المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فمن نعم الله تعالى على عباده أن أذن لهم في دعائه وسؤاله، ورغبهم فيه وحثهم عليه، ووعدهم بإجابة سؤالهم، وقضاء حوائجهم، وامتن على من فعل ذلك بالأجر العظيم والثواب الجزيل والسعادة في الدنيا والآخرة.
وذلك لما للدعاء من منزلة عظيمة في الدين، ودرجة سامية في العبودية، إذ الدعاء هو العبادة وقد افتتح الله القرآن بالدعاء واختتمه به، فسورة الفاتحة مشتملة على دعاء الثناء، كما هي مشتملة على دعاء المسألة إذ فيها الدعاء بأجل المطلوب، وأفضل الرغائب؛ وهو طلب الإعانة على مرضاة الله تعالى وسؤال الهداية.
وقد فرض الله علينا أن نناجيه وندعوه بذلك في كل صلاة، وقد سمى الله الدعاء ديناً، وسماه عبادة، والعبادة هي العلة الغائية للوجود. وهذه العبادة ينبغي أن يؤتى بها على وفق ما شرعه الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيه × ، وإلا كانت بدعة مذمومة يهوي بها صاحبها في النار من حيث لا يعلم.
لذا اخترت أن يكون موضوع رسالة الماجستير (الدعاء وأحكامه الفقهية) مساهمة مني في بيان أحكام هذه العبادة العظيمة.
?
أسباب اختيار الموضوع:
1- أهمية الدعاء في حياة المسلم، فلا يستغني مسلم عن الله طرفة عين.
2- الدعاء عبادة وله أثر بالغ وفائدة عظيمة والعبادة ينبغي بيان ما شرعه الله فيها وما منع فيها حتى لا يقع الداعي في شيء من البدع.(1/1)
3- أهمية موضوع الدعاء وحاجة الناس إليه، حيث إن أهمية الموضوع تزيد كلما كانت مسائله متعلقة تعلقاً مباشراً بواقع الناس، كما قال النووي ? (1) ????بعد ذكره لبعض الآداب - قال: «إنما بسطت هذا الفصل على خلاف العادة؛ لأنه أحكام وسنن تدعو الحاجة إليها، ويكثر العمل بها، فهي أولى من نوادر المسائل التي لا تقع إلا في العادة».
4- الكتب المفردة، والأبواب المعقودة للدعاء غالباً ما تتحدث عن فضائل الأدعية، وصيغها، ومواضعها، أما أحكامها الفقهية فقل أن يهتدي إليها القارئ غير المختص والمتتبع، وذلك لتفرقها في ثنايا كثير من الكتب والأبواب.
5- في بعض مسائل الدعاء ما يحتاج إلى عناية من جمع الأدلة، وبيان خلاف العلماء، وتحرير محل النزاع وبيان القول الراجح فيه.
6- كثرة البدع والأخطاء في الدعاء، وذلك لجهل كثير من الناس بأحكامه، ولعدم قدرتهم على الاهتداء إليها.
7- سعة موضوع الدعاء وشموله، إذ أنه يدخل في أكثر أبواب الفقه مما يحدو بالباحث إلى أن يطلع على أكثر الأبواب، ليلم بأحكامه ومسائله.
لهذه الأسباب وغيرها عزمت على اختيار هذا الموضوع، وأسأل الله التوفيق والإعانة.
?
الدراسات السابقة:
أحكام الدعاء الفقهية لم تفرد بالبحث حسب التتبع، وإنما اهتم العلماء – رحمهم الله – بآداب الدعاء وشروط إجابته وفضائله، وجمع الأحاديث في ذلك. ومن أمثلة ما صنف:
? الدعاء.. لأبي عبدالرحمن محمد بن فضيل بن غزوان الضبي – ت 195هـ.
? الدعاء.. للإمام الحافظ أبي عبدالله الحسين بن إسماعيل المحاملي – ت 330هـ.
? الأزهية في أحكام الأدعية تصنيف محمد بن بهادر الزركشي – ت 794هـ وغيرها كثير.
وهناك من اهتم ببحث المسائل العقدية في الدعاء، كرسالة (الدعاء ومنزلته من العقيدة)، لأبي عبدالرحمن جبلان بن خضر العروسي.
__________
(1) روضة الطالبين (10/238).(1/2)
وهذه الرسالة لا تتفق مع البحث إلا في الجزء التمهيدي، (تعريف الدعاء، وأنواعه، آدابه وشروط الإجابة) فقط، وباقي أبواب الرسالة، وفصولها فيما يخدم الجانب العقدي للدعاء.
هذا أبرز ما وقفت عليه مما له صلة بموضوع البحث.
خطة البحث
يتضمن هذا الموضوع: مقدمة وتمهيداً وثلاثة فصول وخاتمة.
المقدمة:
أبين فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره والدراسات حوله والمنهج الذي سأسير عليه، ثم خطة البحث.
التمهيد: فضل الدعاء.
الفصل الأول: حقيقة الدعاء، وفيه تسعة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الدعاء، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الدعاء في اللغة.
المطلب الثاني: تعريف الدعاء في الاصطلاح.
المبحث الثاني: الألفاظ ذات الصلة بلفظ الدعاء، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: ألفاظ مرادفة للدعاء أو أعم منه.
المطلب الثاني: ألفاظ خاصة بنوع من أنواع الدعاء.
المبحث الثالث: حكم الدعاء.
المبحث الرابع: أنواع الدعاء، وفيه تسعة مطالب:
المطلب الأول: أنواع الدعاء باعتبار معناه.
المطلب الثاني: أنواع الدعاء باعتبار صيغه.
المطلب الثالث: أنواع الدعاء باعتبار الحكم.
المطلب الرابع: أنواع الدعاء باعتبار المدعو.
المطلب الخامس: أنواع الدعاء باعتبار ما ورد.
المطلب السادس: أنواع الدعاء باعتبار المدعو به.
المطلب السابع: أنواع الدعاء باعتبار الداعي.
المطلب الثامن: أنواع الدعاء باعتبار المدعو له.
المطلب التاسع: أنواع الدعاء باعتبار المدعو عليه.
المبحث الخامس: أركان الدعاء.
المبحث السادس: شروط الدعاء.
المبحث السابع: آداب الدعاء.
المبحث الثامن: هيئة الداعي الفعلية، وفيه تسعة مطالب:
المطلب الأول: رفع اليدين في الدعاء، وفيه فرعان:
الفرع الأول: حكم رفع اليدين في الدعاء.
الفرع الثاني: آداب رفع اليدين في الدعاء، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الصفة المشروعة لرفع اليدين.
المسألة الثانية: المواطن التي يكره فيها رفع اليدين.(1/3)
المطلب الثاني: الدعاء بظهور الكفين.
المطلب الثالث: الدعاء برفع يد واحدة.
المطلب الرابع: إشارة الداعي بالأصابع.
المطلب الخامس: الدعاء قائما.
المطلب السادس: رفع الداعي بصره إلى السماء.
المطلب السابع: مسح الوجه بعد الفراغ من الدعاء.
المطلب الثامن: الجثو على الركب عند الدعاء.
المطلب التاسع: السجود لأجل الدعاء.
المبحث التاسع: قطع الدعاء.
الفصل الثاني: أحكام الدعاء، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الدعاء المتعلق بالصلاة، وفيه ثمانية وعشرون مطلباً:
المطلب الأول: الدعاء عند سماع الأذان والإقامة،
وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: دعاء المؤذن قبل الأذان.
الفرع الثاني: الدعاء أثناء الأذان.
الفرع الثالث: الدعاء بعد الأذان وقبل الإقامة.
الفرع الرابع: الدعاء عند الإقامة.
المطلب الثاني: الدعاء في الطهارة، وفيه فرعان:
الفرع الأول: الدعاء عند قضاء الحاجة، وفيه ست مسائل:
المسألة الأولى: حكم الدعاء عند قضاء الحاجة.
المسألة الثانية: وقت دعاء قضاء الحاجة.
المسألة الثالثة: حكم تكرار دعاء قضاء الحاجة.
المسألة الرابعة: الصيغ الواردة في دعاء قضاء الحاجة.
المسألة الخامسة: الحكمة من الدعاء عند قضاء الحاجة.
المسألة السادسة: الدعاء عند دخول الحمام والخروج منه.
الفرع الثاني: دعاء الوضوء، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الدعاء أثناء الوضوء.
المسألة الثانية: الدعاء بعد الوضوء.
المسألة الثالثة: الدعاء عند السواك.
المطلب الثالث: دعاء المشي إلى الصلاة:
المطلب الرابع: الدعاء قبل تكبيرة الإحرام، وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: الدعاء بين الإقامة وتكبيرة الإحرام.
الفرع الثاني: الدعاء عند تسوية الصف.
الفرع الثالث: الدعاء عند الوصول للصف.
الفرع الرابع: حكم افتتاح الصلاة بالدعاء.
المطلب الخامس: الدعاء بعد تكبيرة الإحرام، وفيه فرعان:
الفرع الأول: الدعاء قبل دعاء الاستفتاح.
الفرع الثاني: دعاء الاستفتاح، وفيه خمس مسائل:(1/4)
المسألة الأولى: حكم دعاء الاستفتاح.
المسألة الثانية: محل دعاء الاستفتاح.
المسألة الثالثة: صفة دعاء الاستفتاح.
المسألة الرابعة: حكم ترك دعاء الاستفتاح عمداً أو سهواً.
المسألة الخامسة: المواضع التي يكره فيها دعاء الاستفتاح.
المطلب السادس: الدعاء عند قراءة الفاتحة، وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: الدعاء أثناء قراءة الفاتحة.
الفرع الثاني: حكم الدعاء عند العجز عن الفاتحة.
الفرع الثالث: الدعاء بعد الفاتحة.
المطلب السابع: الدعاء عند قراءة السورة:
المطلب الثامن: الدعاء في الركوع، وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء في الركوع.
الفرع الثاني: صفة الدعاء في الركوع.
الفرع الثالث: الحكمة من الدعاء في الركوع.
الفرع الرابع: حكم الاقتصار على الدعاء في الركوع.
المطلب التاسع: الدعاء في الاعتدال، وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء في الاعتدال.
الفرع الثاني: حكم الزيادة على الدعاء في الاعتدال.
الفرع الثالث: حكم الجهر بالدعاء في الاعتدال.
المطلب العاشر: الدعاء في السجود، وفيه ستة فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء في السجود.
الفرع الثاني: صفة الدعاء في السجود.
الفرع الثالث: حكم جمع الأدعية الواردة في سجدة واحدة.
الفرع الرابع: حكم ترك الدعاء في السجود.
الفرع الخامس:حكم الاقتصار على الدعاء في السجود.
الفرع السادس: الحكمة من مشروعية الدعاء في السجود.
المطلب الحادي عشر: الدعاء في الجلوس بين السجدتين،
وفيه خمسة فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء في الجلسة بين السجدتين.
الفرع الثاني: صفة الدعاء في الجلسة بين السجدتين.
الفرع الثالث: حكم تكرار الدعاء في الجلسة بين السجدتين.
الفرع الرابع: موضع الدعاء بين السجدتين.
الفرع الخامس:الحكمة من الدعاء في الجلسة بين السجدتين.
المطلب الثاني عشر: الدعاء بعد التشهد الأول.
المطلب الثالث عشر: الدعاء بعد التشهد الثاني وقبل السلام،
وفيه سبعة فروع:(1/5)
الفرع الأول: حكم الدعاء بعد التشهد الثاني.
الفرع الثاني: محل الدعاء بعد التشهد الثاني.
الفرع الثالث: صفة الدعاء بعد التشهد الثاني.
الفرع الرابع: حكم الإشارة بالدعاء بعد التشهد الثاني.
الفرع الخامس: الحكمة من الإشارة بالسبابة عند الدعاء.
الفرع السادس: حكم ترك الدعاء بعد التشهد الثاني.
الفرع السابع: حكم زيادة (اللهم ارحم محمداً) في ألفاظ
الصلاة على النبي × بعد التشهد الثاني.
المطلب الرابع عشر: الدعاء بين التسليمتين.
المطلب الخامس عشر: الدعاء بغير ألفاظ القرآن والسنة في الصلاة:
وفيه فرعان:
الفرع الأول: حكم الدعاء بغير لفظ القرآن والسنة في الصلاة.
الفرع الثاني: حكم دعاء المصلي بدعاء غير مشروع في الصلاة.
المطلب السادس عشر: الدعاء لمعين في الصلاة، وفيه فرعان:
الفرع الأول: حكم الدعاء لمعين بغير كاف الخطاب.
الفرع الثاني: حكم الدعاء لمعين بصيغة الخطاب.
المطلب السابع عشر: الدعاء بغير لفظ العربية.
المطلب الثامن عشر: الدعاء في سجود التلاوة.
المطلب التاسع عشر: دعاء ختم القرآن في الصلاة، وفيه فرعان:
الفرع الأول: دعاء ختم القرآن في صلاة الفريضة.
الفرع الثاني: دعاء ختم القرآن في صلاة النافلة.
المطلب العشرون: دعاء القنوت في الصلاة، وفيه فرعان:
الفرع الأول: حكم القنوت في الفرض، وفيه ثمان مسائل:
المسألة الأولى: حكم القنوت في الفرض.
المسألة الثانية: ضابط النازلة.
المسألة الثالثة: محل القنوت في الفرض.
المسألة الرابعة: صفة القنوت للنازلة في الفرض.
المسألة الخامسة: الذي يقوم بالقنوت في الفرض.
المسألة السادسة: القنوت للنازلة في غير الفرائض.
المسألة السابعة: وقت انتهاء قنوت النازلة.
المسألة الثامنة: الحكمة من جعل قنوت النازلة في الاعتدال.
الفرع الثاني: حكم القنوت في الوتر، وفيه ست مسائل:
المسألة الأولى: حكم القنوت في الوتر.
المسألة الثانية: وقت قنوت الوتر.
المسألة الثالثة: محل القنوت في الوتر.(1/6)
المسألة الرابعة: صفة القنوت في الوتر.
المسألة الخامسة: حكم ترك القنوت في الوتر.
المسألة السادسة: الفرق بين قنوت الوتر وقنوت النوازل.
المطلب الحادي والعشرون: الدعاء في صلاة التراويح.
المطلب الثاني والعشرون: الدعاء في صلاة العيد.
المطلب الثالث والعشرون: الدعاء في صلاة الكسوف،
وفيه خمسة فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء في صلاة الكسوف.
الفرع الثاني: محل الدعاء في صلاة الكسوف.
الفرع الثالث: صفة الدعاء في صلاة الكسوف.
الفرع الرابع: الحكمة من الأمر بالدعاء عند الكسوف.
الفرع الخامس: حكم الدعاء في غير الكسوفين من الآيات.
المطلب الرابع والعشرون: الدعاء في صلاة الاستسقاء،
وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء في صلاة الاستسقاء.
الفرع الثاني: محل الدعاء في صلاة الاستسقاء.
الفرع الثالث: صفة الدعاء في صلاة الاستسقاء.
الفرع الرابع: حكم الدعاء بالاستصحاء.
المطلب الخامس والعشرون: الدعاء في صلاة الحاجة.
المطلب السادس والعشرون: الدعاء في صلاة الاستخارة،
وفيه ثمانية فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء في صلاة الاستخارة.
الفرع الثاني: الأمور التي تشرع فيها الاستخارة.
الفرع الثالث: محل الدعاء في صلاة الاستخارة.
الفرع الرابع: حكم الزيادة على دعاء الاستخارة.
الفرع الخامس: حكم تكرار دعاء الاستخارة في الصلاة.
الفرع السادس: حكم استخارة الإنسان لغيره.
الفرع السابع: آداب الاستخارة.
الفرع الثامن: الحكمة من تقديم الصلاة على دعاء الاستخارة.
المطلب السابع والعشرون: الدعاء في صلاة الجنازة،
وفيه خمسة فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء في صلاة الجنازة.
الفرع الثاني: محل الدعاء في صلاة الجنازة، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم الدعاء للميت في صلاة الجنازة.
المسألة الثانية: حكم الدعاء بعد التكبيرة الرابعة في صلاة الجنازة
الفرع الثالث: صفة الدعاء في صلاة الجنازة، وفيه حالتان:(1/7)
الحالة الأولى: أن يكون الميت مكلفاً، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: لفظ الدعاء للمكلف في صلاة الجنازة.
المسألة الثانية: الجهر والإسرار بالدعاء في صلاة الجنازة.
المسألة الثالثة: مقدار الدعاء في صلاة الجنازة.
الحالة الثانية: إذا كان الميت غير مكلف، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:حكم الدعاء لغير المكلف في صلاة الجنازة.
المسألة الثانية: لفظ الدعاء لغير المكلف في صلاة الجنازة.
الفرع الرابع: حكم الدعاء لغير الميت في صلاة الجنازة.
الفرع الخامس: حكم التعليق بالشرط في الدعاء في صلاة الجنازة.
المطلب الثامن والعشرون: الدعاء بعد السلام، وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: دعاء المنفرد بعد الصلاة، وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: حكم دعاء المنفرد بعد الصلاة بما ورد.
المسألة الثانية: محل الدعاء بعد الصلاة.
المسألة الثالثة:حكم دعاء المنفرد بعد الصلاة بغير ما ورد.
المسألة الرابعة: حكم رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة.
الفرع الثاني: حكم الدعاء الجماعي بعد الصلاة.
الفرع الثالث: حكم دعاء الفرد وتأمين الجماعة بعد الصلاة.
المبحث الثاني: الدعاء غير المتعلق بالصلاة، وفيه ثمانية عشر مطلباً:
المطلب الأول: الدعاء المتعلق بالمسجد، وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: الدعاء عند دخول المسجد.
الفرع الثاني: الدعاء عند الخروج من المسجد.
الفرع الثالث: صفة الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه.
المطلب الثاني: الدعاء يوم الجمعة، وفيه ستة فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء في خطبة الجمعة.
الفرع الثاني: الدعاء أثناء الخطبة للمسلمين.
الفرع الثالث: الدعاء لولي الأمر أثناء الخطبة.
الفرع الرابع: الدعاء بين الخطبتين أثناء جلوس الخطيب.
الفرع الخامس: حكم رفع اليدين في الدعاء أثناء الخطبة.
الفرع السادس: الدعاء في آخر ساعة من يوم الجمعة.
المطلب الثالث: الدعاء في يوم العيد، وفيه فرعان:
الفرع الأول: الدعاء يوم العيد وليلته.(1/8)
الفرع الثاني: التهنئة بالعيدين.
المطلب الرابع: الدعاء في الجنائز، وفيه ثمانية فروع:
الفرع الأول: الدعاء عند زيارة المريض.
الفرع الثاني: الدعاء للميت عند تغسيله وتكفينه.
الفرع الثالث: الدعاء للميت أثناء حمله.
الفرع الرابع: الدعاء للميت إذا وضع في قبره.
الفرع الخامس: الدعاء للميت بعد الدفن عند القبر.
الفرع السادس: الدعاء للميت عند زيارة القبور.
الفرع السابع: الدعاء للميت في عموم الأحوال.
الفرع الثامن: دعاء التعزية.
المطلب الخامس: الدعاء في اللباس والمسكن والمركب،
وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: الدعاء عند لبس الثوب.
الفرع الثاني: الدعاء عند دخول المسكن والخروج منه.
الفرع الثالث: الدعاء عند الركوب.
الفرع الرابع: حكم تعليق هذه الأدعية على الأبواب والسيارات.
المطلب السادس: دعاء الاستخارة من غير صلاة.
المطلب السابع: الدعاء في الزكاة، وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: الدعاء عند دفع الزكاة.
الفرع الثاني: الدعاء عند أخذ الزكاة.
الفرع الثالث: صفة الدعاء لدافع الزكاة.
المطلب الثامن: الدعاء في الصيام، وفيه خمسة فروع:
الفرع الأول: الدعاء عند رؤية الهلال.
الفرع الثاني: الدعاء أثناء الصيام.
الفرع الثالث: الدعاء عند الإفطار.
الفرع الرابع: الدعاء عند السحور.
الفرع الخامس: الدعاء في ليلة القدر.
المطلب التاسع: الدعاء في الحج والعمرة، وفيه خمسة عشر فرعاً:
الفرع الأول: الدعاء عند الدخول في النسك.
الفرع الثاني: الدعاء بعد التلبية.
الفرع الثالث: الدعاء عند رؤية الكعبة، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم الدعاء عند رؤية الكعبة.
المسألة الثانية: رفع اليدين عند الدعاء عند رؤية الكعبة.
الفرع الرابع: الدعاء في الطواف، وفيه ثالث مسائل:
المسألة الأولى: حكم الدعاء عند استلام الحجر.
المسألة الثانية: حكم الدعاء أثناء الطواف.
المسألة الثالثة: الدعاء بعد ركعتي الطواف.(1/9)
الفرع الخامس: الدعاء في السعي، وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: الدعاء على الصفا والمروة.
المسألة الثانية:رفع اليدين عند الدعاء على الصفا والمروة.
المسألة الثالثة: الدعاء أثناء السعي .
المسألة الرابعة: الحكمة من مشروعية الدعاء على الصفا دون الحجر الأسود.
الفرع السادس: الدعاء في منى.
الفرع السابع: الدعاء في عرفة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حكم دعاء الحاج في عرفة.
المسألة الثانية: حكم رفع اليدين عند الدعاء في عرفة.
المسألة الثالثة: التعريف يوم عرفة .
الفرع الثامن: الدعاء في مزدلفة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الدعاء عند دخول مزدلفة.
المسألة الثانية: الدعاء أثناء المبيت في مزدلفة.
المسألة الثالثة: الدعاء عند المشعر الحرام .
الفرع التاسع: الدعاء عند رمي الجمرات، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الدعاء أثناء الرمي.
المسألة الثانية: الدعاء بعد رمي الجمار.
المسألة الثالثة: رفع اليدين عند الدعاء بعد رمي الجمار.
الفرع العاشر: الدعاء عند الذبح، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم الدعاء بلفظ :(اللهم منك وإليك).
المسألة الثانية: حكم الدعاء بلفظ (اللهم اغفر لي).
الفرع الحادي عشر: الدعاء عند الحلق.
الفرع الثاني عشر: الدعاء عن شرب زمزم.
الفرع الثالث عشر: الدعاء عند دخول الكعبة.
الفرع الرابع عشر: الدعاء عند الملتزم.
الفرع الخامس عشر: الدعاء لمن قدم من الحج.
المطلب العاشر: الدعاء في الجهاد، وفيه سبعة فروع:
الفرع الأول: حكم الدعاء بالشهادة في سبيل الله.
الفرع الثاني: الدعاء عند توديع الجيش.
الفرع الثالث: الدعاء عند الخروج للجهاد.
الفرع الرابع: الدعاء لمن يجاهد أو يعمل عملاً يعين على الجهاد.
الفرع الخامس: الدعاء عند الاستعداد للقتال.
الفرع السادس: الدعاء أثناء القتال.
الفرع السابع: الدعاء إذا انهزم العدو.
المطلب الحادي عشر: الدعاء في السفر، وفيه فرعان:(1/10)
الفرع الأول: الدعاء في سفر الطاعة, وفيه ثمان مسائل:
المسألة الأولى: الدعاء عند الخروج إلى السفر.
المسألة الثانية: الدعاء عند التوديع.
المسألة الثالثة: الدعاء إذا سافر.
المسألة الرابعة: الدعاء أثناء السفر.
المسألة الخامس: الدعاء إذا أمسى المسافر.
المسألة السادسة: الدعاء إذا أسحر المسافر.
المسألة السابعة: الدعاء إذا أشرف على بلده.
المسألة الثامنة: الدعاء إذا رجع من سفره.
الفرع الثاني: الدعاء في سفر المعصية.
المطلب الثاني عشر: الدعاء عند قراءة القرآن في غير الصلاة،
وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: الدعاء عند قراءة القرآن.
الفرع الثاني: الدعاء عند سجود التلاوة.
الفرع الثالث: الدعاء عند حفظ القرآن.
الفرع الرابع: الدعاء عند ختم القرآن، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم الدعاء بعد ختم القرآن.
المسألة الثانية: حكم حضور مجلس الختم.
المطلب الثالث عشر: الدعاء في المعاملات، وفيه خمسة فروع:
الفرع الأول: الدعاء عند دخول السوق.
الفرع الثاني: بيع كتب الأدعية وإيجارتها.
الفرع الثالث: الدعاء للبائع والمشتري.
الفرع الرابع: الدعاء بأجر، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الرقية.
المسألة الثانية: الاستئجار على الحج.
المسألة الثالثة: الاستئجار على القراءة للميت والدعاء له.
الفرع الخامس: الدعاء في القرض
المطلب الرابع عشر: الدعاء في النكاح، وفيه خمسة فروع:
الفرع الأول: الدعاء بعد عقد النكاح.
الفرع الثاني: الدعاء عند الزفاف، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: دعاء النساء اللاتي يهدين العروس.
المسألة الثانية: دعاء الزوج إذا زفت إليه امرأته.
الفرع الثالث: الدعاء عند الجماع.
الفرع الرابع: الدعاء عند الوليمة.
الفرع الخامس: الدعاء للمولود، وفيه أربعة مسائل:
المسألة الأولى: حكم التهنئة بالمولود.
المسألة الثانية: صفة التهنئة بالمولود.
المسألة الثالثة: الدعاء للمولود.
المسألة الرابعة: الدعاء عند ذبح العقيقة.(1/11)
المطلب الخامس عشر: الدعاء في القضاء، وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: الدعاء عند كتابة الفتيا.
الفرع الثاني: الدعاء عند جلوس القاضي للحكم بين الناس.
الفرع الثالث: حكم تخصيص القاضي أحد الخصمين بالدعاء.
المطلب السادس عشر: الدعاء في الصباح والمساء، وفيه فرعان:
الفرع الأول: الدعاء طرفي النهار، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم الدعاء طرفي النهار.
المسألة الثانية: وقت الدعاء طرفي النهار، والحكمة منه.
الفرع الثاني: الدعاء عند النوم، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الدعاء عند إرادة النوم.
المسألة الثانية: الدعاء عند الفزع من النوم.
المسألة الثالثة: الدعاء عند الاستيقاظ من النوم.
المطلب السابع عشر: الدعاء في الفزع، وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: الدعاء عند سماع الأصوات المنكرة.
الفرع الثاني: الدعاء عند وقوع المصيبة.
الفرع الثالث: الدعاء عند هبوب الريح والرعد والبرق.
المطلب الثامن عشر: الدعاء عند العطاس، وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: حكم تشميت العاطس.
الفرع الثاني: جواب التشميت، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم رد العاطس على من شمته.
المسألة الثانية: صفة رد العاطس.
الفرع الثالث: الحالات التي لا يشرع فيها تشميت العاطس،
وفيه تسع مسائل:
المسألة الأولى: من لم يحمد الله عند العطاس.
المسألة الثانية: المزكوم إذا تكرر منه العطاس.
المسألة الثالثة: الكافر.
المسألة الرابعة: إذا قال العاطس لفظاً غير الحمد لله.
المسألة الخامسة: من يكره التشميت.
المسألة السادسة: من عطس داخل الصلاة وحمد الله.
المسألة السابعة: من عطس يوم الجمعة والإمام يخطب.
المسألة الثامنة: من عطس في حال لا يشرع فيها ذكر الله.
المسألة التاسعة: تشميت الرجل للمرأة الأجنبية.
الفرع الرابع: الحكمة من مشروعية التشميت.
الفصل الثالث: آثار الدعاء، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التأمين على الدعاء، وفيه مطلبان:(1/12)
المطلب الأول: التأمين على الدعاء داخل الصلاة،
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: مواطن التأمين على الدعاء في الصلاة.
الفرع الثاني: حكم التأمين على الدعاء في الصلاة،
وفيه سبع مسائل:
المسألة الأولى: حكم تأمين الإمام على دعاء الفاتحة.
المسألة الثانية: حكم جهر الإمام بالتأمين على الفاتحة.
المسألة الثالثة: حكم تأمين المأموم على الفاتحة.
المسألة الرابعة: حكم جهر المأموم بالتأمين على الفاتحة.
المسألة الخامسة: حكم جهر المنفرد بالتأمين على الفاتحة .
المسألة السادسة: محل التأمين على الفاتحة في الصلاة.
المسألة السابعة: حكم ترك التأمين.
الفرع الثالث: صيغة التأمين.
المطلب الثاني: التأمين على الدعاء في غير الصلاة، وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: حكم التأمين على الدعاء في غير الصلاة.
الفرع الثاني: مواطن التأمين على الدعاء .
الفرع الثالث: صيغة التأمين.
المبحث الثاني: إجابة الدعاء، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: تعريف إجابة الدعاء.
المطلب الثاني: أنواع إجابة الدعاء.
المطلب الثالث: مواطن إجابة الدعاء.
المطلب الرابع: علامات إجابة الدعاء.
المطلب الخامس: موانع الإجابة.
المبحث الثالث: آثار الدعاء.
******
?
منهج البحث:
يتبين منهجي في البحث فيما يلي:
1- جمع ما ورد في هذا الموضوع حسب الإمكان من نصوص السنة وأقوال الصحابة والتابعين، وأهل العلم.
2- ترتيب موضوعات البحث في أبواب تشمل فصولاً، والفصول تتكون من مباحث، والمباحث من مطالب.... وهكذا، مع التمهيد لبعضها بما يتبين المراد بها.
3- أصور المسألة المراد بحثها تصويراً دقيقاً قبل بيان حكمها؛ ليتضح المقصود في دراستها ما لم تكن واضحة.
4- إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق أذكر حكمها بدليلها مع توثيق الاتفاق من مظانه المعتبرة، وكذا المسائل التي لم أقف على خلاف فيها كأن تكون مذكورة في مذهب دون غيره، فأذكرها مع بيان توجيهها إن أمكن. وإلا اكتفيت بسياق المسألة.(1/13)
5- في المسائل الخلافية، اتبعت ما يلي:
أ - تحرير محل الخلاف.
ب- ذكرت سبب الخلاف في المسائل التي نبه العلماء على سبب الخلاف فيها.
جـ- ذكرت الأقوال في المسألة، منسوبة للمذاهب الفقهية الأربعة حسب ترتيبها الزمني.
د- اقتصرت على المذاهب الفقهية الأربعة، مع توثيقها من كتب أهل المذهب نفسه، وعند ترك النسبة إلى واحد منها فلأني لم أقف عليه فيما اطلعت عليه من مصادر، مع العناية في البحث عنه.
هـ- إذا كان الخلاف في المسألة طويلاً، أجملت الأقوال في بداية المسألة من دون نسبة ليلتم شملها في الذهن قبل تفصيلها، ثم يجري التفصيل على النحو السابق.
و- في بعض المسائل يكون الخلاف فيها داخل مذهب واحد ولا أجد لها ذكراً في المذاهب الأخرى فاكتفي حينئذ به، مع الإشارة إلى ذلك الهامش.
ز- ذكرت الأدلة التي استدل بها أصحاب هذه الأقوال بعد كل قول مباشر، مع بيان وجه الدلالة عند اقتضاء الدليل بيان ذلك. وذكرت في بعض المسائل ما وقفت عليه من أقوال الصحابة ومشاهير التابعين.
ح- اتبعت كل دليل ما ورد عليه من مناقشة وإجابة عنها بعده مباشرة، ما لم تكن الأدلة طويلة فأفرد مناقشتها في موضع مستقل.
ط- قلت فيما نقلته من مناقشة أو إجابة عليها عن أهل العلم (نوقش) و (أجيب عنها)، وما اجتهدت في مناقشته أو الإجابة عنه، قلت: (يمكن أن يناقش) و (يمكن أن يجاب عنه)، وكذا الأقوال التي لم أقف على أدلة لها وتمكنت من الاستدلال لها أقول: (يمكن أن يستدل لهم).
ك- رجحت بين الأقوال حسب ما ظهر لي، مع بيان سبب ترجيحه ما لم يكن واضحاً بالمناقشات على الأدلة، وإذا لم يظهر لي ترجح في المسألة – وهذا قليل – اكتفيت بسياق الأقوال وأدلتها.
ل- اجتهدت في بيان ثمرة الخلاف في بعض المسائل التي ظهر لي ثمرة الخلاف فيها.(1/14)
6- ما نقلته من النصوص عن أهل العلم ذكرت مرجعه في الهامش مجرداً، مع بيان الجزء والصفحة، وما غيرت في نصه ذكرت مرجعه في الهامش مسبوقاً بكلمة: (ينظر). إلا إذا قلت: قال فلان كذا فإني أضع نص كلامه بين قوسين.
7- عزوت الآيات القرآنية إلى موضعها، بذكر اسم السورة، ورقم الآية.
8- خرجت الأحاديث والآثار من مصادرها، ونقلت كلام أهل العلم في الحكم عليها وبيان درجتها وإذا لم يكن في الصحيحين، وما لم أقف عليه من الأحاديث والآثار نسبته لمن ذكره وقلت: (لم أقف عليه).
9- اعتمدت في توثيق الأحاديث على موسوعة الحديث الشريف فأذكر اسم الكتاب والباب ورقم الحديث والصفحة فقط وإذا كان في غير الكتب الستة فاكتفي في الغالب بذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث.
10- بينت معاني الألفاظ الغريبة من كتب غريب الحديث واللغة والشروح وغيرها.
11- ترجمت الأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة ممن رأيت أنه يحتاج إلى ترجمة وذلك بذكر اسمه ونسبه وشهرته، ومولده، وأشهر شيوخه وتلامذته، ومنزلته العلمية وأشهر مؤلفاته وتاريخ وفاته.
12- اعتنيت بقواعد اللغة العربية والإملاء وعلامات الترقيم.
13- وثقت القواعد الفقهية والأصولية من الكتب المعتمدة.
14- ختمت بعض المسائل بالتنبيه على البدع المتعلقة بالموضوع مما ذكره أهل العلم من السابقين واللاحقين.
15- ذيلت الرسالة بفهارس تعين على الاستفادة منها، وهي:-
أ- فهرس الآيات القرآنية، مرتبة السور حسب ترتيب المصحف.
ب- فهرس الأحاديث والآثار، ورتبتها حسب حروف الهجاء.
جـ- فهرس الألفاظ الغريبة، ورتبتها حسب ورودها في الرسالة.
د- فهرس الأعلام المترجم لهم، مرتبة حسب حروف الهجاء من غير أب، أو أم، أو ابن ، أو أداة التعريف.
هـ- فهرس المصادر والمراجع، مرتبة حسب حروف الهجاء، وذكرت فيه اسم الكتاب والمؤلف، والناشر، وتاريخ النشر، والطبعة، ومكانها، إن وجد. وإن رجعت لأكثر من طبعة ذكرت اسم الكتاب بطبعاته.(1/15)
وبعد، فإني أحمد الله وأشكره على ما من علي من إتمام هذا البحث المتواضع الذي بذلت فيه قصارى جهدي ليكون على أحسن صورة، فما كان فيه من صواب فمن توفيق الله سبحانه، وما كان فيه من خطأ فمن تقصيري، والكمال لله وحده.
وأتوجه بالشكر لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة في كلية الشريعة بالرياض على إتاحة فرصة البحث ومواصلة العلم الشرعي، وأخص بالشكر فضيلة المشرف على الرسالة، الدكتور/ عبد العزيز الغامدي الذي لم يدخر وسعاً في سبيل توجيهي وإرشادي، فقد كان لحسن إشرافه وتوجيهاته وآرائه عظيم الفائدة لي، فاسأل الله أن يبارك في جهوده وأن يجزيه عني خير الجزاء.
كما أتوجه بالشكر والدعاء لوالدي الكريمين وزوجي الفاضل الذي شد من أزري، ووسعني بخلقه وكريم خصاله، فجزاه الله عني خيراً.
كما أخص بالشكر الأخت/ زينب الطيار المحاضرة في قسم الفقه على مد يد العون لي، وتزويدي بما أحتاجه من المراجع، فجزاها الله عني خيراً.
وأشكر كل من أرشدني إلى ما يفيدني، وأعانني على إتمام هذه الرسالة.
وختاماً أسأل الله العلي القدير أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكتب لنا الأجر، ويجزل لنا العطاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
******(1/16)
التمهيد
فضل الدعاء
الدعاء نعمة عظيمة امتن الله بها على عباده، فبه تستجلب النعم، وبه تستدفع النقم، وهو سمة العبودية، ولبها وروحها، وهو دليل صدق الإيمان وعلامة الإخلاص، فلذا كان صرفه لغير الله من أعظم الشرك وأقبحه .
وقد سماه الله ديناً، والدين هو الإسلام كله، وتظافرت نصوص الكتاب والسنة في بيان فضله ومنزلته، واتفقت كلمة علماء الأمة على تعظيم شأنه .
ومما ورد في فضل الدعاء من نصوص القرآن:
1 – قال تعالى:? ???????? ?????????? ???????????? ???????????? ??????? ?????? ??????????? ????????????????? ???? ??????????? ?????????????? ????????? ?????????? ???? ? (1) .
قال الشوكاني (2) – رحمه الله –: «والآية الكريمة دلت على أن الدعاء من العبادة، فإنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه، ثم قال: ? ?????? ??????????? ????????????????? ???? ??????????? ? فأفاد ذلك أن الدعاء عبادة، وأن ترك دعاء الرب سبحانه استكبار ..» .
__________
(1) ... سورة غافر: آية (60) .
(2) ... في تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين، ص 19، وينظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (4/87) .
... والشوكاني هو: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ثم الصنعاني، ولد في هجر شوكان، سنة 1173هـ، قرأ على: والده، وعلى عبد الرحمن بن قاسم المداني، والقاسم بن يحيى الخولي .
... وأخذ عنه: صديق حسن خان وغيره، بدأ الإفتاء في العشرين من عمره ترك التقليد واجتهد اجتهاداً مطلقاً، ولى القضاء بصنعاء كان محدثاً فقيهاً أصولياً أديباً، من مصنفاته: (فتح القدير، ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار وإرشاد الفحول إلى علم الأصول وغيرها)، توفي بصنعاء سنة 1250هـ . ينظر في ترجمته: البدر الطالع (2/214)، والأعلام (6/298)، ومعجم المؤلفين (11/53) .(1/1)
2 – قال تعالى: ? ???? ??? ???????????? ??????? ??????? ??????? ????????????? ??????? ???????????? ?????????? ???????? ?????????? ???? ? ? (1) .
فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء، وأنه لولا دعاؤكم إياه، دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عبأ بكم ولا أحبكم (2) .
وقيل: ما خلقتكم ولي حاجة إليكم، إلا أن تسألوني فاغفر لكم وأعطيكم (3) .
3 – قال تعالى: ? ???????? ????????? ?????????? ?????? ??????????? ?????????? ???????? ???????? ????????? ?????? ???????? ???????????????????? ??? ??????????????? ??? ??????????? ???????????? ????? ? ? (4) .
فبالدعاء يحصل قرب الله سبحانه من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق (5) .
وفيه رفع الواسطة بين العبد والرب في مقام الدعاء (6) وبه يحصل الرشد، الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة (7) .
4 – قال تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ????????? ??? ??????? ?????????????????? ? (8) .
قال الطرطوشي - رحمه الله - (9) :
__________
(1) ... سورة الفرقان: آية (77) .
(2) ... تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 637، وينظر: جامع البيان في تأويل القرآن للطبري
(9/426)، وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (10/238): (هذا أقوى القولين) .
(3) ... الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (13/57)، (ونسبه إلى الوليد بن أبي الوليد) .
(4) ... سورة البقرة: آية (186) .
(5) ... ينظر: تيسير الكريم الرحمن، ص 76 .
(6) ... ينظر: الأزهية في أحكام الأدعية، للزركشي ص 28، وإتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين
(5/28) .
(7) ... ينظر: تيسير الكريم الرحمن ص 76 .
(8) ... سورة الأعراف: آية (55) .
(9) ... الدعاء المأثور، ص 38 .
... الطرطوشي هو: أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف الفهري الطرطوشي المشهور بابن أبي رندقة، ولد سنة 450هـ في مدينة طرطوشه وإليها ينسب . حدث عن: أبي الوليد الباجي، وأبي بكر الشاشي، ومحمد التميمي الحنبلي وغيرهم . وحدث عنه: أبو علي الصدفي، وابن العربي، والمهدي بن تومرت . كان عالماً فاضلاً زاهداً، قوياً في الحق. من مصنفاته: سراج الملوك، الحوادث والبدع، الدعاء المأثور وآدابه ، توفي سنة 520هـ، ينظر في ترجمته: الأعلام (7/133)، وفيات الأعيان (4/262) .(1/2)
«يعني تاركي الدعاء، وهذا نهاية في الكرم، وغاية في الإفضال ؛ أنه جعل إمساكك عن دعائه ومسألته التي فيها خلاصك، وصلاح دينك ودنياك اعتداءً منك» .
5 – قال تعالى: ? ???????????? ????? ?????????? ???????????? ????????????? ????????? ??????? ????????????? ??????????? ?????? ???????????????? ??? ????????? ????????????? ???? ? (1) .
فذم الله سبحانه أهل القرى الذين أبلسوا واستبأسوا ولم يبكوا ولا تضرعوا ولا دعوا . في حين أنه سبحانه مدح قوم يونس عليه السلام، وشكر فعلهم، ورفع عنهم العذاب ؛ لأنهم لما أظلهم العذاب حتى عاينوه على رؤوسهم، وأيقنوا بالهلاك خرجوا إلى الجبال والبراري تائبين إلى الله سبحانه متضرعين خاشعين باكين، فصرف الله عنهم العذاب، وشكر لهم فعلهم (2) .
قال تعالى:? ?????????? ???????? ????????? ????????? ????????????? ??????????????? ??????? ??????? ????????? ??????? ?????????? ?????????? ????????? ??????? ?????????? ? ???????????? ????????????? ??????????????????? ??????? ????? ? (3) .
ومما ورد في فضل الدعاء والترغيب فيه من نصوص السنة ما يلي:
1 – قال × : (الدعاء هو العبادة) (4) .
__________
(1) ... سورة الأنعام: آية (43) .
(2) ... الدعاء المأثور ص 129، وينظر: تفسير القرآن العظيم (2/414) .
(3) ... سورة يونس: آية (98) .
(4) ... أخرجه أبو داود، كتاب الوتر، باب الدعاء، برقم (1479)، ص 1333، والترمذي، كتاب التفسير، باب سورة البقرة، برقم (2969)، ص 1950، وقال: (حسن صحيح)، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، برقم (3828)، ص 2705، والبخاري في الأدب المفرد برقم (735) ص154، وصححه النووي في الأذكار، ص 380، وقال ابن حجر في الفتح (1/62): (سنده جيد) وحسنه السخاوي كما في الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية (7/191)، وصححه الحاكم في مستدركه
(2/159)، برقم (1848)، والألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم (550)، ص 265، وفي السلسلة الصحيحة برقم (1579).(1/3)
قال الشوكاني (1) - رحمه الله -: «هذه الصفة المقتضية للحصر، من جهة تعريف المسند إليه، ومن جهة تعريف المسند، ومن جهة ضمير الفصل، تقتضي أن الدعاء هو أعلى أنواع العبادة، وأرفعها، وأشرفها».
2 – ما روي أنه × قال:«لا تعجزوا في الدعاء ؛ فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد» (2) .
__________
(1) ... تحفة الذاكرين ص 19، وينظر: الفتوحات الربانية (7/192)، والفتح الرباني (14/266) .
(2) ... أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب الدعاء، باب لا يهلك مع الدعاء أحد، برقم (1861)، (2/164)، وقال: (حديث صحيح)، وفي إسناده عمر بن محمد الأسلمي، قال عنه الذهبي في الميزان (3/222): (مجهول) وقال الشوكاني في التحفة ص 22: (صححه ثلاثة من الأئمة، ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، والضياء في المختارة، وما ذكره فيها فهو صحيح عنده ...، ثم قال: قول الذهبي أنه مجهول، هذا قادح صحيح ...، لكن لا يخفاك أن تصحيح ابن حبان والضياء يكفي، ولا يحتاج معه إلى غيره، وعلى تقدير أن في إسنادهما هذا الرجل الذي قيل أنه مجهول، فمعلوم أنهما لا يصححان الحديث المروي من طريقه إلا وقد عرفاه وعرفا صحة ما رواه، ومن علم حجة على من لم يعلم، وليسا ممن يظن به التساهل في التصحيح)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (843): (ضعيف جداً)، وقال: (أما الضياء المقدسي فإنه ظن أن عمر بن محمد هذا هو غير ابن صلبان، وأنه ثقة، ولذلك أورده في المختارة، وإنما غره في ذلك قول ابن حبان في رواية الضياء عنه عمر بن محمد هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) .(1/4)
3 – وقال ×: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام» (1) .
فيه النهي عن أن يعجز الإنسان عن دعاء ربه ؛ فإن ضرر ذلك لا حق به وعائد عليه، وما أحسن ما علل به × هذا النهي بقوله: (فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد) فإن هذه المزية يهتز لها كل طالب للخير، وينشط بسببها كل عارف بمعاني الكلام (2) .
4 – قال × : (ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء) (3) والمراد بقوله أكرم أي أسرع ميلاً وأنفع تأثيراً (4) .
5 – وقال × : (سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وأفضل العبادة
__________
(1) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء، باب ما جاء في العجز عن الدعاء، برقم (61)، ص 39، وأورده الهيثمي في مجمعه (10/146)، باب فيمن عجز عن الدعاء، وعزاه إلى أبي يعلى وقال: (رواه أبو يعلى موقوفاً في آخر حديث ورجاله رجال الصحيح)، وأخرجه أحمد في مسنده، ينظر: (الفتح الرباني، أبواب الدعاء (14/267))، وأورده السيوطي في الجامع الصغير مع الفيض، برقم (1145)، ورمز لحسنه، وقال المناوي في فيض القدير (1/55): (قال المنذري: إسناده جيد قوي)، ثم قال المناوي: (وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه تقصير،وحقه الرمز لصحته)، وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/262)، والألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (601)، (2/150).
(2) ... تحفة الذاكرين، ص 22 .
(3) ... أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب فضل الدعاء، برقم (3370)، ص 1998، وقال: (حسن غريب)، وأخرجه ابن ماجه، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، برقم (3829)، ص 2705، والبخاري في الأدب المفرد، باب فضل الدعاء، برقم (733)، ص 154، والحاكم في مستدركه: كتاب الدعاء، باب ليس شيء أكرم على الله من الدعاء، برقم (1844)، (2/158)، وصححه، والطبراني في الدعاء، باب ما جاء في فضل لزوم الدعاء برقم (28)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم (713)،
ص 265 .
(4) ... شرح السندي على سنن ابن ماجه (4/262) .(1/5)
انتظار الفرج) (1) . أي أفضل الدعاء انتظار الداعي الفرج بالإجابة، فيزيد في خضوعه وتذلله وعبادته التي يحبها الله تعالى وهو المراد من قوله: (فإن الله يحب أن يسأل) (2) .
6 – وقال × : (سلوا الله كل شيء، حتى الشسع؛ فإن الله عز وجل إن لم ييسره لم يتيسر) (3) .
__________
(1) ... أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب في انتظار الفرج، برقم (3571)، ص 2019، وقال: (هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث وقد خولف في روايته، وحماد بن واقد هذا هو الصفار، ليس بالحافظ)، وأورده السيوطي في الجامع الصغير مع فيض القدير (4/108)، ورقمه (4701)، ورمز لصحته، وقال المناوي: (وليس كما قال ففيه حماد بن واقد، قال الترمذي نفسه ليس بالحافظ، وقال الحافظ العراقي ضعفه ابن معين وغيره، وقصارى أمره أن ابن حجر حسنه)، وأورده الهيثمي، كتاب الأدعية، باب
انتظار الفرج، وعزاه إلى البزار وقال: (وفيه من لم أعرفه)، وقال الألباني في الضعيفة، برقم (492)،
(1/705): (ضعيف جداً) .
(2) ... فيض القدير (4/108).
(3) ... أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ليسأل أحدكم ربه حاجته، برقم (2604)، ص 2023، وصححه، وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (354)، ص 172، وابن حبان في الإحسان برقم (894)، (3/177)، وأورده الهيثمي في المجمع (10/150)، باب سؤال العبد حوائجه كلها، وعزاه إلى أبي يعلى، وقال: (رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبيد الله بن المناري وهو ثقه)، وقال الألباني في الضعيفة (1363)، (3/540): (هذا سند موقوف جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي ابن أبي الوضاح كلام يسير لا يضر إن شاء الله...).(1/6)
ففي هذه الأحاديث دليل على عظم فضل الله ولم توصف عبادة بأنها أكرم على الله سوى الدعاء فدل على علو شرفه وعظيم منزلته، وما هذه المنزلة إلا لأنه يجتمع فيه أنواع التعبد ما لا يجتمع في غيره، فهو يستدعي حضور وعبادة الله بالتوجه، والقصد، والرجاء، والتوكل، والرغبة فيما عنده، والرهبة من عذابه (1) ، مما يدل على تقديم مقام الداعي على مقام العابد ؛ لأن فيه تذللاً، وإظهار فاقة، كما قيل: مقام ذليل بين يدي ملك عزيز وعلى هذا: كل داع عابد، وليس كل عابد داعياً (2) .
ولهذا كان ترك الدعاء قدحاً في الدين، وإعراضاً عن رب العالمين، وموجباً لغضبه ومقته .
7 – قال × : (من لم يسأل الله يغضب عليه) (3) .
ومعنى الحديث: أن من لم يسأل الله يبغضه، والمبغوض مغضوب عليه، والله يحب أن يسأل (4) .
وفي هذه النصوص رد على من يقول: السكوت والرضى أفضل من الدعاء، وعلى من يقول: علمه بحالي يغني عن سؤالي (5) ،
__________
(1) ... ينظر: تصحيح الدعاء ص 17، والفتوحات الربانية (4/398) .
(2) ... ينظر: الدعاء المأثور ص 39 .
(3) ... أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب من لم يسأل الله يغضب عليه، برقم (3373)، ص 1998، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، برقم (3827)، ص 2705، وأخرجه أحمد، ينظر: (الفتح الرباني، باب فضل الدعاء (14/267))، والبخاري في الأدب المفرد، برقم (675)، ص 143، وصححه الحاكم في مستدركه، برقم (1849)، (2/160)، وأورده ابن كثير في تفسيره (4/87)، وعزاه إلى أحمد وقال: (تفرد به أحمد، وهذا إسناد لا بأس به). وصححه الشوكاني في التحفة ص22، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم (512)، ص246، وفي الصحيحة برقم (2654).
(4) ... فتح الباري (11/98)، وينظر: عمدة القاري (22/276) .
(5) ... ونسب بعضهم هذا الحديث لإبراهيم عليه السلام، وهذا الحديث موضوع، قال ابن تيمية في الفتاوى
(1/183): (ليس له إسناد معروف، فهو باطل)، وينظر: السلسلة الضعيفة برقم (21) .(1/7)
وعلى من يقول: إن العبد لا يستفيد من الدعاء شيئاً، لأنه لا يرد قضاءً ولا قدراً ؟ (1) .
قال الخطابي (2) - رحمه الله -: «ومن أبطل الدعاء، فقد أنكر القرآن ورده، ولا خفاء بفساد قوله، وسقوط مذهبه» .
وقال عز الدين بن عبد السلام - رحمه الله - (3) : «من زعم أنا لا نحتاج إلى الدعاء فقد كذب وعصى ويلزمه أن يقول لا حاجة بنا إلى الطاعة والإيمان ؛ لأن ما قضاه الله تعالى من الثواب والعقاب لابد منه ولا يدري هذا الأخرق الأحمق أن مصالح الدنيا والآخرة قد رتبها الله سبحانه وتعالى على الأسباب، ومن ترك الأسباب بناءً على ما سبق به القضاء لا يغيره الدعاء، لزمه أن لا يأكل ولا يشرب إذا جاع وعطش، ولا يتداوى إذا مرض، ولا يلبس إذا برد وأن يلقى الكفار بغير سلاح، ويقول في ذلك كله ما قضاه الله تعالى لا يرد، وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل، وما أجرأ هذا الجنس على الجرأة على الله بإنكار الشرع، وما ركزه الله في الطبع» .
__________
(1) ... ينظر في تفصيل الرد على هذه الأقوال: فتح الباري (11/98)، والدعاء المأثور وآدابه ص 134،
وشأن الدعاء للخطابي، ص 9، وأكثر من فصل في الرد العروسي في كتابه الدعاء ومنزلته من العقيدة
(1/355 – 374) .
(2) ... شأن الدعاء ص 9، وينظر: المعيار المعرب (12/313، 322)، وقال: (الدعاء مشروع مرغب فيه، ولا ينكره إلا كافر مكذب بالقرآن، والمنكر ينهى عنه أشد النهي وإن تمادى فهو مرتد) .
... والخطابي هو: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، صاحب التصانيف .
... حدث عن: أبي سعيد بن الأعرابي، وإسماعيل الصفار، وأبي العباس الأصم، حدث عنه: الحاكم، الكرابيسي، الأسفراييني، كان ثقة مثبتاً من أوعية العلم .
... من مصنفاته: معالم السنن، وغريب الحديث، وشأن الدعاء وغير ذلك، توفي سنة 388هـ .
... ينظر في ترجمته:سير أعلام النبلاء (17/23)،وشذرات الذهب (3/127)،وفيات الأعيان (2/214) .
(3) ... في فتاويه ص 434 – 435 .(1/8)
ونخلص مما سبق ؛ أن فضائل الدعاء هي:
1 – أنه أعظم العبادة وأشرفها وأحبها إلى الله .
2 – أنه من أسباب خلق الله سبحانه للعباد على هذه البسيطة .
3 – أنه يوجب محبة الله للعبد وقربه منه وإجابة دعائه .
4 – أن في ترك الدعاء والإعراض اعتداء يوجب غضب الله ومقته .
5 – أن بالدعاء يرفع العذاب حتى ولو كان نزوله متحققاً، وتركه سبب لتحقق نزوله .
6 – أن الداعي أفضل من العابد، لما في الدعاء من عبادات كثيرة قد لا توجد في العبادة المتجردة من الدعاء .
******(1/9)
الفصل الأول
حقيقة الدعاء
وفيه ثمانية مباحث:
المبحث الأول: تعريف الدعاء: وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الدعاء في اللغة:
الدعاء في اللغة: مأخوذ من مادة (دعو)، التي تدل في الأصل على إمالة الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك (1) . ومن هذا الأصل الدعاء في معنى الرغبة إلى الله عز وجل، وهو واحد الأدعية، والفعل من ذلك دعا يدعو، والمصدر الدعاء والدعوى، أما الدعوة في المرة الواحدة من الدعاء ومنه قوله ×: (ولتشهد الخير، ودعوة المسلمين) (2) أي دعاء المسلمين . والدعّاءة: الأنملة يدعى بها كقولهم السبابة كأنها هي التي تدعو، كما أن السبابة هي التي كأنها تسب . ودعوت فلاناً أي صحت به واستدعيته، ودعاه الأمير: ساقه .
والدعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، وأحدهم داع، ورجل داعية إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين، أدخلت الهاء فيه للمبالغة (3) .
وقد ورد الدعاء في اللغة بعدة معان منها (4) :
1 – العبادة: كما في قوله تعالى:? ????? ??????? ??? ????? ?????? ??? ??? ?????????? ????? ??????????? ? (5) .
__________
(1) ... معجم مقاييس اللغة لابن فارس (2/279) .
(2) ... أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب خروج النساء والحيض إلى المصلى، برقم (974)، ص 76.
(3) ... ينظر: لسان العرب، لابن منظور (14/258)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (2/122)، وأساس البلاغة، للزمخشري، ص 131، وترتيب القاموس المحيط، للفيروزآبادي، (2/186) .
(4) ... ينظر: الدعاء المأثور وآدابه ص 31 – 33، والأزهية في أحكام الأدعية، للزركشي ص 27، وفتح الباري (11/97)، ولسان العرب (14/257)، والوجوه والنظائر في القرآن الكريم للقرعاوي
ص 318 ، والدعاء ومنزلته من العقيدة للعروسي (1/25-46).
(5) ... سورة يونس: آية (106) .(1/1)
2 – الاستغاثة: كما في قوله تعالى: ? ??????????? ?????????????? ???? ????? ?????? ? (1) أي استغيثوا بشهدائكم (2) .
3 – التوحيد: كما في قوله تعالى: ? ???????????? ?????? ?????? ?????? ?????? ????????? ? (3) يقول: لا إله إلا الله، ويدعوه (4) .
4 – النداء: دعا الرجل دعواً ودعاءً ناداه، والاسم الدعوة (5) ، ومنه قوله تعالى:
? ???????? ??????????? ????????? ???????????? ???????????? ? (6) .
قال الراغب (7) : «الدعاء مثل النداء إلا أن النداء قد يقال بـ (يا) أو (أيا)، ونحو ذلك من أدوات النداء من غير أن يضم إليه الاسم، أما الدعاء فلا
يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو: يا فلان، وقد يستعمل كل منهما في موضع الآخر».
5 – القول: ومنه قوله تعالى: ? ????????????? ?????? ????????????? ??????????? ? (8) .
__________
(1) ... سورة البقرة: آية (23) .
(2) ... مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي أبي عياض (1/260)، وينظر: معاني القرآن، للفراء
(1/19) .
(3) ... سورة الجن: آية (19) .
(4) ... الدعاء المأثور ص 31 .
(5) ... لسان العرب (14/258) .
(6) ... سورة القمر: آية (10) .
(7) ... مفردات ألفاظ القرآن، ص 169 – 170 ، والراغب الأصفهاني اختلف في اسمه، والأشهر أن اسمه الحسين، وعليه مشى جل من ترجم له، فقيل: الحسين بن محمد بن المفضل، واشتهر بكنيته، صاحب التصانيف، كان علامة ماهراً، ومحققاً باهراً من أذكياء المتكلمين، واشتهر حتى كان يقرن بالإمام الغزالي، من مصنفاته: المفردات في غريب القرآن، وتفسير القرآن الكريم، ودرة التأويل في متشابه التنزيل، توفي عام 425هـ، ينظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء (18/120)، والأعلام (2/255) وكشف الظنون (1/36) .
(8) ... سورة يونس: آية (10) .(1/2)
6 – السؤال والطلب - وهو المراد به هنا - يقال: دعوت الله أدعوه دعاء، أي ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير (1) ، ومنه قوله تعالى: ? ???????? ????????? ?????????? ?????? ??????????? ?????????? ???????? ???????? ????????? ?????? ???????? ? (2) .
فمتى صدر اللفظ بصيغ السؤال والطلب، كقوله: يا الله يا رحمن، يا رب، ربنا ؛
فهو دعاء. قال ابن منظور (3) - رحمه الله -: «معنى الدعاء لله على ثلاثة أوجه: فضرب منها توحيده والثناء عليه ؛ كقولك: يا الله لا إله إلا أنت، وكقولك: ربنا لك الحمد إذا قلته فقد دعوته بقولك ربنا، ثم أتيت بالثناء والتوحيد، ومثله قوله: ? ???????? ?????????? ???????????? ???????????? ??????? ?????? ??????????? ????????????????? ???? ??????????? ?، فهذا ضرب من الدعاء .
الضرب الثاني: مسألة الله العفو والرحمة وما يقرب منه، كقولك: اللهم اغفر لنا .
الضرب الثالث: مسألة الحظ من الدنيا كقولك: اللهم ارزقني مالاً وولداً، وإنما سمي هذا جميعه دعاء ؛ لأن الإنسان يصدر في هذه الأشياء بقوله يا الله يا رب يا رحمن، فلذلك سمي دعاء ..».
المطلب الثاني: تعريف الدعاء في الاصطلاح:
عرفه العلماء بعدة تعاريف كلها متقاربة ؛ منها:
__________
(1) ... ينظر: ترتيب القاموس المحيط (2/503) .
(2) ... سورة البقرة: آية (186) .
(3) ... لسان العرب (14/257)، وابن منظور: هو محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري الإفريقي ثم المصري جمال الدين أبو الفضل، ولد سنة 630هـ، سمع من: ابن المقير وغيره، حدث عنه: السبكي، والذهبي، وغيرهم. عمّر وكبر وحدّث فأكثروا عنه، واختصر كثيراً من كتب الأدب المطولة، كان صدراً رئيساً فاضلاً في الأدب مليح الإنشاء، وفي قضاء طرابلس، وكان عنده تشيع بلا رفض. من مصنفاته: لسان العرب، ومختار الأغاني، توفي سنة 711هـ .
... ينظر في ترجمته: الدرر الكامنة (5/31)، والأعلام (7/108)، ومعجم المؤلفين (11/46) .(1/3)
1 – أن معنى الدعاء: استدعاء العبد ربه – عز وجل – العناية، واستمداده إياه المعونة، وحقيقته إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة (1) .
2 – وعرف بأن الدعاء هو قول القائل يا الله، يا رحمن، يا رحيم، وما أشبه ذلك (2) .
3 – وعرف بأنه مناداة الله تعالى لما يريد من جلب منفعة، أو دفع مضرة من المضار والبلاء بالدعاء، فهو سبب لذلك، واستجلاب لرحمة المولى (3) .
4 – وقال شيخ الإسلام – رحمه الله – (4) : «إن دعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره ودفعه، وكل من يملك الضرر والنفع فإنه هو المعبود» .
5 – وعرف بأنه: الابتهال إلى الله تعالى بالسؤال والرغبة فيما عنده من الخير، والتضرع إليه في تحقيق المطلوب، وإدراك المأمول (5) .
6 – وعرف بأنه: الرغبة إلى الله عز وجل (6) ، أو هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له (7) .
وعرف بتعريفات كثيرة تقارب التعريفات السابقة
والتعريف المختار: أن الدعاء هو التضرع إلى الله والافتقار إليه بطلب تحقيق المطلوب أو دفع المكروه بصيغ السؤال والخبر.
وهذا التعريف وإن كان ظاهراً في دعاء المسألة إلا أنه متضمن لدعاء العبادة ؛ لأن كل سائل راغب راهب فهو عابد للمسئول (8) .
وقولنا في التعريف: (بصيغ السؤال والخبر...):
__________
(1) ... شأن الدعاء ص 4 .
(2) ... المنهاج في شعب الإيمان، للحليمي (1/522) .
(3) ... ينظر: عارضة الأحوذي (12/192)، ونبذة في الدعاء، لليافعي، ص 144 .
(4) ... في مجموع الفتاوى (15/19)، وينظر: بدائع الفوائد (3/2) .
(5) ... الدعاء، للخضيري ص 11 .
(6) ... لسان العرب (14/257)، وينظر: ترتيب القاموس المحيط (2/188) .
(7) ... فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر (11/95)، ونسبه للطيبي – رحمه الله - .
(8) ... ينظر: مجموع الفتاوى (10/240) .(1/4)
لأن السائل تارة يسأل بصيغة الطلب، وتارة يسأل بصيغة الخبر، إما بوصف حاله، وإما بوصف حال المسئول، وإما بوصف الحالين معاً .
وسيأتي مزيد بيان لذلك في مبحث أنواع الدعاء (1) .
******
__________
(1) ص 62 .(1/5)
المبحث الثاني: الألفاظ ذات الصلة بلفظ الدعاء، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: ألفاظ مرادفة (1) للدعاء أو أعم من الدعاء منها:
1– العبادة:
العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع، ومنه طريق مُعَبَّد إذا كان مذللاً بكثرة الوطء، فأصل العبودية: الخضوع والتذلل ؛ ولا يقال: عبد يَعْبُد عبادة إلا لمن يعبد الله، ومن عبد دونه إلهاً فهو من الخاسرين (2) .
وأما في الاصطلاح: فقد عرفت العبادة بعدة تعريفات ؛ منها:
1 – فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيماً لربه (3) .
2 – وعرفت بأنها ما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف (4) .
3 – وأحسن تعريف للعبادة وأدقه تعريف شيخ الإسلام – ابن تيمية – رحمه الله – حيث قال (5) : «العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة».
من خلال هذا التعريف تتضح العلاقة بين العبادة والدعاء:
__________
(1) ... الترادف هو: الاتحاد في المفهوم، وقيل: هو توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار
واحد، ينظر: التعريفات، للجرجاني ص 56 .
(2) ... ينظر: اللسان (3/271)، وأساس البلاغة ص 291، وترتيب القاموس المحيط (3/135) .
(3) ... التعريفات ص 190 .
(4) ... تفسير ابن كثير (1/24) .
(5) ... مجموع الفتاوى (10/149) .(1/1)
أن الدعاء أخص من العبادة (1) ، والعبادة أعم من الدعاء ؛ لأن الدعاء داخل في العبادة. وعلى هذا فكل داع عابد، وليس كل عابد داعياً (2) ، هذا إذا أريد بالدعاء دعاء المسألة أما دعاء العبادة فهو والعبادة سيان كما هو واضح. أو يقال: إن العلاقة بين العبادة والدعاء الترادف والتوافق إذا افترقا، وإذا اجتمعا فرق بين معنييهما؛ بأن المراد من الدعاء دعاء المسألة، والمراد بالعبادة امتثال الأوامر واجتناب المناهي؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «كل عابد سائل وكل سائل عابد، فأحد الاسمين يتناول الآخر عند تجرده عنه، ولكن إذا جمع بينهما، فإنه يراد بالسائل الذي يطلب جلب المنفعة ودفع المضرة بصيغ السؤال والطلب، ويراد بالعابد من يطلب ذلك بامتثال الأمر، وإن لم يكن في ذلك صيغ سؤال» (3) .
2 – الذكر:
الذكر في اللغة: مصدر ذكر الشيء يذكره ذِِكْراً وذ ُكْرا (4) ، ومادة (ذكر) وما تصرف منها تطلق في اللغة على عدة معان (5) منها:
1 – الشيء يجري على اللسان، أي ينطق به، يقال: ذَ كَرْتُ الشيء أذكره ذِكْر
وذ ُكْراً؛ إذا نطقت باسمه أو تحدثت عنه، ومنه قوله تعالى: ? ?????? ???????? ???????? ????????? ??????????? ? (6) .
__________
(1) ... فتح الباري (11/98)، وينظر: شرح الزرقاني على موطأ مالك (2/44) .
(2) ... الدعاء المأثور وآدابه ص 39 .
(3) ... الفتاوى (10/240)، وينظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة (1/63 – 70) .
(4) ... لسان العرب (4/308) مادة: (ذكر) .
(5) ... ينظر: مشارق الأنوار (1/269)، والدعاء المأثور وآدابه، ص 294 – 296، وأساس البلاغة
ص 143 – 144، ولسان العرب (4/310، 311)، ومفردات القرآن ص 328، وترتيب القاموس المحيط (2/262) .
(6) ... سورة مريم: آية (2) .(1/2)
2 – الحفظ واستحضار الشيء في القلب ضد النسيان، ومنه قوله تعالى: ? ??????????? ???????? ????????? ?????? ????????????? ??????? ??????????????? ????? ???????????? ? (1) .
3 – الصيت والشرف، ومنه قوله تعالى: ? ???? ????????????????? ??? ??????????? ? (2) أي ذي الشرف (3) .
4 – القرآن: ومنه قوله تعالى: ? ???????? ?????? ???????????? ??????????? ?????????? ?????? ??????????????? ? (4) .
وأما في الاصطلاح: عرف الذكر بعدة تعريفات كلها متقاربة، منها:
1 – ما تعبدنا الشارع بلفظ مما يتعلق بتعظيم الحق والثناء عليه (5) .
2 – وعرف بأنه تمجيد الله تعالى، وتقديسه، وتسبيحه، وتهليله والثناء عليه بجميع محامده (6) .
3 – وعرف بأنه كل ما يقرب العبد إلى الله من عقيدة، أو فكر، أو عمل قلبي، أو عمل بدني، أو ثناء على الله، أو تعلم علم نافع وتعليمه، ونحو ذلك فكله ذكر الله تعالى (7) .
__________
(1) ... سورة الكهف: آية (63) .
(2) ... سورة ص: آية (1) .
(3) ... لسان العرب (4/311) .
(4) ... سورة الحجر: آية (9).
(5) ... الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية (1/18) .
(6) ... النهاية في غريب الحديث (2/163)، وينظر: لسان العرب (4/310) .
(7) ... الرياض النضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة، لابن السعدي، ص 245.(1/3)
من خلال هذه التعاريف تتضح العلاقة بين الذكر والدعاء: وهي أن كل واحد من الدعاء والذكر يتضمن الآخر ويدخل فيه فالدعاء ذكر للمدعو سبحانه وتعالى متضمن للطلب والثناء عليه بأوصافه وأسمائه ؛ فهو ذكر وزيادة ؛ كما أن الذكر سمي دعاء لتضمنه للطلب (1) ، كما في قوله ×: (أفضل الدعاء الحمد لله) (2) فسمي الحمد لله دعاء وهو ثناء محض ؛ لأن الحمد متضمن الحب والثناء، والحب أعلى أنواع الطلب ؛ فالحامد طالب للمحبوب ؛ فهو أحق أن يسمى داعياً من السائل الطالب، فنفس الحمد والثناء متضمن لأعظم الطلب فهو دعاء حقيقة، بل أحق أن يسمى دعاء من غيره من أنواع الطلب الذي هو دونه (3) لكن لا يعني ذلك تساوي الدعاء والذكر في الفضل بل الذكر بمعنى الثناء على الله وتمجيده وتقديسه أفضل من دعاء المسألة والطلب .
__________
(1) ... ينظر: الفتاوى (15/19)، وبدائع الفوائد (1/9) .
(2) ... أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، برقم (3383)، ص 1999، وحسنه، والنسائي في عمل اليوم والليلة، برقم (831)، ص 493، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب فضل الحامدين، برقم (3800)، ص 2703، والحاكم في مستدركه (1/171)، برقم (1877)، وصححه، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار (1/95) ومداره على موسى بن إبراهيم وقال ابن حجر: (ولم أقف في موسى على تجريح ولا تعديل، إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات وقال: يخطيء، وهذا عجيب منه لأن موسى مقل، فإذا كان يخطيء مع قلة روايته فكيف يوثق ويصحح حديثه ؟ فلعل من صححه أو حسنه تسمح لكون الحديث من فضائل الأعمال) أ . هـ . وحسنه الألباني في الصحيحة، برقم (1497)، (3/484) ولفظه: (أفضل الشكر الحمد لله) .
(3) ... الفتاوى (15/19)، وينظر بدائع الفوائد (1/9)، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، للمباركفوري (9/229).(1/4)
قال ابن القيم – رحمه الله – (1) : «الذكر أفضل من الدعاء ؛ لأن الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه، والدعاء سؤال العبد حاجته، فأين هذا من هذا ؟ .. ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى، والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته» .
3 – الصلاة:
الصلاة في اللغة: الدعاء والرحمة والاستغفار، وحسن الثناء من الله عز وجل على رسوله × ؛ وعبادة فيها ركوع وسجود (2) ؛ وسميت الصلاة المفروضة صلاة ؛ لأن المصلي متعرض لاستنجاح طلبته من ثواب الله بعلمه مع ما يسأل ربه من حاجاته، تعرض الداعي بدعائه ربه استنجاح حاجاته وسؤله (3) .
وقيل: أصل الصلاة في اللغة: التعظيم، وسميت العبادة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى (4) . والقول الأول أصح وأشهر ؛ قال ابن كثير – رحمه الله – (5) : «واشتقاق الصلاة من الدعاء أصح وأشهر» .
وفي الاصطلاح: عرفت الصلاة بعدة تعريفات منها:
1 – أنها أركان مخصوصة وأذكار معلومة بشرائط محصورة في أوقات مقدرة، والصلاة أيضاً: طلب التعظيم لجانب الرسول × في الدنيا والآخرة (6) .
2 – وعرفت الصلاة الشرعية بأنها الدعاء كما هي في اللغة (7) .
قال ابن القيم – رحمه الله – (8) :
__________
(1) ... الوابل الصيب، لابن القيم ص191.
(2) ... ترتيب القاموس المحيط (2/847)، وينظر: النهاية في غريب الحديث (3/50)، لسان العرب
(14/464 – 465)، والتعريفات ص 174، والفتاوى (10/238)، والمنتقى شرح الموطأ (2/313).
(3) ... جامع البيان في تأويل القرآن، للطبري (1/137) .
(4) ... النهاية في غريب الحديث (3/50)، وينظر: لسان العرب (14/466) .
(5) ... تفسير القرآن العظيم (1/41) .
(6) ... التعريفات ص 174 .
(7) ... ينظر: جامع البيان (1/137)، والفتاوى (10/238)، وبدائع الفوائد (3/6)، وجلاء الأفهام ص 156 .
(8) ... جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على الحبيب ص 156، وقد استشكل رحمه الله في بدائع الفوائد
(1/26) كون الصلاة بمعنى الدعاء وذكر من وجوه الإشكال: (أن الدعاء يكون بالخير والشر والصلاة لاتكون إلا بالخير، والدعاء إذا تعدى بعلى تغير معناه فصار بالشر والصلاة لا تتعدى إلا بعلى، ثم ذكر وجوها أخرى ثم قال: فدل هذا على أنهما ليسا بمعنى واحد) وقد أجاب العروسي في كتابه الدعاء ومنزلته من العقيدة (1/84): (بأنه لا يلزم من كون أحدهما بمعنى الآخر لغة، أن يتحدا في جميع الاستعمالات من التعدي واللزوم وغيرهما، ولكن المقصود أنهما مشتركان في القدر المشترك الذي يصدق عليهما ويوجد في جميع موارد استعمالها ...) .(1/5)
«المصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهو في صلاة حقيقة لا مجازاً، ولا منقولة، لكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها كالدابة والرأس ونحوهما ..» .
وكذا الصلاة على النبي × هي دعاء العبد أن يثني على خليله ويزيد من تشريفه (1) .
من خلال هذا التعريف تتضح العلاقة بين الصلاة والدعاء:
أنه إذا أريد بالصلاة الصلاة الشرعية فهي أعم من الدعاء ؛ لأنها تتضمن كل ما كان ذكراً لله تعالى أو دعاء له .
وإذا أريد بالصلاة الصلاة على النبي × فهي أخص من الدعاء، والدعاء أعم منها؛ لأنها أحد نوعي دعاء المسألة ؛ لأن دعاء العبد وسؤاله ربه نوعان (2) :
أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته وما ينويه في الليل والنهار .
والثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه ويزيد من تشريفه .
فتبين من ذلك أن الدعاء أعم من الصلاة على النبي ×، وأخص من الصلاة الشرعية .
المطلب الثاني: ألفاظ خاصة بنوع من أنواع الدعاء:
1– السلام:
السلام في اللغة يطلق على معان منها (3) :
1 – اسم من أسماء الله تعالى، كما في قوله تعالى: ? ???????????? ???????????? ? (4) .
2 – السلامة أي السلامة من الشر، كما في قوله تعالى:? ?????????? ???????? ??????????? ???????? ? (5) .
3 – الثناء الحسن، كما في قوله تعالى: ? ????????? ?????? ?????? ? ??????????????? ? (6) .
__________
(1) ... ينظر: المنتقى (2/313)، وجلاء الأفهام ص 454، والفتاوى (22/468) .
(2) ... ينظر: جلاء الأفهام ص 454 .
(3) ... الوجوه والنظائر في القرآن ص 371 – 372، وينظر: مشارق الأنوار (2/218)، والنهاية في غريب الحديث (2/392 – 393)، وترتيب القاموس المحيط (2/603)، وأساس البلاغة ص 318، ولسان العرب (12/289 – 291)، وفتح الباري (11/15) .
(4) ... سورة الحشر: آية (23) .
(5) ... سورة هود: آية (48) .
(6) ... سورة الصافات: آية (79) .(1/6)
4 – التحية التي يحيى بها المسلمون بعضهم بعضاً، كما في قوله تعالى: ? ????????? ??????????? ??????????? ????????????? ??????? ???????????? ??????????? ????? ????? ?????? ???????????? ???????????? ? (1) .
5 – الدعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه، كما في قوله تعالى: ? ???????? ???????? ??????????? ???????????? ????????????????? ??????? ?????????? ???????????? ??????? ????????? ?????? ??????????? ??????????????? ? (2) .
أي سلمكم الله في دينكم وأنفسكم (3) ، فهو دعاء بالسلامة، وهذا المعنى الأخير قريب من المعنى الشرعي للسلام ؛ حيث عرف بأنه: كلاءة الله عليك وحفظه ؛ كما يقال الله معك ومصاحبك (4) . وقيل: معناه أن اسم الله يذكر على الأعمال توقعاً لاجتماع معاني الخيرات فيها وانتفاء عوارض الفساد عنها (5) .
ومن خلال هذه التعريفات تتضح العلاقة بين الدعاء والسلام:
وهي أن الدعاء أعم من السلام ؛ لأن الدعاء يعم الدعاء بالخير والشر أما السلام فهو دعاء بالخير فقط فهو خاص بنوع من أنواع الدعاء، فكل سلام دعاء، وليس كل دعاء سلام.
2 – السؤال:
يقال: سأل يسأل سؤالاً، ومسألة ومساءلة، والجمع مسائل إذا طلب، والسول: أمنية الإنسان التي يسألها (6) كما في قوله تعالى: ? ?????? ?????? ????????? ????????? ???????????? ? (7) أي: أعطيت أمنيتك التي سألتها (8) .
__________
(1) ... سورة النور: آية (61) .
(2) ... سورة الأنعام: آية (54) .
(3) ... الجامع لأحكام القرآن (6/280) .
(4) ... فتح الباري (11/15)، وينظر: مشارق الأنوار (2/218)، وشرح صحيح مسلم (7/395)، وسبل السلام شرح بلوغ المرام (4/292) .
(5) ... فتح الباري (11/15) .
(6) ... ينظر: ترتيب القاموس المحيط (2/503)، وأساس البلاغة ص 199، ولسان العرب (11/319) .
(7) ... سورة طه: آية (36) .
(8) ... ينظر: جامع البيان (8/411)، والجامع لأحكام القرآن (11/131) .(1/7)
ومن استعمال السؤال بمعنى الدعاء ؛ قوله تعالى: ? ??????? ?????????? ?????????? ???????? ? (1) أي دعا داع (2) .
والعلاقة بين الدعاء والسؤال هي: أن السؤال خاص بجلب المسار (3) ، فهو أخص من الدعاء، والدعاء أعم منه، فكل سؤال دعاء، وليس كل دعاء سؤال. وقد يقال: إن المقصود واحد وإن اختلف اللفظ (4) ، فقد يذكر أحدهما مقام الآخر (5) ، فتكون العلاقة بينهما الترادف وقيل: الداعي المضطر، والسائل المختار ؛ لقوله تعالى: ? ??????? ????????? ????????????? ?????? ??????? ? (6) فللسائل المثوبة وللداعي الإجابة (7) .
__________
(1) ... سورة المعارج: آية (1) .
(2) ... قاله مجاهد – رحمه الله – ينظر: جامع البيان (12/226)، والجامع لأحكام القرآن (18/181)، ولسان العرب (11/319) .
(3) ... ينظر: فتح الباري (3/38)، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني (7/201)، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، لعبد الحق العظيم آبادي (4/254)، وشرح الزرقاني على موطأ مالك (2/50).
(4) ... نفس المصادر السابقة .
(5) ... عون المعبود (4/254) .
(6) ... سورة النمل: آية (62) .
(7) ... ينظر: مشارق الأنوار (1/260) .(1/8)
وقيل: الدعاء ما لا طلب فيه نحو يا الله، والسؤال الطلب (1) وهذه الفروق ضعيفة ؛ أما الأول فلأنه ورد استعمال الدعاء في الرخاء، كقوله × : (من سره أن يستجيب الله له في الشدة، فليكثر الدعاء في الرخاء) (2) ، وأما الثاني: فلأنه سبق أن أهل اللغة يطلقون الطلب على الدعاء (3) .
فالصحيح هو القول الأول أن العلاقة بينهما إما الترادف أو أن أحدهما أعم من الآخر .
3 – الاستعاذة:
الاستعاذة في اللغة: يقال عاذ فلان بربه يعوذ عوذاً وعياذاً ومعاذاً، لاذ به ولجأ إليه واعتصم، وعذت بفلان واستعذت به أي لجأت إليه (4) ، واستعيذ بالله أي: أطلب العياذ به (5) .
والمراد بها: الالتجاء إلى الله تعالى، والالتصاق بجانبه من شر كل ذي شر (6) .
من خلال هذا التعريف تتضح العلاقة بين الدعاء والاستعاذة:
__________
(1) ... فتح الباري (3/38)، وينظر: عمدة القاري (7/201)، وشرح الزرقاني (2/50) .
(2) ... أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، برقم (3382)، ص 1999، وحسنه، والحاكم في مستدركه، كتاب الدعاء، الأمر باكثار الدعاء في الرخاء، برقم (2041)، (2/239)، وصححه، والطبراني في الدعاء، باب الحث على الدعاء في الرخاء، برقم (44)، ص 34، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6166)، (5/300) .
(3) ... ينظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة (1/98) .
(4) ... لسان العرب (3/498)، وينظر: ترتيب القاموس المحيط (3/340)، وأساس البلاغة ص 316، والنهاية (3/318) .
(5) ... بدائع الفوائد (4/201) .
(6) ... تفسير القرآن العظيم (1/14)، وينظر: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الوهاب، ص 175 .(1/9)
وهي أن الاستعاذة خاصة بدفع الشر الحاضر أو المتوقع، فالحاضر كقوله × : (أعوذ بعزة الله، وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) (1) فهو يطلب رفع الشر الموجود .
والمتوقع كقولك: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر).
أما الدعاء فيعم ما كان لمنع الشدة ورفعها، أو لحصول المنفعة والخير، فالاستعاذة نوع من الدعاء خاص بدفع الضرر (2) ، فكل استعاذة دعاء، وليس كل دعاء استعاذة .
4 – الاستغفار:
الاستغفار في اللغة: مصدر استغفر يقال: استغفر الله من ذنبه ولذنبه بمعنى: غفر له ذنبه غفراً وغفراناً ومغفرة، وأصل الغفر: التغطية والستر، وتغافرا: أي دعا كل واحد منهما لصاحبه بالمغفرة، وغفر الله ذنوبه أي سترها (3) .
والعلاقة بين الدعاء والاستغفار هي: أن الاستغفار خاص بطلب دفع شر الذنوب (4) ، والدعاء يعم ما كان طلباً للخير أو طلباً لدفع الشر، فكل استغفار دعاء، وليس كل دعاء استغفار. قال الطرطوشي – رحمه الله – (5) : (إذا دعوت الله في قضاء حاجة تأملها في دينك أو دنياك كنت سائلاً طالباً، فإذا دعوته أن يغفر ذنبك كنت مستغفراً، والجميع دعاء) .
5 – الاستغاثة:
__________
(1) ... أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء، برقم (2202)، ص 1069 .
(2) ... ينظر: الاستغاثة في الرد على البكري (2/451)، والفتاوى (15/227)، وتيسير العزيز الحميد،
ص 175، وتفسير القرآن (1/14)، والدعاء ومنزلته من العقيدة (1/88).
(3) ... لسان العرب (5/25 – 26)، وينظر: النهاية في غريب الحديث (3/373)، وترتيب القاموس المحيط
(3/405)، وأساس البلاغة ص 326 .
(4) ... ينظر: الفتاوى (10/239)، وفتح الباري (3/38)، وعمدة القاري (7/201)، وشرح الزرقاني
(2/50) .
(5) ... الدعاء المأثور ص 33 .(1/10)
الاستغاثة في اللغة: مصدر استغاث، والاسم الغَوْث والغُواث والغَواث، يقال: أجاب الله غَوْثاه وغُواثه وغَواثه، ويقول الواقع في بلية: أغثني، أي فرج عني (1) ، ومن أسماء الله تعالى المغيث والغياث (2) ، يقال: يا غياث المستغيثين، ومعناه: المدرك عباده في الشدائد إذا دعوه، ومجيبهم ومخلصهم. ويقال: أغاثه إغاثة وغياثاً وغوثاً أي استجاب له كما في قوله تعالى: ? ????? ?????????????????? ?????????? ??????????????? ?????? ? (3) ، إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال، والاستجابة أحق بالأقوال، وقد يقع كل منهما موقع الآخر (4) . والمراد منها: طلب الغوث وهو إزالة الشدة (5) .
ومن هنا تتضح العلاقة بين الاستغاثة والدعاء وهي أن الاستغاثة نوع من الدعاء خاص بدفع المضار ولا تكون إلا من مكروب، والدعاء يعم الدعاء بالخير والشر، ويكون من المكروب وغيره فعلى هذا: كل استغاثة دعاء وليس كل دعاء استغاثة (6) .
6 – الشفاعة:
الشفاعة في اللغة: يقال شفع يشفع شفاعة، فهو شافع وشفيع، والمشفع الذي
__________
(1) ... ينظر: لسان العرب (2/174)، وترتيب القاموس المحيط (3/426)، والنهاية (3/391) .
(2) ... قال شيخ الإسلام في الفتاوى (1/111): (جاء ذكر المغيث في حديث أبي هريرة، قالوا: واجتمعت الأمة على ذلك) .
(3) ... سورة الأنفال: آية (9) .
(4) ... ينظر: الفتاوى (1/112) .
(5) ... تيسير العزيز الحميد ص 180 .
(6) ... ينظر: تيسير العزيز الحميد ص 180، والدعاء ومنزلته من العقيدة (1/90) .(1/11)
يقبل الشفاعة، والمشَفَّع الذي تقبل الشفاعة، والشفاعة: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، وشفع إليه: في معنى طلب إليه، وقوله تعالى:? ??? ??? ???????? ?????????? ????????? ??????? ????????????? ? (1) . الشفاعة هنا الدعاء (2) . والمراد بها: السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم (3) .
ومن خلال هذه التعريفات تتضح العلاقة بين الدعاء والشفاعة، وهي: أن الشفاعة نوع من الدعاء خاص بطلب التجاوز عن الجرائم، ولا تكون إلا بعد ظهور سوء حال المشفوع له، فهي ليست مطلقة في كل وقت ولكل أحد. أما الدعاء فيعم الدعاء بالخير والشر، في كل وقت ولكل أحد. فكل شفاعة دعاء، وليس كل دعاء شفاعة (4) .
******
__________
(1) ... سورة البقرة: آية (255) .
(2) ... ينظر: النهاية (2/485)، وترتيب القاموس المحيط (2/730)، ولسان العرب (8/184) .
(3) ... النهاية (2/485)، وينظر: لسان العرب (8/184) .
(4) ... ينظر: المنهاج في شعب الإيمان، للحليمي (1/543)، والدعاء ومنزلته من العقيدة (1/96) .(1/12)
المبحث الثالث: حكم الدعاء
اختلف الفقهاء – رحمهم الله تعالى – في حكم الدعاء على ثلاثة أقوال:
القول الأول : أن الدعاء واجب ، بل هو من أهم الواجبات وأعظم المفروضات .
وهذا قول بعض المالكية (1) ، والشافعية (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ???????? ?????????? ???????????? ???????????? ??????? ?????? ??????????? ????????????????? ???? ??????????? ?????????????? ????????? ?????????? ? (3) .
وجه الدلالة: من وجهين :
أ – أن الأمر في قوله:? ???????????? ? يفيد الوجوب؛ إذ لا صارف له عن الوجوب (4) .
ب – أن قوله تعالى : ? ?????? ??????????? ????????????????? ???? ??????????? ? يفيد أن الدعاء عبادة، وأن ترك دعاء الرب سبحانه وتعالى من الاستكبار ، وتجنب ذلك واجب لاشك فيه (5) .
ويؤيد ذلك الأمر به في آيات كثيرة منها :
قوله تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? (6) ، وقوله: ? ????????????????? ????? ?????? ?????????? ? (7) ، وقوله: ? ?????????????? ?????? ??? ?????????? ? (8) .
ففي هذه الآيات أمر بالدعاء وتعبد به والأمر يفيد الوجوب (9) .
__________
(1) ... ينظر : مواهب الجليل شرح مختصر خليل (3/128) . ...
(2) ... منهم الخطابي ، في شأن الدعاء ص 6 ، والزركشي في الأزهية ص 33 ، (ونسبه إلى بعض الأئمة)، والشوكاني في تحفة الذاكرين ص 22 . والبنا في الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني
(14/267) ، والزبيدي في إتحاف السادة (5/30) . ...
(3) ... سورة غافر ، آية (60) . ...
(4) ... ينظر : روضة الناظر وجنة المناظر (1/74) ، وإرشاد الفحول للشوكاني ص 173 .
(5) ... ينظر : تحفة الذاكرين ص 22 ، والفتح الرباني (14/267). ...
(6) ... سورة الأعراف : الآية (55) . ...
(7) ... سورة العنكبوت : الآية (17) . ...
(8) ... سورة النساء: الآية (32) . ...
(9) ... ينظر : الجامع لأحكام القرآن (7/223) . ...(1/1)
2 – قال تعالى: ? ??????? ????????? ????????????? ?????? ??????? ??????????? ??????????? ? (1) .
وجه الدلالة: أن هذا الاستفهام هو للتقريع والتوبيخ لمن ترك دعاء ربه ، ولا يكون ذلك على أمر مستحب ، فدل على وجوبه (2) .
3 – قوله تعالى: ?? ???????? ????????? ?????????? ?????? ??????????? ?????????? ???????? ???????? ????????? ?????? ???????? ???????????????????? ??? ??????????????? ??? ??????????? ???????????? ? (3) .
وجه الدلالة: في قوله: ? ???????????????????? ??? ? أي : فليدعوني (4) . فأمر الله بالدعاء وحض عليه (5) ، وعطفه على أمر واجب وهو الإيمان به فدل على وجوب الدعاء .
4 – قال × : (من لم يسأل الله يغضب عليه) (6) .
وجه الدلالة: يدل هذا الحديث على أن سؤال الله واجب (7) ؛ لأن الغضب لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم (8) ، وتجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه (9) .
ويمكن أن يستدل لهم بما يلي :
1 – قال × : (أعجز الناس من عجز عن الدعاء) (10) .
وجه الدلالة : من عجز عن الدعاء أي الطلب من الله تعالى لاسيما عند الشدائد ؛ فهو من أضعف الناس رأياً وأعماهم بصيرة ، لتركه ما أمره الله به ، وتعرضه لغضبه بإهماله ما لا مشقة عليه فيه (11) . وهذا يدل على الوجوب ؛ لأن من ترك أمراً مستحباً لا يوصف بمثل هذا .
__________
(1) ... سورة النمل ، الآية (62) . ...
(2) ... ينظر : تحفة الذاكرين ص 22 ، والفتح الرباني (14/267) . ...
(3) ... سورة البقرة ، الآية (186) . ...
(4) ... جامع البيان (2/166) . ...
(5) ... الجامع لأحكام القرآن (1/206) . ...
(6) ... سبق تخريجه ، ص (35) . ...
(7) ... الأزهية ص 33 ، وينظر : إتحاف السادة المتقين (5/30) . ...
(8) ... جلاء الأفهام ص 352 . ...
(9) ... تحفة الذاكرين ص 22 . ...
(10) ... سبق تخريجه ص 33 . ...
(11) ... ينظر : فيض القدير (1/556) . ...(1/2)
2 – ما روي أن : (الرزق لا تنقصه المعصية ولا تزيده الحسنة ، وترك الدعاء معصية) (1) .
وجه الدلالة: هذا نص صريح يدل على وجوب الدعاء .
القول الثاني : أن الدعاء مستحب. وهذا مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف (2) ، وجمهور الفقهاء من الحنفية (3) ، والمالكية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في المرأة التي كانت تصرع وجاءت تطلب من النبي × أن يدعو الله لها أن يكشف ضرها فقال النبي × : (إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ؟ فقالت : أصبر ، فقالت : إني أتكشف فأدع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها) (7) .
__________
(1) ... أورده السيوطي في الجامع الصغير مع الفيض (2/341) ورمز لضعفه ، والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (10/146) ، كتاب الأدعية، باب فيمن يترك الدعاء ، وعزاه إلى الطبراني في الصغير وسكت عنه، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (2/99): (قال ابن عدي : هذا الحديث بهذا الإسناد باطل ليس يرويه عن مسعر غير إسماعيل ، وكان يحدث عن الثقات بالبواطيل ، وقال الدار قطني : كذاب متروك)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (1/330) : (موضوع) . ...
(2) ... قاله النووي في الأذكار ص 388 . ...
(3) ... ينظر: البحر الرائق (2/180): وقال: (الدعاء ليس بواجب إجماعاً) وعمدة القاري ، (22/276).
(4) ... ينظر : حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني على رسالة أبي زيد القيرواني ، علي العدوي
(1/507) ، وشرح الزرقاني (2/44) . ...
(5) ... ينظر : الأذكار ص (388) ، والفتوحات الربانية (3/29) ، وعون المعبود (4/246) . ...
(6) ... ينظر : الآداب الشرعية والمنح المرعية . لابن مفلح (2/266) . ...
(7) ... أخرجه البخاري، كتاب المرضى ، باب فضل من يصرع من الريح برقم (5652)، ص 484، ومسلم ، كتاب البر ، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض ، برقم (2576) ، ص 1129 . ...(1/3)
2 – لما شكا أهل قباء إلى النبي × الحمى قال × : (ما شئتم ؛ إن شئتم أن أدعو الله لكم فيكشفها عنكم ، وإن شئتم أن تكون لكم طهوراً ؟ قالوا : يا رسول الله أو تفعل ؟ قال : نعم ، قالوا : فدعها) (1) .
وجه الدلالة: في هذه الأحاديث حث النبي × على الصبر وترك الدعاء لما ظهر له أن الصبر على الابتلاء أفضل من طلب كشفه ، فدل على أن الدعاء لا يجب على كل حال.
3 – حديث : (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيه أفضل ما أعطي السائلين) (2) .
وجه الدلالة : هذا نص صريح في عدم وجوب الدعاء ؛ لأنه لو كان واجباً على كل حال لما مدح من أشتغل بالذكر عنه .
4 – أنه لم يقل أحد من السلف بوجوب الدعاء مطلقاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية
– رحمه الله – (3) : (وأما الدعاء فلم يجب منه دعاء مفرد أصلاً ...) .
القول الثالث : أن الدعاء تدور عليه الأحكام التكليفية الخمسة ، وإن كان الأصل فيه الندب . فقد يكون واجباً كدعاء الفاتحة في الصلاة ، أو مستحباً كدعاء الاستخارة ، أو مكروهاً كالدعاء على نفسه أو ولده ، أو محرماً كدعاء غير الله ، أو مباحاً كطلب الفضول التي لا معصية فيه (4) .
__________
(1) ... أورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الجنائز ، باب في الحمى (2/306) ، وعزاه إلى أحمد وأبي يعلى وقال: (ورجال أحمد رجال الصحيح).
(2) ... أخرجه الترمذي ، كتاب القراءات ، باب ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي ، برقم (2926) ، ص 1945، وحسنه ، والدارمي في سننه ، كتاب فضائل القرآن ، باب فضل كلام الله ، برقم (3356)، (2/533) . كلهم من طريق محمد بن الحسن الهمداني عن عمرو بن قيس عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري ، قال ابن حجر في الفتح (8/684) : (رجاله ثقات إلا عطية العوفي ففيه ضعف) ، وضعفه الألباني في الضعيفة ، برقم (1335) ، (3/507) . ...
(3) ... الفتاوى (22/381) . ...
(4) ... سيأتي تفصيل هذا القول ، وذكر الأدلة والأمثلة عليه في مبحث أنواع الدعاء ، إن شاء الله . ...(1/4)
وهذا قول بعض المالكية (1) ، والشافعية (2) ، واختاره ابن تيمية (3) ، وابن القيم (4) .
وناقشوا القائلين بالوجوب بما يلي :
1 – أما استدلالكم بقوله تعالى: ? ???????? ?????????? ???????????? ???????????? ??????? ? (5) ، فلا دلالة فيها على الوجوب لوجهين :
الأول : أن المراد بالدعاء في الآية العبادة كما يدل عليه آخر الآية: ? ?????? ??????????? ????????????????? ???? ??????????? ? ، وبه قال جمع من المفسرين (6) ، وعليه فلا دلالة فيها .
الثاني : وإذا حملنا الدعاء في الآية على ظاهره من الطلب لا أن المراد به العبادة، فلا دلالة فيها على الوجوب أيضاً ؛ لأن الوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكباراً ، ومن فعل ذلك كفر ، وأما من تركه لمقصد من المقاصد، فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور (7) .
2 – وأما استدلالكم بالأوامر القرآنية كقوله تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? (8) ، وقوله: ? ????????????????? ????? ?????? ?????????? ? (9) ، ...الخ .
فالجواب عنه: أن المقصود من هذه الآيات إخلاص الطلب لله تعالى ، وأن لا يصرفه لغيره، وأما أصل الطلب فليس داخلاً فيها (10) .
__________
(1) ... منهم القرافي في الفروق ، (4/259)، وينظر: الفواكه الدواني (2/533).
(2) ... ينظر : مغني المحتاج (1/494) . ...
(3) ... ينظر : الفتاوى (22/381) . ...
(4) ... ينظر : جلاء الأفهام ص 352 . ...
(5) ... سورة غافر : الآية (60) . ...
(6) ... ينظر : جامع البيان (11/72) ، وتفسير القرآن العظيم (4/87)، والجامع لأحكام القرآن
(2/206) . ...
(7) ... فتح الباري (11/97)، وينظر : عون المعبود (4/246)، وشرح الزرقاني (2/419) . ...
(8) ... سورة الأعراف : الآية (55) . ...
(9) ... سورة العنكبوت : الآية (17) . ...
(10) ... الدعاء ومنزلته من العقيدة (1/387) . ...(1/5)
3 – وأما استدلالكم بقوله تعالى: ? ??????? ????????? ????????????? ?????? ??????? ??????????? ??????????? ? فلا دلالة فيها على الوجوب؛ لأنها سيقت في معرض تعديد نعم الله على عباده، وأياديه عندهم، وتعريفهم بقلة شكرهم إياه على ما أولاهم من ذلك (1) .
4 – وأما استدلالكم بقوله تعالى: ? ???????? ????????? ?????????? ?????? ??????????? ?????????? ?.
فيمكن أن يجاب عنه: أنه لا دلالة فيها على الوجوب ، بل غاية ما تدل عليه الآية الحث على الدعاء والترغيب فيه ، وأنه لا يضيع لديه ، كما قاله جمع من المفسرين (2) ، وأما قوله: ? ??????????????? ??? ? أي فليؤمنوا بي أن أستجيب لهم (3) ، وعليه فليس المراد به الأمر بالإيمان مطلقاً ، بل المراد أمر الداعي أن يصدق أن الله يستجيب له دعاءه.
5 – أما استدلالكم بقوله × : (من لم يسأل الله يغضب عليه).
فالجواب عنه: أن الحديث مختلف في صحته كما ثبت في تخريجه ، وعلى فرض صحته ، فيعارضه أحاديث حث فيها النبي × على الصبر لما ظهر له أنه أفضل ، كحديث المرأة التي تصرع ، وحديث حمى قباء السابق .
6 – وأما استدلالكم بقوله × : (أعجز الناس من عجز...).
فيمكن أن يجاب عنه: بأنه لا دلالة فيه على الوجوب ، بل فيه حث الناس على الدعاء وترغيبهم فيه، وفي وصف من تركه بالعجز لكونه ترك أمراً ميسوراً لا مشقة فيه ، مع عظم نفعه وثوابه .
7 – وأما حديث: (وأن ترك الدعاء معصية ...) .
فالجواب عنه: أنه حديث باطل ، كما ثبت في تخريجه فلا يعول عليه .
الترجيح :
__________
(1) ... جامع البيان (10/4) . ...
(2) ... منهم ابن جرير في جامع البيان (2/167) ، وابن كثير في تفسيره (1/207) ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2/206) . ...
(3) ... جامع البيان (2/166) . ...(1/6)
القول الراجح – والله أعلم – هو القول بأن الدعاء تدور عليه الأحكام التكليفية، وإن كان الأصل فيه الندب ، وذلك لكونه وسطاً بين القولين ، وبه تجتمع الأدلة ، ولضعف أدلة القائلين بالوجوب لما ورد عليها من مناقشة .
******(1/7)
المبحث الرابع: أنواع الدعاء
وفيه تسعة مطالب :
المطلب الأول : أنواع الدعاء باعتبار معناه :
يتنوع الدعاء باعتبار معناه إلى نوعين : دعاء العبادة ودعاء المسألة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - (1) : «لفظ الدعاء والدعوة في القرآن يتناول معنيين دعاء العبادة ، ودعاء المسألة» .
وقال ابن القيم – رحمه الله – عند تفسير قوله تعالى (2) : ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? (3) ، قال: «هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعي الدعاء، دعاء العبادة ودعاء المسألة؛ فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة، وهذا تارة ويراد به مجموعهما» .
فكل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين – يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة – قال ابن سعدي (4) : «وهذه قاعدة نافعة، فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة دعاء المسألة فقط ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء، وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شر منه ؛ فإن الآيات صريحة في شموله لدعاء المسألة، ودعاء العبادة» (5) .
__________
(1) ... الفتاوى (10/237) . ...
(2) ... بدائع الفوائد (3/2) . ...
(3) ... سورة الأعراف : الآية (55) . ...
(4) ... هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي ، ولد في عنيزة في القصيم عام (1307هـ)، عاش يتيماً، سمع من : إبراهيم بن جاسر ، وصالح بن عثمان القاضي ، ومحمد الشنقيطي . وسمع منه: محمد الصالح من العثيمين ، وعبد الله البسام، كان عالماً فاضلاً زاهداً ، من أحسن الناس تعليماً وأبلغهم تفهيماً . من تصانيفه : (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، القواعد الحسان لتفسير القرآن ، الخطب العصرية القيمة)، توفي سنة (1376هـ). ينظر في ترجمته : (مقدمة تفسير تيسير الكريم الرحمن ، ص 7) ، ومعجم المؤلفين (13/396) .
(5) ... القواعد الحسان في تفسير القرآن ص 154 ، وتيسير الكريم الرحمن ص 76 . ...(1/1)
وكل من نوعي الدعاء متلازمان ؛ لأن الله سبحانه يدعى للنفع وللضر دعاء المسألة، ويدعى خوفاً ورجاءً دعاء عبادة، فعلم أن النوعين متلازمان، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة (1) .
المطلب الثاني : أنواع الدعاء باعتبار صيغه :
ينقسم الدعاء باعتبار صيغه إلى نوعين :
1 – طلبية: وهي إنشاء الدعاء بصيغة إفعل أو لا تفعل (2) ، كقوله تعالى: ? ?????????? ????????????? ?????? ????????????????? ????????? ?????? ????????????????? ?????????????? ???? ?????????????? ? (3) .
وقوله تعالى: ? ????? ??? ?????????? ???????? ???????? ??????? ??????????????? ? (4) .
2 – خبرية: وهي أن يتضمن دعاءُه وصفاً لحاله، أو ثناءً ووصفاً لربه أو الأمرين معاًَ .
فأما وصف حاله ؛ فذلك كقول موسى عليه السلام: ? ????? ????????? ?????? ??????????? ???????? ???? ??????? ???????? ? (5) . فهذا وصف لحاله بأنه فقير إلى ما أنزل الله إليه من الخير، وهو متضمن لسؤال الله إنزال الخير إليه. وأما وصف حال المسؤول، فذلك كقول آدم عليه السلام: ? ?????????? ????????????? ???????????? ?????? ????? ???????????? ?????? ??????????????? ?????????????? ???? ???????????????? ? (6) ، فهذا ليس صيغة طلب، وإنما هو إخبار عن الله أنه إن لم يغفر له ويرحمه خسر.
__________
(1) ... بدائع الفوائد (4/3) ، ومجموع الفتاوى (10/240) . ...
(2) ... ينظر : الأزهية في أحكام الأدعية ص 27 ، وإتحاف السادة (5/27) ، والدعاء ومنزلته من العقيدة
(1/146) . ...
(3) ... سورة آل عمران : الآية (193) . ...
(4) ... سورة الأنبياء : الآية (89) . ...
(5) ... سورة القصص : الآية (24) . ...
(6) ... سورة الأعراف : الآية (23) . ...(1/2)
وأما وصف الحالين، فذلك كقول أيوب عليه السلام:?? ????????? ????????? ????????? ???????? ????????? ?????????????? ? (1) . فوصف نفسه، ووصف ربه بوصف يتضمن سؤال رحمته بكشف ضره، وهي صيغة خبر تضمنت السؤال، وهذا من باب حسن الأدب في السؤال والدعاء .
وإذا جمع الدعاء هذه الأمور الثلاثة كان أكمل، وهو عامة أدعية النبي ×، وقد جمع هذه الأمور الثلاثة في تعليمه للصديق – رضي الله عنه – في قوله × (قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم) (2) . فقوله : (قل اللهم إني ظلمت نفسي) حال السائل. وقوله: (إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) حال المسؤول . وقوله : (اغفر لي) ذكر حاجته. ثم ختم الدعاء باسم من أسمائه الحسنى بما يناسب المطلوب ويقتضيه، فهذا ونحوه أكمل أنواع الطلب (3) .
المطلب الثالث : أنواع الدعاء باعتبار الحكم :
ينقسم الدعاء باعتبار حكمه إلى قسمين :دعاء مشروع، ودعاء غير مشروع.
1– الدعاء المشروع : الدعاء المشروع يختلف حكمه – على الصحيح – بحسب الأقوال، فتارة يكون واجباً أو مستحباً أو مندوباً أو مباحاً .
فأما الدعاء الواجب : فينقسم إلى متفق على وجوبه، ومختلف في وجوبه .
__________
(1) ... سورة الأنبياء : الآية (83) . ...
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب الدعاء قبل السلام ، برقم (832) ، ص (66) .
... ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب الدعوات والتعوذات ، برقم (2705) ، ص 1148 . ...
(3) ... ينظر : الفتاوى (10/244 – 247)، والوابل الصيب ص 194 – 195 ، والأزهية ص 95 ، والدعاء منزلته من العقيدة (1/146) .(1/3)
فمن الواجب المتفق عليه : دعاء الفاتحة في الصلاة (1) ، لقوله × : (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) (2) .
ودعاء التوبة والاستغفار (3) :
لقوله تعالى: ? ????????????????? ?????????? ??????????? ??????????? ??????? ?????? ?????????? ?????????? ? (4) . وقوله:
? ??????? ?????????????????? ?????????? ?????? ??????????? ?????????? ? (5) . وقوله تعالى: ? ????????? ?????????????????? ????????? ?????????? ????? ??????????? ? (6) .
ولفظ الأمر في هذه الآيات الوجوب إذ لا صارف له .
ومن الدعاء المختلف في وجوبه :
الدعاء بعد التشهد في الصلاة، أو للميت في صلاة الجنازة وغير ذلك كثير سيأتي بيانه (7) .
وأما الدعاء المستحب، فمنه دعاء الاستخارة، ودعاء الاستسقاء، وكأدعية الصباح والمساء، والأحوال العارضة (8) .
وأما الدعاء المندوب (9) ، فكالدعاء بأمر الدين (10) .
وأما الدعاء المباح (11) ،
__________
(1) ... هذا من حيث الجملة ، وإن اختلفوا في بعض الصور .
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم ، برقم (756) ص 60 ، ومسلم كتاب الصلاة ، باب وجوب قراءة الفاتحة ، برقم (394) ، ص 740 . ...
(3) ... ينظر : جلاء الأفهام ، ص 352 ، حيث قال : (فإن من الدعاء ما هو واجب ، وهو دعاء التوبة والاستغفار...) .
(4) ... سورة التحريم : الآية (8) .
(5) ... سورة هود : الآية (3) .
(6) ... سورة نوح : الآية (10) .
(7) ... في الفصول القادمة - إن شاء الله - .
(8) ... سيأتي مزيد بيانه في الفصول القادمة .
(9) ... المندوب : ما في فعله ثواب ولا عقاب في تركه، ينظر: روضة الناظر (1/113) .
(10) ... ينظر : مغني المحتاج شرح المنهاج ، للشربيني (1/494) .
(11) ... المباح : ما أذن الله في فعله وتركه غير مقترن بذم فاعله وتاركه ولا مدحه، ينظر: روضة الناظر
(1/116) .(1/4)
فكطلب الفضول التي لا معصية فيها من أمور الدنيا (1) .
فإذا كان الدعاء واجباً أو مستحباً أو مندوباً فهو حسن يثاب عليه الداعي، وإن كان مباحاً مستوي الطرفين فلا له ولا عليه (2) .
أما الدعاء غير المشروع:
تتفاوت مراتبه ودرجاته، فليس كله على مرتبة واحدة، فمنه ما هو في أعلى مراتب الشرك يخرج صاحبه من الملة، ومنه ما هو محرم يوجب لصاحبه الإثم؛ لأنه ذنب ومعصية، ومنه ما هو مكروه ينتقص مرتبة صاحبه (3) . وهذا هو الاعتداء (4) الذي ورد في النصوص النهي عنه. والاعتداء : هو تجاوز الحد الذي حده الله لعبده في دعائه ومسألته ربه (5) .
ومن الأدلة في النهي عنه :
1 – قوله تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ????????? ??? ??????? ?????????????????? ? (6) .
2 – قال × : (سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور) (7) .
__________
(1) ... ينظر : الفتاوى (10/712) ، ومغني المحتاج (1/494) ، والدعاء للخضيري ص (67) . ...
(2) ... ينظر : الفتاوى (10/279) . ...
(3) ... ينظر: الفتاوى (10/279) ، والجامع لأحكام القرآن (7/226) ، والدعاء ومنزلته من العقيدة
(2/483) .
(4) ... في اللغة : يقال اعتدى فلان عن الحق ، جاز من الحق إلى الظلم ، وعدّى الأمر : جازه إلى غيره وتركه ، ينظر: لسان العرب (15/34) ، مادة : عدا . ...
(5) ... جامع البيان في تأويل القرآن (5/515)، وينظر: بدائع الفوائد (3/13)، والفتح الرباني (14/276).
(6) ... سورة الأعراف : الآية (55) . ...
(7) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الطهارة ، باب الإسراف في الوضوء ، برقم (96) ص 1229 ، وابن ماجه ، كتاب الدعاء ، باب كراهية الاعتداء في الدعاء برقم (3864) ، ص 2707 ، والحاكم في مستدركه ،
(1/540) وصححه ، وأحمد في المسند ، ينظر: الفتح الرباني ، كتاب الأدعية ، باب كراهية الاعتداء في الدعاء ، (14/276)، وقال البنا: (سنده جيد، إلا أن مولى سعد لم يعرف من هو). وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3671) ، ص (684) .(1/5)
والاعتداء قد يكون في ألفاظ الدعاء أو في معانيه، أو هيئة الدعاء، أو في زمانه
أو مكانه .
1 – فأما الاعتداء في ألفاظ الدعاء:
فمن أعظمه وأبشعه صرف الدعاء لغير الله، أو دعاء غيره معه، كأن يقول :
يا رسول الله أكشف كربتي، أو يا علي أو يا فاطمة أو يا فلان (الميت) اشفع لي عند
الله، وهكذا . فلاشك أنه كفر صريح ناقل عن الملة، قال تعالى: ? ???? ???????????? ??? ????????????? ???????????? ?????? ????????? ??? ????????????????? ??????? ????????? ?????????????? ???????????? ?????????????? ????? ??????????????? ?????? ??????? ? (1) .
ومن الاعتداء المحرم الذي ليس بشرك:
أ – أن يثني على الله بما لم يثن على نفسه ولا أذن له:
قال الخطابي – رحمه الله - (2) : «وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكره اخترعوها وأسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان، وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء والأدعية يسمونه : (الألف الاسم) ... وممن سمع قولهم : يا سبحان، يا برهان، يا غفران، ياسلطان، وإن كان يتوجه بعضها في العربية على إضمار النسبة بذي، فإنه مستهجن مهجور ؛ لأنه لا قدوة فيه» .
ومثل قولهم : يارب طه، ويس، يارب القرآن. وأول من أنكره ابن عباس – رضي الله عنهما – فإنه سمع رجلاً يقول في دعائه للميت : اللهم رب القرآن أوسع عليه مدخله، اللهم رب القرآن اغفر له، فالتفت إليه ابن عباس – رضي الله عنهما – فقال: (ثكلتك أمك إن القرآن منه) (3) يعني أنه من صفاته.
ومن الاعتداء المحرم في الثناء :
__________
(1) ... سورة فاطر : الآية (14) . ...
(2) ... شأن الدعاء ص 15 ، وينظر : الجامع لأحكام القرآن (7/226) .
... والخطابي : سبقت ترجمته ص (36) . ...
(3) ... أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، باب الإيمان بالقرآن المنزل، برقم (168)، (1/189) وأخرجه أيضاً في الاعتقاد (1/107)، وقال بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء، ص72: (سنده ضعيف). ...(1/6)
تصغير أسماء الله تعالى (1) ؛ كأن يقول : (يارُبَيّبْي، ياحُنَيُّن) (2) ، أو سؤال صفات الله تعالى ؛ كأن يقول: يارحمة الله أدركني، يارحمة الله أغيثني، نحو ذلك ؛ لأنه سؤال ودعاء للصفة .
ب – الدعاء بالمحال أو ما لا مطمع فيه :
وهو أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو الخلود في الدنيا ؛ وقد علم أن الله استأثر بالبقاء وكتب الفناء على جميع خلقه، أو يسأله أن يطلعه على الغيب، أو أن يجعله من المعصومين، أو أن يهب له ولداًَ من غير زوجة، أو يسأله ألا يعذب من كفر به، أو أن يغفر له، أو أن يخلد المسلم في النار، أو
أن يحل فيه بعض مخلوقاته، أو يسأله دوام الإصابة في كلامه، أو الاستغناء عن النفس،
أو نحو ذلك (3) .
جـ – طلب وقوع المحرمات في الوجود :
كأن يسأل الله تعالى ما يعينه على الكفر والفسوق والعصيان، كأن يقول : اللهم أمت فلاناً على الكفر، أو اسقه خمراً، أو أعنه على المكس (4) الفلاني، أو وطء الأجنبية الفلانية، ونحو ذلك ؛ لأن الدعاء بتحصيل أعظم المحرمات من أقبح الدعاء، والدعاء بالمحرم محرم (5) .
د – الدعاء بالألفاظ الأعجمية :
__________
(1) ... ينظر : تصحيح الدعاء ، ص 331 . ...
(2) ... تصغير (رب ، حنان) . ...
(3) ... ينظر : شأن الدعاء ص 15 ، والفروق للقرافي (4/265) ، والأذكار ص 357، والجامع لأحكام القرآن (7/226) ، والفتاوى (1/130) ، وبدائع الفوائد (3/14)، وحاشية ابن عابدين (1/562).
(4) ... المكس : هي الجباية ، وهي دراهم كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق في الجاهلية ، والمقصود بها الضريبة التي يأخذها الماكس ، ينظر : لسان العرب (6/220) ، مادة مكس . ...
(5) ... ينظر : الفروق (4/296) ، والفتاوى (1/130) ، والجامع لأحكام القرآن (7/226) . ...(1/7)
كأن يخترع دعوة غير مأثورة، ويأتي بها بالأعجمية ؛ فلا خلاف في عدم جوازه (1) ، والدليل على ذلك :
1 – قوله تعالى لنوح - عليه السلام - : ? ?????? ????????????? ??? ??????? ???? ????? ??????? ???????? ?????????? ???? ???????? ???? ??????????????? ? (2) .
وجه الدلالة : دلت على أن العلم بالجواز شرط في صحة السؤال، فما لا يعلم جوازه لا يجوز سؤاله، واللفظ الأعجمي غير معلوم الجواز فيكون السؤال به غير جائز (3) .
2 – ولجواز اشتمالها على ما ينافي جلال الربوبية (4) .
هـ – الدعاء بلفظ اللعن أو النار :
كقول الناس بعضهم لبعض: لعنه الله، أو عليه غضب الله، أو أدخله الله جهنم أو النار، لقوله × : (لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه، ولا بالنار) (5) .
فلعن المسلم حرام بإجماع العلماء، وكذا لعن الدواب والجمادات كله مذموم (6) ،
__________
(1) ... ينظر : المجموع (3/239) ، ومغني المحتاج (1/177) ، والفتاوى (22/477) ، واقتضاء الصراط المستقيم (1/519) . ...
(2) ... سورة هود : الآية (46) . ...
(3) ... ينظر : الفروق (4/291) . ...
(4) ... المصدر السابق . ...
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب في اللعن ، برقم (4906) ، ص 1583 ، والترمذي ، كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في اللعنة ، برقم (1976) ، ص 1850 ، وقال : (حديث حسن صحيح).
(6) ... حكى الإجماع النووي في الأذكار ، ص 347 ، وينظر : الفتوحات الربانية (7/53) ، وعون المعبود
(13/172) . ...(1/8)
لقوله × لرجل لعن الريح لما نازعته رداءه : (لا تلعنها فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئاً ليس بأهل رجعت اللعنة عليه) (1) . أما لعن أصحاب الأوصاف المذمومة كالظالمين، أو الفاسقين أو المصورين (2) ، فجائز؛ لقوله تعالى: ? ?????? ????????? ?????? ????? ???????????????? ? (3) ، وهذا كثير في النصوص .
و – الدعاء على غيره ظلماً :
فيحرم؛ لأنه سعى في إضرار غير مستحق (4) ، وقد قال × : «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» (5) .
ومن الاعتداء المكروه في اللفظ :
أ – تعليق الدعاء بالمشيئة :
كقول الداعي : اللهم ارزقني إن شئت، أو اغفر لي إن شئت، اللهم اغفر لي إلا أن تكون قدرت غير ذلك ... ونحوه .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب في اللعن ، برقم (4908) ، ص 1583 ، والترمذي، كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في اللعنة ، برقم (1978) ، ص 1850 ، وقال : (حسن غريب لا نعلم أحداً أسنده غير بشر بن عمر) . ...
(2) ... ينظر : الأذكار ص 347 ، والفتوحات الربانية (7/53) ، وعون المعبود (13/172) . ...
(3) ... سورة هود : الآية (18) . ...
(4) ... الفروق ، (4/291) . ...
(5) ... أخرجه مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب بيان أنه يستجاب للداعي.. ، برقم (2735) ، ص 1152.(1/9)
وقد ورد النهي عن ذلك، قال × : «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له» (1) ، وفي رواية : «لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت» (2) ، وفي روايات : «فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» (3) ، وقد حمل العلماء النهي في الحديث على الكراهية التنزيهية (4) ، ويدخل في معنى قوله : «اللهم اغفر لي إن شئت وارحمني إن شئت كل دعوة»، فلا ينبغي لأحد أن يقول: اللهم أعطني كذا إن شئت، وارحمني إن شئت، وتجاوز عني وهب لي من الخير إن شئت من أمر الدين والدنيا ؛ لنهي رسول الله × عن ذلك، ولأنه كلام مستحيل لا وجه له ؛ لأنه لا يفعل إلا ما شاء لا شريك له (5) .
ولأن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة من إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه، ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه، وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة (6) .
__________
(1) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب ليعزم المسألة ، برقم (6338) ، ص 533 ، ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، برقم (2678) ، ص 1144 . ...
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الدعوات ، باب ليعزم المسألة ، برقم (2679) ، ص 1144 . ...
(3) ... أخرجه مسلم ، (نفس الإحالة السابقة) . ...
(4) ... منهم النووي في الأذكار ص 360 ، وابن حجر في الفتح (11/144) ، وقال : (وهو أولى) ، وابن علان في الفتوحات الربانية (7/111) . ...
(5) ... ينظر : فتح البر في ترتيب تمهيد ابن عبد البر (1/363) . ...
(6) ... فتح الباري (11/144)، وينظر: شرح صحيح مسلم (17/7) ، والفتوحات الربانية (7/112) .(1/10)
ولأن فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه (1) ، ولأنه عري عن إظهار الحاجة إلى الله تعالى، ويشعر بغنى العبد عن الرب، وهذا يخالف ما ينبغي أن يكون عليه الداعي من الذلة والضعف، وصدق الالتجاء إلى الله تعالى (2) .
ب- أن يسأل بوجه الله غير الجنة (3) :
لقوله × : (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) (4) . وكذا الدعاء بياسيدي، فقد كرهه الإمام مالك (5) ، والدعاء بـ (يا ذا المن ولا يمن عليه) ؛ لأنه لا أصل له، ولا مستند (6) .
جـ – الدعاء بتعجيل العقوبة على نفسه أو ولده ظلماً :
__________
(1) ... فتح الباري (11/144) ، وينظر : الفتوحات (7/112) . ...
(2) ... ينظر : الفروق (4/285) ، والجامع لأحكام القرآن (2/209) . ...
(3) ... ينظر : المجموع شرح المهذب ، للنووي (6/196) ، (وحمل النهي على الكراهة) ، والأذكار مع الفتوحات (7/120) . ...
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الزكاة ، باب كراهية المسألة بوجه الله ، برقم (1671) ، ص 1347 ، قال المنذري كما في عون المعبود (5/60): (فيه سليمان بن معاذ تكلم فيه غير واحد) ، وقال عنه ابن حجر في التقريب (1/317) : (سيء الحفظ يتشيع) ، وقال ابن حبان : (كان رافضياً غالياً في الرفض ويقلب الأخبار) المجروحين (1/332) ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصححه ، ينظر: الجامع مع فيض القدير (6/451) ، وضعفه المناوي في الفيض ، والألباني في ضعيف الجامع ص 916، برقم (6351).
(5) ... المنتقى (2/435) ، وينظر : الفتاوى (1/224) ، (10/285) ، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل ، للحطاب (1/20) . ...
(6) ... السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات ، محمد عبد السلام خضر ، ص 145 . ...(1/11)
فمثل أن يسأل الله ما يضره في دنياه وآخرته، وإن كان لا يعلم أنه يضره، فيستجاب له (1) ، كالرجل الذي عاده النبي × فوجده مثل الفرخ، فقال × : (هل كنت تدعو الله بشيء ؟ قال : كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، قال : سبحان الله إنك لا تستطيعه، أو لا تطيقه، هلا قلت : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، قال : فدعا الله له فشفاه) (2) .
وجه الدلالة : في هذا الحديث النهي عن الدعاء بتعجيل العقوبة، وفيه فضل الدعاء (باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ...) (3) .
ولقوله × : (لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم ولا على أموالكم، لا توافقوا من الله تعالى ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم) (4) .
ومنه طلب الموت لضر نزل به، فقد ورد النهي عنه .
قال × : (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلاً، فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي) (5) .
__________
(1) ... اقتضاء الصراط المستقيم ص 352 .
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبات في الدنيا ، برقم (2688) ، ص 1146 . ...
(3) ... شرح صحيح مسلم (17/13) .
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب الزهد ، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر ، برقم (3009) ،
ص 1198 .
(5) ... أخرجه مسلم ، كتاب الأدعية والأذكار ، باب كراهة تمني الموت ، لضر نزل به ، برقم (2680) ،
ص 1145 . ...(1/12)
وجه الدلالة : فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا، فأما إذا خاف ضرراً في دينه أو فتنة فيه فلا كراهة لمفهوم هذا الحديث (1) . ولقوله × : (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول يا ليتني مكانه) (2) .
وجه الدلالة: هذا خبر أن ذلك سيكون لشدة ما ينزل بالناس من فساد الحال في الدين وضعفه وخوف ذهابه، لا لضر ينزل بالمؤمن في جسده (3) .
ولأنه قد فعله خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم (4) . سئل عبد الرحمن بن مهدي (5) – رحمه الله – عن رجل يتمنى الموت مخافة الفتنه على دينه، قال : «ما أرى بذلك بأساً، لكن لا يتمناه من ضرٍ به، أو فاقه، تمنى الموت أبو بكر وعمر ومن دونهما» (6) .
وكذا يستحب طلب الموت في بلد شريف (7) ، لقول عمر رضي الله عنه : «اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك × » (8) .
د - تكثير الألفاظ بلا حاجة :
__________
(1) ... شرح صحيح مسلم (17/8) ، وينظر : المنتقى (2/521) . ...
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور ، برقم (7115) ،
ص 593 .
(3) ... فتح البر في ترتيب التمهيد (2/371) . ...
(4) ... شرح صحيح مسلم (17/8) . ...
(5) ... هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن ، الإمام الناقد المجود ، سيد الحفاظ ، أبو سعيد العنبري ، ولد سنة (135هـ) . سمع من : إسماعيل بن مسلم ، وعكرمه بن عمار ؛ ومالك بن أنس. وحدث عنه : ابن المبارك ، وأبو ثور ، وابن أبي شيبة وطائفة . كان إماماً حجة ، قدوة في العلم والعمل. توفي سنة (198هـ) .
... ينظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء (9/192) ، وطبقات ابن سعد (7/297) ، وتهذيب التهذيب
(6/279) .
(6) ... سير أعلام النبلاء (9/207) . ...
(7) ... المجموع (5/103) . ...
(8) ... أخرجه البخاري ، كتاب فضائل المدينة ، باب برقم (12) ، وبرقم الحديث (1890) ، ص 148 .(1/13)
والتطويل في العبارات، والتكلف في ذكر التفاصيل، كأن يقول : رب ارحمني ووالدي، ولعماتي ولخالتي، ولأعمامي، ونحو ذلك، ويكفي أن يقول : اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات، فيدخل فيه من ذكرهم، لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : (كان رسول الله × يعجبه جوامع الدعاء ويدع ما بين ذلك) (1) .
أي يحب الدعاء بالكلمات التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، وتجمع الأغراض الصالحة، وقيل : هي ما كان لفظها قليلاً، ومعناها كثيراً ويترك غير الجوامع من الدعاء (2) .
ولأنه × «نهى عن الإفراط في الدعاء» (3) . والإفراط يرجع إلى كثرة ألفاظ
الدعاء (4) .
وعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أنه سمع ابناً له يدعو وهو يقول : (اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحواً من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال : يا بني إني سمعت رسول الله × يقول: (يكون قوم يعتدون في الدعاء)، وإياك أن تكون منهم، إنك إذا دخلت الجنة أعطيت ما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت مما فيها من الشر) (5) .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الدعاء ، برقم (1482) ، ص 1333 ، وأحمد في المسند ، ينظر : الفتح الرباني ، كتاب الدعاء ، باب كان رسول يعجبه الدعاء بالجوامع (14/268) ، وقال النووي في الأذكار ص 380 : (إسناده جيد) ، وكذا جود إسناد ابن مفلح في الفروع (1/403)، وصححه الألباني في صحيح الجامع ، برقم (4825) . ...
(2) ... الفتح الرباني (14/269) . وينظر : عون المعبود (4/249) . ...
(3) ... أورده ابن مفلح في الفروع (1/405) ، ولم يسنده . ...
(4) ... ينظر : الفروع (1/405) ، والإقناع (1/126) ، وكشاف القناع (2/436) . ...
(5) ... سبق تخريجه، ص 66 .(1/14)
وعن عبد الله بن مغفل (1) – رضي الله عنه – أنه سمع ابنه وهو يقول في دعائه: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الداخل إلى الجنة، فقال: (يا بني سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله × : (يكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور) (2) .
وليس من الاعتداء الإكثار من الدعاء، لقوله × : (إذا دعا أحدكم فليستكثر، فإنما يسأل ربه) (3) .
وليس منه أيضاً ما ورد في الأدعية المأثورة عنه × من البسط فيها، كقوله × : (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وعلانيته وسره، وأوله وآخره) (4) .
لأن المشروع في مقام الدعاء البسط ؛ لأسباب منها (5) :
1 – أن الدعاء عبادة، وكلما ازداد العبد منها ازداد خيراً .
2 – ولأن الدعاء مناجاة لله، وكثرة المناجاة تزيد العبد حباً لله .
3 – ولأن ذكر أنواع الذنوب كما في هذا الحديث وغيره يجعل العبد يستحضر ذنوبه، فيستغفر الله منها .
__________
(1) ... هو عبد الله بن مغفل بن عبد نهم بن عفيف المزني ، صحابي جليل من أهل بيعة الرضوان، حدث عن: النبي × ، وأبي بكر ، وعثمان ، وعبد الله بن سالم، وحدث عنه : الحسن البصري ، ومطرف بن الشخير ، وثابت البناني ، قال الحسن: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر يفقهون الناس ، وكان من نقباء الصحابة . توفي سنة (60هـ). ينظر في ترجمته : تهذيب التهذيب
(6/39) ، والإصابة (6/223) ، وأسد الغابة (3/409).
(2) ... سبق تخريجه ، ص (66) . ...
(3) ... أخرجه ابن حبان ، برقم (896)، (3/177) ، وصححه الألباني في الصحيحة ، برقم (1325) ،
(3/316) .
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود ، برقم (483) ، ص 754 . ...
(5) ... ينظر : الشرح الممتع على زاد المستقنع ، (3/183) . ...(1/15)
هـ – ومن الاعتداء المكروه في اللفظ السجع (1) ، وتكلف صنعة الكلام :
نص الفقهاء (2) – رحمهم الله – على كراهة السجع في الدعاء، واستدلوا بما يلي :
1 – قول ابن عباس – رضي الله عنهما – : «وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله × وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب» (3) .
2 – ولأن السجع المتكلف يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويلهى عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب (4) ، ويشغل الخاطر بازدواج الألفاظ، وإقامة الأوزان، وهذا ينافي مقام الخشوع (5) .
أما ما حصل بلا كلفة ولا إعمال فكر، لكمال الفصاحة ونحو ذلك أو كان محفوظاً عن الرسول × ؛ فلا بأس به بل هو حسن (6) ؛ لأن ذلك يصدر من غير قصد إليه، ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام (7) ؛ كقوله × : (اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب ...) (8) .
و – ومن الاعتداء أن يقتصر في دعائه على طلب الدنيا فقط :
__________
(1) ... سجع يسجع سجعاً تكلم بكلام له فواصل كفواصل الشعر من غير وزن ، ينظر : ترتيب القاموس المحيط (3/523) ، واللسان (8/150) . ...
(2) ... ينظر : شأن الدعاء ص 15 ، وإتحاف السادة المتقين (5/37) ، والدعاء المأثور وآدابه، ص 146 ، وفتح الباري (11/143) . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، كتب الدعوات ، باب ما يكره من السجع في الدعاء ، برقم (6337) ، ص 533 .
(4) ... ينظر : الفتوحات الربانية (5/58) . ...
(5) ... الدعاء المأثور ص 146 ، وينظر : المجموع (8/107) . ...
(6) ... الفتوحات الربانية (5/58) ، وينظر : المجموع (8/107) ، والفتح الرباني (14/275) . ...
(7) ... فتح الباري (11/143) . ...
(8) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء على المشركين ، برقم (6392) ، ص 537 . ...(1/16)
وقد عاب الله سبحانه على من يقتصر على طلبه الدنيا، بقوله: ? ??????? ????????? ??? ???????? ??????????????? ????????????? ? ???????????????? ????? ?????? ? ??????????? ???? ???????? ? (1) . فأخبر سبحانه أنه من لم يطلب إلا الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب (2) .
ز – ومنه تحجر (3) الدعاء :
مما ورد في النهي عنه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : (قام النبي × في صلاة وقمنا معه ؛ فقال أعرابي وهو في الصلاة اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم النبي ×، قال للإعرابي : لقد حجرت واسعاً، يريد رحمة الله) (4) .
وإنما أنكر × على الأعرابي هذا الدعاء لكونه بخل برحمة الله على خلقه (5) .
2 – وأما الاعتداء في معاني الدعاء، فمن ذلك :
أ – الدعاء بلفظ اللهم أمّني بكذا أو صلِّ على :
ونحو ذلك، وهذه الألفاظ وإن كان في ظاهرها لا بأس بها، لكنها تحمل معناً سيئاً ؛ لا يسوغ الدعاء به . قال ابن القيم – رحمه الله - (6) : «ولا يسوغ ولا يحسن في الدعاء أن يقول العبد : (اللهم أمّني بكذا)، بل هذا مستكره في اللفظ والمعنى، فإنه لا يقال أقصدني بكذا إلا لمن كان يعرض له الغلط والنسيان فيقول : اقصدني، وأما من لا يفعل إلا بإرادته لا يضل ولا ينسى، فلا يقال : اقصدني بكذا» .
__________
(1) ... سورة البقرة : الآية (200) . ...
(2) ... جامع البيان (2/311) ، وينظر : اقتضاء الصراط المستقيم ص 352 . ...
(3) ... حجر : أي ضيق ، ينظر: فتح الباري (10/453) ، وترتيب القاموس المحيط (1/594) . ...
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الأدب ، باب رحمة الناس والبهائم ، برقم (6010) ، ص 509 . ...
(5) ... فتح الباري (10/453) . ...
(6) ... جلاء الأفهام ص 145 . ...(1/17)
وقال (1) : «ولا يسوغ لأحد أن يقول : اللهم صلِّ علي، بل الداعي بهذا معتد في دعائه والله لا يحب المعتدين، بخلاف سؤال الرحمة، فإن الله يحب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته فعلم أنه ليس معناهما واحد» .
ب – يكره الدعاء بأمر لم يظهر له معناه :
قال أبو حنيفة – رحمه الله - (2) : «يكره أن يدعو الرجل فيقول : اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، وإن جاء به الحديث (3) ؛ لأنه ليس ينكشف معنى هذا الدعاء لكل أحد» .
جـ – ومنه أن يلحن الداعي لحناً فاحشاً يحيل المعنى :
كقول الداعي : (الله يحافظ عليك)، فهذا لحن في الدعاء، لأن لفظ (يحافظ) يقتضي المفاعلة بمعنى المعالجة والمغالبة، وهذا معنى لا يجوز في حق الله (4) .
3 – وأما الاعتداء في هيئة الدعاء، فمن ذلك :
أ – رفع الصوت به والمبالغة في ذلك :
__________
(1) ... جلاء الأفهام ص 166 . ...
(2) ... ينظر : الهداية مع نصب الراية (4/583 – 584)، وملتقى الأبحر (2/249)، ومجمع الأنهر
(2/554) ، والأزهية ص 64 ، والفتاوى (1/202) ، وإتحاف السادة (5/44) . ...
(3) ... يشير إلى ما روي عن ابن مسعود عن النبي × قال : (اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار ، وتتشهد بين كل ركعتين ، ثم ذكر صفة الصلاة وقال : ثم قل : اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة ..) وهو حديث باطل موضوع كما قاله ابن الجوزي في كتابه الموضوعات حيث قال : (هذا حديث موضوع بلا شك ، وإسناده مخبط كما ترى ، وفي إسناده عمر بن هارون ، قال ابن معين : فيه كذاب ، وقال ابن حبان: يروى عن الثقات المعضلات ، ويدعي شيوخاً لم يرهم ، وقد صح عن النبي × النهي عن القراءة في السجود) أ . هـ .
... ينظر : الموضوعات (2/142-143) ، ونصب الراية (4/584) . ...
(4) ... تصحيح الدعاء ص 327 ، ومعجم المناهى اللفظية ص 129 . ...(1/18)
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه يكره الجهر بالدعاء مطلقاً سواء كان داخل الصلاة أو خارجها . واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ????????? ????????? ? ?????????? ???????????? ?????????? ??????? ?????????? ???? ?????????? ?????????????? ???????????? ????? ?????? ????? ???????????????? ? (2) .
2 – قال تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ????????? ??? ??????? ?????????????????? ? (3) .
فبين سبحانه أن رفع الصوت بالدعاء والنداء والصياح، من الاعتداء المنهي عنه (4) .
3 – قال تعالى: ? ????? ?????????? ?????????? ????? ?????????? ?????? ? (5) . قالت عائشة : «أنزل هذا في الدعاء» (6) .
__________
(1) ... ينظر: المبسوط (4/6)، وأحكام القرآن ، للجصاص (3/211)، والجامع لأحكام القرآن (7/226) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي (2/784) ، والحاوي (2/148) ، والمجموع (3/112) ، والباعث على إنكار البدع والحوادث ، لابن شامة ص 265 ، والفتاوى (22/469) وقال : (مما اتفق عليه العلماء) ، ومطالب أولى النهي للرحيباني (1/472) ، وشأن الدعاء ص 15 . ...
(2) ... سورة الأعراف : الآية (205) . ...
(3) ... سورة الأعراف : الآية (55) . ...
(4) ... جامع البيان (5/515) . ...
(5) ... سورة الإسراء : الآية (110) . ...
(6) ... أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء في الصلاة، برقم (6327)، ص533، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية ، برقم (447) ، ص 749 .(1/19)
4 – عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : كنا مع النبي × فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا رفعت أصواتنا، فقال النبي × (يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فأنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنه معكم إنه سميع قريب) (1) متفق عليه .
4 – ولأنه من عمل اليهود (2) .
5 – ولأن رفع الصوت بالدعاء لا فائدة فيه، لأنه يسمع الدعاء الخفي فلا حاجة إلى رفع الصوت (3) .
6 – ولأن ضعف الصوت دليل على استيلاء الهيبة على النفس، فكان أولى أن يستعمل في طلب الحاجات من الله سبحانه (4) .
ب – الدعاء بغير تضرع ولا استكانة:
من العدوان أن يدعوه غير متضرع، بل دعاء مدل على ربه به، وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل (5) .
أو أن يقصد التشهق (6) ، والتشدق (7) في الدعاء، ولا يكون ذلك لغلبة البكاء، وإنما هو أمر يتعمده ويطلبه.
جـ – التغني والتلحين والتمطيط والمبالغة في ذلك:
كما يفعله بعض الأئمة اليوم في دعاء القنوت يبالغ في الترنم والترطيب والتجويد، والترتيل، حتى لكأنه يقرأ سورة من كتاب الله تعالى يستدعي بذلك عواطف المأمومين ليجهشوا بالبكاء (8) .
قال ابن الهمام – رحمه الله - (9) :
__________
(1) ... البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء إذا علا عقبه ، برقم (6384) ، ص 536 ، ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب استحباب خفض الصوت ، رقم (2704) ، ص 1147 . ...
(2) ... الحوادث والبدع ، لأبي بكر الطرطوشي ص 44 . ...
(3) ... ينظر : قواعد الأحكام (2/178) . ...
(4) المعيار المعرب (1/285).
(5) ... بدائع الفوائد (3/13) . ...
(6) ... شهق شَهيقاً وشُهاقاً وتَشْهاقاً : تردد البكاء في صدره ، ينظر : لسان العرب (10/191) . ...
(7) ... تشدق : أي لوى شدقه للتصفح ، وتشدق في كلامه : فتح فمه واتسع ، ينظر : ترتيب القاموس ،
(2/686)، واللسان (10/173) . ...
(8) ... ينظر : تصحيح الدعاء ، ص 83 . ...
(9) ... فتح القدير (1/370) ، وينظر : فيض القدير (1/229) .
... وابن الهمام هو : كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي الأصل ثم الإسكندري ثم القاهري ، العالم الحنفي المعروف بابن الهمام ، صاحب التصانيف .
... سمع من : والده ، ومن سراج الدين عمر بن علي الشهير بـ (قاري الهداية) ، والجمال الحنبلي .
... وسمع منه : شمس الدين محمد الشهير بـ (ابن أمير حاج حلبي) وابن الشحنة ، وغيرهم .
... كان نظاراً فارساً في البحث فروعياً أصولياً ، محدثاً مفسراً حافظاً نحوياً كلامياً منطقياً جدلياً ، كان يقول: «أنا لا أقلد أحداً في المعقولات» . من تصانيفه : فتح القدير ، وشرح الهداية ، والتحرير في الأصول وغير ذلك). توفي سنة (861هـ) .
... ينظر في ترجمته : الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص 235 – 237 ، وشذرات الذهب (7/298) .(1/20)
«فما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والانشغال بتحريرات النغم إظهار للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية ؛ فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد، وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به فكأنه قال : أعجبوا من حسن صوتي وتحريري، ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب ألبتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني، فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان) .
هـ – الدعاء مع هيئة لا تناسب التقرب إلى الله :
كالدعاء مع النعاس وفرط الشبع، ومدافعة الأخبثين أو ملابسة النجاسات، والقاذورات أو قضاء حاجة الإنسان، ونحو ذلك من الهيئات التي لا تناسب التقرب إلى ذي الجلال فإن فعل صح مع فوات رتبة الكمال (1) . أو يدعو وهو مصر على كبائر الذنوب مع علمه بالتحريم، فكل مصر على كبيرة عالماً بها أو جاهلاً، فهو معتد في دعائه والله لا يحب المعتدين (2) .
د – هجر الدعاء في حال الرخاء :
ذم الله سبحانه من يلح في الدعاء عند حوائجه، فإذا قضيت ترك الدعاء، قال تعالى: ? ???????? ????? ????????????? ????????? ????????? ????????????? ????? ????????? ????? ??????????? ?????????? ?????????? ????????? ???????? ?????? ?????? ????? ???????????? ??????? ????? ??????????? ????????? ???????? ???????????????? ??? ????????? ???????????? ???? ? (3) .
__________
(1) ... الفروق (4/299) . ...
(2) ... ينظر : الجامع لأحكام القرآن (2/207) . ...
(3) ... سورة يونس : الآية (12) . ...(1/21)
وفسر قوله تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ????????? ??? ??????? ?????????????????? ? (1) أي تاركي الدعاء (2) .
قال ابن تيمية – رحمه الله – (3) : «السائل إذا حصل سؤاله برد فإنه لم يكن مراده إلا سؤاله، وإذا حصل أعرض عن الله، فهذا حال الكفار الذين ذمهم الله في القرآن، كقوله تعالى: ? ??????? ??? ????? ??????????? ????????? ??? ???????? ? (4) ، أي نسي دعاءه الله الذي كان سبب الحاجة. وأما المؤمن فلابد بعد قضاء حاجته من عبادة الله وإخلاصه له كما أمره، إما قياماً بالواجب فقط، فيكون من الأبرار أو بالواجب والمستحب فيكون من المقربين، ومن ترك بعض ما أمر به بعد قضاء حاجته، فهو من أهل الذنوب وقد يكون ذلك من الشرك الصغير».
4 – اعتداء في مكان الدعاء :
أ – كالدعاء في الكنائس والحمامات، ومواضع النجاسات، والقاذورات :
ومواضع اللهو واللعب والمعاصي، والمخالفات كالحانات، ونحوها وكذلك الأسواق التي يغلب فيها وقوع العقود الفاسدة والأيمان الحانثة، فجميع ذلك يكره الدعاء فيه، من أجل أن القرب إلى الله ينبغي أن تكون على أحسن الهيئات، وفي أحسن البقاع والأزمان .
__________
(1) ... سورة الأعراف : الآية (55) . ...
(2) ... الدعاء المأثور ص 38 . ...
(3) ... الفتاوى (22/384 – 387) . ...
(4) ... سورة الزمر : الآية (8) . ...(1/22)
ويدل على اعتبار هذا المعنى ؛ نهيه × عن الصلاة في المزبلة والمجزرة، وقارعة الطريق (1) ، فإن أعجزه الخلوص من ذلك حصل له الدعاء مع فوات رتبة الكمال، كالصلاة في البقاع المكروهة (2) .
ب – قصد القبور للدعاء عندها أو لها :
تحري الدعاء عند القبور، بحيث يستشعر أن الدعاء عندها أجوب منه في غيرها، فهذا النوع منهي عنه إما نهي تحريم أو تنزيه، وهو إلى التحريم أقرب (3) . أما إذا قصده للدعاء عنده رجاء الإجابة فهذه بدعة لا قربة، ولا نزاع بين الأئمة في تحريمه (4) .
جـ – قصد المساجد المكذوبة للدعاء فيها :
كمسجد عُدّاس أو المساجد السبعة التي في مدينة الرسول × ، فهذه لا تشرع زيارتها بل هي بدعة، وقصد غار حراء للصلاة فيه والدعاء عنده، وقصد جبل في لبنان للدعاء عنده (5) ، وقصد صخرة بيت المقدس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (6) : «صخرة بيت المقدس لا يسن استلامها، ولا تقبيلها باتفاق المسلمين، بل ليس للصلاة عندها والدعاء خصوصية على سائر بقاع المسجد». وهكذا قصد أي بقعة للدعاء عندها من غير دليل على مشروعية الدعاء عندها اعتداء منهي عنه .
5 – اعتداء في زمن الدعاء :
__________
(1) ... أخرجه الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية ما يصلى إليه، وفيه برقم (346)، ص1674، وقال: (حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي)، وابن ماجه، كتاب المساجد، باب المواضع التي تكره فيها الصلاة، برقم (746)، ص2521، قال ابن حجر في التلخيص (1/354): (في سند الترمذي زيد بن جبيرة، وهو ضعيف جداً، وفي سند ابن ماجه عبدالله بن صالح، وعبدالله بن عمر العمري المذكور في سنده ضعيف أيضاً) ا.هـ، وضعفه الألباني في الإرواء (1/318)، برقم (287).
(2) ... ينظر : الفروق (4/298) . ...
(3) ... اقتضاء الصراط المستقيم ، ص 336 . ...
(4) ينظر: الفروع (2/127).
(5) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص (100 – 106) . ...
(6) ... الفتاوى (27/135) . ...(1/23)
كتخصيص أيام معينة للدعاء عندها، من غير دليل من كتاب أو سنة أو عمل به سلف هذه الأمة كتخصيص آخر أربعاء من شهر صفر بدعاء معين، أو تخصيص شهر رجب أو شعبان بأدعية مخترعة مبتدعة .
وهذا من أقبح الاعتداء ؛ لأنه تعدٍ على شرع الله وابتداع في دينه بما لا يحب (1) .
فهذه بعض صور الاعتداء المنهي عنه، ذكرتها على سبيل الأكثر والأغلب، لا على سبيل الحصر ؛ لأن هذا مما يصعب حصره، والضابط فيه ما قاله ابن القيم (2) – رحمه
الله – : «إن كل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله ...» .
المطلب الرابع : أنواع الدعاء باعتبار المدعو :
السائل قد يتوجه بالدعاء إلى الله تعالى أو غيره :
فهو إما أن يسأل الله تعالى فقط، أو يسأل المخلوق أو يسألهما جميعاً، أو يسأل سؤالاً مطلقاً لا يعين فيه المسؤول (3) أو يسأل المخلوق أن يدعو الله له .
1 – فأما المرتبة الأولى : وهي أن يسأل الله تعالى :
فهي أفضل المراتب وأجلها ويدل على فضلها :
1 – قال تعالى: ? ????????? ??????????? ?????????? ??? ????????? ???????? ???????????? ??? ? (4) .
وجه الدلالة: أي إلى ربك يا محمد فاجعل رغبتك، دون من سواه من خلقه (5) .
__________
(1) ... ينظر : إصلاح المساجد من البدع والعوائد ، لجمال الدين القاسمي ص 129 ، والسنن والمبتدعات
ص 138 – 143 . ...
(2) ... بدائع الفوائد (3/13) . ...
(3) ... ينظر : جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ، للنعمان الألوسي ص 472 – 473 . ...
(4) ... سورة الشرح : الآية (7 ، 8) . ...
(5) ... جامع البيان (12/629) . ...(1/24)
2 – قال × : (وإذا سألت فاسأل الله ...) (1) .
3 – وقال × : (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع، فإنه إن لم ييسره لم يتيسر ....) (2) .
4 – وقال × لرهط من الصحابة : (لا تسألوا الناس شيئاً ... فكان سوط أحدهم يسقط من يده : فلا يقول لأحد ناولني إياه) (3) .
قال ابن رجب (4) : «واعلم أن سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين ؛ لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضر، ونيل المطلوب وجلب المنافع ودرء المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة، كان الإمام أحمد يدعو ويقول : اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك، فصنه عن المسألة لغيرك ولا يقدر على كشف الضر وجلب النفع سواك» .
2 – المرتبة الثانية : أن يسأل المخلوق :
هذه المرتبة لها حالتان :
الحالة الأولى : أن يسأل الحي الحاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله :
كأن يسأله أن يرزقه ولداً، أو يشفي له مريضه أو نحو ذلك فهذا شرك مبين، لأن الدعاء عبادة، وقد صرفها الداعي إلى غير الله سبحانه، وإذا كان المخلوق ميتاً لهو شرك أكبر مناف للملة (5) .
الحالة الثانية : أن يسأل المخلوق فيما يقدر عليه :
__________
(1) ... أخرجه الترمذي ، كتاب صفة القيامة ، باب حديث حنظلة ، برقم (2516) ، ص 1904 ، وقال : (حسن صحيح) . وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/379) : (طريق حنش التي خرجها الترمذي حسنة جيدة) . وصححه الألباني في صحيح الجامع ، برقم (7834) . ...
(2) ... سبق تخريجه ص 34 .
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب كراهة مسألة الناس ، برقم (1043) ، ص 842 . ...
(4) ... جامع العلوم والحكم (1/395) . ...
(5) ... ينظر : الفتاوى (27/68) . ...(1/25)
كأن يسأله النصر في الأمور الحسية في القتال أو إدراك سبع ونحو ذلك فهذه جائزة (1) لقوله تعالى: ? ??????? ????????????????? ? ????????? ?????????????? ?????????? ? (2) هذا نصر بالقوة البشرية . وقوله تعالى: ? ???????????????????? ???????? ??? ?????????? ????? ???????? ???? ????????? ? (3) . وهذه الاستغاثة جائزة، لأنها من حي حاضر يقدر على نصر المستغيث به في حدود قدرته البشرية .لكن الله سبحانه لم يأمر مخلوقاً أن يسأل مخلوقاً، إلا في سؤال العلم ؛ لأن المخبر لا ينقص الجواب من علمه بل يزداد بالجواب والسائل محتاج إلى ذلك (4) .
وأما في غير العلم فلا يستحب السؤال بل هو مكروه إما تحريماً أو تنزيهاً، لأن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد :
مفسدة الافتقار إلى غير الله وهي نوع من الشرك، ومفسدة إيذاء المسئول وهي نوع من ظلم الخلق، وفيه ذل لغير الله وهو ظلم للنفس، فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة (5) .
3 – المرتبة الثالثة : أن يسأل الخالق والمخلوق جميعاً :
كما في حديث الأعمى الذي طلب من النبي × أن يدعو له فعلمه أن يصلي ركعتين ويدعو: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت ... إلى قوله اللهم فشفعه في، وشفعني فيه، فبرأ) (6) .
__________
(1) ... ينظر : الدعاء ومنزلته من العقيدة ، (2/491) . ...
(2) ... سورة الأنفال : الآية (72) . ...
(3) ... سورة القصص : الآية (15) . ...
(4) ... ينظر : الفتاوى (1/79) . ...
(5) ... قاعدة في الوسيلة والتوسل مع الفتاوى (1/193) . ...
(6) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعوات ، برقم (3578) ، ص 2020 ، وقال : (حسن صحيح) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة باب ذكر حديث عثمان بن حنيف برقم (658) ، ص 429 ، وابن ماجه ، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في صلاة الحاجة، برقم (1385)، ص 2559 ، والطبراني في الدعاء ، برقم (1051) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء ، باب دعاء رد البصر ، برقم (1973) ،
(2/212) ، وصححه ، وأخرجه أحمد في المسند ، ينظر: الفتح الرباني ، كتاب الأدعية ، باب دعاء الأعمى الذي توسل بالنبي × (14/298) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1279)،
(1/274) وينظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة (2/746) ، فقد درس أسانيد الحديث من جميع طرقه
(2/735 – 746) . ...(1/26)
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – (1) : «إنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي × وشفاعته، وهو طلب من النبي × الدعاء، وقد أمره النبي × أن يقول : «فشفعه في»، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي × ، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي ×، ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي × بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله» .
4 - المرتبة الرابعة : أن يسأل سؤالاً مطلقاً لا يعين فيه المسئول :
وذلك كقول الحواريين : ? ?????????? ???????? ???? ??????????? ???????? ??????????????? ?????????????? ??????????? ???? ????? ????????????? ?????????? ????????? ???? ??????????????? ? (2) . فهذه لا محذور فيها .
5 - المرتبة الخامسة : أن يسأل الحي الحاضر أن يدعو له :
وذلك كطلب المؤمنين بعضهم من بعض الدعاء. هذه المسألة فيها تفصيل :
1 – أن يطلب الدعاء من رجل صالح يرجو بركة دعائه لمصلحة المسلمين عامة، فهذا جائز ومباح (3) .
كما كان المسلمون يستشفعون بالنبي × في الاستسقاء ويطلبون منه الدعاء . ولهذا قال العلماء : «يستحب أن يستسقى بأهل الصلاح والخير، فإذا كانوا من أهل بيت رسول الله × كان أحسن» (4) .
2 – أن يطلب الدعاء من غيره لينتفع به الداعي والمدعو له، وإن كان المدعو له أفضل من الداعي (5) .
كما في الصحيحين عن النبي × أنه قال : (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة) (6) .
__________
(1) ... الفتاوى (1/223) .
(2) ... سورة المائدة : الآية (113) .
(3) ... الفتاوى (1/131 – 133) .
(4) ... الفتاوى (27/96) .
(5) ... الفتاوى (1/133) ، وينظر : الفروع (2/456) ، والآداب الشرعية (2/264) . ...
(6) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب ما يقول إذا سمع المؤذن ، برقم (614) ، ص 50 .
... مسلم ، كتاب الصلاة ، باب استحباب القول مثل قول المؤذن ، برقم (383) ، ص 738 . ...(1/27)
وجه الدلالة : أن الرسول × قصد بهذا الأمر والطلب نفع المأمور والإحسان إليه وهو × أيضاً ينتفع بتعليمهم الخير وأمرهم به، وينتفع أيضاً بالخير الذي يفعلونه من الأعمال الصالحة ومن دعائهم له (1) .
وهكذا كل من طلب من أخيه الدعاء له وقصد انتفاعهما جميعاً بالدعاء، أما الداعي فينتفع بالدعاء من جهة حصوله على مثل ما دعا لغيره ؛ لقوله × : (ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة إلا وكل الله به ملكاً كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك آمين، ولك بمثل) (2) . وأما المدعو له فينتفع هو أيضاً باستجابة الله دعاء الداعي له، فهذا النوع مستحب ؛ لأن فيه إحساناً إلى الخلق وطلب الأجر من الله تعالى، فيكون قائماً بحق الله وحق عباده ويكون السؤال راجحاً على الترك (3) .
3 – أن يطلب من غيره الدعاء وقصده نفع نفسه فقط :
فهذه المسألة اختلف الفقهاء فيها على قولين :
القول الأول : يستحب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح وإن كان الطالب أفضل منهم، وإن قصد نفع نفسه فقط . وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية (4) ، والمالكية (5) ، والشافعية (6) ، والحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما ورد عن الصحابة – رضوان الله عليهم – أنهم طلبوا الدعاء من النبي × ولم ينكر عليهم، فمن ذلك :
__________
(1) ... ينظر : قاعدة في الوسيلة والتوسل ، مع الفتاوى (1/193) . ...
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب فضل الدعاء للمسلمين ، برقم (2732) ، ص 1152 .
(3) ... ينظر: الفتاوى (1/133) . ...
(4) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/220) . ...
(5) ... ينظر : الدعاء المأثور وآدابه ص 260 . ...
(6) ... ينظر : المجموع (4/243) ، وشرح صحيح مسلم (15/95) ، والفتوحات الربانية (5/246) ، والفتح الرباني (13/27) . ...
(7) ... ينظر : المستوعب (4/278) ، والفروع (2/456) ، ولطائف المعارف لابن رجب ص 67 .(1/28)
1 – في الصحيحين أن أم أنس – رضي الله عنها – قالت : «يا رسول الله ادع الله له – أي ابنها أنس – قال : فدعا لي بكل خير ...» الحديث (1) .
2 – وحديث المرأة التي كانت تصرع فجاءت إلى النبي × فقالت : «إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي ...» الحديث (2) .
3 – وفي قصة إسلام أم أبي هريرة – رضي الله عنه – وفيه قال : قلت يا رسول الله ادع الله أن يحببني الله أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم لنا، فقال رسول الله × : (اللهم حبب عبدك هذا – يعني أبا هريرة – وأمه إلى عبادك ...) الحديث (3) .
وجه الدلالة : فيه استحباب طلب الدعاء من أهل الخير ممن يرجى منه القبول وإجابتهم لذلك، ومن أدبه بث الحال لهم قبل الطلب لتحصيل الرقة المقتضية لصحة التوجه، فترجى الإجابة فيه (4) .
2 – أن النبي × حث الصحابة على طلب الدعاء من بعضهم لبعض، بل طلب × الدعاء لنفسه من أصحابه . فمن ذلك :
__________
(1) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري في كتاب الصوم ، باب من زار قوماً فلم يفطر ، برقم (1982) ،
ص 155 .
... ومسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أنس ، برقم (2480) ، ص 1113 . ...
(2) ... سبق تخريجه ص 58 . ...
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي هريرة ، برقم (2491) ، ص 1116 .
(4) ... ينظر : الفتح (2/588) ، وشرح صحيح مسلم (15/95) ، الفروع ، (2/456) . ...(1/29)
1 – عن عمر – رضي الله عنه – أنه استأذن رسول الله × في العمرة، فقال : (أي أخي أشركنا في دعائك، ولا تنسنا) (1) .
وجه الدلالة : «لا تنسانا من دعائك» فيه إظهار الخضوع والمسكنة في مقام العبودية والتماس الدعاء ممن عرف له الهداية وحث للأمة على الرغبة في دعاء الصالحين وأهل العبادة وتنبيه لهم على أن لا يخصوا أنفسهم بالدعاء ولا يشاركوا فيه أقاربهم وأحباءهم لاسيما في مظان الإجابة، وتفخيم لشأن عمر وإرشاد إلى ما يحمى دعاءه من الرد (2) .
2 – أن النبي × قال عن أويس القرني (3)
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الدعاء ، برقم (1498) ، ص 1334 ، والترمذي ، كتاب الدعوات ، باب دعوات أحاديث شتى ، برقم (3562) ، ص 2018 ، وقال: (حسن صحيح)، وابن ماجه ، كتاب المناسك ، باب فضل دعاء الحاج ، برقم (2894) ، ص 2652 ، والبيهقي في سننه ، كتاب السفر ، باب ما يقال عند التوديع ، برقم (10314) ، (5/412) ، وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف كما في التقريب (1/366) ، وقال البخاري : (منكر الحديث) ، وقال أبو داود : (لا يكتب حديثه)، وقال ابن حبان: (كان سيئ الحفظ، كثير الوهم، فاحش الخطأ، فترك من أجل كثرة خطئه، ينظر : المجروحين (2/127) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ص 906 .
(2) ... عون المعبود (4/256) . ...
(3) ... هو أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني ، القدوة الزاهد ، سيد التابعين في زمانه ، كنيته أبو عمرو، حدث عن : عمر ، وعلي، وحدث عنه : يسير بن عمرو ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم.كان من أولياء الله المتقين ، ومن عباده المخلصين ، كان باراً بأمه ، قيل : إنه غزا أذربيجان فمات بها، فتنافس أصحابه في حفر قبره .
... ينظر في ترجمته : أسد الغابة (1/228) ، وتهذيب التهذيب (1/351)، وطبقات بن سعد (6/161) .(1/30)
– رضي الله عنه : «فمن لقيه منكم، فليستغفر لكم» (1) .
3 – عن بريدة (2) – رضي الله عنه – قال : (بينما النبي × في مسير له إذا أتى على رجل يتقلب في الرمضاء ظهراً لبطن يقول: يا نفس نوم بالليل وباطل بالنهار وترجين الجنة، فلما قضى دَأَبَ (3) نفسه أقبل إلينا فقال : دونكم أخوكم، قلنا : ادع الله لنا يرحمك الله، قال : اللهم اجمع على الهدى أمرهم، قلنا: زدنا، قال: اللهم اجعل التقوى زادهم، قلنا : زدنا، فقال النبي × زدهم، قال: اللهم وفقه، فقال: اللهم اجعل الجنة مآبهم...) (4) .
3 – أن الصحابة – رضي الله عنهم – كان يطلب بعضهم الدعاء من بعض فمن ذلك:
1 – عن أبي سعيد مولى أبي أُسَيد (5)
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أويس القرني ، برقم (2542) ، ص 1123 .
(2) ... هو بريدة بن الحصُيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد ، قيل : إنه أسلم عام الهجرة ، وشهد خيبر والفتح ، غزا مع الرسول × ست عشرة غزوة ، واستعمله النبي × على صدقة قومه. له جملة أحاديث ، نزل مرو ، ونشر العلم بها. حدث عنه : ابناه : سليمان وعبد الله ، والشعبي . توفي سنة (63هـ) ، وقيل : 62هـ ، قال الذهبي : وهذا أقوى .
... ينظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء (2/469) ، وشذرات الذهب (1/70)، وأسد الغابة (1/263) .
(3) الدأب: العادة والشأن، هو من دَأَبَ في العمل إذا جد وتعب. ينظر: لسان العرب (1/369) مادة دأب.
(4) ... أورده الهيثمي في المجمع (10/185) ، كتاب الأدعية ، باب طلب الدعاء ، وعزاه إلى الطبراني ، وقال: (رواه الطبراني من طريق أبي عبد الله صاحب الصدقة عن علقمه بن مرثد ، ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات) .
(5) ... هو أبو سعيد مولى أبي أُسَيْد (بالتصغير) الساعدي ، قال ابن حجر : (ذكره ابن منده في الصحابة لم يذكر ما يدل على صحبته لكن ثبت أنه أدرك أبا بكر الصديق – رضي الله عنه -) أ . هـ .
... ينظر في ترجمته : الإصابة (7/95) ، وأسد الغابة (6/141) . ...(1/31)
قال : كان عمر – رضي الله عنه – إذا صلى العشاء ؛ أخرج الناس من المسجد، فتخلف ليلة مع قوم يذكرون الله، فأتى عليهم، فعرفهم، فألقى درته وجلس معهم، فجعل يقول : يا فلان! أدع الله لنا، يا فلان ! أدع الله لنا، حتى صار الدعاء إلى عمر، فكانوا يقولون : عمر فظ غليظ ! فلم أر أحداً من الناس تلك الساعة أرق من عمر – رضي الله عنه – لا ثكلى ولا أحداً (1) .
2 – قال رجل لأنس – رضي الله عنه – يوماً : يا أبا حمزة ! لو دعوت لنا بدعوات .... فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، قال : فأعادها مراراً ثلاثاً، فقال : يا أبا حمزة ! لو دعوت ... فقال مثل ذلك لا يزيد عليه (2) .
3 – قال الفقهاء – رحمهم الله - : كانوا يغتنمون أدعية الحاج قبل أن يتلطخوا بالذنوب (3) .
القول الثاني: يكره للإنسان أن يطلب الدعاء من غيره وإن كان صالحاً، إن قصد بذلك نفع نفسه فقط. وهذا قول بعض المالكية (4) وقول شيخ الإسلام ابن تيمية (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – لم يكن من هدي النبي × ، ولا من هدي خلفائه الراشدين، طلب الدعاء من غيرهم (6) . فمن ذلك:
__________
(1) ... أورده الشاطبي في الاعتصام (1/500) ، وعزاه إلى تهذيب الآثار ، للطبري ولم أجده في المطبوع (ولعله مما فقد) . ...
(2) ... أورده الشاطبي في الاعتصام (1/501) ، وعزاه إلى المصدر السابق ، ولم أجده أيضاً في المطبوع .
(3) ... ينظر : المستوعب (4/278) ، والفروع (2/456) . ...
(4) ... ينظر : الاعتصام (1/500) . ...
(5) ... ينظر: الفتاوى (1/134) ، في مواضع كثيرة ، والفروع (2/456)، والآداب الشرعية (2/264) .
(6) ... ينظر : الفتاوى (1/193) ، وشرح رياض الصالحين لابن عثيمين (5/294) . ...(1/32)
أ – كتب رجل إلى عمر – رضي الله عنه – فقال : ادع الله لي، فكتب عمر – رضي الله عنه – إني لست بنبي، ولكن إذا أقيمت الصلاة ؛ فاستغفر الله لذنبك (1) .
ب – عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أنه لما قدم الشام ؛ أتاه رجل، فقال : استغفر لي، فقال : غفر الله لك، ثم أتاه آخر فقال : استغفر لي، فقال : لا غفر الله لك ولا لذاك، أنبي أنا ؟ ! (2) .
جـ – قال رجل لحذيفة – رضي الله عنه – استغفر لي، فقال : لا غفر الله لك، ثم قال : هذا يذهب إلى نسائه، فيقول : استغفر لي حذيفة، أترضين أن أدعو الله أن تكن مثل حذيفة ؟ (3) .
د – جاء رجل إلى إبراهيم (4) ، فقال : يا أبا عمران ادع الله أن يشفيني فكره ذلك إبراهيم، وقطب، وقال : جاء رجل إلى حذيفة – رضي الله عنه – فقال : أدع الله أن يغفر لي، فقال : لا غفر الله لك (5) .
هـ – عن إبراهيم – رحمه الله – قال : كانوا يجتمعون فيتذاكرون فلا يقول بعضهم لبعض : استغفر لنا (6) .
__________
(1) ... أورده الشاطبي في الاعتصام (1/501) وعزاه إلى الطبري في تهذيب الآثار ولم أجده في المطبوع .
(2) ... أورده الشاطبي في الاعتصام (1/501) وعزاه إلى الطبري في تهذيب الآثار ولم أجده في المطبوع .
(3) ... المصدر السابق (1/502) . ...
(4) ... وإبراهيم النخعي : هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن مالك بن النخع النخعي اليماني ثم الكوفي ، أبو عمران ، أحد الأعلام. روى عن: خاله، ومسروق، وعلقمة بن قيس. وروى عنه : حماد بن أبي سليمان ، سماك بن حرب ، وابن عون. كان بصيراً بعلم ابن مسعود ، واسع الرواية ، فقيه النفس ، كبير الشأن ، كثير المحاسن ، وكان مفتي أهل الكوفة ، وكان يسمى صيرفيّ الحديث ، توفي سنة (96هـ) . ... ينظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ (1/73)، ووفيات الأعيان (1/25) ، وشذرات الذهب
(1/111) .
(5) ... الاعتصام (1/502) ولم أجده في المطبوع. ...
(6) ... المصدر السابق . ولم أجده في المطبوع.(1/33)
و – قيل لأبي الدرداء – رضي الله عنه – أن ناساً من أهل الكوفة يقرؤون عليك السلام، ويأمرونك أن تدعو لهم، وتوصيهم فقال : اقرؤوا عليهم السلام، ومروهم أن يعطوا القرآن حقه، فإنه يحملهم، أو يأخذ بهم على القصد والسهولة، ويجنبهم الجور والحزونة، ولم يذكر أنه دعا لهم (1) .
وإنما كره السلف طلب الدعاء من بعضهم لبعض وإن كان في أصله مشروعاً، لأنه دخل فيه أمر زائد صار الدعاء فيه بتلك الزيادة مخالفاً للسنة. فإباية عمر – رضي الله عنه – وسعد بن أبي وقاص، وحذيفة لا من جهة أصل الدعاء، ولكن من جهة أنهم فهموا من السائل أمراً زائداً، وهو أن يعتقد فيهم أنهم مثل الأنبياء، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد ذلك، أو يعتقد أنه سنة تلزم، أو يجري في الناس مجرى السنن الملتزمة (2) .
2 – أن في طلب الدعاء من غيره لمصلحة نفسه فقط، إضراراً بالداعي لأنه قد يؤدي به إلى العجب والاغترار بنفسه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - (3) : «فسؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد: مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهي نوع من الشرك، ومفسدة إيذاء المسؤول وهي نوع من الظلم، وفيه ذل لغير الله، وهو ظلم للنفس» .
3 – أن طلبه للدعاء من غيره لمصلحة نفسه فقط، يدخل في المسألة المذمومة، وقد بايع النبي × أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئاً (4) .
وشيئاً يدخل فيها الدعاء وغيره ؛ لأنها نكرة في سياق النفي وهي تفيد العموم .
وأجابوا على أدلة القائلين بالاستحباب :
1 – أما ورد أن الصحابة كانوا يطلبون الدعاء منه × ولم ينكر عليهم، فالجواب عنه :
__________
(1) ... أورده الشاطبي في الاعتصام (1/503) وقال : (أخرجه ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الدرداء ، فذكره) . ...
(2) ... ينظر : الاعتصام (1/501) . ...
(3) ... قاعدة في الوسيلة ، مع الفتاوى (1/190) . ...
(4) ... سبق تخريجه ص (84) . ...(1/34)
أن الرسول × من خصوصياته أن يُسأل الدعاء، أما غيره فلا (1) ، وهذا يفهم من إنكار الصحابة من طلب منهم الدعاء بقولهم : (أنبي أنا) .
2 – أما قولكم أنه × حث على طلب الدعاء وفعله فالجواب عنه من وجوه :
أ – أن ما ورد عنه أنه طلب الدعاء من عمر - رضي الله عنه - فضعيف لا تقوم به حجة، كما ثبت في تخريجه، وعلى فرض صحته فطلب النبي × من عمر أن يدعو له كطلبه أن يصلي عليه، ويسلم عليه، وأن يسأل الله له الوسيلة، وهو كطلبه أن يعمل سائر الصالحات فمقصوده نفع المطلوب منه والإحسان إليه (2) .
ب – أن قوله × في أويس القرني، خاص به ؛ لأنه كان رجلاً باراً بأمه، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يرفع ذكره في هذه الدنيا قبل جزاء الآخرة، ولهذا لم يأمر النبي × بأن يطلب أحد من أحد أن يدعو له، مع أن هناك من هو أفضل من أويس، كأبي بكر رضي الله عنه (3) .
جـ – أن أهل الفضل إذا حثوا على طلب الدعاء ينوون بذلك أن الذي يطلبون منه الدعاء إذا دعا لهم كان له من الأجر على دعائه لهم أعظم من أجره لو دعا لنفسه وحدها (4) . لقوله × : (ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا وكل الله ملكاً كلما دعا لأخيه بدعوة قال الموكل به آمين ولك بمثل) (5) .
3 – أما ما ورد عن الصحابة في طلب الدعاء بعضهم من بعض : فالجواب عنه :
أن الأمر كان في عهدهم ليس فيه محظور، ولهذا لم ينكروه لكن لما دخل فيه ما سبق ذكره من المفاسد أنكروه (6) .
4 – أما طلب الدعاء من الحاج أو المسافر ونحوهما . فيمكن أن يجاب عنه :
__________
(1) ... شرح رياض الصالحين (5/295) . ...
(2) ... ينظر : الفتاوى (1/192) . ...
(3) ... ينظر : قاعدة في الوسيلة مع الفتاوى (1/186 – 187) ، وشرح رياض الصالحين (5/294) .
(4) ... الفتاوى (1/133 – 134) . ...
(5) ... سبق تخريجه ، ص (88) . ...
(6) ... ينظر : الاعتصام (1/501) ، والدعاء ومنزلته من العقيدة (2/504) . ...(1/35)
بأنه إن كان قصده نفعهما جميعاً فمستحب، وإن كان قصده نفع نفسه فقط فمكروه، كما سبق تفصيله .
الترجيح :
القول الراجح – والله أعلم – هو القول بأن طلب الدعاء لمصلحة نفسه فقط مكروه، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة (1) .
المطلب الخامس : أنواع الدعاء باعتبار ما ورد :
ينقسم الدعاء باعتبار ما ورد إلى قسمين : دعاء مأثور، ودعاء غير مأثور .
أما الدعاء المأثور: فيشمل المرفوع وكذا الموقوف على الصحابة والتابعين، ومجموع ما جاء من ذلك قوياً وغيره، وما ورد عن الأئمة المشهورين، وما سواه مما يدعو به الناس فليس بمأثور (2) . وأيهما أفضل الدعاء بالمأثور أو بغير المأثور ؟
أما الأدعية المقيدة بحال أو زمان أو مكان : فهذه يؤتى بها على الوجه الذي ورد في زمانه أو حاله أو مكانه، وفي لفظه، وفي هيئة الداعي به من غير زيادة أو نقصان، أو تبديل كلمة بأخرى، كأدعية النوم، والاستيقاظ، وبعض أدعية الحج والعمرة، ودعاء الاستخارة، ونحوها يكتفي فيها بالمأثور (3) .
وأما الأدعية المطلقة : فإن كانت واردة ؛ فإنه يؤتى بها على الوجه الذي ورد في لفظه (4) كدعاء الاستغفار (5) . وإن كانت غير واردة، بل أتى به الداعي من عند نفسه أو من المنقول عن السلف، فهل الأفضل أن يدعو بها أو بما أثر عن النبي × ؟ .
لاشك أن أولى ما يدعا به، ويستعمل منه ما ورد في الكتاب والسنة مما صحت به الرواية عن رسول الله × ، وثبت عنه بالأسانيد الصحيحة باتفاق الفقهاء (6)
__________
(1) ... وهذا اختيار ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (5/294) . ...
(2) ... ينظر : الفتوحات الربانية (4/384) ، والاقناع (2/435) . ...
(3) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 42 . ...
(4) ... المصدر السابق . ...
(5) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب أفضل الاستغفار ، برقم (6306) ، ص 531 . ...
(6) ... ينظر : المبسوط (4/9) ، والقبس شرح موطأ أنس (2/24) ، والجامع لأحكام القرآن ، القرطبي
(4/149) ، وبلغة السالك (1/222) ، وشأن الدعاء ص 2 ، ومغني المحتاج (1/488) ، والمغني
(5/268) ، والفتاوى (26/122) .(1/36)
وذلك لما يلي:
1 – لأن الملتزم بها ينال بركة التأسي والاقتداء بالرسول ×، ويكون لفظه وسيلة لقبوله (1) .
2 – ولأن تعليم الشرع خير من اختيار العبد (2) ، فإن الله اختار لنبيه وأوليائه، وعلمهم كيف يدعون (3) .
3 – ولأن الغلط يعرض كثيراً في الأدعية التي يختارها الناس ؛ لاختلاف معارفهم، وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال (4) ، وقد يعتدي في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كل أحد يحسن الدعاء (5) .
4 – ولأن باب الدعاء مطية مظنة للخطر، وما تحت قدم الداعي دحض زلق، فليحذر فيه من الزلل، وليسلك منه الجدد الذي يؤمن معه العثار (6) .
فلهذا كانت الأدعية الواردة في الكتاب والسنة أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة من الشرك والاعتداء (7) .
قال القاضي ابن العربي – رحمه الله – (8) :
__________
(1) ... سلاح المؤمن في الذكر والدعاء ، لابن الإمام ص 24 – 25 .
(2) ... الأزهية ص 95 . ...
(3) ... الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي (4/149) . ...
(4) ... شأن الدعاء ص 2 . ...
(5) ... إتحاف السادة المتقين (5/37) . ...
(6) ... شأن الدعاء ص 3 .
(7) ... ينظر : الفتاوى (22/510) . ...
(8) ... القبس (2/23) .
... وابن العربي هو : أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعارفي ابن العربي المالكي ، ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها ، كان أبوه من فقهاء إشبيلية ورؤسائها، ولد سنة (468هـ ) .سمع من : أبي حامد الغزالي ، وأبي بكر الشاشي ، وخاله الحسن بن عمر . أخذ عنه : القاضي عياض ، والسهيلي ، وابن خليل وغيرهم. كان ثاقب الذهن ، عذب المنطق ، كريم الشمائل ، كامل السؤدد ، ولي قضاء إشبيلية فحمدت سياسته ، وكان ذا شدة وسطوة ، فعزل ، وأقبل على نشر العلم وتدوينه ، حتى يقال إنه بلغ رتبة الاجتهاد .
... من مصنفاته : أحكام القرآن ، عارضه الأخوذي شرح سنن الترمذي ، العواصم من القواصم .
... ينظر في ترجمته : البداية والنهاية (12/228) وسير أعلام النبلاء (20/197) ، ووفيات الأعيان
(4/296).(1/37)
«إن الله أذن في دعائه، وعلم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلم النبي × الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء : العلم بالتوحيد والعلم باللغة، والنصيحة للأمة، فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه × ، وقد احتال الشيطان للناس في هذا المقام، فقيض لهم قوم سوء، يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي × ، وأشد ما في الحال أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون : دعاء آدم، ودعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – فاتقوا الله في أنفسكم، ولا تشتغلون من الحديث إلا بالصحيح منه» .
ومع ذلك يجوز لكل واحد من العلماء بالله عز وجل أن يدعو بما شاء غير المأثور، لكن عليه أن يلتزم بخمسة شروط ليسلم من الوقوع في الخطأ والاعتداء، وهي (1) :
1 – أن يتخير من الألفاظ أحسنها وأنبلها وأحملها للمعاني، وأبينها ولا تخرج عن التوحيد ؛ لأنه مقام مناجاة العبد ربه، ومعبوده سبحانه .
2 – أن تكون الألفاظ على وفق المعنى العربي، ومقتضى العلم الإعرابي .
3 – أن يكون خالياً من أي محذور شرعي لفظاً ومعناً .
4 – أن يكون في باب الدعاء المطلق لا المقيد بزمان أو حال .
5 – أن لا يتخذه سنة راتبة، فليس لأحد أن يسن نوعاً من الأذكار، والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها، كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع لم يأذن به الله (2) .
المطلب السادس : أنواع الدعاء باعتبار المدعو به :
أمهات مطالب السائلين من رب العالمين، وعليها مدار طلباتهم أربعة (3) :
1 – شر موجود يطلب رفعه .
2 – شر معدوم يطلب بقاؤه على العدم وأن لا يوجد .
3 – وخير موجود يطلب دوامه وثباته وأن لا يسلبه .
4 – خير معدوم يطلب وجوده وحصوله .
__________
(1) ... ينظر هذه الشروط في تصحيح الدعاء ص 42 .
(2) ... الفتاوى (22/511 ).
(3) ... ينظر في هذه المطالب: بدائع الفوائد (2/208) ، والدعاء ومنزلته من العقيدة (1/158) .(1/38)
وقد جاءت هذه المطالب الأربعة في قوله تعالى حكاية عن دعاء عباده في آخر آل عمران في قولهم: ? ???????????? ??????????? ?????????? ???????????? ?????????? ????????????? ????? ?????????? ???????????? ??????????????? ?????????? ????????????? ?????? ????????????????? ????????? ?????? ????????????????? ? (1) . فهذا الطلب لدفع شره الموجود ؛ فإن الذنوب، والسيئات شر ثم قال: ? ?????????????? ???? ?????????????? ? فهذا طلب لدوام الخير الموجود، وهو الإيمان حتى يتوفاهم عليه، فهذان قسمان. ثم قال: ? ?????????? ??????????? ??? ???????????? ?????? ???????? ? فهذا طلب للخير المعدوم أن يؤتيهم إياه. ثم قال: ? ????? ??????????? ??????? ??????????????? ? فهذا طلب أن لا يوقع بهم الشر المعدوم وهو خزي يوم القيامة . فانتظمت الآيتان المطالب الأربعة أحسن انتظام مرتبة أحسن ترتيب قدم فيها النوعان اللذان في الدنيا، وهما المغفرة ودوام الإسلام إلى الموت ثم أتبعا بالنوعين اللذين في الآخرة، وهما أن يعطوا ما وعدوه على ألسنة رسله، وأن لا يخزيهم يوم القيامة (2) .
المطلب السابع : أنواع الدعاء باعتبار الداعي :
الداعي إما أن يكون مسلماً أو يكون فاسقاً أو كافراً .
__________
(1) ... الآيتان (193 – 194) . ...
(2) ... ينظر : بدائع الفوائد (2/208) . ...(1/39)
فأما الداعي المسلم: عبادة الله غاية مراده، وطلبه منه أن يعينه عليها، ويوفقه للقيام بها، ولهذا كان أفضل ما يسأل الرب تبارك وتعالى الإعانة على مرضاته، وهو الذي علمه النبي × لحبه معاذ – رضي الله عنه – فقال : (يا معاذ والله إني لأحبك، فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك) (1) (2) .
وأما الداعي الفاسق : فهو معرض عن عبادة ربه والاستعانة به، فلا عبادة ولا استعانة بل إذا سأل ربه واستعان به فعلى حظوظه وشهواته، لا على عبادة ربه وحقوقه (3) .
وأما الداعي الكافر: فهذا شر الأقسام ؛ لأنه يتوجه في دعائه إلى ما يحب من
حجر أو شجر أو قبر، ولا يلتجأ إلى الله إلا في حال الضرورة والشدة، كما قال تعالى:
? ????????? ????????? ? ?????????? ???????? ?????? ??????????? ????? ????????? ????????? ???????????? ?????? ?????????? ?????? ???? ????????????? ???? ? (4) . والله سبحانه يسأله من في السموات والأرض، ويسأله أولياؤه وأعداؤه، ويمد هؤلاء وهؤلاء، وأبغض خلقه عدوه إبليس، ومع هذا فقد سأله حاجة فأعطاه إياها، ومتعه بها (5) .
__________
(1) ... مدارج السالكين (1/100) . ...
(2) ... أخرجه أبو داود كتاب الصلاة ، باب الاستغفار ، برقم (1522) ، ص 1335 ، والنسائي في كتاب السهو ، باب نوع آخر من الدعاء برقم (1304) ، ص 2172 ، وصحح إسناده النووي في الأذكار ، ص 78 ، وقوى إسناده ابن حجر في بلوغ المرام مع سبل السلام (1/402) وأخرجه أحمد في المسند ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب أدعية في الصلاة ، برقم (750) ، قال البنا قال عنه الحافظ: (إسناده قوي)) . ...
(3) ... مدارج السالكين (1/100) . ...
(4) ... سورة العنكبوت : الآية (66) . ...
(5) ... مدارج السالكين (1/100) ، ينظر : الدعاء ومنزلته من العقيدة (1/151) . ...(1/40)
المطلب الثامن : أنواع الدعاء باعتبار المدعو له (1) :
لا يخلو من أربعة أقسام (2) :
1 – أن يدعو الإنسان لنفسه .
2 – أن يدعو لغيره .
3 – أن يدعو لنفسه ولغيره بضمير الجمع .
4 – أن يدعو لنفسه، ولغيره بضمير المفرد .
فأما دعاء الإنسان لنفسه :
فظاهر، ويأتي بصيغة المفرد، حتى الإمام في الصلاة في الأدعية التي يسر بها، ولا يجهر كالدعاء في السجود، وبين السجدتين (3) ، وهو المحفوظ من أدعيته × في الصلاة كلها بلفظ الإفراد كقوله: ? ????? ????????????? ? ، وكدعاء الاستفتاح (4) .
إلا إذا كان من أدعية القرآن فيأتي به على الصيغة التي وردت في القرآن بالمفرد أو بالجمع (5) ، كقوله: ? ?????????? ??????????? ???????????????? ??? ? (6) .
وأما دعاء الإنسان لغيره :
دعاء الإنسان لغيره يشمل الدعاء لوالديه ولولده ولأخيه المسلم ولمن أحسن إليه والدعاء للبلد ونحو ذلك. فأما الدعاء لوالديه :
اتفق الفقهاء (7) – رحمهم الله – على مشروعية الدعاء للوالدين بالمغفرة والرحمة، في الحياة وبعد الممات، واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ?????? ?????? ????????????? ????? ????????????? ????????? ? (8) .
__________
(1) ... يقال دعوت الله له بخير ، وعليه بشر ، ينظر : لسان العرب (14/258) . ...
(2) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 46 ، والاقناع (1/126) ، والفروع (1/400) . ...
(3) ... ينظر : تصحيح الدعاء ، ص 46 . ...
(4) ... زاد المعاد في هدي خير العباد (1/263) ، والآية من سورة نوح، (28).
(5) ... تصحيح الدعاء ، ص 46 . ...
(6) ... سورة الفاتحة : الآية (5) . ...
(7) ... ينظر : أحكام القرآن للجصاص (3/197) ، وأحكام القرآن لابن العربي (3/185) ، والجامع لأحكام القرآن (10/160) ، وحاشية العدوي (2/392)، والفواكه الدواني (2/473) ، وتفسير القرآن العظيم (3/34) ، وتيسير الكريم الرحمن ص 485 . ...
(8) ... سورة الإسراء : الآية (24) . ...(1/41)
فيه الأمر بالدعاء لهما بالرحمة والمغفرة إذا كانا مسلمين في الحياة وبعد الممات (1) ، وظاهر الأمر يفيد الوجوب إذ لا صارف له، ويحصل الاستغفار للوالدين ولو بمرة في العمر مع قصد أداء الطلب كما تكفي المرة في وجوب الاستغفار للسلف الصالح (2) .
2 – ولأن الدعاء لهما من الأعمال الصالحة التي تنفع الوالدين في الحياة، وبعد الممات، قال × : (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (3) .
وفائدة تقييده بالولد، مع أن دعاء غيره ينفعه تحريض الولد على الدعاء للوالد ؛ لأنه هو السبب لوجوده وصلاحه، وإرشاده إلى الهدى، وقيد الولد بالصالح أي المسلم ؛ لأن الأجر لا يحصل من غيره (4) .
3 – ولأن الله سبحانه هو الذي يجزي الوالد عن الولد ؛ إذ لا يستطيع الولد كفاء على نعمة والده أبداً (5) .
ويدخل فيه كل من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه، تربية صالحة غير الأبوين، فإن له على من رباه حق التربية، ومنه الدعاء لهما بالمغفرة والرحمة (6) .
وأما الدعاء لولده المسلم :
ينبغي للوالد أن يدعو لولده بالهداية والصلاح، وأن يكثر من الدعاء ويلح على
الله سبحانه ؛ لأن الدعاء سبب عظيم في صلاح الولد وهدايته، وقد حكى الله
__________
(1) ... ينظر : أحكام القرآن ، للجصاص (3/197) . ...
(2) ... ينظر : حاشية العدوي (2/392) ، والفواكه الدواني (2/473) . ...
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب الوصايا ، باب ما يلحق الإنسان بعد موته ، برقم (1631) ، ص 963 . ...
(4) ... ينظر : فيض القدير (1/438) . ...
(5) ... أحكام القرآن ، لابن العربي (3/185) . ...
(6) ... ينظر : تيسر الكريم الرحمن ص 485 . ...(1/42)
سبحانه دعوات الأنبياء – عليهم السلام – لأبنائهم، كما في قول زكريا: ? ???????????????? ????? ????????? ? (1) . وقوله: ? ???????????? ???????????? ? (2) ، وقوله: ? ???????????? ??????????? ?????????? ???? ?????? ???? ???????????????????? ?????????????????? ??????? ?????????? ? (3) .
ولأن دعاء الوالد مستجاب ؛ لقوله × : (ثلاث دعوات مستجابات) وعد منها (دعوة الوالد لولده) (4) . ولأن دعاء الإنسان لذريته في صلاحهم، دعاء لنفسه ؛ لأن نفعه يعود عليه، بل قد يعود على عموم المسلمين ؛ لأن في صلاح الولد سبب لصلاح كثير ممن يتعلق به، وينتفع به (5) إذا ثبت هذا فالواجب على الإنسان أن يتضرع إلى خالقه في هداية ولده وزوجه بالتوفيق لهما والهداية والصلاح والعفاف والرعاية، وأن يكونا معينين له على دينه ودنياه حتى تعظم منفعته بهما في أولاه وأخراه (6) .
أما الدعاء لأخيه المسلم :
دعاء الإنسان لأخيه المسلم فيه فضل عظيم، وقد ورد في القرآن ما يدل على وجوب الاستغفار للمسلمين في قوله تعالى:? ????????????????? ??????????? ???????????????? ???????????????????? ? (7) .
__________
(1) ... سورة مريم : الآية (6) . ...
(2) ... سورة آل عمران : الآية (38) . ...
(3) ... سورة الفرقان : الآية (74) . ...
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الدعاء بظهر الغيب ، برقم (1536) ، ص 1336 ، والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما ذكر من دعوة المسافر، برقم (3448)، ص 2007، وقال: «حديث حسن»، وابن ماجه ، كتاب الدعاء باب دعوة الوالد، برقم (3862)، ص 2707 ، والبخاري في الأدب المفرد برقم (481)، وبرقم (169)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ، برقم (372) ، وبرقم
(481)، ص 181، وفي السلسلة الصحيحة ، برقم (596)، وبرقم (1797).
(5) ... تيسير الكريم الرحمن ، ص 636 . ...
(6) ... الجامع لأحكام القرآن ، (4/47) . ...
(7) ... سورة محمد : الآية (19) . ...(1/43)
وجه الدلالة: أن هذه الآية توجب استغفار الإنسان لجميع المسلمين (1) ، وتكفي المرة في وجوب الاستغفار لهم، وما زاد فمستحب (2) ، ومما يدل على فضل الدعاء للمسلمين :
1– قال تعالى:? ??????????? ?????????? ?????????? ???????? ??????????????????? ??????????? ??????????? ??????????????? ? (3) .
وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين من السابقين من الصحابة، ومن قبلهم ومن بعدهم، وهذا من فضائل الإيمان ؛ أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة في الإيمان (4) .
2 – قال تعالى عن الملائكة: ? ????????????????????? ?????????? ?????????? ?????????? ???????? ????? ?????? ????????? ????????? ???????????? ?????????? ????????? ???????????????? ????????? ? (5) دلت هذه الآية على أن الدعاء للمؤمنين، والاستغفار لهم مقام شريف، وموقف كريم عند رب العالمين (6) .
وقد كان بعض الصالحين له ورد من الدعاء كل يوم إذا فرغ من صلاته، وأخذ بحظه من أعماله ودعواته، يقوم مقام الملائكة وينتصب للدعاء للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات فيضاهي بذلك قول الملائكة – عليهم السلام – (7) .
__________
(1) ... ينظر : الجامع لأحكام القرآن (16/160) ، وتيسير الكريم الرحمن ص 864 . ...
(2) ... ينظر : حاشية العدوي (2/392) ، والفواكه الدواني (2/473) ، والفتح الرباني (14/273) .
(3) ... سورة الحشر : الآية (10) . ...
(4) ... تيسر الكريم الرحمن ص 933 . ...
(5) ... سورة غافر : الآية (7) . ...
(6) ... الدعاء المأثور ص 149 . ...
(7) ... المصدر السابق.(1/44)
والدعاء في غيبة المدعو له وفي سره أفضل ؛ لأنها أبلغ في الإخلاص، وأسرع في الاستجابة (1) . لقوله × : (ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الملك ولك بمثل) (2) . قال الطرطوشي (3) – رحمه الله – : «وهذا الحديث يفيد فائدة عظيمة ؛ لأنه إذا أستجيب لك في أخيك، لأنه غائب عنك، رجونا أن يستجاب للملك فيك ؛ لأنك غائب عنه» . ويفيد أن الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجاب، ويحصل له مثلها، حتى ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت له هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين، فالظاهر حصولها أيضاً . وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة ؛ لأنها تستجاب ويحصل له مثلها (4) .
ومن أعظم القربات وأفضل الطاعات الدعاء لولي الأمر بالصلاح والتوفيق والإعانة على الحق ونحو ذلك لأنه من النصيحة لله ولعباده، ولأن في صلاحه صلاحاً للأمة ومن أسباب توفيقه وهدايته . فالدعاء لولي الأمر من أهم النصح وأهم الدعاء وكذا الدعاء لجيوش الإسلام بالنصر والتوفيق والتمكين بالأرض مستحب بالاتفاق (5) .
__________
(1) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (11/85). والفتاوى (1/328).
(2) ... سبق تخريجه، ص 88 .
(3) ... الدعاء المأثور ، ص 70 . والطرطوشي سبقت ترجمته ص 32.
(4) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (17/49) . ...
(5) ... حكاه النووي في المجموع (4/350) ، والمرادوي في الإنصاف (2/375) ، وينظر : مغني المحتاج
(1/28) ، وحاشية الجمل (2/489) ، وشرح الزركشي (2/182) ، والاقناع (1/195) ، ومراجعات في فقه الواقع السياسي على ضوء الكتاب والسنة، ص31 ، حوار مع ابن باز –رحمه الله-.(1/45)
قال الإمام أحمد – رحمه الله – : «لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها لإمام عادل، لأن في صلاحه صلاحاً للمسلمين» (1) . أما إذا كان الإمام جائراً فالدعاء له يكون بالتوفيق والتسديد لما فيه من مصالح المسلمين لا بالنصر والتمكين وطول الحياة (2) .
وأما الدعاء للبلد :
من الدعاء المشروع الذي وردت به النصوص الدعاء للبلد بالبركة والأمان ونحو ذلك (3) .
وقد ذكر الله في كتابه العزيز دعاء إبراهيم لمكة قال تعالى: ? ??????? ?????? ???????????????? ????? ???????? ??????? ??????? ????????? ?????????? ?????????? ???? ????????????? ???? ??????? ??????? .. ? (4) .
قال × : (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة ...) (5) .
ودعا للشام واليمن فقال × : (اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا) (6) .
ويحتمل أن يريد بالبركة أن يبارك بركة دنيا وآخرة، ففي الدنيا أن يكون الطعام الذي يكتال بهذا الكيل لاختصاصه بأهل المدينة تكثر بركته، بأن يجزئ منه العدد ما لا يجزئ ما كيل بغيره، أو يبارك في التصرف به على وجه التجارة بمعنى الإرباح، أو يريد به المكيل، فيكون ذلك دعاء في كثرة ثمارهم وغلاتهم وتجاراتهم، وأما البركة الدينية فإنها بهذا الكيل يتعلق كثير من العبادات من أداء زكاة الحبوب، وزكاة الفطر والكفارات (7) .
__________
(1) ... الإنصاف ، (2/375) . ...
(2) المعيار المعرب (11/80).
(3) ... ينظر : المعونة ، (2/605) ، الذخيرة ، للقرافي ، (3/379) . ...
(4) ... سورة البقرة : الآية (126) . ...
(5) ... أخرجه البخاري ، كتاب البيوع ، باب بركة صاع النبي × ، برقم (2129) ، ص 166 ، ومسلم ، كتاب الحج ، باب فضل المدينة برقم (1360) ، ص 904 . ...
(6) ... أخرجه البخاري ، كتاب الكسوف ، باب ما قيل في الزلالزل والآيات ، برقم (1037) ، ص 81 . ...
(7) ... المنتقى ، (9/238) . ...(1/46)
وأما الدعاء لمن أحسن إليه: لا يخلو من حالتين :
الأولى : أن يكون المحسن مسلماً : نص الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه يسن شكر من فعل معروفاً ومكافأته ولو بالدعاء فيقول له : جزاك الله خيراً، أو حفظك الله ونحوهما. واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (من صُنع إليه معروفٌ، فقال لفاعله جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء) (2) إذ فيه شكر لهم على ما فعلوه معه من حيث إنه عجز عن القيام بمكافأتهم، وطلب من الله لهم الجزاء في ذلك النداء فقد أبلغ الثناء (3) .
2 – وقال × : (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه) (4) .
__________
(1) ... ينظر : الأذكار ص 312 وروضة الطالبين (10/238) وفتح الباري (1/295) وسبل السلام
(3/58) ، والفتوحات الربانية (6/59)، ومغني المحتاج (4/216).
(2) ... أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في الثناء بالمعروف ، برقم (2035) ، ص 1855 ، قال: (حسن جيد غريب) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول لمن صنع إليه معروفاً ، برقم (180) ، ص 229 ، وصححه ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (5/249) ، والألباني في صحيح الجامع ، برقم (6368) ، ص 1089 .
(3) ... الفتوحات الربانية (7/263) . ...
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الزكاة ، باب عطية من سأل بالله عز وجل ، برقم (1672) ، ص 1348 ، والحاكم في مستدركه، كتاب الزكاة، باب حكم من سأل بالله واستعاذ بالله، برقم (1542)، (2/37) ، وصححه ، والبيهقي في سننه ، كتاب الزكاة ، باب عطية من سأل بالله (4/334) ، برقم (7890) ، والبخاري في الأدب المفرد ، باب من صنع إليه معروف ، برقم (215) ، ص 55 ، وصححه النووي في الأذكار ، ص 392 ، والألباني في الأدب المفرد ، ص 98 ، برقم (157).(1/47)
3 – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي × دخل الخلاء فوضعت له وضوءاً، قال : من وضع هذا ؟ فأخبر، فقال : (اللهم فقه في الدين) (1) .
وجه الدلالة : فيه استحباب المكافأة بالدعاء، ومناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور : إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على الباب ليتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئاً، فرأي الثاني أوفق ؛ لأن في الأول تعرضاً للإطلاع، والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء، والثاني أسهلها، ففعله يدل على ذكائه، فناسب أن يدعى له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع (2) .
4 – في حديث عروة البارقي (3) – رضي الله عنه – أن النبي × أعطاه ديناراً ليشتري به أضحية، أو شاة، فاشترى به شاتين، فباع أحدهما بدينار، فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه) (4) .
وجه الدلالة : في دعائه × له بالبركة دليل على أن شكر الصنيع لمن فعل المعروف، ومكافأته مستحبة ولو بالدعاء (5) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء، برقم (143)، ص15، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبدالله بن عباس، برقم 2477، ص1113 . ...
(2) ... فتح الباري (1/295) . ...
(3) ... هو عروة بن الجعد ، ويقال ابن أبي الجعد ، ويقال : اسم أبيه عياض البارقي ، بالموحدة والقاف ، صحابي سكن الكوفة وهو أول قاص بها، ... حدث عن : الرسول × عدة أحاديث، ... وحدث عنه: العيزار بن حريث، وعامر الشعبي، وشبيب بن غرقدة .
... ينظر في ترجمته : أسد الغابة (4/30)، وتاريخ بغداد (1/193) وتقريب التهذيب (2/22) .
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب المناقب ، برقم (3642) ، ص 296 .
(5) ... سبل السلام (3/58) .(1/48)
5 – عن أنس رضي الله عنه، قال: قال المهاجرون : يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله، ما رأينا قوماً أحسن بذلاً لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة، قال : (أليس تثنون عليهم به، وتدعون الله لهم ؟ قالوا : بلى، قال : فذاك بذاك) (1) .
لكن ينبغي لمن فعل خيراً أن يفعله ابتغاء وجه الله تعالى ولا يطلب الجزاء من مخلوق حتى ولو كان دعاء لقوله تعالى عمن أثنى عليهم: ? ?????????? ????????????? ???????? ?????? ??? ???????? ??????? ????????? ????? ???????? ??? ? (2) وقد تبين مما سبق أن الدعاء جزاء .
قال ابن تيمية – رحمه الله – (3) : «فمن عمل خيراً مع المخلوقين سواء كان المخلوق نبياً أو رجلاً صالحاً، أو ملكاً من الملوك، أو غنياً من الأغنياء، فهذا العامل للخير مأمور بأن يفعل ذلك خالصاً لله يبتغي به وجه الله، لا يطلب به من المخلوق جزاء ولا دعاء ولا غيره، لا من نبي ولا من رجل صالح» .
الحالة الثانية : أن يكون المحسن كافراً :
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب شكر المعروف برقم (4812) ، والترمذي في سننه ، كتاب الرقائق باب ثناء المهاجرين على صنيع الأنصار معهم، برقم (2487) ، ص 1902 ، وقال : (حديث حسن صحيح) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (181) ، باب ما يقول لمن صنع إليه معروفاً ، ص 229 .
(2) ... سورة الإنسان، آية 9 .
(3) ... الفتاوى (1/181) . ...(1/49)
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه يحرم الدعاء له بالمغفرة وما أشبهها (2) مما لا يقال للكفار، لكن يجوز أن يدعى له بالهداية، وصحة البدن والعافية، وشبه ذلك، واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ??? ????? ??????????? ????????????? ???????????? ???? ?????????????????? ??????????????? ?????? ?????????? ????????? ?????????? ???? ???????? ??? ?????????? ?????? ??????????? ??????????? ??????????? ? (3) .
2 – دعا النبي × لبعض قبائل العرب المشركين بالهداية، فقال × : (اللهم اهد دوساً وائت بهم) (4) .
3 – ودعا النبي × ليهودي لما سقاه الماء، (جملك الله) فما رأى الشيب حتى
مات (5) .
__________
(1) ... حكاه النووي في الأذكار ص357، وينظر: أحكام القرآن للجصاص (3/197) ، وحاشية ابن عابدين (1/562) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي، (3/185) ، والفواكه الدواني (2/473) ، وحاشية العدوي (2/392) ، والجامع لأحكام القرآن (10/160) ، والفروق ، للقرافي (4/265) ، وشأن الدعاء ، ص 15 ، والأذكار ، ص 357 ، والفتاوى (1/130) ، وبدائع الفوائد (3/14) . ...
(2) ... من الرحمة أو دخول الجنة أو رضوان الله ونحو ذلك، ينظر: الفتوحات 6/262 . ...
(3) ... سورة التوبة : الآية (113) . ...
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء للمشركين ، برقم (6397) ، ص 537 . ...
(5) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، برقم (289) ، ص 143 ، وفي إسناده سلمة بن وردان ، وهو ضعيف ، قاله ابن حجر في التقريب (1/308) وبشر بن الوليد قال عنه الذهبي في الميزان (1/327): (شاخ واستولى عليه الهرم ، وفي آخر أمره يقال : إنه وقف في القرآن ، فأمسك أصحاب الحديث وتركوه لذلك ، وقال السليماني : منكر الحديث ، وسئل عنه أبو داود أثقة هو ؟ قال : لا) . ...(1/50)
أما من أهدى هدية ودعي له، فيستحب أن يرد عليه الدعاء (1) ، كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : (أهديت لرسول الله × شاة، قال : اقسميها، فكانت عائشة – رضي الله عنها – إذا رجعت الخادم، تقول ما قالوا ؟ تقول الخادم : قالوا : بارك الله فيكم، فتقول عائشة – رضي الله عنها – وفيهم بارك الله، نرد عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرنا لنا) (2) .
أي نرد عليهم دعاءهم مثل ابتدائهم بالدعاء إلينا ؛ ليكون الدعاء منا، مقابل الدعاء لنا، ويبقى لنا أجر ما لنا (3) .
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : لو لقيت رجلاً، فقال : بارك الله فيك، لقلت : وفيك (4) .
وهل يشرع الدعاء للمحسن وغيره بطول العمر ؟
اختلف الفقهاء – رحمهم الله تعالى – في حكم الدعاء بلفظ أطال الله عمرك، أو أطال الله بقاءك، أو لا أماتك الله أبداً ونحو ذلك على خمسة أقوال:
القول الأول : يحرم الدعاء بطول العمر . وهذا قول بعض المالكية (5) .
واستدلوا : بأنه قد دلت العادة على استحالة ذلك، فطالب ذلك مسيء الأدب على الله تعالى (6) .
__________
(1) ... ينظر : الأذكار مع الفتوحات (6/229) ، والكلم الطيب في الأذكار المأثور الواردة ، لابن تيمية
ص 143، والوابل الصيب ص 279 . ...
(2) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، برقم (278) ، ص 138 ، قال محققه : (حسن)، وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول لمن أهدى له ، برقم (303) ، وحسنه محققه أيضاً . ...
(3) ... الفتوحات الربانية ، (6/229) . ...
(4) ... أورده ابن تيمية في الفتاوى (1/181) ، وابن مفلح في الآداب الشرعية (1/404) ، ولم أقف عليه . ...
(5) ... ينظر : الفروق (4/269) . ...
(6) ... المصدر السابق . ...(1/51)
القول الثاني : يكره الدعاء بطول العمر. وهذا قول بعض الحنفية (1) ، وظاهر مذهب المالكية (2) ، والأشهر عند الشافعية (3) ، ومذهب الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أم حبيبة – رضي الله عنها – أنها قالت : اللهم أمتعني بزوجي رسول الله × وبأبي سفيان، وبأخي معاوية، قال : فقال النبي × : (لقد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، ولن يعجل الله شيئاً منها قبل حله، أو يؤخر شيئاً عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل) (5) .
2 – ولعدم وروده إنما هو شيء محدث، أول من أحدثته الزنادقة (6) .
3 – ولأن العمر قد فرغ منه (7) ، ولذلك ورد عن الإمام أحمد – رحمه الله – أنه إذا دعي له بالبقاء يكرهه، ويقول : «هذا شيء قد فرغ منه» (8) .
القول الثالث : أنه إذا كان الدعاء بذلك لأهل الدين والعلم وولاة العدل قربة، ولغيرهم مكروه بل حرام . وهذا قول بعض الشافعية (9) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/34) . ...
(2) ... ينظر : مواهب الجليل (2/199) ، ونقل عن النحاس الاتفاق على كراهة مثل هذا الدعاء . ...
(3) ... ينظر : الأذكار ص 363 ، والفتوحات الربانية (7/121) ، وروضة الطالبين (11/114) ونقل عن النحاس الاتفاق على الكراهة . ...
(4) ... ينظر : زاد المعاد (2/473) ، والآداب الشرعية (1/409) . ...
(5) ... أخرجه مسلم ، كتاب العلم ، باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها ، لا تزيد ولا تنقص ... ، برقم
(2663) ، ص 1142 . ...
(6) ... ينظر : المجموع (4/423) ، والأذكار مع الفتوحات (7/123) ، والآداب الشرعية (1/410) . ...
(7) ... الآداب الشرعية (1/412) . ...
(8) ... المصدر السابق (1/409) . ...
(9) ... ينظر : مغني المحتاج (4/217) ، والفتوحات (7/123) ، ونسباه إلى الأذرعي . ...(1/52)
قال أحد السلف: «من دعا لفاسق بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى» (1) ، ومحبة معصية الله تعالى محرمة، فدل ذلك على أن الدعاء بالمحرم محرم (2) أما لو دعا بهذا اللفظ ذمي فلا يمنع من تعظيم المسلم بها (3) .
القول الرابع : يجوز أن يقول مد الله في عمرك وطول في حياتك ولا يجوز أن يقال: لا أماتك الله أبداً . وهذا قول بعض المالكية (4) .
واستدلوا بما يلي :
أن الله أمر بالعمل مع انطواء العاقبة، وهكذا أمر الرسول × بالدعاء مع انطواء العاقبة، فادعوا فكل ميسر لما سبق في علمه (5) .
القول الخامس : يجوز الدعاء بطول العمر والأولى أن يقيده بنحو أطال الله بقاءك في طاعته ونحو ذلك . وهذا قول بعض الحنفية (6) والشافعية (7) والحنابلة (8) واختاره بعض المحققين (9) .
واستدلوا بما يلي :
1 – دعاء النبي × لخادمه أنس – رضي الله عنه – قال : (اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته، واغفر له) .
__________
(1) ... أورده السخاوي في المقاصد الحسنة ص 412 وقال : (ذكره الزمخشري في تفسير هود ، والغزالي في موضعين من الأحياء ، ولم نره في المرفوع ، لكن هو في السادس من الشعب للبيهقي ، وفي الصمت لابن أبي الدنيا من قول الحسن البصري ، وكذا عزاه الغزالي إلى نفسه في موضع ثالث من الاحياء وأخرجه أبو نعيم في ترجمة الثوري من الحلية من قول الثوري) . ...
(2) ... ينظر : الفروق (4/296) . ...
(3) ... ينظر : روضة الطالبين (10/233) . ...
(4) ... ينظر : الدعاء المأثور ص 131 . ...
(5) ... المصدر السابق . ...
(6) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/34) ، وعمدة القاري (22/297) . ...
(7) ... ينظر : فتح الباري (11/149) . ...
(8) ... ينظر : الآداب الشرعية (1/409 – 414) . ...
(9) ... كابن عثيمين ، والشيخ بكر أبو زيد ، والألباني ، وينظر : معجم المناهي اللفظية ، ص 601 ، والسلسة الصحيحة (5/288) . ...(1/53)
قال أنس – رضي الله عنه - : «فدعا لي بثلاث فدفنت مائة وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة» (1) .
2 – وقال × لأبي اليسر (2) : (اللهم أمتعنا به) فكان من آخر أصحاب رسول الله × هلاكاً، فكان إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم يقول أمتعوا بي لعمري كنت آخرهم (3) ، مات سنة 55هـ وكان من آخر من مات من أهل بدر (4) .
3 – قال × لأم قيس (5)
__________
(1) ... أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، برقم (669) ، ص 142 ، وصححه الألباني في الأدب المفرد ،
ص 244، برقم (508) ، والسلسلة الصحيحة ، برقم (2241) .
(2) ... هو كعب بن عمرو بن عباد أبو اليَسَر الأنصاري السَلَمي ، مشهور باسمه وكنيته شهد العقبة وبدراً وأسر يومئذ العباس بن عبد المطلب وشهد بعد ذلك المشاهد كلها مع رسول الله × ومناقبه كثيرة. حدث عنه : صيفي ، وموسى بن طلحة ، حنظله بن قيس وغيرهم . توفي بالمدينة سنة (55هـ) ، وزاد بعضهم أنه من آخر من مات من أهل بدر .
... ينظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء (2/537) ، وتهذيب التهذيب (8/381) ، وأسد الغابة
(4/510) .
(3) ... أخرجه أحمد في مسنده ، ينظر الفتح الرباني : كتاب الفضائل ، باب ما جاء في أبي اليسر (22/416) وأورده الهيثمي في المجمع (9/316) ، وقال : (رواه أحمد عن بعض رجال بني سلمة عنه ، وبقية رجالاً ثقات). ...
(4) ... ينظر : الفتح الرباني (22/416) . ...
(5) ... هي أم قيس بنت محصن الأسدية أخت عكاشة ، صحابية مشهورة لها أحاديث ، أسلمت بمكة قديماً وهاجرت إلى المدينة ، قيل : اسمها آمنة . ... حدثت عن : النبي × ، ... وحدث عنها : مولاها عدي بن دينار ، ومولاها أبو الحسن ، ووابصة المعبدي .
... ينظر في ترجمتها : تهذيب التهذيب (12/424) ، وتقريب التهذيب (2/535) ، والإصابة في تمييز الصحابة (8/269) . ...(1/54)
– رضي الله عنها - : (ما قالت طال عمرها) ولا نعلم امرأة عمرت ما عمرت (1) .
4 – عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي × كان يقول : (اللهم أمتعني بسمعي وبصري) (2) .
5 – وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال قلما كان رسول الله × يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الكلمات : (اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا) (3) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، برقم (669) ، ص 142 ، والطبراني ، كتاب الدعاء ، باب ما جاء في قول أخيه أطال الله عمرك ، برقم (1974) ، ص 549 ، في إسناده أبو الحسن مولى أم قيس ، قال الحافظ فيه: (جهله ابن القطان) ، ينظر : التهذيب (2/74) .
... وأخرجه النسائي في سننه ، كتاب الجنائز ، باب غسل الميت بالحميم ، برقم (1883) ، ص 2211 ، وضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد ، برقم (102) ، ص 64 . ...
(2) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، برقم (734) ، ص 340 ، وفي إسناده هشام بن زياد قال عنه ابن حجر في التقريب (2/324) : (متروك) . ... وأخرجه الترمذي ، كتاب الدعوات ، باب دعاء اللهم متعني بسمعي ، برقم (3604) ، ص 2023 ، وحسنه ، والبخاري في الأدب المفرد ، برقم (282) ، ص 141 ، وصححه الألباني في الأدب المفرد ص 243 . ...
(3) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعوات ، باب دعاء اللهم اقسم لنا ... ، برقم (3502) ، ص 2012 ، وقال حسن غريب ، والحاكم في مستدركه ، باب الدعاء الجامع الذي يختم به المجلس ، برقم (1977) ، (2/214)، وصححه ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا جلس في مجلس ، برقم
(401) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يدعو به الرجل لجلسائه ، برقم (446) ، قال الشوكاني في التحفة ص 300 : (في إسناده عبد الله بن زحر ، وقد ضعفوه بما يقتضي أن لا يكون حديثه صحيحاً بل غاية رتبة هذا الحديث أن يكون حسناً ، كما قال الترمذي ، فقد قال أبو زرعة أنه صدوق ، وقال النسائي : (لا بأس به) ، وقال البغوي في شرح السنة (5/174): (حسن غريب) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/300) . ...(1/55)
وجه الدلالة: أن قوله : (واجعله الوارث منا) أي اجعل هذه الحواس ؛ السمع والبصر والقوة باقية إلى الموت، وهي آخر ما نفقده، أو اجعل تمتعنا بها باقياً فيمن بعدنا، أو أن معنى وارثته دوامه إلى يوم الحاجة إليه بمعنى يوم القيامة، والأول أوجه ؛ لأن الوارث إنما يكون باقياً في الدنيا (1) .
فالحديث دل على جواز الدعاء بالبقاء ؛ لأن من التمتع بتلك الحواس أن يمد الله
– عز وجل – في عمر الإنسان .
6 – ولأنه لا فرق بين الدعاء بطول العمر، وبين الدعاء بالسعادة، ونحوها، إذ الكل مقدر (2) .
وعليه، فيجوز الدعاء بطول العمر إلا أنه لا يأتي بذلك مطلقاً ؛ لأن طول العمر قد يكون في الشر، فإن شر الناس من طال عمره وساء عمله، ولكن يضمنه بشيء آخر، فيكتب أطال الله بقاءك في طاعته، وسلامته، وكفايته ... ونحو ذلك (3) ، كما ينبغي لكل من دعا بشيء له تعلق بالدنيا أن يضم إلى دعائه طلب البركة فيه، والصيانة (4) .
كما ورد في دعائه × : (اللهم فالق الإصباح، وجاعل الليل سكناً، والشمس والقمر حسباناً، أقض عني الدين، وأغنني من الفقر، وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك) (5) . فقيد طلب التمتع بهذه الحواس للجهاد في سبيل الله والقيام بسائر أعمال البر من تبليغ الرسالة وغيرها (6) .
وأجابوا على أدلة القائلين بالمنع :
1 - أما القول بالتحريم فلا وجه، وفعل النبي × يرده .
__________
(1) ... ينظر : تحفة الأحوذي (9/334) ، وتحفة الذاكرين ص 301 .
(2) ... ينظر : السلسلة الصحيحة (5/288) .
(3) ... ينظر : الآداب الشرعية (1/412) .
(4) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (16/40) . ...
(5) ... أخرجه مالك في الموطأ بلاغاً ، باب ما جاء في الدعاء ، برقم (495)، ص 142 ، وهو حديث مرسل ، ينظر : شرح الزرقاني (2/46) . ...
(6) ... ينظر : المنتقى (2/430) . ...(1/56)
2 - وأما حديث أم حبيبة – رضي الله عنها – فليس في الحديث نص على النهي عن الدعاء بطول العمر ؛ لأن النبي × لم يمنعها من الدعاء بذلك، بل أقرها عليه، ولكن أرشدها لما هو خير، لقوله في آخر الحديث (لكان خيراً وأفضل) فإن اسم التفضيل يدل على المشاركة والزيادة فأصل الخيرية والفضل ثابت لما دعت به ثم إنه لا يختلف طلب الرزق والولد عن طلب طول العمر إذ الكل مقدر، والمنع منه سيفتح باب ترك الدعاء في كل أمر مقدور مفروغ منه (1) .
3 - وأما قولكم أن العمر قد فرغ منه، فالجواب عنه : أن الدعاء معلق بما فيه الصلاح بمشيئة الله عز وجل (2) ، أو أن المراد الدعاء بالبركة في عمره (3) .
4 - وأما ما ورد عن الإمام أحمد أنه كان يكره الدعاء بطول العمر، يعارضه أن الإمام أحمد قد ورد عنه الدعاء للمتوكل بطول البقاء، قال في رسالته له : «وأني أسأل الله عز وجل أن يطيل بقاء أمير المؤمنين وأن يثيبه، وأن يمده منه بمعونة إنه على كل شيء قدير» (4) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول بجواز الدعاء بطول العمر وذلك لقوة أدلتهم وصراحتها ولضعف أدلة المخالفين بما ورد عليها من مناقشة .
وأما الدعاء للمحسن وغيره بلفظ جعلني الله فداك (5) أو فداك أبي وأمي .
فقد اختلف الفقهاء فيها على قولين :
__________
(1) ... ينظر : كيف تطيل عمرك الإنتاجي ؟، محمد بن إبراهيم النعيمي ، ص 30 – 32 ، والسلسلة الصحيحة (5/288) ، والدعاء منزلته من العقيدة (1/354) . ...
(2) ... ينظر : الآداب الشرعية (1/412) . ...
(3) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/34) . ...
(4) ... رواه عنه ابنه في كتاب السنة (1/140) برقم (108) ، وذكره الذهبي في السير (11/287) ،
|وقال بعد أن نقل هذه الرسالة : (رواة هذه الرسالة عن أحمد أئمة أثبات أشهد بالله أنه أملاها على ولده) .
(5) ... أي يقيك الله المكاره ، ينظر شرح صحيح مسلم (1/194) .(1/57)
القول الأول : لا يكره قول الإنسان لغيره فداك وأمي أو جعلني الله فداك .
وهذا قول الحنفية (1) ، والصحيح من مذهب الشافعية (2) .
واستدلوا بما يلي :
أن النصوص قد تظاهرت على جواز ذلك فمنها :
1 – عن علي – رضي الله عنه – قال : (ما سمعت رسول الله × يفدي أحداً غير سعد، سمعته يقول : إرم فداك أبي وأمي، أظنه يوم أحد) (3) .
2 – عن أنس – رضي الله عنه – أنه أقبل هو وأبو طلحة مع النبي × ومع النبي × صفية مردفها على راحلته، فلما كانوا ببعض الطريق عثرت الناقة، فصرع النبي × والمرأة، وأن أبا طلحة - قال : أحسب - اقتحم عن بعيره، فأتى رسول الله × فقال: «يا نبي الله جعلني الله فداك، هل أصابك من شيء ؟ قال : لا، ولكن عليك بالمرأة ...الحديث» (4) .
3 – عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : قال النبي × «يا أبا ذر، فقلت : لبيك وسعديك يا رسول الله، وأنا فداؤك» (5) .
وجه الدلالة: في هذه الأحاديث دليل على جواز قول ذلك، فللمرء أن يقول جعلني الله فداك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم، ولمن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك، بل يثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه، ولو كان ذلك محظوراً لنهي النبي × قائل ذلك، ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره (6) .
__________
(1) ... ينظر : عمدة القاري (22/205) .
(2) ... ينظر: شرح صحيح مسلم (1/196) ، والأذكار مع الفتوحات (7/123)، وفتح الباري (10/585)، ومغني المحتاج (4/216).
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الأدب ، باب قول الرجل : فداك أبي وأمي ، برقم (6184) ، ص 521 .
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الأدب ، باب قول الرجل : جعلني الله فداك ، برقم (6185) ، ص 521 . ...
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب قول الرجل : جعلني الله فداك ، برقم (5226) ، ص 1605 ، وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/416) : (إسناده جيد) . ...
(6) ... فتح الباري (10/585) ، وينظر : عون المعبود ، (14/93) . ...(1/58)
4 – وعن أبي سعيد – رضي الله عنه – (أن وفد عبد القيس أتوا النبي × فقالوا : يا نبي الله جعلنا الله فداك ماذا يصلح لنا من الأشربة؟) (1) .
5 – وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله × (ليس أحد يحاسب
إلا هلك، قلت : يا رسول الله جعلني الله فداك أو ليس يقول الله عز وجل:
? ?????????? ???? ???????? ???????????? ???????????? ??? ?????????? ????????? ????????? ???????? ??? ? (2)
فقال : ذاك العرض فمن نوقش الحساب هلك) (3) .
6 – وعن بريدة – رضي الله عنه – قال : خرج النبي × إلى المسجد – وأبو موسى يقرأ – فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا بريدة جعلت فداك قال : (قد أعطي هذا مزماراً من مزامير آل داود) (4) .
7 – ولأنه ليس بفداء حقيقة، وإنما هو بر وإعلام بمحبته ومنزلته عنده (5) .
قال النووي (6) : «وقد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى» .
القول الثاني : يكره أن يقال جعلني الله فداك ولا بأس أن يقول فداك أبي وأمي.
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب الأمر بالإيمان ، برقم (18) ، ص 684 . ...
(2) ... سورة الانشقاق، الآيتان (7، 8).
(3) ... متفق عليه ، البخاري ، كتاب التفسير ، باب فسوق يحاسب حساباً يسيراً ، برقم (4939) ، ص 426 .
... مسلم ، كتاب الفتن ، باب إثبات الحساب ، برقم (2876) ، ص 1176 . ...
(4) ... أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، باب قول الرجل : (فداك أبي وأمي) ، برقم (827) ، ص 174 ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ، برقم (618) ، ص 300 ، وأورده الهيثمي في المجمع
(9/358) وعزاه إلى أحمد وقال: (وفي الصحيح منه .. ، ورجال أحمد رجال الصحيح).
(5) ... ينظر : الآداب الشرعية (1/416) ، والفتوحات الربانية (7/123) . ...
(6) ... الأذكار مع الفتوحات (7/123) . ...(1/59)
وهو قول مالك بن أنس (1) ، ورواية عن أحمد (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن الحسن قال : (دخل الزبير على النبي × وهو شاك، فقال: كيف تجدك جعلني الله فداك ؟ قال : ما تركت أعرابيتك بعد) (3) .
2 – وإنما فدى النبي × سعداً بأبويه؛ لأنهما كانا مشركين، فأما المسلم فلا يجوز (4) .
3 – ولأنه لا يلزم من تسويغ قول ذلك للنبي × أن يسوغ لغيره ؛ لأن نفسه أعز من أنفس القائلين وآبائهم ولو كانوا مسلمين (5) .
أجاب القائلون بالجواز على أدلة المانعين :
1 - أما استدلالكم بحديث : (دخل الزبير على النبي × وهو شاك...) .
فالجواب عنه : أنه لا حجة في ذلك على المنع ؛ لأنه لا يقاوم تلك الأحاديث في الصحة، وعلى تقدير ثبوت ذلك فليس فيه صريح المنع، بل فيه إشارة إلى أنه ترك الأولى في القول للمريض إما بالتأنيس والملاطفة وإما بالدعاء والتوجع (6) .
2 - وأما قولكم : «إنما فدى النبي × سعداً بأبويه ...» . فالجواب عنه :
أن قول أبي طلحة كان بعد أن أسلم، وكذا أبو ذر، وقول أبي بكر كان بعد أن أسلم أبواه (7) .
ثم إن مثل هذا لا يحتاج إليه ؛ لأن التفدية نقلت بالعرف عن وضعها الأول وصارت علامة على الرضى والمحبة، وكأنه قال : افعل كذا مغبوطاً مرضياً عنك (8) .
3 - أما قولكم : «أنه خاص بالنبي × » . فالجواب عنه :
__________
(1) ... ينظر : الآداب الشرعية (1/415) . ...
(2) ... ينظر : بدائع الفوائد (4/122) ، والآداب الشرعية (1/416) . ...
(3) ... أورده ابن حجر في الفتح (10/585) ، وقال : (رواه مبارك بن فضالة عن الحسن) ، وأشار إلى ضعفه.
(4) ... ينظر : عمدة القاري (22/205) ، وبدائع الفوائد (3/212) . ...
(5) ... فتح الباري (10/585) . ...
(6) ... المصدر السابق.
(7) ... فتح الباري (10/585) ، وينظر : عمدة القاري (22/205) .
(8) ... ينظر : بدائع الفوائد (3/212) . ...(1/60)
أن الأصل عدم الخصوصية، ثم إنه لو كان محظوراً لنهي النبي × قائل ذلك، ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره (1) .
الترجيح :
القول الراجح – والله أعلم – هو القول بمشروعية الدعاء بلفظ جعلني الله فداك، وفداك أبي وأمي ونحو ذلك، وذلك لصحة الأخبار وكثرتها عن المختار، فإنها كادت تجاوز الحصر (2) . ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
3 – أما دعاء الإنسان لنفسه ولغيره بضمير الجمع :
يشرع للإنسان أن يدعو لنفسه ولغيره بضمير الجمع (3) ، كما في دعاء القنوت جماعة ودعاء الخطيب ومن في حكمه، وإذا دعا الإمام جهراً في الصلاة فيكره له أن يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين (4) ، لحديث : (ولا يؤم قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم) (5) . لأنهم يعتمدون على دعائه ويؤمنون جميعاً إذا دعا اعتماداً على عمومه فكيف يخص بذلك الدعاء نفسه (6) .
4 – أما دعاء الإنسان لنفسه ولغيره بضمير المفرد :
__________
(1) ... فتح الباري (10/585) . ...
(2) ... ينظر : معجم المناهي اللفظية ص 622 – 623 . ...
(3) ... ينظر : مغني المحتاج (1/168) ، والأذكار ص 68 ، والفتاوى (23/118) ، والشرح الممتع (1/514) .
(4) ... ينظر : الأذكار ص 67 ، والفروع (1/400) ، والإقناع (1/126) . ...
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الطهارة ، باب أيصلي الرجل وهو حاقن ، برقم (90) ، ص 1229 ، والترمذي ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام ... ، برقم (357) ، ص 1676 ، وحسنه ، وابن ماجه ، كتاب إقامة الصلوات ، باب ولا يخص نفسه بالدعاء ، برقم (923) ،
ص 2531 ، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (2/165) ، وقال ابن مفلح في الفروع (1/400) : (إسناده جيد)، وحسنه المباركفوي في التحفة (2/287) وقال محقق الفروع : (إسناده ضعيف ، وهو حسن لغيره احتمالاً) . ...
(6) ... حاشية السندي على سنن ابن ماجة (1/496) . ...(1/61)
نص الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أن الداعي إذا دعا لنفسه ولغيره فهو مخير إن شاء بدأ بنفسه وإن شاء بدأ بالمدعو له .
واستدلوا بما يلي :
وردت نصوص من الكتاب والسنة تارة يبدأ الداعي فيها بنفسه، وتارة يبدأ فيها بالمدعو له، فمن ذلك :
1 – قال تعالى حكاية عن إبراهيم – عليه السلام – : ? ?????????? ????????? ??? ?????????????? ???????????????? ??????? ???????? ??????????? ???? ? (2) .
2 – وقال تعالى حكاية عن نوح – عليه السلام – : ? ?????? ?????????? ??? ?????????????? ??????? ?????? ????????? ??????????? ???????????????? ??????????????????? ? (3) .
3 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال × : «يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد» (4) .
4 – وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت سمع النبي × رجلاً يقرأ في المسجد، فقال : (رحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها في سورة كذا وكذا) (5) .
وأما حديث أبي بن كعب : (كان إذا ذكر أحداً من الأنبياء بدأ بنفسه) (6) .
__________
(1) ... ينظر : الفروع (1/405) وتصحيحه للمرداوي (1/405) ، وفتح الباري (11/141) ، وعمدة القاري (22/295) ، وسلاح المؤمن ص 149 . ...
(2) ... سورة إبراهيم : الآية (41) . ...
(3) ... سورة نوح : الآية (28) . ...
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، برقم (3375) ، ص 274 . ...
(5) ... أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب قوله (وصل عليهم) ومن خص نفسه بالدعاء، برقم (6335)، ص 533 .
(6) ... أخرجه مسلم ، كتاب الفضائل ، باب من فضائل الخضر ، برقم (2380) ، ص 1096 . ...(1/62)
لم يطرد فقد ثبت أنه دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه، كما في حديث أبي هريرة السابق : (يرحم الله لوطاً..) ودعا لغير الأنبياء فلم يبدأ بنفسه (1) كما في حديث ابن عباس: (اللهم فقهه في الدين) وغير ذلك، فدل على أن الداعي مخير بين أن يبدأ بنفسه أو بالمدعو له، والله أعلم .
المطلب التاسع : أنواع الدعاء باعتبار المدعو عليه :
المدعو عليه لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى : أن يكون المدعو عليه ظالماً :
فإن كان كافراً : اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله – على مشروعية الدعاء على الكفار إذا اشتدت شوكتهم وكثر أذاهم للمسلمين ولم يرج إسلامهم .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن الله سبحانه وتعالى أخبر في مواضع كثيرة معلومة من القرآن عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم بدعائهم على الكفار كقوله تعالى عن نوح: ? ?????? ??? ??????? ????? ??????????? ???? ??????????????? ?????????? ???? ? (3) .
وقوله تعالى عن موسى: ? ?????????? ???????? ??????? ?????????????? ??????????? ?????? ?????????????? ?????? ???????????? ??????? ????????? ??????????? ??????????? ? (4) .
2 – عن علي – رضي الله عنه – أن النبي × قال يوم الأحزاب : (ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى) (5) .
__________
(1) ... فتح الباري ، (11/141) . ...
(2) ... حكاه النووي في الأذكار ص 300 ، والقرطبي في المفهم كما في الفتوحات (6/206) ، وينظر : عمدة القاري (23/20) ، وأحكام القرآن ، للجصاص (2/291) ، والمدونة (1/102) ، الذخيرة
(2/144) ، وتفسير القرآن العظيم (1/540) ، وفتح الباري (2/572) ، والآداب الشرعية
(1/263) .
(3) ... سورة نوح : الآية (26) . ...
(4) ... سورة يونس : الآية (88) . ...
(5) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء على المشركين ، برقم (6396) ، ص 537 ، ومسلم، كتاب المساجد ، باب الدليل لمن قال : الصلاة الوسطى... ، برقم (627) ، ص 775 . ...(1/63)
3 – وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – في حديثه الطويل في قصة أبي جهل وأصحابه من قريش حين وضعوا سلا الجزور على ظهر النبي × فدعا عليهم، وكان إذا دعا، دعا ثلاثاً ثم قال : (اللهم عليك بقريش ثلاثاً، ثم قال : اللهم عليك بأبي جهل ...) (1) .
4 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله × كان يدعو : (اللهم اشدد وطأتك على مضر ؛ اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) (2) .
وجه الدلالة : دعا عليهم بالقحط، لما فيه من نفع الفريقين بإضعاف عدو المؤمنين، ورقة قلوبهم ليذلوا للمؤمنين (3) . ففيه مشروعية الدعاء على المشركين .
5 - وعن عائشة – رضي الله عنها – أن اليهود أتوا النبي × فقالوا: السام عليكم، قال : وعليكم، فقالت عائشة: السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال رسول الله × : مهلاً يا عائشة !، عليك بالرفق، وإياك والعنف، أو الفحش، قال: أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال: أو لم تسمعي ما قلت ؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في) (4) .
وجه الدلالة : فيه مشروعية الدعاء على المشركين، ولو خشي الداعي أنهم يدعون عليه (5) .
وليس في الدعاء على الكفار حد معين، بل يدعو عليهم بما شاء، قال ابن العربي – رحمه الله – (6) :
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب إذا ألقى على ظهر المصلي قذر أو جيفة ...، برقم (240) ، ص 22 .
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب يهوى بالتبكير حين يسجد برقم (803) ، ص 63 ، ومسلم ، كتاب الجهاد ، باب ما لقي النبي × من أذى المشركين ، برقم (1794) ، ص 997 .
(3) ... فتح الباري (2/572) . ...
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، (باب يستجاب لنا في اليهود ، ولا يستجاب لهم فينا) ، برقم
(6401)، ص 538 . ...
(5) ... الفتح (6/125) . ...
(6) ... أحكام القرآن (1/645) ، وينظر الجامع لأحكام القرآن (6/2) .
... وابن العربي سبقت ترجمته ص 97 .(1/64)
«فأما إذا كان كافراً فأرسل لسانك، وادع بالهلكة وبكل دعاء، كما فعل النبي × في التصريح على الكفار بالدعاء، وتعيينهم وتسميتهم» .
أما إذا كان يرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام، فينهى عن الدعاء عليهم (1) ؛ لأن النبي × دعا للمشركين في مواضع كثيرة، فمن ذلك :
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : (قيل لرسول الله × : إن دوساً قد عصت وأبت، فادع الله عليها، فظن الناس أنه يدعو عليهم، فقال : اللهم اهد دوساً، وآت بهم) (2) .
وجه الدلالة : يتبين من الأحاديث السابقة أن النبي × كان تارة يدعو على المشركين، وتارة يدعو لهم ؛ فالحالة الأولى : حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم، والحالة الثانية : حيث نؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم (3) .
2 – ودعا النبي × لبعض قبائل العرب فقال : «أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها ...» (4) .
وهذا يحتمل أن يكون دعاء أو إخبار، إما دعاء لها أن يسالمها ولا يأمر بحربها، أو أخبر أن الله قد سالمها ومنع حربها، وقوله : «غفار غفر الله لها» يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة، أو إخبار أن الله قد غفر لها (5) .
أما إن كان الظالم مسلماً: فلا يخلو من حالين:
الأولى : أن يكون ظالماً للمسلمين ومجاهراً بظلمه :
__________
(1) ... فتح الباري (11/199) . ...
(2) ... سبق تخريجه، ص 109.
(3) ... فتح الباري (6/126) . ...
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب دعاء النبي × اجعلها سنين ...، برقم (1006)، ص 79 ، ومسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت عند النازلة برقم (308) ،ص 784 .
(5) ... النهاية في غريب الحديث والأثر (2/394) ، ولسان العرب (12/293) . ...(1/65)
نص الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه يستحب الدعاء عليه جهراً، ولم يكن له عرض محترم، ولا بدن محترم، ولا مال محترم، وهكذا كل ظالم متمرد عم ظلمه أو كثر، أو تكرر، أو فحش، أو أمات حقاً أو سنة، أو أعان على باطل، ليندفع أذاه عن الناس، ويظهر الدعاء عليه ؛ لأن من الظلمة من إذا علم بالمسامحة والعفو زاد على طغيانه، ولا يردعه إلا إظهار الدعاء عليه (2) ، ليندفع أذاه عن الناس (3) .
والدعاء على من ظلم المسلمين لا يذهب أجر الداعي ؛ لأنه لم يدع لحظ نفسه (4) .
لعموم قوله تعالى: ? ?????????? ??????????? ????? ?????????? ????????????? ????????? ????????????? ? ??????????? ?????????? ?????????? ???????????????? ?????? ??????? ???????? ???? ? (5) .
يقول تبارك وتعالى : إنما الطريق لكم أيها الناس الذين يتعدون على الناس ظلماً وعدواناً، بأن يعاقبهم بظلمهم لا على من انتصر ممن ظلمه، فأخذ منه حقه (6) .
الثانية : أن يكون ظالماً للمسلم ولم يجاهر بظلمه :
__________
(1) ... ينظر : أحكام القرآن ، للجصاص (2/291) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي (1/645) ، والجامع لأحكام القرآن (6/4) ، والفتوحات الربانية (5/138) ، والآداب الشرعية (1/264) ، والأزهية في أحكام الأدعية 157 . ...
(2) ... الفروق (4/291) . ...
(3) ... الفتوحات (6/201) . ...
(4) ... المصدر السابق (5/138) . ...
(5) ... سورة الشورى : الآية (42) . ...
(6) ... جامع البيان (11/157) ، والجامع لأحكام القرآن (16/28) . ...(1/66)
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه يباح للمظلوم أن يدعو على من ظلمه، والأفضل أن يعفو ويصفح، وأفضل منه أن يترحم على ظالمه ويدعو له بأن يهديه الله، بل يستحب الاستغفار له والدعاء له بالتوبة. واستدلوا بما يلي:
1 – قال تعالى: ? ???? ??????? ?????? ?????????? ??????????? ???? ?????????? ??????? ??? ???????? ? (2) .
وجه الدلالة: قال ابن عباس: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوماً فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له (3) .
2 – عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : (سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه، فقال لها رسول الله × : لا تسبِّخي (4) عنه) (5) .
وجه الدلالة :
أن النبي × لم يمنعها من الدعاء وإنما أرشدها إلى الأفضل وهو ترك الدعاء عليه حتى لا تخفف عليه إثم السرقة أو العقوبة بدعائها عليه (6) .
__________
(1) ... ينظر : أحكام القرآن ، للجصاص (2/291) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي (1/645) ، والجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي (6/4) ، والفروق (4/291) ، وتفسير القرآن العظيم (1/540) ، والفتوحات الربانية (6/201) ، والآداب الشرعية (1/264) . ...
(2) ... سورة النساء : الآية (148) . ...
(3) ... تفسير القرآن العظيم (1/540) ، ينظر : أحكام القرآن ، لابن العربي (1/645) ، والجامع لأحكام القرآن ، (6/3) . ...
(4) ... لا تسبِّخي قال الخطابي في معالم السنن (1/255) : (منه سبائخ القطن ، وهي القطع المتطايرة عند الندف) والمعنى : لا تخففي عنه بدعائك .
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الدعاء ، برقم (1497) ، ص 1334 ، وقال في عون المعبود
(3/255) : (والحديث سكت عنه المنذري) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (6220) ، ص 898 . ...
(6) ... ينظر : عون المعبود (13/174) ، ومعالم السنن (1/255) . ...(1/67)
3 – قال تعالى: ? ???????? ??????? ????????? ?????? ??????? ?????? ??????? ??????????? ???? ? (1) .
وجه الدلالة: أن من صبر على إساءة من أساء إليه، وغفر للمسيء إليه جرمه إليه، فلم ينتصر منه بدعاء ولا غيره، وهو على الانتصار منه قادر ابتغاء وجه الله وجزيل ثوابه، فصبره وغفرانه من الأمور التي ندب إليها عباده، وعزم عليهم العمل به (2) .
فإن زاد في الإحسان على ذلك بأن دعا له بالإصلاح والخروج عن الظلم، فقد أحسن إلى نفسه بمثوبة العفو وتحصيل مكارم الأخلاق، وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته، وإلى الناس بالتسبب إلى كفايتهم شره، فهذه ثلاث أنواع من الإحسان لا ينبغي أن تفوت اللبيب (3) .
4 – وقال × : (من دعا على من ظلمه فقد انتصر منه) (4) .
وجه الدلالة :
قوله «انتصر منه» أي انتقم منه، أي أخذ من عرض الظالم فنقص من إثمه ثواب المظلوم بحسبه، وهذا إخبار بأن من انتصر ولو بلسانه فقد استوفى حقه فلا إثم عليه ولا أجر له، فالحديث تعريض بكراهة الانتصار، وندب العفو بجعل أجره على الله، وفيه شفقته على جميع أمته مظلومهم وظالمهم فأما المظلوم لئلا يحرم الأجر، وأما الظالم خوف أن يدعو عليه المظلوم فيجاب (5) . فالعفو عمن ظلمه الإنسان وترك الدعاء عليه، أولى اكتفاء بنصر الله .
__________
(1) ... سورة الشورى : الآية (43) . ...
(2) ... تأويل البيان (11/157) ، والجامع لأحكام القرآن (16/30) . ...
(3) ... الفروق (4/291) . ...
(4) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعوات ، باب من دعا على من ظلمه فقد انتصر ، برقم (3552) ،
ص 2017 ... وقال : (حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي حمزة ، وقد تكلم فيه من قبل حفظه) أ . هـ بمعناه ، ورمز السيوطي في جامعه مع الفيض (6/126) بضعفه، وضعفه الألباني في الضعيفة ، برقم (4593).
(5) ... فيض القدير (6/126) ، وينظر : تحفة الأحوذي (9/378) . ...(1/68)
وإذا أحب أن يدعو على من ظلمه يكون دعاؤه سراً إلا إذا كان مجاهراً بظلمه دعا عليه جهراً، ولم يكن له عرض محترم ولا بدن محترم، ولا مال محترم، وإن أحب أن يعفو عنه ويسامحه لا يظهر له ذلك ؛ لأن من الظلمة من إذا علم بالمسامحة والعفو زاد طغيانة، ولا يردعه إلا إظهار الدعاء عليه، فليكن العفو عنه بينك وبين الله ولا تظهر له ذلك (1) .
وحيث قيل بجواز الدعاء على الظالم المسلم فهل يطلق لسانه ويدعو عليه بكل سوء أو يقتصد في ذلك ؟ نص الفقهاء (2) – رحمهم الله – على أنه لما أذن الله في الدعاء على الظالم أذن بقدر مظلمته، وبحسب ما ظلم به، وإلا كان معتدياً .
واستدلوا بما يلي :
1– قال تعالى: ? ??????? ??????????? ?????????? ??????????????? ????????? ???????? ??? ???????????
??????????? ? (3) .
فيدعو عليه بالنوع الذي ظلم به فقط؛ إذ لا يجوز الدعاء على ظالمه بغير ذلك (4) .
قالوا : وصفة دعائه على الظالم أن يقول : اللهم أعني عليه، اللهم استخرج حقي منه، اللهم خل بيني وبينه ونحو ذلك (5) .
__________
(1) ... ينظر : الفروق (4/291) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي (1/645) ، والأزهية ، ص 163 .
(2) ... ينظر : أحكام القرآن، لابن العربي (1/645) ، الفروق (4/294) ، الجامع لأحكام القرآن
(6/4) ، والأزهية ، ص 159 – 161 ، والفتوحات الربانية (5/138) ، وتفسير القرآن العظيم
(1/540) .
(3) ... سورة البقرة : الآية (194) ...
(4) ... الفتوحات (5/138) . ...
(5) ... أحكام القرآن ، لابن العربي (1/645) ، والجامع لأحكام القرآن (6/4) ، وتفسير القرآن العظيم ،
(1/540) . ...(1/69)
ولا تدعو عليه بملامسة معصية من معاصي الله ولا بالكفر، ولا تدعو عليه بمؤلمة لم تقتضيها جنايته عليك ؛ بأن يجني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها، فهذا حرام عليك، لأنك جان عليه بالمقدار الزائد (1) . ولو دعا مسلم على مسلم فقال : اللهم اسلبه الإيمان عصى بذلك (2) أما ما ورد عن سعد بن أبي وقاص في دعائه على من افترى عليه بأنه : «لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد : أما والله لأدعون بثلاث : اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن ...» (3) .
فظاهره أنه دعا عليه بما يستلزم النقص في دينه .
فالجواب عنه : أن سعد – رضي الله عنه – أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا، فانتصر لنفسه وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة، ولم يعتد –رضي الله عنه – في دعائه ؛ لأنه لما نفى عنه الفضائل الثلاث وهي الشجاعة والمال والدين قابلها بمثلها، فطول العمر يتعلق بالنفس، وطول الفقر يتعلق بالمال، والوقوع في الفتن يتعلق بالدين، ومن أعجب العجب أن سعداً مع كون هذا الرجل واجهه بهذا وأغضبه حتى دعا عليه في حال غضبه راعى العدل والإنصاف في الدعاء عليه ؛ إذ علقه بشرط أن يكون كاذباً وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي .
أما الدعاء عليه بالتعرض للفتن فليس هو من طلب وقوع المعصية، لكن من حيث إنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته ومن هذا القبيل مشروعية طلب الشهادة، وإن كانت تستلزم ظهور الكافر على المسلم (4) .
الحالة الثانية : أن يكون المدعو عليه مظلوماً :
__________
(1) ... الفروق (4/294) ، والأزهية ، ص 159 . ...
(2) ... الأذكار ، ص 352 ، والفتوحات ، (7/79) . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب وجوب القراءة للإمام المأموم ، برقم (755) ، ص 60 . ...
(4) ... ينظر : فتح الباري (2/282) ، والفتوحات الربانية (5/138) . ...(1/70)
أما دعاء الظالم على المظلوم سواء كان مسلماً أو كافراً، فظلم واعتداء، ولا يستجاب له في الجملة، لقوله × دخل عليه اليهود فقالوا : السام عليك، قال : وعليكم ..الحديث وفيه «يستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في» (1) . لأنا ندعو عليهم بالحق، وهم يدعون علينا بالظلم، ويستفاد منه أن الداعي إذا كان ظالماً على من دعا عليه لا يستجاب دعاؤه، و يؤيده (2) قوله تعالى: ? ????? ???????? ??????????????? ??????? ? ???????? ? (3) . لكن لا يعني ذلك عدم استجابة دعاء الظالم في المظلوم مطلقاً، فقد يستجاب دعاءه لا بسبب حق الظالم ؛ لأنه لا حق له، بل بسبب ذنوب تقدمت من المظلوم وعصيانه لله، ويجعل الله تعالى دعاء الظالم سبباً للانتقام من هذا المدعو عليه بذنوبه السالفة، كما ينفذ فيه سهم العدو والكافر وسيف القاتل له ظلماً إما مؤاخذة له بذنوبه أو رفعاً لدرجاته، مع
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (123) . ...
(2) ... الفتح (11/203) ، وينظر : عمدة القاري (23/22) . ...
(3) ... سورة الرعد : الآية (14) . ...(1/71)
|أن صاحب السيف والسهم ظالم، فكذلك صاحب الدعاء الظالم بدعائه ينفذ الله دعاءه كسيفه ورمحه، ولذلك يسلط الله عليه السباع والهوام للانتقام، وإن لم يصدر منه في حقها ما يوجب ذلك، ويعاقب هذا الداعي أيضاً على دعائه بغير حق، والكل عدل من الله تعالى، بل لو جوزنا خلو هذا المدعو عليه من الذنوب مطلقاً وطهارته من جميع العيوب لجوزنا استجابة هذا الدعاء ليجعله الله سبباً لرفع الدرجات، وإظهاراً صبر العبد ورضاه فيحصل له الجزيل من الثواب (1) . مما يدل على هذا المعنى قوله × : (إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها) (2) .
وهذا فيه تأثير الدعاء في غير الظالم إن كان أهلاً للدعاء عليه (3) .
أما الدعاء على أهل المعاصي : اتفق الفقهاء (4) على جواز الدعاء عليهم أو لعنهم من غير تعيين.
واستدلوا بما يلي:
تظاهرت النصوص الشرعية بالدعاء على من خالف الحكم الشرعي، فمن ذلك :
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله × : (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) (5) .
__________
(1) ... ينظر : الفروق (1/144) ، (4/291 – 292) . ...
(2) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب في اللعن ، برقم (4905) ، ص 1583 ، قال في عون المعبود
(13/172) : (سكت عنه المنذري). وحسنه الألباني في الصحيحة (1269) . ...
(3) ... الأزهية ص 157 . ...
(4) ... حكاه العراقي ، كما في الفتوحات الربانية (6/206) ، وينظر : الأذكار ص 347 . ...
(5) ... متفق عليه، أخرجه البخاري ، كتاب الحدود ، باب قول الله تعالى: ? ??????????????? ?????????????????? ??????????????? .. ?، رقم (6799) ، ص 567 ، ومسلم ، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، برقم (1687)، ص 976.(1/72)
2 – وعنه أن النبي × قال : (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الأخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً) (1) .
3 – وعنه أن النبي × قال : (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة) (2) .
4 – وعنه – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله × : (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت : فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح) (3) .
5 – ومنه أن رجلاً أكل عند رسول الله × بشماله فقال : (كل بيمينك) قال: لا أستطيع، قال : (لا استطعت) ما منعه إلا الكبر، قال : فما رفعها إلى فيه) (4) .
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: فيها جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر (5) .
6 – ولأن مخالفة الأحكام الشرعية معصية تبيح الدعاء عليه عقوبة على مخالفته، وزجراً عن ارتكاب المنهي عنه .
أما الدعاء على العاصي بعينه، فلا ينبغي، والأولى أن يدعى لكل حي بالهداية (6) ، لما وقع له × يوم أحد لما شجوا رأسه وكسروا رباعيته، فقال الصحابة – رضي الله
__________
(1) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب مثل البخيل والمتصدق، برقم (1443)، ص 113 ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب الترغيب في الصدقة ، برقم (1010) ، ص 837 . ...
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد ، باب الحراسة في الغزو ، برقم (2886) ، ص 232 . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب النكاح ، باب (إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها) ، برقم (5193) ، ومسلم ، كتاب النكاح ، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها ، برقم (1436) ، ص 919 . ...
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب الأشربة ، باب آداب الطعام والشراب ، برقم (2022) ، ص 1039 . ...
(5) ... شرح صحيح مسلم (13/192) ، وينظر : الفتوحات الربانية (5/213) . ...
(6) ... ينظر : الفتح (1/420) ، والأذكار ص 348 ، والفتوحات الربانية (6/201) . ...(1/73)
عنهم – : (يا رسول الله ادع عليهم) فقال : (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) (1) .
والمراد بقوله : (اغفر لهم) أي اهدهم للإسلام الذي تصح معه المغفرة، أو المعنى اغفر لهم إن أسلموا (2) ، فإذا كان هذا مع المشركين، فالعصاة من باب أولى .
أما ما ورد عنه × من ألفاظ ظاهرها الدعاء على المخالف :
كقوله × : (فاظفر بذات الدين تربت يداك) (3) . وقوله × : (ثكلتك أمك يا معاذ .... هل يكب ..) (4) . وقوله × لمعاوية : (لا أشبع الله بطنك) (5) .
__________
(1) ... أخرجه بنحوه مسلم ، كتاب الجهاد ، باب غزوة أحد ، برقم (1792) ، ص 997 . ...
(2) ... الفتح (11/199) . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب النكاح ، باب الاكفاء في الدين ، برقم (5090) ، ص 440 . ...
(4) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في حرمة الصلاة ، برقم (2616) ، ص 1915 ، وقال : حسن صحيح ، وابن ماجه كتاب الفتن ، باب كف اللسان في الفتن ، برقم (3973) ، ص 2715 ، وقد أعله ابن رجب في جامع العلوم (2/96) بثلاث علل هي : (أنه لم يثبت سماع أبي وائل عن معاذ وإن كان قد أدركه بالسن كان معاذ بالشام وأبو وائل بالكوفة ، والثاني : قد رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجو ، وعن شهر بن حوشب ، الثالث : رواية شهر عن معاذ مرسلة يقيناً ، وشهر مختلف في توثيقه وتضعيفه، ثم قال : وله طرق أخرى عن معاذ كلها ضعيفة) أ . هـ باختصار .
(5) ... أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة والأدب ، باب من لعنه النبي × أو سبه أو دعا عليه ، برقم
(6614) ، ص 1132 . ...(1/74)
وقوله × لإحدى نسائه : (عَقْرَي حَلْقَي) (1) بمعنى عقرها الله، وأصابها وجع في حلقها (2) . وهكذا ما ورد عن أصحابه كقول عائشة – رضي الله عنها – «أرغم الله أنفك، ما أنت تفعل، وما تركت رسول الله × من العناء» (3) .
وقول عمر – رضي الله عنه - : «أفتاركهم أنا لا أبا لك» (4) . وغيرها كثير ..
فالجواب عنها من وجوه :
1 – أن هذه ألفاظ غلب استعمالها في العرف في غير الدعاء، حتى انتسخ منه حكم الدعاء ؛ بحيث لا ينصرف بعد ذلك إلى الدعاء لا بالقصد والنية، فإذا استعمله مستعمل في غير الدعاء، فقد استعمله فيما هو موضوع له عرفاً ولا حرج (5) ، وقد جرت عادة العرب بإطلاق هذه اللفظة في موضع الشماتة بمن يقال له (6) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الحج ، باب الأدِّلاج من المُحَصَّب ، برقم (1771) ، ص 138 . ...
(2) ... غريب الحديث ، للقاسم بن سلام ، (2/94) ، وقال هي عندي : (عقراً حلقاً) . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة مؤته بالشام ، برقم (4263) ، ص 349 . ...
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد ، باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ، برقم (3058) ، ص 246.
(5) ... ينظر : الفروق (4/304) ، وغريب الحديث (2/94) ، وشرح صحيح مسلم (16/152) ، وتكلمة المجموع ، للمطيعي (15/14) ، وشرح الزرقاني (4/555) ، وعمدة القاري (22/190) .
(6) ... فتح الباري (7/588) ، وقال أبو عبيد في غريب الحديث (2/94): (هذا القول أعجب إلي ، وأشبه بكلام العرب) . ...(1/75)
2 – أن ذلك وقع منه × لباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه × في أحاديث كثيرة متواترة (1) ، منها حديث أنس – رضي الله عنه – قال : كانت عند أم سليم يتيمة، وهي أم أنس، فرأى رسول الله × اليتيمة، فقال : آنت هيه ؟ لقد كبرت لا كبر سنك (2) ، فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم ما لك يا بنية ؟ قالت الجارية : دعا علي نبي الله × أن لا يكبر سني أبداً، أو قالت: قرني، فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث (3) خمارها، حتى لقيت رسول الله × ، فقال لها رسول الله × : ما لك يا أم سليم ؟ فقالت : يا نبي الله ! أدعوت على يتيمتي ؟ قال : وما ذاك يا أم سليم ؟ قالت : زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها، قال : فضحك رسول الله × ، ثم قال: (يا أم سليم أما تعلمين أن شرطي على ربي، أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتى بدعوة ليس لها بأهل ؛ أن يجعلها له طهوراً وزكاة وقربة يقربه بها مني يوم القيامة) (4) .
قال النووي – رحمه الله – (5) : «وإنما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلاً للدعاء عليه والسب واللعن، ونحوه وكان مسلماً وإلا فقد دعا × على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك لهم رحمة».
__________
(1) ... السلسلة الصحيحة (1/165) . ...
(2) ... قال القاضي : معناه لا يطول عمرك، ينظر: شرح صحيح مسلم (16/155) . ...
(3) ... أي تديره على رأسها، ينظر: شرح صحيح مسلم (16/155) . ...
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب قول النبي × ، برقم (6361) ، ص 535 ، ومسلم ، كتاب الأدب والبر والصلة ، باب من لعنه النبي × أو سبه أو دعا له ، برقم (2603) ، ص 1132 ، واللفظ له.
(5) ... شرح صحيح مسلم ، (16/152) .(1/76)
3 – أن هذه الألفاظ وإن كانت لا تقصد حقيقتها، خاف × أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل ربه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهوراً وأجراً، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان، ولم يكن × فاحشاً ولا متفحشاً ولا لعاناً ولا منتقماً (1) .
4 – أو أن في هذه الألفاظ شرط مقدر أي وقع ذلك لك إن لم تفعل (2) .
5 – وقيل هي كلمة تستعمل في المدح عند المبالغة كما قالوا للشاعر قاتله الله إذا أجاد (3) .
******
__________
(1) ... المصدر السابق.
(2) ... تكلمة المجموع (15/14) . ...
(3) ... عمدة القاري (22/190) . ...(1/77)
المبحث الخامس: أركان الدعاء
للدعاء المشروع خمسة أركان لو تخلف ركن منها بطل الدعاء ولم يصح وهي :
1 – الداعي . 2 – المدعو . 3 – المدعو به . 4 – المدعو فيه . 5 – المدعو له أو عليه (1) .
فأما الداعي : فكل من توجه إلى الله سبحانه استجيب له سواء كان مسلماً أو كافراً؛ إذ لا يشترط في صحة الدعاء الإسلام .
وأما المدعو : فلا يكون الدعاء شرعياً مثاباً عليه ؛ إلا إذا توجه به إلى الله سبحانه، أما إذا توجه به إلى مخلوق بطل ووقع صاحبه في الشرك الأكبر المخرج عن الملة .
وأما المدعو به : فهو اللفظ المبدوء بأداة من أدوات الطلب كقوله : يا رب، يا رحمن، ربنا، اللهم، ونحو ذلك، سواء أنشأه من قبل نفسه أو أخذه عن الشرع أو دعا به أحد السلف، وأفضلها ما تلقاه عن الشارع ؛ لأنه أقرب للإجابة وأبعد عن الخطأ والاعتداء.
وأما المدعو فيه : فهو محل الدعاء الذي قيده الشارع به سواء كان زمانياً أو مكانياً .
وأما المدعو له أو عليه : فهو الدعاء بخير إذا تعدى باللام أو بشر إذا تعدى بعلى .
وقد سبق بيانه بالتفصيل .
******
__________
(1) ... ينظر : عارضة الأحوذي (12/192) . ...(1/1)
المبحث السادس: شروط الدعاء
كل ما عده العلماء من الشروط هو في الحقيقة آداباً وليست شروطاً (1) ، وإنما ذكروها وقدموها للإشعار بأنها أهم من غيرها . وهذه الشروط منها ما هو مختص بالداعي، ومنها ما هو مختص بالمدعو به .
أولاً : الشروط المختصة بالداعي :
1 – التوحيد (2) :
من شرط الداعي أن يكون عالماً بأن لا قادر على حاجته إلا الله، وأن الوسائط في قبضته، ومسخرة بتسخيره (3) . وأن يكون موحداً لله في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته ممتلئاً قلبه بالتوحيد وشجرة الإيمان (4) ، قال تعالى: ? ???????? ?????????????? ??????? ?????? ?????????? ???? ?????? ???????? ???? ? (5) .
فمن كان غير موحد تبعد إجابته إلا أن يكون مضطراً أو مظلوماً، أو يمكن أن يستجاب له استدراجاً (6) .
لقوله تعالى: ? ????? ???????? ??????????????? ??????? ? ???????? ? (7) .
__________
(1) ... وذلك لأمور :
1) ... أنه لا ينطبق عليها حد الشرط المصطلح عليه ، وهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ؛ لأن عدم هذه الشروط لا يلزم منه بطلان الدعاء .
2) ... أن إجابة الدعاء من مقتضى ربوبية الله تعالى لجميع خلقه ، لمؤمنهم وكافرهم وفاسقهم .
3) ... أن العلماء لم يتفقوا على تسميتها شروطاً بل سماها بعضهم آداباً وسنناً وبعضهم سماها أركاناً .
ينظر في ذلك : الدعاء ومنزلته من العقيدة (1/164 – 169) .
(2) ... عده من الشروط : القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2/207) ، والزبيدي في إتحاف السادة ،
(5/45) .
(3) ... الجامع لأحكام القرآن (2/207) . ...
(4) ... تصحيح الدعاء ، ص 22 . ...
(5) ... سورة الجن : الآية (18) . ...
(6) ... ينظر : الفروع (1/406) ، وحاشية ابن عابدين (2/200) ، والاختيارات الفقهية من كلام شيخ الإسلام ص 57 . ...
(7) ... سورة الرعد : الآية (14) . ...(1/1)
ولأن الكافر لا يدعو الله لأنه لا يعرفه ؛ ولأنه وإن أقربه تعالى فلما وصفه بما لا يليق به فقد نقض إقراره (1) .
وأما قوله تعالى عن إبليس: ? ?????? ?????????????? ??????? ?????? ?????????????? ???? ?????? ???????? ???? ??????????????? ???? ? (2) . هذا السؤال من إبليس لم يكن عن ثقة منه بمنزلته عند الله تعالى، وأنه أهل أن يجاب له دعاء، ولكن سأل تأخير عذابه زيادة في بلائه، كفعل الآيس من
السلامة (3) ، وهذا يفيد أنه دعا الله مضطراً فلذلك استجاب له .
2 – الإخلاص لله تعالى (4) :
وهو من أعظم الشروط وأهمها في إجابة الدعاء ؛ لأن الإخلاص هو الذي تدور عليه دوائر الإجابة (5) . لقوله تعالى: ? ????????? ????????? ? ?????????? ???????? ?????? ??????????? ????? ????????? ? (6) .
وجه الدلالة: دلت الآية على أن الإجابة مشترطة بالإخلاص، فمن دعا الله غير مخلص فهو حقيق بأن لا يجاب، إلا أن يتفضل الله عليه، وهو ذو الفضل العظيم (7) .
__________
(1) ... حاشية ابن عابدين (2/200) ، وينظر : الفتاوى الهندية (5/319) . ...
(2) ... سورة الحجر : الآيتان (36 ، 37) . ...
(3) ... الجامع لأحكام القرآن (9/19) . ...
(4) ... عده من الشروط جمع من الفقهاء منهم : الطرطوشي في الدعاء المأثور ص 49 ، والخطابي في شأن الدعاء ص 13 ، والزبيدي في إتحاف السادة (5/45) ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن
(7/223) ، وابن مفلح في الفروع (1/406) ، وابن تيمية في الفتاوى (15/23) والبهوتي في شرح منتهى الإرادات (1/195) ، وعده ابن حجر من أعظم الآداب كما في الفتح (11/98) .
(5) ... تحفة الذاكرين ص 35 . ...
(6) ... سورة العنكبوت، آية 65 .
(7) ... ينظر : فتح الباري (11/98) ، وتحفة الذاكرين ، ص 34 . ...(1/2)
قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : «إن الله لا يقبل من مسمع ولا مراء ولا لاعب، ولا داع، إلا داعياً دعاء ثبتاً من قلبه» (1) . فمن دعا الله رياء أو سمعه حقيق ألا يستجاب له؛ لأن الرياء مفسد للعبادة ومبطل لها.
3 – أن يكون مطمعه حلالاً (2) :
ينبغي أن يبتعد عن الحرام والشبهة في طعامه وشرابه ولباسه ومركوبه وغير ذلك مما معه (3) ، ومما يدل على اعتباره ما يلي :
أ – قال تعالى: ? ????????? ????????? ?????????? ??????????? ??????????? ???????????? ????????????? ? (4) .
ب – قال × : (أيها الناس ؛ إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ? ???????????????? ?????????? ???????? ???? ????????????????? ?????????????? ?????????? ???????? ????? ????????????? ??????? ???? ? (5) .
وقال تعالى: ? ????????????????? ??????????? ??????????? ???????? ??? ???????????? ??? ??????????????? ? (6) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، باب الناخلة من الدعاء ، برقم (621) ، ص 133 ، وابن أبي شيبة في مصنفه (10/237) وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد ، ص 227 ، (إسناده صحيح) . ...
(2) ... عده من الشروط أكثر الفقهاء ، منهم : الطرطوشي في الدعاء المأثور ، ص 57 ، والجامع لأحكام القرآن (2/208) ، والنووي في الأذكار ص 388 ، والزركشي في الأزهية ، ص 70 ، وابن مفلح في الفروع (1/406) ، واليافعي في نبذه من الدعاء وآدابه ، ص 148 ، والرحيباني في مطالب أولي النهي شرح غاية المنتهى (1/473) ، وعده ابن الجزري من آكد الآداب في عدة الحصن الحصين مع تحفة الذاكرين ص 34 .
(3) ... المجموع (8/108) . ...
(4) ... سورة فاطر : الآية (10) . ...
(5) ... سورة المؤمنون : الآية (51) . ...
(6) ... سورة البقرة : الآية (172) . ...(1/3)
ثم ذكر الرجل أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب ! يا رب ! ومطمعه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) (1) .
وجه الدلالة : فيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك ينبغي أن يكون حلالاً خالصاً لا شبهة فيه، وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره (2) .
ووجه تخصيص المسافر بالذكر مع أنه ورد أن دعوته مستجابة ؛ أنه إذا كانت ملابسة المسافر للحرام مانعة لقبول دعوته فغيره بفحوى الخطاب أولى (3) . وذكر الدعاء في الحديث مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام (4) . ويدخل في ذلك أيضاً حفظ الجوارح عن الحرام، ولهذا قيل :
شرائط الدعاء أربع : حفظ القلب عند الوحدة، وحفظ اللسان مع الخلق، وحفظ العين عن النظر إلى ما لا يحل، وحفظ البطن عن الحرام .
فمن دعا الله وهو متلبس بالحرام تبعد إجابته إلا أن يكون مضطراً، أو مظلوماً (5) . لقوله × في الحديث السابق : (أنى يستجاب له)، فهو استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد، وليس صريحاً في استحالة الاستجابة، ومنعها بالكلية، وفضل الله واسع (6) .
4 – حضور القلب حال الدعاء (7) :
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ، برقم (1015) ،
ص 837.
(2) ... شرح صحيح مسلم (7/100) . ...
(3) ... تحفة الذاكرين ص 35 . ...
(4) ... جامع العلوم والحكم (1/204) . ...
(5) ... ينظر : الفروع (1/406) . ...
(6) ... جامع العلوم والحكم (1/216) . ...
(7) ... عده من الشروط : القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2/208) ، والخطابي في شأن الدعاء ،
ص 13 ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (5/116) حيث قال : (وقد يكون شرطاً لوجود الصحة)، والمناوي في فيض القدير (3/541) ، وابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/208) جعله من أعظم شرائط الدعاء ، وعده من الآداب كثير منهم : النووي في الأذكار ص 388 ، وابن القيم في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص 10 ، وابن عابدين في حاشيته (2/530) ، وابن مفلح في الفروع (1/403) ، والطرطوشي في الدعاء المأثور ص 47 ، وغيرهم كثير . ...(1/4)
من شرط الداعي أن يدعو بنية صادقة، وحضور قلب، حضوراً كلياً مقروناً بصدق التوجه إلى الله تعالى، ومظهراً افتقاره ومسكنته لله تعالى، ومتفهماً لما يقوله خاشعاً منكسراً بين يدي الله تعالى (1) . قال النووي (2) – رحمه الله – : «واعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب – كما سبق بيانه – والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، والعلم به أوضح من أن يذكر ...» .
ومما يدل على اعتباره ما يلي :
أ – قال تعالى: ? ?????????? ????????? ?????????????? ? ????????????? ????????????????? ????????? ??????????? ? (3) .
وجه الدلالة : أن الله مدح الأنبياء – عليهم السلام – أنهم يسألون الله تعالى وهم راغبون لا غافلون، ولا مدلون، ويدعونه خاضعين متذللين متضرعين، وهذا لكمال معرفتهم بربهم (4) .
ب – وقال × : (ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ...) (5) .
__________
(1) ... ينظر : الجامع لأحكام القرآن (2/208) ، وحاشية ابن عابدين (2/530) . ...
(2) ... الأذكار ص 391 . ...
(3) ... سورة الأنبياء : الآية (90) . ...
(4) ... ينظر : تيسير الكريم الرحمن ص 569 . ...
(5) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعوات ، (باب أدعوا الله وأنتم ...) ، برقم (3479) ، ص 2010 ، وقال : (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) والحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء ، باب لا يقبل الله من قلب غافل لاه ، (2/164) ، وقال: (الحديث مستقيم الإسناد ، تفرد به صالح المري ، وهو أحد زهاد أهل البصرة) . وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الأدعية ، (باب ادعوا الله وأنتم ...) ،
(10/148) ، وعزاه إلى أحمد ، وقال : (حسن) ، وضعفه النووي في الأذكار ص 392 ، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة ، برقم (594) ، (2/141) . ...(1/5)
ج – ولأن الدعاء بمجرد اللسان من قلب غافل لا يفيد (1) ، لأن ضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء تضعف قوة الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً، يخرج منه خروجاً ضعيفاً (2) .
5 – ألا يمل من الدعاء ويستعجل الإجابة (3) :
من شروط الداعي ألا يضجر من تأخير الإجابة، ويترك الدعاء، فيحرم الإجابة، ومما يدل على اعتباره ما يلي :
أ – قال × : (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي) (4) .
وجه الدلالة : أن قوله : (قد دعوت) أي مرة بعد أخرى يعنى مرات كثيرة أو طلبت شيئاً، وطلبت آخر فلم يستجب لي، وهو إما استبطاء أو إظهار يأس، وكلاهما مذموم (5) .
ب - ولأن الدعاء عبادة واستكانة، والاستعجال ينافيها (6) .
__________
(1) ... حاشية ابن عابدين (2/530) . ...
(2) ... ينظر : الجواب الكافي ، ص 8 . ...
(3) ... عده من الشروط جمع كثير من الفقهاء منهم : العيني في عمدة القاري (7/201) ، والقرطبي في
الجامع لاحكام القرآن (2/208) ، والزرقاني في شرحه على الموطأ (2/49) ، والحليمي في المنهاج
(1/522)، وابن حجر في الفتح (11/98) ، وابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/326) ، ومرعي الكرمي في غاية المنتهى وتابعه الرحيباني في مطالب أولى النهى (1/473) .
... وعده من الآداب : ابن العربي في القبس (2/15) ، والطرطوشي في الدعاء المأثو ص 49 ، والنووي في المجموع (8/108)، وابن مفلح في الفروع (1/403) ، والحجاوي في الإقناع (1/126)، وغيرهم.
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل ، برقم (6340) ، ص 533 ، ومسلم كتاب الدعاء والذكر ، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل ، برقم (2735) ص 1152 . ...
(5) ... عون المعبود (4/250) . ...
(6) ... الفتوحات الربانية (7/267) . ...(1/6)
ج – ولأن الاستعجال من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه، وهو بمنزلة من بذر بذراً، أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله (1) .
فعلى الداعي أن يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة لما فيه من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار (2) . ولا يدعوه ضجراً مستعجلاً يضمر أنه إذا استجيب له في الوقت الذي يريده، وإلا يدع الدعاء، بل يدعوه مفتقراً خاشعاً يضمر أنه لا يزال يدعو ويتضرع إلى أن يجاب، وكلما زادت الإجابة عنه تراخياً أدى الدعاء تتابعاً (3) . أما سؤال العبد ربه أن يعجل له الإجابة، فليس من الاستعجال المنهي عنه (4) .
6 – ألا يشغله الدعاء عن فريضة لله تعالى حاضرة فيفوتها (5) :
وذلك كأن يشتغل بالدعاء عن صلاة حاضرة كصلاة الفجر، أو الظهر أو غيرها، أو أن يترك القيام بحق الضيف إذا زاره، ويشتغل بالدعاء، أو أن يدع خدمة الوالدين إذا احتاجا إليه ؛ بحجة اشتغاله بالدعاء (6) .
ومما يدل على اعتباره ما يلي :
أ – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال : (كان جريج يتعبد في صومعته، فجاءت أمه تدعوه، فقالت : ياجريج إني أمك فكلمني، قال : اللهم أمي وصلاتي، فاختار صلاته، فقالت : اللهم إن هذا جريج وهو ابني، وإني كلمته فأبى أن يكلمني، اللهم فلا تمته حتى تريه وجوه المومسات ...) (7) الحديث .
__________
(1) ... الجواب الكافي ص 10 . ...
(2) ... فتح الباري (11/145) . ...
(3) ... ينظر : المنهاج (1/522) . ...
(4) ... ينظر : تحفة الذاكرين ص 39 . ...
(5) ... عده من الشروط الحليمي في المنهاج (1/529) . ...
(6) ... الدعاء مفهومه ، وأحكامه ، أخطاء تقع فيه ، للحمد ، ص 34 . ...
(7) ... أخرجه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله تعالى : (واذكر في الكتاب مريم ...) برقم
(3436)، ص 281، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تقديم الوالدين على التطوع ، برقم (2550)، ص 1125 واللفظ له . ...(1/7)
وجه الدلالة : قال النووي (1) – رحمه الله - : «قال العلماء : هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها ؛ لأنه كان في صلاة نفل، والاستمرار فيها تطوع لا واجب، وإجابة الأم وبرها واجب، وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود إلى صلاته».
فإذا كان هذا في الصلاة ؛ فالدعاء من باب أولى، فلا ينبغي الاشتغال به عن طاعة الوالدين .
ب – ولأنه إذا اشتغل بالدعاء عن فريضة حاضرة صار عاصياً فلم يستحق أن يعطيه الله ما سأله، ويمنع عنه مراده (2) .
ثانياً : أما الشروط المختصة بالمدعو به :
1 – ألا يعتدي في دعائه (3) : مما يدل على اعتباره شرطاً لصحة الدعاء ما يلي :
أ – قال تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ????????? ??? ??????? ?????????????????? ? (4) .
فأخبر سبحانه أنه لا يحب المعتدين فكيف يستجيب لهم ؟
ب – قال × : (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) (5) .
فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في الرحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم (6) . ويدخل في الإثم الدعاء على سبيل الاختبار، فليس للعبد أن يختبر الرب ؛ لأن الطاعة له لازمة أساء أو أحسن إليه، ولأن الاختبار ليس باستنجاح، وإنما الدعاء طلب واستنجاح فما خلا عنهما فليس بدعاء (7) .
__________
(1) ... شرح صحيح مسلم (16/82) . ...
(2) ... المنهاج (1/529) . ...
(3) ... عده من الشروط القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2/208) ، والحليمي في المنهاج (1/524)، والزركشي في الأزهية (ص 58) ، وابن حجر في الفتح (11/98) ، والعيني في عمدة القاري
(7/201) ، والزرقاني في شرحه (2/49) .
... وقد سبق بيان معنى الاعتداء وصوره في المبحث السابق مما يغني عن إعادته هنا . ...
(4) ... سورة الأعراف : الآية (55) . ...
(5) ... سبق تخريجه ، ص (70) . ...
(6) ... الجامع لأحكام القرآن (2/208) . ...
(7) ... ينظر : المنهاج في شعب الإيمان (1/529) . ...(1/8)
2 – أن يكون المدعو به سليماً من اللحن (1) :
فمن شروط الدعاء أن يكون سليماً من اللحن بعيداً عن الخطأ، وذلك لما يلي :
أ – لأن تعظيم الله تعالى واجب على العبد بكل حال، وهو في حال مسألته والرغبة إليه أوجب وألزم (2) .
ب – ولأن النحو عماد الكلام، وبه يستقيم المعنى، وبعدمه يختل ويفسد، وربما انقلب المعنى باللحن حتى يصير كالكفر إن اعتقده صاحبه، كدعاء من دعا، أو قراءة من قرأ : ?? ?????????? ?????????? ???????????? ?????????????? ? (3) ، بتخفيف الياء
من إياك، فإن الأيا ضياء الشمس، فيصير كأنه يقول : شمسك نعبد . وهذا كفر (4) .
لكن ينبغي للداعي إذا لم تكن عادته الإعراب أن لا يتكلف الإعراب ؛ لأن ذلك يضعف توجه قلبه وخشوعه وإقباله على الله، ولهذا قيل : إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع (5) . وكذلك إذا كان لا يستطيع غير الدعاء الملحون، يعذر فيه ولا يقدح في دعائه (6) ؛ لأن الله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوم لسانه فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات، على تنوع الحاجات (7) .
هذا أبرز ما وقفت عليه مما ذكره الفقهاء وعدوه من الشروط.
******
__________
(1) ... عده من الشروط: الخطابي في شأن الدعاء ص 13، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2/208) ، والحليمي في المنهاج (1/229) .
... وعده من الآداب ، وهو أقوى : الشاطبي في الاعتصام (1/474) ، وقال : (لم يشترطه أحداً من العلماء) ، وابن الصلاح في فتاويه (1/198) ، وابن تيمية في الفتاوى (22/488)، والنفراوي في الفواكه والدواني (2/534).
(2) ... المنهاج (1/226) . ...
(3) ... سورة الفاتحة : الآية (4) . ...
(4) ... شأن الدعاء ص 19 . ...
(5) ... ينظر : الفتاوى (22/489) . ...
(6) ... ينظر : فتاوى ابن الصلاح (1/198) . ...
(7) ... الفتاوى (22/489) . ...(1/9)
المبحث السابع: آداب الدعاء
يشرع للمسلم أن يلتزم بآداب معينة إذا أراد الدعاء حتى يستجاب له .
قال الطرطوشي (1) – رحمه الله - :«اعلموا – أرشدكم الله – أن للدعاء آداباً مشروعة وشروطاً مفروضة فمن وفى وفى له، ومن لزم تلك السيرة على شروط الأدب أوشك نيل ما سأل، ومن أخل بالأدب استحق ثلاث خلال : المقت، والبعد، والحرمان» .
وهذه الآداب هي :
1 – تقديم التوبة قبل الدعاء (2) :
والاعتراف بالذنب والتقصير، والتذلل بين يدي الله سبحانه سبب موجب لإجابة الدعاء، فالإجابة تسرع إلى من لم يكن متلبساً بالمعصية، فإذا قدم التوبة والاستغفار قبل الدعاء كان أمكن لإجابته (3) ، وهذا الأدب من أهم الآداب، قال أحد السلف (4) : «من دعا الله ولم يعمر قبل ذلك سبيل الدعاء بالتوبة والإنابة في أكل الحلال، وإتباع السنن ومراعاة السير، كان دعاؤه مردوداً، وأخشى أن يكون جوابه الطرد واللعن» .
ومما يدل على اعتباره ما يلي :
أ – أخبر الله سبحانه عن الأنبياء أنهم كانوا يحثون الناس على التوبة والاستغفار، فمن ذلك:
1 – قال نوح عليه السلام: ? ????????? ?????????????????? ????????? ?????????? ????? ??????????? ???? ???????? ???????????? ????????? ???????????? ???? ????????????? ???????????? ?????????? ??????????? ??????? ?????????? ??????????? ??????? ?????????????? ???? ? (5) .
__________
(1) ... الدعاء المأثور ص 44 ، والطرطوشي سبقت ترجمته ص 32 .
(2) ... عدها من الآداب : الحليمي في المنهاج (1/530) ، والنووي في الأذكار ص 389 ، والزركشي في الأزهية ص 70 ، والزبيدي في إتحاف السادة (5/41) ، وابن حجر في الفتح (11/145) . ...
(3) ... الفتح (11/98) . ...
(4) ... الفتوحات الربانية (4/398) ، ونسبه إلى محمد بن علي . ...
(5) ... سورة نوح : الآيات (10 – 12) . ...(1/1)
2 – وقال تعالى عن هود – عليه السلام – : ? ?????????????? ??????????????????? ?????????? ????? ??????????? ?????????? ?????????? ?????????????? ?????????? ??????????? ????????????? ???????? ??????? ????????????? ? (1) .
ب – قال × : (فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب، تاب الله عليه) (2) .
2 - تقديم عمل صالح قبل الدعاء (3) :
من صلاة أو صدقة أو صيام وغير ذلك من الأعمال الصالحة، ومما يدل على اعتباره ما يلي :
أ – قال تعالى: ? ????????? ??????????? ?????????? ??? ????????? ???????? ???????????? ??? ? (4) .
وجه الدلالة : أي إذا فرغت من صلاتك، فاجهدك نفسك بالدعاء، وسله
حاجاتك (5) .
ب – وعن أنس – رضي الله عنه – قال : دخل النبي × على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، قال: (أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه فإني صائم، ثم قام إلى ناحية البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم، وأهل بيتها) (6) .
وجه الدلالة : فيه مشروعية الدعاء عقب الصلاة، وتقديم الصلاة أمام الحاجة (7) .
__________
(1) ... سورة هود : الآية (52) . ...
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب حديث الإفك ، برقم (4141) ، ص 339 ، ومسلم ، كتاب التوبة، باب حديث في الأفك ، وقبول توبة القاذف برقم (2770) ، ص 1160 . ...
(3) ... عده من الآداب : الطرطوشي في الدعاء المأثور ص 59 ، والزركشي في الأزهية ص 73 ، والحليمي في المنهاج (1/523) ، والزبيدي في إتحاف السادة (5/41) ، وابن حجر في الفتح
(4/268) ، والبهوتي في كشاف القناع (2/435) ، والرحيباني في مطالب أولى النهى (1/473) .
(4) ... سورة الشرح : الآيتان (7 ، 8) . ...
(5) ... جامع البيان (12/628) . ...
(6) ... أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب من زار قوماً فلم يفطر عندهم ، برقم (1982) ، ص 155 ، ومسلم، كتاب المساجد ، باب جواز الجماعة في النافلة ، برقم (660) ، ص 780 . ...
(7) ... الفتح (4/268) . ...(1/2)
ج – وقال عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – : «إذا أردت أن تدعو فقدم صدقة أو صلاة أو خيراً، ثم ادع بما شئت» (1) .
3 – ومن الآداب : الطهارة عند الدعاء (2) :
ويدل على استحباب الوضوء عند الدعاء ما يلي :
أ – عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – في قصة استشهاد أبي عامر (3) – رضي الله عنه – وطلبه أن يستغفر له النبي × ، وفيه : (فدعا بماء فتوضأ، ثم رفع يديه ودعا له) (4) .
ب – ولأن الدعاء ذكر يراد به العبادة، فهو كقراءة القرآن والآذان والخطبة، وكل منها تستحب له الطهارة، فاستحب للدعاء (5) .
ولو دعا غير طاهر كالمحدث والجنب والحائض جاز ذلك إجماعاً (6) .لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : (كان النبي × يذكر الله في جميع أحيانه) (7) ، وهذا يعم الدعاء وغيره .
__________
(1) ... الدعاء المأثور ص 59 . ...
(2) ... ذكرها من الآداب: الطرطوشي في الدعاء المأثور ص 59 ، والحليمي في المنهاج (1/523)، وابن حجر في الفتح (11/145)، وابن الإمام في السلاح ص 89 ، والرحيباني في مطالب أولى النهى
(1/473) ، والنووي في المجموع (8/108)، وابن مفلح في الفروع (1/403) ، وغيرهم كثير وعدها من الشروط، الخطابي في شأن الدعاء ص 13 . ...
(3) ... هو أبو عامر الأشعري عم أبي موسى اسمه : عبيد بن سليم بن حصار ، أسلم قديماً وهاجر إلى الحبشة، استشهد في غزوة حنين ... ينظر في ترجمته : تقريب التهذيب (2/435) ، والإصابة (7/120) .
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة أوطاس ، برقم (4323) ص 353 ، ومسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي موسى برقم (2498) ، ص 1117 . ...
(5) ... المنهاج (1/533) ، وينظر : الأذكار ص 12 . ...
(6) ... حكاه النووي في الأذكار ص 12 . ...
(7) ... أخرجه مسلم ، كتاب الحيض ، باب ذكر الله في حال الجنابة وغيرها ، برقم (373) ، ص 737 . ...(1/3)
4 – ومنها : استقبال القبلة عند الدعاء (1) :
يستحب استقبال القبلة عند الدعاء ويدل عليه فعل النبي × في مواطن كثيرة :
أ – منها : حديث جابر في حجة الوداع وفيه : (أن النبي × ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه ...) (2) .
ب – ومنها : حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – لما ألقت قريش الأذى على ظهره × وهو يصلي، وفيه : (استقبل النبي × الكعبة فدعا على نفر من قريش) (3) .
ج – ومنها : (لما كان يوم بدر نظر رسول الله × إلى المشركين، فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه) (4) .
د – ومنها : (لما خرج النبي × يستسقى حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو) (5) .
وجه الدلالة : أن سنة من خطب الناس معلماً لهم وواعظاً لهم أن يستقبلهم ؛ لكن عند دعاء الاستسقاء يستقبل القبلة ؛ لأن الدعاء مستقبل القبلة أفضل، ويلحق بالدعاء الوضوء والغسل والأذكار والقراءة وسائر الطاعات إلا ما خرج بالدليل، كالخطبة (6) .
__________
(1) ... ذكرها من الآداب : الحليمي في المنهاج (1/523) ، والنووي في الأذكار ص 353 ، والبنا في الفتح الرباني (14/268) ، والعيني في البناية (4/106) ، والشربيني في مغني المحتاج (1/501) ، وابن مفلح في الفروع (1/403) ، والحجاوي في الإقناع (1/126) ، وابن القيم في الجواب الكافي ص 10 وغيرهم كثير ، وعدها من الشروط الخطابي في شأن الدعاء ص 13 . ...
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الحج ، باب حجة النبي × ، برقم (1218) ، ص 880 . ...
(3) ... سبق تخريجه ، ص (122) . ...
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجهاد ، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر ، برقم (1763) ، ص 990 . ...
(5) ... أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب استقبال القبلة ، برقم (1028) ، ص 80 ، مسلم ، كتاب صلاة الاستسقاء ، باب صلاة الاستسقاء ، برقم (894) ، ص 817 . ...
(6) ... ينظر : عمدة القاري (7/25) . ...(1/4)
ولو دعا غير مستقبل القبلة لم يكره ؛ لفعل النبي × بينما كان يخطب يوم الجمعة، فقام رجل فقال : يا رسول الله ! ادع الله أن يسقينا، ... الخ» (1) .
وجه الدلالة : أن النبي × كان مستقبلاً الناس حال الخطبة، ولم ينقل عنه × أنه استدار واستقبل القبلة، بل دعا على حاله (2) .
إلا أنه لا يستحب للداعي أن يستقبل الجهة التي نهى عن الصلاة إليها كجهة المشرق، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء (3) . وكذا لا يجوز للداعي أن يستقبل حال الدعاء قبراً، ولا وليا، ولا جهة ما، حتى عند قبر النبي × ، فقد نص العلماء – رحمهم الله تعالى- على أنه بعد تحية النبي × وصاحبيه يدعو مستقبلاً القبلة، جاعلاً الحجرة عن يساره لئلا يستدبره (4) .
5 – ومنها : أن يرفع يديه حال الدعاء (5) : ويدل على استحبابه أدلة كثيرة، منها :
أ – عن أنس – رضي الله عنه – : «أنه × استسقى ورفع يديه» (6) .
ب - وفي حديث غزوة بدر (أن النبي × استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ...) (7) . وغيرها كثير جداً .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء غير مستقبل القبلة ، برقم (6342) ، ص 534 ، مسلم ، كتاب الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء ، برقم (897) ، ص 817 . ...
(2) ... الفتح (11/148) . ...
(3) ... ينظر : اقتضاء الصراط المستقيم ص 365 . ...
(4) ... ينظر : الاقتضاء ص 364 ، والفتاوى الهندية (5/350) ، والاختيارات الفقهية ، ص 93 ، وقال : (هذا بلا نزاع أعلمه) . ...
(5) ... سيأتي في الفصل الآتي بيانه بالتفصيل . ...
(6) ... أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب الاستسقاء في المسجد الجامع ، برقم (1013) ، ص 79 ، ومسلم ، كتاب الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء ، برقم (897) ، ص 817 . ...
(7) ... سبق تخريجه ، ص (148) . ...(1/5)
6 – ومنها : أن يفتتح الدعاء بالثناء على الله والصلاة على نبينا ويختم به (1) :
اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله تعالى – على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله × وكذلك ختم الدعاء بهم . واستدلوا بما يلي:
أ – دعاء الفاتحة: ? ?????????? ??????? ????? ??????????????? ??? ?????????????? ??????????? ??? ? (3) .
وجه الدلالة : في قراءة فاتحة الكتاب يقتضي أمر الله تعالى إيانا بفعل الحمد وتعليم لنا كيف نحمده؟ وكيف الثناء عليه؟ وكيف الدعاء له؟ ودلالة على أن تقديم الحمد والثناء على الله تعالى على الدعاء أولى وأحرى بالإجابة ؛ لأن السورة مفتحة بذكر الحمد ثم الثناء على الله وهو قوله: ? ?????????? ??????? ????? ??????????????? ? (4) .
ب – سمع النبي × رجلاً يدعو في صلاته فلم يصل على النبي × ، فقال النبي × «عجل هذا» ثم دعاه فقال له ولغيره : (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي × ثم ليدع بعد بما شاء) (5) .
__________
(1) ... عده من الآداب :الخطابي شأن الدعاء ص 13 ، والحليمي في المنهاج (1/533) ، وابن مفلح في الفروع (1/403) ، والحجاوي في الإقناع (1/126) ، والبهوتي في الكشاف (2/434) ، وعبد الحق العظيم آبادي في عون المعبود (4/248) ، والبنا في الفتح الرباني (14/268)، والنفراوي في الفواكه الدواني (2/534).
(2) ... حكاه النووي في الأذكار ص 122 ، وابن حجر في الفتح (11/153) ، وينظر : المبسوط
(4/13) ، والاختيار (1/148) ، ومجمع الأنهر (1/278) ، ومواهب الجليل (1/18) . ...
(3) ... سورة الفاتحة : الآيتان (1 ، 2) . ...
(4) ... أحكام القرآن ، للجصاص (1/23) . ...
(5) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعوات ، باب في إيجاب الدعاء بتقديم الحمد والثناء ، برقم (3477) ،
ص 2009 ، وقال: (حسن صحيح) ، وأبو داود، كتاب الوتر، باب الدعاء، برقم (1481)، ص 1333 ، وسكت عنه، وأحمد في المسند ينظر: (الفتح الرباني، كتاب الصلاة، باب جواز الصلاة على غير ...) برقم
(728، 6/22)، والقاضي إسماعيل في فضل الصلاة على النبي برقم (106) ص 44 ، ... والحاكم في مستدركه كتاب الصلاة ، باب إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ... ، برقم (872) ، (1/495) ، وقال : (صحيح على شرط مسلم) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (648) ص (172)، وفي صفة صلاة النبي ×، ص182، وقال في تعليقه على فضل الصلاة على النبي ص44: (إسناده حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عمرو بن مالك وهو النكري وهو ثقة ..).(1/6)
وجه الدلالة : قوله (عجل هذا) حين ترك الترتيب في الدعاء، وعرض السؤال قبل الوسيلة، وفيه دلالة على أن من حق السائل أن يتقرب إلى المسؤول منه بالوسائل قبل طلب الحاجة بما يوجب الزلفى عنده، ويتوسل بشفيع له بين يديه ليكون أطمع في الإسعاف وأرجى الإجابة، فمن عرض السؤال قبل الوسيلة فقد استعجل . ولذا أدب النبي × أمته أن يبدؤا بتحميد الرب والثناء عليه، ثم الدعاء بما شاء من دين ودنيا مما يجوز طلبه (1) .
ج – وفي الدعاء الذي كان يقوله النبي × في قيام الليل : (اللهم لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، وبعد ثناء طويل قال : فاغفر لي ما قدمت وما أخرت) (2) .
وجه الدلالة: فيه استحباب تقديم الثناء على المسألة عند كل مطلوب إقتداء به × (3) .
وأما الختم بالثناء على الله فلقوله تعالى إخباراً عن أهل الجنة ? ????????? ????????????? ????? ?????????? ??????? ????? ??????????????? ? (4) .
وينبغي للداعي أن يتخير لدعائه، والثناء على ربه أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني، فلا يخاطب ربه سبحانه بلفظ يا خالق الحمير، يارب الحيات والعقارب ؛ لأنه لا يليق بالمسلم فعل ذلك مع الله (5) .
وأما تقديم الصلاة على النبي × على الدعاء فلأنه أقرب للإجابة لما بعدها من الدعاء، فإن الكريم لا يستجيب بعض الدعاء ويرد بعضه، وليختم بالصلاة على النبي × ؛ فإن الله يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما (6) .
والصلاة على النبي × حال الدعاء له ثلاث مراتب (7) :
__________
(1) ... ينظر : عون المعبود (4/248) . ...
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب التهجد ، باب التهجد في الليل ، برقم (1120) ، ص 87 . ...
(3) ... فتح الباري (3/8) . ...
(4) ... سورة يونس : الآية (10) . ...
(5) ... شأن الدعاء ص 15 . ...
(6) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/560) . ...
(7) ... ذكرها ابن القيم في جلاء الأفهام ص 375 . ...(1/7)
إحداها : أن يصلى عليه قبل الدعاء، وبعد حمد الله تعالى .
والثانية : أن يصلي عليه أول الدعاء وأوسطه وآخره .
والثالثة : أن يصلي عليه في أوله وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما .
7 – ومنها أن يسأل الله تعالى حاجاته كلها (1) :
فينبغي للمسلم أن يسأل الله حاجاته كلها صغيرة كانت أم كبيرة، فإذا عظمت حاجته لم يسألها الله تعالى مستعظماً إياها في ذات الله، بل يسأله الصغيرة والكبيرة، ويرى منه الله تعالى في إجابته إليها عظيمة (2) . ومما يدل على اعتباره ما يلي :
أ – قال × : (سلوا الله كل شيء، حتى الشسع، فإن الله عز وجل لو لم ييسره لم ييسر) (3) .
وجه الدلالة : قوله : (حتى شسع) إشارة أن ما فوقه أولى (4) .
ب – قال × : (ليعزم المسألة وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء) (5) .
وجه الدلالة : يحتمل أن يراد بقوله (وليعظم الرغبة) الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير، ويؤيده ما في آخر هذه الرواية . (فإن الله لا يتعاظمه شيء) (6) .
ج – وعن ابن عمر – رضي الله عنه – قال : «إني لأدعو الله في كل شيء من أمري، حتى أن يفسح الله في مشي دابتي حتى أرى من ذلك ما يسرني» (7) .
__________
(1) ... عده من الآداب : ابن حجر في الفتح (11/144) ، والجوزي في عدة الحصن الحصين مع التحفة ص 38 ، وعدها من الشروط الحليمي في المنهاج (1/523) . ...
(2) ... ينظر : المنهاج (1/523) . ...
(3) ... سبق تخريجه ، ص (34) . ...
(4) ... الدعاء (أحكامه ، مفهومه ، أخطاء تقع فيه) ، ص 52 . ...
(5) ... سبق تخريجه ص (70) . ...
(6) ... الفتح (11/144) . ...
(7) ... أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، برقم (643) ، ص 137 ، وضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد ص 62 لعنعنه ابن إسحاق . ...(1/8)
وينبغي أن يكون له في سؤاله غرض صحيح، كأن يدعو الله تعالى مريض بالعافية، فينبغي أن يكون غرضه في ذلك أن يبرأ، فيصلي ويصوم، أو يسأله أن يطيل عمره لتكثر طاعاته وحسناته، وهكذا (1) .
8 – ومن الأدب : أن يلح في الدعاء، ويكرره ثلاثاً (2) :
ولا يسأم من تكراره في الأوقات ولا يعجل، ومما يدل على استحبابه ما يلي :
أ – كان النبي × إذا دعا، دعا ثلاثاً، وإذا سأل، سأل ثلاثاً (3) .
ب – وفي حديث وضع قريش الأذى على ظهره × وهو يصلي وفيه: (دعا
عليهم ثلاثاً) (4) .
ج – وفي حديث قصة سحر النبي × فيه : (فدعا ودعا) (5) .
وجه الدلالة : في هذه الأحاديث استحباب الدعاء ثلاثاً (6) .
د – ولأن الله يحب أن يسأل، لذلك أمر عباده أن يسألوه من فضله ولذا قالوا : لا يصلح الإلحاح على أحد إلا على الله (7) .
ولا يكره الزيادة على الثلاث ؛ لأن النبي × دعا لجند أحمس ورجالها خمساً (8) .
__________
(1) ... ينظر : المنهاج (1/525) . ...
(2) ... عده من الآداب : الطرطوشي في الدعاء المأثور ص 50 ، وابن الإمام في السلاح ص 39 ، وابن حجر في الفتح (1/420) ، والنووي في المجموع (8/107) ، وابن مفلح في الفروع (1/403) ، والحجاوي في الإقناع (1/126) ، والبهوتي في الكشاف (2/434) . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب إذا ألقى على ظهر المصلي قدر ، برقم (240) ، ص 22، ومسلم، كتاب الجهاد ، باب ما لقي النبي × من أذى المشركين والمنافقين ، برقم (1794)، ص 997 .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (122) . ...
(5) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب تكرير الدعاء ، برقم (6391) ، ص 537 ، كتاب السلام ، باب السحر ، برقم (2189) ، ص 1067 . ...
(6) ... الفتح (1/420) . ...
(7) ... ينظر : فتح البر في ترتيب التمهيد (1/371) . ...
(8) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب غزوة ذي الخلصة ، برقم (4355) ، ص 356 ، ومسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، برقم (2476) ، ص 1113 . ...(1/9)
9 – أن يسأل بعزم وجد وحزم وأن يوقن بالإجابة (1) :
مما يدل على استحبابه ما يلي :
أ – قال × : (لا يقل أحدكم اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره
له) (2) .
وجه الدلالة : قوله «ليعزم» أي يحسن الظن بالله تعالى في الإجابة (3) .
ب – وقال × : (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة) (4) .
والأشبه أن يكون معناه : وأنتم لا تظنون الرد ، ولا يكون هو الغالب على قلوبكم (5) .
ج – وقال سفيان بن عيينة : «لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس – لعنه الله – إذ قال ? ?????? ????? ?????????????????? ??????? ?????? ??????????????? ???? ?????? ??????????? ???? ??????????????? ???? ? (6) .
د – ولأن الداعي إذا لم يكن جازماً لم يكن رجاؤه صادقاً قوياً ؛ لأن الباعث على الدعاء هو الرجاء، فإذا كان الغالب على قلب الداعي أنه لا يجاب لم يكن رجاؤه صادقاً، فلا يخلص في الدعاء، ولا يتحقق منه الإلحاح في الطلب ؛ لأنه لم يتحقق الباعث عليه، والداعي إنما يجاب تصديقاً لرجائه فإذا لم يصدق رجاؤه لم يستوجب أن يجاب (7) .
10 – من الأدب : أن يبكي حال الدعاء (8) :
__________
(1) ... عده من الآداب : الحليمي في المنهاج (1/523) ، والطرطوشي في الدعاء المأثور ص 47 ، وابن الإمام في السلاح ص 39 ، والزبيدي في إتحاف السادة (5/39) .
(2) ... سبق تخريجه ص (70) .
(3) ... شرح صحيح مسلم (17/7) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (140) .
(5) ... المنهاج (1/527) .
(6) ... فتح الباري (11/145) ، والجامع لأحكام القرآن (2/209) .
... سورة الحجر : الآيتان (36 ، 37) .
(7) ... المنهاج (1/527) ، وينظر : فيض القدير (1/228) ، وإتحاف السادة (5/39) . ...
(8) ... عده من الآداب : العيني في البناية على الهداية ، (4/107) ، وابن الهمام في فتح القدير (3/183) ، والزيلعي في تبين الحقائق (2/26) ، والنووي في المجموع (8/109) . ...(1/10)
لفعل النبي × ، حينما كان يدعو لأمته، فقال × : (اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عز وجل، يا جبريل، اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسله ما يبكيك ؟! ...الحديث) (1) .
11- ومن الأدب : إخفاؤه سراً، فلا يسمعه غير من يناجيه :
اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله تعالى – على أن السنة في الدعاء كله المخافتة، إلا أن يكون هناك سبب يشرع له الجهر : واستدلوا بما يلي :
أ – قال تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? (3) .
ب – وقال تعالى: ? ????? ???????? ?????????? ????????? ???????? ??? ? (4) .
ج – عن عائشة – رضي الله عنها – أن قوله تعالى: ? ????? ?????????? ?????????? ????? ?????????? ?????? ? أنزلت في الدعاء (5) .
د – أن الشريعة مقررة أن السر فيما لم يعترض من أعمال البر أعظم أجراً من الجهر (6) .
هـ – وقد كان هذا دأب السلف الصالح، فقد كانوا يجتهدون في الدعاء، ولا يسمع لهم صوت، إذ كان همساً فيما بينهم وبين ربهم (7) .
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب : دعاء النبي × لأمته وبكائه شفقة عليهم ، برقم (202) ،
ص 716 .
(2) ... حكاه ابن تيمية في الفتاوى (22/469) ، وينظر : المبسوط (4/6) ، وأحكام القرآن ، للجصاص
(3/211) ، والطرطوشي في الدعاء المأثور ص 50 ، والنووي في المجموع (3/112) ، وابن حجر في الفتح (11/36) ، وابن مفلح في الفروع (1/405) ، والحجاوي في الإقناع (1/127) .
(3) ... سورة الأعراف : الآية (55) . ...
(4) ... سورة مريم : الآية (3) . ...
(5) ... سبق تخريجه، ص79 .
(6) ... الجامع لأحكام القرآن (7/223) . ...
(7) ... الدعاء المأثور ص 51 . ...(1/11)
و – ولأن في إخفاء الدعاء فوائد كثيرة منها : أنه أعظم إيماناً، وأعظم في الأدب والتعظيم، وأبلغ في التضرع والخشوع، وأبلغ في الإخلاص وأبلغ في جمعية القلب على الله في الدعاء، وهو دال على قرب صاحبه من الله، وأنه لاقترابه منه وشدة حضوره يسأله مسألة أقرب شيء إليه، فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد (1) .
وليس المقصود من أفضلية إخفاء الدعاء أنه لا يسمع نفسه، هذا المعنى لم يعنه
أحداً (2) .
قال تعالى: ? ????????? ????????? ? ?????????? ???????????? ????????? ??????? ?????????? ???? ?????????? ? (3) .
وجه الدلالة: تدل هذه الآية على أن الأمر في الدعاء الوسط، وهو بقدر ما يسمع الداعي نفسه، ولا يسمع غيره (4) .
قال النووي – رحمه الله – (5) : «وأدنى الأسرار أن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لفظ وغيره، وهذا عام في القراءة والتكبير والتسبيح في الركوع وغيره والتشهد والسلام والدعاء» .
إلا إذا كان هناك سبب يشرع له الجهر : كالقنوت في الصلاة والمأمومون يؤمنون خلفه، فإنه يجهر بحيث يسمع من خلفه .
أو يكون إماماً يريد تعليم الناس الدعاء، فلا بأس به إذا كانت الحاجة ماسة إلى التعليم فيكون للجاهر بذلك أجران أحدهما : أجر الدعاء، والثاني : أجر التعليم (6) .
__________
(1) ... ينظر : الفتاوى (15/15- 19) وبدائع الفوائد (3/6 – 8) ، وإتحاف السادة (5/37) . ...
(2) ... الدرر السنية في الأجوبة النجدية ، جمع ابن قاسم (4/156) . ...
(3) ... سورة الأعراف : الآية (205) . ...
(4) ... ينظر : الفتح (11/136) ، والمجموع (3/112) ، والدرر السنية (2/157) . ...
(5) ... المجموع (3/112) . ...
(6) ... ينظر : الفتاوى الهندية (5/318) ،والحاوي (2/148) ، وقواعد الأحكام ، للعز ابن عبد السلام
(2/178) .(1/12)
كما في غزوة بدر وفيه قال × : (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض، وما زال يهتف بربه ماداً يديه) (1) .
وجه الدلالة : ومعنى قوله: «يهتف» أي يرفع صوته بالدعاء، فيدل على أنه لا بأس برفع الصوت بالدعاء، أحياناً عند الحاجة (2) .
12 – ومن الأدب : أن يقتصر على جوامع الأدعية (3) :
يستحب الاقتصار على جوامع الدعاء، لقول عائشة – رضي الله عنها – (كان النبي × يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك) (4) .
وجه الدلالة : قوله «الجوامع من الدعاء» أي الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وهي ما كان لفظه قليلاً ومعناه كثيراً (5) كما في قوله تعالى: ? ??????????????? ???????????? ? ??????????????? ??????????? ??? ??????????? ?????????? ??????? ??????? ????????????? ? (6) .
وقوله: «ويدع ما سوى ذلك» أي مما لا يكون جامعاً بأن يكون خاصاً بطلب أمور جزئية ؛ كارزقني زوجة حسنة، فإن الأولى والأحرى منه ارزقني الراحة في الدنيا والآخرة، فإنه يعمها وغيرها (7) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (148) . ...
(2) ... الفتوحات الربانية (5/55) . ...
(3) ... عده من الآداب : الخطابي في شأن الدعاء ص 13 ، وابن الإمام في السلاح ص 132 ، وابن مفلح في الفروع (1/403) ، والحجاوي في الإقناع (1/126) ، والبهوتي في الكشاف (2/435)، والنفراوي في الفواكه الدواني (2/534).
(4) ... سبق تخريجه ص 74 . ...
(5) ... ينظر : عون المعبود (4/249) ، والفتح الرباني (14/268) . ...
(6) ... سورة البقرة : الآية (201) . ...
(7) ... ينظر : عون المعبود (4/249) . ...(1/13)
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : دخل علي النبي × وأنا أصلي وله حاجة فأبطات عليه – قال : يا عائشة، عليك بجمل الدعاء وجامعه، فلما انصرفت قلت : يا رسول الله ! وما جمل الدعاء وجوامعه ؟ قال: (قولي اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك ما سألك به محمد، وأعوذ بك مما تعوذ منه محمد وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشداً) (1) .
13 – ومن الأدب : تعميم الدعاء (2) :
السنة في الدعاء التعميم، ويدل على استحبابه ما يلي :
أ – قال تعالى: ? ????????????????? ??????????? ???????????????? ???????????????????? ? (3) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، باب (279) ، ص 139 ، وابن ماجه في سننه ، كتاب الدعاء ، باب الجوامع في الدعاء ، برقم (3846) ، ص 2706 ، وأحمد في المسند ، ينظر : الفتح الرباني ، كتاب الدعوات ، باب : دعوات جامعة ، (14/265) ، والحاكم في مستدركه وصححه ، برقم (1957) ،
(2/106) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ، ص 238 ، وفي الصحيحة (1532) .
(2) ... عدها من الآداب : الصاوي في بلغة السالك ، (1/221)، والنفراوي في الفواكه الدواني (2/534)، والزركشي في الأزهية ، ص 102 ، وابن الإمام في السلاح ، ص 149 ، وابن تيمية في الرد على البكري ، (2/437) ، والبنا في الفتح الرباني ، (14/268)، والحجاوي في الإقناع ، (1/126) ، البهوتي في الكشاف ، (2/434) .
(3) ... سورة محمد : الآية (19) . ...(1/14)
ب – كما في دعاء الجنازة : (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وإنثانا) (1) . ولم يخص الميت بالدعاء (2) .
ج – كما في السلام على الموتى : (السلام عليكم دار قوم مؤمنين إنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) (3) .
د – وكما يقول الخطيب : «وأستغفر الله لي ولكم» (4) .
هـ – ولأن التعميم أقرب للإجابة (5) .
14 – ومن الأدب : أن يختم باسم يناسب مطلوبه (6) :
فلا يقول اللهم اغفر لي يا جبار، لأن لفظ الجبار يناسب الشدة والقوة لا العفو والرحمة . ويدل على اعتباره:
ما أخبر الله به عن دعوات الأنبياء فمن ذلك :
أ – قال تعالى عن سليمان – عليه السلام – : ? ?????? ????? ??????????? ??? ?????? ??? ???????? ???? ??????????? ????????? ????? ?????????? ???????? ?????? ????????????? ???? ? (7) .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز ، باب الدعاء للميت ، برقم (3201) ، ص 1464 ، وابن ماجه في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الميت ، برقم (1498) ، ص 2566 ، والبيهقي في سننه ، كتاب الجنائز ، باب الدعاء للميت ، برقم (6971) ، (4/67) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الجنازة ، أدعية صلاة الجنازة ، برقم (1367) ، (1/684) ، وقال : (هذا حديث صحيح) ، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ، ص 158 .
(2) ... الرد على البكري ، (2/437) . ...
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجنائز ، باب ما يقول عند دخول القبور والدعاء لأهلها ، برقم (974) ،
ص 831 .
(4) ... الرد على البكري (2/437) . ...
(5) ... بلغة السالك (1/221) . ...
(6) ... عده من الآداب : القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (8/314)، (15/140) ، والزركشي في الأزهية ص 93 ، وابن علان في الفتوحات الربانية (3/294) ، وابن القيم في بدائع الفوائد (1/164) ،
(2/143) . ...
(7) ... سورة ص : الآية (35) . ...(1/15)
فطلب من الله الملك، وختم باسم يناسب ذلك وهو الوهاب .
ب – وقال تعالى عن أيوب – عليه السلام – : ? ? ???????????? ????? ???????? ?????????? ????????? ????????? ????????? ???????? ????????? ?????????????? ???? ? (1) .
طلب من الله الشفاء من المرض، وختم باسم يناسب ذلك وهو الرحمة .
15 – ومن الأدب : أن يختم الداعي والمستمع بآمين (2) :
ويدل على استحبابه قوله × : (إذا قال الإمام: ? ???????? ??????????????? ?????????? ????? ??????????????? ? ، فقولوا آمين، فإنه من وافق تأمينه، تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) (3) .
ولأن التأمين بمعنى طلب الإجابة من الرب سبحانه، واستنجازها فهو تأكيد لما تقدم من الدعاء، وتكرير له (4) .
16 – ومنه : أن يتحرى أوقات الإجابة (5) :
وهي كثيرة منها : في السجود، وفي آخر الليل، وفي السفر، وفي عرفة، وعند الفطر في رمضان، وفي ليلة القدر، وعند نزول الغيث، وغيرها كثير سيأتي بيانها (6) .
__________
(1) ... سورة الأنبياء : الآية (83) . ...
(2) ... عده من الآداب : النووي في المجموع (8/108) ، وابن مفلح في الفروع (1/405) ، والحجاوي في الإقناع (1/126) ، وسيأتي له مزيد بيان في الفصل الثالث . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب التأمين ، برقم (6402) ، ص 538 ، ومسلم بنحوه في كتاب الصلاة، باب التسبيح والتحميد والتأمين، برقم (410)، ص743 .
(4) ... تحفة الذاكرين ص (39) . ...
(5) ... عده من الآداب : الزركشي في الأزهية ص 103 ، وابن الإمام في السلاح ص 153 ، والحليمي في المنهاج (1/523) ، والنفراوي في الفواكه الدواني (2/534) وعده من الشروط : القرطبي في الجامع الأحكام القرآن (2/208) . ...
(6) ... في الفصل الثالث ، ص (789) . ...(1/16)
وبعد، فإن هذه الآداب أسباب تقوى الرجاء بالله جل ثناؤه في إجابة الدعاء، لا أن الدعاء لا يقبل إلا عندها فمن عرضت له حاجة في غيرها، فلا ينبغي له أن يدع الدعاء، بل يدعو حسب حاله .
قال تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? (1) ولم يزد صفة من رفع يدين وغيرها.
وقال: ? ?????????? ???????????? ?????? ?????????? ??????????? ???????? ????????????? ? (2) .
فمدحهم ولم يشترط حالة غير ما ذكر.
فالدعاء حسن كيفما تيسر، وهو المطلوب من الإنسان لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى الله عز وجل والتذلل له والخضوع، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه وهذا حسن وإن شاء فلا (3) .
******
__________
(1) ... سورة الأعراف : الآية (55) . ...
(2) ... سورة آل عمران : الآية (191) . ...
(3) ... ينظر: المنهاج (1/540) ، والجامع لأحكام القرآن (7/223) . ...(1/17)
المبحث الثامن: هيئة الداعي الفعلية وفيه تسع مطالب:-
المطلب الأول : رفع اليدين في الدعاء، وفيه فرعان :
الفرع الأول : حكم رفع اليدين في الدعاء :
محل الخلاف : رفع اليدين عند سؤال الله تعالى، على وجه الذلة والاستكانة في غير الصلاة .
اختلف الفقهاء – رحمهم الله تعالى – في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يستحب رفع اليدين في الدعاء .
وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1) ، والشافعية (2) والحنابلة (3) ورواية عن الإمام مالك (4) . واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ?????? ???????????????? ???????????? ????? ??????????????? ? (5) .
وجه الدلالة : أن الدعاء مع رفع الأيدي من التذلل والخشوع الذي أمر الله سبحانه به وعاب على المشركين غفلتهم عنه (6) .
2 – قال تعالى: ? ??????????????? ???????????????? ? (7) .
وجه الدلالة: ذم الله سبحانه قوماً؛ لأنهم لا يبسطون أيديهم ولا يرفعونها إليه وقت الدعاء (8) .
__________
(1) ) ... ينظر : المبسوط (2/77) ، وتبيين الحقائق (1/119) ، والعناية على الهداية مع فتح القدير ، لمحمد البابرتي (1/434) ، والبناية على الهداية (1/588) . ...
(2) ... ينظر : المجموع (3/448) ، والأذكار ص 391 ، وحاشية قليوبي (1/231) . ...
(3) ... ينظر : المغني (2/584) ، والفروع (1/400) ، وكشاف القناع (1/435) . ...
(4) ... ينظر : الذخيرة ، للقرافي (13/341) . ...
(5) ... سورة المؤمنون : الآية (76) . ...
(6) ... ينظر : سلاح المؤمن ص 116 ، وتفسير ابن كثير (3/244) ، والأزهية ص 74 .
(7) ... سورة التوبة : الآية (67) . ...
(8) ... ينظر : الدعاء المأثور وآدابه ص 53 ، والمعيار المعرب (1/292) ونبذه من الدعاء ، لليافعي
ص 146 والأزهية ص 74 .(1/1)
3 – وأما من السنة فقد وردت أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي، فقد ورد عنه × نحو مائة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها، وهو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع (1) . بل ذهب النووي إلى أن من ادعى حصر المواضع التي وردت الأحاديث بالرفع فيها، فهو غالط غلطاً فاحشاً (2) .
ومن هذه الأحاديث :
1 – عن أنس – رضي الله عنه – (أن النبي × استسقى ورفع يديه وما في السماء قزعة ...) (3) .
2 – وفي حديث غزوة بدر : (فاستقبل النبي × القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ....الحديث) (4) .
3 – قال × : (إن الله حي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه، أن يردهما صفراً خائبتين) (5) . وغيرها كثير وقد أفردها العلماء في رسائل مستقلة (6) .
4 – ولما فطر الله عليه عباده من رفع الأيدي إلى الله في الدعاء (7) .
__________
(1) ... ينظر : تدريب الراوي في شرح تقريب النووي ، للسيوطي (2/180) ، والفتاوى (5/265) .
(2) ... ينظر : المجموع (3/448) . ...
(3) ... سبق تخريجه ، ص (149) . ...
(4) ... سبق تخريجه ، ص (148) . ...
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الدعاء ، برقم (1488) ، ص 1333 ، والترمذي ، كتاب الدعوات ، باب إن الله حي كريم ، برقم (3556) ، ص 218 ، واللفظ له ، وقال : (حديث حسن غريب ، رواه بعضهم ولم يرفعه) ، وابن ماجه ، كتاب الدعاء ، باب رفع اليدين ، برقم (3865) ،
ص 2707 ، قال ابن حجر في الفتح (11/147) : (إسناد جيد) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1757) ص 362 .
(6) ... منهم السيوطي في رسالته : فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء ، والمنذري أفردها في جزء ، والبخاري في كتاب رفع اليدين في الدعاء ، وابن الإمام ذكر في كتابه سلاح المؤمن ص 106 (35) حديثاً .
(7) ... الفتاوى (5/565) . ...(1/2)
القول الثاني : يكره رفع الأيدي في الدعاء، وإذا دعا الله في حاجة يشير بإصبعه السبابة ولا يرفع يديه . وهذا رواية عن الإمام مالك (1) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن عمارة بن رويبة (2) – رضي الله عنه – أنه رأى بشر بن مروان (3) يرفع يديه، فأنكر ذلك، وقال : لقد رأيت رسول الله × ما يزيد على هذا ويشير بالسبابة (4) .
وجه الدلالة: ظاهر الحديث يدل على أن السنة للداعي أن يشير بإصبع واحدة عند الدعاء (5) .
__________
(1) ... في رواية ابن غانم قال مالك: «ليس رفع اليدين في الدعاء من أمر الفقهاء» ينظر : المدونة (1/398)، والجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ ، لأبي زيد القيرواني ، ص 163 ، ومواهب الجليل
(2/207) . ...
(2) ... هو عمارة بن رويبة الثقفي ، أبو زهير الكوفي صحابي . ... روى عن : النبي × وروى عنه : أبو بكر وأبو إسحاق السبيعي ، وعبد الملك بن عمير، نزل الكوفة، وتأخر إلى ما بعد السبعين . ينظر في ترجمته: أسد الغابة (4/149) ، والإصابة (4/276) ، وتهذيب التهذيب (7/351) . ...
(3) ... هو بشر بن مروان بن الحكم الأموي أحد الأجواد ، ولى العراقين لأخيه عند مقتل مصعب . مات بالبصرة سنة (75) وله نيف وأربعون سنة .
... ينظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء (4/145) ، والبداية والنهاية (9/3) ، وشذرات الذهب
(1/83).
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ، برقم (874) ، ص 814 . ...
(5) ... فتح الباري (11/146) . ...(1/3)
2 – وعن سهل بن سعد (1) قال : (ما رأيت رسول الله شاهراً يديه يدعو على منبر ولا على غيره، ما كان يدعو إلا يضع يديه حذو منكبيه ويشير بإصبعه إشارة) (2) .
3 – وعن جابر – رضي الله عنه – قال : خرج علينا رسول الله × قال : مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الدعاء (3) .
__________
(1) ... هو سهل بن سعد بن مالك ، أبو العباس الأنصاري الصحابي حدث عن: النبي × ، وحدث عنه : ابنه عباس ، وأبو حازم الأعرج ، وابن شهاب الزهري ، كان إماماً فاضلاً معمراً من آخر من مات بالمدينة من الصحابة ، روى عدة أحاديث ، وتوفي سنة (91هـ) . ينظر في ترجمته : الإصابة (2/88)، وسير أعلام النبلاء (3/422) ، وأسد الغابة (2/547) . ...
(2) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب رفع اليدين على المنبر ، برقم (1105) ، ص 1305 ، وأحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الأدعية ، باب رفع اليدين عند الدعاء ، (14/271) ، وقال البنا: (في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق وعبد الرحمن بن معاويه وفيهما مقال) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء، باب رفع اليدين (2/226)، برقم (2007) بنحوه، وأخرجه البيهقي في سننه ،كتاب الجمعة، باب ما يستدل على أنه يدعو في خطبته، برقم (5776) (3/298)، وصححه، وأورده الهيثمي في المجمع (10/167) ، وعزاه إلى أحمد ، وقال : (فيه عبد الرحمن بن إسحاق الزرقي المدني وثقه ابن حبان وضعفه مالك وجمهور الأئمة ، وبقية رجاله ثقات) . وحسنه الألباني في الارواء (3/77) ...
(3) ... أخرجه ابن شيبة في مصنفه (10/378) ، برقم (9723) ، وأخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب: الأمر بالسكون في الصلاة ، برقم (430) ص 747 ، ولفظه : (اسكنوا في الصلاة) . ...(1/4)
4 – أن رفع اليدين في الدعاء كرهه جماعة من الصحابة والتابعين (1) فمن ذلك:
رأى شريح (2) رجلاً رافعاً يديه، فقال : من تتناول بهما، لا أم لك (3) . وكان قتادة (4)
__________
(1) ... منهم : ابن عمر ، وجبير بن مطعم ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد وغيرهم ، ينظر : الجامع لأحكام القرآن (7/224) ، وفتح الباري (11/147) ، وعمدة القاري (22/300) .
(2) ... هو الفقيه أبو أميه ، شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندري ، قاضي الكوفه ، أسلم في حياة النبي × ، وانتقل إلى اليمن في زمن الصديق : قيل : له صحبه ، ولم يصح (قاله الذهبي) . حدث عن : عمر ، وعلي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، وهو نزر الحديث . حدث عنه : الشعبي ، والنخعي ، وابن سيرين .
... وثقه يحي بن معين ، وصح أن عمر ولاه قضاء الكوفه ، فأقام على قضائها ستين سنة ، كان شاعراً فائقاً عاش مئة وعشر سنين ، توفي سنة (80هـ) ، قيل إنه استعفى من القضاء قبل موته بسنة.
... ينظر في ترجمته : أخبار القضاة لوكيع (2/189 – 402) ، وسير أعلام النبلاء (4/100) ، وتذكرة الحفاظ (1/55) . ...
(3) ... أورده ابن حجر في الفتح (11/147) ، والعيني في عمدة القاري (22/300) ، وعزوه إلى تهذيب الآثار للطبري (ولم أجده في المطبوع ولعله مما فقد) . ...
(4) ... هو قتادة بن دعامة بن عزيز أبو الخطاب السدوسي البصري الضرير الأكمه . حدث عن : عبد الله بن سرجس ، وأنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب . وحدث عنه : أيوب السختياني ، والأوزاعي ،
وابن أبي عروبة . كان من أوعية العلم ، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ ، وكان من أعلم
الناس بالقرآن والفقه والعربية والغريب وأيام العرب وأنسابها ، توفي سنة (118هـ) . ينظر في
ترجمته : ميزان الاعتدال (3/385) ، وشذرات الذهب (1/153) ، وسير أعلام النبلاء
(5/269) . ...(1/5)
يشير بإصبعه ولا يرفع يديه، وقال مسروق (1) لقوم رفعوا أيديهم: قطعهما الله (2) . وقال الحسن – رحمه الله - : إن رفع الصوت بالدعاء لبدعة، وإن مد الأيدي بالدعاء لبدعة (3) .
القول الثالث : لا يستحب رفع الأيدي في الدعاء إلا في الاستسقاء والنازلة . وهو رواية عن الإمام مالك (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أنس – رضي الله عنه - : (لم يكن النبي × يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء) (5) .
وجه الدلالة : يدل ظاهره على أنه لم يرفع يديه في غير الاستسقاء (6) .
2 – وأما مشروعيته في النازلة فلفعله × في غزوة بدر وفيه : (فاستقبل النبي × القبلة ماداً يديه ...الحديث) (7) .
ناقش القائلون باستحباب رفع اليدين أدلة المانعين بما يلي :
__________
(1) ... هو مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية أبو عائشة الوداعي ، الهمذاني الكوفي . حدث عن : أبي بن كعب ، وعمر ، ومعاذ بن جبل ، وعائشة وغيرهم . وحدث عنه : الشعبي ، وإبراهيم النخعي ، ويحي بن وثاب . كان من كبار التابعين ومن المخضرمين الذين أسلموا في حياة النبي × ، ومن أصحاب عبدالله بن مسعود الذين يعلمون الناس القرآن والسنة ، وكان يصلي حتى ترم قدماه ، توفي سنة
(63هـ) . ... ينظر في ترجمته : تذكرة الحفاظ (1/49) ، وتهذيب التهذيب (10/100) ، وسير أعلام النبلاء (4/63).
(2) ... أورده ابن حجر في الفتح (11/147) ، وعزاه إلى تهذيب الآثار (ولم أجده في المطبوع) ، وينظر: الجامع لأحكام القرآن (7/224) ، والفتح (11/147) ، وعمدة القاري (22/300) . ...
(3) ... ينظر : الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع ، للسيوطي ص 181 . ...
(4) ... ينظر : المدونة (1/398) . ...
(5) ... أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء ، برقم (103) ، ص 81.
(6) ... ينظر : فتح الباري (2/601) ، ونيل الأوطار شرح منتقى الآثار ، للشوكاني (3/308) . ...
(7) ... سبق تخريجه ، ص (148) . ...(1/6)
1 – أما حديث عمارة : أنه أنكر رفع اليدين على بشر بن مروان، (وحديث سهل بن سعد : قال ما رأيت رسول الله ...) . فالجواب عنهما : أنه خاص بكراهية رفع اليدين على المنبر حال خطبة الجمعة، وهو ظاهر سياق الحديث، فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها (1) .
2 – وأما حديث أنس – رضي الله عنه - : (أنه كان لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء) فالجواب عنه من وجهين :
أ – أن أنساً – رضي الله عنه – أراد أنه لم يرفع × الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء فالمنفي صفة خاصة، لا أصل الرفع (2) .
ب – وإذا فرضنا تعذر الجمع بين الحديثين، فأحاديث الجمهور أرجح لأمور :
1 – أن الصحابة الذين رووا أحاديث الرفع في مواضع كثيرة، وهم جماعات يقدمون على واحد لم يحضر ذلك (3) .
2 – أن أحاديث الإثبات متواترة، وأحاديث النفي غير متواتر، والمتواتر يقدم على غيره (4) .
3 – أن نفي أنس – رضي الله عنه – رؤيته، لا يستلزم نفي رؤية غيره ؛ لأن المثبت مقدم على النافي، والحافظ حجة على من لم يحفظ (5) .
3 – أما ما ورد عن ابن عمر – رضي الله عنه – أنه كان يكره رفع اليدين .
__________
(1) ... ينظر : فتح الباري (11/146) . ...
(2) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (6/190) ، وفتح الباري (11/146) ، وعمدة القاري (7/52) ، ونيل الأوطار (4/10) ، وعون المعبود (4/24) . ...
(3) ... شرح صحيح مسلم (6/190) . ...
(4) ... ينظر : فتح الباري (11/146) . ...
(5) ... ينظر : فتح الباري (2/601) . ...(1/7)
فالجواب عنه : أن ابن عمر – رضي الله عنه – إنما أنكر رفعهما إلى حذو المنكبين. وقال: ليجعلهما حذو صدره (1) . ثم أنه قد ورد أنه كان يرفع يديه عندما كان يدعو عند القاص حتى يحاذي بهما منكبيه، باطنهما مما يليه، وظاهرهما مما يلي وجهه (2) .
وأما ورد عن السلف أنهم كانوا يكرهون رفع الأيدي في الدعاء .
فيمكن الجواب عنه : أنه ثبت من فعل النبي × وقوله .
4 – وأما ما ورد عن الإمام مالك من الكراهية فحمله أصحابه على الرفع الكثير ؛ لأنه فعل اليهود، أما الرفع على وجه الاستكانة والخشوع فمحمود، وأجازه – رحمه الله – في مواضع الدعاء وفعله، أو يحمل ما ورد عنه من الكراهية على كراهية الرفع في غير موطنه (3) . وبهذا يتفق قوله مع قول الجمهور .
الترجيح :
القول الراجح – والله أعلم – هو القول الأول وهو استحباب رفع اليدين في الدعاء، وذلك لقوة أدلتهم، ووجاهتها ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
الفرع الثاني : آداب رفع اليدين في الدعاء وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : الصفة المشروعة لرفع اليدين :
ورد عن النبي × ثلاث صفات لرفع اليدين :
الصفة الأولى : المسألة :
__________
(1) ... ينظر : المصدر السابق (11/147) . ...
(2) ... أورده ابن حجر في الفتح (11/147) وعزاه إلى البخاري في الأدب المفرد وصححه ، (ولم أجده في المطبوع) قال عنه الذهبي كما في الأزهية ص 74 : (إسناده كالشمس) . ...
(3) ... ينظر : مواهب الجليل (2/207) . ...(1/8)
وهي أن يرفع الداعي يديه إلى منكبيه أو نحوهما، ضاماً لهما غير مفرقتين باسطاً بطونهما نحو السماء، وظهورهما نحو الأرض موجهاً أصابعه نحو القبلة وإن شاء قنع بهما وجهه، مكشوف اليدين غير ساتر لهما بثوب أو غطاء ؛ لأن كشفهما أدل على المقصود، وأظهر في الخضوع (1) ، هذا إن كانتا طاهرتين، وإلا فيكره رفعهما بلا حائل ولا يكره مع الحائل على الأوجه (2) ، وتسمى هذه الصفة أيضاً دعاء الرغب (3) .
وقد ورد الأمر بذلك في سؤال الله عز وجل في غير حديث، منها :
1 – حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي × قال : (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك، أو نحوهما ...) (4) .
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (1/166) ، والبناية على الهداية (1/588) ، والفتاوى الهندية (5/318) ، وحاشية العدوي (1/481) وشأن الدعاء ص 15 ، والفتوحات الربانية (7/247) ، والفروع (1/400) ، والإقناع (1/114) ، وكشاف القناع (2/389) ، وتصحيح الدعاء ص 116 – 117 ، وجامع العلوم والحكم ص 214 ، وحاشية قليوبي (1/231) . ...
(2) ... ينظر : الفتوحات الربانية (7/257) ، والأزهية ، ص 72 ، وإتحاف السادة (5/35) ، وحاشية قليوبي (1/231) . ...
(3) ... ينظر : المبسوط (1/166) . ...
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الدعاء ، برقم (1489) ، ص 1333 ، والبيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب ما ينوي المشير بإشارته في التشهد ، برقم (2796) ، (2/192) ، والطبراني في الدعاء ، باب صفة رفع اليدين ، برقم (208) ، ص 86 ، وابن فضيل في الدعاء ، برقم (16) ص 178 ، وقال محققه : (سنده ضعيف لضعف إسماعيل وجهالة شيخه ، وإضافة إلى كونه مرسلاً) ، وقال في عون المعبود (4/253) : (سكت عنه المنذري وأبو داود) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6/14)، برقم (6570) . ...(1/9)
2 – وعنه أن النبي × كان إذا دعا ضم كفيه، وجعل بطونهما مما يلي وجهه (1) .
3 – وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : (كان رسول الله × واقفاً بعرفة يدعو هكذا ورفع يديه حيال ثندوتيه (2) ، وجعل كفيه مما يلي الأرض) (3) ، وفي رواية : (ويداه إلى صدره كاستطعام المسكين) (4) .
وقوله «حيال ثندوتيه» أراد أنه لم يرفعهما زيادة عن صدره (5) .
4 – وكان × : (إذا سأل جعل باطن كفيه إليه، وفي لفظ (إلى وجهه) (6) .
__________
(1) ... أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/435)، ورقمه (12234) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4721) ص 861 . ...
(2) ... ثندوه كسنبله ، والثندوتان للرجل كالثديين للمرأة ، أراد أنه لم يكن على ذلك الموضع منه كبير لحم ، ينظر : النهاية (1/223) . ...
(3) ... أخرجه أحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الأدعية ، باب رفع اليدين في الدعاء ،
(14/270)) ، وأورده الهيثمي في المجمع (10/168) ، وعزاه إلى أحمد ، وقال : (فيها بشر بن حرب وهو ضعيف) ، وقال ابن حجر في التقريب (1/107) : (صدوق فيه لين) .
(4) ... أورده الهيثمي في المجمع (10/168) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، وقال : (فيه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله وهو ضعيف) . ...
(5) ... الفتح الرباني (14/270) . ...
(6) ... أخرجه أحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الأدعية ، باب صفة رفع اليدين ، (14/270) ، وقال البنا : (لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وهو مرسل ؛ لأن خلاد بن السائب ليس بصحابي ، وإنما الصحابي أبوه السائب بن خلاد ، وقد جاء هذا الحديث في مسند السائب بن خلاد الصحابي ، وغالب ما فيه من الأحاديث مروى عن خلاد بن السائب عن أبيه إلا هذا الحديث فلم يصرح بذكر أبيه فيه فهو مرسل لذلك) . وأورده الهيثمي في المجمع (10/168) ، وقال : (رواه أحمد مرسلاً، وإسناده حسن) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (4417) ، ص 641 .(1/10)
5 – وقال × : (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورهما) (1) .
6 – وحديث أن النبي × كان يستسقي عند أحجار الزيت (2) وهو مقنع بكفيه يدعو، وفي لفظ: (لا يجاوز بهما رأسه مقبل بباطن كفيه إلى وجهه) (3) .
والمعنى: أن باطن كفيه مقابلة لوجهه ومحاذية له لا يجاوز بهما رأسه (4) .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الدعاء ، برقم (1485) ، ص 1333 ، وقال : (روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب ، كلها واهية ، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف) ، وأورده الهيثمي في المجمع (10/169) ، وعزاه إلى الطبراني ، وقال : (رجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي وهو ثقه)، وقال ابن مفلح في الفروع (1/401) : (رواه أبو داود بإسناد حسن) ، وقال الألباني في الصحيحة (2/143) وبرقم (595) : (والحديث صحيح ؛ فإن له شواهد) .
(2) ... اسم موضع بالمدينة من الحرة ، سميت بذلك لسواد أحجارها كأنها طليت بالزيت ، ينظر : النهاية في غريب الحديث (1/343) ، والفتح الرباني (6/247) . ...
(3) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الاستسقاء ، باب رفع اليدين في الاستسقاء ، برقم (1168) ، ص 1309 ، والترمذي ، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء ، برقم (557) ، ص 1700 ، وسكت عنه ، والنسائي ، كتاب الاستسقاء ، باب كيف يرفع ؟ ، برقم (1515) ، ص 2188 ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء ، باب رفع اليدين في الدعاء ، (2/226) ، وقال : (حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه) ، وأخرجه أحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الاستسقاء ، باب استحباب رفع اليدين عند دعاء الاستسقاء (6/247) ، وقال البنا في الفتح الرباني (6/247) : (قال في التنقيح وسكت عليه أبو داود والمنذري ورجاله موثقون ، ورواه أيضاً أحمد والحاكم بإسناد لا مطعن فيه)) . ...
(4) ... الفتح الرباني (6/248) . ...(1/11)
وهذه هي الصفة العامة لرفع اليدين حال الدعاء مطلقاً، وفي قنوت الوتر، والاستسقاء أو في مواطن رفعهما في الحج، وغير ذلك (1) .
الصفة الثانية : الابتهال :
وهو التضرع والمبالغة في المسألة، فيبالغ في رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه، لكن لا يجاوز بهما رأسه، وتسمى هذه الصفة أيضاً دعاء الرهب (2) . ومما يدل عليها :
1 – حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – السابق وفيه : «الابتهال أن تمد يديك جميعاً» (3) .
2 – وعن أنس – رضي الله عنه – قال : كان النبي × لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه (4) .
وجه الدلالة : هذا يدل على رفعهما فوق الصدر، وحذو الأذنين ؛ لأن رفعهما مع الصدر لا يكشف بياض الإبط (5) . ولكن لا يجاوز بهما رأسه .
3 – لحديث أن النبي × كان يستسقي عند أحجار الزيت، قريباً من الزوراء (6) ، قائماً يدعو رافعاً يديه قبل وجهه، لا يجاوز بهما رأسه (7) .
وهذه الصفة خاصة في حال الشدة والرهبة، كحال الجدب والنازلة بتسلط العدو، ونحو ذلك (8) .
الصفة الثالثة : الاستغفار :
وهو أن يشير بإصبعه السبابة من يده اليمنى وتسمى دعاء الإخلاص أو التضرع (9) .
وسيأتي مزيد بيان لها في المبحث القادم (10) .
__________
(1) ... تصحيح الدعاء ص 117 . ...
(2) ... ينظر : فتح الباري (11/146) ، وعون المعبود (4/253) ، والأزهية ص 78 ، وتصحيح الدعاء
ص 117 ، والفتح الرباني (6/248) . ...
(3) ... سبق تخريجه ، ص (169) . ...
(4) ... سبق تخريجه ، ص (166) . ...
(5) ... ينظر : فتح الباري (11/146) ، والأزهية ص 78 . ...
(6) ... الزوراء : موضع بالمدينة قرب المسجد ، ينظر : ترتيب القاموس المحيط (2/491) . ...
(7) ... سبق تخريجه ، ص (170) . ...
(8) ... ينظر : عون المعبود (4/252) ، وتصحيح الدعاء ص 118 . ...
(9) ... ينظر : المبسوط (1/116) ، والبناية (1/588) ، وجامع العلوم والحكم (1/214) وتصحيح الدعاء ص 117 . ...
(10) ... ص (176) . ...(1/12)
المسألة الثانية : المواطن التي يكره فيها رفع اليدين :
لا يشرع رفع اليدين في الدعاء المقيد بحال أو زمان أو مكان، لم يثبت فيه أن النبي × رفع يديه فيه، كالدعاء في الطواف، وبعد الأكل، وعند النوم، وعند الجماع ونحو ذلك (1) .
المطلب الثاني : الدعاء بظهور الكفين :
اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في حكم الدعاء بظهور الكفين على قولين :
القول الأول : السنة في كل دعاء لرفع البلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعاء لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء .
وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (2) والمالكية (3) والشافعية (4)
والحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ????????????????? ????????? ??????????? ? (6) .
وجه الدلالة : قال بعض المفسرين (7) : الرغب بسط الأيدي، وظهورهما إلى الأرض، والرهب بسطهما وظهورهما إلى السماء .
2 – عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : (كان النبي × واقفاً بعرفة يدعو هكذا، ورفع يديه حيال ثندويه، وجعل بطون كفيه مما يلي الأرض) (8) .
__________
(1) ... ينظر : عون المعبود (4/253) ، وتصحيح الدعاء ص 26 . ...
(2) ... ينظر : المبسوط (1/166) ، والبناية على الهداية (3/181) ، وعمدة القاري (7/51) . ...
(3) ... ينظر : المدونة (1/398) ، ومواهب الجليل (2/207) ، والجامع لأحكام القرآن (11/223) ، وحاشية العدوي (1/481) . ...
(4) ... ينظر : المجموع (5/82) ، وشرح صحيح مسلم (6/19) ، وعون المعبود (4/251) . ...
(5) ... ينظر : الفروع (1/402)، والإنصاف (2/432)، وقال: (قدمه في الفروع) ، والآداب الشرعية
(2/263) .
(6) ... سورة الأنبياء : الآية (90) . ...
(7) ... ينظر : الجامع لأحكام القرآن (1/223) . ...
(8) ... سبق تخريجه ، ص (169) . ...(1/13)
3 – عن أنس – رضي الله عنه – (أن النبي × استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء) (1) ، وفي رواية : (كان يستسقي هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض ...) (2) .
4 – (وكان الرسول × إذا سأل جعل باطن كفيه إليه، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه) (3) .
5 – وعن أنس – رضي الله عنه – (أن رسول الله × كان إذا دعا جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض) (4) .
6 – قالوا والحكمة في الإشارة بظهور الكفين عند الرهب :إما التفاؤل بدفع
المحذور، أو بتقلب الحال ظهراً لبطن، أو يلتمس أن يغمره الله برحمته من رأسه إلى قدمه (5) .
القول الثاني : لا يشرع الدعاء بظهور الكفين. وهذا قول جماعة من الحنابلة (6) ، واختاره الشيخ ابن تيمية (7) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) (8) .
2 – ولأن اللائق بالطالب لشيء يناله أن يمد كفه إلى المطلوب ويبسطها متضرعاً ليملأها من عطاءه الكثير المؤذن به رفع اليدين إليه جميعاً (9) .
__________
(1) ... أخرجه مسلم، كتاب الاستسقاء، باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء، برقم (896)، ص817 .
(2) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الاستسقاء ، باب رفع اليدين في الاستسقاء ، برقم (1168) ، ص 1309 ، وقال في عون المعبود (4/25) : قال المنذري : (وأخرجه مسلم مختصراً بنحوه) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (170). ...
(4) ... أخرجه أحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الدعاء ، باب كيفية رفع اليدين ، (14/270) ، وقال البنا : (إسناده صحيح)) . ...
(5) ... ينظر : فتح الباري (2/601) ، وعون المعبود (4/251) . ...
(6) ... ينظر : الفروع (1/402) ، والإنصاف (2/432) . ...
(7) ... حكاه عنه ابن مفلح في الفروع (1/402) ، وعنه المرداوي في الإنصاف (2/432) . ...
(8) ... سبق تخريجه ، ص (170) . ...
(9) ... عون المعبود (4/251) ، وينظر : الشرح الممتع على زاد المستنقع ، لابن عثيمين (5/283) .(1/14)
وأما ما ورد في الأحاديث أنه كان يدعو بظهور كفيه، فالجواب عنه :
أنه من شدة رفعه لليدين صار كأن ظهور كفيه نحو السماء، قال شيخ الإسلام (1) : «صار كفيه نحو السماء لشدة الرفع، لا قصداً له، وإنما كان يوجه بطونهما مع القصد،
وأنه لو كان قصده فغيره أولى وأشهر، ولم يقل أحد مما يرى رفعهما في القنوت أنه يرفع ظهورهما، بل بطونهما» .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول بعدم مشروعية الدعاء بظهور الكفين وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها، وبه تتفق الأدلة . ولضعف دلالة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
المطلب الثالث : الدعاء برفع يد واحدة :
نص بعض الفقهاء (2) – رحمهم الله – على أنه لا بأس برفع إحدى اليدين عند الدعاء إذا منع من رفع الأخرى عذر واستدلوا بما يلي :
1 – حديث أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال : (كنت ردف النبي × بعرفات، فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها، فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى) (3) .
__________
(1) ... ينظر : الفروع (1/402) ، والإنصاف (2/432) ، والشرح الممتع (5/283) ، وقال : (وهذا هو الأقرب) أي هذا الجمع . ...
(2) ... ينظر : نيل الأوطار (5/70) . ...
(3) ... أخرجه النسائي في سننه ، كتاب المناسك ، باب رفع اليدين يوم عرفة ، برقم (3014) ، ص 2282 ، قال الشوكاني في نيل الأوطار (5/70) : (رجاله رجال الصحيح) ، وأخرجه أحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الأدعية ، باب رفع اليدين ، (14/270) ؛ وقال البنا : (جود الحافظ إسناده)) . وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/173) (أخرجه النسائي بسند جيد). ...(1/15)
2 – وعن أنس – رضي الله عنه – قال : (رفع رسول الله × يديه بعرفة يدعو، فقال أصحاب النبي × : هذا الابتهال، ثم حاصت (1) ناقته، ففتح إحدى يديه فأخذها وهو رافع الأخرى) (2) .
المطلب الرابع : إشارة الدا عي بالأصابع :
نص الفقهاء (3) – رحمهم الله تعالى – على أنه يستحب للداعي أن يشير بإصبعه حال الدعاء، ويسمى الإخلاص أو التضرع وصفته : أن يعقد الخنصر والبنصر ويحلق ويشير بمسبحته من اليد اليمنى (4) واستدلوا بما يلي :
1 – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : (والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة) (5) .
2 – قال النبي × : (والإخلاص هكذا، ورفع إصبعه التي تلي الإبهام من اليد اليمنى ليشير بها) (6) .
3 – وعن سهل بن سعد (7) – رضي الله عنه – قال : (ما رأيت رسول الله × شاهراً يديه يدعو على منبر ولا غيره، ولكن رأيته يقول هكذا، وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام) (8) .
__________
(1) ... حاص يحيص حيصاً وحيوصاً ، أي عدل وحاد وجال جولة ، ينظر : غريب الحديث (4/267) ، والنهاية (1/468) ، واللسان (7/19) . ...
(2) ... أورده الهيثمي في المجمع (10/169) ، في كتاب الأدعية ، وعزاه إلى البزار والطبراني في الأوسط ، وقال: (رجال البزار رجال الصحيح غير أحمد بن يحي الصوفي ، وهو ثقة ، ولكن الأعمش لم يسمع من أنس) .
(3) ... ينظر : المبسوط (2/77) ، والعناية على الهداية بهامش فتح القدير (2/94) ، وبدائع الصنائع
(2/262) ، المنتقى (2/439)، والقبس (2/21)، وشأن الدعاء ، ص 14 ، والحاوي (1/169) ، والآداب الشرعية (2/263) ، وجامع العلوم والحكم (1/214) وكشاف القناع (3/740).
(4) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/547) ، وشرح منتهى الإرادات (1/190) . ...
(5) ... سبق تخريجه ، ص (169) . ...
(6) ... سبق تخريجه ، ص (169) . ...
(7) ... سبقت ترجمته ، ص (164) . ...
(8) ... سبق تخريجه ، ص (164) . ...(1/16)
وظاهر كلامهم: أنه لا يشير بسبابة اليسرى ولا غيرها، ولو عدمت سبابة اليمنى (1) . وهذه الصفة خاصة بمقام الدعاء حال الخطبة على المنبر، وحال الدعاء عند التشهد الأخير في الصلاة، ونحو ذلك (2) .
أما الإشارة بأصبعين :فقد نص الفقهاء (3) على أنه يكره الإشارة في الدعاء باصبعين واستدلوا بما يلي :
1 – أن النبي × رأى رجلاً يدعو بإصبعين، فقال: أحد أحد (4) .
__________
(1) ... شرح منتهى الإرادات ، (1/190) . ...
(2) ... ينظر: المفهم شرح صحيح مسلم (3/1416) وجامع العلوم والحكم (1/214) ، والإقناع
(1/195)، و الفتح الرباني (14/271) ، ، وتصحيح الدعاء ص 117. ...
(3) ... شأن الدعاء ص 15 ، وينظر : شرح منتهى الإرادات (1/190) ، والمنتقى (2/439) . ...
(4) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعاء ، باب إن الله حي كريم ...، برقم (3557) ، ص 2018 ، وقال : (حديث حسن صحيح غريب) ، وأبو داود ، كتاب الوتر ، باب الدعاء ، برقم (1499) ، ص 1334 ، والنسائي ، كتاب السهو ، باب النهي عن الإشارة بأصبعين ، برقم (1273) ، ص 2170 ، والطبراني في الدعاء ، باب كراهية إشارة الرجل بأصبعين ، برقم (216) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء ، باب رفع اليدين في الدعاء ، (2/227) ، برقم (2009) ، وقال : (صحيح الإسناد) ، وأورده الهيثمي في المجمع ، (10/168) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، وقال : (رجاله ثقات) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1207).(1/17)
وجه الدلالة : معنى قوله (أحد أحد) أي أشر بإصبع واحدة ؛ لأن الذي تدعو إليه واحد وهو الله تعالى (1) وكرر للتأكيد في التوحيد (2) ، وإنما نهاه أن يشير بإصبعين ؛ لأن الدعاء يجب أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة، وإما بالإشارة بالواحدة على معنى التوحيد (3) ، والحكمة في النهي عنه أن يستعمل في التوحيد قلبه اعتقاداً ولسانه (4) .
2 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله × أبصر رجلاً يدعو بإصبعيه جميعاً فنهاه، وقال بأحدهما باليمين (5) .
3 – عن ابن عمر – رضي الله عنهما – : «أنه رأى رجلاً يشير بإصبعيه، فقبض إحدى إصبعيه، وقال : إنما الله إله واحد» (6) .
المطلب الخامس : الدعاء قائماً :
نص الفقهاء (7) – رحمهم الله تعالى – على أنه يشرع للإنسان أن يدعو وهو قائم واستدلوا بما يلي :
1 – (أن النبي × خرج بالناس يستسقي لهم، فقام فدعا الله قائماً، ثم توجه قبل القبلة ...) (8) .
2 – كان النبي × يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء، قائماً يدعو، يستسقي رافعاً يديه ... (9) .
__________
(1) ... النهاية (1/27) ، وينظر : عون المعبود (4/256) ، وسنن الترمذي (الموسوعة،ص 2018) .
(2) ... تحفة الأحوذي (9/382) . ...
(3) ... المنتقى (2/439) . ...
(4) ... عارضة الأحوذي (12/197) . ...
(5) ... أورده الهيثمي في المجمع (10/168) ، وعزاه إلى أبي يعلى ، وقال : (رجاله رجال الصحيح) .
(6) ... أورده الهيثمي في المجمع (10/168) ، وعزاه إلى الطبراني ، وقال : (رواه الطبراني موقوفاً ورجاله رجال الصحيح) وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10/382) . ...
(7) ... ينظر : عمدة القاري (7/47) ، ومواهب الجليل (2/203) ، والمجموع (8/107) ، وفتح الباري
(2/595) . ...
(8) ... أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء ، قائماً ، برقم (1023) ، ص 80 .
(9) ... سبق تخريجه ، ص (170) . ...(1/18)
3 – خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري (1) ، وخرج معه البراء بن عازب (2) ، وزيد بن أرقم (3) – رضي الله عنهم – فاستسقى، فقام بهم على رجليه على غير منبر، فاستغفر ثم صلى ركعتين .. (4) .
وجه الدلالة: في هذه الأحاديث دليل على مشروعية الدعاء حال القيام في غير الصلاة .
واستثنى الفقهاء مسألتين :
__________
(1) ... هو عبد الله بن يزيد بن حصين ، أبو موسى الأنصاري المدني ثم الكوفي ؛ أحد من بايع بيعة الرضوان ، كان من أفاضل الصحابة . حدث عن: النبي × ، وعن زيد بن ثابت ، وحذيفة بن اليمان . وحدث عنه : الشعبي ، وأبو إسحاق السبيعي ، وعدي بن ثابت . شهد مع علي – رضي الله عنه – صفين والنهروان ، وولي إمرة الكوفة لابن الزبير ، توفي قبل السبعين.
... ينظر في ترجمته: طبقات بن سعد (6/96)، وأسد الغابة (3/416) ، وسير أعلام النبلاء، (3/197) .
(2) ... هو البراء بن عازب بن الحارث ، أبو عمارة الأنصاري الحارثي المدني نزيل الكوفة ، من أعيان الصحابة ، شهد غزوات كثيرة مع النبي × ، واستصغر يوم بدر ، كان فقيهاً كبيراً .
... حدث عن : النبي × ، وعن أبي بكر ، وخاله أبي بردة ابن نيار .
... وحدث عنه : عدي بن ثابت ، وزاذان ، وأبو إسحاق السبيعي .توفي سنة (72هـ) .
... ينظر في ترجمته : تاريخ بغداد ، (1/177) ، أسد الغابة (1/258) ، السير (3/194) .
(3) ... هو زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك ، أبو عمرو الأنصاري الخزرجي ، نزيل الكوفة ، من مشاهير الصحابة ، واستصغر يوم أحد وشهد غزوة مؤته . حدث عنه : عبد الرحمن بن أبي ليلى ، النضر بن أنس ، عطاء بن أبي رباح . توفي سنة (68هـ) .
... ينظر في ترجمته : أسد الغابة (2/328) ، وشذرات الذهب (1/74) ، وسير أعلام النبلاء (3/165).
(4) ... أخرجه البخاري ، في صحيحه ، كتاب الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء قائماً ، برقم (1023) ،
ص 80 .(1/19)
الأولى : لا يشرع الدعاء قياماً بعد الصلاة (1) ، واستدلوا بما يلي :
1 – عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال : «لا تقوموا تدعون كما تصنع اليهود في كنائسهم» (2) .
2 – وعن أبي عبد الرحمن أنه رأى رجلاً يدعو قائماً بعد ما انصرف فسبه أو شتمه (3) .
3 – وعن عبد الله قال : ثنتان بدعة : أن يقوم الرجل بعد ما يفرغ من صلاته مستقبل القبلة يدعو، وأن يسجد السجدة الثانية فيرى أن حقاً عليه أن يلزق أليتيه بالأرض قبل أن ينهض (4) .
4 – وكان إبراهيم يكره إذا انصرف الرجل أن يقوم مستقبل القبلة يدعو (5) .
5 – وسئل مالك – رحمه الله – عن الرجل يدعو خلف الصلاة قائماً، فقال : ليس بصواب ولا أحب لأحد أن يفعله (6) .
الثانية : لا يشرع الوقوف أيضاً عند دعاء دخول المسجد وعند الخروج منه :
فقد سئل الإمام مالك – رحمه الله – عن الوقوف للدعاء عند دخول المسجد، وعند الخروج منه، فأنكره إنكاراً شديداً، وقال هذا من البدع (7) .
المطلب السادس : رفع الداعي بصره إلى السماء :
اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في حكم رفع الداعي بصره إلى السماء على قولين :
القول الأول : يجوز للداعي أن يرفع بصره إلى السماء. وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية (8) والمالكية (9)
__________
(1) ... ينظر : الحوادث والبدع ، للطرطوشي ص 45 . والمعيار المعرب (1/284).
(2) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10/383) . ...
(3) ... نفس الإحالة السابقة . ...
(4) ... أخرجه ابن أبي شيبه في مصنفه ، (10/384) . ...
(5) ... نفس الإحالة السابقة . ...
(6) ... الحوادث والبدع ص 45 . ...
(7) ... ينظر : الحوادث والبدع ص 44 ، والمدخل (2/447) ، والذخيرة (13/347) . ...
(8) ... ينظر : عمدة القاري (22/220) . ...
(9) ... ينظر : المفهم شرح صحيح مسلم (2/829) ، ومواهب الجليل (1/549) ، وحاشية العدوي
(1/178) .(1/20)
والشافعية (1) والحنابلة (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ?????? ?????? ????????? ???????? ? ????????????? ? (3) .
وجه الدلالة: كان النبي × يحب التوجه إلى الكعبة، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء رجاء الإجابة (4) .
2 – ورد في السنة مواضع كثيرة ثبت فيها رفعه × بصره إلى السماء، منها :
أ – عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : (ما خرج رسول الله × من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء، فقال : بسم الله توكلت على الله اللهم إني أعوذ بك أن أضِل أو أضُل .... الحديث) (5) .
__________
(1) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (4/152) ، وفتح الباري (2/372) ، وعون المعبود (3/127) ، وإتحاف السادة المتقين (5/34) . ...
(2) ... ينظر : الفروع (1/406) ، والمبدع (1/331) . ...
(3) ... سورة البقرة : الآية (144) . ...
(4) ... ينظر : تفسير القرآن العظيم ، (1/183) ، والجامع لأحكام القرآن ، (2/107) ، أسباب نزول القرآن، للواحدي ، ص 46 . ...
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب ما يقول إذ خرج من بيته ، برقم (5094) ، ص 1596 ، والترمذي، كتاب الدعوات ، باب ما جاء إذا خرج من بيته ، برقم (3427) ، ص 2005 ، وقال : (هذا حديث حسن صحيح) ، والنسائي ، كتاب الاستعاذة ، باب الاستعاذة من الضلال ، برقم
(5488) ، ص 2439 ، وابن ماجه ، كتاب الدعاء ، باب ما يدعو به الرجل إذا خرج من بيته ، برقم (3884) ، ص 2709 ، والطبراني في الدعاء ، برقم (413) ، ص 147 ، وأحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، باب ما يقال عند خروج المنزل ، (14/255)) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء، باب دعاء الخروج من البيت، برقم (1950) ، (2/202) ، وصححه ابن مفلح في الفروع(1/406) ، والألباني في صحيح الجامع (4/216) . ...(1/21)
ب – (أن النبي × رفع رأسه إلى السماء في مرضه الذي مات فيه، وهو يقول: اللهم الرفيق الأعلى (1) .
ج – ورفع النبي × رأسه إلى السماء، وقال : «اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني» (2) .
د – «ونظر النبي × إلى السماء، لما قام من الليل، وتلا خواتيم آل عمران» (3) .
هـ – عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله × : «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره – أو قال : نظره – إلى السماء فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة ...الحديث» (4) .
و – ولأن السماء قبلة الدعاء (5) ،
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب مرض النبي × ووفاته ، برقم (4451) ، ص 36.
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الأشربه ، باب إكرام الضيف ، برقم (2055) ، ص 1045 . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الأدب ، باب رفع البصر إلى السماء ، برقم (6215) ، ص 523 . ...
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الطهارة ، باب ما يقول الرجل إذا توضأ ، برقم (170) ، ص 1234 ، والدارمي في سننه ، كتاب الطهارة ، باب ما يقول بعد الوضوء ، برقم (716) ، (1/196) ، قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/240) : (هذا حديث حسن من هذا الوجه ، ولولا الرجل المبهم ، لكان على شرط البخاري ، لأنه أخرج لجميع رواته من المقريء فصاعداً إلا المبهم ، ولم أقف على اسمه) ، وقال الألباني في إرواء الغليل (1/135) : (وهذه الزيادة : «ثم رفع نظره إلى السماء» قال : زيادة منكرة ؛ لأنه تفرد بها ابن عم أبي عقيل هذا وهو مجهول) . ...
(5) ... الصواب أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة ، لوجوه :
أولاً : أن هذا القول لا دليل عليه من الكتاب والسنة ، ولا يعرف عن سلف الأمة ، بل هو مخالف لإجماع المسلمين ، كما حكاه شيخ الإسلام في رده على الجهمية ، (2/452) .
ثانياً : أن الرسول × كان يستقبل القبلة في دعائه كما ثبت عنه في مواطن كثيرة .
ثالثاً : أن قبلة الشيء هي ما يقابله لا ما يرفع إليه بصره .
ينظر : شرح العقيدة الطحاوية ، (2/392) ، وتعليق الشيخ ابن باز على فتح الباري
(2/272) . ...(1/22)
كما أن الكعبة قبلة الصلاة، ولا ينكر رفع الأبصار إليها، كما لا يكره رفع اليد (1) ، قال تعالى: ? ??? ????????????? ??????????? ????? ?????????? ???? ? (2) .
ز – ولأن رفع الداعي بصره إلى السماء مما يقع للعبد اضطراراً، لاتجاه قصده إلى ربه في علوه (3) .
القول الثاني : يكره للداعي أن يرفع بصره إلى السماء. وهذا ظاهر قول الحنفية (4) ، وقول بعض الشافعية (5) والحنابلة (6) .
واستدل لهم بما يلي :
1 – عموم قوله × : (لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء أو لا ترجع إليهم أبصارهم) (7) .
وجه الدلالة : لم يفرق بين داخل الصلاة وخارجها .
2 – وقوله × : (لينتهين ناس عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء حتى تخطف يعني تخطف أبصارهم) (8) .
وجه الدلالة : ظاهره، فعدم تقيده بالصلاة يدل على منعه في غيرها .
نوقش : بأن ما ورد من النهي خاص بحالة الصلاة لقوله في الرواية الأخرى : (عند الدعاء في الصلاة) (9) .
__________
(1) ... شرح صحيح مسلم (4/152) ، وينظر : المفهم (2/825) ، وفيض القدير (5/398) ، وعون المعبود (3/127) ، وفتح الباري (2/272) حاشية العدوي (1/178) . ...
(2) ... سورة الذاريات : الآية (22) . ...
(3) ... ينظر : الدعاء المأثور ص (65) ، وتصحيح الدعاء ص 125 . ...
(4) ... ينظر : المبسوط (1/12) . ...
(5) ... ينظر : حاشية قليوبي (1/231) . ...
(6) ... ينظر : الفروع (1/406) . ...
(7) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة ، برقم (750) ، ص 59 ، ومسلم ، كتاب الصلاة باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة ، برقم (428) ،
ص 747 .
(8) ... أورده الهيثمي في مجمعه ، كتاب الدعاء ، باب النهي عن رفع البصر عند الدعاء ، (10/167) ، وعزاه إلى البراز ، وقال : (رجاله رجال الصحيح غير أحمد بن منصور وهو ثقة) . ...
(9) ... أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة ، برقم (428) ،
ص 747 .(1/23)
وإذا حمل المطلق على المقيد اقتضى اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة (1) .
الراجح :
القول الراجح – والله أعلم – هو القول بأنه يجوز للداعي أن يرفع بصره إلى السماء لا أنه يستحب أو يجب وذلك لقوة أدلتهم، ووجاهتها، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة (2) .
المطلب السابع : مسح الوجه بعد الفراغ من الدعاء :
اختلف الفقهاء – رحمهم الله تعالى – في حكم مسح الوجه بعد الفراغ من الدعاء .
تحرير محل النزاع :
اتفقوا على أنه لا يشرع مسح الوجه لمن دعا ولم يرفع يديه (3) . واتفقوا على أنه لا يسن مسح غير الوجه كالصدر وغيره (4) . واستدلوا بما يلي :
أن النبي × كان يدعو كثيراً، كما في الصلوات والطواف، وغيرهما من الدعوات المأثورة، دبر الصلوات، وعند النوم، وبعد الأكل، وأمثال ذلك، ولم يرفع يديه، ولم يمسح وجهه (5) .
واختلفوا في الداعي إذا رفع يديه هل يمسح وجهه بعد الفراغ من الدعاء أم لا ؟ على قولين :
القول الأول : لا يندب للداعي أن يمسح وجهه بعد الدعاء . وهذا قول الإمام مالك (6) ، والصحيح من مذهب الشافعية (7) ،
__________
(1) ... فتح الباري (2/272) . ...
(2) ... واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - ، ينظر : الاختيارات الفقهية ص 57 ، وفتح الباري
(1/406) ، واختاره الشيخ بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء ص 125 ، وقال : (وهو الذي عليه المحققون).
(3) ... ينظر : المجموع (3/441) ، وعون المعبود (4/253) ، والفتح الرباني (3/315) . ...
(4) ... حكاه النووي في الروضة (1/255) ، وينظر : المجموع (3/442) ، ومغني المحتاج (1/167) ، والفروع (1/484) ، والإنصاف (2/169) ، وفيض القدير (1/369) . ...
(5) ... ينظر : عون المعبود (4/253) . ...
(6) ... حكاه عنه المروزي في مختصر كتاب الوتر ص 304 . وينظر: المعيار المعرب (1/283).
(7) ... ينظر : المجموع (3/441) ، ومنهاج الطالبين مع مغني المحتاج (1/167) ، والفتوحات الربانية
(2/311).(1/24)
ورواية عند الحنابلة (1) . اختارها شيخ الإسلام – رحمه الله – (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أنه وردت نصوص صريحة صحيحة في استحباب رفع اليدين، ولم يرد فيها مسح الوجه بعد الدعاء، مع توفر الدواعي على نقل ذلك، مما يدل على أن هذا العمل لا أصل له (3) .
2 – صرح غير واحد من السلف بعدم مشروعية المسح بعد الدعاء فمن ذلك :
1 – سئل الإمام ابن المبارك – رحمه الله – عن الذي إذا دعا مسح وجهه قال: «لم أجد له ثبتاً، قال الراوي : ولم أره يفعل ذلك ...» (4) .
2 – وسئل مالك – رحمه الله – عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء فأنكر ذلك، وقال : «ما علمت» (5) .
3 – وسئل عبد الله بن المبارك عن الرجل يبسط يديه فيدعو ثم يمسح بهما وجهه، فقال : «كره ذلك سفيان – رحمه الله – » (6) .
4 – وقال شيخ الإسلام – ابن تيمية – رحمه الله – (7) : «أما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة» .
القول الثاني : يندب للداعي أن يمسح وجهه بعد الدعاء .
__________
(1) ... ينظر : الفروع (1/483) ، والإنصاف (2/169) . ...
(2) ... ينظر : الفتاوى (22/519) . ...
(3) ... ينظر : الشرح الممتع (4/113) ، وجزء مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء ، بكر أبو زيد ص 75 .
(4) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب رفع اليدين في القنوت ، برقم (3152) ، (2/301) .
(5) ... أخرجه المروزي في مختصر كتاب الوتر ، باب مسح الوجه بيديه بعد فراغه من الدعاء ، ص 304 .
(6) ... نفس الإحالة السابقة . ...
(7) ... الفتاوى (22/519) . ...(1/25)
وهذا الأصح عند الحنفية (1) ، وقول جماعة من المالكية (2) ووجه عند الشافعية (3) ، والمذهب عند الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (1/27) ، والبناية على الهداية (2/602) . وحاشية ابن عابدين (1/547) وقال : (المسح بعده على وجهه سنة في الأصح) . ...
(2) ينظر: المعيار المعرب (1/283): ونسبه إلى ابن لب، وابن علان، وابن سراج من متأخري أئمة غرناطة وابن عرفان والبرزلي وغيرهم.
(3) ... ينظر : المجموع (3/441) ، والأذكار ص 391 ، والمنهاج في شعب الإيمان (1/535) ، وتحفة الذاكرين ص 36 ، والفتوحات الربانية (7/257) . ...
(4) ... ينظر : المغني (2/585) ، والانصاف (2/173) ، وبدائع الفوائد (4/113) ، وشرح منتهى الإرادات (1/228) ، ومطالب أولى النهى (1/559) . ...(1/26)
1 – قال × : (سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) (1) .
2 – قال × : (إن ربكم حيي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه، فيردهما صفراً لا خير فيها، فإذا رفع أحدكم يديه، فليقل : يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا أرحم الراحمين، ثلاث مرات، ثم إذا رد يديه فليفرغ الخير على وجهه) (2) .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الدعاء ، برقم (1485) ، ص 1333 ، وقال : (روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب ، كلها واهية ، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف) ، وابن ماجه ، في كتاب الدعاء ، باب رفع اليدين في الدعاء ، برقم (3866) ، ص 2707 ، قال البوصيري في زوائد ابن ماجه (2/51) : (هذا إسناد ضعيف ، لا تفاقهم على ضعف صالح بن حسان) ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير، مع فيض القدير (1/344) ، ورمز لحسنه ، وتعقبه المناوي قال : (ليس كما قال فقد قال ابن الجوزي لا يصح ، فيه صالح بن حسان متروك ، قال ابن حبان : يروي الموضوعات لكن له شاهد) ، وأخرجه البغوي في شرح السنة، باب أدب الدعاء رفع اليدين فيه ، برقم (1400) ، (5/204) : وقال : (ضعيف فيه صالح بن حسان المدني الأنصاري منكر الحديث ، قاله البخاري) ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، (2/227) : (وسكت عنه)، والمروزي في مختصر الوتر ، باب مسح الوجه الرجل وجهه بيديه بعد فراغه ، ص 303 وضعفه الألباني في السلسة الصحيحة (2/144) : (قال : وهو ضعيف جداً ، وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرة ، ولم أجد لها حتى الآن شاهداً) .
(2) ... أورده الهيثمي في مجمعه ، كتاب الأدعية ، باب ما جاء في الإشارة في الدعاء ، (10/169) ، وعزاه إلى الطبراني ، وقال : (فيه الجارود بن يزيد ، وهو متروك) . ...(1/27)
3 – قال × : (إذا دعا أحدكم فرفع يديه، فإن الله تعالى جاعل في يديه بركة ورحمة فلا يردهما حتى يمسح بهما وجهه) (1) .
__________
(1) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب مسح الرجل وجهه عند الفراغ من الدعاء ، برقم (214) ، ص 88 ، في إسناده إبراهيم بن يزيد الخوري المكي ، أبو إسماعيل الأموي ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ، (1/162 – 163) : (قال عنه أحمد : متروك الحديث ، وقال ابن معين : ليس بثقه ، وليس بشيء ، وقال الدار قطني : منكر الحديث ، وقال ابن حبان : (روى المناكير الكثيرة حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها) أ.هـ .
... وأورده السيوطي في فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء ، برقم (50) ، ص 94 ، وقال : (قال شيخ الإسلام – أي ابن حجر – في أماليه : الوليد في طبقه من سمع من الصحابة – رضي الله عنهم – لكن لم أرله رواية عن صحابي ، فيكون هذا الإسناد معضلاً ، وإبراهيم الراوي عنه ، هو الخوري فيه مقال) أ . هـ .(1/28)
4 – وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : (كان رسول الله × إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) (1) .
__________
(1) ... أخرجه أحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الدعاء ، باب كيفية رفع اليدين ، برقم (190) ، (14/272) ، والترمذي ، كتاب الدعوات باب ما جاء في رفع اليدين ، برقم (3386) ، ص 2000 ، وقال: (هذا حديث صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى ، وقد تفرد به ، وهو قليل الحديث، وقد حدث عنه الناس ، وحنظله بن أبي سفيان الجمحي ، وهو ثقه ، وثقه يحي بن سعيد القطان) ، وضعفه النووي في الأذكار ، ص 391 ، وقال : (وأما قول الحافظ عبد الحق – رحمه الله - : إن الترمذي قال في الحديث : إنه حديث صحيح ، فليس في النسخ المعتمدة من الترمذي أنه صحيح ، بل قال حديث غريب) ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء ، باب مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ، برقم (2010) ، (2/227) ، وسكت عنه ، وضعفه الذهبي في سير أعلام النبلاء ، (19/66) في ترجمه حماد شيخ الحاكم ، وأخرجه الطبراني في الدعاء ، برقم (213) ، ص 88 ، والسيوطي في فض الوعاء ، برقم (12) ، ص 52 ، وقال: (رجاله رجال الصحيح سوى حماد وهو شيخ صالح ضعيف الحديث ، ولحديثه هذا شواهد ، فهو حسن) ، وضعفه ابن الجوزي في العلل المتناهية ، (2/356) ، وقال : (هذا حديث لا يصح) ، وقال الألباني في إرواء الغليل (2/178) (عن حماد بن عيسى) (فمثله ضعيف جداً ، فلا يحسن حديثه فضلاً عن أن يصحح، والحاكم مع تساهله كما أخرجه في المستدرك سكت عنه ولم يصححه ، وتبعه الحافظ الذهبي) ، وقال ابن حجر في بلوغ المرام ، مع سبل السلام (4/427) : (له شواهد ... ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن) ، (أراد أنه حسن بغيره لا لذاته) ، ينظر : جزء في مسح الوجه ص 36 . ...(1/29)
وجه الدلالة : في هذه الأحاديث دليل على مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء (1) . وقيل : كأن المناسبة أنه تعالى لما كان لا يردهما صفراً، فكأن الرحمة أصابتهما فناسب إفاضة ذلك على الوجه، الذي هو أشرف الأعضاء، وأحقها بالتكريم (2) .
5 – كان الحسن – رحمه الله – إذا دعا مسح وجهه (3) .
أجاب القائلون بعدم المشروعية :
أما هذه الأحاديث التي ورد فيها المسح، فلم يثبت فيها شيء تقوم به حجة، كما ثبت في تخريجها .
وعلى فرض أن هذه الأحاديث بمجموع طرقها ترتقي إلى درجة الحسن لغيره يبقى متنها شاذاً ؛ لأنها مخالفة لظاهر الأحاديث الصحيحة التي وردت بكثرة أن النبي × كان يرفع يديه في الدعاء، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه (4) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – أن الأولى عدم مسح الوجه بعد الفراغ من الدعاء، ولو فعله الداعي أحياناً من غير ملازمة له كان له وجه، وتركه أفضل، ولا ينكر على من فعله معتمداً على تحسين الأحاديث الواردة في ذلك ؛ لأن هذا من مسائل الخلاف (5) .
المطلب الثامن : الجثو على الركب عند الدعاء:
استحب بعض الفقهاء (6) أن يجثو الداعي على ركبتيه عند الدعاء .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... سبل السلام (4/427) ، وتحفة الأحوذي (9/232) . ...
(2) ... المصادر السابقة ، والفتح الرباني (14/272) . ...
(3) ... أخرجه المروزي في مختصر كتاب الوتر، باب مسح الرجل وجهه بيديه، ص 304 ، وذكره ابن القيم في بدائع الفوائد (4/113) . ...
(4) ... ينظر : دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر ، لابن عثيمين ص 48 . ...
(5) ... هذا اختيار الشيخ بكر أبو زيد ، وابن عثيمين – رحمه الله – ينظر جزء في مسح الوجه ص 75 ، والشرح الممتع (4/56) ، ودليل الأخطاء التي تقع فيها الحاج والمعتمر ص 48 . ...
(6) ... ينظر : الأم (1/289) ، وعدة الحصن الحصين مع تحفة الذاكرين ص 34 ، والأذكار ص 182 .(1/30)
1 – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : كان رسول الله × إذا هاجت ريح استقبلها بوجهه وجثا على ركبتيه ومد يديه، وقال : (اللهم إني أسألك من خير هذه الريح وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً اللهم اجعلها رياحاً ...) (1) .
2 – وروي أن قوماً شكوا إلى رسول الله × القحط، فأمرهم أن يجثوا على الركب، فجثوا قال: فقولوا: يا رب، يا رب، ففعلوا فسقوا حتى أحبوا أن يكشف عنهم (2) .
وجه الدلالة : فيه دليل على مشروعية الجثو على الركب عند الدعاء، وهذا منه × تواضعاً لله وخوفاً على أمته، وتعليماً لهم في تبعيته (3) .
3 – أن هذا قعود المستوفز الخائف الذي إن احتاج إلى النهوض نهض سريعاً، وهذا أيضاً قعود الصغير بين يدي الكبير وفيه نوع أدب مع الله (4) .
__________
(1) ... رواه الشافعي في كتابه الأم (1/289) حسنه ابن حجر كما في الفتوحات (4/277) ، وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الأذكار ، باب ما يقول إذا هاجت الريح ، (10/135) وعزاه إلى الطبراني ، وقال : (فيه حسين بن قيس الملقب بحنش وهو متروك ، وقد وثقه حصين بن نمير ، وبقيه رجاله رجال الصحيح) أ . هـ . وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند هبوب الريح ، برقم (977) ، ص 303 ، وقال ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (4/277) : (أخرجه مسدد في مسنده الكبير وفي سنده جبر بن عبد الله وهو ضعيف وجده عبيد الله – بالتصغير بن العباس ... وهو ضعيف أيضاً ، وقد اعتضد بالمتابعة) . ...
(2) ... أورده الهيثمي في المجمع (2/214) ، وعزاه إلى البزار والطبراني وضعفه ، وقال الألباني في الضعيفة ،
(4/293) ، وبرقم (1813) : (منكر) .وقال ابن حجر في التلخيص (2/642) : [رواه أبو عوانه وفي سنده اختلاف] .
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (4/278) . ...
(4) ... المصدر السابق . ...(1/31)
لكن هذه الأحاديث الواردة في الجثو على الركب ضعيفه لا تقوم بها حجة كما ثبت في تخريجها، ولهذا قال الشوكاني (1) – رحمه الله – : «لم يثبت في هذه الهيئة شيء يصلح للاحتجاج به» .
المطلب التاسع : السجود لأجل الدعاء :
نص الفقهاء (2) – رحمهم الله تعالى – على أنه إذا أراد الإنسان الدعاء، فعفر وجهه في التراب وسجد لله ليدعوه فيه، فهذا سجود لأجل الدعاء، ولا شيء يمنعه، والمكروه هو السجود بلا سبب .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – موقوفاً عليه - : «ما وضع رجل جبهته لله ساجداً، فقال : رب اغفر لي ثلاثاً إلا رفع رأسه وقد غفر له» (3) .
2 – عن علي – رضي الله عنه – قال : من أحب الكلام إلى الله عز وجل أن يقول العبد وهو ساجد : رب ظلمت نفسي فاغفر لي (4) .
******
__________
(1) ... تحفة الذاكرين ص 35 . ...
(2) ... الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ص 61 ، وينظر : المجموع (3/522) ، وحاشية قليوبي (1/308) ، والباعث على إنكار البدع والحوادث ص 191 ، والإقناع (1/157) ، وكشاف القناع (2/538) ، وتحفة الذاكرين ص 108 ، ونزل الأبرار ص 87 . ...
(3) ... أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الصلاة ، باب ما يقول في سجوده ، (2/129) : وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال : (من رواية محمد بن جابر عن أبي مالك هذا ولم أجد من ترجمهما) ، وقال الشوكاني في التحفة ص 108 : (وروي من حديث أبي سعيد موقوفاً عليه ، ولكنه له حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثله) أ.هـ بمعناه . ...
(4) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول في السجود ، برقم (608) ، ص 195 . ...(1/32)
المبحث التاسع: قطع الدعاء
نص بعض الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه يستحب لمن فتح له في الدعاء ألا يقطعه، إلا إذا سمع الآذان فإنه يجيب المؤذن ثم يعود إلى ما كان فيه ؛ لأن الإجابة تفوت، وما هو فيه لا يفوت غالباً.
أما السلام على الداعي:
فقد نص بعض الشافعية (2) على كراهة السلام على الداعي ؛ لأنه يتنكد بالسلام عليه ويشق عليه ؛ لكونه مهتم بطلب حاجته، ففي السلام عليه قطع لما هو فيه .
قال النووي – رحمه الله – (3) : «وأما من كان مشتغلاً بالدعاء مستغرقاً فيه مستجمع القلب فيحتمل أن يقال هو كالقارئ، والأظهر عندي أنه يكره السلام عليه ؛ لأنه يتنكد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل» .
******
__________
(1) ... ينظر : المدخل (2/446) ، والأذكار ص 45 . ...
(2) ... ينظر : الأذكار ص 249 ، والفتوحات الربانية (5/330) . ...
(3) ... الأذكار ص 249 . ...(1/1)
الفصل الثاني
أحكام الدعاء
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الدعاء المتعلق بالصلاة، وفيه ثمان وعشرون مطلباً:
المطلب الأول : الدعاء عند سماع الأذان والإقامة : وفيه أربعة فروع :
الفرع الأول : دعاء المؤذن قبل الأذان :
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه لا يشرع الدعاء قبل الأذان ، كالتذكير قبل كل أذان ، أو قبل المغرب ، أو قبل أذان الجمعة ، بأنواع الأذكار وبالدعاء بقولهم : «يا رب عفواً بجاه المصطفى كرماً» . لأن هذا من أقبح البدع ، والتزيد على الشرع المطهر ، وتغيير شعائره الظاهرة (2) .
واختلفوا في الدعاء قبل أذان الفجر ، هل هو مشروع أم لا ؟ على قولين:
القول الأول : أن ما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ، ونحو ذلك من البدع المكروهة . وهذا ظاهر مذهب المالكية (3) ، والشافعية (4) ، ومذهب الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أنه لم يكن في عهده × ، ولا عهد أصحابه ، وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه (6) .
__________
(1) ... ينظر : الاعتصام (2/598) ، والمدخل (2/410) ، ومواهب الجليل (1/432) ، والفواكه الدواني (1/269) ، والاقناع (1/79) ، وكشاف القناع (1/288) ، والدرر السنية (4/107) ، وحاشية الروض المربع (1/443) ، وتلبيس إبليس ص 153 . ...
(2) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 375 . ...
(3) ... ينظر : الاعتصام (2/598) ، والمدخل (2/410) ، ومواهب الجليل (1432) ، والفواكه الدواني (1/269) . ...
(4) ... ينظر : فتح الباري (2/124) . ...
(5) ... ينظر : الاقناع (1/79) ، وكشاف القناع (1/288) ، الدرر السنية (4/107) ، وحاشية الروض المربع (1/443) ، وتلبيس إبليس ، لابن الجوزي ص 153 ، وشرح منتهى الارادات (1/269). ...
(6) ... كشاف القناع (1/288) ، وينظر : الدرر السنية (4/107) ، وإصلاح المساجد من البدع والعوائد ، للقاسمي ص 134 . ...(1/1)
2 – أن فعل ذلك يترتب عليه مفاسد كثيرة ، منها : التشويش على من في المسجد يتهجد أو يقرأ ، واجتماع العوام لسماع تلك الألحان ، وحصول زعقات وصياح عند سماعها والفتنة بصوت الشباب ، وفيها ضرر على الجيران ، وقد أمرنا بقطع الضرر (1) .
وعلى فرض أن يكون الناس عالمين بحكم المخالفة ، إلا أنه قد ينشأ الصغير على رؤيتها وظهورها ، أو يدخل في الإسلام أحد ممن يراها شائعة ذائعة ، فيعتقدونها جائزة أو مشروعة ؛ لأن المخالفة إذا فشا في الناس فعلها من غير إنكار لم يكن عند الجاهل بها فرق بينها وبين سائر المباحات أو الطاعات (2) .
فعليه ؛ ليس لأحد أن يأمر بالدعاء في تلك الساعة ولا ينكر على من تركه ، ولا يعلق استحقاق الرزق به ، ولا يلزم فعله لو شرطه الواقف (3) .
القول الثاني : إن قيام المؤذن قبل الفجر بالتهليل والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك، جائز ولا بأس به، بل هو مع حسن النية قربة وبدعة حسنة. وهذا قول بعض الحنفية (4) ، وبعض المالكية (5) ، وجماعة من الشافعية (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى : ? ????????????????? ??????????? ? (7) .
ووجه الدلالة : الدعاء والصلاة على النبي عقب الأذان والثلث الأخير من الليل و قرب الفجر من أجل القرب (8) .
__________
(1) ... ينظر : المدخل (2/413) ، ومواهب الجليل (1/429) ، وتلبيس إبليس ص 153 . ...
(2) ... ينظر : الاعتصام (2/601) . ...
(3) ... ينظر : الاقناع (1/79) . ...
(4) ... ينظر : عمدة القاري (5/134) ، وحاشية ابن عابدين (1/420) . ...
(5) ... ينظر : مواهب الجليل (1/429 – 432)، والفواكه الدواني (1/269)، وبلغة السالك (1/169).
(6) ... ينظر : القول البديع ص 280 ، والفتوحات الربانية (2/113) . ...
(7) ... سورة الحج : آية (77) . ...
(8) ... ينظر : القول البديع ص 280 . ...(1/2)
2 – قال × : (لا يمنعن أحدكم أو أحداً منكم أذان بلال من سحوره ، فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ، ولينبه نائمكم ، وليس أن يقول : الفجر ، أو الصبح ، وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق ، وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا ... الحديث) (1) .
وجه الدلالة : أخبر النبي × أن ذلك النداء كان لما ذكر لا للصلاة (2) فلم يكن أذان بلال بألفاظ الأذان ، وإنما كان تذكيراً أو تسحيراً (3) ، وقد قام دليل من الشارع على أن المراد من أذان بلال ليس معناه الشرعي ، وهو أذان ابن أم مكتوم ؛ إذ لو لم يكن كذلك ، لم يوجد الفرق بين أذانيهما ، والحال أن الشارع فرق ، وقد قال : (إن أذان بلال لإيقاظ النائم، وليرجع القائم) ، وقال لهم : (لا يغرنكم أذان بلال) ، وجعل أذان ابن أم مكتوم هو الأصل ، كما قررناه (4) .
3 – أن الأذان الشرعي هو الإعلام بدخول الوقت بألفاظ مخصوصة ، والأذان قبل الوقت ليس إعلاماً بالوقت (5) .
4 – أن حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول أو فعل أو هيئة (6) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب الآذان قبل الفجر ، برقم 621 ، ص 50 . ...
(2) ... ينظر : فتح الباري (2/124) . ...
(3) ... هو قيام المؤذن في آخر الليل في رمضان ويختلف بحسب عوائد الناس ، فمنهم من يسحر بالآيات والأدعية والأذكار ، ومنهم من يسحر بالطبلة ، ومنهم من يسحر بالبوق والنفير ، وكلها بدع ، وبعضها أشنع من بعض ، وقد أحدث بعض المؤذنين بمكة بعد الأذان الأول للصبح ، أن يقول يا دائم المعروف يا كثير الخير ، يا من هو بالمعروف معروف ... ، وقد أنكر عليهم الفقهاء .
... ينظر : مواهب الجليل (1/430) ، والمدخل (2/415) . ...
(4) ... ينظر : عمدة القاري (5/135) ، والبحر الرائق (1/277) . ...
(5) ... فتح الباري (2/124) . ...
(6) ... مواهب الجليل (1/430) ، وينظر : فتح الباري (2/110) . ...(1/3)
5 – أن قيام المؤذن بالدعاء (1) في هذا الوقت ، سنة شريفة ؛ لأنه قام في هذا الوقت المرجو للإجابة ، وكونه جهر به ملتحق بالمواطن التي جاءت السنة بالجهر فيها (2) .
المناقشة والترجيح :
أجاب القائلون بأن الدعاء قبل أذان الفجر بدعة على أدلة المجيزين بما يلي :
1 – أما قولكم : «أن النبي × بين أن ذلك النداء كان لما ذكر لا للصلاة» .
فالجواب عنه : أن قوله × : «ليرجع قائمكم ، ولينبه نائمكم» ، زيادة في الخبر ، وليس فيه حصر فيما ذكر (3) .
2 – أما قولكم : «أن النداء لم يكن بألفاظ الأذان ...» مردود ؛ لأن الذي يصنعه الناس من التسحير محدث قطعاً ، وقد تظافرت الطرق على التعبير بلفظ الآذان ، فحمله على معناه الشرعي مقدم ، ولأن الآذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة ، لما التبس على السامعين ، وسياق الخبر يقتضي أنه خشي عليهم الالتباس (4) .
3 – أما قولكم : «أن الأذان الشرعي ، هو الإعلام بدخول الوقت ...» .
فالجواب عنه : أن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاماً بأنه دخل أو قارب أن يدخل ، وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات ؛ لأن الصلاة في أول وقتها مرغب فيه ، والصبح يأتي غالباً عقب نوم ، فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ، ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت (5) .
4 – أما قولكم : «أن حقيقة الأذان كل ما يصدر عن المؤذن ...» .
__________
(1) ... أي قول المؤذن بعد آذان الصبح الأول : (يا دائم المعروف يا كثير الخير يا من هو بالمعروف معروف، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً) . ...
(2) ... ينظر : القول البديع ص 280 ، ومواهب الجليل (1/430) . ...
(3) ... ينظر : فتح الباري (2/124) . ...
(4) ... ينظر : فتح الباري (2/124) . ...
(5) ... المصدر السابق .(1/4)
فالجواب عنه : أنه لو كان الأمر كما ذكرتم ؛ لكان كل ما أحدث من التسبيح قبل الصبح، وقبل الجمعة ، من الصلاة على النبي × من جملة الأذان ، وليس كذلك لا لغة ولا شرعاً (1) .
5- وأما قولكم : «أن قيام المؤذن بالدعاء في هذا الوقت ...» .
فالجواب عنه : بأن الأصل أن يتعبد الله بما شرعه ، فما لم يشرعه لا يكون مستحباً ، بل قد يكون شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، فإن الدعاء أعظم الدين (2) .
والدعاء وإن كان فيه خير وبركة ، لكن ليس لنا أن نضع العبادة إلا حيث وضعها الشارع × (3) .
فالدعاء بهذه الكيفية غير مشروع قطعاً ، فلا يكون مستحباً ، فضلاً على أن يكون سنة شريفة ، ثم إنه يأتي متصلاً بالأذان ، وبصوته على المنارة ، فيظن من لا علم عنده أن ذلك من الأذان (4) ، وهذا من أقبح البدع ، والتزيد على الشرع المطهر ، وتغيير شعائره الظاهرة (5) .
الترجيح : الراجح – والله أعلم – هو القول بعدم مشروعية الدعاء قبل أذان الفجر وإن ذلك من البدع المكروهة وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة ، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة ، حيث أجابت بم نصه : «الاستمرار على ما ذكر من قراءة القرآن الكريم ،ثم بعض الأدعية قبل أذان صلاة الفجر ، ليس من السنة بل هو بدعة» (6) .
الفرع الثاني : الدعاء أثناء الأذان :
__________
(1) ... فتح الباري (2/110) ، وينظر : مواهب الجليل (1/430) . ...
(2) ... الفتاوى (22/475) . ...
(3) ... مواهب الجليل (1/432) . ...
(4) ... مواهب الجليل (1/431) . ...
(5) ... تصحيح الدعاء ص 375 . ...
(6) ... فتاوى اللجنة الدائمة ، برقم (9908) ، وينظر : البدع والمحدثات وما لا أصل له ، جمع حمود المطر ، ص 455 . ...(1/5)
لا يشرع للمؤذن أن يتكلم أثناء الآذان ، لما فيه من ترك الموالاة ، والإخلال بالتعظيم، وتغيير النظم، فلا يشتغل بدعاء ولا بغيره أثناء الآذان في قول عامة الفقهاء (1) .
وأما المستمع ، فقد اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله تعالى – على أنه يستحب له إجابة المؤذن بمثل قوله إلا في الحيعلتين، فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم يصلي على النبي × ، ثم يدعو بدعاء الوسيلة . واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة) (3) .
2 – وعن معاوية – رضي الله عنه – «أنه لما قال حي على الصلاة ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وقال : هكذا سمعنا نبيكم × يقول» (4) .
__________
(1) ... ينظر : تبين الحقائق (1/91) ، والبحر الرائق (1/272) ، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر ، داماد أفندي (1/76) ، والمدونة (1/59) ، ومواهب الجليل (1/427) ، والخرشي على مختصر خليل
(1/230) ، وفتح الباري (2/116) ، ومغني المحتاج (1/137) ، والمغني (2/83) ، والفروع
(1/281) . ...
(2) ... ينظر : بدائع الصنائع ،(1/660) ، والفتاوى الهندية (1/57) ، وحاشية ابن عابدين (1/428) ، والمدونة ،(1/60) ، والمعونة (1/88) ، ومواهب الجليل (1/445) ، وفتح الباري (2/112)، والبجيرمي علي الخطيب (2/203) ، وحاشية قليوبي وعميرة (1/193) ، والمغني (2/85) ، وشرح العمدة ، لابن تيمية (2/126) ، وشرح الزركشي (1/525) . ...
(3) ... سبق تخريجه، ص87 .
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب ما يقول إذا سمع المنادي ، برقم [613] ، ص 50 . ...(1/6)
أما قوله × : (من قال حين يسمع النداء ، اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلت له شفاعتي) (1) .
فظاهره أنه يقول دعاء الوسيلة حال سماع الأذان ، ولا يتقيد بفراغه (2) .
وأجيب : بأنه يحتمل أن المراد من النداء تمامه ، إذ المطلق يحمل على الكامل (3) ويؤيد ذلك ورود الأحاديث بلفظ «ثم» الذي يفيد الترتيب كما في الحديث السابق: (قولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، ثم سلوا لي الوسيلة) (4) فظاهر عطفه بثم أن السنة لا تتأدى بتقديم هذا الدعاء على الإجابة (5) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء عند النداء ، برقم [614] ، ص 50 . ...
(2) ... ينظر : فتح الباري ، (2/112) . ...
(3) ... فتح الباري ، (2/112) . ...
(4) ... سبق تخريجه ، ص(87).
(5) ... الفتوحات الربانية (2/114) . ...(1/7)
واستحب بعض فقهاء الشافعية لمن سمع أذان المغرب أن يقول (1) : «اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك، وأصوات دعائك ، فاغفر لي» . لحديث أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: علمني رسول الله × أن أقول عند آذان المغرب : «اللهم إن هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعائك ، فاغفر لي» (2) . لكن هذا الحديث ضعيف لا يقوى على الاستحباب.
هذا ما ورد عند إجابة المؤذن ، وقد ذكر بعض الفقهاء أدعية تقال عند إجابة الأذان، مبنيةً إما على أحاديث ضعيفة أو موضوعة ، أو لا أصل لها ، فمنها :
__________
(1) ... ينظر : المجموع ، (3/112) ، ومغني المحتاج ، (1/142) ، وحاشية قليوبي ، (1/193) . ...
(2) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب ما يقول عند أذان المغرب ، برقم (530) ، ص 1263 ، واللفظ له ، والترمذي ، في كتاب الدعوات ، باب دعاء أم سلمة ، برقم (3589) ، ص 2021 . وقال: (هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه ، وحفصة بنت أبي كثير ، لا نعرفها ولا أباها) . وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب ما يقول عند الأذان ، برقم (434) ، ص 154 ، والبيهقي في كتاب الصلاة ، باب الدعاء بين الأذان ، برقم (1935) ، (1/604) . والحاكم في مستدركه في كتاب الصلاة ، باب الدعاء عند أذان المغرب ، برقم (741) ، (1/445) . وقال: (حديث صحيح ولم يخرجاه) وفي سنده أبو كثير. قال عنه ابن حجر – رحمه الله – في نتائج الأفكار (3/12) : (وأبو كثير بالمثلثة، ما عرفت اسمه ولا حاله ، لكنه وصف بأنه مولى أم سلمة، فيمكن تحسين حديثه) أ.هـ.، وضعفه الألباني في تمام المنة ، ص 149 ، وقال : (فمثل هذا الحديث لا يجوز نشره بين الأمة إلا مع بيان حاله من الضعف) . ...(1/8)
1 – من قال عند الأذان : (اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة النافعة ، صل علي محمد ، وارض عنه رضاً لا سخط بعده ، استجاب الله دعوته) (1) فيه راو ضعيف ، كما ثبت في تخريجه ، .
2 - ومنها : إذا سمع المؤذن ، يقول : الله أكبر ، يستحب أن يقول : لبيك داعي الله، سمع السامعون بحمد الله ، ونعمته ، اللهم أفضل علينا ، وقنا عذاب النار ، ثم يقول مثل ما يقول .
ذكر ذلك بعض الفقهاء ولم يذكروا له دليلاً (2) .
__________
(1) ... أخرجه أحمد في المسند ، ينظر: الفتح الرباني: (كتاب الصلاة ، باب الدعاء عقب الآذان ، برقم (279)، (3/32) ، وقال ابن البنا : (وفي إسناده ابن لهيعه ، وفيه ضعف لكن أحاديث الباب تعضده) وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب كيف مسألة الوسيلة ، برقم (96) ، ص 49، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الصلاة ، باب إجابة المؤذن ، (2/331) ، وعزاه إلى أحمد ، والطبراني في الأوسط وقال : (وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف) . ...
(2) ... ينظر : مواهب الجليل (1/446) . ...(1/9)
3 – ومنها : الدعاء بعد الحيعلتين (1) ، فقد ورد في حديث : (إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء، واستجيب الدعاء ، وفيه : وإذا قال: حي على الفلاح، قال : حي على الفلاح ، ثم يقول : اللهم رب هذه الدعوة التامة الصادقة ، المستجاب لها ، دعوة الحق ، وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها ، واجعلنا من خيار أهلها أحياءً وأمواتاً ، ثم يسأل الله حاجته) (2) .
وفي إسناده راوٍ ضعيف ، فلا يعول عليه ، كما ثبت في تخريجه .
__________
(1) ... تحفة الذاكرين ص 41 . ...
(2) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند الأذان ، برقم (458) ، ص 159 . وابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب كيف مسألة الوسيلة ، برقم (98) ، ص 49 ، والبيهقي في كتاب الصلاة ، باب ما يقول إذا سمع الإقامة ، (1/605) موقوفاً على ابن عمر ، ولفظه : (واجعلني من صالحي أهلها عملاًَ يوم القيامة) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء ، باب إجابة الأذان والدعاء بعده ، برقم (2048) ، (2/243) ، وقال : (هذا حديث صحيح الإسناد) أ . هـ . لكن في إسناده عفير بن معدان، قال عنه المنذري : (واه) ، ينظر : (تحفة الذاكرين ص 41) وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال
(3/83): (قال أبو داود : شيخ صالح ضعيف الحديث ، وقال أبو حاتم : يكثر عن سليم عن أبي أمامه بما لا أصل به ، وقال يحيى بن معين : ليس بشيء ، وقال مرة: ليس بثقة ، وقال أحمد : منكر الحديث ، ضعيف) أ . هـ . ...(1/10)
4 – ومنها : أن يقول بعد حي على الفلاح : «اللهم اجعلنا مفلحين» لحديث كان رسول الله × إذا سمع المؤذن يقول (حي على الفلاح) ، قال (اللهم اجعلنا مفلحين) (1) .
لكن في إسناده راويان متروكان ، فلا يعمل به ، كما ثبت في تخريجه .
5 – ومنها : أن يقول بعد قول المؤذن في صلاة الصبح (الصلاة خير من النوم) (صدقت وبررت) (2) أو (صدقت ، وبالحق نطقت) (3) .
__________
(1) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا قال المؤذن حي على الصلاة ، برقم (92) ، ص 46 ، وإسناده موضوع ، أظنه من عبد الله بن واقد ، قال عنه الذهبي في الميزان (2/517) : (قال البخاري : سكتوا عنه ، وقال أيضاً: تركوه ، وقال ابن معين: (ليس بشيء ، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب (1/429) : (متروك) وفي إسناده أيضاً ، نصر بن طريق ، قال عنه الذهبي في الميزان ،
(4/251) : (قال أحمد : لا يكتب حديثه ، وقال النسائي وغيره : متروك ، وقال يحيى بن معين : من المعروفين بوضع الحديث ، وقال الفلاس : وممن أجمع عليه من أهل الكذب أنه لا يروي عنه) . وممن حكم بوضعه الألباني – رحمه الله – قال في السلسلة الضعيفة (2/143) ، برقم (706) : (موضوع) .
(2) ... قال ابن حجر في التلخيص (1/347) : (هذه الزيادة لا أصل لها) ، وتابعه الألباني في إرواء الغليل
(1/259) . ...
(3) ... ينظر : الإنصاف (1/397) وقال : (قطع به المجد في شرحه) . ...(1/11)
وهذه الزيادة لا أصل لها فلا يعمل بها (1) ، أو يقول : صدقت وبررت ، أرشدك الله ، ولم ترد هذه الزيادة في كلام أحد من العلماء من أهل المذاهب ، ولا غيرهم (2) فلا تقوى مثل هذه الأمور على تخصيص عموم قوله × (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) (3) ، فإذا قال المؤذن : الصلاة خير من النوم ، يقول المجيب مثله : الصلاة خير من النوم ، ولا يقول : صدقت وبررت ؛ لأن هذه الزيادة لا أصل لها .
6 – ومنها : أن يقول بعد آذان الصبح : «اللهم هذا إقبال نهارك وإدبار ليلك ، وأصوات دعائك فاغفر لي» . ذكره بعض فقهاء الشافعية (4) ، ولم يذكروا دليلاً عليه ، ولعلهم قاسوه على الحديث الوارد في آذان المغرب .
__________
(1) ... التلخيص الحبير (1/347) . ...
(2) ... مواهب الجليل (1/444) . ...
(3) ... سبق تخريجه، ص (87) . ...
(4) ... مغني المحتاج (1/142) ، وحاشيتا القليوبي وعميره على كنز الراغبين (1/194) ، وحاشيه الجمل على شرح المنهج (1/490) . ...(1/12)
7 – ومنها : أن يقول حين يؤذن المؤذن اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة أعط محمداً سؤله يوم القيامة ، إذا قال ذلك نالته شفاعة محمد × (1) وفي سنده جماعة من الضعفاء كما ثبت في تخريجه .
8 – ومنها : أن يقول إذا سمع المؤذن يؤذن ، اللهم افتح أقفال قلوبنا بذكرك ، وأتمم علينا نعمتك من فضلك ، واجعلنا من عبادك الصالحين (2) .
لكن إسناده مسلسل بالمجاهيل ، فلا يعمل به (3) كما ثبت في تخريجه .
__________
(1) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند الآذان ، برقم (432) ، ص 153 . ... وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة ، باب إجابة المؤذن وما يقول عند الآذان ، (1/333) وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، قال : (فيه صدقه بن عبد الله السمين ، ضعفه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم، ووثقه دحيم وأبو حاتم ، وأحمد بن صالح المصري) . وقال عنه الذهبي في الميزان (2/310) : (ضعفه النسائي والدار قطني ، قال ابن عدي : أكثر أحاديثه مما لا يتابع عليه ، وهو إلى الضعف أقرب). وقال ابن حجر في التقريب (1/349) ، (ضعيف) وقال في نتائج الأفكار (1/362) (هذا حديث غريب وفي سنده جماعة من الضعفاء ، لكن لم يتركوا ، ويغتفر في فضائل الأعمال لاسيما مع شواهده ، والله أعلم)، أ . هـ ، وقال الشيخ بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء ص 382 : (هذه اللفظة اللهم أعط محمد سؤله ، لا أصل لها في شيء من طرق الحديث الصحيح ، فهي مدرجة) . ...
(2) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب كيف مسألة الوسيلة ، برقم (100) ، ص (50) . وهو حديث ضعيف ، كما قال الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (553) ، ص 79 . ...
(3) ... تصحيح الدعاء ص 384 . ...(1/13)
9 – ومنها : من سمع النداء فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صلى على محمد ، وبلغه درجة الوسيلة عندك ، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة ، وجبت له الشفاعة (1) .
فيه راوٍ ضعيف ، فلا يعول عليه ، كما ثبت في تخريجه .
10– ومنها : أن يقول : اللهم أعط محمداً الوسيلة واجعل في الأعلين درجته ، وفي المصطفين محبته ، وفي المقربين ذكره ، إلا وجبت له الشفاعة يوم القيامة لحديث: (ما من مسلم يقول إذا سمع النداء بالصلاة ، فكبر المنادي فيكبر ويشهد أن لا إله إلا الله ، فيشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله فيشهد على ذلك ، ويقول : فذكره) (2) .
فيه راوٍ متروك ، لا يصلح للعمل به ، كما ثبت في تخريجه .
هذا أبرز ما وقفت عليه من الأدعية التي لا تصح عند سماع الآذان .
الفرع الثالث : الدعاء بعد الأذان وقبل الإقامة :
__________
(1) ... أورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة ، باب إجابة المؤذن عند الآذان ، (1/333) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال : (فيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان ، لينه الحاكم وضعفه ابن حبان ، وبقية رجاله ثقات) قال عنه الذهبي في الميزان (1/194) : (لينه أبو أحمد ، والحاكم) . ...
(2) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند الآذان ، برقم (433) ، ص 154 .
... وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة ، باب إجابة المؤذن عند الآذان ، (1/333) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير وقال : (رجاله موثقون) . و ... قال الألباني في إرواء الغليل (1/260) : (وهذا إسناد ضعيف جداً ، أبو عمر هذا هو حفص بن سليمان القاري الكوفي وهو متروك الحديث ، وقد تابعه عمر أبو حفص ، وهو ابن حفص العبدي وهو مثله في الضعف أو أشد ، وقول الهيثمي : (رجاله موثقون) فهذا من تساهله فلا يلتفت إليه) . ...(1/14)
يستحب للمؤذن وللمستمع بعد فراغ الأذان الصلاة على النبي × ثم سؤال الله الوسيلة ، ثم الدعاء بأمور الدنيا والآخرة (1) لقوله ×: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة من الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة) (2) .
وجاء في حديث آخر بيان دعاء الوسيلة وهي قوله : (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم مقاماً محموداً الذي وعدته) (3) .
ونص الفقهاء (4) على أنه يستحب الدعاء بين الأذان والإقامة للمؤذن وللمجيب ولغيرهما .واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... أما استحبابه للمؤذن ، فلم يصرح به إلا الشافعية والحنابلة . ينظر : المجموع (3/112) ، والتهذيب في فقه الشافعي ، للبغوي (2/49) ، ومغني المحتاج (1/141) ، والبجيرمي على الخطيب (2/203) ، والإنصاف (1/396) ، وحاشية الروض المربع (1/456) . أما استحبابه للمستمع ، فقد نص عليه الفقهاء ، كما سبق ذكره ، ص (197). ...
(2) ... سبق تخريجه، ص (87).
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب الدعاء عند النداء ، رقم (614) ، ص 50 ، وقوله : (مقاماً محموداً) قال في الإنصاف، (1/397) : (والصحيح من المذهب : أنه لا يقولها إلا منكرين، فيقول : مقاماً محموداً ، موافقة للقرآن ، وهو الوارد في الصحيحين وغيرها ، وردّ ابن القيم القول الأول (وهو تعريفها) في بدائع الفوائد من خمسة أوجه) أ . هـ . ...
(4) ... الفتاوى الهندية (1/57) ، وينظر : مواهب الجليل (1/432) ،والتهذيب (2/50) ، والمجموع
(3/113) ، ومغني المحتاج (1/141) ، والمغني (1/87) ، وشرح العمدة (2/126) . ...(1/15)
1 – قال × : (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة) (1) .
2 – وقال × : (قل كما يقولون ، فإذا انتهيت فسل تعطه) (2) .
3 – قال × : (الدعاء مستجاب ما بين النداء) (3) .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء بين الآذان والإقامة ، برقم (521) ، ص 1262 ، والترمذي في كتاب الصلاة ، باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الآذان والإقامة ، برقم (212)
ص 1657 ، وقال : (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني، كتاب الصلاة ، باب استحباب الدعاء بعد الآذان والإقامة ، برقم (241) ، (3/12)) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، باب الترغيب في الدعاء بعد الآذان والإقامة ، برقم (67 – 71) ، ص (174 – 175) ، والطبراني في الدعاء ، باب فضل الدعاء بعد الآذان والإقامة ، برقم (484) ، ص 166 ، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/364) ، وقال : (هذا حديث حسن ، وهو غريب من هذا الوجه) وعلته وجود زيد العمى، قال عنه ابن حجر في التقريب (1/268): (ضعيف) ينظر : الفتوحات الربانية (2/135) . وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/262) .
(2) ... أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب ما يقول إذا سمع المؤذن ، برقم (524) ص 1263 ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، باب الترغيب في المسألة إذا قال مثل ما يقول المؤذن ، برقم (44) ، ص 163 ، والطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند الأذان برقم (444) ، ص 156 ، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار ، (1/368) ، وينظر الفتوحات الربانية ، (2/137) . ...
(3) ... أخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء عند الآذان وعند البأس ، برقم (740) ،
(1/445) ، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ، برقم (679) ، ص 143 . ... قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/366): (الراوي عن حميد ضعيف جداً) أ.هـ . وضعفه الألباني في الإرواء (1/263): وقال : (سنده واه جداً) . ...(1/16)
4 – وقال × : (ساعتان يفتح فيهما أبواب السماء ، وقلما ترد على داع دعوته : عند حضور النداء ، والصف في سبيل الله) (1) .
__________
(1) ... أخرجه الإمام مالك في الموطأ موقوفاً ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في النداء للصلاة ، برقم (150) ، ص 57 ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الصلاة ، باب لا يرد الدعاء عند الأذان ، برقم (739) ،
(1/445) ، وبنحوه أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد ، باب الدعاء عند اللقاء ، برقم (2540) ،
ص 1441 ، وقال النووي في الأذكار ص 45 : (إسناده صحيح) ، وأخرجه بنحوه أحمد في المسند ، ينظر: (الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب استجابة الدعاء بين الأذان والإقامة ، برقم (242) ،
(3/13) ، وقال (شعيب الأرنؤط) محقق زاد المعاد (2/394): (إسناده جيد) . وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب فضل الدعاء بعد الأذان والإقامة ، برقم (489) ، ص 167 ، وفي إسناده عبدالحميد بن سليمان الخزاعي ، قال عنه ابن حجر في التقريب (1/437) : (ضعيف) . ...(1/17)
ويسن الدعاء وإن طال ما بينهما ، ويحصل أصل السنة بمجرد الدعاء ، والأولى شغل الزمن بتمامه بالدعاء ، إلا وقت فعل الراتبة على أن الدعاء في نحو سجودها يصدق عليه أنه دعاء بين الأذان والإقامة (1) . وآكده سؤال العافية في الدنيا والآخرة (2) لقوله × : (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة ، قالوا : فماذا نقول يا رسول الله ؟ قال : (سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة) (3) . ويحتمل أن وقت إجابة الدعاء يستمر وإن تعددت الإقامات لصدق اللفظ عليه ، لأن «ال» في الأذان للجنس الصادق بالجميع (4) .
__________
(1) ... ينظر : حاشية الجمل على شرح المنهج (1/490) . ...
(2) ... مغني المحتاج (1/142)، وينظر: حاشية الجمل (1/490)، والاقناع (1/79)، والكشاف (1/288).
(3) ... سبق تخريج الجزء الأول منه ص (203) ، وأما باقيه وهي : (سلوا الله العافية ...) فهي من زيادة الترمذي التي أخرجها في كتاب الدعوات ، باب العفو والعافية ، برقم (3594) ، ص 2021 ، وقال : (هذا حديث حسن ، وقد زاد يحيى بن اليمان في هذا الحديث هذا الحرف ، قالوا : فماذا نقول؟ قال (سلوا الله العافية ...)) . ... وقال الذهبي عن يحيى بن اليمان ، في الميزان ، (4/416) : (قال أحمد : ليس بحجة ، وقال ابن المديني ، صدوق ، فلج فتغير حفظه ، وقال ابن معين والنسائي : ليس بالقوي) . ... وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/366) : (يحيى بن اليمان، كان رجلاً صالحاً لكنهم اتفقوا على أنه كان كثير الخطأ ، ولاسيما في حديث الثوري ، وقال ابن حبان : شغلته العبادة عن الحديث) أ.هـ .
... وقال ابن حجر في التقريب (2/369) ، (صدوق عابد ، يخطئ كثيراً ، وقد تغير حفظه) . ... وينظر : الفتوحات الربانية (2/136) .
... قال الألباني في إرواء الغليل (1/262) : (حديث ضعيف منكر بهذه الزيادة تفرد بها ابن اليمان وهو ضعيف لسوء حفظه) . ... ...
(4) ... الفتوحات الربانية (2/135) . ...(1/18)
ويكون الدعاء سراً بين المرء ونفسه ، ولا يجهر بصوته ، وله أن يرفع يديه أثناء الدعاء (1) ، لأن رفعهما من أسباب الإجابة .
هذه هي الصفة المشروعة للدعاء بعد الأذان ، وذكر بعض العلماء أدعية تقال بعد الآذان ، ولا يصح شيء منها ، لضعف الأحاديث الواردة فيها ، فمن ذلك :
الزيادة على دعاء الوسيلة المتقدم وهو (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه الله مقاماً محموداً الذي وعدته ...) (2) .الزيادة عليه بألفاظ لم ترد في شيء من طرق الحديث. فمن ذلك :
1 – قولهم : الدرجة الرفيعة أو الدرجة العالية الرفيعة أو الدرجة العالية الرفيعة في الجنة آمين ، أو زيادة يا أرحم الراحمين ، أو «أسألك بحق هذه الدعوة» .
كلها ألفاظ لا يثبت شيء منها في دعاء الوسيلة (3) .
2 – زيادة (إنك لا تخلف الميعاد) (4) .
هذه اللفظة شاذة ، لأنها لم ترد في دواوين السنة الستة (5) .
__________
(1) ... ينظر : فتاوى اللجنة الدائمة (6/89) . ...
(2) ... سبق تخريجه، ص(202) . ...
(3) ... قال ابن حجر في التلخيص (1/346) : (وليس في شيء من طرقه ذكر الدرجة الرفيعة ، وزاد الرافعي في المحرر في آخره يا أرحم الراحمين ، وليست أيضاً في شيء من طرقه ) أ . هـ . ينظر : مواهب الجليل (1/447) ، الفتوحات الربانية (2/116) ، إرواء الغليل (1/261) ، تصحيح الدعاء
ص 381 .
(4) ... أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ، كتاب الصلاة ، باب ما يقول إذا فرغ من ذلك ، برقم (1933) ،
(1/603) . ...
(5) ... قال العجلي في كشف الخفاء (1/483) : (قال في المقاصد : لم أره في شيء من الروايات) ، وقرره الألباني – رحمه الله – في إرواء الغليل (1/260) ، والشيخ بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء ص 382، ولكن لا تعد بدعة لثبوتها في رواية البيهقي ، وينظر : فتاوى اللجنة الدائمة (6/88) . ...(1/19)
3 – زيادة (واسقنا بكأسه من حوضه مشرباً هنيئاً سائغاً ، روياً غير خزايا ، ولا ناكثين ، ولا مغضوباً عليهم ، ولا ضالين ، برحمتك يا أرحم الرحمين) (1) لعدم الدليل على استحبابها .
4 – قوله بعد الإجابة رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً ، وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة، اللهم اكتب شهادتي هذه في عليين وأشهد عليها ملائكتك المقربين، وأبنائك المرسلين ، وعبادك الصالحين ، واختم عليها بآمين ، واجعلها لي عندك عهداً توفينه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد . لحديث : (من قال إذا سمع المؤذن كما يقول : ثم قال : رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، اللهم أكتب شهادتي هذه في عليين ، وأشهد عليها ... ثم قال : بدرت بطاقة من تحت العرش قد عتقت من النار) (2) وسنده غريب فلا يعول عليه، كما ثبت في تخريجه .
الفرع الرابع : الدعاء عند الإقامة :
أما المقيم فلا يتكلم أثناء الإقامة ، لا بدعاء ولا بسلام ، ولا بكلام ألبتة ؛ لأن حكم الإقامة كحكم الآذان (3) . وأما المستمع : فقد اختلف الفقهاء في حكم إجابته على ثلاثة أقوال :
__________
(1) ... ذكره السامري في المستوعب (2/66) ، وشيخ الإسلام في شرح العمدة (2/127) ، وسكت عنه ولم يذكر من خرجه ، وقال : (زاد بعض أصحابنا ، فذكره) ، والكشناوي في أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك (1/107) . ...
(2) ... قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/355) . ... (هذا حديث غريب ، أورده الأصبهاني في كتاب (الترغيب) هكذا ورجاله معروفون إلا عم موسى ، فلا يعرف اسمه ولا حاله ، وأما موسى فذكره العقيلي في الضعفاء ، (4/155) ، وأورد له من رواية هشام عن عمه حديثاً غير هذا) أ . هـ . ...
(3) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/57) ، ومجمع الأنهر (1/77) ، ومواهب الجليل (1/427) ، والمغني
(1/84) . ...(1/20)
القول الأول : أن سامع الإقامة لا يجيب ، ولا بأس بأن يشتغل بالدعاء عندها .
وهذا قول الحنفية (1) ، وبعض المالكية (2) .
ويمكن أن يستدل لهم :
1 – أنه لا يعرف حديث صحيح صريح في أن من سمع الإقامة يجيبها كما ثبت ذلك لمن سمع الآذان .
2 – لأنها ساعة إجابة (3) ، قال × : (إذا ثوب بالصلاة ، فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء) (4) والمراد بالتثويب : الإقامة (5) .
القول الثاني : يستحب لسامع الإقامة أن يقول مثل ما يقول المقيم إلا في الحيعلتين فيقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وفي لفظ الإقامة يقول : (أقامها الله وأدامها) أو (اللهم أقمها وأدمها).وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية (6) ،
__________
(1) ... ينظر : البحر الرائق (1/273) ، والفتاوى الهندية (1/57) ، وحاشية ابن عابدين (1/431) . ...
(2) ... ينظر : الفواكه الدواني (1/267) . ...
(3) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/57) ، ومواهب الجليل (1/465) ، وتحفة الذاكرين ص 42 ، الفروع
(1/281) ، والمبدع (1/333) . ... واختار هذا القول الشيخ ابن إبراهيم في فتاويه (2/136) ، حيث قال : (والقول الآخر عدم استحبابه ، وهو أولى) . ...
(4) ... أخرجه أحمد في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب أدعية تقال عند الآذان ، برقم
(242) ، (3/13)) ، وفي إسناده ابن لهيعة ، قال عنه الذهبي في الميزان (2/475) : (قال ابن معين: لا يحتج به ، وقال النسائي :ضعيف ، وقال أبو زرعة ، وأبو حاتم : أمره مضطرب ، يكتب حديثه للاعتبار) ، وقال ابن حجر في التقريب (2/417) : (صدوق من السابعة ، خلط بعد احتراق كتبه ، ورواية ابن المبارك ، وابن وهب عنه أعدل من غيرهما) . ...
(5) ... النهاية في غريب الحديث (1/226) ، وينظر : لسان العرب (1/247) ، والفتح الرباني (1/13).
(6) ... ينظر : فتح القدير (1/249) ، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين (1/431) ، والفتاوى الهندية
(1/57) . ...(1/21)
والمالكية (1) ، والشافعية (2) ، والحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن بلالاً – رضي الله عنه – أخذ في الإقامة ، فلما قال : قد قامت الصلاة، قال النبي × (أقامها الله وأدامها) و قال في سائر ألفاظ الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان (4) .
__________
(1) ... ينظر : المعونة (1/89) ، ومواهب الجليل (1/427) . ...
(2) ... ينظر : المجموع (3/113 ، 117) ، شرح صحيح مسلم (4/88) ، ومغني المحتاج (1/141) ، ونيل الأوطار (2/60) . ...
(3) ... ينظر : المغني (2/87) ، ومختصر الزركشي (1/524) ، شرح العمدة ، لابن تيمية (2/125) ، زاد المعاد ، (2/392) . ...
(4) ... أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب ما يقول إذا سمع الإقامة ، برقم (528) ، ص 1263 ، والبيهقي في السنن الكبرى ، كتاب الصلاة ، باب ما يقول إذا سمع الإقامة ، برقم (1940) ،
(1/605)، وقال : (وهذا إن صح شاهد لما استحسنه الشافعي – رحمه الله – من قولهم (اللهم أقمها وأدمها)) . ... والطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند الإقامة ، برقم (491) ، ص 168 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة باب ما يقول إذا أقيمت الصلاة ، برقم (104) ، ص 52 . ... قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/361) هذا حديث غريب ، أخرجه أبو داود هكذا وسكت عليه، وفي سنده الراوي المبهم ، وفي شهر بن حوشب مقال ، لكن حديثه حسن إذا لم يخالف ، ومحمد بن ثابت المذكور هو العبدي ، فيه مقال أيضاً ، وقد ضعف الحديث في التلخيص (1/347) ، وقال : (وهو ضعيف والزيادة فيه لا أصل لها) يقصد (واجعلني من صالحي أهلها) . ... وشهر بن حوشب قال عنه الذهبي في الميزان (2/284) : (قال ابن عون : إن شهراً تركوه ، وقال البستاني وابن عدي : ليس بالقويّ . قال ابن عدي : شهر ممن لا يحتج به ولا يتدين بحديثه) .
... وقال ابن حجر في التقريب (2/341) ، (صدوق ، كثير الإرسال والأوهام) . ... وأما محمد بن ثابت : قال عنه الذهبي في الميزان (3/495) : (قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال فيه غير واحد : ليس بالقوي) . وقال عنه ابن حجر في التقريب (2/158) : (صدوق لين الحديث) .
... وحكم بضعفه النووي في المجموع (3/117) ، والألباني في إرواء الغليل (1/258) ، برقم (241)، وقال : (وهذا إسناد واه) . ...(1/22)
وجه الدلالة : فيه أنه يستحب لسامع الإقامة ، أن يقول عند قول المقيم (قد قامت الصلاة) أقامها الله وأدامها (1) . وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً ، إلا أنه يعمل به في فضائل الأعمال (2) .
2 – ولأنه دعاء لائق ، فلا يمنع منه (3) .
القول الثالث : يستحب لسامع الإقامة أن يقول مثل ما يقول المقيم ، ثم يصلي على النبي × ثم يقول دعاء الوسيلة. وبهذا أفتت اللجنة الدائمة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن الإقامة أذان ثان ، وصح عن الرسول × أنه قال : (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) (5) .
وجه الدلالة : أن هذا يعم الأذان والإقامة ؛ لأن كلا منهما يسمى أذاناً (6) .
ويمكن أن تناقش أدلة القائلين بمشروعية قول أقامها وأدامها من ثلاثة أوجه:
1 – أن حديث : «أقامها الله وأدامها» هو عمدة من قال باستحباب هذا الدعاء عند الإقامة ، وهو حديث ضعيف لا تقوم به الحجة ، وقد اتفق جهابذة المحدثين على تضعيفه كما ثبت في تخريجه .
2 – أن قولكم : (إن هذا الحديث وإن كان ضعيفاً ، فيعمل به في الفضائل) .
فالجواب عنه :أنه غير مسلم ، لأنكم تثبتون بهذا الحديث حكماً شرعياً وهو الاستحباب ، وليس فضيلة أو ترغيباً في عبادة ، فلا يدخل فيما ذكرتم من جواز العمل به في فضائل الأعمال ؛ لأنه لا يجوز لنا أن نثبت شريعة بحديث ضعيف (7) .
3 – أن هذا الحديث لا يقوى على تخصيص عموم قوله × : (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل قوله) .
الراجح :
__________
(1) ... ينظر : نيل الأوطار (2/60) . ...
(2) ... ينظر : المجموع (3/117) . ...
(3) ... قاله الشيخ ابن جبرين في تعليقه على مختصر الزركشي (1/524) . ...
(4) ... ينظر : فتاوى اللجنة الدائمة (6/88) . ...
(5) ... سبق تخريجه ، ص (87). ...
(6) ... فتاوى اللجنة الدائمة (6/88) . ...
(7) ... ينظر الفتاوى (10/408) . ...(1/23)
لعل الراجح – والله أعلم – هو القول الثالث وهو استحباب إجابة الإقامة والدعاء بعدها ، وذلك لقوة أدلتهم ، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
المطلب الثاني : الدعاء في الطهارة : وفيه فرعان :
الفرع الأول : الدعاء عند قضاء الحاجة : وفيه ست مسائل :
المسألة الأولى : حكم الدعاء عند قضاء الحاجة :
يستحب للداخل لقضاء الحاجة أن يقول «اللهم إني أعوذ بك من الخبث (1) والخبائث» وهذا الأدب متفق على استحبابه (2) لحديث أنس – رضي الله عنه – كان النبي × إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث (3) .
__________
(1) ... الخبث: يقال: خبث الشيء، يخبثه خباثة وخبثا فهو خبيث، وقيل معناها في الحديث: الخبث: الكفر ، والخبائث : الشياطين ، وقيل : إنه أراد بالخبث الشر ، وبالخبائث: الشياطين ، والخُبث بضم الباء جمع خبيث وهو الشيطان الذكر ، والخبائث جمع خبيثه من الشياطين ، فيريد ذكور الشياطين وإناثهم . ... وقيل : هو الخبْث (بسكون الباء) وهو خلاف طيب الفعل من فجور وغيره ، والخبائث : يريد بها الأفعال المذمومة والخصال الرديئة. ... ينظر : لسان العرب (4/11) ، وفتح الباري (1/292). ...
(2) ... حكاه النووي في المجموع (2/78) ، وينظر : البحر الرائق (1/256) ، والفتاوى الهندية (1/50) وعمدة القاري (2/271) ، والذخيرة (1/202) ، والخرشي على مختصر خليل (1/143) ، وبلغة السالك (1/63) ، والحاوي (1/190) ، والفتوحات الربانية (1/384) ، والعدة ص 25 ، والمغني (1/228) ، والاقناع (1/14) . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، في كتاب الوضوء ، باب ما يقول إذا دخل الخلاء، برقم (142)، ص 15 ، ومسلم ، كتاب الحيض ، باب ما نقول إذا أراد دخل الخلاء ، برقم (375) ، ص 737 . ...(1/24)
وفي رواية : (كان يقول بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) (1) .
وإذا خرج يستحب أن يقول : «غفرانك» وهذا أيضاً متفق على استحبابه (2) لحديث عائشة – رضي الله عنها- أن رسول الله × كان يقول : (غفرانك) (3) .
__________
(1) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند دخول الخلاء ، برقم (356) ، ص 132 ، وقال : (لم يقل أحد ممن روى هذا الحديث عن قتادة في متنه بسم الله إلا عدى بن عماره) ، وابن السني ، في عمل اليوم والليلة ، باب التسمية عند دخول الخلاء ، برقم (20) ، ص 13 . ... وفي إسناده قطن بن نسير، قال عنه ابن حجر في التقريب (2/134) : (صدوق يخطئ) وقال الذهبي في الميزان (3/391) : (قال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به) . ... وفي إسناده عدي بن أبي عماره : قال عنه الذهبي في الميزان (3/62) (قال العقيلي : في حديثه اضطراب) . ... وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/195) : (هو بصري مختلف فيه ، ذكره العقيلي في الضعفاء...) ووردت التسمية من وجه آخر عن أنس من فعل النبي × أخرجها الطبراني ، برقم (357) ، ص 132 بسند فيه أبو معشر المدني وفيه ضعف . ...
(2) ... حكاه النووي في المجموع (2/80) ، وينظر : حاشية ابن عابدين (1/485) ، والكافي ، لابن عبد البر ص 23 ، والذخيرة (1/202) ، وحاشية الدسوقي (1/177) ، وروضة الطالبين (1/177) ، البجيرمي على الخطيب (1/293) ، والمغني (1/229) ، والعدة ص 25 ، والمبدع (1/60) .
(3) ... أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة ، باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء ، برقم (30) ،
ص 1224 ، والترمذي في أبواب الطهارة ، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم (7)، ص 1630 ، وابن ماجه في كتاب الطهارة ، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء ، برقم (300) ، ص 2495 ، وأحمد في المسند ، ينظر: ( الفتح الرباني ، باب فيما يقول المتخلي عند دخوله وعند خروجه ، برقم (116) ،
(1/369)) ، والدارمي في سننه ، كتاب الطهارة ، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء ، برقم (680)،
(1/183) ، وصححه النووي في الأذكار ص 32 ، وابن حجر في نتائج الأفكار (1/214) ، وقال: (هذا حديث حسن صحيح) ، والألباني في الإرواء (1/91) . ...(1/25)
المسألة الثانية : وقت دعاء قضاء الحاجة :
هذه المسألة مبنية على الخلاف في مسألة حكم ذكر الله في الخلاء ، فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة ، يفصل: أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها ، وأما في الفضاء ، فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلاً ، وهذا مذهب الجمهور (1) . وقالوا : فيمن نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه (2) ، هذا إذا دخل بجميع بدنه ، فإن أدخل رجلاً واحدة، فالظاهر أنه لا يكره (3) .ومن يجيز ذكر الله في الخلاء مطلقاً لا يحتاج إلى تفصيل (4) .وإذا دخل الخلاء بطفل ، لقضاء حاجة الطفل ، أو عند إجلاسه على ما يسمونه بالقيصيرية (5) فإنه يقول: (إنه يعوذ أو إني أعيذه) (6) . وأما دعاء الخروج من قضاء الحاجة ؛ فيقوله بعد تمام خروجه ، وإن بعد بابه كدهليز طويل (7) .
المسألة الثالثة : حكم تكرار دعاء قضاء الحاجة :
__________
(1) ... ينظر : فتح الباري (1/294) ، والبيجرمي على الخطيب (1/293) ، والمجموع (2/78) ، ونيل الأوطار (1/89) ، وحاشية الدسوقي (1/106) ، والذخيرة (1/502) ، وبلغة السالك (1/63).
(2) ... ينظر : فتح الباري (1/294) ، والبيجرمي على الخطيب (1/293) . ...
(3) ... الخرشي على مختصر خليل (1/143) . ...
(4) ... ينظر : فتح الباري (1/194) ، ونيل الأوطار (1/89) ، والفتوحات الربانية (1/387) . ...
(5) ... البيجرمي على الخطيب (1/292) . ...
(6) ... حاشيتا قليوبي وعميرة (1/61) . ...
(7) ... ينظر : للمرجع السابق (1/61) . ...(1/26)
ذكر بعض فقهاء الشافعية أنه يسن أن يكرر غفرانك ، وما بعده ثلاثاً كما في الدعاء عقب الوضوء (1) وبعضهم قال : يكرره مرتين لأن فيه معنى الاستغفار حيث لم يؤد شكر هذه النعمة (2) . لكن هذا القول ضعيف ؛ لأن الأخبار ساكتة عن طلب التكرار (3) . وعلى هذا فلا يشرع تكرار دعاء الخروج ، بل يقوله مرة واحدة لظاهر الحديث.
المسألة الرابعة : الصيغ الواردة في دعاء قضاء الحاجة :
وقد ورد في الحديث الصحيح : أنه يقول عند الدخول : (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) (4) . وعند الخروج يقول : (غفرانك) .
وقد ذكر بعض الفقهاء (5) أدعية كثيرة تقال عند الدخول والخروج لا يشرع العمل بها لضعف الأحاديث الواردة فيها فمن ذلك :
1 – زيادة الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم (6)
__________
(1) ... البيجرمي على الخطيب (1/293) ، وينظر : حاشية قليوبي (1/61) . ...
(2) ... ينظر : للفتوحات الربانية (1/409) . ...
(3) ... ينظر : للمصدر السابق ، والصفحة نفسها . ...
(4) ... سبق تخرجه، ص (210) . ...
(5) ... كابن عبد البر في الكافي ص 23 ، والنووي في المجموع (2/79) ، وفي الفتاوى الهندية (1/50)، والخرشي في مختصره (1/143) ، وابن قدامة في العدة ص 25 ، وغيرهم كثير . ...
(6) ... أخرجه ابن ماجه في سننه ، كتاب الطهارة ، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء ، برقم (299) ،
ص 2495 ، والطبراني ، في كتاب الدعاء ، باب ما يقال عند دخول الخلاء، برقم (365)، ص 134 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا دخل الخلاء ، برقم (18) ، ص 12 .
... وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/192) : (هذا إسناد ضعيف ، قال ابن حبان :إذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر ، وعلي بن يزيد والقاسم ، فذاك مما عملته أيديهم) ، وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/198) : (هذا حديث حسن غريب ، ومداره علي إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف) . أ . هـ . وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (4388)، وفي الضعيفة (4187) . ...(1/27)
على دعاء الدخول ، وكذا (يا ذا الجلال) لحديث : أن النبي × كان إذا دخل الخلاء قال : (يا ذا الجلال) (1) .
2 – زيادة الحمد الله الذي أذهب عني الأذى وعافاني على دعاء الخروج (2) .
__________
(1) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا دخل الخلاء ، برقم (19) ، ص 12 ، وهو ضعيف كما قال الألباني في ضعيف الجامع برقم (4389) وفي الضعيفة (4188).
(2) ... أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة ، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء ، برقم (301) ، ص 2495، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء ، برقم (22) ، ص 14. ... وهو حديث ضعيف ، قال البوصيري في مصباح الزجاجة ، (1/193) (هذا حديث ضعيف ، ولا يصح فيه بهذا اللفظ عن النبي × شيء ، وإسماعيل بن مسلم المكي ، متفق على تضعيفه ، وفي طبقته جماعة يقال لكل منهم : إسماعيل بن مسلم يضعفوا ). ... قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/217) : (هكذا أخرجه ابن ماجه ورواته ثقات إلا إسماعيل) ، وقال المناوي في فيض القدير (5/122) : (قال ابن محمود شارح أبي داود في حديث ابن ماجه هذا إسماعيل بن مسلم المكي تركوه ، وفي النسائي إسناده مضطرب غير قوي ، وقال الدار قطني : حديث غير محفوظ ، وقال المنذري : (ضعيف) ، وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه : (حديث ضعيف ، لضعف رواته ومنهم إسماعيل منكر الحديث ، قال المديني : أجمعوا على تركه ، وقال الفلاس : إنما يحدث عنه من لا يبصر الرجال ، ولا معرفة له بهم) . أ . هـ . ... وقد ضعفه النووي في المجموع (2/79) ، وقال : (إسناده مضطرب غير قوي) ، وضعفه الألباني في الإرواء (1/92) . ...(1/28)
3 – وكذلك زيادة (غفرانك وإليك المصير) (1) .
4 – أو زيادة : اللهم غفرانك الحمد لله الذي أذاقني لذته ، وأبقى في قوته ، ودفع عني أذاه (2) .
5 – وكذا : الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني ، وأبقى ما ينفعني (3) .
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الطهارة ، باب ما يقول إذا خرج الخلاء ، برقم (465) ، (1/157). ... وقال : (وهذه الزيادة في هذا الحديث لم أجدها إلا في رواية ابن خزيمة ، وهو إمام ، وقد رأيته في نسخة قديمة لكتاب ابن خزيمة ليس فيه هذه الزيادة ، ثم ألحقت بخط آخر بحاشيته ، فالأشبه أن تكون ملحقة بكتابه من غير علمه ، ثم قال : وقد أخبر الإمام أبو عثمان الصابوني ، وساق سنده إلى ابن خزيمة ، قال: ثنا جدي، فذكره دون هذه الزيادة في الحديث، وصح بذلك بطلان هذه الزيادة في الحديث) أ.هـ . ... وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/199) : (وهذا حديث غريب ، أخرجه ابن عدي في الكامل، في ترجمة حفص بن عمر بن ميمون، وضعفه). ... وقال عنه الذهبي في الميزان (1/56): (قال أبو حاتم لين الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ ، وقال النسائي : ليس ثقة). وقال عنه ابن حجر في التقريب (1/187) : (ضعيف) . ...
(2) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند الخروج عند الخلاء ، برقم (370) ، ص 136 .
... وابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء ، برقم (25) ، ص 15 .
... وضعفه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/217) ، وقال : (هذا حديث غريب ، أخرجه المعمري في اليوم والليلة ، وقال عن حبان : فيه ضعف ، وكذا في شيخه ، وأما دويد ، فوثق لكنه لم يسمع من ابن عمر ، ففي السند ضعف وانقطاع) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (4388) ، وفي الضعيفة برقم (4187) . ...
(3) ... أخرجه الطبراني ، في كتاب الدعاء ، باب القول عند الخروج من الخلاء ، برقم (371) ، ص 136 .
... قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/220) : (قال الطبراني : لم نجد من وصل هذا الحديث ، وقال : وفيه مع إرساله ضعف من أجل زمعة) أ . هـ . ... وزمعه هذا هو زمعة بن صالح الجندي ، قال ابن حجر في التقريب (1/257) : (ضعيف) . ...(1/29)
6 – أو الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وأخره (1) .
7 – وكذا زيادة التسمية على دعاء الخروج (2) ، ولا يصح لعدم ورد الأحاديث به (3) .
8 – وكذلك الدعاء عند الاستنجاء بقوله : اللهم حصن فرجي ، ويسر لي أمري لضعف الحديث الوارد فيه (4) .
وبهذا نجد أنه جاء في الدعاء الذي يقال عقب الخروج أحاديث كثيرة ، ليس فيها شيء ثابت إلا حديث عائشة (5) «غفرانك» وهذا مراد الترمذي بقوله (6) :«لا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة عن النبي × » .
__________
(1) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء ، برقم (24) ، ص 14 .
... وفي إسناده عبد الله بن محمد العدوي ، قال عنه الذهبي في الميزان (2/485) : (قال البخاري : منكر الحديث ، وقال وكيع : يضع الحديث ، وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج بخبره) أ . هـ . ... وقد حكم بوضعه الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (4379) ، ص 635 . ...
(2) ... ينظر : الخرشي على مختصر سيدي خليل (1/143) .
(3) ... ينظر : بلغة السالك لأقرب المسالك ، أحمد الصاوي (1/64) . ...
(4) ... حديث : يا أنس أدن مني أعلمك مقادير الوضوء ، فدنوت ، فلما غسل يديه قال : (بسم الله والحمد ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما استنجى قال : اللهم حصن فرجي ويسر لي أمري ...)
... وفيه عبادة بن صهيب ، قال البخاري والنسائي ، متروك ، وقد أخرجه ابن حجر في نتائج الأفكار
(1/259) ، عن ابن القاسم عن ابن عساكر في أماليه ، ثم ساق سنده إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - ، ثم قال : (في سنده أصرم بن حوشب ، وقد وصف بأنه كان يضع الحديث) أ. هـ. وسيأتي له مزيد تخريج ص (218).
(5) ... المجموع (2/79) . ...
(6) ... سنن الترمذي ص 1630 . ...(1/30)
ومن رأى مشروعية قول الحمد لله الذي أذهب عني الأذى بعد الخروج جعله خاص بقاضي الحاجة ، وأما غفرانك فيقوله الخارج إذا دخل لغير قضاء الحاجة (1) .
المسألة الخامسة : الحكمة من الدعاء عند قضاء الحاجة :
أما دعاء الدخول : خص هذا الموطن بالاستعاذة ؛ لأن للشيطان فيه تسلطاً وقدرة على آدم لم تكن في غيره ، بسبب غيبة الحفظة عنه (2) . وأما تعقيبه الخروج من الخلاء بقوله : غفرانك ، فقد ذكروا في الحكمة منه أقوال:
1 – أنه قد استغفر من تركه ذكر الله تعالى مدة لبثه على الخلاء وكان × لا يهجر ذكر الله إلا عند الحاجة ، فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحالة تقصيراً وعده على نفسه ذنباً فتداركه بالاستغفار (3) .
وفي هذا نظر ؛ لأنه انحبس عن ذكر الله بأمر الله ، وإذا كان كذلك فلم يعرض نفسه للعقوبة ، بل عرضها للمثوبة ، ولهذا الحائض لا تصلي ولا تصوم ، ولا يسن لها إذا طهرت أن تستغفر الله لأنها تركت الصلاة والصوم أيام الحيض لم يقله أحد ، ولم يأت فيه سنة (4) .
2 – وقيل : معناه التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه ، فأطعمه ثم هضمه ، ثم سهل خروج الأذى منه فرأى شكره قاصراً عن بلوغ حق هذه النعم ، ففزع إلى الاستغفار منه (5) .
__________
(1) ... ينظر : البيجرمي على الخطيب (1/293) ، وحاشية قليوبي (1/61) . ...
(2) ... بلغة السالك لأقرب المسالك (1/64) . ...
(3) ... معالم السنن ، للخطابي (1/20) ، والذخيرة (1/204) ، والنهاية في غريب الحديث (3/373) ، ونيل الأوطار (1/89) ، ولسان العرب (5/25). ...
(4) ... الشرح الممتع ، لابن عثيمين (1/85) ، وشأن الدعاء ص 141 . ...
(5) ... معالم السنن (1/20) ، والذخيرة (1/204) ، المجموع (2/79) ، وشأن الدعاء ،ص 141، والخرشي على مختصر خليل (1/143)، والنهاية (3/373) ولسان العرب (5/25) . ...(1/31)
3 – وقيل : أن النجو يثقل البدن ، ويؤذيه باحتباسه ، والذنوب تثقل القلب ، وتؤذيه باحتباسها فيه ، فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب ، فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه ، وخفة البدن وراحته ، وسأل الله أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه (1) . ولعل هذا المعنى هو الأقرب (2) .
المسألة السادسة : الدعاء عند دخول الحمام (3) والخروج منه :
لم يرد دعاء مخصوص يقال عند دخول الحمام عن النبي × ، وقد أثر عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنه يقول: «نعم البيت الحمام يدخله المسلم، إذا دخله سأل الله الجنة ، واستعاذ به من النار» (4) . وقد كان السلف يستحبون لمن دخله أن يقول : يا بر يا رحيم ، منّ وقنا عذاب السموم (5) .
وأما الدعاء عند الخروج من الحمام :
__________
(1) ... إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ، لابن القيم (1/69) . ...
(2) ... واختاره الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في الشرح الممتع (1/84) . ...
(3) ... الحمام : مشدد واحد الحمامات المبنية ، ينظر : لسان العرب (12/155) ، وترتيب القاموس المحيط
(1/716) . ...
(4) ... ينظر : الوابل الصيب ص 284 ، الآداب الشرعية (3/326) ، وقد ورد مرفوعاً عند ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا دخل الحمام ، برقم (315) ، ص 154 ، وفي إسناده يحيى بن عبيد الله بن وهب ، قال عنه الذهبي في الميزان (4/395) : (قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أحمد: أحاديثه منكرة) ، وقال ابن حجر في التقريب (2/361) : (متروك) ، ولعل الصواب وقفه على أبي هريرة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الكلم الطيب ص 148 : (روى عن أبي هريرة– رضي الله عنه – مرفوعاً وموقوفاً ، وهو أشبه) ومما ضعف إسناده مرفوعاً النووي في الأذكار ، ص 315 . ...
(5) ... مطالب أولي النهى(1/188) . ...(1/32)
فاستحب بعض فقهاء الشافعية (1) أن يدعو لمن خرج من الحمام بلفظ «طاب حمامك» (2) أو عافاك الله . واستدلوا بحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله × قال لأبي بكر وعمر وقد خرجا من الحمام (طاب حمامكما) (3) .
ونوقش هذا الحديث من وجهين :
الأول : أنه حديث لم يصح عن النبي × كما ثبت في تخريجه.
والثاني : أنه مما يضعف هذا الخبر أنه لم يكن في عهد النبي × حمام ، وكل ما جاء فيه ذكر الحمام محمول على المسخن خاصة من عين أو غيرها (4) .
ولهذا قال النووي (5) – رحمه الله - : «وأما التحية عند خروجه من الحمام بقوله: طاب حمامك ونحوه فلا أصل لها ... ، فلم يصح في هذا شيء ، لكن لو قال لصاحبه حفظاً لوده : أدام الله لك النعيم ، ونحوه من الدعاء ، فلا بأس إن شاء الله تعالى ، قال المتولي : وروي أن علياً قال لرجل خرج من الحمام : طهرت فلا نجست» أ.هـ .
الفرع الثاني : دعاء الوضوء : وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : الدعاء أثناء الوضوء :
__________
(1) ... ينظر : المجموع (4/423) ، ومغني المحتاج (4/215) ، والفتوحات الربانية (6/377) ، وروضة الطالبين (10/234) . ...
(2) ... قال في ترتيب القاموس المحيط (1/716) : (لا يقال : طاب حمامك ، إنما يقال طاب حِمتك – بالكسر – أي عرقك) ، وقال في لسان العرب (12/155) : (وقد يعنى به الاستحمام ، وهو مذهب أبي عبيد، وقد يعنى به العرق أي طاب عرقك ، وإذا دعي له بطيب عرقه فقد دعي له بالصحة؛ لأن الصحيح يطيب عرقه) . ...
(3) ... رواه الديلمي بلا سند عن ابن عمر ، وقال النووي في المجموع (4/423) : (لا أصل له) . ...
(4) ... ينظر : كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس (2/37) . ...
(5) ... المجموع (4/423) ، وروضة الطالبين (10/234) .(1/33)
ذكر الفقهاء (1) – رحمهم الله – أدعية تقال على أعضاء الوضوء ، وهي: أن يقول عند غسل الكفين : اللهم احفظ يدي من معاصيك كلها ، وعند المضمضة: اللهم أعني على تلاوة القرآن وذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، وعند الاستنشاق: اللهم أرحني برائحة الجنة ، وعند غسل الوجه : اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، وعند غسل اليد اليمنى : اللهم أعطني كتابي بيميني ، وحاسبني حساباً يسيراً ، وعند غسل يده اليسرى : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ، ولا من وراء ظهري، وعند مسح أذنيه : اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وعند غسل رجله اليسرى: اللهم اجعل ذنبي مغفوراً وسعيي مشكوراً وتجارتي لن تبور.
واختلفوا في حكم هذه الأدعية على قولين :
القول الأول : يسن قول هذه الأدعية عند الوضوء .
وهذا مذهب الحنفية (2) ، وبعض المالكية (3) ، ومذهب الشافعية (4) ، وكثير من الحنابلة (5) .
__________
(1) ... منهم : الزيعلي في تبيين الحقائق (1/6) ، وداماد أفندي في مجمع الأنهر (1/16) ، وفي الفتاوى الهندية (1/9) ، والماوردي في الحاوي الكبير (1/155) ، والنووي في الأذكار ص 35 ، والشربيني في مغني المحتاج (1/62) ، والسامري في المستوعب (1/168) ، وغيرهم كثير على اختلاف بينهم في بعض العبارات . ...
(2) ... ينظر : بدائع الصنائع (1/223) ، وتبيين الحقائق ، للزيلعي (1/6) ، ومجمع الأنهر، (1/168) ، والفتاوى الهندية (1/9) ، والبناية على الهداية (1/191) .
(3) ... منهم الأقفهسي نقله عنه صاحب الفواكه الدواني (1/162 ، 164) . ...
(4) ... ينظر : الحاوي ، (1/155) ، ومغني المحتاج (1/62) ، والبجيرمي على الخطيب (1/258) ، وحاشية قليوبي (1/83) . ...
(5) ... ينظر : المستوعب (1/168) ، والفروع (1/121) قال : (وذكر جماعة : يقول عند كل عضو ما ورد)، والإنصاف (1/137) . ...(1/34)
واستدلوا: بحديث يا أنس ، أدن مني أعلمك مقادير الوضوء ، فدنوت ، فلما غسل يديه قال: بسم الله والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما استنجى قال: اللهم حصن فرجي ، ويسر لي أمري ، فلما توضأ واستنشق قال : اللهم لقني حجتي ولا تحرمني رائحة الجنة ، فلما غسل وجهه قال : اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه ، فلما أن غسل ذراعيه قال : اللهم أعطني كتابي بيميني ، فلما أن مسح يده على رأسه قال : اللهم أغثنا برحمتك وجنبنا عذابك ، فلما أن غسل قدميه قال : اللهم ثبت قدمي يوم تزل فيه الأقدام ، ثم قال : والذي بعثني بالحق يا أنس ما من عبد قالها عند وضوئه لم تقطر من خلل أصابعه قطرة إلا خلق الله تعالى ملكاً يسبح الله بسبعين لساناً ، يكون ثواب ذلك التسبيح له إلى يوم القيامة (1) .
__________
(1) ... ذكر هذا الحديث الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/100) وقال : (قال ابن الصلاح : لم يصح فيه حديث ، قلت : روى فيه عن علي من طرق ضعيفة جداً أوردها المستغفري في الدعوات ، وابن عساكر في أماليه ، وهو من رواية أحمد بن مصعب المروزي عن حبيب بن أبي حبيب الشيباني عن أبي إسحاق السبيعي عن علي وفي إسناده من لا يعرف ، ورواه صاحب مسند الفردوس من طريق أبي زرعة الرازي عن أحمد بن عبد الله بن داود ، حدثنا محمود بن العباس ، حدثنا المغيث بن بديل عن خارجة بن مصعب عن يونس نحو هذا ، وفيه عباد بن صهيب ، وهو متروك ، وروى المستغفري
من حديث البراء عن عازب وليس بطوله ، إسناده واهي) أ.هـ. ورواه ابن حبان في المجروحين
(2/164 – 165) من حديث أنس نحو هذا ، وفيه عباد بن صهيب ، وهو متروك ، وقال في ترجمته: (كان قدرياً داعياً إلى القدر ، ومع ذلك يروي المناكير عن المشاهير التي إذا سمعها المبتدئ في الصناعة شهد لها بالوضع) . ... وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (1/367) : (قال ابن المديني : ذهب حديثه ، وقال البخاري والنسائي وغيرهما: متروك ... ، وروى عن حميد عن أنس بخبر طويل في الذكر على الوضوء باطل ، ومنه : فلما غسل وجهه قال : اللهم بيض وجهي ...) .
... وقال أبو إسحاق السعدي : (عباد بن صهيب غال في بدعته مخاصم بأباطيله). ... وقال ابن علان في الفتوحات الربانية ، (2/28) : (وزاد الحافظ في أماليه طريقاً لحديث علي أيضاً أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، وفي سنده حماد بن عمرو النصيبي ، وقد وصف بأنه يضع الحديث ...) أ . هـ. ... وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/195) : (وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق ، لم يقل رسول الله × شيئاً منه ، ولا علمه لأمته) .(1/35)
وجه الدلالة :هذا الحديث وإن كان ضعيفاً ، لكن يعمل به في فضائل الأعمال (1) كما أن هذه الأدعية قد جاءت بها آثار منقولة عن السلف والصالحين (2) .
القول الثاني : لا يستحب قول هذه الأدعية على الوضوء ، بل ذلك من البدع.
وهذا قول المالكية (3) ، واختيار النووي من الشافعية ، وتابعه عليه بعض أصحابه (4) ، والصحيح من مذهب الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أنه لم يرد عن النبي × ، وكل من وصف وضوءه × لم يذكره ، ولو شرع لتكرر منه ، ولنقل عنه (6) .
2 – ولأن الحديث الوارد فيه لم يثبت عن النبي × ، بل هو كما قال ابن القيم (7) : «كذب مختلق ، لم يقل رسول الله × شيئاً منه ، ولا علمه أمته» وعلى فرض وروده ، فالطرق التي جاء منها لا تخلو من متهم بوضع (8) ، فالحديث ليس بصحيح ولا حسن فيحتج به ، ولا ضعيف يصلح للعمل به في فضائل الأعمال ، وقد اتفق العلماء على أن من شرط العمل بالضعيف أن يكون الضعيف غير شديد ، قالوا : فيخرج من انفرد من كذاب ، ومتهم به ، ومن فحش غلطه ، وجميع طرق هذه الأدعية لا تخلو من كذاب ، ومتهم به (9)
__________
(1) ... ينظر : مغني المحتاج (1/62) ، وحاشية الجمل (1/216) ، والبيجرمي على الخطيب (1/258).
(2) ... ينظر : الحاوي (1/155) ، ومغني المحتاج (1/62) .
(3) ... مواهب الجليل (1/187) . ...
(4) ... روضة الطالبين (1/14) ، الأذكار ص 34 . ...
(5) ... الإنصاف (1/137) ، زاد المعاد (1/195) ، ومطالب أولى النهى (1/50) ، والفروع (1/121).
(6) ... ينظر : الأذكار ص 24 ، والفتوحات الربانية (2/28) والفروع (1/121) ، وكشاف القناع
(1/132) ، الدرر السنية (4/81) . ...
(7) ... زاد المعاد (1/195) ، وينظر : للأذكار ص 35 ، والمجموع (1/449) . ...
(8) ... الفتوحات الربانية (2/28) . ...
(9) ... ينظر : الفتوحات الربانية (2/29) ، والبناية على الهداية (1/191) ، وتلخيص الحبير (1/145) .
... والدرر السنية (4/81) ، والسنن والمبتدعات ، للقشيري ص 28 ، والتحديث بما لا يصح فيه حديث ، بكر أبو زيد ص 37 . ...(1/36)
كما ثبت في تخريجه .
الترجيح :
الذي يترجح – والله أعلم – هو القول الثاني وأن الدعاء على الأعضاء لا أصل له؛ لأنه لم يرد عن النبي × ، ولضعف ما استدل به أصحاب القول الأول (1) .
المسألة الثانية : الدعاء بعد الوضوء :
اتفق الفقهاء – رحمهم الله – على استحباب ذكر الشهادتين بعد الفراغ من الوضوء وأن يقول بعدها : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (2) ،
__________
(1) ... وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والأفتاء ، برقم 3588 ، وانظر البدع المحدثات ص 635 .
(2) ... نقل الاتفاق ، النووي في المجموع (1/445) ، وفي شرح صحيح مسلم (3/121) .
... وينظر : تبين الحقائق (1/6) ، الفتاوى الهندية (1/9) ، والمغني (1/195) ، والاقناع (1/32)، وحاشية العدوي (1/177) ، والذخيرة ، (1/289) ، ومغني المحتاج ، (1/63) ، وحاشية الجمل ،
(1/213) .وزاد السامري في المستوعب (1/168) : (واجعلني من عبادك الصالحين ، واجعلني من ورثة جنة النعيم ، واغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين) ، وهذه الزيادة لا دليل عليها . ...(1/37)
لحديث عمر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله × : (من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء) (1) وزاد في رواية : (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) (2) .
__________
(1) ... أخرجه مسلم في كتاب الطهارة ، باب الذكر المستحب عقب الوضوء ، برقم (234) ، ص 720 .
(2) ... هذه الزيادة أخرجها الترمذي في كتاب الطهارة ، باب الذكر المستحب عقب الوضوء ، برقم (55) ، ص 1636 ، وقال : (هذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي × في هذا شيء) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا فرغ من وضوئه ، برقم (32) ص 18 ، قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/241) ، (لم تثبت هذه الزيادة في هذا الحديث ، وثبت لها شاهد من حديث ثوبان)، وأما رواية ابن السني ، فيها أبو سعد البقال ، قال عنه ابن حجر في نتائج الأفكار(1/242) : (ضعيف) . ... وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند الفراغ من الوضوء ، برقم (392) ، ص 141 ، وذكرها ابن حجر في التلخيص (1/147) ، وسكت عنها ، لكن قال في نتائج الأفكار ،
(1/244): (هذا موقوف ضعيف الإسناد) ، وحسنها الأرنؤط في تعليقه على زاد المعاد (1/196) .
... وأوردها الهيثمي في مجمع الزوائد (1/239) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ، وقال في الأوسط : (تفرد به مسور بن مروع ولم أجد من ترجمة ، وفيه أحمد بن سهيل الوراق ، ذكره ابن حبان في الثقات ، وفي إسناد الكبير أبو سعيد البقال ، والأكثر على تضعيفه ، ووثقه بعضهم) . ...(1/38)
ويستحب (1) أن يقول بعده : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت ، استغفرك وأتوب إليك ، لقوله × : (من توضأ ، فقال : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، استغفرك وأتوب إليك ، كتب في رق ثم جعل في طابع ، فلم يكسر إلى يوم القيامة) (2) .
__________
(1) ... ينظر : الأذكار ص 34 ، وشرح صحيح مسلم (3/121) ، وزاد المعاد (1/196) ، والبناية على الهداية (1/139) ، والبيجرمي على الخطيب (1/260) ، وحاشية الجمل (1/215) . ...
(2) ... أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا فرغ من وضوئه ، برقم (81) ، ص 180 ، وقال : (هذا خطأ والصواب موقوف ، خالفه محمد بن جعفر ، فوقفه) ، وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا فرغ من وضوئه ، برقم (30) ، ص 17 ، وفي سنده المسيب بن واضح، قال عنه الذهبي في الميزان (4/117) : (قال أبو حاتم ، صدوق يخطئ كثيراً ، وقال الدارقطني : ضعيف) . ... وكذا الراوي عنه : يوسف بن أسباط ، قال عنه الذهبي في الميزان (4/462) : (وثقه ابن معين ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، وقال البخاري: كان دفن كتبه ، فكان لا يجيء بحديثه كما ينبغي) .
... وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الطهارة ، باب ما يقال بعد الوضوء (1/238) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، وقال : (رجاله رجال الصحيح ، إلا أن النسائي صحح وقفه) أ.هـ . ... وقال النووي في المجموع (1/445) ، (رواه النسائي في كتابه بإسناده غريب ضعيف ، ورواه مرفوعاً، وموقوفاً على أبي سعيد ، وكلاهما ضعيف الإسناد ) وقال العيني في البناية (1/190) : (أما المرفوع فيمكن أن يضعف بالاختلاف والشذوذ ، وأما الموقوف ، فلا شك في صحته فإن النسائي قال حدثنا، وساق إسناده ، ثم قال (وهو من رواية الصحيحين ، فلا معنى لحكمه عليه بالتضعيف). ... وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/246) بعد أن ساق أسانيده ، قال: (فالسند صحيح بلا ريب ، وإنما اختلف في رفع المتن ووقفه ، فالنسائي جرى على طريقته في الترجيح بالأكثر والأحفظ ، فلذلك حكم عليه بالخطأ ، وأما على طريقة المصنف تبعاً لابن الصلاح ، وغيره ، فالرفع عندهم مقدم، لما مع الرافع من زيادة العلم ، وعلى تقدير العمل بالطريقة الأخرى ، فهذا مما لا مجال للرأي فيه ، فله حكم الرفع ، والله أعلم) . ...(1/39)
وفيه بشرى بأن من قاله لا يرتد ، وأنه يموت على الإيمان (1) ، وقال بعض الفقهاء (2) : ينبغي ألا يذكر هذا الذكر أي المشتمل على قوله «أستغفرك وأتوب إليك» إلا بعد أن توجد منه توبة صحيحة مما هو فيه من المعاصي أما المقيم على المعصية القائل ذلك فهو كاذب بين يدي الله تعالى فربما يخشى عليه من المقت فليتنبه له فإن كثيراً ما يغفل عنه. وقيل: إنه يأتي بهذا الذكر وإن لم يكن متلبساً بها ؛ لأن الجملة خبر بمعنى الإنشاء أي أسألك أن تتوب علّي أو باق على خبريته ، والمعنى فيه: أني بصورة التائب الخاضع الذليل (3) . ويستحب (4) أن يقول : اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري ، وبارك لي في رزقي ، لحديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : (أتيت رسول الله × بوضوء فسمعته يقول : «اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي ، قلت : يا نبي الله ، سمعتك تدعو بكذا وكذا ، قال : وهل تركن من شيء ؟) (5) .
__________
(1) ... البيجرمي على الخطيب (1/260) . ...
(2) ... كابن حجر في شرح المشكاة ، ينظر : الفتوحات الربانية (6/169) . ...
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (6/169) ، وحاشية العدوي (1/177) . ...
(4) ... ينظر : الأذكار ص 35 ، ومواهب الجليل ، (1/187) ، وبلغة السالك (1/89) ، والبيجرمي على الخطيب (1/260) ، وحاشية الجمل (1/214) . ...
(5) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول بين ظهراني وضوئه ، ص 28 ، برقم (28) .
... والنسائي في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا توضأ ، ص 172 ، برقم (80) ، قال الشوكاني في التحفة ص 93 : (ورجال إسناد النسائي رجال الصحيح إلا عباد بن عباد بن علقمة ، وقد وثقه أبو داود ويحيى ابن معين ، وذكره ابن حبان في الثقات) .وصحح النووي إسناده في الأذكار ص 35 ، وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/262) : (وأما حكم الشيخ على الإسناد بالصحة ففيه نظر ، لأن أبا مجلز لم يلق سمرة بن جندب ، ولا عمران بن حصين فيما قاله علي بن المديني ، وقد تأخرا بعد أبي موسى ، ففي سماعه من أي موسى نظر ، وقد عهد منه الارسال ممن لم يلقه ، ورجال الإسناد المذكور رجال الصحيح إلا عباد بن عباد وهو ثقة) أ.هـ ،وأخرجه الطبراني في الدعاء ، ص 209 برقم (656) وأورده السيوطي في صحيح الجامع ، ورمز لصحته وحسنه الألباني في الجامع الصحيح برقم (1265) ص 271. ...(1/40)
وهذا كان يقوله بعد الوضوء عقب أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك (1) ، وإن قال في أثنائه فلا بأس ، فيحصل الذكر المذكور بالإتيان به مقارناً لأي جزء منه (2) . وقال بعض الفقهاء (3) – رحمهم الله – يستحب تكرار الدعاء بعد الوضوء ثلاثاً أخذاً من إطلاق خبر مسلم (أنه × توضأ ثلاثاً ثلاثاً) (4) . فيسن تثليث التشهد والدعاء وكذا باقي السنن (5) .
ويستحب قول هذه الأدعية بعد الغسل والتيمم (6) ؛ لأن الغسل يشتمل على الوضوء وزيادة ، ولأن المعنى يقتضيه . وأما التيمم ؛ فلأنه بدل عن الوضوء (7) ، وقد قال تعالى بعد التيمم: +وَلَكِنْ يُرِيْدُ لِيُطَهِّرَكُمْ" (8) ، فكان مناسباً . وقوله بعد الغسل فقط أقرب ؛ لأن المغتسل يصدق عليه أنه متوضئ (9) .
المسألة الثالثة : دعاء السواك :
ذكر بعض الفقهاء (10) أدعية تقال عند الاستياك ، ولم يذكروا على استحبابها دليلاً عن النبي × ، فمن ذلك :
1 – اللهم اجعل سواكي رضاك عني ، لحديث كان النبي × إذا استاك قال : (اللهم اجعل سواكي رضاك عني) (11) .
__________
(1) ... فيض القدير (2/11) . ...
(2) ... ينظر : الفتوحات الربانية ، (2/33) . ...
(3) ... كأبي زكريا في منهج الطلاب مع حاشية الجمل (1/202) . ...
(4) ... أخرجه مسلم في كتاب الطهارة ، باب صفة الوضوء وكماله ، برقم (226) ، ص 719 . ...
(5) ... ينظر : حاشية الجمل (1/202) . ...
(6) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (3/121) ، والفروع (1/123) ، وقال : (ويتوجه ذلك بعد الغسل ولم يذكروه) ، وكشاف القناع (1/195) . ...
(7) ... الشرح الممتع (1/179) . ...
(8) ... سورة المائدة ، آية (6) . ...
(9) ... ينظر : الشرح الممتع (1/179) . ...
(10) ... كالعيني في البناية (1/150) ، والنووي في الأذكار ص 112 ، والروياني في البحر نقله عنه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/62) ، والعلامة البكري في إعانة الطالبين (1/43) . ...
(11) ... ذكره القشيري في السنن والمبتدعات ، ص 28 ، وقال : (حديث موضوع) . ...(1/41)
2 – اللهم طهر فمي ، ونور قلبي ، وطهر بدني ، وحرم جسدي على النار ، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين (1) .
3 – يستحب أن يقال في أوله : «اللهم بيض به أسناني ، وشُد به لثاتي ، وثبت به لهاتي ، وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين» (2) .
4 – اللهم بارك لي فيه يا أرحم الراحمين (3) .
وكل ذلك من زيادات بعض الفقهاء التي لا تستند إلى دليل شرعي يقوى القول باستحبابها (4) .
المطلب الثالث : دعاء المشي إلى الصلاة :
يستحب لمن خرج إلى الصلاة أن يقول : اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي لساني نوراً، وفي بصري نوراً ، واجعل من خلفي نوراً ، ومن أمامي نوراً ، واجعل من فوقي نوراً ، ومن تحتي نوراً ، وأعطني نوراً (5) ، لما روي ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله × خرج إلى الصلاة ، وهو يقول : (اللهم اجعل في قلبي نوراً ، وفي لساني نوراً .... الحديث) (6) ، فذكر مثله . وزاد في رواية : (وفي عصبي نوراً وفي لحمي نوراً ، وفي دمي نوراً وفي شعري نوراً ، وفي لساني نوراً ، واجعل في نفسي نوراً وأعظم لي نوراً) (7) .
__________
(1) ... ذكره العيني في البناية (1/150) . ...
(2) ... ذكره الروياني في البحر ، ينظر : نتائج الأفكار (1/262) . ...
(3) ... ذكره النووي في الأذكار ص 112 ، ونسبه إلى بعض الأصحاب . ...
(4) ... ولهذا قال القشيري في السنن والمبتدعات ، ص 28 : (لا يصح في أذكار السواك شيء) . ...
(5) ... ينظر : العدة ص 68 ، والمغني (2/117) ، والأذكار ص 36 ، سلاح المؤمن ص 308 ، الاقناع
(1/110) ، وتحفة الذاكرين ص 93 . ...
(6) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء إذا انتبه من الليل ، برقم (6316) ، ص 532 ، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب صلاة النبي × ودعائه بالليل ، برقم (763) ، ص 798 . ...
(7) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء إذا انتبه من الليل ، برقم (6316) ، ص 532 . ...(1/42)
قال العلماء : سأل النور في أعضائه وجهاته ، والمراد به بيان الحق وضياؤه والهداية إليه ، فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه و تصرفاته ، وتقلباته وحالاته ، وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها عنه (1) . واختلف الرواة في محل الدعاء هل هو
عند الخروج إلى الصلاة ، أو قبل الدخول في صلاة الليل، أو في أثنائها ، أو عقب الفراغ منها؟ (2) . وجمع بينها : بأنه كان × يعيده (3) .
واستحب بعض الفقهاء (4) أن يقول إذا خرج للصلاة ، ما رواه أحمد (5) عن أبي سعيد قال : قال رسول الله × : (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وأسألك بحق ممشاي هذا ، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا رياء ولا سمعة ، خرجت إتقاء سخطك ، وابتغاء مرضاتك ، فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، أقبل الله عليه بوجهه ، واستغفر له سبعون ألف ملك) (6) .
__________
(1) ... شرح صحيح مسلم (6/45) . ...
(2) ... ينظر : فتح الباري (11/121) ، الفتوحات الربانية (2/35) . ...
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (2/35) . ...
(4) ... منهم : النووي في الأذكار ص 36 ، والبهاء في العدة ص 68 ، والحجاوي في الاقناع (1/110) . ...
(5) ... في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب فضل السعي إلى المساجد ، برقم (45) ،
(2/213)) . ...
(6) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا خرج إلا الصلاة ، برقم (84) ، ص 23 .
... وابن ماجه في كتاب المساجد ، باب المشي إلى الصلاة ، برقم (778) ،ص 2523 . قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/428): «هذا إسناد مسلسل بالضعفاء ، عطية العوفي ، وفضيل بن مرزوق ، والفضل بن الموفق كلهم ضعفاء» . ... أما عطية العوفي قال عنه الذهبي في الميزان (3/78) : (عطيه بن سعد العوفي ، تابعي شهير ضعيف ، وقال أحمد : ضعيف الحديث ، بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير ، وكان يكنى بأبي سعيد ، فيقول : قال أبو سعيد ، قلت : (أي الذهبي) : يعني يوهم أنه الخدري) وضعفه ابن حجر في تهذيب التهذيب : (7/195) وقال : (قال أبو داود ليس بالذي يعتمد عليه) ، أ . هـ . ... وأما فضيل بن مرزوق ، قال عنه الذهبي في الميزان ، (7/362) : «كان معروفاً بالتشيع من غير سب، وقال النسائي وابن معين : ضعيف ، وقال ابن حبان : (منكر الحديث جداً ؛ كان ممن يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات)أ. هـ ، وينظر:تهذيب التهذيب (8/260).
... وأما الفضل بن الموفق قال عنه الذهبي (3/360) : (ضعفه أبو حاتم ، وكان له قرابة لابن عيينه ، له عنده حديث أبي سعيد في القول إذا خرج إلى الصلاة) وينظر: تهذيب التهذيب (8/251) .
... كما ضعف إسناده النووي في الأذكار ص 36، وابن تيميه في الفتاوى (1/340، 369). ... وأخرج ابن السني معناه من رواية الوازع بن نافع العقيلي ، قال عنه النووي في الأذكار ص37:(متفق على ضعفه ، ومنكر الحديث) وينظر : السنن والمبتدعات ص 37 ، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (24).(1/43)
لكن هذا الحديث لا يصلح للعمل به لشدة ضعفه ، كما ثبت في تخريجه .
وورد أنه يقول عند الخروج للصلاة (اللهم اجعلني أقرب من تقرب إليك ، وأوجه من توجه إليك ، وأنجح من سألك وطلب إليك ، يا الله ، يا الله ، يا الله ، يا الله ، يا الله) (1) .
وهذا الحديث لا يصلح للعمل به ، لأن فيه راوياً متروكاً كما ثبت في تخريجه .
المطلب الرابع : الدعاء قبل تكبيرة الإحرام : وفيه أربعة فروع :
الفرع الأول : الدعاء بين الإقامة وتكبيرة الإحرام :
نص بعض الفقهاء (2) – رحمهم الله – على أن الدعاء بعد الإقامة لا بأس به ؛ لأنه لا محذور فيه ، بل هو مظنة الإجابة ، وقد كان الإمام أحمد – رحمه الله – إذا أقيمت الصلاة رفع بكفيه وجعل يدعو (3) . ولم يرد تخصيص دعاء معين يقال عند الإقامة ، بل يدعو الإنسان بما أحب .
أما تخصيص دعاء معين يقال قبل التكبير فبدعة مذمومة ينبغي إنكارها ، فمن ذلك:
__________
(1) ... أخرجه الطبراني ، في كتاب الدعاء ، باب القول في المشي إلى المسجد ، برقم (422) ، ص 149 .
... وفي إسناده محمد زكريا الغلابي ، قال الذهبي في الميزان (3/550) : (ضعيف ، قد ذكره ابن حبان
في الثقات ، وقال : يعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة ، وقال ابن مندة : (يضع الحديث) ، وقال
الدارقطني، (يضع الحديث) .أ.هـ. ... وفي إسناده أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي ، قال عنه الذهبي في الميزان (1/255) : (قال يحي: ضعيف ليس حديثه بشيء ، وقال مرة : متروك الحديث ، وقال النسائي والدار قطني : متروك وقد مشاه شعبه ، وقال : اكتبوا عنه فإنه شريف ، وقال البخاري : سكتوا عنه ، وذكره ابن عدي ، وساق له بضعة عشر حديثاً معروفة ، لكنها منكرة الإسناد) أ . هـ . ...
(2) ... ينظر : الفروع (1/281) ، والاقناع مع كشاف الاقناع (1/112) ، وأسهل المدارك (1/137).
(3) ... ينظر : المصادر السابقة ، وشرح العمدة ، لابن تيمية (2/126) . ...(1/44)
1 – أن يقول : «اللهم رب هذه الدعوة التامة ، وهذه الصلاة القائمة ، صل على محمد ، وآته سؤله يوم القيامة» . لحديث : (كان النبي × يقول إذا سمع المؤذن يقيم ، اللهم رب هذه الدعوة التامة ، وهذه الصلاة القائمة ، صل على محمد ، وآته سؤله يوم القيامة) (1) .
وهذا حديث ضعيف لا يعول عليه ، كما ثبت في تخريجه .
2 – وكقولهم قبل التكبير : «اللهم أحسن وقوفنا بين يديك ، ولا تخزنا يوم العرض عليك» (2) .
3 – وقولهم : «اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها» فيدعو بهذا الإمام، ويؤمن عليه المأمومون رافعي الأيدي للدعاء ، قبل التكبير ، وهذا دعاء محدث وهيئة مبتدعة مخترعة ، لم ترد في حديث صحيح ولا حسن ، بل ولا في ضعيف أو موضوع (3) .
الفرع الثاني : الدعاء عند تسوية الصف :
__________
(1) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا أقيمت الصلاة ، برقم (105) ، ص 53 ، والطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند الآذان ، برقم (432) ، ص 153 ، وفي إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، قال عنه في الميزان (2/550) : (عن ابن معين ضعيف ، وقال أحمد : أحاديثه منكرة ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال ابن عدي : يكتب حديثه) وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (6/137) : (قال أبو حاتم : ثقة يشوبه شيء من القدر وتغير عقله في آخر حياته وهو مستقيم الحديث) ، وفي إسناده غسان بن الربيع ، قال عنه الذهبي في الميزان (3/334) : (قال الدار قطني : ضعيف ، وقال مرة :صالح) . وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/362) : (هذا حديث غريب ، وفي سنده جماعة من الضعفاء ، ولكن لم يتركوا ويغتفر في فضائل الأعمال لاسيما مع شواهده، والله أعلم) . ...
(2) ... السنن والمبتدعات ص 53 . ...
(3) ... ينظر : الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ص 247 ، والمسجد في الإسلام ص 299 ، وتصحيح الدعاء ص 127 ، والقول المبين في أخطاء المصلين 226 .(1/45)
نص بعض الفقهاء (1) – رحمهم الله تعالى – على أنه يستحب للإمام تسوية الصفوف ، وأن يلتفت عن يمينه فيقول : استووا رحمكم الله ، أو يرحمكم الله ، وعن يساره كذلك (2) . واستدلوا بما يلي :
(أن النبي × كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ، فقال : اعتدلوا وسووا صفوفكم ثم أخذه بيساره ، وقال : اعتدلوا وسووا صفوفكم) (3) .
وورد عن النبي × الدعاء لمن وصل الصف بقوله : (من وصل صفاً وصله
الله) (4) ، ودعا على من لم يصل الصف ، أو لم يهتم بتسويتها بقوله : (من قطع صفاً
__________
(1) ... ينظر : المغني (2/126) ، والحاوي (2/125) ، والاقناع (1/112) ، وكشاف القناع (2/384) ، وشرح منتهى الإرادات (1/173) . ...
(2) ... أما استحباب تسوية الصفوف والأمر به وارد في عدة أحاديث ، وأما زيادة (يرحمكم الله) ، فلم أجد حديثاً يدل على استحبابها ، والله أعلم . ...
(3) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب تسوية الصف ، برقم (670) ، ص (1272) ، وأحمد في المسند، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الصلاة باب الحث على تسوية الصف ، برقم (1472) ، (5/315) ، وفي إسناده مصعب بن ثابت ، قال عنه الذهبي في الميزان (4/119): (قال أبو حاتم لا يحتج به ، وقال النسائي : ليس بالقوي) ، وقال ابن حجر في التهذيب (10/145) : (قال ابن حبان: انفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلما كثر ذلك فيه استحق مجانبة حديثه) ، وقال في التقريب (2/257) : (مصعب بن ثابت لين الحديث) . ...
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب تسوية الصف ، برقم (666) ، ص 1272 ، وأخرجه النسائي في سننه ، كتاب الإمامة ، باب من وصل صفاً ، برقم (820) ، ص 2139 ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الإمامة ، باب من وصل صفاً ، برقم (805) ، (1/469) ، وقال : (حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ، برقم (6590) ، (2/1121) . ...(1/46)
قطعه الله) (1) . ولا يشرع تخصيص دعاء معين عند تسوية الصفوف ؛ لأنه لم يرد في ذلك شيء عن النبي × . كقولهم : «علينا وعليكم الرحمة ، أو يهدينا ويهديكم الله إلى صراط مستقيم ، أو سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا ، وإليك المصير» . أو قولهم: «استوينا واستقمنا ، وعلى الله توكلنا» (2) . كل ذلك أدعية محدثة وبدعة مذمومة .
الفرع الثالث : الدعاء عند الوصول للصف :
يقول عند وصوله : اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين ، لحديث : (أن رجلاً جاء إلى الصلاة ، ورسول الله × يصلي ، فقال حين انتهى إلى الصف : اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين ، فما قضى رسول الله × الصلاة، قال: من المتكلم آنفاً؟ قال : أنا يا رسول الله ، فقال : إذن يعقر جوادك، وتستشهد في سبيل الله تعالى) (3) .
الفرع الرابع : حكم افتتاح الصلاة بالدعاء :
لو افتتح الصلاة بقوله : اللهم اغفر لي ، بدل التكبير ، فهل تنعقد صلاته ؟
اتفق العلماء – رحمهم الله – (4)
__________
(1) ... نفس الإحالات السابقة . ...
(2) ... ينظر : المسجد في الإسلام ص (267 ، 206 ، 211)، والقول المبين في أخطاء المصلين ، ص 226 . ...
(3) ... أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف ، برقم (93) ، ص 186 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا انتهى للصف ، برقم (106) ، ص 53 .
... والطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند الانتهاء إلى الصف ، برقم (492) ، ص 168 ، والحديث حسن ، حسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/379) ، وتبعه ابن علان في الفتوحات (2/143) . ...
(4) ... حكاه النووي في المجموع (3/240). وينظر : المبسوط (1/36) ، والحاوي (1/120) ، والمغني
(2/127) ، والذخيرة (1/168) ، وفتح القدير (1/274) وتبين الحقائق (1/110) ، والفروع
(1/359) .(1/47)
على أنه لا يصح دخوله في الصلاة محرماً إلا بلفظ التكبير ؛ وهو قوله : الله أكبر . واتفقوا على أنه لا تنعقد صلاته بقوله : يا الله ارحمني ، أو اللهم اغفر لي ، أو بالله أستعين (1) أو نحو ذلك . واستدلوا بما يلي :
1 – لأنه ليس بتعظيم خالص ؛ إذ هو مشوب بحاجة العبد (2) .
2 – ولأن هذا سؤال ، والسؤال غير الذكر (3) .
واختلف الحنفية فيما لو قال : اللهم فقط ، هل تنعقد صلاته (4) ؟
وسبب اختلافهم يرجع إلى اختلافهم في معناها اللغوي :
فإن كان معناها يا الله آمنا بخير كما عند الكوفيين ، لأن الميم عندهم بمعنى السؤال ، فلا يصير شارعاً . وإن كان معناها النداء فقط بمعنى يا الله ؛ فالميم المشددة بدل عن حرف النداء ، كما عند البصريين ، فيصير شارعاً به (5) . وصححوا قول أهل البصرة (6) ، واستدلوا بما يلي :
قوله تعالى: ? ??????? ?????????? ??????????? ???? ????? ??????? ???? ????????? ???? ??????? ? (7) .
وجه الدلالة : لو كان معناه : اللهم اقصدنا بالخير لفسد معنى الآية ؛ لأن سؤال العذاب مع قولهم اقصدنا بالخير متناقض (8) ،
__________
(1) ... ينظر : المجموع (3/240) ، والمبسوط (1/36) ، الفتاوى الهندية (1/68) ، والمغني (2/127).
(2) ... ينظر : مجمع الأنهر (1/93) ، والفتاوي الهندية (1/68) . ...
(3) ... المبسوط (1/36) . ...
(4) ... ينظر : المبسوط (1/36) ، وفتح القدير (1/287) ، والبناية على الهداية (2/186 ، 198) ، والفتاوى الهندية (1/68) . ...
(5) ... ينظر: المبسوط (1/36)، وفتح القدير (1/287) ، وتبيين الحقائق (1/111) ، (الفروع) (1/359)، والمجموع ، (3/252) . ...
(6) ... مجمع الأنهر (1/93) ، الفتاوى الهندية (1/98) ، وحاشية ابن عابدين (1/524) ، والبناية على الهداية (2/201) . ...
(7) ... سورة الأنفال ، آية (32) . ...
(8) ... حاشية الشيخ الشلبي ، على تبيين الحقائق (1/110) ، وينظر: البحر الرائق كنز الدقائق ، لابن نجيم
(1/325) . ...(1/48)
وعليه فيشرع افتتاح الصلاة به .
وقولهم هذا مبني على قولهم في مشروعية افتتاح الصلاة ؛ بأي لفظ معظم لله ، فيصح عندهم الشروع بيا الله اتفاقاً (1) ، والجمهور على خلافهم (2) .
المطلب الخامس : الدعاء بعد تكبيرة الإحرام ، وفيه فرعان :
الفرع الأول : الدعاء قبل الاستفتاح :
نص بعض الفقهاء (3) – رحمهم الله – على أنه لا يشرع دعاء مطلق بعد تكبيرة الإحرام ، فلا يشرع للمصلي أن يفصل بين دعاء الاستفتاح وبين التحريم بلفظ مطلقاً ، ولا بسكوت ، ولو أتى بدعاء غير مشروع قبل دعاء الاستفتاح فات به الافتتاح وإن قل لخروج الافتتاح به عن كونه افتتاح .
الفرع الثاني : دعاء الاستفتاح (4) ، وفيه خمس مسائل:
المسألة الأولى : حكم دعاء الاستفتاح : اختلفوا في حكمه على قولين:
القول الأول: أن الاستفتاح سنة لكل مصل . وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية (5) ،
__________
(1) ... حكى الاتفاق ابن عابدين في حاشيته(1/524) . ...
(2) ... ينظر تمام المسألة في: المبسوط (1/36) ، والحاوي (1/120) ، والمجموع (3/240) ، والمغني
(2/127) ، والبناية على الهداية ، (2/186 ، 198) . ...
(3) ... ينظر : البجيرمي على الخطيب (1/213) . ...
(4) ... المراد به دعاء يفتتح به الصلاة ، وقال الاجهوري: ( في تسميته دعاء تجوز ؛ لأن الدعاء طلب وهذا لا طلب فيه ، إنما هو إخبار فسمي دعاء باعتبار أنه يجازي عليه كما يجازي على الدعاء )، وقال الحفناوي: (سمي دعاء باعتبار آخر وهو (اللهم باعد بيني ...)) ، ينظر : إعانة الطالبين ، (1/139) . ...
(5) ... ينظر : المبسوط (1/12) ، وبدائع الصنائع (2/30) ، وتبين الحقائق (1/111) ، ومجمع الأنهر
(1/94) . ...(1/49)
والمالكية (1) ، والشافعية (2) ، والحنابلة (3) وحكى بعض الفقهاء الإجماع على سنيته (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – حديث المسيء صلاته ، وفيه : (إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) (5) .
وجه الدلالة : فيه دليل على أن الإقامة والتعوذ ودعاء الافتتاح ، ليس بواجب لأن الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل ، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر (6) .
2 – ولأن النبي × فعله ولم يأمر به فدل على أنه لم يكن فرضاً (7) .
القول الثاني : أن دعاء الافتتاح واجب من واجبات الصلاة . وهذه رواية عند الحنابلة (8) .
ويمكن أن يستدل لهم :
__________
(1) ... ينظر : المدونة (1/62) ، والذخيرة (2/187) ، وجواهر الأكليل (1/75) . ...
(2) ... ينظر : الحاوي (2/129) ، والمجموع (3/250) ، والبجيرمي على الخطيب (1/213) . ...
(3) ... ينظر : المغني (2/141) ، وشرح الزركشي (1/543)، الفروع (1/362) ، والإنصاف (2/117). ...
(4) ... منهم الماوردي في الحاوي (2/129)، والوزير ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح (1/272) .
(5) ... أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب أمر النبي × الذي لا يتم ركوعه، برقم 793، ص63، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ...، برقم 394، ص740.
(6) ... ينظر : فتح الباري (2/326 ، 327) ، وبدائع الفوائد (3/92) ، وعون المعبود (3/69 – 70) . ...
(7) ... ينظر : المحلى ، لابن حزم (3/12) . ...
(8) ... واختاره بعض الحنابلة ، كابن بطة ، ينظر : الانصاف (2/117) ، وشرح الزركشي (1/547) ، والفتاوى (22/404) ، وحاشية الروض المربع (2/23) . ...(1/50)
برواية في حديث المسيء صلاته وفيها : (ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه ، ويقرأ بما شاء) (1) .
وجه الدلالة: فيه دلالة على وجوب الحمد والثناء بعد تكبيرة الإحرام (2) .
ويمكن أن يناقش: بأن المقصود من الحمد والثناء قراءة الفاتحة لقوله بعد ذلك ثم يقرأ بما شاء ، ولا يكون التخيير إلا في غير الفاتحة ، لكونها من أركان الصلاة .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول وهو أن دعاء الاستفتاح سنة ، وذلك لكثرة من قال به من الفقهاء ، ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليه من مناقشة .
المسألة الثانية : محل دعاء الاستفتاح :
اختلف القائلون بسنية دعاء الاستفتاح في محله على قولين :
القول الأول: يستحب لكل مصل من إمام ومأموم ، ومنفرد ، وامرأة وصبي ، ومسافر ، ومفترض ، وقاعد مضطجع ، وغيرهم أن يأتي بدعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى فقط ، ولا يقوله فيما بعدها بحال. وهذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة ، والتابعين ، فمن بعدهم ، وجمهور أصحاب الأئمة الثلاثة (3) .
استدلوا : بالأحاديث الكثيرة الصحيحة ، فمنها :
__________
(1) ... أخرجها أبو داود كتاب الصلاة، باب صلاة ولا يقيم صلبه في الركوع ... ، برقم (857)،ص 1286، والنسائي ، كتاب التطبيق ، باب الرخصة في ترك الذكر برقم (1137) ، ص 2160، والدارمي في سننه، كتاب الصلاة ، باب في الذي لا يتم ... ، برقم (1329) ، (1/350) . ...
(2) ... عون المعبود (3/70) . ...
(3) ... المجموع (3/250)، وينظر: المبسوط (1/12)، ومختصر القدوري ص 27، وبدائع الصنائع (2/30) ، والأم (1/128) ، والحاوي (2/129) ، والأذكار ص 50 ، والمغني (2/142) ، والعدة شرح العمدة ص 70 ، والفروع (1/362) . ...(1/51)
1 – حديث علي – رضي الله عنه – أن النبي × كان إذا قام للصلاة قال : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً ... (1) .
2 – حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله × يسكت بين التكبير والقراءة ، فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله في إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب .. (2) .
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل ، برقم (771)، ص 800 . ...
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب ما يقول بعد التكبير ، برقم (744) ، ص 59. ...(1/52)
3 – حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : كان رسول الله × إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم بحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك (1) .
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، في كتاب الصلاة ، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة ، برقم (399) ، (52) ، وإسناده منقطع ، وإنما ذكره استطراداً قال الشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق (1/111) «إنما ذكره مسلم من قول عمر وهو منقطع ، فإن عبده بن أبي لبابة لم يدرك عمر» ، وأبو داود في كتاب الصلاة ، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم ... ، برقم (775) ، ص 128 ، والترمذي ، كتاب الصلاة ، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة ، برقم (242) ، ص 1661 ، وقال : (العمل على هذا عند أهل العلم ، وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد ، كان يحيى بن سعيد يتكلم في على بن علي الرفاعي ، وقال أحمد : لا يصح هذا الحديث ). ... وأخرجه ابن ماجه في كتاب الصلاة ، باب إقامة الصلوات ، والسنة فيها ، برقم (804) ، ص 2524، وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند افتتاح الصلاة، برقم (501) ، ص 172 ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2/107)، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، قال : (ورجاله موثقون) وأخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب الاستفتاح بسبحانك اللهم ، برقم (2347) ، (2/51) ، وصحح وقفه على عمر رضي الله عنه ، وكذا الدار قطني صحح وقفه على عمر ، ينظر : سنن الدراقطني (1/299) وقد حسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/402) ، وقال : (هذا حديث حسن ، أخرجه أبو داود عن عبد السلام بن مطهر) وقد صححه الألباني في إرواء الغليل (2/50) ، وقال : (....رجاله كلهم ثقات ، وعلى هذا وإن تكلم في [علي بن علي الرفاعي] يحيى بن سعيد ، فقد وثقة يحيى بن معين ، ووكيع ، وأبو زرعة ، وقال شعبة ، أذهبوا بنا إلى سيدنا ، وابن سيدنا علي بن علي الرفاعي ، وقال أحمد : لم يكن به بأس إلا أنه رفع أحاديث ، قلت: وهذا لا يوجب إهدار حديثه ، بل يحتج به حتى يظهر خطأه ، وهنا ما روى شيئاً منكراً ، بل توبع عليه كما سبق) . ...(1/53)
فهذه الأحاديث وغيرها تدل بمنطوقها على أن دعاء الاستفتاح يكون بعد تكبيرة الإحرام . وعمل به الصحابة – رضي الله عنهم – وكان عمر يستفتح به في صلاته (1) .
وأما كونه لا يشرع في غير الركعة الأولى فلحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : (كان رسول الله × إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ، ولم يسكت ) (2) .
وجه الدلالة : يدل على أن النبي × لم يكن يستفتح (3) .
القول الثاني : يكره للمصلي سواءً كان وراء الإمام ، أو وحده ، أو كان إماماً أن يأتي بدعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام ، وإنما يندب أن يأتي بدعاء التوجه
بعد الإقامة وقبل الإحرام . وهذا اختيار بعض متأخري الحنفية (4) ، ومذهب المالكية (5) ، ووجه عند الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما روى أنس – رضي الله عنه – قال : كان النبي × وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين (7) .
2 – حديث المسئ صلاته ، وفيه (إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن) (8) .
__________
(1) ... المغني (2/142) . ...
(2) ... أخرجه مسلم، كتاب المساجد ، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة ، برقم (599) ، ص 771.
(3) ... ينظر : المغني (2/216) . ...
(4) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/31) ، ومجمع الأنهر (1/94) ، وحاشية ابن عابدين (1/526) ، وتبيين الحقائق (1/111) . ...
(5) ... ينظر المدونة (1/62) ، والذخيرة (2/187) ، وجواهر الإكليل (1/75) . ...
(6) ... الفروع (1/362) . ...
(7) ... أخرجه البخاري ، في كتاب الآذان ، باب ما يقول بعد التكبير ، برقم (89) ، ص 59 . ...
(8) ... سبق تخريجه، ص230 . ...(1/54)
3 – قال × لأبي : (كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : قلت: الله أكبر ، والحمد لله رب العالمين ... ) (1) .
فلم يذكر في هذه الأحاديث توجيهاً ولا تسبيحاً (2) وأما كونه يقوله قبل التكبير فلإحضار النية (3) ولأنه أبلغ في العزيمة (4) .
وأجابوا عن الأحاديث التي استدل بها القائلون بمشروعية الاستفتاح في الصلاة :
أما حديث علي فقد أخبر أن النبي × كان يقول إذا افتتح الصلاة : وجهت وجهي للذي فطر. وحديث عائشة: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح ...).
فالجواب عنهما: أنه يحتمل أن يكون قاله قبل التكبير ثم كبر ، وذلك حسن عندنا ، أو إنا نحمله على النافلة في صلاة الليل ، كما جاء في الحديث عن أبي سعيد قال : (كان رسول الله × إذا افتتح الصلاة بالليل ، قال : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك) (5) ، أو في النافلة مطلقاً ؛ فإن النافلة أخف من الفرض ؛ لأنه يجوز أن يصليها قائماً ، وقاعداً وراكباً ، وإلى القبلة وغيرها في السفر ، فأمرها أيسر ، وقد روي في الحديث: (أن رسول الله × كان إذا قام يصلي تطوعاً ، قال : الله أكبر ، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ... ثم يقرأ) (6) .
__________
(1) ... أخرجه مالك في الموطأ ، في كتاب الصلاة ، باب ما جاء في أم القرآن ، برقم (183) ، ص 65 ، وأخرجه البخاري في كتاب التفسير باب ما جاء في فاتحة الكتاب ، برقم (4474) ، ص 366 ، عن أبي سعيد بن المعلى ، بمعناه . ...
(2) ... ينظر : الجامع لأحكام القرآن (7/154) ، والمجموع (3/256) . ...
(3) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/31) ، وقال : (ولهذا لقنوه العوام) . ...
(4) ... تبيين الحقائق (1/111) . ...
(5) ... سبق تخريجه ، ص (232).
(6) ... أخرجه النسائي كتاب الافتتاح ، باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة ، برقم (899) ، ص 2145) . ...(1/55)
وهذا نص في التطوع ، لا في الواجب ، وإذا صح أن ذلك في الفريضة بعد التكبير ، فيحمل على الجواز والاستحباب ، أما المسنون ، فالقراءة بعد التكبير (1) .
أجاب القائلون باستحباب دعاء الافتتاح بعد التكبير عن أدلة القائلين بكراهيته :
1 – أما حديث أنس – رضي الله عنه – كان يفتتحون الصلاة ... الخ .
فالمراد بفتح القراءة ، أي قراءة الفاتحة قبل السورة ، فمعناه أنهم كانوا يقرؤن الفاتحة قبل السورة ، وليس المقصود أنه لا يأتي بدعاء الاستفتاح ، وهذا مثل قول عائشة – رضي الله عنها – (كان النبي × يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بالحمد لله رب العالمين) (2) ، وكما جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن الله تعالى قال : (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) (3) وفسر ذلك بالفاتحة ، ويتعين حمله على هذا؛ لأنه ثبت عن الذين روى عنهم أنس الاستفتاح بما ذكرناه .
وعلى فرض أن هذا الحديث صرح بنفيه ؛ كانت الأحاديث الصحيحة المتظاهرة بإثباته مقدمة ؛ لأنها زيادة ثقات ؛ ولأنها إثبات وهو مقدم على النفي ، والله أعلم (4) .
2 – وكذلك الجواب عن حديث أبي – رضي الله عنه - :
فالمقصود به بيان ما يفتتح به القراءة ، وليس فيه تعرض لنفي دعاء الافتتاح (5) .
3 – وأما حديث المسيء صلاته . فالجواب عنه:
__________
(1) ... ينظر: الجامع لأحاكم القرآن ، (7/154) . ...
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب ما يجمع صفة الصلاة ، وما يفتح به ... ، برقم (498) ،
ص 755 . ...
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعه ... الخ ، برقم (395) ،
ص 740 . ...
(4) ... ينظر : المغني (2/142) ، والمجموع (3/256) ، وفتح الباري (2/267) ، والفتوحات الربانية
(2/184) . ...
(5) ... ينظر : فتح الباري (2/267) . ...(1/56)
أن النبي × لم يعلمه إلا الفرائض فقط ، وهذا ليس منها (1) ، ثم إنه جاء في رواية أخرى تعليمه × له حمد الله والثناء عليه بعد التكبير، وهذا دعاء الافتتاح ، قال : (ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه ويقرأ بما شاء) (2) .
4 – أما قولكم : إنا نحمله على النافلة في صلاة الليل .
فالجواب عنه: أنه ثبت أنه × كان يقوله في الفرائض،وعمل بذلك الصحابة (3) .
5- وأما استحبابهم الدعاء قبل التكبير: فالجواب عنه من ثلاثة أوجه :
الأول: أنه لم ينقل عن النبي × ولا عن أصحابه (4) ، فقد كان × إذا قام إلى الصلاة ، قال: الله أكبر ، ولم يقل شيئاً قبلها (5) .
الثاني: أنه يؤدي إلى أن يطول مكثه في المحراب قائماً يستقبل القبلة لا يصلي ، وهذا مذموم شرعاً (6) ؛ لما ورد عن علي – رضي الله عنه – أنه خرج وقد أقيمت الصلاة وهم قيام ينتظرونه ، فقال : «مالي أراكم سامدين» (7) أي متحيرين (8) .
__________
(1) ... ينظر : المجموع (3/256) ، والفتوحات الربانية (2/184) . ...
(2) ... سبق بيان تخريجها ، ص (230) . ...
(3) ... ينظر : المغني (2/142) . ...
(4) ... ينظر : المغني (2/121) ، والانصاف (2/37) ، وحاشية ابن عابدين (1/526) ، وكشاف القناع
(2/383) . ...
(5) ... زاد المعاد (1/201) . ...
(6) ... البناية على الهداية (2/216) ، وتبيين الحقائق (1/111) . ...
(7) ... أخرجه ابن شيبة في مصنفه ، كتاب الصلاة ، باب في القوم يقومون إذا أقيمت الصلاة ، قبل أن يجيء الإمام (1/405) . ...
(8) ... النهاية في غريب الحديث (2/398) . ...(1/57)
الثالث: ... أنه ورد في رواية صحيحة أن النبي × كان يقوله بعد التكبير فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ( أن النبي × كان إذا افتتح الصلاة المكتوبة قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً .. الحديث) (1) .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح القول بأن محل دعاء الافتتاح بعد التكبير لا قبله لوجهين:
أولاً : قوة أدلة القائلين باستحبابه في الصلاة بعد التكبير وصراحتها .
ثانياً : أن الإمام مالك لم ينه عنه لضعف الأحاديث عنده ، بل من باب سد الذرائع، حتى لا يعتقد العوام وجوبه ، فقد كان رحمه الله يقوله في خاصة نفسه ؛ لصحة الحديث به، وكان لا يراه للناس مخافة أن يعتقدوا وجوبه ، وقد ورد مثل هذا عن السلف ، فقد كان أبو بكر وعمر لا يضحيان مخافة أن يرى أنها واجبة ، ونحو ذلك عن ابن مسعود ، وقد كره مالك ، أيضاً اتباع رمضان بست من شوال ، ووافقه أبو حنيفة ، مع ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح ، وبالجملة ، فكل عمل أصله ثابت شرعاً ؛ إلا أن في إظهار العمل به والمداومة عليه ما يخاف أن يعتقد أنه سنه فتركه مطلوب في الجملة من باب سد الذرائع (2) .فهذا سبب كراهية الإمام مالك رحمه الله ، لدعاء الافتتاح ولا يضعف مثل ذلك القول باستحبابه ، لما سبق .
المسألة الثالثة : صفة دعاء الاستفتاح :
__________
(1) أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الصلاة ،باب دعاء الاستفتاح بعد التكبير ، برقم (2) ، (1/297) وقال أبو الطيب في التعليق المغني بهامش سنن الدارقطني: (الحديث سنده صحيح ، ورواته كلهم ثقات، والحديث دليل واضح على أن هذه الأدعية كانت في الصلاة المكتوبة) وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، باب ذكر ما يدعو به المرء عند افتتاح الصلاة الفريضة ويقول بعد التكبير برقم (1763) ،
(3/197).
(2) ... ينظر : الجامع لأحكام القرآن (7/154) ، والاعتصام ، للشاطبي (1/509 – 511) . ...(1/58)
اختلف القائلون باستحباب دعاء الاستفتاح ، في الدعاء الذي يستحب أن يستفتح به المصلي على خمسة أقوال :
القول الأول : يستحب أن يستفتح المصلي سراً بسبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ولا إله غيرك - ولا يأتي (بجل ثناؤك) لأنها لم تثبت في الأحاديث وإن استفتح بغيره كان ذلك حسناً ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، قال الترمذي (1) : «وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين وغيرهم». وهو مذهب جمهور الحنابلة، وقطع به أكثرهم (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – بقوله تعالى: ? ??????????? ???????? ????????? ????? ???????? ? (3) .
قال الضحاك (4) : «إذا قام إلى الصلاة ، قال : (سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، ولا إله غيرك) (5) .
2 – وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : (كان النبي × إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك ...) (6) .
__________
(1) ... في سننه ، ص 1661 . ...
(2) ... ينظر : المغني (2/142) ، والعدة شرح العمدة ص 70 ، وشرح الزركشي (1/543) ، والانصاف
(2/42) . ...
(3) ... سورة الطور ، آية (48) . ...
(4) ... الضحاك بن مزاحم الهلالي ، أبو محمد ، صاحب التفسير ، كان من أوعية العلم .
... حدث عن : أبي سعيد الخدري ، وابن عمر ، وأنس بن مالك وغيرهم . ... وحدث عنه : أبو سعد البقال، وقرة بن خالد ، وعبد العزيز بن أبي رواد ... توفي سنة : (102هـ) . ينظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء (4/598) ، وطبقات ابن سعد (6/300) ، وشذرات الذهب (1/124) . ...
(5) ... ينظر: جامع البيان (11/500) ، والجامع لأحكام القرآن (17/54) ، وأحكام القرآن لابن العربي
(4/170) ، وقال : (وأما من قال : إنه تسبيح الصلاة فهو أفضله) . ...
(6) ... سبق تخريجه ، ص (232) . ...(1/59)
3 – وعن أنس – رضي الله عنه – قال: (كان رسول الله × إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه ثم قال:سبحانك اللهم وبحمدك...) (1) .
4 – وعمل به السلف ؛ فقد صح عن عمر – رضي الله عنه – أنه كان يستفتح به في مقام النبي × ، ويجهر به ويعلمه الناس (2) .
5 – ولاشتماله على أفضل الكلام بعد القرآن ، ولأنه أخلص للثناء على الله (3) ، فكان أولى من إخبار حاله ، كما في حالة الركوع والسجود ، حيث لا يشتغل بإخبار حاله فيقول: اللهم لك ركعت أو سجدت، وإنما يشتغل بالتسبيح (4) .
__________
(1) ... أخرجه الدار قطني ، في كتاب الصلاة ، باب دعاء الاستفتاح بعد التكبير ، برقم (12) ، (1/300) ، وقال الدار قطني : (إسناده كلهم ثقات) ، وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول بعد افتتاح الصلاة ، برقم (506). ... وقال الزيلعي في نصب الراية (1/396) : (وفي إسناده الحسين بن علي الأسود ، قال المروزي : سئل عنه أحمد فقال : لا أعرفه ، وقال أبو حاتم : صدوق ، وقال ابن عدي : يسرق الحديث ، وأحاديثه لا يتابع عليها ، وقال الأزدي : ضعيف جداً يتكلمون في حديثه وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : ربما أخطأ ، ثم قال : وله طريق آخر عند الطبراني وذكرها ...)أ. هـ . ... وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ، وكتاب الصلاة ، باب ما يستفتح الصلاة به ، (2/107) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، وقال : (ورجاله موثقون) . ...
(2) ... سبق تخريجه ، ص (233) . ...
(3) ... ينظر : زاد المعاد (1/205 – 206) ، والفتاوى (22/377) . ...
(4) ... تبيين الحقائق (1/111) . ...(1/60)
القول الثاني: يستحب أن يستفتح بسبحانك اللهم مقتصراً عليه ، ولا يضم إليه دعاء التوجه أو غيره ، إلا في النافلة . وهذا مذهب الحنفية (1) ، وبعض الحنابلة (2) .
واستدلوا : بمثل أدلة القول الأول. واستثنوا النافلة ؛ لحمل ما ورد في الأخبار عليها فيقرؤه فيها إجماعاً (3) ، ولأن الأمر فيها واسع (4) .
القول الثالث : يستحب للمصلي سواء كان مفترضاً أو متنفلاً ، إماماً أو مأموماً أن يستفتح بدعاء التوجه. وهو: «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ، ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ، اللهم أنت الملك ، لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعها ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيء الأخلاق ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك ، والخير كله بيدك ، والشر ليس إليك ، أنا بك وإليك تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك» (5) .
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (1/12) ، ومختصر القدوري ص 27 ، والاختيار لتعليل المختار (1/49) ، والبحر الرائق (1/328) وقال : (هو الصحيح المعتمد) . ...
(2) ... ينظر : الفروع (1/362) . ...
(3) ... حاشية ابن عابدين (1/526) . ...
(4) ... بدائع الصنائع (2/31) . ...
(5) ... سبق تخريجه، ص231. و ... قوله : (والشر ليس إليك) معناه : الشر ليس مما يتقرب به إليك ، وقيل : أراد أن الشر لا يصعد إليك، وإنما يصعد إليك الطيب وهو الخير ... وقيل : لا ينسب الشر إليك على الإنفراد تعظيماً ... ، وهو سبحانه خالق الخير والشر ، فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله ... ينظر: شفاء العليل ، لابن القيم (2/63) . ...(1/61)
قال الشافعي (1) – رحمه الله – «وبهذا كله أقول وآمر وأحب أن يأتي به كما يروى عن رسول الله × لا يغادر منه شيئاً ، ويجعل مكان (وأنا أول المسلمين) ، (وأنا من المسلمين) هذا إذا كان منفرداً ، أو إماماً لقوم محصورين ، لا يتوقعون من يلحق بهم ورضوا بالتطويل ، فيستوفي حديث علي – رضي الله عنه - ، ويستحب معه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - (2) وإلا لم يزد على قوله ، وأنا من المسلمين (3) ، لئلا تطول الصلاة ، ويقطع الناس عن أشغالهم ، ويتأذى به المريض منهم (4) .
وهذا مذهب الشافعية (5) ، وبعض الحنابلة (6) .
استدلوا بما يلي :
__________
(1) ... الأم (1/128) واختلف العلماء في حكم قول المصلي : (أنا أول المسلمين) : فقال بعض العلماء : لا يقول ذلك ؛ لأنه كذب ، ولأن ذلك للرسول × ، فهو أول مسلمي هذه الأمة ، وهل تفسد صلاته إذا قال ذلك ؟على قولين : أصحهما : لا تفسد ، إذا قصد لفظ الآية ، إما إذا قصد الأخبار عن نفسه تفسد ، وقال بعضهم : يقول أنا أول المسلمين ، للاتباع ، ولأن معنى الآية : المسارعة في الامتثال لما أمر به ، ونظيره قوله تعالى (فأنا أول العابدين) ، وقول موسى : وأنا أول المؤمنين ، فالأولية أضافية .
... ينظر : بدائع الصنائع (2/30) ، والبناية على الهداية (2/213) ، وحاشية ابن عابدين (2/526) ، والحاوي (2/130) ، والفتوحات الربانية (2/167) . ...
(2) ... حديث : اللهم باعدني ... (سبق تخريجه) . ص (231).
(3) ... ينظر : المجموع (3/256) . ...
(4) ... الحاوي (2/130) . ...
(5) ... ينظر : الأذكار ص 50 ، والمجموع (3/257) ، ومغني المحتاج (1/155) . ...
(6) ... الفروع (1/362) ، الإنصاف (2/42) . ...(1/62)
1 – حديث علي – رضي الله عنه – (أن النبي × كان إذا قام إلى الصلاة ، قال: «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض... » ) (1) . وفي رواية: (أن رسول الله × كان إذا افتتح الصلاة قال : «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض...) (2) .
2 – وقد ثبت أنه × كان يقوله في الفرائض ، وفي رواية : أنه كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة قال : «وجهت وجهي للذي فطر السموات...» (3) .
3 – ولأنه أصح رواية وأثبت إسناداً ، وأشهر عند أصحاب الحديث متناً ، وهو موافق لكتاب الله عز وجل ، ومشابهة لحال المصلي.ولأنه يشتمل على أنواع وذاك نوع ، فكان ما ذهبنا إليه أولى (4) .
وأجابوا عن أدلة القائلين باستحباب الافتتاح بالتسبيح .
أما الآية ? ??????????? ???????? ????????? ????? ???????? ? .
فالجواب عنها: أن قوله: ? ????? ???????? ? لا يدل على التسبيح بعد التكبير ، فإن التكبير هو الذي يكون بعد القيام ، والتسبيح يكون وراء ذلك (5) ، ومما يدل على أن ذلك ليس معنى الآية، «أن الجميع مجمعون على أنه غير واجب أن يقال في الصلاة : سبحانك وبحمدك، وما روي عن الضحاك عند القيام إلى الصلاة ، فلو كان القول كما قاله الضحاك لكان فرضاً أن يقال ؛ لأن قوله: ? ??????????? ???????? ????????? ? أمر من الله تعالى بالتسبيح ، وفي إجماع الجميع على أن ذلك غير واجب الدليل الواضح على أن القول في ذلك غير الذي قاله الضحاك» (6) .
2- وأما الأحاديث : «كان النبي × إذا قام إلى الصلاة، قال: سبحانك اللهم ...».
فلم يثبت عن النبي × في الاستفتاح بسبحانك اللهم شيء، وثبت وجهت وجهي، فتعين اعتماده ، والعمل به (7) .
أجاب القائلون باستحباب الاستفتاح (بسبحانك اللهم):
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (231). ...
(2) ... سبق تخريجه، ص (231).
(3) ... سبق تخريجه، ص (236) . ...
(4) ... الحاوي (1/130) . ...
(5) ... الجامع لأحكام القرآن (17/53) . ...
(6) ... تفسير الطبري (11/500) . ...
(7) ... المجموع (3/257) . ...(1/63)
1 – أما حديث علي – رضي الله عنه – «وجهت وجهي ...» .
فالجواب عنه من أربعة أوجه:
1- أنه محمول على صلاة التهجد (1) ، قال ابن القيم (2) : «والمحفوظ أن هذا الاستفتاح إنما كان يقوله في قيام الليل» ؛ لحديث أن رسول الله × ، (كان إذا قام يصلي تطوعاً قال : الله أكبر ، وجهت وجهي...) (3) . فيكون مفسراً لما في غيره ، بخلاف سبحانك اللهم ، فإن ما ذكرناه يبين أنه المستقر عليه في الفرائض (4) .
2- أن العمل به متروك ، فإنا لا نعلم أحداً يستفتح به كله ، وإنما سيتفتحون بأوله (5) .
3- أو أنه كان في ابتداء الإسلام ، فلما شرع التسبيح نسخ ،كما روى أنه كان يقول في الركوع: ركع لك ظهري ، وفي السجود : سجد لك وجهي، فلما نزل ? ??????????? ???????? ???????? ???????????? ? (6) ، جعلوه في الركوع ، ونزل: ? ??????? ?????? ???????? ??????????? ? (7) ، فجعلوه في السجود ، ونسخ ما كانوا يقولونه قبله ، فكذلك فيما نحن فيه توفيقاً بين الحديثين (8) .
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (1/12) ، بدائع الصنائع (2/311) ، والمغني (2/145) ، والفروع (1/362) .
(2) ... زاد المعاد (1/203) ، وينظر : الجامع لأحكام القرآن ، (7/154) . ...
(3) ... أخرجه النسائي، كتاب الافتتاح، باب نوع آخر من الذكر والدعاء ...، برقم 899، ص2145 .
(4) ... فتح القدير (1/289) . ...
(5) ... المغني (2/145) . ...
(6) ... سورة الواقعة ، آية (96) . ...
(7) ... سورة الأعلى ، آية (1) . ...
(8) ... الاختيار لتعليل المحتار (1/49) ، وينظر : بدائع الصنائع (2/31) ، وعمدة القاري (5/296) .(1/64)
4- أنه لما ثبت من فعل الصحابة ، كعمر – رضي الله عنه – وغيره ، الافتتاح بعده عليه الصلاة والسلام (بسبحانك اللهم) مع الجهر به لقصد تعليم الناس ، ليقتدوا ويأنسوا، كان دليلاً على أنه الذي كان عليه × آخر الأمر ، أو أنه كان الأكثر من فعله ، وإن كان رفع غيره أقوى على طريق المحدثين ، ألا يرى أنه روى في الصحيحين من حديث أبي هريرة : أنه × يقول : «اللهم باعد ...» (1) ، وهو أصح من الكل ؛ لأنه متفق عليه، ومع هذا لم يقل بسنيته عيناً أحد من الأربعة .
والحاصل ؛ أن غير المرفوع أو المرفوع المرجوح في الثبوت عن مرفوع آخر قد يقدم على عديله إذا اقترن بقرائن تفيد أنه صحيح عنه عليه الصلاة والسلام ، مستمر عليه (2) .
القول الرابع: يستحب للمصلي أن يجمع بينهما ، فيقول مع التسبيح ، (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً ...) ، ويبدأ بأيهما شاء. وهذا اختيار أبي يوسف (3)
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (231). ...
(2) ... فتح القدير (1/289) . ...
(3) ... هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي ، كان إماماً مجتهداً ، وعلامة محدثاً . ... حدث عن : أبي حنيفة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وحجاج بن أرطأة . ... وحدث عنه : يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وأسد بن الفرات ، وعدد كثير . ... كان أبو يوسف هو المقدم من أصحاب أبي حنيفة ، وأول من وضع الكتب على مذهب أبي حنيفة ، وأملى المسائل ونشرها وبث علم أبي حنيفة في أقطار الدنيا. توفي سنة (182هـ).
... ينظر في ترجمته: أخبار القضاة (3/254)، والفوائد البهية ص 297، وسير أعلام النبلاء (8/535). ...(1/65)
من الحنفية (1) ، وجماعة من الشافعية (2) ، وبعض الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – بما روى جابر – رضي الله عنه – أن النبي × كان إذا استفتح الصلاة ، قال : (سبحانك اللهم وبحمدك ... ولا إله غيرك وجهت وجهي للذي ....) (4) .
2 – بما روى عبد الله عن عمر – رضي الله عنهما – قال : كان رسول الله × إذا افتتح الصلاة قال : (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ... وسبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك ... إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين...» (5) .
__________
(1) ... ينظر المبسوط (1/12) ، وبدائع الصنائع (2/30) ، وتبيين الحقائق (1/111) . ...
(2) ... ينظر : المجموع (3/250) ، والبيجيرمي على الخطيب (1/213) ، والأذكار ص 50 . ...
(3) ... ينظر : الفروع (1/362) ، والانصاف (2/42) ، قواعد ابن رجب ص 14 ، والافصاح عن معاني الصحاح (1/125) ، وقال : (وهو اختياري) . ...
(4) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب من روى الجمع بينهما ، برقم (2351) ، (2/52) ، وقال الزيلعي في نصب الراية (1/395) : (قال البيهقي في المعرفة : وقد روي في الجمع بينهما عن محمد بن المنكدر مرة عن ابن عمر ، ومرة عن جابر ، وليس بالقوي) ، وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/409) : (وسنده قوي ؛ فإن رجاله رجال الصحيح إلا عبد السلام ، وقد قال أبو حاتم : إنه صدوق ، وأما الراوي عنه إبراهيم بن يعقوب ، فهو من كبار الحفاظ الإثبات...).
(5) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند افتتاح الصلاة ، برقم (500) ، ص 171 . والبيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب من روى الجمع بينهما ، برقم (2352) ، (2/53) . وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة ، باب ما يستفتح به الصلاة ، (2/106) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال : (وفيه عبد الله بن عامر الأسلمي ، وهو ضعيف) . وقد ضعفه الذهبي في الميزان
(2/448) ، وقال : (ضعفه أحمد والنسائي والدار قطني ، وقال يحيى: ليس بشيء ، وقال البخاري : يتكلمون في حفظه) .وقال ابن حجر في تقريب التهذيب (1/402) : (ضعيف) .وكذا ضعفه الزيلعي في نصب الراية (1/394) . ...(1/66)
3 – ولأن الأخبار وردت بهما فيجمع بينهما (1) .
أجيب: بأن هذه الأحاديث فيها ضعف وعلى فرض صحتها، فهي محمولة على التهجد (2) .
القول الخامس : يستحب للمصلي أن يأتي بكل نوع أحياناً ، فيقول هذا تارة، وهذا تارة ، ولكن لا يجمع بينهما .
وهذا قول بعض الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - (3) .
واستدلوا بما يلي :
أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة فالأفضل فيها فعلها في أوقات شتى ؛ لأن فيه اقتداء بالنبي × في تنوعه ، وفيه إحياء للسنة ، بعدم هجران بعضها ، ولأنه أحضر للقلب . (4)
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – هو القول الخامس وهو أن يستفتح بكل نوع أحياناً ، جمعاً بين الأدلة ،وعملاً بالسنة ، والله أعلم.
هذا وقد ورد عن النبي × أنواع أخرى ، منها:-
1- حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، الله نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) (5) .
2- حديث : (كان النبي × إذا قام من الليل افتتح صلاته : اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) (6) .
__________
(1) ... الاختيار لتعليل المختار (1/49) . ...
(2) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/111) . ...
(3) ... الفروع (1/362) ، وينظر : الاختيارات الفقهية ص 50 ، والانصاف (2/42) ، وقال : (وهو الصواب) . ...
(4) ... ينظر : قواعد ابن رجب ص 14 ، والشرح الممتع (3/37) . ...
(5) سبق تخريجه ، ص (231).
(6) أخرجه مسلم ، في كتاب المسافرين ن باب صلاته ودعائه بالليل ، برقم (770) ، ص 800.(1/67)
3- ومنها حديث ابن عباس – رضي الله عنه – قال: كان النبي × إذا قام من الليل يتهجد قال: (اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ، ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت مالك السموات والأرض ، ولك الحمد أنت الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ... الخ ) (1) .
4 – ومنها حديث أنس – رضي الله عنه – أن رجلاً جاء فدخل الصف ، وقد حفزه النفس ، فقال : (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) (2) .
5 – ومنها حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : (بينما نحن نصلي مع رسول الله × إذا قال رجل من القوم «الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ....» ) (3) .
6 – ومنها حديث حذيفة – رضي الله عنه – أنه رأى رسول الله × يصلي من الليل فكان يقول : (الله أكبر ثلاثاً ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة) (4) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب التهجد ، باب التهجد بالليل ، برقم (1120) ، ص 87 . ...
(2) ... أخرجه مسلم في كتاب المساجد،باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة،برقم (600)،ص 771.
(3) ... أخرجه مسلم في كتاب المساجد ، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة ، برقم (601)، ص 771 .
(4) ... أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ، برقم (874) ،
ص 1288 ، واللفظ له ، والنسائي في كتاب التطبيق ، باب الدعاء بين السجدتين ، برقم (1146) ، ص 2161 ، وابن ماجه في إقامة الصلاة ، باب ما يقول بين السجدتين ، برقم (897) ، ص 2529 ، وحسنه الألباني في صفة الصلاة ، ص 153 .(1/68)
7 – ومنها حديث عائشة – رضي الله عنها – كان إذا افتتح الصلاة من الليل : «كبر عشراً ، وحمد الله عشراً ، وسبح عشراً ، وهلل عشراً ، واستغفر عشراً ، وقال : اللهم اغفر لي ، واهدني ، وارزقني ، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة» (1) .
وهذه الاستفتاحات يقولها المصلي في صلاة الليل ؛ لأنها محل التطويل ، ويقولها إن شاء إذا صلى وحده ، أما إذا صلى بالجماعة فلا ، لئلا يشق على الناس (2) .
المسألة الرابعة : حكم الجهر والإسرار بدعاء الاستفتاح :
اتفق الفقهاء (3) القائلون بمشروعية الاستفتاح في الصلاة على استحباب الأسرار به ولا يجهر به الإمام ولا غيره . واستدلوا بما يلي:
أن النبي × لم يجهر به ، وإنما جهر به عمر – رضي الله عنه – ليعلم الناس (4) ، ولهذا يعد الجهر بالاستفتاح من البدع المكروهة في الصلاة (5) .
المسألة الخامسة : حكم ترك دعاء الاستفتاح عمداً أو سهواً :
__________
(1) ... أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب ما يستفتح به الصلاة ، برقم (766) ، ص 1279 ، والنسائي في كتاب صلاة الليل ، باب ذكر ما يستفتح به القيام ، برقم (1618) ، ص 2196 ، وابن ماجه في كتاب الصلاة ، باب الدعاء إذا قام الرجل من الليل ، برقم (1356) ، ص 2557،وأحمد في المسند، وينظر: (الفتح الرباني كتاب الصلاة باب ما يقول في افتتاح الصلاة، برقم (1013)، (4/245))وقال البنا : (إسناده جيد) ، وصححه الألباني في صفة الصلاة ، ص 95، والأرنؤط في تحقيق زاد المعاد
(1/204) . ...
(2) ... ينظر : الحاوي (2/130) ، والمجموع (3/256) ، والبيجرمي على الخطيب (1/213) ، الشرح الممتع (3/70) . ...
(3) ... ينظر : فتح القدير (1/289) ، ومختصر القدوري ص 27 ، وحاشية ابن عابدين (1/526) ، والأذكار مع الفتوحات الربانية (2/185) ، والمغني ، (2/145) ، والفتاوى (22/204) ، والمبدع
(1/433) ، ومطالب أولى النهى (1/229) . ...
(4) ... المغني (2/145) . ...
(5) ... الإبداع في مضار الابتداع ص 288 . ...(1/69)
نص الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أن من ترك دعاء الاستفتاح عمداً أو سهواً أو جهلاً ، فلا سجود للسهو عليه ، ولا إعادة ، فإن سها عنه حين افتتح الصلاة ، ثم ذكر قبل أن يفتتح القراءة ، جاء به ، وإن لم يذكره حتى افتتح القراءة لم يعد إليه ، على الصحيح (2) ؛ لأنه سنة فات محلها (3) ، ولو فعله كان مكروهاً ، ولا تبطل صلاته به (4) .
المسألة السادسة : المواضع التي يكره فيها دعاء الاستفتاح :
يكره في مسألتين : المسألة الأولى : في صلاة الجنازة :
اختلف العلماء – رحمهم الله – في حكم دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة على قولين :
القول الأول : يكره الاستفتاح في صلاة الجنازة . وهذا الصحيح من مذهب الشافعية (5) ، ومذهب المالكية (6) ، والمشهور من مذهب الحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي:
أنها مبنية على التخفيف ، ولهذا لا يقرأ فيها بعد الفاتحة بشيء ، وليس فيها ركوع ولا سجود (8) .
__________
(1) ... ينظر : حاشية ابن عابدين(1/527) ، والأم (1/128) ، والمجموع (3/250) ، والأذكار ص 51 ، والمغني (2/145) ، والاقناع (1/115) ، وكشاف القناع (2/391) . ...
(2) ... ينظر : الأم (1/128) ، والمجموع (3/250) ، ومغني المحتاج (1/155) ، والاقناع (1/115) ، وحاشية ابن عابدين (1/527) . ...
(3) ... كشاف القناع (2/391) ، ومطالب أولى النهى (1/429) . ...
(4) ... الأذكار ،ص 51 . ...
(5) ... ينظر : الأذكار ،ص 51 ، والمجموع (3/250) ، والبيجرمي على الخطيب (1/213) . ...
(6) ... ينظر : المعونة (1/252) ، والذخيرة (2/459) ، وحاشية الدسوقي (1/653) . ...
(7) ... ينظر : مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود ص 217 ، والانصاف (2/495) . ...
(8) ... الأذكار ص 50 ، وينظر : إعانة الطالبين (1/139) ، والمهذب مع المجموع (5/181) ، والمغني
(3/410) . ...(1/70)
القول الثاني : يستحب الاستفتاح في صلاة الجنازة . وهذا مذهب الحنفية (1) ، وبعض الشافعية (2) ، ورواية عند الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أنها صلاة والنبي × يستفتح في الصلاة (4) .
2 – ولأن البداءة بالثناء ثم الصلاة على النبي × سنة الدعاء ؛ لأنه أرجى للقبول (5) .
3 – ولأن الاستفتاح يراد به افتتاح الصلاة ، والتعوذ يراد للقراءة ، وفي هذه الصلاة افتتاح وقراءة فوجب أن يأتي بذكرهما (6) .
ونوقش: أن التعوذ سنة القراءة مطلقاً في الصلاة وغيرها ، لقوله تعالى : ? ????????? ?????????? ?????????????? ?????????????? ???????? ???? ??????????????? ??????????? ? (7) .
الراجح :
لعل الراجح – والله أعلم – هو عدم استحباب الاستفتاح في صلاة الجنازة ، وذلك لوجاهة ما استدلوا به ، ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليها من مناقشة (8) .
المسألة الثانية : المسبوق إذا أدرك الإمام في غير القيام :
__________
(1) ... المبسوط (2/62) ، تبيين الحقائق (1/240) ، والفتاوى الهندية (1/164) . ...
(2) ... المجموع (3/250) ، والحاوي (3/223) . ...
(3) ... الإنصاف (2/495) . ...
(4) ... الشرح الممتع (3/70) . ...
(5) ... تبيين الحقائق (1/240) . ...
(6) ... المهذب مع المجموع (5/190) . ...
(7) ... المصدر السابق ، والآية من سورة النحل ، (98) . ...
(8) ... وهذا اختيار الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – ينظر : الشرح الممتع (3/71) . ...(1/71)
نص الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أن المسبوق إذا أدرك الإمام ساجداً ، أو رافعاً من الاعتدال حين كبر للإحرام ، فإنه لا يأت بدعاء الاستفتاح ، بل يدخل معه على الهيئة التي عليها الإمام موافقة له لحديث: (إذا وجدتم الإمام ساجداً فاسجدوا ، أو راكعاً فاركعوا، أو قائماً فقوموا ، ولا تعتدوا بالسجود إذا لم تدركوا الركعة) (2) . أما إذا أدركه في التشهد ، فإن كان قبل أن يسلم بأن قعد، فلما قعد سلم الإمام، لم يأت به؛ لأن وقته قد فات بالقعود ، أما إذا سلم قبل أن يقعد، أتى به (3) . وإذا أدرك الإمام في القيام: فإن علم أنه يمكنه أن يأتي بدعاء الاستفتاح والتعوذ والفاتحة أتى به ، وإن علم أنه لا يمكنه الجمع أو شك، لم يأت به إلا إذا استطاع أن يأتي ببعضه أتى بالممكن منه (4) ، ثم اشتغل بالفاتحة؛ لأنها آكد فهي واجبة ، وهذا سنة (5) . أما إذا أدرك الإمام ، وهو يقرأ الفاتحة جهراً ، فلما كبر أمّن الإمام يؤمن معه ، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح ؛ لأنه يسير (6) ،
__________
(1) ... ينظر : الأم (1/128) ، والمجموع (3/250) ، والبجيرمي على الخطيب (1/213) ، ومجمع الأنهر (1/94) ، والمغني (2/182 ، 216) ، (وقد فرق الأحناف بين إذا أدركه راكعاً ، لا يأت به ، وإذا أدركه ساجداً ، أثنى ثم سجد ، ولعل الصواب الأول ، للأمر بموافقة الإمام) ، ينظر : حاشية ابن عابدين (1/526) ، ومجمع الأنهر (1/94) . ...
(2) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب إدراك الإمام الركوع ، برقم (2576) ، (2/128) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ، برقم (1188) .
(3) ... ينظر فتاوى ابن الصلاح (1/248) .
(4) ... ينظر : الأم ، (1/128) ، والمجموع (3/250) ، والبجيرمي على الخطيب (1/213) ، ومجمع الأنهر (1/94) ، والمغني (2/182 ، 216) .
(5) ... ينظر : الأذكار ص 50 .
(6) ... ينظر : الأم (1/128) ، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي (2/92) ..(1/72)
وإن أدركه قبل القراءة ، أتى به ، ما لم يبدأ الإمام في القراءة ، هذا في الفريضة والنفل. أما إذا كان يسر بالقراءة أتى به (1) .
وإذا أدركه وقد انتهى من قراءة الفاتحة ، وهو يقرأ السورة التي بعد الفاتحة ، لا يأتي بالاستفتاح ويقرأ الفاتحة ويتعوذ ؛ لأن التعوذ تابع للقراءة (2) .
والحاصل أن دعاء الاستفتاح إنما يسن بشروط خمسة (3) :
أن يكون في غير صلاة الجنازة ، وأن لا يخاف فوت وقت الأداء ، وأن لا يخاف المأموم فوت بعض الفاتحة، وأن لا يدرك الإمام في غير قيام ، فلو أدركه في الاعتدال لم يفتتح ، وأن لا يشرع المصلي مطلقاً في التعوذ أو القراءة .
وعليه ، فمن الخطأ الذي يقع فيه كثير من المسبوقين ، انشغالهم بدعاء الاستفتاح ، والطمأنينة فيه ، حتى تفوت عليه الركعة ، ولم يقرأ الفاتحة .
قال ابن الجوزي (4) – رحمه الله – : «ومن الموسوسين من تصح له التكبيرة خلف الإمام ، وقد بقي من الركعة يسير ، فيستفتح ويستعيذ فيركع الإمام ، وهذا تلبيس أيضاً ؛ لأن الذي شرع فيه من التعوذ والاستفتاح مسنون والذي تركه من قراءة الفاتحة ، وهو لازم للمأموم عند جماعة من العلماء ، فلا ينبغي أن يقدم عليه سنة» .
المطلب السادس : الدعاء عند قراءة الفاتحة . وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول : الدعاء أثناء قراءة الفاتحة :
__________
(1) ... ينظر:فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهندية (1/88)، وحاشية الشلبي على تبين الحقائق (1/111)، والأم (1/128) .
(2) ... ينظر : الشرح الممتع (4/257) .
(3) ... البجيرمي على الخطيب (1/213) ، وينظر : حاشية الشرقاوي (1/300) .
(4) ... تلبيس إبليس ص 155 ، وينظر : القول المبين في أخطاء المصلين ص 258 .(1/73)
اتفق الفقهاء (1) على أنه لا يشرع للمصلي أن يشتغل أثناء قراءة الفاتحة بدعاء ولا غيره ، بل يجب عليه موالاتها بأن يصل الكلمات بعضها ببعض، ولا يفصل إلا بقدر التنفس.
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (صلوا كما رأيتموني أصلي) (2) .
2 – ولأن القرآن معجز ، والإعجاز متعلق بالنظم والترتيب (3) .
3 – ولاشتمال الفاتحة على الدعاء فهو أولى من دعاء أجنبي (4) .
واختلفوا في المصلي إذا دعاء أثناء قراءة الفاتحة ، هل يجب عليه أن يستأنفها ؟ .
تحرير محل النزاع : اتفقوا على أن من دعا خلال الفاتحة عامداً بدعاء غير مشروع ، كثيراً أو يسيراً ، لزمه استئنافها (5) .
لاختلاف نظمها،ولقطعه موالاتها،ولأن الاشتغال به يوهم الإعراض عن القراءة (6) .
__________
(1) ... القائلون بفرضية الفاتحة ، وهم المالكية والشافعية والحنابلة ، ينظر : الذخيرة (2/234) ، مواهب الجليل (1/544) ، وحاشية الدسوقي (1/252) ، جواهر الإكليل (1/75) ، والتهذيب في فقه الشافعي (2/96) ، والمجموع (3/511) ، وحاشية الجمل (2/33) ، والمغني (2/156) ، والمستوعب (2/142) ، والفروع (1/365) . أما الحنفية لا تتعين الفاتحة ركنا عندهم ، فالفرض عندهم قراءة ما تيسر من القرآن ، ينظر : المبسوط (1/19) ، وتبيين الحقائق (1/105) ، والهداية على البناية (1/240) .
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الأدب ، باب رحمة الناس والبهائم ، برقم (6008) ، ص 508 . ...
(3) ... الممتع في شرح المقنع ، للتنوخي (1/419) . ...
(4) ... ينظر : جواهر الإكليل (1/75) ، وحاشية الدسوقي (1/252) . ...
(5) ... ينظر: التهذيب (2/96) ، ومغني المحتاج (1/158) ، وحاشية الجمل (2/34)، والمغني (2/156) ، الفروع (1/365) ، كشاف القناع (2/396) ، ومطالب أولى النهى (1/429) ، وهذه المسألة لم ترد عند المالكية ، حسب ما اطلعت عليه من المصادر . ...
(6) ... ينظر : كشاف القناع (2/396) ، ومطالب أولى النهى (1/429) ، ومغني المحتاج (1/158) .(1/74)
واتفقوا على أن من دعا خلال الفاتحة عامداً بدعاء مشروع كثيرٍ ، لزمه استئنافها ، لاختلال نظمها (1) . واتفقوا على أن من وقع منه الدعاء سهواً أو نسياناً ، لا تنقطع قراءته ، إلا أن يطول فيستأنف (2) . لقوله تعالى : ? ????????? ?????????? ???????? ??????? ????????????????? ????? ????????? ???? ???????????? ??????????????? ? (3) . ولأن الصلاة لا تبطل بما تخللها ناسياً أو جاهلاً، فكذا الفاتحة (4) .
واختلفوا فيمن دعا خلال الفاتحة بدعاء مشروع يسير ، كما لو قطعها ليسأل الله أن يكون من الذين أنعم الله عليهم ، أو يسأل الله أن يلحقه بالصالحين ، ونحو ذلك ، فهل يلزمه أن يستأنف الفاتحة؟ على قولين :
القول الأول: يجب عليه أن يستأنف ؛ كما لو فتح على غير إمامه ، أو أجاب المؤذن، أو عطس فحمد الله. وهذا وجه عند الشافعية (5) .
القول الثاني: لا يجب عليه أن يستأنف الفاتحة ، بل يبني عليها وتجزيه .
وهذا الأصح عند الشافعية (6) ، ومذهب الحنابلة (7) . واستدلوا بما يلي :
1 – أن ذلك مندوب للمأموم في الأصح (8) .
__________
(1) ... ينظر : المجموع (3/290)، والمغني (2/156) ، والكشاف (2/396)، والمستوعب (2/142) .
(2) ... ينظر : المجموع (3/290) ، وروضة الطالبين (1/244) ، والكشاف (2/396) ، ومطالب أولى النهى (1/429) . ...
(3) ... سورة الأحزاب ، آية (5) . ...
(4) ... المجموع (4/14) ، (3/290) . ...
(5) ... ينظر: المجموع (3/289) ، وروضة الطالبين (1/244) ، ومغني المحتاج (1/158) ، وحاشية الجمل (2/34) . ...
(6) ... ينظر : التهذيب (2/96) ، والمجموع (3/511) ، وروضة الطالبين (1/243) . ...
(7) ... ينظر : المغني (2/156) ، والكشاف (2/392) ، ومطالب أولى النهى (1/429) ، وحاشية الروض المربع (2/27) . ...
(8) ... مغني المحتاج (1/158) . ...(1/75)
2 – ولعدم إخلاله بنظمها (1) ؛ لأنه ليس بإعراض عن القراءة (2) .
وأجابوا عن أدلة القول الأول :
أن ما ذكروه من الفتح على الإمام ، وإجابة المؤذن ، والحمد عند العاطس ليس من مصلحة الصلاة (3) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الثاني وهو أنه لا يجب عليه أن يستأنف الفاتحة، وذلك لوجاهة ما استدلوا به ، ولضعف دليل المخالفين ، بم ورد عليه من مناقشة ، وإن كان الاحتياط أن يستأنفها خروجاً من الخلاف .
ولا يؤمر بإعادة جميع الفاتحة إذا قطعها بدعاء غير مشروع أو مشروع وكان كثيراً ، بل يلزمه إعادة ما أخل به ، وما بعده ؛ لأن ما قبله وقع صحيحاً ، مراعاة للترتيب (4) .
ومن الدعاء غير المشروع أثناء قراءة الفاتحة :
1 – دعاء المأموم عند قراءة الإمام (إياك نعبد وإياك نستعين) (5) .
كقولهم: (استعنت بلك يا رب) أو (اللهم إياك نستعين) ونحو ذلك ، أو قولهم (رب اغفر لي ولوالدي) حين يقرأ الإمام (اهدنا الصراط المستقيم) (6) .
2 – وبعض المأمومين يهمهم بدعوات ، عندما يكاد الإمام أن ينتهي من قراءة الفاتحة ، وذلك طمعاً في تأمين المأمومين على دعائه ، وهذا خطأ ؛ لأن تأمين المأمومين على الفاتحة لا دعائه المبتدع (7) .
3 – رفع اليدين عند قول الإمام ولا الضالين في الصلاة ، بدعة محدثة (8) .
__________
(1) ... كشاف القناع (2/396) . ...
(2) ... ينظر : الممتع في شرح المقنع (1/420) ، ومطالب أولى النهى (1/429) . ...
(3) ... ينظر : مغني المحتاج (1/158) . ...
(4) ... ينظر : الشرح الممتع ، لابن عثيمين (3/89) . ...
(5) ... ينظر : الأذكار ص 362 ، والمجموع (4/14) ، وفتاوى اللجنة الدائمة (6/424) ، والبدع والمحدثات وما لا أصل له ص 502 . ...
(6) ... ينظر : المسجد في الإسلام ص 306 ، والبدع والمحدثات وما لا أصل له ص 521 . ...
(7) ... ينظر : القول المبين في أخطاء المصلين ص 236 . ...
(8) ... ينظر : البدع والمحدثات ، وما لا أصل له ص 502 . ...(1/76)
الفرع الثاني : حكم الدعاء عند العجز عن الفاتحة :
إذا عجز المصلي عن الفاتحة ، فهل ينتقل إلى الدعاء ، أم لا (1) ؟
اتفق فقهاء الشافعية (2) والحنابلة (3) على أن المصلي إذا عجز عن الفاتحة ، انتقل إلى ما تيسر من القرآن من غيرها ، وإن عجز فالتسبيح والتحميد ، والتكبير ، والتهليل، والحوقلة. واستدلوا بما يلي :
1 – جاء رجل إلى النبي × ، فقال : يا رسول الله علمني شيئاً يجزني من القرآن ، فإني لا أقرأ ، فقال × : (قل سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ... الحديث) (4) .
لكن هذه الواقعة لا تجوز أن تكون في جميع الأزمان ؛ لأن من يقدر على تعلم
__________
(1) ... هذه المسألة لا ترد عن الحنفية ؛ لأن الفاتحة لا تتعين ركناً عندهم ، ينظر : المبسوط (1/19) ، والهداية مع البناية (1/240) ، والبحر الرائق (1/312) ، ولا عند المالكية ، لأن من عجز عن الفاتحة عندهم ، فإنه يقف فقط ، ويجب عليه التعلم في الحال ، ولم يرخصوا له حتى في الذكر ، ينظر : الذخيرة (2/186) ، وحاشية الدسوقي (1/237) .
وأما الحنابلة : فقالوا : من عجز عن الفاتحة ، فما تيسر من القرآن وإلا انتقل إلى الذكر ولم يذكروا الدعاء ، ينظر : المغني (2/163) ، وكشاف القناع (2/400) . ...
(2) ... ينظر : المجموع (3/310) ، وحاشية الجمل (2/36) ، وحاشية قليوبي (1/221) . ...
(3) ... ينظر : المغني (2/163) ، والانصاف (2/48) ، وكشاف القناع (2/400) ، ومطالب أولى النهى
(1/429) . ...
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب ما يجزي الأمي والأعجمي من القراءة ، برقم (832)
ص 1284، والدارقطني في سننه، كتاب الصلاة، باب ما يجزيه من الدعاء عند العجز عنها ، برقم (1) وصححه (1/313) ، وقال ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود ، (3/43). (صحح الدارقطني هذا الحديث).(1/77)
هذه الكلمات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة ، بل تأويله لا أستطيع أن أتعلم شيئاً
من القرآن في هذه الساعة ، وقد دخل علي وقت الصلاة ، فإذا فرغ من تلك الصلاة
لزمه أن يتعلم (1) .
ونص فقهاء الشافعية (2) على أن الدعاء لا يكفي عن الفاتحة إذا كان يستطيع قراءتها حتى في صلاة التطوع . واستدلوا بما يلي :
1 – عموم قوله × : (لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب) (3) وعموم قوله × : (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) (4) .
وجه الدلالة : أن قوله : (لا صلاة) عام يشمل الفرض والنفل (5) .
وأما قول جابر – رضي الله عنه - : «كنا نصلي التطوع ندعو قياماً وقعوداً ونسبح ركوعاً وسجوداً» (6) . فظاهره : أن الدعاء يكفي في صلاة التطوع ، وأن القراءة ليست بفرض فيه .
لكنه موقوف منقطع ؛ لأن الحسن لم يسمع من جابر – رضي الله عنه – ومعارض بالأحاديث الصحيحة السابقة (7) .
واختلفوا في الدعاء ، هل يقوم مقام الفاتحة عند العجز عنها ؟
__________
(1) ... ينظر : عون المعبود (3/43) . ...
(2) ... ينظر : عون المعبود (3/42) . ...
(3) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب ، برقم (818) ،
ص 1283 ، والترمذي ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر بالقراءة ، برقم (312) ، ص 1670 ، وقال في عون المعبود ، (3/26) ، (الحديث ضعيف ؛ لأنه من طريق جعفر بن ميمون ، وهو ضعيف ليس بثقة ، لكنه يشهد لصحته ما في مسلم وابن حبان وأبي داود...).
(4) ... سبق تخريجه ، ص (64). ...
(5) ... ينظر : عون المعبود (3/43) . ...
(6) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب ما يجزي الأمي والأعجمي من القراءة ، برقم (833) ،
ص 1284 . ...
(7) ... ينظر : عون المعبود (3/42) . ...(1/78)
على قولين أصحهما أن ما يتعلق بأمور الآخرة يجزيه دون ما يتعلق بالدنيا ؛ فإن لم يعرف غير ما يتعلق بالدنيا أتى به وأجزأه ، لكن يجب تقديم ما يتعلق بالآخرة ولو بالعجمية على ما يتعلق بالدنيا ولو بالعربية (1) . ومن الدعاء المتعلق بالآخرة : اللهم اغفر لي وارحمني وسامحني وارض عني . ومن المتعلق بالدنيا : اللهم ارزقني زوجة حسناء أو وظيفة ، أو نحو ذلك (2) .
واستدلوا بما يلي :
حديث الرجل الذي جاء إلى النبي × ، وذكر أنه لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيئاً فأمره بالذكر ، وفيه قال : (قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: فضم عليها يده ، وقال : هذا لربي ، فما لي ؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني ، واهدني ، وارزقني ، وعافني ، فضم بيده الأخرى ، وقام) (3) .
واشترطوا في الدعاء الذي يأتي به ألا يقصد به شيئاً آخر ، فلو أتى بدعاء الاستفتاح أو بالتعوذ ، وقصد به بدل الفاتحة أجزأه عنها ، وإن قصد الاستفتاح أو التعوذ لم يجزه (4)
الفرع الثالث : الدعاء بعد الفاتحة :
اختلف الفقهاء في حكم الدعاء بعد الفاتحة على ثلاثة أقوال :
القول الأول: يباح الدعاء بعد الفاتحة . وهذا الصحيح عند المالكية (5) .
__________
(1) ... ينظر : المجموع (3/310) ، وروضة الطالبين (1/246) ، ومغني المحتاج (1/160) ، وحاشية الجمل (2/36) ، وحاشية الشرقاوي (1/189) . ...
(2) ... حاشية الشرقاوي (1/189) . ...
(3) ... سبق تخريجه ، ص (253). ...
(4) ... ينظر : المجموع (3/310) ، وروضة الطالبين (1/246) ، حاشية قليوبي (1/221) . ...
(5) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/252) ، ومواهب الجليل (1/544) ، والمعونة (1/153) ، وأسهل المدارك (1/137) . ...(1/79)
واستدلوا بما يلي: أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – قد دعاء بعد الفاتحة (1) بقوله : ? ????????? ??? ???????? ????????????? ? (2) .
يمكن أن يناقش من وجهين:
1 – أنه يحتمل أن الصديق – رضي الله عنه – قرأ هذه الآيات بعد الفاتحة ولم يقصد بها مجرد الدعاء .
2 – أن الصحابة الذين نقلوا صفة صلاة النبي × لم ينقلوا أنه كان يدعو بعد الفاتحة .
القول الثاني: يكره الدعاء بعد الفاتحة. وهذا قول بعض المالكية (3) .
واستدلوا بما يلي :حتى لا ينشغل عن قراءة السورة وهي سنة (4) .
القول الثالث : أن الدعاء بعد الفاتحة مكروه إلا للإمام إذا سكت ليقرأ المأمومون الفاتحة ، فإنه يستحب أن يقول فيها دعاءً أو ذكراً وكذا يسن لمأموم فرغ من الفاتحة في الثالثة والرابعة قبل إمامه، أن يشتغل بالدعاء. وهذا قول عند الشافعية (5) وعند الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أنه لم يشرع في الصلاة سكوت إلا لمستمع لقراءة إمامه ، ولا يخلو موضع من الصلاة من قول أو عمل (7) .
2 – ولأن المراد من سكوت الإمام عدم الجهر ، لا السكوت عن القراءة وإن كان ظاهر العبارة ، إذ المطلوب من الإمام الاشتغال بالذكر والقراءة لا حقيقة السكوت (8) .
__________
(1) ... ينظر : الذخيرة (2/234) ، ومواهب الجليل (1/544) . ...
(2) ... سورة عمران ، آية (8) . ...
(3) ... ينظر : مواهب الجليل (1/544) ، وحاشية الدسوقي (1/252) ، وجواهر الإكليل (1/75) ، وكفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي (1/229). ...
(4) ... ينظر : جواهر الإكليل (1/75) . ...
(5) ... ينظر : المجموع (3/332) ، وروضة الطالبين (2/53) ، وإعانة الطالبين (1/143) . ...
(6) ... ينظر : المستوعب (2/233) ، حاشية الروض المربع (2/70) . ...
(7) ... المصادر السابقة . ...
(8) ... إعانة الطالبين (1/143) . ...(1/80)
الراجح: الراجح – والله أعلم – هو القول الثالث وهو أن الدعاء بعد الفاتحة مكروه إلا في حالات خاصة، وذلك لوجاهة ما استدلوا به ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
المطلب السابع : الدعاء أثناء قراءة السورة :
إذا مر المصلي بآية رحمة، أو بآية وعيد، فهل يقف عندها أو يسأل أو يتعوذ،
أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على خمسة أقوال :
القول الأول : يستحب ذلك في النفل والفرض ، للإمام والمنفرد وللمأموم إذا كان سراً ، وقليلاً عند سماع سببه .وهذا مذهب جمهور العلماء من المالكية (1) والشافعية (2) والحنابلة (3) .
وبه قال السلف فمن بعدهم ، حكاه غير واحد (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما رواه حذيفة – رضي الله عنه – قال : (صليت مع النبي × ذات ليلة ، فافتتح البقرة ، فقلت : يركع عند المائة ثم مضى ... وفيه قال : يقرأ مترسلاً، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ ... الحديث) (5) .
__________
(1) ... ينظر : مواهب الجليل (1/544) وحاشية الدسوقي ، (1/252) ، وجواهر الإكليل (1/75) ، والمعيار المعرب (1/280) . ...
(2) ... ينظر : الحاوي (2/256) ، والمجموع (3/511) ، وروضة الطالبين (1/249) ، والتلخيص الحبير
(1/391) . ...
(3) ... ينظر : الانصاف (2/107) ، والاقناع (1/132) ، وكشاف القناع (2/456) ، والشرح الممتع
(3/394) . ...
(4) ... ينظر : المجموع (3/511) ، وحاشية الروض المربع ، لابن قاسم (2/121) ، والمحلى لابن حزم
(3/33) . ...
(5) ... أخرجه مسلم ، في كتاب صلاة المسافرين ، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي ×، برقم (772) ، ص 800 . ...(1/81)
2 – وحديث عوف بن مالك (1) – رضي الله عنه – قال : (قمت مع النبي × فبدأ فاستاك وتوضأ ، ثم قام فصلى ، فبدأ فاستفتح البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ، قال : ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ) (2) .
3 – وحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : (كنت أقوم مع رسول الله × ليلة التمام ، فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء ، فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله – عز وجل – ورغب إليه) (3) .
__________
(1) ... عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني ، اختلف في كنيته ، قيل : أبو عبد الرحمن ، قيل : أبو محمد ، قيل غير ذلك ، كان من نبلاء الصحابة ، آخى بينه وبين أبي الدرداء النبي × . حدث عنه : أبو هريرة ، وأبو مسلم الحولاني ، والشعبي ، وجبير من نفير وغيرهم . شهد فتح مكة ، وغزوة مؤتة ، له جماعة أحاديث ، توفي سنة 73هـ .
ينظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء (2/487) ، وشذرات الذهب (1/79) ، وتهذيب التهذيب
(8/144) . ...
(2) ... أخرجه أبو داود ، في كتاب الصلاة ، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ، برقم (873) ،
ص 1286 ، وقال الشوكاني في نيل الأوطار (2/368) : (ورجال إسناده ثقات) ، والنسائي ، في كتاب التطبيق ، باب نوع آخر من الذكر في الركوع ، برقم (1050) ، ص 2155 . ...
(3) ... أورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة ، باب صلاة النبي × ، (2/272) ، وعزاه إلى أحمد وأبي يعلى، قال:(وفيه ابن لهيعة ، وفيه كلام) ، وأخرجه أحمد في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني ، (4/264) كتاب الصلاة ، باب صفة قراءة النبي × في صلاة الليل ، برقم (1034) )، وقال الساعاتي في الفتح الرباني ،
(4/264) : (وفي إسناده ابن لهيعه وفيه مقال ، وله شاهد من حديث حذيفة عند مسلم والنسائي) .(1/82)
وجه الدلالة: ففي هذه الأحاديث استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها (1) ، فرضها ونفلها ؛ لأن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل ، ولا دليل على الفرق بينهما (2) .
4 – لأنه دعاء بخير فاستوى فيه الفرض والنفل (3) ، ويساوى المأموم الإمام فيه كالتأمين (4) .
ونوقش هذا القول :
بأنا نسلم لكم استحبابه في النفل لما ذكرتم ، أما في الفرض فلا لأن الذين نقلوا صفة صلاة النبي × ، لم ينقلوا أنه كان يفعل ذلك في الفرض ، ولو كان سنة لفعله ولو فعله لنقل ، فلما لم ينقل علمنا أنه لم يفعله ، ولما لم يفعله علمنا أنه ليس بسنه ؛ لأن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا حريصين على تتبع حركات النبي × وسكناته ، حتى إنهم كانوا يستدلون على قراءته في السرية باضطراب لحيته ، ولو كان يسكت عند آية الوعيد من أجل أن يتعوذ ، أو آية الرحمة من أجل أن يسأل لنقلوا ذلك بلا شك (5) . وبذلك ثبت الدليل في الفرق بين النفل والفرض .
القول الثاني : يكره السؤال عند آية الرحمة أو الاستعاذة عند آية الوعيد في الفرض والنفل للإمام والمأموم . وهذا مذهب الحنفية (6) ، ورواية عن الإمام مالك (7) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (5/620) ، ونيل الأوطار (2/367) . ...
(2) ... ينظر : الشرح الممتع (3/395) . ...
(3) ... ينظر : كشاف القناع (2/456) وشرح منتهى الإرادات ، (1/200) . ...
(4) ... المجموع (3/511) . ...
(5) ... ينظر : الشرح الممتع (3/396) ، والمغني (2/239) ، والممتع شرح المقنع (1/468) . ...
(6) ... ينظر : المبسوط (1/198) ، وتبيين الحقائق (1/132) ، والبناية على الهداية (2/377) . ...
(7) ... ينظر : الذخيرة (2/143) . ...(1/83)
1 – أما الإمام فيكره له ذلك ؛ لأن الرسول × لم يفعله في المكتوبات ، ولا الأئمة بعده ، فكان هذا من جملة المحدثات (1) ، ولأنه يؤدي إلى تطويل الصلاة على القوم وهذا مكروه (2) . وأما المقتدي ؛ فلأن الاستماع فرض بالنص ، وسؤال الجنة والتعوذ من النار كل ذلك مخل به (3) .
2 – قال تعالى: ? ???????? ???????? ????????????? ????????????????? ????? ????????????? ??????????? ???????????? ????? ? (4) .
وحاصل الاستدلال بالآية : أن المطلوب أمران الاستماع والسكوت ، فيعمل بكل منهما ، والأول يخص الجهرية ، والثاني : لا ، فيجري على إطلاقه ، فيجب السكوت عند القراءة مطلقاً ، وهذا بناء على أن ورود الآية في القراءة في الصلاة (5) .
يمكن أن يناقش : نسلم لكم كراهة ذلك في الفرض كما ذكرنا ، أما كراهته للمأموم في النوافل فلا، لأن ذلك يسير لا يخل بالإنصات ، أما إذا أدى إلى عدم الإنصات ، فإنه ينهى عنه (6) .
القول الثالث: يستحب السؤال عند آية الرحمة ، والاستعاذة عند آية الوعيد في النفل دون الفرض. وهذا رواية عن الإمام أحمد (7) .
واستدلوا :
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (1/198) . ...
(2) ... البناية على الهداية (2/377) ، وينظر : تبيين الحقائق (1/132) . ...
(3) ... مجمع الأنهر (1/106) ، وينظر : المبسوط (1/198) ، والبناية على الهداية (2/377) . ...
(4) ... سورة الأعراف ، آية (204) . ...
(5) ... حاشية الشيخ شلبي على تبيين الحقائق (1/132) ، وينظر : البحر الرائق (1/364) . ...
(6) ... ينظر : الشرح الممتع (3/394) . ...
(7) ... ينظر : المغني (2/239) ، والانصاف (2/107) ، والممتع في شرح المقنع (1/468) ، والمستوعب
(2/234) . ...(1/84)
1- بمثل أدلة القول الأول ، وحملوها على صلاة التطوع . لما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى (1) عن أبيه قال : (سمعت النبي × يقرأ في صلاة ليست بفريضة ، فمر بذكر الجنة والنار ، فقال: أعوذ بالله من النار ...) الحديث (2) . فقيده الراوي بصلاة غير فريضة ، وكذلك حديث حذيفة مقيد بصلاة الليل، وكذلك حديث عائشة ، وحديث عوف بن مالك (3) .
2 – قالوا: ولا يستحب ذلك في الفريضة ؛ لأنه لم ينقل عن النبي × في فريضة، مع كثرة من وصف قراءته فيها (4) .
__________
(1) ... هو الإمام العلامة الحافظ ، أبو عيسى الأنصاري الكوفي ، الفقيه أبو محمد ، من أبناء الأنصار ، ولد في خلافة الصديق أو قبل ذلك . حدث عن : عمر ، وعلي ، وأبي ذر ، وابن مسعود ، وبلال وغيرهم .
وحدث عنه : عمر ، وبن مرة ، والأعمش ، والحكم بن عتيبة ، وطائفة سواهم . كان عالماً فاضلاً ، كبير القدر ، وكان ممن خرج على الحجاج مع عبد الرحمن بن الأشعث ، توفي سنة 82هـ ، وقيل : سنة ثلاث .
ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد ، (6/109) ، وأخبار القضاة (2/406) ، وشذرات الذهب
(1/92) . ...
(2) ... أخرجه أحمد ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب استحباب التعوذ من النار سؤال الرحمة إذا مر بذكرهما ... ، برقم (600) ، (3/238) ، وقال البنا : (إسناده جيد)). ...
(3) ... نيل الأوطار (2/367) . ...
(4) ... المغني (2/163) ، وينظر: الشرح الممتع (3/396) . ...(1/85)
3 – ولأن ذلك دعاء ليس بمشروع أشبه الأفعال التي لم تشرع. وفارق ذلك النافلة من حيث إنها سومح فيها بأشياء بخلاف الفريضة (1) ، فلهذا يستحب مثل هذا الدعاء في النوافل ، لا سيما صلاة الليل ؛ لأنه أحضر للقلب ، وأبلغ في التدبر ، وصلاة الليل يسن فيها التطويل . وأما في الفرض فليس بسنة وإن كان في الأصل جائزاً ، لأن ترك النبي × لا يدل على تحريمه لقوله × : (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) (2) والدعاء ليس من كلام الناس (3) .
القول الرابع: يستحب الدعاء عند آية الرحمة والاستعاذة عند آية الوعيد ، للمنفرد في صلاة التطوع فقط هنا. وهذا مذهب الحنفية (4) ، ورواية عن أحمد (5) .
واستدلوا : بما استدل به أصحاب القول الأول : قالوا : وذلك محمول على النوافل منفرداً ؛ لأنه فيه تطويلاً على القوم ، وقد نهي عن ذلك (6) .
يمكن أن يناقش: بأنه ثبت في الأحاديث أن النبي × لم يكن يصلي وحده ، بل صلى معه حذيفة مرة، ومرة عوف بن مالك ومرة عائشة – رضي الله عنهم – .
القول الخامس: يكره الدعاء عند آية الرحمة والاستعاذة عند آية العذاب ، فيما يجهر فيه من الفرائض دون غيرها. وهذا رواية عن الإمام أحمد (7) .
يمكن أن يناقش: بأنه لا دليل على الفرق بين الصلاة الجهرية والسرية .
__________
(1) ... الممتع شرح المقنع (1/468) . ...
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب تحريم الكلام في الصلاة ، برقم (537) ، ص 761 . ...
(3) ... ينظر : الشرح الممتع (3/396) . ...
(4) ... ينظر : المبسوط (1/198) ، وتبيين الحقائق (1/132) ، ومنحة الخالق على البحر الرائق ، لابن عابدين (1/363) . ...
(5) ... ينظر : الانصاف (2/107) . ...
(6) ... تبيين الحقائق (1/132) ، وينظر : المبسوط (1/198) ، والبناية على الهداية (2/377) .
(7) ... ينظر : الانصاف (2/107) . ...(1/86)
الترجيح: من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم – القول باستحباب الدعاء عند آية الرحمة والاستعاذة عند آية الوعيد في صلاة النفل فقط، أما في الفرض فليس بسنة، لعدم فعل النبي × له في الفرائض، ولما أجيب به على أدلة المخالفين (1) .
إذا قرأ المصلي أو غيره آيات فيها دعاء ، يحصل له أجر التلاوة ، وأجر الدعاء، يحصل ذلك للتالي والمستمع (2) . لخبر أبي ذر أن النبي × قال : (إن الله ختم سورة البقرة بآيتين ، أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش ، فتعلموهن ، وعلموهن نساءكم وأبناءكم ، فإنهما صلاة ، وقرآن ودعاء) (3) .
المطلب الثامن: الدعاء في الركوع: وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول : حكم الدعاء في الركوع :
اختلف العلماء – رحمهم الله – في حكم الدعاء في الركوع على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يستحب الدعاء في الركوع للمفترض والمتنقل وللمنفرد لإمام قوم محصورين رضوا بالتطويل، وهذا مذهب الشافعية (4) ، والصحيح من مذهب الحنابلة (5) .
__________
(1) ... وهذا ما أفتى به الشيخ عبد الرحمن بن حسن ، ينظر : الدرر السنية ، (3/161) ، وما اختاره الألباني – رحمه الله – في تمام المنة ، ص 185 . ...
(2) ... ينظر : كشاف القناع (2/456) ، وحاشية الروض المربع (2/121) .
(3) ... أخرجه الحاكم في مستدركه في كتاب فضائل القرآن ، باب آيتين من آخر سورة البقرة لا تقرآن في دار فيقر بها شيطان ثلاث ، برقم (2110) ، (2/268) ، وقال : (حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه) ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير ، برقم (1731) ، ورمز لحسنه ، ينظر : الجامع مع فيض القدير (2/229) ، وقال المناوي : (قال الذهبي : رواه ابن وهب عن معاوية مرسلاً) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (1601) ، ص 231 . ...
(4) ينظر: الأم (1/133)، والأذكار ص58، وفتح الباري (2/329)، ومغني المحتاج (1/165).
(5) ينظر: المغني (2/204)، والفتاوى (22/497)، وزاد المعاد (1/216)، والإنصاف (2/66).(1/87)
واستدلوا بما يلي:
1- عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (كان النبي × يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمد اللهم اغفر لي) (1) .
2- وعن علي – رضي الله عنه – أن النبي × كان إذا ركع يقول: (اللهم لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي) (2) . وفي السنن: كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة، فذكر الحديث، وفيه قال: (وكان إذا ركع قال: اللهم لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت، أنت ربي خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين) (3) . وعند الترمذي: «كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة .. فذكره» (4) .
وجه الدلالة من الأحاديث:
ثبت عن النبي × الدعاء في الركوع في النفل أو الفرض (5) .
3- وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يقول في ركوعه في الصلاة المكتوبة: «رب بما أنزلت علي، فلن أكون ظهيراً للمجرمين» (6) .
القول الثاني: يكره الدعاء في الركوع، سواء كان في الفرض أو النفل.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الآذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794)، ص63.
(2) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب صلاة المسافرين، برقم (771)، ص 800 .
(3) أخرجه البيهقي في السنن، كتاب الصلاة، باب القول في الركوع والسجود، برقم (2564)، (2/124)، وأخرجها الطبراني في كتاب الدعاء، باب القول في الركوع، برقم (529)، ص188، بدون (إذا قام إلى المكتوبة).
قال عنها ابن حجر في نتائج الأفكار (2/71)، (ورواة هذا الإسناد، لا بأس بهم، بل هم من رجال الصحيح إلا جنادة).
(4) أخرجها الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في افتتاح صلاة الليل، برقم (3423)، ص2004، وقال: (هذا حديث حسن صحيح).
(5) ينظر: الفتاوى (22/497).
(6) أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، باب دعاء ابن عمر في ركوعه، برقم (3586)، (3/177)، وقال: (صحيح ولم يخرجاه) وقال محققه: (سنده صحيح).(1/88)
وهذا مذهب المالكية (1) ، ورواية عند الحنابلة (2) .
واستدلوا بما يلي:
1- بما في الموطأ، (أنه × ، نهى عن لبس القسي وعن التختم بالذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع) (3) .
2- وبقوله × : (فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء .. ) (4) .
3- وقوله × : (أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجداً، فاجتهدوا في الدعاء) (5) .
وجه الدلالة: قالوا: فإذا كرهت القراءة في الركوع، كره فيه الدعاء قياساً عليهما (6) ولأن الركوع إنما شرع فيه التسبيح (7) ، لقوله: (فعظموا فيه الرب).
وأجابوا عن حديث عائشة – رضي الله عنها – : (أنه كان يقول في ركوع سبحانك اللهم ..) : أنه محمول على بيان الجواز، وحديث: (فأما الركوع فعظموا فيه الرب) محمول على بيان الأولوية: أو أن هذا الدعاء (اللهم اغفر لي)، جاء تبعاً للتسبيح الذي قبله (8) .
أجاب القائلون بالاستحباب عن أدلتهم:
__________
(1) ينظر: المدونة (1/72)، والكافي، لابن عبدالبر ص 44، والمعونة ص153، والذخيرة (2/188).
(2) ينظر: المستوعب (2/153)، والإنصاف (2/66).
(3) أخرجه في كتاب الصلاة، باب العمل في القراءة، برقم (173)، ص63، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع، برقم (479)، ص753، بلفظ: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً ..).
(4) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن راكعاً أو ساجداً، برقم (479)، ص753.
(5) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب القول في الركوع والسجود، برقم (482)، ص 754 .
(6) ينظر: الكافي، لابن عبدالبر ص44 .
(7) جواهر الإكليل (1/75).
(8) ينظر: حاشية العدوي (1/232).(1/89)
أما النهي عن القراءة في الركوع، فمحل كراهتها إذا قصد بها القراءة، فإن قصد بها الدعاء، والثناء، فلا تكره (1) ، للأحاديث الصحيحة السابقة الدالة على استحباب الدعاء في الركوع. وأما حديث: (فعظموا فيه الرب) لا مفهوم له، فلا يمتنع الدعاء في الركوع، كما لا يمتنع التعظيم في السجود (2) ، لأن التعظيم لا ينافي الدعاء (3) ، ويحتمل أن يكون أمر في السجود بتكثير الدعاء لإشارة (فاجتهدوا) والذي وقع في الركوع من قوله (اللهم اغفر لي) ليس كثيراً، فلا يعارض ما أمر به في السجود (4) ، ثم أن الأمر بالتسبيح في الركوع لا ينفي الأمر بغيره، كما أن أمره بالتشهد في الصلاة، لم ينفع كون الدعاء مشروعاً، ولو ساغ كون الأمر بالشيء نافياً لغيره، لكان الأمر بالدعاء في السجود نافياً للتسبيح؛ لصحة الأمر به، وفعل النبي × له وفيه (5) .
القول الثالث: الدعاء في الركوع مستحب في النفل دون الفرض. وهذا مذهب الحنفية (6) ، ورواية عند الحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي:
أنه لم ينقل عن النبي × في الفرض سوى الأمر بالتسبيح (8) .
وأجابوا عن أدلة القائلين بالاستحباب:
أنها محمولة على التهجد عندنا؛ لأن باب النفل أوسع (9) ، وقال ابن القيم (10) : «وهذا إنما حفظ عنه في قيام الليل»، يعني: حديث علي: «اللهم لك ركعت».
أجاب القائلون باستحباب الدعاء مطلقاً في الركوع:
__________
(1) ينظر: حاشية الجمل (2/58).
(2) فتح الباري (2/329).
(3) حاشية الروض المربع (2/44).
(4) فتح الباري (2/349).
(5) ينظر: للمغني (2/204).
(6) ينظر: تبين الحقائق (1/115)، وعمدة القارئ (6/69).
(7) زاد المعاد (1/218)، والإنصاف (2/66).
(8) المغني (2/204).
(9) ينظر: تبين الحقائق (1/115)، وعمدة القاري (6/69).
(10) زاد المعاد (1/218).(1/90)
أنه جاء في رواية تدل على أنه كان يقول × حتى في الفرائض، فعن علي – رضي الله عنه – أن رسول الله × كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة، فذكر الحديث .. » (1) .
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول وهو استحباب الدعاء في الركوع في الفرض والنفل، وذلك لقوة أدلتهم وصراحتها، ولضعف دليل المخالفين بما ورد عليها من مناقشة.
الفرع الثاني: صفة الدعاء في الركوع:
يستحب للمصلي أن يقول في ركوعه بعد التسبيح سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي (2) ، فيجمع بين الدعاء والتسبيح ليكون عاملاً بجميع ما ورد (3) ، وتارة يقول: اللهم لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي (4) ، وإن زاد خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي، وعظمي وعصبي، وما استقلت به قدمي لله رب العالمين (5) فحسن.
ويستحب أن يقتصر في الدعاء في الركوع على ما ورد في الأخبار فقط، أما الاجتهاد في الدعاء فموطنه السجود (6) والإتيان بثلاث تسبيحات مع الدعاء أولى من الزيادة عليها مع عدمه (7) ، لأن فيه جمعاً بين سنتين (8) وينبغي أن يبدأ بالتسبيح قبل الدعاء؛ لأنه أنسب (9) .
__________
(1) سبق تخريجه، ص 236 .
(2) سبق تخريجه، ص 262 .
(3) ينظر: عون المعبود (3/92).
(4) سبق تخريجه، ص262 وقوله (خشع لك)، قال العلماء: (يقول ذلك وأن لم يكن خاشعاً اتباعاً للوارد، أو أنه خبر لفظاً وإنشاء معنى، فلا كذب، وقال ابن حجر: ينبغي أن يتحرى الخشوع عند ذلك، وإلا يكن كاذباً، ما لم يرد أنه بصورة من هو كذلك، ينظر: حاشية الشرقاوي (1/207)، وحاشية عميرة (1/228).
(5) سبق تخريجه، ص 263 .
(6) ينظر: فتح الباري (2/349).
(7) ينظر: حاشية الشرقاوي (1/207).
(8) إعانة الطالبين (1/150).
(9) ينظر: حاشية الجمل (2/58).(1/91)
ويكره الجهر بالدعاء في الركوع، وكذا باقي الأذكار (1) ، ويستحب إذا اقتصر على بعض الأدعية في وقت أن يقول غيرها في بعض الأوقات، حتى يكون فاعلاً لجميعها (2) ، ولئلا يهجر باقي الأدعية (3) .
الفرع الثالث: الحكمة من الدعاء في الركوع:
أما الدعاء بسبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، فقد كان × يقوله عملاً بما أمر الله به في قوله تعالى: ? ???????????? ????????? ???????? ?????????????????????? ?????????? ????? ??????????????? ? (4) .
وكان × يقول في هذا الكلام البديع في الجزالة المستوفي ما أمر به في الآية، في حال الصلاة؛ لأنها أفضل من غيرها، وأما في حالة الركوع والسجود فلما فيهما من زيادة خشوع وتواضع ليست في غيرهما (5) .
الفرع الرابع: حكم الاقتصار على الدعاء في الركوع:
إذا لم يأت المصلي بالتسبيح في الركوع، واقتصر على الدعاء فقط، هل تبطل صلاته، أم لا؟
الخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف في حكم التسبيح في الصلاة:
فمن قال: التسبيح في الركوع سنة، وهذا قول كافة الفقهاء (6) ، قال: لو أراد الاقتصار على واحد منهما فالتسبيح أولى (7) .
ومن قال: بوجوب التسبيح في الركوع، وهذا المشهور عن الإمام أحمد (8) ،
__________
(1) ينظر: الفتوحات الربانية (2/251).
(2) ينظر: الأذكار، ص 58 ، وقواعد ابن رجب ص14 .
(3) ينظر: الفتوحات الربانية (2/251).
(4) سورة النصر، آية (3).
(5) ينظر: شرح صحيح مسلم (4/201)، وفتح الباري (2/349)، وعمدة القاري (6/69).
(6) ينظر: بدائع الصنائع (2/52)، ومقدمات ابن رشد (1/116)، والحاوي (2/154)، والمغني (2/180).
(7) إعانة الطالبين (1/150).
(8) ينظر: المغني (2/180)، والإنصاف (2/66)، وكشاف القناع (1/417).
ولم أتوسع في ذكر الخلاف في هذه المسألة؛ لأنه لا علاقة لها بموضع البحث وإنما ذكرت منه ما يناسب البحث.(1/92)
قال: لا يكفي الدعاء عن التسبيح، بل لو تركه عامداً بطلت صلاته، ولو تركه ساهياً سجد
للسهو (1) ، ولو كان قد دعا في الركوع، قال شيخ الإسلام – رحمه الله – في الفتاوى (2) : «فلو اقتصر في الاعتدال على الثناء، وفي الركوع والسجود على التسبيح كان مشروعاً بلا كراهة، ولو اقتصر في ذلك على الدعاء لم يكن مشروعاً، وفي بطلان الصلاة، نزاع»، وهذا القول هو الأقرب للصواب.
المطلب التاسع : الدعاء في الاعتدال : وفيه ثلاثة فروع :
الفرع الأول : حكم الدعاء في الاعتدال :
اختلف العلماء – رحمهم الله – على قولين:
القول الأول : يستحب للمصلي أن يقول سمع الله لمن حمده عند الرفع من الركوع، وأن يقول : ربنا لك الحمد (3) بعد الرفع من الركوع. وهو مذهب جمهور العلماء (4) ، ورواية عن الإمام أحمد (5) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ينظر: مسائل الإمام أحمد، برواية ابنه صالح ص153، (ولعل هذا القول هو الصواب).
(2) (22/381).
(3) ... قال الفقهاء : التسميع على معنى الدعاء ، فمعناه: اللهم اسمع لمن حمدك ، فيقول المأموم : اللهم ربنا ولك الحمد كالداعي والمؤمن ، وذكر بعضهم وجهاً آخر: أنه دعاء بلفظ الخبر ، وهو الأظهر، تقديره: اللهم اسمع لمن حمدك ومعنى (ربنا لك الحمد) أي تقبل الدعاء الحاصل مني بقولي : سمع الله لمن حمده. ينظر : المنتقى (1/68)، والقبس (1/221)، وحاشية العدوي (1/232) ، وشرح صحيح مسلم ، (4/193) ، ومغني المحتاج (1/165).
(4) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/55) ، والاختيار لتعليل المختار (1/51)، والبحر الرائق (1/334) ، والمنتقى (1/68)، والذخيرة ، (2/190)، وحاشية العدوي (1/232)، والحاوي (2/159) ، والمجموع (3/359)، والأذكار ص 61 . ...
(5) ... ينظر : شرح الزركشي (1/558) ، المغني (2/185) ، كشاف القناع (2/410) . ...(1/93)
1 – حديث المسيءٍ صلاته ، وفيه : ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ... الخ (1) .
فلم يذكر في الحديث التسميع عند الرفع ، ولا التحميد بعد الرفع فدل ذلك على أنه سنة وليس بواجب ؛ ذلك لأن الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر (2) .
2 – ولأنه لو كان واجباً لم يسقط بالسهو ، كالأركان (3) .
القول الثاني : يجب على المصلي أن يقول سمع الله لمن حمده عند الرفع وأن يقول ربنا لك الحمد عند القيام ، وهذا المشهور عن الإمام أحمد (4) .
واستدلوا بما يلي:
1 – أن النبي × فعله ، وداوم على فعله فيدخل في عموم (5) قوله × (صلوا كما رأيتموني أصلي) (6) .
2 – ولأمر النبي × به ، فقد روي عنه × ، أنه قال لبريدة (7) : (يا بريدة إذا رفعت رأسك في الركوع ، فقل : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ... الحديث (8) ). وأمر النبي × يجب امتثاله (9) .
3 – وعن النبي × أنه قال :(لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ ، إلى قوله : ثم يكبر ، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، حتى يستوي قائماً ، ثم يقول : الله أكبر ثم يسجد حتى يطمئن ساجداً ... الحديث) (10) .
__________
(1) ... سبق تخريجه، ص 230 .
(2) ... فتح الباري (2/326) . ...
(3) ... المغني ، (2/180) . ...
(4) ... ينظر : المغني (2/180) ، وشرح الزركشي (1/558) . ...
(5) ... ينظر : المغني (2/186) . ...
(6) ... سبق تخريجه ص 250 .
(7) ... سبق ترجمته ص 90 .
(8) ... أخرجه الدار قطني ، كتاب الصلاة ، باب ذكر نسخ التطبيق والأمر بالأخذ بالركب ، (1/339) .
وقال ابن قدامة في المغني، (2/189) : (في إسناده جابر الجعفي وفيه مقال)، وقال في المبدع (1/45): (فيه جابر ، وعمرو بن شمر ، وهما ضعيفان عند أكثر المحدثين) . ...
(9) ... المغني (2/186) . ...
(10) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ، برقم 857 ،
ص 1286 ، والنسائي في كتاب التطبيق ، باب الرخصة في ترك الذكر في السجود ، برقم (1054) ، ص 2155 ، والترمذي في باب ما جاء في وصف الصلاة (303) ، ص 1668 ، وقال : (هذا حديث حسن صحيح) ، والدارمي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب في الذي لا يتم الركوع والسجود ، برقم
(1329) ، (1/351) ، وابن ماجه مختصراً في كتاب الطهارة ، باب ما جاء في الوضوء على ما أمر الله، برقم (460) ، ص 2504 . ...(1/94)
ففيه وجوب تكبير الانتقال في جميع الأركان ، ووجوب التسميع (1) . ولأن مواضع هذه الأذكار أركان الصلاة ، فكان فيها ذكر واجب كالقيام (2) .
أجابوا عن حديث المسيء صلاته بما يلي:
أما حديث المسيء صلاته فقد ذكر في الحديث الذي رويناه تعليمه ذلك ، وهي زيادة يجب قبولها ، على أن النبي × لم يعلمه كل الواجبات ، بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام ، ويحتمل أنه أقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه ، ولا يلزم من التساوي في الوجوب التساوي في الأحكام ، بدليل واجبات الحج (3) .
الترجيح:
من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم – القول بوجوب التسميع والتحميد في الصلاة ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليها من مناقشة (4) .
الفرع الثاني: حكم الزيادة على الدعاء في الاعتدال .
اختلف العلماء على ثلاثة أقوال :
القول الأول: تستحب الزيادة على التحميد ، بحسب ما ورد في الأثر لكل مصل.
وهذا مذهب الشافعية (5) ، والصحيح من مذهب الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – كان النبي × إذا رفع رأسه من الركوع يقول : (سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (7) .
__________
(1) ... عون المعبود (3/70) . ...
(2) ... المغني (2/181) . ...
(3) ... المرجع السابق ، والصفحة ذاتها. ...
(4) ... وهذا اختيار ابن قدامة في المغني (2/181) . ...
(5) ... ينظر: الأم (1/135) ، والمجموع (3/360) وشرح صحيح مسلم (4/192) وفتح الباري(1/337).
(6) ... ينظر : المغني (2/190) والانصاف (2/59) ، وكشاف القناع (2/410) واختيار أبي الخطاب ، الهداية (1/33) . ...
(7) ... أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 477، ص 753 .
وقوله × : (أحق ما قال العبد) فيه فضيلة هذا اللفظ فقد أخبر النبي × الذي لا ينطق عن الهوى ، أن هذا أحق ما قاله العبد ، فينبغي أن يحافظ عليه ؛ لأن كلنا عبد ولا نهمله ... ينظر : شرح صحيح مسلم (4/195) . ...(1/95)
2 – في رواية : أن النبي × زاد (1) : (اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد ، اللهم طهرني من الذنوب ، والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) (2) .
3 – أن النبي × كان يطيل القيام بين الركوع والسجود ، وقال أنس ، (كان رسول الله × إذا قال : (سمع الله لمن حمده) قام حتى نقول : قد أوهم) (3) .
وجه الدلالة :
أنها ليست حالة سكوت ، فيعلم أنه عليه الصلاة والسلام قد كان يزيد على هذه الكلمات ، لكونها لا تستغرق هذا القيام كله (4) .
4 – حديث رفاعة بن رافع (5)
__________
(1) ... هذا الحديث الذي رواه مسلم لم يبين أي موطن يقال فيه هذا الدعاء ، ولا في أي زمن والذي ورد في رواية أبي داود وابن ماجه يبين الموطن وهو إذا رفع رأسه من الركوع أي عند الاعتدال ، ولكن روايتهما هذه ليس فيها الدعاء ، فيها الذكر فقط ، أما الدعاء : (اللهم طهرني ...) فهو من رواية مسلم لهذا يتعين أن الدعاء المذكور يكون في الاعتدال ؛ لأنه من زيادة الثقات ، وزيادة الثقات مقبولة، ينظر : الدعاء في ضوء الكتاب والسنة ص 71 . ...
(2) ... أخرجه مسلم ، في كتاب الصلاة ، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع ، برقم 476 ، ص 753.
(3) ... أخرجه مسلم ، في كتاب الصلاة ، باب اعتدال أركان الصلاة ، وتخفيفها في تمام ، برقم (473) ،
ص 752 . ...
(4) ... المغني (2/191) ، وينظر : زاد المعاد (1/283) . ...
(5) ... هو رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان ، أبو معاذ الزرقي ، شهداً بدراً . روى عن : النبي × ، وعن أبي بكر الصديق ، وعبادة بن الصامت . وروى عنه : ابناه عبيد ، ومعاذ ، وابن أخيه يحيى بن خلاد . مات في أول خلافة معاوية ، شهد مع علي الجمل والصفين ، توفي سنة 41هـ أو 42هـ .
ينظر في ترجمته : تهذيب التهذيب (3/251)، والإصابة في تميز الصحابة (2/209)، وأسد الغابة
(2/225) . ...(1/96)
– رضي الله عنه – قال : (كنا يوماً نصلي وراء النبي × فلما رفع رأسه من الركعة قال : سمع الله لمن حمده ، قال رجل وراءه : ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، فلما أنصرف قال : من المتكلم ؟ قال : أنا ، قال : رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول) (1) .
5 – ولأنه ذكر مشروع في الصلاة أشبه بقية الأذكار (2) .
القول الثاني: تكره الزيادة على التحميد للمأموم فقط ، فيقتصر على قول ربنا لك الحمد ، أو ربنا لك الحمد ، أو اللهم ربنا ولك الحمد ، ولا يزيد عليه. وهذا قول الإمام مالك (3) ، ومذهب الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد ، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) (5) .
وجه الدلالة: اقتصاره × على أمرهم بذلك يدل على أنه لا يشرع في حقهم سواه (6) .
2 – قالوا : وإن جاء في بعض الأحاديث الزيادة على التحميد ، لكن لا نرى العمل عليها ؛ لأن العمل على خلافها ، فليست من الأقوال المشروعة كالتكبير، والتسميع (7) .
يمكن أن تناقش أدلتهم من وجهين :
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد ، برقم (799) ، ص 63 . ...
(2) ... المبدع (1/399) . ...
(3) ... ينظر : المدونة (1/72) ، والذخيرة (2/190) . ...
(4) ... ينظر : الهداية لأبي الخطاب ، (1/33) ، والانصاف (2/59) ، والمبدع (1/451) ، وكشاف القناع
(2/411) . ...
(5) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب فضل اللهم (ربنا لك الحمد) ، برقم (796) ،
ص 63 ، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب التسميع والتحميد والتأمين ، برقم (409) ، ص 743 .
(6) ... المبدع (1/451) ، وينظر : كشاف القناع (2/411) . ...
(7) ... ينظر : المنتقى (2/429) ، والذخيرة (2/190) ، وشرح الزرقاني (2/43) . ...(1/97)
الأول : أن الأحاديث السابقة صريحة في استحباب الزيادة على التحميد خصوصاً حديث رفاعة بن رافع ففيه نص على استحباب هذه الزيادة للمأموم .
الثاني : أن الحديث الذي استدلوا به ليس فيه ما يدل على منع الزيادة على التحميد للمأموم ، وإنما فيه أن المأموم لا يقول التسميع فقط .
القول الثالث: أن الزيادة على التحميد تستحب في التهجد للمنفرد فقط. وهذا قول الحنفية (1) ، ورواية عند الحنابلة (2) .
واستدلوا بما يلي : اتباعاً لأكثر الأحاديث الصحيحة.
يمكن أن يناقش: أن الأحاديث الصحيحة الواردة فيها الزيادة عامة في الفريضة والنفل ، وليس فيها ما يخص النافلة دون الفريضة .
الترجيح :
مما سبق يترجح القول باستحباب الزيادة على ربنا ولك الحمد لكل مصل وذلك لقوة الأحاديث التي استدل بها القائلون بالاستحباب وصراحتها ، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة (3) .
وإذا ثبت مشروعية الزيادة على التحميد في الدعاء ، فهذه الزيادة ليست مطلقة ؛ لأن الاعتدال ليس محلاً للاجتهاد في الدعاء ، وإنما يدعو بحسب ما جاءت به الأحاديث وأي زيادة على ذلك من غير ما ورد فبدعة ينهى عنه قائلها .
وذلك كقولهم : ربنا ولك الحمد والشكر والنعمة والرضا (4) .
الفرع الثالث : حكم الجهر بالدعاء في الاعتدال :
أما التسميع فيجهر به الإمام ، لأنه موضوع للانتقال ليعلم به المأموم كالتكبير ، ويسر بالتحميد وما بعده ؛ لأنه ذكر في ركن كالتسبيح .
وأما المأموم والمنفرد فيسر بهما جميعاً (5) .
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (1/21) ، والبناية شرح الهداية (2/262) ، وتبيين الحقائق (1/116) . ...
(2) ... ينظر : المغني (2/192) ، والمبدع (1/450) ، وكشاف القناع (2/410) . ...
(3) ... وهذا ما اختاره أبو الخطاب في الهداية (1/33) . ...
(4) ... المسجد في الإسلام ص 308 . ...
(5) ... ينظر : الحاوي (2/160) ، والمغني (2/186) ، ومغني المحتاج (1/165) ، والبجيرمي على الخطيب
(2/228) . ...(1/98)
المطلب العاشر : الدعاء في السجود : وفيه ستة فروع:
الفرع الأول : حكم الدعاء في السجود :
اختلف العلماء في حكمه على قولين :
القول الأول: يستحب الدعاء في السجود للمفترض والمتنفل وللمأموم وللمنفرد ولإمام قوم محصورين رضوا بالتطويل. وهذا مذهب جمهور العلماء من المالكية (1) ، والشافعية (2) ، والحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله × : (أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا بالدعاء ، فقمن (4) أن يستجاب لكم) (5) ، فهذا الحديث فيه الحث على الدعاء في السجود (6) ، وإن كان ظاهره وجوب الدعاء ، للأمر به ، إلا إنه يحمل على الندب لحديث المسئ صلاته ، فإنه لم يعلمه × ذلك ولو كان واجباً
لأمره به (7) .
2 – ومثله قوله × : (أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجداً ، فاجتهدوا في الدعاء) (8) .
__________
(1) ... ينظر : الكافي لابن عبد البر ، ص 44 ، والمعونة (1/153) ، وحاشية العدوي (1/237) .
(2) ... ينظر : الأم (1/138) ، والحاوي (11/166) ، والمجموع (3/376) ، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي (2/116) . ...
(3) ... ينظر : المغني (2/203) ، الفتاوى (23/879) ، والفتح الرباني ترتيب مسند أحمد ، (3/266) .
(4) ... جاء في النهاية : (4/111) : قمن ، يقال: قَمن، وقِمن، وقيمن: أي خليق وجدير . ...
(5) ... أخرجه مسلم في كتاب الصلاة ، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ، برقم (479) ،
ص 753 . ...
(6) ... ينظر : عون المعبود (3/91) . ...
(7) ... ينظر : سبل السلام شرح بلوغ المرام ، للصنعاني (1/364) ، وعون المعبود (3/92) ، والفتح الرباني، (3/267) . ...
(8) ... سبق تخريجه، ص 264 .(1/99)
3 – وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : (كان النبي × يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده، سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) (1)
فيؤخذ من هذا الحديث استحباب الدعاء في السجود .
4 – عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه (أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة، وفيه : فإذا سجد قال في سجوده : اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه ، وبصره تبارك الله أحسن الخالقين ) (2) . قال الترمذي (3) : «العمل على هذا عند الشافعي وأصحابنا» .
القول الثاني : يكره الدعاء في السجود في الفرائض ويستحب في النوافل وغيرها.
وهذا مذهب الحنفية (4) ، ورواية عن الحنابلة (5) وقول أكثر الفقهاء (6) .
واستدلوا بما يلي :
أنه لم ينقل عن النبي × فيه سوى الأمر بالتسبيح وما ورد من الأدعية فمحمول على التهجد (7) .
نوقش من وجهين :
الأول : أن قولكم أن هذا خاص بالتهجد ، فمردود بحديث علي – رضي الله عنه – السابق (8) وفيه : التصريح بأنه كان يدعو في الصلاة المكتوبة .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، في كتاب الآذان ، باب التسبيح والدعاء في السجود ، برقم (817) ، ص 65 ، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484)، ص 754 .
(2) ... سبق تخريجه، ص263 .
(3) ... ينظر : سنن الترمذي ص 2004 . ...
(4) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/53) ، وتبيين الحقائق (1/115) ، والبحر الرائق (1/334) . ...
(5) ... ينظر : المغني (2/203) ، والمستوعب (2/161) . ...
(6) ... ينظر : فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر ، (4/721) . ...
(7) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/115) ، المغني (2/203) . ...
(8) ... في ص 275 . ...(1/100)
الثاني : أن الأمر بالتسبيح لا ينفي الأمر بغيره ، كما أن أمره بالتشهد في الصلاة لم ينف كون الدعاء مشروعاً ، ولو ساغ كون الأمر بالشيء نافياً لغيره، كان الأمر بالدعاء نافياً للتسبيح ؛ لصحة الأمر به ، وفعل النبي × له فيه (1) .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح القول باستحباب الدعاء في السجود مطلقاً ، وذلك للأخبار الصحيحة عن النبي × التي تدل على الاستحباب ، وفعل النبي × ، وسنة الرسول × أحق أن تتبع . ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليه من مناقشة .
الفرع الثاني : صفة الدعاء في السجود :
الدعاء في السجود أفضل من الدعاء في غيره (2) ، للأحاديث السابقة (3) ، ويستحب أن يجمع في سجوده بين الدعاء والتسبيح (4) ، وينبغي أن يقدم التسبيح عليه (5) ، بأن يقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً ، ثم يقول ما ورد عن النبي × ، ولو دعا بغير ذلك من الأدعية المستحبة أو المباحة كان جائزاً ، وينبغي أن يجتهد في الدعاء رجاء الإجابة ما لم يكن إماماً يثقل على من خلفه أو مأموماً فيخالف إمامه (6) .
__________
(1) ... المغني (2/203) ، وينظر : فتح الباري (2/349) . ...
(2) ... الفتاوى (23/879) . ...
(3) ... ص 275 .
(4) ... الفتح الرباني (3/266) ، وينظر : عون المعبود (3/92) . ...
(5) ... ينظر : بلغة السالك لأقرب المسالك (1/219) . ...
(6) ... ينظر : الأم (1/138) ، الحاوي (1/166) ، وروضة الطالبين (1/259) . ...(1/101)
والأمر بإكثار الدعاء في السجود يشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة كما في حديث أنس – رضي الله عنه – : (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله) (1) .
ويشمل التكرار للسؤال الواحد (2) ، وكره مالك ملازمة دعاء خاص لا يدعو بغيره، ما لم يكن ذلك الدعاء الخاص معناه عام ، وإلا فلا كراهة ، كقوله : اللهم ارزقني سعادة الدارين ، واكفني همهما (3) . وإذا أراد أن يقتصر فيقتصر على التسبيح مع قليل من الدعاء (4) .
ومن دعواته × في السجود :
1 – (اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه، وجله، وأوله وأخره، وعلانيته، وسره) (5) .
وهذا أفضل أدعية السجود، كما صرح بذلك غير واحد من أهل العلم (6) .
2 – (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) (7) .
__________
(1) ... أخرجه الترمذي في باب أحاديث شتى من أبواب الدعاء ، برقم (3604) ، ص 2023 ، وقال : (هذا حديث غريب ، وروى غير واحد لها الحديث عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت البناني عن النبي × )، وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الأدعية ، باب سؤال العبد حوائجه كلها ، (10/150) ، وعزاه إلى الترمذي والبراز وقال : (ورجاله رجال الصحيح ، غير سيار بن حاتم وهو ثقة) وضعفه الألباني في الضعيفه ، برقم (1362) . ...
(2) ... ينظر : فتح الباري (2/349) . ...
(3) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/553) . ...
(4) ... ينظر : الأذكار ص 62 . ...
(5) ... سبق تخريجه، ص 75 .
(6) ... ينظر : الفتوحات الربانية (2/272) . ...
(7) ... أخرجه مسلم ، باب ما يقال في الركوع والسجود ، برقم (486) ، ص 754 . ...(1/102)
في هذا معنى لطيف ، وذلك أنه استعاذ بالله تعالى ، وسأله أن يجيره برضاه من سخطه ، وبمعافاته من عقوبته ، وأتى بالمفاعلة مبالغة ، وصرح بهذا مع تضمن الأول به ؛ لأن الإطناب في مقام الدعاء محمود ؛ ولأن المطابقة أقوى من التضمن (1) .
3 – (اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه ، وشق سمعه ، وبصره تبارك الله أحسن الخالقين) (2) .
4 – (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) (3) .
5 – (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ... الحديث) (4) . ويؤيد كونه في السجود (5) حديث علي – رضي الله عنه – قال: (من أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد في سجوده ربي ظلمت نفسي فاغفر لي) (6) .
6 – (رب أعط نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها) .
__________
(1) ... ينظر : معالم السنن (1/185) ، والفتوحات الربانية (2/269) .
وقوله : (لأن الاطناب في مقام الدعاء محمود) قال الشيخ ابن عثيمين : (مقام الدعاء ينبغي فيه البسط ، لكن على حسب ما جاءت به السنة ، وليس البسط بالأدعية المسجوعة التي ليس لها معنى ، أو يكون لها معنى غير صحيح .
ينظر : الشرح الممتع ، (3/183) . ...
(2) ... سبق تخريجه ص (263) . ...
(3) ... سبق تخريجه ص (262) . ...
(4) ... سبق تخريجه، ص 64 .
(5) ... نتائج الأفكار (2/103) . ...
(6) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول في السجود ، برقم (608) ، ص 195 ، وحسن إسناده ابن حجر في نتائج الأفكار (2/103) وقال : (ومثله لا يقال من قبل الرأي ، فهو في حكم المرفوع، وإن لم يصرح برفعه) أ . هـ . ...(1/103)
لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : فقدت النبي × من مضجعه فلمسه بيدها فوقعت عليه ، وهو ساجد ، وهو يقول : فذكرته) (1) .
الفرع الثالث : حكم جمع الأدعية الواردة في السجدة الواحد :
استحب النووي – رحمه الله – أن يجمع في سجوده جميع ما ورد من الأدعية ، فإن لم يتمكن منه في وقت أتى به في أوقات أخرى (2) .
ليكون المصلي عاملاً بجميع ما ورد (3) . قال الحافظ ابن حجر (4) : (ولم أر ذلك صريحاً في حديث ، ولعله أخذه من الأحاديث المصرحة بأنه × أطال السجود ، ولم يكن يطيله إلا بذكر، فاحتمل أنه يكرر ، واحتمل أنه يجمع ، والثاني أقرب ، ... وما ورد عنه من أدعية الصلاة فإنه منحصر في السجود ، وفيما بين التشهد والسلام) .
الفرع الرابع : حكم ترك الدعاء في السجود :
نص الفقهاء القائلون بمشروعية الدعاء في السجود (5) على أنه لو ترك الدعاء في السجود ترك فضلاً ، ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه .
الفرع الخامس : حكم الاقتصار على الدعاء في السجود :
حكم الاقتصار على الدعاء في السجود كحكمه في الركوع ، وقد سبق أن ذكرت أن الخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف في حكم التسبيح ، وأن الصحيح أنه لا يجزئ الاقتصار على الدعاء فقط ، بل يجب الاتيان بالتسبيح في السجود (6) .
__________
(1) ... أخرجه أحمد في المسند ، ينظر : الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب ما يقال في السجود ، برقم (684)، (3/292) ، وأورده الهيثمي في المجمع ، (2/127) ، وعزاه إلى أحمد ، وقال : (رجاله ثقات) . ...
(2) ... ينظر : الأذكار ص 62 . ...
(3) ... عون المعبود (3/92) . ...
(4) ... نتائج الأفكار (2/102) ، وينظر : الفتوحات الربانية (2/273) ، وزاد المعاد (1/235) .
(5) ... وهم (المالكية والشافعية والحنابلة)، ينظر: الكافي لابن عبد البر ص 44، وحاشية العدوي (1/237) ، الأم (1/138) ، والحاوي (1/166) ، والمجموع (3/376) ، والمغني (2/388). ...
(6) ... ينظر: ص (267) . ...(1/104)
الفرع السادس : الحكمة من مشروعية الدعاء في السجود :
الحكمة في ذلك أمور :
1 – أن السجود غاية حالات الذل والخضوع ، يوضع أشرف ما في الإنسان الذي هو رأسه في التراب ، فيوشك أن لا يرد عن مقصده ، وأن يصل إلى مطلبه (1) .
ولذا قال ابن مسعود – رضي الله عنه : «ما حال أحب إلى الله تعالى أن يجد العبد فيه من أن يجده عافراً وجهه» (2) .
2 – أن السجود أول عبادة أمر الله بها بعد خلق آدم ، فكان المتقرب بها إلى الله أقرب منه في غيره (3) .
3 – أن فيه مخالفة لإبليس في أول ذنب عصى الله به من التكبر عن السجود .
فاكثروا من الدعاء فإن ذلك القرب سبب لكل مغنم (4) .
4 – وإنما كان في السجود أقرب من سائر أحوال الصلاة وغيرها ؛ لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه يقرب من ربه ، والسجود غاية التواضع وترك التكبر وكسر النفس ؛ لأنها لا تأمر الرجل بالمذلة ولا ترضى بها ولا بالتواضع بل بخلاف ذلك ، فإذا سجد فقد خالف نفسه وبعد عنها ، فإذا بعد عنها قرب من ربه ، وحالة القرب مقبول دعاؤها ؛ لأن السيد يحب عبده الذي يطيعه ويتواضع له ويقبل منه ما يقوله ويسأله (5) .
المطلب الحادي يعشر: الدعاء في الجلوس بين السجدتين : فيه خمسة فروع:
الفرع الأول : حكم الدعاء في الجلسة بين السجدتين :
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
__________
(1) ... ينظر : الذخيرة (2/189) ، وعون المعبود (1/90) . ...
(2) ... أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن ، قال الحافظ العراقي: (ومثله لا يقال بالرأي) ينظر : الفتوحات الربانية (2/273) . ...
(3) ... الفتوحات الربانية (2/273) . ...
(4) ... المرجع السابق ، والصفحة نفسها . ...
(5) ... ينظر : نيل الأوطار (3/84) . ...(1/105)
القول الأول : يستحب الدعاء في الجلسة بين السجدتين لك مصلٍِ ، من إمام ومأموم ، ومنفرد ، ومفترض ومتنفل. وهذا مذهب المالكية (1) ، ومذهب الشافعية (2) ، ورواية عند الحنابلة (3) ، وهو قول أكثر الفقهاء (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن حذيفة – رضي الله عنه – أنه صل مع النبي × ، فكان يقول بين السجدتين : (رب اغفر لي ، رب اغفر لي) (5) .
__________
(1) ... ينظر : المعونة ص 44 ، الذخيرة (2/224) ، ومواهب الجليل (1/545) . ...
(2) ... ينظر : الحاوي (2/169) ، والمجموع (3/379) ، ومغني المحتاج (1/171) . ...
(3) ... ينظر : المغني (2/207) ، وشرح الزركشي (1/571) . ...
(4) ... المغني (2/180) . ...
(5) ... أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ، برقم (874) ،
ص 1288 ، والنسائي ، في كتاب التطبيق ، باب الدعاء بين السجدتين ، برقم (1146)، ص 2161 ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة ، باب ما يقول بين السجدتين ، برقم (797) ، ص 2529 ، والدارمي ، في السنن كتاب الصلاة ، باب القول بين السجدتين ، برقم (1324) ، (1/348) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء بين السجدتين ، برقم (1041) ، (1/558) ، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه )، والبيهقي في سننه ، (2/175) ، برقم
(2749) وحسنه الألباني في صفته صلاة النبي × ص (153). ...(1/106)
2 – عن ابن عباس – رضي الله عنه – أنه قال : (كان رسول الله × يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، وعافني ، وارزقني (1) .
وجه الدلالة من الحديثين : يدل الحديثان على مشروعية الدعاء في القعدة
بين السجدتين (2) . إلا أنهما لا يدلان على الوجوب ؛ لأن النبي × لم يعلمه المسئ صلاته (3) ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
3- ولأنه لو كان واجباً لم يسقط بالسهو ، كالأركان (4) .
القول الثاني : أن سؤال المغفرة في الجلسة بين السجدتين واجب ، في الفرض النفل. وهذه الرواية المشهورة عند الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء بين السجدتين ، برقم (850) ، ص 1286 ، والترمذي في كتاب الصلاة ، باب ما يقول بين السجدتين ، برقم (284) ، ص 1666 ، وقال : (حديث غريب)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلوات ، باب ما يقول بين السجدتين ، برقم (898) ، ص 2529 ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء بين السجدتين ، برقم (1042) ، (1/558) ، وقال : (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول بين السجدتين ، برقم (614) ، ص 197 ، وقد جود إسناده النووي في المجموع (3/379) ، وحسنه في الأذكار ص 64 ، وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (2/123) : (المنفرد به كامل بن العلاء ، وهو مختلف في توثيقه). وأخرجه البيهقي في سننه (2/176) ، برقم (275) ، وقال ابن التركماني في تعليقه على سنن البيهقي (2/176) :(في سنده كامل بن العلاء جرحه ابن حبان ذكره الذهبي ، وقد اختلف عليه فروى عنه كذلك ، وذكر الترمذي أن بعضهم رواه عنه مرسلاً) . ...
(2) ... ينظر : عون المعبود (3/61) ، وسبل السلام (1/375) . ...
(3) ... سبق تخريجه ص (230).
(4) ... ينظر : المغني (2/180) . ...
(5) ... ينظر : المغني (2/180) ، الاقناع (1/134) ، وكشاف القناع (2/417) . ...(1/107)
1 – قال × : (صلوا كما رأيتموني أصلي) (1) فالنبي × أمر به وأمره للوجوب وفعله (2) كما في حديث حذيفة – رضي الله عنه – أن النبي × كان يقول بين السجدتين: (رب اغفر لي ... الحديث) (3) .
2 – ولأن مواضع هذه الأذكار أركان الصلاة فكان فيها ذكر واجب كالقيام (4) .
وأجابوا عن أدلة القائلين بالاستحباب:
أما حديث المسيء في صلاته ، فإن النبي × لم يعلمه كل الواجبات، بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام ، ويحتمل أنه اقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه ، ولا يلزم التساوي في الوجوب التساوي في الأحكام ، بدليل واجبات الحج (5) .
القول الثالث : يستحب الدعاء في الجلسة بين السجدتين في النفل دون الفرض. وهذا مذهب الحنفية (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – حديث المسئ صلاته ، وفيه : (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً) (7) .
وجه الدلالة :
لما يعلمه × هذا الدعاء ، دل على عدم استحبابه في الفرائض وما ورد من دعاء فمحمول على النوافل (8) .
2 – حديث ابن عباس – رضي الله عنه – أن رسول الله × قال بين السجدتين في صلاة الليل : (رب اغفر لي ، وارحمني .... الحديث) (9) .
فدل على أن هذا الدعاء يشرع في صلاة التهجد فقط ولا يشرع في الفرض.
أجاب القائلون بمشروعية الدعاء في الفرض :
1- أما حديث المسيء صلاته ، فإن النبي × لم يعلمه كل الواجبات، بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام .
__________
(1) ... سبق تخريجه ص (250). ...
(2) ... ينظر : المغني (2/180) . ...
(3) ... سبق تخريجه ، ص (281). ...
(4) ... المغني (2/181) . ...
(5) ... ينظر : المغني (2/181) . ...
(6) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/118) ، والبحر الرائق (1/340) ، والفتاوى الهندية (1/75) . ...
(7) ... سبق تخريجه، ص 230 .
(8) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/545) . ...
(9) ... سبق تخريجه ، ص (281). ...(1/108)
ويحتمل أنه اقتصر على تعليمه ما أساء فيه (1) ، فلا دلالة فيه على عدم مشروعية ما لم يعلمه .
2- أما قولكم : «أن ما ورد يحمل على التهجد لحديث ابن عباس».
فيمكن أن يجاب عنه: أنه ثبت عن النبي × أنه كان يطيل المكث في الجلوس بين السجدتين في صلاة الفرض ، حتى يقول من معه أنه قد نسي . فعن أنس – رضي الله عنه – قال : (إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله × يصلي بنا ، وفيه قال : كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل قد نسي ، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل قد نسي) (2) . وليست حالة سكوت ، فيعلم أنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو ويطيل الدعاء في هذا الموطن ، وسياق الحديث يدل على أن ذلك كان في صلاة الفرض (3) .
الترجيح :
مما سبق يترجح – والله أعلم – القول بوجوب سؤال المغفرة في الجلوس بين السجدتين ، وذلك لصراحة فعل النبي × في صلاته ، ولما أجيب به عن أدلة المخالفين .
الفرع الثاني : صفة الدعاء في الجلسة بين السجدتين :
اختلف القائلون بمشروعية الدعاء في الجلوس بين السجدتين في الدعاء الذي يقوله المصلي على ثلاثة أقوال :
القول الأول : لا يتعين دعاء في هذا الموطن ، بل أي دعاء دعا به ، حصلت به السنة، لكن التمسك بالوارد أفضل. وهذا ظاهر مذهب المالكية (4) ، ومذهب الشافعية (5) .
__________
(1) ... ينظر : المغني (2/180) . ...
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب المكث بين السجدتين ، برقم (821) ، ص 65 .
ومسلم ، في كتاب الصلاة ، باب اعتدال أركان الصلاة وتخيفها في تمام ، برقم (472) ، ص 752 .
(3) ... ينظر : المغني (2/191) . ...
(4) ... ينظر : الكافي ص 44، والمعونة (1/153)، وحاشية الدسوقي (1/252)، وجواهر الإكليل
(1/75) .
(5) ... ينظر : المجموع (3/379) ، والأذكار ص 64 ، والفتوحات الربانية (2/271) . ...(1/109)
واستدلوا بما يلي : أن المقام مقام دعاء (1) ، فيدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، لكن التمسك بالوارد أكثر ثواباً ، وأقرب إجابة (2) .
القول الثاني : أن سؤال المغفرة واجب في الجلسة بين السجدتين ولا تكره الزيادة عليها مما ورد في الأخبار في الفرض والنفل، هذا الصحيح من مذهب الحنابلة (3) .
واستدلوا : بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي × كحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – وفيه : (كان × يقول : رب اغفر لي ، وارحمني ، وعافني ....) (4) .
وجه الدلالة: ظاهرة،ففيه مشروعية الزيادة على سؤال المغفرة بهذه الكلمات الواردة في الحديث .
القول الثالث : تستحب الزيادة على (رب اغفر لي) في النفل وتكره في الفرض.
وهذا رواية عند الحنابلة (5) .
يمكن أن يستدل لهم : بأن ما ورد عنه × في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – كان في صلاة الليل (6) ، فتكون هذه الزيادة (ارحمني ، وعافني ، وأجبرني ...) خاصة بالنوافل فقط .
ويمكن أن يجاب عنه : بأنه ثبت عنه × بأنه كان يطيل المكث في الجلوس بين السجدتين في الفرض حتى يقال قد نسي ، كما في حديث أنس – رضي الله عنه – (7) وليست حالة سكوت ، فيعلم أنه عليه الصلاة والسلام ، كان يزيد على الدعاء بالمغفرة، لكونها لا تستغرق هذا الجلوس كله (8) .
الترجيح :
القول الراجح – والله أعلم – القول بأن سؤال المغفرة واجب ، وأن الزيادة عليها لا يكره بحسب الوارد ، وذلك لأن الأمر بالاجتهاد في الدعاء قد ورد في السجود فقط فيبقى ما عداه مقيد بما ورد ، لكن لو دعاء بغيره فلا حرج ؛ لأنه موطن دعاء .
__________
(1) ... الشرح الممتع (3/180) . ...
(2) ... الفتح الرباني (3/294) . ...
(3) ... ينظر : الإنصاف (2/66) ، والمبدع (1/458) ، والإقناع (1/122) . ...
(4) ... سبق تخريجه ، ص (281) . ...
(5) ... ينظر : الإنصاف (2/66) ، والمبدع (1/458) .
(6) ... سبق تخريجه ، ص (281). ...
(7) ... سبق تخريجه ص (283). ...
(8) ... ينظر : المغني ، (2/191) . ...(1/110)
إذا ثبت هذا ، فقد ورد عن النبي × في الدعاء بين السجدتين أنه كان يقول :
(رب اغفر لي ، وارحمني ، وعافني ، واهدني ، وارزقني) (1) . وفي رواية : (واجبرني) (2) بدل ارزقني ، وفي رواية (وارفعني) (3) وإن شاء جمع بينهما ؛ لأن المقام مقام دعاء (4) ، وظاهره أنه كان يقوله جهراً (5) .
قال النووي (6) – رحمه الله - : «والاحتياط والاختيار أن يجمع بين الروايات ، ويأتي بجميع ألفاظها ، وهي سبعة : اللهم اغفر لي وارحمني ، وعافني ، واجبرني ، وارفعني ، واهدني ، وارزقني». فيستحب للداعي أن يجمع بين رواياتها ، ليكون عاملاً بجميع ما ورد (7) . وعلى القول : بأنه لا يتعين دعاء في هذا الموطن ؛ ذكر العلماء أدعية كثيرة منها :
«رب اغفر لي، وارحمني، واسترني، وأجبرني، وارزقني، واعف عني، وعافني» (8) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ص (281). ...
(2) ... هذا اللفظ عند الترمذي ، في كتاب الصلاة ، باب القول بين السجدتين ، برقم (285) ، وقال: (هذا حديث غريب) ، وابن ماجه في كتاب الصلاة ، باب ما يقول بين السجدتين ، برقم (898) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء بين السجدتين ، برقم (1042) ، (1/559) وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه) . ...
(3) ... أخرجه ابن ماجه ، في كتاب الصلاة ، باب القول بين السجدتين ، برقم (898) ، والحاكم في مستدركه، (نفس المرجع السابق) ، والبيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب القول بين السجدتين ، برقم (2751) ، (2/176) ، وقال ابن التركماني : (في سنده بن العلاء جرحه ابن حبان ، وذكره الذهبي ، وقد اختلف عليه فروى عنه كذلك ، وذكر الترمذي أن بعضهم رواه عنه مرسلاً) أ . هـ .
(4) ... الشرح الممتع (3/180) . ...
(5) ... سبل السلام (1/375) . ...
(6) ... المجموع (3/379) . ...
(7) ... الفتح الرباني (3/294) . ...
(8) ... مواهب الجليل (1/545) . ...(1/111)
«رب اغفر وارحم ، وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم» (1) .
«اللهم هب لي قلباً تقياً نقياً من الشرك ، برياً لا كافراً ، ولا شقياً» (2) .
«رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير» (3) .
الفرع الثالث : حكم تكرار الدعاء في الجلسة بين السجدتين :
اتفق القائلون بوجوب سؤال المغفرة في الجلسة بين السجدتين ، أن الواجب منه مرة، وما زاد عليه سنة (4) .
واختلفوا في التكرار على روايات :
الرواية الأولى : أن المستحب أن يكرر ذلك مراراً وأدنى الكمال ثلاث (5) .
الرواية الثانية : أن السنة أن يقول رب اغفر لي ، مرتين فقط (6) لما روى حذيفة أن النبي × كان يقول بين السجدتين (رب اغفر لي ، رب اغفر لي) (7) .
الرواية الثالثة : أن الكمال ثلاث لا غير ، وهذا الصحيح من مذهب الحنابلة (8) ، قياساً على سائر الأذكار (9) .
الفرع الرابع : موضع الدعاء بين السجدتين :
نص القائلون بوجوب الدعاء بالمغفرة بين السجدتين أنه يقوله بعد جلوسه من السجدة الأولى ، فلو أتى برب اغفر لي قبل قعوده بين السجدتين لم يجزئه (10) .
الفرع الخامس : الحكمة من الدعاء في الجلسة بين السجدتين :
__________
(1) ... مغني المحتاج (1/171) . ...
(2) ... الفتح الرباني (3/293) ، وقال : (قال الأذرعي لحديث ورد فيه) . ...
(3) ... أورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة ، باب صفة الصلاة والتكبير فيها (2/132) ، وعزاه إلى البزار وقال : (وفيه عباد بن أحمد العرزمي ، ضعفه الدار قطني ، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف) ، وضعف إسناده ابن حجر في نتائج الأفكار (2/124) . ...
(4) ... وهم الحنابلة ينظر : المغني (2/207) ، والاقناع (1/134) ، وكشاف القناع (2/463) . ...
(5) ... ينظر : المغني (2/207) ، والعمدة ص 75 . ...
(6) ... ينظر : شرح الزركشي (1/571) . ...
(7) ... سبق تخريجه ص (281). ...
(8) ... الانصاف (2/66) . ...
(9) ... الممتع شرح المقنع (1/441) . ...
(10) ... ينظر : كشاف القناع (2/463) . ...(1/112)
إنما خص بين السجدتين بالدعاء ؛ لأنه حال بين حالتين مأمور بالدعاء فيهما فأعطى حكمهما ، فكأنه لم يعد فاصلاً بين السجدتين (1) .
المطلب الثاني عشر : الدعاء بعد التشهد الأول :
اختلف العلماء – رحمهم الله – في حكم الدعاء بعد التشهد الأول على قولين :
القول الأول: يكره الدعاء بعد التشهد الأول أو قبله في الفرض والنفل .
وهذا مذهب المالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما روى ابن مسعود – رضي الله عنه – (أن النبي × كان يجلس في الركعتين الأوليين ، كأنه على الرضف (5) حتى يقوم) (6) . وهذا يدل على أنه لم يطوله ، ولم يزد على التشهد شيئاً (7) .
2 – وكان أبو بكر – رضي الله عنه – إذا جلس في الركعتين كأنه على الرضف، يعني : حتى يقوم (8) .
__________
(1) ... الفتوحات الربانية (2/279) .
(2) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/252) ، ومواهب الجليل (1/543 ، 545) . ...
(3) ... ينظر : الأم (1/144) ، روضة الطالبين (1/265) ، والمجموع (3/414) . ...
(4) ... ينظر : المغني (2/223) ، والمبدع (1/465) ، والانصاف (2/72) . ...
(5) الرضف: هي الحجارة المحماة على النار . ينظر: لسان العرب (5/233).
(6) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب تخفيف القعود ، برقم (995) ، ص 1296 ، والترمذي ، في أبواب الصلاة ، باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين ، برقم (366) ، ص 1677 ، وقال : (هذا حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه) .والنسائي ، في كتاب التطبيق ، باب التخفيف في التشهد الأول ، برقم (1177) ، ص 263 ، وأحمد، في المسند . ينظر: ( الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب القعود ، برقم (725) ، (4/17) ، والبيهقي في سننه ، (2/192). ...
(7) ... المغني (2/224) ، وينظر : المبسوط (1/29) ، والأم (1/144) . ...
(8) ... أخرجه ابن شيبه في مصنفه (1/295) . ...(1/113)
3 – وقال حنبل (1) : رأيت أبا عبد الله يصلي : فإذا جلس في الجلسة بعد الركعتين أخف الجلوس ، ثم يقوم كأنه كان على الرضف ، وإنما قصد الاقتداء بالنبي × وصاحبه (2) .
4 – وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : (كان رسول الله × يأخذ
علينا التشهد بالواو والألف) (3) . فهذا نص على أنه لا تجوز الزيادة
عليه (4) ، لأنه ليس بموطن دعاء (5) .
5 – وكان الحسن يقول : «لا يزيد في الركعتين الأوليين على التشهد » (6) .
6 – ولأن التشهد الأول لما كان مشبهاً لأوله في أنه ليس بمنتهى العبادة ، ولم يشرع ليستدرك فيه ما فات منها ، لم يكن موضع للدعاء كأوله (7) .
7 – ولأن الزيادة على التشهد الأول إخلال بنظم الصلاة (8) .
__________
(1) ... هو حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد ، أبو علي الشيباني وهو ابن عم أحمد بن حنبل وتلميذه. سمع من : مسدد ، وإبراهيم بن محمد الشافعي ، سليمان بن حرب وخلقاً كثيراً من أمثالهم . روى عنه : عبد الله بن محمد البغوي ، وأبو بكر الخلال الحنبلي ، ومحمد بن مخلد .
كان ثقة ثبتاً، له كتاب مصنف في التاريخ يحكي فيه عن أحمد ويحيى بن معين وغيرهما، وكتاب في الفتن، وكتاب في محنة الإمام أحمد، خرج إلى واسط توفي بها سنة (273هـ) .
ينظر في ترجمته : تاريخ بغداد (8/287) ، والأعلام (2/286) . ...
(2) ... المغني (2/224) . ...
(3) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، باب من كان يعلم التشهد ويأمر بتعليمه ، (1/294) بنحوه ولفظه عن الأسود قال : (كان عبد الله يعلمنا ... ) وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة ، باب التشهد والجلوس (2/141) وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، قال : (في إسناده ضعيف) . ...
(4) ... بدائع الصنائع (2/67) ، وينظر : المبسوط (1/28 – 29) . ...
(5) ... ينظر : مواهب الجليل (1/545) ، وبدائع الصنائع (2/68) . ...
(6) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/296) . ...
(7) ... المنتقى (2/76) . ...
(8) ... البناية على الهداية (4/49) . ...(1/114)
قال الترمذي (1) – رحمه الله - « والعمل على هذا عند أهل العلم يختارون أن لا يطيل الرجل القعود في الركعتين الأوليين، ولا يزيد على التشهد شيئاً في الركعتين الأوليين...»
القول الثاني : يكره الدعاء بعد التشهد الأول في الفرض ، دون النفل ، فإن زاد في الفرض عامداً تجب عليه الإعادة ، أو ساهياً وجب عليه سجود السهو. وهذا مذهب الحنفية (2) .
استدلوا بما يلي :
أن التطوعات غير محصورة بالنص ، فتجوز الزيادة على التشهد الأول فيها ، ولا يزيد في الفرائض (3) ، لما سبق من الأدلة .
القول الثالث: لا يكره الدعاء بعد التشهد الأول في الفرض والنفل. هذا رواية عن الإمام مالك (4) ، ورواية عند الحنابلة (5) .
يمكن أن يستدل لهم بما يلي :
1 – عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله × : السلام على الله ، السلام على فلان، فقال لنا رسول الله × ذات يوم : (إن الله هو السلام ، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قالها أصابت كل عبد لله صالح ، في السماء والأرض ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثم يتخير من المسألة ما شاء) (6)
__________
(1) في سننه ص 1677. (موسوعة الحديث الشريف).
(2) ... ينظر : المبسوط (1/28) ، حاشية ابن عابدين (1/550) ، ومجمع الأنهر (1/101) . ...
(3) ... ينظر : المبسوط (1/29) . ...
(4) ... ينظر : المنتقى (2/76) ، ومواهب الجليل (1/545) . ...
(5) ... ينظر : المغني (2/223) . ...
(6) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب التشهد الآخر ، برقم (831) ، ص 66 بدون (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب التشهد في الصلاة ، برقم (402) ،
ص 742 . ...(1/115)
وفي رواية : (ثم يتخير بعد من الدعاء) (1) .
وجه الدلالة: هذا نص صريح صحيح في مشروعية الدعاء بعد التشهد الأول.
2 – وعن عبد الله قال : قال × : (إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا : التحيات لله والصلوات ... وفيه : (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فليدع الله عز وجل..) (2) .
وجه الدلالة: أن قوله: (إذا قعدتم في كل ركعتين) نص صريح صحيح على مشروعية الدعاء بعد التشهد الأول .
3 – حديث جابر – رضي الله عنه – قال : (كان رسول الله × يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن : باسم الله ، وبالله ، التحيات لله ، والصلوات والطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا ، وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أسأل الله الجنة ، وأعوذ بالله من النار) (3) .
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، نفس الإحالة السابقة . ...
(2) ... أخرجه النسائي ، كتاب التطبيق ، باب كيف التشهد الأول ، برقم (1164) ، ص 2162 ، وصححه الألباني في الصحيحة ، برقم (878) . ...
(3) ... أخرجه النسائي ، في كتاب التطبيق ، باب : نوع آخر من التشهد ، برقم (1176) ، ص 2163 ، وأخرجه أيضاً في كتاب السهو ، باب : نوع آخر من التشهد ، برقم (1282) ، ص 2170 ، وابن ماجه ، في كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في التشهد ، برقم (902) ، ص 2530 ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب الصلاة ، باب التشهد في الصلاة ، برقم (1022) ، (1/551) . وقال: (وفيه أيمن بن نابل وهو ثقة قد احتج به البخاري) قال عنه ابن حجر في التقريب (1/97) : (صدوق يهم) . والحديث ضعيف ، ضعفه الزيلعي في نصب الراية (1/495) ، وقال : (قال النووي في الخلاصة : وهو مردود ، فقد ضعفه جماعة من الحفاظ ، هم أجل من الحاكم وأتقن ، وممن ضعفه البخاري ، والترمذي ، والنسائي ، والبيهقي ) أ.هـ. ...(1/116)
4 – كان ابن عمر – رضي الله عنهما – يبيح الدعاء فيه بما بدا له (1) .
5 – ولأنه آخر تشهد في الصلاة، فلم يمنع فيه الدعاء، قياساً على التشهد الثاني (2) .
يمكن أن تناقش أدلتهم بما يلي :
1- أما حديث ابن مسعود (ثم ليتخير من الدعاء)وحديثه:(إذا قعدتم في كل ركعتين) .
فالجواب عنهما : أنه يحمل على أن المقصود به في الحديثين التشهد الأخير لإجماع العلماء (3) على أن صفة التشهد الأول والثاني واحدة. ومما يؤيد حمله على آخر الصلاة قول ابن مسعود – رضي الله عنه – (علمني رسول الله × التشهد في وسط الصلاة وآخرها ، فإن كانت وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد ، وإذا كان في آخر الصلاة دعا لنفسه ما شاء من الدعاء ... الحديث) (4) .
2- أما حديث جابر : كان يعلمنا التشهد .... الخ .
فيمكن أن يجاب عنه من وجوه :
الأول: أنه حديث ضعيف كما ثبت في تخريجه ، قال ابن القيم (5) : «ولم ينقل عنه قط أنه × سمى في هذا التشهد ، ولا كان أيضاً يستعيذ فيه من عذاب جهنم» .
__________
(1) ... ينظر : المغني (2/223) . ...
(2) ... ينظر : المنتقى (2/76) . ...
(3) ... نقل الاجماع : النووي في المجموع (3/437) ، وينظر : المبسوط (1/27) ، وبدائع الصنائع
(1/211) ، والبناية شرح الهداية (2/308) ، وبداية المجتهد (1/130) ، والذخيرة (2/213)، ومغني المحتاج (1/241) ، المغني (2/222) ، والمبدع (1/411) . ...
(4) ... أخرجه أحمد في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني ، أبواب التشهد ، باب ما ورد في لفظه ، برقم (708)،
(4/2) ، وأورده الهيثمي في المجمع (2/142) وعزاه إلى أحمد ، وقال : (هو في الصحيح باختصار عن هذا ، ورجاله موثقون) . ...
(5) ... زاد المعاد (1/61) . ...(1/117)
الثاني : أنه لا يقدم على حديث ابن مسعود – رضي الله عنه - : (إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل ...الحديث) ؛ لأنه أقوى سنداً وأعلى درجة في الصحة ، فقد اتفق عليه الأئمة الستة لفظاً ومعنى ، وهذا نادر ، وأعلى درجة الصحيح عند الحفاظ ما اتفق عليه الشيخان ولو في أصله ، فكيف إذا اتفقا على لفظه ، وقد أجمع العلماء – رحمهم الله – على أن أصح حديث في الباب ، هو حديث ابن مسعود ، كما حكاه الترمذي (1) ، وقد جاء في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – قوله علمني التشهد ، كفي بين كفيه ، ولم يقل ذلك في غيره ، فدل على مزيد الاعتناء ، والاهتمام به (2) .
الثالث : وعلى فرض صحته فيحمل على أن المراد به التشهد في آخر الصلاة .
3- وأما فعل ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه كان يدعو بما بدا له .
فيمكن الجواب عنه: أنه لا حجة فيه؛ لأنه في مقابلة النص.
4- وأما قياسكم على التشهد الثاني ، فيمكن الجواب عنه :
أنه قياس ضعيف ؛ لأنه قياس مع الفارق ، فقد ثبت الدعاء بعد التشهد الثاني بالأحاديث الصحيحة ، وأما الدعاء بعد التشهد الأول فلم يثبت فيه حديث .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول وهو كراهة الدعاء بعد التشهد الأول في الفرض والنفل وذلك لقوة أدلتهم وصرحتها ، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة ، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة حيث جاء فيها ما نصه (3) : (لا يشرع الدعاء في التشهد الأول ، وإنما يشرع في التشهد الثاني بعد الصلاة على النبي × كما جاء في الأحاديث). وقال ابن القيم
__________
(1) ... في سننه ، ص 1667 . ...
(2) ... ينظر : نصب الراية (1/494) . ...
(3) ... فتاوى اللجنة الدائمة (7/12) . ...(1/118)
– رحمه الله – (1) : «ولم ينقل عنه في حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد ، ولا كان أيضاً يستعيذ فيه من عذاب القبر وعذاب النار ، وفتنة المحيا والممات ، وفتنة المسيح الدجال ، ومن استحب ذلك ، فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبين موضعها ، وتقييدها بالتشهد الأخير» .
ثمرة الخلاف : تظهر ثمرة الخلاف السابق في مسألتين :
المسألة الأولى :
المسبوق إذا أدرك بعض الصلاة مع الإمام ، هل يكرر التشهد إذا جلس إمامه للتشهد الثاني أو يسكت حتى يفرغ الإمام ؟
القائلون بكراهة الدعاء بعد التشهد الأول ، قالوا : لا يزيد على التشهد الأول ، بل يكرره ، ولا يصلي على النبي × ، ولا يدعو بشيء مما يدعى به في التشهد الأخير ، لأن ذلك إنما في التشهد الذي يسلم عقبيه ، وليس هذا كذلك (2) ، ولأن الدعاء مؤخر في آخر الصلاة وهذه قعدة أولى في حقه (3) ، ولأن الزيادة على التشهد في القعود الأول غير مشروعة (4) .
__________
(1) ... زاد المعاد (1/245) . ...
(2) ... المغني (2/224) ، وينظر : مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود ص 52 ، الإقناع (1/123) ، وكشاف القناع (2/424) ، والبناية على الهداية (1/339) . ...
(3) ... تبيين الحقائق (1/124) . ...
(4) ... حاشية ابن عابدين (1/550) . ...(1/119)
والقائلون بمشروعية الدعاء بعد التشهد الأول (1) : قالوا يأتي بالدعاء متابعة للإمام؛ لأن المصلي إنما لا يشتغل بالدعاء في خلال الصلاة لما فيه من تأخير الأركان ، وهذا المعنى لا يوجد هنا لأنه لا يمكنه أن يقوم قبل سلام الإمام (2) . ولأنه لم يشرع في الصلاة سكوت إلا لمستمع لقراءة إمامه ، ولا يخلو موضع من الصلاة من قول أو عمل (3) . وعليه فلا بأس أن يدعو حتى يسلم إمامه ثم يقوم لإتمام صلاته .
المسألة الثانية :
المأموم إذا فرغ من التشهد الأول قبل إمامه، هل يسكت أو يكرر التشهد، أو يدعو؟
القائلون بالكراهة: قالوا يسكت ؛ لأن الزيادة على التشهد في القعود الأول غير مشروعة (4) .
القائلون بالاستحباب ، قالوا: يسن له إذا فرغ قبل إمامه أن يشتغل بالدعاء (5) ، لأنه لا يشرع السكوت في الصلاة (6) . وذلك كما لو كان الإمام يطيل التشهد الأول إما لثقل لسانه أو غيره وأتمه المأموم سريعاً فيستحب له الدعاء حتى يقوم إمامه (7) .
المطلب الثالث عشر : الدعاء بعد التشهد الثاني وقبل السلام :
وفيه سبعة فروع:
الفرع الأول : حكم الدعاء بعد التشهد الثاني :
اتفق الفقهاء (8)
__________
(1) ... حتى بعض القائلين بالكراهة استثنوا المسبوق من الكراهة ، فاستحبوا له الدعاء ، ينظر : حاشية الجمل (2/99) . ...
(2) ... المبسوط (1/35) . ...
(3) ... حاشية الروض المربع (2/70) ، وهذا ما رجحه الشيخ سعد بن حمد بن عتيق من علماء نجد ، ينظر: الدرر السنية ، (3/195) . ...
(4) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/550) . ...
(5) ... ينظر : إعانة الطالبين (1/145) . ...
(6) ... ينظر : حاشية الروض المربع (2/70) . ...
(7) ... ينظر : حاشية الجمل (2/99) . ...
(8) ... حكاه النووي في الأذكار ص 73 ، وينظر : المبسوط (1/30) ، والبحر الرائق (1/349) ، والكافي، لابن عبد البر ص 44 ، وحاشية العدوي (1/243) ، والحاوي (1/181) ، وإعانة الطالبين
(1/166) ، والعمدة ص 76 ، الممتع شرح المقنع (1/448) . ...(1/120)
– رحمهم الله – على مشروعية الدعاء بعد التشهد الأخير ، لحديث ابن مسعود – رضي الله عنه – وفيه (ثم يتخير بعد من الدعاء) (1) ، وفي رواية : (ثم ليتخير من المسألة ما شاء) (2) ، وفي رواية : (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) (3) .
واختلفوا في حكمه على قولين :
القول الأول : أن الدعاء بعد التشهد الأخير سنة لكل مصل . وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (4) ، والمالكية (5) ، والشافعية (6) ، والحنابلة (7) .
واستدلوا بالأحاديث الكثيرة ومنها :
1 – قوله × : (ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه) (8) .
2 – وقوله × : (إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله من أربع ، من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال) (9) .
وحملوا الأمر الوارد في الأحاديث على الاستحباب ، لقوله × : (ثم ليتخير) وهذه وإن كانت بصيغة الأمر لكنها كثيراً ما ترد للندب (10) .
ولحديث المسيء صلاته ؛ لأنه لم ينقل عن النبي × أنه أمره بذلك (11) .
القول الثاني : الدعاء بعد التشهد الأخير واجب ، وخصوصاً التعوذ بالله
من عذاب جهنم ، وعذاب القبر ، ومن فتنة المحيا ... وهذا قول طاووس (12)
__________
(1) ... سبق تخريجه ص (290) . ...
(2) ... سبق تخريجه ص (290) . ...
(3) ... سبق تخريجه ص (290) . ...
(4) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/124) ، البحر الرائق (1/349) . ...
(5) ... ينظر : الكافي ،لابن عبد البر ص 44،وحاشية الدسوقي (1/243) ، ومواهب الجليل (1/545) .
(6) ... ينظر : الحاوي (1/181) ، وروضة الطالبين (1/265) ، وشرح صحيح مسلم (5/87) .
(7) ... ينظر : العمدة شرح العدة ص 76 ، وشرح الزركشي (1/590) ، والمبدع (1/467) . ...
(8) ... سبق تخريجه ص (290) . ...
(9) ... أخرجه مسلم ، في كتاب المساجد ، باب ما يستعاذ منه في الصلاة ، برقم (588) ص 769 .
(10) ... ينظر : فتح الباري (2/373) . ...
(11) ... عمدة القاري (6/120) . ...
(12) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (5/89) .
وطاووس هو : طاووس بن كيسان ، أبو عبد الرحمن الفارسي ثم اليمني ، الفقيه القدوة عالم اليمن .
حدث عن : زيد بن ثابت ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وابن عباس وكان من كبار أصحابه . وحدث عنه: عطاء ، ومجاهد ، وابنه عبد الله ، وغيرهم كثير . كان من عباد أهل اليمن ، ومن سادات التابعين ، مستجاب الدعوة ، حج أربعين حجة ، توفي سنة 106هـ . ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد ،
(5/537) ، وفيات الأعيان ، (2/509) ، وسير أعلام النبلاء ، (5/38) . ...(1/121)
ورواية
عن أحمد (1) .
واستدلوا : بما استدل به القائلون بالاستحباب . وحملوا الأمر الوارد في الأحاديث على الوجوب (2) ، لأنه لا صارف له ، وقوله × (ثم ليتخير) ليس دالاً على عدم الوجوب ، لأنه قد يكون أصل الشيء واجباً ويقع التخيير في وصفه (3) .
ثم إنه صح عن ابن مسعود – رضي الله عنه – راوي الحديث «ثم ليتخير من الدعاء» ما يدل على الوجوب ، فقد قال – رضي الله عنه – : « يتشهد الرجل في الصلاة، ثم يصلي على النبي × ثم يدعو لنفسه بعد» (4) . ومما يدل على وجوب هذه الاستعاذة ، اهتمام النبي × بها ، وحرصه × على تعليم الصحابة هذا الدعاء . فعن طاووس عن ابن عباس كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول : قولوا اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات (5) . ولهذا كان من السلف من يرى أن الصلاة لا تصح بدون الدعاء والاستعاذة بعد التشهد . فعن طاووس أنه قال لابنه : «أدعوت بها في صلاتك ، فقال : لا ، قال : أعدك صلاتك» (6) . وقال الإمام أحمد – رحمه الله – «من ترك شيئاً من الدعاء عمداً يعيد» (7) .
أجاب القائلون بالاستحباب :
__________
(1) ... ينظر : الإنصاف (2/77) ، الفتاوى (22/381) . ...
(2) ... ينظر : نيل الأوطار (2/326) . ...
(3) ... ينظر : فتح الباري (2/373) . ...
(4) ... ينظر : فتح الباري (2/374) ، والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، (1/297) ، وسنده قال عنه ابن حجر في الفتح (2/374) ، (إسناده صحيح) . ...
(5) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب ما يستعاذ منه في الصلاة ، برقم (590) ، ص 769 . ...
(6) ... أخرجه مسلم (نفس الإحالة السابقة) . ...
(7) ... الإنصاف (2/77) . ...(1/122)
أن فعل طاووس – رحمه الله تعالى – يدل على تأكيد هذا الدعاء والتعوذ والحث الشديد عليه ، وأمره لابنه أن يعيد الصلاة لما نسيها ، لعله أراد تأديب ابنه ، وتأكيد هذا الدعاء عنده ، لا أنه يعتقد وجوبه (1) .
الترجيح :
من خلال ما سبق يتبين أن القول بالاستحباب هو الأقرب وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة . لكن ينبغي للمصلي ألا يترك الدعاء بعد التشهد ، وخصوصاً التعوذ من الأربع ، خروجاً من الخلاف، فإن أخل بها فهو على خطر من أمرين: الإثم ،ألا تصح صلاته (2) .
الفرع الثاني : محل الدعاء بعد التشهد الثاني :
يسن الدعاء بعد الفراغ من التشهد والصلاة على النبي × وبعد الاستعاذة وقبل السلام ، وهذا باتفاق الفقهاء (3) . واستدلوا بما يلي:
1- قال تعالى: ? ????????? ??????????? ?????????? ??? ????????? ???????? ???????????? ??? ? (4) .
قال ابن عباس : أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك (5) ، ومعناه إذا فرغت من أركان الصلاة ، أو قاربت الفراغ منها ، كقوله: ? ???????? ??????????? ???????????? ???????????? ???????????? ?????????????????? ? (6) ، أي قاربن بلوغ الأجل (7) .
__________
(1) ... ينظر : الشرح الممتع (3/277) . ...
(2) ... واختاره الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع ، (3/277) . ...
(3) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/68) ، والبحر الرائق (1/439) ، والمدونة (1/143) ، والمدونة
(1/143) ، والكافي ص 44 ، الأم (1/144) ، المجموع (3/414) ، المغني (2/233) .
(4) ... سورة الشرح ، الآيتان (7 ، 8) . ...
(5) ... الجامع لأحكام القرآن (10/74) ، وينظر : جامع البيان في تأويل القرآن (12/628) . ...
(6) ... سورة البقرة ، آية (231) . ...
(7) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/124) ، والجامع لأحكام القرآن (2/102) ، وقال : معناه : (قاربن ، بإجماع العلماء) . ...(1/123)
2- قال × : (إذا صلى أحدكم فليقل : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك ... ثم ليتخير الدعاء أعجبه إليه فيدعو ..) (1) . قال × : (إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير وليتعوذ...) (2) . قال × : (إذا فرغ أحدكم من صلاته فليدع بأربع ثم ليدع بعد بما شاء اللهم إني أعوذ بك ..) (3) . فهذا تعيين هذه الاستعاذة بعد الفراغ من التشهد ، فيكون سابقاً على غيره من الأدعية ، وما ورد من الأذن فيه أن المصلي يتخير من الدعاء ما شاء يكون بعد هذه الاستعاذة وقبل السلام (4) .
الفرع الثالث : صفة الدعاء بعد التشهد الثاني :
يستحب أن يبدأ بالثناء على الله عز وجل ، وذلك كما في التشهد الأول ثم الصلاة على النبي × كما في التشهد الثاني ثم يدعو ليكون أقرب إلى الإجابة (5) ، لقوله × : (إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد والثناء على الله ، ثم بالصلاة علي ثم بالدعاء) (6) .
ثم ظاهر النصوص ومن جملتها التشهد في الصلاة استحباب تقديم نفسه في الدعاء (7) ، لقوله تعالى : ? ????????????????? ??????????? ???????????????? ???????????????????? ? (8) .
وفي السنن : (كان × إذا دعا بدأ بنفسه) (9) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ص (290) . ...
(2) ... سبق تخريجه ص (295) . ...
(3) ... أخرجه البيهقي في سننه، كتاب الصلاة ،باب ما يستحب له أن لا يقصر، برقم (2883)، (2/220) .
(4) ... فتح الباري (2/370) ، وينظر : الفتح الرباني (6/35) . ...
(5) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/69) . ...
(6) ... سبق تخريجه، ص 150 .
(7) ... البحر الرائق (1/349) . ...
(8) ... سورة محمد ، آية (19) . ...
(9) ... سبق تخريجه ص (121) . ...(1/124)
ويستحب أن يتحرى الأدعية المشروعة المأثورة ، وقوله × : (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) (1) أي يتخير مما جاء في الخبر (2) عن النبي × وأصحابه والسلف (3) . فيفرد ما جاء مرفوعاً ، وإذا اختار قول ما جاء موقوفاً أو أنشأه هو من قبل نفسه مما يليق قاله على انفراد حتى لا يختلط بالمرفوع . وأما القدر الذي يدعو به ، فلا يخلو أن يكون في جماعة أو منفرداً ؛ فإن كان في جماعة دعا قدر أقل من التشهد والصلاة على النبي × ؛ لأن الدعاء تبع لهما ، فكان دون قدرهما سواء كان إماماً أو مأموماً ؛ لأن الإمام يؤمر بالتخفيف على المأمومين ، والمأموم منهي عن مخالفة الإمام (4) .فأما إن كان منفرداً فله أن يدعو بما شاء ما لم يخف سهواً (5) .
الفرع الرابع : حكم الإشارة عند الدعاء بعد التشهد الثاني :
نص الفقهاء (6) – رحمهم الله – على مشروعية الإشارة بسبابة اليمنى عند دعائه في الصلاة . واستدلوا بما يلي :
1 – عن الزبير – رضي الله عنه – قال : (كان رسول الله × إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ، وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه) (7) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ص (290) . ...
(2) ... ينظر : الفتاوى (22/474) . ...
(3) ... ينظر : المغني (2/236) . ...
(4) ... فتح الباري (3/480) . ...
(5) ... الحاوي (2/182) ، ينظر : الأم (1/144) ، والأذكار ص 73 ، الفتوحات الربانية (3/4) .
(6) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/25) ، وحاشية العدوي (1/248) ، والفواكه الدواني (1/297) ، الفروع (1/386) ، والمبدع (1/462) الاقناع (1/122) ، والفتح الرباني (4/32) ، وعون المعبود (3/197) . ...
(7) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب صفة الجلوس في الصلاة ، برقم (579) ، ص 768 . ...(1/125)
2 – وعنه – رضي الله عنه – قال: (كان رسول الله × إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بإصبعه السبابة ، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ويلقم كفه اليسرى ركبته) (1) .
3 – وعن ابن عمر : (أن النبي × كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ، ورفع إصبعه اليمنى التي تلى الإبهام فدعا بها ، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها) (2) .
4 – ولحديث : (كان رسول الله × إذا جلس في الصلاة فدعا وضع يده اليمنى على فخذه ، ثم كان يشير بإصبعه) (3) .
5 – وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : (كان رسول الله × إذا جلس في الصلاة ، ووضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) (4) .
6 – ورأى النبي × رجلاً يدعو بإصبعيه ، فقال : (أحد ، أحد، وأشار بالسبابة) (5) .
7 – وكان أصحاب النبي × يأخذ بعضهم على بعض يعني : الإشارة بالإصبع في الدعاء (6) .
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة :
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، (نفس الإحالة السابقة) . ...
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب صفة الجلوس في الصلاة ، برقم (580) ، ص 768 . ...
(3) ... أخرجه أحمد، ينظر: (الفتح الرباني، كتاب الصلاة ، باب هيئة الجلوس للصلاة مع الإشارة، (4/16))، وأورده الهيثمي في المجمع (2/140) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير عن أبي سعيد الخزاعي عنه ، وقال: (ولم يرو عنه غير منصور بن المعتمر كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه) . ...
(4) ... أخرجه مسلم ، (نفس الإحالة السابقة) . ...
(5) ... سبق تخريجه ص (177) . ...
(6) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، كتاب الصلوات ، باب في الدعاء في الصلاة بإصبع (2/484) ، وحسنه الألباني في صفة صلاة النبي × ، ص 159 . ...(1/126)
في هذه الأحاديث نص على الإشارة عند الدعاء ، وظاهرها يفيد دوام رفع الإصبع حتى يسلم (1) . وهذه الإشارة خاصة بسبابة اليمنى ؛ فإن عدمت لم يشر بسبابة اليسرى ؛ باتفاق (2) ، لأن سنتها البسط دائماً (3) .
واختلف الفقهاء في حكم تحريك الإصبع على قولين :
القول الأول: يندب تحريك الإصبع دائماً عند الدعاء بعد التشهد الثاني. وهذا الصحيح من مذهب المالكية (4) وقول بعض الشافعية (5) .
واستدل لهم: بحديث : (ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها) (6) .
__________
(1) ... ينظر : الفتح الرباني ، (4/32) . ...
(2) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/251) ، وفتح القدير (1/312) ، وحاشية العدوي (1/248) ، روضة الطالبين (1/262) ، وشرح صحيح مسلم (5/81) ، والإنصاف (2/72) ، الفروع (2/386) ، والإقناع (1/122) . ...
(3) ... روضة الطالبين (1/262) . ...
(4) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/251) ، وحاشية العدوي (1/248) ، والفواكه الدواني (1/297).
(5) ... ينظر : عون المعبود ، (3/196) ، (ونقله عن بعض أئمة الشافعية) . ...
(6) ... قطعة من حديث وائل بن حجر في بيان صفة صلاة النبي × ، أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب كيف الجلوس في التشهد ، برقم (957) ، ص 1293 ، والنسائي ، كتاب السهو ، باب موضع المرفقين، برقم (1266) ، ص 2169 ، وأحمد في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني، كتاب الصلاة ، باب هيئة الجلوس للتشهد ، برقم (719) ، (6/14) ، وقال عنه البنا في الفتح (5/149) (سنده جيد))، وأخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب من روى أنه أشار بها ولم يحركها ، برقم (2787) ،
(2/189) ، وصححه ابن حبان (3/308) برقم (1936) ، وابن خزيمة ، (1/343) برقم (691) ، والألباني في صفة صلاة النبي × ، ص 158 . ...(1/127)
وجه الدلالة: فيه دليل على أن السنة أن يستمر في الإشارة في تحريكها إلى السلام لأن الدعاء قبله (1) ، وهذا ما يفيده قوله : (يحركها) لأنه فعل مضارع ، يفيد الاستمرارية حتى تسليم المصلي وفراغه من صلاته (2) . ويكون تحريكها يميناً أو شمالاً ، أو من أسفل إلى أعلى وعكسه (3) .
القول الثاني: لا يندب تحريك الإصبع عند الدعاء .
وهذا ظاهر مذهب الحنفية (4) ، وقول عند الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي : عن عبد الله بن الزبير أنه (ذكر أن النبي × كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها) (6) .
نوقش من وجوه (7) :
أولها : أن هذه الزيادة (ولا يحركها) ضعيفة كما ثبت في تخريجها .
__________
(1) ... صفة صلاة النبي × ، ص 158 ، وينظر : عون المعبود ، (3/196) . ...
(2) ... مقدمة الخشوع في الصلاة ، لابن رجب ، ص 7 ، علق عليه علي حسن عبد الحميد . ...
(3) ... ينظر : الفواكه الدواني ، (1/297) ، وحاشية العدوي ، (1/247) ، من غير إنحناء لأن الحديث الوارد فيها ضعيف أفاده الألباني في تمام المنة ، ص 222 . ...
(4) ... ينظر : فتح القدير ، (1/312) ، وبدائع الصنائع ، (2/70) ، وحاشية ابن عابدين ، (1/548) .
(5) ... ينظر : الإقناع، (1/122) ، وكشاف القناع ، (2/421) . ...
(6) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب الإشارة في التشهد ، برقم (989) ، ص 1296 ، والنسائي ، كتاب السهو ، باب موضع البصر، برقم (1276) ، ص 2170 ، بدون قوله : (لا يحركها) ، وأخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب من روى أنه أشار ولم يحركها ، برقم (2786) ، (1/189) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/485) ، والحديث ضعفه ابن القيم في زاد المعاد (1/238) وقال : (هذه الزيادة في صحتها نظر ، وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في صحيحه عنه ، ولم يذكر هذه الزيادة) ، وضعفه الألباني في تمام المنة ص 218 . ...
(7) ... ينظر : زاد المعاد (1/239) ، وتمام المنة ص 220 ، ومقدمة الخشوع في الصلاة ص 9 . ...(1/128)
وثانيها : أن هذه الرواية ليس فيها أن هذا كان في الصلاة .
ثالثها : على فرض صحتها ، وثبوتها داخل الصلاة إلا أن هذا الحديث نافي ، وحديث (يحركها) مثبت ، والمثبت مقدم على النافي .
رابعها: وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه لا يخالف ما قبله ، لأنه تركه بيان أنه ليس بواجب (1) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول وهو أنه يندب تحريك الإصبع عند الإشارة عند الدعاء بعد التشهد الثاني وذلك لقوة دليلهم ووجاهته ، ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليه من مناقشة .
الفرع الخامس : الحكمة من الإشارة بالسبابة عند الدعاء :
ذكر الفقهاء – رحمهم الله – حكماً عديدة في الإشارة بالسبابة عند الدعاء ، فمن ذلك :
1 – توحيد الله تعالى (2) لحديث : (كان رسول الله × إذا أشار بإصبعه كذلك في الصلاة، تقول قريش: هذا محمد سحر الناس وإنما كان يوحد الله سبحانه) (3) .
وسئل ابن عباس – رضي الله عنهما «عن الرجل يدعو يشير بإصبعه ؟ فقال: هو الإخلاص» (4) .
__________
(1) عون المعبود (3/197).
(2) ... ينظر : القبس (222) ، وحاشية العدوي (1/248) ، وشرح صحيح مسلم (2/81) ، والحاوي
(1/169) ، والإقناع (1/122) . ...
(3) ... أخرجه أحمد ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب هيئة الجلوس للتشهد ، (4/12)) ، وأورده الهيثمي في المجمع (2/140) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال : (رجاله ثقات) ، وأخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب ما ينوي المشير بإشارته ، برقم (2792) ، (2/191) .
(4) ... أخرجه البيهقي في السنن، كتاب الصلاة، باب ما ينوي المشير من إشارته، برقم (2794)، (2/191) ، وأحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني (4/14) ، كتاب الصلاة ، باب التشهد في الصلاة) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/484) . ...(1/129)
2 – أن تحريك السبابة ، إنما هو لرفع السهو ، وقمع الشيطان ، ليتذكر أنه في الصلاة (1) لحديث: (هي مدية الشيطان ،لا يسهو أحدكم ما دام يشير بإصبعه، وهو يقول هكذا) (2) . وعن مجاهد (3) – رحمه الله – أنه قال : «تحريك الرجل إصبعه في الجلوس في الصلاة مقمعة للشيطان» (4) ، وإنما كان تحريكها يذكره أحوال الصلاة ؛ لأن عروقها متصلة بنياط القلب ، فإذا تحركت انزعج القلب فيتنبه بذلك (5) .
وقد وردت عن النبي × أدعية كثيرة كان يدعو بها × في هذا الموطن، فمن ذلك:
1 – (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً (6) ،
__________
(1) ... ينظر : المنتقى (2/70) ، وحاشية الدسوقي (1/251) ، والفواكه الدواني (1/297) ، وبلغة السالك (1/220) . ...
(2) ... أورده ابن عبد البر في التمهيد (13/196) ولم يعزوه ،ولم أقف عليه. ...
(3) ... هو : مجاهد بن جبر ، الإمام شيخ القراء والمفسرين ، أبو الحجاج المكي ، الأسود . روى عن ابن عباس، وأبي هريرة ، وعائشة ، وجابر بن عبد الله وغيرهم . وحدث عنه : عكرمة ، وطاووس ، وعطاء وغيرهم . كان ثقة فقيها عالماً كثير الحديث، مات وهو ساجداً سنة 102هـ، وقيل غير ذلك .
ينظر في ترجمته : طبقات بن سعد (5/466) ، وشذرات الذهب (1/125) ، وسير أعلام النبلاء
(4/449) . ...
(4) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب من روى أنه أشار بها ولم يحركها ، برقم (2788) ،
(2/190) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (8/484) . ...
(5) ... حاشية الدسوقي (1/251) ، وينظر : حاشية العدوي (1/248) ، الفواكه الدواني (1/297) ، بلغة السالك ، (1/220) . ...
(6) ... في رواية : (كبيراً) ، واستحب النووي الجمع بينهما ، لكن الصحيح أن يأتي بهذا مرة وبهذا مرة ، ليكون عاملاً بجميع ما ورد ، ينظر : الأذكار ص 74 ، والفتاوى (22/458) ، ونيل الأوطار
(2/328) ، ونزل الأبرار ، صديق خان ص 96 . ...(1/130)
ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) (1) .
والحديث يدل على مشروعية هذا الدعاء في الصلاة ولم يصرح بمحله ، ولعل الأولى أن يكون في أحد الموطنين : السجود أو التشهد لأنه أمر فيهما بالدعاء ، ويترجح كونه فيما بعد التشهد لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل (2) .
2 – ومن الأدعية المشروعية في هذا الموطن أيضاً : (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات ، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) (3) .
3 – ومنها : (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادك) .وهذا الدعاء محله آخر الصلاة ، كما في بعض رواياته (لا تدعن في دبر كل صلاة) (4) والدبر يطلق على ما قبل الفراغ من الصلاة أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها (5) . قال ابن تيمية (6) : «الدعاء المذكور في دبر الصلاة إما أن يراد به آخر جزء منها ليوافق بقية الأحاديث ، أو يراد به ما يلي آخرها ويكون ذلك ما بعد التشهد حيث لم يبق إلا السلام المنافي للصلاة ، وبكل حال فلا يجوز أن يخص به ما بعد السلام ؛ لأن عامة الأدعية المأثورة كانت قبل ذلك ، ولا يجوز أن يشرع سنة بلفظ مجمل يخالف السنة المتواترة بالألفاظ الصريحة» .
__________
(1) ... سبق تخريجه ص (64) . ...
(2) ... ينظر : فتح الباري (2/373) ، ونيل الأوطار (2/328) . ...
(3) ... أخرجه البخاري ، في كتاب الآذان ، باب الدعاء قبل السلام ، برقم (832) ، ص 66 . ...
(4) ... سبق تخريجه ص (99) . ...
(5) ... البحر الرائق (1/349) . ...
(6) ... ينظر : الفتاوى (22/499) . ...(1/131)
4 – وعن علي – رضي الله عنه – قال : (كان رسول الله × إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) (1) ، فهذا نص على أن محله قبل السلام ، لكن جاء في رواية : (وإذا سلم قال : اللهم اغفر لي ما قدمت ...) (2) .
ويجمع بينهما بحمل الرواية الثانية على إرادة السلام ؛ لأن مخرج الطريقين واحد (3) .
وقد جاء عن السلف أدعية كثيرة في هذا الموطن ، من ذلك :
1 – كان ابن مسعود – رضي الله عنه – يدعو بكلمات منهن : «اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم» (4) .
2 – «اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم» .
لحديث : أن رسول الله × دخل المسجد ، فإذا هو برجل قد قضى صلاته ، وهو يتشهد وهو يقول : (فذكره) ، فقال النبي × : (قد غفر له ، قد غفر له ، قد غفر له) ، ثلاث مرات (5) .
__________
(1) ... متفق عليه، أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب قول النبي : (اللهم اغفر لي ...)، برقم (6398) ، ص 538 ، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب صلاة النبي × بالليل ودعائه ، برقم (771) ،
ص 800 . ...
(2) ... أخرجه مسلم ، (نفس الإحالة السابقة) . ...
(3) ... فتح الباري ، (11/201) . ...
(4) ... أخرجه ابن شيبة في مصنفه ، كتاب الصلاة ، باب ما يقال بعد التشهد ، (1/296) . ...
(5) ... أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب ما يقول بعد التشهد ، برقم (985) ، ص 1296 ،والنسائي في سننه ، كتاب السهو ، باب الدعاء بعد الذكر ، برقم (1302)، ص 2172 وأحمد في المسند ،
ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الصلاة باب طلب الدعاء بعد الصلاة على النبي × ، برقم (742) ،
(6/31)).قال عنه البنا في الفتح (6/32): (وإسناده جيد) ، وصححه الألباني في صفة صلاة النبي × ص 186 . ...(1/132)
3 – قال ابن مسعود – رضي الله عنه – كان يعلمنا كلمات ، ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد «اللهم ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، وأهدنا سبل السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمك ، مثنين بها ، قابليها ، وأتمها علينا» (1) .
الفرع السادس : حكم ترك الدعاء بعد التشهد الثاني :
يكره ترك الدعاء بعد التشهد الثاني ، للأمر به في الأحاديث الصحيحة ، وللخلاف في وجوب بعض الأدعية (2) ، ولو تركه فلا سجود للسهو عليه (3) .
إلا في مواضع نص الفقهاء على أنه يكره فيها الدعاء بعد التشهد الثاني وهي :
1 – من لم يتشهد ناسياً حتى سلم الإمام فليتشهد ولا يدعو بعده وليسلم؛ (4) لأنه لا يجوز الاشتغال بعد سلام الإمام بدعاء ولا غيره (5) .
2 – من خرج عليه الإمام لخطبة الجمعة وهو في نفل فإنه يخففه حتى يترك الدعاء (6) .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب التشهد ، برقم (969) ، ص 1294 ، والحاكم في مستدركه، كتاب الإمامة ، وصلاة الجماعة ، باب الدعاء للمباركة ، برقم (1016) ، (1/549) ، وقال : (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) ، وأورده الهيثمي في المجمع ، (10/179) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير والأوسط وقال : (إسناد الكبير جيد)، وضعفه الألباني في تمام المنة ، ص 226 ، وفي ضعيف أبي داود برقم (172) . ...
(2) ... ينظر : إعانة الطالبين (1/167) ، والفتوحات الربانية (3/3) . ...
(3) ... ينظر : الأم (1/144) . ...
(4) ... ينظر : مواهب الجليل (1/543) ، وبلغة السالك (1/249) ، والمجموع (3/427) ، وحاشية الدسوقي (1/244) . ...
(5) ... مواهب الجليل (1/545) . ...
(6) ... بلغة السالك (1/249) . ...(1/133)
3 – من أقيمت عليه الصلاة وهو في أخرى ، فإنه يخففها حتى يترك الدعاء (1) .
4 – من سجد للسهو قبل السلام ؛ فإنه يعيد التشهد بلا دعاء ؛ لأن الدعاء المسنون يكون عقب الأول وإنما أعاده ليقع سلامه بعد التشهد كما هو الشأن في الصلاة . وهذا مذهب المالكية (2) ورواية عند الحنفية (3) .
والقول الثاني : يتشهد ويدعو في قعدة السهو فقط ؛ لأن موضع الدعاء آخر الصلاة، وهذا أخرها ، والاحتياط أن يأتي بهما في القعدتين. وهذا مذهب الحنفية (4) .
الفرع السابع : حكم زيادة (اللهم ارحم محمداً) في الصلاة على رسول الله × في التشهد الثاني :
اتفق الفقهاء (5)
__________
(1) ... ينظر : المرجع السابق ، والصفحة السابقة . ...
(2) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/274) ، ومواهب الجليل (2/22) ، وبلغة السالك (1/249) .
(3) ... ينظر : البحر الرائق (2/101) . ...
(4) ... ينظر : الاختيار لتعليل المختار (1/72) ، وفتح القدير (1/501) ، فتاوى قاضيخان ، (1/121).
والمسألة مبنية على حكم التشهد في سجود السهو ، وفيها خلاف يطول ، وإنما ذكرت منه ما يخص البحث باختصار ، ولعل الصحيح في المسألة : أنه إن سجد قبل السلام أتى به بعد فراغه من التشهد وسلم عقبه بلا تشهد وإن كان بعد السلام : ففيه روايتان أصحهما أنه يسلم ولا يتشهد ، وهذا اختيار شيخ الإسلام .
ينظر : كشاف القناع (2/485) وحاشية الروض المربع (2/177) ، وإذا كان لا يتشهد فالدعاء يمنع من باب أولى . ...
(5) ... ينظر : تحفة الفقهاء (2/138) ، وحاشية الطحطاوي ص 271 ، وبدائع الصنائع (2/69) ، والأم (1/228) ، والمهذب مع شرحه المجموع (3/445) ، والمغني (2/230) ، والمقنع مع شرح المبدع
(1/412) ، والفروع (1/443) ، وشرح منتهى الإرادات (1/193) . ...(1/134)
– رحمهم الله تعالى – على أن أفضل صفة في الصلاة على النبي × هي أن يقول : «اللهم صل على محمد وآل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما روى كعب بن عجرة (1) – رضي الله عنه – قال : «خرج علينا رسول الله × فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك ؟ فقال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» (2) لأنه أصح حديث روى فيها (3) .
وعلى أي صفة أتى بالصلاة عليه مما ورد في الأحاديث جاز ذلك ، كقول النبي × لما سئل كيف نصلي عليك ؟ قال : (قولوا : اللهم صلى على محمد وعلى أزواجه ، وذريته ، كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) (4) .
واختلفوا في زيادة : «اللهم ارحم محمداً» في ألفاظ الصلاة على النبي × ، على ثلاثة أقوال :
__________
(1) ... هو : كعب بن عجرة الأنصاري السالمي المدني ، من أهل بيعة الرضوان .
روى عنه : بنوه : سعد ومحمد ، وعبد الملك ، وربيع ، ومحمد بن سيرين ، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وآخرون. له عدة أحاديث ، ونزلت فيه آية الفدية ، شهد المشاهد كلها ، توفي سنة 52هـ .
ينظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء (3/52)،وتهذيب التهذيب (8/379)،وأسد الغابة (4/481) .
(2) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي × ، برقم (6357) ،
ص 534 ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي × بعد التشهد، برقم (406) ص 43 .
(3) ... المغني (2/231) . ...
(4) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب هل صلى على غير النبي × ، برقم (6360) ، ص 535 ، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب : الصلاة على النبي × بعد التشهد ، برقم (407) ،
ص 743 . ...(1/135)
القول الأول: يجوز الدعاء للنبي × بالرحمة مفردة. ويكره زيادته في ألفاظ الصلاة على النبي × في التشهد فقط ، وزيادتها قريب من البدعة. وهذا قول بعض الحنفية (1) ، وقول عند المالكية (2) ، والصحيح من مذهب الشافعية (3) ، وظاهر قول الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن النبي × علمنا كيفية الصلاة عليه × فوجب الوقوف عند تعليمه ، والزيادة على ذلك استقصار قوله، واستدراك عليه × (5) .
2 – ولأن النبي × لما سئل كيف نصلي عليك ؟ سكت حتى أنزل عليه ، ثم قال : (قولوا اللهم صل على محمد ...) فتولى الله بيان لفظ الصلاة على النبي × وأثر بالوحي ، فصار حداً محدوداً ، لا يحل لأحد الزيادة فيه ولا النقصان منه (6) . ومن زاد فقد ابتدع ، لأنه أحدث عبادة في محل مخصوص لم يرد بها نص (7) .
3 – وأما جواز الدعاء له بالرحمة مفرداً ؛ فلما صح عنه × في أدعية كثيرة الدعاء لنفسه بالرحمة ، فمن ذلك :
أ – علمنا × أن الدعاء له بالرحمة مما يليق بقوله في التشهد : (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) (8) .
__________
(1) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/69) ، وتبيين الحقائق (1/123) ، وحاشية ابن عابدين (552) .
(2) ... قاله ابن العربي ومن تبعه من المالكية ، ينظر : أحكام القرآن ، لابن العربي (3/623) ، والجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي (14/151) ، والذخيرة (13/203) ، والقبس (1/355) ، والمفهم شرح صحيح مسلم (2/794) . ...
(3) ... ينظر : الأذكار ص 121 ، شرح صحيح مسلم (4/126) ، القول البديع ، للسخاوي ص 137 ، ونسبه إلى (الصيدلاني) . ...
(4) ... ينظر : الاختيارات الفقهية ص 57 ، وجلاء الأفهام ص 165 . ...
(5) ... ينظر : القبس (1/225) . ...
(6) ... المصدر السابق (1/354) . ...
(7) ... القول البديع ص 136 . ...
(8) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/329) . ...(1/136)
ب – صح عنه × أنه أقر من قال : (ارحمني وارحم محمداً) ولم ينكر عليه سوى قوله : (ولا ترحم معنا أحداً) (1) .
جـ – ومنها : حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – في الدعاء الطويل عقب صلاته من الليل : (اللهم إني أسألك رحمة من عندك) (2) .
د – ومنها : حديث دعوات المكروب وفيه : (اللهم أرجو رحمتك) (3) .
هـ – وقوله × : (إنه لا يدخل الجنة أحد بعمله إلا برحمة الله ، قالوا : وأنت يا رسول الله ، قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته) (4) .
و – وحديث الذي ظاهر من امرأته ، ووقع عليه قبل أن يكفر ، فذكر ذلك للنبي × فقال له النبي × : (ما حملك على ذلك ؟) قال : رحمك الله يا رسول الله ... الحديث) (5) .
__________
(1) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/553) ، والفواكه الدواني (1/290) ، والتلخيص الحبير (1/446) .
والحديث سبق تخريجه ص77 .
(2) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعوات ، (باب دعاء اللهم ...) برقم (3419) ، ص 2003 ، وقال : (هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن أبي ليلى إلا من هذا الوجه ، وقال : وقد روى شعبة وسفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس عن النبي × ). ...
(3) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح ، برقم (5090) ، ص 1596 ، والبخاري في الأدب المفرد ، برقم (701) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (651) ، وابن السني ، برقم
(342) ، وهو حديث حسن كما قال الألباني في صحيح الجامع برقم (3383) . ...
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب القصد والمداومة ، برقم (6463) ، ص 543 . ...
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الطلاق ، باب في الظهار ، برقم (2213) ، ص 1386 والترمذي كتاب الظهار ، باب في المظاهر يواقع قبل أن يكفر برقم (1199) ، ص 1770 ، والنسائي ، كتاب الطلاق ، باب الظهار ، (3488) ، ص 2314 ، واللفظ له ، وابن ماجه ، كتاب الطلاق ، باب الظهار ، برقم
(2062) ص 2600 ، وقال الترمذي : (حسن غريب صحيح) ، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح
(9/343) . وقال الألباني في الإرواء ، (7/179): (الحكم بن أبان فيه ضعف من قبل حفظه).(1/137)
والأحاديث في ذلك كثيرة .
4 – أن حصول الرحمة له × لا يمنع طلبها له كالصلاة والوسيلة ، والمقام المحمود ، لما فيه من عود الفائدة له × بزيادة ترقية التي لا نهاية لها ، والداعي بزيادة ثوابه على ذلك (1) .
5 – ولا ينافي الدعاء له بالرحمة أنه عينها بنص قوله تعالى: ? ?????? ????????????????? ??????? ???????? ???????????????? ????? ? (2) ؛ لأن كونه كذلك من جملة رحمة الله وتفضله (3) .
القول الثاني : يستحب زيادة اللهم ارحم محمداً في التشهد . وهذا الصحيح من مذهب الحنفية (4) ، وقول عند المالكية (5) ، وقول بعض الشافعية (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن ابن مسعود يرفعه : «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد ، وارحم محمداً وآل محمداً ، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد» (7) .
__________
(1) ... حاشية ابن عابدين (1/553) . ...
(2) ... سورة الأنبياء ، آية (107) . ...
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/330) . ...
(4) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/69) ، وتبيين الحقائق (1/123) ، والفتاوى الهندية (1/76) . ...
(5) ... وهو قول أبي زيد ومن تبعه من المالكية ، ينظر : حاشية العدوي (1/242) ، والفواكه الدواني
(1/290) . ...
(6) ... ومال إليه ابن حجر ، ينظر : التلخيص الحبير (1/446) ، والأذكار ص 121 ، والقول البديع
ص 138 . ...
(7) ... أخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب الصلاة ، باب صنيع الصلاة بعد التشهد ، برقم (1029) ،
(1/554) ، قال ابن حجر في التلخيص (1/447) : (في إسناده راو لم يسم ، وفي إسناده عمروبن خالد وهو كذاب) ، وضعفه ابن العربي في أحكام القرآن (3/622) . ...(1/138)
وجه الدلالة : أن هذا الحديث وإن كان ضعيفاً لكن يعمل به في فضائل الأعمال التي يتساهل فيها بالحديث الضعيف ، لاندراجه في العموميات ، فإن أصل الدعاء بالرحمة لا ينكر واستحبابه في هذا المحل الخاص ورد فيه ما هو مُضَعّف (1) .
2 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه : (من قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وترحم على محمد وعلى آل محمد ، كما ترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، شهدت له يوم القيامة بالشفاعة) (2) .
3 – قياساً على لفظ التشهد الأول ، وفيه : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (3) .
4 – ولأنه × كان من أشوق العباد إلى مد يد رحمة الله تعالى ، ولا يستغني أحد عن رحمة الله (4) .
أجاب القائلون بالكراهة :
1 – أما استدلالكم بالحديث : «إذا تشهد أحدكم في الصلاة ...» .
فالجواب عنه :
__________
(1) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/327) ، والقول البديع ص 137 . ...
(2) ... أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، باب الصلاة على النبي × ، برقم (656) ، ص 139 ، أورده ابن حجر في التلخيص (1/446) ، وسكت عنه ، وضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد ، ص 64 ، وقال : (فيه سعيد بن عبد الرحمن مولى سعيد بن العاص ، وهو مجهول) .
(3) ... ينظر : مطالب أولى النهى (1/462) . ...
(4) ... تبيين الحقائق (1/123) ، وينظر : بدائع الصنائع (2/69) . ...(1/139)
أن هذا الحديث لا يحتج به ولا بالأحاديث الواردة في زيادتها ، لأنها كلها واهية جداً ؛ إذ لا يخلو سندها من كذاب أو متهم بالكذب ، فعلى هذا لا يصلح للعمل به حتى في فضائل الأعمال (1) . ثم إن حديث أبي هريرة : (من قال ...) ليس فيه أنه داخل الصلاة . قال ابن العربي – رحمه الله – (2) : «من هذه الروايات صحيح ، ومنها سقيم ، وأصحها ما روى مالك (3) فاعتمدوه ، ورواية من روى غير مالك من زيادة الرحمة مع الصلاة وغيرها لا يقوى ، إنما على الناس أن ينظروا في أديانهم نظرهم في أموالهم ، وهم لا يأخذون في البيع ديناراً معيباً ، وإنما يختارون السالم الطيب ، كذلك في الدين لا يؤخذ من الروايات عن النبي × إلا ما صح سنده لئلا يدخل في خبر الكذب على رسول الله × ، فبينما هو يطلب الفضل ، إذا به قد أصاب النقص ، بل ربما أصاب الخسران المبين».
2- وأما «قياسكم على لفظ التشهد الأول ...» .
فيمكن أن يجاب عنه : بأنه قياس مع الفارق ؛ لأن لفظ التشهد الأول ثابت ، وأما زيادة وارحم محمداً في الصلاة على النبي × غير ثابتة .
القول الثالث : لا يجوز الدعاء له بالرحمة مفرداً، ويجوز مضموماً للصلاة والسلام.
وهذا قول بعض الشافعية (4) ، والمالكية (5) ، واختيار متأخري الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/552) ، والفتوحات الربانية (3/328) . ...
(2) ... أحكام القرآن (3/622) ، وينظر : الجامع لأحكام القرآن (14/151) . ...
(3) ... يشير إلى حديث كعب بن عجرة السابق ص (308). ...
(4) ... منهم السيوطي ، ومن تبعه من الشافعية ، ينظر : القول البديع ص 138 ، والفتوحات الربانية
(3/330) . ...
(5) ... منهم ابن عبد البر وإن كان لا يرى جوازه في التشهد ، ينظر : الترتيب الفقهي للتمهيد (4/779) وحاشية العدوي (1/242) . ...
(6) ... منهم الرحيباني في مطالب أولى النهى (1/462) . ...(1/140)
أما جوازه مضموماً للصلاة والسلام ، فاستدلوا بمثل أدلة القول السابق .
وأما عدم جوازه مفرداً فلما يلي :
1 – قال تعالى: ? ???? ?????????????????? ???????? ??????????? ???????????? ?????????? ?????????? ????????? ? (1) .
وجه الدلالة : أن الله سبحانه أمر ألا يدعى رسوله بما يدعو الناس بعضهم بعضاً . بل يقال : يا رسول الله ، ولا يقال : يا محمد ، فإذا كان هذا في خطابه، فهكذا في مغيبه لا ينبغي أن يجعل ما يدعى به له من جنس ما يدعو به بعضنا لبعض، بل يدعى له بأشرف الدعاء وهو الصلاة عليه (2) ، فمن ذكره × ينبغي أن يصلي عليه ، ولا يجوز أن يترحم عليه لهذه الآية (3) .
2 – قال تعالى:? ?????? ?????? ???????????????????? ???????????? ????? ???????????? ????????????????? ?????????? ??????????? ????????? ????????? ???????????? ???????????? ???? ? (4) .
وجه الدلالة : أن الله سبحانه أمر بالصلاة عليه عقب إخباره بأنه وملائكته يصلون عليه ، ولو عبر عن هذا المعنى بالرحمة لم يحسن موقعه ، ولم يحسن النظم ، فينقض اللفظ والمعنى (5) .
3 – قال × : (من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشراً) (6) . ولم يقل : من ترحم علي ولا من دعا لي ، فخص بلفظ الصلاة تعظيماً له (7) .
__________
(1) ... سورة النور ، آية (63) . ...
(2) ... جلاء الأفهام ص 165 . ...
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/329) . ...
(4) ... سورة الأحزاب ، آية (56) . ...
(5) ... ينظر : جلاء الأفهام ص 161 . ...
(6) ... أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي بعد التشهد ، برقم (408) ص 743 .
(7) ... ينظر : الترتيب الفقهي للتمهيد (4/779) . ...(1/141)
4 – أن أحداً لو قال : عن رسول الله × «رحمه الله» أو قال : «رسول الله رحمه الله» بدل × لبادرت الأمة إلى الإنكار عليه وسموه مبتدعاً غير موقر للنبي × ولا مصل عليه ، ولا مثن عليه بما يستحقه ، ولا يستحق أن يصلي الله عليه بذلك عشرات مرات (1) .
5 – أن الدعاء له بالرحمة يوهم بتقصير الأنبياء إذ الرحمة تكون بإتيان ما يلام عليه ، وقد أمرنا بتعظيمهم (2) .
6 – ولأن الدعاء له بالرحمة خلاف الأدب في مقامه الرفيع ، غير المأمور به عند ذكره إذ المأمور به الصلاة ، لا الدعاء له بالرحمة (3) .
أجاب القائلون بالمشروعية على القائلين بمنع الدعاء مفرداً :
أما ما استدللتم به من النصوص من الكتاب والسنة ، فالجواب عنها :
أنه ليس فيها ما يمنع ذلك ، لما صح في الأحاديث الدعاء لنفسه بالرحمة .
ثم إن هذه النصوص عامة ، وحديث الأعرابي : (وارحم محمداً) خاص فيخص العموم التي اقتضته النصوص السابقة (4) .
أما قولكم : «أن أحداً لو قال عن رسول الله × رحمه الله ...» فيمكن الجواب عنه:
أن هذا مسلم ، لكنه لا يمنع الدعاء له بالرحمة .
وأما قولكم : «إنه لا يليق بمقامه الرفيع ، قولكم : إنها لا تكون إلا على ما يلام...».
فالجواب عنه: أن هذا ممنوع ولا دليل عليه ، بل الأدلة قاضية برده (5) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول بعدم منع الدعاء له بالرحمة مفرداً ، ويمنع زيادته في ألفاظ التشهد ، وذلك لقوة أدلتهم وصراحتها ، ولكونه وسطاً بين الأقوال ، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
المطلب الرابع عشر : الدعاء بين التسليمتين :
__________
(1) ... جلاء الأفهام ص 165 . ...
(2) ... تبيين الحقائق (1/123) ، وينظر : بدائع الصنائع (2/69) . ...
(3) ... ينظر : مطالب أولى النهى (1/462) . ...
(4) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/330) . ...
(5) ... ينظر : المصدر السابق ، ونفس الصحفة . ...(1/142)
كأن يقول المصلي بعد التسليمة الأولى : أسألك الفوز بالجنة ، وبعد التسليمة الثانية: أسألك النجاة من النار .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – لما سئل عن ذلك (1) : «يكره هذا ؛ لأن هذا بدعة ؛ فإن هذا لم يفعله رسول الله × ، ولا أستحبه أحد من العلماء ، وهو إحداث دعاء في الصلاة في غير محله ، يفصل بأحدهما بين التسليمتين ، ويصل التسليمة بالآخر ، وليس لأحد فصل الصفة المشروعة بمثل هذا ، كما لو قال : سمع الله لمن حمده أسألك الفوز بالجنة ، ربنا ولك الحمد أسألك النجاة من النار ، وأمثال ذلك» .
المطلب الخامس عشر : الدعاء بغير لفظ القرآن والسنة في الصلاة :
وفيه فرعان :
الفرع الأول : حكم الدعاء بغير لفظ القرآن والسنة :
اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله – على أنه يستحب للمصلي أن يدعو في صلاته بالأدعية المشروعة المأثورة ، الواردة في القرآن و السنة أو المأثورة عن الصحابة أو السلف الصالح .
واختلفوا في حكم الدعاء بغير لفظ القرآن أو السنة ، وسبب اختلافهم في ذلك ؛ اختلافهم في الدعاء بغير لفظ القرآن والسنة هل هو من كلام الآدميين أم لا (3) ؟
اختلفوا في هذه المسألة على أربعة أقوال :
__________
(1) ... الفتاوى (22/491) ، ينظر : الابداع في مضار الابتداع ص 288 ، والسنن والمبتدعات ص 65 ، والقول المبين في أخطاء المصلين ص 167 . ...
(2) ... ينظر : الانصاف (2/77) ، وشرح الزركشي (5/208) ، والمبسوط (1/198) ، والفتاوى الهندية
(5/318) ، وحاشية ابن عابدين (2/55) ، ومطالب أولى النهى (1/463) ، والحاوي (1/182)، والذخيرة (2/233) ، وفتح البر في الترتيب التمهيد (4/573) .
(3) ... ينظر : بداية المجتهد (1/245) . ...(1/143)
القول الأول : لا يجوز الدعاء في الصلاة إلا بما نقل أو بما يستحيل سؤاله من الناس مما يتضمن طاعة وقربة ، فإن دعا بغير ذلك مما يرجع إلى شهوات الدنيا وملاذها ، بطلت صلاته . وهذا مذهب الحنفية (1) ، والمشهور من مذهب الحنابلة (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن معاوية بن الحكم السلمي (3) – رضي الله عنه – قال : بينا أنا أصلي مع رسول الله × إذا عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ! فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه! ما شأنكم ، تنظرون إلي ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني ، لكني سكت ، فلما
صلى رسول الله × ، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ، فوالله ! ما كهرني ولا ضربني ، ولا شتمني ، قال : (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير
وقراءة القرآن ) (4) .
__________
(1) ... ينظر : مختصر اختلاف العلماء (1/227) ، والهداية مع فتح القدير (1/319) ، والاختيار لتعليل المختار (1/54) ، وفسروا ما يستحيل سؤاله من الناس : كسؤال المغفرة ، وطلب الرزق ما لم يقيده بمال ، ينظر : الهداية مع فتح القدير (1/319) ، والدر المختار شرح تنوير الأبصار مع حاشية ابن عابدين (1/563) . ...
(2) ... ينظر : الفروع (1/386) ، والإفصاح عن معاني الصحاح (1/143) ، والاقناع (1/124) ، شرح الزركشي (5/208) . ...
(3) هو معاوية بن الحكم السلمي ، سكن المدينة ، له عدة أحاديث . روى عن النبي × . وروى عنه ابنه كثيراً وعطاء بن يسار ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. ينظر في ترجمته : أسد الغابة (5/207) ، والإصابة في تمييز الصحابة (6/111) ، وتهذيب التهذيب(10/186) . ...
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته ، برقم (537)، ص 761 . ...(1/144)
وجه الدلالة : هذا الحصر يدل بمفهومه على منع التكلم في الصلاة بغير الثلاثة (1) والدعاء بما ورد أو ما في معناه ، ويبقى ما عدا ذلك على
مقتضى العموم (2) .
ولهذا عد النبي × تشميت العاطس كلاماً مفسداً للصلاة في ذلك الحديث ، لما خاطب الآدمي به وقصد قضاء حقه ، وإن كان دعاء صيغة ، وهذا صيغته من كلام الناس ، وإن خاطب الله تعالى فكان مفسداً بصيغته ، والكتاب والسنة محمولان على دعاء لا يشبه كلام الناس ، أو على خارج الصلاة (3) .
2 – أن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – رأى ابناً له يدعو في صلاته : «اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها ، فقال : أي بني سل الله الجنة ، وتعوذ به من النار ، فقد سمعت رسول الله × يقول : (سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور) ، ثم قال : أما يكفيك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة ، وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل» (4) .
وجه الدلالة: جعل الدعاء بمثل هذا في الصلاة من الاعتداء المنهي عنه .
3 – وعن طاووس – رحمه الله – قال : «ادعوا في الفريضة بما في القرآن» (5) .
وهكذا روي عن جماعة من السلف – أنهم كانوا يكرهون الدعاء في الصلاة بشيء من أمر الدنيا ، ويعجبهم أن يدعو في المكتوبة بما في القرآن (6) .
4 – ولأن الدعاء بغير ما ورد لا يتضمن قربة وطاعة ، كقولهم «اللهم
__________
(1) ... نيل الأوطار (2/358) . ...
(2) ... ينظر : شرح الزركشي (1/590) . ...
(3) ... بدائع الصنائع (2/133) . ...
(4) ... سبق تخريجه ، ص (66). ...
(5) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/298) . ...
(6) ... منهم إبراهيم النخعي ، ومجاهد ، ومحمد وغيرهم ، ينظر : المصنف لابن أبي شيبة (1/298) .(1/145)
ارزقني جارية حسناء ، أو داراً واسعة» ونحو ذلك من جنس كلام الآدميين ؛ لأنه كلام آدمي يتخاطب بمثله ، أشبه تشميت العاطس ، ورد السلام ، والشعر المنظوم دعاء أو ثناء (1) ، ولأن ما لم يكن ذكراً لم تصح معه
الصلاة ، كالكلام (2) .
5 – ولأن الدعاء ليس كله جائزاً ، بل فيه عدوان محرم ، والمشروع لا عدوان فيه ، حينئذ يقال : الدعاء المستحب هو الدعاء المشروع ؛ فإن الاستحباب إنما يتلقى من الشارع فما لم يشرعه لا يكون مستحباً ، بل يكون شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، فإن الدعاء من أعظم الدين ، والمشروع يكون بلفظ النص وبمعناه ، إذ لم يقيد النبي × بلفظ واحد ، كالقراءة ، ولم يوجب علينا التعبد بلفظه، كالقرآن (3) .
القول الثاني: لا بأس أن يدعو بجميع حوائجه في الصلاة من أمر دينه ودنياه ، ولو لم يرد ، ولا تبطل الصلاة به .
وهذا مذهب المالكية (4) ، والشافعية (5) ، ورواية عند الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله × : (ثم ليتخير من الدعاء) (7) ، وقوله × : (ثم يدعو لنفسه بما بدا له) (8) ، وقوله × : (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) (9) .
__________
(1) ... ينظر : المغني (2/236) ، والمبسوط (1/198) ، وبدائع الصنائع (2/133) . ...
(2) ... الحاوي (2/181) . ...
(3) ... ينظر : مجموع الفتاوى (22/475 – 477) . ...
(4) ... ينظر : المدونة الكبرى (1/102) ، والمعونة (1/153) ، المنتقى (1/440) ، والمفهم شرح صحيح مسلم (2/785) . ...
(5) ... ينظر : الأم (1/131) ، والحاوي (2/181) ، والأذكار ص 73 . ...
(6) ... ينظر : الفروع (1/389) ، وشرح الزركشي (1/590) ، والانصاف (2/78) . ...
(7) ... سبق تخريجه ، ص (290) . ...
(8) ... أخرجه النسائي ، كتاب السهو ، باب تخيير الدعاء بعد الصلاة على النبي × ، برقم (1299) ،
ص 2172 ، قال النووي في المجموع (3/417) : (قال النسائي : إسناده صحيح) .
(9) ... سبق تخريجه، ص (290) . ...(1/146)
وجه الدلالة :هذه الأحاديث عامة ، فلم يفرق بين دعاء ودعاء (1) .
2 – قوله × : (سلوا الله كل شيء حتى الشسع ، فإن الله إن لم ييسره ، لم يتيسر) (2) .
وجه الدلالة: أن شسع النعل من أمور الدنيا (3) .
3 – قوله × : (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء) (4) .
وجه الدلالة: أطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده فيتناول كل ما يسمى دعاء (5) ، ودل على أنه أباح لهم كل الدعاء ، إلا ما دل الدليل على تحريمه (6) .
4 – ولفعله × فقد كان يقول في قنوته : (اللهم انج الوليد بن الوليد (7) ، وعياش بن أبي ربيعة (8) ،
__________
(1) ... ينظر : المعونة (1/153) ، والذخيرة (2/233) ، والمغني (2/237) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (34) . ...
(3) ... الشرح الممتع (3/285) . ...
(4) ... سبق تخريجه ، ص (264). ...
(5) ... المجموع (3/417) . ...
(6) ... ينظر : المغني (2/237) . ...
(7) ... هو : الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أخو خالد بن الوليد، كان حضر بدراً مع المشركين فأسر فافتداه أخواه هشام ، وخالد ، فلما افتدى أسلم ولما أسلم حبسه أخواله فكان النبي × يدعو له في القنوت ، ثم أفلت من أسرهم ولحق بالنبي × في عمرة القضية ، قيل : إنه مات ببئر أبي عتبة قبل أن يدخل المدينة ، وقيل غير ذلك .
ينظر في ترجمته : الإصابة (6/323) ، وأسد الغابة (5/454) ، والطبقات الكبرى (4/98) .
(8) ... هو : عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عياش المخزومي ، المدعو له في القنوت ، روى عنه ابنه عبد الله، وكان أخا أبي جهل لأمه ، كان أحد المستضعفين بمكة ، وكان من السابقين الأولين ، هاجر الهجرتين. قتل في وقعة أجنادين في الشام في خلافة عمر سنة 15هـ .
ينظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء (1/316) ، وتهذيب التهذيب (8/170) ، والإصابة في تمييز الصحابة (5/47) . ...(1/147)
والمستضعفين من المؤمنين) (1) .
(واللهم العن رعلاً وذكوان ، وعصية عصت الله ورسوله) (2) ، و(غفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله) (3) .
وجه الدلالة: هذه الأحاديث حجة في جواز الدعاء بما ليس في القرآن ، من حوائج الآخرة (4) .
5 – ولأنه × دعا في مواضع بأدعية مختلفة فدل على أنه لا حجر فيه (5) .
6 – ولأن أصحاب النبي × كانوا يدعون في صلاتهم بما لم يتعلموه ، فلم ينكر عليهم النبي × ، ولهذا لما قال النبي × للرجل : (ما تقول في صلاتك ؟) قال : أتشهد ، ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار) (6) . فصوبه النبي × في دعائه ذلك من غير أن يكون علمه إياه (7) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء على المشركين ، برقم (6393) ، ص 537 ، ومسلم، كتاب المساجد ، باب (استحباب القنوت في جميع الصلوات ...) برقم (675) ، ص 783.
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء على المشركين ، برقم (6394) ، ص 537 ، ومسلم، كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت في جميع الصلوات ، برقم (679) ، ص 784 .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (124). ...
(4) ... ينظر : الفتوحات الربانية (6/206) ، والمفهم شرح صحيح مسلم (2/1162) ، والمنتقى (2/75).
(5) ... المجموع (3/417) . ...
(6) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب تخفيف الصلاة ، برقم (792) ، ص 1282 ، وابن ماجه في كتاب لدعاء ، باب جوامع الدعاء ، برقم (3847) ، ص 2706 ، وأحمد في المسند ،ينظر (الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب التعوذ بعد التشهد برقم (741) ، (4/31)) ، وقال البنا : (قال النووي رواه أبو داود بإسناد صحيح) ينظر: المجموع، (3/416) ، وصححه الألباني في صفة صلاة النبي × ، ص 186 . ...
(7) ... المغني (2/237) . ...(1/148)
7 – وقد روي عن ابن عمر أنه قال «إني لأدعو في صلاتي حتى بشعير حماري وملح بيتي» (1) .
8 – وعن عروة بن الزبير – رضي الله عنه – قال : «إني لأدعو الله في حوائجي كلها في الصلاة ، حتى في الملح» (2) .
9 – وعن الحسن – رحمه الله – قال : «ادع في صلاتك بما بدا لك» (3) .
وقد روي عن جماعة من السلف مثل ذلك (4) .
10– ولأن كل دعاء ساغ في غير الصلاة ساغ في الصلاة ، كقوله : اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات (5) .
11– وقول آمين يدل على أن لا بأس أن يسأل العبد ربه في الصلاة كلها في الدين والدنيا (6) .
12– ولأن الدعاء عبادة ، وليس للإنسان ملجأ إلا الله ، ولا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال إلا وهو يصلي ، فكيف نقول لا تسأل الله وأنت تصلي شيئاً تحتاجه من أمور دنياك ؟ هذا بعيد جداً (7) .
أجابوا على أدلة القائلين بالمنع من الدعاء بغير لفظ القرآن داخل الصلاة بما يلي :
1 – أما حديث : (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها ...) .
فالجواب عنه: أنه جعل الصلاة ما ذكره ، والدعاء ليس من الصلاة .
__________
(1) ... أخرجه بنحوه البخاري في الأدب المفرد ، ص 137 ، برقم (643) ، وضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد ، ص 62 ، وقال : (ضعيف الإسناد فيه عنعنة إسحاق) . ...
(2) ... المدونة (1/102) ، وينظر : الذخيرة (2/233) . ...
(3) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/297) . ...
(4) ... نزل الأبرار ص 95 ، منهم عبد الله بن مسعود ، والشعبي وعون ، وأبو موسى وغيرهم ، ينظر : المصنف ، لابن أبي شيبة (1/297) . ...
(5) ... الحاوي (2/181) ، وينظر : المعونة (1/153) . ...
(6) ... الأم (1/131) . ...
(7) ... ينظر : الشرح الممتع (3/285) . ...(1/149)
وأما قياسهم على كلام الآدمي ، فليس الدعاء من كلام الآدميين إنما هو ابتهال ورغبة ، فكان بالذكر أشبه (1) . وتخصيصهم جواز الدعاء بلفظ القرآن يجاب عنه : بأن الأحاديث المثبتة لأدعية وأذكار مخصوص في الصلاة مخصصة لعموم هذا المفهوم ، وبناء العام على الخاص متعين لاسيما بعد ما تقرر أن تحريم الكلام كان بمكة ، وأكثر الأدعية والأذكار في الصلاة كانت بالمدينة ، وقد خصصوا هذا المفهوم بالتشهد فما وجه امتناعهم من التخصيص بغيره ؟ وهذا واضح لا يلتبس على من له أدنى نظر في العلم (2) .
2 – وأما حديث سعد بن أبي وقاص عندما أنكر على ابنه الدعاء الذي دعا به في الصلاة .
يمكن أن يجاب عنه : أنه إنما أنكر عليه التوسع في الدعاء لا أصل الدعاء ؛ لأن تكثير الألفاظ من غير حاجة من الاعتداء المنهي عنه .
3 – وأما ما ورد عن السلف من كراهة الدعاء بغير القرآن ....
فيمكن أن يجاب عنه : أنه معارض بالأحاديث الصحيحة الدالة على جواز الدعاء بغير لفظ القرآن ، ومعارض بم ورد عن السلف من جواز ذلك.
4 – وأما القياس على تشميت العاطس ورد السلام ... الخ .
فالجواب عنه : أن ذلك قياس مع الفارق ؛ لأن ما ذكروه من كلام الناس لأنهما خطاب لآدمي بخلاف الدعاء (3) ، ولأن تلك الأمور يعد الإنسان بها في العرف غير مصل لمباينتها لنظام الصلاة (4) .
وقد ناقش القائلون بالمنع أدلة المجيزين للدعاء بغير لفظ القرآن بما يلي :
1 – أما قوله × : (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه) .
__________
(1) ... الحاوي (2/181) ، وينظر : المجموع (3/417) . ...
(2) ... نيل الأوطار (2/359) . ...
(3) ... ينظر : المجموع (3/417) . ...
(4) ... الذخيرة (2/233) . ...(1/150)
فالجواب عنه : أن هذا الحديث عام ، وقوله × (إن صلاتنا هذه لا يصلح..) خاص ، فيكون معارضاً لعموم ، (أعجبه إليه) (1) ، أو أنه محمول على أنه يتخير من الدعاء المأثور وما أشبهه (2) ، لأن اللام في الدعاء للدعاء الذي يحبه الله ، وليس لجنس الدعاء ، فإن من الدعاء ما يحرم (3) .
ثم إن فيما ذهبوا إليه إهمالاً لحديث : (إن صلاتنا هذه ...) ونحن عملنا بالحديثين لا نختار من الأدعية المأثورة أو من الأدعية إلا ما شابه لفظ القرآن (4) .
2 – وأما حديث : (سلوا الله كل شيء حتى الشسع ..).
فيمكن الجواب عنه : أن هذا الحديث خارج عن محل النزاع ؛ لأن الحديث عام في الدعاء داخل الصلاة وخارجها ولا دلالة فيه على جواز الدعاء بمثل هذا داخل الصلاة .
3 – وأما ما روي أنه × كان يدعو على رعل وذكوان وعلى قبائل العرب .
فيجاب عنه من ثلاثة أوجه (5) :
1 – أنه محمول على الابتداء حين كان الكلام مباحاً فيها .
2 – أو أن ما ذكرنا محرم وما ذكرتموه مبيح ، والمحرم مقدم على المبيح .
3 – أو أن ما روينا قول ، وما رووه فعل ، والقول مقدم على الفعل .
4 – وأما ما ورد عن السلف من جواز الدعاء بغير لفظ القرآن كابن عمر والحسن وابن الزبير – رضي الله عنهم - .
فالجواب عنه : أنه يحمل على أنه ما بلغهم هذا الحديث : (إن صلاتنا لا يصلح فيها ...) أو تأولوه (6) .
5 – وأما قولكم : «أن كل دعاء ساغ في غير الصلاة ... مثل : سؤال المغفرة أو داراً أو جارية .. ونحو ذلك :
فالجواب عنه : أنه من قال : إن مثل هذا مشروع خارج الصلاة ، وإن مثل هذا الألفاظ ليست من العدوان (7) ؟
__________
(1) ... ينظر : فتح القدير (1/318) . ...
(2) ... ينظر : المغني (2/237) . ...
(3) ... الفتاوى (22/475) . ...
(4) ... عمدة القاري (6/120) . ...
(5) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/124) . ...
(6) ... ينظر : المرجع السابق ، والصفحة السابقة . ...
(7) ... مجموع الفتاوى (22/475) . ...(1/151)
6 – وأما قولكم : «إن ما ذكرنا من القياس على رد السلام أو تشميت العاطس، قياس مع الفارق ؛ لأنه خطاب آدمي ...» :
فالجواب عنه : أنه لا يشترط في كلام الناس المخاطبة ألا ترى أن من قال : قرأت الفاتحة أو نحو ذلك من كلام الناس تبطل صلاته ، وإن لم يكن ذلك خطاباً لآدمي بأن لم يكن بحضرته أحد يخاطبه (1) .
القول الثالث: أن الدعاء بأمور الدين مستحب ، وبأمور الدنيا مباح. وهذا قول عند الشافعية (2) .
واستدلوا بما يلي : أن الدعاء بأمور الآخرة هو المقصود الأعظم ، وإنما يباح الدنيوي إن أبيح ، وإلا حرم وأبطل الصلاة (3) .
القول الرابع: لا يجوز الدعاء بغير ما ورد ، حتى ولو كان الدعاء من أمر الآخرة ، وتبطل به الصلاة . وهذا وجه في مذهب الحنابلة (4) .
ويمكن أن يستدل لهم :
بحديث : معاوية بن الحكم : (إن صلاتنا هذه لا يصلح ...) (5) .
وجه الدلالة: خرج منه ما ورد وما في معناه،ويبقى ما عداه على مقتضى العموم (6) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الثاني وهو أنه لا بأس أن يدعو المصلي بجميع حوائجه في الصلاة ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، لكن الأفضل للمصلي أن يختار الأدعية الواردة في الكتاب والسنة ، أو الواردة عن السلف ، وما في معناها حتى لا يقع في الاعتداء المنهي عنه (7) .
قال الإمام مالك – رحمه الله – (8) : «يستحب التأدب ، فلا يقل : اللهم ارزقني وهو كثير الدراهم ، وليدع بدعاء الصالحين ، وبما في القرآن» .
__________
(1) ... تبيين الحقائق (1/124) . ...
(2) ... ينظر الحاوي (1/182) . ...
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/19) . ...
(4) ... ينظر : المغني (2/237) ، الفروع (1/389) ، الانصاف (2/78) . ...
(5) ... سبق تخريجه ، ص (317). ...
(6) ... ينظر : شرح الزركشي (1/590) . ...
(7) ... وهذا اختيار ابن تيمية – رحمه الله – في الفتاوى ،(22/477) ، وابن عثيمين في الشرح الممتع
(3/285) . ...
(8) ... الذخيرة (2/233) . ...(1/152)
الفرع الثاني : حكم دعاء المصلي بدعاء غير مشروع في الصلاة :
إذا دعا المصلي بدعاء غير مشروع هل تبطل صلاته ؟
إذا دعا بدعاء لم يعلم أنه مستحب ، أو علم أنه جائز غير مستحب ؛ لم تبطل صلاته بذلك ، وكذا لو دعا بدعاء مباح أو مكروه لا يبطلها ، كالالتفات في الصلاة ، وكما لو تشهد في القيام ، أو قرأ في القعود ؛ لأن الصلاة إنما تبطل بكلام الآدميين ، والدعاء ليس من جنس كلام الآدميين ، بل هو كما لو أثنى على الله بثناء لم يشرع له؛ وقد وجد مثل هذا من بعض الصحابة على عهد النبي × ، ولم ينكر عليه كونه أثنى ثناء لم يشرع له في ذلك المكان ، بل نفى ماله فيه من الأجر (1) . أما لو دعاء بدعاء محرم فإن كان يعلم أنه محرم يبطل صلاته (2) ، لأنه من الكلام (3) ، وإذا كان يجهل أنه محرم ، لا تبطل صلاته (4) .
لحديث الأعرابي الذي قال وهو في الصلاة : «اللهم ارحمني وارحم محمداً ، ولا ترحم معنا أحداً» ، فلما سلم النبي × قال للأعرابي : (لقد تحجرت واسعاً ، يريد رحمة الله) (5) .
فدل الحديث على أنه لا تبطل صلاة من دعا بما لا يجوز جاهلاً لعدم أمر هذا الداعي بالإعادة (6) .
المطلب السادس عشر : الدعاء لمعين في الصلاة ، وفيه فرعان :
الفرع الأول : حكم الدعاء لمعين بغير كاف الخطاب :
اختلف العلماء – رحمهم الله – في حكم الدعاء لمعين بأن يقول : اللهم اغفر لفلان، اللهم خلص فلاناً من السجن ، ونحو ذلك .
اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال :
__________
(1) ... ينظر : مجموع الفتاوى (22/475 – 476) ، وينظر : جواهر الإكليل (1/75) . ...
(2) ... ينظر : مجموع الفتاوى (22/476) ، ومغني المحتاج (1/176) ، وحاشية الجمل (2/99) .
(3) ... مجموع الفتاوى (22/476) . ...
(4) ... ينظر : نيل الأوطار (2/359) ، وعون المعبود (3/96) . ...
(5) ... سبق تخريجه ، ص (77) . ...
(6) ... ينظر : نيل الأوطار (2/359) . ...(1/153)
القول الأول : يجوز الدعاء لإنسان بعينه في الصلاة ولا تبطل صلاته بذلك ، سواء ذلك في النفل والفرض . وهذا قول الحنفية (1) ، ومذهب المالكية (2) ، والشافعية (3) ، والصحيح من مذهب الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : أن النبي × كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول : (اللهم انج عياش بن أبي ربيعة ، اللهم انج سلمة بن هشام (5) ،
__________
(1) ... ينظر : البحر الرائق (1/351) ، وحاشية ابن عابدين (1/561) ، إلا أنهم خصوه بالدعاء له بالمغفرة كقوله : (اللهم اغفر لزيد ، ولعمرو) ؛لأن المغفرة تختص بالله فهي من الكلام الذي يستحيل سؤاله من الناس فلا يفسد الصلاة الدعاء به ، جاء في البحر (1/351): (لو قال : اللهم اغفر لزيد ولعمرو ، فالظاهر عدم الفساد به ، ولو قال : خلص فلانا من السجن ، وأهلك فلانا تفسد صلاته) ، وينظر : تبيين الحقائق (1/124) ، (فلا تفسد مطلقاً بسؤال المغفرة سواء كان في القرآن أولا كاغفر لعمي) شرح الدر المختار (مع حاشية ابن عابدين) (1/564) . ...
(2) ... ينظر : المدونة (1/102) ، والكافي ص 44 ، وحاشية الدسوقي (1/253) ، ومواهب الجليل
(1/545) . ...
(3) ... ينظر المجموع (3/417)، ومختصر اختلاف العلماء (1/227)، وشرح السنة (3/120).
(4) ... ينظر: الفروع (1/389) ، والإنصاف(2/79) ، والإقناع(1/124) ، ومطالب أولى النهى (1/464) .
(5) ... هو : سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر القرشي المخزومي أخو أبي جهل ، من السابقين ، هاجر إلى الحبشة ، ثم رجع إلى مكة ، فحبسه أخوه ، وكان النبي × ، يدعو له ولعياش بن أبي ربيعه في القنوت ، ثم هرب مهاجراً بعد الخندق ، كان من خيار الصحابة وفضلائهم ، استشهد في وقعة أجنادين ، سنة 15هـ .
ينظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء (1/316)، والإصابة (3/120)، وأسد الغابة (2/435).(1/154)
اللهم انج الوليد بن الوليد ، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف ، وأن النبي × قال : غفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله) (1) .
وجه الدلالة : فيه دليل على أن الدعاء لقوم بأسمائهم وأسماء آباءهم لا يقطع الصلاة ، وأن الدعاء على الكفار والظلمة لا يفسدها (2) ، فهو حجة للجمهور على جواز الدعاء لمعين وعلى معين في الصلاة (3) .
2 – كان النبي × يدعو على رعل وذكوان وعلى قبائل العرب، ويقول : (اللهم العن رعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله) (4) .
3 – قال ابن عمر – رضي الله عنه - : (دعا النبي × في الصلاة، وقال : اللهم العن فلاناً وفلاناً ، حتى أنزل الله : +ليس لك من الأمر شيء" (5) (6) .
4 – أن النبي × قال : (اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر ، وما أسرت وما أعلنت ، ثم قال : إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة) (7) .
5 – وقد روي ذلك عن علي – رضي الله عنه – فقد كان يقنت في صلاته على قوم يسميهم بأسمائهم (8) ، وكان أبو الدرداء يدعو لسبعين رجلاً في صلاته، وقال: «إني لأدعو وأنا ساجد لسبعين أخاً من إخواني أسميهم» (9) .
__________
(1) ... سبق تخريجه، ص 124 . ...
(2) ... معالم السنن (1/250) . ...
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (6/206) ، والمفهم (2/1162) . ...
(4) ... سبق تخريجه ، ص (320). ...
(5) ... أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء على المشركين ، باب رقمه (58) ، ص 537 .
(6) ... سورة آل عمران ، آية (128) . ...
(7) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء، باب ما كان النبي × يدعو به سائر نهاره، برقم (1458)،ص 429، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد ، قال ابن حجر في التقريب (1/480) : (ضعيف في حفظه). ...
(8) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (2/17) . ...
(9) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/441) . ...(1/155)
وكان عبد الله بن الزبير يدعو للزبير في صلاته (1) ، وكان أحمد يدعو للشافعي في كل صلاة ، وقال لابن الشافعي (2) : «أنا أدعو لقوم منذ سنين في صلاتي؛ أبوك أحدهم» (3) .
6 – ولأنه دعاء لبعض المؤمنين ، فأشبه ما لو قال : «رب اغفر لي ولوالدي» (4) .
القول الثاني : لا يجوز الدعاء لمعين في الصلاة فرضاً ونفلاً ، وتبطل به الصلاة.
وهذا مذهب الحنفية (5) ، ورواية عند الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – لشبهه بكلام الآدميين ؛ ولأنه دعاء لمعين ، فلم يجز كتشميت العاطس ، وقد دل على المنع من تشميت العاطس (7) حديث معاوية بن الحكم : «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» (8) .
وأجابوا على أدلة القائلين بالجواز .
1- أما دعاؤه × على قبائل العرب ، ودعاؤه × للمستضعفين من المؤمنين ..
فالجواب عنه من أوجه :
1 – أنه منسوخ (9) .
2 – أنه محمول على الابتداء حين كان الكلام مباحاً فيها .
3 – أن ما روينا قول وما رويتم فعل والقول مقدم على الفعل (10) .
__________
(1) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/441) . ...
(2) ... هو محمد بن محمد بن إدريس الشافعي ، يكنى أبا عثمان .سمع من : سفيان بن عينيه ، ومن أبيه . وحدث عن : عبد الرزاق . ولي قضاء الجزيرة وأعمالها ، وتوفي بها سنة 240هـ .
ينظر في ترجمته : تاريخ بغداد (3/198) ، وطبقات الشافعية الكبرى (2/71 – 74) . ...
(3) ... ينظر: المغني (2/238) ، والانصاف (2/78) ، وتاريخ بغداد (3/198) ، ونزل الأبرار ص 95.
(4) ... ينظر : المغني (2/238) ، ومطالب أولى النهى (1/463) . ...
(5) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/124) ، والبحر الرائق (1/349) ، وفتاوى قاضيخان (1/86) ، وفتح القدير (1/318) . ...
(6) ... ينظر : المغني (2/238) ، والانصاف (2/79) . ...
(7) ... المغني (2/238) . ...
(8) ... سبق تخريجه ، ص (317). ...
(9) ... ينظر : عمدة القاري (6/80) . ...
(10) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/124) . ...(1/156)
2- وأما فعل علي – رضي الله عنه – أنه كان يدعو على من ناوأه ...
فالجواب عنه : بأنه لا حجة فيه ، فإنهم لم يسوغوا له ذلك الاجتهاد حتى كتب إليه أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – أما بعد : فإذا أتاك كتابي فأعد صلاتك (1) .
أجاب القائلون بالجواز على أدلة المانعين :
1- أما قولكم : «أن الدعاء لمعين ، فيه شبه بكلام الآدميين ..» :
فالجواب عنه : أن الدعاء ليس من كلام الآدميين ، إنما هو ابتهال ورغبة فكان بالذكر أشبهه (2) .
وقياسه على تشميت العاطس ؛ قياس مع الفارق ؛ لأن التشميت خطاب لآدمي بخلاف الدعاء (3) .
وقوله × : (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ...) (4) .
فمعناه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم ، وإنما هي التسبيح و ما في معناه من الذكر والدعاء وأشباههما مما ورد به الشرع (5) .
2- وأما قولكم : «أن دعاء النبي × للمستضعفين ، ودعاءه للكافرين ..محمول على الابتداء قبل تحريم الكلام» .
فليس كذلك ؛ لأن حديث الدعاء للمستضعفين كان بعد خيبر ؛ إذ قد شهده أبو هريرة ، وإنما أسلم أبو هريرة عام خيبر ، وتحريم الكلام كان قبل رجوع ابن مسعود من الحبشة ، وابن مسعود شهد بدراً (6) .
القول الثالث: يجوز الدعاء لمعين في النفل دون الفرض، وهذا رواية عند الحنابلة (7) .
استدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (198) ، وبدائع الصنائع (2/134) . ...
(2) ... ينظر : الحاوي (2/181) . ...
(3) ... ينظر : المجموع (3/417) ، الذخيرة (2/233) . ...
(4) ... سبق تخريجه ، ص (317). ...
(5) ... شرح صحيح مسلم (5/21) . ...
(6) ... ينظر : مجموع الفتاوى (20/366) . ...
(7) ... ينظر : الانصاف (2/79) ، وقال : (واختاره أبو الحسين ، وهو أولى) . ...(1/157)
أما كونه يكره ذلك في الفرض ؛ فلأن ذلك دعاء ليس بمشروع أشبه الأفعال التي لم تشرع ، وفارق ذلك النافلة من حيث أنها سومح فيها بأشياء بخلاف الفريضة (1) .
يمكن أن يجاب عنه : بفعل النبي × في الأحاديث السابقة ، كحديث أبي هريرة يدعو لرجال يسميهم بأسمائهم في صلاة الفريضة : «اللهم انج الوليد بن الوليد ...» قال الراوي : هذا كله في الصبح (2) .
ثم إن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض ؛ لأنهما عبادتان من جنس واحد ، والأصل اتفاقهما في الأحكام (3) .
الترجيح :
مما سبق يتبين أن القول بجواز الدعاء لمعين في الصلاة فرضاً ونفلاً هو القول الراجح – والله أعلم – وذلك لقوة أدلة القائلين بالجواز وصراحتها ، ولضعف أدلة المانعين لورود المناقشة عليها .
الفرع الثاني : حكم الدعاء لمعين بصيغة الخطاب :
إذا قال المصلي :يا فلان فعل الله بك ، أو غفر الله لك يا فلان ، هل تبطل صلاته ؟
نص الفقهاء (4) على جواز الدعاء بصيغة الخطاب في مخاطبة الله ، كقوله : «إياك نعبد» أو مخاطبة رسول الله × كالسلام عليك يا رسول الله .
أما في غير ذلك ، فهل يجوز للمصلي أن يدعو بصيغة الخطاب ؟
اختلفوا في ذلك على قولين :
القول الأول : لا يجوز للمصلي أن يدعو بصيغة الخطاب في الفرض والنفل ، ولو فعل ذلك بطلت صلاته. وهذا قول لبعض المالكية (5) ، ومذهب الشافعية (6) ، والحنابلة (7) .
__________
(1) ... ينظر : الممتع شرح المقنع (1/468) . ...
(2) ... سبق تخريجه ، ص (320). ...
(3) ... الشرح الممتع (3/104) . ...
(4) ... ينظر : مطالب أولى النهى (1/465) ، وحاشية الشرقاوي (1/545) . ...
(5) ... ينظر : الذخيرة (2/234) ، ومواهب الجليل (1/545) . ...
(6) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (5/30) ، وحاشية الشرقاوي (1/220) . ...
(7) ... ينظر : الفروع (1/389) ، والانصاف (2/79) ، والاقناع (1/124) .
وهذه المسألة اختلف فيها القائلون بجواز الدعاء لمعين في الصلاة فقط، وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة .(1/158)
واستدلوا بما يلي :
1 – حديث معاوية بن الحكم – رضي الله عنه – وفيه : «إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ... ثم قال النبي × : (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين) (1) .
فقد عد النبي × تشميت العاطس كلاماً مفسداً للصلاة لما خاطب الآدمي به، وقصد قضاء حقه ،وإن كان دعاء صيغة ،وهذا صيغته من كلام الناس (2) .
2 – وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : (كنا نسلم على رسول الله × وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ، فقلنا : يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ، فقال : إن في الصلاة شغلاً) (3) .
وجه الدلالة : فيه دلالة على تحريم مخاطبة الآدمي ، في أثناء الصلاة ؛ لأن المصلي وظيفته أن يشتغل بصلاته فيتدبر ما يقوله ولا يعرج على غيرها فلا يرد سلاماً ولا غيره (4) .
القول الثاني : يجوز الدعاء بصيغة الخطاب في الصلاة فرضاً ونفلاً ، ولا تبطل الصلاة به ما لم يقصد خطابه ، وإلا بطلت . وهذا مذهب المالكية (5) .
واستدلوا :
1 – عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : قام رسول الله × فسمعناه يقول : (أعوذ بالله منك ، ثم قال : ألعنك بلعنة الله ثلاثاً وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة ...) (6) .
وجه الدلالة :
قوله × ألعنك بلعنة ، وأعوذ بالله منك ، دليل لجواز الدعاء لغيره وعلى غيره بصيغة المخاطبة (7) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (317). ...
(2) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/133) . ...
(3) ... أخرجه مسلم في كتاب المساجد ، باب تحريم الكلام ، برقم (538) ، ص 761 . ...
(4) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (5/27) . ...
(5) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/253) ، ومواهب الجليل (1/540) ، وجواهر الإكليل (1/75) .
(6) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب جواز لعن الشيطان ، برقم (542) ص 762 . ...
(7) ... شرح صحيح مسلم (5/30) . ...(1/159)
2 – لأن الدعاء بصيغة الخطاب لا يعني أني أخاطب أحداً أمامي ، بل قد يكون الشخص ميتاً ، لكني أشعر بأني مستحضر له غاية الاستحضار حتى كأنه أمامي (1) .
نوقشت أدلتهم :
أما قوله × : (ألعنك بلعنة الله ...).
فالجواب عنه من ثلاثة أوجه (2) : .
1 – أنه محمول على أنه كان قبل تحريم الكلام .
2 – أو أنه مؤول .
3 – أو أنه من خصائصه × .
الترجيح :
لعل القول الثاني – هو الأقرب للصواب - ، لوجاهة ما استدلوا به وإن كان الأحوط أن المصلي يدعو بصيغة الغائب درءاً للشبهة (3) .
المطلب السابع عشر : الدعاء بغير لفظ العربية :
هل يجوز للمصلي أن يدعو بغير العربية بما سواها من اللغات كالفارسية والتركية ونحو ذلك؟
تحرير محل النزاع :
أما ترجمة الدعاء غير المأثور ؛ بأن يخترع دعوة غير مأثورة ويأتي بها بالأعجمية ، فلا خلاف في عدم جوازه ، وتبطل بها الصلاة .وأما ترجمة الدعاء المأثور ، فهذه محل الخلاف (4) .
اختلفوا في حكم ترجمة الدعاء المأثور على أربعة أقوال :
القول الأول : يحرم الدعاء في الصلاة بغير العربية ، وتبطل صلاته .
وهذا قول الحنفية (5) ، وقول عند المالكية (6) ، ووجه عند الشافعية (7) ، وقول عند الحنابلة (8) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : الشرح الممتع (3/287) . ...
(2) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (5/30) ، والفروع (1/389) ، وكشاف القناع (2/427) ، ومطالب أولى النهى (1/465) . ...
(3) ... ينظر : الشرح الممتع (3/287) . ...
(4) ... ينظر : المجموع (3/239) ، ومغني المحتاج (1/177) ، والفتاوى (22/477) . ...
(5) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/561) ، وفتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/69) . ...
(6) ... ينظر : الذخيرة (1/168) ، ومواهب الجليل (1/548) . ...
(7) ... ينظر : الوسيط في المذهب، للغزالي (2/760 ، والمجموع (3/239) ، ومغني المحتاج (1/177).
(8) ... ينظر : حاشية الروض المربع (2/32) . ...(1/160)
1 – قوله تعالى لنوح – عليه السلام - : ? ?????? ????????????? ??? ??????? ???? ?????? ??????? ???????? ?????????? ???? ???????? ???? ??????????????? ? (1) وقوله حكاية عن نوح –عليه السلام- : ? ???????? ???????? ???? ????? ?????????????? ??? ??????? ??? ?????? ??????? ? (2) .
معناه : أن أسألك ما ليس لي بجواز سؤاله علم (3) ، فدل ذلك على أن العلم بالجواز شرط في جواز السؤال ، فما لا يعلم جوازه لا يجوز سؤاله ، وأكد الله تعالى ذلك بقوله ? ???????? ?????????? ???? ???????? ???? ??????????????? ? ، واللفظ العجمي غير معلوم الجواز ، فيكون السؤال به غير جائز (4) .
2 – لما ورد عن عمر – رضي الله عنه – أنه نهى عن رطانة الأعاجم وقال : إنها خب (5) .
3 – ولاحتمال اشتمالها على ما ينافي جلال الربوبية (6) .
4 – ولأن الله لا يحب غير العربية ، ولهذا كان الدعاء بالعربية أقرب إلى الإجابة، فلا يقع غيرها من الألسن في الرضا والمحبة لها موقع كلام العرب (7) .
5 – ولأن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي يتميزون بها (8) .
6 – ولعدم الضرورة إليه (9) .
7 – ولأنها تنافي جلال الله (10) .
القول الثاني: يكره الدعاء بغير العربية للقادر عليها ، ويجوز للعاجز عنها .
__________
(1) ... سورة هود ، آية (46) . ...
(2) ... سورة هود ، آية (47) . ...
(3) ... ينظر : تفسير الطبري (7/54) . ...
(4) ... الفروق (4/291) . ...
(5) ... ينظر : المدونة (1/63) ، والذخيرة (2/168) ، وحاشية ابن عابدين (1/561) ، والخب: الخديعة. ينظر: لسان العرب (1/341) مادة خبب.
(6) ... ينظر : الفروق (4/290) ، وحاشية ابن عابدين (1/561) . ...
(7) ... الفروق (4/290) . ...
(8) ... اقتضاء الصراط المستقيم ص 203 ، وينظر : حاشية الروض المربع (2/32) . ...
(9) ... المجموع (3/239) ، ومغني المحتاج (1/177) . ...
(10) ... حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ، ص 272 . ...(1/161)
وهذا مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، وقول الإمام أحمد (3) .
واستدلوا :
بمثل أدلة القول الأول وحملوها على الكراهة .
وأجابوا على نهي عمر – رضي الله عنه – من وجهين :
1 – أن ذلك مكروه في المسجد خاصة ، لما ورد أنه نهى عنها في المسجد (4) .
2 – بأنه كان بحضرة من لا يفهمها،فنهى عنه لما فيه من تناجي اثنين دون ثالث (5) .
القول الثالث: يجوز الدعاء بغير العربية للعاجز عنها ، ولا يجوز للقادر فإن فعل بطلت صلاته. وهذا قول أبي يوسف ومحمد من الحنفية (6) ، وقول بعض المالكية (7) ، والصحيح من مذهب الشافعية (8) ، وقول الحنابلة (9) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله تعالى: ? ?????????????? ?????? ??? ???????????????? ? (10) .
2 – وقوله: ? ??? ?????????? ?????? ????????? ??????? ?????????? ? (11) .
3 – وقوله × : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (12) .
__________
(1) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/561) ، والفتاوى الهندية (1/69) . ...
(2) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/253) ، وحاشية الخرشي (1/292) ، وجواهر الإكليل (1/77) .
(3) ... ينظر: الفتاوى (22/477) . ...
(4) ... ينظر: جواهر الإكليل (1/77)، وحاشية العدوي على الخرشي بهامش الخرشي على مختصر خليل
(1/292) . ...
(5) ... حاشية العدوي على الخرشي ، بهامش الخرشي (1/292) . ...
(6) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/69) ، فتاوى قاضيخان (1/86) . ...
(7) منهم القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (1/89).
(8) ... ينظر : التهذيب في فقه الشافعي (2/126) ، والمجموع (3/239) . ...
(9) ... ينظر : القواعد في الفقه ، لابن رجب ص 13 ، القاعدة العاشرة . ...
(10) ... سورة التغابن ، آية (16) . ...
(11) ... سورة البقرة ، آية (286) . ...
(12) ... أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله × ، برقم (7288)، ص 607، ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم (1337)، ص 90 .(1/162)
وعليه ... يترجم عن الدعاء المأثور الواجب ، وجوباً ، وندباً في المندوب المأثور بأي لغة شاء لعذره ، ويجب في الواجب تعلم عربيته إن قدر عليه ، ولو بالسفر (1) .
القول الرابع : يجوز الدعاء بغير العربية في الصلاة ، سواء كان يحسن العربية أو لا يحسنها . وهذا قول أبي حنيفة (2) ، وقول عند المالكية (3) ، ووجه عند الشافعية (4) .
واستدلوا بما يلي :
1- قوله تعالى: ? ????????? ??????? ??????????????? ???????? ? (5) .
2- وقوله تعالى: ? ?????? ???????????????? ??? ???????? ??????? ?????????? ????????? ? (6) . أي بلغة قومه ما كانت (7) .
3- ولأنه لفظ أعجمي معلوم المعنى ، فلا يخشى اشتماله على ما ينافي التعظيم (8) .
4- ولقيام غير العربية مقامها في أداء المعنى إذ لا إعجاز فيه (9) .
يمكن أن يجاب عن أدلتهم :
بما استدل به أصحاب القول الأول القائلون بالتحريم .
الترجيح :
الذي يترجح – والله أعلم – هو القول بجواز الدعاء بغير العربية للعاجز عنها ، ولا يجوز للقادر لكونه وسطاً بين الأقوال ، وبه تجتمع الأدلة ، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء (10) .
__________
(1) ... ينظر : مغني المحتاج (1/177) ، وروضة المحتاجين لمعرفة قواعد الدين ، رضوان العدل ص 123 .
(2) ... ينظر : فتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/86). ...
(3) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/561) ، نقله عن العلامة اللقاني المالكي . ...
(4) ... ينظر : المجموع (3/239) ، ومغني المحتاج (1/177) . ...
(5) ... سورة البقرة ، آية (31) . ...
(6) ... سورة إبراهيم ، آية (4) . ...
(7) ... ينظر : تفسير الطبري (7/416) ، وتفسير ابن كثير (2/504) . ...
(8) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (1/561) . ...
(9) ... ينظر : مغني المحتاج (1/177) . ...
(10) ... فتاوى اللجنة (6/402) . ...(1/163)
المطلب الثامن عشر : الدعاء في سجود التلاوة (1) :
إذا قرأ المصلي آية سجدة فإنه يشرع له السجود سواء كان إماماً أو منفرداً ، باتفاق الفقهاء (2) .
واختلفوا فيما يقوله المصلي إذا سجد للتلاوة على قولين :
القول الأول : يقول في سجود التلاوة ما يقوله في سجود الصلاة من التسبيح ، وإن زاد غيره مما ورد فحسن ، هذا في النفل والفرض . وبه قال جمهور العلماء من المالكية (3) ، والشافعية (4) ، والحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله × لما نزل قوله تعالى : ? ??????? ?????? ???????? ??????????? ? (6) ، قال : (اجعلوها في سجودكم) (7) .
__________
(1) ... إنما قالوا سجود التلاوة ولم يقولوا سجود القراءة ؛ لأن التلاوة أخص من القراءة ، لأن التلاوة لا تكون في كلمة واحدة ، والقراءة تكون فيها ، تقول قرأ فلان اسمه ، ولا تقول تلا اسمه ؛ لأن أصل التلاوة من قولك : تلا الشيء يتلوه إذا تبعه ، فإذا لم تكن الكلمة تتبع أختها لم يستعمل فيها التلاوة ويستعمل فيها القراءة؛ لأن القراءة اسم لجنس هذا الفعل. ينظر: الخرشي على مختصر خليل (1/349).
(2) ... ينظر : المبسوط (2/10) ، وتبيين الحقائق (1/208) ، والمدونة (1/109) ، والوسيط (2/812) ، والمغني (2/362) .
(3) ... ينظر : القوانين الفقهية ، لابن جزي ص 62 ، وأسهل المدارك (1/192) .
(4) ... ينظر : الحاوي (2/264) ، والمجموع (3/518) ، ومغني المحتاج (1/217) .
(5) ... ينظر : الانصاف ، (2/194) ، وزاد المعاد (1/362) ، وكشاف القناع (2/536) .
(6) ... سورة الأعلى ، آية (1) .
(7) ... أخرجه أحمد في المسند ، ينظر الفتح الرباني ، كتاب الصلاة ، باب الذكر في الركوع ، برقم (634) ،
(3/261) ، وأبو داود في كتاب الصلاة ، باب ما يقول الرجل في ركوعه ، برقم (869)، ص 1287 ، وابن ماجه في إقامة الصلاة ، باب التسبيح في الركوع والسجود ، برقم (887) ، ص 2529 ، والدارمي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب ما يقال في الركوع ، برقم (1305) ، (1/341)، والبيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب القول في الركوع ، برقم (2555) ، (2/122)، وجود إسناده البنا في الفتح الرباني (3/262) .(1/164)
وهذا يشمل السجود في الصلاة وسجود التلاوة (1) .
2 – حديث عائشة – رضي الله عنها – : (كان رسول الله × يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي) (2) .وهذا عام يشمل سجود الصلاة وغيره .
3 – عن علي – رضي الله عنه – أن النبي × كان إذا سجد قال : (اللهم لك سجدت ، ولك أسلمت ، أنت ربي ، سجد وجهي للذي شق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين) (3) .
4 – وعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال : (جاء رجل إلى النبي × فقال : يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت ، فسجدت الشجرة لسجودي ، فسمعتها تقول : اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً ، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود ، قال ابن عباس : فقرأ النبي × سجدة ثم سجد ، فقال ابن عباس : سمعته يقول مثل ما أخبر الرجل عن قول الشجرة) (4) .
__________
(1) ... الشرح الممتع (4/144) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (262).
(3) ... سبق تخريجه ، ص (231).
(4) ... أخرجه الترمذي ، في باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن ، برقم (579) ، ص 1702 ، وقال : (هذا حديث حسن غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من هذا الوجه) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب سجود القرآن ، برقم (1053) ، ص 2538 ، والبيهقي في سننه ، في كتاب الصلاة ، باب سجدة ص ، برقم (3751) ، (2/453) ، والحاكم في مستدركه ، (باب التأمين ، حكاية سجدة الشجرة ، برقم (830) ، (1/479) ، وقال : (هذا حديث صحيح رواته مكيون لم يذكر واحد منهم بجرح) ، وقال عنه النووي في المجموع (3/518) : (إسناده حسن) ، وكذا حسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (2/113) .(1/165)
القول الثاني: يقول في سجود التلاوة مثل ما يقول في سجود الصلاة من التسبيح ثلاثاً ، ولا ينقص عن الثلاث ، هذا في الفرض وإن لم يذكر شيئاً لم يضره ، ويزيد في النفل ما شاء مما ورد. وهذا الصحيح من مذهب الحنفية (1) .
يمكن أن يستدل لهم :
بمثل أدلة القول الأول ، وحملوها على النافلة أو على خارج الصلاة .
لأن حديث علي – رضي الله عنه – فيه أنه كان يقوله في صلاة الليل .
وحديث ابن عباس – رضي الله عنه – ليس فيه ما يدل على أنه قاله في الصلاة ، بل يدل على أنه قاله خارج الصلاة .
وأما كونه إذا لم يذكر شيئاً لم يضره ؛ فلأنها لا تكون أقوى من سجدة الصلاة ، ولو لم يذكر فيها شيئاً جاز فكذلك هذه (2) .
وأما كونه لا ينقص عن الثلاث ، فبالقياس على سجدة الصلاة المكتوبة (3) .
الترجيح :
مما سبق يتبين أن القول الأول - وهو أنه يقول في سجود التلاوة ما يقوله في سجود الصلاة من التسبيح والدعاء في النفل والفرض – هو القول الصحيح وذلك لقوة أدلتهم ، ووجاهتها ، ولضعف أدلة القائلين بالمنع من وجهين :
1 – عدم الدليل على التفريق بين النفل والفرض .
2 – أن قولهم هذا مبني على قولهم الضعيف ؛ أن الدعاء لا يشرع إلا في آخر الصلاة فقط .
المطلب التاسع عشر : دعاء ختم القرآن في الصلاة : وفيه فرعان :
الفرع الأول : دعاء ختم القرآن في صلاة الفريضة :
لم أر أحداً من العلماء قال : بجواز دعاء ختم القرآن في صلاة الفريضة ، ولم أعثر لهم على نص في المسألة (4) .
الفرع الثاني : دعاء ختم القرآن في صلاة النافلة :
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (2/10) ، وفتح القدير (2/26) ، والفتاوى الهندية (1/135) ، والبحر الرائق (2/137) .
(2) ... العناية على الهداية ، بهامش فتح القدير (2/26) .
(3) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/135) .
(4) ... سوى ما ذكره صاحب شرح شرعة الإسلام ص73 (إلا أن يكون الختم في المكتوبة فلا يكررها) ، ولم يذكر الدعاء .(1/166)
إذا ختم المصلي القرآن في شهر رمضان ، فهل يشرع له أن يدعو بعد الختم داخل الصلاة (1) ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : يكره الدعاء عند ختم القرآن أثناء التراويح أو الوتر .
وهذا مذهب الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، وعده بعض الشافعية من البدع المحدثة (4) .
قال أبو شامة الشافعي – رحمه الله – (5) :
__________
(1) ... أما مشروعية دعاء ختم القرآن مطلقاً ، سيأتي بيانها إن شاء الله .
(2) ... ينظر : الفتاوى الهندية (5/318) ، وجاء فيها:(الدعاء عند ختم القرآن في شهر رمضان مكروه...) .
(3) ... ينظر : المعيار المعرب ، للونشريسي (1/284) ، والحوادث والبدع ، للطرطوشي ص 44 .
(4) ... ينظر : الباعث على إنكار البدع والحوادث ، لأبي شامة ص 261 .
(5) ... المصدر السابق.
... وأبو شامة : هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبي بكر بن عباس ، أبو محمد وأبو القاسم المقدسي الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدث الفقيه المؤرخ المعروف بـ (أبي شامه) لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر ، ولد سنة 599هـ. سمع من : ابن قدامة ، والآمدي ، والعز بن عبد السلام، وغيرهم. وسمع منه : الإمام النووي ، وأبو عبد الله الكفري ، وأبو العباس اللبان ، وغيرهم من مصنفاته: (الروضتين في أخبار الدولتين ، والذيل على الروضتين ، والباعث على إنكار البدع والحوادث...). قال ابن كثير : (وبالجملة فلم يكن في وقته مثله في نفسه وديانته وعفته وأمانته) ، توفي سنة 665هـ .
... ينظر في ترجمته: البداية والنهاية (13/264)، وطبقات الشافعية (5/61)، وشذرات الذهب (5/318) .(1/167)
«وابتدع آخرون سرد جميع ما في القرآن من آيات الدعاء في آخر ركعة من التراويح ، بعد قراءة سورة الناس ، فيطول الركعة الثانية على الأولى ، نحواً من تطويله بقراءة الأنعام مع اختراعه لهذه البدعة» ثم قال (1) : «فليعلم أن جميع ذلك بدعة ، وليس شيء منه من الشريعة ، بل هو مما يوهم أنه من الشرع وليس منه» أ.هـ .
فإذا كان جمع آيات الدعاء بدعة ، مع كونه من جنس القراءة المشروعة في الصلاة فالدعاء من باب أولى .
واستدلوا بما يلي :
أنه لم يأت حديث واحد عن النبي × ، ولا عن أصحابه يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم ، قبل الركوع أو بعده ، لإمام أو منفرد ، مع أن هذا من العبادات الجهرية التي لو وقعت ؛ لنقل إلينا وقوعها وأشتهر امرها في كتب الرواية والأثر (2) .
القول الثاني: يستحب للمصلي أن يدعو بدعاء ختم القرآن في الصلاة للإمام والمنفرد .
وهذا مذهب الحنابلة (3) ، واختاره النووي في حق المنفرد خاصة (4) .
واستدلوا بما يلي :
أن أهل مكة والبصرة كانوا يفعلون هذا ، فعندما سئل الإمام أحمد – رحمه الله – إلى أي شيء تذهب في هذا ؟ قال : «رأيت أهل مكة يفعلونه ، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة» (5) .
واستحبوا أن يجعله في آخر ركعة من التراويح قبل الركوع ، ولما سئل الإمام أحمد – رحمه الله – عن الختم يجعله في التراويح أو الوتر ؟ قال : «اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين ، فإذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة ، وأطل القيام» (6) .
__________
(1) ... ص 261 .
(2) ... الأجزاء الحديثة ، مرويات ختم القرآن ص 284 – 285 .
(3) ... ينظر : المغني (2/608) ، والانصاف (2/181) ، والاقناع (1/147) .
(4) ... ينظر : الأذكار ص 109 .
(5) ... ينظر : المغني (2/608) ، وكشاف القناع (2/505) .
(6) ... ينظر : المغني (2/608) ، وبدائع الفوائد (4/69) .(1/168)
وسئل أحمد عن الرجل يختم القرآن في شهر رمضان في الصلاة أيدعو قائماً في الصلاة أم يركع ويسلم ويدعو بعد السلام؟ ، فقال: «لا ، بل يدعو في الصلاة وهو قائم بعد الختمه»، قيل له: فيدعو في الصلاة بغير ما في القرآن؟ ، قال : نعم (1) .
ناقش القائلون بالمنع أدلة المجيزين :
أن استدلالكم بعمل المصرين : مكة والبصرة لا يقوى على القول بمشروعية دعاء الختم في الصلاة وذلك لأمور :
1 – أن هذا لم يكن محل اتفاق بين التابعين ، فمن التابعين من أنكر ذلك ، ومنع منه، كالإمام مالك – رحمه الله – لما سئل عن الدعاء بعد الختم قال : «ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن ، وما هو من عمل الناس» (2) .
وكان عبد الله بن المبارك يعجبه إذا ختم القرآن أن يكون في السجود (3) .
ولعل هذا لعدم ثبوت شيء فيه عنده ، ولعموم الحديث : «وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء» (4) وقد سئل بعض السلف عن الدعاء الذي يدعو به عند ختم القرآن فقال : «استغفر الله من تلاوتي سبعين مرة»، وقال غيره : «أسأل الله ألا يمقتني» (5) ، هذا في خارج الصلاة ، فكيف بداخلها ! .
2 – أن توارث العمل لا يكون حجة إلا إذا اتصل بعصر التشريع كتوارث مقدار الصاع ، والمد النبوي ، وأعيان المشاعر ، ونحو ذلك (6) .
__________
(1) طبقات الحنابلة ، للقاضي أبي يعلى في ترجمة إبراهيم الحربي (1/91).
(2) ... ينظر : الحوادث والبدع ، للطرطوشي ص 44 .
(3) ... أورده المروزي في مختصر قيام الليل ص 242 ، والذهبي في السير (8/359) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (264)، وينظر : الأجزاء الحديثية ص 289 .
(5) ... المدخل ، لابن حاج (2/444) ، وأورده المروزي في مختصر قيام الليل ص 242 ، عن يوسف بن أسباط – رحمه الله - .
(6) ... ينظر : إعلام الموقعين (2/393) ، والأجزاء الحديثية ، بكر أبو زيد ، ص 286 .(1/169)
وإلا كم من عمل قد اطرد بخلاف السنة الصريحة ، على تقادم الزمان وإلى الآن ، وكل وقت تترك سنة ويعمل بخلافها ويستمر عليها العمل فتجد يسيراً من السنة معمولاً به على نوع تقصير (1) .
وعليه فعمل التابعين في مكة ، والبصرة ، لا يكون حجة ؛ لأنه منقطع الاتصال بعصر الصحابة رضي الله عنهم (2) .
3 – أن دعاء الختم قد اتفق سببه في عصر النبوة ، ذلك أن الوحي اكتمل نزوله في حياة النبي × ، وكان جبريل عليه السلام يعارض النبي × في كل رمضان مرة ، فلما كان في السنة التي توفي فيها عارضه مرتين (3) . ومع هذا لم يؤثر أن النبي × دعا بعد الختم ، فهذا مما انعقد سببه ولم يفعله × إذ لو فعله × ، فأين النقل له عنه × ؟ (4) هذا في خارج الصلاة فكيف بداخلها ! .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح القول بعدم مشروعية دعاء ختم القرآن في الصلاة (5) ، وذلك لأمور :
- قوة أدلة أصحاب هذا القول ووجاهتها .
- ضعف دليل المجيزين ، وإمكان مناقشته .
- كونه يتفق مع قاعدة : وقف العبادات على النص ومورده (6) .
المطلب العشرون : القنوت في الصلاة : وفيه فرعان :
الفرع الأول : القنوت (7)
__________
(1) ... أعلام الموقعين (2/395) .
(2) ... ينظر : الأجزاء الحديثية ص 288 .
(3) ... أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن ، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي × برقم (4998) ، ص 433 .
(4) ... ينظر : الأجزاء الحديثية ص 291 .
(5) ... هذا ما رجحه شيخنا ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – ينظر : الشرح الممتع ، (4/57) ،والشيخ بكر أبو زيد في الأجزاء الحديثية ص 291.
(6) ... ينظر : إعلام الموقعين (2/394)، والفتاوى (1/334).
(7) ... القنوت في اللغة يأتي على معان متعددة : كالطاعة ، والخشوع ، والصلاة ، والدعاء ، والعبادة ، والقيام، وطول القيام ، والسكوت ، جمعها الزين العراقي – رحمه الله – في أبيات :
لفظ القنوت أعداد معاينة تجد ... *** ... مزيداً على عشر معان مرضية
دعاء خشوع والعبادة طاعة ... *** ... إقامتها وإقراره بالعبودية
سكوت صلاة والقيام وطوله ... *** ... كذاك دوام الطاعة الرابح القنية
... والمشهور في اللغة : أن القنوت الدعاء ، ينظر : غريب الحديث (3/133) ، والنهاية (4/111) ، ولسان العرب (2/74) ، مادة : قنت .(1/170)
في الصلاة المكتوبة. وفيه ثمان مسائل :
المسألة الأولى: حكم القنوت في الصلاة المكتوبة:
القنوت في اصطلاح الفقهاء : هو ذكر مخصوص مشتمل على ثناء ودعاء، في محل مخصوص من القيام ، كاللهم اغفر لي يا غفور ، فلو لم يشتمل عليها لم يكن قنوتاً (1) .
اختلف العلماء – رحمهم الله – في مشروعية القنوت في الصلاة المكتوبة :
تحرير محل النزاع :
اتفق العلماء على ترك القنوت في أربع صلوات من غير سبب هي الظهر والعصر والمغرب والعشاء (2) .
واختلفوا في أمرين :
الأول : القنوت في غير النازلة في الصبح من المكتوبات ، وفي صلاة الوتر (3) .
والثاني : إذا نزلت نازلة ففي أي صلاة يشرع القنوت ؟ .
أما القنوت في الفرائض ، فقد اختلف العلماء في حكمه:-
وسبب اختلافهم أمران :
الأول : اختلاف الآثار المنقولة في ذلك عن النبي × ، وقياس بعض الصلوات في ذلك على بعض ، أعني التي قنت فيها على التي لم يقنت فيها (4) .
الثاني : اختلافهم في لفظ القنوت ، لما صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف ؟ اللهم اهدني فيمن هديت ...الخ ، وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا ، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة ، حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم ، ونشأ من لا يعرف غير ذلك ، فلم يشك أن رسول الله × وأصحابه كانوا مداومين عليه كل غداة، وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء (5) .
اختلفوا في القنوت في الفرائض على ستة أقوال :
القول الأول : لا يشرع القنوت في شيء من الصلوات إلا في النوازل ، فيقنت في صلاة الفجر خاصة .
__________
(1) ... البجيرمي على الخطيب (2/205) . وينظر: فتح الباري (2/568).
(2) ... حكاه البغوي في شرح السنة (3/122) ، والشوكاني في نيل الأوطار (2/386) ، والساعاتي في الفتح الرباني (3/303) .
(3) ... ينظر : نيل الأوطار (2/386) .
(4) ... بداية المجتهد (1/249) .
(5) ... زاد المعاد (2/283) .(1/171)
القول الثاني: أن القنوت سنة مؤكدة في صلاة الفجر ، وإذا نزلت نازلة استحب القنوت في جميع الصلوات.
القول الثالث: لا يشرع القنوت في شيء من الصلوات ، بل ذلك بدعة.
القول الرابع: لا يشرع القنوت في شيء من الصلوات ، إلا إذا نزلت نازلة فيستحب القنوت في الصلوات الخمس خلا الجمعة.
القول الخامس: يشرع القنوت في النوازل في الفجر والمغرب فقط.
القول السادس: يستحب القنوت في النوازل في كل صلاة جهر فيقنت في الفجر والمغرب والعشاء.
وفيما يلي تفصيل الأقوال:
القول الأول: لا يشرع القنوت في شيء من الصلوات إلا في النوازل ، فيقنت في صلاة الفجر خاصة. وهذا مذهب الحنفية (1) ، وبعض المالكية (2) ، ومذهب الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن النبي × قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه (4) .
وجه الدلالة:
يدل على أن قنوت رسول الله × في الصبح إنما كان شهراً واحداً ، كان يدعو على أقوام ثم تركه ، فدل على أنه كان ثم نسخ (5) .
ودليل النسخ ما يلي:
__________
(1) ... ينظر: مختصر اختلاف العلماء (1/215) ، ومختصر القدوري ص 29 ، والمبسوط (1/165) .
(2) ... ينظر: الجامع لأحكام القرآن (4/129) ، ونسبه إلى الليث ، ويحيى بن يحيى الليثي الأندلسي صاحب مالك .
(3) ... ينظر : المستوعب (2/179) ، وشرح الزركشي (2/75) ، والممتع شرح المقنع (1/515) .
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت في جميع الصلوات إذا نزلت نازله والعياذ بالله، برقم (677) ص 783 .
(5) ... البناية على الهداية (2/590) ، وينظر : فتح القدير (1/432) ، وعمدة القاري (7/17) .(1/172)
أ – قوله تعالى: ? ??????? ???? ???? ??????????? ?????? ????? ????????? ?????????? ????? ??????????????? ????????????? ???????????? ? (1) ، كما في الحديث: (أنه ترك ذلك لما نزلت عليه الآية) (2) .
ب – ما روي أنه × كان يقنت في صلاة المغرب كما في صلاة الفجر (3) ، وذلك منسوخ بالإجماع (4) ، لعدم ورود المواظبة والتكرار الواردين في صلاة الفجر عنه × (5) في صلاة المغرب فانتسخ أحدهما بالاتفاق، فكذلك الآخر ، وكل من روى القنوت ، روى تركه ثبت عنه نسخه؛ لأن فعله المتأخر ينسخ المتقدم (6) .
2 – عن أبي مالك الأشجعي (7)
__________
(1) ... سورة آل عمران ، (128) .
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت في جميع الصلوات .. ، برقم (294) ،
ص 783 .
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت في جميع الصلوات .. ، برقم (306) ،
ص 784 .
(4) ... بدائع الصنائع (2/230) ، والبناية على الهداية (2/595) .
(5) ... حاشية ابن عابدين (2/12) .
(6) ... ينظر : المبسوط (1/165) ، والبناية (2/595) .
(7) ... هو سعد بن طارق ، بن أشيم ، كوفي صدوق . روى عن أبيه ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وأنس بن مالك وغيرهم . وروى عنه : الثوري ، وأبو عوانه ، وحفص بن غياث ، وعدة. له ولأبيه صحبة ، قال ابن عبد البر : (لا أعلمهم يختلفون في أنه ثقة عالم ، بقى إلى حدود الأربعين ومائه).
... ينظر في ترجمته : سير أعلام النبلاء (6/184) ، وتهذيب التهذيب (3/412) ، وميزان الاعتدال
(2/122) .(1/173)
قال : «قلت لأبي يا أبت ، لقد صليت خلف رسول الله × وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ابن أبي طالب – رضي الله عنهم – ها هنا بالكوفة نحواً من خمس سنين أكانوا يقنتون ؟ قال : أي بني محدث» (1) .
وجه الدلالة: هذا الحديث يدل على أنهم ما كانوا يحافظون على قنوت راتب، لا أنهم ما قنتوا قط، بل اتفق أن طارقاً صلى خلف كل منهم، وأخذ بما رأى، ومن المعلوم أنهم كانوا يقنتون في النوازل (2) .
__________
(1) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في ترك القنوت ، برقم (402) ، ص 1682 ، وقال : (حديث حسن صحيح) ، وابن ماجه ، كتاب إقامة الصلوات ،باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر، برقم (1241) ، ص 2550 ، وأحمد في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني ، أبواب القنوت ، باب حجة القائلين بعدم القنوت، إلا عن النوازل ، برقم (706) ، ص 309 ، وأخرجه النسائي ، كتاب التطبيق، باب ترك القنوت ، برقم (1080) ، ص 2157 ، قال ابن حجر في التلخيص (1/401) : (إسناده حسن) ، وصححه الألباني في الإرواء (2/182).
(2) ... ينظر : نصب الراية (2/126) .(1/174)
3 – وعن إبراهيم النخعي (1) : عن علقمة (2) والأسود (3) أنها أقاما عند عمر – رضي الله عنه – سنتين أو حولين يصليان معه صلاة الصبح لا يقنت فيها (4) .
4 – وعن مالك – أن عبد الله بن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلاة (5) .
__________
(1) ... سبقت ترجمته ، ص (92) .
(2) ... علقمة بن قيس بن عبدالله بن مالك النخعي الكوفي، فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها، يكنى: أبو شبل. ولد في أيام الرسالة المحمدية، وعداده في المخضرمين، هاجر في طلب العلم والجهاد ونزل الكوفة، ولازم ابن مسعود حتى رأس في العلم والعمل، وتفقه به العلماء وبعد صيته. حدث عن: عمر، وعثمان، وعلي، وسليمان، وأي الدرداء وغيرهم، وحدث عنه: أبو وائل والشعبي، وإبراهيم النخعي وغيرهم. كان إماماً حافظاً مجوداً مجتهداً كبير القدر، توفي سنة (61هـ)، وقيل: (62هـ)، وقيل غير ذلك، ينظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء (4/53)، وطبقات ابن سعد (6/86)، وشذرات الذهب (1/70).
(3) ... هو الأسود بن يزيد بن قيس ، الإمام ، القدوة ، أبو عمرو النخعي الكوفي ، يكنى أبا عبد الرحمن ، كان مخضرماً ، أدرك الجاهلية والإسلام. حدث عن : معاذ بن جبل ، وبلال ، وابن مسعود وعائشة وغيرهم. وحدث عنه : ابنه عبد الرحمن ، وأخوه إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وغيرهم. وهو نظير مسروق في الجلالة ، والعلم ، والثقة والسن ، يضرب بعبادتهما المثل ، توفي سنة (75 هـ) على أصح الأقوال.
... ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد (6/70) ، وتذكرة الحفاظ (1/50) ، وسير أعلام النبلاء(4/50) .
(4) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (2/30) ، برقم (1129) ، وابن أبي شيبة في المصنف ، كتاب الصلوات ، من كان لا يقنت ... (2/30) وصحح إسناده ابن التركماني في تعليقه على سنن البيهقي (2/289) .
(5) ... أخرجه في الموطأ ، كتاب الصلاة ، باب القنوت في الصبح ، برقم (377) ، ص 111 .(1/175)
5 – وعن أبي مجلز (1) قال : «سألت ابن عمر عن قنوت عمر ، فقال ، ما شهدت ولا رأيت (2) .
6 – وعن إبراهيم – رحمه الله – قال : «لم يقنت أبو بكر وعمر حتى ذهبا» (3) .
وهكذا روي عن جماعة من الصحابة – رضي الله عنهم – أنهم كانوا لا يقنتون في شيء من الصلاة كعثمان ، وعلي ، وأبي الدرداء ، وعبدالله بن مسعود ، ونحوه أيضاً عن التابعين – رحمهم الله أجمعين- (4) .
7 – ولأنه لو كان في الصبح مسنوناً لكان نقله متواتراً ، ولم يخف عن ابن مسعود ، وابن عمر – رضي الله عنهم – لعموم البلوى به (5) .
8 – ولأنها صلاة مفروضة ، فلم يسن فيها القنوت كسائر الصلوات (6) .
وأما كونه يستحب القنوت في النازلة في الفجر خاصة :
__________
(1) ... هو أبو مجلز السدوسي ، اسمه : لاحق بن حميد البصري ، مشهور بكنيته ، كان ثقة وله أحاديث، من التابعين ومن الأئمة الثقات . روى عن : أبي موسى الأشعري ، وابن عباس ، وغيرهما . وكان قد أتى مرو فنزلها وابتنى بها داراً وولي بيت المال بها وكان أعوراً ، توفي في خلافة عمر بن عبدالعزيز قبل وفاة الحسن البصري سنة 106 هـ.
ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد (7/262) ، وتهذيب التهذيب (12/199).
(2) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1131) ، (2/31) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/309) بنحوه، وأورده الهيثمي في المجمع (2/137) ، باب القنوت ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال: (رجاله ثقات) .
(3) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1135) ، (2/31) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/311) .
(4) ... روى ذلك عنهم الطبري في تهذيب الآثار (2/30 – 41) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/308 – 311) .
(5) ... ينظر : الحاوي (2/198) ، والبناية على الهداية (2/594) .
(6) ... الممتع شرح المقنع (1/515) ، وكشاف القناع (1/560) .(1/176)
فلحديث أبي هريرة – رضي الله عنه - : أن رسول الله × كان إذا أراد أن يدعو على أحد ، أو يدعو لأحد ، قنت بعد الركوع وفيه : وكان يقول في بعض صلاة الفجر : (اللهم العن فلاناً وفلاناً ، لأحياء العرب ...الحديث) (1) .
وجه الدلالة : دل على مشروعية القنوت عند النوازل في صلاة الفجر خاصة وقوله : «كان يقول في بعض صلاته في الفجر» يشير إلى أنه كان لا يداوم على ذلك (2) .
وهكذا جاء عن الصحابة – رضي الله عنهم – أنهم كانوا يقنتون في النوازل في صلاة الفجر فقط :
أ – فعن أبي رافع – رضي الله عنه- أنه قنت مع عمر في صلاة الصبح بعد الركوع يدعو على الفجرة (3) .
ب – ولما قنت علي في صلاة الفجر ، أنكر ذلك الناس ، فقال علي – رضي الله عنه – إنما استنصرنا على عدونا هذا (4) ، وليس الناس إذ ذاك إلا الصحابة والتابعين (5) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب التفسير ، باب (ليس لك من الأمر شيء) ، برقم (4560) ، ص 375 ، ومسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب القنوت إذا نزلت بالمسلمين نازلة ... برقم (675)، ص 783.
(2) ... ينظر : فتح الباري (8/74) .
(3) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1079) ، (2/20) .
وأبو رافع هو : أبو رافع الصائغ ، المدني ثم البصري ، من أئمة التابعين ، اسمه نفيع ، وهو مولي آل عمر.
حدث عن : عمر ، وأبي بن كعب ، وأبي موسى وجماعة سواهم . حدث عنه : الحسن البصري ، وثابت ، وقتادة وخلق سواهم . كان من أئمة التابعين الأولين ، ومن نظراء أبي العالية ، توفى سنة (نيف وتسعين) .
ينظر في ترجمته : أسد الغابة (6/107)، وسير أعلام النبلاء (4/414)، وطبقات بن سعد(7/122) .
(4) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، كتاب الصلوات ، باب من لم ير القنوت في الفجر ، (2/310) ، والطبري بنحوه في تهذيب الآثار ، برقم (1186) ، (2/40) .
(5) ... فتح القدير (1/433) .(1/177)
ج – وعن الأسود – رحمه الله – قال : صليت خلف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في السفر والحضر ، فما كان يقنت إلا في صلاة الفجر (1) .
فكل هذه الآثار تحمل على القنوت في حال النازلة ، وأنه يكون في صلاة الفجر خاصة .
القول الثاني : أن القنوت سنة مؤكدة في صلاة الفجر ، وإذا نزلت نازلة استحب القنوت في جميع الصلوات . وهذا مشهور مذهب مالك (2) ، والأصح المشهور من مذهب الشافعية (3) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب الدليل على أنه لم يترك أصل القنوت ، برقم (3111)، (2/289) ، وبنحوه أخرجه البغوي في شرح السنة ، في باب القنوت ، (3/124) .
(2) ... ينظر: المدونة (1/102) ، والتلقين (1/102) ، والكافي ، لابن عبد البر ، ص 74 ، والقبس
(1/343) .
(3) ... ينظر: الأم (1/236) ، والحاوي(1/197) ، والمجموع (3/435) ، ومغني المحتاج (1/168) ، والأذكار ص 65 .(1/178)
1 – عن أنس – رضي الله عنه – أن النبي × (قنت شهراً يدعو عليهم ، ثم ترك ، فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا) (1) .
فهذا نص صحيح صريح في بيان سنية القنوت في الفجر أبداً (2) .
2 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : لأنا أقربكم صلاة برسول الله × ، فكان أبو هريرة – رضي الله عنه – يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعد ما يقول : «سمع الله لمن حمده ، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين» (3) .
__________
(1) ... أخرجه أحمد في المسند، ينظر: (الفتح الرباني ، أبواب القنوت ، برقم (699) ، (4/302)) ، والبيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب الدليل على أنه لم يترك أصل القنوت ، برقم (3104) ، (2/287) ، والدار قطني ، في كتاب الصلاة ، باب صفة القنوت وبيان موضعه ، (2/39) ، والحديث صححه النووي في المجموع (3/445) قال : (هذا حديث صحيح رواه جماعة من الحفاظ وصححوه) ، والبيهقي في السنن (2/287) وقال : (هذا إسناد صحيح سنده ثقة رواته) ، وحسن إسناده ابن حجر في نتائج الأفكار (2/136) ، وصححه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (4/129) ، وقال ابن التركماني في تعليقه على سنن البيهقي (2/287) : (كيف يكون سنده صحيحاً ، وروايه عن الربيع أبو جعفر عيسى بن هامان الرازي متكلم فيه قال ابن حنبل والنسائي ليس بالقوي ، وقال أبو زرعة يهم كثيراً ، وقال الفلاس : سيء الحفظ ، وقال ابن حبان: (يحدث بالمناكير عن المشاهير) وممن ضعفه ابن القيم في زاد المعاد (1/276) وقال : (أبو جعفر الرازي صاحب مناكير ، لا يحتج به) ، وضعفه ابن الجوزي في العلل المتناهية ، (1/444) وقال : (هذا حديث لا يصح) ، وضعفه العيني في البناية على الهداية (2/592) ، وفي عمدة القاري (6/74) .
(2) ... ينظر : المجموع (3/446) .
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت في جميع الصلوات ، برقم (296) ، ص 783 .(1/179)
3 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : (كان النبي × إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية يرفع يديه فيدعو بهذا الدعاء : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت وتعاليت) (1) .
وجه الدلالة : لفظ «كان» يفيد المواظبة والاستمرار على ذلك (2) .
4 – عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – أن النبي × كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب (3) .
فلفظ الحديث يشعر بالمداومة والاستمرار كما سبق . ولا يضر ترك الناس القنوت في صلاة المغرب ؛ لأنه ليس بواجب أو دل الإجماع على نسخه
فيها (4) ، ولأنه لم يصحبه عمل (5) .
5 – ولأن أكابر الصحابة – رضي الله عنهم – فعلوه بعده كأبي بكر وعمر وعلي وأبي موسى وسعيد بن المسيب ، وغيرهم كثير .
أ – فعن العوام بن حمزة (6)
__________
(1) ... قال ابن حجر في نتائج الأفكار ، (2/152) : أخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه عن أبي هريرة ، فذكره ، وصححه ورد عليه بأنهم اتفقوا على ضعف عبد الله بن سعيد المقبري ، وقال في التقريب ، (1/396) : (متروك) ، وضعفه أيضاً ابن الهمام في فتح القدير ،
(1/431) ، وابن القيم في زاد المعاد ، (1/274) .
(2) ... فتح القدير ، (1/431) .
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت في جميع الصلوات ، برقم (305) ، ص 783 .
(4) ... المجموع ، (3/446) .
(5) ... الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني ، (1/285) .
(6) ... العوام بن حمزة المازي ، شيخ بصري حدث عن : أبي عثمان النهدي ، وبكر بن عبد الله المزني. حدث عنه : يحيى القطان ، غندر ، وطائفه .
... قال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وقال أحمد : له ثلاثة أحاديث مناكير ، وقال ابن معين : لين ، وقال ابن حجر : صدوق ربما وهم . ... ينظر في ترجمته : (تهذيب التهذيب ، (8/139) ، سير أعلام النبلاء ، (6/355) ، وميزان الاعتدال ، (3/303) .(1/180)
– رحمه الله – قال : «سألت أبا عثمان (1) عن القنوت في الصبح قال : بعد الركوع ، قلت : عمن ؟ قال : عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان – رضي الله عنهم – (2) .
ب – وعن أنس بن مالك قال : (صليت مع رسول الله × فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته ، قال: وصليت خلف عمر بن الخطاب فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته (3) .
__________
(1) ... هو عبد الرحمن بن مُلّ بن عمرو بن عدي البصري ، أبو عثمان النهدي مخضرم معمر ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وغزا في خلافه عمر وبعدها غزوات . حدث عن : عمر ، وعلي وابن مسعود ، وابن عباس وغيرهم . وحدث عنه : قتادة ، وعاصم الأحول ، وسليمان التيمي ، وأيوب السختياني . ... شهد وقعه اليرموك، وكان من سادات العلماء العالمين ؛ أسلم في عهد النبي × ولم يره، توفي سنة
100هـ.
... ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد (7/97)، وشذرات الذهب (1/118)، وتذكرة الحفاظ (1/65).
(2) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب الدليل على أنه لم يترك أصل القنوت ، برقم(3108)، (2/288) ، وقال : (هذا إسناد حسن ، ويحيى بن سعيد لا يحدث إلا عن الثقات) ، ولم يوافقه ابن التركماني ، قال : (كيف يكون إسناداً حسناً ، والعوام قال عنه يحيى بن معين: ليس بشيء ، وقال أحمد: له أحاديث منكرة ، ورواية يحيى بن سعيد عنه إن دلت على ثقته عنده ، كما مر فما ذكرناه يدل على ضعفه ، والجرح مقدم على التعديل) .
(3) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب الدليل على أنه لم يترك ... ، برقم (3107) ،
(2/288) بنحوه ، والدار قطني في باب صفة القنوت ، (2/40) ، وفي إسناده عمرو عن الحسن ، قال أبو الطيب في التعليق المغني بهامش سنن الدار قطني (2/40) : (عمرو هو ابن عبيد قال فيه ابن معين: لا يكتب حديثه ، وقال النسائي: متروك ، وقال حميد : كان يكذب على الحسن ، وكذا ضعفه جماعة، فلا يقبل روايته).(1/181)
ج – وعن سعيد بن المسيب أنه ذكر له قول ابن عمر في القنوت فقال: «أما إنه قنت مع أبيه ولكنه نسى (1) .
د – وعن عبد الرحمن بن معقل (2) المزني قال : «صليت مع علي – رضي الله عنه – الفجر فقنت على سبعة نفر ..» (3) .
هـ - وعن عبد الله بن مغفل (4) قال : «قنت بنا رجلان من أصحاب النبي ×: علي وأبو موسى» (5) .
ومثله عن أنس ، وابن عباس ، والبراء بن عازب ، من الصحابة – رضي الله عنهم – وكذا من التابعين – رحمهم الله أجمعين – (6) .
6 – ولأن القنوت دعاء مسنون في صلاة غير مفروضة ، فوجب أن يكون مسنوناً في صلاة مفروضة ، كقوله «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات» (7) .
__________
(1) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1128) ، (2/30) .
(2) ... هو : عبد الرحمن بن معقل بن مقرن المزني ، أبو عاصم الكوفي ، قال ابن حجر : ثقة ، تكلموا في روايته عن أبيه لصغره ، ووهم من ذكره في الصحابة . روى عن : علي وابن عباس ، وعبد الرحمن بن بشر . روى عنه : عبيد أبو الحسن السوائي ، والبختري بن المختار وعبد الله بن خالد العبسي . ذكره ابن حبان في الثقات وروى له أبو داود حديثاً واحداً .
... ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد (6/215) ، وتقريب التهذيب (1/462) ، وتهذيب التهذيب
(6/244) .
(3) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1072) ، (2/18) ، وابن شيبة في مصنفه ، باب تسمية الرجل في القنوت (2/317) ، وصحح إسنادها ابن حجر في التلخيص (1/400) .
(4) ... سبقت ترجمته ، ص (75) .
(5) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1112) ، (2/27) ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، باب من كان يقنت في الفجر ويراه ، (2/312) .
(6) ... روى عنهم الطبري في تهذيب الآثار ، (2/28 – 29) ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، باب من كان يقنت في الفجر يراه ، (2/311 – 312) ، والبيهقي في السنن ، باب ترك القنوت في سائر الصلوات غير الصبح (2/287 – 292) .
(7) ... الحاوي (2/198) .(1/182)
7 – ولأنها صلاة يجهر فيها بالقراءة ، فوجب أن تختص بذكر لا يشاركها فيه غيرها كالجمعة في اختصاصها بالخطبة (1) ، ولأنها أقصر الفرائض ، فكانت بالزيادة أليق (2) ، وليعود على يومه بالبركة لما فيه من الذلة والخضوع (3) .
وأما كونه إذا نزلت نازلة ، استحب القنوت في جميع الصلوات .
1 – فلما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : (قنت رسول الله × شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء في دبر كل صلاة إذا قال : سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة على حي من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ، ويؤمن من خلفه) (4) .
__________
(1) ... المصدر السابق.
(2) ... مغني المحتاج (1/168) .
(3) ... الفتوحات الربانية (2/289) .
(4) ... أخرجه أبو داود ، في كتاب الوتر ، باب القنوت في الصلاة ، برقم (1443) ، ص 1330 ، وأحمد في المسند ، ينظر: (الفتح الرباني ، كتاب القنوت باب القنوت في الصلوات الخمس ، (3/307)) ، والبيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب ترك القنوت في سائر الصلاة ، برقم (3098) ، (2/285) ، والطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1016) ، (2/1) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الإمامة ، باب القنوت في الصلوات الخمس ، برقم (851) ، (1/488) . وقال : (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه بهذا اللفظ) ، قال النووي في المجموع ، (3/443): (إسناده حسن أو صحيح) ، وقال الشوكاني في نيل الأوطار (2/390): (وليس في إسناده مطعن إلا هلال بن خباب ، فإن فيه مقالاً ، وقد وثقه أحمد وابن معين غيرها) ، وقال عنه ابن حجر في التقريب: (2/328) (صدوق تغير بأخره) ، وقال الألباني في إرواء الغليل (2/163): (والصواب أنه حسن لحال هلال) .(1/183)
2 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله × قنت في صلاة العتمة في الآخرة ، بعد ما قال : سمع الله لمن حمده ... الحديث (1) .
3 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : (والله لأقربن بكم صلاة رسول الله × قال : فكان يقنت في الظهر والعشاء الآخرة ، وصلاة الصبح فيدعو للمؤمنين ، ويلعن الكفار) (2) .
4 – وعن البراء بن عازب – رضي الله عنه – أن النبي × كان يقنت في الصبح والمغرب (3) .
5 – وهكذا فعله الصحابة – رضي الله عنهم – في النوازل :
أ – فعن إبراهيم قال : «كان علي – رضي الله عنه – يقنت ويدعو على قوم في كل صلاة» (4) .
ب – وعنه قال : كان علي – رضي الله عنه – يقنت في الفجر ، وذكر صلاة أخرى ، فبلغني أنه قال : وفي صلاة المغرب يدعو على أعدائه؛ لأنه كان محارباً (5) ، ونحوه عن سعيد بن جبير –رحمه الله تعالى- (6) .
6 – فثبت عنه × القنوت في الصلوات ، والذي استمر عليه عمله القنوت في الصبح ، فنمنع حمل القنوت في الفجر على النوازل ، بل لمطلق الحاجة لدرء الشرور وجلب الخيور ، وهو أولى لعمومه ، فيجب المصير إليه ، وهذه العلة باقية فيدوم الحكم (7) . قال ابن العربي – رحمه الله – (8) : «رأى مالك والشافعي أن ذلك من كَلَبْ العدو ومقارعته معنى دائم فدام القنوت بدوامه».
وأجابوا عن أدلة المانعين من القنوت في الصلاة المكتوبة :
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت إذا نزلت نازلة ... ، برقم (295) ، ص 783.
(2) ... سبق تخريجه ، ص (350) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (351) .
(4) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1068) ، (2/17) .
(5) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1073) ، (2/18) ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، باب القنوت في المغرب ، بنحوه (2/318) .
(6) ... أخرجه عنه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1166) ، (2/36) .
(7) ... ينظر : القبس (1/344) ، والذخيرة (2/230) .
(8) ... القبس (1/344) .(1/184)
1 – أما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - ، أن النبي × دعا علي حي من أحياء العرب شهراً ثم تركه .. .
فالجواب عنه :
أن المراد ترك الدعاء على أولئك الكفار ولعنتهم فقط ، لا ترك جميع القنوت ، أو ترك القنوت في غير الصبح ، وهذا التأويل متعين ؛ لأن حديث أنس في قوله : «لم يزل يقنت ..» صحيح صريح فيجب الجمع بينهما (1) ، ومما يدل على هذا التأويل :
أ – رواية أبي هريرة الأخرى : «ثم ترك الدعاء لهم» (2) .
ب – وعن عبد الرحمن بن مهدي – رحمه الله – قال : «إنما ترك اللعن» (3) .
وإذا فعل الرسول × أمراً لحاجة ثم تركه لزوالها لم يكن ذلك نسخاً ، بل لو تركه مطلقاً لكان ذلك يدل على جواز الفعل والترك ، لا على النهي عن الفعل (4) .
2 – أما قولكم أن قوله تعالى : ? ??????? ???? ???? ??????????? ?????? ? ناسخ لهذا الحديث .
فالجواب عنه: أن هذا ليس موضع نسخ ، وإنما نبه الله تعالى لنبيه على أن الأمر ليس إليه، وأنه لا يعلم من الغيب شيئاً إلا ما أعلمه، وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء ، وأن الأمور بقضاء الله وقدره وعليه فلا نسخ (5) .
3 – وأما قولكم : «أنه ثبت القنوت في الفجر والمغرب ثم انتسخ أحدهما فكذا الآخر» .
لا يخفى ما فيه ، وقد عارضه بعضهم ، فقال : أجمعوا على أنه × قنت في الصبح ، ثم اختلفوا هل تركه ؟ فتمسكوا بما أجمعوا عليه ليثبتوا ما اختلفوا فيه؟ (6) .
4 – وأما حديث أبي مالك الأشجعي ، وفيه : «أي بني محدث» .
__________
(1) ... المجموع (3/446) ، وينظر : الحاوي 2/198 .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (349) .
(3) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب الدليل على أنه لم يترك أصل القنوت ، رقم (3103)، (2/287). وعبدالرحمن بن مهدي سبقت ترجمته ص 73 .
(4) ... الفتاوى (23/98 – 119) .
(5) ... ينظر : الجامع لأحكام القرآن (4/129) .
(6) ... ينظر : فتح الباري (2/570) ، وشرح الزرقاني على الموطأ (1/456) .(1/185)
فالجواب عنه : أن رواية الذين أثبتوا القنوت معهم زيادة علم وهم أكثر فوجب تقديمهم (1) ، ولأن الآثار متعارضة فيقدم المثبت على النافي (2) .ثم إنه ليس في هذا الحديث دليل على أنهم ما قنتوا قط ، بل اتفق أن طارق صلى خلف كل منهم ، وأخذ بما رأى ، ومن المعلوم أنهم كانوا يقنتون في
النوازل (3) .
5 – وكذلك ما روي عن السلف أنهم كانوا لا يقنتون لا يدل على عدم مشروعية القنوت في الصبح ؛ لأن نسيان بعض الصحابة أو غفلته عن بعض السنن لا يقدح في رواية من حفظه وأثبته (4) .
6 – وأما قياسها على سائر الصلوات :
فلا يصح ، لأن الصبح مخالفة لها لما يختص من تقدم الآذان لها والتثويب في آذانها ، وكذلك القنوت (5) .
7 – وأما قولكم : (لو كان القنوت سنة لكان نقله متواتراً ...) .
فيرجع عليهم في الوتر ، ثم يقال : إنما يجب أن يكون بيانه مستفيضاً ولا يلزم أن يكون نقله متواتراً ، ألا ترى أن النبي × حج في خلق كثير ، فبين لهم الحج بياناً مستفيضاً ، ولم ينقله من الصحابة إلا اثنا عشر نفساً اختلفوا فيه خمسة منهم : أنه × أفرد ، وأربعة : أنه تمتع × ، وثلاثة : أنه × قرن (6) .
ناقش القائلون بمنع القنوت إلا في النوازل أدلة المجيزين :
1 – أما حديث أنس – رضي الله عنه – ما زال يقنت حتى فارق الدنيا... فالجواب عنه من وجوه :
أ – أن الحديث ضعيف ، ضعفه جماعة من المحققين ، كما ثبت في تخريجه (7) .
__________
(1) ... المجموع (3/446) ، وينظر : السنن الكبرى (2/302) .
(2) ... شرح الزرقاني (1/456) .
(3) ... ينظر : نصب الراية (2/126) .
(4) ... ينظر : السنن الكبرى (2/302) .
(5) ... الحاوي (2/198) .
(6) ... الحاوي (2/198 – 199) .
(7) ... سبق بيانه ، ص (350) .(1/186)
ب – وعلى فرض صحته ، فهو منسوخ ، ودليله : لما سئل أنس بن مالك – رضي الله عنه – وقيل له : إن قوماً يزعمون أن النبي × لم يزل يقنت بالفجر ، فقال : كذبوا إنما قنت رسول الله × شهراً واحداً يدعو على أحياء من أحياء المشركين (1) ، فهذا عن أنس صريح في مناقضة رواية أبي جعفر عنه، وفي أنه منسوخ.
وهذا الحديث وإن كان في سنده قيس بن الربيع (2) ، قد ضعفه يحيى بن معين (3)
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الوتر ، باب القنوت قبل الركوع وبعده ، برقم (1002) ، 78 .
(2) ... قيس بن الربيع ، أبو محمد الأسدي الكوفي الأحول ، الإمام الحافظ المكثر، أحد أوعية العلم على ضعف فيه من قبل حفظه ، ولد سنه 90هـ .حدث عن : أبي إسحاق السبيعي ، عمرو بن مرة ، وعلقمه بن مرثد وغيرهم . وحدث عنه : شعبه والثوري ، وعلى بن الجعد . ... كان شعبة يثني عليه ، وقال أحمد : لين الحديث ، وقال النسائي : متروك ، قال الذهبي : لا ينبغي أن يترك ، وقال ابن حجر : (قيس وإن كان ضعيفاً لكنه لم يتهم بكذب) ، قال ابن حبان : (قد سبرت أحاديث قيس ، وتتبعتها ، فرأيته صدوقاً ، مأموناً حين كان شاباً ، فلما كبر ساء حفظه ، وامتحن بابن سوء، فكان يدخل عليه الحديث، فوقع في أخباره مناكير)، توفي سنة 167هـ .
... ينظر في ترجمته : ميزان الاعتدال (3/393 – 396)، وتهذيب التهذيب (8/339) ، وسير أعلام النبلاء (8/41) .
(3) ... يحي بن معين بن عون بن زياد، أبو زكريا المري الغطفاني البغدادي الحافظ شيخ المحدثين وإمام الجرح والتعديل. روى عن: عبدالله بن المبارك، وعيسى بن يونس، وسفيان بن عيينة وغيرهم وروى عنه: أحمد بن حنبل، والبخاري ومسلم، وخلق سواهم. كان إماماً ربانياً، عالماً حافظاً، ثبتاً متقناً. كان أكثر من كتابة الحديث وعرف به، وكان لا يكاد يحدث، توفي بمدينة الرسول × وهو متوجه إلى الحج سنة
(233هـ).
ينظر في ترجمته: (الطبقات الكبرى (7/253)، وتاريخ بغداد (14/177)، وسير أعلام النبلاء
(11/71).(1/187)
فقد وثقه غيره ، وليس بدون أبي جعفر بل مثله أو أرفع منه فإن الذين ضعفوا أبا جعفر أكثر ممن ضعف قيساً (1) .
ومما يدل على النسخ أيضاً : ما رواه أنس – رضي الله عنه - : أن النبي × كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على آخرين (2) .
ولهذا لم يكن أنس نفسه يقنت في الصبح ، فعن غالب بن فرقد الطحان (3) قال : كنت عند أنس بن مالك – رضي الله عنه – شهرين فلم يقنت في صلاة الغداة (4) .
__________
(1) ... فتح القدير (1/432) ، وينظر البناية (2/592) ، وزاد المعاد (1/275) ، وأبو جعفر: هو عيسى بن هامان ، عالم الري ، ولد في حدود التسعين ، في حياة بقايا الصحابة. حدث عن : عطاء بن أبي رباح ، وقتادة ، والربيع بن أنس وجماعة. وحدث عنه : ابنه عبد الله ، وخلف بن الوليد ، علي بن الجعد .
... قال أحمد والنسائي وغيرهما : ليس بالقوي ، وقال أبو زرعة : يهم كثيراً ، وقال ابن حبان : أصله من مرو ، انتقل إلى الري ، وكان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير ، توفي سنة (260هـ) .
... ينظر ترجمته : ميزان الاعتدال (3/319 – 320) ، وشذرات الذهب (1/252) ، وسير أعلام النبلاء، (7/346) .
(2) ... أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/314) ، وأصله في البخاري ، من حديث أبي هريرة : (كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد ...) ، وصحح إسناده ابن الهمام في فتح القدير (1/432) ، وابن حجر في الفتح
(8/74) ، وأورده الهيثمي في المجمع عن ابن عباس (2/137) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير وقال : (رجاله ثقات) .
(3) ... لم أقف على ترجمة له فيما اطلعت عليه من المصادر ، وقال الهيثمي في المجمع (2/147) : (غالب لم أجد من ترجمه) .
(4) ... أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، برقم (693)، (1/245).(1/188)
وإذا ثبت النسخ فوجب حمل الذي عن أنس من رواية أبي جعفر ونحوه إما على الغلط ، أو على طول القيام ، فإن طول القيام يسمى قنوتاً ، لما في الصحيح أنه × قال (أفضل الصلاة صلاة القيام) (1) ، وهذا ما فسرته الرواية الأخرى ، فعن محمد بن سيرين قال : قلت : لأنس : قنت رسول الله × في صلاة الصبح قال : نعم بعد الركوع يسيراً (2) .
فأخبر أن قنوته كان يسيراً ، وكان بعد الركوع ، وعليه فيكون معنى الحديث : ما زال رسول الله × يطيل القيام في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا أو يحمل على قنوت النوازل ، من أنه لم يزل يقنت في النوازل وهو ظاهر ما قدمناه عن أنس (3) – رضي الله عنه – (كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم ...) (4) .
2 – وأما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - : (أنه لأقربكم صلاة الرسول ثم قنت ...) فالجواب عنه من وجوه :
أ – أن هذا منسوخ ، فكل ما جاء في القنوت في الصلاة الفرض قد نسخ على ما بينا (5) .
ب – ويحتمل أن أبا هريرة لم يعلم بنزول الآية ، فكان يعمل على ما علم من فعل رسول الله × وقنوته إلى أن مات ؛ لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك ، ألا ترى أن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر – رضي الله عنهما – لما علما بنزول الآية، وعلما بكونها ناسخاً لما كان رسول الله × يفعل تركا ذلك (6) .
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، في كتاب صلاة المسافرين ، باب أفضل الصلاة طول القنوت ، برقم (164) ، ص 796 .
(2) ... أخرجه مسلم ، في كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت إذا نزلت نازلة ... ، برقم (298) ،
ص 783 .
(3) ... ينظر : فتح القدير (1/432) ، والمغني (2/586)، وعمدة القاري (6/74) ، وكشاف القناع
(1/560) ، واللباب في الجمع بين السنة والكتاب (1/178) ، والفتاوى (23/101) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (358) .
(5) ... ينظر: المصادر السابقة.
(6) ... ينظر البناية (2/591) ، وعمدة القاري (6/72) .(1/189)
ج – أو لعله أراد بيان أن القنوت والدعاء للمؤمنين وعلى الكافرين ، قد كان من رسول الله × ، لا أنه مستمر ، لاعترافهم بأن القنوت المستمر ليس يسن فيه الدعاء لهؤلاء ، وعلى هؤلاء في كل صبح (1) ، فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة ، وأن رسول الله × فعله (2) .
4 – وأما حديث : (كان رسول الله × إذا رفع رأسه دعا بالقنوت ..) .
فما أبين الاحتجاج به لو كان صحيحاً أو حسناً (3) ، ولكن الحديث ضعيف لا يحتج به ، لأن فيه راوٍ متروك (4) .
5 – وأما حديث : (أن النبي × كان يقنت في المغرب والفجر..) كيف تستدل بهذا الشافعية وهم لا يرون القنوت في المغرب فيعملون ببعض الحديث ويتركون بعضه ، وهذا تحكم (5) .
6 – وأما ما روي عن الصحابة أنهم قنتوا :
فيحمل على أنه كان في أوقات النوازل ، فأكثر الروايات عن عمر – رضي الله عنه – أنه لم يكن يقنت ، فدل على أن قنوته كان في وقت نازلة (6) .
7 – وأما قول سعيد – رضي الله عنه – عن ابن عمر أنه نسي :
فالجواب عنه: أن نسبة ابن عمر إلى النسيان في مثل هذا في غاية البعد ، وإنما يقرب ادعاؤه في الأمور التي تسمع وتحفظ ، أو الأفعال التي تفعل أحياناً في العمر ، أما فعل يقصد الإنسان إلى فعله كل غداة ، مع خلق كلهم يفعله ثم من صبح إلى صبح ينساه بالكلية ويقول : «ما شهدت ولا علمت»، ويتركه مع أنه يصبح فيرى غيره يفعله فلا يتذكر ، فلا يكون مع شيء من العقل .
__________
(1) ... فتح القدير (1/432) .
(2) ... زاد المعاد (1/274) .
(3) ... زاد المعاد (1/274) .
(4) ... كما سبق بيانه ، ص (350).
(5) ... البناية (2/591) .
(6) ... ينظر : المغني ، (2/586) ، وقال ابن التركماني في تعليقه على سنن البيهقي (2/290) : (والطرق التي أوردها البيهقي عن عمر – رضي الله عنه – في القنوت لا يخلو عن نظر ، كما مر بيانه ...، والمشهور عنه عدمه على ما يقتضيه الأسانيد الصحيحة التي ذكرناها) .(1/190)
وبما قدمناه إلى هنا قطع بأن القنوت لم يكن سنة راتبة ، إذ لو كان راتبة يفعله × كل صبح ويرفع صوته ، ويؤمن عليه أصحابه دائماً إلى أن فارق الدنيا ، ثم لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة ، بل يضيعه أكثر أمته وجمهور أصحابه ، بل كلهم ، حتى يقول من يقول منهم : إنه محدث ، بل كان سبيله أن ينقل كنقل جهر القراءة ومخافتتها وأعداد الركعات .
وأقرب الأمور في توجيه نسبة سعيد النسيان لابن عمر إن صح عنه أن يراد قنوت النازلة ، يعني قنت مع أبيه في النازلة ولكنه نسي ، فإن هذا شيء لا يواظب عليه لعدم لزوم سببه (1) .
8 – وأما قولكم أنه يقنت في النوازل في كل صلاة : لحديث : (قنت رسول الله × شهراً متتابعاً في كل صلاة..).
فالجواب عنه: أن هذا الحديث غير صحيح لعلل :
إحداها : أنه خبر لا يعرف له مخرج يصح عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.
والثانية : لأنه من نقل عكرمة (2) ، عن ابن عباس ، وفي نقل عكرمة عندهم نظر يجب التثبت فيه أجله .
__________
(1) ... ينظر : فتح القدير (1/433 – 434) ، وزاد المعاد (2/271) ، والبناية (2/594) ، والفتاوى
(22/270) ، وإعلام الموقعين (2/390) .
(2) وعكرمة هو : عكرمة ، أبو عبد الله القرشي ، مولى ابن عباس ، العلامة ، الحافظ ، المفسر ، المدني البربري الأصل . حدث عن : ابن عباس ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وابن عمر وغيرهم .
وحدث عنه : إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وماتا قبله ، وعمرو بن دينار.كان أعلم تلاميذ ابن عباس بالتفسير ، وكان يرى رأي الخوارج ، رأى الصفرية : وكان أحمد يحتج بحديثه ، وقال البخاري : ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة ، توفي سنة 105هـ على الأصح.
... ينظر في ترجمته: طبقات بن سعد (5/287)، وميزان الاعتدال (3/93)، وسير أعلام النبلاء (5/12).(1/191)
والثالثة : أن المعروف عن ابن عباس من روايته القنوت في الصبح إنما هو عن عمر – رضي الله عنه – دون الرواية عن النبي × (1) .
9 – وأما قولكم في الجواب عن حديث أبي مالك الأشجعي أن الآثار تعارضت فنقدم المثبت ...الخ .
فالجواب عنه: أننا نحن لا نقول أن ههنا تعارضاً حتى نعمل بالمثبت ، بل ندعي النسخ كما ذكرنا وجهه ، وممن قال بالنسخ ههنا الزهري ، والله أعلم (2) .
أما قولكم : «أن ذلك من كَلَبْ العدو ومقارعته معنى دائم ...» .
فالجواب عنه : أنه لم يقل بهذا أحد ، ولم يزل النبي × محارباً للمشركين إلى أن توفاه الله ، ولم يقنت في الصلوات ؛ لأنه لو قنت فيهن لأشتهر النقل به (3) .
فاتضح مما سبق أن القنوت في الفجر لم يكن سنة راتبة استمر عليها إلى أن مات ؛ ولهذا صرح العلماء – رحمهم الله - : «بأنه لا يصح في هذا الباب شيء عن رسول الله × » (4) ، يعني مداومة القنوت في الفجر.
القول الثالث : لا يشرع القنوت في شيء من الصلوات ، بل ذلك بدعة .
وهذا قول بعض المالكية (5) ، ووجه عند الشافعية (6) ، ورواية عند الحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أم سلمة – رضي الله عنها – عن النبي × : (أنه نهى عن القنوت في الصبح) (8) .
__________
(1) ... ينظر : تهذيب الآثار (2/1) والمغني (2/588) .
(2) ... عمدة القاري (7/23) .
(3) ... ينظر : مختصر اختلاف العلماء (1/215) .
(4) ... التحديث بما لا يصح فيه حديث ص 59 ، ونسبه للموصلي في كتاب المغني عن الحفظ والكتاب في قولهم : «لا يصح شيء في هذا الباب» ص 281 – 284 .
(5) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/248) ، ومواهب الجليل (1/536) .
(6) ... ينظر : المجموع (3/437) .
(7) ... ينظر : الانصاف (2/170) .
(8) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب من لم ير القنوت في الصبح ، برقم (3160) ،
(2/303) ، والدار قطني ، باب صفة القنوت ، (2/38) . وقال: (حديث مرسل ، لأن نافعاً لم يلق أم سلمة ، ولا يصح سماعه منها ، ومحمد بن يعلى زنبور، وعبد الله بن نافع وعنبسة ، كلهم ضعفاء) ، وضعفه الزيعلي في نصب الراية (2/129) ، وأخرجه ابن ماجه ، كتاب إقامة الصلوات ، باب ما جاء في القنوت في الفجر ، برقم (1242) ، ص 2550 . وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/80): (هذا إسناد ضعيف).(1/192)
2 – وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : (ما قنت رسول الله × في شيء من صلاته) (1) .
3 – وعن ابن عباس – رضي الله عنه – «القنوت في الصبح بدعة» (2) .
4 – وفي الموطأ : أن عبد الله بن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلاة (3) .
وعن أبي مجلز (4) قال : «صليت مع ابن عمر – رضي الله عنهما – الصبح فلم يقنت ، فقلت له : لا أراك تقنت ؟ فقال : ما أحفظه عن أحد من أصحابنا» (5) .
أجاب القائلون بمشروعية القنوت :
أنه ثبت من فعل النبي × فهو مرتفع عن درجة المباح (6) . فكيف يكون بدعة.
1- وأما حديث أم سلمة – رضي الله عنها - : (أنه نهى عن القنوت) .
فالجواب عنه:أنه حديث ضعيف ؛ لأنه مسلسل بالضعفاء ، كما ثبت في تخريجه .
2- وأما حديث ابن مسعود: (لم يقنت في شيء من صلاته..).
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في السنن، كتاب الصلاة ، باب من لم ير القنوت الصبح ، برقم (3154) ، (2/301)، وقال : (فيه محمد بن جابر السحيمي وهو متروك) ، وأورده الهيثمي في المجمع بنحوه ، (2/136) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، وقال : (محمد بن جابر اليامي وهو صدوق ولكنه كان أعمى واختلط عليه حديثه وكان يلقن) .
(2) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب من لم ير القنوت في الصبح ، برقم (3159) ،
(2/303)، وقال: (لا يصح ، وأبو ليلى الكوفي متروك) ، وأخرجه ابن شيبة في مصنفه ، باب من كان لا يقنت في الفجر ، (2/311) ، والدار قطني في صفة القنوت ، (2/41) ، وقال أبو الطيب في تعليقه: (والحديث ضعيف ، لأن محمد بن أبان ، وأباه مجهولان) ، وضعفه الألباني في الأرواء (2/183) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (362) .
(4) ... سبقت ترجمته ، ص (347) .
(5) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب من لم ير القنوت في الصبح، برقم (3157) ،
(2/302)، وأورده الهيثمي في المجمع ، باب القنوت (2/137) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير، وقال: (رجاله ثقات) .
(6) ... فتح الباري (2/568) .(1/193)
فالجواب عنه: أنه حديث شديد الضعف ؛ لأن فيه راوياً متروكاً.
3- وكذا حديث ابن عباس ضعيف جداً ، فيه راوٍ متروك .
4- وأما حديث ابن عمر. فالجواب عنه: أنه لم يحفظه أو نسيه وقد حفظه أنس والبراء بن عازب ، وغيرهما فقدم من حفظ (1) .
القول الرابع : لا يشرع القنوت في شيء من الصلوات ، إلا إذا نزلت نازلة فيستحب القنوت في الصلوات الخمس خلا الجمعة .وهذا الصحيح من مذهب الحنابلة (2) ، واختاره ابن تيمية (3) ، وابن القيم (4) ، وابن حجر من الشافعية (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : (بينما النبي × يصلي العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده ، ثم قال : اللهم إنج عياش بن ربيعة ... الحديث) (6) .
2 – عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : (أنه سمع النبي × إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول : اللهم العن فلاناً ...الحديث) (7) .
3 – عن البراء بن عازب قال : (قنت رسول الله × في صلاة المغرب والفجر) (8) .
4 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال (لأقربن بكم صلاة رسول الله × ، فيه: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة، وصلاة الصبح) (9) .
5 – وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : (قنت رسول الله × شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح) (10) .
__________
(1) ... ينظر : المجموع (3/446) ، والبيهقي في السنن (2/302) .
(2) ... ينظر : الإنصاف (2/171) ، والإقناع (1/145) ، والفروع (1/484) .
(3) ... ينظر : الفتاوى (23/102) .
(4) ... ينظر : زاد المعاد (1/271) .
(5) ... ينظر : التلخيص الحبير (1/401) .
(6) ... سبق تخريجه ، ص (354) .
(7) ... أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب (ليس لك من الأمر شيء)، برقم (4559)، ص 375.
(8) ... سبق تخريجه ، ص (346) .
(9) ... سبق تخريجه ، ص (350) .
(10) ... سبق تخريجه ، ص (353) .(1/194)
هذه الأحاديث صحيحة صريحة في أنه إذا نزلت نازلة يشرع القنوت في جميع الصلوات ، ولا يخص القنوت بالفجر .
6 – أن النبي × لم يكن يخص الفجر بالقنوت ، بل كان أكثر قنوته فيها لأجل
ما شرع فيها من التطويل ، ولاتصالها بصلاة الليل ، وقربها من السحر ، وساعة الإجابة (1) .
وأما كونه لا يشرع القنوت في الجمعة ؛ فالدليل عليه ما يلي :
1 – عن نافع قال : «لم يكن عبد الله بن عمر يقنت في الفجر ، والجمعة» (2) ، وهكذا روي عن المغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وعلي بن أبي طالب أنهم كانوا لا يقنتون في الجمعة (3) .
2 – وعن إبراهيم قال : «القنوت في الجمعة بدعة» وهكذا روي عن السلف أنهم كانوا يكرهون القنوت في الجمعة (4) .
3 – ولأنها صلاة مستقلة لا تدخل في مسمى الظهر عند الإطلاق (5) . وللاستغناء عنه بالدعاء في خطبتها (6) .
وقيل : الظاهر أنه يقنت حتى في صلاة الجمعة (7) ، لحديث رواه البراء بن عازب : «أن النبي × كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيه» (8) .
__________
(1) ... ينظر : زاد المعاد (1/273) .
(2) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/137) باب في القنوت في الجمعة .
(3) ... أخرجه ابن أبي شيبة (نفس الإحالة السابقة) .
(4) ... نفس الإحالة السابقة ، ونسبه إلى مكحول ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم .
(5) ... الشرح الممتع (4/62) .
(6) ... كشاف القناع (2/500) ، والشرح الممتع (4/62) .
(7) ... الإنصاف (2/172) ، والشرح الممتع (4/64) .
(8) ... أخرجه الدار قطني في سننه ، باب صفة القنوت ، (2/37) ، وأخرجه البيهقي في السنن ، باب القنوت في الصلوات عند النازلة ، برقم (3092) ، (2/283) .
وأورده الهيثمي في المجمع في كتاب الصلاة، باب القنوت ، (2/139) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، وقال : (رجاله ثقات) ، وفي إسناده محمد بن أنس قال عنه ابن حجر في التقريب (2/157) : (صدوق ، يغرب) ، وقال ابن القيم في زاد المعاد (1/280): (هذا الإسناد لا تقوم به حجة) .(1/195)
فيدل على مشروعية القنوت في الجمعة لدخولها في كونها صلاة مكتوبة.
فالجواب عنه من وجهين:
أ – أنه حديث لا تقوم به حجة لضعف إسناده.
ب – وعلى فرض صحته فيحمل على أن المقصود بالقنوت الدعاء ، فيكون الحديث صحيح من جهة المعنى فإن النبي × لم يصل صلاة مكتوبة إلا دعا فيها (1) .
قال الشافعي – رحمه الله – (2) : «حكى عدد صلاة النبي × الجمعة فما علمت أحداً منهم حكى أنه قنت فيها إلا أن تكون دخلت في جملة قنوته في الصلوات كلهن حين قنت على قتلة أهل بئر معونة» .
القول الخامس : يشرع القنوت في النوازل في الفجر والمغرب فقط . وهذا رواية عند الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – أن رسول الله × (قنت في الصبح والمغرب) (4) .
2 – وروي عن علي – رضي الله عنه - : «أنه قنت في المغرب» (5) .
3 – وعن أنس – رضي الله عنه – قال : «صلاتان كان يقنت فيهما المغرب والفجر» (6) .
4 – و لأنهما صلاتا جهر في طرفي النهار (7) .
يمكن الإجابة عن أدلتهم :
أنه ثبت عنه × القنوت في جميع الصلوات كما في الأحاديث السابقة .
القول السادس : يستحب القنوت في النوازل في كل صلاة جهر فيقنت في الفجر والمغرب والعشاء . وهذا قول عند الحنفية (8) ، ورواية عند الحنابلة (9) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : زاد المعاد (1/280) .
(2) ... الأم (1/236) .
(3) ... ينظر : المغني (2/587) ، وشرح الزركشي (2/77) ، والانصاف (2/171) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (346) .
(5) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه،باب في القنوت في المغرب (2/318) ، والشافعي في الأم (4/174) .
(6) ... أخرجه البخاري ، في كتاب الوتر ، باب القنوت قبل الركوع وبعده ، برقم (1004) ، ص 78 .
(7) ... المغني (2/587) .
(8) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/11) .
(9) ... ينظر : المغني (2/587) ، والانصاف (2/171) .(1/196)
1 – سئل أبو جعفر عن القنوت ، فقال : «كل صلاة يجهر فيها ففيها القنوت» (1) .
2 – وقياساً على القنوت في الفجر (2) :
يمكن الإجابة عن أدلتهم :
بأنه ثبت عن النبي × أنه قنت في الظهر والعصر .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم – القول الرابع وهو مشروعية القنوت في الصلوات الخمس عند النوازل وكراهته عند عدمها (3) وذلك لأمور :
1 – لقوة أدلته ووجاهتها .
2 – ولكونه قولاً وسطاً بين الأقوال وبه تجتمع الأدلة .
3 – ولضعف أدلة المخالفين ، بم ورد عليها من مناقشة .
ثمرة الخلاف في حكم القنوت في الفرائض تظهر في ثلاثة أمور :
1 – ترك القنوت هل يوجب سجود السهو ؟
أ – من يرى مشروعية القنوت في صلاة الصبح دائماً ، اختلفوا :
فالشافعية :يرون : أنه إذا تركه الإمام والمنفرد ناسياً ، فعليه سجود السهو ، أما إذا تركه عامداً ، كان في سجود السهو وجهان :
أحدهما : لا سجود للسهو عليه ، لأنه ليس بساه .
والثاني :عليه سجود السهو ؛ لأنه لما لزم الساهي كان العامد أولى (4) .
أما المالكية يقولون : لا يسجد للسهو ، ولو سجد بطلت صلاته ؛ لأن القنوت فضيلة (5) ،
__________
(1) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، (باب في القنوت في المغرب) (2/318) .
(2) ... المغني (2/587) .
(3) ... وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء ، (7/42) .
(4) ... ينظر : الحاوي (2/200) : شرح صحيح مسلم (5/176) ، وحاشية قليوبي (1/290) .
(5) ... ينظر : حاشية العدوي (1/239) ، والكافي ، لابن عبد البر ص 75 ، والجامع لأحكام القرآن
(4/129) ، ومواهب الجليل (1/539) ، وقال : (قال ابن الفاكهاني : القنوت عندنا فضيلة بلا خلاف أعلمه في ذلك في المذهب) ، ... الفضيلة في اللغة: الدرجة الرفيعة في الفضل ، والفضل ضد النقص ، ينظر : القاموس المحيط (4/31) . والفضيلة معناها عند المالكية : مأخوذة من الفضل
وهو في الفصل استحقاق الثواب عليه والرغبة والإرغاب إلى الفعل ليناله الفاعل، ينظر: المعونه
(2/568).(1/197)
ولأنه خفيف لا يلزم في أصله فعل ، ولا يشرع له سجود وجبران (1) .
ب – من لا يرون مشروعية القنوت في الصبح إلا للنازلة :
لا يرون سجود السهو ، كما هو قول المالكية .
فلو قصد أن يقنت للنازلة ثم تركه عامداً أو سهواً لم يسجد له (2) ، ولا يجب عليه إعادة صلاته ، وذلك أن الجميع من سلف علماء الأمة وخلفهم لا خلاف بينهم أن ترك ذلك غير مفسد صلاة مصل، وأن سجود السهو إنما يجب على المصلي عند من يوجبه بدلاً من نقص أو زيادة لم يكن له عملها في صلاته فعملها فترك القنوت فيها خارج من كلا هذين المعنين فلا وجه لإيجاب البدل منه (3) .
ولأن سجود السهو زيادة في الصلاة فلا يجوز إلا بتوقيف ، فلو فعله لشيء من ذلك ظاناً جوازه بطلت صلاته ؛ إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو بعيداً عن العلماء (4) .
2 – إذا قنت الإمام لغير نازلة ، هل يتابعه المقتدي ؟
من يرى مشروعية القنوت في الصبح لغير نازلة (5) :
قالوا : إذا أسر الإمام بالقنوت ، قنت المأموم خلفه سراً ، وإذا جهر الإمام سكت المأموم مستمعاً ولم تفسد صلاته ؛ لأنه ذكر مشروع ، ولو سكت وقد أمر بالقنوت ، لم يلزمه سجود السهو ؛ لأنه خلف الإمام (6) .
ومن لا يرى مشروعية القنوت لغير نازلة (7) :
اختلفوا على قولين :
القول الأول : من صلى خلف من يقنت في صلاة الفجر لا يقنت معه المأموم .
__________
(1) ... القبس (1/345) .
(2) ... البجيرمي على الخطيب (2/208) ، وينظر : مغني المحتاج (1/205) ، وحاشية قليوبي (1/290) .
(3) ... ينظر : تهذيب الآثار (1/42) ، والجامع لأحكام القرآن (4/129) ، والمدونة (1/102) .
(4) ... مغني المحتاج (1/206) .
(5) ... وهم المالكية والشافعية .
(6) ... ينظر : الحاوي (2/201) ، والمجموع (3/443) .
(7) ... وهم الحنفية والحنابلة .(1/198)
وهذا مذهب الحنفية (1) ، ورواية عند الحنابلة (2) .
واستدلوا بما يلي :
أن القنوت في صلاة الفجر منسوخ ، والإتباع فيه لا يجوز (3) .
ثم إذا لم يتابعه ماذا يفعل المأموم ؟
اختلفوا على ثلاثة أقوال :
الأول : يقف المقتدي قائماً ينظر الإمام ، ليتابعه فيما تجب متابعته فيه (4) ؛ لأن فعل الإمام يشتمل على مشروع وغيره ، فما كان مشروعاً يتبعه فيه ، وما كان غير مشروع لا يتبعه فيه . وهذا أظهر الأقوال عندهم (5) .
الثاني : يقعد تحقيقاً للمخالفة ؛ لأن الساكت شريك الداعي وقعوده لا يفسد صلاته؛ لأنه لا يكون مفسداً إلا إذا كان في ركن من أركان الصلاة أو شرائطها ، فأما في غير ذلك فلا (6) .
الثالث : يسلم قبل الإمام ؛ لأن الإمام اشتغل بالبدعة فلا معنى لانتظاره .
وهذا أضعف الأقوال عندهم ؛ لأنه مخالفة ظاهرة للإمام فيما هو مشروع وهو السلام (7) .
القول الثاني : من صلى خلف من يقنت في الفجر بغير سبب ينبغي له أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، فإذا قنت قنت معه ، وإن ترك القنوت لم يقنت .
__________
(1) ... ينظر : مختصر اختلاف العلماء (1/215) ، والبناية على الهداية (2/597) ، وفتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/245) .
(2) ... ينظر : الانصاف (2/170) ، والفروع (1/484) ، وقال : (صححها القاضي) .
(3) ... ينظر : مختصر اختلاف العلماء (1/215) ، والبناية (2/597) ، وفتاوى قاضيخان (1/245) .
(4) ... ينظر : فتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/245) ، والبناية (2/597) ، وفتح القدير (1/435)، والفتاوى الهندية (1/111) .
(5) ... ينظر : العناية شرح الهداية ، بهامش فتح القدير (1/435) ، والبحر الرائق (2/48) .
(6) ... ينظر : البناية (2/598) .
(7) ... ينظر : العناية (1/436) .(1/199)
وهذا مذهب الحنابلة (1) ، وقول أبي يوسف من الحنفية (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : «إنما جعل الإمام ليؤتم به» (3) .
2 – وقال × : «فلا تختلفوا عليه» (4) أي على أئمتكم .
3 – وثبت عنه في الصحيح أنه قال : «يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأؤا فلكم وعليهم» (5) .
4 – إن الإمام لو قرأ في الآخيرتين بسورة مع الفاتحة وطولهما على الأوليين ؛ لوجبت متابعته في ذلك ؛ لأن مسابقة الإمام لا تجوز فكذلك هنا ،ولهذا كان عبد الله بن مسعود قد أنكر على عثمان التربيع بمنى ، ثم إنه صلى خلفه أربعاً، فقيل له في ذلك ، فقال : الخلاف شر (6) (7) .
5 – ولأن الأصل هو المتابعة ، والقنوت في الفجر مجتهد فيه ، فلا يترك الأصل لأمر مجتهد فيه (8) .
الترجيح :
الراجح هو القول الثاني وهو أن المأموم يتابع إمامه في القنوت وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولضعف دليل المخالفين .
بناء على ذلك يؤمن المأموم على دعاء إمامه ، أو يدعو إن لم يسمعه (9) .
3 – المسبوق إذا أدرك الركعة الأخيرة من الصبح هل يقنت في ركعة القضاء أم لا ؟
__________
(1) ... ينظر : المستوعب (1/180) ، والفتاوى (22/267) و(23/116) .
(2) ... ينظر : مختصر اختلاف العلماء (1/215) ، والبناية على الهداية (2/597) ، والبحر الرائق (2/48) .
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ، برقم (689) ، ص 55 .
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب التسبيح والتحميد ، برقم (414) ، ص 744 .
(5) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب إذا لم يتم الإمام ...، برقم (694) ، ص 56 .
(6) ... ينظر : الفتاوى (23/116) .
(7) ... أخرجه أبو داود ، باب الصلاة بمنى ، برقم (1960) ، ص 1368 ، وبنحوه عند البخاري في باب التقصير ، برقم (1084) ص 85 .
(8) ... ينظر : البناية (2/597) ، والبحر الرائق (2/48) .
(9) ... ينظر : الانصاف (2/170) .(1/200)
القائلون بمشروعية القنوت في صلاة الفجر ، اختلفوا :
المشهور عند المالكية (1) : أنه يقنت ، لأنه من البناء على الأفعال (2) .وحكمه حكم الفذ ، لأنه يدعو ويؤمن على دعائه (3) . وقيل : لا يقنت ؛ لأنه يقضي الركعة الأولى ، وهي لم يكن فيها قنوت وقد تقرر أن المسبوق يقضي الأولى (4) .
قالوا : في هذا نظر ، لأن المراد بالأقوال التي يقضيها المسبوق القراءة خاصة أما غيرها من الأقوال كالقنوت وما يقال في الرفع من الركوع فمنزلة الفعل (5) . أما من أدرك ركعة مع الإمام وقنت ، لم يقنت في قضائه (6) .
أما على القول بعدم مشروعية القنوت في الفجر إلا لنازلة لا يرون القضاء على المسبوق ؛ لأنه سنة فات محلها .
المسألة الثانية : ضابط النازلة (7) :
يشرع القنوت لكل أمر نزل بالمسلمين ، من خوف عدو ، وحدوث حادث كغلاء الأسعار ، وضيق المكاسب ، وتعذر الأقوات (8) .
وكطلب النصر على الأعداء ؛ لاعتدائهم على المسلمين وقتلهم ظلماً وعدواناً ، وحبس ضعفائهم ، وتعذيبهم بأنواع العذاب (9) ، وكخوف عدو ؛ للأحاديث الصحيحة أنه × قنت شهراً يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة (10) لدفع تمرد القاتلين ، لا لتدارك المقتولين لتعذره (11) .
__________
(1) ... ينظر : مواهب الجليل (2/39) ، وحاشية العدوي (1/239) .
(2) ... حاشية العدوي (1/239) .
(3) ... مواهب الجليل (2/39) .
(4) ... هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم وهي : المسبوق هل يقضي أول صلاته أو آخرها ؟
(5) ... حاشية العدوي (1/239) .
(6) ... ينظر : مواهب الجليل (1/539) .
(7) ... النازلة في اللغة : الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس ، ينظر: لسان العرب (11/658) ، مادة : نزل.
(8) ... ينظر : عارضة الأحوذي (2/163) ، والحاوي(3/153) .
(9) ... ينظر : الفتح الرباني (3/302) ، والفتاوى (23/102) .
(10) ... سبق تخريجها، ص (349) .
(11) ... ينظر : حاشية قليوبي (1/231) ، والفتوحات الربانية (2/288) .(1/201)
ولا فرق بين نزولها بعامة المسلمين ، أو خاصتهم إذا كان يعود ضررها على المسلمين ، كأسر عام أو شجاع في أسره ضرر على المسلمين (1) .
أما الأمراض والأوبئة كالطاعون ، إذا نزل بالمسلمين ، هل يشرع الدعاء برفعه أمر لا ؟ على قولين :
القول الأول : يستحب القنوت لرفع الوباء . وهذا ظاهر مذهب الحنفية (2) ، والمعتمد عند الشافعية (3) ، ورواية عند الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – لأن الطاعون من أشد النوازل (5) .
2 – ولأن غاية أمره أن يكون كملاقاة العدو ، وقد ثبت سؤاله عليه الصلاة والسلام العافية منه فيكون دعاء برفع المنشأ (6) ، وليس دعاء برفع الشهادة؛ لأنه أثره لا عينه (7) .
القول الثاني : لا يستحب القنوت لرفع الطاعون . وهذا الأظهر من قولي الحنابلة (8) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أنه لم يثبت عن النبي × الدعاء برفع الطاعون ، بل ثبت عنه أنه دعا به وطلبه لأمته (9) ، قال × : (اللهم اجعل فناء أمتى قتلاً في سبيلك بالطعن والطاعون) (10) .
__________
(1) ... ينظر : مغني المحتاج (1/168) ، والبجيرمي على الخطيب (2/206) ، حاشية قليوبي (1/233).
(2) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/11) و (2/198) ، ومنحة الخالق على البحر الرائق (2/181) .
(3) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (5/176) ، وحاشية قليوبي (1/233) .
(4) ... ينظر : الانصاف (2/172) .
(5) ... حاشية ابن عابدين (2/11) .
(6) ... حاشية ابن عابدين (2/198) .
(7) ... منحه الخالق على البحر الرائق (2/181) .
(8) ... ينظر : الانصاف (2/172) ، والفروع (1/485) .
(9) ... ينظر : إصلاح المساجد ص 190 .
(10) ... أخرجه أحمد ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الطب ، باب الطاعون والوباء ، (17/204)) ، وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الجنائز ، باب في الطاعون ، (2/311) ، وعزاه إلى أحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني ، وقال : (رواه أحمد بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/70) .(1/202)
2 – أن الطاعون وقع في عهد الصحابة كما في طاعون عمواس ولم ينقل عن أحد منهم أنه قنت لرفعه أو أمر به ، ووقع مرات عديدة في زمن التابعين ومن بعدهم ، ولم ينقل عنهم القنوت لرفعه ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه (1) .
3 – ولأنه شهادة للأخيار، فلا يسأل رفعه (2) ، كما في الحديث: (المطعون شهيد) (3) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الثاني وهو عدم مشروعية القنوت لرفع الطاعون، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ولضعف دليل المخالفين .
المسألة الثالثة : محل القنوت في الفرائض :
اختلف العلماء في محل القنوت على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يستحب القنوت قبل الركوع .وهذا مشهور مذهب مالك (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 - عن عاصم الأحول (5)
__________
(1) ... ينظر : إصلاح المساجد ص 190 ، والدرر السنية (4/178) ، والمسجد في الإسلام ص 352 .
(2) ... الانصاف (2/172) ، وينظر : الدرر السنية (4/178) ، والشرح الممتع (4/59) ، وإصلاح المساجد ص 190 .
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الطب ، باب ما يذكر في الطاعون ، برقم (5733) ، ص 490 .
(4) ... ينظر : التلقين ، (1/102) ، الكافي ، ص 74 ، حاشية العدوي ، (1/239) .
(5) ... هو : عاصم بن سليمان ، أبو عبد الرحمن البصري ، الأحول ، محدث البصرة ، ومحتسب المدائن .
... روى عن : أنس بن مالك ، وأبي العالية ، وأبي عثمان النهدي . وروى عنه : قتاده ، وشعبة ، وهثيم ، وثابت وغيرهم كثير . قال ابن مهدي : كان عاصم الأحول من حفاظ أصحابه ، ووثقه أحمد ، وابن معين ، وأبو زرعة ، وطائفة ، توفي سنة 431هـ .
... ينظر في ترجمته: تهذيب التهذيب (5/40)، وشذرات الذهب (1/210)، وسير أعلام النبلاء(6/13).(1/203)
قال : «سألت أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن القنوت ، فقال : قد كان القنوت ، قلت : قبل الركوع أو بعده ؟ قال : قبله ، قال : فإن فلاناً أخبرني عنك أنك قلت : بعد الركوع ، فقال : كذب ، إنما قنت رسول الله × بعد الركوع شهراً ...الحديث» (1) .
وجه الدلالة : فهذا نص في موضع الخلاف (2) ، فيدل على أن السنة في القنوت مطلقاً أن يكون قبل الركوع سواء كان في الفرض أو الوتر لما ورد في رواية أخرى عن عاصم الأحول قال : «سألت أنساً عن القنوت في الصلاة ؟» (3) أي جميع صلوات الفرض (4) .
2 – عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : (قنت رسول الله × في صلاة الغداة بعد الركوع ، وقنت أبو بكر – رضي الله عنه – بعد الركوع ، وقنت عمر – رضي الله عنه – بعد الركوع، وقنت عثمان – رضي الله عنه – بعد الركوع صدراً من خلافته ، ثم طلب إليه المهاجرون والأنصار ، فقدم القنوت قبل الركوع) (5) .
وجه الدلالة : دل على أن القنوت قبل الركوع ، آخر ما استقر عليه فعل عثمان – رضي الله عنه – بمحضر من الصحابة – رضي الله عنهم (6) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الوتر ، باب القنوت قبل الركوع ، وبعده ، برقم (1002) ، ص 78 ، ومسلم، كتاب المساجد، باب استحباب القنوت إذا نزلت نازلة ...، برقم 677، ص 783 .
(2) ... المنتقى (2/289) .
(3) ... أخرجها البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة الرجيع ، برقم (4096) ، ص 335 .
(4) ... ينظر : عمدة القاري (7/19) .
(5) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1047) ، (2/11) ، والبيهقي في السنن ، باب الدليل على القنوت بعد الركوع ، برقم (3137) ، (2/296) ، وقال : (خليد بن دعلج لا يحتج به) ، وقال في تحفة الأحوذي (2/463) : (قال العراقي : إسناده جيد) ، وينظر : نيل الأوطار (3/52) ، وصحح إسناده الألباني في الإرواء (2/161) .
(6) ... ينظر : حاشية العدوي (1/239) .(1/204)
3 – أن رسول الله × كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع (1) .
وجه الدلالة :مفهومه : أنه إنما يكون بعد الركوع عند إرادة الدعاء على قوم أو لقوم (2) .
4 – سأل رجل أنساً عن القنوت ، أبعد الركوع أو عند فراغ من القراءة ؟ قال: (لا، بل عند الفراغ من القراءة ) (3) .
5 – أن هذا فعل الصحابة – رضي الله عنهم - :
أ – عن عمر وعلي وأبي موسى أنهم قنتوا في الفجر قبل الركوع (4) ، فقد كان عمر – رضي الله عنه – «يقول في صلاة الصبح بعد القراءة قبل الركوع : اللهم إياك نعبد ...الحديث» (5) .
ب – وعن علي – رضي الله عنه – أنه كان يقنت في صلاة الصبح قبل الركوع (6) .
ج – وعن أبي رجاء قال : صليت مع ابن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة فقنت بنا قبل الركوع (7) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (348).
(2) ... فتح الباري ، (8/74) .
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة الرجيع ، (4088) ، ص 335 .
(4) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/313) ، وأخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ، باب القنوت قبل الركوع ، ص 293 .
(5) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، باب ما يدعو به في قنوت الفجر (2/312)، والبيهقي في سننه (2/299)، برقم (3144) وقال: (إسناده صحيح)، وقال الألباني في الإرواء (2/170) عن رواية أبي شيبة: (هذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ولولا عنعنه ابن جريج لكان حرياً بالصحة)، وصحح رواية البيهقي في الإرواء (2/171).
(6) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/313) ، والطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1116) ، (2/28) ، وقال الألباني في الإرواء ، (2/166) : (أما الرواية عن علي فلا تصح لا قبل الركوع ولا بعده) .
(7) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1118) ، (2/28) ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، باب القنوت قبل الركوع وبعده ، (2/313) .
... قال الألباني في إرواء الغليل (2/165) : (وروى الطحاوي ، وابن أبي شيبة من طرق أخرى عن عمر أنه قنت في الفجر قبل الركوع ، وبعضها صحيح الإسناد ، وروى ابن أبي شيبة مثله بإسنادين عن ابن عباس ، وكلاهما صحيح) .
... وأبو رجاء هو : عمران بن ملحان التميمي البصري ، الإمام الكبير ، شيخ الإسلام ، أدرك الجاهلية ، وأسلم بعد فتح مكة ، ولم ير النبي × . حدث عن : عمر ، وعلي ، وعبد الله بن عباس وهو أسن منه.
... وحدث عنه : أيوب ، وابن عون ، وصخر بن جويريه ، وخلق كثير . كان عابداً ، كثير الصلاة وتلاوة القرآن ، عمر طويلاً ، أزيد من مئه وعشرين سنة ، توفي سنة 105هـ ، وقيل 107هـ ، أو 108هـ .
... ينظر في ترجمته: أسد الغابة (6/108) ، وطبقات ابن سعد (7/138) ، وشذرات الذهب (1/130) .(1/205)
د – وعن البراء – رضي الله عنه – أنه كان يقنت قبل الركعة (1) .
هـ- وعن أنس – رضي الله عنه – أنه قنت قبل الركوع في صلاة الغداة (2) .
وهكذا عن التابعين أنهم قنتوا قبل الركوع (3) .
6 – ومن جهة المعنى : أن القنوت قبل الركوع أولى ؛ لأنه سبب لإدراك صلاة بعض من يأتي ممن سبقه الإمام ، وإذا جعل بعد الركوع لم يكن فيه فائدة (4) ، فلذلك قنتوا قبل الركوع لما كان أصلح للأمة ، وأرفق بهم في إدراكهم الركعة (5) .
القول الثاني : يستحب القنوت بعد الركوع .وهذا مذهب الحنفية (6) ، وبعض المالكية (7) ، ومذهب الشافعية (8) والحنابلة (9) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال : قنت رسول الله × شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة (10) .
2 – عن أنس بن مالك : أن النبي × قنت شهراً يدعو عليهم بعد الركوع (11) .
__________
(1) ... أخرجه الطبري بنحوه في تهذيب الآثار ، برقم (1120) ، ص 29 ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، في قنوت الفجر قبل الركوع (2/313) .
(2) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1117) ، ص 28 .
(3) ... روى عنهم الطبري في تهذيب الآثار (28 – 29) ، وابن أبي شيبة في مصنفه ص 312 – 314 .
(4) ... المنتقى (2/289) .
(5) ... ينظر : القبس (1/345) ، والمعونة (1/113) .
(6) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/12) .
(7) ... ينظر : المنتقى (2/28) ، وحاشية العدوي (1/239) .
(8) ... ينظر : الحاوي (2/201) ، والمجموع (3/447) ، وشرح صحيح مسلم (5/176) .
(9) ... ينظر : مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود ص 59 ، والمستوعب (2/179) ، وزاد المعاد (1/282) .
(10) ... سبق تخريجه ، ص (353) .
(11) ... أخرجه أحمد في المسند ، ينظر: (الفتح الرباني ، أبواب القنوت ، باب القنوت في الصبح ، برقم (692)، (3/298)) .(1/206)
3 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : (كان رسول الله × يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: (سمع الله لمن حمده) ثم يقول وهو قائم : (اللهم انج الوليد بن الوليد ..) (1) .
4 – كان × في صلاة الفجر إذا قال سمع الله لمن حمده ، قال : (أسلم سالمها الله ، وغفار غفر الله لها ، وبني عصية عصت الله ورسوله ، اللهم العن رعلاً وذكوان وبني لحيان ، ثم قال : الله أكبر وسجد) (2) .
وجه الدلالة :
هذه أحاديث صحيحة صريحة في أن القنوت في الفرض يكون بعد الركوع.
وهكذا روي عن أكابر الصحابة أنهم قنتوا بعد الركوع :
أ – عن أبي رافع قال : قنت عمر في صلاة الصبح بعد الركوع وأسمعنا ذلك (3) .
ب – وعنه قال : صليت خلف عمر – رضي الله عنه – سنتين فقنت بعد الركوع (4) .
ج – عن العوام بن حمزة قال : سألت أبا عثمان عن القنوت ؟ فقال : بعد الركوع ، فقلت : عمن ؟ فقال : عن أبي بكر وعمر وعثمان (5) .
5 – ولأن القنوت دعاء، ومحل الدعاء بعد الركوع ، فوجب أن يؤتى به في محله (6) .
6 – ولأن ما شرع من الذكر قبل الركوع فمحله قبل القراءة ؛ كالتوجه والاستعاذة، فلما ثبت أن القنوت لا يتقدم القراءة ، ثبت أنه لا يتقدم الركوع (7) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (350).
(2) ... سبق تخريجه ، ص (124) .
(3) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1077) ، (2/19) .
(4) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1078) ، (2/20) .
(5) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب الدليل على أنه يقنت بعد الركوع ، برقم (3132) ،
(2/295) ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، في قنوت الفجر قبل الركوع ، (2/312) ، وقال الألباني في إرواء الغليل (2/164) : (وإسناده حسن) .
(6) ... الحاوي (2/202) .
(7) ... المصدر السابق ، والصفحة نفسها.(1/207)
7 – ولما كان قول من رفع رأسه بعد الركوع سمع الله لمن حمده ، وهو دعاء كان هذا الموضع للقنوت الذي هو دعاء أشبه (1) .
وأجابوا على أدلة القائلين أنه قبل الركوع :
1 – أما حديث أنس – رضي الله عنه – القنوت قبل الركوع :
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : هذا الحديث روي عن أنس من وجوه خلاف ذلك ، فروي عنه أنه قنت رسول الله × ثلاثين صباحاً ، وروي عنه أنه إنما قنت عشرين يوماً ، وروي عنه أنه قنت شهراً قبل الركوع ، فكلهم أخبروا عن أنس خلاف ما رواه محمد بن سيرين عنه ، فلم يجز لأحد أن يحتج في حديث أنس بأحد الوجهين بما روي عنه؛ لأن لخصمه أن يحتج عليه بما روي عنه مما يخالف ذلك (2) .
والثاني : إذا قلنا أن أحاديث أنس غير متناقضة ، وهذا هو الصحيح ؛ لأن القنوت الذي ذكره قبل الركوع غير القنوت الذي ذكره بعده ، والذي وقته غير الذي أطلقه ، فالذي ذكره قبل الركوع هو إطالة القيام للقراءة ، وهو الذي قال فيه النبي × : (أفضل الصلاة طول القنوت) (3) .
والذي ذكره بعده ، هو إطالة القيام للدعاء ، فعله شهراً يدعو على قوم ، ويدعو لقوم ، ثم استمر يطيل هذا الركن للدعاء والثناء ، إلى أن فارق الدنيا (4) ، وقال ابن حجر (5) : «مجموع ما جاء عن أنس في ذلك : أن القنوت للحاجة بعد الركوع ، لا خلاف عنه في ذلك» .
2- أما قنوت عثمان – رضي الله عنه – وأنه كان قبل الركوع :
فالجواب عنه :
أنه كان يقنت بعد الركوع زماناً طويلاً ، ثم قال : «قد كبر الناس ، فأرى أن يكون القنوت قبل الركوع ليلحق الناس الركعة ولا تفوتهم» وكان هذا منه رأياً رآه ، وقد قنت أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – بعد الركوع (6) .
__________
(1) ... الأم (1/168) .
(2) ... ينظر : عمدة القاري (7/17) ، الفتوحات الربانية (2/292) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (359) .
(4) ... ينظر : زاد المعاد (1/282) .
(5) ... فتح الباري (2/569) .
(6) ... الحاوي (2/202) .(1/208)
3 – وأما استدلالكم بقول أنس: «أنه كان إذا أراد أن يدعو قنت بعد الركوع».
فالجواب عنه : أن مفهوم الحديث أن القنوت لا يشرع إلا في هذه الحالة (1) ، يؤيده قول أنس – رضي الله عنه - : (أن النبي × كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على آخرين) (2) .
4 – وأما ما روي عن الصحابة أنهم قنتوا قبل الركوع .
فالجواب عنه : أن رواة القنوت بعد الركوع أكثر وأحفظ فهو أولى ، وعلى هذا درج الخلفاء الراشدون في أشهر الروايات عنهم وأكثرها (3) .
القول الثالث : التخيير بعد الركوع أو قبل الركوع.وهذا مذهب المالكية (4) ، وقول بعض الشافعية (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أنس – رضي الله عنه – أنه سئل عن القنوت في صلاة الصبح ، فقال : «كنا نقنت قبل الركوع ، وبعده» (6) .
2 – ولأن كل ذلك قد جاءت به الأحاديث عن النبي × وروي عن الصدر الأول من الصحابة (7) .
الترجيح :
__________
(1) ... ينظر : فتح الباري (8/74) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (358) .
(3) ... السنن الكبرى للبيهقي (2/295) ، وينظر : المجموع (3/448) .
(4) ... ينظر : المعونة (1/113) ، والقبس (1/342) ، وعارضة الأحوذي (2/163) .
(5) ... ينظر : المجموع (3/447) .
(6) ... أخرجه ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب القنوت قبل الركوع وبعده ، برقم (1183) ، ص 4564، قال البوصيري في الزوائد (2/52) : (إسناده صحيح ، ورجاله ثقات) ، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل (2/161) وقال : (لكن قوله : بعد الركوع ، شاذ لعدم وروده في الطرق) كما أخرجها المروزي في المختصر ص 293 ، مطلقة بدون تقييد بصلاة الصبح .
(7) ... ينظر : المعونة (1/113) ، والمجموع (3/447) .(1/209)
من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم – القول الثاني وهو أن القنوت عند النازلة يكون بعد الركوع ، وذلك لأنه الثابت من فعل النبي × (1) .ولأن القائلين بأنه قبل الركوع مبني على القول الضعيف وهو : مشروعية القنوت في الصبح مطلقاً .
وعليه: فيأتي بالدعاء بعد فراغه من التحميد ، إن شاء بعد قوله «من شيء بعد» وإن شاء أتى بالدعاء بعد الفراغ من التحميد كله ولا حرج عليه ؛ لأن التحميد مفتاح الدعاء (2) .
ثمرة الخلاف :
تظهر ثمرة الخلاف في محل القنوت فيما يلي :
إذا نسي وقنت قبل الركوع ، فما الحكم ؟
1 – القائلون بأن محل القنوت بعد الركوع : اختلفوا على قولين :
القول الأول: لا يجزئ القنوت قبل الركوع ، ويسجد للسهو، لفعله مطلوباً قولياً لم يبطل فعله (3) ؛ ولأنه أوقع القنوت في غير محله ، فصار كمن قدم التشهد الأول قبل محله (4) ، وعلى الأصح : يعيده بعد الركوع ، ويسجد للسهو (5) .
القول الثاني : إذا قنت قبل الركوع يجزئه ، ولا سجود للسهو عليه لموضع الاختلاف فيه (6) .
__________
(1) ... وبهذا أفتت اللجنة الدائمة (7/48) .
(2) ... ينظر : التهذيب ، للبغوي (2/144) ، والفتوحات الربانية (2/292) ، والشرح الممتع (4/23).
(3) ... ينظر : حاشية قليوبي وعميرة (1/230) .
(4) ... الحاوي (2/202) .
(5) ... الأذكار ، ص 66 ، وينظر : روضة المحتاجين ص 114 .
(6) ... الحاوي (2/202) .(1/210)
وإذا نسي وقنت بعد الركوع .
2 – عند القائلين بأن محل القنوت قبل الركوع :
قالوا : لو نسي القنوت قبل الركوع فإنه يقنت بعده ، ولا يرجع من الركوع إذا تذكره هنالك ، فإن رجع أفسد صلاته ؛ لأنه لا يرجع من الفرض إلى المستحب (1) .
المسألة الرابعة : صفة القنوت في النوازل :
أولاً : لفظ القنوت :
اتفق العلماء – رحمهم الله – على أنه لا يتعين في القنوت دعاء (2) ، لأن القراءة أهم من القنوت ، فإذا لم يؤقت في القراءة في شيء في الصلاة ، ففي دعاء القنوت أولى؛ ولأن التوقيت يذهب برقة القلب ، إلا أن التزام الوارد أولى حتى لا يجري على لسانه ما يفسد صلاته (3) .
واختلفوا في اللفظ المستحب على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يستحب أن يقنت بـ «اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ...» ولا يضم إليه «اللهم أهدنا فيمن هديت ...». وهذا مشهور مذهب مالك (4) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... مواهب الجليل (1/539) ، وينظر : حاشية العدوي (1/231) ، وحاشية الدسوقي (1/248).
(2) ... حكاه النووي في المجموع عن القاضي عياض ، ينظر : المجموع (3/439) ، والمبسوط (1/165) ، وبدائع الصنائع (2/233) ، والبناية (2/601) ، والمدونة(1/102) ، والمغني (2/582) .
(3) ... ينظر : المبسوط (1/165) ، وبدائع الصنائع (2/233) ، والبناية (2/601) .
(4) ... ينظر : المدونة (1/102) ، وحاشية العدوي (1/239) ، وتقريرات محمد عليش على حاشية الدسوقي (1/249) .(1/1)
1 – بينا رسول الله × – يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأوحى إليه أن اسكت فسكت ، فقال : يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً .. لعاناً ، وإنما بعثك رحمة ، ولم يبعثك عذاباً ? ??????? ???? ???? ??????????? ?????? ????? ????????? ?????????? ????? ??????????????? ????????????? ???????????? ? قال : ثم علمه القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك، ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك ، إن عذابك الجد بالكفار ملحق (1) .
قالوا :واخترنا هذا اللفظ لأنه من رواية الإمام مالك صاحب المذهب ، ووثوقاً به، وإن لم يكن هناك دليل على خصوصه ؛ لأن القنوت ورد فيه نحو عشرين رواية لكن قدم ما رواه مالك لما مر (2) .
ولعل الأولى أن يقال : إنما اختاره لما قاله بعضهم أن أصله سورتان في مصحف ابن مسعود – رضي الله عنه – فمن قوله : (إنا نستعينك إلى قوله ونترك من يكفرك ) سورة ، وباقيه سورة (3) .
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب دعاء القنوت ، برقم (3142) ، (2/298) ، وقال: (هذا مرسل ، وقد روى عن عمر رضي الله عنه صحيحاً موصولاً)، والآية من سورة آل عمران، آية
(128).
(2) ... ينظر : الخرشي على مختصر خليل (1/283) .
(3) ... حاشية العدوي ، بهامش الخرشي على مختصر خليل ، (1/283) ، وينظر : بداية المجتهد (1/250) .(1/2)
القول الثاني : يستحب القنوت بلفظ: (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت) ، واستحبوا أن يضم إليه قنوت عمر السابق ، ولا يتعين أحدهما على الصحيح . وهذا مذهب الشافعية (1) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن الحسن بن علي – رضي الله عنه – قال : علمني رسول الله × دعوات أقولهن : (اللهم اهدني...) فذكر الحديث نحو ما تقدم (2) وزاد الراوي عن الحسن قال : ذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية ، فقال : إنه الدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته (3) .
__________
(1) ... ينظر : الحاوي (2/199) ، والأذكار ص 66 ، وحاشية قليوبي (1/314) ، (وهذا مذهب الحنفية والحنابلة في قنوت الوتر) ، ينظر : المبسوط (1/165) ، والبدائع (2/233) ، والمغني (2/582) ، والانصاف (2/166) .
(2) ... أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب القنوت في الوتر ، برقم (1425) ، ص 1329 ، والترمذي في أبواب الصلاة ، باب ما جاء في القنوت في الوتر ، برقم (464) ، ص 1689 ، وقال (هذا حديث حسن ، ولا نعرف عن النبي × في القنوت شيئاً أحسن من هذا) ، والنسائي في كتاب قيام الليل ، باب الدعاء في الوتر ، برقم (1746) ، ص 2203 ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في القنوت في الوتر ، برقم (1178) ، ص 2546 ، وأحمد في المسند ، ينظر: (الفتح الرباني ، أبواب القنوت ، باب قنوت الوتر ، برقم (707) ، (3/311) ، قال ابن حجر في النتائج (2/147) ،
(هذا حديث حسن صحيح) ، وصححه النووي في المجموع (3/438) ، والألباني في إرواء الغليل
(2/172) .
(3) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب دعاء القنوت ، برقم (3139) ، (2/297) ، وقال ابن حجر في النتائج (2/158) : (حديث حسن ، والعلاء بن صالح وثقه يحيى بن معين وجماعة ، وقال البخاري : لا يتابع) .(1/3)
2 – وعن عمر – رضي الله عنه – أنه كان يقنت في الفجر فيقول :
«بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إنا نستعينك ، ونؤمن بك ، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير ، ولا نكفرك ، ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد (1) ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إن عذابك الجد بالكفار مُلْحِق (2) ، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك» (3) .
3 – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : كان رسول الله × يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت في صلاة الفجر : (اللهم اهدنا فيمن هديت ..) (4) .
4 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله × إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح يدعو بهذا الدعاء: (اللهم اهدني فيمن هديت) (5) .
قال البيهقي (6) : «فصح بهذا كله على أن تعليم هذا الدعاء وقع لقنوت الصبح ، وقنوت الوتر» ا.هـ .
واستحبوا للمنفرد ، ولإمام قوم محصورين رضوا بالتطويل أن يضم ، إليه قنوت عمر : «اللهم إنا نستعينك ...» (7) .
واختلفوا في أيهما يقدم قنوت الحسن ، أو قنوت عمر؟ ، والأصح عندهم تقديم قنوت الحسن: «اللهم اهدني فيمن هديت»؛لأن قنوت الصبح ثابت عن النبي × (8) .
__________
(1) ... نحفد ، أي : نسرع في العمل والخدمة ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/406) .
(2) ... وملحق : أي من نزل به عذابُك ألحقه بالكُفّار ينظر: النهاية ، (4/238) .
(3) ... سبق تخريجه، ص 375 .
(4) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب دعاء القنوت ، برقم (3140) ، (2/297) ، وقال ابن حجر في النتائج (2/151) : (ابن هرمز شيخ مجهول) ، وضعفه الألباني في الإرواء ، (2/174).
(5) ... سبق تخريجه ، ص (350) .
(6) ... في السنن (2/298) .
(7) ... ينظر : المجموع (3/440) ، والبجيرمي على الخطيب (2/206) .
(8) ... ينظر : المجموع (3/440) .(1/4)
قالوا : وأي شيء قنت به من الدعاء المأثور وغيره أجزأه عن قنوته ، والمروي عن النبي × في القنوت أحب إلينا من غيره .
فأما إذا قرأ آية من القرآن ينوي بها القنوت وهي دعاء أو تشبه الدعاء ، كآخر سورة البقرة ، أو ما في معناها ، فإنها تجزئه عن قنوته ، أما إذا قرأ آية ليس فيها دعاء ، كآية الدين فوجهان ؛ أصحهما أنه لا تجزئه ؛ لأن القنوت دعاء وهذا ليس بدعاء ، ولأن قراءة القرآن في الصلاة في غير القيام مكروهة (1) .
ولا فرق في استحباب ذلك عندنا بين الصبح وباقي المكتوبات عند النازلة، ووتر رمضان (2) ، لكن ينبغي عند النازلة أن يأتي بقنوت الصبح ، ثم يختم بسؤال رفع تلك النازلة؛ فإن كانت جدباً دعا ببعض ما ورد في أدعية الاستسقاء (3) .
القول الثالث: يستحب القنوت في كل نازلة بما يناسبها. وهذا قول بعض الشافعية (4) ، ومذهب الحنابلة (5) ، واختاره ابن تيمية (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – بفعل النبي × ، فقد كان × يدعو في القنوت بدعاء مناسب للنازلة التي نزلت :
أ – فمرة : (دعا × لقوم من المستضعفين أن ينجيهم الله عز وجل حتى قدموا) (7) .
ب – ومرة قنت على قوم دعا عليهم ، على رعل وذكوان وعصية شهراً حتى قدموا تائبين (8) .
ج – ومرة دعا على قوم معينين باللعن فقال: (اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً حتى نزل قوله: ? ??????? ???? ???? ??????????? ?????? ? (9) .
__________
(1) ... ينظر : الحاوي (2/200) ، والمجموع (3/439) .
(2) ... ينظر: الفتوحات الربانية (2/307) .
(3) ... الفتوحات (3/288) .
(4) ... ينظر: حاشية قليوبي (1/232) .
(5) ... ينظر: الاقناع (1/145) ، وكشاف الاقناع (2/500) .
(6) ... ينظر: الفتاوى (22/270) ، والاختيارات الفقهية ص 65 .
(7) ... سبق تخريجه ، ص (320) .
(8) ... سبق تخريجه ، ص (349) .
(9) ... سبق تخريجه ، ص (346) ، الآية (128) من سورة آل عمران .(1/5)
د – وعن أنس – رضي الله عنه - : أن النبي × قنت في صلاة الصبح بعد الركوع قال فسمعته يدعو في قنوته على الكفرة قال وسمعته يقول: (واجعل قلوبهم كقلوب نساء كوافر) (1) .
فصار دعاء النبي × بالقنوت دعاءً مناسباً ، وعلى قدر الحاجة ، ولم يستمر (2) .
هـ– وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه : «اللهم العن كفرة أهل الكتاب ..» .
و - وكذلك علي – رضي الله عنه – لما حارب قوماً قنت يدعو عليهم ، فينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة (3) .
2 – أنه لو كان النبي × يقنت دائماً ، ويدعو بدعاء راتب ، لكان المسلمون ينقلون هذا عن نبيهم ، فإن هذا من الأمور التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها وهم الذين نقلوا عنه في قنوته ما لم يداوم عليه ، وليس بسنة راتبة ، كدعائه على الذين قتلوا أصحابه ، ودعائه للمستضعفين من أصحابه ، ونقلوا قنوت عمر وعلي على من كانوا يحاربونهم (4) .
3 – وليس المراد بالقنوت في النازلة ما يقال في الصبح ؛ لأنه لم يرد في النازلة وإنما الوارد الدعاء برفع النازلة فهو المراد هنا (5) .
__________
(1) ... أورده الهيثمي في المجمع (2/139) وعزاه إلى أبي يعلى والبزار ، قال : (وفيه حنظلة بن عبيد الله السدوسي ، ضعفه أحمد وابن المديني ، ووثقه ابن حبان) .
... قال الخطابي في شأن الدعاء ص 188 : (والمعنى : كقلوبهن في الاختلاف وقلة الائتلاف ، وآراه عنى بهن الضرائر منهن ؛ لأن ذلك أشد لاختلافهن ، ومنافسة بعضهن بعضاً) .
(2) ... ينظر : الشرح الممتع (4/62) .
(3) ... ينظر : الفتاوى (22/271) .
(4) ... الفتاوى (23/103) .
(5) ... الفتوحات الربانية (3/288) .(1/6)
ثم إن حديث الحسن بن علي – رضي الله عنهما – إنما ورد في قنوت الوتر ، فإنه قال : (علمني رسول الله × كلمات أقولهن في الوتر) ولم يذكر في الصلاة وإنما نقل إلى قنوت الفجر قياساً (1) .
وما ورد من أنه كان × يقوله في قنوت الصبح لم يصح ، لأن في أحدهما راوياً مجهولاً، وفي الآخر : راوياً متروكاً (2) .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح - والله أعلم - القول الثالث وهو أن القنوت في النازلة ليس فيه دعاء مؤقت بل يدعى لكل نازلة ما يناسبها ، وذلك لقوة أدلة القائلين بذلك ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
ثانياً : حكم الجهر بالقنوت في الفرائض :
اتفق العلماء على أنه يستحب أن يجهر الإمام بالقنوت في النوازل (3) ، واختلفوا في حكم الجهر بالقنوت في صلاة الصبح والوتر ، على ما سيأتي تفصيله قريباً .
واستدلوا على مشروعية الجهر بالقنوت في النوازل ، بما يلي :
1 – عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال : (قنت رسول الله × شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة ، إذا قال : سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة ، يدعو على أحياء من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه) (4) .
وجه الدلالة :
__________
(1) ... ينظر : جلاء الأفهام ص 361 ، والحديث سبق تخريجه، ص 383.
(2) ... أي حديث أبي هريرة ، وحديث ابن عباس السابق ص (384) .
(3) ... حكاه ابن حجر في الفتح (2/570) وينظر: مغني المحتاج (1/161) ، والبجيرمي علي الخطيب
(2/221) ، وحاشية قليوبي (2/223) ، وبدائع الفوائد (4/112).
(4) ... سبق تخريجه ، ص (353) .(1/7)
هذا الحديث يدل على أنه كان يجهر به في جميع الصلوات ، وهو مستفاد من قول ابن عباس إنه دعا عليهم ، وساق لفظ الدعاء ؛ لأن الظاهر أنه سمعه من لفظه فدل على الجهر (1) ، ولأنه لا يمكن أن يؤمن عليه إلا إذا كان يجهر (2) .
2 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي × – كان إذا أراد أن يدعو لأحد ، أو يدعو على أحد ، قنت بعد الركوع ، وفيه (يجهر بذلك) (3) .
3 – وهكذا فعل الصحابة – رضي الله عنهم – في قنوت النوازل :
أ – فقد كان عمر – رضي الله عنه – يقنت في صلاة الغداة حتى يسمع صوته من وراء المسجد (4) .
ب – وعن أبي رافع قال : قنت عمر – رضي الله عنه – في الصبح وأسمعنا ذلك (5) .
4 – ولأن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين (6) .
ثالثاً : رفع اليدين في القنوت :
اتفقوا على أنه لا يشرع رفع اليدين في الصلاة ، كما في دعاء التشهد (7) ، ولا بعد الفاتحة ، ولا في دعاء الرفع من الركوع (8) . لأن ذلك لم ينقل عن النبي × ، ولا عن أحد من أصحابه (9) .
__________
(1) ... التلخيص الحبير (1/407) ، وينظر : الأذكار ص 68 .
(2) ... ينظر : بدائع الفوائد (4/112) ، والشرح الممتع (4/64) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (348) .
(4) ... أخرجه المروزي ، في مختصر قيام الليل ، ص 302 ، ونحوه أخرجه البيهقي في السنن ، برقم (3149)، (2/300) .
(5) ... سبق تخريجه ص 378 .
(6) ... فتح الباري (2/570) .
(7) ... حكاه ابن الهمام في فتح القدير (1/430) ، وينظر : المجموع (3/441) .
(8) ... ما يفعله العوام من رفع اليدين بعد قول الإمام (ولا الضالين) ، أو في دعاء الرفع من الركوع من البدع المحدثة، ينظر: البدع والمحدثات وما لا أصل له ص 502 .
(9) ... البدع المحدثات ص 502 .(1/8)
وقد رأى عبد الله بن الزبير رجلاً رافعاً يديه يدعو قبل أن يفرغ من صلاته ، فلما فرغ منها قال : إن رسول الله × لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته (1) .
لكن لو رفع يديه للدعاء في غير موضع الرفع لعارض ، لا تبطل صلاته (2) .
لفعل أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – حين أم بالناس في مرض النبي × وفيه : (فجاء النبي × يمشي في الصفوف يشقها شقاً ، حتى إذا قام في الصف ، فأخذ الناس في التصفيح – قال الراوي : التصفيح هو التصفيق – قال : وكان أبو بكر – رضي الله عنه – لا يلتفت في صلاته ، فلما أكثر الناس التفت فإذا رسول الله × ، فأشار إليه يأمره أن يصلي، فرفع أبو بكر – رضي الله عنه – يده فحمد الله) (3) .
وجه الدلالة: دل على أن رفع اليدين للدعاء في الصلاة لا يبطلها ، ولو كان في غير موضع الرفع ، لأنها هيئة استسلام وخضوع ، وقد أقر النبي × أبا بكر – رضي الله عنه – (4) .
أما رفع اليدين لدعاء القنوت ، فقد اختلف العلماء فيه على قولين:
__________
(1) ... أورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الأدعية ، باب ما جاء في الإشارة في الدعاء ورفع اليدين، (10/169)، وعزاه إلى الطبراني ، وقال : (رجال ثقات) . قال الشيخ بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء ص 440 : (الحديث فيه انقطاع وضعف ، انقطاع بين محمد بن أبي يحيى الأسلمي ، وبين عبد الله بن الزبير ، مع ما في ابن أبي يحيى من مقال ، بل هو متروك، كما حكى الإجماع على ذلك ابن عبد البر ، والراوي عنه الفضيل بن سليمان النميري متكلم فيه من جهة حفظه ، وعلى كل حال فالحديث لا يصح) أ. هـ .
(2) ... ينظر : فتح الباري (3/106) .
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب العمل في الصلاة ، باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به ، برقم (1218)، ص 95 .
(4) ... ينظر : فتح الباري (3/106) .(1/9)
القول الأول : يستحب رفع اليدين في القنوت . وهذا قول أبي يوسف من الحنفية (1) ، وقول بعض المالكية (2) ، والصحيح من مذهب الشافعية (3) ، ومذهب الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أنس – رضي الله عنه – في قصة القراء الذين قتلوا - رضي الله عنهم - قال: (لقد رأيت رسول الله × كلما صلى الغداة يرفع يديه يدعو عليهم يعني على الذين قتلوهم) (5) .
2 – في حديث الكسوف وفيه: (فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح ويحمد ويهلل ويكبر ويدعو حتى حسر عنها) (6) .
وجه الدلالة : فيه دليل على رفع اليدين في القنوت ، وفيه رد على من يقول : لا ترفع الأيدي في دعوات الصلاة (7) .
3 – وقد روي عن عدد من الصحابة – رضي الله عنهم – أنهم رفعوا أيديهم في القنوت (8) :
__________
(1) ... ينظر : فتح القدير (1/430) ، وحاشية ابن عابدين (2/6) .
(2) ... ينظر : حاشية العدوي (1/239) ، ومواهب الجليل (1/539) .
(3) ... ينظر : المجموع (1/441) ، وحاشية القليوبي (1/231) ، ومغني المحتاج (1/167) .
(4) ... ينظر : مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود ص 96 ، والمغني (2/584) ، والانصاف (1/168).
(5) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب رفع اليدين في القنوت ، برقم (3145) ، (2/299)، وقال النووي في المجموع (3/441) : (إسناده صحيح أو حسن) ، وفيه على بن الصقر ، قال ابن حجر في التلخيص (1/408) : (قال فيه الدار قطني : ليس بالقوي) .
(6) ... أخرجه مسلم ، كتاب الكسوف ، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف ، برقم (913) ، ص 821 .
(7) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (6/217) .
(8) ... ينظر : السنن الكبرى (2/299) ، والمجموع (3/441) ، ومصنف ابن أبي شيبة (2/316) .(1/10)
أ – فعن أبي رافع قال : صليت خلف عمر – رضي الله عنه – فقنت بعد الركوع، ورفع يديه ، وجهر بالدعاء (1) .
ب – وروي ذلك عن علي بإسناد فيه ضعف (2) ، وعن عبد الله بن مسعود، وأبي هريرة – رضي الله عنهما – في قنوت الوتر (3) .
ج – وروي عن ابن عباس – رضي الله عنه – أنه كان يمد بضبعيه في قنوت صلاة الغداة (4) .
القول الثاني: لا يستحب رفع اليدين في القنوت .وهذا مذهب الحنفية (5) ، والمشهور من مذهب المالكية (6) ، ووجه عند الشافعية (7) .
واحتجوا بما يلي :
1 – أن النبي × لم يرفع اليد إلا في ثلاثة مواطن في الاستسقاء والاستنصار وعشية عرفة (8) .
2 – أنه دعاء في صلاة ، فلا يسن فيه الرفع قياساً على دعاء الافتتاح ، والتشهد ودعاء السجود (9) .
يمكن أن يجاب عن دليلهم :
أن هذا قياس مع الفارق ؛ لأن القنوت ثابت من فعل النبي × ، وأما في غير القنوت فلم يفعله × وفرق آخر ، فإن ليديه في القنوت وظيفة ، وليس لهما وظيفة في دعاء غير القنوت (10) .وأما قولهم : «لم يثبت الرفع إلا في ثلاثة مواطن ..».
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الصلاة ، باب رفع اليدين فيه ، برقم (3150) ، (2/300) ، وقال : (هذا عن عمر رضي الله عنه صحيح) .
(2) ... قاله البيهقي في السنن (2/300) .
(3) ... أخرجه عنهم المروزي في مختصر قيام الليل ، ص 295 .
(4) ... وما روى عن ابن عباس ، أخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ص 295 ، والمصنف (2/316).
(5) ... ينظر : البناية (1/601) ، والمبسوط (1/165) ، ومختصر اختلاف العلماء (1/216) .
(6) ... ينظر : حاشية العدوي (1/239) ، ومواهب الجليل (1/539) .
(7) ... ينظر : المجموع (1/441) ، ومغني المحتاج (1/167) ، وحاشية قليوبي (1/231) .
(8) ... ينظر : المهذب ، للشيرازي ، مع المجموع (3/436) .
(9) ... ينظر : المجموع (3/441) ، وحاشية العدوي (1/239) ، ومغني المحتاج (1/167) .
(10) ... ينظر : مغني المحتاج (1/167) .(1/11)
فيمكن الجواب عنه : بأنه ثبت الرفع منه × في هذا الموطن .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم – القول الأول وهو استحباب رفع اليدين في القنوت ، وذلك لقوة أدلتهم وصراحتها في الدلالة على الرفع ، ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
ثمرة الخلاف في مسألة رفع اليدين في القنوت تظهر في أمرين :
1 – صفة رفع اليدين :
فعلى القول باستحباب الرفع ، قالوا :
يرفع يديه إلى صدره ، ولا يرفعها كثيراً ، ويبسط يديه وبطونهما إلى السماء؛ لأنه دعاء رغبة (1) .
ويضم اليدين بعضهما إلى بعض كحال المستجدي ، ولا يباعد بينهما لأن التفريج والمباعدة لا أصل له في الكتاب والسنة ولا كلام العلماء (2) .
وكذا لا ينزل بهما تحت السرة ، ولا يهزهما أو يقلبهما (3) ؛ لأن الحركة في الصلاة ليست مطلوبة (4) ، ولأن تقليب الأكف أو الإشارة بظهور الكفين،لم يرد في القنوت،ولم يثبت في السنة الصحيحة،فالتزام ذلك في القنوت بدعة (5) .
أما على القول بأنه لا يرفع يديه :
قالوا : يعتمد في القنوت كما في القراءة أي يضع اليمين على الشمال (6) لأنه سنة القيام ،فكل قيام فيه ذكر فإنه يطول ، فالوضع فيه أولى،وهو الأصح (7) .
__________
(1) ... ينظر : المغني (2/584) ، الانصاف (2/168) ، وحاشية ابن عابدين (2/6) ، ومغني المحتاج
(1/167) ، وحاشية قليوبي (1/231) .
(2) ... ينظر : الشرح الممتع (4/25) ، وكشاف القناع (2/399) .
(3) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 126 .
(4) ... مغني المحتاج (1/167) .
(5) ... ينظر : المسجد في الإسلام ص 300 .
(6) ... هو الأصح عند الحنفية ، ينظر : المبسوط (1/165) ، والفتاوى الهندية (1/111) ، وفتاوى قاضيخان بهامش هندية (1/245) .
(7) ... المبسوط (1/165) .(1/12)
وعن أبي حنيفة : أنه يشير بالسبابة من يده اليمنى فيه (1) .
وقيل : يكفيهما أي يرسلهما ليكون حال الدعاء مخالفاً لحال القراءة (2) .
2 – مسح الوجه بعد الفراغ من القنوت :
القائلون باستحباب رفع اليدين في الصلاة اختلفوا في مشروعية المسح على قولين :
القول الأول : لا يستحب مسح الوجه بعد الفراغ من القنوت وهذا قول الإمام مالك (3) ، والصحيح عند الشافعية (4) ، ورواية عند الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1- أنه لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت عن النبي × ولا عن أحد من أصحابه
قال البيهقي (6) – رحمه الله – «فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء، فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت ، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة ، وقد روي فيه عن النبي × حديث فيه ضعف ، وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة ، وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ، ولا قياس ، فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف –رضي الله عنهم – من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة ..».
2 – وسئل عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه قال : «لم أجد له ثبتاً» وكان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر ، وكان يرفع يديه (7) .
__________
(1) ... البناية (2/601) ، وقال ابن رجب في جامع العلوم (1/214) : (ذهب إليه جماعة من العلماء منهم الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق بن راهوية) وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (2/316) عن أبي ليلى : (يدعو بإصبع واحدة في قنوت الفجر) .
(2) ... المبسوط (1/165) .
(3) ... ينظر : المعيار المعرب (1/283) .
(4) ... ينظر : السنن الكبرى (2/301) ، والمجموع (3/441) ، وروضة الطالبين (1/255) .
(5) ... ينظر : مسائل الإمام أحمد ، برواية أبي داود ص 102 ، والمغني (2/585) ، والانصاف (2/169) .
(6) ... في السنن الكبرى (2/301) .
(7) ... سبق تخريجه ، ص (185) .(1/13)
3 – وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «أربع من الجفاء : أن تبول قائماً ، وأن تسمع النداء فلم تجبه ، وأن تنفخ في صلاتك ، وأن تمسح جبهتك قبل أن تفرغ من صلاتك» (1) .
وجه الدلالة : يحتمل أن قوله : «وأن تمسح جبهتك» المسح باليدين كما يفعله الداعي إذا فرغ من الدعاء في غير الصلاة (2) .
4- ولأنه دعاء في الصلاة فلم يستحب مسح وجهه فيه كسائر دعائها (3) ؛ ولأنه عبث لم يصح معه تعبد (4) .
القول الثاني : يستحب مسح الوجه بعد الفراغ من الدعاء .وهذا قول عند
المالكية (5) ، ووجه عند الشافعية (6) ، ومذهب الحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي :
1 – لأنه دعاء يرفع يديه فيه فيمسح بهما وجهه ، كما لو كان خارجاً من الصلاة ، وفارق سائر الدعاء ، فإنه لا يرفع يديه فيه (8) .
2 – ولأنه عمل قليل ومنسوب إلى الطاعة (9) .
الترجيح:
__________
(1) ... أخرجه الترمذي في سننه معلقاً ، كتاب الطهارة ، باب في النهي عن البول قائماً ، ص 1630 ، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/124) ، وقال الألباني في الإرواء (1/97) : (موقوف صحيح) .
(2) ... ينظر : المبسوط (1/27) .
(3) ... المغني (2/585) ، وينظر : مغني المحتاج (1/167) .
(4) ... الممتع شرح المقنع (1/513) .
(5) ... ينظر : المعيار المعرب (1/283) ، ونسبه إلى البزلي ، وابن زرقون وغيرهم .
(6) ... ينظر : المجموع (3/441) ، وحاشية قليوبي (1/231) ، ومغني المحتاج (1/167) ، والوسيط
(2/746) .
(7) ... ينظر: المغني (2/585) ، والفروع (1/483) ، والانصاف (2/169) ، وحاشية الروض المربع
(2/195) .
(8) ... المغني (2/585) .
(9) ... بدائع الفوائد (4/113) .(1/14)
الصحيح الذي عليه المحققون عدم مشروعية مسح الوجه بعد الفراغ من القنوت ، لما في استعماله في الصلاة من إدخال عمل عليها لم يثبت به أثر ، وقد يدعو في آخر تشهده ثم لا يرفع يديه ، ولا يمسحهما بوجهه ، إذ لم يرد بهما أثر ، فكذا في دعاء القنوت يرفع يديه لورود الأثر ، ولا يمسح بهما وجهه إذ لم يثبت فيه أثر (1) . وأما مسح غير الوجه كالصدر ونحوه فمكروه قطعاً (2) .
وأما على القول : بأنه لا يرفع يديه في الصلاة :
فلا يشرع المسح عندهم بلا خلاف (3) ، بل قالوا : لو بسط يديه بعد الفراغ من القنوت، ومسح بهما وجهه قيل : تفسد صلاته (4) .
رابعاً : رفع البصر إلى السماء أثناء القنوت :
اتفق العلماء على أن رفع المصلي بصره إلى السماء حال الدعاء منهي عنه (5) .
واختلفوا في حكمه على قولين :
القول الأول : يكره رفع الداعي بصره إلى السماء أثناء الدعاء .
__________
(1) ... رسالة البيهقي المشهورة التي كتبها إلى الجويني ، أنكر عليه فيها أشياء منها مسح الوجه بعد القنوت ، ذكرها بنصها السبكي في الطبقات (5/77 – 90) .
(2) ... ينظر : الأذكار ص 68 ، وحاشية قليوبي (1/232) ، ومغني المحتاج (1/167) ، والمدخل
(2/431) .
(3) ... ينظر: المجموع (3/441) .
(4) ... ينظر : البناية (1/602) .
(5) ... حكاه النووي في شرح صحيح مسلم (4/152) ، والعيني في عمدة القاري (5/309) ، وابن تيمية في الفتاوى (6/577) .(1/15)
وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) ، وذكر بعض العلماء : الإجماع على كراهته داخل الصلاة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله × قال: (لينتهين أقوام
عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن
أبصارهم) (6) .
وجه الدلالة :الوعيد الشديد والنهي الأكيد يقتضي ذلك أن يكون حراماً ، لكن الإجماع انعقد على كراهته في الصلاة ، فنحمل النهي الوارد في الحديث السابق على الكراهة دون الحرمة (7) .
واستثنى الحنابلة : حالة التجشي ، فإنه يرفع رأسه إلى السماء ، لئلا يؤذي من حوله بالرائحة (8) .
القول الثاني : يحرم رفع البصر إلى السماء أثناء الدعاء .وهذا قول بعض الشافعية (9) ، وقول ابن حزم من الظاهرية (10) .
واستدلوا بما يلي :
1 – بقوله × : (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء) (11) .
وجه الدلالة :
__________
(1) ... ينظر : عمدة القاري (5/309) ، ومجمع الأنهر (1/124) .
(2) ... ينظر : مواهب الجليل (1/549) ، وحاشية العدوي (1/178) .
(3) ... ينظر : شرح صحيح مسلم(4/152) ، وعون المعبود (3/127) ، وحاشية قليوبي (1/231) .
(4) ... ينظر : الفروع (1/406) ، والانصاف (2/89) ، والاقناع (1/127) .
(5) ... حكاه ابن حجر في الفتح (2/272) ، والنووي في شرح صحيح مسلم (1/152) ، والعيني في عمدة القاري (5/309) .
(6) ... سبق تخريجه، ص 182 .
(7) ... ينظر : عمدة القاري (5/309) ، وفيض القدير (5/398) .
(8) ... ينظر : الإنصاف (2/89) ، وكشاف القناع (2/438) ، ومطالب أولى النهى (1/472).
(9) ... ينظر : عون المعبود (3/127) .
(10) ... ينظر : المحلى (2/330) .
(11) ... سبق تخريجه ، ص (182) .(1/16)
ظاهر الحديث أن رفع البصر حال الصلاة حرام ؛ لأن العقوبة بالعمى لا تكون إلا عن محرم (1) ، وهو وعيد عظيم ، وتهديد شديد (2) ، والوعيد لا يكون إلا على كبيرة من الحرام لا على مباح مكروه أصلاً ، ولا على صغيرة مغفورة (3) .
2 – لما فيه من فوت كمال الخشوع (4) ؛ لأن خفض البصر من تمام الخشوع (5) ، ولأن فيه تشبه بالمجسمة، وعبدة الكواكب، والتفات إلى غير موضع المصلي (6) .
3 – ولأن خفض البصر من كمال أدب الصلاة ، فمن كمال الأدب أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقاً خافضاً طرفه إلى الأرض ، ولا يرفع بصره إلى فوق (7) .
4 – وبهذا قال طائفة من السلف ، فقد رأى ابن مسعود قوماً رافعي أبصارهم إلى السماء في الصلاة،فقال:« لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم في الصلاة أو ترجع إليهم» (8) .
وعن أبي مجلز قال : أما يخشى الذي يرفع بصره إلى السماء أن يختلس بصره ؟ ألا أرى أنه كان الملائكة تنزل ؟ (9) .
وعليه ... لو فعله المصلي في الصلاة تبطل صلاته (10) لأمرين :
1 – لأنه انصرف بوجهه عن جهة القبلة؛لأن الكعبة في الأرض وليست في السماء .
2 – ولأنه فعل محرماً منهياً عنه في الصلاة بخصوصها ، وفعل المحرم المنهي عنه في العبادة بخصوصها يقتضي بطلانها (11) .
__________
(1) ... عون المعبود (3/127) .
(2) ... شرح صحيح مسلم (4/151) ، وينظر : المفهم شرح صحيح مسلم (2/825) .
(3) ... المحلى ، (2/331) .
(4) ... فيض القدير (5/398) .
(5) ... الفتاوى (6/578) .
(6) ... مجمع الأنهر (1/124) .
(7) ... ينظر : مدارج السالكين (2/364) .
(8) ... أورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة ، باب رفع البصر في الصلاة ، (2/83) ، وعزاه إلى الطبراني الكبير ، وقال : (إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود) يعني فيه انقطاع .
(9) ... أخرجه ابن حزم في المحلى (2/332) .
(10) ... ذهب إليه ابن حزم في المحلى (2/332) .
(11) ... الشرح الممتع (3/51 – 52) .(1/17)
ولكن جمهور أهل العلم على أن صلاته لا تبطل بذلك ، وهو على القول الصحيح آثم بلا شك (1) .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم – القول بتحريم رفع البصر إلى السماء في الصلاة أثناء الدعاء ولا تبطل صلاته بذلك ، وذلك لقوة أدلتهم ، ولأن الأصل في النهي التحريم ، ما لم يرد صارف يصرفه إلى الكراهة ، ولم يوجد صارف (2) .
خامساً : حكم إطالة القنوت :
نص الفقهاء – رحمهم الله – على أنه يكره إطالة القنوت بغير المشروع ، كما يكره إطالة التشهد الأول (3) .
واختلف في مقداره على قولين :
القول الأول : قدر إذا السماء انشقت.وهذا مذهب الحنفية (4) ، ورواية عند الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما روي عن النبي × أنه كان يقرأ في القنوت بـ (اللهم إنا نستعينك ...) وكلاهما على مقدار السورة (6) .
2 – وروي أنه × كان لا يطول في دعاء القنوت (7) .
3 – ولفعل عمر – رضي الله عنه – . ولأنه وسط القيام (8) .
القول الثاني : ليس فيه وقوف مؤقت ، بل له أن يدعو كيف شاء إذا كان منفرداً ، وأما إذا كان إماماً فلا يطيل على المأمومين.وهذا مذهب المالكية (9) ، وظاهر مذهب الشافعية (10) ، ورواية عند الحنابلة (11) .
استدلوا بما يلي :
__________
(1) ... المصدر السابق ، والصفحة السابقة .
(2) ... وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - ، ينظر : الشرح الممتع (3/50) .
(3) ... ينظر : المجموع (3/441) ، ومغني المحتاج (1/167) .
(4) ... ينظر : المبسوط (1/165) بدائع الصنائع (2/232) ، والفتاوى الهندية (1/111) .
(5) ... ينظر : مسائل أبي داود للإمام أحمد ، ص 96 بدائع الفوائد (4/112) .
(6) ... سبق تخريجه ، ص (382) .
(7) ... استدل به الكاساني في بدائع الصنائع (2/232) ، ولم أقف عليه.
(8) ... بدائع الفوائد (4/112) .
(9) ... ينظر : المدونة (1/102) .
(10) ... ينظر : المجموع (3/441) ، ومغني المحتاج (1/167) .
(11) ... ينظر : بدائع الفوائد (4/112) .(1/18)
أن طريقه الاستحباب فسقط التوقيت فيه (1) . وأما كون الإمام لا يطيل ، فبالقياس على سائر الأذكار في الصلاة ، ولو أطاله أحياناً فلا بأس ، لأنه ورد أن عمر – رضي الله عنه – كان يقنت في صلاة الفجر قدر ما يقرأ الرجل مائة آية (2) .
الترجيح :
ولعل القول الثاني وهو القول بعدم التوقيت مع عدم الإطالة على المأمومين هو الصواب ؛ وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولأنه الأقرب إلى يسر الشريعة.
المسألة الخامسة : الذي يقوم بالقنوت في الفرائض .
إذا نزلت بالمسلمين نازلة ، فهل يشرع القنوت في حق عموم المسلمين ، أو هو خاص بالإمام (3) الأعظم ؟
اختلف العلماء على ثلاثة أقوال :
القول الأول: يختص القنوت بالإمام الأعظم أو نائبه بإذنه وبأمير الجيش ، ولا يجوز ذلك لآحاد المسلمين . وهذا ظاهر مذهب الحنفية (4) ، والمشهور من مذهب الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن النبي × هو الذي قنت ، فتعدى الحكم إلى من يقوم مقامه ، وهو الإمام الأعظم أو نائبه دون غيرهما (6) .
__________
(1) ... ينظر : المصدر السابق.
(2) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/308) ، والطبري في تهذيب الآثار (2/21) ، برقم (1086) .
(3) الإمام في اللغة : ما أتم به من رئيس وغيره والجمع أئمة ، ينظر : لسان العرب (12/24) مادة : أمم .
... والإمام الأعظم ؛ إذا أطلقه الفقهاء فالمراد به : القائد الأعلى للدولة ينظر: الشرح الممتع (4/60) .
(4) ... ينظر : البناية على الهداية (2/106) ، وحاشية ابن عابدين (2/12) .
(5) ... ينظر : شرح الزركشي (2/77) ، والمستوعب (2/180) ، والمغني (2/586) .
(6) ... ينظر : الممتع شرح المقنع (1/516) ، وكشاف القناع (2/499) ، ومطالب أولى النهى (1/560).(1/19)
2 – ولأنه × لم يأمر أحداً بالقنوت ، ولم يقنت أحد من المساجد في عهد × ، ولأن هذا القنوت لأمر نزل بالمسلمين عامة ، والذي له الولاية العامة على المسلمين هو الإمام ، فيختص الحكم به ، ولا يشرع لغيره (1) .
القول الثاني : أنه يقنت كل إمام جماعة .وهذا رواية عند الحنابلة (2) .
ولم أقف لهم على أدلة بحسب ما اطلعت عليه من المصادر.
القول الثالث : أنه يقنت كل مصل الإمام والمأموم ، والمنفرد. وهذا مذهب المالكية (3) ، وظاهر مذهب الشافعية (4) ، ورواية عند الحنابلة اختارها ابن تيمية (5) .
واستدلوا :
بعموم قوله × : (صلوا كما رأيتموني أصلي) (6) .
وهذا العموم يشمل ما كان النبي × يفعله في صلاته على سبيل الاستمرار ، وما يفعله في صلاته على سبيل الحوادث النازلة ، فيكون القنوت عند النوازل مشروعاً لكل أحد (7) .
الترجيح :
مما سبق يترجح – والله أعلم – القول الأول وهو أن القنوت خاص بالإمام الأعظم وذلك لوجاهة ما ذكروه من الأدلة (8) .
سادساً : التكبير للقنوت :
إذا أراد المصلي أن يقنت فهل يشرع له أن يرفع يديه كما في تكبيرة الإحرام ثم يكبر ويقنت أو لا ؟ .
اختلف العلماء في حكم التكبير للقنوت على قولين :
__________
(1) ... الشرح الممتع (4/60) .
(2) ... ينظر : الفروع (1/484) ، والانصاف (2/171) .
(3) ... ينظر : المدونة (1/103) ، والكافي ، لابن عبد البر ص 44 .
(4) ... ينظر : مغني المحتاج (1/167) .
(5) ... ينظر : الفروع (1/484) ، والانصاف (2/171) ، والشرح الممتع (4/60) ، والاختيارات الفقهية ص 65 .
(6) ... سبق تخريجه ، ص (250) .
(7) ... الشرح الممتع (4/60) .
(8) ... وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – في الشرح الممتع (4/61) .(1/20)
القول الأول : لا يسن التكبير للقنوت سواء قنت قبل الركوع أو بعده ، في قنوت النازلة أو الوتر .وهذا المشهور عند المالكية (1) ، والأصح عند الشافعية (2) ، والصحيح من مذهب الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن هذا التكبير زائد في الصلاة ، لم يثبت بأصل ولا قياس فهو محدث (4) .
2 – وما جاء عن التابعين أنهم يقولون في القنوت: إذا فرغ من الركوع كبر ثم قنت (5) . فهذه التكبيرة إنما هي للركوع وليست للقنوت (6) .
القول الثاني : يستحب لمن قنت قبل الركوع أن يفتتح القنوت بتكبيرة ، سواء في قنوت الوتر أو النازلة. وهذا مذهب الحنفية (7) ، ووجه عند الشافعية (8) ، ورواية عند الحنابلة (9) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن ، وعد منها: عند القنوت في الوتر ...) (10) .
__________
(1) ... ينظر : المدونة (1/102) ومواهب الجليل (1/539) ، وجواهر الإكليل (1/72) ، وحاشية العدوي (2/369) ،.
(2) ... ينظر : روضة الطالبين (1/330) ، والمجموع (3/471) ، والأم (1/168) .
(3) ... ينظر : الانصاف (2/166) ، والدرر السنية (4/178)، وأفتى الشيخ عبد الرحمن بن حسن أن التكبير قبله محدث.
(4) ... ينظر : المصدرين السابقين .
(5) ... أخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ، ص 295 .
(6) ... ينظر : الأم (1/168) .
(7) ... ينظر : البناية (1/587) ، واللباب في الجمع بين السنة والكتاب (1/176) ، والمبسوط (1/165) ، ومختصر القدوري ص 29 .
(8) ... ينظر : المجموع (3/471) .
(9) ... ينظر : بدائع الفوائد (4/112) ، ومسائل أحمد لأبي داود ص 101 .
(10) ... أخرجه البغوي في شرح السنة (7/99) ، وقال : (حديث منقطع) ، والبيهقي في سننه : كتاب الحج، باب رفع اليدين إذا رأى البيت ، برقم (9210) ، (5/117) وقال : (وهو منقطع ، لم يسمع ابن جريج من مقسم) .(1/21)
وجه الدلالة :المراد برفع الأيدي في الحديث أي يرفعها حذاء منكبيه ، ويستقبل بباطن كفيه القبلة (1) .
2 – لفعل عمر – رضي الله عنه – فإنه لما فرغ من قراءة السورة في الثانية ، كبر، ثم رفع صوته : «اللهم إنا نستعينك ...الحديث» (2) .
3 – وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن عمر – رضي الله عنه – كبر حين فرغ من القراءة في الركعة الثانية ثم قرأها بين السورتين ، ثم كبر حين ركع (3) .
4 – وورد أن علياً – رضي الله عنه – كبر حين قنت في الفجر ، وكبر حين ركع (4) وفي رواية : كان يفتتح القنوت بتكبيرة (5) .
5 – وكان عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – يكبر في الوتر إذا فرغ من قراءته حين يقنت ، وإذا فرغ من القنوت (6) .
6 – وعن البراء – رضي الله عنه – أنه كان إذا فرغ من السورة كبر ثم قنت (7) .
وعن سفيان : كانوا يستحبون إذا فرغ من القراءة في الركعة الثالثة من الوتر أن يكبر ثم يقنت (8) .
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (4/23) ، والبناية (4/149) ، ومجمع الأنهر (1/271) .
(2) ... أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ، برقم (1089) ، (2/22) ، والمروزي ي المختصر ، ص 294 .
(3) ... أخرجه الطبري في التهذيب ، برقم (1090) ، (2/22) ، والمروزي في المختصر ، ص 294 .
(4) ... أخرجه المروزي في باب التكبير للقنوت ، ص 294 ، وينظر : المدونة ، (1/102) .
(5) ... أخرجه المروزي ، في باب التكبير للقنوت ، ص 294 .
(6) ... أخرجه المروزي ، باب التكبير للقنوت ، ص 294 ، وأورده الهيثمي في المجمع (2/137) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال : (فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقه ولكنه مدلس) .
(7) ... أخرجه المروزي ، باب التكبير للقنوت ، ص 294 .
(8) ... أخرجه المروزي ، باب التكبير للقنوت ، ص 294 ، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/464):
(لم أقف على حديث مرفوع في التكبير للقنوت ، ولم أقف على أسانيد هذه الآثار) .(1/22)
7 – وعن أحمد – رحمه الله – إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح القنوت بتكبيرة (1) .
8 – ولأن الحالة قد اختلفت ؛ لأنه كان في حالة قراءة القرآن ثم انتقل إلى حالة قراءة القنوت ، والحالتان تختلفان ، والتكبير في الصلاة عند اختلاف الحالة مشروع كما في حالة الانتقال من القيام إلى الركوع، ومن القومة إلى السجود.
ولا يقال : ينبغي أن يكبر بين الثناء والقراءة لاختلاف الحالة ؛ لأن الثناء مكمل للتكبير ؛ لأنه يجانسه لكونه ثناء ، وأما القنوت فواجب ، فيفرد بحكم على حدة (2) .
9 – ولأن القراءة ذكر ، والقنوت ذكر ، فيحتاج إلى الفصل ، لئلا يلتبس القرآن بغيره، ولهذا وقع الاتفاق على أن الاستعاذة لا يجهر بها ، فإذا شرع الفصل بالتكبير فيما لا يلتبس ، كالفصل بين الركوع والسجود فشرعه فيما يلتبس أولى (3) .
الترجيح : لم يظهر لي ترجيح في هذه المسألة .
المسألة السادسة : حكم القنوت للنازلة في النوافل :
اتفق الفقهاء (4)
__________
(1) ... أخرجه المروزي ، باب التكبير للقنوت ، ص 294 ، وينظر : بدائع الفوائد (4/112) .
(2) ... البناية على الهداية (2/587) .
(3) ... ينظر : اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (1/176) .
(4) ... ينظر : محتصر القدوري ص 29 ، والمبسوط (1/65) ، وبدائع الصنائع (2/230) ، والمدونة (224)، والكافي ، لابن عبد البر ، ص 74 ، وحاشية الدسوقي (1/248) ، والأم (1/272) ، والمجموع
(3/437) ، ومغني المحتاج (1/168) ، والبجرمي على الخطيب (2/206) ، والمستوعب (2/179)، وشرح الزركشي (2/75) ، والانصاف (2/166) .(1/23)
– رحمهم الله تعالى – على أنه يكره القنوت للنازلة في النفل ، ويقاس عليها المنذورة ، وكذا صلاة الجنازة لبنائها على التخفيف ولا قنوت في صلاة العيدين والاستسقاء ونحو ذلك ؛ لأن القنوت دعاء خاص في مكان خاص في عبادة خاصة ، يحتاج على دليل ولا يدخل في عموم الدعاء (1) ، فعليه ما يفعله بعض الأئمة من القنوت في سنة المغرب القبلية بدعة محدثة (2) .
المسألة السابعة : وقت انتهاء القنوت للنازلة :
ظاهر الروايات عن النبي × أنه استمر في النازلة حتى كشفها الله:
أ – فدعا × لقوم من المستضعفين أن ينجيهم الله عز وجل حتى قدموا (3) .
ب – وروي أنه قنت من النصف من رمضان حتى صبيحة يوم العيد حيث قدموا في صبيحة يوم العيد (4) .
ج – وقنت على قوم دعا عليهم ، على رعل وذكوان وعصية شهراً كاملاً حتى قدموا مسلمين تائبين فأمسك (5) .
د – ودعا على قوم معينين باللعن فقال : اللهم العن فلاناً وفلاناً حتى نزل قوله تعالى: ? ??????? ???? ???? ??????????? ?????? ????? ????????? ?????????? ????? ??????????????? ? (6) فأمسك (7) .
فظاهر فعله × أنه استمر في القنوت في النازلة حتى كشفها الله.
__________
(1) ... الشرح الممتع (4/56) .
(2) ... ينظر : المسجد في الإسلام ص 299 .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (320) .
(4) ... أخرجه البيهقي في السنن (2/284) ، وقال : (والروايات في الشهر أشهر وأكثر وأصح ، والله أعلم).
(5) ... سبق تخريجه ، ص (375) .
(6) ... سورة آل عمران ، آية (128) .
(7) ... سبق تخريجه ، ص (349) .(1/24)
وذلك أن أبا هريرة لما روى قنوت النبي × شهراً ، ثم ذكر أن النبي × ترك بعد ذلك ، قال: فقلت : ما بال النبي × ترك الدعاء ؟ فقيل له: أو ما تراهم قد جاءوا) (1) ، يعني أن الذين كان النبي × يدعو عليه قد جاؤوا مسلمين ، فإذا نزلت بالمسلمين نازلة فيستحب القنوت في كل صلاة إلى أن يكشف الله عنهم النازلة التي نزلت إما بالظفر بعدوهم الذي كان من قبلهم النازلة ، وإما بدخولهم في الإسلام أو باستسلامهم للمسلمين ، أو بغير ذلك من الأمور التي يكون بها الفرج للمسلمين من مكروه ما نزل بهم .فيجوز القنوت في النازلة أكثر من شهر تبعاً لحالة النازلة شدة واستمراراً (2) .
المسألة الثامنة : الحكمة في جعل القنوت للنازلة في الاعتدال :
قال ابن حجر (3) – رحمه الله - : «ظهر لي أن الحكمة في جعل القنوت للنازلة في الاعتدال دون السجود ، مع أن السجود مظنة الإجابة ، كما ثبت : (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) (4) ، وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ، ومن ثم اتفقوا على أنه يجهر به، بخلاف القنوت في الصبح ، فاختلف في محله ، وفي الجهر به» .
الفرع الثاني : حكم القنوت في الوتر : وفيه ست مسائل :
المسألة الأولى : حكم القنوت في الوتر :
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول : أن القنوت في الوتر سنة .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (320) .
(2) ... ينظر : تهذيب الآثار (1/42) ، وفتاوى اللجنة الدائمة (7/49) .
... والذي يراه الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : (أن الحوادث المهمة يقنت وقت حدوثها ثم إذا صارت مستمرة فلا يقنت) ، فتاوى ابن عثيمين (1/384) ، لكن ظاهر الأحاديث يرد ذلك .
(3) الفتح (2/470).
(4) ... سبق تخريجه ص 275 .(1/25)
وهذا قول عند الحنفية (1) ، ورواية عن مالك (2) ، والمشهور من مذهب الشافعية (3) ، ومذهب الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – الإجماع أن الوتر سنة متأكدة ، وبه قالت الأمة كلها إلا أبا حنيفة (5) فإذا ثبت سنية الوتر فالقنوت فيه من باب أولى .
2 – ولأن الصحابة الذين رووا الوتر لم يذكروا القنوت فيه ، فلو كان × يفعله دائماً ؛ لنقلوه جميعاً عنه ، وإنما رواه عنه أبي بن كعب وحده، فدل على أنه كان يفعله أحياناً (6) .
القول الثاني : أن القنوت في الوتر واجب .وهذا الصحيح من مذهب الحنفية (7) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله × للحسن – رضي الله عنه – حين علمه دعاء القنوت : (اجعل هذا في وترك) (8) من غير فصل (9) .
2 – في لفظ قال × : (إذا قمت في القنوت في الوتر فقل) (10) .
وجه الدلالة : قوله × : (اجعل هذا ...) ، «فقل» صيغة أمر ، والأمر يدل على الوجوب (11) .
__________
(1) ... ينظر : فتح القدير (1/430) ، والبناية على الهداية (2/583) ، والبحر الرائق (2/43) ، ونسبوه إلى أبي يوسف ومحمد بن الحسن .
(2) ... ينظر : المنتقى (2/289) ، والتلقين (1/117) .
(3) ... ينظر : الحاوي (2/372) ، والمجموع (3/479) .
(4) ... ينظر : المغني (2/580) ، والانصاف (2/166) ، والفروع (1/483) .
(5) ... ينظر : المجموع (3/474) ، ونيل الأوطار (3/35) .
(6) ... صفة صلاة النبي × ، الألباني ، ص 179 .
(7) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/106) ، والفتاوى الهندية (1/111) ، وملتقى الأبحر ص 70 .
(8) ... قال ابن الهمام في فتح القدير (1/429) : (لم يثبت لي) ، وقال الزيلعي في نصب الراية (2/122): (ولم أجد هذا الحديث) .
(9) ... الهداية مع فتح القدير (1/429) .
(10) ... أخرجه المروزي في المختصر ، باب إثبات القنوت في الوتر ، ص 288 ، والبيهقي في سننه بنحوه ، برقم (4628) ، (2/701) .
(11) ... ينظر : فتح القدير (1/430) .(1/26)
3 –المواظبة على القنوت في الوتر المستفادة من الأحاديث يدل على الوجوب (1) .
4 – وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : «وجب القنوت في الوتر على كل مسلم» (2) .
4 – وعن إبراهيم قال : لا وتر إلا بقنوت (3) .
أجاب القائلون بأن القنوت سنة وليس بواجب :
1- أما الحديث : (اجعل هذا في وترك) .
هذا الحديث بهذا اللفظ غريب ، ولا يصح، وبالتالي فصيغة الأمر في هذا الحديث غير ثابتة (4) .
2- وأما صيغة الأمر في قوله: (فقل) فتحمل على الاستحباب لما سبق من الأدلة .
3- وأما الاستدلال: (بالمواظبة على الوتر ...) .
فالجواب عنه : أن هذا متوقف على كونها غير مقرونة بالترك مرة ، لكن مطلق المواظبة أعم من المقرونة به أحياناً وغير المقرونة ، ولا دلالة للأعم على الأخص وإلا لوجبت هذه الكلمات (5) عيناً أو كانت أولى من غيرها (6) .
القول الثالث: أنه لا يسن القنوت في الوتر مطلقاً ، بل القنوت يختص بالصبح وعن ابن عمر وطاووس: أنه بدعة (7) .وهذا مذهب المالكية (8) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : المصدر السابق ، والصفحة نفسها .
(2) ... أخرجه المروزي في المختصر ، باب إثبات القنوت في الوتر ، ص 288 .
(3) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/308) .
(4) ... ينظر : فتح القدير (1/430) .
(5) ... أي : دعاء القنوت (اللهم إنا نستعينك...) .
(6) ... ينظر : فتح القدير (1/430) .
(7) ... ينظر : المجموع (3/480) ، والبناية على الهداية (2/581) ، ومختصر قيام الليل ص 291 .
(8) ... ينظر : المدونة (1/224) ، والمنتقى (2/289) ، وحاشية الدسوقي (1/248) .(1/27)
1 – وعن أبي المهزِّم (1) قال : صحبت أبا هريرة – رضي الله عنه – عشر سنين فما رأيته يقنت في وتره (2) .
2 – وكان عروة لا يقنت في شيء من الصلاة ، ولا في الوتر إلا إنه كان يقنت في صلاة الفجر (3) .
3 – ولأن هذا العمل لم يدرك العمل عليه بالمدينة ، ولأنها صلاة وتر ، فلم يكن القنوت مشروعاً فيها كالمغرب (4) ، قال الإمام مالك – رحمه الله – (5) : «ليس عليه العمل ولا أرى أن يعمل به ، ولا يقنت في رمضان لا في أوله ولا في آخره ، ولا في غير رمضان ، ولا في الوتر أصلاً» .
يمكن الإجابة عن أدلتهم :
__________
(1) ... اسمه يزيد بن سفيان ، وقيل : عبد الرحمن بن سفيان التميمي البصري ، صاحب أبي هريرة ، عداده في أهل البصرة وهو بكنيته أشهر . روى عن : أبي هريرة . روى عنه : شعبة ، ثم تركه ، وحسين المعلم ، وعبد الوارث وجماعة . ضعفه ابن معين ، وقال النسائي : متروك ، وكذا قال ابن حجر .قال شعبه : كان أبو المهزم مطروحاً في مسجد ثابت ، لو أعطاه إنسان فلسا لحدثه سبعين حديثاً ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ .
ينظر في ترجمته : ميزان الاعتدال (4/426) ، وتقريب التهذيب (2/460) ، تهذيب التهذيب
(12/224) . ...
(2) ... أخرجه المروزي في المختصر ، باب من لم يقنت في الوتر ، ص 291 ، وابن أبي شيبة في مصنفه
(2/306) ، وفيه راو متروك ، كما سبق بيانه.
(3) ... أخرجه المروزي في المختصر ، باب من لم يقنت في الوتر ، ص 291 .
(4) ... الحوادث والبدع ص 43 ، وينظر : المدونة (1/224) .
(5) ... المدونة (1/224) .(1/28)
1 – بأنه ثبت من فعل النبي × فهو مرتفع عن درجة المباح (1) ، فعن أبي بن كعب – رضي الله عنه – قال : (كان × يقنت في ركعة الوتر) (2) .
2 – وأيضاً تعليم النبي × الحسن بن علي – رضي الله عنهما – القنوت دليل على مشروعيته .
3 – والقنوت بلعن الكفار في رمضان مستفيض في الصدر الأول ، اقتداءً برسول الله × في دعائه على رعل وذكوان والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة (3) .
4 – وعن عمر – رضي الله عنه - : «أنه قنت في الوتر» (4) .
5 – وابن مسعود – رضي الله عنه - كان لا يقنت في الفجر ، ويقنت في الوتر (5) .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم – القول بأن القنوت في الوتر سنة (6) ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة ؛ ولأن القول بالوجوب قول ضعيف لا ينهض عليه دليل .
ثمرة الخلاف في حكم القنوت في الوتر تظهر فيما يلي:
إذا شك في القنوت أو نسيه ، فما الحكم ؟
1 – القائلون بوجوب القنوت في الوتر ، قالوا :
__________
(1) ... فتح الباري (2/569) ، وينظر : الممتع شرح المقنع (1/513) .
(2) ... أخرجه النسائي في كتاب قيام الليل ، باب كيف الوتر بثلاث ، برقم (1700) ، ص 220 ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلوات ، باب ما جاء في القنوت قبل الركوع برقم (1182) ، ص 2546 ، والدار قطني في سننه ، باب ما يقرأ في ركعات الوتر ، (2/31) ، والبيهقي في سننه (3/57) برقم (4864) وصحح إسناده العيني في عمدة القاري (7/19) ، والألباني في إرواء الغليل (2/167)، وفي صفة صلاة النبي × ص 179 .
(3) ... بداية المجتهد (1/249) .
(4) ... أخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ص 289 ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/302) .
(5) ... أخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ، ص 281 ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/302) ، وقال الألباني في الإرواء (2/166) : (سنده صحيح) .
(6) ... واختاره ابن الهمام من الحنفية ، ينظر : فتح القدير (1/430) .(1/29)
1 – إذا شك هل قنت في الثالثة أم لا ؟ فإنه يتحرى فإن لم يحضره رأي يقنت لاحتمال أنه لم يقنت (1) .
2 – وإذا شك هل قنت في الأولى أو الثانية أو الثالثة ؟ فإنه يقنت في الركعة التي هو فيها ثم يقعد ثم يقوم فيصلي ركعتين بقعدتين ، ويقنت فيهما احتياطاً على الأصح ؛ لأن القنوت واجب ، وما تردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطاً (2) .
3 – الساهي إذا قنت في أولى الوتر أو ثانيته سهواً ، قنت في الثالثة على الصحيح ؛ لأنه لم يوقع الواجب في موضعه (3) .
2 – أما القائلون بأنه سنة :
فيسقط عندهم في حال الشك والنسيان ، واختلفوا في وجوب السهو في حال تركه ، على ما سيأتي بيانه.
وأجمعوا على أن المسبوق بركعتين إذا قنت مع الإمام في الثالثة ، لا يقنت مرة أخرى (4) ؛ لأنه أوقع قنوته في موضعه بيقين فلا يكرر ؛ لأن تكراره غير مشروع (5) .
المسألة الثانية : وقت القنوت :
اختلف القائلون بمشروعية القنوت في الوتر ، في وقت القنوت على أربعة أقوال :
__________
(1) ... فتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/245) ، والبحر الرائق (2/44) .
(2) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/111) ، وحاشية ابن عابدين (2/11) ، والبدعة (هي القنوت في الأولى أو الثانية) .
(3) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/7).
(4) ... حكاه ابن الهمام في الفتح (1/429) ، وينظر : حاشية ابن عابدين (2/11) ، والفتاوى الهندية
(1/111) ، وبدائع الفوائد (4/111) .
(5) ... حاشية ابن عابدين (2/11) ، وينظر : فتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/245) .(1/30)
القول الأول : أن القنوت مستحب في جميع السنة .وهذا مذهب الحنفية (1) ، ووجه عند الشافعية (2) ، ومذهب الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما رواه أبي بن كعب – رضي الله عنه - : (أن رسول الله × كان يوتر فيقنت قبل الركوع) (4) .
2 – وعن علي – رضي الله عنه - : أن رسول الله × كان يقول في آخر وتره : (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك) (5) .
وجه الدلالة :
لفظ (كان) في الحديثين للدوام غالباً (6) ، فيدل على أنه كان يقنت به في جميع السنة (7) .
3 – حديث الحسن بن علي – رضي الله عنه – قال : (علمني رسول الله × كلمات أقولهن في قنوت الوتر) (8) .
__________
(1) ... ينظر: مختصر القدوري ص 29، والمبسوط (1/164) ، وبدائع الصنائع (1/229) .
(2) ... ينظر: روضة الطالبين ، (1/330) ، والمجموع ، (3/510) ، وقال : (وهذا الوجه قوي) .
(3) ... ينظر: المغني (2/580) ، والإنصاف (2/166) ، والممتع شرح المقنع (1/513) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (408) .
(5) ... أخرجه أبو داود في كتاب الوتر ، باب القنوت في الوتر ، برقم (1427) ، ص 1329 ، والنسائي في قيام الليل ، باب الدعاء في الوتر ، برقم (1748) ، والترمذي في أبواب شتى من الدعوات ، برقم
(3566) ، ص 3019 ، وقال : (حديث حسن غريب) ، وأخرجه ابن ماجه في إقامة الصلوات ، برقم (1179) ، ص 2546 ، وأحمد في مسنده ينظر: (الفتح الرباني ، باب جامع الأذكار (4/65)) وصحح إسناده الألباني في الأرواء (2/175) ، وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، برقم (751) ص 238 ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/306) .
(6) ... ينظر : المغني (2/581) ، والممتع شرح المقنع (1/513) ، نصب الراية (2/122) .
(7) ... البناية على الهداية (2/583) .
(8) ... سبق تخريجه ، ص (383) .(1/31)
وجه الدلالة : دل على أن القنوت في جميع السنة ؛ لأنه لم يقيد بوقت دون وقت (1) .
4 – ما روي عن عمر وعلي ، وابن مسعود وابن عباس – رضي الله عنهم – أنهم قالوا : راعينا صلاة رسول الله × بالليل ، فقنت قبل الركوع ، ولم يذكروا وقتاً في السنة (2) .
5 – روي عن علي وابن مسعود – رضي الله عنهما – أنهما كانا يقنتان في جميع السنة (3) .
6 – ولأنه ذكر مشروع فشرع في جميع السنة كسائر الأذكار (4) .
7 – ولأن القنوت من سنن الوتر ، فلا يختص ببعض الأزمان كسائر السنن (5) .
8- ولأنه وتر ، فيشرع فيه القنوت ، كالنصف الآخر (6) .
القول الثاني: لا يستحب القنوت إلا في النصف الأخير من رمضان .
__________
(1) ... البناية (2/583) .
(2) ... بدائع الصنائع (2/231) ، والحديث أخرجه الدار قطني عن ابن مسعود ، باب ما يقرأ في الوتر ؟ ،
(2/32) ، وقال : (أبان بن عياش متروك) ، وأورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة ، باب القنوت، (2/138) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، وقال : (فيه سهل بن العباس الترمذي ، قال الدار قطني: (ليس بثقة)) ، وأما حديث ابن عباس أخرجه البيهقي في السنن ، (3/57) ، برقم (4866) ، وينظر: نصب الراية (2/121) .
(3) ... ذكره العيني في البناية (2/583) ، وأخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ، باب القنوت في الوتر في السنة كلها ص 289 ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/306) ، وما روى عن ابن مسعود قال عنه في عون المعبود (4/212) : (وسنده منقطع ، قال العراقي : هو ضعيف) ، وضعفه الألباني في الإرواء
(2/166) .
(4) ... الممتع شرح المقنع (1/513) ، وينظر : المغني (2/581) .
(5) ... البناية (2/583) .
(6) ... المغني (2/581) .(1/32)
وهذا رواية عن الإمام مالك (1) ، والصحيح من مذهب الشافعية (2) ، ورواية عند الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن عمر – رضي الله عنه – جمع الناس على أبي وقال : «صل بهم عشرين ركعة ، ولا تقنت بهم إلا في النصف الأخير» فصلى بهم في العشر الأول ، والعشر الثاني ، وتخلف في منزله في العشر الثالث ، فقالوا : أبق أبي ، وقدموا معاذاً فصلى بهم بقية الشهر ، وقنت في العشر الأواخر (4) .
__________
(1) ... ينظر : المنتقى (2/289) ، والكافي ص 74 ، والمعونة (1/117) ، والمفهم (2/1160) .
(2) ... ينظر : الحاوي ، (2/370) ،والمجموع ، (3/473) ، ومغني المحتاج (2/222) .
(3) ... ينظر : شرح الزركشي (2/74) ، والمغني (2/580) ، والانصاف (2/166) ، وقد رجع عنها الإمام أحمد – رحمه الله - ، انظر : المغني (2/581) .
(4) ... أخرجه أبو داود في كتاب الوتر ، باب استحباب الوتر ، برقم (1429) ، ص 1329 ، ابن أبي شيبة في مصنفه (2/305) ، والمروزي في مختصر قيام رمضان ص 289 .
... وقال الزيلعي في نصب الراية (2/122) : (هذا منقطع فإن الحسن لم يدرك عمر) ، وضعفه النووي في المجموع (3/473) .
... ومعاذ القاري هو : معاذ بن الحارث الأنصاري المازني النجاري ، أبو حليمة ، ويقال : أبو الحارث المدني القاري .
... روى عن : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان .
... روى عنه : نافع مولى ابن عمر ، وعمران بن أبي أنس ، وسعيد المقبري .
صحابي صغير ، شهد الخندق ، ويقال : لم يدرك من حياة رسول الله × إلا ست سنين وهو الذي أقامه عمر فيمن أقام في رمضان ليصلي التراويح، شهد الجسر مع أبي عبيد ،قتل يوم الحرة سنة 63هـ .
ينظر في ترجمته: تهذيب التهذيب (10/172)، وتقريب التهذيب (2/262)،وأسد الغابة (5/197) .(1/33)
وجه الدلالة : دل فعلهم على أن القنوت سنة في النصف الأخير من شهر رمضان لا غير (1) وهذا كالإجماع (2) ؛ لأنهم لم ينكروا على أبي تركه للقنوت (3) .
2 – وعن ابن سيرين عن بعض أصحابه أن أبي بن كعب أمهم ، يعني في رمضان ، وكان يقنت في النصف الآخر منه (4) .
3 – وعن أنس – رضي الله عنه – قال : (كان رسول الله × يقنت في النصف من رمضان في آخره) (5) .
4 – وهكذا روي عن عمر وعلي وابن عمر ، وجماعة من التابعين أنهم كانوا يقنتون في النصف الأخير من رمضان (6) .
قالوا : أما ما رويتم عن أبي أن رسول الله × قنت في الوتر فليس ثابت ؛ لأن أبياً لم يكن يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان ، وقد أنكر الشافعي قنوت النبي × في الوتر وقال : لا يحفظ عنه قط ، وحسبك بالشافعي يقول هذا (7) .
أجاب القائلون بمشروعية القنوت في جميع السنة على أدلتهم بما يلي:
__________
(1) ... الحاوي (3/371) .
(2) ... المغني (2/580) .
(3) ... ينظر : المعونة (1/117) .
(4) ... أخرجه أبو داود ، في كتاب الوتر ، باب القنوت في الوتر ، برقم (1428) ، ص 1329 .قال عنه النووي في المجموع (3/473) : (هذا أيضاً ضعيف ؛ لأنه من رواية مجهول...) .
(5) ... أخرجه البيهقي في السنن ، باب من لا يقنت إلا في النصف الأخير ، برقم (4637) ، (2/703) وقال : (أبو عاتكة منكر الحديث) ، وقال التركماني في تعليقه : (خرق أحمد أحاديثه ، وقال ابن عدي : الضعف على أحاديثه بين) ، وضعفه الزيلعي في نصب الراية (2/122) ، وابن همام في الفتح
(1/429) .
(6) ... ينظر : المروزي في مختصر قيام رمضان ص 289 ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/305) ، وما روى عن ابن عمر أنه كان لا يقنت في الصبح ولا في الوتر ، إلا في النصف الآخر من رمضان ، صحح إسناده الشوكاني في نيل الأوطار (3/51) .
(7) ... ينظر : الحاوي (2/371) ، وقد سبق بيان أنه حديث صححه جماعة من العلماء، ص 408 .(1/34)
1 – (أما أثر عمر – رضي الله عنه – أنه جمع الناس على أبي بن كعب ...الخ) حديث ضعيف ؛ لأن فيه انقطاع فالحسن – رحمه الله – لم يدرك عمر – رضي الله عنه -، بل ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر– رضي الله عنه – (1) .
وعلى فرض صحته فيحمل على أن المراد بالقنوت طول القراءة لا القنوت في الوتر (2) وإنما حمل على هذا؛لأن إمامة أبي بن كعب كانت بمحضر من الصحابة – رضي الله عنهم – ولا يخفى عليهم حاله،وقد روي عنهم بخلافه (3) .
أو نقول : أن فعل أبي – رضي الله عنه – يدل على أنه رأيه ، ولا ينكر اختلاف الصحابة في هذا (4) ، وقد ثبت خلاف ابن عمر حيث قال : لا أعرف القنوت إلا طول القيام ، ومع خلافه لا ينعقد الإجماع (5) .
2 – وأما ما جاء عن ابن سيرين أن أبياً كان يقنت ... ، وما روي عن النبي × من أنه كان يقنت ....).
والجواب عنه:أنهما ضعيفان ، لا تقوم بهما حجة .أما الأول : حديث ابن سيرين ، فيه راوٍ مجهول (6) .
وأما الثاني: فيه راوٍ ضعيف (7) ، قال البيهقي (8) : «هذا حديث لا يصح إسناده» .
القول الثالث: يستحب القنوت في وتر السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان. وهذا قول جماعة من التابعين (9) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : المجموع (3/473) ، والبناية (2/584) .
(2) ... ينظر : المبسوط (1/164) ، وبدائع الصنائع (2/229) ، والبحر الرائق (2/43) .
(3) ... بدائع الصنائع (2/232) .
(4) ... المغني (2/581) .
(5) ... ينظر : العناية على الهداية بهامش فتح القدير (1/433) .
(6) ... ينظر: المجموع (3/473) .
(7) ... ينظر: البناية على الهداية (2/584).
(8) ... السنن الكبرى (2/703) .
(9) ... ينظر: نيل الأوطار (3/51) ، والقنوت أحكام ومعان ص 14 .(1/35)
1 – أن قتادة – رحمه الله – كان يقنت السنة كلها في وتره إلا في النصف الأول من رمضان فإنه كان لا يقنت (1) .
2 – وعن الحسن – رحمه الله – أنه كان يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان (2) .
ولفعل أبي – رضي الله عنه – فإنه كان لا يقنت في النصف الأول من رمضان (3) .
يمكن الإجابة عن أدلتهم :
هذه الآثار لا تعارض ما ثبت عن النبي × .
القول الرابع : يشرع القنوت في جميع رمضان دون بقية السنة .وهذا وجه عند الشافعية (4) . ولم يذكروا أدلة على ذلك (5) .
الترجيح :
من خلال ما سبق – يتضح أن الدليل مع من قال بمشروعية القنوت في جميع السنة ، لكن ينبغي أن لا ننكر على من فعله في رمضان كله ، ولا على من فعله في النصف الأخير منه فقط ، ولا على من تركه بالكلية ؛ لأن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة ، من شاء فعله ، ومن شاء تركه ، من صلى قيام رمضان ، فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن، وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن ، وإن لم يقنت بحال فقد أحسن (6) .
المسألة الثالثة : محل القنوت في الوتر :
اختلف العلماء القائلون بمشروعية القنوت في الوتر في محله ، على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يسن القنوت قبل الركوع . وهذا مذهب الحنفية (7) ، ووجه عند الشافعية (8) ، ورواية عند الحنابلة (9) .
__________
(1) ... أخرجهما المروزي في مختصر قيام الليل، باب من قنت السنة كلها إلا النصف الأول من رمضان، ص291.
(2) ... نفس الإحالة السابقة .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (412).
(4) ... ينظر : المجموع (3/480) ، ونيل الأوطار (3/51) .
(5) ... حسب ما رجعت إليه من المصادر .
(6) ... ينظر : الفتاوى (22/271) ، والانصاف (2/166) .
(7) ... ينظر : مختصر القدوري ص 29 ، ومختصر اختلاف العلماء (1/215) ، والمبسوط (1/164) .
(8) ... ينظر : روضة الطالبين (1/330) ، ومغني المحتاج (1/222) .
(9) ... ينظر : شرح الزركشي (2/76) ، والانصاف (2/166) .(1/36)
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أبي بن كعب – رضي الله عنه – (أن رسول الله × كان يوتر فيقنت قبل الركوع) (1) .
2 – وعن عبد الله عن النبي × أنه قنت في الوتر قبل الركوع (2) .
3 – وروي عن عمر وعلي وابن مسعود ، وابن عباس – رضي الله عنهم – أنهم قالوا : راعينا صلاة رسول الله × بالليل ، فقنت قبل الركوع (3) .
4 – والحديث الذي يروي عن الحسن بن علي – رضي الله عنهما – وفيه : (علمني رسول الله × أن قول إذا فرغت من قراءتي في الوتر: اللهم اهدني فيمن....) (4) .
وجه الدلالة : قوله : (إذا فرغت من قراءتي) أي قبل الركوع (5) .
5 – وعن ابن عمر : (أن النبي × كان يوتر بثلاث ركعات ويجعل القنوت قبل الركوع) (6) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (408) .
(2) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/303) ، والدار قطني في سننه (2/32) ، وقال : (أبان متروك)، وضعفه الشوكاني في نيل الأوطار (3/50) ، وقال النووي في المجموع (3/480) ، (حديث ضعيف ظاهر الضعف) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (411) .
(4) الحديث ساقه ابن حجر في التلخيص (1/405) بسنده ولفظه : (علمني رسول الله × أن أقول في الوتر قبل الركوع ...) وسكت عنه ، وأورده الألباني في الإرواء (2/168) ، وعزاه إلى ابن منده في التوحيد (نسخة مخطوطة) ، وقال : (ذكره الحافظ بسنده ولفظ ابن منده ، وفيه الزيادة ، وابن يونس المقري ثقة ، ولهذا مالت نفسي إلى ترجيح هذا اللفظ بعد ثبوت هذه المتابعة) أ . هـ ، بمعناه وحسن إسنادها في صفة صلاة النبي × ص 169
(5) ... ينظر : الإرواء (2/168).
(6) ... أورده الهيثمي في المجمع (1/138) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، قال : (فيه سهل بن العباس ، قال الدار قطني : ليس بثقة) .(1/37)
6 – عن عاصم – رحمه الله – قال : (سألت أنساً عن القنوت أكان قبل الركوع أو بعده ؟ قال : قبله ، قلت : فإن فلاناً أخبرني عنك أنك قلت : قبل الركوع ، قال : كذب إنما قنت رسول الله × بعد الركوع شهراً) (1) .
مع ما جاء عنه – رضي الله عنه – أن بدء القنوت للنازلة كان لحادثة القراء الذين قتلوا في بئر معونة ، وأنه إنما قنت من أجلها شهراً بعد الركوع (2) .
فبالجمع بين الروايتين يتضح أن القنوت في غير النازلة – وليس ذلك إلا في قنوت الوتر – إنما هو قبل الركوع (3) .
7 – ومما يحقق ذلك أن عمل الصحابة وأكثرهم كان على وفق ذلك :
أ – عن عمر – رضي الله عنه - : أنه قنت في الوتر قبل الركوع (4) .
ب – وعن ابن مسعود : أنه قنت في الوتر بعد القراءة قبل الركوع (5) .
ج – وهكذا كان أصحاب النبي × يقنتون قبل الركوع (6) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (375) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (345) .
(3) ... ينظر : إرواء الغليل (1/168) .
(4) ... أخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ص 293 ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/302) ، وقال الألباني في الإرواء (2/165) ، (ورجاله ثقات كلهم إلا أنه منقطع ، فإن إبراهيم النخعي لم يدرك عمر ، لكن لعل الواسطة بينهما الأسود بن يزيد) أ . هـ .
(5) ... أخرجه المروزي في المختصر ص 293 ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، (2/303) ، وضعفه النووي في المجموع (3/480) ، والألباني في الإرواء (2/166) ، وقال في عون المعبود (4/212): (سنده منقطع، قال العراقي : ضعيف).
(6) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/302) ، وحسن إسناده أبو الطيب في عون المعبود (4/461)، والهيثمي في المجمع (2/137) ، وجوده إسناده الألباني في الإرواء (2/166) .(1/38)
د – وعن الأسود قال : كان عبد الله لا يقنت في شيء من الصلوات ، إلا في الوتر قبل الركعة (1) .
8 – قالوا : القنوت في الوتر قبل الركوع وفي الفرض بعد الركوع ، ليحصل الفرق بين الفرض والنفل (2) .
9 – ولأن الأولى أن يكون القنوت قبل الركوع ؛ لأن الذكر المسنون في الركعة الأولى ، وهو ذكر الاستفتاح قبل الركوع (3) .
10– ولأن القنوت في معنى القراءة ، فإن قوله : (اللهم إنا نستعينك ..) مكتوب في مصحف أبي وابن مسعود في سورتين ، فالقراءة قبل الركوع ، فكذلك القنوت (4) .
بناء على هذا القول ... لو سها المصلي عن القنوت فتذكره بعد الاعتدال لا يقنت ، ويسقط عنه القنوت .
أما لو تذكره في الركوع ، ففيه روايتان أصحهما : أنه لا يقنت في الركوع ، ولا يعود إلى القيام ، فإن عاد إلى القيام وقنت ولم يعد الركوع لم تفسد صلاته ؛ لأن ركوعه قائم لم يرتفض وعليه سجود السهو (5) .
وإذا صلى الوتر بمن يقنت بعد الركوع ، والمقتدي لا يرى ذلك تابعه في القنوت بعد الركوع (6) .
القول الثاني : يسن القنوت بعد الركوع . وهذا الصحيح من مذهب الشافعية (7) ، ومذهب الحنابلة (8) .
__________
(1) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/302) ، باب القنوت قبل الركوع أو بعده ، وصححها الألباني في الإرواء (2/170) ، وأورده الهيثمي في المجمع (2/137) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال: (إسناده حسن) .
(2) ... ينظر : مغني المحتاج (1/222) .
(3) ... مختصر اختلاف العلماء (1/216) .
(4) ... المبسوط (1/164) .
(5) ... ينظر : المبسوط (2/234) ، وفتح القدير (1/428) ، والبحر الرائق (2/45) ، والفتاوى الهندية
(1/111) .
(6) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/111) ، وفتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/245) .
(7) ... ينظر : الأم (1/168)، وروضة الطالبين (1/330)، ومغني المحتاج(1/222)، والوسيط (2/823).
(8) ... ينظر : المغني (2/581) ، وشرح الزركشي (2/76) ، والانصاف (2/166) .(1/39)
واستدلوا بما يلي :
1 – في رواية لحديث الحسن بن علي قال : (علمني رسول الله × في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود ؛ اللهم أهدني فيمن هديت ... (1) الخ) .
وجه الدلالة : ظاهرة أن محل القنوت بعد الركوع .
2 – عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم – قالوا : قنت رسول الله × في آخر الوتر وكانوا يفعلون ذلك (2) .
وجه الدلالة :أن آخر الوتر هو بعد الركوع ، وما زاد على نصف الشيء فهو آخره ، حكماً؛ لأن الآخر الحقيقي هو بعد التشهد ، وليس هذا بمراد بالإجماع (3) .
3 – ما روى أبو هريرة ، وأنس ، أن النبي × قنت بعد الركوع (4) .
4 – وهكذا روي عن الصحابة – رضي الله عنهم - :
أ – عن الحسن – رحمه الله – أن أبي بن كعب – رضي الله عنه – أم الناس في خلافة عمر – رضي الله عنه – في رمضان فقنت بعد النصف بعد الركوع (5) .
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في سننه ، (3/56) ، برقم (4859) ، وقال : (تفرد بهذا اللفظ أبو بكر بن شيبة الخزامي) ، والحاكم في مستدركه ، برقم (4853) ، (4/164) ، وصححه ، وقال ابن حجر في التلخيص (1/405) : (اختلف فيه على موسى بن عقبة كما ترى ، وتفرد به يحيى بن عبد الله بقوله عن عبد الله بن علي) ، وقال الألباني في الإرواء (2/169) : (الإسناد حسن رجاله ثقات رجال البخاري غير الشعراني ، قال الحاكم : ثقة لم يطعن فيه بحجة) .
(2) ... أخرجه الدار قطني في سننه ، (2/32) ، وفي إسناده عمرو بن شمر ، قال أبو الطيب في تعليقه على السنن : (قال البخاري: منكر الحديث) ، وضعفه العيني في عمدة القاري ، (7/19) وقال : (عمرو بن شمر أحد الكذابين الوضاعين) .
(3) ... ينظر : البناية (2/581) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (377) .
(5) ... سبق تخريجه ، ص (412) .(1/40)
ب – وعن أبي رافع – رحمه الله – : صليت خلف أصحاب رسول الله × فكانوا يقنتون بعد الركوع (1) .
ج – وهكذا روي عن علي – رضي الله عنه – أنه كان يقنت في الوتر بعد الركوع (2) .
5 – ولأن القنوت دعاء، ومحل الدعاء بعد الركوع، فوجب أن يؤتى به في محله (3) .
ولما كان قول من رفع رأسه بعد الركوع سمع الله لمن حمده ، وهو دعاء كان هذا الموضع للقنوت الذي هو دعاء أشبه (4) ، فإن سماع الدعاء مناسب لقول العبد : سمع الله لمن حمده ، فإنه يشرع الثناء على الله قبل دعائه كما بينت فاتحة الكتاب على ذلك: أولها ثناء ، وآخرها دعاء (5) .
أجاب القائلون باستحباب القنوت قبل الركوع على أدلتهم :
1- أما حديث الحسن وفيه : (إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود ...) (6) .
فالجواب عنه:أنه معارض بالرواية التي ذكرنها : (علمني رسول الله × أن أقول إذا فرغت من قراءتي في الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت ...) (7) .
2- وأما ما روي عن الصحابة أنهم قنتوا بعد الركوع:
فأما أثر الحسن عن أبي بن كعب أنه قنت بعد الركوع فضعيف ، لأن فيه انقطاع ، كما سبق بيانه (8) .
- وأما ما روي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أنهم كانوا يقنتون بعد الركوع في الوتر :
لا يصح عنهم في القنوت في الوتر أما في الفجر فقد صح ذلك عن عمر وأما الرواية عن علي ، فلا تصح لا قبل الركوع ولا بعده ؛ لأن سندها ضعيف .
__________
(1) ... أخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ص 293 ، وقال الألباني في الإرواء(2/166) : (الصحيح الثابت عن الصحابة هو القنوت قبل الركوع في الوتر) .
(2) ... أخرجه المروزي في المختصر ، ص 293 ، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/303) ، وضعف إسناده الألباني في أرواء الغليل (2/166) .
(3) ... الحاوي (2/202) .
(4) ... الأم (1/168) .
(5) ... الفتاوى (23/100) .
(6) ... سبق تخريجها، ص 419 .
(7) ... سبق تخريجها، ص 416.
(8) ... وكما قاله النووي في المجموع (3/473) .(1/41)
فالخلاصة: أن الصحيح الثابت عن الصحابة هو القنوت قبل الركوع في الوتر (1) .
3- وأما ما روي عن أبي هريرة ، وأنس أنه × قنت بعد الركوع.
فالجواب عنه:أن استدلالهم بصلاة الفجر غير سديد ؛ لأنه استدلال بالمنسوخ على ما مر.
والقياس على فعل النبي × في الغداة ، قياس فيه نظر ؛ لأنه صح عنه × أنه قنت في الوتر قبل الركوع ، فيكون القياس في مقابلة نص (2) .
4- وأما قولهم في وجه الاستدلال : أن آخر الوتر هو بعد الركوع .
فالجواب عنه : أن الآخر قد يكون قبل الركوع ، ثم إن ما رووه محتمل لما قبل الركوع وبعده ، وما رويناه محكم ، فيحمل المحتمل على المحكم (3) .
القول الثالث : التخيير بين القنوت قبل الركوع أو بعده .وهذا وجه عند الشافعية (4) ، ورواية عند الحنابلة (5) ، واختارها ابن تيمية (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – سئل أنس – رضي الله عنه – عن القنوت قبل الركوع وبعد الركوع ، فقال : كنا نفعل قبل وبعد (7) .
2 – ولأن كل ذلك قد جاءت به السنة وفعله الصحابة – رضي الله عنهم – (8) .
الترجيح : من خلال ما سبق يتضح أن القول بالتخيير بين القنوت قبل الركوع أو بعده هو الصواب ، لكونه وسطاً بين القولين ، وبه تجتمع الأدلة ، فعليه يكون موضع القنوت من السنن المتنوعة التي يفعلها أحياناً هكذا ، وأحياناً هكذا (9) .
__________
(1) ينظر: إرواء الغليل (2/166).
(2) ... ينظر : إرواء الغليل (1/164) .
(3) ... ينظر : البناية (2/581) .
(4) ... ينظر : روضة الطالبين (1/330) .
(5) ... ينظر : المغني (2/582) ، وشرح الزركشي (2/76) ، والانصاف (2/166) .
(6) ... ينظر : الفتاوى (23/100) .
(7) ... سبق تخريجه ، ص (380).
(8) ... كما سبق بيانه ، ص 417، 419 .
(9) ... الشرح الممتع (4/29) .(1/42)
قال ابن حجر (1) : «مجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك ، وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع ، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك ، والظاهر أنه من الاختلاف المباح» .
المسألة الرابعة : صفة القنوت :
أولاً : لفظ القنوت :
اتفقوا على أنه لا يتعين في القنوت دعاء معين ، واختلفوا في اللفظ المستحب في دعاء القنوت ، على ما مر في صفة القنوت في الصبح (2) .
وأصح ما ورد من صيغ القنوت في الوتر ، هي الصيغة التي علمها رسول الله × للحسن بن علي – رضي الله عنهما – وهي :
(اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت، (ولا يعز من عاديت) (3) ، تباركت ربنا وتعاليت ، (لا منجا منك إلا إليك) (4) .
ويستحب أن يضُم إليه السورتان اللتان قنت بهما عمر – رضي الله عنه – (5)
__________
(1) ... فتح الباري (2/568) .
(2) ... ينظر : مبحث القنوت في الفرائض ص (382 - 387) .
(3) ... الحديث سبق تخريجه ص (383) ، وهذه الزيادة قال عنها ابن حجر في التلخيص: (1/405) : (هذه الزيادة ثابتة في الحديث) ، وكذا تابعه الألباني في صفة النبي × ص 180 .
(4) ... صحح هذه الزيادة الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ص 181.
(5) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/111) ، مجمع الأنهر (1/128) ، وحاشية ابن عابدين (2/6) ، والمجموع
(3/440) ، والبجيرمي على الخطيب (2/206) ، ومسائل أحمد برواية أبي داود ص 97 – 99 ، العدة شرح العمدة ص 85 ، وكشاف القناع (2/497) .(1/43)
(اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد (1) ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار مُلحق ، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ، ونثني عليك الخير ولا نكفرك ، ونؤمن بك ونخضع لك ، ونخلع من يكفرك) (2) .
والأفضل أن يبدأ بهما ثم بـ (اللهم اهدني ...) ؛ لأن الأول ثناء على الله ، والثناء مقدم على الدعاء ؛ لأنه فتح باب الدعاء (3) .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – (4) : «لم ينقل مسلم دعاء في قنوت الوتر غير هذه الأدعية المأثورة في الوتر ، قنوت الحسن ، وسورتي أبي» .
ويستحب أن يقول ما كان النبي × يقوله في آخر وتره (5) :
(اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من عقوبتك ، وبك منك لا نحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك) (6) .
ولا بأس أن يدعو بدعاء عمر– رضي الله عنه – الذي كان يدعو به بعد السورتين:
__________
(1) ... نحفد أي : نسرع في العمل والخدمة ، ينظر : النهاية (1/406) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (384) ، ونخلع: أي نترك ، ينظر لسان العرب (8/78) ، مادة : خلع .
(3) ... ينظر : الشرح الممتع (4/23) .
(4) ... حاشية الروض (2/190) .
(5) ... ينظر : العدة شرح العمدة ص 85 ، شرح الزركشي (2/75) .
(6) ... سبق تخريجه ،ص (410) ، ويحتمل أن المقصود بآخر الوتر بعد السلام قال في عون المعبود (4/213) : (آخر وتره : أي بعد السلام كما في رواية قال ميرك في إحدى روايات النسائي: ( كان يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه : (اللهم أني أعوذ بك ...) .(1/44)
(اللهم عذب الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ، ويكذبون رسلك ، ويقاتلون أولياءك ، ولا يؤمنون بوعدك ، وخالف بين كلمتهم ، وألق في قلوبهم الرعب ، وألق عليهم رجزك وعذابك ، إله الحق ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، وأصلح ذات بينهم ، وألف بين قلوبهم ، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسول الله × ، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك ، الذي عاهدتهم عليه ، وانصرهم على عدوك وعدوهم ، إله الحق ، واجعلنا منهم) (1) .
وعن الحسن البصري – رحمه الله – قال : «يبدأ في القنوت بالسورتين ثم يدعو على الكفار ثم يدعو للمؤمنين والمؤمنات» (2) .
وإن زاد على الوارد المذكور ، فعليه مراعاة خمسة أمور (3) :
1 – أن تكون الزيادة من جنس المدعو به في دعاء القنوت المذكور .
2 – أن تكون الزيادة من الأدعية العامة في القرآن والسنة .
3 – وأن يكون محلها بعد القنوت الوارد في حديث الحسن : (اللهم اهدني...) وقبل الوارد في حديث علي– رضي الله عنه – (اللهم إنا نعوذ برضاك ...) .
4 – وأن لا يتخذ الزيادة فيه شعاراً يداوم عليه .
5 – وأن لا يطيل إطالة تشق على المأمومين .
ومن الأدعية العامة التي لا تخص الوتر :
أ – الدعاء بآيات الدعاء في القرآن الكريم وهي كثيرة .
ب – الدعاء بما كان النبي × يدعو به لأصحابه كلما قام من مجلس ، وهي :
__________
(1) ... أخرجه المروزي في مختصره ، ص 297 ، والطبري في تهذيب الآثار (2/25) ، والطبراني في الدعاء ، باب القول في قنوت الوتر، برقم (750)، ص 238 ، قال عنها ابن حجر في نتائج الأفكار (2/160): (هذا حديث غريب مسلسل بالضعفاء) ، وأخرجه البيهقي في سننه ، (2/298) ، برقم (3143) .
(2) ... أخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ، ص 299 .
(3) ... تصحيح الدعاء ص 462 .(1/45)
1 – (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا ، وقواتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) (1) .
2 – وكان رسول الله × يقول : (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير،واجعل الموت راحة لي من كل شر) (2) .
قال العلماء (3) : «هذا دعاء عظيم جمع خيري الدارين الدنيا والدين ، فحق على كل سامع له أن يحفظه ويدعو به آناء الليل وأطراف النهار ، ولعل الإنسان أن يوافق ساعة إجابة يحصل على خيري الدنيا» أ.هـ
ومن الأدعية أيضاً :
3 – (اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ، ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) (4) .
والأدعية الواردة عن النبي × كثيرة وقد ألفت في جمعها رسائل كثيرة (5) . ولا بأس أن يدعو المنفرد في الوتر بحاجته (6) .
وعليه أن يجتنب الدعاء بأدعية وردت في روايات لا تصح عن النبي × ، فمن ذلك:
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (114) .
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب في الأدعية ، برقم (2720) ، ص 1150 .
(3) ... الفتوحات الربانية (5/170) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (158) .
(5) ... ينظر مثلاً : الدعاء ، للطبراني ، وشأن الدعاء للخطابي ، والدعاء لابن أبي الدنيا ، وغيرها كثير .
(6) ... ينظر : المدونة (1/102) ، وبدائع الفوائد (4/112) .(1/46)
1 – (تم نورك فهديت فلك الحمد ، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد ... إلى قوله : ولا يبلغ مدحتك قول قائل) (1) .
2- ومنها : (يا من لا تراه العيون ، ولا تخالطه الظنون ... إلى قوله : يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار ...) (2) .
3- ومنها : (يا من أظهر الجميل وستر القبيح ، يا من لا يؤاخذ بالجريرة ... إلى قوله: (أسألك يا الله أن لا تشوي خلقي بالنار ..) (3) .
وكلما التزم الإنسان الأدعية المأثورة في القرآن والسنة كان أفضل وأحسن وأبعد عن الخطأ .
__________
(1) ... أخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ، باب الدعاء في آخر الوتر ص 316 ، وأورده الهيثمي في المجمع
(10/158) وعزاه إلى أبي يعلى وقال: (الفرات لم يدرك علياً والخليل بن مرة وثقة أبو زراعة وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات) وقال الشيخ بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء ص 470: (منقطع الإسناد).
(2) ... أورده الهيثمي في المجمع (10/157 –158) ، وعزاه إلى الطبري في الأوسط ، وقال: (ورجاله رجال الصحيح غير عبدالله بن محمد أبو عبد الرحمن الأذرمي وهو ثقه) ، وقال بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء ص 470: (أخرجه الطبراني في الأوسط بسند فرد فيه من لا يعرف ، وهو شيخ الطبراني ، وتدليس أحد رواته مع ثقته).
(3) ... أخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء ، باب الدعاء العظيم النافع ، برقم (2042) ، (2/240)، (وقال صحيح الإسناد ، فإن رواته كلهم مدينون) . وتعقبه الذهبي في الميزان في ترجمة أحمد بن داود الصنعاني في الميزان (1/136) وقال : (أتى بخبر لا يحتمل وثم ذكره ، ثم علق على قول الحاكم :صحيح الإسناد، قال : قلت : كلا أنا أتهم به أحمد...).(1/47)
ومما ينبغي للإمام في دعاء القنوت ، أن يقتصر تارة على الوارد ، بدون زيادة ليعلم الناس السنة ، وتارة يزيد ما شاء أن يزيد ، ليعلم الناس أنه لا بأس بذلك ، لكن بدون تطويل على الجماعة ، وتارة يترك القنوت ليعلم الناس أنه ليس بواجب ، وأنه لا بأس بتركه (1) .
ومن لا يحسن العربية أو لا يحفظ القنوت :
يقول على وجه الاستحباب اللهم اغفر لي ثلاثاً (2) ، أو يقول : ? ??????????????? ???????????? ? ??????????????? ?????????? ..? ، أو يقول : يا رب يا رب ثلاثاً ثم يركع ، وأفضلها أن يقول
? ??????????????? ???????????? ? ??????????????? ?????????? ..? لشمولها (3) .
وتحصل سنة القنوت بكل دعاء ، كاللهم ارحمني ، وبآية فيها دعاء نحو: ? ?????????? ????????? ?????? ???????????? ? (4) إن قصد الدعاء (5) .
وهل يختم القنوت بالصلاة على النبي × :
اختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول: يستحب الصلاة والسلام على النبي × بعد القنوت.
وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية (6) ، والشافعية (7) والحنابلة (8) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : دعاء القنوت ، أحكام ومعان ص 26 .
(2) ... ينظر: البناية (2/602) ، والفتاوى الهندية(1/111) .
(3) ... سورة البقرة ، آية (286) ، وينظر : البحر الرائق (2/45) ، والفتاوى الهندية (1/111) .
(4) ... سورة آل عمران ، آية (147) .
(5) ... مطالب أولى النهى (1/559) .
(6) ... ينظر: فتح القدير (1/438) ، وبدائع الصنائع (2/234) ، والبحر الرائق (1/45) .
(7) ... ينظر: المجموع (3/440) ، ومغني المحتاج (1/167) ، والتهذب في فقه الشافعي (2/147) .
(8) ... ينظر: بدائع الفوائد (4/112) ، والاقناع (1/145) ، والانصاف (2/167) ، والفروع(1/403) .(1/48)
1 – أن في رواية من حديث الحسن بن علي – رضي الله عنه – قال : (علمني رسول الله × هؤلاء الكلمات في الوتر قال : اللهم اهدني فذكر الألفاظ الثمانية وقال في آخرها : تباركت وتعاليت ، وصلى الله على النبي) (1) .
2 – ولأن الختم بالصلاة والسلام على النبي × من أسباب الإجابة ، كما جاء في الحديث: (أن الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك) (2) .
3 – وقد عمل بذلك السلف – رضي الله عنهم - :
ففي إمامة أبي بن كعب – رضي الله عنه – للناس في رمضان ، وفيه قال : كانوا يلعنون الكفرة ، ويقولون : اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ...الخ ، ثم يصلي على النبي × ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير ، ثم يستغفر للمؤمنين) (3) .
__________
(1) ... أخرجه النسائي ، في قيام الليل ، باب الدعاء في الوتر ، برقم (1747) ، ص 2203 ، وقال النووي في المجموع (3/441) : (إسناده صحيح أو حسن) ، وحسنه أيضاً في الأذكار ص 66 ، وقال ابن حجر في التلخيص (1/405) : (وليس كذلك ، فإنه منقطع فإن عبد الله بن علي ، لم يلحق الحسن بن علي ، وقد اختلف على موسى بن عقبة في إسناده ...) وضعفه الألباني في الإرواء ، (2/176) .
(2) ... أخرجه الترمذي في كتاب الجمعة ، باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي × ، برقم (486) ، ص 1692 ، وقال الألباني في الإرواء ، (2/177) : (ضعيف موقوف) ، وعلته أبو قرة الأسدي ، قال عنه الذهبي في الميزان (4/564) برقم (10531) : (مجهول).
(3) ... أخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم (1100) ، (2/156) ، وصححه الألباني في صفة الصلاة على النبي × ص 180.(1/49)
4 – وكان معاذ القارئ يصلي على النبي × في القنوت (1) .
القول الثاني: لا تستحب الصلاة والسلام على النبي × بعد القنوت :
وهذا رواية الحنفية (2) ، ووجه عند الشافعية (3) .
قالوا : لأنه نقل ركناً قولياً إلى غير موضعه (4) .ولأن هذا الموضع ، ليس موضع الصلاة عليه (5) .
الترجيح :
لاشك أن الراجح هو القول الأول وهو استحباب الصلاة والسلام على النبي × بعد القنوت ، وذلك لقوة أدلتهم ، ولضعف دليل المخالفين .
أما الصلاة والسلام على النبي قبل القنوت (6) :
الأظهر في الدعوات المشروعة التي لم ينقل فيها الحمد والثناء أمامها أنه يؤتى بها على ما نقلت ، وأن لا تبدأ بالحمد والثناء والصلاة على النبي × وذلك لما يلي :
1 – أن العبادات توقيفية ، ولا يشرع فيها إلا ما شرعه الله .
2 – أن البدء بالحمد والصلاة على النبي في قنوت الوتر والنوازل يحتاج إلى دليل واضح خاص يثبت المشروعية .
3 – أنه لم ينقل أحد عن النبي × ، ولا عن أصحابه أنهم كانوا يبدؤون في دعاء القنوت بالحمد والصلاة على النبي × .
__________
(1) ... أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × ، برقم (107) ، ص 45 وصححها الألباني في صفة صلاة النبي × ، ص 180 ، وقال: (هذه زيادة مشروعة لعمل السلف بها ، فلا ينبغي إطلاق القول بأن هذه الزيادة بدعة) ، يعني زيادة الصلاة على النبي في قنوت الوتر، وقال الألباني في تعليقه على فضل الصلاة والسلام: (إسناده موقوف صحيح).
(2) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/111) ، والبناية (2/602) .
(3) ... ينظر : المجموع (3/440) ،ومغني المحتاج (1/167) ،(وعندهم : أنه لا يجوز ولو فعل تبطل صلاته) .
(4) ... ينظر : المجموع (3/440) ، ومغني المحتاج (1/167) ، والتهذيب في فقه الشافعي (2/147) .
(5) ... ينظر : البناية (2/602) ، وبدائع الصنائع (2/232) .
(6) ... مستفاد من فتوى الشيخ ابن باز – رحمه الله – عن حكم البدء بالصلاة على النبي × قبل القنوت .(1/50)
4 – أن هناك أدعية دعا بها النبي × ، ولم يذكر فيها الحمد والصلاة على النبي ×، كما في قوله × : (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) (1) وقوله : (وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء) (2) ولم يذكر في الحديثين الحمد والصلاة على النبي × في هذا المقام ، وهكذا في الدعاء بين السجدتين جاء عنه × أنه يقول : (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني...) (3) .
ولم يذكر في الرواية أنه حمد الله ، وصلى على النبي × في هذا الدعاء .
وهكذا فيما علمه النبي × للحسن (اللهم اهدني ...) ولم يذكر فيه أنه علمه أن يحمد الله وأن يصلي على النبي × ثم يقول : (اللهم اهدني ...) .مع أنه ورد عنه × أنه علمه الصلاة على النبي الأمي آخر الوتر.
لكن من حيث الأصل قد ثبت عنه × أنه بدأ في الدعاء بالحمد لله والصلاة على النبي × . كحديث دعاء الحاجة : (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ..) (4) .
وحديث : (أن النبي × سمع رجلاً يدعو في صلاته فلم يحمد الله ولم يصل على النبي × فقال : (عجل هذا) ثم قال : إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي × ثم يدعو بما شاء) (5) .
فلو بدأ الإنسان بحمد الله والصلاة على النبي × في القنوت ، لم يكن عليه بأس عملاً بالأصل .
وإن كان الأفضل والأقرب للأدلة أن يبدأ (باللهم اهدني فيمن هديت) أو (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك) (6) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (275) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (264) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (281) .
(4) ... أخرجه الترمذي في كتاب النكاح ، باب ما جاء في خطبة الحاجة ، برقم (1105) ، ص 1758 وصححه، وصححه الألباني في الإرواء (6/221) .
(5) ... سبق تخريجه ، ص (150) .
(6) ... ينظر : الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح ، ابن باز ، ص 73 – 80 .(1/51)
أما الاستفتاح بأنواع من المحامد المسجوعة ونحو ذلك فلا يعرف ذلك في سنة دعاء القنوت الاستفتاح بمثل هذه المحامد ، والصلاة كلها حمد وثناء على الله تبارك وتعالى، ودعاء القنوت يأتي بعد الرفع من الركوع ، بعد الحمد في قول المصلي: (اللهم ربنا ولك الحمد) .
وعليه فليس في المأثور عن النبي × ، ولا فيما جرى عليه العمل الاستفتاح بمثل ذلك (1) .
ثانياً : حكم الجهر بالقنوت في الوتر :
اختلف العلماء في حكم الجهر بالقنوت على أربعة أقوال :
القول الأول : لا يجهر بدعاء القنوت سواءً كان إماماً أو مأموماً ، أو منفرداً .
وهذا مذهب الحنفية (2) ، والمشهور من مذهب المالكية (3) ، ووجه عند الشافعية (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? (5) .
2 – وقال تعالى: ? ????? ?????????? ?????????? ????? ?????????? ?????? ? (6) .
فأمر في الآيتين بالإسرار بالدعاء .
__________
(1) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 477 .
(2) ... ينظر : فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهندية (1/245) ، والمبسوط (1/166) ، وبدائع الصنائع
(1/233) .
(3) ... ينظر : المدونة (1/102) ، والتلقين(1/108) ، ومواهب الجليل (1/539) .
(4) ... ينظر : الحاوي (2/201) ، والمجموع (3/443) ، ومغني المحتاج (1/167) .
(5) ... سورة الأعراف ، آية (55) .
(6) ... سورة الإسراء ، آية (110) .(1/52)
3 – وقوله × : (خير الذكر الخفي) (1) .
4 – ولأنه دعاء وموضوعه الإسرار (2) ، حذراً من الرياء (3) .
5 – ولأنه لا يجهر في التشهد وسائر الدعوات ، فكذلك القنوت (4) .
القول الثاني: يستحب للإمام الجهر بالقنوت ، والإسرار في حق المنفرد .
وهذا قول بعض الحنفية (5) ، وبعض المالكية (6) ، وأصح قولي الشافعية (7) ، ومذهب الحنابلة (8) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... أخرجه أحمد : ينظر: (الفتح الرباني ، أبواب الدعوات ، باب ما جاء في الذكر الخفي ، (14/206) ، وقال البنا: (وفي إسناده ابن أبي لبيبة وثقة ابن حبان وضعفه ابن معين وبقية رجاله ثقات) ،وأورده الهيثمي في المجمع ، باب ما جاء في الذكر الخفي (10/81) وعزاه إلى أحمد وأبي يعلى وقال : (فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة ، وقد وثقه ابن حبان وقال : روى عن سعد بن أبي وقاص ، قلت : وضعفه ابن معين ، وبقية رجالهما رجال الصحيح) أ . هـ ... وقال عنه ابن حجر في التقريب (2/457) : (صدوق ، فيه لين) ، وأورده السخاوي في المقاصد الحسنة ص 206 ، وعزاه إلى أبي يعلى والعسكري ، من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن سعد أبي وقاص رفعه بهذا ، وقال : (صححه ابن حبان وأبو عوانة) ، وأخرجه الطبراني ، كتاب الدعاء ، برقم (1883) ، ص 526 .
(2) ... الحاوي (2/201) .
(3) ... حاشية العدوي (1/239) .
(4) ... ينظر : المجموع (3/442) ، والذخيرة (2/231) ، وفتح القدير (1/438) .
(5) ... ينظر : المبسوط (1/166) ،والبناية (2/601) ، وفتح القدير (1/438) .
(6) ... ينظر : مواهب الجليل(1/539) ، والكافي ص 44 (وهذا في صلاة الصبح عندهم فقط) .
(7) ... ينظر : الحاوي (2/301) ، والمجموع (3/433) ، وحاشية قليوبي وعميرة (1/232) .
(8) ... ينظر : المغني (2/584) ، والفروع (1/482) ، والانصاف (2/168) .(1/53)
1 – أن أبي بن كعب – رضي الله عنه – أم الناس في رمضان فكان يقنت في النصف الآخر حتى يسمعهم الدعاء (1) .
2 – وقياساً على الدعاء خارج الصلاة (2) .
3 – ولشبهه بالقرآن (3) .
4 – ولأن الإمام يستحب له أن يشارك المأموم في الدعاء (4) .
القول الثالث : إن كان القوم لا يعلمون دعاء القنوت جهر الإمام وإلا فلا .وهذا قول الحنفية (5) .
قالوا :
إذا كانوا لا يعلمون دعاء القنوت يجهر الإمام ، ليتعلم القوم دعاء القنوت من قراءته ، وإن كانوا يعلمون فإنه يخفي (6) .
القول الرابع : أن المنفرد بالخيار ، إن شاء جهر وأسمع غيره ، وإن شاء جهر وأسمع نفسه ، وإن شاء أسر كما في القراءة .
وهذا قول عند الحنفية (7) ، ورواية عند الحنابلة (8) .
واستدلوا :
بالقياس على القراءة ، فكما أن المنفرد يخير في القراءة بين الجهر والإسرار ، فكذا في القنوت لشبهه بالقراءة (9) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الثاني وهو أنه يستحب الجهر في حق الإمام ، والإسرار في حق المنفرد ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ؛ ولأنه الأقرب للحكمة من مشروعية القنوت جماعة .
ثمرة الخلاف في مسألة الجهر بالقنوت في الوتر :
هل يجهر المأموم بالقنوت أم لا ؟
1 – على القول بأنه لا يجهر الإمام بالقنوت :
__________
(1) ... أخرجه المروزي ، في مختصر قيام الليل ، باب رفع الصوت بالدعاء ، ص 302 .
(2) ... المبسوط (1/166) .
(3) ... ينظر : البناية (2/601) .
(4) ... كشاف القناع (2/497) .
(5) ... ينظر : فتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/245) ، والبناية (2/601) ، والبحر الرائق (1/45) ، وحاشية ابن عابدين (2/7) .
(6) ... ينظر : فتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/245) .
(7) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/232) .
(8) ... ينظر : الاقناع (1/145) .
(9) ... ينظر : المصدر السابق .(1/54)
يأتي الإمام بالدعاء بلفظ المفرد كما في سائر أدعية الصلاة ، ويقنت المأموم معه سراً كسائر الدعوات والأذكار التي لا يسمعها (1) ؛ لأن كل دعاء يدعو به الإمام يكون بلفظ الإفراد وكل دعاء يؤمن المأموم فيه على دعاء الإمام يكون بلفظ الجمع ، فإن أفرد وقع في النهي (2) .
2 – أما على القول بأنه يجهر الإمام بالقنوت :
يسن أن يقنت الإمام بلفظ الجمع (3) ، ويكره أن يقنت بضمير المفرد، فيقول : (اللهم اهدنا فيمن هديت) ، ولا يقول «اهدني ....» لأنه يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء (4) ؛ لقوله × : (لا يؤم عبد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم) (5) .ويكون جهره دون جهر القراءة (6) .
ويؤمن المأموم على دعاء الإمام في موضع التأمين وهي الكلمات التي هي دعاء ، وأما الثناء فيشاركه في قوله أو يسكت ، والمشاركة أولى ؛ لأنه ثناء وذكر لا يليق فيه التأمين (7) ، وإن قال : سبحانك أو سبحانه فلا بأس (8) .
قال معاذ القارئ – رحمه الله – في قنوته : «اللهم قحط المطر» ، فقالوا : آمين ، فلما فرغ من صلاته ، قال : قلت : اللهم قحط المطر ، فقلتم : آمين ، ألا تسمعون ما أقول ، ثم تقولون : آمين» (9) .
وقال محمد بن نصر – رحمه الله – (10) :
__________
(1) ... ينظر : مغني المحتاج (1/168) ، والمجموع (3/443) ، والحاوي (2/201) ، وفتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/244) .
(2) ... الفتوحات الربانية (2/310) .
(3) ... مغني المحتاج (1/168) .
(4) ... ينظر : الأذكار ، ص 67 .
(5) ... سبق تخريجه ، ص (120) .
(6) ... ينظر : البحر الرائق (1/45) .
(7) ... ينظر : المجموع (3/443) ، ومغني المحتاج (1/168) ، وقول أبي محمد من الحنفية ، ينظر : بدائع الصنائع (2/234) .
(8) ... فتاوى اللجنة الدائمة (7/48) .
(9) ... أخرجه المروزي في مختصر قيام الليل ، باب التأمين خلف الإمام ، ص 302 .
(10) ... في مختصر قيام الليل ص 302.
... محمد بن نصر هو : محمد بن نصر بن الحجاج المروزي ، الإمام ، شيخ الإسلام ، أبو عبد الله الحافظ ، ولد في بغداد سنة 202هـ إمام عصره بلا مدافعة في الحديث. سمع من : يحيى بن يحيى ، وعمر بن زرارة ، ومحمد بن مقاتل وغيرهم .حدث عنه : أبو العباس بن سراج ، ومحمد بن إسحاق السمر قندي وأبو حامد بن الشرقي . كان إماماً مجتهداً علامة ، من أعلم أهل زمانه باختلاف الصحابة والتابعين ، قل أن ترى العيون مثله . من مصنفاته : القسامة ، ومختصر قيام اليل ، توفي سنة 294هـ .
... ينظر في ترجمته : تاريخ بغداد (3/315 – 318) ، وطبقات الشافعية (2/246 – 255) ، وسير أعلام النبلاء (14/33) .(1/55)
«وهذا الذي أختار أن يسكتوا حتى يفرغ الإمام من قراءة السورتين ، ثم إذا بلغ بعد ذلك مواضع الدعاء أمنوا» .
ويجهر المأموم بالتأمين ، كما في تأمين القراءة (1) ، هذا إذا كان يسمع الإمام .
أما إذا كان لا يسمع الإمام لبعد أو طرش ونحوه ، ففيه وجهان: أصحهما أنه يقنت؛ لأن التأمين لما يسمعون .. (2) .قال النبي × : (إذا أمّن الإمام فأمنوا) (3) . وأما حكم رفع اليدين فيه، ورفع البصر ومسح الوجه فيه فقد سبق بيانه في القنوت في الفرائض (4) .
المسألة الخامسة : حكم ترك القنوت في الوتر :
إذا ترك المصلي القنوت في الوتر هل يوجب تركه سجود السهو ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : إذا تركه المصلي ناسياً أو عامداً يجب بتركه سجود السهو ، وكذا إذا شك في تركه . وهذا مذهب الحنفية (5) ، ومذهب الشافعية (6) ، ورواية عن أحمد (7) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن هذه الأذكار تضاف إلى جميع الصلاة ، يقال تشهد الصلاة ، وقنوت الوتر ، وتكبيرات العيدين ، فصارت من خصائصها بخلاف تسبيحات الركوع ، حيث تضاف إلى الركوع فقط فلا يجب الجابر بتركها (8) .
2 – ولأنه سنة مقصودة في محلها فتعلق السجود بتركها كالتشهد الأول (9) .
__________
(1) ... مغني المحتاج (1/167) ، وينظر : الدرر السنية (4/178) .
(2) ... ينظر : المجموع(3/443)، وبدائع الفوائد (4/112)، ومسائل الإمام أحمد برواية أبي داود ص102.
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب جهر الإمام بالتأمين ، برقم (780) ، ص 62 ، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب التسميع والتحميد والتأمين ، برقم (410) ، ص 743 .
(4) ... ص 388 – 397 .
(5) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/106) .
(6) ... ينظر : المهذب مع المجموع (4/45) ، والأذكار ص 65 .
(7) ... ينظر : مختصر قيام الليل ص 313 ، ومسائل الإمام أحمد برواية أبي داود ص 101 .
(8) ... تبيين الحقائق (1/106) .
(9) ... المهذب ، مع المجموع (4/45) .(1/56)
3 – ولأن القنوت من الأبعاض (1) التي تجبر بسجود السهو إذا تركها سهواً ، وهي: التشهد الأول والجلوس له ، والقنوت والقيام له ، وقد ثبت أن النبي × سجد للسهو لتركه الجلوس للتشهد ففي الصحيح : (أن رسول الله × قام من صلاة الظهر وعليه جلوس ، فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس ، قبل أن يسلم ، وسجدهما الناس معه ، مكان ما نسي من الجلوس) (2) .
وجه الدلالة : ثبت السجود لترك الجلوس للتشهد الأول ، وقسنا باقي الأبعاض عليه لاستواء الجميع في أنها سنن متأكدة (3) ، وبجامع الذكر المقصود في محل مخصوص (4) .
4 – روي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا : «من نسي القنوت في الوتر أو الفجر فعليه سجدتا سهو» (5) ، هذا إذا تركه ساهياً .
أما إذا تركه عامداً فوجهان مشهوران عند الشافعية :
أحدهما : لا يسجد للسهو ؛ لأن السجود مشروع للسهو ، وهذا غير ساه لأن السجود شرع جبراً لخلل الصلاة ، ورفقاً بالمصلي إذا تركه سهواً لعذره ، وهذا غير موجود في العامد فإنه مقصر .
والثاني : وهو الصحيح باتفاق الأصحاب ، يسجد لأنه إذا شرع للساهي ، فالعامد المقصر أولى (6) .
وإذا شك في ترك القنوت سجد ؛ لأن الأصل أنه لم يفعل فسجد لتركه (7) .
القول الثاني : إذا تركه المصلي ناسياً أو عامداً فلا يجب عليه سجود السهو .
__________
(1) ... الأبعاض هي: سنن الصلاة بعد الدخول فيها ينظر: البجيرمي علي الخطيب (2/208).
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب السهو ، باب ما جاء في السهو إذا قام ... ، برقم (1224) ، ص 95 .
(3) ... ينظر : المجموع (4/46 – 47) ، ومغني المحتاج (1/306) .
(4) ... كنز الراغبين على منهاج الطالبين ، للمحلي ، مع حاشية قليوبي (1/290) .
(5) ... رواه المروزي في مختصر قيام الليل ص 312 ، عن الحسن البصري – رحمهم الله – وابن أبي ليلى ، وحماد ، وسفيان ، وهيثم ، وأحمد – رحمهم الله تعالى.
(6) ... المجموع (4/46) .
(7) ... المهذب مع المجموع (4/46) .(1/57)
وهذا المشهور من مذهب المالكية (1) ، ورواية عن أحمد (2) ، واختيار شيخ الإسلام – رحمه الله – (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما روي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا فيمن نسي القنوت في الوتر : «إنما ترك سنة لا شيء عليه» (4) .
2 – ولأن القنوت فضيلة لا يسجد للسهو لتركه ، ولو سجد بطلت صلاته (5) .
3 – ولأن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة ، من شاء فعله ، ومن شاء تركه (6) .
4 – والقياس أنه لا يجب سجود السهو على من ترك القنوت ؛ لأنها من الأذكار كالتعوذ والثناء ، وهذا لأن مبنى الصلاة على الأفعال دون الأذكار، ولم ينقل إلينا أنه × سجد للسهو إلا في الأفعال (7) .
وأجابوا على أدلة القائلين بأنه يسجد للسهو إذا تركه :
بأن قولهم أنه من أبعاض الصلاة التي تجبر بسجود السهو مبني على أنه سنة يسن المداومة عليه ، بمنزلة التشهد الأول ونحوه ، وقد تبين أن الأمر ليس كذلك ، فليس بسنة راتبة ، ولا يسجد له (8) .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم – القول الثاني ، وهو أن من ترك القنوت فلا شيء عليه ؛ وذلك لأن قولهم مبني على القول المرجوح أن القنوت سنة دائمة في الصبح أو الوتر .
المسألة السادسة : الفرق بين قنوت الوتر وقنوت النوازل (9) :
من خلال ما سبق ، نستطيع أن نبين أهم الفروق بينهما :
__________
(1) ... ينظر : المدونة (1/102) ، والقبس (1/345) ، والكافي لابن عبد البر ص 44 ، (ولا يكون عندهم إلا في صلاة الصبح فقط) .
(2) ... ينظر : مسائل أحمد برواية أبي داود ، ص 102 .
(3) ... ينظر : الفتاوى (22/271) .
(4) ... رواه المروزي في مختصر قيام الليل ، عن الأوزاعي ، وابن عليه – رحمهما الله – ص 312 .
(5) ... ينظر : حاشية العدوي (1/239) .
(6) ... الفتاوى (22/271) .
(7) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/106) .
(8) ... الفتاوى (22/115) .
(9) ... ينظر : دعاء القنوت ، أحكام ومعان ، ص 60 .(1/58)
1 – أن قنوت الوتر يصلح أن يداوم عليه ، وإن كان الأفضل الترك أحياناً .
أما قنوت النوازل فلا يداوم عليه إلا أثناء حدوث نازلة .
2 – أن قنوت الوتر له دعاء مأثور،أما النوازل فيختار من الدعاء ما يناسب النازلة.
3 – أن قنوت الوتر محصور في صلاة الوتر، بينما قنوت النازلة فيكون في أي صلاة مكتوبة.
4 – أن قنوت الوتر يشرع في جميع السنة ، أما النازلة فعند حدوثها فقط .
5- أن قنوت الوتر يقوم به كل مصل ، أما النوازل فلا يقنت إلا الإمام الأعظم .
المطلب الحادي والعشرون : الدعاء في صلاة التراويح :
لا يشرع الدعاء قبل التراويح بلفظ (صلاة القيام أثابكم الله) أو نحو ذلك ، لعدم وروده.
قال في المدخل (1) : «ينهى عن قول المؤذن بعد ذكرهم بعد التسليمتين من صلاة التراويح «الصلاة يرحمكم الله» ؛ فإنه محدث أيضاً ، والحدث في الدين ممنوع ، وخير الهدي هدي محمد × ، ثم الخلفاء بعده ثم الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين - ، ولم يذكر عن أحد من السلف فعل ذلك فيسعنا ما وسعهم» .
أما الدعاء بين التراويح :
نص بعض الفقهاء (2) – رحمهم الله – على أنه لا بأس أن يستريح المصلي بعد كل أربع ركعات بجلسة يسيرة، لفعل السلف ، ولا بأس بتركه ، ولا يدعو إذا استراح.
لعدم وروده (3) ، وقيل : ينحرف إلى المصلين ويدعو (4) ، لكن لا أصل لذلك في السنة (5) وأما بعد التراويح : فلا يكره الدعاء بعد التراويح أحياناً (6) لعموم قوله تعالى:
? ????????? ??????????? ?????????? ? (7) .
__________
(1) ... لابن حاج (2/443) .
(2) ... وهذا الصحيح من مذهب الحنابلة ينظر : الانصاف (2/178) ، والاقناع (1/147) .
(3) ... كشاف القناع (3/505) .
(4) ... بدائع الصنائع (2/278) ينظر : الفروع (1/489) ، وحاشية الروض (3/200) .
(5) ... تصحيح الدعاء ص 446 .
(6) ... الإقناع (1/147) . وينظر: كشاف القناع (2/505)، ومطالب أولى النهى (1/564) .
(7) ... سورة الشرح ، الآية (7) .(1/59)
المطلب الثاني والعشرون : الدعاء في صلاة العيدين :
اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في حكم الدعاء بين التكبيرات الزوائد في صلاة العيدين ، على قولين :
القول الأول : يستحب للمصلي أن يحمد الله ، ويثني عليه ويصلي على النبي × ، ويدعو بما شاء بين كل تكبيرتين من التكبيرات الزوائد . وهذا ظاهر مذهب الشافعية (1) ، ورواية عند الحنابلة (2) ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (3) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : روضة الطالبين (2/71) ، والفتوحات الربانية (4/242) .
(2) ... ينظر : شرح الزركشي (2/224) ، والمغني (3/274) ، والانصاف (2/403) .
(3) ... ينظر : الفتاوى (4/219) .(1/60)
1 – ما روى أن عبد الله بن مسعود ، وأبا موسى ، وحذيفة – رضي الله عنهم – «خرج عليهم الوليد بن عقبة (1) قبل العيد يوماً ، فقال لهم : إن هذا العيد قد دنا ، فكيف التكبير فيه ؟ ، فقال عبد الله : تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، وتحمد ربك ، وتصلي على النبي × ، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك .. الحديث وفيه ، فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن» (2) .
__________
(1) ... هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية القرشي ، الأموي أخو عثمان بن عفان – رضي الله عنه – لأمه ، أسلم يوم الفتح ، له صحبة قليلة ، ورواية يسيرة.حدث عنه : أبو موسى الهمذاني ، والشعبي . ... كان سخياً ، ممدحاً ، شاعراً ، شجاعاً قائماً بأمر الجهاد مع فسق فيه – رحمه الله - ، توفي في خلافة معاوية.ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد (6/24) ، (7/476) ، وأسد الغابة (5/451) ، والاصابة (5/321).
(2) ... أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × ، برقم (88) ، ص 37، والبيهقي في سننه ، كتاب العيدين ، باب يأتي بدعاء الافتتاح عقيب تكبيرة الافتتاح ، برقم (6186) ، (3/410) ، وقال : (هذا من قول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – موقوف عليه فنتابعه في الوقوف بين كل تكبيرتين للذكر ...).وقال ابن التركماني في تعليقه على سنن البيهقي (3/411): (أن في سنده من يحتاج إلى كشف حاله ، وفيه أيضاً حماد بن أبي سليمان ضعفه البيهقي ، وكذبه ابن الجوزي ، وقال محمد بن سعد: كان ضعيفاً في الحديث ، واختلط في آخر أمره ، وكان مرجئاً) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، باب التكبير في العيد (2/204) وعزاه إلى الطبراني في الكبير وقال : (إبراهيم لم يدرك واحداً من هؤلاء الصحابة ، وهو مرسل ورجاله ثقات )، وقال ابن علان في الفتوحات (4/242) : (إسناده جيد) وقال الألباني في تعليقه على فضل الصلاة والسلام ، ص (37) : (إسناده موقوف حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير حماد بن أبي سلمان) أ . هـ .(1/61)
وجه الدلالة : فيه إثبات مشروعية الدعاء بين التكبيرات الزوائد.وليس في ذلك شيء مؤقت عن النبي × والصحابة ، فإن قال : سبحان الله ، والحمد الله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، اللهم اغفر لي ، وارحمني ، كان حسناً (1) .
القول الثاني : لا يشرع الدعاء بين التكبيرات الزوائد في صلاة العيد . وهذا ظاهر مذهب الحنفية (2) ، ومذهب المالكية (3) .
واستدلوا بما يلي :
بأنه لو كان بينهما ذكر أو دعاء مشروع لنقل إلينا كما نقل التكبير ولما أغفله السلف (4) .
يمكن الجواب عنه : بأن فعل الصحابة كما ثبت في الأثر السابق نقل للذكر والدعاء بين التكبيرتين .
الراجح :
لعل الراجح – والله أعلم – هو القول بمشروعية الدعاء بين التكبيرات لوجاهة ما استدلوا به ، ولضعف دليل المخالفين بما ورد عليه من مناقشة .
المطلب الثالث والعشرون : الدعاء في صلاة الكسوف :
وفيه خمسة فروع :
الفرع الأول : حكم الدعاء في الكسوف :
اتفق الفقهاء (5) – رحمهم الله – على أنه يسن الاشتغال بدعاء الله وذكره عند الكسوف .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : الفتاوى (24/219) .
(2) ... ينظر : المبسوط (2/39) ، وبدائع الصنائع (2/244) ، (وعندهم أن المصلي يسكت بين التكبيرات) .
(3) ... ينظر : الذخيرة (2/421) ، ومواهب الجليل (2/191) ، والكافي ، لابن عبد البر ص 78 .
(4) ... ينظر : الذخيرة (2/421) ، وتعليق ابن التركماني على سنن البيهقي ، بهامش السنن (3/411) .
(5) ... حكاه النووي في الأذكار ص 177 ، وينظر : مختصر القدوري ص 43 ، والمبسوط (2/74) ، والمدونة (1/164) ، والكافي ، ص 79 ، وفتح الباري (2/613) ، والبجيرمي علي الخطيب
(2/458) ، والمغني (3/328) ، والاقناع (1/23) .(1/62)
1 – عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله × قال : (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله تعالى وكبروا وصلوا وتصدقوا ...الحديث) (1) .
2 – وفي رواية: (فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره) (2) .
3 – وفي رواية : (فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا) (3) .
4 – ولأنه تخويف من الله تعالى : فينبغي أن يبادر إلى طاعة الله تعالى ليكشفه عن عباده (4) .
الفرع الثاني : محل الدعاء في صلاة الكسوف :
اتفق الفقهاء – رحمهم الله تعالى – (5) على أنه يسن لمن رأى الكسوف أن يفزع إلى الصلاة ويطيل فيها الركوع والسجود .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... أخرجه البخاري في كتاب الكسوف ، باب الصدقة في الكسوف ، برقم (1044) ، ص 82 ، ومسلم كتاب الكسوف ، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف ، برقم (915) ، ص 821 .
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الكسوف ، باب الذكر في الكسوف ، برقم (1059) ، ص 83 .ومسلم في كتاب الكسوف ، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف ، برقم (912) ، ص 821.
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الكسوف ، باب الدعاء في الكسوف ، برقم (1060) ،ص 83 .
(4) ... المغني ، (3/329) وينظر : نيل الأوطار (3/380) .
(5) ... حكاه النووي في الأذكار ص 177 ، وفي شرح صحيح مسلم (6/199) ، ينظر : مختصر القدوري
ص 43 ، والمبسوط ، (2/75) ، والبناية (3/167) ، الكافي ، لابن عبد البر ص 79 ، والمدونة
(1/164) ، والذخيرة (2/429) ، والمجموع (4/50) ، والأم (1/276) ، وروضة الطالبين
(2/89)، والمغني (3/328) ، والفروع (2/120) ، وكشاف القناع (2/674).(1/63)
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : (خسفت الشمس في عهد الرسول × ، فصلى رسول الله × بالناس فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول ، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد فأطال السجود ، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ....الحديث) (1) .
واختلفوا في محل الدعاء في صلاة الكسوف على ثلاثة أقوال :
القول الأول: أن الدعاء يكون بعد صلاة الكسوف ، وإذا خفف الصلاة طول الدعاء ، وإذا طول الصلاة خفف الدعاء . وهذا مذهب الحنفية (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى تنجلي) (3) وقال × : (إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئاً فارغبوا إلى الله بالدعاء) (4) .
والسنة في الأدعية تأخيرها عن الصلاة (5) .
2 – وأما كونه إذا خفف أحدهما طول الآخر ؛ فلأن المستحب أن يبقى على الخشوع والخوف إلى إنجلاء الشمس ، فأي ذلك فعل فقد وجد (6) .ولأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء (7) .
نوقش: بأن الأدعية التي يأتي بها في نفس الصلاة ، غير الأدعية التي يأتي بها بعد الصلاة (8) .
القول الثاني : أن الدعاء في الكسوف يأتي به في نفس الصلاة .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (441) .
(2) ... ينظر : مختصر القدوري ص 43، والمبسوط (2/75)، وفتح القدير (2/88) ، وتبيين الحقائق (1/228).
(3) ... سبق تخريجه ، ص (441) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (441) .
(5) ... البناية (3/170) ، وينظر : فتح القدير ، (2/89) ، وتبيين الحقائق (1/230) .
(6) ... حاشية ابن عابدين (2/198) ، وينظر : المبسوط (2/75) ، وبدائع الصنائع (2/255) .
(7) ... فتح القدير (2/88) ، وينظر : مجمع الأنهر (1/138) .
(8) ... حاشية ابن عابدين (2/198).(1/64)
وهذا قول بعض الحنفية (1) ، وظاهر مذهب الشافعية (2) ، والحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – حديث عائشة السابق وفيه : (فصلى رسول الله × بالناس فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ، ثم ركع فأطال الركوع ...الحديث) (4) .
فيدل على أن الدعاء في الكسوف يأتي به في نفس الصلاة ؛ لأنه لا يشك أنه × لم يكن في طول قيامه ساكتاً ، بل كان مشتغلاً بالقراءة وبالدعاء (5) .
2 – قال × : (فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا حتى ...) (6) .
وجه الدلالة : ذكر × الصلاة والدعاء بواو الجمع ، فاقتضى أن يجمع بينهما، فإذا مد الدعاء بعد خروجه من الصلاة لا يكون جامعاً بين الصلاة والدعاء في وقت واحد ؛ لأن خروجه من الصلاة يكون قاطعاً للجمع ، ولاشك أن الواو تدل على الجمع (7) .
3 – وفي الصحيح قال الراوي : «فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه ، فجعل يسبح ويحمد ويهلل ويكبر ويدعو حتى حسر عنها ...» (8) .
وجه الدلالة : جمع الراوي جميع ما جرى في الصلاة من دعاء وتكبير وتهليل ، فدل على أن الدعاء يكون في الصلاة (9) .
4 – ولأن الركوع والسجود لا تشرع فيهما القراءة ، فلم يبق في تطويلهما إلا زيادة الأدعية والأذكار من تسبيح ونحوه (10) .
__________
(1) ... ينظر : عمدة القاري (7/65) ، وحاشية ابن عابدين (2/198) .
(2) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (6/217) ، وفتح الباري (2/613) .
(3) ... ينظر : المغني (3/328) ، والفروع (2/120) ، وحاشية الروض المربع (2/529) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (441) .
(5) ... ينظر : عمدة القاري (7/65) .
(6) ... سبق تخريجه ، ص (441) .
(7) ... ينظر : عمدة القاري (7/65) .
(8) ... سبق تخريجه ، ص (390) ، من حديث عبد الرحمن بن سمرة – رضي الله عنه - .
(9) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (6/217) .
(10) ... حاشية ابن عابدين (2/198) .(1/65)
5 – وقياساً على غيرها من النوافل (1) .
القول الثالث : أن محل الدعاء في صلاة الكسوف يكون بعد التشهد والصلاة على النبي × وقبل السلام ولا يدعو في الركوع بل يسبح ويذكر الله فقط . وهذا مذهب المالكية (2) .
ولم يذكروا أدلة على ذلك (3) .
يمكن أن يناقش : أن قولهم هذا مبني على قولهم الضعيف في كراهة الدعاء في الركوع .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الثاني وهو أن الدعاء يأتي به في نفس صلاة الكسوف ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ولضعف أدلة المخالفين ، بم ورد عليها من مناقشة .
وإذا فرغ من الصلاة ولم ينجل الكسوف ، فهل يعيد الصلاة أو يشتغل بالدعاء حتى ينجلي الكسوف ؟ .
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : إذا فرغ من الصلاة ولم ينجل الكسوف ، فإنه لا يعيد الصلاة ولا يكررها ، بل يشتغل بالدعاء حتى ينجلي الكسوف . وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية (4) ، والمالكية (5) ، والشافعية (6) ، والحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/197) ، وحاشية الروض المربع (2/529) .
(2) ... ينظر : الكافي ، لابن عبد البر ص 79 ، ومواهب الجليل (2/202) ، وحاشية العدوي (1/351) .
(3) ... بحسب ما اطلعت عليه من المصادر .
(4) ... ينظر : مختصر القدوري ص 43 ، والمبسوط (2/74) ، وفتح القدير (2/88) .
(5) ... ينظر : المدونة (1/164) ، والكافي ، لابن عبد البر ص 79 ، والذخيرة (2/429) .
(6) ... ينظر : فتح الباري (2/613) ، ونيل الأوطار (3/380) .
(7) ... ينظر : المغني (3/331) ، والاقناع (1/203) ، وكشاف القناع (2/674) .(1/66)
1 – عن أبي بن كعب – رضي الله عنه – قال : (انكسفت الشمس على عهد رسول الله × ، وإن النبي × صلى بهم فقرأ بسورة من الطول ، وفيه : ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها) (1) .
وجه الدلالة : ظاهرة ، فإن النبي × لم يكرر الصلاة بل اكتفى بالدعاء حتى انجلت .
2 – قال × : (إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئاً فارغبوا إلى الله بالدعاء) (2) .
3 – ولأن النبي × لم يزد على الركعتين (3) .
4 – ولأن عليهم الاشتغال بالتضرع إلى أن تنجلي ، وذلك بالدعاء تارة ، وبالقراءة تارة (4) .
5 – ولأن المستحب أن يبقى على الخشوع والخوف إلى انجلاء الشمس ، وذلك بالصلاة أو الدعاء ، فأي ذلك فعل فقد وجد (5) .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود في كتاب الكسوف ، باب من قال أربع ركعات ، برقم (1182) ، ص 1310 ، والبيهقي في السنن ، كتاب الخسوف ، باب من أجاز أن يصلي ... ، برقم (6326) ، (3/459) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الكسوف ، باب في كل ركعة خمس ركوعات ، برقم (1277)، (1/64)، وقال: (الشيخان قد هجرا أبا جعفر الرازي ولم يخرجا عنه ، وحاله عند سائر الأئمة أحسن الحال) ، وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، برقم (2237) ، وفيه أبو جعفر الرازي قال عنه ابن حجر في التقريب (2/411) : (صدوق سيئ الحفظ خصوصاً عن المغيرة ). وقال في عون المعبود (4/35) : (قال المنذري: في إسناده الرازي وفيه مقال ) فالحديث ضعيف لضعف أبي جعفر الرازي .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (441) .
(3) ... المغني (3/331) .
(4) ... ينظر : المبسوط (2/75) ، والبناية على الهداية (3/167) ، ومجمع الأنهر (1/138) .
(5) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/198)،فتح القدير (2/88) ، وتبيين الحقائق (1/228).(1/67)
القول الثاني : يخير المصلي بين أن يصلي ركعتين يطول فيهما بالقراءة والدعاء في الركوع والسجود إلى وقت الانجلاء ، أو يكرر الصلاة حتى تنجلي . وهذا قول عند الحنفية (1) .
واستدلوا بما يلي :
1 – بقوله × : (فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم) (2) .
وجه الدلالة : أنه × ذكر الصلاة والدعاء بواو الجمع ، فاقتضى أن يجمع بينهما إلى وقت الانجلاء قبل الخروج من الصلاة ، وذلك لا يكون إلا بإطالة الركوع والسجود بالذكر فيهما والدعاء ، فإذا مد الدعاء بعد خروجه من الصلاة لا يكون جامعاً بين الصلاة والدعاء في وقت واحد ؛ لأن خروجه من الصلاة يكون قاطعاً للجمع ، ولاشك أن الواو تدل على الجمع (3) .
نوقش:
بأن قوله × : (فصلوا وادعوا) يدل على أن من سلم من الصلاة قبل الانجلاء يتشاغل بالدعاء حتى تنجلي ؛ لأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين ، ولا يلزم من ذلك أن يكون غاية لكل منهما على انفراده ، فجاز أن يكون الدعاء ممتداً إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة فيصير غاية للمجموع، ولا يلزم منه تطويل الصلاة ولا تكريرها (4) .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم – القول الأول وهو أن يشتغل بالدعاء ولا يكرر الصلاة وذلك لأن الثابت عن النبي × أنه لم يزد عن الركعتين ، فإذا فرغ منها ولم تنجل اشتغل بالدعاء .
الفرع الثالث : صفة الدعاء في صلاة الكسوف :
صفة الدعاء في الصلاة :
يدعو كل مصل سراً ، ويقدم المأثور ، وإن دعا بغيره فلا بأس ، كما في غيرها من الصلوات .
وأما الدعاء في الركوع الثاني جهراً وتأمين المصلين عليه ، بدعة لم تثبت عن النبي × ، ولا عن خلفائه الراشدين – رضي الله عنهم– (5) .
__________
(1) ... ينظر : عمدة القاري (7/65) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (441) .
(3) ... ينظر : عمدة القاري (7/65) .
(4) ... ينظر: فتح الباري (2/613) ، وعمدة القاري (7/65) ، ونيل الأوطار (3/380) .
(5) ... ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (8/325) .(1/68)
وأما بعد الصلاة :
فعند الحنفية : أن الإمام يدعو بعد صلاة الكسوف حتى تنجلي الشمس (1) ، ويخير بين أن يدعو جالساً مستقبلاً القبلة أو قائماً مستقبل الناس والقوم يؤمنون .
ولو قام معتمداً على عصا أو قوس كان حسناً ،لكن لا يصعد على المنبر للدعاء (2) .
وعند غيرهم (3) :
إذا فرغ من الصلاة ولم تنجل ، اشتغل كل مصل بالذكر والدعاء والتضرع سراً ، وإن شاؤوا قياماً مستقبلين القبلة ومبتهلين ،وإن شاؤوا جلوساً ، لا ينكر القائم على الجالس،ولا الجالس على القائم ولا الداعي على الساكت،ولا الساكت على الداعي (4) .
وإذا غربت وهي كاسفة أمسك عن الدعاء ، وصلى المغرب (5) .
الفرع الرابع : الحكمة من الأمر بالدعاء عند الكسوف :
أمر النبي × بالدعاء عند الكسوف ؛ لأن النفوس عند مشاهدة ما هو خارق للعادة تكون معرضة عن الدنيا ومتوجهة إلى الله سبحانه ، فيكون أقرب للإجابة (6) .
الفرع الخامس : حكم الدعاء والتضرع في غير الكسوفين من الآيات :
اتفق الفقهاء (7)
__________
(1) ... ينظر: البناية على الهداية (3/169) .
(2) ... ينظر: البحر الرائق (2/181) ، وتبيين الحقائق (1/231) ، وفتح القدير (2/89) .
(3) ... ينظر: المدونة (1/164)، والمعونة (1/185)، وفتح الباري (2/613) ، ونيل الأوطار (3/380) ، والمغني (3/331) ، والاقناع (1/205) ، والفتاوى (24/260) .
(4) ... ينظر مواهب الجليل (2/203) .
(5) ... حاشية ابن عابدين (2/197) .
(6) ... ينظر : الفتوحات الربانية (4/251) ، والبجيرمي على الخطيب (2/458) .
(7) ... ينظر : البناية (3/173) ، وعمدة القاري (7/88) ، وقال : (وبه قال أصحابنا أن الدعاء لا يختص بالكسوفين) ، والمدونة (1/164) ، والكافي لابن عبد البر ص 79 ، والحاوي (3/153) ، وروضة الطالبين (2/89) وفتح الباري (2/635) ، ومغني المحتاج (1/320) ، والبجيرمي على الخطيب
(2/466) ، والمغني (3/333) ، والفروع (2/122) .(1/69)
– رحمهم الله – على أنه يسن لكل أحد أن يتضرع بالدعاء ونحوه عند الزلازل والصواعق والريح الشديدة ، والظلمة الهائلة بالنهار ، والثلج والصواعق ، وانتشار الكواكب ، والضوء الهائل بالليل ، ونحو ذلك من النوازل والأهوال والأفزاع ، وأن يصلي من شاء في بيته منفرداً لئلا يكون غافلاً .
واستدلوا :
بقوله × : (هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ، ولكن يخوف الله بها عباده ، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره) (1) .
وجه الدلالة : يفهم منه أن المبادرة للذكر والدعاء لا تختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك (2) .
المطلب الرابع والعشرون : الدعاء في صلاة الاستسقاء : فيه أربعة فروع :
الفرع الأول : حكم الدعاء في صلاة الاستسقاء (3) :
الاستسقاء بالدعاء مشروع ، مأمور به في كل الأحوال إن احتيج إليه ، ولا خلاف بين الأمة في جوازه (4) ، لكن الاستسقاء بالصلاة أفضل (5) .
وقد ثبت عنه × أنه استسقى على وجوه (6) :
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (441) .
(2) ... عمدة القاري (7/88) وينظر: فتح الباري (2/635) .
(3) ... مراد الفقهاء به : سؤال الله تعالى أن يسقى عباده عند حاجتهم ، ينظر : المجموع (5/68) ، وفتح الباري (2/571) ، ومجمع الأنهر (1/139) .
(4) ... حكاه الحطاب في مواهب الجليل عن ابن بشير (2/205)، وابن القاسم في حاشية الروض (2/539)، والنووي في المجموع (5/85) ، وينظر : مختصر القدوري ص 44 ، والمبسوط (2/76) ، والمدونة
(1/166) فتح البر في ترتيب التمهيد (5/372) ، وبداية المجتهد (1/389) ، والأم (2/287) ، والحاوي (3/152) ، والمغني (3/340) ، وشرح الزركشي (2/267).
(5) ... ينظر : المجموع (5/93) ، ومغني المحتاج (1/321) ، والمغني (3/348) .
(6) ... ينظر : زاد المعاد (1/456 – 458) ، وشرح صحيح مسلم (6/188) ، والتلخيص (2/632).(1/70)
أحدها : يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته (1) .
الثاني : أنه × وعد الناس يوماً يخرجون فيه إلى المصلى فخرج لما طلعت الشمس ، ثم خطب الناس ، ودعا في أثناء الخطبة ، وصلى ركعتين (2) .
الثالث : أنه × استسقى على منبر المدينة استسقاءً مجرداً في غير يوم جمعة ، ولم يحفظ عنه × في هذا الاستسقاء صلاة (3) .
الرابع : أنه × استسقى وهو جالس في المسجد (4) .
الخامس : أنه × استسقى عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء ، خارج المسجد (5) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة ، برقم (1014) ، ص 79 ، ومسلم ، كتاب الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء برقم (897) ، ص 817 .
(2) ... أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء ، باب الاستسقاء ، برقم (1005) ، ص 78 بنحوه ، ولفظه : (خرج النبي × يستسقى وحول رداءه) ، ومسلم ، كتاب الاستسقاء ، باب صلاة الاستسقاء ، برقم894 ، ص 817 .
(3) ... أخرجه ابن ماجه ، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في الاستسقاء ، برقم (1270) ، ص 2552 ، قال البوصيري في مصباح الزجاجة بهامش سنن ابن ماجه (2/97) : (هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات) ، وقال الألباني في الإرواء (2/146) : (أما إن رجاله ثقات فصحيح ، وأما إن إسناده صحيح فليس كذلك ؛ لأنه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس وهو مدلس وقد عنعنه) .
... وأورده الهيثمي في المجمع (2/213) وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال : (وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام كثير) .
(4) ... أخرجه أبو داود ، في كتاب الاستسقاء ، باب رفع اليدين في الاستسقاء ، برقم (1169)، ص1039 ، والبيهقي في السنن ، كتاب الاستسقاء ، باب الدعاء في الاستسقاء ، برقم (6442) ، (3/496) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الاستسقاء ، باب دعاء الاستسقاء ، برقم (1266) ، (1/642) ، وقال : (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين) .
(5) ... سبق تخريجه ، ص (170) .(1/71)
السادس : أنه × استسقى في بعض غزواته (1) .
فتبين من ذلك : أن دعاء الاستسقاء مشروع في جميع الأحوال عند الحاجة إليه .
الفرع الثاني : محل الدعاء في صلاة الاستسقاء :
اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله تعالى – على أن محل الدعاء في صلاة الاستسقاء يكون بعد الفراغ من الخطبة أو قبل الفراغ منها ، وليس في الصلاة دعاء استسقاء لا سراً ولا جهراً .
واستدلوا بما يلي :
1 – ثبت عنه × أنه خرج يستسقي ، فتوجه إلى القبلة يدعو ، وحول رداءه ثم صلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة (3) .
وجه الدلالة : دل الحديث على أن الدعاء كان قبل الصلاة ، ولم يذكر أنه دعا في صلاة الاستسقاء .
الفرع الثالث : صفة الدعاء في الاستسقاء :
اتفق الفقهاء (4)
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الاستسقاء ، باب رفع اليدين في الاستسقاء ، برقم (1176) ، ص 1309 ، ومالك في الموطأ ، باب ما جاء في الاستسقاء برقم (449) ، ص 129 ، وقال ابن عبد البر في التمهيد: (هكذا رواه مالك عن يحيى ، عن عمرو بن شعيب مرسلاً) ، ينظر : فتح البر (5/377) ، وقال ابن حجر في التلخيص (2/99) : (رجح أبو حاتم إرساله) ، وقال محقق زاد المعاد شعيب الأرنؤط
(1/458) : (إسناده حسن) .
(2) ... ينظر : مختصر القدوي ص 44 ، ومجمع الأنهر (1/139) ، وبدائع الصنائع (2/262) ، والمدونة
(1/166) ، والذخيرة (2/434) ، والمعونة (1/185) ، والأم (2/287) ، والحاوي (3/150) ، والمجموع (5/81) ، والمغني (3/340) ، والفروع (2/127) ، والاقناع (1/207) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (449) .
(4) ... هذا في الجملة ، ينظر : مختصر القدوري ص 44 ، وبدائع الصنائع (2/262) ، ومجمع الأنهر
(1/139) ، والمدونة ، (1/166) ، والكافي ، لابن عبد البر ، ص 80 ، والمعونة (1/185) ، والأم
(2/287) ، والحاوي (3/150) ، والمجموع (5/81) ، والمغني (3/340) ، والفروع (2/127) ، وكشاف القناع (2/687) .(1/72)
– رحمهم الله – على أنه يسن للإمام أن يكثر في خطبته من الاستغفار ، وقراءة الآيات التي فيها الأمر به كقوله تعالى: ? ?????????????????? ????????? ?????????? ????? ??????????? ? (1) ، ويكثر من الدعاء والصلاة على النبي × ؛ لأن ذلك معونة على الإجابة (2) .
وعن عمر أنه خرج يستسقي ، فلم يزد على الاستغفار ، فقالوا : ما رأيناك استسقيت ، قال : «لقد طلبت الغيث بمجاديح (3) السماء الذي يستنزل به المطر» (4) ، ثم قرأ: ? ?????????????????? ????????? ?????????? ????? ??????????? ???? ???????? ???????????? ????????? ???????????? ???? ? (5) .
ويستقبل الإمام الناس أثناء الخطبة ويدعو جهراً (6) ، لأن دعاءه × سمع فنقل (7) .
__________
(1) ... سورة نوح ، آية (10) .
(2) ... حاشية الروض المربع (2/550) .
(3) ... المجاديح واحدها مجدح ، وهو نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تمطر به كقولهم الأنواء ، ينظر : لسان العرب (2/421) ، مادة جدح .
(4) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/474) ، وقال الألباني في الإرواء (2/146) : (إسناده صحيح)، وأخرجه البيهقي في سننه (3/490) .
(5) ... سورة نوح ، آية (10 ، 11) .
(6) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/262) ، والمدونة (1/166) ، والحاوي (3/150) ، والمغني (3/340).
(7) ... الذخيرة (2/434) .(1/73)
ويستحب أن يرفع الإمام والمأموم أيديهم عند الدعاء في الاستسقاء ، حتى لو دعا حال خطبة الجمعة باتفاق (1) ، لأنه (ثبت عنه × أنه رفع يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون) (2) .
ويستحب أن يبالغ في الرفع ؛ لأن النبي × كان يبالغ في رفع يديه فيه حتى يرى بياض إبطيه ، ولا يرى البياض إلا مع الرفع الشديد (3) ، حتى إنه جاء في الصحيح : (جعل ظهورهما نحو السماء) (4) .
والأقرب في تفسيره : أنه رفعهما رفعاً شديداً حتى كان الرائي يرى ظهورهما نحو السماء (5) .
ولا يدعو في هذه الخطبة إلا في كشف ما نزل بهم ، ولا يدعو لأحد من المخلوقين ما لم يخش ضرر السلطان ، فإنه يدعو له فيها (6) .
ثم إذا فرغ من الخطبة أو أشرف على الفراغ ، استقبل القبلة واقفاً (7) ، ويحول ردائه واختلف الفقهاء – رحمهم الله – في حكمه على ثلاثة أقوال :
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (2/76) ، والعناية على الهداية بهامش فتح القدير (2/94) ، والذخيرة (2/434) ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (2/207) ، والمجموع (5/82) ، وروضة الطالبين (2/93) ، وشرح الزركشي (2/265) ، والانصاف (2/432) ، وقال : (هذا بلا نزاع) .
(2) ... أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء ، برقم (1029) ، ص 80 .
(3) ... ينظر : البناية (3/181) ، والذخيرة (2/434) ، والمجموع (5/82) ، والاقناع (1/207) ، والشرح الممتع (5/282) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (149) .
(5) ... ينظر : الانصاف (2/432 ، وحاشية الروض المربع (2/551) .
(6) ... ينظر : الذخيرة (2/434) ، وحاشية الدسوقي (1/406) ، ومواهب الجليل (2/207) .
(7) ... ينظر : المدونة (1/166) ، والكافي ص 80 ، والأم (2/287) ، والحاوي (3/150) ، والمغني
(3/340) ، والاقناع (1/207) .(1/74)
القول الأول : أن الإمام يحول رداءه واقفاً ويدعو سراً ويحول الناس أرديتهم ويدعون وهم جلوس . وهذا مذهب جمهور العلماء من المالكية (1) ، والشافعية (2) ، والحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – (أن النبي × خرج إلى المصلى يصلي ، وأنه لما دعا أو أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه ، وحول الناس أرديتهم) (4) . وهذا يعم الإمام والمأمومين، من الذكور دون الإناث (5) .
2 – ولقوله تعالى: ? ???????????????? ??????????? ????????????? ? (6) .
3 – ولأن ما ثبت في حقه ثبت في حقنا ما لم يقم دليل على تخصيصه (7) .
4 – ولأنه قد عقل المعنى في ذلك ، وهو التفاؤل بقلب الرداء ؛ ليقلب الله بهم من الجدب إلى الخصب (8) ، ففي الحديث : (وحول رداءه ليتحول القحط) (9) .
5 – ولأنه قرن بالصلاة والخطبة والدعاء،فدل ذلك على أنه من السنة (10) .
__________
(1) ... ينظر : المعونة (1/185) ، وحاشية العدوي (1/357) ، ومواهب الجليل (2/207) ، وبداية المجتهد
(1/393) .
(2) ... ينظر : الأم (2/287) ، روضة الطالبين (2/93) ، وعون المعبود (4/26) .
(3) ... ينظر : المستوعب(3/87) ، والفروع (2/129) ، والاقناع (1/207) .
(4) ... أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب استقبال القبلة ، برقم (1028) ، ص 80 .
(5) ... ينظر : المغني (3/340) ، وحاشية العدوي (1/357) .
(6) ... سورة الأعراف ، آية (158) .
(7) ... الممتع شرح المقنع (1/694) ، وينظر : المغني (3/340) .
(8) ... ينظر : المغني (3/340) .
(9) ... أخرجه البيهقي في سننه ، (3/489) ، برقم (6418) ، والدار قطني في سننه ، (2/66) ، والحاكم في مستدركه ، (1/638) ، ورقمه (1256) ، وقال : (حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ، وقال ابن حجر في بلوغ المرام مع سبل السلام (2/164) : (الرواية مرسلة) .
(10) ... ينظر : عارضة الأحوذي (3/29) .(1/75)
القول الثاني : أنه لا يسن تحويل الرداء عند الدعاء في الاستسقاء .وهذا قول أبي حنيفة (1) .
واستدلوا بما يلي :
1 – لأنه دعاء ، فلا يستحب تحويل الرداء فيه كسائر الأدعية ،فلا معنى لتغيير الثوب فيه (2) .
2 – ولأنه × استسقى يوم الجمعة ، ولم يقلب الرداء (3) .
3 – ولأنه فعل لأمر لا يرجع إلى معنى العبادة (4) .
وما روي أنه قلب الرداء محتمل ؛ فيحتمل أنه تغير عليه فأصلحه فظن الراوي أنه قلب ، أو يحتمل أنه عرف من طريق الوحي أن الحال ينقلب من الجدب إلى الخصب متى قلب الرداء بطريق التفاؤل ففعل ، وهذا لا يوجد في حق غيره (5) .
نوقش بما يلي:
1 – أن الراوي الشاهد للحال أعرف ، وقرنه بالصلاة والخطبة والدعاء يدل على أن ذلك من السنة ، وهل جهل عظيم أن يفسر الفعل من لم يشاهده بخلاف تفسير شاهده (6) ؟
2 – وأما قولكم : «أنه ما فعله تفاؤل» فالجواب عنه من وجهين (7) :
الأول : أنه تعليل في مقابلة النص وهو باطل .
الثاني : هب أنه × تفاءل بذلك فليتفاءل كل من يبتلى بذلك تأسياً به × .
القول الثالث : أن تحويل الرداء خاص بالإمام فقط ، وأما المأموم فلا يحول رداءه .
وهذا قول بعض الحنفية (8) .
__________
(1) ... ينظر : فتح القدير (2/94) ، وبدائع الصنائع (2/262) ، والاختيار لتعليل المختار (1/72) .
(2) ... ينظر : الهداية مع فتح القدير (2/91) ، والبناية (3/182) ، وتبيين الحقائق (1/228) .
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب الاستسقاء على المنبر ، برقم (1018) ص 79 ، وينظر: فتح القدير (2/91) ، وبدائع الصنائع (2/262) .
(4) ... فتح القدير (2/95) .
(5) ... بدائع الصنائع (2/262) ، وينظر : البناية (3/183) .
(6) ... عارضة الأحوذي (3/29) .
(7) ... العناية على الهداية بهامش فتح القدير (2/95) ، وينظر : البناية (3/184) .
(8) ... منهم محمد بن الحسن ، وأبو يوسف ، والقدوري وغيرهم ، ينظر : فتح القدير (2/94) ، والاختيار
(1/72) ، والبحر الرائق (2/181) .(1/76)
واستدلوا بما يلي :
1 – أن تحويل الرداء في حق الإمام أمر ثبت بخلاف القياس بالنص فنقتصر على مورد النص (1) .
2 – ولأنه لم ينقل أن النبي × أمر أصحابه بذلك (2) .
وما روي من الحديث : (أن النبي × حول رداءه ، وحول الناس أرديتهم) فالجواب عنه من وجوه (3) :
1 – أنه شاذ .
2 – أنه يحتمل أنه × عرف ذلك ، فلم ينكر عليهم فيكون تقريراً ، ويحتمل أنه لم يعرف ؛ لأنه كان مستقبل القبلة مستدبراً لهم ، فلا يكون حجة مع الاحتمال .
3 – أو أن قلبهم هذا كخلعهم النعل حين رأوه عليه الصلاة والسلام خلع نعليه في الصلاة فلم يكن في ذلك حجة ، وإنما لم ينكر عليهم ؛ لأنه ليس بحرام بلا خلاف .
يمكن أن يناقش :
أن الحديث صحيح صريح في الدلالة على استحباب تحويل الرداء للمأمومين ، وما ذكروه من الجواب على الحديث ضعيف لا يقوى على رده .
وأما قولكم : (أنه لم ينقل أنه × أمرهم بذلك) .
فالجواب عنه :
أن فيه نظر ؛ لأنه استدلال بالنفي وهو باطل ؛ لأنه احتجاج بلا دليل (4) ، ثم إن ما فعله النبي × يثبت في حق غيره ، ما لم يقم على اختصاصه به دليل (5) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول وهو أنه يسن تحويل الرداء للإمام والمأموم عند الدعاء في الاستسقاء ؛ وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليها من مناقشة ولأن سنة الرسول × أحق أن تتبع.
واتفق الفقهاء (6)
__________
(1) ... بدائع الصنائع (2/263) .
(2) ... البناية (3/184) .
(3) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/263) ، وفتح القدير (2/95) ، والعناية على الهداية بهامش فتح القدير
(2/96) .
(4) ... ينظر : العناية بهامش فتح القدير (2/95) ، والبناية (3/184) .
(5) ... المغني (3/341) .
(6) ... القائلون بسنية التحويل ينظر : بدائع الصنائع (2/263) ، والبحر الرائق (2/182) ، والمدونة
(1/166) ، والكافي ص 80 ، والأم (2/287) ، والمجموع (5/81) ، والمغني (3/340) ، والفروع (2/129) .(1/77)
على أن محل تحويل الرداء أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء ، لما في الحديث السابق : (أنه لما دعا أو أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه) (1) .
فعرف بذلك أن التحويل وقع أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء (2) .
واختلفوا في صفة تحويل الرداء على قولين :
وسبب الاختلاف : اختلاف الآثار عن النبي × (3) .
اختلفوا على قولين :
القول الأول : أنه يجعل ما على اليمين على الشمال ، وما على الشمال على اليمين وهذا مذهب المالكية (4) ، والحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – في حديث خروج النبي × إلى المصلى ، وقلب ردائه وفيه قال الراوي : (قلت: أجعل الشمال على اليمين ، واليمين على الشمال ، أم أجعل أعلاه أسفله ؟ قال: بل جعل الشمال على اليمين ، واليمين على الشمال) (6) .
وفي رواية : (حول رداءه ، فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله) (7) .
القول الثاني : يجعل أعلاه أسفله ، وما على يمينه منه على يساره ، وما على يساره على يمينه ، ولو اقتصر على تحويله ولم ينكسه أجزأه هذا إذا كان مربعاً ، وإذا كان مدوراً جعل الأيمن على الأيسر فقط . وهذا قول الحنفية (8) ، ومذهب الشافعية (9) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ،ص (452) .
(2) ... ينظر :فتح الباري (2/579) ، وتحفة الأحوذي (3/106) ، وحاشية العدوي (1/357) ، وعمدة القاري (7/49) .
(3) ... بداية المجتهد (1/394) .
(4) ... ينظر : بداية المجتهد (1/394) ، والمعونة (1/185) ، ومواهب الجليل (2/207) .
(5) ... ينظر : شرح الزركشي (2/265) ، والفروع (2/129) ، والمغني(3/341) .
(6) ... أخرجه البخاري ، كتاب الاستسقاء ، باب الاستسقاء في المصلى ، برقم (1027) ، ص 80 .
(7) ... أخرجه البيهقي في سننه ، (3/488) ، برقم (6415) .
(8) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/263) ، والبحر الرائق (2/182) .
(9) ... ينظر : الأم (2/287) ، والحاوي (3/150) ، والمجموع (5/83) .(1/78)
استدلوا بما يلي :
1 – حديث عبد الله بن زيد (1) – رضي الله عنه – قال : (استسقى رسول الله × وعليه خميصة سوداء ، فأراد أن يأخذ بأسفلها ، فيجعله أعلاها ، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه) (2) .
وجه الدلالة : ثبت عنه التحويل ، ونبه على التنكيس ؛ لأنه تركه لعذر (3) .
نوقش : بأن هذه الزيادة التي نقلوها - إن ثبتت - فهي ظن الراوي ، لا يترك لها فعل النبي × ، وقد نقل تحويل الرداء جماعة ، لم ينقل أحد منهم أنه جعل أعلاه أسفله ، ويبعد أن يكون النبي × ترك ذلك في جميع الأوقات لثقل الرداء (4) .
الراجح :
هو القول الأول وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
ومن صفة الدعاء في الاستسقاء:-
يستحب أن يكون الإمام واقفاً مستقبلاً القبلة (5) ، والحكمة فيه :
__________
(1) ... عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب ، من فضلاء الصحابة ، يعرف بابن أم عماره ، أحد بني مازن بن النجار ، شهد أحداً ، وقيل : بدراً ، وهو الذي قتل مسيلمة بالسيف ، مع رمية وحشي له بحربته ، وهو صاحب حديث الوضوء ، قتل يوم الحره سنة 63هـ .
... ينظر في ترجمته : طبقات بن سعد (5/531) ، وأسد الغابة (3/253) ، وشذرات الذهب (1/71) .
(2) أخرجه أبو داود ، كتاب الاستقساء ، باب جماع أبواب صلاة الاستسقاء ، برقم (1164) ، ص 1308 ، والبيهقي في سننه ، (3/489) ، برقم (6417) ، وأحمد في المسند ينظر: (الفتح الرباني ، كتاب الاستسقاء ، باب التحويل ، (6/245) ، وقال البنا: (إسناده جيد) ، وقال ابن حجر في التلخيص
(2/643) : (قال في الإلمام : إسناده على شرط الشيخين) .
(3) ... الحاوي (3/150) .
(4) ... المغني (3/341) .
(5) ... قولاً واحداً كما حكاه ابن رشد (1/392)، وينظر : الهداية مع الفتح (2/94) ، والمدونة (1/166) ، والأم (2/287) ، والمغني (3/340) .(1/79)
كونه حالة خشوع وإنابة فيناسبه القيام ؛ ولأن القيام شعار الاعتناء والاهتمام والدعاء أهم أعمال الاستسقاء فناسبه القيام ، ويحتمل أن يكون قام ليراه الناس فيقتدوا بما يصنع (1) .
ويستحب أن يدعو الإمام سراً حال استقبال القبلة (2) ، ليكون أقرب من الإخلاص، وأبلغ في الخشوع والخضوع ، وأسرع في الإجابة (3) ؛ لقوله تعالى: ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? (4) .ويدعو بما يشاء من أمور الدين والدنيا (5) .
ويستحب الجهر ببعضه ؛ ليسمع الناس ، فيؤمنون على دعائه (6) ، ويستحب أن يبالغ في الدعاء بالإطالة فيه ، ويجتهد في الدعاء هو ومن معه بإخلاص ، ونية بعد ندم ، وتوبة وإقلاع عن المعاصي وخروج عن المظالم ويبتهلون في الدعاء حتى يطول ذلك ويرتفع النهار (7) .
وإذا فرغ الإمام والناس من الدعاء ، ينصرف وينصرفون (8) .
وقيل : إذا فرغ الإمام من الدعاء ، يقبل على الناس فيحضهم ويأمرهم بخير ، ويصلي على النبي × ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ويقرأ ما تيسر ، ثم يقول : استغفر الله لي ولكم وهو على ما كان عليه من الرداء وتحويله ، ثم ينصرفون (9) .
وأما لفظ الدعاء في الاستسقاء :
__________
(1) ... ينظر : فتح الباري (2/596) ، وعمدة القاري (7/47) .
(2) ... ينظر : الأم (2/287) ، والحاوي (3/150) .
(3) ... ينظر : المغني (3/340) ، والاقناع (1/207) .
(4) ... سورة الأعراف ، آية (55) .
(5) ... الحاوي (3/150) ، والمغني (3/340) .
(6) ... المغني (3/340) .
(7) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/406) ، والكافي ، لابن عبد البر ص 80 .
(8) ... ينظر : المدونة (1/166) ، والتاج والأكليل بهامش مواهب الجليل (2/207) .
(9) ... ينظر : الأم (2/287) ، والحاوي (3/150) ، والمعونة (1/185) ، والمغني (3/340) .(1/80)
فقد اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه ليس في الاستسقاء دعاء مؤقت ، وأي شيء دعا به جاز ، لكن الأفضل ما ورد عن النبي × ، لقوله تعالى : ? ???????? ????? ?????? ? ??????? ?????? ?????????? ????????? ? (2) .
ومن دعائه × :
1 – (اللهم اسق عبادك وبهائمك ، وانشر رحمتك ، وأحي بلدك الميت) (3) .
2 – (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مرئياً ، مريعاً ، نافعاً غير ضار ، عاجلاً غير آجل) (4) .
3 – (اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، اللهم أسقنا) (5) .
__________
(1) ... ينظر : البناية (3/175) ، وفتح القدير (2/94) ، والأم (2/287) ، والحاوي (3/155) ، والاقناع (1/207) .
(2) ... سورة الأحزاب ، آية (22) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (449) .
(4) ... أخرجه أبو داود في الصلاة ، باب رفع اليدين في الاستسقاء ، برقم (1169) ، ص 1309 ، والبيهقي في سننه ، (6441) ، (3/496) ، والحاكم في مستدركه برقم ، (1266) ، (1/642) ، وقال (حديث صحيح) ، وأحمد في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الاستسقاء ، باب استشفاع الكفار بالنبي ×، (6/241)، وقال البنا في الفتح (إسناده جيد)) ، وقال ابن عبد البر في التمهيد ، (فتح البر (5/378)): (هذا أحسن شيء روي في دعاء الاستسقاء) ، ومريئاً : أي محمود العاقبة مسمنا الحيوان، ومريعاً : وهو من المراعة وهي الخصب ، ينظر : المجموع (5/79) ، والنهاية (4/313 ، 320) .
(5) ... سبق تخريجه ، ص (448) .(1/81)
4 – (الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، لا إله إلا الله ، يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، تفعل ما تريد ، اللهم لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا ، وبلاغاً إلى حين) (1) .
5 – (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً طبقاً (2) عاجلاً غير رائث ، نافعاً غير ضار) (3) .
الفرع الرابع : حكم الدعاء بالاستصحاء :
اتفق الفقهاء – رحمهم الله – على أنه يستحب الدعاء بالاستصحاء للحاجة إذا كثر المطر وتضرروا به ولكن لا يشرع له صلاة ولا خطبة ولا اجتماع في الصحراء (4) ، ولا تحويل الرداء ، بل يدعى بذلك في خطبة الجمعة ، أو في أعقاب الصلاة (5) ، وليس له وقت محدد ، بل يفعل في كل وقت ؛ لأنه دعاء مجرد (6) .
ويدل على استحبابه :
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الاستسقاء ، باب رفع اليدين في الاستسقاء ، برقم (1173) ، ص 1309 ، وقال : (حديث غريب إسناده جيد) ، والحاكم في مستدركه ، باب دعاء الاستسقاء ، برقم (1265)،
(1/642) ، وقال : (صحيح في سنده يونس يزيد الأيلي) قال في التقريب (2/397) : (ثقة ، إلا أن روايته عن غير الزهري خطأ وهذا منها) .
(2) ... أي عام واسع ، ينظر : النهاية (3/113) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (449) .
(4) ... حكاه ابن هبيره في الإفصاح (1/181) ، ينظر : شرح صحيح مسلم (6/193) ، ومواهب الجليل (2/205) ، وحاشية العدوي (1/357) ، والمنتقى (2/385) ، والأم (1/282) .
(5) ... فتح الباري (2/591) .
(6) ... ينظر : المنتقى (2/385) .(1/82)
1 – أنه لما كثر المطر ، سألوه الاستصحاء ، فاستصحى لهم ، وقال : (اللهم حوالينا، ولا علينا ، اللهم على الآكام والجبال ، والظراب ، وبطون الأودية ، ومنابت الشجر) (1) ، فدعا ولم يصل (2) .
وفيه أدبه × في الدعاء فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل ، وسأل بقاءه في مواضع الحاجة بحيث يبقى نفعه وخصبه، وهي بطون الأودية وغيرها (3) .
وفيه تعليم كيفية الاستصحاء ، ولم يقل : ارفعه عنا ؛ لأنه رحمة ، ونعمة فكيف يطلب رفعه ، ولم يقل اللهم اصرفه إلى منابت الشجر ، لأنه سبحانه أعلم بوجه اللطف وطريق المصلحة (4) .
2 – ولأن الضرر بزيادة المطر أحد الضررين، فيستحب الدعاء لإزالته كانقطاعه (5) .
وكذا إذا زاد ماء النبع بحيث يضر استحب لهم أن يدعو الله تعالى أن يخففه عنهم، ويصرفه إلى أماكن ينفع ولا يضر (6) .
ويستحب الدعاء عند نزول المطر (7) ، وأن يقول عند نزوله :
(مطرنا بفضل الله ونعمته اللهم اجعله صيباً نافعاً) (8) ، وفي رواية: (صيباً هنيئاً) (9) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم، برقم(1019)، ص 80.
(2) ... الحاوي (3/153) ، وينظر : المجموع (5/88) ، ومغني المحتاج(1/326) ، وكشاف القناع (2/689) .
(3) ... شرح صحيح مسلم (6/193) ، وينظر : فتح الباري (2/588) .
(4) ... مواهب الجليل (2/205) .
(5) ... المغني (3/349) .
(6) ... الاقناع (1/209) .
(7) ... ينظر : عمدة القاري (7/53) والعناية بهامش فتح القدير (2/94).، وموطأ مالك ، ص 130 ، والمجموع (5/89) ، وروضة الطالبين (2/93) ، والمغني (2/346) .
(8) ... أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب قوله تعالى، (وتجعلون رزقكم ..)، برقم (1038)، ص 81.
(9) ... أخرجه ابن ماجه ، في كتاب الدعاء ، باب ما يدعو به الرجل إذا رأى السحاب ، برقم (3890) ،
ص 2709، والطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند نزول الغيث ، برقم (1005) ،ص 308 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، برقم (304) ، ص 149 ، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم
(917) ، ص 526 ، (إسناده صحيح) قال ابن حجر في الفتح (2/603) : (الوليد بن مسلم قد أمن تدليسه بمتابعة شعيب ، وهو ابن إسحاق ، قالا حدثنا الأوزاعي ، وهي في الفلانيات من طريق دحيم...).(1/83)
وفي رواية (سيباً (1) نافعاً) (2) .
فيستحب الجمع بين الروايات الثلاث، ويكرر ذلك مرتين أو ثلاثاً (3) .
لحديث: أن النبي × إذا أمطر قال: (اللهم صيباً نافعاً مرتين أو ثلاثة) (4) ، تفيد هذه الرواية أنه لابد من التكرار ، وينبغي أن يقوله ثلاثاً عملاً بالأكثر (5) .
ويستحب هذا الدعاء بعد نزول المطر للازدياد من الخير والبركة ، مقيداً بدفع ما يحذر من ضرر (6) .
ويستحب لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب (7) ، من غير صلاة (8) .
لقوله تعالى: ? ????????? ??????????????? ??????????? ??????????????? ???????? ??????????????? ? (9) .
وقوله : ? ??????????????? ????? ?????????? ???????????????? ? (10) .
ولقوله × : (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل) (11) .
ولقوله × : (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة) (12) .
__________
(1) سيباً : أي عطاء يجوز أن يريد مطراً سائباً أي جارياً ينظر: النهاية (2/472).
(2) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول عند نزول الغيث ، ص 308 ، برقم (1009) .
(3) ... مغني المحتاج (1/326) ، وينظر: الأذكار ص 184 ، وتحفة الذاكرين ص 172 ، والفتوحات الربانية
(4/287) .
(4) ... أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا رأى السحاب، برقم (3889)، ص2709.
(5) ... تحفة الذاكرين، ص172.
(6) ... ينظر : عمدة القاري (7/52) ، وفتح الباري (2/602).
(7) ... ينظر : الذخيرة (2/434) ، والأم (1/282) ، والحاوي (3/151) ، وابن عابدين (2/201).
(8) ... ينظر : المجموع ، (5/85) ، ومواهب الجليل ، (2/205) .
(9) ... سورة الحجرات ، آية (49) .
(10) ... سورة المائدة ، (2) .
(11) ... أخرجه مسلم ، في كتاب السلام ، باب استحباب الرقية من العين ، برقم (2199) ، ص 1068 .
(12) ... أخرجه مسلم ، في كتاب الذكر والدعاء ، باب فضل الدعاء للمسلمين ، برقم (2732) ، ص 1152.(1/84)
المطلب الخامس والعشرون : الدعاء في صلاة الحاجة :
اختلف العلماء – رحمهم الله – في حكم صلاة الحاجة ، على قولين :
القول الأول : تسن صلاة الحاجة والدعاء فيها بما ورد .
وهذا قول متأخري الحنفية (1) ، وقول الشافعية (2) ، ومذهب الحنابلة (3) .
واستدلوا :
بقوله × : (من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ، ثم ليصل ركعتين ، ثم ليثن على الله ، وليصل على النبي × ، ثم ليقل : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين ، أسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم ، لا تدع لي ذنباً إلا غفرته ، ولا هماً إلا فرجته ، ولا حاجة هي لك رضاً إلا قضيتها ، يا أرحم الراحمين) (4) .
وجه الدلالة : يدل الحديث على مشروعية صلاة الحاجة ، والدعاء فيها بما ورد،وقال الحنفية (5) : «قال مشايخنا : صلينا هذه الصلاة فقضيت حوائجنا» .
__________
(1) ... ينظر : البحر الرائق (2/56) ، وحاشية ابن عابدين (2/29) .
(2) ... ينظر : روضة الطالبين (1/333) ، والأذكار ص 186 .
(3) ... ينظر : كشاف القناع (2/527) ، وحاشية الروض المربع (1/231) ، والمغني (2/553) .
(4) ... أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة ، باب ما جاء في صلاة الحاجة ، برقم (479) ، ص 1690 ، وقال: (حديث غريب ، وفي إسناده مقال) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في صلاة الحاجة، برقم (1384) ، ص 2559 ، والحاكم في المستدرك ، كتاب صلاة التطوع ، باب صلاة الحاجة ،
(1/630) ، وفي إسناده فائد بن عبد الرحمن ، قال عنه ابن حجر في التقريب (2/113) : (متروك) ، وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين ص 139 : (والحاصل أن جميع طرق أحاديث هذه الصلاة لا تخلو من ضعف إلا حديث أبي الدرداء وبعده حديث ابن أبي أوفى ...) يعني (من كانت له إلى الله حاجة...).
(5) ... نقله ابن عابدين في حاشيته (2/29) .(1/85)
القول الثاني : لا تسن صلاة الحاجة. وهذا قول المالكية (1) .
واحتجوا : بأن الحديث الوارد فيها ضعيف لا تقوم به حجة ولا يصلح لبناء العمل عليه (2) ، لأن فيه راوياً متروكاً .فمن كانت له إلى الله حاجة ، فليسأله وليقدم بين يدي سؤاله صدقة وتوبة (3) .
الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح – والله أعلم - القول بعدم مشروعية هذه الصلاة ، لضعف الحديث الوارد فيها (4) ، وأما الدعاء المجرد من غير صلاة فلا بأس به .
ومما يدخل في صلاة الحاجة صلاة الآبق والضياع .
نص بعض الفقهاء (5) – رحمهم الله – على أنه يشرع لمن ضاع له شيء أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويتشهد ويقول قبل أن يسلم : بسم الله يا هادي الضلال ، وراد الضالة ، أردد علي ضالتي بعزتك وسلطانك ، فإنها من عطائك وفضلك ، اللهم راد الضالة ، وهادي الضلالة ، أنت تهدي من الضلالة ، أردد علي ضالتي بقدرتك وسلطانك ، فإنها من عطائك وفضلك .
واستدلوا بما يلي :
1 – سئل ابن عمر – رضي الله عنهما – عن الضالة فقال : «يتوضأ ويصلي ركعتين ويتشهد ويقول : يا هادي الضال وراد الضالة ، أردد علي ضالتي بعزتك وسلطانك ، فإنها من عطائك وفضلك» (6) .
__________
(1) ... ينظر : عارضة الأحوذي (2/221) .
(2) ... ينظر : فتاوى اللجنة الدائمة (8/161) .
(3) ... عارضة الأحوذي (2/221) .
(4) ... بهذا أفتت اللجنة (8/161) .
(5) ... ينظر : الوابل الصيب ص 294 ، وتحفة الذاكرين ص 135 ، والسنن والمبتدعات ص 127 .
(6) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10/389) ، برقم (9769) ، وقال ابن القيم في الوابل الصيب ،
ص 294 : (قال البيهقي هذا موقوف ، وهو حسن) ، وقال الشوكاني في التحفه ص 135 : (قال الحاكم : رواته موثقون مدنيون ، لا يعرف واحد منهم بجرح) .(1/86)
2 – وعن ابن عمر عن النبي × في الضالة أنه يقول : (اللهم راد الضالة وهادي الضالة تهدي من الضلالة ، أردد علي ضالتي بقدرتك وسلطانك فإنها من عطائك وفضلك) (1) .
المطلب السادس والعشرون : الدعاء في صلاة الاستخارة وفيه ثمانية فروع :
الفرع الأول : حكم الدعاء في صلاة الاستخارة :
اتفق الفقهاء – رحمهم الله - على استحباب صلاة الاستخارة والدعاء عقيبها، قال الشوكاني –رحمه الله–: «لا أعلم في ذلك خلافاً» (2) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... أورده الهيثمي في المجمع (10/133) ، وعزاه إلى الطبراني في الثلاثة ، وقال : (وفيه عبد الرحمن بن يعقوب بن أبي عباد المكي ولم أعرفه ، وبقيه رجاله ثقات) .
(2) ... حكاه في نيل الأوطار (3/84)، والبنا في الفتح الرباني (5/52)، وينظر: عمدة القاري (7/223) ، والبحر الرائق (2/55) ، والأذكار ص 124 ، وفتح الباري (11/189) ، وعارضة الأحوذي
(2/222) ، ومواهب الجليل (1/381) ، والاقناع (1/153) ، وكشاف القناع (2/526)، والآداب الشرعية (2/228) .(1/87)
عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال :كان رسول الله × يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ؛ فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال : عاجل أمري وآجله فأقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني ، قال ، ويسمي حاجته (1) ... وقد ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب دعاء الاستخارة واستدلوا بما يلي (2) :
1 – أن قوله × : (ثم ليقل اللهم إني ...) يفيد ظاهره وجوب دعاء الاستخارة ، للأمر به والأمر يفيد الوجوب .
2 – تشبيهه بتعليم السورة من القرآن .
3 – ولأنه قد استدل بمثل ذلك في وجوب التشهد في الصلاة ، لورود الأمر به في قوله : (فليقل) ولتشبيهه بتعليم السورة من القرآن .
أجيب عن ذلك بما يلي :
أن الأمر في قوله × : (فليقل) للإرشاد لا الوجوب لأنه مشتمل على ذكر الله والتفويض إليه مما يدل على أنه مندوب لا واجب (3) .
وأما تشبيهه بسور القرآن :
فيه غاية الاعتناء بشأن صلاة الاستخارة ودعائها لعظيم نفعه وعموم جدواه (4) ، ويحتمل أن يكون من جهة كون كل منهما علم بالوحي (5) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء عند الاستخارة ، برقم (6382) ، ص 536 .
(2) ... ينظر : فتح الباري (11/189) ، وعمدة القاري (7/223) ، ونيل الأوطار (3/83) ، ومال رحمه الله إلى وجوب صلاة الاستخارة والله أعلم .
(3) ... ينظر : فتح الباري (11/188) .
(4) ... الفتوحات الربانية (3/347) .
(5) ... فتح الباري (11/188) .(1/88)
أما القياس على وجوب التشهد ، فهذا قياس مع الفارق ؛ لأن التشهد جزء من الصلاة ، فيؤخذ الوجوب من قوله × : (صلوا كما رأيتموني أصلي) (1) .
الفرع الثاني : الأمور التي تشرع فيها الاستخارة :
تستحب الاستخارة في جميع الأمور (2) لقوله في الحديث السابق : (في الأمور كلها) وهذا عام أريد به الخصوص ؛ فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما ؛ فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه .
وتشرع أيضاً في الواجب والمستحب المخير أو كان زمنه موسعاً ، وتشرع في العظيم من الأمور ، والحقير منها ، فرب أمر حقير يترتب عليه الأمر العظيم (3) .
أما الواجب المضيق؛ فلا تشرع فيه الاستخارة وهذا ظاهر لأن الاستخارة طلب خير الأمرين من الفعل الآن أو الترك ، وهذا إنما يتصور في الموسع دون المضيق ؛ إذ لا رخصة في تأخيره (4) .
وتستحب أيضاً فيما ظاهره الخير (5) ، فقد استخارت زينب – رضي الله عنها – لما أراد النبي × أن يتزوجها ، ففي الحديث : لما قيل لزينب : أرسل رسول الله × يذكرك قالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى أوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ...الحديث (6) .قال النووي – رحمه الله – (7) : «لعلها استخارت لخوفها من تقصيرها في حقه × » .
__________
(1) ... ينظر : فتح الباري (11/188) ، وعمدة القاري (7/223) ، والحديث : سبق تخريجه، ص (250) .
(2) ... ينظر : الأذكار ص 124 ، وعمدة القاري(23/11) ، حاشية ابن عابدين (2/518) .
(3) ... ينظر : فتح الباري (11/188) ، وعمدة القاري (7/223) ، ونيل الأوطار (3/83) ، وكشاف القناع (2/526) .
(4) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/347) .
(5) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (9/228) .
(6) ... أخرجه مسلم ، كتاب النكاح ، باب تزويج زينب بنت جحش ، برقم (1428) ، ص 916 .
(7) ... شرح صحيح مسلم (9/228) ، وينظر : الآداب الشرعية (2/228) .(1/89)
أما ما هو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف ، فلا حاجة للاستخارة فيها، نعم قد يستخار في الإتيان بالعبادة في وقت مخصوص كالحج مثلاً في هذه السنة ، لاحتمال عدو أو فتنة ، أو حصر عن حج ، كذلك يحسن أن يستخار في النهي عن المنكر كشخص متمرد عات يخشى بنهيه حصول ضرر عظيم (1) .
الفرع الثالث : محل الدعاء في صلاة الاستخارة :
ظاهر الحديث وهو قوله : (ثم ليركع ركعتين من غير الفريضة) ، يدل على أنه لا تحصل سنة صلاة الاستخارة بوقوع الدعاء بعد صلاة الفريضة لتقييد ذلك في النص بغير الفريضة (2) . ويحتمل أن يريد بالفريضة عينها وما يتعلق بها ، فيحترز عن السنن الراتبة وتحية المسجد (3) .
وقيل : الظاهر أنها تحصل سنة الاستخارة بركعتين من السنن الرواتب وبتحية المسجد ، وغيرها من النوافل (4) ، حتى بعد الفريضة ، فإن نوى بهما الاستخارة حصل فضل سنة صلاة الاستخارة ، وإن لم ينوها سقط عنه أصل الطلب ، وفي حصول الثواب خلاف (5) . وذلك لأن قوله × : (من غير الفريضة) بيان للأكمل وإنما القصد هنا حصول ذلك الدعاء عقب صلاة لتعود بركتها عليه (6) .
وتعقب :
بأنه × إنما أمره بذلك بعد حصول الهم بالأمر فإذا صلى راتبة أو فريضة ، ثم هم بأمر بعد الصلاة أو في أثناء الصلاة لم يحصل بذلك الإتيان بالصلاة المسنونة عند الاستخارة (7) .
__________
(1) ... عمدة القاري (7/223) ، وينظر : حاشية ابن عابدين (2/28) ، والفتاوى الهندية (1/219) .
(2) ... عمدة القاري (7/223) ، وينظر : تحفة الأحوذي (2/482) ، وعون المعبود (4/278) .
(3) ... ينظر : فتح الباري (11/189) ، ونيل الأوطار (3/83) .
(4) ... ينظر : الأذكار ، ص 124 .
(5) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/348) .
(6) ... ينظر : المصدر السابق.
(7) ... نيل الأوطار (3/83) ، وينظر : الفتح الرباني (5/47) .(1/90)
أما إذا هم بالأمر قبل الشروع في الراتبة ونحوها ، ثم صلى من غير نية الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاء الاستخارة فالظاهر حصول ذلك (1) .
ثم إن قوله × : (ليركع ركعتين) .يقيد مطلق الحديث الآخر وهو قوله × : (اكتم الخطبة ، وتوضأ فأحسن الوضوء ، ثم صل ما كتب الله لك ، ثم قل : اللهم إن كانت فلانة...) (2) .
ويمكن الجمع بينهما : بأن المراد أنه لا يقتصر على ركعة واحدة للتنصيص على الركعتين ، ويكون ذكرهما على سبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى ، فلو صلى أكثر من ركعتين أجزأ ، لكن يسلم من كل ركعتين ليحصل مسمى ركعتين ، ولا يجزئ لو صلى أربعاً بتسليمة (3) . ومفهوم العدد في قوله : (ركعتين) ليس بحجة على قول الجمهور (4) .
__________
(1) ... نيل الأوطار (3/83) .
(2) ... أخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب النكاح ، باب الاستخارة في خطبة النكاح ، (1/621) ، برقم
(1222)، وقال: (هذه سنة صلاة الاستخارة عزيزة ، تفرد بها أهل مصر ، ورواته عن آخرهم ثقات) ، والبيهقي في سننه ، كتاب النكاح ، باب الاستخارة في الخطبة ، (7/239) ، وأحمد في مسنده ، ينظر: (الفتح الرباني، كتاب الصلاة، باب استحباب الاستخارة لمن يريد الزواج ، برقم (1150)، (5/49) ، وقال البنا : في إسناده ابن لهيعة وفيه كلام) ، والطبراني في الدعاء ، باب الاستخارة في الزواج ، برقم
(1307) ، ص 390 ، وفيه أيوب بن خالد بن صفوان ، قال عنه ابن حجر في التقريب (1/99) : (فيه لين) ، وأورده الهيثمي في المجمع (2/280) وعزاه إلى أحمد ، وقال : (رواه أحمد موقوفاً وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وذكر له إسناداً آخر ورجاله ثقات إلا أنه لم يسق لفظه).
(3) ... فتح الباري، (11/188–189)، وينظر : الفتوحات الربانية (3/348)، وعمدة القاري (7/224).
(4) ... نيل الأوطار (3/83) ، وينظر : الفتح الرباني (5/47) .(1/91)
فإذا تقرر أن دعاء الاستخارة يكون بعد ركعتين أو أكثر من غير الفريضة أو بها إن نوى ذلك .فإنه يجوز أن يأتي بالدعاء قبل السلام وبعده ، والدعاء قبل السلام أفضل ؛ لأن النبي × كان أكثر دعائه قبل السلام ،والمصلي قبل السلام لم ينصرف فلهذا كان الدعاء قبل السلام أحسن (1) .
وإما بعد السلام؛ لأن قوله ×: (ثم ليقل) ظاهر في تأخير الدعاء عن الصلاة (2) ؛ لأنه أتى (بثم) المقتضية للتراخي (3) ، وفيه دليل على أنه لا يضر تأخير دعاء الاستخارة عن الصلاة ما لم يطل الفصل (4) ، وأنه لا يضر الفصل بكلام يسير خصوصاً إن كان من آداب الدعاء (5) ؛ لأنه أتى بثم المقتضية للتراخي (6) .
الفرع الرابع: حكم الزيادة على دعاء الاستخارة :
يستحب للمستخير الاقتصار في الدعاء على ما علمه النبي × أمته ، ولا يزيد عليه (7) ، لقوله في الحديث السابق : (كما يعلمنا السورة من القرآن) .
فالتشبيه في تحفظ حروفه وترتب كلماته ومنع الزيادة والنقص منه والدرس له والمحافظة عليه (8) .
وهل يستحب استفتاحه بالحمدله والصلاة على النبي × ؟
ذهب بعض الحنفية (9) ، والمالكية (10) ، والشافعية (11) : إلى استحباب استفتاحه وختمه بالحمد له والصلاة على النبي × .
ويمكن أن يستدل لهم :
__________
(1) ... ينظر: مجموع الفتاوى (23/177) ، وفتح الباري (11/189)، وحاشية الروض (2/231).
(2) ... فتح الباري (11/189) ، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة (8/161) .
(3) ... نيل الأوطار (3/84) .
(4) ... عمدة القاري (7/224) ، وينظر : نيل الأوطار (3/84) .
(5) ... نيل الأوطار (3/84) .
(6) ... الفتح الرباني (5/47) .
(7) ... تصحيح الدعاء ص 487 .
(8) ... ينظر : فتح الباري (11/188) ، والمدخل (4/260) .
(9) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/27) .
(10) ... ينظر : المدخل لابن حاج (4/262) .
(11) ... ينظر : الأذكار ص 124 ، والفتوحات الربانية (3/354) .(1/92)
بالحديث السابق : (اكتم الخطبة ... وفيه وصل ما كتب الله لك ، ثم احمد ربك ومجده ثم قل اللهم إنك تقدر ...الحديث) (1) .
وجه الدلالة : يحتمل أن يراد بالحمد والتمجيد قراءة الفاتحة ، ويحتمل أن يأتي بذلك في أول الدعاء بعد الصلاة (2) .
لكن الأظهر في الدعوات المشروعة التي لم ينقل فيها الحمد والثناء أمامها أنه يؤتى بها على ما نقلت ، وأن لا تبدأ بالحمد والثناء والصلاة على النبي × ، وذلك لما يلي :
1 – أن العبادات توقيفية ، ولا يشرع فيها إلا ما شرعه الله .
2 – ولأن البدء بالحمد والصلاة على النبي × في دعاء الاستخارة يحتاج إلى دليل واضح خاص يثبت المشروعية .
3 – ولأن هناك أدعية دعا بها النبي × ولم يذكر فيها الحمد والصلاة على النبي × كما في الدعاء بين السجدتين ، (رب اغفر لي وارحمني واهدني ...) (3) ، ولم يذكر في الرواية أنه حمد الله وصلى على نبيه .
وهكذا فيما علمه النبي × لأصحابه في الاستخارة ولم يذكر فيه أنه علمهم الاستفتاح بالحمد له والصلاة على نبيه (4) فينبغي الاقتصار على الوارد وعدم الزيادة عليه.
أما زيادة : ولا حول ولا قوة إلا بالله في آخره ، فقد جاءت في رواية أبي سعيد – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله × يقول : إذا أراد أحدكم أمراً فليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك الحديث ... وزاد في آخره : (لا حول ولا قوة إلا بالله) (5) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (467) .
(2) ... الفتح الرباني (5/50) .
(3) ... سبق تخريجه، ص (281).
(4) ... ينظر: الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح ، ابن باز ص 73 – 80 ، وتصحيح الدعاء ص 487 .
(5) ... قال الشوكاني في نيل الأوطار (3/82) : (عن أبي سعيد عن أبي يعلى الموصلي ، وذكر لفظه ، وزاد: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، قال العراقي : إسناده جيد) ، وأورده الهيثمي في المجمع ، (2/281) ، وعزاه إلى أبي يعلى وقال : (رجاله موثقون ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه) .(1/93)
وليحذر العاقل مما يفعله بعض الناس ، ممن لا علم عنده أو عنده علم وليس عنده معرفة بحكمة الشرع الشريف في ألفاظه الجامعة للأسرار العلية ، لأن بعضهم يختارون لأنفسهم استخارة غير الاستخارة المتقدمة الذكر ، وهذا فيه ما فيه من اختيار المرء لنفسه غير ما اختاره له من هو أرحم به وأشفق عليه من نفسه ووالديه ، العالم بمصالح الأمور بتعليم الله له المرشد لما فيه الخير والنجاح والفلاح ، صلوات الله وسلامه عليه (1) .
أما الدعاء بلفظ : (اللهم خر لي واختر لي) فالحديث فيه ضعيف لا تقوم به حجة (2) كما ثبت في تخريجه.
الفرع الخامس : حكم تكرار دعاء الاستخارة في الصلاة :
استحب جماعة من الحنفية (3) ، والشافعية (4) : تكرار الدعاء في صلاة الاستخارة.
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (يا أنس ، إذا هممت بأمر ، فاستخر ربك فيه سبع مرات ، ثم أنظر إلى الذي سبق إلى قلبك ، فإن الخير فيه ...) (5) .
2 – وأن النبي × كان إذا دعا دعا ثلاثاً (6) .
__________
(1) ... المدخل (4/259) .
(2) ... أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ، باب دعاء اللهم خر لي ، برقم (3516)، ص 2013 ، وقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل وهو ضعيف) وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم 597، ص 281 ، وضعفه النووي في الأذكار ص 124 وابن حجر في الفتح (11/188).
(3) ... ينظر : عمدة القاري (7/225) ، وحاشية ابن عابدين (2/27) .
(4) ... ينظر : الأذكار ص 124 ، نيل الأوطار (3/84) .
(5) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب كم مره يستخير ؟، برقم (598) ، ص 281 ، قال ابن حجر في الفتح (11/189) : (هذا لو ثبت لكان هو المعتمد ، لكن سند واه جداً) ، وضعفه النووي في الأذكار ص 124 ، والعيني في عمدة القاري (11/225).
(6) ... وسبق تخريجه ، ص (153).(1/94)
لكن ظاهر حديث جابر السابق أن المستخير يقول هذا الدعاء مرة واحدة ولا يكرره؛ لعدم الدليل (1) ، والحديث الذي استدلوا به لم يثبت كما في تخريجه .
أما إذا استخار ، ولم تنشرح صدره لشيء ، فالذي يظهر أنه يكرر الاستخارة بصلاتها ودعائها حتى ينشرح صدره لشيء (2) . لأن الدعاء الذي تسن الصلاة له تكرر الصلاة له كالاستسقاء (3) ، وإذا لم ينشرح صدره لشيء بعد أن كرر الصلاة ، فإن أمكن التأخر أخر وإلا شرع فيما يسر له فإنه علامة الإذن والخير إن شاء الله تعالى (4) .
والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قبل الاستخارة ، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر حديث سعيد : (ولا حول ولا قوة إلا بالله) (5) فينبغي للمستخير ترك اختياره رأساً وإلا فلا يكون مستخيراً لله بل يكون مستخيراً لهواه، وقد يكون غير صادق في طلب الخيرة ، وفي التبري من العلم والقدرة وإثباتها لله تعالى ، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه (6) ، والمقصود أن الاستخارة توكل على الله ، وتفويض إليه واستعصام بقدرته وعلمه وحسن اختياره لعبده ، وهي من لوازم الرضى به رباً ، الذي لا يذوق طعم الإيمان ، من لم يكن كذلك ، وإن رضى بالمقدور بعدها فذلك علامة حسن سعادته (7) .
الفرع السادس : حكم الاستخارة للغير :
ظاهر حديث جابر السابق أن الإنسان لا يستخير لغيره ، وقد يقال بجوازه (8) لعموم قوله × : (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه) (9) .
__________
(1) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 488.
(2) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/354) ، وعمدة القاري (7/225) ، وتحفة الأحوذي (2/484) .
(3) ... نيل الأوطار (3/85) .
(4) ... الفتوحات الربانية(3/356) .
(5) ... فتح الباري (11/191) ، والحديث سبق تخريجه ص 469 .
(6) ... نيل الأوطار (3/85) .
(7) ... زاد المعاد (2/445) .
(8) ... ينظر : حاشية الجمل (2/258) ، وتصحيح الدعاء ص 488 .
(9) ... سبق تخريجه ، ص (461) .(1/95)
الفرع السابع : آداب الاستخارة :
ينبغي أن يلتزم فيه بآداب الدعاء ، التي سبق ذكرها .
وعليه أن يجتهد في إحضار قلبه والخشوع لله والصدق في الدعاء (1) ، وأن يسمي حاجته في أثناء الدعاء عند ذكرها بالكناية عنها (2) ، أو ينطق بها ويتكلم بمراده أي بعين ذلك الأمر (3) ، وإن دعا بعد الصلاة ، استقبل القبلة ورفع يديه (4) .
وينبغي ألا يكون وقت الاستخارة عازماً على الأمر أو عدمه ؛ فإنه خيانة في التوكل... ، ثم يستشير ، فإذا ظهرت له المصلحة في شيء فعله فينجح مطلوبه (5) .
ومتى انشرح صدره لأحد الأمرين ، فذلك هو علامة أن الله اختاره له (6) .
وليس للأخذ بأحد الأمرين علامة شرعية (7) ، وما روي في ذلك في حديث أنس السابق : (ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه) (8) فهذا لا يثبت كما تقدم .
وما روي أنه ينبغي أن ينام على طهارة ، مستقبل القبلة ، بعد قراءة الدعاء المذكور ، فإن رأى في منامه بياضاً أو خضرة فذلك الأمر خير وإن رأى سواداً أو حمرة فهو شر ينبغي أن يجتنب (9) .
__________
(1) ... فتاوى اللجنة (8/161) ، وينظر : نيل الأوطار (3/85) .
(2) ... حاشية الجمل (2/258) ، والتعليق الميسر على ملتقى الأبحر (1/114) .
(3) ... ينظر : عون المعبود (4/278) ، وفتح الباري (11/190) .
(4) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/348) .
(5) ... كشاف القناع (2/526) .
(6) ... فتاوى اللجنة الدائمة (8/161) ، وينظر : المدخل (4/265) .
(7) ... تصحيح الدعاء ص 488 .
(8) ... سبق تخريجه ، ص (470) .
(9) ... حاشية ابن عابدين (2/27) ، ومنحة الخالق على البحر الرائق (2/56) .(1/96)
ليس بشيء ؛ لأن النبي × قد أمر بالاستخارة والاستشارة لا بما يرى في المنام ، ولا يضيف إلى الاستخارة الشرعية غيرها ؛ لأن ذلك بدعة ، ويخشى من أن البدعة إذا دخلت في شيء لا ينجح أو لا يتم ؛ لأن صاحب الشرع × إنما أمر بالاستخارة والاستشارة فقط ، فينبغي له أن لا يزاد عليهما ، ولا يعرج على غيرهما (1) .
ومن هنا قرر العلماء ، أنه يفعل ما ينشرح له صدره بدون توقف على رؤيا منام، ولا أن يلجأ لأحد ، يدعو له بها ، إنما هي دعاء بأن يختار الله له الأمر الخير فيمضي فيه إن شرح الله له صدره ، فإن تيسر كان الخير في ذلك ، ورضي وفرح ، وإن لم يقض علم أن الخير في ذلك أيضاً ، ورضي به ، وسيحمد عاقبته (2) .
الفرع الثامن : الحكمة من تقديم الصلاة على دعاء الاستخارة .
الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء ؛ أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك ، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة ، لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مالاً وحالاً (3) .
المطلب السابع والعشرون : الدعاء في صلاة الجنازة .
وفيه خمسة فروع :
الفرع الأول : حكم الدعاء في صلاة الجنازة :
اتفق الفقهاء – رحمهم الله تعالى – على مشروعية الدعاء في صلاة الجنازة (4) واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : المدخل (4/259) ، والقول المبين ص 394 ، وتصحيح الدعاء ص 488 .
(2) ... القول المبين ص 394 .
(3) ... فتح الباري (11/189) ، وينظر : المدخل (4/260 – 261) .
(4) ... ينظر : المبسوط (2/63)، ومختصر القدوري ص 48، وملتقى الأبحر (1/160)، والمدونة (1/174) ، والكافي ص 84 ، والذخيرة (2/459) ، والأم (1/309) ، والوسيط (2/971)، وروضة الطالبين (2/124) ، وشرح الزركشي (8/308) ، والمبدع (2/253) ، والاقناع (1/224) .(1/97)
1 – أن النبي × قال : (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) (1) .
2 – وأنه × دعا له حين صلى عليه (2) ، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (3) .
واختلفوا في وجوبه على قولين :
القول الأول : يجب الدعاء في صلاة الجنازة من الإمام والمأموم بل هو ركن تعاد الصلاة لعدمه. وهذا قول عند الحنفية (4) ، ومذهب المالكية (5) والشافعية (6) والحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله × : (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) (8) .
وجه الدلالة : في قوله : (فاخلصوا) أمر ، والأمر يفيد الوجوب .
2- ولأنه × دعا حين صلى عليه (9) ، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (10) .
3 – ولأن الدعاء هو المقصود ، فلا يجوز الإخلال به (11) .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز ، باب الدعاء للميت ، برقم (3199) ، ص 1463 ، وابن ماجه ، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة ، برقم (1497) ، ص 2566 ، وقال في التلخيص ،
(2/679): (وفيه إسحاق وقد عنعن ، لكن أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عنه مصرحاً بالسماع)، وأخرجه البيهقي في سننه برقم (6964)، (4/65) ،وحسنه الألباني في الإرواء (3/179) برقم
(732).
(2) ... الممتع شرح المقنع (2/47) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (250) .
(4) ... ينظر : البحر الرائق (2/197) ، وحاشية ابن عابدين (2/227) .
(5) ... ينظر : الذخيرة (2/459) ، وحاشية الدسوقي (1/412) ، ومواهب الجليل (2/213) ، وحاشية العدوي (1/379) .
(6) ... ينظر : الوسيط (2/971) ، وروضة الطالبين (2/124) ، والمجموع (5/185) .
(7) ... ينظر : شرح الزركشي (2/317) ، والمغني (3/413) ، والمبدع (2/253) .
(8) ... سبق تخريجه ، ص (473) .
(9) ... الممتع شرح المقنع (2/47) .
(10) ... سبق تخريجه ، ص (250) .
(11) ... الممتع شرح المقنع (2/48) ، وحاشية الروض المربع (3/95) ، وينظر : المبسوط (2/63) ، والمجموع (5/185) ، والمبدع (2/253) .(1/98)
4 – ولأنه قد نقل فيه ما لم ينقل في القراءة (1) .
5 – ولأن المقصود الشفاعة للميت والدعاء له فيجب أدنى دعاء له (2) .
القول الثاني : أن الدعاء في صلاة الجنازة سنة . وهذا ظاهر مذهب الحنفية (3) ، ورواية عند الشافعية (4) .
استدلوا بما يلي:
1 – قالوا : وإن كان الدعاء هو المقصود من صلاة الجنازة ، لكن لا يقتضي ركنية الدعاء؛ لأن نفس التكبيرات رحمة للميت وإن لم يدع له (5) .
2 – و لأن من فاتته بعض التكبيرات قضاه نسقاً من غير دعاء ، ولو كان ركناً لما سقط (6) .
نوقش : بأن الإمام يتحمله عنه، فلا ينافي ركنيته ،كما يتحمل عنه القراءة وهي ركن أيضاً (7) .
الراجح :
لعل الراجح – والله أعلم – هو القول بوجوب الدعاء في صلاة الجنازة ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولمناقشة دليل المخالفين .
الفرع الثاني : محل الدعاء في صلاة الجنازة :
وفيه مسألتان :
الأولى : محل الدعاء للميت :
اتفق الفقهاء – رحمهم الله – على أن محل الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة (8) ،
__________
(1) ... حاشية الروض المربع (3/95) .
(2) ... ينظر : المغني (3/413) .
(3) ... ينظر : البحر الرائق (2/197) ، وحاشية ابن عابدين (2/227) ، ولم يرتضيه متأخري الحنفية ، قال ابن عابدين في حاشيته (2/227) : (ما نقله عن المحيط من أن الدعاء سنة ، قال في الحلية : فيه نظر ظاهر ، فقد صرحوا عن آخرهم ، بأن صلاة الجنازة هي للدعاء للميت إذ هو المقصود منها ..) .
(4) ... ينظر : مغني المحتاج (2/342) .
(5) ... ينظر : البحر الرائق (2/197) .
(6) ... ينظر : مختصر اختلاف العلماء (2/396) ، وحاشية ابن عابدين (2/227) ، والمغني (3/423).
(7) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/227) .
(8) ... حكاه النووي في المجموع (5/185) ، وابن هبيرة في الإفصاح (1/190) ، والبجيرمي في حاشيته
(2/550) ، وينظر : المبسوط (2/63) ، وبدائع الصنائع (2/341) ، ومختصر القدوري ص 48 ، والكافي ص 84 ، والذخيرة (2/459) ، والوسيط (2/971) ، وروضة الطالبين (2/124) ، وشرح الزركشي (2/308) ، والاقناع (1/224) .(1/99)
واختلفوا في حكم الدعاء له في غيرها على أربعة أقوال :
القول الأول : أن محل الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة ، ولا يجزئ في غيرها .
وهذا مذهب الحنفية (1) وقول بعض المالكية (2) ومذهب الشافعية (3) ، والصحيح من مذهب الحنابلة (4) .
استدلوا بما يلي:
1 – قالوا: وليس لتخصيصه بها دليل واضح، إلا مجرد الإتباع ويكفى ذلك (5) .
2 – ولأن هذا مشهود عن العلماء المدنيين من الصحابة والتابعين (6) . فعن الشعبي (7) أنه قال: « أول تكبيره من الصلاة على الجنازة ثناء على الله عز وجل ، والثانية صلاة على النبي × ، والثالثة دعاء الميت ، والرابعة السلام». (8)
__________
(1) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/341) ، وفتح القدير (2/122) ، وتبيين الحقائق (2/241) .
(2) ... ينظر: الكافي لابن عبد البر ص 84 ، وقال: (قاله جماعة من كبراء أهل المدينة) ، والذخيرة (2/459) .
(3) ... ينظر : الأم (1/309) ، والوسيط (2/971) ، ومغني المحتاج (2/342) .
(4) ... ينظر : الانصاف (2/495) ، والمبدع (2/253) .
(5) ينظر: المجموع (5/185) . ومعني المحتاج (2/342) ، والبجرمي علي الخطيب (2/550).
(6) ينظر : الكافي ، لابن عبد البر ، ص 84 .
(7) هو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار الإمام ، علامة العصر ، أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي ، ولد في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خلت منها. حدث عن: سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبي موسى الأشعرى وغيرهم كثير. وحدث عنه: الحكم ، وحماد ، وأبو حنيفة وأمم سواهم . كان عالماً فقهياً حافظاً ، صاحب آثار توفي فجأة سنة أربع ومئة.
ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد (6/259)، وأخبار القضاة (2/413) وتذكرة الحفاظ (1/79 –88).
(8) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/295) وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × برقم
(91) ، ص 38 ، وقال الألباني في تعليقه على فضل الصلاة ص 38 (إسناده موقوف صحيح).(1/100)
القول الثاني : لا يتعين الدعاء في الثالثة ، فلو أخر الدعاء للميت إلى الرابعة جاز، وهذا رواية عند الحنابلة (1) .
استدلوا: بأن ما ورد من الأحاديث لا تعيين فيه (2) .
القول الثالث : يدعو للميت بعد الثانية والثالثة . وهذا قول بعض المالكية (3) .
ولم أقف لهم على أدلة (4) .
القول الرابع : يشرع الدعاء للميت في جميع التكبيرات . وهذا مذهب المالكية (5) ، واختيار جماعة من الشافعية (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن عوف بن مالك (7) – رضي الله عنه – قال : سمعت النبي × إذ صلى على جنازة يقول : (اللهم اغفر له وارحمه ، واعف عنه وعافه ، وأكرم نزله ...الحديث) (8) .
2 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : كان النبي × إذا صلى على جنازة قال : (اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا..) (9) .
3 – وعن واثلة بن الأسقع (10)
__________
(1) ... ينظر : شرح الزركشي (2/315) ، والمبدع (2/252) ، والانصاف (2/495) .
(2) ... كشاف القناع (3/746) .
(3) ... ينظر : الكافي لابن عبد البر ، ص 84 .
(4) بحسب ما اطلعت عليه من المصادر.
(5) ... ينظر : المدونة (1/175) ، والفواكه الدواني (1/462) ، ومواهب الجليل (2/213) ، وحاشية الدسوقي (1/418) .
(6) ... ينظر : تحفة الذاكرين ، ص 228 ، ونيل الأوطار ، (4/70) ، وعون المعبود ، (8/358) .
(7) ... سبق ترجمته ص 257.
(8) ... أخرجه مسلم في كتاب الجنائز ، باب الدعاء للميت في الصلاة ، برقم (963) ، ص 829 .
(9) ... سبق تخريجه ، ص (158) .
(10) ... هو : واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر ، وقيل : ابن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب الليثي ، من أصحاب الصفة ، أسلم سنة تسع ، وشهد غزوة تبوك ، وكان من فقراء المسلمين ، له عدة أحاديث .
... روى عن: أبي هريرة ، و أبي مرثد الغنوي. وروى عنه : أبو إدريس الخولاني ، ومكحول ، ويونس بن ميسرة . ... توفي سنة 85هـ ، وقال قتادة : هو آخر من مات من الصحابة بدمشق .
... ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد (7/407) ، وشذرات الذهب (1/95) ، والبداية والنهاية
(12/372) .(1/101)
قال : (صلى بنا رسول الله × على رجل من المسلمين فسمعته يقول : اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك ، فقه فتنة القبر ...الحديث) (1) .
وجه الدلالة من هذه الأحاديث :
ليس في هذه الأحاديث تعيين الموضع الذي تقال فيه هذه الأدعية فيقوله المصلي على الجنازة بعد أي تكبيرة أراد (2) . فإن شاء المصلي جاء بما يختار منها دفعة ، إما بعد فراغه من التكبير، أو بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أو الثالثة ، أو يفرقه بين كل تكبيرتين ، أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الأدعية ليكون مؤدياً لجميع ما روي عنه × (3) .
4 – ولحديث أبي أمامة – رضي الله عنه – : (4)
__________
(1) ... أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز ، باب الدعاء للميت في الصلاة ، برقم (3202) ، ص 1464 ، وابن ماجه في سننه ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في الدعاء ، برقم (1499) ، ص 2566 ، وأحمد في المسند ، ينظر: (الفتح الرباني أبواب لجنائز، باب ما يقال في هذه الجنازة من الأدعية، برقم(191)، (7/237) ، وقال البنا : (وسنده جيد ، وسكت عنه أبو داود والمنذري) ، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ،
ص 158 .
(2) ... ينظر : تحفة الذاكرين ص 228 ، وعون المعبود (8/358) .
(3) ... نيل الأوطار (4/74) .
(4) ... هو : أبو أمامة الباهلي ، صاحب رسول الله × ، نزيل حمص ، روى علماً كثيراً ، اسمه : صُدي (بالتصغير) ابن عجلان بن الحارث ، مشهور بكنيته . وحدث عن : عمر ، معاذ ، أبي عبيده ،حدث عنه: رجاء بن حيوة ، وخالد بن معدان ، وسليم بن عامر وغيرهم ، روى أنه بايع تحت الشجرة، توفي سنة 86هـ .
... ينظر في ترجمته : الإصابة (2/240) ، وشذرات الذهب (1/96) ، وسير أعلام النبلاء (3/359).(1/102)
(أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه ، ثم يصلي على النبي × ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات (الثلاث) ، لا يقرأ في شيء منهن ، ثم يسلم سراً في نفسه حين ينصرف عن يمينه ، والسنة أن يفعل من وراءه مثلما فعل إمامه (1) .
5– ولأن هذا موطن لا ينبغي فيه إلا المبالغة في الترحم والدعاء ؛ لأنه قد أتى بذلك الميت إلى إخوانه المسلمين ليدعو له من صلى منهم عليه وندبهم الشارع إلى ذلك وشرعه لهم (2) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول بمشروعية الدعاء في جميع التكبيرات ، وذلك لوجاهة ما ذكره أصحاب هذا القول ، ولضعف دليل المخالفين والأمر في ذلك واسع؛ لأن الدعاء هو المقصود الأعظم .
ثمرة الخلاف في مسألة محل الدعاء في صلاة الجنازة :
صفة صلاة الجنازة :
على القول بأن الدعاء للميت لا يجزئ إلا في الثالثة فتكون صفة الصلاة عندهم (3) :
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الجنائز ، باب القراءة في صلاة الجنازة ، برقم (6959) ، (4/64) ، والحاكم في مستدركه (1/686) ، وقال : (هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه..)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/296) وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × ، برقم (94) ، ص 39، وقال ابن حجر في التلخيص (2/678) : (وضعفت رواية الشافعي بمطرف ، لكن قواها البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق عبيد الله بن أبي زياد الرصافي عن الزهري بمعنى رواية مطرف) وقال في الفتح (3/242) : (إسناده صحيح) ، وصححه الألباني في الإرواء (3/180) ، برقم (734) ، وفي أحكام الجنائز ص 155.
(2) ... تحفة الذاكرين ص 228 ، وينظر : عون المعبود (8/358) .
(3) ... ينظر : المبسوط (2/63) ، وبدائع الصنائع (2/341) ، ومختصر القدوري ص 48 ، والأم
(1/309) ، والحاوي (3/224) ، والوسيط (2/971) ، وشرح الزركشي (2/308) ، والمغني
(3/417) ، والاقناع (1/224) ، والهداية ، لأبي الخطاب (1/60) ، وهذا قول ابن حبيب من المالكية ، وقال : (وهو قول الجمهور) ، ينظر : الذخيرة (2/459) ، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/295) ، عن الشعبي .(1/103)
يكبر الإمام أربع تكبيرات يقرأ في الأولى بالفاتحة ، ويصلي على النبي × في الثانية، ويدعو للميت في الثالثة ، ويسلم في الرابعة .
وعلى القول بمشروعية الدعاء في جميع التكبيرات :
قالوا: إن المشروع في صلاة الجنازة الثناء على الله تعالى ، ثم قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى ، ثم يصلي على النبي × ، ثم يدعو للميت ، ثم يكبر ثانياً ولا يقرأ الفاتحة بل يصلي على النبي × ويستكثر من الدعاء للميت مخلصاً له ، ثم يكبر ثالثاً ويصلي ويدعو مثل ما فعل بعد التكبيرة الثانية ثم يكبر رابعاً من غير قراءة شيء من الدعاء وغيره ويسلم بعد ذلك (1) والله أعلم .
واستحسن بعض المالكية (2) : أن يدعو بدعاء عوف : «اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه ...» بعد التكبيرة الأولى ، وبدعاء أبي هريرة : «اللهم عبدك ، ابن أمتك كان يشهد...» في التكبيرة الثانية ، وبدعاء ابن مسعود : «اللهم عبدك وابن أمتك أنت خلقته وهديته للإسلام ...» في التكبيرة الثالثة ثم في الرابعة يقول : «اللهم اغفر لحينا وميتنا... الحديث» .
المسألة الثانية : حكم الدعاء بعد التكبيرة الرابعة :
إذا فرغ المصلي من الدعاء للميت وكبر التكبيرة الرابعة ، هل يدعو فيها بشيء أم يسلم ؟
اختلف العلماء – رحمهم الله – في هذه المسألة على أربعة أقوال :
القول الأول : ليس بعد التكبيرة الرابعة دعاء سوى السلام .
__________
(1) ... عون المعبود (8/358) ، وينظر : المدونة (1/175) ، والذخيرة (2/459) ، ومواهب الجليل
(2/214) .
(2) ... منهم ابن يونس من المالكية ، ينظر : التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (2/214) .(1/104)
وهذا ظاهر مذهب الحنفية (1) ، والمشهور عند المالكية (2) ، ووجه عند الشافعية (3) ، والصحيح من مذهب الحنابلة (4) .
ووجه قولهم :
1 – أن الدعاء في صلاة الجنازة بمنزلة القراءة في غيرها ، فلو دعا بعد الرابعة لاحتاج إلى تكبيرة تفصل بين القراءة والسلام ، كما يفصل الركوع بين القراءة والتسليم (5) ، والقراءة لا تشرع في التكبيرة الرابعة فكذا الدعاء (6) .
2 – ولأنه لو كان فيه دعاء مشروع لنقل (7) .
القول الثاني : يستحب الدعاء بعد التكبيرة الرابعة. وهذا اختيار بعض الحنفية (8) ، وقول بعض المالكية (9) ، والصحيح عند الشافعية (10) ، ورواية عند الحنابلة (11) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (2/63) ، وبدائع الصنائع (2/341) ، وفتح القدير (2/122) .
(2) ... ينظر : المنتقى (2/472) ، والذخيرة (2/459) ، وحاشية الدسوقي (1/412) .
(3) ... ينظر : المجموع (5/189) ، وروضة الطالبين (2/126) .
(4) ... ينظر : مسائل أحمد برواية ابنه صالح ص 38 ، وشرح الزركشي (2/314) ، والمغني (3/416)، والإنصاف (2/496) .
(5) ... المنتقى (2/472) ، وينظر : الذخيرة (2/459) .
(6) ... حاشية العدوي (1/374) ، وينظر : مواهب الجليل (2/216) ، والفواكه الدواني (1/452) .
(7) ... المغني (3/416) .
(8) ... ينظر : المبسوط (2/63) ، وبدائع الصنائع (2/341) ، وتبين الحقائق (2/241) .
(9) ... ينظر : المنتقى (2/472) ، وحاشية الدسوقي (1/412) ، ومواهب الجليل (2/216) ، ونسبوه إلى سحنون ، وقالوا : (خالفه سائر الأصحاب) .
(10) ... ينظر : المجموع (5/189) ، والحاوي (3/225) ، والبجرمي على الخطيب (2/556) .
(11) ... ينظر : شرح الزركشي (2/314) ، والمغني (3/416) ، والإنصاف (2/497) ، واختارها أبو الخطاب : في الهداية (1/61) .(1/105)
1 – ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى (1) أنه ماتت ابنة له فكبر عليها أربعاً ، وقام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ، ثم قال : كان النبي × يصنع في الجنازة هكذا (2) .
وجه الدلالة : فيه دليل على استحباب الدعاء بعد التكبيرة الآخرة قبل التسليم (3) .
2 – ولأنها التكبيرة الآخرة من صلاة الجنازة ، فكان الدعاء مشروعاً بعدها ، أصل ذلك الأولى والثانية (4) .
3 – ولأنه قيام في صلاة فكان فيه ذكر مشروع كالذي قبل التكبيرة الرابعة (5) .
__________
(1) ... هو : علقمه بن خالد بن الحارث ، الفقيه ، المعمر ، صاحب النبي × ، أبو معاويه ، وقيل : أبو محمد الأسلمي الكوفي من أهل بيعة الرضوان ، وخاتمة من مات بالكوفة من الصحابة ، وكان أبوه صحابياً ، له عدة أحاديث روى عنه : إبراهيم بن مسلم الهاجري ، وعطاء بن السائب ، وطلحة بن مصرف وغيرهم ، وقد فاز بدعوة النبي × ، حيث أتى النبي × بزكاه والده ، وكف بصره عند الكبر .
... ينظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء (3/428) ، والبداية والنهاية (12/376) ، وشذرات الذهب
(1/96) .
(2) ... أخرجه أحمد : ينظر: (الفتح الرباني ، حجة القائلين بأن التكبيرات خمس ، برقم (186) ، (7/231) ، وابن ماجه في كتاب الجنائز ، باب من جاء فيمن كبر خمساً ، برقم (1503) ص 2567 وقال البوصيري في مصباح الزجاجة بهامش سنن ابن ماجه ، (2/220) : (إسناده ضعيف ، لضعف الهجري ...) ، وأخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الجنائز ، باب عدد التكبير في صلاة الجنازة ، برقم
(6937) ، ص 58 ، وقال الألباني في أحكام الجنائز ص 160: (سنده صحيح) ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، (1/686) ، برقم (1370) : وقال : (حديث صحيح ولم يخرجاه ، وإبراهيم بن مسلم الهجري لم ينقم عليه بحجة) ، وقال ابن حجر في التقريب (1/58) : (لين الحديث ، رفع الموقوفات) .
(3) ... نيل الأوطار (4/74) .
(4) ... المنتقى (2/472) ، وينظر : الذخيرة (2/459) .
(5) ... المغني (3/416) .(1/106)
4 – ولأن الصلاة عبادة ليس فيها سكوت أبداً إلا لسبب كالاستماع لقراءة الإمام ، ونحو ذلك (1) .
القول الثالث : يخير المصلي بين السكوت بعد التكبيرة الرابعة أو الدعاء .وهذا رواية عند الحنفية (2) ، وقول بعض المالكية (3) .
ولم أقف لهم على أدلة (4) .
القول الرابع : يجب الدعاء بعد التكبيرة الرابعة . وهذا هو المختار عند المالكية (5) ، ووجه عند الشافعية (6) .
ولعل هذا القول أضعف الأقوال لإجماعهم على أنه لا يجب فيها دعاء ، وإنما الخلاف في الاستحباب (7) .
الترجيح :
لعل أقرب الأقوال للصواب ، هو القول باستحباب الدعاء بعد التكبيرة الرابعة ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولكثرة من قال به من الفقهاء (8) ، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة.
واختلف القائلون بمشروعية الدعاء بعد التكبيرة الرابعة في الدعاء المستحب فيها على أربعة أقوال :
__________
(1) ... الشرح الممتع (5/424) .
(2) ... ينظر : البحر الرائق (2/197) ، وحاشية ابن عابدين (2/231) .
(3) ... ينظر : حاشية العدوي (1/374) ، ونسبه إلى أبي زيد ومن تبعه من المالكية .
(4) ... بحسب ما اطلعت عليه من المصادر .
(5) ... ينظر : حاشية الدسوقي (1/412) .
(6) ... ينظر : المجموع ، (5/189) ، وروضة الطالبين (2/126) .
(7) ... ينظر : المجموع (5/188) ، والبجيرمي على الخطيب (2/556) .
(8) ... رجح هذا القول: الشوكاني في نيل الأوطار (4/72)، وشمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود (8/344) ، وابن عثيمين في الشرح الممتع (5/424) ، والألباني في أحكام الجنائز ص 160 ، وغيرهم .(1/107)
القول الأول : يستحب أن يقول :? ??????????????? ????????????? ? ???????????????? ?????????? ??? ??????????? ?????????? ??????? ??????? ????????????? ? (1) .وهذا اختيار بعض الحنفية (2) ، ووجه عند الشافعية (3) ، ووجه عند الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي : أنه قد صح عن أنس – رضي الله عنه – أنه كان لا يدعو بدعاء إلا ختمه بهذا الدعاء (5) .ولأن هذا الدعاء يختم به سائر الصلوات (6) .
القول الثاني : يستحب أن يقول : «اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده» .
وهذا وجه عند الشافعية (7) ، ووجه عند الحنابلة (8) .
واستدلوا : بأنه صح عن النبي × أنه كان يدعو في صلاة الجنازة بقوله : (اللهم لا تحرمنا أجره...) (9) ، ولأنه دعاء لائق بالمحل (10) .
القول الثالث : يخلص الدعاء للميت في الرابعة .وهذا المنصوص عن أحمد (11) .
ويمكن أن يستدل لهم : بعموم قوله × : (فأخلصوا له الدعاء ..) (12) .
__________
(1) ... سورة البقرة ، آية (201) .
(2) ... ينظر : المبسوط (2/63) ، وفتح القدير (2/122) ، وقال : (استحسنه بعض المشايخ) ، والبحر الرائق (2/197) .
(3) ... ينظر : الحاوي (3/225) .
(4) ... ينظر : شرح الزركشي (2/315)، والمغني (3/416) ، والمبدع (2/252، والمستوعب (3/129) .
(5) ... شرح الزركشي (2/315) ، وما ورد عن أنس أخرجه مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، برقم (2690) ص 1146 .
(6) ... ينظر : المبسوط (2/63) ، وبدائع الصنائع (2/341) .
(7) ... ينظر : روضة الطالبين (2/126) ، والفتوحات الربانية (4/180) ، والتهذيب في فقه الشافعي
(2/435) .
(8) ... ينظر : شرح الزركشي (2/315) ، وكشاف القناع (3/744) .
(9) ... سبق تخريجه ، ص (158) .
(10) ... المبدع (1/252) .
(11) ... ينظر : شرح الزركشي (2/315) .
(12) ... سبق تخريجه ، ص (473) .(1/108)
القول الرابع : يستحب أن يقول في الرابعة : «اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا ؛ اللهم إنك تعلم متقلبنا ومثوانا ، ولوالدينا ولمن سبقنا بالإيمان ؛ والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام ،وأسعدنا بلقائك، وطيبنا للموت واجعل فيه راحتنا...»، وزاد بعضهم: «اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ولمن سبقنا بالإيمان» . وهذا قول المالكية (1) .
قالوا : واخترنا هذا الدعاء لما قيل أن بعضه مروي عن الني × ، وبعضه عن بعض الصحابة والتابعين (2) .
الترجيح :
لعل الأمر في ذلك واسع ، فأي دعاء دعا به المصلي أجزأه لأنه لم يرد في الأحاديث تخصيص دعاء معين بتكبيرة معينة ، بل ورد الأمر بالدعاء مطلقاً ، والله أعلم .
الفرع الثالث : صفة الدعاء في صلاة الجنازة :
الميت لا يخلو من حالين :
الحالة الأولى : أن يكون الميت مكلفاً وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : لفظ الدعاء للميت المكلف :
اتفق العلماء – رحمهم الله – على أنه ليس هناك دعاء مؤقت في صلاة الجنازة ، سوى أنه بأمور الآخرة ، وإن دعاء بالمأثور فما أحسنه وأبلغه (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله × : (إذا صليتم على الميت ، فأخلصوا له الدعاء) (4) .
__________
(1) ... ينظر : الذخيرة (2/461) ، والفواكه الدواني (1/461) ، والشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي
(1/412) .
(2) ... ينظر : الفواكه الدواني (1/463) .
(3) ... ينظر : فتح القدير (2/122) ، والبحر الرائق (2/197) ، والكافي ، لابن عبد البر ص 84 ، ومواهب الجليل (2/213) ، والمجموع (5/185) ، ونيل الأوطار (4/72) ، والمغني (3/413)، والمبدع (253) ، وكشاف القناع (3/741) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (473) .(1/109)
فيه دليل على أنه لا يتعين دعاء مخصوص من هذه الأدعية الواردة وأنه ينبغي للمصلي على الميت أن يخلص الدعاء له (1) .
2 – ولأن التوقيت يذهب برقة القلب (2) .
3 – وهكذا جاء عن السلف أنه ليس في الدعاء على الجنازة شيء مؤقت (3) فمن ذلك:
أ – عن ثلاثين من أصحاب رسول الله × أنهم لم يقوموا على شيء في أمر الصلاة على الجنازة (4) .
ب – عن إبراهيم قال : «ليس في الصلاة على الميت دعاء مؤقت في الصلاة فادع بما شئت» (5) .
ج- وسئل الشعبي وعطاء ومجاهد أفي الصلاة على الميت شيء مؤقت؟ فقالوا: «لا إنما أنت شفيع فاشفع بأحسن ما تعلم» (6) ، «وقال الشعبي: ليس في الصلاة على الميت شيء مؤقت» (7) .
إلا أن التزام الأدعية الثابتة عن النبي × أفضل من الأدعية التي استحسنها الفقهاء وذكروها في كتبهم (8) ، بل ذهب جماعة من العلماء إلى أنه يتعين التمسك بالوارد عن النبي × ؛ لأن خير الهدي هدي محمد × ومن عدل عنها يخشى أن يحق فيه قول الله تعالى : ? ?????? ??????????????????? ???????? ???? ?????????? ?????????? ???? ????????? ? (9) .
ومن هذه الأدعية :
__________
(1) ... نيل الأوطار (4/72) .
(2) ... ينظر : تبيين الحقائق (2/241) .
(3) ... منهم : سعيد بن المسيب والشعبي والحكم وعطاء ومجاهد أخرجه عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه
(3/295) .
(4) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/295) .
(5) ... المصدر السابق .
(6) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/295).
(7) نفس الإحالة السابقة.
(8) ... ينظر : نيل الأوطار (4/73) ، وقال محمد خضر : (كثير من أدعية صلاة الجنازة الموجودة في متون وشروح وحواشي الفقهاء ليس له أصل في السنة ، وإنما هو من مخترعاتهم ، فاحذروه) ، السنن والمبتدعات ص 108 .
(9) ... ينظر: أحكام الجنائز، وبدعها ص 161، وعون المعبود (8/352) ، والآية في سورة البقرة ، آية (61) .(1/110)
1 – أصحها : حديث : (اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله ، وزوجاً خيراً من زوجه ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار) (1) .
2 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله × كان إذا صلى على جنازة يقول: (اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده) (2) .
3 – ومنها: (اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك ، فقه فتنة القبر ، وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحق ، فاغفر له وارحمه ، إنك أنت الغفور الرحيم) (3) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ص (477)، قال في روضة الطالبين (2/126) : (قال البخاري وسائر الحفاظ : أصح دعاء الجنازة، حديث عوف بن مالك في صحيح مسلم) ، وينظر : التلخيص (2/680) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (158) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (477) .(1/111)
4 – ومنها : (اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك ، وأنت أعلم به ، اللهم إن كان محسناً فزد من حسناته ، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده) (1) .
5 – ومنها : (اللهم أنت ربها وأنت خلقتها ، وأنت هديتها للإسلام ، وأنت قبضت روحها ، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها ، جئنا شفعاء فاغفر لنا) (2) .
__________
(1) ... أخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب الجنائز ، باب أدعية صلاة الجنازة ، برقم (1368) ، (1/685)، وقال: (هذا إسناد صحيح ، ويزيد بن ركانه وأبوه ركانه صحابيان) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/295) وعبد الرزاق في مصنفه برقم (6435) وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × برقم (93) ص 39وأورده الهيثمي في المجمع (3/34) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال : (فيه يعقوب بن حميد وفيه كلام)، وقال مالك في المدونة (1/175) : (هذا أحسن ما سمعت في الدعاء على الجنازة ، وليس فيه حد معلوم) ، وقال الألباني في أحكام الجنائز ص 159 : (له شاهد سنده موقوف صحيح جداً) وأورد الشاهد الهيثمي (3/33) ، وعزاه إلى أبي يعلى ، وقال : (رجاله رجال الصحيح) وقال الألباني في تعليقه على فضل الصلاة ص 39: (إسناده موقوف صحيح على شرط الشيخين) .
(2) ... أخرجه أحمد في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني ، أبواب الجنازة ، باب ما يقال من الأدعية في الصلاة على الميت ، (7/234) ، وقال البنا : (إسناده جيد) ).وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز ، باب الدعاء للميت ، برقم (3200) ، ص 1463 ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (1078) ، ص 597 ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، كتاب الجنائز ، (3/294) ، والطبراني في الدعاء ، باب القول عند رؤية الجنازة، ص 356 ، برقم (1180) .(1/112)
والسنة أن يبدأ بحمد الله ثم الصلاة على النبي × ، ثم يدعو بما ورد ؛ لأن القاعدة عند العظماء تقديم الثناء على طلب العطاء ، وتقدم الصلاة لتقدم حقه عليه الصلاة والسلام على كل أحد (1) . لحديث أبي أمامة السابق : (من السنة في صلاة الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن مخافتة ، ثم يصلي على النبي × ثم يخلص الدعاء للميت ويسلم) (2) .
وإذا لم يحسن الدعاء بما ورد ، دعا بما يحضره ، وبأي شيء دعا جاز ؛ لأنه قد نقل عن النبي × أدعية مختلفة فدل على أن الجميع جائز (3) .
لكن لابد أن يكون الدعاء بأخروي ، كاللهم اغفر له أو ارحمه أو اللهم الطف به، فلا يكفي بدعاء دنيوي إلا أن يؤل إلى أخروي كاللهم اقض دينه (4) .
ولا يرفع يديه حال الدعاء ، بل يجمع يديه عقب كل تكبيرة ويضعهما تحت صدره كباقي الصلوات (5) .
ويستحب أن يسمي الميت باسمه واسم أبيه ، هذا إذا كان معروفاً ، وإلا جعل مكان ذلك: اللهم إن عبدك هذا أو نحوه (6) ، لحديث: (اللهم إن فلان ابن فلان ...الحديث) (7) .
ولا بأس بالإشارة حال الدعاء للميت (8) .
__________
(1) ... الذخيرة (2/459) ، وينظر : مواهب الجليل (2/214) ، والمبسوط (2/63) ، وعون المعبود
(8/351) ، سواء على القول بالتحميد والصلاة في كل تكبيره ، أو على قول الجمهور يقرأ في الأولى ، ويصلي في الثانية ، ويدعو في الثالثة ، والرابعة.
(2) ... سبق تخريجه ، ص (478) .
(3) ... ينظر : المجموع (5/185) ، والكافي ص 84 ، والفتاوى الهندية (1/164) .
(4) ... ينظر : الفتوحات الربانية (4/166) وإعانة الطالبين (2/126)،والبجيرمي على الخطيب(5/549) .
(5) ... ينظر : روضة الطالبين (2/124) ، والتهذيب في فقه الشافعي (2/435) .
(6) ... نيل الأوطار (4/74) ، وينظر : كشاف القناع (3/740) .
(7) ... سبق تخريجه ، ص (477) .
(8) ... كشاف القناع (3/740) .(1/113)
هذا إذا كان الميت مذكراً ، وأما إذا كان مؤنثاً ، فيلزم تأنيث الضمائر الراجعة إلى المؤنث ، في قول جماعة من الفقهاء (1) .
والظاهر أنه يدعو بالألفاظ الواردة في الأحاديث سواء كان الميت ذكراً أو أنثى ، ولا يحول الضمائر المذكورة إلى صيغة التأنيث إذا كان الميت أنثى ؛ لأن مرجعها الميت، وهو يقال على الذكر والأنثى (2) .
وينبغي للمصلي على الميت أن يخلص الدعاء له ، سواءً كان محسناً أو مسيئاً فإن ملابس المعاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم ، ولذلك قدموه بين أيديهم ، وجاؤا به إليهم ، لا كما قال بعضهم إن المصلي يلعن الفاسق ويقتصر في الملتبس على قوله: (اللهم إن كان محسناً فزده إحساناً ، وإن كان مسيئاً فأنت أولى بالعفو عنه) ، فإن الأول من إخلاص السب لا من إخلاص الدعاء ، والثاني من باب التفويض باعتبار المسئ لا من باب الشفاعة ، والسؤال وهو تحصيل حاصل (3) .
ونرى مما سبق أن الدعاء المشروع هو داخل صلاة الجنازة أما الدعاء جماعة بعد الفراغ من صلاة الجنازة بدعة لا يجوز لأحد أن يتعبد بها ، وذلك لأمرين (4) :
1 – أن الدعاء عبادة والعبادات مبنية على التوقيف .
2 – أنه لم يثبت عن النبي × أنه دعا لصحابته على جنازة ما بعد الفراغ من الصلاة عليها .
المسألة الثانية : الجهر والإسرار بالدعاء في صلاة الجنازة :
__________
(1) ... ينظر : مجمع الأنهر (1/183) ، وحاشية الدسوقي (1/412) ، ومواهب الجليل (2/216) .
(2) ... ينظر : نيل الأوطار (4/74) ، وعون المعبود (8/348) ، وقال بعد أن نقله عن الشوكاني : (وكلامه هذا حسن جداً) .
(3) ... نيل الأوطار (4/72 – 73) .
(4) ... ينظر : فتاوى اللجنة الدائمة (9/16) ، والفتاوى الهندية (5/319) ، وفيه قال : (وكره للرجل أن يقوم بعد ما اجتمع القوم للصلاة ، ويدعو للميت ويرفع صوته) .(1/114)
اتفق الفقهاء – رحمهم الله تعالى – على أنه يسر بالدعاء في صلاة الجنازة (1) إلا أبا يوسف من الحنفية (2) ، والشوكاني من الشافعية (3) ، قالا: يجوز الجهر والإسرار في الدعاء في صلاة الجنازة .
واستدلوا بما يلي :
1 – حديث أبي أمامة السابق : «من السنة في صلاة الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن مخافتة ثم يصلي على النبي × ثم يخلص الدعاء للميت ويسلم» (4) .
2 – ولأن هذه الأفعال ذكر كلها ، والذكر فيه الإخفاء أولى (5) .
3 – وعن جابر – رضي الله عنه – قال : «ما أباح لنا في دعاء الجنازة رسول الله × ولا أبو بكر ولا عمر في شيء ما أباحوا في الصلاة على الميت ، يعني : لم يوقت» (6) .قال ابن حجر (7) : «والذي وقفت عليه باح أي جهر ، والله أعلم» .
أما القائلون بجواز الجهر والإسرار ، استدلوا بما يلي :
__________
(1) ... نقل الاتفاق : النووي في المجموع (5/184) ، والشربيني في مغني المحتاج (2/342) ، وابن قدامة في المغني(3/412) ، وينظر : الفتاوى الهندية (1/164) ، والبناية شرح الهداية (3/254) ، والذخيرة
(2/459) ، وحاشية الدسوقي (1/418)، وتقريرات محمد عليش على حاشية الدسوقي (1/412)، والفروع (2/238) ، والانصاف (2/498) .
(2) ... ينظر: البناية على الهداية (3/259) ، وقال أبو يوسف : (لا يجهر كل الجهر ، ولا يسر كل الاسرار) .
(3) ... ينظر : نيل الأوطار (4/73) ، وتبعه العظيم آبادي ، في عون المعبود (8/348) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (478) .
(5) ... البناية على الهداية (3/259) .
(6) ... أخرجه ابن ماجه في سننه ، كتاب الجنائز ، باب الدعاء في الجنازة ، برقم (1501) ، ص 2566 ، قال في الزوائد بهامش سنن ابن ماجه ، (2/219) : (إسناده ضعيف ، حجاج من أرطأة كان كثير التدليس مشهور بذلك) ، وأخرجه أحمد في مسنده ، برقم (14846) .
(7) ... التلخيص (1/681) ، وينظر : نيل الأوطار (4/74) .(1/115)
1 – حديث عوف بن مالك – رضي الله عنه – قال : (سمعت النبي × صلى على جنازة يقول : الحديث) (1) وفي رواية : (فحفظت من دعائه) (2) .
2 – حديث واثلة بن الأسقع قال : (صلى بنا رسول الله × على رجل من المسلمين فسمعته يقول) (3) .
جميع ذلك يدل على أن النبي × جهر بالدعاء ، وهو خلاف ما صرح به جماعة من استحباب الأسرار بالدعاء (4) .
نوقش : إن جهره × بالدعاء لقصد تعليمهم (5) .أما قوله : (حفظت من دعائه) أي علمنيه بعد الصلاة فحفظته (6) .
الترجيح :
لعل الراجح – والله أعلم – هو القول بسنية الإسرار في دعاء الجنازة ، وذلك لوجاهة ما استدلوا به من أدلة ، ولكثرة من قال به من الفقهاء ، ولضعف دليل أصحاب القول الثاني بما ورد عليه من مناقشة .
المسألة الثالثة : مقدار الدعاء في صلاة الجنازة :
يكره التطويل في الدعاء في صلاة الجنازة (7) ، لقول الرسول × : (من أم الناس فليخفف) (8) وهذا عام في كل إمام وقدر الدعاء بين كل تكبيرتين قدر الفاتحة وسورة (9) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (477) .
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجنائز ، باب الدعاء للميت في الصلاة ، برقم (963) ، ص 829 .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (477) .
(4) ... نيل الأوطار (4/73) .
(5) ... المصدر السابق (4/74) ، وينظر : الفتح الرباني (7/240) .
(6) ... شرح صحيح مسلم (7/30) ، وينظر : الفتح الرباني (7/240) .
(7) ... الكافي لابن عبد البر ص 85 .
(8) ... أخرجه البخاري ، في كتاب الآذان ، باب تخفيف الإمام ، برقم (702) ، ص 56 ، بنحوه ، ولفظه : (فأيكم صلى بالناس فليخفف) .
(9) ... مواهب الجليل (2/216) ، وينظر : الكافي ، لابن عبد البر ص 84 .(1/116)
واستحب الشافعية إطالة الدعاء عقب الرابعة (1) ، وقالوا : لثبوت ذلك من فعله × كما في حديث ابن أبي أوفى السابق وفيه : (كان رسول الله × يكبر أربعاً ثم يمكث ساعة فيقوله ما شاء الله أن يقول ثم يسلم) (2) .
وضابط التطويل ؛ عندهم : إلحاقها بالثالثة (3) ، وقيل : بقدر ما قبلها من التكبيرات الثلاث ، وما فيها من قراءة (4) ، وقيل : إلحاقها بالثانية ؛ لأنها أخف الأركان (5) .
الحالة الثانية : إذا كان الميت غير مكلف وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : حكم الدعاء لغير المكلف :
اتفق الفقهاء – رحمهم الله – على أنه يستحب الدعاء للطفل ومن في حكمه كالمجنون والمعتوه ونحوهم (6) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : روضة الطالبين (2/126) ، مغني المحتاج (1/344) ، الفتوحات الربانية (4/180) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (481) .
(3) ... ينظر : روضة الطالبين (2/126) ، ومغني المحتاج (1/344) ، والفتوحات الربانية (4/180) .
(4) ... البجيرمي علي الخطيب (2/557) .
(5) ... الفتوحات الربانية (4/180) ، وقال : (قال ابن حجر : وهو تحكم غير مرضي بل ظاهر كلامهم إلحاقها بالثالثة) .
(6) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/341) ، والاختيار (1/95) ، والفواكه الدواني (1/462) ، وحاشية العدوي (1/383) ، والحاوي (3/225) ، ومغني المحتاج (1/343) ، والانصاف (2/496) ، والمبدع (2/252) .(1/117)
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه كان يصلي على المنفوس (1) الذي لم يعمل خطيئة قط ، ويقول : (اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً (2) وأجراً) (3) .وفي رواية : (يقول : اللهم أجره على النار) (4) .
2 – وما روي عن الحسن أنه كان يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ، ويقول : اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً وأجراً (5) .
3 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله × يقول في صلاة الجنازة : (اللهم اغفر لحينا وميتنا ، ...وفيه وصغيرنا وكبيرنا) (6) .
المسألة الثانية : لفظ الدعاء لغير المكلف :
لفظ الدعاء لغير المكلف ، ليس فيه شيء مؤقت ، كما في الدعاء للبالغ (7) .
والأفضل في حق الصغير ، دعاء أبي هريرة : «اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وفيه صغيرنا ...اللهم لا تحرمنا أجره ، لا تضلنا بعده» (8) .لأنه لم يثبت عن النبي × بسند صحيح أنه علم أصحابه دعاء آخر للميت الصغير ، غير الدعاء الذي علمهم للميت الكبير (9) .
__________
(1) ... المنفوس : المولود حين ولادته ، يقال : نًفًست المرأة ونًفٍست فهي منفوسة ونفساء إذا ولدت، والنفاس: ولاد المرأة إذا وضعت ، ينظر: النهاية (5/95) .
(2) ... أي أجراً يتقدمنا ، يقال : افترط فلان ابناً له صغيراً ، إذا مات قبله ، ينظر: النهاية (3/434) .
(3) ... أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ، كتاب الجنائز ، باب السقط يصلي ... ، برقم (6794) ، (4/15)، وابن أبي شيبة في مصنفه ، (3/317) ، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز ص 161 .
(4) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم (9887) ، (10/431) .
(5) ... أخرجه البخاري في صحيحه تعليقاً ، كتاب الجنائز ، باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة ص 104، والطبراني في الدعاء ، برقم (1203) ص 362 .
(6) ... سبق تخريجه ، ص (158) .
(7) ... ينظر : المغني (3/416) .
(8) ... سبق تخريجه ، ص (158) .
(9) ... عون المعبود (8/362) ، وينظر : أحكام الجنائز ص 161 .(1/118)
واستحب الفقهاء (1) الدعاء لغير المكلف بلفظ : «اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً وأجراً» . ولا بأس في العمل به في مثل هذا الموضع ، وإن كان موقوفاً ، إذا لم يتخذ سنة ، بحيث يؤدي ذلك إلى الظن أنه عن النبي × (2) .
وزاد بعضهم (3) على رواية أبي هريرة : «اللهم اجعله فرطاً لأبويه ، وسلفاً وذخراً وعظة واعتباراً وشفيعاً ، وثقل به موازينهما ، وأفرغ الصبر على قلوبهما ، ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره ؛ اللهم أجعله في كفالة إبراهيم وألحقه بصالح سلف المؤمنين ، وأجره برحمتك من عذاب جهنم» .
وروى مالك (4) عن سعيد بن جبير : أنه سمع أنساً يدعو للصبي في الصلاة عليه «أن يعيذه الله من النار» .
وليس هذا ببعيد لجواز أن يبتلى في قبره كما يبتلى في الدنيا ، وإن لم يكن عليه ذنب، ولجواز أن يكون هذا رأياً من أنس ، ويجوز أن يكون أخذ ذلك عن رسول الله × (5) .
والظاهر أن المصلي يقول : «اجعله سلفاً لوالديه ... ولا تحرمنا وإياهم أجره» حتى ولو كان أباً أو أماً للطفل ؛ لأن هذا الدعاء هو المأثور ، ألا ترى أنه × قال في أذانه : أشهد أن محمداً رسول الله (6) .
__________
(1) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/341) ، وتبيين الحقائق (2/241) ، والفتاوى الهندية (1/164) ، وحاشية الدسوقي (1/ 412)، ومواهب الجليل (2/216)، والحاوي (3/225) ، ومغني المحتاج (1/343) ، والمغني (3/416) ، وكشاف القناع (3/744) .
(2) ... أحكام الجنائز ، ص 161 .
(3) منهم النووي في روضة الطالبين (2/126)، وابن قدامة في المغني (3/416)، والعيني في البناية (3/260).
(4) ... الموطأ ، كتاب الجنائز ، باب ما يقول المصلي على الجنائز ، برقم (536) ، ص 152 ، والطبراني في الدعاء ، باب الدعاء في الصلاة ، ص 362 ، ورقمه (1204) .
(5) ... الفتوحات الربانية (4/166) .
(6) ... ينظر : الفواكه الدواني (1/462) ، وحاشية العدوي (1/384) .(1/119)
وينبغي تقييده بالمسلم الأصلي ، أما من أسلم من أولاد الكفار ، أو حكم بإسلامه تبعاً للسابي فيحرم الدعاء لهما بالمغفرة والشفاعة ونحوهما ، إنما يقول اللهم لا تحرمنا أجره ويسقط أبويه (1) .
وإذا اجتمع رجال وأطفال ، يقدم الدعاء للرجال ويجعل آخر الدعاء للأطفال ، لأن الكبار أحوج للشفاعة من الصغار ، أو يشملهم في دعاء واحد ، ثم يقول عقب ذلك : اللهم اجعل الأولاد لوالديهم سلفاً وذخراً ...الخ ، ويجزئ ذلك (2) .
ولو تردد في بلوغ المراهق، فالأحوط أن يدعو بهذا (3) أي: «اللهم اجعله فرطاً...».
وهل يدعى لغير المكلف بالمغفرة ؟
اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في الصغير ، هل يستغفر له في الصلاة عليه أم لا؟ اختلفوا على قولين :
القول الأول : أنه يدعى للصغير ومن في حكمه بالمغفرة .وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (4) ، والشافعية (5) ، وبعض الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن النبي × دعا له بالمغفرة في قوله : (اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا ...الحديث) (7) .
__________
(1) ... ينظر : حاشية العدوي (1/384) ، والبجيرمي علي الخطيب (2/556) ، ومغني المحتاج (1/343) .
(2) ... ينظر : مواهب الجليل (2/216) ، والفواكه الدواني (1/463) .
(3) ... البجيرمي على الخطيب (2/556) ، وينظر : مغني المحتاج (1/343) .
(4) ... ينظر : الفواكه الدواني (1/461) ، وحاشية الدسوقي (1/412) .
(5) ... ينظر : إعانة الطالبين (2/127) ، والبجيرمي على الخطيب (2/550) .
(6) ... ينظر : الإنصاف (2/496) ، والمبدع (2/251) ، والمستوعب (3/129) .
(7) ... سبق تخريجه ، ص (158) .(1/120)
2- وعن ابن سيرين – رحمه الله – أنه كان يدعو للصغير ويستغفر كما يدعو للكبير فقيل له: إن هذا ليس له ذنب ، فقال: «النبي × قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقد أمرت أن أصلي عليه» (1) .
3 – أن الدعاء بالمغفرة لا يستلزم وجود ذنب (2) ؛ لأنه لا محذور فيه فالاستغفار طلب خير له .
القول الثاني : لا يدعى للصغير ومن في حكمه بالمغفرة . وهذا مذهب الحنفية (3) ، والمشهور عند الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (السقط يصلى عليه ، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة) (5) .
وجه الدلالة :هذا نص صريح في أنه لا يدعى للصغير بالمغفرة .
2 – وهكذا جاء عن السلف أنه لا يدعى للصغير ومن في حكمه بالمغفرة فمن ذلك:
أ – عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – قال : «السقط يدعى لوالديه بالعافية والمغفرة» (6) .
__________
(1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × ، برقم (78) ، ص 33 وابن أبي شيبة في مصنفه (3/317) . وقال الألباني في تعليقه على فضل الصلاة ص 33: (إسناده موقوف صحيح).
(2) ... ينظر : البجيرمي على الخطيب (2/550) .
(3) ... ينظر : الاختيار (1/95) ، والعناية على الهداية بهامش فتح القدير (2/144) ، وتبيين الحقائق
(2/241) .
(4) ... ينظر : المغني (3/416) ، والإنصاف (2/496) ، الممتع شرح المقنع (2/45) .
(5) ... أخرجه البيهقي في السنن ، كتاب الجنائز ، باب السقط ويصلي عليه ويكفن ، برقم (6779) ، (4/1)، وأبو داود كتاب الجنائز ، باب المشي أمام الجنازة ، برقم (3180) ، ص (1462) ، وأحمد في مسنده، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الجنائز ، باب مشروعية الصلاة على الصغير (7/207) ، برقم (161)، وقال البنا : رجح الطبراني والدار قطني وقفه) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/317) ، وقال: (قال يونس وأهل زياد يرفعونه إلى النبي × وأنا لا أحفظه) .
(6) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، (10/431) ، برقم (9886) .(1/121)
ب – عن الحسن – رحمه الله – أنه كان يقول : «اللهم اجعله لنا فرطاً وذخراً وأجراً» (1) .
ج – عن سمرة بن جندب (2) – رضي الله عنه – أنه مات ابن له صغير فقال: «اذهبوا فادفنوه ، ولا تصلوا عليه فإنه ليس عليه إثم ، وادعوا الله لوالديه أن يجعله فرطاً وأجراً أو نحوه» (3) .
3 – ولأن الصبي مرفوع عنه القلم ، ولا ذنب له ولا حاجة للاستغفار له ولا للمجنون والمعتوه ؛ لعدم تكليفهم (4) ، فلا يدعى لهم بتكفير السيئات بل برفع الدرجات لافتقارهم إليها (5) .
4 – ولأنه شافع غير مشفوع فيه ، ولا جرى عليه حكم ، فالعدول إلى الدعاء لوالديه أولى من الدعاء له (6) .
5 – وما ذكر من الدعاء لائق بحاله مناسب لما هو فيه فشرع فيه كالاستغفار للبالغ (7) .
وأجابوا عن قوله × : «اللهم اغفر لصغيرنا ...» بما يلي:
أنه يحتمل وجوهاً منها (8) :
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (492) .
(2) ... هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري ، من علماء الصحابة ، نزل البصرة ، له عدة أحاديث صالحة .
... حدث عنه : ابنه سليمان ، وعبد الله بن بريدة ، والحسن البصري وجماعة . ... وقد ثبت سماع الحسن من سمرة ، ولقيه بلا ريب . كان سمرة عظيم الأمانة ، صدوقاً ، وكان شديداً على الخوارج ، قتل منهم جماعة، وكان الحسن وابن سبرين يثنيان على سمرة ، توفي سنة 58هـ ، وقيل: 59هـ.
... ينظر في ترجمته: أسد الغابة (2/454) ، وطبقات ابن سعد (6/34) ،وسير أعلام النبلاء (3/183) .
(3) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10/431) ، برقم (9888) .
(4) ... ينظر : البناية (3/260) ، ومجمع الأنهر (2/184) ، وتبيين الحقائق (2/241) ، وبدر المنتقى بهامش مجمع الأنهر (1/184) .
(5) ... الفتوحات الربانية (4/166) .
(6) ... ينظر : الممتع شرح المقنع (2/45) ، وكشاف القناع (3/744) ، والمبدع (2/251) .
(7) ... ينظر : المبدع (2/251) .
(8) ... ينظر : القول البديع في الصلاة على الحبيب ص 20 .(1/122)
1 – أن يكون المراد بطلبها له ، تعليقها إذا بلغ ، وفعل ما يحتاج إليها .
2 – أن يكون طالبها له ينصرف إلى والديه ، أو إلى أحدهما ، أو إلى من رباه .
3 – أنه ينصرف إليه برفع منزلته ، كما في البالغ الذي لا ذنب له إذا فرض ، كمن مات بعد بلوغه بقليل أو بعد إسلامه .
ويمكن الإجابة عما استدل به القائلون بأنه لا يدعى للصغير بالمغفرة بما يلي :
1 – أما قوله × : (السقط يصلى عليه ...الحديث) وما جاء عن السلف في أنه لا يدعى له بالمغفرة .
فيمكن الجواب عنه : أنه ليس فيه ما يدل على المنع من الدعاء للصغير بالمغفرة ، بل يفهم منه أنه يزاد في الدعاء له الدعاء لوالديه .
2- وأما ما ذكروه من أن الصغير ومن في حكمه لا يحتاجون إلى الاستغفار لعدم تكليفهم ...الخ
فيمكن الجواب عنه : أن الدعاء بالمغفرة لا يستلزم وجود ذنب؛ لأنه لا محذور فيه ؛ لأن الاستغفار طلب خير له .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول بمشروعية الدعاء للصغير ، ومن في حكمه بالمغفرة عند الصلاة عليه ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
الفرع الرابع : حكم الدعاء لغير الميت في صلاة الجنازة :
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه يستحب للمصلي أن يشرك نفسه ووالديه والمسلمين في الدعاء للميت.
واستدلوا بما يلي :
1 – حديث أبي هريرة : (اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ...الحديث) (2) .
__________
(1) ... ينظر : مختصر القدوري ص 48 ، والبحر الرائق (2/197) ، وفتح القدير(2/122) ، والمدونة
(1/175) ،والذخيرة (2/459) ،وحاشية العدوي (1/379) ، والأم (1/309) ، والحاوي
(3/224)، وروضة الطالبين (2/126) ، وشرح الزركشي (8/308) ، والمغني (3/413) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (158) .(1/123)
2 – وعن أبي هريرة عن النبي × أنه كان يقول على الجنازة : (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده) (1) .
وجه الدلالة: فيه أن المصلي له أن يشرك نفسه في الدعاء بما شاء فهاتان الدعوتان للمصلي لا للميت (2) .
وهل يشترط تخصيص الميت بالدعاء ، أم يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ؟
اختلف الفقهاء فيه على قولين :
القول الأول : يجب تخصيص الميت بالدعاء ، ولا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، فيقول : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، ونحو ذلك . وهذا ظاهر مذهب الحنفية (3) ، والمالكية (4) ، والصحيح عند الشافعية (5) ، وظاهر مذهب الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله × : (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) (7) .
أي لا تخصوا معه غيره ، بل خصوه بدعاء ، ففيه وجوب الدعاء للميت بخصوصه (8) ، ولا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، وإن كان يندرج فيهم (9) .
و(أخلصوا له الدعاء) أي ادعو له بإخلاص وحضور قلب ؛ لأن المقصود بهذه الصلاة إنما الاستغفار والشفاعة للميت ، وإنما يرجى قبولها عند توفر الإخلاص والابتهال ، ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله في الدعاء للحي (10) .
__________
(1) ... تتمة الحديث السابق .
(2) ... شرح الزرقاني (2/85) .
(3) ... ينظر : المبسوط (2/63) ، والبحر الرائق (2/197) ، ومجمع الأنهر (1/183) .
(4) ... ينظر : الكافي ، لابن عبد البر ص 84 ، والذخيرة (2/459) ، وحاشية الدسوقي (1/412) .
(5) ... ينظر : الأم (1/309) ، والمجموع (5/185) ، ومغني المحتاج (2/342) .
(6) ... ينظر : المستوعب (3/130) ، والمغني (3/413) ، والمبدع (2/253) .
(7) ... سبق تخريجه ، ص (473) .
(8) ... الفتوحات الربانية (4/175) .
(9) ... إعانة الطالبين (2/126) .
(10) ... فيض القدير (1/393 – 394)، وينظر: الكافي ، لابن عبد البر ص 84 ،وعون المعبود (8/344) .(1/124)
2 – ولأن الدعاء للميت بخصوصه هو المقصود الأعظم من الصلاة ، وما قبله مقدمة ، فلا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات (1) .
القول الثاني : لا يشترط تخصيص الميت بالدعاء ، بل يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، ويدخل فيه الميت ضمناً . هذا وجه عند الشافعية (2) .
ولم أقف لهم على أدلة (3) .
الراجح :
القول الراجح – والله أعلم – هو القول بوجوب تخصيص الميت بالدعاء ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها .
هذا إذا كان الميت مكلفاً ، أما إذا كان غير مكلف كالصغير ومن في حكمه ، فهل يدعى له بخصوصه ، أم يكفي الدعاء لوالديه ؟
اختلف الفقهاء على قولين :
القول الأول : أنه يدعى للصغير ومن في حكمه بخصوصه ، ولا يكفي الدعاء لوالديه .
وهذا قول بعض الحنفية (4) ، ومذهب المالكية (5) ، وقول بعض الشافعية (6) ، وجماعة من الحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... البجيرمي على الخطيب (5/549) .
(2) ... حكاه النووي عن إمام الحرمين ، ينظر : المجموع (5/715) ، ومغني المحتاج (2/342) ، وإعانة الطالبين (2/126) ، والوسيط (2/971) .
(3) بحسب ما اطعلت عليه من المصادر.
(4) ... ينظر : مجمع الأنهر (2/184) ، وبدر المتقي بهامش مجمع الأنهر (2/184) .
(5) ... ينظر : الذخيرة (2/461) ، والفواكه الدواني (1/461) ، ومواهب الجليل (2/216) .
(6) ... ينظر : إعانة الطالبين (2/127) ، وروضة الطالبين (2/126) ، وعون المعبود (8/362) .
(7) ... ينظر : المستوعب (3/129) ، والانصاف (2/496) .(1/125)
1 – قالوا : ينبغي للمصلي على الصغير أن يقول بعد دعاء المكلفين (اللهم اغفر لحينا وميتنا ... وصغيرنا وكبيرنا) (اللهم اجعله فرطاً لأبويه وسلفاً وذخراً وعظة واعتباراً ...) لأن قوله : (اللهم اجعله فرطاً) لا يغني عن الدعاء له ؛ لأن الدعاء بجعله فرطاً ؛ أي سابقاً مهيئاً لمصالحهما ، الدعاء أن يرفع الله قدر هذا الطفل ويشرفه ويرحمه ، وذلك لأنه لا يكون الطفل كذلك إلا إذا كان شريفاً عند الله عظيم القدر .
ولا يغني الدعاء باللازم عن الدعاء له بالخصوص ؛ لأنه إذا لم يكف الدعاء له بالعموم الشامل لكل فرد فهذا أولى (1) .
2 – ولأنه وإن قطع له بالجنة تزيد مرتبته فيها بالدعاء له كالأنبياء (2) .
القول الثاني : أنه يقتصر في الدعاء للصغير ومن في حكمه على الدعاء لوالديه.
وهذا ظاهر مذهب الحنفية (3) ، والشافعية (4) ، ومذهب الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله × : (السقط يصلى عليه ، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة) (6) .
قالوا : يكفي هذا الدعاء للطفل، ولا ينافي قولهم أنه لابد في الدعاء للميت أن يخص به لثبوت النص في هذا بخصوصه (7) .
2 – ولأنه ينبغي الاقتصار في الدعاء له على قول : (اللهم اجعله لهما فرطاً ، وأجراً) ولا يزاد عليه ، لأنه المأثور عن السلف (8) .
ويمكن الإجابة على أدلتهم بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : فتح المعين بهامش إعانة الطالبين (2/127 – 128) .
(2) ... ينظر : الفتوحات الربانية (4/16) ، وإعانة الطالبين (2/126) .
(3) ... ينظر : الهداية مع فتح القدير (2/125) ، وبدائع الصنائع ، (2/341) ، وتبيين الحقائق ، (2/241).
(4) ... ينظر : الحاوي (3/225) ، ومغني المحتاج (1/343) ، وإعانة الطالبين (2/128) .
(5) ... ينظر : المغني (3/416) ، والمبدع (2/251) ، والممتع شرح المقنع (2/45) .
(6) ... سبق تخريجه ، ص (494) .
(7) ... مغني المحتاج (1/343) .
(8) ... الحاوي (3/225) .(1/126)
1- أن قوله × : (السقط يصلى عليه ، ويدعى لوالديه) ليس فيه ما يدل على المنع من الدعاء للصغير ، بل يفهم منه أنه يزاد في الدعاء له الدعاء لوالديه ، لا أن يكتفي بالدعاء لوالديه عن الدعاء له .
2- وأما قولهم : أنه ينبغي الاقتصار على الدعاء لوالديه ؛ لأنه المأثور عن السلف .
فيمكن الجواب عنه : أن ما ورد عن السلف ليس فيه المنع من الدعاء للصغير ومن في حكمه ، بل يفهم منه أنه يزاد في الدعاء للصغير الدعاء لوالديه .
الترجيح :
الذي يظهر أن القول أنه يدعى له بخصوصه هو الراجح وذلك لوجاهة ما استدلوا به ، وما أمكن من مناقشة أدلة المخالفين – والله أعلم - .
الفرع الخامس : حكم التعليق بالشرط في الدعاء في صلاة الجنازة :
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – (1) :
«شرع الله لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج إليه العبد حتى بينه وبين ربه...» وذكر أمثلة على ذلك ، ثم قال : «وكذلك المصلي على الميت شرع له تعليق الدعاء بالشرط ، فيقول : «اللهم أنت أعلم بسره وعلانيته ، إن كان محسناً فتقبل حسناته ، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته ؛ فهذا طلب للتجاوز عنه بشرط».
والتعليق بالشرط في الدعاء له صور :
1 – منها : إذا أشكل على المصلي حال من يصلي عليه هل هو مؤمن أو منافق ، فيعلق الدعاء بالشرط (2) .
2 – ومنها : لو اختلط مسلمون بكفار ، وجب غسل الجميع والصلاة ، وإن شاء صلى على الجميع بقصد المسلمين ، وهو الأفضل ، أو على واحد فواحد ناوياً الصلاة عليه إن كان مسلماً ، ويقول : اللهم اغفر له إن كان مسلماً ، وإن صلى على الجميع قال : اللهم اغفر للمسلم منهم (3) .
__________
(1) ... إعلام الموقعين (3/386 – 387) .
(2) ... ينظر : إعلام الموقعين (3/387) .
(3) ... ينظر : مغني المحتاج (1/360) ، والبجيرمي على الخطيب (2/560) .(1/127)
3 – ومنها : لو صلى على صغير وجهل إسلام والديه ، فالأولى أن يعلق على إيمانهما خصوصاً في ناحية يكثر فيها الكفار (1) . فيقول : اللهم اغفر لوالدي هذا الصغير إن كانا مؤمنين ، واجعله شافعاً لهما وفرطاً .
المطلب الثامن والعشرون : الدعاء بعد السلام . فيه ثلاثة فروع :
الفرع الأول : دعاء المنفرد بعد الصلاة :
وفيه أربع مسائل :
المسألة الأولى : حكم دعاء المنفرد بعد الصلاة بما ورد :
اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله – على استحباب الذكر والدعاء بما ورد للإمام والمأموم والمنفرد عقب كل صلاة سراً ويجهر به الإمام أحياناً للتعليم منه .
واستدلوا بما يلي :
1 – كان رسول الله × إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً ، وقال : (اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) (3) .
__________
(1) ... ينظر : البجيرمي على الخطيب (2/556) ، ومغني المحتاج (1/343) .
(2) ... حكاه النووي في المجموع (3/431)، وينظر : البناية على الهداية (3/170)، وتبيين الحقائق (1/230) ، والذخيرة (13/342) ، وحاشية العدوي (1/250) ، وبلغة السالك (1/270) ، والأم (1/150) ، والحاوي (2/193) ، والمغني (2/251) ، والفروع (1/394) .
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب الذكر بعد الصلاة ، برقم (591) ص 769 .
... أما زيادة : (إليك السلام ، فحينا ربنا بالسلام ، وأدخلنا دار السلام) ، قال ابن الجوزي : (لا أصل له بل هو مختلق من بعض القصاص )، ينظر : الفتوحات الربانية (3/28) ، وتحفة الأحوذي (2/166) .(1/128)
2 – وفي الصحيح : كان رسول الله × إذا فرغ من الصلاة وسلم قال : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (1) ، وفي رواية : (كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة) (2) .
3 – وعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أن رسول الله × كان يتعوذ دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات : (اللهم إني أعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر،وأعوذ بك من فتنة الدنيا،وأعوذ بك من عذاب القبر) (3) .
4 – وعن معاذ – رضي الله عنه – أن رسول الله × أخذ بيده وقال : (يا معاذ والله إني لأحبك ، فقال : أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادك) (4) .
5 – وعن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال : كنا إذا صلينا خلف رسول الله × ، أحببنا أن نكون عن يمينه ، يقبل علينا بوجهه قال: فسمعته يقول : (رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) (5) .
وجه الدلالة من هذه الأحاديث :
__________
(1) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء بعد الصلاة ، برقم (6330)، ص 533 ، ومسلم في كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد السلام ، برقم (593) ، ص 769 .
(2) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب الذكر بعد الصلاة ، برقم (844) ، ص 67 .
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الجهاد ، باب ما يتعوذ من الجبن ، برقم (2822) ، ص 227 .
(4) ... سبق تخريجه ص (99) .
(5) ... أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب استحباب يمين الإمام ، برقم (709) ، ص 789 .(1/129)
تدل هذه الأحاديث على مشروعية هذه الأدعية بعد الصلاة المكتوبة (1) وإن كان في بعض الأحاديث ما يقتضي التعميم للنافلة (2) ، وحملت على المكتوبة لما جاء في بعض الروايات تقييده بالمكتوبة ، فكأنهم حملوا المطلقات عليها (3) .
ويشرع الدعاء بها مرة واحدة ؛ لعدم ما يدل على التكرار (4) .
المسألة الثانية : محل الدعاء بعد الصلاة :
الأدعية الواردة عن النبي × محلها دبر الصلاة كما جاء مصرحاً به في الأحاديث السابقة ، ولفظ (الدبر) قد يراد به ما قبل السلام وما بعده ، وقد يراد به مجموع الأمرين ، والدعاء بها قبل السلام أولى (5) ، إلا ما صرحت الأحاديث أنه كان يدعو بها بعد السلام، كقوله : (إذا انصرف من صلاته) ، أو (إذا سلم) فيخص بها ما بعد السلام أما إذا كان إماماً ؛ فالسنة في حقه ألا ينصرف بوجهه إلى المأمومين إلا بعد الاستغفار ثلاثاً ، وقول : (اللهم أنت السلام ومنك السلام) ، ثم يأتي ببقية الوارد بعد أن يستقبل المأمومين (6) ، لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : كان النبي × : (إذا سلم لم يثبت إلا قدر ما يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام ....) (7) ، أي لا يستمر جالساً على هيئته قبل السلام إلا بقدر أن يقول ما ذكر (8) .
المسألة الثالثة : حكم دعاء المنفرد بعد الصلاة بغير ما ورد :
__________
(1) ... ينظر : فتح الباري (11/137) والمجموع (3/431) ، والمستوعب (1/176) .
(2) ... الفتوحات (3/28) .
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/28) ، وسبل السلام (1/398) .
(4) ... ينظر : عون المعبود (4/260) .
(5) ... ينظر : الفتاوى (22/492 – 504) ، زاد المعاد (1/257) .
(6) ... ينظر : فتح الباري (11/137) ، وتصحيح الدعاء ص 438 ، وحاشية ابن عابدين (1/571) .
(7) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد الصلاة ، برقم (592) ، ص 769 .
(8) ... فتح الباري (11/137) .(1/130)
أما الدعاء بعد النافلة بغير ما ورد؛فقد نص الفقهاء – رحمهم الله – على مشروعيته (1) .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما في الصحيح : (أن النبي × دخل بيت أم سليم – رضي الله عنها – وهو صائم، فصلى في ناحية البيت غير المكتوبة ثم دعا لأم سليم وأهل بيتها) (2) .
2 – لما آذته قريش ووضعوا على ظهره × سلا الجزور وهو يصلي ، فلما قضى صلاته رفع صوته ، ثم دعا عليهم (3) .
3 – وعن أبي بكر – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله × يقول : (ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) (4) ، ثم قرأ هذه الآية : ? ????????????? ?????? ??????????? ????????????? ????? ??????????? ???????????? ????????? ?????? ????????????????????? ??????????????? ... الآية?? (5) .
وجه الدلالة من هذه الأحاديث :
__________
(1) ... ينظر: فتح القدير (2/86) ،وتبيين الحقائق (1/230) ،والبناية (3/170) ،وفتح الباري (1/418) .
(2) ... سبق تخريجه ص (89) .
(3) ... سبق تخريجه ص (122) .
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الاستغفار ، برقم (1521) ، ص 1335 ، والترمذي ، كتاب تفسير القرآن ، باب من سورة آل عمران ، برقم (3006) ، ص 1954 . وقال : (اختلفوا في رفعه ووقفه) أ . هـ بمعناه ، وابن ماجه ، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في أن الصلاة كفارة ، برقم
(1395) ، ص 2560 ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (414) ، ص 324 ، وقال الذهبي في الميزان (1/256) : (قال ابن عدي : هذا حديث حسن ، قلت : أسماء قد وثق ، وماله سوى هذا الحديث) ، وينظر : تهذيب التهذيب (1/242) .
(5) ... سورة آل عمران ، آية (135) .(1/131)
هذه الأحاديث تدل على مشروعية الدعاء بعد النافلة ، لكن لا يتخذه المصلي سنة راتبة ، فيعتقد أنه يشرع له كلما سلم من نافلة أن يدعو بعدها ؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي × ، فما أكثر ما صلى رسول الله × النفل، ولم يدع بعدها (1) .
أما الدعاء بعد المكتوبة بغير ما ورد ، فقد اختلف فيه الفقهاء – رحمهم الله – على قولين :
القول الأول : لا يشرع الدعاء بعد المكتوبة إلا بما ورد ، وإذا فرغ منه يستحب له أن يصلي على النبي × ، ويدعو بما أحب من أمور الدين والدنيا سراً .
وهذا مذهب الحنفية (2) ، وقول المالكية (3) ، ومذهب الشافعية (4) ، وقول الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
أنه لم ينقل عن النبي × ولا أحد من أصحابه البدار إلى الدعاء عند تمام المكتوبة من غير فصل بالأذكار والأدعية الواردة (6) .
وأما كونه يشرع له الدعاء بما أحب بعد الفراغ من الأدعية الواردة ؛ فلأن دعاؤه هنا يكون عقيب هذه العبادة الثانية لا لكونه دبر الصلاة ، فإن كل من ذكر الله وحمده، وأثنى عليه ، وصلى على رسول الله × استحب له الدعاء عقيب ذلك (7) . كما في الحديث : (إذا صلى أحدكم ، فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي × ، ثم ليدع بما شاء) (8) .
__________
(1) ... ينظر : دليل الأخطاء ص 48 .
(2) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/77) ، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين (1/571) ، والبحر الرائق
(1/354 – 355) .
(3) ... ينظر : الاعتصام (1/497) ، والمدخل (2/434) ، والمعيار المعرب (1/281) .
(4) ... ينظر : الأم (1/151) ، والحاوي (2/193) ، وحاشية قليوبي (1/256) ، والفتوحات الربانية
(3/28).
(5) ... ينظر : المغني (2/251) ، وزاد المعاد (1/258) .
(6) ... ينظر : زاد المعاد (1/257) ، المجموع (3/431) ، الفتاوى (22/500) .
(7) ... ينظر : زاد المعاد (1/258) ، الحاوي (2/193) ، الفتوحات الربانية (3/28) ، المدخل (2/434) .
(8) ... سبق تخريجه ص (150) .(1/132)
القول الثاني : يستحب الدعاء بعد كل صلاة مكتوبة بما شاء من أمور الدين والدنيا، وخصوصاً بعد صلاتي الفجر والعصر . وهذا قول الحنفية (1) ، وظاهر مذهب المالكية (2) ، وقول بعض الشافعية (3) ، وظاهر مذهب الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ????????? ??????????? ?????????? ? (5) .
قال المفسرون : قال ابن عباس وغيره معناه فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء أي اتعب فيه ، وعن الضحاك : إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب في الدعاء (6) .
2 – ورد عن النبي × الترغيب في الدعاء بعد المكتوبة فمن ذلك :
أ – قال × : (من صلى صلاة فريضة فله دعوة مستجابة) (7) .
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (1/38) ، والبناية (3/170) .
(2) ... ينظر : الفواكه الدواني (1/300) ، وحاشية العدوي (1/250) ، وبلغه السالك (1/270) .
(3) ... ينظر : الحاوي (2/194) .
(4) ... ينظر:المستوعب (1/176)، والفروع (1/399)، والإقناع(1/126)، ومطالب أولى النهى (1/471).
(5) ... سورة الشرح ، آية (7) .
(6) ... ينظر: جامع البيان (12/628)، والجامع لأحكام القرآن (20/74)، وتفسير القرآن العظيم(4/528).
(7) ... أورده الهيثمي ، في المجمع ، كتاب القرآن ، باب الدعاء عند ختم القرآن (2/172) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير ، وقال : (فيه عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف) ، وأورده السيوطي في الجامع ، برقم
(8819) ، (6/171) ، وعزاه إلى الطبراني ، قال المناوي في فيض القدير (6/171) : (فيه عبدالحميد ضعيف) ، وضعفه إسناده ابن حجر في نتائج الأفكار (3/174) ، لضعف عبد الحميد بن سليمان ، التقريب (2/437) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (5666) ص 817 .(1/133)
ب – وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال : قلنا : يا رسول الله ، أي الدعاء أسمع؟ قال: (جوف الليل الآخر، ودبر كل صلاة مكتوبة) (1) .
ج – وكان رسول الله × إذا استفتح الصلاة كبر ، وإذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده ، وإذا سلم دعا (2) .
والسنن في هذا المعنى من الكثرة بحيث تحصل الاستفاضة في أن دبر الصلاة المفروضة محل لمشروعية الأدعية ، وأن تلك المشروعية تعم ولا تخص ، وكل مسلم مطلوب منه الأخذ منها بحظ (3) .
3 – وأما كونه يتأكد بعد صلاتي الفجر والعصر ، فلما يلي :
1 – فعل طاووس وأصحابه – رحمهم الله – فقد كانوا إذا صلوا العصر استقبلوا القبلة ، ولم يكلموا أحداً ، وابتهلوا بالدعاء (4) .
2 – ولأن ما بعد الفجر والعصر ليست بوقت صلاة (5) ، فيستحب فيه الدعاء ، ولحضور الملائكة فيهما فيؤمنون على الدعاء (6) .
نوقشت أدلتهم بما يلي :
1- أن تفسير قوله تعالى: ? ????????? ??????????? ?????????? ? أي إذا فرغت من الصلاة
__________
(1) ... أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء ما يقول إذا ركب دابته ، برقم (3446) ، ص 2006 ، وأبو داود ، كتاب الجهاد ، باب ما يقول الرجل إذا ركب ، برقم (2602) ، ص 1415 ، قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح) ، والطبراني في الدعاء ، برقم (775) ، ص 246 ، والبيهقي في سننه ، باب ما يقول إذا ركب دابته (5/413)، وصححه النووي في الأذكار ص 218 ، وقال محقق زاد المعاد (2/447) : (إسناده قوي).
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب صلاة النبي × في الليل ، برقم (771)، ص 800 ولفظه: وإذا سلم قال : (اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت ...الحديث) .
(3) ... المعيار المعرب (1/287) .
(4) ... أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء (5/48) .
(5) ... ينظر : المبسوط (1/38) ، والفتاوى (22/500) .
(6) ... الفروع (1/399) ، وينظر : الاقناع (1/126) .(1/134)
فانصب في الدعاء ضعيف لأمور (1) :
أ - أن قوله:+فإذا فرغت" مطلق والفارغ إن أريد به الفارغ من العبادة، فالدعاء أيضاً عبادة ، وإن أريد به الفراغ من أشغال الدنيا بالصلاة ، فليس كذلك.
ب- أن الدعاء مشروع في الصلاة لاسيما في آخرها ، فكيف يقول: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء ، والذي فرغ منه هو نظير الذي أمر به ، فهو في الصلاة كان ناصباً في الدعاء لا فارغاً.
ج- أنه لم يقل مسلم أن الدعاء بعد الخروج من الصلاة يكون أوكد وأقوى منه في الصلاة.
د- أنه لو كان المراد من قوله : ? ?????????? ? في الدعاء لم يحتج إلى قوله: ? ????????? ???????? ???????????? ? لأنه قد علم أن الدعاء إنما يكون لله.
فعلم أنه أمره بشيئين : أن يجتهد في العبادة عند فراغه من أشغاله ، وأن تكون رغبته إلى ربه لا إلى غيره.
2 – أن الدعاء دبر الصلاة المكتوبة والمبادرة إليه قبل الإتيان بالمأثور ، لم يفعله النبي × ولا أحد من خلفائه ، ولا أرشد إليه أمته ، إنما هو استحسان رآه من رآه عوضاً عن السنة بعدها (2) ، وأما تخصيصه بصلاتي الصبح والعصر ، فلا أصل له (3) .
__________
(1) ينظر: الفتاوى (22/495 – 498).
(2) ... ينظر : زاد المعاد (1/257) ، والفتاوى (22/500) .
(3) ... المجموع (3/431) .(1/135)
3 – أن لفظ دبر الصلاة قد يراد به ما قبل السلام وما بعده ، وقد يراد به مجموع الأمرين ، والاشتغال بالدعاء قبل السلام أولى (1) ، لأن عامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها ، وهذا هو اللائق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه يناجيه ما دام في الصلاة ، فإذا سلم منها انقطعت تلك المناجاة ، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه ، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه والإقبال عليه ثم يسأل إذا انصرف عنه ، ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي (2) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول وهو عدم مشروعية الدعاء بعد المكتوبة قبل الإتيان بالمأثور ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
المسألة الرابعة : حكم رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة :
تحرير محل النزاع :
الأدعية التي جاءت عن النبي × بعد الصلاة كما في الأحاديث السابقة ، فهذه لا يشرع فيها رفع اليدين لأنه لم يثبت عن النبي × ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ، أنه رفع يديه في هذا الموطن (3) ، ولأن هذه عبادة مقيدة بحال ما بعد الصلاة المكتوبة، وقاعدة العبادة المقيدة بحال أو زمان ؛ أنه لا يجوز التجاوز فيها على القدر المشروع (4) .
أما الدعاء بغير الألفاظ المأثورة بعد المكتوبة :
فإن كان الدعاء بينه وبين الله ، بدون رفع اليدين فحسن (5) ، وأما مع رفع اليدين فيه، فهذا محل الخلاف بين العلماء :
اختلف العلماء – رحمهم الله – في مشروعية رفع اليدين عند الدعاء بعد المكتوبة على قولين :
__________
(1) ... ينظر : الفتاوى (22/492 – 504) .
(2) ... ينظر : زاد المعاد (1/257) ، وتحفة الأخوذي (2/169) .
(3) ... ينظر : الدرر السنية (3/158) ، وفتاوى اللجنة الدائمة (7/103) .
(4) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 439 .
(5) ... ينظر : الدرر السنية (3/157) .(1/136)
القول الأول : لا يشرع رفع اليدين في الدعاء بعد المكتوبة وفعل ذلك بدعة . وهذا ظاهر مذهب الحنفية (1) ، ورواية عند المالكية (2) ، وقول علماء نجد من الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
بأنه لم يصح عن النبي × ، أنه كان يرفع يديه بعد صلاة الفريضة ، ولم يصح ذلك أيضاً عن الصحابة – رضي الله عنهم – فيما نعلم ، ولم ينقل ذلك عمن يوثق به من الفقهاء ، وقد أكمل الله الدين على لسان سيد المرسلين قولاً منه وفعلاً (4) .
القول الثاني: يشرع رفع اليدين في الدعاء بعد المكتوبة. وهذا رواية عند المالكية (5) ، وظاهر مذهب الشافعية (6) ، وقول متأخري الحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (1/38) ، والفتاوى الهندية (1/77) .
(2) ... ينظر : الذخيرة (13/342) ، والمدخل (2/434) .
(3) ... منهم الشيخ عبد الله أبابطين ، وسعيد حجي ، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ، والشيخ صالح الشثري ، وابن باز – رحمهم الله تعالى – ينظر: الدرر السنية (3/158).
(4) ... ينظر : الدرر السنية (3/158) ، والقول المبين في أخطاء المصلين ص 299 ، وتصحيح الدعاء ص 440 ، والمدخل (2/431) .
(5) ... ينظر : الذخيرة (13/342) ، والمعيار المعرب (2/282) .
(6) ... ينظر : الحاوي (2/193) ، والمجموع (3/431) ، واختيار المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/173) .
(7) ... ينظر : الفروع (1/401) ، والاقناع (1/126) ، وشرح منتهى الارادات (1/195) .(1/137)
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله × رفع يده بعدما سلم وهو مستقبل القبلة فقال : (اللهم خلص الوليد بن الوليد ، وعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام ، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً من أيدي الكفار) (1) .
2 – رأى عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه – رجلاً رافعاً يديه قبل أن يفرغ من صلاته فلما فرغ منها قال : (إن رسول الله × لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته) (2) .
3 – عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي × أنه قال : (ما من عبد بسط كفيه في دبر كل صلاة ثم يقول: اللهم إلهي وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإله جبريل وميكائيل وإسرافيل أسألك أن تستجيب دعوتي فإني مضطر، وتعصمني في ديني فإني مبتلى ، وتنالني برحمتك فإني مذنب ، وتنفي عني الفقر فإني متمسكن ، إلا كان حقاً على الله عز وجل ألا يرد يديه خائبتين) (3) .
__________
(1) ... أورده ابن كثير في تفسيره (1/514) وعزاه إلى أبي حاتم ، ومدار سنده على علي بن زيد بن جدعان ، قال عنه ابن حجر في التقريب (2/43): (ضعيف)، وضعفه بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء ص 443، والمباركفوري في تحفة الأحوذي (2/171) .
(2) ... سبق تخريجه ص (389) .
(3) ... أخرجه ابن السني ، عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول في دبر صلاة الصبح ، برقم (138) ، ص 72 ، وفيه خصيف بن عبد الرحمن الجزي قال عنه الذهبي في الميزان (1/654) : (ضعفه أحمد ، وقال مره : ليس بالقوي ، وقال ابن معين : صالح ، وقال أبو حاتم : تكلم في سوء حفظه) ، وفيه عبد العزيز بن عبدالرحمن القرشي ، قال عنه في الميزان (2/631) : (اتهمه الإمام أحمد ، وقال ابن حبان : كتبنا عن عمر بن سنان عن إسحاق ، عنه نسخة ... ثم قال : لا يحل الاحتجاج به بحال ، وقال النسائي ، وغيره: ليس بثقة ، وضرب أحمد على حديثه) ، وضعفه المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/171) .(1/138)
4 – حديث يزيد بن الأسود العامري (1) – رضي الله عنه – قال : (صليت مع رسول الله × الفجر فلما سلم انحرف ورفع يديه ودعا ... الحديث) (2) .
5 – قال رسول الله × : (الصلاة مثنى مثنى ، تشهد في كل ركعتين ، وتخشع وتضرع وتمسكن ، ثم تقنع يديك ، يقول : ترفعهما إلى ربك مستقبلاً ببطونهما وجهك ، وتقول : يا رب ، يا رب ، ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا ، وفي رواية : فهي خداج) (3) .
وجه الدلالة من هذه الأحاديث: ظاهره ، فهي تدل على مشروعية رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة .
6 – واستدلوا أيضاً بعموم أحاديث رفع اليدين في الدعاء .
__________
(1) ... يزيد بن الأسود السوائي ، من بني سُوَاءه بن عامر بن صعصة وقيل : الخزاعي ، أبو جابر حليف قريش، سكن الطائف ، روى عن النبي × ،وروى عنه ابنه جابر بن يزيد .
عداده في الكوفيين ، وقيل : إنه مدني ، وقيل : إنه حجازي .
ينظر في ترجمته : تهذيب التهذيب (11/271) ، والاصابة (6/337) ، وأسد الغابة (5/476) .
(2) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، كتاب الصلاة ، باب من كان يستحب إذا سلم أن يقوم (1/302) ، بدون (ورفع يديه ودعا) ، والنسائي في مصنفه ، كتاب السهو ، باب الانحراف بعد التسليم ، برقم
(1335) ، ص 2174 بدون هذه الزيادة أيضاً.
(3) ... أخرجه أبو داود في كتاب التطوع ، باب صلاة النهار ، برقم (1296) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في التخشع في الصلاة ، برقم (385) ، ص 1679 ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في صلاة الليل والنهار ، برقم (1325) ، ص 2555 ، ومدار إسناده على عبد الله بن نافع بن العمياء ، قال عنه ابن حجر في التقريب (1/427) : (مجهول) ، وقال عنه الذهبي في الميزان
(2/512) : (قال البخاري : لا يصح حديثه).(1/139)
قالوا : إن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة مستحب مرغب فيه ، وقد ثبت عن رسول الله × أنه رفع يديه في كثير من الدعاء ، ولم يثبت المنع عن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة المكتوبة ، بل جاء في ثبوته الأحاديث الضعاف ، فبعد ثبوت هذه الأمور ، وعدم ثبوت المنع لا يكون رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة المكتوبة بدعة سيئة بل هو جائز لا بأس على من يفعله (1) .
ناقش القائلون بعدم رفع اليدين بعد المكتوبة أدلة القائلين بالمشروعية :
1 – أما حديث : (أن رسول الله × رفع يده بعدما سلم ، وقال: اللهم انج فلان وفلان ...الحديث) .
فالجواب عنه : أن الحديث ضعيف ، كما ثبت في تخريجه (2) .ولو صح فيحمل على أنه دعا لأمر عارض ، لا أنه من هديه الراتب ، وفرق بين الأمور العارضة ، والهدي الراتب (3) .
2 – وأما حديث : (أن عبد الله بن الزبير رأى رجلاً رافعاً .... الحديث).
فالجواب عنه :أن الحديث فيه ضعف وانقطاع كما ثبت في تخريجه، ثم هو لا يدل على مشروعية الرفع بعد المكتوبة ، لأنه لم يبين صلاة مكتوبة أو تطوع (4) .
3 – وأما حديث: (ما من عبد يبسط كفيه في دبر كل صلاة ، فيقول ...).
فالجواب عنه : حديث مسلسل بالمتروكين،والضعفاء والمجاهيل، فلا يلتفت إليه (5) .
4 – وأما حديث: (صليت مع رسول الله × الفجر انحرف..).
فالجواب عنه : أن لفظة : (ورفع يديه ودعا) مقحمة ليست في متن الحديث ، في أي موضع ورد فيه (6) .
5- وأما حديث : (الصلاة مثنى مثنى ، تشهد في كل ركعتين ... الحديث) .
__________
(1) ... ينظر : تحفة الأحوذي (2/172) .
(2) ... سبق تخريجه ص (510) .
(3) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 443 ، وتحفة الأحوذي (2/171) .
(4) ... تصحيح الدعاء ص 440 .
(5) ... تصحيح الدعاء ص 440 ، وينظر : تحفة الأحوذي (2/171) .
(6) ... مسك الختام في الذكر والدعاء ص 134 ، وينظر : تصحيح الدعاء ص 441 .(1/140)
فالجواب عنه : أن الحديث ضعيف كما ثبت في تخريجه ، وعلى فرض صحته فهو خارج عن محل النزاع ؛ لأن محل النزاع في الرفع بعد المكتوبة وهذا في صلاة التطوع ، وهذا أمر قد دلت السنة عليه فلا يتجاوز به محله، كما لا يتجاوز به صفته (1) .
6- وأما الاستدلال بعموم أحاديث رفع اليدين ...
فالجواب عنه : أنها خارجة عن محل النزاع ؛ لأن محل النزاع في الدعاء بعد المكتوبة ، وهذه الأحاديث إما إنها في مطلق الدعاء أو في الدعاء بعد النافلة .. وليس فيها حديث واحد في حال الدعاء بعد السلام من المكتوبة (2) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول بعدم مشروعية رفع اليدين في الدعاء بعد المكتوبة وذلك لقوة أدلتهم ، ولضعف أدلة المخالفين لما ورد عليها من مناقشة .
وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء حيث جاء فيها (3) : (لم يثبت عن النبي × فيما نعلم أنه رفع يديه بعد السلام من الفريضة في الدعاء ، ورفعهما بعد السلام من صلاة الفريضة مخالف للسنة) .
الفرع الثاني : الدعاء الجماعي بعد الصلاة :
الدعاء جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة من الإمام والمأموم ؛ كالاستغفار بصوت واحد ، وقولهم بعد الاستغفار : يا أرحم الراحمين أرحمنا ، أو اجتماعهم بعد التسليم من الصبح على : (اللهم أجرني من النار ، ومن عذاب النار ، بفضلك يا عزيز يا غفار) (4) ، أو اجتماعهم على: (اللهم أنت السلام ومنك السلام...) (5) .
__________
(1) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 444 .
(2) ... ينظر : المصدر السابق .
(3) ... (7/104) .
(4) ... ينظر : السنن والمبتدعات ص 70 ، والقول المبين في أخطاء المصلين ص 304 .
(5) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 445 .(1/141)
كل ذلك من البدع المحدثة ، التي لم يفعلها النبي × ، ولا أحد من أصحابه ، ولا التابعون بعدهم ، ولم تنقل عمن يوثق به من الفقهاء (1) .
وقد قال × : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (2) وقد جمعوا بين بدعتين: رفع الصوت بالدعاء ، وفي المسجد (3) .
الفرع الثالث : دعاء الفرد وتأمين الجماعة بعد الصلاة :
إذا سلم الإمام من الصلاة فهل يشرع له أن يدعو ويؤمن الحاضرون على دعائه ، أم لا ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : الدعاء عقب الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة وإنما يباح منه ما كان لعارض كقنوت النازلة . وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية (4) ، والمالكية (5) ، والشافعية (6) والحنابلة (7) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن دعاء الإمام عقيب الصلاة وتأمين الجماعة لم يكن من فعل النبي × ؛ لأن حاله × في أدبار الصلوات مكتوبات أو نوافل ، كانت بين أمرين :
إما أن يذكر الله تعالى ذكراً هو في العرف غير دعاء ؛ فليس للجماعة منه حظ؛ إلا أن يقولوا مثل قوله أو نحواً من قوله؛ كما في غير أدبار الصلوات؛ كالتهليل والتحميد والتسبيح ، وغير ذلك .
__________
(1) ... ينظر : الحوادث والبدع ص 80 ، والاعتصام (2/497) ، والدرر السنية (3/158) ، وفتاوى الجنة الدائمة (7/98) ، ومسك الختام ص 132 وما بعدها ، والمسجد في الإسلام ص 284 .
(2) ... أخرجه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718)، ص983.
(3) ... المسجد في الإسلام ص 284 .
(4) ... ينظر : المبسوط (1/38) ، والفتاوى الهندية (1/77) .
(5) ... ينظر : الحوادث والبدع ص 78 ، والاعتصام (1/452) وما بعدها .
(6) ... ينظر : الحاوي (2/194) ، والمجموع (3/431) ، وحاشية قليوبي (1/256) ، وفتاوى عز الدين بن عبد السلام ص 390 .
(7) ... ينظر : الفتاوى (22/512) ، وزاد المعاد (1/257) ، والآداب الشرعية (2/103 – 104) .(1/142)
وإما أن يدعو؛ وعامة ما جاء من دعائه × بعد الصلاة مما سمع منه إنما كان يخص به نفسه دون الحاضرين : كما في حديث علي – رضي الله عنه – أن النبي × كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة ، رفع يديه ...وفيه : ويقول عند انصرافه من الصلاة : (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت إلهي لا إله إلا أنت) (1) .
وقوله × في دبر صلاة الفجر : (اللهم إني أسألك علماً نافعاً ، وعملاً متقبلاً، ورزقاً طيباً) (2) (3) .
ولو كان الدعاء جماعة مشروعاً للإمام والمأموم ، كدعاء القنوت لكان يقول : اللهم اغفر لنا ما قدمنا ، اللهم إنا نسألك .... فلما ذكره بصيغة الإفراد علم أنه لا يشرع للإمام والمأموم ذلك بصيغة الجمع (4) .
2– عن أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي × كان يمكث إذا سلم يسيراً (5) . وعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي × : (كان إذا سلم ؛ لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) (6) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ص (507) .
(2) ... أخرجه أحمد في مسنده ينظر : (الفتح الرباني ، أبواب الأذكار عقب ... ، باب الأدعية الواردة ، برقم
(7756) ، (4/55) ، وابن ماجه ، كتاب إقامة الصلوات برقم (925) ،ص 2531 ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/497) : (هذا إسناد ثقات ، خلامولى أم سلمة فإنه لم يسم ، ولم أر أحداً ممن صنف في المبهمات ذكره ، ولا أدري ما حاله)، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (102) ،
ص 191 ، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (2/330) .
(3) ... ينظر : الاعتصام (1/452 – 454) .
(4) ... ينظر : الفتاوى (22/501) .
(5) ... أخرجه البخاري ، كتاب الآذان ، باب التسليم ، برقم (837) ، ص 66 .
(6) ... سبق تخريجه ص (504) .(1/143)
وكذا فعل أبي بكر – رضي الله عنه – فعن أنس – رضي الله عنه – قال : (صليت خلف النبي × ، فكان إذا سلم يقوم ، وصليت خلف أبي بكر – رضي الله عنه – ؛ فكان إذا سلم وثب كأنه على رضفه) (1) .
وقال عمر – رضي الله عنه – جلوس الإمام بعد التسليم بدعة (2) .
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : « كان الإمام إذا سلم قام » (3) .
وكان عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – إذا سلم لم يلبث أن يقوم أو يتحول من مكانه أو يستقبلهم بوجهه (4) .
وجه الدلالة من هذه الأحاديث :
أن سرعة القيام والانصراف ، منافٍ للدعاء للمأمومين وتأمينهم على دعائه ؛ بخلاف الذكر ودعاء الإنسان لنفسه ؛ فإن الانصراف وذهاب الإنسان لحاجته غير مناف لهما (5) .
__________
(1) ... أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ، برقم (727) ، (1/225) ، والمقدسي في الأحاديث المختارة ، برقم (2335) ، (6/312) ، وأورده الهيثمي في المجمع (2/146) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير وقال: (فيه عبد الله بن فروج قال إبراهيم الجوزجاني: أحاديثه منكره ، وقال ابن أبي مريم : هو أرضى أهل الأرض عندي ، ووثقه ابن حبان ،وقال: ربما خالف ، وبقية رجاله ثقات). وقال الذهبي في الميزان
(2/471) ، برقم (4507): (عبدالله بن فروخ الأفريقي ، قال البخاري : يعرف وينكر ، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة ، وقال الجوزجاني : رأيت ابن أبي مريم حسن القول فيه. وقال: هو أرضى أهل الأرض عندي . وأما أحاديثه فمناكير).
(2) أخرجه ابن أبي شيبه في مصنفه (1/302).
(3) نفس الإحالة السابقة.
(4) أورده الهيثمي في المجمع (2/146) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير وقال: (رجاله ثقات).
(5) ... ينظر : الاعتصام (1/458) ، والمعيار المعرب (1/284) ،والابداع في مضار الابتداع ، ص 289.(1/144)
3 – لو كان الاجتماع للدعاء وتأمين الحاضرين عليه صحيحاً شرعاً أو جائزاً؛ لكان النبي × أولى بذلك أن يفعله ، ولو كان يداوم عليه المداومة التامة ، للحق بالسنن ؛ كالوتر وغيره ، ولنقل إلينا ، فلما لم ينقل ذلك أحد من العلماء ، مع تواطئهم على نقل جميع أموره ، حتى هل كان ينصرف من الصلاة عن اليمين أو عن الشمال ؟ دل على أنه بدعة (1) .
4 – أن في الاجتماع للدعاء وتأمين الحاضرين عليه بعد الصلوات فيه مخالفة لمن كان أعرف بالشريعة وهم السلف الصالح ، فلم ينقل عنهم مثل هذه الاجتماعات (2) .
5 – أن في التزام مثل هذه الأمور غير اللازمة شرعاً شأنها أن تفهم التشريع ، وخصوصاً مع من يقتدي به في مجامع الناس كالمساجد ؛ فإنها إذا ظهرت هذا الإظهار ، ووضعت في المساجد كسائر الشعائر التي وضعها رسول الله × في المساجد وما أشبهها ؛ كالآذان وصلاة العيدين ونحوهما ؛ فهم منها بلا شك أنها سنن ، إذ لم تفهم منها الفريضة ، فصارت من هذه الجهة بدعاً محدثة بذلك (3) .
6 – أن في انتصاب الإمام لأن يكون داعياً للناس بإثر صلواتهم دائماً مظنة لفساد نيته بما يدخل عليه من العجب والشهرة لما اجتمع له من التقدم في الصلوات، وشرف كونه نصب نفسه واسطة بين الله تعالى وعباده في تحصيل مصالحهم على يده بالدعاء ، فيوشك أن تعظم نفسه عنده ، فيفسد قلبه ويعصى ربه في هذه الحالة أكثر مما يطيعه (4) .
__________
(1) ... ينظر : الاعتصام (1/456 ، 458) ، والمدخل (2/431) ، وإعلام الموقعين (2/390) .
(2) ... ينظر : الاعتصام (1/319) ، وفتاوى العز بن عبد السلام ص 390 .
(3) ... ينظر : الاعتصام (1/318) ، والابداع في مضار الابتداع ص 289 .
(4) ... ينظر : الفروق (4/300) ، والاعتصام (2/463) .(1/145)
فثبت بذلك أن الدعاء بهيئة الاجتماع في آثار الصلوات على الدوام بدعة قبيحة. وأما لو دعا الإمام أحياناً عقيب الصلاة لأمر عارض ، من غير أن يتخذ عادة، لم يعد هذا مخالفاً للسنة (1) . كما جاء الدعاء للناس في مواطن ؛ كالدعاء في الخطبة التي استسقى لهم فيها ونحو ذلك (2) .
القول الثاني:أن الدعاء عقيب الصلوات بهيئة الاجتماع على الدوام ،أمر مشروع .
وهذا قول بعض متأخري المالكية (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قوله تعالى: ? ????????? ??????????? ?????????? ??? ????????? ???????? ???????????? ??? ? (4) .
وجه الدلالة : جاء في تفسير هاتين الآيتين ، في إحدى الروايتين : إذا فرغت من صلاتك ، فانصب إلى ربك في الدعاء ، وسله حاجاتك (5) . والنصب هو التعب ، ووقوعه في الدعاء مؤذن بالإكثار منه والإلحاح فيه حتى يبلغ الداعي الجهد (6) .
2 – عن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: قيل: يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: (جوف الليل ، ودبر الصلوات المكتوبات) (7) .
3 – وعن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – عن النبي × أنه كان يدعو في دبر كل صلاة (8) .
وجه الدلالة : دلت هذه الأحاديث على مشروعية الدعاء بعد الصلوات والسنن الواردة في هذا المعنى من الكثرة بحيث تحصل الاستفاضة في أن دبر الصلاة المفروضة محل لمشروعية الدعاء (9) .
__________
(1) ... ينظر : الفتاوى (22/513) ، والآداب الشرعية (1/103) ، والاعتصام (1/500) .
(2) ... سبق تخريجه ص (448) .
(3) ... ينظر : الاعتصام (1/458) ، والمعيار المعرب (1/289) .
(4) ... سورة الشرح ، الآيتان (7 ، 8) .
(5) ... تفسير الطبري (12/628) ، وينظر : تفسير القرآن العظيم (4/528) .
(6) ... المعيار المعرب (1/289) .
(7) ... سبق تخريجه، ص 507 .
(8) ... عزاه العيني في البناية (3/170) إلى البخاري في تاريخه الأوسط ولم أجده في المطبوع.
(9) ... ينظر : المعيار المعرب (1/287) .(1/146)
4 – أن الاجتماع للدعاء قد ورد أصله في عهد النبي × فقد ورد أن النبي × خرج ذات يوم فرأى مجلسين : أحدهما : يدعون الله عز وجل ويرغبون إليه ، والثاني : يعلمون الناس فقال : (أما هؤلاء فيسألون الله عز وجل إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيعلمون الناس وإنا بعثت معلماً ثم عدل إليهم وجلس معهم) (1) .
وجه الدلالة : قد فسر في هذه الرواية الذكر الذي كان بالحلقة الثانية أنه الدعاء والدعاء بين الجماعة لا يكون إلا جهراً إذ أنهم يؤمنون على دعاء الداعي ، ويتعلمون منه كيفية الدعاء (2) ، ولم ينكر عليهم النبي × فدل على مشروعية الاجتماع للدعاء إثر الصلوات .
5 – عن ثوبان – رضي الله عنه – أن رسول الله × قال : (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن ، لا يؤم رجل فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم ... الحديث) (3) .
محل نهيه × على أن يخص نفسه في الدعاء عام في كل دعاء في الصلاة وما يتصل بها من الأدعية التي يدعو بها الأئمة أدبار الصلوات (4) .
6 – وفي الصحيح:عن الله عز وجل:(من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم) (5) .
وجه الدلالة : جاء في تفسيره : من ذكرني في ملأ من الناس بالدعاء والتضرع ذكرته في ملأ من الملائكة الذين هم أفضل من ملأ الناس بالمغفرة والرحمة والهداية (6) .
7 – أن في الاجتماع للدعاء بإثر الصلوات فيه مصالح عظيمة منها :
أ – أن الدعاء بتلك الهيئة ليظهر وجه التشريع في الدعاء وأنه بآثار الصلوات مطلوب .
__________
(1) ... أخرجه ابن ماجه ، كتاب السنة ، باب فضل العلماء ، برقم (229) ، ص 2491 ، وقال في مصباح الزجاجة بهامش سنن ابن ماجه (1/150): (هذا إسناد فيه بكر وداود وعبد الرحمن ، وهم ضعفاء) .
(2) ... المدخل (2/70) .
(3) ... سبق تخريجه ص (120) .
(4) ... المعيار المعرب (1/286) .
(5) ... أخرجه مسلم ، في كتاب الذكر والدعاء ، باب الحث على الذكر ، برقم (2675) ، ص 1144 .
(6) ... ينظر : المعيار المعرب (1/290) .(1/147)
ب – أن الإمام يجمعهم على الدعاء ليكون باجتماعهم أقرب إلى الإجابة (1) .
ج – قصد التعليم للدعاء ليأخذوا من دعائه ما يدعو به لأنفسهم لئلا يدعوا بما لا يجوز عقلاً أو شرعاً (2) ؛ لأن الظاهر من حالهم القصور عن المعرفة المكملة بالأدعية ، ومعاني ألفاظها ، وأئمتهم في الغالب أعلم منها بها فخصوا بالتقدم إلى الدعاء وغيرهم من المصلين خلفهم بالتأمين ، والمؤمن أيضاً داعٍ (3) .
د – أن في الاجتماع على الدعاء تعاوناً على البر والتقوى،وهو مأمور به (4) .
هـ – أن عامة الناس لا علم لهم باللسان العربي ، فربما لحن فيكون اللحن سبب عدم الإجابة (5) .
ناقش القائلون بمنع الدعاء الجماعي أدلة المجيزين :
1 – أما الآية : ? ????????? ??????????? ?????????? ? :
فالجواب عنه: أن هذا التفسير ضعيف (6) ، وعلى فرض صحته فليس فيه ما يدل على مشروعية الدعاء بصفة جماعية بعد المكتوبات .
2 – أما حديث: (أي الدعاء أسمع ..) وحديث : (الدعاء دبر الصلوات ..).
فالجواب عنهما : أننا لا نمنع من مشروعية الدعاء بعد التسليم ، والإتيان بالأذكار المشروعة ، وليس فيه دلالة على مشروعية الدعاء جهراً للحاضرين في آثار الصلوات دائماً .
3 – وأما الاستدلال بجواز هيئة الاجتماع في الجملة ، وحديث: (يدعو الله ويرغبون إليه ...).
فالجواب عنه: أن الحديث ضعيف .. وعلى فرض صحته لا يدل على جواز الاجتماع بآثار الصلوات للدعاء . إلا عن طريق الاحتمال ، وقد تقرر من حال النبي × ، وأحوال الصحابة والسلف الصالح ترك ذلك المحتمل (7) .
__________
(1) ... الاعتصام (1/473) ، وينظر : المعيار المعرب (1/290) .
(2) ... الاعتصام (1/473) .
(3) ... المعيار المعرب (1/290) .
(4) ... الاعتصام (1/474) ، وينظر : المعيار المعرب (1/290) .
(5) ... الاعتصام (1/474) .
(6) ... ينظر : الفتاوى (22/495 – 497) .
(7) ... ينظر : المدخل (1/70) .(1/148)
4 – أما حديث ثوبان – رضي الله عنه - : (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن ... الحديث ...) .
فالجواب عنه : لا دلالة فيه على مشروعية الدعاء بعد الصلاة ، لأن المراد به الدعاء الذي يؤمن عليه المأموم كدعاء القنوت ، وغيره من الأدعية التي يشرع فيها الجهر، وإذا كان المأموم مؤمناً فإن الإمام يدعو بصيغة الجمع ، كما في دعاء الفاتحة وغيرها ، وأما المواضع التي يدعو بها الإمام لنفسه ، فإن المأموم يدعو لنفسه ، ثم إن جميع أدعية النبي × في الصلاة كالاستفتاح وأدعية الركوع وغيرها كلها بصيغة الإفراد ، وهو إمام × فيحمل هذا الحديث على دعاء الإمام في نفس الصلاة ، لا خارجها (1) .
5- وأما حديث: (من ذكرني في ملأ ..).
فالجواب عنه : أنه لا دلالة فيه أيضاً على مشروعية الدعاء بعد الصلاة ، ولم يرد عنه × وهو قائل الحديث أنه دعا بهيئة الاجتماع بآثار الصلوات وهو × من أحرص الناس على الخير (2) .
6- وأما ما ذكروه من المصالح فالجواب عنا بما يلي:-
أ – أن قولهم : (أن الدعاء بتلك الهيئة ليظهر وجه التشريع ..).
هذا يقتضي أن يكون سنة بسبب الدوام والإظهار في الجماعات والمساجد ، وليس بسنة اتفاقاً منا ومنهم ، فانقلب إذا وجه التشريع .
وأيضاً ؛ فإن إظهار التشريع كان في زمان النبي × أولى ، فكانت تلك الكيفية المتكلم فيها أولى للإظهار ، ولما لم يفعله النبي × ؛ دل على الترك مع وجود المعنى المقتضي ، فلا يمكن بعد زمانه في تلك الكيفية إلا الترك (3) .
ب- وأما قولهم : «أن الاجتماع على الدعاء أقرب إلى الإجابة» .
__________
(1) ... ينظر : الاعتصام (1/478) ، وتحفة الأحوذي (2/286) ، ومسك الختام (ص 137).
(2) ... ينظر : الفتاوى (22/512) .
(3) ... ينظر : الاعتصام (1/472) .(1/149)
فالجواب عنه : أن هذه العلة كانت موجودة في زمانه × ؛ لأنه لا يكون أحد أسرع إجابة لدعائه منه ، إذ كان مجاب الدعوة بلا إشكال ، بخلاف غيره ، وإن عظم قدره في الدين ؛ فلا يبلغ رتبته ، فهو أحق بأن يزيدهم الدعاء لهم خمس مرات في اليوم والليلة زيادة إلى دعائهم لأنفسهم (1) .
ج- وأما قولهم : «أن فيه قصد التعليم للدعاء ليأخذوا ..».
فالجواب عنه : أن هذا التعليل لا ينهض ؛فإن النبي × كان المعلم الأول ، ومنه تلقينا ألفاظ الأدعية ومعانيها ، وقد كان في العرب من يجهل قدر الربوبية ، وكانوا أقرب عهد بجاهلية تعامل الأصنام معاملة الرب الواحد سبحانه ، ولا تنزهه كما يليق بجلاله ، فلم يشرع لهم دعاء بهيئة الاجتماع في آثار الصلوات دائماً ليعلمهم أو يعينهم على التعلم إذا صلوا معه ، بل علم في مجالس التعليم ، ودعا لنفسه إثر الصلاة حين بدا له ذلك ، ولم يلتفت إذ ذاك إلى النظر للجماعة ، وهو أولى الخلق بذلك (2) .
د- وأما قولهم: «أن في الاجتماع تعاوناً على البر والتقوى ..»
فالجواب عنه: أن هذا التعليل ضعيف ؛ لأن النبي × هو الذي أنزل عليه (وتعانوا على البر والتقوى) (3) وكذلك فعل ، ولو كان الاجتماع للدعاء إثر الصلاة جهراً للحاضرين من باب البر والتقوى ؛ لكان أول سابق إليه ، لكنه لم يفعله أصلاً ، ولا أحد بعده ، حتى حدث ما حدث ، فدل على أنه ليس على ذلك الوجه بر ولا تقوى (4) .
هـ- وأما قولهم : «أن عامة الناس لا علم لهم باللسان العربي ...».
__________
(1) ... المصدر السابق (1/473) .
(2) ... الاعتصام (1/473 – 474) .
(3) ... سورة المائدة ، آية (2) .
(4) ... الاعتصام (1/474) .(1/150)
فالجواب عنه : أن هذا الاجتماع إلى اللعب أقرب منه إلى الجد ، وأقرب ما فيه أن تعلم اللسان العربي لإصلاح الألفاظ في الدعاء ، وإن كان الإمام أعرف به هو كسائر ما يحتاج إليه الإنسان من أمر دينه فإن كان الدعاء مستحباً ، فالقراءة واجبة ، والفقه في الصلاة كذلك ، فإن كان تعليم الدعاء إثر الصلاة مطلوباً ؛ فتعليم فقه الصلاة آكد ، فكان من حقه أن يجعل ذلك من وظائف آثار الصلاة (1) .
الترجيح :
الراجح – هو القول بعدم مشروعية الدعاء بآثار الصلوات على هيئة الاجتماع إلا لعارض – وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولضعف أدلة المخالفين ، بما ورد عليها من مناقشة ، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء (2) حيث جاء فيها ما نصه :
«العبادات مبنية على التوقيف فلا يجوز أن يقال إن هذه العبادة مشروعة من جهة أصلها أو عددها أو هيئاتها ، أو مكانها إلا بدليل شرعي يدل على ذلك ، ولا نعلم سنة في ذلك عن النبي × من قوله ، ولا من فعله ولا من تقريره تدل على شرعية رفع اليدين بعد الصلوات المكتوبة ، والخير كله باتباع هديه × ...».
******
__________
(1) ... ينظر : الاعتصام (1/475) .
(2) ... فتاوى اللجنة (7/99) .(1/151)
المبحث الثاني: الدعاء غير المتعلق بالصلاة. وفيه ثمانية عشر مطلباً :
المطلب الأول : الدعاء المتعلق بالمسجد . وفيه ثلاثة فروع :
الفرع الأول : الدعاء عند دخول المسجد :
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله تعالى – على استحباب الدعاء عند دخول المسجد بالدعاء الوارد وهو :«اللهم افتح لي أبواب رحمتك». أو بغيره مما ورد
واستدلوا بما يلي:
1- قال × : إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : (اللهم افتح لي أبواب رحمتك) (2) .
2- عن فاطمة – رضي الله عنها – قالت: (كان رسول الله × إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ، وقال: (رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك) وإذا خرج × ، قال : (رب اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك) (3) .
والحكمة في تخصيص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج لأن الدخول وضع لتحصيل الرحمة والمغفرة، وخارج المسجد هو محل الطلب للرزق،وهو المراد بالفضل (4) .
__________
(1) ... ينظر : بدائع الصنائع (3/116) ، وتبيين الحقائق (2/15) ، ومجمع الأنهر (1/270) ، والحوادث والبدع ص 44 ، والأذكار ص 37 ، وتحفة الذاكرين ص 93 ، والعدة ص 69 ، والفروع (1/357)، والاقناع (1/110) ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (3/113) .
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب ما يقول إذا دخل المسجد ، برقم (713) ، ص 790 .
(3) أخرجه الترمذي ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء ما يقول عند دخوله، برقم (314)، ص 167.وقال : (حديث فاطمة حديث حسن ، وليس إسناده بمتصل ، وفاطمة بنت الحسين ، لم تدرك فاطمة الكبرى ،إنما عاشت فاطمة بعد النبي × أشهراً). وأخرجه ابن ماجه في سننه ، كتاب المساجد ، باب الدعاء عند دخول المسجد، برقم (771)، ص 2522. وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × ، برقم
(82) ، ص 34 –35 و قال الألباني في تعليقه على فضل الصلاة على النبي × : (حديث صحيح لشواهده).
(4) شرح السندي على سنن ابن ماجه بهامش السنن (1/425).(1/1)
ويستحب له أن يقول إذا رأى من يبيع أو يبتاع في المسجد أن يقول : (لا أربح الله تجارتك) .
وإذا سمعه ينشد ضالة في المسجد أن يقول : لا ردها الله عليك لقوله × : (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا:لا أربح الله تجارتك ، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة ، فقولوا : لا ردها الله عليك) (1) .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله × : (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد ، فليقل : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم تبن لهذا) (2) .
وعن بريدة – رضي الله عنه - أن رجلاً نشد في المسجد ، فقال : من دعا إلىّ الجمل الأحمر ؟ فقال النبي ×: (لا وجدت ، إنما بنيت المساجد لما بنيت له) (3) .
الفرع الثاني : الدعاء عند الخروج من المسجد :
اتفق الفقهاء (4)
__________
(1) ... أخرجه الترمذي ، في كتاب البيوع ، باب النهى عن البيع في المسجد ، برقم (1321) ، ص 1784 ، وقال: حديث حسن غريب ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول لمن يبيع أو يبتاع في المسجد ، برقم (176) ، ص 227 ، والحاكم في مستدركه ، كتاب البيوع ، باب النهي عن البيع في المسجد ، برقم
(2386) ، (2/367) ، وقال : (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) ، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/295) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ، برقم (573) ، (1/160) .
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد ، برقم (568) ، ص 765.
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ، باب النهى عن نشد الضالة في المسجد ، برقم (569) ، ص 765.
(4) ... ينظر : تبيين الحقائق (2/15) ، والحوادث والبدع ص 44 ، والأذكار ص 37 ، وتحفة الذاكرين
ص 93 ، والفروع (1/357) ، والعدة ص 69 ، والاقناع (1/110) ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (3/113) .(1/2)
– رحمهم الله تعالى – على استحباب الدعاء عند الخروج من المسجد بالدعاء المأثور عن النبي × وهو : «اللهم إني أسألك من فضلك» لقوله × : (وإذا خرج فليقل : (اللهم إني أسألك من فضلك) (1) .
وأما الدعاء عند الخروج بلفظ : «اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده» ؛ لحديث: (إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد ، تداعت جنود إبليس ، وأجلبت واجتمعت
كما تجتمع النحل على يعسوبها (2) ، فإذا قام أحدكم على باب المسجد ، فليقل : (اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده ، فإنه إذا قالها لم يضره) (3) .فلا يصح ، لضعف الحديث الوارد فيه ، كما ثبت في تخريجه .
الفرع الثالث : صفة الدعاء عند الدخول والخروج من المسجد :
ظاهر الأحاديث أنه يقول هذا الدعاء عند دخوله وخروجه ماشياً (4) ، أما الوقوف للدعاء ، فقد كرهه مالك – رحمه الله – كراهة شديدة ، وقال : هذا من البدع (5) .
فقد سئل مالك – رحمه الله – عما يعمل الناس به من الدعاء حين يدخلون المسجد، وحين يخرجون ووقوفهم عند ذلك ؟ فقال : «هذا من البدع» ، وأنكر ذلك إنكاراً شديداً (6) .
المطلب الثاني : الدعاء يوم الجمعة، وفيه ستة فروع :
الفرع الأول : حكم الدعاء في خطبة الجمعة :
__________
(1) ... سبق تخريجه ص (524) .
(2) ... قال النووي في الأذكار ص 38 : (اليعسوب : ذكر النحل ، وقيل : أميرها) وجاء في أساس البلاغة ص 301 ، يقال : (هذا يعسوب قومه : لرئيسهم) .
(3) ... أخرجه ابن السني ، في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا قام على باب المسجد ، برقم (155) ، ص 80 ، وضعفه ابن حجر في نتائج الأفكار (2/284) ، والألباني في ضعيف الجامع ، برقم (1369)، ص 197 ، وقال : (ضعيف جداً) .
(4) ... ينظر : الحوادث والبدع ص 44 .
(5) ... ينظر : الحوادث والبدع ص 44 ، والمدخل (2/447) ، والذخيرة (13/347) .
(6) ... الحوادث والبدع ص 44 .(1/3)
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله – على مشروعية الدعاء في خطبة الجمعة .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن عمارة بن رويبة (2) - رضي الله عنه - أنه: رأى بشر بن مروان (3) رافعاً يديه ، فقال : «قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله × ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بأصبعه المسبحة» (4) .
وجه الدلالة : أن عمارة – رضي الله عنه – لم ينكر عليه أصل الدعاء في الخطبة ، وإنما أنكر عليه رفع يديه فقط ، فدل على إثبات الدعاء في الخطبة (5) .
2 – أن النبي × : (كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة) (6) .
وجه الدلالة : فيه دليل على مشروعية الدعاء للخطيب ؛ لأنها موضع الدعاء (7) .
__________
(1) ... ينظر: المبسوط (2/28)، وبدائع الصنائع (2/196) ، والبحر الرائق (2/159)، والمدونة (1/150) ، والذخيرة (2/342) ،و جواهر الاكليل (1/136) ، والأم (1/230) ، ومغني المحتاج (1/286)، والبجيرمي على الخطيب (2/414) ، والمستوعب (2/30) ، وشرح الزركشي (2/182) ، والاقناع
(1/195) .
(2) ... تقدمت ترجمته ص (164) .
(3) ... تقدمت ترجمته ص (164) .
(4) ... سبق تخريجه ص (164) .
(5) ... ينظر : السنن الكبرى (3/298) .
(6) ... أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2/190 – 191) ، باب الاستغفار للمؤمنين يوم الجمعة ، وعزاه إلى البزار والطبراني في الكبير وقال:- (وقال البزار: لا نعلمه عن النبي × إلا بهذا الإسناد ، وفي إسناد البزار يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف) أ.هـ.
(7) ... سبل السلام (2/116) .(1/4)
3 – عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله × إذا تشهد يوم الجمعة قال : (الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وفيه قال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ؛ ومن يعصمها فقد غوى ، ونسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه...) (1) .
وجه الدلالة : فيه إثبات مشروعية الدعاء في الخطبة .
4 – (ولأنه × كان إذا خطب الجمعة دعا ، وأشار بإصبعه وأمن الناس) (2) .
وجه الدلالة : ظاهره وفيه إثبات مشروعية الدعاء في الخطبة .
الفرع الثاني : الدعاء أثناء الخطبة للمسلمين :
اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في حكم الدعاء للمسلمين في الخطبة على قولين:
القول الأول: يستحب الدعاء للمسلمين والمسلمات في الخطبة الثانية بأمور الآخرة .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الجمعة ، باب الرجل يخطب على قوس ، برقم (1098) ، ص 1304 قال في عون المعبود (3/314) : (قال المنذري : في إسناده عمران بن داود أبو العوام القطان البصري ، قال عفان : كان ثقة ، واستشهد به البخاري ، وقال يحي بن معين والنسائي : ضعيف الحديث ، وقال يحي بن مرة : ليس بشيء ، وقال يزيد : كان عمران حرورياً وكان يرى السيف على أهل القبلة) .
(2) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الجمعة ، باب ما يستدل به على أنه يدعو في خطبته (3/298) وقال: (رواه قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة موصولاً ، وليس بصحيح) ، وقال الألباني في الإرواء (3/74) : (لم أقف على إسناده ، وإنما علقه البيهقي مرسلاً) .(1/5)
وهذا مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، وقول عند الشافعية (3) ، ومذهب الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن النبي × : (كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة) (5) .
وجه الدلالة : فيه دليل على استحباب الدعاء للمسلمين في خطبة الجمعة .
2 – ولأن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة ، ففيها أولى (6) .
3 – ولأنه من سنة الخطيب أن يختم الخطبة بقوله : «واستغفر الله لي ولكم» (7) ، وعمل الأكثر عليه (8) .
وأما كونه لا يجب الدعاء للمسلمين في الخطبة ، فلأنه لا يجب في غيرها فكذا فيها كالتسبيح (9) .وأما كونه يستحب في الخطبة الثانية ؛ فلأن الدعاء أليق بالخواتيم (10) .
القول الثاني : أن الدعاء للمسلمين والمسلمات في الخطبة واجب وركن لا تصح الخطبة إلا به . وهذا الصحيح من مذهب الشافعية (11) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن النبي × كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة (12) .
__________
(1) ... ينظر : بدائع الصنائع (2/196) ، والبناية على الهداية (3/72) ، والبحر الرائق (2/159) ، والفتاوى الهندية (1/147) .
(2) ... ينظر : المدونة (1/150) ، والذخيرة (2/342) ، وحاشية الدسوقي (1/378) .
(3) ... ينظر : المجموع (4/346) ، ومغني المحتاج (1/286) ، وحاشية عميرة (1/413) .
(4) ... ينظر : شرح الزركشي (2/182) ، والمغني (3/181) ، والانصاف (2/375) .
(5) ... سبق تخريجه ، ص 527 .
(6) ... الممتع شرح المقنع (1/649) ، وينظر : كشاف القناع (2/645) ، وحاشية الروض المربع (2/458).
(7) ... ينظر : المدونة (1/150) ، و الذخيرة (2/342) ، والأم (1/231) ، والمجموع (4/359) ، وروضة الطالبين (2/33) .
(8) ... حاشية الروض المربع (2/458) .
(9) ... مغني المحتاج (1/286) .
(10) ... مغني المحتاج (1/286) ، وينظر : البجيرمي على الخطيب (2/414) .
(11) ... ينظر : التهذيب (1/343) ، وروضة الطالبين (2/25) ، وحاشية الجمل (2/488) .
(12) ... سبق تخريجه ص 527 .(1/6)
وجه الدلالة : قوله : «كان يستغفر ..» تدل على مواظبته على الدعاء للمؤمنين ، والمواظبة دليل على الوجوب (1) .
2 – ولأن المشروط هو الخطبة ، والخطبة في المتعارف اسم لما يشتمل تحميد الله والثناء والصلاة على النبي × ، والدعاء للمسلمين والوعظ لهم والتذكير ، فينصرف المطلق إلى المتعارف (2) .
3 – ولنقل الخلف عن السلف أنهم كانوا يدعون للمسلمين في الخطبة (3) .
وعليه ..قالوا :
يجب أن يكون محله في الخطبة الثانية ، فلو دعا في الأولى لم يجزئه (4) .وليس له حد معين بل يجب منه ما يقع عليه اسم الدعاء (5) .
ويجب أن يكون متعلقاً بأمور الآخرة ، ولا بأس بتخصيصه بالسامعين بأن يقول : رحمكم الله (6) .
ناقش القائلون باستحباب الدعاء للمسلمين أدلة القائلين بالوجوب :
1- أما قوله في الحديث : «كان يستغفر ..» .
فيمكن الجواب عنه : أنه لا يفيد الوجوب ؛ لأن «كان» تحتمل أنه يحافظ على أمر مندوب ، وتحتمل أنه يحافظ على أمر واجب ، ولا دليل على التخصيص ، فيسقط به الاستدلال ؛ لأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
2- وأما قولهم : «أن المشروط هو الخطبة ، والخطبة ما تعارف عليه ..»
فالجواب عنه : أن مقصود الخطبة الوعظ ، لا الدعاء (7) .
3- وأما نقل السلف ...
فيمكن الجواب عنه : أن نقلهم لا يفيد الوجوب .
الترجيح :
__________
(1) ... ينظر : سبل السلام (2/116) .
(2) ... ينظر : المبسوط (2/30) ، وبدائع الصنائع (2/195) .
(3) ... ينظر : مغني المحتاج (1/286) .
(4) ... ينظر : التهذيب (1/343) ، والمجموع (5/350) ، وروضة الطالبين (2/25) .
(5) ... ينظر : الحاوي (3/56) ، والمجموع (5/350) .
(6) ... المجموع (5/350) ، وينظر : مغني المحتاج (1/286) ، والبجيرمي على الخطيب (2/414) .
(7) ... ينظر : المجموع (5/349) .(1/7)
لعل الراجح – والله أعلم – أن الدعاء للمسلمين والمسلمات من مكملات الخطبة، وليس من شروطها ولا من أركانها ؛ لأن القول بأنه ركن لا تصح إلا به سواء تركه عمداً أو سهواً فيه نظر ظاهر ...
وبهذا أفتت اللجنة الدائمة حيث جاء فيها (1) : «دعاء الإمام في الخطبة للمسلمين مشروع ، كان النبي × يفعل ذلك ولكن ينبغي للإمام أن لا يلتزم دعاءً معيناً ، بل ينوع الدعاء بحسب الأحوال ...» .
الفرع الثالث : الدعاء لولي الأمر أثناء الخطبة :
اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله – على استحباب الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح ، والإعانة على الحق والقيام بالعدل ، ونحو ذلك وكذا لجيوش الإسلام في خطبة الجمعة .
واختلفوا في حكم الدعاء للسلطان بعينه في الخطبة ، على ثلاثة أقوال:
القول الأول : يستحب الدعاء لسلطان المسلمين بالصلاح في خطبة الجمعة من غير مجازفة في وصفه. وهذا الصحيح من مذهب الشافعية (3) ، ومذهب الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – بما روى ضبة بن محصن (5) ،
__________
(1) ... (8/232) .
(2) ... حكاه النووي في المجموع (4/350) ، والمرداوي في الإنصاف (2/375) ، وينظر : البناية على الهداية
(3/72) ، وحاشية العدوي على مختصر الخرشي (2/78) ، مغني المحتاج (1/286) ، وحاشية الجمل (2/489) ، وشرح الزركشي (2/182) ، والاقناع (1/195) .
(3) ... ينظر : المجموع (4/350) ، وروضة الطالبين (2/33) ، والبجيرمي على الخطيب (2/415) .
(4) ... ينظر : المستوعب (3/30) ، والمغني (3/181) ، والانصاف (2/375) .
(5) ... ضبة بن محصن العنزي البصري ، تابعي مشهور . روى عن : عمر ، وأبي موسى ، وأبي هريرة ، وأم سلمة . وروى عنه : عبد الرحمن بن أبي ليلى ، والحسن وقتادة ، وغيرهم .
... كان قليل الحديث ، له في الكتب حديث واحد في الإسراء وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ، وقال محمد الأزدي : ثقه مشهور .
... ينظر في ترجمته : تهذيب التهذيب (4/409) ، والاصابة (3/277) ، وتقريب التهذيب (1/354).(1/8)
أن أبا موسى كان إذا خطب ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي × ، يدعو لعمر وأبي بكر ، وأنكر عليه ضبة البداية بعمر قبل الدعاء لأبي بكر ، ورفع ذلك إلى عمر ، فقال لضبة : أنت أوفق منه وأرشد (1) .
وجه الدلالة : ظاهرة فإن ضبة – رضي الله عنه – لم ينكر أصل الدعاء لعمر وهو ولي المسلمين يومئذ وإنما أنكر تقديمه على أبي بكر – رضي الله عنه – والدعاء لعمر – رضي الله عنه – في الخطبة كان على محضر من الصحابة ومسمع منهم ولم ينكروا عليه ذلك ، فدل على إجماعهم على مشروعية الدعاء لولي الأمر في خطبة الجمعة واستمر عمل المسلمين عليه (2) .
2 – ولأن سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم ، ففي الدعاء له دعاء لهم ، وذلك مستحب غير مكروه (3) .
3 – ولعموم ما روي عنه × : (لا تشغلوا قلوبكم بسب الملوك ، ولكن تقربوا إلى الله تعالى بالدعاء لهم يعطف الله تعالى قلوبهم عليكم) (4) .
4 – ولأن الدعاء للمعين يجوز في الصلاة على الصحيح ، فكيف بالخطبة (5) .
أما إذا كان في وصفه مجازفة أي مبالغة خارجة ، كأن يقول : اللهم انصر السلطان الذي أخفى جميع أهل الشرك ، فهذا مكروه (6) ، وإن كان بدوام عزه على ما هو عليه من الظلم والفسق حرم ، وإن كان بإصلاح حاله ، فلا (7) .
__________
(1) ... أورده ابن قدامة في المغني (3/181) ، ولم أقف عليه .
(2) ... ينظر : حاشية الروض المربع (2/458) .
(3) ... المغني (3/181) ، وينظر : شرح الزركشي (2/182) ، والاقناع (1/195) .
(4) ... أورده السيوطي في الجامع ينظر: (الجامع مع الفيض (6/404) ، ورقمه (9805) وعزاه إلى ابن النجار في تاريخه ، ورمز لضعفه ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (6235) ، ص 900 .
(5) ... شرح الزركشي (2/182) ، وينظر : الانصاف (2/375) .
(6) ... ينظر : البجيرمي على الخطيب (2/415) .
(7) ... ينظر : تقريرات محمد عليش على حاشية الدسوقي (1/378) .(1/9)
القول الثاني : يكره الدعاء لولي الأمر بعينه في خطبة الجمعة . وهذا مذهب
الحنفية (1) ، وقول عند الشافعية (2) ، وعند الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن ابن جريح (4) قال : قلت لعطاء (5) :
__________
(1) ... ينظر : البحر الرائق (2/160) ، وبدر المتقي مع مجمع الأنهر (1/171) .
(2) ... ينظر : الأم (1/231) ، والتهذيب (1/342) ، والمجموع (5/350) .
(3) ... ينظر : المغني (3/181) .
(4) ... عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، الإمام ، العلامة ، الحافظ ، شيخ الحرم ، أبو خالد ، وأبو الوليد القرشي الأموي المكي ، صاحب التصانيف أول من دون العلم بمكة ، مولى أمية بن خالد . حدث عن: عطاء بن أبي رباح فأكثر وجود ، ونافع مولى ابن عمر ، ومجاهد وغيرهم .وحدث عنه : الأوزعي ، والليث ، والسفيانان ، والحمادان ، وخلق سواهم .
... وهو أول من صنف الكتب ، كان سيد شباب أهل الحجاز ، وكان من أوعية العلم ، قال أحمد : (إذا قال ابن جريج : قال فلان وقال فلان ، وأخبرت جاء بمناكير ، وإذا قال : أخبرني ، وسمعت فحسبك به) وكان من أحسن الناس صلاة ، ومن أصدق الناس لهجة ، توفي سنة 150هـ .
... ينظر في ترجمته : تاريخ بغداد (10/400) ، وسير أعلام النبلاء (6/325) ، وميزان الاعتدال
(2/659) .
(5) ... عطاء بن أبي رباح أسلم ، الإمام شيخ الإسلام ، مفتي الحرم ، أبو محمد القرشي مولاهم المكي ، ولد في أثناء خلافة عثمان . حدث عن : عائشة ، وأم سلمة ، وأبي هريرة ، وابن عباس وغيرهم . وحدث عنه : مجاهد ، وأبو إسحاق السبيعي ، والزهري ، والأعمش ، وغيرهم .
... وكان – رحمه الله – أسود أعور أفطس أشل أعرج ، ثم عمي ، وكان ثقه ، فقيهاً عالماً ، كثير الحديث، أدرك مئتين من أصحاب رسول الله × ، وكان أعلم الناس بمناسك الحج ، توفي سنة 114هـ . ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد (5/467) ، وميزان الاعتدال (3/70) ، وشذرات الذهب (1/147).(1/10)
«ما الذي أرى الناس يدعون به في الخطبة يومئذ أبلغك عن النبي × ، أو عمن بعد النبي × ؟ قال : لا : إنما أحدث ؛ إنما كانت الخطبة تذكيراً» (1) .
وجه الدلالة : ظاهرة ؛ فالدعاء لولي الأمر أمر محدث لم يكن على عهد النبي × ولا من بعده .
2 – وعن عمر بن عبد العزيز –رحمه الله– أنه كتب أن لا يسمى أحد في الدعاء (2) .
3 – ولأن هذا موطن مختص بالله ورسوله ، بما يحث على طاعته ويزجر عن معصيته، كما قال تعالى: ? ???????? ?????????????? ??????? ?????? ?????????? ???? ?????? ???????? ? (3) ، فلا ينبغي أن يذكر فيها الخلفاء ولا الملوك والأمراء (4) .
4 – ولأن الله سبحانه أمر بالسعي إلى ذكر الله ؛ كما في قوله تعالى: ? ???????????????? ?????????? ????????????? ?????? ???????? ???????????? ??? ??????? ???????????? ??????????????? ??????? ?????? ?????? ? (5) وذكر الله هو الخطبة بما فيها من الثناء على الله والصلاة على رسوله، والثناء على خلفائه الراشدين ، وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير أما ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم ، والدعاء لهم وهم أحقاء بعكس ذلك، فهو من ذكر الشيطان (6) .
نوقشت أدلتهم بما يلي:
1- أما قول عطاء – رحمه الله – : «إنه محدث»، وفعل عمر بن عبدالعزيز.
فالجواب عنه: أنا قد ذكرنا فعل الصحابة له، وهو مقدم على قول عطاء (7) .
__________
(1) ... أورده الشافعي في كتابه الأم (1/233) ، وأخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الجمعة ، باب ما يكره من الدعاء لأحد بعينه أو على أحد بعينه في الخطبة ، برقم (5813) ، (3/307) .
(2) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الجمعة ، باب ما يكره من الدعاء لأحد بعينه ، برقم (5814) ، (3/307).
(3) ... سورة الجن ، آية (18) .
(4) ... ينظر: فتاوى العز بن عبد السلام ، ص (394) .
(5) ... سورة الجمعة ، آية (9) .
(6) ... ينظر : تفسير القرطبي (18/70) .
(7) ... ينظر: المغني (3/181).(1/11)
2- أما قولهم: «إن هذا موطن مختص بالله».
فيمكن أن يجاب عنه: بفعل الصحابة – رضي الله عنهم – السابق.
3- أما قولهم: «أن الدعاء للسلاطين من ذكر الشيطان».
فيمكن أن يجاب عنه: أن هذا مسلم في السلطان الظالم، أما الدعاء للسلطان العادل فليس من ذكر الشيطان؛ لأن الدعاء لهم بالصلاح فيه مصلحة عظيمة للمسلمين.
القول الثالث : أن الدعاء لولي الأمر في خطبة الجمعة بدعة ، إلا إذا خشي الضرر بترك الدعاء لهم ، فيجب عليه الدعاء لهم . وهذا مذهب المالكية (1) ، وبعض الشافعية (2) .
واستدلوا :
بمثل أدلة القول الثاني : وقالوا : بدعة ذكر السلاطين بالدعاء والقول السالم من الكذب ، أصل وضعها في الخطبة من حيث ذاته مرجوح ؛ لأنها مما لم يشهد الشرع باعتبار حسنها ، وأما بعد إحداثها واستمرارها في الخطب في أقطار الأرض ، وصيرورة عدم ذكرها مظنة اعتقاد السلاطين في الخطيب ما يخشى غوائله ولا تؤمن عاقبته فذكرهم في الخطب راجح أو واجب (3) .
الترجيح :
القول الراجح – والله أعلم – هو القول باستحباب الدعاء لولي الأمر في خطبة الجمعة، وذلك لقوة أدلتهم، ووجاهتها ولضعف دليل المخالفين بما ورد عليه من مناقشة.
وبهذا أفتت اللجنة الدائمة (4) حيث جاء فيها : «الأفضل إذا دعا الخطيب أن يعم بدعوته حكام المسلمين ، ورعيتهم ، وإذا خص إمام بلاده بالدعاء بالهداية والتوفيق فذلك حسن ، لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين إذا أجاب الله الدعاء» .
ثمرة الخلاف في مسألة الدعاء لولي الأمر في خطبة الجمعة :
إذا بلغ الخطيب الدعاء ، فهل يسوغ الكلام ؟ اختلفوا :
القائلون بكراهة الدعاء للسلطان بعينه ، قالوا :
__________
(1) ... ينظر : حاشية العدوي (1/331) ، ومواهب الجليل (2/164) ، وحاشية الدسوقي (1/378) .
(2) ... ينظر : حاشية الجمل (2/489) ، وفتاوى العز بن عبد السلام ص 394 .
(3) ... مواهب الجليل (2/165) ، وينظر : حاشية العدوي على مختصر الخرشي (2/78) .
(4) ... (8/232) .(1/12)
إن الخطيب ما دام في الحمد والمواعظ فيجب الاستماع ، فإذا انتهى إلى ما لم يشرع في الخطبة ، كالدعاء للسلطان ، أبيح الكلام (1) ، لأنه فرغ من الخطبة وشرع في غيرها ، فأشبه ما لو نزل (2) .
أما القائلون باستحباب الدعاء للسلطان ، قالوا :
لا يجوز الكلام أثناء دعاء الخطيب ، ويجب على المأمومين الإنصات له ؛ لأن الدعاء تابع للخطبة ، فيثبت له ما ثبت لها ، كالتطويل في الموعظة (3) ، إلا إذا كان الدعاء غير مشروع ، كالدعاء للظلمة بالنصر والتمكين على ما هم فيه ، لم يلزم الإنصات ؛ لأنه لا حرمة له (4) .
الفرع الرابع : الدعاء بين الخطبتين أثناء جلوس الخطيب :
نص الفقهاء – رحمهم الله – على أنه يكره للخطيب أن يطول على الناس في رقيه المنبر إلا لضرورة من كبر سن أو ضعف بدن ، فإذا وصل إلى الموضع الذي يخطب فيه لا يقف مستقبل القبلة ويبسط يديه ليدعو ؛ لأن ذلك من البدع (5) .
__________
(1) ... ينظر : البحر الرائق (2/160) ، وحاشية الدسوقي (1/387) ، وشرح الزرقاني (1/309) ، والاقناع (1/199) ، وفتاوى قاضيخان بهامش الهندية(1/182) .
(2) ... المغني (3/200) وينظر: الانصاف (2/393) وقال: (وهو الصحيح من المذهب).
(3) ... ينظر : المغني (3/200) ، وحاشية الدسوقي (1/386) .
(4) ... ينظر : المغني (3/200) والإنصاف (2/393) وهذا هو الصحيح من مذهب الحنفية ، جاء في فتاوى قاضيخان بهامش الهندية (1/182) : (قال شمس الأئمة : الصحيح عندنا من كان قريباً يستمع ويسكت من أول الخطبة إلى آخرها) ..
(5) ... ينظر : المدخل (2/424) ، وروضة الطالبين (2/32) ، وحاشية ابن عابدين (2/174) ، وبدر المتقي على الملتقي مع مجمع الأنهر (1/171) ، والفتاوى (24/218) ، والأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، للسيوطي ، ص 247 .(1/13)
وكذا يكره للخطيب أن يشتغل بالدعاء عند أسفل المنبر قبل صعوده ، أو حال صعوده ؛ لأنه لا أصل لقصد الدعاء فيها من الإمام (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (2) : «أما دعاء الإمام بعد صعوده ورفع المؤذنين أصواتهم بالصلاة ، فهذا لم يذكره العلماء ، وإنما يفعله من يفعله بلا أصل
شرعي ..» .
ومن البدع المذمومة أن يقول الخطيب الجهول في آخر الخطبة الأولى ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، ثم يجلس فتسمع من الجالسين ضجة عظيمة يستمرون فيها حتى يكاد الإمام أن يختم الثانية ، وعلى دكة التبليغ جماعة يرفعون أصواتهم جداً بقولهم: آمين ، آمين، يا مجيب السائلين ... وهكذا (3) .
قال × : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (4) .
وكذا ما يقوله بعض المؤذنين يوم الجمعة بين يدي الخطيب إذا جلس من الخطبة الأولى : غفر الله لك ولوالديك ولنا ولوالدينا والحاضرين ... الخ ، منكر يلزم إنكاره ؛ لأنه دعاء غير مشروع في وقت هو وقت الصمت أو التفكر القلبي للاتعاظ ، فتفريق جميعة قلوب الحاضرين برفع الصوت بذلك ، والجراءة على الجهرية في هذا الموضع الرهيب لا يختلف فقيه في نكارته (5) .
الفرع الخامس : حكم رفع اليدين في الدعاء أثناء الخطبة :
__________
(1) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 448 ، والمجموع (4/359) .
(2) ... الفتاوى (24/218) ، وينظر : الاقناع (1/195) ، وكشاف القناع (2/645) .
(3) ... أقرب المسالك على الشرح الصغير مع بلغة السالك (1/334) .
(4) ... أخرجه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697)،
ص214، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718)،
ص982.
(5) ... ينظر : إصلاح المساجد ،ص 70 ، والمدخل (2/425) .(1/14)
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه يكره للخطيب أن يرفع يديه أثناء الدعاء في الخطبة ، ولا بأس أن يشير بإصبعه .
واستدلوا بما يلي :
1 – رأى عمارة بن رويبة – رضي الله عنه – بشر بن مروان – وهو يدعو في يوم الجمعة رافعاً يديه ، فقال : «قبح الله هاتين اليدين ، رأيت رسول الله × وهو على المنبر يخطب إذا دعا يقول : هكذا ، فرفع السبابة وحدها» (2) .
2 – وعن سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال : (ما رأيت رسول الله × شاهراً يديه قط يدعو على منبر ولا غيره ، ولكن رأيته يقول : هكذا، وأشار بالسبابة ، وعقد الوسطى بالإبهام) (3) .
وكذا الحاضرين يكره لهم رفع أيديهم حال الدعاء في الخطبة ، بل ذلك بدعة قبيحة (4) ، يأثمون بفعلها على الصحيح (5) .
ما لم يستسق الخطيب ، فيسن له وللحاضرين رفع اليدين حال الدعاء ، باتفاق (6) ، فقد ثبت عنه × (أنه رفع يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون) (7) .
__________
(1) ... ينظر : المدونة (1/398) ، وعمدة القاري (6/239) ، وحاشية ابن عابدين (2/172) ، وشرح صحيح مسلم (6/162) ، حاشية قليوبي (1/231) ، ونيل الأوطار (3/308) ، والانصاف
(2/375) ، والاقناع (1/195) ، وكشاف القناع (2/645) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (164) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (164) .
(4) ... الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 262 .
(5) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/172) ، ومسك الختام في الذكر والدعاء ص 153 .
(6) ... ينظر : المبسوط (2/76) ، والعناية على الهداية (2/94) ، والمدونة (1/398) ، والتاج والاكليل بهامش مواهب الجليل (2/207) ، والمجموع (5/82) ، وروضة الطالبين (2/93) ، وشرح الزركشي (2/265) ، والانصاف (2/432) ، وقال : (هذا بلا نزاع) .
(7) ... سبق تخريجه ، ص (451) .(1/15)
وللمأموم أن يؤمن على دعاء الخطيب ، وإذا ذكر الخطيب الجنة أو النار ، فله أن يسأل الجنة ويستعيذ من النار في نفسه ، أو ذكر النبي × أن يصلي عليه سراً في نفسه ولا يجهر بشيء من ذلك (1) .
الفرع السادس : الدعاء في آخر ساعة من يوم الجمعة :
اتفق العلماء (2) – رحمهم الله – على أن الساعة التي في يوم الجمعة باقية لم ترفع، وأنها في كل جمعة .
واستدلوا بما يلي :
1 - عن عبد الله بن يُحَنَّس (3)
__________
(1) ... ينظر : المدخل (2/426) ، وفتاوى اللجنة الدائمة (8/233 ، 235) ، والمحلى (3/268) .
(2) ... ينظر : عمدة القاري (6/242) وقال: (قال ابن عبد البر: على هذا تواترت الأخبار)، وحاشية ابن عابدين (2/178) ، والمنتقى (2/137) ، وفتح البر في ترتيب تمهيد ابن عبد البر (5/213) ، وعارضه الأحوذي (2/232) ، والمجموع (4/379) ، وروضة الطالبين (2/49) ، وفتح الباري (2/483) وقال: ( قال عياض : رده السلف على قائله) أي القول بأنها رفعت، ومغني المحتاج (1/294) ، وزاد المعاد (1/388) ، والانصاف (2/386)، وقال ابن القيم: (القول بأنها رفعت قول باطل مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة ، فلا يعول عليه) زاد المعاد (1/397) .
(3) ... هو عبد الله بن يُحَنَّس مولى معاوية ، روى عن أبي هريرة، وروى عنه داود بن أبي عاصم .
... ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً ، وذكره ابن حبان في الثقات بلفظ عبد الله بن عبس (ولعله تصحيف) .
... ينظر ترجمته في : التاريخ الكبير للبخاري (5/230) ، برقم (754) ، والجرح التعديل ، لابن أبي حاتم (5/204) برقم (955) ، والثقات ، لابن حبان (3/142) .(1/16)
– رضي الله عنه – قال : (قلت لأبي هريرة – رضي الله عنه - : إنهم زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت، قال : كذب من قال ذلك ، قلت : فهي في كل جمعة ؟ قال : نعم) (1) .
والمراد بساعة الإجابة : أي أن الدعاء يستجاب ويقع ما دعي به حالاً يقيناً فلا ينافي أن كل دعاء مستجاب، وهي من خصائص هذه الأمة (2) .
2 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : خرجت إلى الطور ، فلقيت كعب الأحبار ، فجلست معه ، فحدثني عن التوراة وحدثته عن رسول الله × ، فكان فيما حدثته أن قلت : قال رسول الله × (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أهبط من الجنة ... وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي ، يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه) قال كعب : ذلك في كل سنة مرة ، فقلت : بل في كل جمعة ، فقرأ كعب التوراة ، فقال : صدق رسول الله × ..» (3) .
واختلفوا في تحديد هذه الساعة على أقوال (4) أهمها :
__________
(1) ... أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ، برقم (5586) ، (3/266) ، وقال ابن حجر في الفتح (2/483) : (إسناده قوي) .
(2) ... حاشية الجمل (2/524) ، وينظر : المنتقى (2/134) .
(3) ... أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في الساعة يوم الجمعة ، برقم (238) ، ص 82، والترمذي ، كتاب الجمعة ، باب ما جاء في الساعة يوم الجمعة ، برقم (491) ، ص 1697 ، وقال : (حديث حسن صحيح) ، وأبو داود كتاب الجمعة ، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة ، برقم
(1046) ، ص 130 ، والنسائي ، كتاب الجمعة ، باب ذكر الساعة التي يستجاب فيها برقم (1431) ، ص 2181 .
(4) ... أوصلها ابن حجر في الفتح (2/483 – 487) إلى اثنين وأربعين قولاً ، ثم قال : (لا شك أن أرجح الأقوال حديث أبي موسى ، وحديث عبد الله بن سلام ، وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف) .(1/17)
القول الأول : يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة .
وهذا قول جماعة من فقهاء الشافعية (1) والحنابلة (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله × ذكر يوم الجمعة فقال : (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه) وأشار بيده يقللها (3) .
وجه الدلالة : أنه لم يرد في هذا الحديث تعيين وقت هذه الساعة ، فدل على أنها في جميع اليوم ، كما أخفيت ليلة القدر في العشر ، وكما أخفي أولياءه في الخلق ليحسن الظن بالصالحين كلهم (4) .
2 – عن أبي سعيد – رضي الله عنه – قال : (سألت النبي × عنها فقال : قد أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر) (5) .
وجه الدلالة : ظاهرة دل على أن الساعة التي ترجى فيها الإجابة مخفية غير معينة كما أخفى الله ليلة القدر في العشر .
__________
(1) ... ينظر : مغني المحتاج (1/294) ، والبيجرمي على الخطيب (2/420) ، والمجموع (4/379) ، وقال : (بالإجماع) .
(2) ... ينظر : المغني (3/237) ، والانصاف (2/386) ، وكشاف القناع (2/652) .
(3) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب الساعة التي في يوم الجمعة ، برقم (935) ،
ص 73، وأخرجه مسلم ، كتاب الجمعة ، باب في الساعة التي في يوم الجمعة، برقم (852)، ص 811.
(4) ... ينظر : المغني (3/238) .
(5) ... أخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب الجمعة ، باب الساعة الإجابة في يوم الجمعة ، برقم (1072) ،
(1/571) ، وقال : (هذا شاهد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ، وأحمد في المسند ، ينظر : (الفتح الرباني ، باب حجة من قال أنها آخر ساعة ، برقم (1515) ، (6/14) ، وقال البنا : قال العراقي :رجاله رجال الصحيح) وأورده الهيثمي في المجمع (2/167) ، وعزاه إلى أحمد و البزار ، وقال: (رجالهما رجال الصحيح).(1/18)
3 – قالوا : والحكمة في إخفائها ؛ حث العباد على الاجتهاد في الطلب ، واستيعاب الوقت بالعبادة ، بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لكان مقتضياً للاقتصار عليه وإهمال ما عداه (1) ، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها (2) .
القول الثاني : أن الساعة التي ترجى فيها الإجابة يوم الجمعة هي ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة . وهذا قول عند الحنفية (3) ، وأصح الأقوال عند المالكية (4) ، وعند الشافعية (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن أبي موسى – رضي الله عنه – أنه سمع النبي × يقول في ساعة الجمعة : (هي ما بين أن يجلس الإمام ، يعني على المنبر إلى أن يقضي الصلاة) (6) .
وجه الدلالة : هذا حديث صحيح صريح في تحديد ساعة الإجابة. لا ينبغي العدول عنه (7) ، قال الإمام مسلم – رحمه الله - : «هذا أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة» (8) .
__________
(1) ... فتح الباري (2/484) ، وينظر : عمدة القاري (6/243) ، والدعاء المأثور وآدابه ص 64 .
(2) ... ينظر : فتح الباري (2/489) ، ونيل الأوطار (3/277) ، وسلاح المؤمن ص 166 .
(3) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/178) .
(4) ... ينظر : عارضة الأحوذي (2/232) ، والقبس (1/250) ، والمفهم شرح صحيح مسلم (3/1439)، وقال : (حديث أبي موسى نص في موضوع الخلاف ، فلا يلتفت إلى غيره ، والله أعلم) .
(5) ... ينظر : المجموع (4/379) ، وشرح صحيح مسلم (6/140) ، وقال : (هو الصحيح ، بل الصواب) ، وروضة الطالبين (2/49) .
(6) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجمعة ، باب الساعة التي في يوم الجمعة ، برقم (853) ، ص 811 .
(7) ... ينظر : المجموع (4/382) .
(8) ... رواه عنه البيهقي في سننه (3/355) .(1/19)
2 – ولأن ذلك العمل من ذلك الوقت كله صلاة فينتظم به الحديث لفظاً ومعنى (1) . ولا ينافي طلب الدعاء هنا وقت الخطبة ، الأمر بطلب الإنصات فيه؛ لأنه يراد بالدعاء استحضاره بالقلب (2) .
3 – وقال × : (إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه قالوا : يا رسول الله أية ساعة هي ؟ قال : (حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها) (3) .
4 – أن قوله × : (هي ساعة خفيفة) وفي رواية : (أنه يزهدها) أي يقللها يدل على أنها ليست من بعد العصر إلى غروب الشمس لطول هذا الوقت (4) .
5 – ولأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيراً في الإجابة ، فساعة اجتماعهم ترجى فيه الإجابة (5) .
ولا يرد على هذا أن الزمان يختلف باختلاف البلاد والمصلي ، فيتقدم بعض على بعض ، وساعة الإجابة متعلقة بالوقت ، فكيف تتفق مع الاختلاف ؟
فالجواب عنه :
باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصلٍ ، كما قيل : نظيره في ساعة الكراهة .ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل فيكون التقدير وقت جواز الخطبة أو الصلاة ونحو ذلك (6) .
__________
(1) ... عارضة الأحوذي (2/232) .
(2) ... ينظر : حاشية الجمل (2/526) ، وحاشية ابن عابدين (2/178) .
(3) ... أخرجه ابن ماجه في سننه ، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة ، برقم
(1138) ، ص 2543 ، والترمذي في كتاب الجمعة ، باب ما جاء في الساعة التي ترجى يوم الجمعة، برقم (490) ، ص 1692 ، وقال : (حسن غريب) ، وفي سنده كثير بن عبد الله بن عمرو المزني ، قال عنه ابن حجر في التقريب (2/141) : (ضعيف ، منهم من نسبه إلى الكذب ، قال عنه أحمد : منكر الحديث ليس بشيء ، وقال أبو داود : كان أحد الكذابين) .
(4) ... ينظر : المفهم شرح صحيح مسلم (3/440) .
(5) ... ينظر : زاد المعاد (1/394) .
(6) ... ينظر : فتح الباري (2/489) ، والبجيرمي على الخطيب (2/431) .(1/20)
القول الثالث : أن ساعة الإجابة في يوم الجمعة ، هي آخر ساعة بعد العصر .
وهذا الصحيح عند الحنفية (1) ، واختاره بعض المالكية (2) ، وبعض الشافعية (3) ، ومذهب الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – قال : قلت ورسول الله × جالس : (إنا لنجد في كتاب الله تعالى في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله عز وجل فيها شيئاً إلا قضى حاجته ، قال عبد الله: فأشار إليّ رسول الله × أو بعض ساعة ، فقلت : صدقت أو بعض ساعة ، قلت : أي ساعة هي؟ قال : آخر ساعة من ساعات النهار ، قلت : إنها ليست ساعة صلاة ؟ قال : بلى إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاة) (5) .
__________
(1) ... ينظر : عمدة القاري (6/245) ، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 194 .
(2) ... كابن عبد البر في التمهيد. ينظر: فتح البر (5/224) ، وقال : (قول عبد الله بن سلام فيها أثبت شيء إن شاء الله) ، والطرطوشي في الدعاء المأثور وآدابه ص 61 ، وقال : (وهذا القول في نفسي أقوى وإن كان القياس لا يدخل في شيء من ذلك) .
(3) ... ينظر : فتح الباري (2/489) ، ونيل الأوطار (3/280) ، وقال : (هو أرجح الأقوال ...) .
(4) ... ينظر : الانصاف (2/386) ، وقال : (قال أحمد : أكثر الأحاديث أنها في الساعة التي ترجى فيها الإجابة بعد العصر) ، وشرح منتهى الإرادات (1/301) ، وكشاف القناع (2/652) ، وزاد المعاد
(1/390) ، وقال : (هذا أرجح القولين) .
(5) ... أخرجه ابن ماجه في إقامة الصلاة ، باب الساعة التي ترجى يوم الجمعة ، برقم (1139) ، ص 2543، وقال البوصيري في الزوائد بهامش سنن ابن ماجه (2/32) : (هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ، على شرط الشيخين) وأخرجه أحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، باب حجة من قال إنها آخر ساعة ، برقم (1517) ، (6/15) ، وقال محقق زاد المعاد (1/391) : (إسناده حسن) .(1/21)
2 – عن أبي سعيد وأبي هريرة – رضي الله عنهما – أن النبي × قال : (إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيراً إلا أعطاه إياه ، وهي بعد العصر) (1) .
3 – وعن النبي × أنه قال : (خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل) (2) .
وجه الدلالة : هذا يفيد الظن في شرف هذه الساعة (3) .
__________
(1) ... أخرجه أحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، باب من قال أن ساعة الإجابة بعد العصر ، برقم
(1514) ، (6/13) قال البنا : قال العراقي إسناده صحيح)، وفي إسناده محمد أبي سلمه قال عنه ابن حجر في لسان الميزان (5/184): (مجهول ، وذكره ابن حبان في الثقات). وأورده الهيثمي في المجمع
(2/165) وعزاه إلى أحمد وقال: (فيه محمد بن أبي سلمة الأنصاري ، قال عنه الذهبي: روى عنه عباس ولا يعرفان ، قلت: أما عباس فهو عباس بن عبد الرحمن بن ميناء روى عنه ابن جريج ، كما روى عنه في المسند وجماعه وروى له ابن ماجه وأبو داود في المراسيل ، ووثقه ابن حبان ولم يضعفه أحد).
(2) ... أخرجه مسلم ، في صفات المنافقين ، باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام ، برقم (2789) ،
ص 1164 .
(3) ... ينظر : الدعاء المأثور ص 62 .(1/22)
4 – وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن (1) – رضي الله عنه - : (أن ناساً من أصحاب رسول الله × اجتمعوا فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة) (2) .
5 – عن جابر – رضي الله عنه – عن رسول الله × أنه قال : (يوم الجمعة ثنتا عشر – يريد ثنتا عشرة ساعة ، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أتاه ، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر ...) (3) .
__________
(1) ... هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري ، الحافظ أحد الأعلام بالمدينة . حدث عن : أسامة بن زيد ، وعبد الله بن سلام ، وعائشة ، وأم سلمه وغيرهم. وحدث عنه: ابنه عمر بن أبي سلمة ، وسعد بن إبراهيم ، وعروة ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم . كان طلابة للعلم، فقيهاً ، مجتهداً كبير القدر ، حجة ، تولى قضاء المدينة في عهد سعيد بن العاص ، واستمر فيه حتى عزل سعيد سنة (54هـ) وتوفي أبو سلمة بالمدينة سنة (94هـ) في خلافة الوليد ، وهو ابن اثنين وسبعين سنة .
... ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد (5/155) ، وأخبار القضاة (1/116) ، وسير أعلام النبلاء
(4/287) .
(2) ... أورده ابن حجر في الفتح (2/489)، وعزاه إلى سعيد بن منصور في سننه (ولم أجده في المطبوع) . وقال: (إسناده صحيح) ، وينظر: نيل الأوطار (3/280). .
(3) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب الإجابة أية ساعة ، برقم (1048) ، ص 1301 ، والنسائي ، كتاب الجمعة، باب وقت الجمعة ، برقم (1388) ، ص 2179 ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الجمعة، باب ساعة الإجابة ، برقم (1071) ، (1/570) ، وقال : (هذا حديث صحيح على شرط مسلم) وقال ابن حجر في الفتح (2/487) : (إسناده حسن) .(1/23)
6 – عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله × : (التمسوا الساعة التي في يوم الجمعة بعد العصر إلى غروب الشمس) (1) .
7 – وعن فاطمة – رضي الله عنها – قالت : (قلت للنبي × أي ساعة هي ؟ قال : إذا تدلى نصف الشمس للغروب) فكانت فاطمة إذا كان يوم الجمعة أرسلت غلاماً لها يقال له زيد ينظر لها الشمس ، فإذا أخبرها أنها تدلت للغروب أقبلت على الدعاء إلى أن تغيب (2) .
8 – وهو قول أكثر السلف ، وعليه أكثر الأحاديث ، ورجحه كثير من الأئمة (3) ، فقد كان سعيد بن جبير – رضي الله عنه – إذا صلى العصر ، لم يكلم أحداً حتى تغرب الشمس (4) .
وكان طاووس – رحمه الله – إذا صلى العصر يوم الجمعة لم يكلم أحداً ولم يلتفت ، مشغولاً بالدعاء والذكر حتى تغيب الشمس (5) .
__________
(1) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الجمعة ، باب ما جاء في الساعة يوم الجمعة ، برقم (489) ، ص 1692 وقال : (هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وقد روى هذا الحديث عن أنس عن النبي × من غير هذا الوجه ، ومحمد بن أبي حميد يضعف ، ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه ، ويقال له : حماد بن أبي حميد ، ويقال هو أبو إبراهيم الأنصاري ، وهو منكر الحديث) .
(2) ... أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ، برقم (2977) ، (3/93) وقال: (روي بإسناد ضعيف). وأورده ابن حجر في الفتح (2/488) وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، والدارقطني في العلل ، والبيهقي في الشعب، وقال: (في إسناده اختلاف على زيد بن علي ، وفي بعض رواته من لا يعرف حاله).
(3) ... كأحمد ، وإسحاق ، وابن القيم ، وكثير من أهل العلم ، ينظر : كشاف القناع (2/652) .
(4) ... أورده ابن عبد البر في التمهيد ، ينظر : فتح البر (5/227) ، وابن القيم في زاد المعاد (1/394) .
(5) ... أخرجه عبد الرزاق في مصنفه برقم (5574) (3/261) . وأورده ابن عبد البر في التمهيد.ينظر: فتح البر (5/227). ... ... ... ...(1/24)
9 – ولأن هذه الساعة يعظمها جميع أهل الملل ، وعند أهل الكتاب هي ساعة الإجابة، وهذا مما لا غرض لهم في تبديله وتحريفه ، وقد اعترف به مؤمنهم (1) .
قالوا : ولا يعارض ذلك الأحاديث الواردة بأنها بعد العصر بدون تعيين آخر ساعة ؛ لأنها تحمل على الأحاديث المقيدة بأنها آخر ساعة ، وحمل المطلق على المقيد متعين (2) .
10– ولأن هذا اليوم شرفه الله على سائر الأيام ، وجعله لأمته وخصهم فيه بالاجتماع ، والخطبة ، والموعظة الحسنة فيليق بمنصبه أن يخص آخره بهذه الخصلة الشريفة ، كما في الصلوات يستجيب الدعاء عند فراغها (3) .
وأجابوا على أدلة القائلين بأنها غير معينة :
1 – أما قولهم في الاستدلال بحديث : (إن في الجمعة ساعة لا يوافقها ..)
أنه لم يرد تعيينها فيه ... فالجواب عنه : أنه ورد تعيينها في أحاديث أخرى صحيحة (4) .
2 – وأما حديث : (سألت النبي × فقال : قد أعلمتها ثم ..).
فالجواب عنه : أن نسيانه × لها لا يقدح في الأحاديث الصحيحة الواردة بتعيينها ؛ لاحتمال أنه سمع منه × التعيين قبل النسيان ، وقد بلغنا × تعيين وقتها ، فلا يكون إنساؤه ناسخاً للتعيين المتقدم (5) .
3 – وأما قياسها على ليلة القدر فالجواب عنه :
أن هذا قياس مع الفارق ؛ لأمرين :
أ – أن ليلة القدر قال فيها × : (فالتمسوها في خامسة تبقى ، في سابعة تبقى، في تاسعة تبقى) (6) ، ولم يجيء مثل ذلك في ساعة الجمعة (7) .
__________
(1) ... ينظر : زاد المعاد (1/396) .
(2) ... نيل الأوطار (3/280) .
(3) ... ينظر: الدعاء المأثور ص 63.
(4) ... ينظر : نيل الأوطار (3/280) .
(5) ... المصدر السابق، والصفحة السابقة.
(6) ... أخرجه البخاري ، في كتاب الإيمان ، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله ، برقم (49) ، ص 6 .
(7) ... ينظر : زاد المعاد (1/396) .(1/25)
ب – أن الأحاديث التي في ليلة القدر ، ليس فيها حديث صريح بأنها ليلة كذا وكذا ، بخلاف أحاديث ساعة الجمعة ، فظهر الفرق بينهما (1) .
وأجابوا على أدلة القائلين بأنها ما بين جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة :
أما حديث أبي موسى – رضي الله عنه – وفيه : «هي ما بين أن يجلس الإمام..».
فالجواب عنه : إما أن يصار إلى الجمع أو الترجيح :
فأما الجمع : فإنما يمكن بأن يصار إلى القول بالانتقال (2) ؛ أي أنها تنتقل في ساعات يوم الجمعة وهذا أضعف الأقوال (3) . وأما الترجيح : فلا شك أن الأحاديث الواردة في كونها بعد صلاة العصر أرجح ؛ لكثرتها واتصالها بالسماع ولهذا لم يختلف في رفعها ، والاعتضاد بكونه قول أكثر الصحابة، ففيها أربعة أوجه من وجوه الترجيح. وفي حديث أبي موسى : «أنها ما بين جلوس الإمام ..» وجه واحد من وجوه الترجيح وهو كونه في أحد الصحيحين دون بقية الأحاديث (4) .
وقد أجيب عن كونه في أحد الصحيحين : بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو من حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ ، كحديث أبي موسى هذا فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب . أما الانقطاع ؛ فلأن مخرمة بن بكير (5)
__________
(1) ... المصدر السابق ، والصفحة نفسها .
(2) ... عمدة القاري (6/245) .
(3) ... ينظر : الدعاء المأثور ص 64 ، وحاشية الجمل (2/526) ، وزاد المعاد (1/396) .
(4) ... ينظر : عمدة القاري (6/245) .
(5) ... هو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج ، يكنى أبا المسور ، مولى المسور بن مخرمة الزهري ، كان ثقه كثير الحديث ، قال عنه ابن معين : (مخرمة ضعيف الحديث ، ليس حديثه بشيء ، يقولون إن حديثه عن أبيه كتاب) ، وقال مخرمة: (ما سمعت من أبي شيئاً ؛ إنما هذه كتب وجدناها عندنا عنه ، وما أدركت إلا وأنا غلام) ، توفي في أول خلافة المهدي سنة 58هـ .
... ينظر في ترجمته : طبقات ابن سعد (5/464) ، وميزان الاعتدال (4/80) ، وتهذيب التهذيب
(10/63).(1/26)
لم يسمع من أبيه. وأما الاضطراب : فلأن أكثر الرواة جعلوه من قول أبي بردة مقطوعاً وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه (1) .
2- أما حديث : (إن في الجمعة ساعة لا يسأل ...) .
فيه راوٍ ضعيف ، كما ثبت في تخريجه فلا يعول عليه .
3- وأما قولهم : «أنها لا تكون فيما بعد العصر إلى غروب الشمس» .
فالجواب عنه : أن الصحيح أنها في آخر ساعة من يوم الجمعة ، وحتى على القول بأنها بعد العصر، فليس معناه أن هذا كله وقت لها ، بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت لقوله : وأشار بيده يقللها (2) ، وأنها لا تخرج عن هذا الوقت ؛ لأنها لحظات لطيفة (3) .
الترجيح :
بعد النظر في الأقوال وأدلتها ؛ اتضح أن القول بأن ساعة الإجابة في آخر ساعة من يوم الجمعة هي أرجى الساعات لاستجابة الدعاء ، وذلك لقوة أدلتهم ، ولكثرة القائلين به من الأئمة ، ولضعف أدلة المخالفين بما ورد عليها من مناقشة .
__________
(1) ... ينظر : فتح الباري (2/489) ، وعمدة القاري (6/245) ، ونيل الأوطار (3/278) ، وقالوا : (وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم حيث قال : (والصواب أنه من قول أبي بردة)) ، وأجاب النووي على ذلك في شرح صحيح مسلم (6/141) : (وهذا الذي استدركه بناه على القاعدة المعروفة له ولأكثر المحدثين ، أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والارسال ، وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة ، والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال ؛ لأنها زيادة ثقة...) .
(2) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (6/140) ، وعون المعبود (3/262) .
(3) ... ينظر : مغني المحتاج (1/294) .(1/27)
ولكن لا يمنع هذا من طلب الدعاء في الساعة التي بين جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ؛ لأن الأمر في ذلك واسع ؛ فإن دعا في الساعة التي بين جلوس الإمام وانقضاء الصلاة فذلك زيادة خير ، وإن اقتصر على الساعة التي في آخر يوم الجمعة ، لصحت القول به فلا بأس ، وإن كان ينبغي لكل مسلم الاجتهاد في الدعاء للدين والدنيا في هذين الوقتين المذكورين رجاء الإجابة (1) .
المطلب الثالث : الدعاء يوم العيد . وفيه فرعان :
الفرع الأول : الدعاء في يوم العيد وليلته :
ليس هناك دعاء خاصاً يشرع للمسلمين في يوم العيد أو ليلته (2) .وما ورد عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال : (كان من دعاء النبي × في العيدين : اللهم إنا نسألك عيشة تقية وميتة سوية ، ومرداً غير مخز ولا فاضح ، اللهم لا تهلكنا فجأة ولا تأخذنا بغتة ، ولا تعجلنا عن حق ولا وصية ، اللهم إنا نسألك العفاف والغنى والتقى والهدى وحسن عاقبة الآخرة والدنيا ، ونعوذ بك من الشك والشقاق والرياء والسمعة في دينك يا مقلب القلوب لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (3) . فيه راوٍ متروك كما ثبت في تخريجه ، فلا يعول عليه .
الفرع الثاني : التهنئة (4) بالعيدين :
__________
(1) ... وهذا اختيار ابن عبد البر في التمهيد ، ينظر : فتح البر في ترتيب التمهيد(5/218) ، وابن القيم في زاد المعاد (1/394) ، وقال ابن حجر في الفتح (2/489) : (وهو أولى في طريق الجمع) .
(2) ... ينظر : فتاوى اللجنة الدائمة (8/302) .
(3) ... أورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الصلاة العيدين ، باب الدعاء يوم العيد (2/201) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، وقال : (فيه نهشل بن سعيد وهو متروك) .
(4) ... التهنئة : خلاف التعزية ، وأصله هنأ : ما أتاك بلا مشقة ، ينظر : غريب الحديث (4/79) ، ولسان العرب (1/184) مادة : (هنأ) .(1/28)
إذا قال المسلم لغيره في يوم العيد ، تقبل الله منا ومنكم ، أو عيد مبارك ، أو تقبل الله صيامك وقيامك ، أو ما أشبه ذلك ، فهل هذا مشروع أم لا ؟
اختلف الفقهاء في حكم التهنئة بالعيد ، على ثلاثة أقوال :
القول الأول : لا بأس أن يدعو المسلم لغيره في يوم العيد بقوله : تقبل الله منا ومنكم ، ونحو ذلك .وهذا مذهب الحنفية (1) ، وقول بعض المالكية (2) ، وقول عند الشافعية (3) ، ورواية عند الحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن محمد بن زياد (5) ،
__________
(1) ... ينظر : مختصر اختلاف الفقهاء (4/385) .
(2) ... كابن حبيب ، ينظر : مواهب الجليل (2/199) ، والتاج والاكليل بهامش مواهب الجليل (2/199) .
(3) ... ينظر : السنن الكبرى(3/446) ، ووصول الأماني بأصول التهاني ص 63 ، والفتوحات الربانية
(4/244) .
(4) ... ينظر : الانصاف (2/415) ، ومسائل أحمد برواية أبي داود ، ص 89 ، والفتاوى (24/253) .
(5) ... هو محمد بن زياد الألهاني ، محدث حمص ، وألهان هو أخو همدان ابنا مالك بن زيد بن أوسلة القحطاني. حدث عن : أبي أمامة الباهلي ، وأبي عنبة الخولاني ، وعبد الله بن بسر ، وأبي راشد الحُبْراني . ... وحدث عنه : إسماعيل بن عياش ، وبقية ، ومحمد بن حرب ، وعبد الله بن سالم ، ومحمد بن حمير . ... وثقه أحمد وغيره ، توفي في نحو الأربعين .
... ينظر في ترجمته : ميزان الاعتدال (3/551 – 552) ، وسير أعلام النبلاء (6/188) ، وتهذيب التهذيب (9/145) .(1/29)
قال : كنت مع أبي أمامة الباهلي (1) ، وغيره من أصحاب النبي × فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض : «تقبل الله منا ومنك» (2) .
2 – وعنه قال : كنا نأتي أبا أمامة وواثلة بن الأسقع (3) في الفطر والأضحى ، ونقول لهما : قبل الله منا ومنكم ، فيقولان : ومنكم ومنكم (4) .
3 – وعن آدم مولى عمر بن عبد العزيز قال : كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيدين:تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين ، فيرد علينا مثله ولا ينكر ذلك (5) .
__________
(1) ... سبقت ترجمته ، ص (478) .
(2) ... أورده السيوطي في كتاب وصول الأماني ص 64 ، وعزاه إلى زاهر بن طاهر في كتاب تحفة عيد الفطر، وقال (إسناده حسن) ، وابن التركماني في حاشية السنن الكبرى للبيهقي (3/446) ، وقال ابن قدامه في المغني (3/295): (قال أحمد: إسناد حديث أبي أمامه إسناد جيد)، وينظر: الفتح الرباني (6/157).
(3) ... سبقت ترجمته ، ص (477) .
(4) ... أورد نحوه السيوطي في كتاب وصول الأماني ص 64 ، وعزاه إلى ابن طاهر ، وقال : (إسناده حسن) ، والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء (4/384) ، وقال : (ولا يعلم عن أحد من الصحابة في ذلك كراهه ولا إباحة ، غير ما روى عن أبي أمامه وواثلة) .
(5) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب العيدين ، باب ما روى في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك ، وأورده السيوطي في وصول الأماني ، ص 64 ، وعزاه إلى البيهقي ، وقال ابن حجر عن هذه الآثار والأخبار التي أوردها البيهقي : (آثار ضعيفة يحتج بعمومها) ، ينظر : الفتوحات الربانية (4/244) .(1/30)
4 – عن واثلة – رضي الله عنه – قال : لقيت رسول الله × يوم عيد ، فقلت : تقبل الله منا ومنك ، قال : تقبل الله منا ومنك (1) .
5 – وروي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يفعلونه ، ورخص فيه الأئمة (2) ، واستمر عمل أهل المدينة عليه (3) ، وليس فيه محذور (4) .
6 – ولما اتفقوا على أنه جائز لمن يريد ذبح الأضحية أن يقول : «اللهم تقبل مني» (5) جاز لغيره أن يدعو له بذلك ، وكذلك لا يختلفون في أنه جائز أن يقول للقادم من الحج : قبل الله حجك ، فجاز مثله في العيدين (6) .
7 – ولعموم مشروعية التهنئة عند حدوث النعم (7) .كما في قصة توبة كعب بن مالك – رضي الله عنه – وفيها قال : (وانطلقت أتأمم رسول الله × يتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بتوبتي ، ويقولون : ليهنك توبة الله عليك) (8) .
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب العيدين ، باب ما روى في قول الناس ... ، برقم (6294) ، (3/44)، وقال : (قال ابن عدي : هذا منكر ، لا أعلم يرويه عن بقية غير محمد بن إبراهيم هذا) ، وقال البيهقي: (قد رأيته بإسناد آخر عن بقية موقوف غير مرفوع ، ولا أراه محفوظاً) أ . هـ .
(2) ... كالحسن البصري ، ويونس بن عبيد ، والليث بن سعد ، والحارث المسكين ، وبكار بن قتيبة ، ويونس بن عبيد وغيرهم كثير ، ينظر : الدعاء ، للطبراني ص 289 ، ومختصر اختلاف العلماء (4/385).
(3) ... أخرج ابن حبان عن علي بن ثابت قال : سألت مالكاً عن قول الناس في العيد تقبل الله منا ومنك ، فقال : (مازال الأمر عندنا كذلك) ، ينظر : وصول الأماني ص 64، والمغني (3/295) .
(4) الشرح الممتع (5/226).
(5) ... أخرجه مسلم ، كتاب الأضاحي ، باب استحسان الأضحية ، وذبحها مباشرة ، برقم (1967) ، ص 1029 .
(6) ... مختصر اختلاف العلماء (4/385) .
(7) ... ينظر : الفتوحات الربانية (4/244) ، وشرح صحيح مسلم (17/95) .
(8) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري في المغازي ، باب حديث توبة كعب بن مالك ، برقم (4418) ،
ص 362، ومسلم ، كتاب التوبة حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه ، برقم (2769)، ص 1158 .(1/31)
القول الثاني : يكره أن يدعو المسلم لأخيه يوم العيد بقوله : «تقبل الله منا ومنكم».
وهذا قول الإمام مالك (1) ، ورواية عند الحنابلة (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – سئل رسول الله × عن قول الناس في العيدين تقبل الله منا ومنكم ؟ قال : «ذلك فعل أهل الكتابين وكرهه» (3) .يمكن أن يجاب عنه :
بأنه حديث ضعيف،فيه راوٍ متروك فلا يعول عليه،كما ثبت في تخريجه.
القول الثالث : لا يسن الابتداء به ، أما الجواب عليه فلا بأس به . روي عن جماعة من المالكية (4) ، ورواية عند الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
لأن جواب التحية واجب ، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأموراً بها ، ولا هو أيضاً مما نهي عنه ، فمن فعله فله قدوة ، ومن تركه فله قدوة (6) .
الترجيح :
لعل القول الراجح – والله أعلم – هو القول بأنه لا بأس بقول الناس بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنكم يوم العيد ، وذلك لما فيه من مصلحة شرعية وهو التآلف وسلام الناس بعضهم على بعض والتواد (7) .
__________
(1) ... ينظر : الذخيرة (2/426) ، ومواهب الجليل (2/199) ، ومختصر اختلاف العلماء (4/384) .
(2) ... ينظر : الانصاف (2/415) ، والمغني (2/295) .
(3) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب صلاة العيدين ، باب ما روى في قول الناس ... ، برقم (6297) ،
(3/446) ، وقال : (لا يصح ، فيه عبد الخالق بن زيد ، وهو منكر الحديث ، قاله البخاري)، وأورده السيوطي في وصول الأماني ص 65 ، وعزاه إلى ابن عساكر ، وقال : (في إسناده عبد الخالق بن زيد، قال الدارقطني : متروك ... ).
(4) ... ينظر : التاج والاكليل بهامش مواهب الجليل (2/199) .
(5) ... ينظر : الانصاف (2/415) ، والفتاوى (24/253) .
(6) ... الفتاوى (24/253) .
(7) ... وهذا ما أفتى به الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – حيث قال : (التهنئة بالعيد جائزة ، وليس لها صيغة معينة ، بل ما اعتاده الناس فهو جائز ما لم يكن إثما)، ينظر: أسئلة وأجوبة في صلاة العيدين ص 7 .
... ويدخل في هذا التهنئة في أوائل الشهور والسنين ، قال الحافظ أبو الحسن المقدسي: (أن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، قال: والذي أراه أنه مباح ليس بسنة ولا ببدعة ...) ، ينظر:الفتوحات الربانية(6/311).(1/32)
المطلب الرابع : الدعاء في الجنائز : وفيه ثمانية فروع:
الفرع الأول : الدعاء عند زيارة المريض :
نص الفقهاء (1) – رحمهم الله تعالى – على أنه يستحب عيادة المريض والدعاء له.
واستدلوا بما يلي :
1 – حديث الرجل الذي عاده النبي × فوجده كالفرخ ، وفيه قال له النبي × : (هل كنت تدعو الله بشيء ؟ فقال : كنت أقول ... وفيه (فدعا الله له فشفاه) (2) .
وجه الدلالة : فيه استحباب عيادة المريض ، والدعاء له (3) بالأدعية الواردة عن النبي × ومنها :
1 – (أن النبي × كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى، ويقول : اللهم رب الناس أذهب البأس ، أشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً) (4) .
2 – (من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ، إلا عافاه الله سبحانه وتعالى من ذلك المرض) (5) .
__________
(1) ... ينظر : الأذكار ص 137 ، تحفة الذاكرين ص 219 ، والدعاء المأثور وآدابه ص 254 ، والفواكه الدواني (2/477) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (72) .
(3) ... شرح صحيح مسلم (17/13) .
(4) ... متفق عليه البخاري ، كتاب الطب ، باب رقية النبي × ، برقم (5743) ص (491) ، ومسلم ، كتاب السلام ، باب استحباب رقية المريض ، برقم (2191) ، ص 1067 .
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الجنائز ، باب الدعاء للمريض عند العيادة ، برقم (3106) ، ص 1457 ، والترمذي ، كتاب الطب ، باب ما يقول عند عيادة المريض ، برقم (2083) ، ص 1860 ، وقال: (هذا حديث حسن غريب) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الجنائز ، باب الدعاء الذي يشفي به مريضاً برقم (1308) ، (1/662) ، وقال : (هذا حديث صحيح) ، وصححه النووي في الأذكار ص 139 .(1/33)
3 – ومنها قال النبي × : (إذا جاء الرجل يعود مريضاً فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً ، أو يمشي لك إلى صلاة) (1) .
4 – ومنها : «اللهم اشفه ، اللهم عافه» . لحديث علي – رضي الله عنه – قال : كنت شاكياً ، فمر بي رسول الله × وأنا أقول : اللهم إن كان أجلي قد حضر فارحمني ، وإن كان متأخراً فارفعني ، وإن كان بلاء فصبرني ، فقال النبي × كيف قلت ؟ قال : فأعاد عليه ما قال : فضربه برجله ، فقال : (اللهم اشفه ، اللهم عافه ، قال : فما شكيت وجعي بعد هذا) (2) .
5 – ومنها : «يا فلان شفى الله سقمك ، وغفر ذنبك ، وعافاك في دينك ، وجسمك إلى مدة أجلك» (3) .
واستحب بعض الفقهاء (4) أن يطلب العواد الدعاء من المريض .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الجنائز ، برقم (3107) ، ص 1457 ، والحاكم في مستدركه في كتاب الجنائز ، برقم (1313) ، (1/664) ، وقال : (حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه).
(2) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعاء ، باب أبواب شتى من الدعوات ، برقم (3564) ، ص 2018 ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (1058) ، وأحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، كتاب الجنائز ، باب الصبر على الشدائد ، برقم (24) ، (7/48) ، وقال البنا : (لم أقف عليه لغير أحمد وسنده جيد)) .
(3) ... أورده الهيثمي في المجمع (2/299) ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير وقال : (وفيه عمرو بن خالد القرشي وهو ضعيف) ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، كتاب الدعاء ، باب دعاء الشفاء للمريض عند العيادة برقم (2058) ، (2/246) ، وسكت عنه ، وقال الذهبي عن عمرو بن خالد القرشي في الميزان
(3/257) : (قال وكيع : كان في جوارنا يضع الحديث ، فلما فطن له تحول إلى واسط ، وقال يحيى : كذاب غير ثقة) .
(4) ... ينظر : الأذكار ص 144 ، والمجموع(5/103) ، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق (2/234) .(1/34)
واستدلوا بما يلي : عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله × : (إذا دخلت على مريض فمره فليدع لك ، فإن دعاءه كدعاء الملائكة ..) (1) .
وجه الدلالة: قوله : «فمره فليدع لك» فيه استحباب طلب الدعاء من المريض ؛ لأنه مضطر ودعاؤه أسرع إجابة من غيره ، وقيل : لأنه خرج من الذنوب (2) .
يمكن أن يناقش :
بأن طلب الدعاء من المريض لم يرد فيه نص صحيح وما ذكروه من الحديث ضعيف لا تقوم به حجة كما ثبت في تخريجه .
وإذا أيس من حياته ، فيستحب أن يدعو بما دعا به النبي × :
فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : (رأيت رسول الله × وهو بالموت ، وعنده قدح فيه ماء ، وهو يدخل يده في القدح ، ثم يمسح وجهه بالماء ، ثم يقول : اللهم أعني على غمرات الموت ، وسكرات الموت) (3) .
__________
(1) ... أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في عيادة المريض ، برقم (1441) ، ص 2563 ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة بهامش سنن ابن ماجه (2/191) : (هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع ، قال العلائي في المراسيل ، والمزي في التهذيب : إن رواية ميمون عن عمر مرسلة) ، وأورده الهيثمي في المجمع (2/295)، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط ، وقال : (فيه عبد الرحمن بن قيس الضبي وهو متروك الحديث)، وقال ابن حجر في التقريب (2/460) (متروك، كذبه أبو زرعة و غيره)، وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، برقم (557) ، ص 262، والطبراني في كتاب الدعاء ، باب الدعاء للمريض ، برقم (1136) ، ص 346 ، وقال النووي في الأذكار ص 144 : (إسناده صحيح أو حسن) ، وقال ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (4/92) : (لا يكون صحيحاً ولو اعتضد لكان حسناً ، لكن لم نجد له شاهداً يصلح للاعتبار ... ، ثم في سند ميمون علة خفية تمنع الحكم بصحته وحسنه ...) .
(2) ... ينظر : الفتوحات الربانية (4/92) .
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب مرض النبي × ووفاته ، برقم (4449) ، بمعناه .(1/35)
وعنها – رضي الله عنها – قالت : سمعت النبي × وهو مستند إلي يقول : (اللهم اغفر لي وارحمني ، وألحقني بالرفيق الأعلى) (1) .
ثم إذا مات، فيغمض عينيه ، ويدعو لنفسه بخير، لأن الملائكة يؤمنون على ما يقول ومما ورد: (اللهم اغفر لي وله ، وأعقبني منه عقبى حسنة) ، وينبغي أن يكون بخفض صوت وحسن سمت ووقار (2) .
لحديث أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله × : (إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) قالت : فلما مات أبو سلمة أتيت النبي × فقلت : يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات ، قال : قولي اللهم اغفر لي وله ، وأعقبني منه عقبى حسنة ، ... الحديث) (3) .
ويقول : (اللهم اغفر لفلان ، وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه...) .
لحديث أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : دخل رسول الله × على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ؛ فقال : (إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله ، فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ، ثم قال : اللهم اغفر لأبي سلمة ...فذكره) (4) .
فيه استحباب الدعاء للميت عند موته ، ولأهله وذريته بأمور الآخرة والدنيا (5) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب مرض النبي × ووفاته ، برقم (4440) ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، برقم (2444) ، ص 1106 .
(2) ... ينظر : المدخل (3/180) .
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجنائز ، باب ما يقال عند المصيبة ، برقم (919) ، ص 822) .
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجنائز ، باب إغماض الميت والدعاء له إذا حضر ، برقم (920) ، ص 822 .
(5) ... شرح صحيح مسلم (6/223) ، ينظر: مواهب الجليل (2/219)، والإبداع في مضار الابتداع
ص 223 .(1/36)
ومن مات له عزيز فيستحب له أن يسترجع ، ويقول ما ورد في الصحيح : (إنا لله وإنا إليه راجعون ؛ اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ، إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها ...) (1) .
الفرع الثاني : الدعاء للميت عند تغسيله وتكفينه :
لم يرد في ذلك شيء من الأدعية عن النبي × ، واستحب بعض الفقهاء (2) الإكثار من ذكر الله والدعاء للميت في حال غسله وتكفينه ، ولم يذكروا دليلاً على استحبابه والظاهر أنه ينبغي للغاسل أن يشتغل بالتفكر والاعتبار ولو ذكر الله سبحانه أو دعاء للميت من غير أن يظنه أنه من سنن التغسيل فلا بأس ؛ لأن الدعاء ينفع الميت لكن إذا كان بصفة جماعية أو برفع الأيدي ، فليس عليه دليل من الشرع (3) .
قال في المدخل (4) : «وليحذر من هذه البدعة الأخرى التي يفعلها أكثرهم : وهو أن الغاسل إذا بدأ في غسله أخذ يذكر لكل عضو يغسله ذكراً من الأذكار ، وقد تقدم أن ذكر الله تعالى حسن سراً وعلناً ، لكن في المواضع المأمور به فيها ، وهذا المحل محل تفكر واعتبار وخشية فيشتغل به عن غيره من العبادات ذكراً كان أو غيره ، وهو عمل السلف الماضيين – رضي الله عنهم أجمعين – وغيره بدعة» . ولا يشرع دعاء عند تكفين الميت ، أو كتابة دعاء على كفنه بل ذلك بدعة (5) .
الفرع الثالث : الدعاء للميت أثناء حمله :
اتفق الفقهاء (6)
__________
(1) ... مسلم ، كتاب الجنائز ، باب ما يقال عند المصيبة ، برقم (918) ، ص 822 .
(2) ... النووي في الأذكار ص 157 ، وابن شعبان من المالكية ينظر: مواهب الجليل (2/223) .
(3) ... البدع والمحدثات ، وما لا أصل له ص 442 .
(4) ... (3/188) ، وينظر : تصحيح الدعاء ص 496 .
(5) ... ينظر : أحكام الجنائز ص 312 ، وتصحيح الدعاء ص 496 .
(6) ... حكاه ابن تيمية في الفتاوى (24/294) ، وينظر : الفتاوى الهندية (1/162) ، والبحر الرائق
(2/207)، والمدخل (3/196) ، والأذكار ص 138 ، والبجيرمي (2/559) ، والمبدع (2/264)، والاقناع (1/230) ، وكشاف القناع (3/761) ، والآداب الشرعية (2/263) .(1/37)
– رحمهم الله – أنه يستحب السكوت حال السير مع الجنازة ، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ، ولا غير ذلك .
والحكمة فيه ظاهرة ، وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في الحال (1) .
ويكره أن يرفع صوته بالدعاء أو القراءة والكراهة فيها كراهة تحريم (2) والدليل على ذلك : أن الحسن وغيره كرهوا قولهم أثناء السير مع الجنازة بصوت مرتفع استغفروا الله لأخيكم غفر الله لكم ، ومن ثم قال ابن عمر – رضي الله عنهما – لقائله : «لا غفر الله لك» ، لكونه بدعة قبيحة وقد كان أصحاب رسول الله × يكرهون رفع الصوت عند الجنائز ، وعند القتال (3) . ويكره لمتبعها أن يقول حال اتباعها : اللهم سلم ، أو رحمه الله، وغير ذلك من الأدعية (4) . لحديث : (أن النبي × نهى أن يتبع بصوت أو نار) (5) .
ويستحب لمن مرت به جنازة أن يدعو لها (6) .
الفرع الرابع : الدعاء للميت إذا وضع في قبره :
اتفق الفقهاء (7)
__________
(1) ... الأذكار ص 163 .
(2) ... ينظر : البحر الرائق (2/207) ، وحرمه أبو حفص من الحنابلة ، ينظر: الاقناع (1/230) .
(3) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/273)، وينظر: المدخل (3/196) ، والفتوحات الربانية(4/18).
(4) ... ينظر : المبدع (2/264) .
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الجنائز ، باب اتباع الميت بنار ، برقم (3171) ، ص 1461 ، وأورده الهيثمي في المجمع (3/29) ، وعزاه إلى أبي يعلى ، وقال : (فيه عبد الله بن المحدر ولم أجد من ذكره) ، وأخرجه أحمد في مسنده ، ينظر : (الفتح الرباني ، أبواب الجنائز ، باب النهى عن اتباع الجنازة بصوت
(8/17) ، وقال البنا : (في إسناده مجهولان)).
(6) ... ينظر : المجموع (5/245) ، والأذكار ص 163 .
(7) ... ينظر : المبسوط (2/61) ، ومختصر القدوري ص 48 ، والبحر الرائق (2/208) ، والذخيرة
(2/478) ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (2/233) ، والأم (1/317) ، والأذكار ص 164 ، والمغني (3/430) ، والانصاف(2/521) ، وحكى الاتفاق البنا في الفتح الرباني (8/64) ، وقال : (وقد اتفق الأئمة على استحباب الدعاء هنا) .(1/38)
– رحمهم الله – على أنه يسن أن يقال عند وضع الميت في القبر: بسم الله وعلى ملة رسول الله أو على سنة رسول الله ، وإن أتى بذكر أو دعا لائق بالمحل فلا بأس .
واستدلوا بما يلي :
1 – ما روى ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي × كان إذا أدخل الميت القبر، قال : (بسم الله ، وعلى ملة رسول الله × ) (1) ، وفي رواية : (وعلى سنة رسول الله) (2) .
ومن الأدعية التي تقال في هذا الموطن :
1 – (اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر، اللهم جاف الأرض عن جنبيها ، وصعد روحها ، ولقها منك رضواناً ، اللهم أسلمه إليك الأهل والمال والعشيرة ، وذنبه عظيم ، فاغفر له) (3) .
2 – واستحب الفقهاء أن يقول عند وضعه أدعية منها :
- «اللهم بارك في القبر وصاحبه» (4) .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الجنائز ، برقم (3213) ، ص 1464 ، والترمذي ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء ما يقول إذا أدخل الميت قبره ، برقم (1046) ، ص 1752 ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (1088) ، ص 601 ، والحاكم في مستدركه ، برقم (1393) ، (1/695) ، وابن ماجه في سننه ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في إدخال القبر ، برقم (1550) ، ص 2569 ، وقال الحاكم : (هذا حديث صحيح) ، والبيهقي في سننه (4/91) برقم (7058) ، كتاب الجنائز ، باب ما يقال إذا أدخل الميت قبره ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، (3/329) ، وقال الترمذي : (هذا حديث حسن غريب) ، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ، ص 193 .
(2) ... نفس الإحالات السابقة .
(3) ... أخرجه ابن ماجه ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في الجلوس في المقابر ، برقم (1553) ، ص 2569 ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة بهامش سنن ابن ماجه (2/243): (هذا إسناد فيه حماد بن عبد الرحمن ، وهو متفق على تضعيفه)، والبيهقي في سننه ، كتاب الجنائز ، باب ما يقال إذا أدخل الميت قبره ، برقم (7061) ، (4/91) .
(4) ... الانصاف (2/521) .(1/39)
- «اللهم أعذه من الشيطان» (1) .
- «اللهم تقبله بأحسن قبول» (2) .
- «اللهم إن صاحبنا قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره ، وأفتقر إلى ما عندك ، اللهم ثبت عند المسألة منطقه ، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به ، وألحقه بنبيه محمد × » (3) .
- «اللهم أسلمه إليك الأشحاء من ولده ، وأهله وقرابته وإخوانه ، وفارق من كان يحب قربه ، وخرج من سعة الدار والحياة إلى ظلمة القبر ، وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول به ، إن عاقبته عاقبته بذنب ، وإن عفوت فأنت أهل العفو ، اللهم أنت غني عن عذابه ، وهو فقير إلى رحمتك ، اللهم أشكر حسنته وتجاوز عن سيئاته وشفع جماعتنا فيه ، واغفر ذنبه ، وافسح له في قبره ، وأعذه من عذاب القبر ، وأدخل عليه الأمان والروح في قبره ، واكفه كل هول دون الجنة ، اللهم اخلفه في تركته في الغابرين ، وارفعه في عليين ، وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين» (4) . وأي دعاء لائق دعا به عند وضعه وإلحاده ، فلا بأس (5) .
__________
(1) ... شرح الزرقاني (2/54) ، وقال : (روى بسند جيد عن عمرو بن مرة أنهم كانوا يستحبون إذا وضع الميت في قبره أن يقولوا : فذكره) .
(2) ... ينظر : الذخيرة (2/478) ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (2/233) .
(3) ... ينظر : كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي ، (1/371) ، وقال : (مروي عن بعض السلف) .
(4) ... ينظر : الأم (1/317) ، والحاوي (3/232) ، والأذكار ص 164 ، وأخرج بعضه بن أبي شيبة في مصنفه (3/329) ، والبيهقي في سننه ، كتاب الجنائز ، باب ما يقال عند الدفن ، برقم (7063)، (492) .
(5) ... ينظر : المبدع (2/268) ، والاقناع (2/232) ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (2/233) ، والفتح الرباني (8/64) ، وينظر : مصنف ابن أبي شيبة (3/329 – 330) ، ذكر أدعية مأثورة عن السلف فيما يقال عند وضع الميت في قبره .(1/40)
لأنه لم يرد في بيان صفة الاستغفار والدعاء للميت بعد الدفن حديث يعتمد عليه فيما نعلم ، وإنما ورد الأمر بمطلق الاستغفار والدعاء له بالتثبيت ، فيكفي في امتثال هذا الأمر أي صفة استغفار ودعاء له، كأن يقول:اللهم اغفر له وثبته على الحق ونحو ذلك (1) .
الفرع الخامس : الدعاء للميت بعد الدفن عند القبر :
اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله تعالى – على أنه يستحب أن يقف متبع الجنازة بعد الدفن ، فيستغفر له ، ويسأل الله له التثبيت ويدعو له بالرحمة .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى : ? ????? ???????? ??????? ?????????? ???????? ?????? ????????? ????? ??????? ?????? ???????????? ? (3) .
__________
(1) ... فتاوى اللجنة الدائمة (9/94) ، ورقم الفتوى (1496) .
(2) ... ينظر : أحكام القرآن ، للجصاص (3/144) ، والفتاوى الهندية (1/166) ، وبدر المتقي بهامش مجمع الأنهر (2/187) ، والمدونة (1/176) ، والمدخل (3/207) ، والأم (1/322) ، والمجموع (5/24)، والمبدع (2/272) ، والاقناع (2/232) ، وكشاف القناع (3/766).
(3) ... سورة التوبة ، آية (84) .(1/41)
قال أكثر المفسرين والفقهاء (1) في قوله تعالى: ? ????? ??????? ?????? ?????????? ? معناه بالدعاء له والاستغفار بعد الفراغ من دفنه ، فيدل على أن ذلك كان من عادة النبي × في المسلمين . قال ابن تيمية – رحمه الله – (2) : (نهى نبيه عن الصلاة عليهم والقيام على قبورهم لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم كافرون ، فلما نهى عن هذا وهذا لأجل هذه العلة وهي الكفر دل ذلك على انتفاء هذا النهي عند انتفاء هذه العلة ودل تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلى عليه ويقام على قبره، إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد لم يخصوا بالنهي ولم يعلل ذلك بكفرهم ، ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين والقيام على قبورهم من السنة المتواتر ...) .
2 – كان النبي × إذا دفن الرجل وقف عليه ، فقال : (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) (3) .
3 – حديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه – أنه قال حين حضرته الوفاة : (فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سناً (4)
__________
(1) ... ينظر : أحكام القرآن ، للجصاص (3/144) ، وتفسير ابن كثير (2/363) ، والفروع (2/233) . وكشاف القناع (3/7).
(2) ... الفتاوى (1/165) .
(3) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الجنائز ، باب الاستغفار عند القبر للميت ، برقم (3221) ، ص 1465 ، والبيهقي في سننه ، كتاب الجنائز ، باب ما يقال بعد الدفن ، برقم (7064) ، (4/93) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الجنائز ، باب الاستغفار وسؤال التثبيت ، برقم (1412) ، (1/702) ، وقال : (هذا حديث صحيح) ، وقال النووي في المجموع (5/257) : (إسناده جيد) ، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص 198 .
(4) ... أي ضعوه وضعاً سهلاً ، يقال : سنت العين الدمع تسنه سناً ، أي : صبته ، ينظر : لسان العرب
(6/401) ، مادة (سن) ، وشرح صحيح مسلم (2/138) .(1/42)
ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر الجزور، وتقسم لحمها حتى استأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي) (1) .
4 – وكان أنس – رضي الله عنه – إذا سوى على الميت قبره قام عليه فقال : (اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه ، اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وافتح أبواب السماء لروحه ، وتقبله منك بقبول حسن ، اللهم إن كان محسناً فضاعف له في إحسانه،أو قال:فزد من إحسانه،وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه) (2) .
5 – وعن علي – رضي الله عنه – أنه كان يقول بعدما يفرغ من دفن الميت: (اللهم هذا عبدك نزل بك وأنت خير منزول به،فاغفر له وارحمه ، ووسع مدخله) (3) .
6 – وكان ابن عباس – رضي الله عنهما – يقف على القبر ويدعو ثم ينصرف (4) .
7 – وهكذا جاء عن السلف أنهم كانوا يقفون على القبر بعد الدفن ويدعون للميت ثم ينصرفون (5) .
__________
(1) ... أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسلام يهدم ما قبله وكذا الحج والعمرة، برقم (121)، ص 698 .
(2) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/330) ، وقال البنا في الفتح الرباني (8/65) : ، (إسناده جيد) .
(3) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الجنائز ، باب ما يقال إذا دفن الميت ، برقم (7063) ، (4/92) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/330) ، وأورده ابن الهمام في سلاح المؤمن ، برقم (796) ، ص 432، وقال محققه : (إسناد صحيح) ، وأورده الهيثمي في المجمع (3/44) ، وعزاه إلى البزار وقال: (فيه عبد الله بن أيوب وهو ضعيف) .
(4) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/331) ، وقال البنا في الفتح الرباني (8/65) : (إسناده جيد) .
(5) ... منهم الأحنف ، وعلي بن يزيد بن المكفف ، وأيوب والحكم بن الحارث السلمي وغيرهم ، أخرجه عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه (3/331) ، والهيثمي في المجمع (3/44) ، وينظر : الفتح الرباني
(8/65 – 66) .(1/43)
8 – ولأن الوقوف على القبر ، والسؤال للميت في وقت الدفن ، مدد للميت بعد الصلاة عليه ، لأن الصلاة بجماعة المسلمين كالعسكر له ، قد اجتمعوا بباب الملك يشفعون له ، والوقوف على القبر ، وسؤال التثبيت ، مدد للعسكر ، وتلك ساعة شغل الميت ؛ لأنه استقبله هول المطلع ، وسؤال الفتانين (1) .
فتبين من الأحاديث السابقة والآثار الواردة عن الصحابة ومن بعدهم : أن السنة في الدعاء للميت بعد الدفن أن يكون سراً ولو جهر به قليلاً فلا بأس ، وأن يكون كل بنفسه، أما رفع الصوت أثناء الدعاء عند الدفن ، أو الدعاء جماعة والتأمين بدعة غير مشروعة ؛ لأن النبي × لم يفعله ولا أحد من الخلفاء الراشدين فعله (2) .
والمقصود بالقيام على القبر أو الوقوف عليه ، أي : الوقوف عند رأس القبر لا على القبر نفسه ؛ لأن الوقوف أو الجلوس على القبر منهي عنه (3) .
الفرع السادس : الدعاء عند زيارة القبور :
زيارة القبور من أعظم الدواء للقلب القاسي ، لأنها تذكر الموت والآخرة ، وذلك يحمل على قصر الأمل والزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها (4) .
قال × : ( نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) (5) وفي رواية : (فإنها تذكر الموت) (6) .
ومن هنا اتفق الفقهاء – رحمهم الله – على استحباب زيارة القبور للسلام على أهلها ، والدعاء لهم (7) .
__________
(1) ... حاشية الروض المربع (3/125) .
(2) ... ينظر : البدع والمحدثات وما لا أصل له ص 317 .
(3) ... الفتح الرباني (7/66) .
(4) ... الجامع لأحكام القرآن (20/116) .
(5) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجنائز ، باب استئذان النبي × زيارة قبره أمه ، برقم (976)، ص 831 .
(6) ... نفس الإحالة السابقة .
(7) ... ينظر : فتح القدير (3/182) ، والبحر الرائق (2/210) ، وبدر المتقي هامش مجمع الأنهر (2/187)، والذخيرة (2/480) ، ومواهب الجليل(2/237) ، والمجموع (5/265) ، وروضة الطالبين (2/13)، وشرح الزركشي (2/371) ، والمغني (3/517) .(1/44)
واستدلوا على ذلك بما يلي :
1 – عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قلت : كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال : قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون (1) .
2 – وعنها – رضي الله عنها – قالت : كان رسول الله × كلما كان ليلتها من رسول الله × يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : (السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) (2) .
3 – وعن بريدة (3) – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله × يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم : (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين إن شاء الله بكم للاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية) (4) .
ففي هذه الأحاديث دليل على استحباب زيارة القبور والسلام على أهلها والدعاء لهم والترحم عليهم والدعاء لهم بالعافية (5) .
صفة الدعاء لأهل القبور:
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (159) .
(2) ... أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور، والدعاء لأهلها، برقم (974)، ص 830 .
(3) ... سبقت ترجمته ، ص (90) .
(4) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجنائز، باب ما يقول عند دخول القبور، والدعاء لأهلها ، برقم (975)، ص 831.
(5) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (7/41) ، ونيل الأوطار (4/127) ، أما زيارتها بقصد الدعاء عندها لنفسه واعتقاد أن الدعاء عندها أفضل ، بدعة منكرة ، ينظر : اقتضاء الصراط المستقيم ص 364 – 367 ، والدعاء ومنزلته من العقيدة ، للعروسي (2/604 – 625) .(1/45)
يستحب إطالة الدعاء وتكريره ورفع اليدين فيه ، وأن يكون قائماً ؛ لأن دعاء القائم أكمل من دعاء الجالس عند القبور (1) ، ولأنه لم ينقل عن النبي × أنه عكف عند القبر (2) ولو جلس عند القبر حال الدعاء للميت فلا بأس إن كان لغير التبرك (3) .
ودليل ذلك : حديث عائشة – رضي الله عنها – السابق وفيه : (حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ...الحديث) (4) .
وإن اجتازت امرأة بقبر في طريقها ، ولم تكن خرجت له ، فسلمت عليه ودعت له ، فحسن ؛ لأنها لم تخرج لذلك (5) .
الفرع السابع : الدعاء للميت في عموم الأحوال :
اتفق الفقهاء (6) – رحمهم الله – على أن الدعاء للميت ، والاستغفار له ينفع الميت، ويصل إليه ثوابه .
واستدلوا على ذلك بما يلي :
1 – قال تعالى : ? ????????????? ??????? ???? ??????????? ??????????? ?????????? ?????????? ???????? ??????????????????? ??????????? ??????????? ??????????????? ? (7) .
2 – وقال تعالى: ? ????????????????? ??????????? ???????????????? ???????????????????? ? (8) .
__________
(1) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (7/43) ، وفتح القدير (2/142) ، والبحر الرائق (2/210) .
(2) ... ينظر : الدعاء ومنزلته من العقيدة (2/625) .
(3) ... ينظر : فتاوى اللجنة الدائمة (9/111) .
(4) ... سبق تخريجه ، ص (159) .
(5) ... كشاف القناع (3/780) ، وينظر : الاقناع (1/237) ، والاختيارات الفقهية ص 93 .
(6) ... حكى الاجماع جمع من العلماء منهم : النووي في الأذكار ص 168 ، وفي شرح صحيح مسلم
(11/85) ، والدسوقي في حاشيته (2/10) ، والحطاب في مواهبه (2/543) ، والعدوي في حاشيته
(2/392) ، والمناوي في فيضه (1/438) ، والوزير ابن هبيرة في الافصاح (1/194) ، وابن قدامة في المغني (2/279) ، والشوكاني في نيل الأوطار (4/105) ، وغيرهم .
(7) ... سورة الحشر ، آية (10) .
(8) ... سورة محمد ، آية (19) .(1/46)
3 – ودعا النبي × ، لأبي سلمة لما مات ، ولكل ميت صلى عليه (1) .
4 – وقوله × : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، وذكر منها أو ولد صالح يدعو له) (2) .
5 – وحديث : (اللهم اغفر لبقيع الغرقد) (3) .
واختلفوا في حكم إهداء الدعاء والاستغفار ونحوهما للنبي × هل يشرع أم لا ؟
تحرير محل النزاع:-
اتفق الفقهاء (4) – رحمهم الله – على أن ما ورد به الشرع من الصلاة عليه وسؤال الوسيلة يصل للنبي × .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة) (5) .
2 – حديث أبي بن كعب – رضي الله عنه – قال : (قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي ، قال : ما شئت قلت : الربع ، قال : ما شئت ، وإن زدت فهو خير لك ، قلت : النصف ، قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال : أجعل صلاتي كلها لك ، قال : إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك) (6) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (555) .
(2) ... سبق تخريجه، ص 102 .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (562) .
(4) ... ينظر : تبيين الحقائق (1/91) ، وحاشية ابن عابدين (2/264) ، وحاشية الدسوقي (2/11) ، ومواهب الجليل (2/544) ، وإعانة الطالبين (3/115) ، والاختيارات الفقهية ص 92 ، وحاشية الروض المربع (3/140) .
(5) ... سبق تخريجه ، ص (87) .
(6) ... أخرجه الترمذي ، كتاب صفة القيامة ، باب الترغيب في ذكر الله وذكر الموت ... ، برقم (2457) ، ص 1899 ، وقال : (حديث حسن صحيح) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب التفسير ، باب أكثروا علي الصلاة في يوم الجمعة ، برقم (3631) ، (3/198) ، وقال : (صحيح الإسناد ولم يخرجاه) , وأخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × برقم (4) وقال السخاوي في القول البديع ، برقم
(175) ، (وسند هذا الحديث جيد) وقال الألباني في تعليقه على فضل الصلاة والسلام على البني × ص9 : (حديث جيد والعطار لا يفرح بروايته لكن تابعه قبيصة عن سفيان به) .(1/47)
واختلفوا في حكم إهداء ثواب الأعمال من الدعاء والاستغفار ونحوهما للنبي × على قولين :
القول الأول : لا يشرع إهداء ثواب الأعمال الصالحة للنبي × .وهذا الصحيح من مذهب المالكية (1) ، وقول بعض الفقهاء من أهل التحقيق (2) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (3) .
2 – ولأنه لم يرد فيه أثر ولا شيء عمن يقتدى به من السلف ولم تجر عادة السلف بأن يهدوا إليه ثواب الأعمال (4) .
3 – ولأن له × مثل ثواب أعمال أمته الصالحة بدون إهداء من غير أن ينقص من ثوابهم شيء ؛ لأنه × هو الذي دعاهم إليها ، وأرشدهم إليها (5) .قال ×: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) (6) .
4 – ولأن فيه من التهجم على النبي × فيما لم يأذن فيه (7) .
القول الثاني : يجوز إهداء ثواب الأعمال الصالحة من دعاء واستغفار وقراءة ونحو ذلك للنبي × . وهذا قول الحنفية (8) ، والشافعية (9) ، وجماعة من الحنابلة (10) .
__________
(1) ... ينظر : حاشية الدسوقي (2/11) ، ومواهب الجليل(2/544) .
(2) ... منهم ابن حجر ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وقال : (وهو الصواب المقطوع به) ، ينظر : تقريرات محمد عليش على حاشية الدسوقي (2/10) ، والاختيارات الفقهية ص 92 ، وحاشية الروض المربع
(3/140) .
(3) ... سبق تخريجه ، ص (514) .
(4) ... ينظر : حاشية الدسوقي (2/11) ، والفتاوى (1/191) ، وشرح العقيدة الطحاوية (2/674) .
(5) ... الفتاوى (1/191) ، والاختيارات الفقهية ص 92 .
(6) ... أخرجه مسلم ، كتاب الإجارة ، باب فضل الصدقة في سبيل الله ، برقم (1893) ، ص 1017 .
(7) ... مواهب الجليل (2/545) .
(8) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/264) .
(9) ... ينظر : حاشية الجمل (2/122) ، وقال : (وهو المعتمد) ، وإعانة الطالبين (3/115) .
(10) ... ينظر : المبدع (2/279) ، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم (3/140) ، والفروع (2/242) ونسبه لابن عقيل ، والانصاف (2/534) ونسبه إلى المجد .(1/48)
واستدلوا بما يلي :
1 – أنه × أذن لنا بأمره كما في سؤال الوسيلة له في كل دعاء بما فيه زيادة تعظيمه (1) .
2 – قياساً على ما كان يهدى إليه في حياته من الدنيا ، وكما طلب الدعاء من عمر (2) .
3 – ولأن النبي × أحق بذلك حيث أنقذنا من الضلالة، ففي ذلك نوع شكر وإسداء جميل له ، والكامل قابل لزيادة الكمال (3) .
وأجابوا عن قول المانعين : أن له مثل ثواب أمته بدون إهداء أنه لا مانع من ذلك، فإن الله تعالى أخبرنا بأنه صلى عليه ، ثم أمرنا بالصلاة عليه (4) .
يمكن أن يناقش :
بأن الصلاة عليه × قد أمرنا بها أما إهداء ثواب الأعمال لم يأمرنا الله ولا رسوله بها فيكون بدعة .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول الأول وهو أن إهداء الثواب للنبي × بدعة ، وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليها من مناقشة (5) .
الفرع الثامن : دعاء التعزية (6) :
اتفق الفقهاء – رحمهم الله تعالى – على أنه يستحب تعزية المصاب واتفقوا على أنه ليس هناك لفظ مؤقت في دعاء التعزية (7) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... إعانة الطالبين (3/115) .
(2) ... مواهب الجليل (2/545) .
(3) ... حاشية ابن عابدين (2/265) .
(4) ... المصدر السابق .
(5) ... وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة (9/58 – 59) .
(6) ... التعزية : هي الأمر بالصبر والحمل عليه بوعد الأجر ، والتحذير من الوزر بالجزع والدعاء للميت بالمغفرة ، وللمصاب بجبر المصيبة ، ينظر : روضة الطالبين (2/144) ، ومغني المحتاج (1/355) .
(7) ... ينظر : تبيين الحقائق ، (2/246) ، وفتح القدير (2/142) ، والكافي لابن عبد البر ص 87 ، والذخيرة (2/481) ، والأم (1/322) ، والحاوي (3/232) ، والمغني (3/485) ، والمبدع
(3/285)، والفروع (2/228) .(1/49)
1 – قال × : (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة) (1) .
2 – وعن عبد الله عن النبي × قال : (من عزى مصاباً فله مثل أجره) (2) .
ويستحب تعزية أهل البيت وقرابته ، ويخص التعزية أقلهم صبراً وأشدهم جزعاً ، ويخص أكثرهم فضلا وديناً ، أما القليل الصبر فليسلوا ، وأما الكثير الفضل ، فإنما يرجى من إجابة رده ودعائه (3) .
وأما لفظ التعزية : فليس فيها لفظ مؤقت ، وأفضلها :
(لله ما أخذ وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، ولتصبر ولتحتسب).
__________
(1) ... أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في ثواب من عزى مصاباً ، برقم (1601) ، ص 2572 ، وقال في مجمع الزوائد (2/268) : (هذا إسناد فيه مقال قيس أبو عمارة ، ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال الذهبي : ثقة ، وقال البخاري:فيه نظر) ، وأخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الجنائز ، باب ما يستحب من تعزية أهل الميت ، برقم (7087) ، (4/98) ، وحسنه الشربيني في مغني المحتاج
(1/355) ، وضعفه الألباني في إرواء الغليل ، (3/216) .
(2) ... أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في أجر من عزى مصاباً ، برقم (1073) ، ص 1755 ، وقال : (هذا حديث غريب) ، وابن ماجه ، في كتاب الجنائز ، باب من عزى مصاباً ، برقم (1602) ، ص 2572 ، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (3/217) ، وأخرجه البيهقي في سننه ،(4/98) ، برقم (7088) ، وقالت اللجنة الدائمة في الفتاوى (9/139) : (لكن مجموع ما ورد من الأحاديث في التعزية يقوي بعضه بعضاً ، فتنهض للاحتجاج بها ويثبت بها مشروعية التعزية ...) أ.هـ.
(3) ... الحاوي (3/233) ، وينظر : المغني (3/485) .(1/50)
لحديث : (كنا عند النبي × ، فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبياً لها في الموت ، فقال : رسول الله × أرجع إليها فأخبرها إن لله ما أخذ وله ما أعطى،وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فمرها فلتصبر ولتحتسب .. الحديث) (1) .
واستحب الفقهاء (2) – رحمهم الله – أن يقال في تعزية المسلم للمسلم : (أعظم الله أجرك ، وأحسن عزاك ، ورحم ميتك) .
ويرد المعزى: استجاب الله دعاءك ، ورحمنا وإياك (3) .
وإن عزى مسلماً بكافر ، قال : «أعظم الله أجرك ، وأحسن عزاءك» لأنه اللائق بالحال ، ولا يقول : غفر الله لميتك ؛ لأن الاستغفار للكافر حرام (4) .
ويعزى الكافر المحترم جوازاً إلا إن رجي إسلامه فندباً ، فيقال في تعزيته بمسلم : «غفر الله لميتك ، وأحسن عزاءك» . وقدم الدعاء للميت في هذا ؛ لأنه لمسلم والحي كافر ولا يقال : أعظم الله أجرك؛ لأنه لا أجر له (5) .
ولا يتعين شيء من ذلك ، بل إن شاء قاله ، وإن شاء قال غيره ، فإنه لا يتعين فيه شيء (6) . وأيهما يقدم في التعزية الدعاء للميت أو الدعاء للمعزى فيه ثلاثة أوجه عند الشافعية (7) :
__________
(1) ... متفق عليه، أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب قول النبي × : (يعذب الميت...) ، برقم (1284) ، ص 100 ، ومسلم في كتاب الجنائز ، باب البكاء على الميت ، برقم (923) ، ص 822.
(2) ... ينظر : تبين الحقائق (2/246) ، والذخيرة (2/481) ، ومواهب الجليل (2/229) ، والتهذيب في فقه الشافعي (2/452) ، والحاوي (3/234) ، والمغني (3/486) ، والاقناع (1/241) .
(3) ... المبدع (2/ 285) ، وينظر : الانصاف (2/541) ، وقال : (قاله أحمد وكفى به قدوة ومتبوعاً) .
(4) ... مغني المحتاج (1/355) ، والفتاوى الهندية (1/167) .
(5) ... مغني المحتاج (1/355) ، وينظر : كشاف القناع (3/798) ، والفتاوى الهندية (1/167) .
(6) ... الانصاف (2/539) .
(7) ... المجموع (5/259) ، وينظر في الوجه الأول : الوسط (2/981) .(1/51)
الأول : يقدم الدعاء للمعزى ؛ لأنه المخاطب فبدئ به .
والثاني : يقدم الدعاء للميت ، فيقول : غفر الله لميتك وأعظم الله أجرك ، لأن الميت أحوج إلى الدعاء .
والثالث : يتخير يقدم من شاء .
ولعل هذا القول أقربها ، لأنه ليس فيه نص يتعين المصير إليه ، إنما هو اجتهاد والأمر فيه واسع .
وفائدة التعزية (1) :
التعزية بالميت تجمع ثلاثة أشياء :
أحدها : تهوين المصيبة على المعزي وتسليته منها، وتحضيضه على التزام الصبر واحتساب الأجر ، واحتساب الأجر والرضا بقدر الله والتسليم لأمره .
والثاني : الدعاء بأن يعوضه الله من مصابه بنيل الثواب ويحسن له العقبى والمآب .
والثالث : الدعاء للميت .
المطلب الخامس : الدعاء في اللباس والمسكن والمركب : وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول : الدعاء عند لبس الثوب :
يستحب الدعاء عند لبس الثوب الجديد بما ورد عن النبي × (2) فمن ذلك :
__________
(1) ... التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (2/229) .
(2) ... ينظر : الأذكار ، ص 24 ، والوابل الصيب ص 297، سلاح المؤمن ص 400 ، والمدخل (2/423) ، والسنن والمبتدعات ص 309 .(1/52)
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي × كان إذا استجد ثوباً سماه باسمه قميصاً أو رداء أو عمامة يقول: (اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) (1) .
ويستحب لمن رأى على أخيه ثوباً جديداً (2) أن يقول : (تُبلى ويخلف الله).
فعن أم خالد (3) – رضي الله عنها – قالت : (أتى رسول الله × بثياب فيها خميصة سوداء ، قال : من ترون نكسوها هذه الخميصة ؟ فأسكت القوم : فقال : أئتوني بأم خالد، فأتى بي النبي × فألبسنيها بيده ، وقال : أبلى وأخلقي ، مرتين) (4) .
ويستحب أن يقول له : (البس جديداً ، وعش حميداً ، ومت شهيداً سعيداً).
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب اللباس ، باب ما يقول إذا لبس ثوباً جديداً ، (4020) ، ص 1517 ، والترمذي ، كتاب اللباس ، باب ما يقول إذا لبس جديداً ، برقم (1767) ، ص 1831 ، وقال (هذا حديث حسن غريب صحيح) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (310) ، ص 283 ، وصححه النووي في الأذكار ص 25 ، وأخرجه أحمد في مسنده ، وينظر : (الفتح الرباني، كتاب الدعوات ، باب ما يقول إذا استجد ثوباً (14/257) ، وقال البنا : (حسنه الترمذي ، وصححه الحاكم وابن حبان وحسنه ابن حجر في النتائج (1/125) ، وجود إسناده ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/518) ،) .
(2) ... ينظر: الآداب الشرعية (3/518)، والأذكار ص 25، والوابل الصيب ص 298، والمدخل (2/423).
(3) ... هي أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشية الأموية ، وهي مشهورة بكنيتها ، واسمها أمة ، لها ولأبويها صحبة ، وكانا ممن هاجر إلى الحبشة ، ثم قدما في سفينة جعفر إلى المدينة عند فتح خيبر ، وأم خالد حينئذ صغيرة .
... ينظر في ترجمته : الاصابة (8/228) ، وأسد الغابة (7/325) ، وسير أعلام النبلاء (3/470) .
(4) ... أخرجه البخاري ،كتاب الأدب ، باب من ترك صبيه غيره حتى تلعب به ، برقم (5993) ص 507 .(1/53)
عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي × رأى على عمر – رضي الله عنه – ثوباً فقال : أجديد هذا أم غسيل ؟ فقال : بل غسيل ، فقال :إلبس جديداً ، وعش حميداً ، ومت شهيداً سعيداً) (1) .
وكان أصحاب رسول الله × إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل: (تُبلى ويخلف الله عز وجل) (2) .
وجه الدلالة: فيه أنه مستحب أن يقال هذا لمن لبس ثوباً جديداً . وهذا من باب التفاؤل والدعاء للابس بأن يعمر ويلبس ذلك الثوب حتى يبلى ويصير خلقاً (3) .
وعند خلع الثوب : يقول : بسم الله ، ولم يرد دعاءً معيناً يقوله عند خلع الثوب سوى التسمية .
__________
(1) ... أخرجه ابن ماجه ، كتاب اللباس ، باب ما يقول إذا لبس جديداً ،برقم (3558) ، ص 2691 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، برقم (268) ، ص 133 ، قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/137) : (هذا حديث حسن غريب) ، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، برقم (352) .
(2) ... أخرجه أبو داود في سننه ، كتاب اللباس ، باب ما يقال إذا لبس جديداً ، برقم (4020) ، ص 1517، والبيهقي في شعب الإيمان برقم (6284) ، (5/181)، وأورده السيوطي في وصول الأماني ص 68، وعزاه إلى سعيد بن منصور في سننه (ولم أجده في المطبوع) . وأورده ابن حجر في الفتح (10/292) وقال: (أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي نضرة). وصحح إسناده الشوكاني في نيل الأوطار
(2/118)..
(3) ينظر: نيل الأوطار (2/118).(1/54)
قال × : (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه : بسم الله الذي لا إله إلا هو) (1) .
الفرع الثاني : الدعاء عند دخول المسكن والخروج منه :
يستحب الدعاء عند دخول المنزل (2) ، بما ورد عنه × .في السنن أن النبي × قال: (إذا ولج الرجل بيته ، فليقل : اللهم إني أسألك خير المولج ، وخير المخرج، بسم الله ولجنا ، وعلى الله ربنا توكلنا،ثم ليسلم على أهله) (3) .
__________
(1) ... أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا خلع ثوباً ، برقم (273) ، ص 135 ، وفي إسناده زيد العمى وهو ضعيف ، قال ابن حجر في التقريب (1/268) ، وفي نتائج الأفكار (1/152): (هذا حديث غريب ، أخرجه الطبراني في الأوسط) ، ثم قال في (1/155): (والحاصل أنه لم يثبت في الباب شيء)، وقال الألباني في إرواء الغليل (1/90) ، برقم (50): (الحديث صحيح لطرقه المذكورة ، والضعف المذكور في أفرادها ينجبر إن شاء الله بضم بعضها ببعض إلى بعض) .
(2) ... ينظر : الدعاء المأثور وآدابه ص 205 ، والأذكار ص 29 ، زاد المعاد (2/382) ، ، وسلاح المؤمن
ص 455 ،والاقناع (1/238).
(3) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب ما يقول الرجل إذا دخل بيته ، برقم (5096) ، ص 1596 ، قال النووي في الأذكار ص 29 : (ولم يضعفه أبو داود) ، وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/172) : (هذا حديث غريب) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (225).(1/55)
ويستحب الدعاء عند خروجه من المنزل (1) ، ما ورد عنه × . فعن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : (ما خرج رسول الله × من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء ، فقال : بسم الله توكلت على الله اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل ، أو أَزل أو أُزل ، أو أَظلم أو أُظلم ، أو جهل أو يجهل علي) (2) .
الفرع الثالث : الدعاء عند الركوب :
يستحب إذا وضع رجله في الركاب لركوب دابته أن يقول ما ورد عنه × (3) .
__________
(1) ... ينظر: الوابل الصيب ص 214 ، والدعاء المأثور وآدابه ص 205 ، والأذكار ص 29 ، والفواكه الدواني (1/578) ، ومجمع الأنهر (1/315) ، وفتح القدير (2/407) ، وسلاح المؤمن ص 454 .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (181) .
(3) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/220) ، ومجمع الأنهر (1/315) ، والذخيرة (13/361) ، والدعاء المأثور وآدابه ص 251 ، والأذكار ص 218، زاد المعاد (2/447) .(1/56)
فقد كان × إذا وضع رجله في الركاب لركوب دابته ، قال : (بسم الله) ، فإذا استوى على ظهرها ، قال : (الحمد لله) ثلاثاً (الله أكبر) ثلاثاً ، ثم يقول ? ??????????? ???????? ??????? ?????? ??????? ????? ?????? ????? ????????????? . ??????????? ??????? ?????????? ?????????????? ? (1) ، ثم يقول: (الحمد لله) ثلاثاً ، (الله أكبر) ثلاثاً ، ثم يقول : (سبحانه الله) ثلاثاً ، ثم يقول: (لا إله إلا الله سبحانك إني كنت من الظالمين ، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) (2) .
ويسن هذا الدعاء حتى للمجاهد ، وكل من ركب لعبادة ولو واجبة ، وينبغي تكريره وإشاعته وكذا يقوله من ركب السفينة بل هو أحرى ، وكذا يقوله الراجل إلا أنه لا يقول ما يختص بالراكب كقوله: (سبحان الذي سخر لنا ..) وينبغي إذا فاته ذكر الركوب في أوله أن يأتي به في أثنائه نظير البسملة في الوضوء وغيره (3) .
الفرع الرابع : حكم تعليق هذه الأدعية على الأبواب والسيارات :
__________
(1) ... سورة الزخرف ، الآيات (13 – 14) .
(2) ... أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء ما يقول إذا ركب دابته ، برقم (3446) ، ص 2006 ، وأبو داود ، كتاب الجهاد ، باب ما يقول الرجل إذا ركب ، برقم (2602) ، ص 1415 ، قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح) ، والطبراني في الدعاء ، برقم (775) ، ص 246 ، والبيهقي في سننه ، باب ما يقول إذا ركب دابته (5/413)، وصححه النووي في الأذكار ص 218 ، وقال محقق زاد المعاد (2/447) : (إسناده قوي).
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (5/127 – 129) .(1/57)
لا بأس بكتابة دعاء دخول المنزل والخروج منه ، ودعاء ركوب الدابة على ورق وتعليقها عند الأبواب أو السيارات ؛ لأنه تذكير للناس ، وتسهيل لقراءتها وحفظها ؛ وليس فيه محذور شرعي (1) .
المطلب السادس : دعاء الاستخارة من غير صلاة :
إذا تعذرت عليه صلاة الاستخارة (2) أو لم يردها ، استخار بالدعاء من غير صلاة ؛ لأن تركه الأفضل لا يمنعه من المفضول .
فإن كمال الاستخارة أن يصلي ركعتين من غير الفريضة بنية الاستخارة والدعاء عقبها . ثم الدعاء عقب أي صلاة كانت مع نية الاستخارة وهو أولى ، أو بغير نيتها كما في الدعاء بعد صلاة ركعتي تحية المسجد . ثم الدعاء المجرد ، فهذه ثلاث مراتب (3) .
المطلب السابع : الدعاء في الزكاة وفيه ثلاثة فروع :
الفرع الأول : الدعاء عند دفع الزكاة :
نص الفقهاء (4) – رحمهم الله – على استحباب الدعاء لمعطي الزكاة ، بأن يقول: «اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم» وأن يقول أيضاً عند دفعها : «اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً» .
واستدلوا بما يلي:
حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي × قال : (إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً) (5) .
__________
(1) ... ينظر : الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام ، ص 887 ، وكاتب هذه الفتوى : (ابن عثيمين) رحمه الله .
(2) ... ينظر : الأذكار ص 124 ، وحاشية ابن عابدين (2/27) .
(3) ... ينظر : الفتوحات الربانية (3/354) .
(4) ... ينظر : أحكام القرآن ، للجصاص (3/156) ، والأذكار ص 190 ، والفتوحات الربانية (4/327)، والمستوعب (3/334) ، والمغني (4/96) ، والاقناع (1/286) .
(5) ... أخرجه ابن ماجه في سننه ، كتاب الزكاة ، باب ما يقال عند إخراج الزكاة ، برقم (1797) ،
ص 2584 ، قال البوصيري في مصباح الزجاجة بهامش سنن ابن ماجه (2/377) : (في إسناده الوليد بن مسلم الدمشقي وكان مدلساً والبختري متفق على ضعفه) . وقال الألباني في الإرواء (3/343) وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة ، برقم (1096): (موضوع).(1/58)
لكن هذا الحديث ضعيف جداً كما ثبت تخريجه فلا يعول عليه.
فعلى هذا الأولى أن يقال : على دافع الزكاة أن يحمد الله تعالى على توفيقه لأدائها ويدعو بالقبول فيحمد الله ويشكره عند الأداء دون اتخاذ دعاء معين ، لأن ذلك لم يرد عن النبي × .
الفرع الثاني : الدعاء عند أخذ الزكاة :
اختلف الفقهاء في حكم الدعاء عند أخذ الزكاة ، على قولين :
القول الأول : يستحب لآخذ الزكاة – سواء كان الساعي أو الفقير أو الحاكم – أن يدعو للمعطي فيقول : (آجرك الله فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أنفقت ، وجعله لك طهوراً ، وبارك لك فيما أبقيت). وبهذا قال جمهور الفقهاء من الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والمشهور من مذهب الشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى:? ???? ???? ?????????????? ????????? ?????????????? ?????????????? ????? ??????? ??????????? ...? (5) .
وجه الدلالة: قوله تعالى : ? ??????? ??????????? ? أي : ادع لهم (6) .
__________
(1) ... ينظر : أحكام القرآن ، للجصاص (3/156) ، وعمدة القاري (9/95) .
(2) ... ينظر : أحكام القرآن ، لابن العربي (2/577) ، والذخيرة (3/102) ، ومواهب الجليل (2/271) ، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 68 .
(3) ... ينظر: الأم (2/64) ، والحاوي (4/374) ، ومغني المحتاج (1/419) .
(4) ... ينظر: المستوعب (3/334) ، والمغني (4/96) ، والفروع (2/422) ، والاقناع (1/286) .
(5) ... سورة التوبة ، آية (103) .
(6) ... ينظر: تفسير الطبري (6/463) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي (2/577) ، وتفسير القرآن العظيم
(2/369) .(1/59)
والأمر هنا للندب بدليل أن النبي × كان يبعث السعاة ولم يأمرهم بذلك ، كقوله لمعاذ – رضي الله عنه - : (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) (1) فلم يأمره بالدعاء ولو كان الأمر واجباً لأمره (2) .
2 – عن عبد الله بن أبي أوفى (3) – رضي الله عنهما – قال : كان رسول الله × إذا أتاه قوم بصدقة قال : (اللهم صل عليهم) فأتاه أبو أوفى بصدقته ، فقال : اللهم صلى على آل أبي أوفى) (4) .
3 – قال × : (سيأتيكم ركب مبغضون ، فإذا جاؤوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم ، وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم ، وإن ظلموا فعليها ، وأرضوهم ، فإن تمام زكاتكم رضاهم ، وليدعوا لكم) (5) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب وجوب الزكاة ، برقم (1395) ص 109 .
(2) ... ينظر : المغني (4/96) ، وكشاف القناع (3/910) ، والذخيرة (3/102) ، وشرح صحيح مسلم
(13/185) ، وفتح الباري (3/424) .
(3) ... سبقت ترجمته ، ص (481) .
(4) ... متفق عليه ، أخرجه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة ، برقم (1497) ص 118 ، ومسلم ،كتاب في الزكاة ، باب الدعاء لمن أتى بصدقة، برقم (1078)ص 849 .
(5) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الزكاة ، باب رضاء المصدق ، برقم (1588) ، ص 1341 ، قال المنذري :
(في إسناده أبو الغصن وهو ثابت بن قيس المدني الغفاري مولاهم ، وقيل : مولى عثمان بن عفان ، وقال الإمام أحمد : ثقة ، وقال يحيى بن معين : ضعيف ، وقال مرة : ليس بذاك صالح ، وقال مرة : ليس به بأس) ، ينظر : عون المعبود (4/330) ، وقال ابن القيم في تهذيب السنن بهامش عون المعبود
(4/330): (وفي الرواة خمسة كل منهم اسمه ثابت بن قيس لا نعرف فيهم من تكلم فيه غيره) ، وأورد الهيثمي في المجمع ، كتاب الزكاة ، باب رضا المصدق (3/80) ، وعزاه إلى البزار ، وقال : (رجاله ثقات ، وفي بعضهم خلاف لا يضر) .(1/60)
وجه الدلالة : قوله : (وليدعوا لكم) أمر ندب لقابض الزكاة ساعياً أو مستحقاً أن يدعو للمزكي وفيه إشارة إلى أن الاسترضاء سبب لحصول الدعاء ووصول القبول (1) .
4 – ولأن ذلك لا يجب على الفقير المدفوع إليه ، فالنائب أولى (2) .
5 – ولأن الله أثنى على أهل الصدقات وشكرهم وذم أهل الجزية وأغلظ لهم ، فوجب أن يتأسى بأفعاله في الفريقين (3) .
القول الثاني : أن الدعاء يجب على آخذ الزكاة للمعطي. وبه قال بعض الشافعية (4) ، وبعض الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
ظاهر الآية السابقة : ? ??????? ??????????? ? (6) أمر ، والأمر للوجوب وأما كونه لم يأمر سعاته بذلك فلأن وجوب الدعاء كان معلوماً لهم من الآية الكريمة (7) .
نوقش من وجوه :
1- أما الآية فيحتمل أن يكون الوجوب خاصاً به لكون صلاته سكناً لهم بخلاف غيره (8) .
2- أن سائر ما يأخذه الإمام من الكفارات والديون وغيرها لا يجب عليه فيها الدعاء فكذلك الزكاة (9) .
3- : ولأنها تقع الموقع وإن لم يدع (10) .
الراجح :
لعل الراجح – والله أعلم – هو القول باستحباب الدعاء لآخذ الزكاة وذلك لوجاهة ما استدلوا به من أدلة ، ولضعف دليل المخالفين بما ورد عليه من مناقشة .
الفرع الثالث : صفة الدعاء لمعطي الزكاة :
__________
(1) ... ينظر : عون المعبود (4/330) .
(2) ... المغني (4/97) .
(3) ... الحاوي (4/374) .
(4) ... ينظر : المجموع (6/115) ، وشرح صحيح مسلم (7/185) ، وفتح الباري (4/424) .
(5) ... ينظر : الفروع (2/422) .
(6) ... سورة التوبة ، الآية (103) .
(7) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (7/185) .
(8) ... فتح الباري (3/424) ، وينظر : الذخيرة (3/102) ، ومواهب الجليل (2/271) ، وشرح صحيح مسلم (7/185) .
(9) ... فتح الباري (3/424) ، وينظر : الفتوحات الربانية (4/326) .
(10) ... عمدة القاري (9/94) .(1/61)
اتفق الفقهاء - رحمهم الله - على أنه لا يتعين دعاء عند أخذ الزكاة واستحبوا أن يقول ما سبق وهو : «آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهوراً ، وبارك لك فيما أبقيت» (1) أو يقول : «اللهم بارك فيه وفي إبله» (2) .
لحديث : (بعث النبي × رجلاً على صدقة فجاء بفصيل مخلول سيئ الحال مهزول، فقال : هذا من صدقة فلان الفلاني ، فصعد النبي × المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : إني بعثت رسولي على الصدقة ، فذهب إلى فلان بن فلان ، فجاء بهذا الفصيل المخلول (3) لا بارك الله له في إبله ، فبلغ الرجل دعاء النبي × فجاء بناقة كوماً يتلها (4) حتى انتهى إلى النبي × فدفعها إليه فصعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: إن فلان بن فلان الفلاني بلغه دعاء النبي فجاء بهذه الناقة الكوما بارك الله فيه وفي إبله) (5) . أو يقول : «اللهم اغفر له وتقبل منه» (6) ونحو ذلك ..
واختلفوا في الدعاء بلفظ : «اللهم صل على فلان ..» هل يجوز أن يصلي على غير النبي × أم لا ؟
تحرير محل النزاع :
__________
(1) ... ينظر : عمدة القاري (9/94) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي (2/577) ، والذخيرة (3/102) ، والأم (2/64) ، والمجموع (6/114) ، ومغني المحتاج (1/416) ، والمغني (4/96) ، والفروع (2/422) ، والاقناع (1/286) .
(2) ... ينظر : عمدة القاري (9/94) ، وزاد المعاد (2/16) .
(3) ... معنى فصيل مخلول أي : غرز خلال على أنفه أي عود يجعل في لسانه لئلا يرضع من أمه ، ينظر : لسان العرب (11/214) ، مادة : خلل .
(4) ... أي أناخها وأبركها ، ينظر : لسان العرب (11/78) مادة (تلل) ، وكوما أي مشرفه السنام عالية ، ينظر: النهاية ، (4/211) .
(5) ... أخرجه الطبراني في الدعاء ، باب دعاء المصدق على رب المال إذا دفع الردي من ماله ، برقم (2013)، ص 559 .
(6) ... عمدة القاري (9/114) .(1/62)
اتفقوا على أن لله أن يصلي على من شاء من عباده (1) ، واتفقوا على أنه تستحب الصلاة على سائر الأنبياء والملائكة استقلالاً (2) ، كما في التشهد : (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) (3) ، وأما الملائكة فليس فيه حديث نصاً ، وإنما يؤخذ ذلك من عموم الصلاة على الأنبياء والرسل لأن الله سماهم رسلاً (4) ، واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة ، فيقال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه (5) . للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وقد أمرنا به في التشهد في قوله : (وعلى آل محمد وأزواجه وذريته) (6) . ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة (7) .
__________
(1) ... ينظر : جلاء الأفهام ص 122 .
(2) ... حكاه النووي في الأذكارص 122 ، وينظر : عمدة القاري (9/95) ، وشرح صحيح مسلم
(7/185) ، ومواهب الجليل (1/23) ، وقال : (وجد بخط بعض شيوخ مذهب مالك أنه لا يجوز أن يصلي على أحد من الأنبياء سوى محمد × ، قال: وهذا غير معروف من مذهبه) ، والقول البديع ص 82 ، وفتح الباري (11/174) ، وجلاء الأفهام ص 457 .
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب هل يصلي على غير النبي × ؟، برقم (6360) ،
ص 535، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي × برقم (405) ، ص 742 .
(4) ... ينظر : فتح الباري (11/174) .
(5) ... حكاه النووي في الأذكار ص 123 ، وابن تيميه في الفتاوى (22/474) ، وابن القيم في جلاء الأفهام، ص 464 ، وقال : (يجوز على آله منفردين ويكون × داخلاً في آله) ، والشربيني في مغني المحتاج
(1/419) ، وينظر : عمدة القاري (9/95) ، والفتاوى الهندية (5/315) ، ومواهب الجليل
(1/23) ، وشرح الزرقاني (1/477) ، وشرح صحيح مسلم (7/185) .
(6) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب هل يصلي على غير النبي × ؟؛ برقم (6360)، ص 535، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي × ، برقم (407) ، ص 743.
(7) ... الأذكار ، ص 123 .(1/63)
واتفقوا على أنه للنبي × أن يصلي على غيره (1) كقوله : (اللهم صل على آل أبي أوفى) (2) .
واختلفوا في غير النبي × هل له أن يصلي على غير النبي × مفرداً أم لا؟
اختلف الفقهاء على قولين :
القول الأول : يكره أن يصلي على غير النبي × استقلالاً ، وإذا صلى عليه لعارض أحياناً فلا بأس . وبهذا قال أكثر السلف (3) ، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (4) ، والمالكية (5) والشافعية (6) ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (7) ، وتلميذه ابن القيم (8) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال تعالى: ? ???? ?????????????????? ???????? ??????????? ???????????? ?????????? ?????????? ????????? ? (9) .
وجه الدلالة : أمر سبحانه ألا يدعى باسمه ، كما يدعى غيره باسمه ، فكيف يسوغ أن تجعل الصلاة عليه كما تجعل على غيره في دعائه والإخبار عنه ؟ هذا مما لا يسوغ أصلاً (10) .
__________
(1) ونقل الاجماع : ابن تيمية في الفتاوى (22/474) ، وينظر : عمدة القاري (9/95) ، ومغني المحتاج
(1/419) ، وفتح الباري (11/174) ، ومواهب الجليل (1/23) .
(2) ... سبق تخريجه ، ص (574).
(3) ... كابن عباس ، وسفيان بن عيينه ، والثوري ، وطاووس ، وعمر بن عبد العزيز ، ينظر : جلاء الأفهام ، ص 465 .
(4) ... ينظر: عمدة القاري (9/95) ، والفتاوى الهندية (5/315) .
(5) ... ينظر: القبس شرح موطأ ابن أنس (1/357) ، ومواهب الجليل (1/23) ، وشرح الزرقاني (1/47)، والمفهم (2/794) .
(6) ... ينظر : شرح صحيح مسلم (7/185) ، والأذكار ص 123 ، ومغني المحتاج (1/419) ، والقول البديع ص 86 .
(7) ... ينظر : الفتاوى (22/473) .
(8) ... ينظر : جلاء الأفهام ص 481 .
(9) ... سورة النور ، الآية (63) .
(10) ... جلاء الأفهام ص 467 – 468 ، وينظر : القول البديع ص 83 ، ومواهب الجليل (1/23) .(1/64)
2 – قال تعالى : ? ?????? ?????? ???????????????????? ???????????? ????? ???????????? ????????????????? ?????????? ??????????? ???????? ????????? ???????????? ???????????? ???? ? (1) .
وجه الدلالة : أن الله سبحانه ذكر الأمر بالصلاة عليه في معرض حقوقه وخواصه التي خصه بها من تحريم نكاح أزواجه ، وجواز نكاحه لمن وهبت نفسها له وإيجاب اللعنة لمن آذاه ، وغير ذلك من حقوقه ، وأكدها بالأمر بالصلاة عليه والتسليم ، فدل على أن ذلك حق له خاصة ، وآله تبع له فيه (2) .
3 – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : «لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي × ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار» (3) .
4 – كتب عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – أما بعد ، فإن ناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإن القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي × ، فإذا جاءك كتابي ، فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ، ودعاؤهم للمسلمين عامة ، ويدعو ما سوى ذلك (4) .
__________
(1) ... سورة الأحزاب ، الآية (56) .
(2) ... جلاء الأفهام ص 468 .
(3) ... أخرجه البيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب هل يصلي على غير النبي × ؟ ، برقم (2876) ،
(2/218)، والقاضي إسماعيل في فضل الصلاة على النبي × ، برقم (75)، ص 31، وقال ابن حجر في الفتح (11/174): (إسناده صحيح). وصححه الألباني في تعليقه على فضل الصلاة على النبي × وقال: (رجاله ثقات).
(4) ... أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × ، برقم (76) ، ص 32 ، وقال السخاوي في القول البديع ص 82: (إسناده حسن أو صحيح) وقال الألباني في تعليقه على فضل الصلاة على النبي × ص 3: (إسناده مقطوع صحيح).(1/65)
5 – أن هذا الأمر لم يكن معروفاً في الصدر الأول ؛ وإنما أحدثه الرافضة في بعض الأئمة فشاركوهم عند الذكر لهم بالصلاة ، وساووهم بالنبي × في ذلك ، والتشبه بأهل البدع منهي عنه ، فيجب مخالفتهم (1) .
6 – أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، كما أن قولنا : عز وجل مخصوص بالله سبحانه وتعالى ، فكما لا يقال: محمد عز وجل – وإن كان عزيزاً جليلاً – لا يقال : أبو بكر أو علي × ، وإن كان معناه صحيحاً (2) فلا يعطى المخلوق مرتبة الخالق ، فهكذا لا ينبغي أن يعطى غير النبي × مرتبته ، فيقال : قال فلان × (3) . فالصلاة خاصة بالأنبياء ، ويذكر من سواهم بالغفران والرضا (4) ، كما قال تعالى:
? ????????????? ??????? ???? ??????????? ??????????? ?????????? ?????????? ???????? ??????????????????? ?????????? ??????????? ??????????????? ? (5) .
وقال تعالى : ? ???????????? ??????????????? ????????????? ??????? ?????? ???????? ????????? ???????? ? (6) .
__________
(1) ... ينظر : مواهب الجليل (1/23) ، والأذكار ص 122 ، والقول البديع ص 82 ، وجلاء الأفهام
ص 467 ، وفتح الباري (8/395) .
(2) ... الأذكار ص 123 ، وينظر : القبس (1/357) ، وفتح الباري (8/394) .
(3) ... جلاء الأفهام ص 467 .
(4) ... مواهب الجليل (1/23) ، وينظر : القول البديع ص 82 .
(5) ... سورة الحشر ، الآية (10) .
(6) ... سورة التوبة ، الآية (100) .(1/66)
7 – أن الله سبحانه شرع للمسلمين أن يدعو بعضهم لبعض ، ويستغفر بعضهم لبعض ، ويترحم عليه في حياته وبعد موته ، وشرع لنا أن نصلي على النبي × في حياته وبعد موته ، فالدعاء حق للمسلمين ، والصلاة حق لرسول الله × فلا يقوم أحدهما مقام الآخر، ولهذا في صلاة الجنازة إنما يدعى للميت ، ويترحم عليه ، ويستغفر له ، ولا يصلي عليه بدل ذلك ، فيقال : «اللهم صل عليه وسلم» وفي الصلوات يصلى على النبي × ، ولا يقال بدله : «اللهم اغفر له وارحمه» ونحو ذلك ، بل يعطى كل ذي حق حقه (1) .
8 – أن المؤمن أحوج الناس إلى أن يدعى له بالمغفرة والرحمة والنجاة من العذاب، وأما النبي × فغير محتاج أن يدعى له بذلك ، فالصلاة عليه زيادة في تشريف الله له وتكريمه ورفع درجاته ، وهذا حاصل له × ، وإن غفل عن ذكره الغافلون ، فالأمر بالصلاة عليه إحسان من الله للأمة ، ورحمة بهم لينيلهم كرامته بصلاتهم على رسوله × بخلاف غيره من الأمة ، فإنه يحتاج إلى من يدعو له ، ويستغفر له ويترحم عليه ، ولهذا جاء الشرع بهذا في محله ، وهذا في محله (2) .
__________
(1) ... جلاء الأفهام ص 468 .
(2) ... جلاء الأفهام ، ص 469 .(1/67)
9 – أنه لو كانت الصلاة على غيره × سائغة ، فإما أن يقال باختصاصها ببعض الأمة ، أو يقال : تجوز على كل مسلم فإن قيل باختصاصها ، فلا وجه له ، وهو تخصيص من غير مخصص ، وإن قيل : بعدم الاختصاص ، وأنها تسوغ لكل من يسوغ الدعاء له ، فحينئذ تسوغ الصلاة على المسلم ، وإن كان من أهل الكبائر ، فكما يقال : اللهم تب عليه ، اللهم اغفر له ، يقال : اللهم صل عليه ، وهذا باطل . وإن قيل : تجوز على الصالحين دون غيرهم ، فهذا مع أنه لا دليل عليه ليس له ضابط ، فإن كون الرجل صالحاً ، أو غير صالح ، وصف يقبل الزيادة والنقصان ، وكذلك كونه ولياً لله ، وكونه متقياً ، وكونه مؤمناً ،كل ذلك يقبل الزيادة والنقصان، فما ضابط من يصلى عليه من الأمة، ومن لا يصلى عليه؟ (1) .
10– أن النبي × شرع لأمته في التشهد أن يسلموا على عباد الله الصالحين ، ثم يصلوا على النبي × ،فعلم أن الصلاة عليه حقه الذي لا يشركه فيه أحد (2) .
فعلم من هذه الوجوه العشرة اختصاص الصلاة بالنبي × .
القول الثاني: تجوز الصلاة على غير النبي × وآله. وهذا قول جماعة من المالكية (3) ، والمنصوص عن أحمد ، واختيار أكثر أصحابه (4) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... المصدر السابق .
(2) ... المصدر السابق ، ص 468 ، وينظر : فتح الباري (11/174) ، والقول البديع ص 83 .
(3) ... منهم : أبو الوليد الباجي ، وقال : (وهو الأكثر من مذاهب الخاصة والعامة إلا أن يمنع من ذلك مانع)، ينظر : المنتقى (2/316) ، ويحيى بن يحيى نسبه إليه السخاوي في القول البديع ، ص 82 ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (8/249) ، وقال : (هو الأصح) .
(4) ... ينظر : الفتاوى (22/473) ، وقال : وهو (اختيار أكثر أصحابه ، كالقاضي ، وابن عقيل ، والشيخ عبد القادر) ، وجلاء الأفهام ص 469 ، وقال : (نص عليه أحمد في رواية أبي داود) .(1/68)
1 – قال تعالى: ? ???? ???? ?????????????? ????????? ?????????????? ?????????????? ????? ??????? ??????????? ...? (1) .
وجه الدلالة : أمر سبحانه أن يأخذ الصدقة من الأمة ، وأن يصلى عليهم ، ومعلوم أن الأئمة بعده يأخذون الصدقة كما كان يأخذها ، فيشرع لهم أن يصلوا على المتصدق ، كما كان يصلي عليه النبي × (2) .
2 – قال تعالى: ? ????????? ???????? ??????????? ?????????????? ????? ?????????? ????????? ??????????? ? (3) .
وجه الدلالة : يجوز أن يصلى على كل أحد من المسلمين لأن آل محمد الذين تجوز الصلاة عليهم – كما تقولون – هم أتباعه وشيعته ، وأهل دينه ، كما في هذه الآية ، فآل فرعون كما هو معلوم – أتباعه على دينه – (4) .
3 – في الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنه - قال : كان النبي × إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل على آل فلان ، فأتاه أبي بصدقته ، فقال : (اللهم صل على آل أبي أوفى) (5) .
وجه الدلالة : في هذا الحديث بيان أن الصلاة على كل أحد جائزة من كل أحد اقتداء برسول الله × وتأسياً به ؛ لأنه كان يمتثل (6) قوله ? ???? ???? ?????????????? ????????? ?????????????? ?????????????? ????? ??????? ??????????? ...? (7) .والأصل عدم الاختصاص ، وهذا ظاهر في أنه هو المراد من الآية (8) .
__________
(1) ... سورة التوبة ، الآية (103) .
(2) ... جلاء الأفهام ص 470 .
(3) ... سورة غافر ، الآية (46) .
(4) ... ينظر : فتح البر في ترتيب التمهيد (4/780) ، وجلاء الأفهام ص 473 ، وتفسير الطبري (11/66) ، والفتح الرباني (4/26) .
(5) ... سبق تخريجه ، ص (574) .
(6) ... فتح البر في الترتيب الفقهي للتمهيد (4/780) .
(7) ... سورة التوبة ، الآية (103) .
(8) ... جلاء الأفهام ص 470 .(1/69)
4 – عن جابر – رضي الله عنه - : (أن امرأة قالت : يا رسول الله صل علي وعلى زوجي ، فقال: (صل الله عليك وعلى زوجك) (1) .
5 – وعن قيس بن سعد بن عبادة (2) – رضي الله عنهما - : (أن النبي × رفع يديه وهو يقول: (اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة) (3) .
وجه الدلالة : ظاهرة ؛ فيشرع الصلاة على كل أحد من المسلمين ، اقتداء به × .
__________
(1) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الوتر ، باب الصلاة على غير النبي × ، برقم (1533) ، ص 1336 ، والبيهقي في سننه ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على غير النبي × ، رقم (2875) ، (2/218) ، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي ، برقم (77) ، ص 32 وقال الألباني في تعليقه عليه: (إسناده صحيح).
(2) ... هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن أبي خزيمة بن كعب بن الخزرج ، الأمير المجاهد ، أبو عبد الله ، سيد الخزرج وابن سيدهم أبي ثابت الأنصاري الخزرجي الساعدي ، صاحب رسول الله × ، وابن صاحبه ، له عدة أحاديث : ... حدث عنه : عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعروة ، والشعبي ، وغيرهم . ... كان رجلاً ضخماً ، جسيماً صغير الرأس ، ليس له لحية ، إذا ركب حماراً ، خطت رجلاه بالأرض ، صحب النبي عشر سنين واستعمله على الصدقة ، وكان جواداً كريماً يطعم الناس في أسفاره مع النبي × ، وكان إذا نفذ ما معه تدين ، وكان ينادي في كل يوم : هلموا إلى اللحم والثريد، توفي في آخر خلافة معاوية .
... ينظر في ترجمته: تاريخ بغداد (1/177)، وسير أعلام النبلاء (3/102)، وطبقات ابن سعد (6/52) .
(3) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأدب ، باب كم مرة يسلم في الاستئذان ؟، برقم (5185) ، ص 1602 ، وقال : (رواه عمر بن عبد الواحد وابن سماعة عن الأوزاعي مرسلاً ولم يذكرا قيس بن سعد ) وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (325) ، وقال ابن حجر في الفتح (11/174) : (سنده جيد).(1/70)
6 – عن جابر – رضي الله عنه – أن عليا دخل على عمر وهو مسجى فلما انتهى إليه قال : «صل الله عليك ، ما أحد ألقى إلى الله بصحيفته أحب إلى من هذا المسجى بينكم» (1) .
7 – وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه كان يكبر على الجنازة ، ويصلي على النبي × ، ثم يقول : (اللهم بارك فيه ، وصل عليه واغفر له ، وأورده حوض نبيك) (2) .
وجه الدلالة على الأثرين : فيهما مشروعية الدعاء لغير الأنبياء بلفظ الصلاة؛ لأنها نوع من الدعاء .
8 – أن الصلاة هي الدعاء ، وقد أمرنا بالدعاء بعضنا لبعض (3) .
9 – قد ورد في أحاديث كثيرة فيها أن الملائكة تصلى على المؤمنين ، فمن ذلك:
__________
(1) ... أورده ابن سعد في الطبقات (3/282) : وقال ابن القيم في جلاء الأفهام ص 476 : (قد اختلف على جعفر بن محمد في هذا الحديث ، فقال أنس بن عياض : عن جعفر بن محمد عن أبيه ، وذكره من غير لفظ الصلاة ، وكذلك رواه محمد ويعلى ، ابنا عبيد عن حجاج الواسطي ، عن جعفر ولم يذكرها، ورواه ورقاء بن عمرو عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر عن علي ، ولم يذكر لفظه الصلاة ، وكذلك رواه عارم بن الفضل عن حماد بن زيد عن أيوب وعمرو بن دينار ، وأبي جهضم ولم يذكروها، وكذلك رواه قيس بن الربيع عن قيس عن ابن الحنفية ، وما ذكروه في الطبقات لم يسنده ابن سعد بل قال أخبرنا بعض أصحابنا ... ثم ذكر السند وقال : فقال له صلى الله عليك ، وهذا المبهم لعله لم يحفظه فلا يحتج به) أ . هـ ملخصاً .
(2) ... أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × برقم (92) ، ص 38، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/294) وقال الألباني – رحمه الله – في تعليقه على فضل الصلاة على النبي × ، ص 38 : (إسناده صحيح) .
(3) ... جلاء الأفهام ص 471 .(1/71)
أ- عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها ... وفيه : ويقول أهل السماء : روح طيبة جاءت من قبل الأرض ، صل الله عليك ، وعلى جسد كنت تعمرينه (1) .
ب - قال × : (إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير) (2) .
ج - وقال × : (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) (3) .
والأحاديث في ذلك كثيرة ، وقد قال تعالى: ? ???? ???????? ????????? ?????????? ??????????????????? ? (4) .
وجه الدلالة من هذه النصوص :
إذا كانت الملائكة تقول للمؤمن : «صل الله عليك» ، جاز ذلك للمؤمنين، بعضهم لبعض (5) .
10– وعن النبي × أنه قال : (اللهم صل على أبي بكر فإنه يحب الله ورسوله ، اللهم صلى على علي ، فإنه يحب الله ورسوله ، اللهم صل على عمرو بن العاص فإنه يحب الله ورسوله) (6) .
__________
(1) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجنة ، باب عرض مقعد الميت والنار عليه ، برقم (2872) ، ص 1175 .
(2) ... أخرجه الترمذي، كتاب العلم ، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة ، برقم (2685) ، ص 1922، وقال: (حديث حسن غريب صحيح)، وصححه الألباني في صحيح الجامع ، برقم (1838)، (1/376) .
(3) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب من يستحب أن يلي الإمام ، برقم (676) ، ص 1273 ، وابن ماجه ، كتاب إقامة الصلوات ، باب فضل ميمنة الصف ، برقم (1005) ، ص 2535) ، وحسنه الحافظان المنذري وابن حجر ، وأورده السيوطي في الجامع ، برقم (1815) ، ورمز لصحته ، ينظر : فيض القدير (2/270) ، وقال المناوي : (سكت عليه أبو داود ، وقال في الرياض إسناده على شرط مسلم وفيه رجل مختلف في توثيقه) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (1668) ، ص 241 .
(4) ... سورة الأحزاب ، الآية (43) .
(5) ... جلاء الأفهام ص 472 .
(6) ... أورده ابن القيم في جلاء الأفهام ص 473 ، وعزاه إلى أبي يعلى ، وقال : (رواه بإسناد من حديث مالك بن يخامر عن النبي × مرسلاً ).(1/72)
11– وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – (أنه كان يقف على قبر النبي × فيصلي على النبي × وعلى أبي بكر ، وعمر – رضي الله عنهما – ) (1) .
12– أنه قد صح أن النبي × نص على أزواجه في الصلاة ، وقد تقدم .
قالوا : وهنا على أصولكم ألزم ، فإنكم لم تدخلوهن في آله الذين تحرم عليهم الصدقة ؛ فإذا جازت الصلاة عليهن جازت على غيرهن من الصحابة (2) .
__________
(1) ... أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في الصلاة على النبي × ، برقم (397) ،
ص 115 ، وقال الزرقاني في شرحه (1/477) : (أنكر العلماء على يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك ، ثم ذكره ، وقالوا : إنما رواه القعنبي وسائر رواة الموطأ : (فيصلى على النبي × ، ويدعو لأبي بكر وعمر)) . وأخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × ، برقم (98) ص 41، وقال الألباني في تعليقه على فضل الصلاة على النبي × ص 41: (إسناده موقوف صحيح ، وهو في الموطأ بهذا اللفظ...).
(2) ... جلاء الأفهام ص 473 .(1/73)
13– عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – أنه دعاه وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم قال : قل حين تصبح : لبيك اللهم لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير في يديك ومنك وإليك ، اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذر ، أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه ، ما شئت منه كان وما لم تشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بك ، أنت على كل شيء قدير ، اللهم وما صليت من صلاة فعلى من صليت ....» (1) .
وجه الدلالة : أنه لو لم تشرع الصلاة على غير النبي × ، ما صح الاستثناء فيها ، فإن العبد لما كان يصلى على من ليس بأهل للصلاة ولا يدري استثني من ذلك كما استثني في حلفه ونذره (2) .
أجاب القائلون بالكراهة على أدلة المجيزين :
1- أما استدلالكم بقوله تعالى: ? ??????? ??????????? ?.
فهذا في غير محل النزاع ؛ لأن كلامنا في أنه هل يسوغ لأحدنا أن يصلي على غير النبي × وآله أم لا ؟ (3) .
2- وأما استدلالكم بحديث : (اللهم صل على آل أبي أوفى) .
فجوابه من وجوه :
الأول : أنه خارج عن محل النزاع أيضاً .
والثاني : أن هذه صدر من الرسول × وله أن يخص من شاء بما شاء وليس ذلك لأحد غيره (4) .
__________
(1) ... أورده الهيثمي في المجمع ، كتاب الدعاء ، باب ما يقول إذا أصبح إذا أمسى (10/113) ، )وعزاه إلى أحمد والطبراني ، وقال : (وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف) أ . هـ ، وأبو بكر بن أبي مريم ، قال عنه ابن حجر في التقريب (2/405) : (ضعيف، وكان قد سرق بيته فاختلط، وقال أبو داود : ليس بشيء ، وقال ابن حبان : كان يحدث بالشيء فيهم فكثر ذلك منه حتى استحق الترك) ، وانظر جلاء الأفهام ص 481 وقال : (ضعفه أحمد ، وابن معين ، وأبو حاتم ، والنسائي والسعدي ، وابن حبان) أ . هـ .
(2) ... جلاء الأفهام ص 474 .
(3) ... المصدر السابق ص 475 .
(4) ... فتح الباري (11/174) ، وينظر : عمدة القاري (9/95) ، وجلاء الأفهام ص 475 ،القول البديع ص 85 .(1/74)
والثالث : أن الأمر بالدعاء للمتصدق ، خاص بالنبي × أمر بأن يصلي على من جاءه بصدقته عوضاً له منها ، لقوله في الآية ? ?????? ??????????? ?????? ???????? ? (1) وهذا معنى يختص به (2) .
3- وأما استدلالكم بقوله تعالى: ? ????????? ???????? ??????????? ?????????????? ...?.
فالجواب عنه من وجوه :
الأول : أنه لا يلزم من جواز الصلاة على أتباعه تبعاً للصلاة عليه جواز إفراد المعين أو غيره بالصلاة عليه استقلالاً (3) .
والثاني : ليس في الأحاديث الصحيحة الصلاة على غير النبي × وآله وأزواجه وذريته ، ليس فيها ذكر أصحابه ولا أتباعه في الصلاة (4) .
الثالث : أن الآل يذكر ويراد به ذات الشيء كما قال × في قصة أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه - : (لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود) (5) يريد به داود عليه السلام ، وعليه يكون معنى قوله: (آل فرعون) أي فرعون نفسه (6) .وقيل : لا يقال (آل) إلا في حق الرجل الجليل القدير كآل أبي بكر ، وآل عمر – رضي الله عنهما - ، وإنما قيل في حق فرعون (آل فرعون) ؛ لتصوره بصورة الأشراف (7) .
4- أما الاستدلال بحديث : (صل الله عليك وعلى زوجك) وحديث قيس بن سعد بن عبادة : (اللهم اجعل صلواتك ....) .
فالجواب عنهما :
بمثل الجواب عن حديث : «اللهم صل على آل أبي أوفى» .
5- وأما الاستدلال بحديث علي – رضي الله عنه – وقوله لعمر:(صل الله عليك).
فالجواب عنه من وجهين :
الأول : أنه مختلف في صحته كما ثبت في تخريجه .
__________
(1) ... سورة التوبة ، الآية (103) .
(2) ... القبس (1/357) .
(3) ... جلاء الأفهام ص 480 .
(4) ... المصدر السابق ص 481 .
(5) ... متفق عليه ، البخاري ، كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة، برقم (5048)، ص 437 ، ومسلم ، كتاب فضائل القرآن ، باب استحباب تحسين الصوت بالقراءة ، برقم (793) ، ص 802 .
(6) ... ينظر : عمدة القاري (9/95) .
(7) ... ينظر : عمدة القاري (9/95) .(1/75)
والثاني : أنه معارض بقول ابن عباس : (لا ينبغي الصلاة على أحد إلا على النبي × ) (1) .
6- وكذا أثر ابن عمر – رضي الله عنهما – في صلاة الجنازة ، فهو وإن كان صحيحاً معارض بقول ابن عباس – رضي الله عنهما – السابق (2) .
7- وأما قولكم : (أن الصلاة هي الدعاء ، وقد أمرنا ..) .
فالجواب عنه من وجوه (3) :
أحدها : أنه دعاء مخصوص مأمور به في حق الرسول × وهذا لا يدل على جواز أن يدعى به لغيره لما سبق ذكره من الفروق بين الدعاء وغيره ، مع الفرق العظيم بين الرسول × وغيره ، فلا يصح الإلحاق به لا في الدعاء ولا في المدعو له × .
والثاني : أنه كما لا يصح أن يقاس عليه دعاء غيره ، لا يصح أن يقاس على الرسول × غيره فيه .
والثالث : أنه ما شرع في حق الرسول × لكونه دعاء بل لأخص من مطلق الدعاء، وهو كونه صلاة متضمنة لتعظيمه وتمجيده ، والثناء عليه كما تقدم تقريره ، وهذا أخص من مطلق الدعاء .
8- وأما الاستدلال بالأحاديث التي فيها أن الملائكة تصلي على المؤمنين .
فالجواب عنها : أنها خارجة عن محل النزاع ، لأن النزاع إنما هو هل يسوغ لأحدنا أن يصلي على غير الرسول وآله × ؟ وأما الملائكة فليسوا بداخلين تحت أحكام تكاليف البشر حتى يصح قياسهم عليه فيما يقولونه ويفعلونه ، فأين أحكام الملك من أحكام البشر ؟ (4) .
أ- وأما قولكم : «إن الله يصلي على المؤمنين» والاستدلال بمثل هذه الأحاديث :
فهذه خارجة عن محل النزاع ؛ لأن لله أن يصلي على من شاء من عباده ، ثم كيف يصح قياس فعل العبد على فعل الرب وصلاة العبد دعاء وطلب ، وصلاة الله على عبده ليست دعاء وإنما هي إكرام وتعظيم ومحبة وثناء ، وأين هذا من صلاة العبد؟ (5) .
__________
(1) ... ينظر : جلاء الأفهام ص 476 .
(2) ... ينظر : جلاء الأفهام ص 477 .
(3) ... المصدر السابق ، والصفحة نفسها .
(4) ... جلاء الأفهام ص 478 .
(5) ... جلاء الأفهام ص 478 .(1/76)
10- وأما استدلالكم بقوله × ؟: (اللهم صل على أبي بكر ..) .
فالجواب عنه من وجهين (1) :
الأول : أنه مرسل .
الثاني : أنه خارج عن محل النزاع كما تقدم .
11- وأما حديث ابن عمر – رضي الله عنهما - : (أنه كان يقف على قبر
النبي ...) فالجواب عنه من وجوه :
الأول : أن سائر رواة الموطأ رووه بلفظ : «فيصلي على النبي × ، ويدعو لأبي بكر وعمر» ففرقوا بين يصلي و بين يدعو ، فتكون هذه الرواية شاذة (2) .
والثاني : أن معناه يدعو لأبي بكر وعمر ، كما رواه بعضهم ، ولكنه ألحق الثاني بالأول لفظاً (3) كما قال الشاعر : أعلفتها تبناً وماءاً بارداً . فلما كان الفعل الأول موافقاً للفعل الثاني في الجنس العام ، أكتفي به منه؛ لأن العلف موافق للسقي في التغذية ، وهكذا الصلاة على النبي × موافقة للدعاء لأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – في معنى الدعاء والطلب (4) .
الثالث : أن ابن عباس قد خالفه كما تقدم (5) .
12- أما استدلالكم : «بأنه صح أن النبي × نص على أزواجه ...» .
فالجواب عنه :
أن هذا فاسد ؛ لأنه إنما صلى عليهن لإضافتهن إليه ودخولهن في آله وأهل بيته ، فهذه خاصة له ، وأهل بيته وزوجاته تبع له فيها × (6) .
13- وأما قولكم : إنه ألزم على أصولنا ، فإنا لا نقول بتحريم الصدقة عليهن فجوابه : أن هذا وإن سلم دل على أنهن لسن من الآل الذين تحرم عليهم الصدقة لعدم القرابة التي يثبت بها التحريم لكنهن من أهل بيته الذين يستحقون الصلاة عليهم ، ولا منافاة بين الأمرين (7) .
__________
(1) ... المصدر السابق ، والصفحة نفسها .
(2) ... ينظر : شرح الزرقاني (1/477) ، والقبس (1/357) ، وفتح البر في الترتيب الفقهي للتمهيد (4/780) .
(3) ... القبس (1/357) .
(4) ... ينظر : جلاء الأفهام ص 480 .
(5) ... المصدر السابق ، والصفحة نفسها .
(6) ... ينظر : جلاء الأفهام ص 480 .
(7) ... المصدر السابق ، والصفحة نفسها .(1/77)
14- وأما استدلالكم بحديث زيد بن ثابت الذي فيه : «اللهم ما صليت من صلاة...».
فالجواب عنه : فيه راوٍ ضعيف جداً كما ثبت في تخريجه ، فلا يعول عليه .
الترجيح :
يتضح مما سبق – أن القول الراجح هو القول بأنه يكره الصلاة على غير النبي × استقلالاً وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولضعف أدلة المخالفين بما ورد عليها من مناقشة.واختاره جمع من المحققين (1) .قال ابن القيم – رحمه الله – (2) «وفصل الخطاب في هذه المسألة : أن الصلاة على غير النبي × إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم ، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي × ، وجائزة مفردة» . وأما الثاني : فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموماً الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم ، جاز ذلك أيضاً ، فيقال : اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين ، وإن كان شخصاً معيناً ، أو طائفة معينة كره أن يتخذ الصلاة عليه شعاراً لا يخل به ، ولو قيل بتحريمه ، لكان له وجه ، ولاسيما إذا جعلها شعاراً له ، ومنع منها نظيره ، أو من هو خير منه ، وهذا كما تفعله الرافضة بعلي – رضي الله عنه – فإنهم حيث ذكروه قالوا : عليه الصلاة والسلام ، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه ، فهذا ممنوع لاسيما إذا اتخذ شعاراً لا يخل به ، فتركه حينئذ متعين .
__________
(1) ... منهم : العيني في عمدة القاري (9/95) ، وابن عبد البر في التمهيد ، ينظر : فتح البر (4/780) ، والقرطبي ، في المفهم (4/1808) والحطاب في مواهب الجليل (1/23) ، والنووي في شرح صحيح مسلم (7/185)، وابن حجر في الفتح (8/394) والسخاوي في القول البديع ص 82 – 86 ، والشربيني في مغني المحتاج (1/419) ، وابن تيمية في الفتاوى (22/473) ، وابن القيم في جلاء الأفهام ص 481.
(2) ... جلاء الأفهام ص 481 – 482 .(1/78)
وأما إن صلى عليه أحياناً بحيث لا يجعل ذلك شعاراً كما يصلى على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت : «صلى الله عليك» وكما صلى النبي × على المرأة وزوجها وكما روي عن علي من صلاته على عمر فهذا لا بأس به .وبهذا التفصيل تتفق الأدلة ، وينكشف وجه الصواب ، والله الموفق» .
المطلب الثامن : الدعاء في الصيام : وفيه خمسة فروع :
الفرع الأول : الدعاء عند رؤية الهلال :
يستحب أن يدعو عند رؤية هلال رمضان (1) ، بما يدعو به عند دخول كل شهر، وليس خاصاً بهلال رمضان (2) .ما جاء عن ابن عمر – رضي الله عنهما – مرفوعاً : (اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، والتوفيق لما تحب وترضى ، ربنا وربك الله) (3) .
__________
(1) ... ينظر : المجموع (6/345) ، والأذكار ص 190 ، والمغني (4/328) ، وأحكام القرآن ، لابن العربي
(1/122) ، وشرح منتهى الإرادات (1/438) .
(2) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 505 .
(3) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعوات ، باب ما يقول عند رؤية الهلال ، برقم (3451) ، ص 2007 ، وقال : (حسن غريب) ، والدارمي في سننه ، كتاب الصوم ، باب ما يقال عند رؤية الهلال (2/8) ، برقم (1688) ، وعزاه السيوطي في الجامع الصغير (5/136) إلى أحمد والحاكم والترمذي ، ورمز إلى حسنه ، وأحمد في مسنده ينظر: (الفتح الرباني ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء عند رؤية الهلال
(14/258)، وقال البنا : (حسنه الحافظ) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الأدب ، باب الدعاء عند رؤية الهلال ، برقم (7837) ، (5/405) ، وقال المناوي في فيض القدير (5/136) ، (قال الحافظ صححه الحاكم وغلط في ذلك ، فإن سليمان بن سفيان ضعفوه ، وإنما حسنه الترمذي لشواهده) ، وقال ابن العربي في أحكامه (1/122) (قال القاضي : هو أثبت) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، ص 639 ، برقم (4404).(1/79)
وتكره الإشارة عند رؤية الهلال (1) أو استقباله ، ورفع الأيدي للدعاء عند رؤية بدعة لم يثبت فيها شيء (2) . وإذا دخل الشهر دعا بقوله: (اللهم سلمني رمضان وسلم رمضان لي ، وتسلمه مني متقبلاً) (3) . لحديث: كان رسول الله × يعلمنا هؤلاء الكلمات إذا جاء رمضان ؛ أن يقول أحدنا : (اللهم سلمني رمضان ، وسلم رمضان ، وتسلمه مني متقبلاً) (4) . ومعنى قوله سلمني رمضان : أي لا يصيبني فيه ما يحول بيني وبين صومه من مرض أو غيره ، وقوله سلمه لي : أي لا يغم علي الهلال في أوله أو آخره فيلتبس علي الصوم والفطر ، وقوله تسلمه مني: أي اعصمني من المعاصي فيه (5) .
الفرع الثاني : الدعاء أثناء الصوم :
نص جمهور الفقهاء (6) – رحمهم الله – على أنه يستحب الإكثار من الدعاء وقراءة القرآن ومدارسته ، وذكر الله تعالى من تسبيح وتهليل وتكبير وتحميد وغير ذلك من العبادات المحضة ، ولاسيما في الأوقات الفاضلة منه كالعشر الأواخر ، وأوقات السحر.ويستحب للصائم أن يدعو في حال صومه ، بمهمات الآخرة والدنيا له ولمن يحب وللمسلمين (7) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... الفتاوى الهندية (1/197) .
(2) ... ينظر : تصحيح الدعاء ص 509 ، وقال : (قولهم عند رؤيته (هل هلالك ، شهر مبارك علينا وعليك يارب) بدعه ، وقولهم (وعليك يارب) جهل عظيم ، وسوء أدب مع الله تعالى) ، وينظر : الابداع في مضار الابتداع ص 308 .
(3) ... ينظر : الصيام من شرح العمدة ، لابن تيمية (1/40) .
(4) ... أخرجه الطبراني في الدعاء ، باب القول عند دخول رمضان ، برقم 912 ص 284 .
(5) ... ينظر : النهاية (2/394) .
(6) ... ينظر: المجموع (6/345)، ومغني المحتاج (1/436)، وحاشية الجمل (3/437)، وزاد المعاد (2/32) ، والانصاف (3/300) ، والمبدع (3/42) ، وشرح منتهى الإرادات (1/455) ،ومطالب أولى النهى (2/205) .
(7) ... المجموع (6/344) .(1/80)
1 – قال تعالى: ? ???????? ????????? ?????????? ?????? ??????????? ?????????? ???????? ???????? ????????? ?????? ???????? ???????????????????? ??? ??????????????? ??? ??????????? ???????????? ? (1) .
وجه الدلالة: هذا من أسرار القرآن العظيم؛ إذ ذكرها الله تعالى بعد إكمال عدة رمضان، وقبل آية إتمام الصيام إلى الليل، وهذا – والله أعلم – إيماء وإشعار للصائم بالاجتهاد في الدعاء في هذا الشهر المبارك ، وبخاصة عند إكمال العدة ، وعند كل فطر (2) .
2 – قال × : (ثلاثة لا ترد دعوتهم؛ الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، والمظلوم) (3) .
وجه الدلالة: وهذا يقتضي استحباب دعاء الصائم من أول اليوم إلى آخره ؛ لأنه يسمى صائماً في كل ذلك (4) ، ويتأكد ذلك عند فطره .
3 – ولأنه شهر شريف ؛ فالحسنة فيه أفضل من غيره (5) .
وأما كونه يتأكد الاجتهاد في العبادات في العشر الأواخر فلحديث : (أنه × كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) (6) .
الفرع الثالث : الدعاء عند الإفطار :
__________
(1) ... سورة البقرة ، الآية (186) .
(2) ... تصحيح الدعاء ص 505 ، وينظر : تفسير القرآن العظيم (1/208) .
(3) ... أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ، باب سبق المفردون ، برقم (3598) ، ص 2022 ، وقال : (حديث حسن) ، وابن ماجه ، في كتاب الصيام ، باب الصائم لا ترد دعوته ، برقم (1752) ،
ص 2581 ، وقال ابن حجر كما في الفتوحات (4/338) : (هذا حديث حسن)، والبيهقي في سننه، كتاب آداب القاضي ، برقم (20163) ، (10/150) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ، برقم (592) ، (1/383) .
(4) ... المجموع (6/344) .
(5) ... المصدر السابق (6/345) ، وينظر : كشاف القناع (3/993) ، ومطالب أولى النهى (2/205) .
(6) ... أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان ، برقم (1175) ص 868 .(1/81)
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله – على أنه يستحب للصائم أن يدعو عند فطره بقوله: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرنا ، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم» وإذا أفطر قال : «ذهب الظمأ وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله» .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : (كان النبي × إذا أفطر يقول : (ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله) (2) .
__________
(1) ... ينظر : الفتاوى الهندية (1/197) ، والفواكه الدواني (1/468) ، وبلغة السالك (1/446)، ومواهب الجليل (2/398)، وروضة الطالبين (2/368)، ومغني المحتاج (1/436)، وحاشية الجمل (3/437)، والمغني (4/438) ، والانصاف (3/299) ، الاقناع (1/315) ، زاد المعاد (2/51) .
(2) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الصيام ، باب القول عند الافطار ، برقم (2358) ، ص 1398 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، برقم (478) ، ص 226 ، والبيهقي في سننه ، كتاب الصوم ، باب ما يقول إذا أفطر ، برقم (8133) ، (4/403) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الصوم ، باب الدعوة عند الافطار ، برقم (1576) ، (2/52) ، وقال : (هذا حديث صحيح). والدارقطني في سننه (2/185) وقال : (تفرد به الحسين بن واقد ، وإسناده حسن) و حسنه الألباني في الإرواء (4/39)، وفي صحيح الجامع برقم (4678) ، (2/855).(1/82)
2 – وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : (كان النبي × إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم) (1) .
قوله : (إذا أفطر) في الحديثين يقتضي أن الدعاء بعد الفطر لا قبله» (2) .
لكن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للعمل به ، كما ثبت ذلك في تخريجه فالأولى أن يقتصر على الدعاء بقوله: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» قال في المبدع (3) : «العمل بهذا الخبر أولى» .وله أن يدعو بما أحب ، لقوله × :(للصائم عند فطره دعوة لا ترد) (4) .
__________
(1) ... أخرجه الدارقطني في سننه ، كتاب الصوم (2/185) ، والطبراني في الدعاء ، باب القول عند الافطار ، برقم (918) ، ص 286 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، برقم (480) ، ص 226 ، وفي إسناده عبد الملك بن هارون بن عنترة ، قال عنه الذهبي في الميزان (2/666) ، برقم (5259) : (قال الدارقطني : هما ضعيفان ، وقال أحمد : عبد الملك ضعيف ، وقال يحيى : كذاب ، وقال أبو حاتم : متروك ، ذاهب الحديث ، وقال ابن حبان : يضع الحديث) ، وقال النووي في المجموع (6/332) ، (وأما حديث أبي هريرة فغريب ليس بمعروف ، رواه أبو داود عن معاذ بن زهرة عن النبي × مرسلاً ورواه الدارقطني من رواية ابن عباس مسنداً متصلاً بإسناد ضعيف) ، وقال ابن القيم في زاد المعاد
(2/51) : (لا يثبت) ، وقال الحافظ في التلخيص (2/202): (ضعيف) ، وضعفه الألباني في الإرواء (4/36) ، برقم (919) .
(2) ... مطالب أولى النهى (2/207) .
(3) ... (3/44) .
(4) ... أخرجه ابن ماجه ، كتاب الصيام ، باب في الصائم لا ترد دعوته ، برقم (1753) ، ص 2581 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، برقم (481) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب الصوم ، باب الدعوة عند الافطار ، برقم (1575) ، (2/52) ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة بهامش سنن ابن ماجه
(2/350): (هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات)، وضعفه الألباني في الإرواء، برقم (921)، (4/41).(1/83)
وقيل : هي بين رفع اللقمة ووضعها في فيه (1) .
وكان عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – إذا أفطر يقول : (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي) (2) وفي رواية : (كان إذا أفطر دعا أهله
وولده ودعا) (3) .
وإذا أفطر عند قوم يستحب أن يدعو لهم بلفظ : «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة» .لحديث أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله × كان إذا أفطر عند أهل بيت قال لهم : (أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة) (4) .
__________
(1) ... الفواكه الدواني (1/468) ، وينظر : مواهب الجليل (2/398) ، واستدلوا : (يقول قبل وضع اللقمة ياعظيم ثلاثا ، أنت إلهي لا إله غيرك اغفر لي الذنب العظيم فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ، ولم يسندوه .
(2) ... أخرجه ابن ماجه في كتاب الصيام ، باب في الصائم لا ترد دعوته برقم (1753) ، ص 2581 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (481) ، والحاكم في مستدركه (2/52) و ضعفه الألباني في الإرواء (4/41).
(3) ... أورده ابن كثير في تفسيره (1/208) ولم يعزوه.
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب الأطعمة ، باب الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده ، برقم (3854) ،
ص 1506 ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، برقم (297) ، ص 276 ، والطبراني في الدعاء ، برقم (922) ، ص 287 ، ولفظه : (وتنزلت عليكم الملائكة) ، وقال النووي في الأذكار ص : (إسناده صحيح) ، قال ابن حجر كما في الفتوحات (4/343) : (وفي وصف الشيخ هذا الإسناد بالصحة نظر لأن معمراً وإن احتج به الشيخان فروايته عن ثابت غرائب منكرة...) ، وأخرجه البيهقي في سننه، كتاب الصيام ، باب ما يدعو الصائم لمن أفطر عنده ، برقم (8136) ، ص 403 ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ، برقم (1137) ، (1/253) .(1/84)
أما إذا حضر طعامكم ولم يأكل ؛ لأنه صائم فيستحب له أن يدعو لهم ، لحديث أنس – رضي الله عنه – قال : (دخل النبي × على أم سليم – رضي الله عنها – فأتته بتمر وسمن ، قال : أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه ؛ فإني صائم ثم قام إلى ناحية البيت فصلى غير المكتوبة ، فدعا لأم سليم ، وأهل بيتها .... الحديث) (1) .
وجه الدلالة: فيه مشروعية جبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له (2) . ولقوله × : (إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان صائماً فليصل ، وإن كان مفطراً فليطعم) (3) وفي رواية : (وإن كان صائماً دعا له بالبركة) (4) .وإذا أكل عنده ، صلت عليه الملائكة حتى يفر. عن أم عمارة الأنصارية (5) – رضي الله عنها – أن النبي × دخل عليها فقدمت له طعاماً فقال : كلي ، فقالت : إني صائمة ، فقال رسول الله × : (الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أكل عنده حتى يفرغوا) (6) .
__________
(1) ... سبق تخريجه ، ص (89) .
(2) ... فتح الباري (4/268) ، وينظر : عمدة القاري (11/100) .
(3) ... أخرجه مسلم ، كتاب النكاح ، باب زواج زينب ، ونزول الحجاب ، وإثبات وليمة العرس ، برقم
(1431) ، ص 918 .
(4) ... أخرجها ابن السني ، في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا حضر الطعام وهو صائم ، برقم (489)، ص 230 ، وقال الألباني في الارواء ، برقم (1953) ، (7/15) : (وهذا إسناد صحيح) .
(5) ... هي أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مازن النجار الأنصارية النجارية والدة عبد الله وخبيب ابني زيد بن عاصم ، شهدت بيعة العقبة ، وشهدت أحداً مع زوجها وبيعة الرضوان ، وقتال مسيلمة باليمامة ، وجرحت يومئذ اثني عشرة جراحة وقطعت يدها ، وقتل ولدها خبيب ، روت عن النبي × أحاديث .
... ينظر في ترجمتها : الاصابة (8/262) ، وأسد الغابة (7/371) ، والبداية والنهاية (14/718) .
(6) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الصوم ، باب ما جاء في فضل الصائم إذا أكل عنده ، برقم (785) ،
ص 1725 ، وقال : (هذا حديث حسن صحيح وهو أصح من حديث شريك) يعني : (الصائم إذا أكل عنده المفاطير ...) .(1/85)
الفرع الرابع : الدعاء عند السحور :
الدعاء عند السحور وقت السحر ليس له دعاء يخصه وإنما ينبغي على الإنسان أن يجتهد في هذا الوقت بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن.لعموم قوله تعالى: ? ?????????????????? ????? ??????????????????? ? (1) .وقوله × : (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل ، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فاغفر له) (2) .وقوله × : (تسحروا فإن في السحور بركة) (3) .
قد تكون البركة في زيادة الأوقات المختصة بالفضل ، وهذا منها لأنه في السحر ، وقد جاء في فضل ذلك الوقت وقبول الدعاء والعمل فيه وتنزل الرحمة ما جاء ، وقد تكون البركة ما يتعلق بالسحر من ذكر وصلاة واستغفار وغيره من زيادات الأعمال التي لولا القيام للسحور لكان الإنسان نائماً عنها وتاركاً لها (4) .
الفرع الخامس : الدعاء في ليلة القدر :
ليلة القدر شريفة معظمة ، ترجى إجابة الدعاء فيها ، وسميت ليلة القدر ؛ لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة (5) .
ونص جمهور الفقهاء (6)
__________
(1) ... سورة الذاريات ، الآية (18) .
(2) ... متفق عليه ، البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول: +يريدون أن يبدلوا كلام الله" ، برقم (7494) ، ص 624 ، ومسلم ، كتاب المسافرين ، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل ، برقم (758)، ص 797 .
(3) ... أخرجه البخاري ، كتاب الصوم ، باب بركة السحور من غير إيجاب ، برقم (1923) ، ص 150 ، ومسلم في كتاب الصوم ، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه ، برقم (1095) ، ص 853 .
(4) ... مواهب الجليل (2/400) .
(5) ... الاقناع (1/320) .
(6) ... ينظر : مواهب الجليل (2/400) ، والمجموع (6/345) ، ومغني المحتاج (1/436) ، وحاشية الجمل
(3/437) ، ونيل الأوطار (4/303) ، والمغني (4/454) ، والمبدع (3/61) ، وكتاب الصيام من شرح العمدة ، لابن تيمية (2/699) .(1/86)
على أنه يستحب أن يجتهد في الدعاء والعبادة في ليال العشر الأواخر ليصادف ليلة القدر ، ويستحب أن يكون من دعائه فيها : «اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عني» . لما روت عائشة – رضي الله عنها – قالت: يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو ؟ قال: قولي : (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) (1) .
وجه الدلالة: فيه دليل على استحباب الدعاء في هذه الليلة بهذه الكلمات (2) ويستحب أن يذكر حاجته في دعائه (3) ، لأنها وقت شريف يرجى فيه إجابة الدعاء .
المطلب التاسع : الدعاء في الحج والعمرة . وفيه خمسة عشر فرعاً :
الفرع الأول : الدعاء عند الدخول في النسك :
اختلف الفقهاء – رحمهم الله تعالى – في مشروعية الدعاء عند الدخول في النسك على قولين :
القول الأول: يستحب الدعاء عند الدخول في النسك بلفظ «اللهم إني أريد الحج أو العمرة فيسرها لي وتقبلها مني» أو يقول : «اللهم أحرم لك شعري وبشري وعظمي ودمي لله رب العالمين ، لا شريك له». وهذا مذهب الحنفية (4) ، وقول عند الشافعية (5) ، ومذهب الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... أخرجه الترمذي ، كتاب الدعاء ، باب فضل العافية والمعافاة ، برقم (3513) ، ص 2013 ، وقال : (حسن صحيح) ، وابن ماجه ، كتاب الدعاء ، باب الدعاء بالعفو والعافية ، والحاكم في مستدركه كتاب الدعاء ، باب الدعاء في ليلة القدر ، برقم (1985) ، (2/218) ، وقال : (حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، باب ما يقول إذا وافق ليلة القدر ، برقم (872) ، ص 511 ، وقال النووي في الأذكار ص 193 : (أسانيده صحيحه) .
(2) ... نيل الأوطار (4/303) .
(3) ... الاقناع (1/320) .
(4) ... ينظر : المبسوط ، (4/4) ، وبدائع الصنائع (3/111) ، والبناية على الهداية (4/43) . ...
(5) ... ينظر : الحاوي (5/107) ، والأذكار ص 194 – 195 . ...
(6) ... ينظر : شرح الزركشي (3/92) ، والمغني (5/91) ، والفروع (3/220) . ...(1/87)
1 – أن إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – لما فرغا من بناء البيت على الوجه الذي أمر ببنائه سألا ربهما قبول ما فعلا (1) فقالا: ? ????????? ????????? ????????? ????????? ?????? ??????????? ??????????? ? (2) .
وجه الدلالة: أنهما لما طلبا ذلك في بناء البيت ناسب طلبه في قصده للحج إليه؛ لأن العبادة في المساجد عمارة لها (3) .
2 – ولأن الحج عبادة عظيمة فيها كلفة ومشقة شديدة ، فيستحب الدعاء بالتيسير والتسهيل ، وبالقبول بعد التحصيل إذ لا كل عبادة تقبل (4) ، ولم يأمر بمثل هذا الدعاء لمن يريد افتتاح الصلاة ؛ لأن أدائها يسير عادة ولا تطول في أدائها المدة ، فأما أركان الحج متفرقة على الأمكنة والأزمنة ، ولا يؤمن فيها اعتراض الموانع عادة فلهذا أمر بتقديم سؤال التيسير (5) .
3 – وهكذا ورد عن السلف – رضي الله عنهم - :
أ – قالت عائشة – رضي الله عنها - لعروة: «قل اللهم إني أريد الحج ، وإياه نويت ، فإن تيسر وإلا فعمرة» (6) .
ب – قال إبراهيم : خرجنا مع علقمة ، وهو يريد العمرة ، فقال : «اللهم إني أريد العمرة إن تيسرت ، وإلا فلا حرج علي» (7) .
4 – وليس قول : «اللهم إني أريد الحج» تلفظ بالنية ؛ لأن النية أمر آخر وراء الإرادة ، وهو العزم على الشيء (8) .
__________
(1) ... ينظر : بدائع الصنائع (1/143) ، وحاشية ابن عابدين (2/531) . ...
(2) ... سورة البقرة ، آية (127) . ...
(3) ... حاشية ابن عابدين (2/531) . ...
(4) ... بدائع الصنائع (3/111) ، وينظر : الاختيار (1/143) ، والبناية (4/43) . ...
(5) ... المبسوط (4/4) . ...
(6) ... أورده ابن قدامة في المغني (5/94) ولم يعزوه . ...
(7) ... نفس الإحالة السابقة . ...
(8) ... حاشية ابن عابدين (2/531) . ...(1/88)
القول الثاني: لا يشرع الدعاء عند الدخول في النسك بلفظ «اللهم إني أريد الحج أو العمرة فيسره لي» أو نحو ذلك. وهذا ظاهر مذهب المالكية (1) ، والأصح عند الشافعية (2) ، واختيار ابن تيمية (3) .
واستدلوا بما يلي :
1 – أن النبي × لم يشرع للمسلمين التلفظ بالنية في شيء من العبادات ، ولم يرد عنه × أنه كان يقول شيئاً بين يدي التلبية ، فيكون ذلك من محدثات الأمور ، (وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار) (4) .
2 – ولأنه لما أمر النبي × ضباعة بنت الزبير (5)
__________
(1) ... ينظر : الذخيرة ، (3/231) ، والفواكه الدواني (1/545) . ...
(2) ... ينظر : الأم (2/169) ، والحاوي (5/110) ، والمجموع (7/208) . ...
(3) ... ينظر : الفتاوى (26/105) وقال : (هو الصواب المقطوع به) . ...
(4) ... أخرجه أبو داود ، كتاب السنة ، باب في لزوم السنة ، برقم (4607) ، ص 1561 ، والترمذي ،
كتاب العلم ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع ، برقم (2676) ص 1921 ، وقال : (حسن صحيح) ، وابن ماجه ، كتاب المقدمة ، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، برقم (42)، ص 2479 ، والدارمي ، كتاب المقدمة ، باب اتباع السنة ، (برقم 95) ، (1/57) ، والحاكم في مستدركه ، كتاب العلم ، باب كل محدثة بدعة ، برقم (338) ، (1/290) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ، برقم (2549) ، (1/499) . ...
(5) ... هي ضباعة بنت عم رسول الله × الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية ، من المهاجرات ، لها أحاديث يسيرة. حدث عنها : ابنتها كريمة ، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير وغيرهم، ومن القدماء ابن عباس، جابر.
... قتل ولدها عبد الله بن المقداد يوم الجمل مع أم المؤمنين عائشة ، بقيت ضباعة إلى بعد عام أربعين.
... ينظر في ترجمتها: طبقات ابن سعد (8/46)، وسير أعلام النبلاء (2/274)، وأسد الغابة (7/178).(1/89)
بالاشتراط، قالت : فكيف أقول؟ قال : (قولي : لبيك اللهم لبيك ، ومحلي من الأرض حيث حبستني ، فإن لك على ربك ما استثنيت) (1) .
وجه الدلالة: فالرسول × أمرها بالاشتراط في التلبية ، ولم يأمرها أن تقول قبل التلبية شيئاً، لا اشتراطاً ولا غيره (2) .
3 – ولأنه ورد عن النبي × أنه يقول بعد أن يلبي بالعمرة أو الحج والعمرة (اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة) (3) ، ثم يلبي بالتلبية الشرعية لا يزيد على ذلك .
وأجابوا على أدلة القائلين بمشروعية الدعاء عند دخول في النسك :
1 – أما استدلالكم بقوله تعالى: ? ????????? ????????? ????????? ????????? ?????? ??????????? ??????????? ? .
فيمكن أن يجاب عنه: أن سؤالهما القبول كان بعد الفراغ من العمل ، وليس في ابتدائه .
2 – وأما استدلالكم بفعل السلف – رضي الله عنهم – فيمكن أن يجاب عنه :
أن الاشتراط في التلبية أمر مشروع ولا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في الدعاء بين يدي التلبية بما ذكروه .
3 – وأما قولكم : «أن الحج عبادة شاقة ...» :
فيمكن أن يجاب عنه: بأن استحباب هذا الدعاء لا دليل عليه ، ولم يرد عنه × أنه دعا بمثل هذا الدعاء بين يدي التلبية .
الراجح :
الراجح – والله أعلم – هو القول بعدم مشروعية الدعاء بلفظ : «اللهم إني أريد الحج والعمرة ..» ؛ وذلك لقوة أدلتهم ووجاهتها ، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها من مناقشة .
الفرع الثاني : الدعاء بعد التلبية :
__________
(1) ... أخرجه النسائي ، كتاب المناسك ، باب كيف يقول إذا اشترط ، برقم (2767) ، ص 2267 ، والدارمي في سننه ، كتاب المناسك ، باب الاشتراط في الحج ، برقم (1811) ، (2/54) ، وصححه الألباني في الإرواء ، برقم (1010) ، (4/186) . ...
(2) ... الفتاوى (26/106) . ...
(3) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/106) ، قال الألباني في مناسك الحج ص 16 : (رواه الضياء بسند صحيح) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ، برقم (1302) ، (1/279) . ...(1/90)
اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في الدعاء بعد التلبية هل هو مشروع أم لا ؟ على قولين :
القول الأول: يستحب أن يصلي على النبي × بعد التلبية ، وأن يدعو لنفسه ولمن أراد بأمور الدنيا والآخرة ويسأل الله تعالى رضوانه والجنة ، ويستعيذ به من النار .
وهذا قول الحنفية (1) ، ومذهب الشافعية (2) ، والحنابلة (3) ، واختيار ابن تيمية (4) –رحمه الله-
واستدلوا بما يلي :
1 – (أن النبي × كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة ، سأل الله تعالى رضوانه والجنة ، واستعاذ برحمته من النار ) (5) .
__________
(1) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/532) ، والفتاوى الهندية (1/225) . ...
(2) ... ينظر : الأم (2/171) ، والحاوي (5/120) ، ومغني المحتاج (1/482)، وروضة الطالبين (3/74).
(3) ... ينظر : المغني (5/107) ، والفروع (3/254) ، والانصاف (3/408) ، وقال :(بلا نزاع) .
(4) ... ينظر : الفتاوى (22/469) . ...
(5) ... أخرجه الشافعي في الأم (2/171) ، والبيهقي في سننه ، كتاب الحج ، باب ما يستحب من القول إثر التلبية ، برقم (9038) ، (5/72) ، والدار قطني في سننه ، باب مواقيت الحج (2/338) ، قال النووي في المجموع (7/223) : (فيه صالح بن عمر هذا ضعيف صرح بضعفه الجمهور ، وقال أحمد: لا أرى به بأساً ، والله أعلم) ، وضعفه ابن حجر في التلخيص (3/863) ، والشوكاني في النيل
(4/361) ، وقال ابن مفلح في الفروع (3/254) : (إسناده ضعيف) ، وضعفه الألباني في الضعيفة ، برقم (4535). وأخرجه بنحوه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي × ، برقم (79) ،
ص 33 ، وقال الألباني في تعليقه : (إسناده ضعيف مع انقطاعه ، علته صالح بن محمد بن زائدة ،وهو ضعيف ، ومن طريقة رواه الدارقطني).(1/91)
2 – أن الملبي وافد الله تعالى ، وأن منطقه بالتلبية منطقه بإجابة داعي الله ، وأن تمام الدعاء ورجاء إجابته الصلاة على النبي × ، وأن يسأل الله تعالى في إثر كمال ذلك بالصلاة على النبي × الجنة ويتعوذ من النار ، فإن ذلك أعظم ما يسأل، ويسأل بعدها ما أحب (1) .
3 – ولقول جابر – رضي الله عنه – في صفة حجة النبي × : (فأهل بالتوحيد (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ... الخ ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد عليهم شيئاً منه ، ولزم تلبيته) (2) .
وجه الدلالة : هذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو × عليها، وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردها عليهم ، وأقرهم عليها (3) .
القول الثاني: لا يستحب الدعاء بعد التلبية ، ولا الصلاة على النبي × . وهذا مذهب المالكية (4) .
واستدلوا بما يلي :
أنه لم ينقل في تلبيته × ، والمناسك اتباع (5) . وهذا لا ينافي ما ورد : أنه × كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله الجنة. لأن هذا بعد قطع التلبية في الحج ، أو دخول المسجد في العمرة ، وهي حالة دعاء غير مرتبطة بالتلبية (6) .
الترجيح :
لعل القول الراجح – والله أعلم – هو القول بعدم مشروعية الدعاء بعد التلبية ، وذلك لضعف الحديث الوارد في ذلك ، لكن لو دعا بعد التلبية أحياناً من غير أن يتخذ ذلك سنة فلا بأس به .
__________
(1) ... الأم (2/171) . ...
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الحج ، باب صفة حجة النبي × ، برقم (1218) ص 880. ...
(3) ... فتح الباري (3/480) . ...
(4) ... ينظر : الذخيرة (3/231) ، والفواكه الدواني (1/545) . ...
(5) ... الذخيرة (3/231) ، وينظر : الفواكه الدواني (1/545) . ...
(6) ... نفس المصدرين السابقين ، ونفس الصفحة . ...(1/92)
قال الشافعي – رحمه الله – (1) : «لا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه مع التلبية ، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن النبي × من التلبية ولا يصل بها شيئاً إلا ما ذكر عن النبي × ، ويعظم الله ، ويدعوه بعد قطع التلبية» .
الفرع الثالث : الدعاء عند رؤية الكعبة : وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : حكم الدعاء عند رؤية الكعبة :
اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله – على أنه يستحب لمن رأى الكعبة أن يدعو بم ورد عن الرسول × ومنه : (اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة ، وزد من عظمه وشرفه ممن حجه أو أعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبراً) .
واستدلوا على ذلك بما يلي :
1 – أن رسول الله × كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال : اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة وبراً ، وزد من شرفه ممن حجه أو اعتمره....الخ) (3) .
__________
(1) ... الأم (2/170) ، قال ابن حجر في فتح الباري (3/480): (وهذا أعدل الوجوه) ، وينظر: عون المعبود (5/182) . ...
(2) ... ينظر : المبسوط (4/9) ، بدائع الصنائع (3/116) ، والبناية (4/68) ، والذخيرة (3/236)، والكافي لابن عبد البر ص 138 وقال : (لم يعرفه مالك ، وقد روى ذلك عن جماعة من السلف) ، والوسيط (1/1232) ، وحاشية العدوي (1/464) ، والأم (2/171) ، والحاوي (5/172)، والمجموع (8/8) ، والمغني (5/224) ، وشرح الزركشي (3/186) ، والاقناع (1/1079) ، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع (4/89) .
(3) ... أخرجه الشافعي في الأم (2/184) ، والبيهقي في سننه ، كتاب الحج ، باب القول عند رؤية البيت ، برقم (9213) ، (5/118) وقال : (هذا منقطع ، وله شاهد مرسل ، عن مكحول) ، وهذا الشاهد أخرجه ابن أبى شيبة في مصنفه(4/97) ، وفي إسناده أبو سعيد الشامي ، قال ابن حجر في التلخيص
(3/864) : (أبو سعيد هو محمد بن سعيد المصلوب الكذاب) ، وضعفه الشوكاني في النيل(5/42)، وقال النووي في المجموع(8/8): (مرسل معضل) وكذا ضعفه العيني في البناية (4/68) قال الألباني في ضعيف الجامع برقم (4456) ، ص 645 (موضوع).(1/93)
2 – وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يدعو بقوله : (اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام) (1) .
لكن يمكن أن يناقش استدلالهم بما يلي:
الحديث الأول ضعيف كما ثبت في تخريجه ، أما الحديث الثاني صحيح ثابت ، فينبغي الاقتصار عليه .
ثم له أن يشتغل بعد ذلك بالدعاء بما أحب (2) .
المسألة الثانية : رفع اليدين عند الدعاء عند رؤية الكعبة :
اختلف الفقهاء على قولين :
القول الأول : يستحب رفع اليدين عند الدعاء عند رؤية الكعبة. وهذا قول بعض المالكية (3) ، ومذهب الشافعية (4) ، والحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – الحديث السابق أن رسول الله × كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال : اللهم زد هذا البيت (6) .
2 – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال النبي × (ترفع الأيدي في الصلاة ، وإذا رأى البيت) (7) .
3 – سئل جابر – رضي الله عنه – الرجل يرفع يديه إذا رأى البيت ؟ فقال : قد حججنا مع رسول الله × فكنا نفعله (8) .
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في سننه ، (5/118) ، برقم (9216) ، وابن أبي شيبة في مصنفه ، (4/97) ، وحسن الألباني إسناده في مناسك الحج والعمرة ، ص 20 ، وكذا روي مثله عن سعيد بن المسيب ، أخرجه البيهقي في سننه ، (5/118) ، برقم (9215) . ...
(2) ... ينظر : الوسيط (1/1232) ، والانصاف (4/4) . ...
(3) ... ينظر : الفواكه الدواني (1/547) ، وقال : (استحبه ابن حبيب ، ونفاه مالك) ، وحاشية العدوي
(1/464) . ...
(4) ... ينظر : الحاوي (5/172) ، وروضة الطالبين (3/76) ، والمجموع (8/8) وقال في ص 10 : (وبه قال جمهور العلماء) . ...
(5) ... ينظر : الفروع (3/367) ، والانصاف (4/4) ، وحاشية ابن قاسم على الروض (4/89) .
(6) ... سبق تخريجه ، ص 604 . ...
(7) ... سبق تخريجه ، ص (401) . ...
(8) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/96) ، والبيهقي في سننه ، باب رفع اليدين إذا رأى البيت ، برقم
(9211) ، (5/117) ، وقال : (له شواهد وإن كانت مرسلة) ، وأخرجه الترمذي في سننه ، كتاب الحج ، باب ما جاء في كراهية رفع اليدين ، برقم (855) ، ص 1732 ، وقال: (رفع اليد عند رؤية البيت إنما نعرفه من حديث شعبة عن أبي قزعة)، وقال النووي في المجموع (8/8): (إسناده حسن).(1/94)
4 – قال رسول الله × : (ترفع الأيدي في الدعاء لاستقبال البيت) (1) .
5 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : (أقبل رسول الله × ، فدخل مكة ، فأقبل إلى الحجر فاستلمه ، ثم طاف البيت ، ثم أتى الصفا ، فعلاه حتى ينظر إلى البيت ، فرفع يديه ، فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره ويدعو) (2) .
فإن قيل: إن هذا الرفع للدعاء على الصفا لا لرؤية البيت .
أجيب: بأن هذا مشترك بينهما ، وأما ما يفعله العوام من رفع اليدين مع التكبير على هيئة رفعهما في الصلاة فلا أصل له (3) .
6 – وثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه كان يرفع يديه عند رؤية الكعبة، وروي عن ابن عمر مثله (4) .
القول الثاني : يكره رفع اليدين عند الدعاء عند رؤية الكعبة. وهذا مذهب الحنفية (5) ، وبه قال الإمام مالك (6) – رحمه الله -، وبعض الشافعية (7) .
واستدل له بما يلي:
__________
(1) ... أخرجه البيهقي في سننه (5/117) ، برقم (9121) ، وقال : (ابن أبي ليلى هذا غير قوي في الحديث)، وقال النووي في المجموع ، (8/8) : (وأخرجه سعيد بن منصور والبيهقي وغيرهما ، وهو ضعيف باتفاقهم ؛ لأنه من رواية عبد الله بن أبي ليلى الإمام المشهور ، وهو ضعيف عند المحدثين) .
(2) ... أخرجه مسلم ، كتاب الجهاد ، باب فتح مكة ، برقم (1780) ص 995 . ...
(3) ... عون المعبود (5/227) . ...
(4) ... أورده الخطابي في معالم السنن (2/165)، وصحح الألباني في مناسكه(ص20) ثبوته عن ابن عباس.
(5) ... ينظر : حاشية ابن عابدين (2/542) ، وقال : (قال السروجي : المذهب تركه) . ...
(6) ... ينظر : المدونة (1/398) ، والفواكه الدواني (1/547) . ...
(7) ... ينظر : نيل الأوطار(5/42)، وقال: (والحاصل أنه ليس في الباب ما يدل على مشروعية رفع اليدين).(1/95)
سئل جابر – رضي الله عنه – عن الرجل يرى البيت يرفع يديه ؟ فقال : «ما كنت أرى أحداً يفعل هذا إلا اليهود ، قد حججنا مع رسول الله فلم يكن يفعله» (1) .
أجاب القائلون بالمشروعية :
بأن رواية الرفع التي استدللنا بها هي الأرجح لأمور :
1 – أنها الأشهر عند أهل العلم (2) .
2 – أنها مثبتة ، ورواية المثبت أولى ؛ لأن معه زيادة علم (3) .
3 – أنه يمكن الجمع بينهما بأن يحمل الإثبات على أول رؤية ، والنفي على كل مرة (4) .
الترجيح :
لعل القول الراجح – والله أعلم – هو القول بمشروعية رفع اليدين عند رؤية البيت، وذلك لأمور : أنها قول أكثر أهل العلم، ولأن أدلتهم أقوى من أدلة المانعين، ولضعف أدلة المخالفين بم ورد عليها مناقشة .
الفرع الرابع : الدعاء في الطواف ، وفيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : حكم الدعاء عند استلام الحجر في بداية الطواف:
اختلف الفقهاء في حكم الدعاء عند استلام الحجر على قولين:
__________
(1) ... أخرجه أبو داود في سننه ، كتاب المناسك ، باب في رفع اليد إذا رأى البيت ، برقم (1870) ،
ص 1361 ، والنسائي في الحج ، باب ترك رفع اليدين عند رؤية البيت ، برقم (2898)، ص 2274 ، قال الشوكاني في النيل (5/42) : (في إسناده ... مهاجر بن عكرمة المكي وهو مجهول عنده) ، وحسن إسناده النورى في المجموع (8/10) ، وضعفه جمع من أهل العلم ، قال الخطابي في معالم السنن
(2/165) : (ضعفه الثوري ، وابن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن اهويه ، وضعف هؤلاء حديث جابر ؛ لأن مهاجراً روايه عندهم مجهول) .
(2) ... ينظر : سنن البيهقي (5/117) . ...
(3) ... ينظر : المجموع (8/10) . ...
(4) ... عون المعبود (5/227) . ...(1/96)
القول الأول: يستحب الدعاء عند استلام الحجر بلفظ: «اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد ×». وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية (1) ، وبعض المالكية (2) ، ومذهب الشافعية (3) ، وقول جماعة من الحنابلة (4) ، واختيار شيخ الإسلام – ابن تيمية – رحمه الله – (5) .
واستدلوا بما يلي :
1 – كان × إذا استلم الحجر يقول : «اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ، ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد ×» (6) .
__________
(1) ... ينظر : تبيين الحقائق (2/16) ، ومجمع الأنهر (1/271) ، وحاشية ابن عابدين (2/543) .
(2) ... ينظر : الكافي ، لابن عبد البر ص 139 ، ونقله القرافي في الذخيرة (3/247) عن ابن حبيب .
(3) ... ينظر : الأم (2/186) ، وروضة الطالبين (3/85) ، والمجموع (8/39) ، والحاوي (5/177).
(4) ... ينظر : المغني (5/215) ، والانصاف (4/7) ، وقال : (هكذا قاله جماعة من الأصحاب) ، وشرح الزركشي (3/188) . ...
(5) ... ينظر : الفتاوى (26/121) . ...
(6) ... أورده الشافعي في الأم (2/186)، ولم يصرح بأنه حديث مرفوع ، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، كتاب الحج ، ما يقول الرجل إذا استلم الحجر ، (4/105) ، والبيهقي في سننه ، كتاب الحج ، باب ما يقال عند استلام الركن ،برقم (9249) ، (5/128)، وأورده الهيثمي في المجمع (3/240) ، وقال : (رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله رجال الصحيح) ، وقال ابن حجر كما في الفتوحات (4/374) : (وهذا حديث موقوف غريب ...) ، وأخرجه الطبراني في الدعاء ، باب القول عند استلام الحجر ، ص 270 .(1/97)
2 – عن علي – رضي الله عنه – كان إذا استلم الحجر يقول : «اللهم تصديقاً بكتابك وسنة نبيك» (1) ، وعن مجاهد قال : يستحب أن يقال عند استلام الحجر «اللهم تصديقاً بكتابك وسنة نبيك» (2) ، ويستحب أن يكرر هذا الدعاء عند محاذاة الحجر في كل طوفة (3) .
القول الثاني: لا يستحب الدعاء عند استلام الحجر بلفظ : «اللهم إيمانك بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك ...». وبه قال الإمام مالك (4) – رحمه الله – .
قالوا :لأنه بدعة (5) .
يمكن أن يناقش: بأنه قد روي عن النبي × وعن بعض الصحابة فعله فكيف يكون بدعة ؟!
الراجح :
لعل الراجح - والله أعلم – هو القول باستحباب هذا الدعاء عند استلام الحجر وفي بداية الطواف ، لوجاهة ما استدلوا به من أدلة ، ولضعف دليل القول الثاني بما ورد عليه من مناقشة .
المسألة الثانية : الدعاء أثناء الطواف :
__________
(1) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/105) . ...
(2) ... أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10/367) . ...
(3) ... الأذكار ص 196 ، وينظر : الفتوحات (4/375) . ...
(4) ... ينظر : المدونة (1/397) ، وقال ابن القاسم : سألت مالكاً عن هذا الذي يقول الناس عند استلام الحجر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بك ... ، فأنكره) ، والذخيرة (3/236) . ...
(5) ... الذخيرة (3/236) ، وعده الألباني من بدع الطواف ، ينظر : مناسك الحج والعمرة ص 48 .(1/98)
اتفق الفقهاء (1) – رحمهم الله تعالى – على استحباب الإكثار من ذكر الله ودعائه في الطواف ، وليس فيه دعاء معين عن النبي × إلا ما سبق عند استلام الحجر والدعاء بين الركنين بلفظ : ? ??????????????? ???????????? ? ??????????????? ?????????? ??? ??????????? ?????????? ??????? ??????? ????????????? ? (2) ولم يصح عنه × في الطواف غيره .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – (3) : «يستحب له في الطواف أن يذكر الله ويدعوه بما يشرع .. ، وليس فيه ذكر محدود عن النبي × ، لا بأمره، ولا بقوله ولا بتعليمه ، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية ...، وكان × يختم طوافه بين الركنين: ? ??????????????? ???????????? ? ??????????????? ?????????? ? (4) .كما كان يختم سائر دعائه بذلك ، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة» .
واستدلوا بما يلي :
__________
(1) ... ينظر : المبسوط (4/9) ، والبناية على الهداية (4/68) ، والكافي ، لابن عبد البر ص 139 ، ومواهب الجليل (3/109) ، والفواكه الدواني (1/549) ، والأم (2/188) ، وروضة الطالبين (3/85) ، والمجموع (8/41) ، وقال : (أما الدعاء بين الركنين ، فاتفق الشافعي والأصحاب على استحبابه) ، والمستوعب (4/210) ، والمغني (5/228) ، والانصاف (4/10) . ...
(2) ... سورة البقرة، آية (201).
(3) ... الفتاوى (26/122) . ...
(4) ... سورة البقرة، آية (201). ...(1/99)
1 – قال × : (الطواف بالبيت صلاة ، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير) (1) .
2 – كان × يقول فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود ? ??????????????? ???????????? ? ??????????????? ?????????? ??? ??????????? ?????????? ??????? ??????? ????????????? ? (2) .
__________
(1) ... أخرجه الترمذي في سننه ، كتاب المناسك ، باب الكلام في الطواف ، برقم (960) ، ص 1743 ، وقال: (قد روى هذا الحديث عن ابن طاووس وغيره عن طاووس عن ابن عباس موقوفاً ، ولا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن السائب) ، والنسائي في كتاب الحج ، باب إباحة الكلام في الطواف ، برقم (2926) ، ص 2276 ، وأخرجه الدارمي في سننه ، كتاب المناسك ، باب الكلام في الطواف ، برقم (1847) ، (2/66) ، والبيهقي في سننه ، كتاب الحج ، باب اقلال الكلام بغير ذكر الله ، برقم
(9292) ، (5/138) : وقال : (رواه جرير وموسى وغيرهم عن عطاء بن السائب مرفوعاً) أ. هـ بمعناه وصححه الحاكم في مستدركه (2/267) ، قال ابن حجر في التلخيص (1/196) : (وهو كما قال ، فإنهم ثقات) . ...
(2) ... أخرجه أبو داود ، كتاب المناسك ، باب الدعاء في الطواف ، برقم (1892) ، ص 1362 ، والحاكم في مستدركه ، كتاب المناسك ، باب استلام الحجر وتقبيله ، برقم (1716) ، (2/106) ، وقال : (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) ، والبغوي في شرح السنة (7/128) ، برقم (1915) ، والبيهقي في سننه ، (5/137) ، برقم (9290) ، وقال النووي في المجموع (8/41) : (في إسناده رجلان لم يتكلم العلماء فيهما بجرح ولا تعديل ، ولم يضعفه أبو داود ، فيقتضى أنه حديث حسن عنده) ، وبني جمح : (هو الركن اليماني ونسب إلى بني جمح وهم بطن من بطون قريش ، لأن بيوتهم كانت إلى جهته) ، ينظر : التعليق على شرح السنة(7/128) . ...(1/100)
3 – وعن أنس – رضي الله عنه - : (كان أكثر دعاء النبي × ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ...) (1) .
4 – ولأن ذلك مستحب في جميع الأحوال ففي حال تلبسه بهذه العبادة أولى (2) .
واستحب جماعة من فقهاء الحنفية (3) ، والشافعية (4) ، والحنابلة (5) .
أن يقول عند باب البيت : «اللهم هذا البيت بيتك ، وهذا الحرم حرمك ، وهذا مقام العائذ المستجير بك من النار» .
وعند المقام : «اللهم هذا بيتك عظيم ، ووجهك كريم ، وأنت أرحم الراحمين ، فأعذني من الشيطان الرجيم ومن النار ..» .
وعند الركن العراقي: «اللهم أعوذ بك من الشرك والشك والنفاق وسوء الأخلاق، ومن سوء المنظر والمنقلب في المال ...» .
وتحت الميزاب : «اللهم أظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظل عرشك ، اللهم اسقني بكأس محمد × شربة ...» .
وعند الركن الشامي : «اللهم تقبل منا كما تقبلت من إبراهيم ...» .
وعند الركن اليماني : «اللهم إني أعوذ بك من الكفر ، ومن الفقر ...» .
ويقول في رمله (6) : «اللهم اجعله حجاً مبروراً ، وسعياً مشكوراً ..» .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب أكثر دعاء النبي × ، برقم (6389) ، ص 537 ، ومسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، برقم (2690) ، ص 1146 . ...
(2) ... المغني (5/224) . ...
(3) ... ينظر : تبين الحقائق (2/17) ، والاختيار لتعليل المختار (1/147) ، ومجمع الأنهر (1/272) .
(4) ... ينظر : مغني المحتاج (1/488) ، والفتوحات الربانية (4/381) . ...
(5) ... ينظر : المستوعب (4/205 – 208) . ...
(6) ... الرمل : (إسراع المشي مع تقارب الخطأ ولا يثب ولا يعدو عدواً) ، ينظر : المجموع (8/44) ، وغريب الحديث (4/415) . ...(1/101)
وفي بقية الأشواط:«رب اغفر وارحم واعف عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم» (1) .
لكن هذه الأدعية لم ترد عن النبي × ولهذا عدها بعض العلماء من البدع (2) .لأنه لم يثبت عنه × أنه دعا عند الباب أو تحت الميزاب ، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها (3) .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله – (4) : «وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ، ونحو ذلك فلا أصل له» .
وعليه ... فللمحرم أن يدعو في طوافه بما أحب من أمور دينه ودنياه إلا أن إلتزامه بالمأثور أفضل والدعاء المأثور في الطواف يشمل المرفوع وكذا الموقوف على الصحابة والتابعين ومجموع ما جاء من ذلك قوياً وغيره ، لكن هذا لا يسعه جميع الإسبوع ، فهل الأولى أن يكرره أو يقرأ ؟
__________
(1) ... ينظر: الأم (2/230) ، والحاوي (5/186) ، والمجموع (8/48) ، وقال : (نص على هذه الكلمات الشافعي ، واتفق عليها الأصحاب) ، والانصاف (4/10) ، وأخرجه البيهقي في سننه من قول الشافعي برقم (9288) ، (5/137).
(2) ... ومن المتأخرين : الألباني في مناسك الحج والعمرة ، ص 47 – 49 ، وبكر أبو زيد في تصحيح الدعاء ص 519 ، وقال : (لا أصل لها) . ...
(3) ... ينظر : زاد المعاد (2/225) ، والفتوحات الربانية (4/389) . ...
(4) ... الفتاوى (26/122) ، وينظر : زاد المعاد (2/225) . ...(1/102)
الأشبه أنه يكرره وهذا مقتضى صنيع عمر – رضي الله عنه – حيث كان هجيراه في طوافه ? ??????????????? ???????????? ? ??????????????? ?????????? ? (1) ، وطاف عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – فاتبعه رجل ليسمع ما يقول فإذا هو يقول : ? ??????????????? ???????????? ? ??????????????? ?????????? ??? ??????????? ?????????? ??????? ??????? ????????????? ?. حتى فرغ فقال له الرجل: أصلحك الله اتبعتك فلم أسمعك تزيد على كذا وكذا ، فقال : «أو ليس ذلك كل الخير» (2) . وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يقول في طوافه : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، ثم قال : «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» (3) .
والدعاء المسنون في الطواف أفضل من القراءة فيه ، اقتداءً برسول الله ×.ولقوله × : (إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى) (4) .
__________
(1) ... ينظر : الفتوحات الربانية (4/384) ، وما ورد عن عمر أخرجه الطبراني في الدعاء ، برقم (857) ، ص 269 ، والبيهقي في سننه ، كتاب الحج ، باب القول في الطواف ، برقم (9291) ، (5/137)، والآية من سورة البقرة، 201.
(2) ... أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ، باب القول في الطواف ، برقم (855) ، ص 268 . ...
(3) ... نفس الإحالة السابقة ، برقم (856) . ...
(4) ... أخرجه أبو داود في سننه ، كتاب المناسك ، باب في الرمل ، برقم (1888) ، وقال النووي في المجموع
(8/56) : (هذا الإسناد كله صحيح ، وإلا عبيد الله فقد ضعفه أكثرهم ضعفاً يسيراً ، ولم يضعفه أبو داود ، فهو عنده حسن ) وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/32) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (2056) ، ص 298 . ...(1/103)
وذكر الله تعالى إنما هو ما تضمن الدعاء من تنظيمه والثناء ولأن ذكر الدعاء المسنون في الصلاة في الركوع والسجود،أفضل من القراءة في الركوع والسجود ، كذلك الطواف. وأما الدعاء بغير ما سن فيه فالقراءة أفضل منه ، لأنها أفضل ما تكلم به المرء (1) .
المسألة الثالثة : الدعاء بعد ركعتي الطواف :
استحب جماعة من فقهاء الحنفية (2) والشافعية (3) وبعض الحنابلة (4) أن يدعو بعد ركعتي الطواف بلفظ :«اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات واغفر لي ذنوبي وقنعني بما رزقتني..» . أو بلفظ : «اللهم بلدك ومسجدك الحرام وبيتك الحرام ، أنا عبدك ابن أمتك ، أتيتك بذنوب كثيرة ، وخطايا جمة ، وأعمال سيئة ، وهذا مقام العائذ بك من النار ، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم ، اللهم إنك دعوت عبادك إلى بيتك الحرام ، وقد جئت طالباً رحمتك ، متبعاً مرضاتك وأنت مننت علي بذلك ، فاغفر لي وارحمني إنك على كل شيء قدير» . ويستحب أن يدعو بعدها بما أحب من أمر الدنيا والآخرة (5) .
واستدلوا على ذلك : بما روى جابر عن النبي × أنه عمد إلى مقام إبراهيم ، فصلى خلفه ركعتين ، ثم قال : (اللهم بلدك ومسجدك الحرام وبيتك الحرام ، أنا عبدك ... ، فذكره) (6) ثم يدعو بعدها بما يحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة .
__________
(1) ... الحاوي (5/188) ، وينظر : المجموع (8/48) ، ومجموع الفتاوى (26/122) ، وروضة الطالبين
(3/85) ، ومغني المحتاج (1/489) . ...
(2) ... ينظر : تبيين الحقائق (2/19) ، ومجمع الأنهر (1/273) ، وحاشية ابن عابدين (2/549) .
(3) ... ينظر : الحاوي (5/204) ، والمجموع (8/59) . ...
(4) ... ينظر : الفروع (3/372)، والانصاف (4/17) ونقلاه عن ابن الزغواني. ...
(5) ... المجموع (8/59) ، وتبيين الحقائق (2/19) . ...
(6) ... أورده الماوردي في الحاوي (5/204) ، وعنه النووي في المجموع (8/59) ، وسكت عنه ، وقال ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (4/390) : (ولم أظفر بسنده إلى الآن). ...(1/104)
ونوقش (1) : بأنه لا يشرع هذا الدعاء بعد الركعتين لأمور :
أولها : أن الرسول × لم يفعله ، ولا أرشد أمته إليه وخير الهدي هدي محمد × .
وثانيها : أنه يؤذي الطائفين إذا كان الطواف مزدحماً .
وثالثها : أنه يحجر مكاناً غيره أولى به ، ممن أتموا الطواف وأرادوا الصلاة فيه .
الفرع الخامس : الدعاء في السعي ، وفيه أربع مسائل :
المسألة الأولى : الدعاء على الصفا والمروة :
اتفق الفقهاء (2) – رحمهم الله – على أنه يستحب للمحرم أن يقوم على الصفا مستقبل القبلة ويطيل القيام ، ويحمد الله ويوحده ويكبره ويثني عليه ، ويصلي على النبي × ويدعو الله تعالى لحوائجه ، يفعل ذلك ثلاث مرات ، وليس فيه دعاء مؤقت ، ويفعل مثل ذلك على المروة .
واستدلوا بما يلي :
1 – عن جابر – رضي الله عنه – أن النبي × رقى على الصفا حتى بدا له البيت ثم كبر ثلاثاً وقال : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، وجعل يدعو بعد ذلك ، ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعو ، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة ويصنع على المروة مثل ذلك) (3) .
__________
(1) ... ينظر : دليل الأخطاء، ص 47. وقال ابن عثيمين: (الدعاء بدعاء المقام لا أصل له أبداً في سنة الرسول × فهو من البدع التي ينهى عنها ، وكذا قراءته من كتاب مع رفع الصوت والجهر به مع التأمين ، فهذا بدعة إلى بدعة) وينظر: مناسك الحج ص 45.
(2) ... ينظر : المبسوط (4/13) ، وبدائع الصنائع (3/125) ، وحاشية ابن عابدين (2/551) ، والمدونة (1/398)، والمعونة (1/371)، وعون المعبود (5/257) ، والتلقين (1/226) ، والأم (2/231) ، وروضة الطالبين (3/90) ، والمجموع (8/59) ، وشرح الزركشي (3/205) ، والمغني (5/235) ، والانصاف (4/19) . ...
(3) ... سبق تخريجه ص (602) . ...(1/105)
2- وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي × (كان يكبر على الصفا ثلاثاً يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ، ثم يصلي على النبي × ثم يدعو ، ويطيل القيام والدعاء ، ثم يفعل على المروة مثل ذلك) (1) .
3- قال عمر – رضي الله عنه - : ( إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعاً ، وصلوا عند المقام ركعتين ثم اتوا الصفا فقوموا من حيث ترون البيت ، فكبروا سبع تكبيرات ، بين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عليه وصلاة على النبي × ،ومسألة لنفسك وعلى المروة مثل ذلك) (2) .
4 – وعن نافع – رضي الله عنه – أنه سمع عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – وهو على الصفا يدعو ويقول : «اللهم إنك قلت : ???????????? ???????????? ??????? » ، وإنك لا تخلف الميعاد ، وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم» (3) .
__________
(1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة والسلام على النبي × برقم (87) ، ص 36 –37 ، وقال الألباني في تعليقه : (إسناده صحيح) أ.هـ مختصراً.
(2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة والسلام على النبي × برقم (81) ، ص 34 ، وقال الألباني في تعليقه : (إسناده موقوف وهو صحيح إن كان عارم واسمه محمد بن الفضل ، وعارم لقبه قد حفظه، فإنه كان تغير ، وبقية رجاله ثقات ، وقد ذكره ابن القيم في جلاء الأفهام ص 379 من طريق جعفر بن عون عن زكريا به ، فثبت الأثر والحمد لله).
(3) ... أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب الحج ، باب البدء بالصفا في السعي ، برقم (834) ، ص 257 ، وصححه النووي في المجموع (8/70)، والآية (60) من سورة غافر.(1/106)
وفيه دليل على أنه ليس فيه دعاء مؤقت ، وإنما يدعو كل إنسان على حسب ما يعن له ويبدو من حاجته وأوكد الأشياء عنده ، وإن من أوكد الأشياء الدعاء لأمر الآخرة (1) . وينبغي له أن يقف عند الدعاء على الصفا ولا يقعد إلا من عله (2) .
المسألة الثانية : رفع اليدين عند الدعاء على الصفا والمروة :
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول: يستحب رفع اليدين عند الدعاء على الصف ويكون باطن كفيه إلى السماء . وهذا قول الحنفية (3) ، وبعض المالكية (4) ، والشافعية (5) ، وجماعة من الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي :
1 – قال × : (لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن : عند افتتاح الصلاة ، وعند القنوت في الوتر، وفي العيدين، وعند استلام الحجر، وعلى الصفا والمروة) (7) .
2 – أن هذا موضع دعاء وتضرع وسؤال ورغبة ورفع اليدين في مثل هذا بمشروع (8) .
3 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله × لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه ، حتى نظر إلى البيت ، ورفع يديه ، فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو (9) .
وجه الدلالة : ففيه استحباب رفع اليدين عند الدعاء على الصفا .
__________
(1) ... المنتقى (3/525) . ...
(2) ... ينظر : الذخيرة (3/251) ، وحاشية العدوي (1/470) . ...
(3) ... ينظر : بدائع الصنائع (3/125) ، وتبيين الحقائق (2/19) ، ومجمع الأنهر (1/273)، والبناية (4/82).
(4) ... ينظر : الذخيرة (3/251) نقله عن ابن حبيب ، والمنتقى (3/525) ، وقال : (قال ابن حبيب يرفعها وبطونها إلى الأرض) . ...
(5) ... ينظر : مغني المحتاج (1/497) . ...
(6) ... ينظر : الفروع (3/372) ، والانصاف (4/19) ، وحاشية ابن القاسم على الروض (4/117).
(7) ... سبق تخريجه ، ص (401) . ...
(8) ... المنتقى (3/525) . ...
(9) ... سبق تخريجه ، ص (605) . ...(1/107)
القول الثاني: لا يستحب رفع اليدين عند الدعاء على الصفا ، وإن رفعها فيرفعها رفعاً خفيفاً . وهذا قول مالك (1) – رحمه الله – .
واستدلوا :
أن ما روي من حديث جابر في الدعاء ، لم يذكر فيه رفع اليدين مع استقصائه أقواله وأفعاله في الحج ، حتى أنه لم ينقل أحد من ذلك عن النبي × ما نقل (2) .
يمكن أن يجاب من وجهين :
الأول : أن رفع اليدين على الصفا للدعاء جاء في رواية أخرى صحيحة صريحة .
الثاني : ظاهر قول مالك – رحمه الله – أنه لا ينكر أصل رفع اليدين للدعاء على الصفا ، وإنما ضعف صفة الرفع ؛ وهي أن يكون باطن كفيه نحو الأرض، وهذه الصفة تكون عند الذكر والتعظيم وأما عند التضرع والطلب يرفع يديه وبطونهما نحو السماء (3) .
الترجيح :
الراجح – والله أعلم – هو القول باستحباب رفع اليدين عند الدعاء على الصفا والمروة ؛ وذلك لوجاهة ما استدلوا به ، ولضعف دليل المخالفين بم ورد عليه من مناقشة.
المسألة الثالثة : الدعاء في أثناء السعي :
__________
(1) ... ينظر : المدونة (1/398) ، (وقال ابن القاسم كان مالك يستحب أن يرفع يديه رفعاً خفيفاً ولا يمد يديه ، أ . هـ بمعناه ، ثم قال : (ورأيت مالكاً يستحب أن يترك رفع الأيدي في كل شيء إلا في ابتداء الصلاة) وينظر : المنتقى ، (3/525) . ...
(2) ... المنتقى (3/525) . ...
(3) ... هذا ما اختاره الباجي في المنتقى (3/525) ، حيث قال : (وعندي أن دعاء التضرع والطلب وإنما هو برفع اليدين وبطونهما إلى السماء ، وإنما يكون ما ذكره ابن حبيب (بطونهما نحو الأرض) عند الذكر والتعظيم ، ولعله هو الذي ضعف مالك ، رحمه الله) . ...(1/108)