرجت الزوجة المذكورة إلى بيت أبيها، وعند سؤال زوجها لها أفادت بأنها لم تخرج إلا للزيارة وحلفت على ذلك، إلا أن الرجل اعتبرها طلقة وراجع عند أحد الفقهاء. وبعد خمسة أشهر تقريباً حدث بين الزوجين نزاع وطلق الرجل زوجته طلقة واحدة صريحة لا شبهة فيها ثم راجع مرة أخرى على يد أحد الفقهاء، وبعد سنة تقريباً طلق الزوج المذكور زوجته المذكورة بقوله: (اذهبي إلى أهلك وأنت طالق)، وعند مراجعته ذكر أنه كان على غير شعور منه وفي حالة غضب، ويذكر أنه كان مسافراً وأثناء السفر أعطاه أحد المسافرين علاجاً يبعد عنه النوم في السفر، ولم يكن يدري بتأثير ذلك العلاج وحلف بالله على ذلك؛ فما هو الجواب أثابكم الله وأجزل لكم الأجر ؟
لا شك في وقوع الطلقتين السابقتين وإنما الإشكال في وقوع الطلقة الثالثة، وللعلماء في مثلها قولان:
أحدهما: عدم الوقوع إذا كان الغضب شديداً وأسبابه واضحة .
والثاني: وقوع الطلاق إذا لم يكن الغضب قد أزال شعوره وألحقه بغير العقلاء، أما مجرد الغضب فلا يمنع وقوع الطلاق عند الجميع .
وبذلك يُعلم أن الغضبان له ثلاث حالات:
إحداها: يقع فيها الطلاق إجماعاً؛ وهي ما إذا كان الغضب عادياً لا يوصف بالشدة .
الثانية: لا يقع فيها الطلاق إجماعا؛ وهي ما إذا كان الغضب قد اشتد حتى زال معه الشعور وصار صاحبه في عداد المعتوهين .
والثالثة: ما بين ذلك وهي محل الخلاف، والأرجح فيها عدم الوقوع؛ لأن الغضبان إذا اشتد به الغضب لم يضبط نفسه ولم يملك القدرة على عدم إيقاع الطلاق؛ لأن شدة الغضب تلجئه إلى إيقاعه ليفرج عن نفسه ما أصابها ويدفع عنها نار الغضب؛ فهو بمثابة المكره .
__________
(1) …كذا في المطبوع؛ ولعلها: (القراءة).(3/373)
وقد ذكر هذه الأحوال الثلاث جمع من أهل العلم: منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، واختارا عدم الوقوع في الحالة الوسطى وألحقا صاحبها بالمكره وبمن زال عقله(1). والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (21/372)
صفة المُخَالَعَة ومشروعيتها عند كُرْه الزوج
امرأة كرهت زوجها، لا تعيب فيه خلقاً ولا ديناً، ودفعت له كامل ما أخذته من صداق؛ فهل يجبر هذا الزوج على طلاق زوجته وإن كان متمسكاً بها وهي كارهة جداً له ؟
إذا كرهت المرأة زوجها وخافت ألا تقيم حدود الله، شرع حينئذ الخُلْع؛ بأن ترد عليه ما أعطاها من الصداق ثم يفارقها؛ لحديث امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه، أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: ما أَنْقِمُ على ثابت في دِين ولا خُلق، إلا أني أخاف الكفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ ، فقالت: نعم؛ فرَدَّتْها عليه، وأمره ففارقها"(2)؛ رواه البخاري. وإذا حصل نزاع بينهما فإن مرد ذلك إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/411)
المُخْتَلِعَة تعتد بحيضة واحدة
رجل تغيب عن زوجته في السفر لمدة عشرين سنة، وبعد هذه المدة أرسل لها طلاقها بالخلع طلاقاً صحيحاً، وتريد هذه المرأة أن تتزوج.. فهل عليها عدة حيث إن زوجها سافر عنها من مدة عشرين سنة ولم يباشرها ؟ وهل العدة لاستبراء الرحم أم لغير ذلك ؟
__________
(1) …انظر: «إعلام الموقعين» (4/50- 52)، و«طلاق الغضبان» ص (69- 71)، وكلاهما لابن القيم رحمه الله.
(2) …رواه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: البخاري (5273 - 5276)، وغيره.(3/374)
إذا كان الواقع كما ذكرتم فلا ريب أن عليها العدة؛ لأن العدة لا تكون إلا بعد الطلاق ولو طالت غيبة الزوج عن المطلقة؛ لقول الله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} الآية [البَقَرَة: 228] .
أما الحكمة في ذلك: فقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب (إعلام الموقعين)(1) بحثاً نفيساً في هذا الموضوع، كما ذكر أن الحكمة لا تختص بقصد براءة الرحم بل هناك حِكَمٌ أخرى؛ ولهذا وجبت العدة على المتوفى عنها زوجها وإن لم يدخل بها، وإن كانت صغيرة ليست ممن يُظن بها الحمل وهكذا الآيسة؛ وبذلك يُعلم أن لله سبحانه حِكماً في العدد سوى براءة الرحم. لكن إذا كانت المرأة التي ذكرتم قد بذلت له مالاً فطلقها على ذلك فإنها تكون بذلك مختلعة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن المختلعة يكفيها حيضة واحدة، وقد أفتى بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه وجماعة من السلف والخلف، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم(2) رحمة الله عليهما، وهو الصواب إن شاء الله، ولا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك خوفاً من فوات الكفؤ إذا طُلِبَ منه الانتظار إلى مضي ثلاث حِيَض أو ثلاثة أشهر في حق الآيسة ونحوها. وأسأل الله عزوجل أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه. إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (22/174)
حكم المخالَعة بأكثر من المهر
رجل تزوج بامرأة، ودفع لها مهرها سبعة آلاف ريال، ثم إنها لم ترض به بعد ذلك زوجاً لها، فجاءه ابن عمها وطلب منه أن يخالعها بالمهر الذي دفعه لها، فامتنع إلا بزيادة ثلاثة آلاف (3000) ريال، ويسأل: هل تجوز له هذه الزيادة ؟
__________
(1) …(2/89 - 92) .
(2) …انظر: «إعلام الموقعين» (2/88، 89) .(3/375)
لا يظهر لنا بأس في أخذ الزوج الزيادة التي طلبها على دفعه مهراً لها، وذلك في مقابلة مخالعته إياها؛ حيث يظهر من السؤال أنها هي التي ترغب في مخالعته لعدم رضاها به .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/408)
صفة الإيلاء من الزوجة وحكمه
هل يجوز لإنسان أن يحلف على زوجته بعدم ممارسة العملية الجنسية مهما كلفت الظروف ؟ بذلك حلف على هذا وعاد مع زوجته الآن .. هل هذا يجوز أم لا ؟
لا يجوز للمسلم أن يحلف على ترك وطء زوجته، فإن فعل ذلك ضربت له مدة أربعة أشهر، فإن رجع عن إيلائه ووطئها فقد فاء، وإن أبى الفيئة فرق بينهما الحاكم الشرعي؛ لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}[البَقَرَة] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/260)
صفة الظهار وحكمه
سافر رجل من بلدة إلى بلد آخر، وترك زوجته في بيته مع أبيه وأمه، وفي أيام سفره جاءه خبر بأن زوجته خرجت من بيته وعادت إلى بيت أهلها، فلما بلغه الخبر قال: لقد حرمت علي كما حرمت علي أمي، ثم تبين له بعد ذلك أن الخبر الذي بلغه صدق.. فما الحكم ؟(3/376)
إذا كان الأمر كما ذكرت من قولك: (لقد حرمت علي كما حرمت علي أمي) بناء على ما بلغك من خروجها من بيتك، ثم بلغك صدق الخبر؛ فالذي حصل منك ظِهَار، وهو محرم، تجب عليك التوبة منه؛ لقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاََّّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}[المجَادلة، من الآية: 2]. وإذا أردت أن تعود لزوجتك فعليك أن تصوم شهرين متتابعين قبل أن تستمتع بزوجتك، وذلك حيث لا تجد رقبة تعتقها، فإن لم تستطع الصيام فعليك إطعام ستين مسكيناً قبل الاستمتاع بزوجتك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/266، 267)
صوم كفَّارة الظِّهار لا يقطعه الفطر الواجب
رجل عليه كفارة ظهار صيام شهرين متتابعين، وفي أثناء الكفارة جاء عيد الأضحى وأيام التشريق الثلاثة؛ فهل يصوم ويكمل الكفارة أم يفطر هذه الأيام ؟
الفطر الواجب كفطر يوم العيد وأيام التشريق لا يقطع التتابع في صوم الكفارة؛ لأنه فطر مأذون فيه شرعاً، فإذا انتهى الفطر الواجب فإنه يبني على ما مضى من صيامه الكفارة - والحمد لله - حتى يكمل الشهرين ستين يوماً .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/317)
العِدد الشرعية ومقاديرها
كم عدة الأصناف التالية ذكرهم :
1 - المطلقة 2 - الحائض 3 - الصغيرة 4 - النفساء 5 - الحامل 6 - المستحاضة 7 - الآيسة ؟
المعتدات ستة أصناف:
الصنف الأول: الحامل وعدتها من موت زوج أو طلاق هي: وضع كامل الحمل؛ لقوله تعالى: {وَأُولاَتُ الأَْحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطّلاَق، من الآية: 4] .(3/377)
الصنف الثاني: المتوفى عنها زوجها من غير حمل، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام من حين موته؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البَقَرَة، من الآية: 234] .
الصنف الثالث: المرأة ذات الحيض، وعدتها من طلاق وفسخ هي ثلاثة قروء؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}[البَقَرَة، من الآية: 228] .
الصنف الرابع: المرأة التي لا تحيض إما لصغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: {وَاللاََّّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاََّّئِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطّلاَق، من الآية: 4]، ومثلها المستحاضة .
الصنف الخامس: المرأة التي ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه فعدتها سنة؛ لقول الشافعي(1): هذا قضاء عمر رضي الله عنه بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكِر علمناه .
الصنف السادس: امرأة المفقود، وتعتد بعد مدة التربص أربعة أشهر وعشراً عدة الوفاة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/402 - 404)
الحكمة من فرض العدة على النساء
ما الحكم من فرض العدة على النساء بعد وفاة أزواجهن، فإذا كان من الأسباب لمعرفة أنها حامل أم لا فلماذا فرضت أربعة شهور وعشرة أيام لا يحق لها الزواج ولا الخروج من البيت ولا الزينة ؟ مع أنه أمكن بالطب الحديث معرفة وجود حمل أو عدمه خلال أربع وعشرين ساعة؛ فما هو رأي سماحتكم على ذلك ؟
شرع الله سبحانه العدة على النساء لحكم كثيرة، ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقِّعين» (2) وهذا نص كلامه وفيه الكفاية:
__________
(1) …انظر: «المغني» لابن قدامة (8/89).
(2) …«إعلام الموقعين» (2/85) .(3/378)
فأما المقام الأول: ففي شرع العدة عدة حكم:
منها: العلم ببراءة الرحم، وأن لا يجتمع ماء لواطِئَيْن فأكثر في رحم واحد، فتختلط الأنساب وتفسد، وفي ذلك من الفساد ما تمنعه الشريعة والحكمة .
ومنها: تعظيم خطر هذا العقد، ورفع قدره، وإظهار شرفه .
ومنها: تطويل زمان الرجعة للمُطَلِّق؛ إذ لعله يندم ويفيء فيصادف زمناً يتمكن فيه من الرجعة .
ومنها: قضاء حق الزوج، وإظهار تأثير فقده في المنع من التزين والتجمل، ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد .
ومنها: الاحتياط لحق الزوج ومصلحة الزوجة وحق الولد، والقيام بحق الله الذي أوجبه، ففي العدة أربعة حقوق. وقد أقام الشارع الموت مقام الدخول في استيفاء المعقود عليه؛ فإن النكاح مدته العمر، ولهذا أقيم مقام الدخول في تكميل الصداق، وفي تحريم الربيبة عند جماعة من الصحابة ومن بعدهم، كما هو مذهب زيد بن ثابت رضي الله عنه وأحمد في إحدى الروايتين عنه، فليس المقصود من العدة مجرد براءة الرحم؛ بل ذلك من بعض مقاصدها وحكمها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/408)
حكم استبراء الرحم بالطرق الطبية
ما رأيكم في الاستبراء عن طريق الكشف الطبي بالوسائل الحديثة ؟
الله تعالى هو الذي شرع الشرائع في العبادات والأنكحة والمعاملات، وله سبحانه كمال العلم بما كان وما سيكون، ولم يشرع الاستبراء بطريق الكشف الطبي بالآلات الحديثة، وما كان ربك نسياً؛ فلا يجزئ الاستبراء بذلك بدلاً من الاستبراء أو الاعتداد بما عرف شرعاً بالقرآن والسنة وشرحته كتب الفقه الإسلامي .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/487)
ليس على المطلقة غير المدخول بها عدة
الزوجة التي لم يدخل بها زوجها إذا طلقها قبل دخوله بها .. هل له عدة عليها ؟(3/379)
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزَاب، من الآية: 49]؛ فهذه الآية صريحة في أن من طلقها زوجها قبل المسيس فليس له عليها عدة تعتدها .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/399)
المرأة المتوفى عنها غير المدخول بها عليها العدة
رجل عقد قرانه على امرأة ومات ولم يدخل عليها، أفيدونا هل على زوجته عدة وما إلى ذلك أم لا ؟
المرأة المتوفى عنها تجب عليها العدة؛ سواء كانت مدخولاً بها أو لا، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها؛ لعموم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البَقَرَة، من الآية: 234] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/399)
الطلاق الثاني أثناء العدة يقع دون عدة أخرى
ما حكم من طلق زوجته طلقة واحدة، وأثناء العدة أعاد تطليقها للمرة الثانية؛ هل تحرم عليه بانتهاء عدة التطليقة الأولى أو انتهاء العدة للتطليقة الأولى والثانية ؟
إذا طلق الرجل امرأته طلقة واحدة وأثناء العدة أوقع الطلقة الثانية فإنها تحرم عليه زوجته بانتهاء العدة من الطلقة الأولى .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/426)
المشروع وغير المشروع للمعتدة من وفاة
أرجو التكرم من فضيلتكم التحدث عن الأمور التي يجب اتباعها وقت الإحداد مثل: الملبس، والكلام في التليفون، والخروج إلى الجيران للزيارة .(3/380)
المرأة المعتدة من وفاة يحرم عليها لبس الزينة من ثياب وحلي، ويحرم عليها التزين في بدنها بالخضاب والكحل ومواد التجميل، ولا بأس بإزالة ما تتأذى منه، وعمل السنة بقص الأظافر، وأخذ الشعور التي يشرع أخذها من البدن، ويحرم عليها التطيب بأنواع الطيب في بدنها ولباسها، ويلزمها البقاء في بيت الزوجية إلى أن تكمل العدة، ويجوز لها الخروج لحاجتها نهاراً لا ليلاً، ويجوز لها الكلام في التلفون إذا كان لا يترتب عليه فتنة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/448)
حكم الإحداد على الملوك والزعماء
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه .. أما بعد:(3/381)
فقد جرت عادة الكثير من الدول الإسلامية في هذا العصر بالأمر بالإحداد على من يموت من الملوك والزعماء لمدة ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر، مع تعطيل الدوائر الحكومية وتنكيس الأعلام. ولا شك أن هذا العمل مخالف للشريعة المحمدية، وفيه تشبه بأعداء الإسلام، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عن الإحداد وتحذر منه إلا في حق الزوجة فإنها تحد على زوجها أربعة أشهر وعشراً، كما جاءت الرخصة عنه صلى الله عليه وسلم للمرأة خاصة أن تحد على قريبها ثلاثة أيام فأقل، أما ما سوى ذلك من الإحداد فهو ممنوع شرعاً، وليس في الشريعة الكاملة ما يجيزه على ملك أو زعيم أو غيرهما، وقد مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبرهيم وبناته الثلاث وأعيان آخرون فلم يحد عليهم عليه الصلاة والسلام. وقتل في زمانه أمراء جيش مؤتة: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة رضي الله عنهم فلم يحد عليهم، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأفضل الأنبياء وسيد ولد آدم، والمصيبة بموته أعظم المصائب ولم يحد عليه الصحابة رضي الله عنهم، ثم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو أفضل الصحابة، وأشرف الخلق بعد الأنبياء فلم يحدوا عليه، ثم قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء وبعد أبي بكر الصديق فلم يحدوا عليهم، وهكذا مات الصحابة جميعاً فلم يحد عليهم التابعون، وهكذا مات أئمة الإسلام وأئمة الهدى من علماء التابعين ومن بعدهم كسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين زين العابدين وابنه محمد بن علي، وعمر بن عبدالعزيز، والزهري، والإمام أبي حنيفة وصاحبيه، والإمام مالك بن أنس، والأوزاعي، والثوري، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة العلم والهدى فلم يحد عليهم المسلمون، ولو كان خيراً لكان السلف الصالح إليه أسبق، والخير كله في اتباعهم، والشر كله في(3/382)
مخالفتهم، وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أسلفنا ذكرها على أن ما فعله سلفنا الصالح من ترك الإحداد على غير الأزواج هو الحق والصواب، وأن ما يفعله الناس اليوم من الإحداد على الملوك والزعماء أمر مخالف للشريعة المطهرة مع ما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة وتعطيل المصالح والتشبه بأعداء الإسلام .
وبذلك يُعلم أن الواجب على قادة المسلمين وأعيانهم ترك هذا الإحداد، والسير على نهج سلفنا الصالح من الصحابة ومن سلك سبيلهم، والواجب على أهل العلم تنبيه الناس على ذلك وإعلامهم به؛ أداءً لواجب النصيحة، وتعاوناً على البر والتقوى. ولما أوجب الله سبحانه من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .. رأيت تحرير هذه الكلمة الموجزة .
وأسأل الله عز وجل أن يوفق قادة المسلمين وعامتهم لكل ما فيه رضاه، والتمسك بشريعته والحذر مما خالفها، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً؛ إنه سميع الدعاء، قريب الإجابة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (22/229)
ما الحكم إذا أسلم الزوج النصراني ؟
إذا أراد رجل نصراني الدخول في الإسلام فما هي الأمور المترتبة على ذلك ؟ ككونه وزوجته متزوجين زواجاً على دينهم السابق، وعندهم عدد من الأولاد .. وهل يجب عليه الختان ؟ علماً أنه قد جاوز الخامسة والثلاثين من عمره .. وما هي الأمور التي يجب تعليمه إياها أولاً ؟
أولاً: يجب أن يعلم الشهادتين، ويفهم معناهما، ويبين له أن عيسى عبدالله ورسوله، وتشرح له أركان الإيمان الستة، وبقية أركان الإسلام الخمسة؛ كل في وقته على ما ثبت في حديث عمر رضي الله عنه في سؤال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم(1) ، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في بعث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن(2).
__________
(1) …مسلم (8 - 10) .
(2) …البخاري (1395) وأطرافه عنده، ومسلم (19).(3/383)
ثانياً: إذا أسلم هو وزوجته؛ فهما زوجان على ما سبق لهما من عقد النكاح، وكذا إذا أسلمت بعده أو أسلم هو بعدها؛ أقرّا على ما كان بينهما من عقد سابق. وهكذا لو أسلم هو ولم تسلم هي، فإنهما يقران على نكاحهما إذا كانت يهودية أو نصرانية محصنة؛ لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المَائدة: 5] .
ثالثاً: من كان من أولادهما لم يبلغ الحلم حكم له بالإسلام، من بلغ دعي إلى الإسلام عسى أن يستجيب .
رابعاً: الختان من سنن الفطرة التي شرعها الله للمسلمين، فيشرع له الختان، إلا إذا خاف الضرر على نفسه فيتركه، فالأفضل ألا يكلم في ذلك إلا بعد أن تستقر قدمه في الإسلام .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/21-22)
ما الحكم إذا أسلمت الزوجة النصرانية ؟
ما الحكم إذا أسلمت امرأة مسيحية وهي متزوجة برجل مسيحي ؟ وبعد أن أشهرت إسلامها تريد أن تتزوج برجل مسلم؛ فما حكم الشرع في هذا ؟
إذا أسلمت المرأة تحت رجل كافر فإنها تحرم عليه، ويُفَرَّق بينهما، ويراعى خروجها من العدة، فإن خرجت من العدة قبل أن يسلم بانت منه بينونة صغرى؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[المُمتَحنَة، من الآية: 10]، وإن أسلم قبل انتهاء عدتها ردت إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد المهاجرات إلى أزواجهن لما أسلموا وهن في العدة، وإن أسلم بعد انتهاء العدة فله تزوجها بعقد جديد .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(3/384)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (19/20)
الفصل الرابع
النسب والرضاع
صحة انتساب من وُلِدَ لستة أشهر إلى أبيه
ما حكم الإسلام إذا تزوج الرجل ومضت ستة شهور فقط، ثم وضعت المرأة ولداً .. هل هو ولد أبيه حقاً أم لا ؟ وكذلك المرأة من أحسن الصادقين.. هل هو ولد أبيه أم لا ؟
إذا وضعت المرأة لستة أشهر فأكثر بعد دخول زوجها بها فالولد للزوج؛ لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف، من الآية: 15]، مع قوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}[لقمَان، من ا لآية: 14]، فإذا أخذ للفصال حولان: أربعة وعشرون شهراً لم يبق للحمل إلا ستة أشهر .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/335)
ينسب الولد بعد المُلاعَنَة إلى أمه
ما حكم ولد تلاعن أبواه.. أهو زنيم أم ابن حلال ؟
إذا تم اللعان الشرعي يلحق بأمه ولا يلحق بمن لاعن أمه، ولا توارث بينهما كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/340)
هل الأولاد من الزوجة التي لا تصلي شرعيون ؟
سمعت في إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة أن أولاد المرأة التي لا تصلي أولاد زنا، فماذا أصنع في الأولاد الذين جاءوا قبل أن تصلي زوجتي، وهل هم أبناء زنا ؟
أولادك من زوجتك قبل توبتها من ترك الصلاة يعتبرون أولاداً لك؛ لوجود شبهة النكاح .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/340)
بِمَ يَتْبَع الولد أباه وبم يتبع أُمَّه ؟(3/385)
قيل: إن المولود يتبع أباه في النسب ويتبع أمه في الحرية والرق، ثم رأيت في كتاب (عدة الباحث في أحكام التوارث) تأليف الشيخ: عبدالعزيز بن ناصر الرشيد، أنه يتبع خير والديه في الدين والولاء، ويدل ذلك على أن الولد إذا مات قبل سن الصلاة يتبع والده إن كان مسلماً، فيصلى عليه ولو لم تكن أمه مسلمة، أو يتبع أمه إن كانت مسلمة فيصلى عليه ولو لم يكن أبوه مسلماً كما فهمت أنا، وإذا كان الأمر كذلك.. فما هي الأدلة من الكتاب والسنة في هذه الأوجه الثلاثة ؟
ما ذكر من التبعية تظهر آثاره في الأحكام الدنيوية من إرث أو عدمه، ومن صلاة الجنازة على من مات من الأولاد قبل سن التكليف، وتغسيله ودفنه في مقابر المسلمين أو عدم ذلك، ولا تناقض في ذلك بين العبارة الأولى وعبارة فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الرشيد في كتابه (عدة الباحث) التي نصها: (والولد يتبع أمه في الحُرَّيَة والرِّقّ، ويتبع خير أبويه في الدين، وفي الولاء والنسب يتبع أباه) .
وما فهمته من أن الولد يتبع المسلم منهما؛ سواء كان أباً أم أُمًّا فيُغَسَّل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ولو كان الطرف الآخر كافراً - فَهْمٌ صحيح، كما لو كانا مسلمين تغليباً لجانب الإسلام؛ لأن الولد يولد على فطرة الإسلام؛ لقول الله سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الرُّوم، من الآية: 30]، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الفِطْرة.. (1) الحديث، وأما تبعيته لأبيه في النسب ولأمه في الحرية والرق فدليله: الإجماع العملي جيلاً بعد جيل، ولعموم قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ}[الأحزَاب: 5] .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
__________
(1) …البخاري (1358) وأطرافه فيه، ومسلم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(3/386)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/341-343)
حكم تغيير الرجل اسم أبيه
ما حكم من غير اسم أبيه جهلاً؛ لمصلحة دنيوية ؟
تغيير الإنسان اسم أبيه لمصلحة دنيوية لا يجوز؛ لأن ما ظنه مصلحة إما أن يكون لكَسْبِ وجاهةٍ بمن انتسب إليه وترفُّعًا عن الانتساب لأبيه، وذلك كبيرة من الكبائر؛ لما فيه من الكذب والزور واحتقار أبيه وازدرائه بالإعراض عن الانتساب إليه. وإما أن يكون كسب مالٍ من إِرْثٍ أو حكومة أو غير ذلك، وهو كبيرة من الكبائر أيضاً؛ لما فيه من الكذب والخداع والتغرير بالنسب، وأكل الأموال بالباطل. ثم فيه تغيير الأنساب، أو يفضي إلى تغيير الأنساب والتلبيس فيها، ويترتب تحريم ما أحل الله وإحلال ما حرم الله من النكاح والأموال وغيرها، وذلك فيه فساد كبير، وقد ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبيهِ وهُوَ يَعْلَمُهُ إلا كَفَر" (1)، وثبت عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنِ ادَّعَى إلى غَيْرِ أَبيهِ وهو يعلَمُ أنه غيرُ أَبيهِ فالجنةُ عليه حَرَام" (2)، وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تَرْغَبُوا عَنْ آبائِكم، فمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْر" (3)؛ رواه البخاري ومسلم .
فتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه وشدد في ذلك حتى حكم عليه بالكفر، وحرم عليه الجنة، فعلى من حصل منه ذلك أن يقلع عنه ويتوب منه إلى الله ويستغفره مما فرط منه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/372)
يحرم إلحاق المُتَبنَّى بنسب مُتبنِّيه
__________
(1) …جزء من حديث أخرجه: البخاري (3508)، ومسلم (61).
(2) …البخاري (4326، 6766)، ومسلم (63).
(3) …أحمد (2/526)، والبخاري (6768)، ومسلم (62).(3/387)
ما قولكم أدامكم الله في رجل تبنى طفلاً وتربى تحت رعايته، وأضافه في حفيظة نفوسه وحرر بذلك صكاً شرعياً وأورثه في الإرث نظراً لأنه عقيم؛ فهل يجيز الشرع النسب الذي يراه المتبني وعدم فضيحة الولد وانهيار أعصابه أو الجنون إذا علم أنه ليس ابناً شرعياً لهذا المتبني ؟ فما قولكم في فتيانا أفيدونا آجركم الله ؟ فهل يحرم النسب وانتسابه ؟ وإذا حذفنا النسب فهل يجوز توريثه ؟
ما قمت به من تَبَنِّي الطفل الذي أشرت إليه وتسجيله في حفيظتك على أنه ابنك وتثبيت ذلك بصك لكي يرثك على أنه ابن لك - خطأ محض، وتجاوز على حدود الله، وكذب على المسؤولين في الدولة بإفادتهم بخلاف الواقع، فالتبني لا يجوز في الإسلام؛ لقوله سبحانه وتعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاََّّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}[الأحزَاب] . والإفادة بخلاف الواقع لا تجوز؛ لكونها تزويراً وكذباً محضاً، وذلك كله محرم بأدلة كثيرة مذكورة في مواضعها، وما عملته لا يلحقه بنسبك ولا يجعله وارثاً لك، وعليك التوبة إلى الله سبحانه وتصحيح وضع الكتابات الرسمية المتعلقة به لدى المعنيين بذلك، عسى الله أن يغفر لنا ولك ما فرط منا ومنك من الذنوب، وأن يجزيك على تربيته والإنفاق عليه خير الجزاء، وإن أوصيت له بشيء من ثلثك فهو حسن، وإن أعطيته عطية ناجزة فهو أحسن إذا كان محتاجاً؛ تكميلاً لإحسانك إليه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/351- 353)(3/388)
متى يثبت نسب الولد إلى أبيه ؟
ما حكم ميراث ولد الزنا إن ثبت له النسب ممن ولد منه .. هل يرثه أو لا ؟
الصحيح من أقوال العلماء: أن الولد لا يثبت نسبه للواطئ إلا إذا كان الوطء مستنداً إلى نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة أو ملك يمين أو شبهة ملك يمين؛ فيثبت نسبه إلى الواطئ، ويتوارثان، أما إن كان الوطء زناً فلا يلحق الولد الزاني ولا يثبت نسبه إليه، وعلى ذلك لا يرثه .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/387)
تحريم نسبة المرأة إلى اسم زوجها
قد شاع في بعض البلدان نسبة المرأة المسلمة بعد الزواج إلى اسم زوجها أو لقبه، فمثلاً تزوجت زينب زيداً، فهل يجوز لها أن تكتب: ((زينب زيد)) ؟ أم هي من الحضارة الغربية التي يجب اجتنابها والحذر منها ؟
لا يجوز نسبة الإنسان إلى غير أبيه، قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}[الأحزَاب، من الآية: 5]، وقد جاء الوعيد الشديد على من انتسب إلى غير أبيه .
وعلى هذا فلا يجوز نسبة المرأة إلى زوجها كما جرت العادة عند الكفار، ومن تشبه بهم من المسلمين .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (20/378)
هل المهنة تقدح في النسب ؟
ما حكم الشرع في نظركم فيمن ينعت الصناع وأصحاب المهن الشريفة بالخضيريين، ويقول: إنَّ كل من امتهن هذه المهن فإنه يصبح خضيريا ًمنبوذاً من قبيلته ؟
رأيي أن هذا من دعوى الجاهلية وأنه لا صحة له.. فكم من أناس أصحاب صنائع وهم من صميم قبائل العرب .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
معنى عبارة: (الناس مُؤْتَمَنُونَ على أَنْسَابِهم)(3/389)
أثر عن الإمام مالك رحمه الله قوله: (الناس مُؤْتَمَنُونَ على أنسابِهم)(1) .. فهل هذا يعني عدم مناقشة أو تكذيب من نسب نفسه إلى قبيلة معينة؛ لأنه هو المعني بذلك وحده ؟
معنى كلامه رحمه الله: أن الإنسان إذا انتسب إلى قبيلة وانتمى إليها فإنه يقبل ذلك منه إذا كان محل ثقة وصدق وأمانة، ولايشترط موافقة جميع تلك القبيلة؛ فقد يكون ممن نزح عنها وقد بقي متمسكاً بنسبه حتى يعرف من هو أقرب إليه في الميراث والولاء ونحو ذلك. فإذا تسمى إنسان بأنه من قبيلة بني فلان فإنه مأمون على نفسه؛ ما لم يكن هناك دليل على خطئه ونحوه، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه - بتاريخ 29/10/1420هـ
شروط الرضاع المُحرِّم
ما هو الرضاع المُحرِّم ؟
الرضاع المُحرِّم هو ما حصل بشروط ثلاثة:
الأول: أن يكون من آدمية، فلو ارتضع طفلان من شاة لم يكونا أخوين .
الثاني: أن يكون خمس رضعات متفرقة فأكثر؛ فما دون الخمس لا يُحرِّم .
الثالث: أن يكون في زمن الرضاعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم(2) ؛ فلو كان بعد زمن الرضاعة فإنه لا يؤثر ولا يُحرِّم .
وزمن الرضاعة: قيل: إنه ما كان داخل الحولين فما زاد عليهما فليس من زمن الرضاعة، وقيل: إن زمن الرضاعة ما كان قبل الفطام، وهذا أقرب إلى الصواب . فإذا فُطِم الصبي وصار لا يتغذى باللبن، وإنما يتغذى بالطعام؛ فإن الرضاعة لا تؤثر حينئذ .
__________
(1) …انظر: «المقاصد الحسنة» للسخاوي 1/687 (1230).
(2) …الترمذي (1152)، والنسائي في (الكبرى) (5465)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها، بلفظ: «لا يُحَرِّمُ مِنَ الرِّضَاعَةِ إِلا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» ، وقَالَ الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ». وقد أخرج أبو داوود (2059، 2060) الشطر الأول منه، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.(3/390)
ودليل الشرط الأول: قوله تعالى: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاََّّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 23]، ودليل الشرط الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم: كَانَ فِيْمَا أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُوْمَاتٍ (1)، ودليل الشرط الثالث قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ" (2)، ويُرْوى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا رَضَاعَ إِلا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ، وَكَانَ قَبْلَ الفِطَامِ" (3) .
الشيخ ابن عثيمين - فتوى عليها توقيعه
لا يعتد بالرضاع إلا ما كان في الحَوْلَيْن
الحمدلله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .. أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في رضاع الكبير: هل يؤثر أم لا ؟
__________
(1) …مسلم (1452) .
(2) …البخاري (2647، 5102)، ومسلم (1455) .
(3) …الترمذي (1152)، والنسائي في (الكبرى) (5465)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها، بلفظ: «لا يُحَرِّمُ مِنَ الرِّضَاعَةِ إِلا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» ، وقَالَ الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ». وقد أخرج أبو داوود (2059، 2060) الشطر الأول منه، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.(3/391)
والسبب في ذلك أنه ورد في الحديث الصحيح(1): عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة وكان كبيراً، وكان مولى لدى زوجها، فلما كبر طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم الحل لهذا الأمر، فأمرها أن ترضعه خمس رضعات. فاختلف العلماء في ذلك؛ والصحيح من قولي العلماء: أن هذا خاص بسالم وبسهلة بنت سهيل رضي الله عنهما وليس عاماً للأمة، قاله غالب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم(2) ، وقاله جمع غفير من أهل العلم وهذا هو الصواب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا رَضَاع إلا ما فَتَقَ الأمْعَاءَ وكان قبل الفِطَام" (3)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الرَّضَاعةُ من المَجَاعَة" (4)؛ رواه الشيخان في الصحيحين، ولقوله أيضاً عليه الصلاة والسلام: "لا رَضاعَ إلا في الحَوْلَيْن" (5)، فهذه الأحاديث تدل على أن الرضاع يختص بالحولين ولا يؤثر الرضاع بعد ذلك، وهذا هو الصواب، والله جل وعلا ولي التوفيق.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - (22/262)
حكم إرضاع الكبير
تعلمون حفظكم الله حديث سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما ، وكانت أم حذيفة رضي الله عنها قد ربته في صغره فكان يعتبرها مثل أمه، فلما نزلت آية الحجاب لزمها أن تتحجب منه، فشق ذلك عليهم (سالم وأبي حذيفة وأم حذيفة) فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر سالماً أن يشرب من لبن أم حذيفة فيصير بذلك ابنها من الرضاع. والحديث في مسلم .
__________
(1) …مسلم (1453)، وغيره.
(2) …انظر: (صحيح مسلم) برقم (1454).
(3) …ابن ماجه (1946) مختصراً. وانظر: الفتوى السابقة مع الحاشية.
(4) …البخاري (2647، 5102)، ومسلم (1455) .
(5) …الدارقطني في (سننه) 4/174 (10)، والبيهقي في (الكبرى) (15446، 15447)، مرفوعاً وموقوفاً، والموقوف أرجح. انظر: (تلخيص الحبير) لابن حجر 4/4 (1654).(3/392)
وقد راجعت كلام أهل العلم في المسألة في كتاب: (زاد المعاد)، فوجدت أنهم فريقان ووسط: فريق يرى أن الحديث خاص في حق سالم فقط، وفريق يرى عموم الحديث في سالم وغيره، وفريق يتوسط ويرى أن الحديث عام في سالم وغيره بشرط أن تكون حاله مثل حال سالم وأم حذيفة، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وإني يا شيخ قد ربتني في صغري امرأة أجنبية عني، وقد شق عليها أن تتحجب عني، فأردت أن أعمل بقول شيخ الإسلام في مسألة سالم فعارضني جمع من أقاربها، وطلبوا فتوى شرعية بخصوص هذه المسألة .. لذا أطلب توجيه سماحتكم في هذا الموضوع، وجزاكم الله خيراً .
نرى أن حديث سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه خاص بسالم - كما هو قول الجمهور؛ لصحة الأحاديث الدالة على أنه لا رضاع إلا في الحولين، وهذا هو الذي نفتي به، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ ابن باز - فتاوى ومقالات متنوعة - (22/264)
ما يترتب على الرضاع الشرعي
هناك امرأتان الأولى عندها ولد والثانية عندها بنت، والحاصل أنهم تراضعوا.. فَمَنْ مِنْ إِخوان المتراضعين يحل للثاني ؟(3/393)
إذا أرضعت امرأة طفلاً خمس رضعات معلومات في الحولين أو أكثر من الخمس - صار الرضيع ولداً لها ولزوجها صاحب اللبن، وصار جميع أولاد المرأة من زوجها صاحب اللبن وغيره إخوة لهذا الرضيع، وصار أولاد الزوج صاحب اللبن من المرضعة وغيرها إخوة للرضيع، فصار إخوتها أخوالاً له، وأخوة الزوج صاحب اللبن أعماماً له، وصار أبو المرأة جدّاً للرضيع، وأمها جدةً للرضيع، وصار أبو الزوج صاحب اللبن جداً للرضيع؛ وأمه جدة للرضيع، لقول الله جل وعلا في المحرَّمات من سورة النساء: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاََّّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}[النِّسَاء، من الآية: 23]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ" (1)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا رضَاعَ إلا في الحَوْلَيْن" (2)، ولما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِن القرآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ معلوماتٍ يُحَرِّمْن، ثم نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَات، فتوفِّيَ النبي صلى الله عليه وسلم والأمرُ علَى ذلك .. أخرجه الترمذي(3) بهذا اللفظ، وأصله في صحيح مسلم(4) .
الشيخ ابن باز - مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة (22/274)
اكتشف أن زوجته هي أخته من الرضاع .. فماذا يفعل ؟
رجل تزوج امرأة ومكثت معه حوالي سنتين، واتضح أنها أخته من الرضاعة، وسأل أحد العلماء فقال له : يلزمك أن تفارقها. وبعد حوالي أسبوع من المفارقة تزوجت ؛ فهل هذا الزواج صحيح أم عليها العِدَّة ؟ أفيدونا أثابكم الله .
__________
(1) …البخاري (2645)، ومسلم (1445) - (9).
(2) …الدارقطني في (سننه) 4/174 (10)، والبيهقي في (الكبرى) (15446، 15447)، مرفوعاً وموقوفاً، والموقوف أرجح. انظر: (تلخيص الحبير) لابن حجر 4/4 (1654).
(3) …الترمذي (1150).
(4) …مسلم (1452)، والنص هنا جامع بينهما، وهو أقرب للفظ مسلم.(3/394)
إذا فارقها وابتعد عنها بعد علمه بتحريمها عليه فلابد لها من الاستبراء ؛ وذلك بأن تمكث حتى تحيض حيضة واحدة ليعلم بذلك براءة رحمها، فزواجها قبل الاستبراء فاسد، فعلى الزوج الثاني تجنبها حتى تستبرأ ويجدد العقد، والله أعلم . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ ابن جبرين - النخبة من الفتاوى النسائية ص (68، 69)، جمع : عبدالله الحوطي
حكم الرضاع المشكوك فيه
أرضعت ولد أختي، وأنا شاكة هل رضع أربعاً أو خمساً؛ فماذا أصنع الآن ؟
أرى أن هذا الرضاع لا يحرم؛ على القول المختار أن المحرَّم خمس رضعات معلومات؛ حيث هذا الرضاع مشكوك في عدده، والشك لا يرفع اليقين، ولك أن تتذكري: هل كان الرضاع في مجلس واحد أو في مجالس ؟ وما أسبابه ؟ وأين كانت أمه في ذلك الحين ؟ فإن غلب على ظنك أنها خمس فهو رضاع محرم، وإلا فلا يحرم .
الشيخ ابن جبرين - اللؤلؤ المكين، ص (291)
الأب من الرضاعة ليس مَحْرَماً لزوجة ابنه
رجل رضع من زوجة أخيه رضاعة كاملة ثم تزوج هذا الرجل الراضع، هل يجوز للأخ من النسب الأب من الرضاعة أن يسلم على زوجة أخيه وابنه من الرضاعة ؟
تريد أن تقول: هل زوجة الابن من الرضاعة محرم لأبيه من الرضاعة كزوجة الابن من النسب ؟ وللجواب على ذلك نقول: معلوم أن زوجة الابن من النسب محرم لأبيه، أما زوجة الابن من الرضاعة: فهل هي محرم لأبيه من الرضاعة ؟ اختلف في ذلك العلماء:(3/395)
فأكثر العلماء على أن زوجة الابن من الرضاعة كزوجة الابن من النسب، أي: أنها محرم لأبيه من الرضاعة، وتكشف له لأنه محرم، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية(1) رحمه الله أنها ليست بمحرم ويجب عليها أن تحتجب عنه، وكل منهم استدل بالحديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؛ فالذين قالوا: إن زوجة الابن من الرضاعة كزوجة الابن من النسب قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَحْرُمُ من الرَّضَاع ما يَحْرُم من النَّسَب"(2). فإذا كانت زوجة ابنه من النسب حراماً فزوجة ابنه من الرضاع حرام منها؛ لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. وشيخ الإسلام رحمه الله الذي قال: إن زوجة الابن من الرضاع ليست كزوجة الابن من النسب، وأنها ليست محرماً لأبيه من الرضاع، وأنه يجب عليها أن تحتجب عنه، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَحْرُمُ من الرضَاعِ ما يحرُمُ من النَّسَب"، ووجه الاستدلال: أن زوجة الابن حرمت على الأب من جهة الصهر لا من جهة النسب، فليس بينها وبين أبي الزوج نسب. واستدل أيضاً بقوله تعالى: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}[النِّسَاء، من الآية: 23] فقيد ذلك بكون الابن من الصلب؛ لكن الجمهور ذكروا أن هذا القيد لإخراج ابن التبنِّي .
فنقول: إن ابن التبنِّي ليس ابناً في الحقيقة حتى يحترز منه، فهو غير داخل في البنوة إطلاقاً، حتى يؤتى بقيد يخرجه، فالصحيح - عندي - ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
الشيخ ابن عثيمين - لقاءات الباب المفتوح - (س1478)
الباب الخامس عشر
الأيمان والنذور
الفصل الأول :
أحكام الأيمان
الفصل الثاني :
أحكام كفارة اليمين
الفصل الثالث :
أحكام النذر
الفصل الأول
أحكام الأيمان
كثرة الحلف بالله والحنث فيه
__________
(1) …انظر: «الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية» (2/589-592)، تأليف: د. أحمد موافي.
(2) …البخاري (2645)، ومسلم (1445) - (9).(3/396)
كثرة الحلف بالله العظيم في أكثر الأحيان، وبعض الأحيان يأتي الحلف عفويًا ويكون غير صادق، وبعض الأحيان يكون الشخص صادقًا في حلفه؛ فهل عليه كفارة في كلتا الحالتين.. ؟
يجب احترام اليمين بالله وتوقيرها، وألا يحلف المسلم إلا وهو صادق، ولا يحلف إلا عند الحاجة . وكثرة الحلف تدل على التهاون باليمين؛ قال تعالى: {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ *}[القَلَم]. واليمين التي تجب بها الكفارة: هي التي قصد عقدها على أمر مستقبل ممكن؛ قال تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَْيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}[المَائدة: 89] .
الشيخ الفوزان - كتاب الدعوة (7)، (2/89)
حكم مَنْ يُكْثِر مِن الحلف بالله
حكم من يكثر من الحلف بالله وبصيغ كثيرة مثل: والله الذي لا إله إلا هو، وغيرها من الصيغ .. فهل هذا الإكثار منهي عنه من باب قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَِيْمَانِكُمْ}[البَقَرَة: 224] ؟
لا شك أن كثرة الحلف تؤدي إلى التهاون بقدر الرب تعالى وبأسمائه وصفاته؛ فإن الحالف بالله معظم له على ذلك الأمر، فمتى كان كاذبًا فإنه تنقَّصَ أسماء الله تعالى ولم يحترمها، وذلك ينافي كمال التوحيد . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ" (1)، وقال أيضًا: "وَلا تَحْلِفُوا بِاللهِ إِلا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ" (2) .
__________
(1) …جزء من حديث أخرجه: ابن ماجه (2101)، والبيهقي في «الكبرى» (20512)، وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (2/133): «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات» .
(2) …أبو داود (3248)، والنسائي (3769)، وابن حبان في صحيحه (4357). وصححه الألباني كما في «صحيح أبي داود» (2784).(3/397)
وورد الوعيد في كثرة الحلف؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ" (1)، وغير ذلك من الأحاديث التي ذكر بعضها في «كتاب التوحيد» وشرحه «فتح المجيد»، ولا شك أن الآية المذكورة في السؤال تدل على احترام أسماء الله تعالى؛ أي: لا تجعلوا الله تعالى عرضة لأيمانكم تحلفون بها دائماً دون تثبت، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم كثرة الحلف صدقاً وكذباً
لي قريب يكثر الحلف بالله صدقاً وكذبا ً .. ما حكم ذلك ؟
ينصح ويقال له: ينبغي لك عدم الإكثار من الحلف، ولو كنت صادقاً؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}[المَائدة: 89]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يُكَلِّمُهُم الله، ولا يَنْظُرُ إليهم يوم القيامة، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: أُشَيْمِطٌ زَانٍ، وعائِلٌ مستكبِر، ورجل جعل اللهَ بضاعَتَهُ: لا يشتري إلا بيمِينِه ولا يبيعُ إلا بيمينه"(2). وكانت العرب تمدح بِقِلَّةِ الأَيْمَان كما قال الشاعر(3):
قليلُ الأَلاَيا حافِظٌ ليَمينِه
إذا صَدَرتْ منهُ الألِيَّةُ برَّت
والألِيَّة: هي اليمين .
فالمشروع للمؤمن أن يقلل من الأيمان ولو كان صدقاً؛ لأن الإكثار منها قد يوقعه في الكذب .
__________
(1) …مسلم (106) .
(2) …الطبراني في «الكبير» (6111)، وفي «الأوسط» (5577)، وفي «الصغير» (821) باختلاف يسير. قال الهيثمي في «المجمع» (4/78): «رجاله رجال الصحيح» .
(3) …القائل هو: كُثَيِّر عزَّة (ت/ 105هـ).(3/398)
ومعلوم أن الكذب حرام، وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريماً، لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك - لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الكذَّاب الذي يُصلِحُ بين الناس؛ فيقول خيراً أو يَنْمِي خيراً . وقالت: ولم أسمعه يُرَخِّص في شيء مما يقول الناس كَذِبٌ إلا في ثلاث: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا (1) .
فإذا قال في إصلاح بين الناس: والله إن أصحابك يحبون الصلح ويحبون أن تتفق الكلمة، ويريدون كذا وكذا، ثم أتى الآخرين وقال لهم مثل ذلك، ومقصده الخير والإصلاح فلا بأس بذلك للحديث المذكور.
وهكذا لو رأى إنساناً يريد أن يقتل شخصًا ظلماً أو يظلمه في شيء آخر، فقال له: والله إنه أخي، حتى يخلصه من هذا الظالم إذا كان يريد قتله بغير حق أو ضربه بغير حق، وهو يعلم أنه إذا قال: أخي تركه احتراماً له، وجب عليه مثل هذا لمصلحة تخليص أخيه من الظلم .
والمقصود: أن الأصل في الأيمان الكاذبة المنع والتحريم؛ إلا إذا ترتب عليها مصلحة كبرى أعظم من الكذب، كما في الثلاث المذكورة في الحديث السابق .
الشيخ ابن باز - مجلة الدعوة، العدد (40) ص (163، 164)
حكم قول (واللَّهِ) باستمرار .. والكلام على كفارة اليمين
أردد في كثير من الأحيان وأنا أتكلم كلمة (والله)؛ فهل يعتبر هذا يميناً ؟ وكيف أكفّر عنه إذا حنثت ؟
__________
(1) …البخاري (2692) مقتصراً على الجزء الأول منه، ومسلم (2605).(3/399)
إذا كرَّر المسلم المكلف أو المسلمة المكلفة كلمة (والله) على فعل شيء أو ترك شيء عن قصد وعقد؛ مثل أن يقول: (والله لا أزور فلاناً)، أو يقول: (والله أزور فلاناً) مرتين أو أكثر، أو يقول: (والله لأزورن فلاناً) وما أشبه ذلك؛ فإنه متى حنث: بأن لم يفعل ما حلف على فعله أو فعل ما حلف على تركه - فإن عليه كفارة يمين: وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة. والواجب في الإطعام نصف صاع من قوت البلد: من تمر أو أرز أو غيرهما؛ وهو كيلو ونصف تقريباً. والكسوة هي ما يجزىء في الصلاة كالقميص أوالإزار والرداء. فإن لم يستطع واحدة من هذه الثلاث وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَْيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}[المَائدة: 89] .
أما إن جرت اليمين على لسانه بغير قصد ولا عقد فإنها تعتبر لاغية، ولا كفارة عليه في ذلك؛ لهذه الآية الكريمة وهي قوله سبحانه: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}[المَائدة: 89]، وإنما تجزئه كفارة واحدة عن الأيمان المكررة إذا كانت على فعل واحد كما ذكرنا آنفا . أما إن كانت على أفعال فإنه يجب عليه عن كل يمين كفارة؛ مثل أن يقول: (والله لأَزُورَنَّ فلاناً، والله لا أُكلِّمُ فلاناً، والله لأضرِبنَّ فلاناً) وما أشبه ذلك؛ فمتى حنث في واحدة من هذه الأيمان وأشباهها وجب عليه كفارتها، فإن حنث فيها جميعاً وجب عليه عن كل يمين كفارة، والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (145)
أحلف على أولادي فلا يستجيبون .. فما الحكم ؟(3/400)
لديَّ أولاد وكثيراً ما أحلف عليهم بأن لا يعملوا كذا، لكنهم لا يستجيبون لأمري؛ فهل عليَّ كفارة في هذه الحالة ؟
إذا حلفت على أولادك أو غيرهم حلفاً مقصوداً أن يفعلوا شيئاً أو ألا يفعلوه فخالفوك فعليك كفارة يمين، لقول الله سبحانه: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَْيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}[المَائدة: 89] .
وهكذا لو حلفت على شيء أو تركه، ثم رأيت أن المصلحة في خلاف ذلك، فلا بأس بأن تحنثي في يمينك، وتؤدي الكفارة المذكورة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حَلَفْتَ على يمينٍ فرأيتَ غيرها خيراً منها، فكفِّرْ عن يمينِكَ، وَأْتِ الذي هُوَ خَير" (1)؛ متفق على صحته .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأه، ص (146)
حكم الحلف على المصحف
شخص حلف على المصحف - كذبًا - في أيام الطفولة أي كان يبلغ (15) سنة، ولكنه ندم على هذا بعد بلوغه سن الرشد وعرف أن هذا حرام شرعًا؛ فهل عليه إثم أو كفارة ؟
هذا السؤال يتضمن مسألتين:
المسألة الأولى: الحلف على المصحف لتأكيد اليمين، وهذه صيغة لا أعلم لها أصلاً من السنة؛ فليست بمشروعة .
__________
(1) …البخاري (6622) واللفظ له، ومسلم (1650، 1651، 1652).(3/401)
وأما المسألة الثانية: فهو حلفه على الكذب وهو عالم بذلك، وهذا إثم عظيم يجب عليه أن يتوب إلى الله منه، حتى أن بعض أهل العلم يقول: إن هذا من اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم تغمسه في النار. فإذا كانت هذه اليمين قد وقعت منه بعد بلوغه فإنه يكون بذلك آثماً، عليه أن يتوب إلى الله وليس عليه كفارة؛ لأن الكفارة إنما تكون في الأيمان على الأشياء المستقبلة، وأما الأشياء الماضية فليس فيها كفارة؛ بل الإنسان دائر فيها بين أن يكون آثماً فيها أم غير آثم، فإذا حلف على شيء يعلم أنه كذب فهو آثم، وإن حلف على شيء يعلم أنه صادق أو يغلب على ظنه أنه صادق فليس بآثم .
الشيخ ابن عثيمين - نور على الدرب - مكتبة الضياء، ص (43)
حكم الحلف بغير الله
ما حكم الحلف بغير الله تعالى ؟ مع أن النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه أنه قال: "أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ"(1) ؟
الحلف بغير الله عز وجل مثل أن يقول: (وحياتك) أو (وحياتي) أو (والسيد الرئيس) أو (والشعب) .. كل هذا محرم، بل هو من الشرك؛ لأن هذا النوع من التعظيم لا يصح إلا لله عز وجل، ومن عظّم غير الله بما لا يكون إلا لله فهو مشرك. لكن لما كان هذا الحالف لا يعتقد أن عظمة المحلوف به كعظمة الله لم يكن الشرك شركاً أكبر؛ بل كان شركاً أصغر، فمن حلف بغير الله فقد أشرك شركاً أصغر .
__________
(1) …مسلم (9-11) .(3/402)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ؛ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ" (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ" (2)؛ فلا تحلف بغير الله أياًّ كان المحلوف به، حتى لو كان النبي صلى الله عليه وسلم، أو جبريل عليه السلام، أو من دونهم من الرسل أومن الملائكة أو البشر، أو من دون الرسل، فلا تحلف بشيء سوى الله عز وجل .
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ" (3)؛ فهذه الكلمة: وأبيه اختلف الحفاظ فيها: فمنهم من أنكرها وقال: لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وبناء على ذلك فلا إشكال في الموضوع؛ لأن المعارض لابد أن يكون قائماً، وإذا لم يكن المعارض قائماً، فهو غير مقام ولا يلتفت إليه .
وعلى القول بأنها ثابتة - أي كلمة (وأبيه) - فإن الجواب على ذلك: أن هذا من المُشْكِل، والحلف بغير الله من الواضح - أي من المُحْكَم - فيكون لدينا محكم ومتشابه، وطريق الراسخين في العلم في ذلك أن يدعوا المتشابه ويأخذوا بالمحكم؛ قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}[آل عِمرَان: 7] .
__________
(1) …البخاري (6108) وأطرافه في (2679)، ومسلم (1646) - (3) .
(2) …أبو داود (3251)، والترمذي (1535)، وقال: «حديث حسن»، والحاكم 4/297 (7814) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) …مسلم (9-11) .(3/403)
ووجه كونه متشابهاً: أن فيه احتمالات كثيرة؛ فقد يكون هذا قبل النهي، وقد يكون هذا خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لبعد الشرك بحقه، وقد يكون هذا مما يجري على اللسان بغير قصد، ولما كانت هذه الاحتمالات واردة على هذه الكلمة إن صحت عن الرسول صلى الله عليه وسلم - صار الواجب علينا أن نأخذ بالمحكم؛ وهو النهي عن الحلف بغير الله .
ولكن قد يقول بعض الناس: إن الحلف بغير الله قد جرى على لسانه ويصعب عليه أن يدعه؛ فما الجواب ؟
نقول: إن هذا ليس بحجة؛ بل جاهِد نفسك على تركه والخروج منه .
وأذكر أنني قد نهيت رجلاً يقول والنَّبِي ، وكان يخاطبني في شيء فقال: والنبي لا أَعُودُ لها ، فهو قالها على أساس أنه يؤكد أنه لن يعود لها، لكنها تجري على لسانه. فنقول: حاول بقدر ما تستطيع أن تمحو من لسانك هذه الكلمة؛ لأنها شرك، والشرك خطره عظيم ولو كان أصغر، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: (إن الشرك لا يغفرُهُ الله ولو كان أصغر) .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لَأَن أَحْلِفَ بالله كاذباً أحبُّ إليَّ مِن أن أحلف بغيرِهِ صادقاً (1) .
قال شيخ الإسلام(2): وذلك لأن سيئة الشرك أعظم من سيئة الكبيرة(3).
الشيخ ابن عثيمين- مجموع فتاوى ورسائل (1/176)
حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم
اعتاد بعض الناس الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصبح الأمر عادياً عندهم ولا يعتقدون ذلك اعتقاداً .. فما حكم ذلك ؟
__________
(1) …ابن أبي شيبة (12281)، والطبراني في الكبير (8902)، قال الهيثمي في «المجمع» (4/177): «رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح» .
(2) …يعني ابن تيمية رحمه الله.
(3) …انظر: «الفروع» لابن مفلح (6/303)، بمعناه.(3/404)
الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من المخلوقات منكر عظيم، ومن المحرمات الشركية ولا يجوز لأحد الحلف إلا بالله وحده. وقد حكى الإمام ابن عبد البر رحمه الله الإجماع على أنه لا يجوز الحلف بغير الله، وقد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك، وأنه من الشرك - كما في الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ؛ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ" (1)، وفي لفظ آخر فَلا يَحْلِفْ إِلا بِاللهِ (2) .
__________
(1) …البخاري (3836)، ومسلم (1646) .
(2) …البخاري (3836)، ومسلم (1646) .(3/405)
وخرّج أبو داود والترمذي بإسناد صحيح: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ" (1)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا" (2)، والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومات. والواجب على جميع المسلمين ألا يحلفوا إلا بالله وحده، ولا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله كائناً من كان للأحاديث المذكورة وغيرها، ويجب على من اعتاد ذلك أن يحذره وأن ينهى أهله وجلساءه وغيرهم عن ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ" (3) .
والحلف بغير الله من الشرك الأصغر؛ للحديث السابق، وقد يكون شركاً أكبر إذا قام بقلب الحالف أن هذا المحلوف به يستحق التعظيم كما يستحقه الله، أو أنه يجوز أن يُعبد مع الله، ونحو ذلك من المقاصد الكفرية . .
نسأل الله أن يمُنَّ على المسلمين جميعاً بالعافية من ذلك، وأن يمنحهم الفقه في دينه، والسلامة من أسباب غضبه؛ إنه سميع قريب .
الشيخ ابن باز - كتاب الدعوة (2/28، 29)
حكم من حلف بالطلاق أن يفعل كذا ولم يفعله
__________
(1) …أبو داود (3251)، والترمذي (1535)، وقال: «حديث حسن»، والحاكم 4/297 (7814) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) …أبو داود (3253)، واللفظ له. وأخرجه بنحوه وزيادة: الإمام أحمد (5/352)، وابن حبان (4363)، والحاكم 4/298 (7816) وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في «السنن الكبرى» (19621). قال الهيثمي في «المجمع» (4/332): «رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح خلا الوليد بن ثعلبة، وهو ثقة».
(3) …مسلم (49) .(3/406)
حلف رجل وهو ناس لحداثة زواجه قائلاً: عليَّ الطلاق السنة القادمة أشتري كذا .. وإذا لم يشتر هل زوجته طالق ؟ وإذا لم يشتر ماذا عليه ؟ علماً بأنه لم تكن عادته الحلف بالطلاق؛ لدرجة أنه استغفر الله .
مثل هذا الكلام يختلف حكمه بحسب نية الزوج؛ فإن كان قصده حمل نفسه على الشراء وتحريضها عليه، ولم يقصد فراق زوجته إن لم يشتر الحاجة التي ذكرها في طلاقه - فإن هذا الطلاق يكون في حكم اليمين في أصح أقوال أهل العلم، وعليه كفارتها: وهي إطعام عشرة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره، ومقداره كيلو ونصف تقريباً، وإن عشَّى العشرة أو غدّاهم أو كساهم كسوة تجزئهم في الصلاة أجزأه ذلك. أما إذا كان قصده إيقاع الطلاق بزوجته إن لم يشتر الحاجة، فإنه يقع عليها الطلاق. وينبغي للمؤمن تجنب استعمال الطلاق في مثل هذه التعليقات؛ لأن كثيراً من أهل العلم يوقع عليه الطلاق بذلك مطلقاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اتَّقَى الشُّبُهات فقد اسْتَبْرَأَ لدِينِهِ وعِرْضِهِ" (1)؛ متفق على صحته .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (22/107، 108)
الفصل الثاني
أحكام كفارة اليمين
إذا كانت اليمين على أشياء متعددة من جنس واحد .. فهل يكفي فيها كفارة واحدة أم لا ؟
ما كفارة اليمين ؟ وهل الكفارة على الترتيب أم على التخيير ؟ وإذا حلفت على شيء من جنس واحد عدة مرات .. فهل تجزئ كفارة واحدة، أم لكل يمين كفارة ؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً .
__________
(1) …البخاري (50)، ومسلم (2996).(3/407)
كفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الإنسان أهله، أو كسوتهم، أو عتق رقبة؛ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وهي على التخيير: في الإطعام والكسوة والعتق.. وعلى الترتيب بين الثلاثة المذكورة وبين الصيام.. والواجب في الإطعام: نصف صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم من قوت البلد: من تمر أو بر أو شعير أو غيرها.. وهو كيلو ونصف تقريباً. أما الكسوة فقميص أو إزار ورداء تجزئه في الصلاة، وأما العتق فهو تحرير رقبة مؤمنة.
وإذا كانت اليمين على أشياء متعددة من جنس واحد؛ كفى فيها كفارة واحدة: كأن يقول: والله لا أكلم فلاناً.. وكرر ذلك كثيراً.. فإنه تكفيه كفارة واحدة إذا كلمه. أما إذا كان المحلوف عليه من أجناس؛ فإنها تتعدد الكفارة بعدد الأجناس المحلوف عليها، مثل أن يقول: والله لا أكلم فلاناً، والله لا أزور فلاناً، والله لا أسافر.. وأشباه ذلك؛ فإنه يلزمه إذا حنث في ذلك كفارات بعدد الأيمان؛ لقول الله سبحانه في سورة المائدة: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَْيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *}[المَائدة]. والأفضل في صيام الأيام الثلاثة أن تكون متتابعة؛ خروجاً من خلاف من أوجب ذلك، وإن فرّقها أجزأه ذلك؛ لأن الله سبحانه أطلق صيامها ولم يذكر أنها متتابعة، وذلك فضل من الله سبحانه وتوسعة منه على عباده، فله الحمد والشكر. والله الموفق .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (23/128، 129)
حكم البدء بالصيام قبل الإطعام في الكفارة(3/408)
إذا حلفتُ على شيء ألا أفعله فجاء يوم وفعلته؛ فهل لي أن أصوم ثلاثة أيام ثم أكمل هذا الشيء ؟ أو أني أتوقف عنه ؟
إذا حلف الإنسان على شيء أن لا يفعله، ثم فعله فعليه كفارة يمين؛ كما لو قال: والله لا أكلم فلاناً، أو لا آكل طعامه، ثم كلمه، أو أكل طعامه، فإن عليه كفارة يمين؛ لقول الله سبحانه: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَْيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *}[المَائدة]؛ أوضح سبحانه في هذه الآية كفارة اليمين، وبين عز وجل أن الصيام إنما يكون في حق من عجز عن الإطعام والكسوة والعتق. وقد اختلف أهل العلم في مقدار الواجب من الطعام لكل مسكين، والأصح أنه نصف صاع من جميع الأصناف التي يطعمها الإنسان أهله: من الرز والتمر وغيرهما، ومقدار ذلك بالوزن كيلو ونصف تقريباً. وإن غدّى المساكين العشرة، أو عشّاهم، أو كساهم كسوة تجزئهم في الصلاة كفى ذلك. وإن أعتق رقبة مؤمنة من ذكر أو أنثى كفى ذلك، فإن عجز عن الجميع صام ثلاثة أيام. والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (23/134، 135)
من حلف كاذباً .. هل عليه كفارة ؟
لي أخ مستخرج جواز سفر وأراد استخراج واحد آخر ؟ وفي أثناء التحري قال له المتحري: أتحلف بأنه ليس لك جواز سابق .. وكان لم ير مصحفاً أمام المتحري ثم أخرجه المتحري؛ وقد خاف الأخ وحلف أنه لم يستخرج جواز سفر آخر .. أفيدونا عن حكم ذلك وهل عليه دم ؟ وهل تجزيء الكفارة ؟(3/409)
عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وهكذا كل كاذب عليه التوبة إلى الله، والصدق في ذلك، والندم وعدم العودة. وليس في اليمين الكاذبة كفارة على الصحيح؛ فكفارات الأيمان على المستقبل إذا خالف - مثل أن يقول: (والله ما أفعل كذا، أو: والله لا أكلم فلاناً). أما الكذّاب فعليه التوبة فقط .
يتوب إلى الله ويندم على ما صنع ويقلع عن الذنب، ويعزم عزماً صادقاً ألا يعود في ذلك عن إخلاص لله ورغبة فيما عنده، وبذلك يعفو الله عنه؛ لأن التوبة النصوح يمحو الله بها الذنوب - كما قال الله عز وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النُّور: 31]، وقال صلى الله عليه وسلم: التائِبُ مِنَ الذنب كَمَن لاَّ ذَنْبَ له (1) .
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (23/115، 116)
من حلف ألاَّ يفعل شيئًا ثم فعله ناسياً
اختلفت أنا وزميلي في العمل .. فحلفت أن لا آكل ولا أشرب في بيته، وفي مرة ذهبت معه إلى منزله وأكلت بعض الفواكه ناسياً، وبعدما ذهبت تذكرت بأنني حلفت؛ فأرجو الإفادة، وبعد الكفارة هل آكل وأشرب في بيته أم لا ؟
__________
(1) …ابن ماجه (4250)، والطبراني في «الكبير» 10/150 (10281)، والبيهقي في «السنن الكبرى» 10/154 (20348، 20350). وهو حديث حسن بشواهده. انظر: «المقاصد الحسنة 1/249 (313)، و«مرقاة المفاتيح» (5/270)، و«فيض القدير» للمناوي (3/276) .(3/410)
إذا كنت ناسياً فما عليك شيء؛ أي: ما عليك كفارة، لكن الأحسن أن تأكل مع أخيك إذا كان طيِّبًا وتكفِّر، إذا كان هذا الصديق طيباً في دينه؛ فالأحسن أن تكفِّر وتعود إلى الأكل في بيته، أما إن كان ليس بطيب فاحمد الله على هذا اليمين ولا تأكل معه ولا تأتيه، وابتعد عنه؛ إذا كان ممن يظهر المعاصي، ويدعو إلى المعاصي، فاحمد الله على البعد عنه. أما إذا كان طيباً فإنك تكفّر عن يمينك: تطعم عشرة مساكين، أو تكسوهم والحمد لله، وأْتِ أخاك، وكُلْ في بيته؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حلفْتَ على يمينٍ فرأيت غيرَها خيراً منها فكفِّرْ عن يَمِينك وأْتِ الذي هُوَ خَير" (1)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إني واللهِ إنْ شاء الله لا أحلِفُ على يمينٍ فأَرى غيرها خيراً منها إلاّ كَفَّرْتُ عن يَمِيني وأَتَيْتُ الذي هو خَير"(2).
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (23/113، 114)
الفصل الثالث
أحكام النذر
النذر مكروه والوفاء به لازم
ما هو الحكم الشرعي للنذر ؟ هل لعدم الوفاء بالنذر عقوبة ؟
حكم النذر شرعًا أنه مكروه؛ فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بِخَير، وإنما يُسْتَخْرَجُ بِهِ من البخيل(3). وذلك أن بعض الناس إذا مرض أو خسر أو أُوذي؛ ينذر صدقة أو ذبحًا أو مالاً إذا زال عنه المرض أو الخسران، ويعتقد أن الله لا يشفيه أو يربحه إلا إذا نذر هذا النذر، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا يغير به شيئًا مما قدره وقضاه، ولكنه بخيل لا ينفق إلا بعد عقد النذر .
ويلزم الوفاء بالنذر إن كان عبادة: كنذر صلاة أو صوم أو صدقة أو اعتكاف.
__________
(1) …البخاري (6622) واللفظ له، ومسلم (1650، 1651، 1652).
(2) …البخاري (6623)، ومسلم (1649).
(3) …البخاري (6608، 6609)، ومسلم (1639، 1640)، واللفظ له في أحد مواضعه.(3/411)
ولا يجوز إن كان معصية: كقتل وزنا وشرب خمر وأخذ مال ظلمًا ونحوه، وعليه كفارة يمين: وهي إطعام عشرة مساكين.. إلخ .
ويخيّر إذا كان النذر مباحًا؛ كأكل وشرب ولباس وسفر وكلام عادي ونحوه؛ بين الوفاء به أو كفارة يمين، إذا كان نذر طاعة لله صرف للمساكين والمستضعفين؛ كطعام وذبح كبش أو نحوه فيصرف للمساكين والمستضعفين، فإن كان عملاً صالحًا بدنيًا أو ماليًا كجهاد وحج وعمرة - لزم الوفاء به، فإن خصصه بجهة اختص بها؛ كالمساجد والكتب والمشاريع الخيرية، ولم يجز صرفه لغير ما عينه فيه .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى المرأة، ص (148، 149)
حكم تغيير جهة النذر
هل يجوز للإنسان أن يغير جهة نذره؛ إذا وجد جهة أكثر استحقاقًا بعد تحديد النذر وتحديد جهته ؟
أقدم قبل الجواب على هذا بمقدمة: وهي أنه لا ينبغي للإنسان أن ينذر؛ فإن النذر مكروه أو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: "إنه لا يأتي بِخيرٍ، وإنما يُسْتَخْرَجُ بِهِ من البخيل" (1)؛ فالخير الذي تتوقعه من النذر ليس النذر سببًا له .
وكثير من الناس إذا مرض نذر إذا شفاه الله تعالى أن يفعل كذا وكذا، وإذا ضاع له شيء نذر أن يفعل كذا وكذا إن وجده، ثم إذا شفي أو وجد الضائع ليس معناه أن النذر هو الذي أتى به؛ بل إن ذلك من عند الله عز وجل، والله أكرم من أن يحتاج إلى شرط فيما سئل .
__________
(1) …البخاري (6608، 6609)، ومسلم (1639، 1640)، واللفظ له في أحد مواضعه.(3/412)
فعليك أن تسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي هذا المريض أو أن يأتي بهذا الضائع، أما النذر فلا وجه له، وكثير من الذين نذروا إذا حصل لهم ما نذروا عليه فإنهم يتكاسلون فيما نذروه، وربما يدعونه، وهذا خطر عظيم. واستمع إلى قول الله تعالى: {ومِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ *فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ *فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ *}[التّوبَة] .
وعلى هذا لا ينبغي للمؤمن أن ينذر .
وأما الجواب على هذا السؤال فنقول: إذا نذر الإنسان شيئًا في محل ورأى أن غيره أفضل منه وأقرب إلى الله وأنفع لعباد الله؛ فإنه لا حرج عليه أن يغيّر وجهة النذر إلى الموقع الفاضل؛ ودليل ذلك: أن رجلاً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال: صَلِّ هاهُنا ، ثم أعاد الرجل فقال: صلّ هاهنا ، ثم أعاد، فقال: شَأْنَكَ إِذَنْ(1). فدل هذا على أن الإنسان إذا انتقل من نذره المفضول إلى ما هو أفضل فإن ذلك جائز .
الشيخ ابن عثيمين - فتاوى المرأة، ص (149، 150)
حكم تأخير الوفاء بالنذر
__________
(1) …أحمد (3/363)، وأبو داود (3305)، والدارمي (2339)، والبيهقي في «الكبرى» (19922)، والحاكم 4/304، 305 (7839) وصححه وسكت عنه الذهبي. وصححه الألباني كما في «صحيح أبي داود» (2827).(3/413)
ما حكم من يتأخر في تنفيذ ما نذر به بعد أن تحقق له الشرط الذي علق عليه النذر ؟ كمن يقول: نذرت لله صومًا خمسة أيام إذا شُفيت من مرضي، وتحقق له الشفاء، وتأخر في صيام تلك الأيام مع العلم أنه لم يحددها بوقت معين . وهل عليه صوم الأيام الخمسة متتابعة ؟ وهل تلزمه كفارة على تأخيره الوفاء بنذره مع أنه لا ينوي جحود ذلك النذر ؟
يجب الوفاء بنذر الطاعة؛ كالصيام والصدقة والاعتكاف والحج والقراءة . فإذا كان النذر معلقًا على شرط كالشفاء من مرض أو القدوم من سفر فعليه المبادرة بالوفاء، فإن أخَّرَهُ فلا إثم عليه بالتأخير، وإن مات وهو عليه قام به وارِثه من بعده؛ لكن الإسراع والفَوْرِيَّة لازمة؛ حتى يخرج المسلم من عُهْدَة الواجبات .
الشيخ ابن جبرين - فتاوى المرأة، ص (147)
الباب السادس عشر
القضاء والشهادات
الفصل الأول :
القضاء
الفصل الثاني :
الشهادات
الفصل الأول
القضاء
حكم المضطر للتحاكم إلى القوانين الوضعية
ما حكم التحاكم إلى من يحكم بالقوانين الوضعية إذا كانت المحاكم في بلده كلها تحكم بالقوانين الوضعية، ولا يستطيع الوصول إلى حقه إلا إذا تحاكم إليها .. هل يكون كافراً ؟
إذا اضطر إلى ذلك لا يكون كافراً؛ ولكن ليس له أن يتحاكم إليهم إلا عند الضرورة إذا لم يتيسر له الحصول على حقه إلا بذلك، وليس له أن يأخذ خلاف ما يحله الشرع المطهر.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (23/214)
حكم ميل القاضي مع أحد المتخاصمين(3/414)
القاضي الذي يلقن أحد المتخاصمين ويقوم بتهديد الآخر بأنه في حالة عدم قبوله لحكمه والدفاع عن نفسه بأنه سيشدد عليه الحكم؛ هل يدخل في الوعيد الذي جاء في الحديث الصحيح : "قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ" ؟(1)
يحرم على القاضي أن يميل مع أحد الخصمين؛ فذلك جور وظلم يستحق به أن يبعد عن العمل، ويلحقه الوعيد في الآخرة. فعلى هذا يجوز للخصم أن يثبت ما يصدر من هذا القاضي ويتحقق من ميله مع الخصم الثاني، ثم يطلب الإحالة إلى غيره من القضاة أو يطلب تمييز الحكم، ويكتب لائحة اعتراض على الحكم، ويذكر فيه ما قام به القاضي من التهديد والوعيد بالتشديد عليه .
ولا شك أن هذا الفعل من القاضي يدخله في عداد من يقضي بغير علم، أو يعرف الحق ويقضي بخلافه. وعلى من عرف ذلك من أحد القضاة نصحه وتخويفه وتذكيره بالوعيد الشديد الذي لا يخفى على مثله، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم من يستدل بحديث الأجر والأجرين لتبرير أخطائه
جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قوله : "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ"(2) ؛ يستدل البعض بهذا الحديث في تبرير أخطائهم في الحكم على الناس، وأن لهم الأجر في كل الأحوال؛ فما معنى الاجتهاد الوارد في الحديث ؟ وهل يكون الاجتهاد مقصورًا على إثبات الإدانة فقط، أم يكون أيضًا في دفعها ؟
__________
(1) …جزء من حديث أخرجه: أبو داود (3573)، والترمذي (1322) واللفظ له، وابن ماجه (2315)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (20142). وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (3051).
(2) …البخاري (7352) .(3/415)
ورد في الحديث الصحيح: "الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ؛ رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ"(1).
أما الاجتهاد فهو أن يبذل جهده في كل قضية نزلت به، ويبحث عن الأدلة، ويجمع بين المتعارضين، وينظر في كل دعوة وما تحتمله، ويعرض على كل خصم ما يحتج به خصمه، ويقارن بين أقوالهم، ويسأل الخصم عن الجواب لما أدلى به الخصم الثاني، وهكذا في كل قضية، ويبتعد عن الهوى وميل النفس مع أحدهما؛ سواء لمعرفة أو لقرابة أو لشهرة أو نحو ذلك، ويسوّي بين الخصمين في النظر والسماع والمجلس، ولا يستمع لأحدهما في غيبة الثاني، ولا يعرض قضيتهما عند من ينتصر لأحدهما، ونحو ذلك من الآداب التي ذكرها الفقهاء في أحكام القضاة، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم من يُعرقل تنفيذ الأوامر حتى يُعْطَى رشوة
ما حكم من يعرقل تنفيذ الأوامر حتى يعطى رشوة ؟
لا يجوز إعطاء المذكور شيئاً من المال؛ لأن ذلك من باب الرشوة؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «لَعَنَ الرَّاشِي والمُرْتَشِي»(2)؛ ولأن في ذلك فساداً كبيراً وظلماً للناس وتشجيعاً على الظلم.
الشيخ ابن باز - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (23/234، 235)
حكم وصف المُدَّعِي العام بما لا يليق لمحاولته الإيقاع بالمدَّعَى عليه
__________
(1) …جزء من حديث أخرجه: أبو داود (3573)، والترمذي (1322) واللفظ له، وابن ماجه (2315)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (20142). وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (3051).
(2) …أحمد (2/164، 190، 194، 212، 387) وَ (5/279)، وأبو داود (3580)، والترمذي (1336، 1337)، وابن ماجه (2313)، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».(3/416)
في بعض البلدان العربية يقوم المدعي العام بالمحكمة بالمرافعة للحق العام، فيكون من مهامه إثبات التهمة على المدعى عليه والبحث عن الأدلة التي تدينه، وقد ذكر أحدهم أنه يُسمى بالنجس؛ وذلك لأنه يبذل قصارى جهده في إثبات التهمة على المدعى عليه؛ فهل هذا التنقيب على الأخطاء والهفوات أو الأدلة لإثبات التهمة على المدعى عليه جائز شرعًا ؟ وهل هذا يتعارض مع ما فعله صلى الله عليه وسلم مع الذي أقر على نفسه بالزنا بقوله: لعلك قبَّلت، لعلك كذا، لعلك كذا، يريد تلقينه ما يُسقط عنه الحد، وكذلك فعله صلى الله عليه وسلم مع الغامدية، وفعل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أمثال عمر بن الخطاب وغيره ؟
تختلف الحال بالنسبة للمتهم وبالنسبة للحق المطلوب منه، فإن كان المتهم ممن يظهر عليه آثار الفسوق والعصيان، فإنه يشدد عليه وينقب عنه، ويبحث عن المبررات التي تدينه؛ مثل كونه يتخلف عن الصلوات، وكونه كثير السباب والشتم وبذاءة اللسان، وكونه كثير السهر في منزله أو خارج المنزل، ومثل صحبة الأشرار وأهل المجون، والمعروفين بخفة الديانة وقلة الخوف من الله، والمتهمين بالمسكرات والمخدرات، والزنا واللواط والفواحش، وإظهار حلق اللحى وشرب الدخان، والإسبال والسخرية بالمتدينين، والبعد عن مجالس الذكر والخير، وهجر الحلقات العلمية والمحاضرات والندوات، والاعتياض عنها بمجالس الأغاني والملاهي، واللعب بالبلوت والكيرم ونحوها - فمثل هؤلاء لا غيبة لهم ولا حرمة لهم، والواجب أن يشدد عليهم؛ حتى يطهر البلاد من المعاصي التي تصير سببًا لعقوبة الله في العاجل والآجل .(3/417)
أما إن كان المتهم بعيدًا من هذه المنكرات، فيحرم التنقيب عليه والبحث عن معائبه؛ فإن ذلك من الأذية لعباد الله تعالى؛ وقد ورد في الحديث: "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تُعَيِّرُوهُمْ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ" (1)، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا *}[الأحزَاب] .
وأما تلقين النبي صلى الله عليه وسلم لذلك المعترف فإنه ممن يخاف الله ويخشى عقابه، ولهذا طلب التطهير، وحيث إنه يمكن اعترافه بما دون الزنا لقنه النبي صلى الله عليه وسلم ما يخاف أنه فعله مما لا يوجب الحد، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
الفصل الثاني
الشهادات
حكم الستر على صاحب المعصية
ما حكم من يكتشف شخصاً ما على معصية ويستر عليه ويكتفي بنصحه رجاء صلاحه وهدايته ؟ وهل يأثم لأنه لم يدل عليه الجهات المختصة ؟
يجوز الستر عليه إذا لم يكن من أهل التهاون بالمعاصي ولم يعرف عنه كثرة اقتراف الذنوب وارتكاب المحرمات، ففي هذه الحالة ينصحه ويخوفه ويحذره من العودة إليها .
أما إن كان صاحب عادة وفسوق، فلا تبرأ ذِمَّته حتى يرفع بأمره إلى من يعاقبه بما ينزجر به .
__________
(1) …الترمذي (2032) وقال: «حسن غريب». وهو في صحيح الجامع برقم: (7984).(3/418)
أما إن كانت المعصية فيها حق لآدمي - كأن يراه يسرق من بيت أو دكان أو رآه يزني بامرأة فلان - فلا يجوز الستر عليه؛ لما فيه من إهدار حق الآدمي، وإفساد فراشه وخيانة المسلم . وكذا لو علم أنه القاتل، أو الجارح لمسلم، فلا يستره ويضيّع حق مسلم؛ بل يشهد عليه عند الجهات بأخذ الحقوق، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم الامتناع عن الشهادة ستراً على المسلمين
يمتنع البعض عن الشهادة في القضايا التي دون الحدود؛ بحجة أن الحدود تدرأ بالشبهات، وأن هذه أولى بالدرء، وبغيته الستر على المسلمين .. فيرد عليه آخرون بأن هذا الامتناع من باب كتم الشهادة المنهي عنه، أرجو إيضاح الحق في هذه المسألة .
إذا دُعي الرجل لأداء الشهادة التي فيها حق لآدمي وبأدائها يثبت هذا الحق، وبكتمانها يضيع - وجب عليه الأداء والصبر على ذلك، فإن احتاج حضوره إلى نفقة فعلى المشهود له تحملها، وإلا فلا يجوز له الامتناع؛ لقوله تعالى: {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}[البَقَرَة: 282]، أي: لا يمتنعون من أدائها أو من تحملها؛ لما في ذلك من حفظ الحقوق ويحرم كتمانها؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[البَقَرَة: 283]، أي: قد تحمّل إثمًا وذنبًا يستحق عليه العقوبة .
فأما الحدود: فإنما تدرأ بالشبهات؛ إذا كان هناك شك في الشهادة أو خطأ أو غلط في الحق الذي يوجب الحد: مثل من سرق من بيت المال وادعى أن له حقًا فيه، أو سرق من مال يدعي أن صاحبه قد اغتصبه حقه ونحو ذلك. فأما إذا رأى من يزني ولا شبهة له ولا عذر له وتحتمت العقوبة فلا يكتم الشهادة، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم من يَعِدُ بعدم الشهادة ثم يُخلف(3/419)
ما حكم من يعد وعدًا بعدم الشهادة في الأمور التي دون الحدود، والتي لا تتعلق في حق آدمي بعينه، ثم يخلف وعده ويشهد ؟ فهل عليه إثم في شهادته تلك ؟ وهل يأثم في إخلافه للوعد الذي قطعه ؟
لا يجوز كتمان الشهادة ولو كانت دون الحدود، ومن وعد غيره فلا ضرر عليه في إخلاف الوعد؛ حيث إن الوعد مجرد إخبار، كما لو قال: إني أعدك أن لا أشهد عليك في أمر دون الحدود؛ أي: لا أشهد عليك في دَيْنِ آدمي، أو في أمانة، أو في تركك النفقة أو الصلاة أو نحو ذلك؛ فإن هذا كتمان الشهادة عند الحاجة إليها، فلا يجوز هذا الكتمان ولا كفارة في إخلافه، والله أعلم.
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
حكم الشهادة على الشهادة
ما حكم من يشهد على شهادة شخص آخر ثقة عنده فيقول: رأيت، ولم ير، وسمعت، ولم يسمع؛ اعتمادًا منه على ما أخبره الثقة عنده ؟
يحتاط القضاة في قبول الشهادة على الشهادة؛ فلا يقبلونها إلا إذا تحملها الثاني بإذن الأول، بقوله: اِشْهَدْ على شهادتي أن فلانًا مدين بكذا وقد تَحمَّل كذا .
وتكون الشهادة في حقوق الآدميين كالدَّين والغرامة والدِّيَة والقذف والجِرَاح والعِتْق ونحوه . ويتعذر على القاضي الأخذ عن الأول لبُعْدِه أو موته أو مرضه، ولابد من عدالة الأصل والفرع بمعرفة القاضي لكل منهما أو بِمَنْ يُزَكِّيهِما .
وإذا كان الشاهد الثاني لم ير ولم يسمع المشهود به فلا يجوز أن يقول: رأيت أو سمعت؛ بل يقول: ذكر فلان كذا أو سمعت فلاناً يذكر هذا الحق أو هذا الدَّين ونحوه. وللقاضي أن يقبله أو يردَّه بحسب القرائن، والله أعلم .
الشيخ ابن جبرين - فتوى عليها توقيعه
الباب السابع عشر
الآداب
الفصل الأول :
القرآن الكريم وآدابه
الفصل الثاني :
حقوق الوالدين والأولاد والرحم
الفصل الثالث :
من حقوق الحيوان
الفصل الرابع :
اللباس والزينة
الفصل الخامس :
الغناء والملاهي
الفصل السادس :
مكارم الأخلاق ومساوئها
الفصل السابع :
التوبة والدعاء(3/420)
الفصل الأول
القرآن الكريم وآدابه
حكم هجر القرآن الكريم
ما نصيحة الشيخ للذين يمضي عليهم الشهر والشهور الطويلة ولا يمسون كتاب الله الكريم بدون عذر، وتجد أحدهم يتابع المجلات غير المفيدة ؟
يسن للمؤمن والمؤمنة الإكثار من قراءة كتاب الله مع التدبر والتعقل؛ سواء كان ذلك من المصحف أو عن ظهر قلب، لقول الله سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأْلْبَابِ *}[ص]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ *لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ *}[فَاطِر] .(3/421)
والتلاوة المذكورة تشمل القراءة والاتباع، والقراءة بالتدبر والتعقل والإخلاص لله وسيلة للاتباع، وفيها أجر عظيم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ"(1). وقال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" (2)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ [الم] حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ" (3) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "اقْرَأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ. قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: اقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً"(4). وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يختمونه في كل سبع(5) .
__________
(1) …مسلم (804) .
(2) …البخاري (5027) .
(3) …الترمذي (2910)، وقال: «حسن صحيح غريب».
(4) …البخاري (5052)، ومسلم (1159) .
(5) …انظر: «صحيح البخاري» (5052، 5054)، و«سنن أبي داود» (1388، 1395).(3/422)
ووصيتي لجميع قراء القرآن: الإكثار من قراءته بالتدبر والتعقل والإخلاص لله مع قصد الفائدة والعلم . وأن يختمه في كل شهر، فإن تيسر أقل من ذلك فذلك خير عظيم، وله أن يختمه في أقل من سبع، والأفضل ألا يختمه في أقل من ثلاث؛ لأن ذلك هو أقل ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ ولأن قراءته في أقل من ثلاث قد تُفضي إلى العجلة وعدم التدبر. ولا يجوز أن يقرأه من المصحف إلا على طهارة. أما إن كان يقرؤه عن ظهر قلب فلا حرج عليه أن يقرأه وهو على غير وضوء. أما الجنب فليس له قراءته من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل؛ لما روى الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد حسن: عن علي رضي الله عنه أنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَحْجِزُهُ - وَرُبَّمَا قَالَ: يَحْجُبُهُ - مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ(1). وبالله التوفيق .
الشيخ ابن باز - فتاوى المرأة، ص (199، 200)
فضل حفظ القرآن الكريم
إنني كثيراً ما أحفظ آيات من القرآن الكريم ولكن بعد فترة أنساها، وكذلك عندما أقرأ آية لا أعلم هل قراءتي صحيحة أم لا ؟ ثم اكتشف بعد ذلك أنني كنت مخطئاً، دلوني لو تكرمتم .
__________
(1) …أحمد (1/83، 84، 107، 124، 134 )، وأبو داود (229)، والنسائي (265)، وابن ماجه (594)، وابن حبان (799، 800)، والحاكم 1/152 (541) وَ4/107 (7083) وصححه ووافقه الذهبي.(3/423)
المشروع لك يا أخي أن تجتهد في حفظ ما تيسر من كتاب الله، وأن تقرأ على بعض الإخوة الطيبين في المدارس، أو في المساجد، أو في البيت وتحرص على ذلك حتى يصححوا لك قراءتك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خَيْركم مَنْ تعَلَّمَ القرآنَ وعلَّمَه" (1)، فخيار الناس هم أهل القرآن الذين تعلموه، وعلموه الناس، وعملوا به . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: "أيُحِبُّ أحَدُكم أن يَذْهَبَ إلى بُطْحَان فيأتي بناقَتَيْن عظيمَتَيْن في غيرِ إثمٍ ولا قطيعةِ رَحِم ؟ ، فقالوا: يا رسول الله كُلُّنَا يحب ذلك . فقال عليه الصلاة والسلام: لَأَنْ يَغْدُوَ أحدُكم إلى المسجد فيتعلَّمَ آيتَيْنِ من كتابِ الله خيرٌ له من ناقتَيْن عظيمتين، وثلاثٌ خيرٌ من ثلاثٍ، وأربعٌ خيرٌ من أربعٍ ومِنْ أعدَادِهِنَّ من الإِبِل" (2)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
وهذا يبين لنا فضل تعلم القرآن الكريم. فأنت يا أخي عليك بتعلم القرآن على الإخوان المعروفين بإجادة قراءة القرآن حتى تستفيد وتقرأ قراءة صحيحة .
__________
(1) …البخاري (5027) .
(2) …مسلم (803) بنحوه. وبُطْحَان: وادٍ بالمدينة المنورة.(3/424)
أما ما يعرض لك من النسيان فلا حرج عليك في ذلك، فكل إنسان ينسى - كما قال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ" (1)، وسمع قارئاً يقرأ فقال صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَهُ اللهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا أُنْسِيتُها" (2)، والمقصود أن الإنسان قد ينسى بعض الآيات ثم يذكر أو يذكره غيره، والأفضل أن يقول: (نُسِّيت) بضم النون وتشديد السين، أو أُنسيت؛ لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُلْ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ"(3). يعني: أنساه الشيطان. أما حديث: "مَنْ حَفِظَ القرآنَ ثم نَسِيَهُ لقيَ اللهَ وهو أَجْذَم" (4)، فهو حديث ضعيف عند أهل العلم لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) …البخاري (401)، ومسلم (572) .
(2) …البخاري (2655) وأطرافه عنده، ومسلم (788) . قال الحافظ في «الفتح» (11/138): قال الجمهور: يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينسى شيئاً من القرآن بعد التبليغ لكنه لا يقر عليه، وكذا يجوز أن ينسى ما لا يتعلق بالإبلاغ، ويدل عليه قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى *إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى *}[الأعلى: 6-7].
(3) …البخاري (5032)، ومسلم (790) .
(4) …أحمد (5/284، 285، 323، 327)، وأبو داود (1474)، والدارمي 2/529 (3340)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» 6/124 (29995)، وغيرهم بنحوه. وهو حديث ضعيف، وحسَّنه بعضهم. انظر: «مجمع الزوائد» (7/167)، و«فيض القدير» (5/472، 473)، و«التيسير بشرح الجامع الصغير» (2/358). ومعنى (أَجْذَم): أي مقطوع اليد أو الحُجَّة، أو خالٍ من الخير والثواب.(3/425)
والنسيان ليس باختيار الإنسان، وليس في طوقه السلامة منه. والمقصود أن المشروع لك حفظ ما تيسر من كتاب الله عز وجل وتعاهد ذلك وقراءته على من يجيد القراءة حتى يصحح لك أخطاءك . وفقك الله ويسر أمرك .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث - العدد (38)، ص (133 - 135)
طريقة حفظ القرآن الكريم
أرشدوني إلى الطريقة التي تعينني على حفظ كتاب الله ؟
نوصيك بالعناية بالحفظ، والإقبال على ذلك، واختيار الأوقات المناسبة للحفظ كآخر الليل، أو بعد صلاة الفجر، أو في أثناء الليل، أو في بقية الأوقات التي تكون فيها مرتاح النفس حتى تستطيع الحفظ، ونوصيك باختيار الزميل الطيب الذي يساعدك ويعينك على الحفظ والمذاكرة مع سؤال الله التوفيق والإعانة، والتضرع إليه أن يعينك، وأن يوفقك وأن يعيذك من أسباب التعويق، ومن استعان بالله صادقاً أعانه الله ويسر أمره .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، العدد (38)، ص (133)
حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم
ما حكم أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن الكريم؛ حيث إن لدينا إماماً في قريتنا يأخذ أجراً على تحفيظ القرآن للصبيان ؟(3/426)
لا حرج في أخذ الأجرة على تعليم القرآن وتعليم العلم؛ لأن الناس في حاجة إلى التعليم، ولأن المعلم قد يشق عليه ذلك ويعطله التعليم عن الكسب، فإذا أخذ أجرة على تعليم القرآن وتحفيظه وتعليم العلم: فالصحيح أنه لا حرج في ذلك. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جماعة من الصحابة نزلوا ببعض العرب فلُدِغ سيدهم - يعني رئيسهم - وأنهم عالجوه بكل شيء ولم ينفعه ذلك وطلبوا منهم أن يرقوه، فتقدم أحد الصحابة فرقاه بفاتحة الكتاب، فشفاه الله وعافاه، وكانوا قد اشترطوا عليهم قطيعاً من الغنم، فأوفوا لهم بشرطهم، فتوقفوا عن قسمه بينهم حتى سألوا النَبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا" (1)، ولم ينكر عليهم ذلك وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ"(2). فهذا يدل على أنه لا بأس بأخذ الأجرة على التعليم - كما جاز أخذها على الرقية .
الشيخ ابن باز - مجلة البحوث، عدد (42)، ص (150، 151)
حكم نسيان القرآن الكريم
ما حكم من استظهر كتاب الله على ظهر قلبه ثم نسيه .. هل يعاقب أم لا ؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
القرآن كلام الله تعالى وهو أفضل الكلام ومجمع الأحكام، وتلاوته عبادة تلين بها القلوب، وتخضع النفوس، إلى غير ذلك من منافعه التي لا تحصى، من أجل ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعاهده حتى لا ينسى؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ؛ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا"(3).
__________
(1) …البخاري (2276)، وأطرافه فيه، ومسلم (2201).
(2) …البخاري (5737) .
(3) …البخاري (5033)، ومسلم (791) .(3/427)
فلا يليق بالحافظ له أن يغفل عن تلاوته ولا أن يفرط في تعاهده؛ بل ينبغي أن يتخذ لنفسه منه ورداً يومياً يساعده على ضبطه ويحول دون نسيانه؛ رجاء الأجر والاستفادة من أحكامه عقيدة وعملاً .
ولكن من حفظ شيئاً من القرآن ثم نسيه عن شغل أو غفلة ليس بآثم، وما ورد من الوعيد في نسيان ما قد حفظ لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (4/64، 65)
حكم تلاوة القرآن الكريم ومعنى هَجْرِه
قراءة القرآن واجبة أم مستحبة ؟ وما حكم هجره هل هو حرام أو مكروه ؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وسلم .. وبعد:
أولاً: أنزل الله القرآن للإيمان به وتعلمه وتلاوته وتدبره والعمل به وتحكيمه والتحاكم إليه، والاستشفاء به من أمراض القلوب وأدرانها، إلى غير ذلك من الحكم التي أرادها الله من إنزاله .
والإنسان قد يهجر القرآن فلا يؤمن به ولا يسمعه ولا يصغي إليه، وقد يؤمن به ولكن لا يتعلمه، وقد يتعلمه ولكن لا يتلوه، وقد يتلوه ولكن لا يتدبره، وقد يحصل التدبر ولكن لا يعمل به؛ فلا يُحِلُّ حلاله ولا يحرِّم حرامه، ولا يحكّمه ولا يتحاكم إليه، ولا يستشفي به مما فيه من أمراض في قلبه وبدنه، فيحصل الهجر للقرآن من الشخص بقدر ما يحصل منه من الإعراض كما سبق .
فعلى العبد أن يتقي الله في نفسه وأن يحرص على الانتفاع بالقرآن في شتى وجوه الانتفاع، وليعلم أنه يفوته من الخير بقدر ما يتصف به من الهجر.
أما التلاوة فمشروعة ويستحب الإكثار منها، وأن يختم كل شهر لكن لا يجب ذلك .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (4/68، 69)
هل يُجْهَر بالقراءة في المسجد ؟
ما الأفضل بالنسبة لقراءة القرآن في المسجد قبل الصلاة أو بعدها : هل الأفضل الجهر بالقراءة أم الإسرار بها ؟(3/428)