هذه القاعدة وردت في مجلة الأحكام العدلية بعنوان : لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان".
وهي قاعدة ليست على إطلاقها فليست كل الأحكام تتأثر بتغير الزمان فوجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج وبر الوالدين والكثير من أحكام المعاملات والأنكحة وكذلك فإن المنهيات القطعية كالاعتداء على النفس والأموال والأعراض وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأكل أموال الناس بالباطل ومنها الغش والخيانة ومحرمات عقود الأنكحة ومحرمات عقود البيوع المشتملة على الربا أو الغرر الفاحش أو الجهالة فكل تلك لا تستباح إلا بالضرورات التي تبيح المحظورات.
وبصفة عامة فمحرمات المقاصد التي تعنى أن العقد يشتمل على المفسدة التي نهى الشارع عنها لا تجيزها الحاجة.
وبالعكس من ذلك فإن محرمات الذرائع التي يتوصل بها إلى المفسدة وواجبات الوسائل التي يتوصل بها إلى مصلحة فإنها تتغير بتغير الزمان لأنها تدور مع المصالح جلباً والمفاسد درءاً فإذا رجحت مصلحة على المفسدة التي من أجلها كان الحظر فإن النهي يستحيل تارة إلى تخيير وتارة إلى طلب.
وقد أشار الشارع إلى ذلك في مسائل كان نهى عنها أو أمر بها فمن قبيل النهي: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها".
وقد كان – صلى الله عليه وسلم - نهى عن ادخار لحوم الأضاحي ثم رفع النهي قائلا: إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا.
وإذا غلبت المشقة سقط الأمر :" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك..
فالذي يتغير هو الأحكام الاجتهادية وأما القطعيات من الأحكام فلا تتغير فلا يمكن أن تتغير المواريث بدعوى أن المرأة أصبح لها شأن ولا يمكن أن يتغير تحريم ربا النسيئة في بلاد الإسلام ولا تحريم أكل الميتة والخنزير.
فأما الثابت فيبقى ثابتا ما دام الإنسان على هذه الأرض له ضروراته التي لا ينفك عنها يتصف بكل صفاته التي تحتاج إلى ضبط من الشرع فهو ضعيف أمام شهواته "وخلق الإنسان ضعيفا" وهو ظلوم جهول لا يقدر مسئولية أمانته وخلافته في هذا الكون .
وكذلك فإن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان أمر معهود نص عليه غير واحد من العلماء كابن القيم والقرافي ولهم سلف من أعمال الصحابة رضوان الله عليهم كما أشرنا وفتاويهم وليس ذلك إلا لترجح مصلحة شرعية لم تكن راجحة في وقت من الأوقات أو لدرء مفسدة حادثة لم تكن قائمة في زمن من الأزمنة والزمن لا يتغير فهو كما قال الشاعر :
ومَا الدَّهْرُ إِلا لَيلَةُ ونَهَارُهَا وإلا طُلُوعُ الشَمسِ ثُمَ غِيارُهَا
والذي يتغير هو أحوال أهل الزمن والمصالح التي تبنى عليها الأحكام جلباً والمفاسد التي تراعيها الشريعة درء.
ومن رد المحتار : فقد اتفقت النقول عن أئمتنا أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن الاستئجار على الطاعات باطل لكن جاء من بعدهم من المجتهدين الذين هم أهل التخريج والترجيح فافتوا بصحته على التعليم للقرآن للضرورة فإنه كان للمعلمين عطايا من بيت المال وانقطعت فلو لم يصح الاستئجار وأخذ الأجرة لضاع القرآن وفيه ضياع الدين لاحتياج المعلمين إلى الاكتساب وأفتى من بعدهم أيضا من أمثالهم بصحته على الأذان والإمامة لأنهما من شعائر الدين فصححوا الاستئجار عليهما للضرورة أيضا فهذا ما أفتى به المتأخرون عن أبي حنيفة وأصحابه لعلمهم بأن أبا حنيفة وأصحابه لو كانوا في عصرهم لقالوا بذلك ورجعوا عن قولهم الأول.
(والحاصل) أن ما خالف فيه الأصحاب أمامهم الأعظم لا يخرج عن مذهبه إذا رجحه المشايخ المعتبرون وكذا ما بناه المشايخ على العرف الحادث لتغيير الزمان أو للضرورة ونحو ذلك لا يخرج عن مذهبه لأن ما رجحوه لترجح دليله عندهم مأذون به من جهة الأمام وكذا ما بنوه على تغير الزمان والضرورة باعتبار أنه لو كان حياً لقال بما قالوه لأن ما قالوه إنما هو مبني على قواعده أيضا فهو مقتضى مذهبه.
ثالثاً: قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة:
في طليعة هذا البحث أود أن أنبّه وأنوّه بما قد يعتبر بداراً بالاعتذار قبل خوض الغمار أو أنه من باب تبرير التقصير أو هو نوع من التخدير.
والحقيقة أنه إهابة بالناظر وشحذ لهمّته لمشاطرتي في الشعور بصعوبة الموضوع وهي صعوبة ناشئة عن السهولة الظاهرة التي تجعل كثيراً من الباحثين يصلون إلى نتائج غير وافية ولا كافية في الفصل في مسألة علاقة الحاجة بالضرورة.
إن دقّة الفروق بين القاعدتين جعل القرافي يرى أن السؤال عن الفرق أنجح وسيلة لتحقيق القاعدة قائلاً: "وإن وقع السؤال عن الفرق بين القاعدتين فالمقصود تحقيقهما ويكون تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك. فإن ضم القاعدة إلى ما يشاكلها في الظاهر وبضادها في الباطن أولى لأن الضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتميز الأشياء."(الفروق: 1/3) .
إن إعمال الحاجة في الأحكام أصبح من المشتبهات التي لا يعلمها كثير من الناس أضف إلى ذلك أن أكثر القضايا الفقهية المعاصرة سواءً تلك التي وقع البت فيها من طرف المجامع أو تلك التي لا تزال منشورة أمامها ترجع إلى إشكالية تقدير الحاجة وتقدير الحكم الذي ينشأ عنها: هل تلحق بالضرورة فتعطي حكمها أو لا تلحق بها؟(3/16)
سواءً كانت قضايا طبية تتعلق بعلاج العقم مثلاً أو الإجهاض، أو قضايا اقتصادية تتعلق بالعقود الجديدة من إيجار ينتهي بالتمليك أو تأمين بأنواعه، أو أحكام الشركات والأسهم وعقود التوريد والشروط الجزائية الحافزة على الوفاء بمقتضى العقد. مما يعني أن تحديد علاقة الحاجة بالضرورة أصبح مفتاحاً لأقفال معضلة المعاملات الفقهية في العصر الحديث مع الإشارة إلى أهمية هذا الموضوع في فقه الأقليات.
وسأحاول الآن – عوداً على بدء – أن أنثر كنانة هذا الموضوع لأعجم عيدانها وأغور في أغوارها وأصعد في قنانها "وكم بالقنان من محل ومحرم".
وذلك حسب الخطة التالية :
تعريف الضرورة :
لغة واصطلاحاً: من نصوص اللغويين ونصوص الأصوليين والفقهاء .
أصل مشروعية الضرورة .
تعريف الحاجة :
لغة واصطلاحاً: من نصوص اللغويين ونصوص الأصوليين والفقهاء مع أمثلة فقهية تبرز الفرق بينها وبين الضرورة .
أصل مشروعية الحاجة .
نتيجة التعريفين: التشابك اللغوي والتداخل الفقهي والأصولي، منشأه الاشتراك أو التشكيك.
المصطلحات ذات العلاقة بموضوع الضرورة والحاجة .
إجمال الفروق بين الضرورة والحاجة بناءً على ما ذكرناه من الفقهاء والأصوليين واللغويين .
وأخيراً تطبيقات معاصرة من قرارات المجلس الأوربي للإفتاء ومجمع الفقه الإسلامي بجدة مع التعليق على هذه القرارات.
خاتمة تتضمن النتائج.
الضرورة لغة:
قال مجد الدين الفيروز أبادي في القاموس ممزوجاً بشرحه: (والاضطرار الاحتياج إلى الشيء) وقد (اضطر إليه) أمر ( أحوجه وألجأه فاضطُر بضم الطاء) بناؤه افتعل جعلت التاء طاء لأن التاء لم يحسن لفظه مع الضاد (والاسم الضرة) بالفتح. قال دريد بن الصمة :
وَتُخرِجُ مِنهُ صَرَّةُ القَومِ جُرأَةً *** وَطولُ السُرى ذَرِّيَّ عَضبٍ مُهَنَّدِ
أي تلألؤ عضب.
وفي حديث علي رضي الله عنه رفعه أنه نهى عن بيع المضطر.
ومعنى البيع هذا الشراء أو المبايعة أو قبول البيع .
وقوله عزَّ وجلَّ: "فمن اضطُرَّ غير باغٍ ولا عادٍ" أي فمن أُلجيء إلى أكل الميتة وما حرم وضيّق عليه الأمر بالجوع وأصله من الضرر وهو الضيق.
وقال الليث: الضرورة اسم لمصدر الاضطرار تقول حملتني الضرورة على كذا وكذا.
الضرورة اصطلاحاً:
والضرورة في الاصطلاح فقهية وتطلق إطلاقين أحدهما: ضرورة قصوى تبيح المحرّم سوى ما استُثني. والثانية: ضرورة دون ذلك وهي المعبّر عنها بالحاجة إلاّ أنهم يطلقون عليها الضرورة في الاستعمال توسعاً.
1 – الضرورة الفقهية بالمعنى الأخص :
عرّفها السيوطي بقوله: (فالضرورة بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب وهذا يبيح تناول الحرام) (الأشباه والنظائر: ص61). وهذه هي الضرورة التي قال عنها إمام الحرمين أنها لا تثبت حكماً كلياً في الجنس بل يعتبر تحقيقها في كل شخص كأكل الميتة وطعام الغير.
قال في مغني المحتاج وهو" شافعي": ومن خاف" من عدم الأكل "على نفسه موتاً أو مرضاً مخوفاً" أو زيادته أو طول مدته أو انقطاعه عن رفقته أو خوف ضعف عن مشي أو ركوب ولم يجد حلالاً يأكله ووجد محرماً كميتة و لحم خنزير وطعام الغير "لزمه أكله".(6/158)
الدردير في الشرح الصغير "مالكي":"الضرورة هي حفظ النفوس من الهلاك أو شدة الضرر".(الدردير:2/183)
عرّفها الجصاص(حنفي): "هي خوف الضرر أو الهلاك على النفس أو بعض الأعضاء بترك الأكل"(أحكام القرآن:1/195)
قال القرطبي: الاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراه من ظالم أو بجوع من مخمصة والذي عليه الجمهور من الفقهاء والعلماء في معنى الآية هو من صيره العدم والغرث وهو الجوع إلى ذلك، وقيل معناه أكره وغلب على أكل هذه المحرّمات.(القرطبي: 2/225).
2- الضرورة بالمعنى الاستعمالي الفقهي الموسع والتي تعني الحاجة :
قال خليل: " وصح قبله (أي بدو الصلاح) مع أصله أو ألحق به أو على شرط قطعه إن نفع واضطر " أي احتيج كما في التوضيح عن اللخمي لا بلوغ الحد الذي ينتفي مع الاختيار".(الزرقاني: 5/187)
ومن استعمال الضرورة ويُراد بها الحاجة قول المازري في شروط اغتفار الغرر اليسير: قال ابن عرفة: " زاد المازري كون متعلق اليسير غير مقصود وضرورة ارتكابه، وقرره بقوله منه بيع الأجنة وجواز بيع الجبة المجهول قدر حشوها الممنوع بيعه وحده وجواز الكراء لشهر مع احتمال نقصه وتمامه وجواز دخول الحمام مع قدر ماء الناس ولبثهم فيه والشرب من الساقي إجماعاً، في الجميع دليل على إلغاء ما هو يسير دعت الضرورة للغوه ".
وممن استعملها بمعنى الحاجة من الشافعية صاحب نهاية المحتاج قائلاً: " نعم الأولى بيعه ما زاد عليها ما فضل عن كفايته ومؤنة سنة " ويجبر من عنده زائد على ذلك في زمن الضرورة.
3- المعنى الأصولي للضرورة :(3/17)
للضرورة معنى ثالث هو المعنى الأصولي ونبَّه عليه إمام الحرمين في البرهان في القسم الثالث، وقد ذكرناه. وقد زاد الأمر وضوحاً عندما قال: "وهو يعتبر البيع من الضروري ويلتحق به (الضروري) تصحيح البيع فإن الناس لو لم يتبادلوا ما بأيديهم لجرّ ذلك ضرورة ظاهرة فمستند البيع إذا آل إلى الضرورة الراجعة إلى النوع والجملة ثم قد تمهد في الشريعة أن الأصول إذا ثبتت قواعدها فلا نظر إلى طلب تحقيقها في آحاد النوع.(ص 923 وما بعدها)
وقد أوضح الشاطبي بأنها إحدى الكليات الثلاث التي ترجع إليها مقاصد الشريعة حيث يقول:" فأما الضرورية فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين " وتكلم الشاطبي عن مراعاة الضرورة من جانب الوجود ومراعاتها من جانب العدم ومثَّل لذلك بأصول العبادات والمعاملات. (فليراجع: 2/8-9)
وهذا هو الكلي المعبّر عنه بالضروري لأنه من ضرورات سياسة العالم وبقائه وانتظام أحواله حسب عبارة الطوفي.(3/209)
ومثله قول الشوكاني:" أنها إن كانت تلك المصلحة ضرورية قطعية كلية كانت معتبرة فإن فقد أحد هذه الثلاثة لم تعتبر، والمراد بالضرورية أن تكون من الضروريات الخمس وبالكلية أن تعم جميع المسلمين، لا لو كانت لبعض الناس دون بعض أو في حالة مخصوصة دون حالة ".(الشوكاني: إرشاد الفحول: ص242)
وقال الشاطبي:" مجموع الضروريات خمس وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل."(الموافقات: 3/10).
وأما لماذا سُميت بالضرورة ؟ إما لأنها ضرورة لانتظام حياة الناس كما تقدم أو لأن اعتبارها (التفات إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصودة للشرع لا بدليل واحد بل بأدلة خارجة عن الحصر.(إرشاد الفحول: ص242).
وبعد التعريف بالضرورة لغة وبالضرورة في اصطلاح الفقهاء والأصوليين نلاحظ أن الضرورة أمر يورث ضيقاً ومشقة إلاّ أن هذا الضيق يتفاوت في شدته فالضرورة من باب الكلي المشكك عند المناطقة وهو كما قال الأخضري في شرحه لنظمه (السلم) في المنطق: "وإن اختلف فيها بالشدة والضعف سمي كلياً مشككاً كالبياض فإنَّ معناه في الورق أقوى من معناه في القميص مثلاً. وهذا بخلاف المتواطيء وهو الذي اتحد معناه في أفراده كالإنسان". (يُراجع شرح السلم عند قوله) :
ونِسْبَةُ الأَلْفَاظِ للمَعَانِي *** خَمْسَةُ أَقْسَامِ بِلا نُقْصَانِ
تَوَاطُؤ تَشَاكُكُ تَخَالُفُ *** والاشْتِراكُ عَكْسُه التَرَادُفُ
وأرى أن التنبيه على الضرورة والمشقة والحاجة ثلاثتهن من باب الكلي المشكك قد يكون مفتاحاً لفهم اختلاف عبارات اللغويين والفقهاء فالضرورة يمكن أن تُطلق في حال الشدة القصوى كما يمكن أن تُطلق في حالات دون ذلك وبالتالي تترتب أحكام مختلفة على ذلك كما رأيت.
أصل مشروعية حكم الضرورة:
في قول الله تعالى:"وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" ] الأنعام:119 [
قال الجصاص: ذكر الله تعالى الضرورة في هذه الآيات وأطلق الإباحة في بعضها لوجود الضرورة من غير شرط ولا صفة وهو قوله تعالى: "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" فاقتضى ذلك وجود الإباحة بوجود الضرورة في كل حال وُجدت فيها. (أحكام القرآن للجصاص: 1/147) .
وقال تعالى: "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ? إِثْمَ عَلَيْهِ" ]البقرة:173[ قال ابن عطية:" ومعنى اضطر عدم " وغرث، هذا هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء والفقهاء.
وقيل: معناه أكره وغلب على أكل هذه المحرمات.(المحرر الوجيز لابن عطية: 2/71).
والنصوص كثيرة بهذا المعنى.
وبالوقوف عند قوله تعالى:"وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ"، يفهم المرء معنيين: المعنى الذي ذكره الجصاص وهو وجود الإباحة حيثما وجدت الضرورة. ومعنى آخر وهو إنما فصّل من المحرمات لا تبيحه إلاّ الضرورة. وهذا ما يشير إليه الحصر في استثناء عموم من عموم يمكن أن يفهم منه بسهولة أن الحاجة إنما تدخل المجملات ولا تدخل في المفصلات والله أعلم.
تعريف الحاجة:
الحاجة لغة: قال الفيروز أبادي ممزوجاً بشارحه :
(والحاجة) المأربة (م) أي معروفة وقوله تعالى: "وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ" ]غافر:80[. قال ثعلب: يعني الأسفار. وعن شيخنا: وقيل أن الحاجة تُطلق على نفس الافتقار وعلى الشيء الذي يفتقر إليه، وفي اللسان تحوج إلى الشيء احتاج إليه وأراده (ج حاج) تقول: لا يمنعه قضاء الحاجة الأولى عن قضاء الحاجة الأخرى، كما قال الشاعر:
وأُرْضِعُ حَاجَةً بِلبَانِ أُخْرَى*** كَذَاكَ الحَاجُ تُرْضَعُ باللِّبَانِ
أما الحاجة في الاصطلاح فعلى ضربين: حاجة عامة قد تنزل منزلة الضرورة وهذه هي الحاجة الأصولية وقد سمّاها بعضهم بالضرورة العامة كما أسلفنا، وحاجة فقهية خاصة حكمها مؤقت تعتبر توسيعاً لمعنى الضرورة.
أولاً:الحاجة العامة (الأصولية)(3/18)
قال إمام الحرمين في المعنى الأول: " والضرب الثاني ما يتعلق بالحاجة العامة ولا ينتهي إلى حد الضرورة ومثل هذا تصحيح الإجارة فإنها مبنية على الحاجة إلى المساكن مع القصور عن تملكها وضنة ملاكها بها على سبيل العارية فهذه حاجة ظاهرة غير بالغة مبلغ الضرورة المفروضة في البيع وغيره ولكن حاجة الجنس قد تبلغ مبلغ الضرورة للشخص الواحد من حيث إن الكافة لو منعوا عما تظهر الحاجة فيه الجنس، لنال آحاد الجنس أضرار لا محالة تبلغ مبلغ الضرورة في حق الواحد، وقد يزيد أثر ذلك في الضرر الراجع إلى الجنس على ما ينال الآحاد بالنسبة إلى الجنس، وهذا ما يتعلق بأحكام الإيالة والذي ذكرناه مقدار غرضنا الآن".(البرهان:924)
وسلك تلميذه أبو حامد الغزالي مسلكه في كتابه "شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل" حيث قال في معرض كلامه عن الضرورة الذي سنعود إليه في محله: "والحاجة العامة في حق كافة الخلق تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق الشخص الواحد.(ص 246)
وإلى جانب هذا الكلام نرى الغزالي نفسه عندما يتحدث عن المصلحة يقول " إنها وإن وقعت في موضوع الحاجة أو التتمة لم تعتبر وإن وقعت في موضع الضرورة جاز أن يؤدي إليها اجتهاد مجتهد بشرط أن تكون قطعية كلية كما أسلفنا".
وقفى على أثره تلميذه أبو بكر بن العربي المالكي حيث قال في كتابه القبس (القاعدة السابعة) :"اعتبار الحاجة في تجويز الممنوع كاعتبار الضرورة في تحليل المحرّم " وبعد أن ضرب مثلاً لذلك باستثناء القرض الذي يضرب له أجل عند مالك من بيع الذهب بالذهب إلى أجل. أضاف: " ومن ذلك حديث العرايا وبيع التمر فيها على رؤوس النخيل بالتمر الموضوع على الأرض وفيه من الربا ثلاثة أوجه: بيع الرطب باليابس والعمل بالخرص والتخمين في تقدير المالين الربويين وتأخير التقابض إن قلنا أنه يعطيها له إذا حضر جذاذ النخل.(القبس: 2/790-791) .
إلاّ أن بعض الفقهاء كابن نجيم والسيوطي نقلوا الحاجة من مفهومها الأصولي إلى القواعد الفقهية دون تقديم ضوابط مما أوهم بعض الباحثين المعاصرين أنه كلما لاحت لوائح مشقة أو عرضت حاجة يعلن الإباحة وكأنه يستند إلى قاعدة قطعية تدل على الحكم بلا واسطة شأن الضرورة الفقهية بمعناها الأخص لا فرق بينهما.
مناقشة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة :
قلت: إن الحاجة لا يمكن اعتبارها قائمة مقام الضرورة بصفة مطلقة في إباحة المحرّم، بل إن الأصل أن الضرورة وحدها تبيح المحرّم وأن هذا الحكم لا ينسحب على الحاجة كما قال الشافعي: "وليس يحل بالحاجة محرّم إلاّ في الضرورات". (الأم: 3/28)
وقال الشافعي:"الحاجة لا تحق لأحد أن يأخذ مال غيره ".(نفس المرجع: ص77)
والسيوطي نفسه صرّح بذلك: "أكل الميتة في حالة الضرورة يقدم على أخذ مال الغير". (الأشباه والنظائر:ص62)
ذلك أن أكل الميتة فيه حق الله تعالى فقط وأخذ مال الغير ومنه الربا فيه حق الله تعالى وحق الآدمي. قال القرافي: " وقد يوجد حق الله تعالى وهو ما ليس للعبد إسقاطه ويكون معه حق العبد كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات.(الفروق1/140-141)
فهذه العقود محرّمة لحق الله وحق العباد فكيف يمكن تنزيل الحاجة فيها منزلة الضرورة بإطلاق.
وأكثر العلماء رأوا أن المصلحة الحاجية لا يترتب عليها حكم.
قال الطوفي في شرحه لمختصر الروضة:" لا يجوز للمجتهد أنه كلما له مصلحة تحسينية أو حاجية اعتبرها ورتّب عليه الأحكام حتى يجد لاعتبارها شاهداً من جنسها.(الطوفي: 3/207)
وقال ابن قدامة في الروضة في سياق حديثه عن المصالح المرسلة التي لم يشر لها الشرع بإبطال ولا باعتبار معين، وهذا على ثلاثة ضروب: أحدها ما يقع في مرتبة الحاجات (وضرب له أمثلة). الضرب الثاني ما يقع في موقع التحسين (وذكر له أمثلة) ثم قال: " فهذان الضربان لا نعلم خلافاً في أنه لا يجوز التمسك بهما من غير أصل فإنه لو جاز ذلك كان وضعاً للشرع بالرأي ولما احتجنا إلى بعثة الرسل.(روضة الناظر:1/413 وما بعدها).
ومن قال بتأثير المصلحة في محل الحاجي شرط أن تكون جارية على أصول الشرع وقواعده متفقة مع مبادئه ومقاصده بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله ولا دليلاً من أدلته. (الشاطبي "الاعتصام": 2/129).
لأن الحنيفية السمحة إنما أتى فيها بالسماح مقيداً بما هو جار على أصولها، وليس تتبعاً للرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها. (الموافقات للشاطبي:4/145) .
ولإيضاح ما نريده نورد كلمات القرافي الآتية في فروقه: (الفرق الحادي والثلاثون بين الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين قاعدة من الإباحة إلى الحرمة يكفي لها أيسر الأسباب). (الفروق للقرافي: 3/273)
إلاّ أن المحرم أنواع فمنه المحرم لوصفه كالميتة والدم ولحم الخنزير ومنه الحرام لكسبه: كالمأخوذ غصباً أو عقد فاسد وهذا التقسيم لابن تيمية.(الفتاوى: 29/320)
والمحرم لكسبه متفاوت فمنه محرم تحريم المقاصد ومنه المحرم تحريم الوسائل والذرائع. فالأول أشد من الثاني.(3/19)
والربا أشد محرمات العقود، وحرم الربا لأنه متضمن للظلم فإنه أخذ فضل بلا مقابل وتحريم الربا أشد من تحريم الميسر (ابن تيمية). وقال أيضاً :" إن تحريم الربا أشد من تحريم القمار لأنه ظلم محقق ".
والربا متفاوت: فربا الفضل لا يساوي ربا النساء، فإن تحريم هذا من تحريم المقاصد، وتحريم الآخر تحريم الوسائل وسد الذرائع، ولهذا لم يبح شيء من ربا النسيئة.(ابن القيم "أعلام الموقعين": 2/107)
ولتوضيح ما ذكره ابن القيم نذكر قول القرافي: " الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ووسائل: وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد " (الفروق: 2/33)
والحاصل أن العزيمة راجعة إلى أصل كلي ابتدائي. والرخصة راجعة إلى جزئي مستعصي عن ذلك الأصل الكلي.(الموافقات للشاطبي :1/300-303)
وإذا كان كلام إمام الحرمين وتلاميذه يرمي إلى تعليل نصوص شرعية- غير اجتهادية – بالحاجة فإن المالكية توسعوا في بناء الفروع الاجتهادية على الحاجي الكلي.
قال المواق – بعد أن ذكر أنواعاً من عقود الإجارة التي لايجيزها مالك-: "وكان سيدي ابن سراج رحمه الله فيما هو جار على هذا لا يفتي بفعله ابتداء ولا يشنع على مرتكبه فقصارى أمر مرتكبه أنه تارك للورع.
وما الخلاف فيه شهير لا حسبة فيه ولا سيما إن دعت لذلك حاجة.
ومن أصول مالك أنه يراعي الحاجيات كما يراعي الضروريات فأجاز الرد على الدرهم، مع كونه يجعل مد عجوة من باب الربا وأجاز تأخير النقد في الكراء المضمون. إلى أن قال: ويُباح الغرر اليسير بخلاف باب الربا.
وسُئل سيدي ابن سراج رحمه الله: هل تجوز المشاركة في العلوفة أن يكون الورق على واحد وعلى الآخر الخدمة وتكون الزريعة بينهما على نسبة الحظ المتفق عليه ؟ فأجاب: قد أجاز ما ذكر بعض العلماء، فمن عمل بذلك على الوجه المذكور للضرورة وتعذّر الوجه الآخر فيرجى أن يجوز إن شاء الله.
ورأيت له فتيا أخرى قال فيها:" ويجري ذلك على مقتضى قول مالك في إجازة الأمر الكلي الحاجي".
وقريب من هذا المنحى ما ذهب إليه بعض الأحناف في مسائل الإجارة حيث قالوا: " وجاز إجارة القناة والنهر مع الماء، به نفتي لعموم البلوى مضمرات " (الدر المختار). علّق ابن عابدين بقوله: قوله (مع الماء) أي تبعاً قال في كتاب الشرب من البزارية لم تصح إجارة الشرب لوقوع الإجارة على استهلاك العين مقصود إلاّ إذا أجر أو باع مع الأرض فحينئذٍ يجوز تبعاً".
وعنه قال: رأيت ابن الشجاع يقاطع نساجاً ينسج له كل سنة.(الحاشية: 5/38). وفي الدر المختار: ويفتي اليوم بصحتها " الإجارة " لتعليم القرآن والفقه والإمامة والأذان ويجبر المستأجر على دفع ما قبل".
علّق ابن عابدين بقوله: " قال في الهداية: وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن اليوم لظهور التواني في الأمور الدينية ففي الامتناع تضييع حفظ القرآن وعليه الفتوى".
وذكر مجموع ما أفتى به المتأخرون من مشايخنا وهم البلخيون على خلاف في بعضه مخالفين ما ذهب إليه الإمام وصاحباه.(حاشية ابن عابدين:5/34-35).
وهكذا نرى المتأخرين من أتباع الإمامين مالك وابن حنيفة يتوسعون في التعامل مع الحاجي أحياناً مع مخالفة منصوص الإمام بناءً على ما فهموه من قواعد الإمامين.
وقد احتج الشيخ تقي الدين بن تيمية لابن عقيل في مسألة إجارة الأرض والشجر بقوله:" فإن قيل إن ابن عقيل جوز إجارة الأرض والشجر جميعاً لأجل الحاجة وأنه سلك مسلك مالك لكن مالكاً اعتبر القلة في الشجر وابن عقيل عمم فإن الحاجة داعية إلى إجارة الأرض البيضاء التي فيها شجر وإفرادها عنها بالإجارة متعذر أو متعسر لما فيه من الضرر فجوز دخولها في الإجارة كما جوز الشافعي دخول الأرض مع الشجر تبعاً في المساقاة. (الفتاوى: 30/231).
وفي مذهب الشافعي ما حكى صاحب التلخيص عن نص الشافعي رحمه الله أن الأرزاق التي يخرجها السلطان للناس يجوز بيعها قبل قبضها.
وبعد ذكره للخلاف في هذه المسألة، قال النووي: " ودليل ما قاله الأول وهو الأصح أن هذا القدر من المخالفة للقاعدة احتمل للمصلحة والرفق بالجند لمسيس الحاجة "(المجموع: 9/268).
وقد أصل أبو إسحاق الشاطبي هذا المفهوم الحاجي واضعاً إياه في إطاره الأصولي قائلاً: " ومما ينبني على هذا الأصل قاعدة الاستحسان". وهو في مذهب مالك الأخذ بمصلحة جزئية في مقابل دليل كلي. ومقتضاه الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس، فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك الأشياء المفروضة كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمراً إلاّ أنّ ذلك الأمر يؤدي إلى فوات المصلحة من جهة أخرى أو جلب مفسدة كذلك. وكثيراً ما يتفق هذا في الأصل الضروري مع الحاجي، والحاجي مع التكميلي فيكون إجراء القياس مطلقاً في الضروري يؤدي إلى حرج ومشقة في بعض موارده فيستثنى موضع الحرج وكذلك في الحاجي مع التكميلي أو الضروري مع التكميلي وهو ظاهر.(3/20)
وله في الشرع أمثلة كثيرة كالقرض مثلاً فإنه ربا في الأصل لأنه الدرهم بالدرهم إلى أجل، ولكنه أبيح لما فيه من الرفق والتوسعة على المحتاجين، بحيث لو بقي على أصل المنع لكان في ذلك ضيق على المكلفين. ومثله بيع العارية بخرصها تمراً فإنه بيع الرطب باليابس، لكنه أبيح لما فيه من الرفق ورفع الحرج بالنسبة إلى المعرِي والمُعَرى ولو امتنع مطلقاً لكن وسيلة لمنع الإعراء، كما أن ربا النسيئة لو امتنع في القرض لامتنع أصل الرفق من هذا الوجه، ومثله الجمع بين المغرب والعشاء للمطر وجمع المسافر، وقصر الصلاة، والفطر في السفر الطويل، وصلاة الخوف، وسائر الترخصات التي على هذا السبيل، فإن حقيقتها ترجع إلى اعتبار المآل في تحصيل المصالح أو درء المفاسد على الخصوص، حيث كان الدليل العام يقتضي منع ذلك لأنا لو بقينا مع أصل هذا الدليل العام لأدى إلى رفع ما اقتضاه ذلك الدليل من المصلحة، فكان من الواجب رعي ذلك المآل إلى أقصاه، ومثله الاطلاع على العورات في التداوي والقرض والمساقاة وإن كان الدليل العام يقتضي المنع وأشياء من هذا القبيل كثيرة .
هذا نمط من الأدلة الدالة على صحة القول بهذه القاعدة وعليها بنى مالك وأصحابه.
وقد قال ابن العربي في تفسير الاستحسان بأنه إيثار ترك مقتضى الدليل على طريق الاستثناء والترخيص، لمعارضة ما يعارض به في بعض مقتضياته.
وقال في أحكام القرآن: الاستحسان عندنا وعند الحنفية هو العمل بأقوى الدليلين فالعموم إذا استمر والقياس إذا أطرد فإن مالكاً وأبا حنيفة يريان تخصيص العموم بأي دليل كان من ظاهر أو معنى.
ويستحسن مالك أن يخص بالمصلحة، ويستحسن أبو حنيفة أن يخص بقول الواحد من الصحابة الوارد بخلاف القياس، ويريان معاً تخصيص القياس ونقص العلة.
ولا يرى الشافعي لعلة الشرع إذا ثبتت تخصيصاً.
وأجاز مالك تلاوة الحائض للقرآن حتى لا تنسى وهو مخصص لعام.
وإذا قلت كيف تخصص الحاجة وهي ليست من المخصصات اللفظية من نصوص وظواهر الكتاب والسنّة وغيرها كالإجماع والمفهوم بنوعيه والقياس؟
قلت: إنما يعزى التخصيص للاستصلاح أو الاستحسان الذي يعتمد على الحاجة وذلك أمر معروف في المذهبين الحنفي والمالكي كما تقدم عن الشاطبي.
وإن الذي ينبغي التنبيه عليه أن هذه المسائل التي أجازها من أجازها للحاجة فإنها وإن كانت تخصيصاً من العموم في النهي عن قراءة الجنب للقرآن والنهي عن قرض يجر نفعاً والنهي عن بيع قبل القبض فإنه عموم ضعيف في المسائل المخصوصة لأن حديث الجنب جاء في معرض جنابة غير الحائض وهو حديث علي، فكان الحيض بمنزلة الصورة النادرة بالنسبة لراوي الحديث.
وكذلك فإن استثناء السفتجة وهي منفعة لا تشتمل على زيادة من الصور النادرة بالنسبة للمتكلم فإنه عندما يتحدث عن جر النفع فإنه يعني بالأصالة الزيادة أو الهدية أو نحو ذلك، وعلى هذا نبّه ابن قدامة من طرف خفي عندما قال إنه لا نص في تحريمها أي بخصوصها.
وقال مثل ذلك في مسألة الأرزاق ومعلوم أن نوادر الصور مختلف في دخولها في العموم كما أسلفنا.
ثانيا – الحاجة الفقهية:
الملحقة بالضرورة الفقهية وهي من باب التوسع في معنى الضرورة والاضطرار إذ الضرورة لفظ مشكك وهو كلي يكون معناه أشد في بعض أفراده من بعض، فمن توسع أطلق على الحد الوسيط (الحاجة) ومن لم يتوسع اقتصر على الحد الأعلى: الضرورة. وليس هذا من باب القياس وإنما هو من باب الأدلة اللفظية.
وهذه الحاجة الفقهية لا تحدث أثراً مستمراً ولا حكماً دائماً بل هي كالضرورة تقدّر بقدرها وقد ذكرنا مثالاً لذلك نعيده باختصار هو مسألة بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وشروط الاستثناء من المنع، حيث قال خليل (وصح قبله) أي بدو صلاحه مع أصله أو ألحق به أو على قطعه واضطر أي احتيج كما في التوضيح (له) من المتبايعين أو أحدهما كما يعطيه ترك تقيده مع بنائه للمجهول (الزرقاني5/187).
وهذه حاجة فقهية لأنها تثبت حكماً فقط في محل الاحتياج وهي شخصية بمعنى أنها لا تجوز لغير المحتاج ولا تتجاوز محلها.
وهذا ما يفرق الحاجة الفقهية عن الحاجة الأصولية التي تثبت حكماً مستمراً ولا يطلب تحققها في آحاد أفرادها. فالسلم يجوز للمحتاج وغير المحتاج كما قدمنا، وكذلك قول خليل في مسألة تلقي السلع: " وجاز لمن على ستة أميال أخذ محتاج إليه ". ومعناه أن من كان بعيداً عن المدينة يجوز له اشتراء ما يحتاج إليه من السلع قبل وصوله السوق. قال الحطاب عن ابن رشد: " وأما إن مرت به السلع على قرية على أميال من الحاضرة فيجوز له أن يشتري ما يحتاج إليه لا لتجارة، لمشقة النهوض عليه إلى الحاضرة.(الحطاب4/380).
هذه هي الحاجة الفقهية وتعتبر توسعاً في معنى الضرورة فتقدّر بقدرها وهي حاجة شخصية.
هذا هو الفرق بين الحاجة الأصولية العامة التي تثبت بها الأحكام بالنص أو الاستحسان والاستصلاح، وبين الحاجة الفقهية الخاصة التي تعتبر توسعاً في الضرورة ؛ مهم جداً في تصنيف الحاجة وترتيب الأحكام عليها.
وبذلك ندرك وجود نوعين من الحاجة أحدهما حاجة عامة والأخرى حاجة خاصة شخصية.(3/21)
وحيث إن الحاجة الفقهية ملحقة بالضرورة فقد يُختلف في بعض الفروع هل تشترط فيها الضرورة القصوى أو الحاجة ؟
في مسألة إيجاب بيع الأقوات على من هي عنده وقت الغلاء يختلف في الضرورة التي توجب ذلك.
فعند القرطبي إنما يجب البيع إن خيف بحبسه إتلاف المهج (أي الضرورة) فإن مست الحاجة ولم يكن الخوف المذكور بل دونه وجب عند ابن رشد.(الزرقاني 5/4).
فابن رشد ألحق الحاجة هنا بالضرورة إلاّ أن الضرورة التي لا تعني الحاجة قد يصرح معها بما ينفي ذلك كما في رواية ابن القاسم في فسخ الدين في منافع يتأخر قبضها من الغريم، قال فيه إلاّ عند الضرورة التي تحل أكل الميتة مثل أن يكون في صحراء بحيث لا يجد كراء ويخشى على نفسه الهلاك إن لم يأخذ منه دابة يبلغ عليها، وأشهب يجيز أن يأخذ منه دابة لما بقي له وإن لم تكن له ضرورة.(الحطاب4/368).
المصطلحات ذات العلاقة :
المصلحة :
مصدر ميمي من صلح يصلح بفتح عين الفعل وضمّها في الماضي والمضارع، وهي ضد المفسدة والصلاح ضد الفساد وأصلها جلب منفعة أو دفع مضرة. قال الشوكاني:" قال الخوارزمي: والمراد بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق".(إرشاد الفحول: ص 242)
وبين المصلحة والحاجة عموم وجهي، فقد تُطلق المصلحة على الحاجة وغيرها، وكذلك الحاجة قد تكون في محل المصالح واستعملت المصلحة بمعنى الحاجة العامة في قول العز بن عبد السلام: لأن المصلحة العامة كالضرورة الخاصة.( قواعد الأحكام: ص 326)
وقول ابن قدامة في السفتجة بعد أن ذكر الخلاف فيها حيث قال : " وقد نصّ أحمد على أن من شرط أن يكتب بها سفتجة لم يجز ومعناه اشتراط القضاء في بلد آخر . وروي عنه جوازها كونها مصلحة لهما جميعاً".
وبعد أن ذكر أقوال المجيزين والمانعين قال : " والصحيح جوازه لأنه مصلحة لهما من غير ضرر لواحد منهما.
والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرّة فيها بل بمشروعيتها ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة (المغني : 6/436-437)
عموم البلوى :
وهو الحالة أو الحادثة التي تشمل كثيراً من الناس ويتعذّر الاحتراز منها.(ابن عابدين: الحاشية 1/310)
أو ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال.(كشف الأسرار: 3/16) كنجاسة النعل والخف تطهر بالدلك وإن كان رطباً على قول أبي يوسف وهو الأصح المفتى به لعموم البلوى.(ابن عابدين : 1/309-310) .
وعموم البلوى كالحاجة لا يرفع نصاً. قال ابن نجيم: لا اعتبار عند أبي حنيفة بالبلوى في موضع النص كما في بول الآدمي فإن البلوى فيه أعم.(الأشباه والنظائر ص 84)
الغلبة :
الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة . ألا ترى أن أسواق المسلمين لا تخلو عن المحرّم . (البدائع : 6/30)
عسر الاحتراز :
ومعناها صعوبة التحفظ عن أمر وهي في العبادات وغيرها. قال الكاساني: كل فضل مشروط في البيع ربا سواء كان الفضل من حيث الذات أو من حيث الأوصاف إلاّ ما لا يمكن التحرز عنه دفعاً للحرج. (بدائع الصنائع: 5/187) .
وعبّر عنه القرافي بالتعذر حيث قال : " المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف " (الفروق: 3/198)
وأما خليل فقد قال : " لا إن عسر الاحتراز منه " (الزرقاني: 1/17)
وعفى عما يعسر كحدث مستنكح :"أي عما يعسر الانفكاك عنه بعد وجود سببه وهو المشقة".(الزرقاني وبحاشيته البناني1/41)
كل ما لا يمكن الاحتراز منه معفو عنه.(ابن تيمية الفتاوى:1/592) وعسر الاحتراز هو عبارة عن المشقة اللاحقة في العبادة أو المعاملة.
المشقة :
التي تكون بمعنى الحاجة هي الواقعة في مرتبة متوسطة. ولإيضاح ذلك ننقل كلام القرافي في الفروق على أقسام المشقة حيث يقول ممزوجاً بابن الشاط باختصار محمد بن علي بن حسين المالكي في تهذيب الفروق ما يلي:"الفرق الرابع عشر بين قاعدتي المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها":
اعلم أن التكليف إلزام الكلفة على المخاطب يمنعه من الاسترسال مع دواعي نفسه هو أمر نسبي موجود في جميع أحكامه حتى الإباحة.
ثم يختص غير الإباحة بمشاق بدنية بعضها أعظم من بعض . فالتكليف به إن وقع ما يلزمه من المشاق عادة أو في الغالب أو في النادر كالوضوء والغسل في البرد والصوم في النهار الطويل والمخاطرة بالنفس في الجهاد ونحو ذلك، لم يؤثر ما يلزمه في العبادة لا بإسقاط ولا بتخفيف لأن في ذلك نقص التكليف إن لم يقع التكليف بما يلزمه من المشاق كان التكليف على ثلاثة أقسام:
الأول : متفق على اعتباره في الإسقاط أو التخفيف كالخوف على النفوس أو الأعضاء والمنافع لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة فلو حصلنا هذه العبادة مع الخوف على ما ذكر لثوابها لأدى لذهاب أمثالها.
الثاني: متفق على عدم اعتباره في ذلك كأدنى وجع في أصبع لأن تحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة لشرف العبادة وخفة المشقة.
الثالث: مختلف فيه فبعضهم يعتبر في التخفيف ما اشتدت مشقته وإن بسبب التكرار لا ما خفت مشقته وهو الظاهر من مذهب مالك.(3/22)
فيسقط التطهير من الخبث في الصلاة عن ثوب المرضع كل ما يعسر التحرز منه كدم البراغيث ويسقط الوضوء فيها بالتيمم لكثرة عدم الماء والحاجة إليه والعجز عن استعماله.
وبعضهم يعتبر في التخفيف شديدة المشقة وخفيفها.
هذه الأقسام الثلاثة تطرد في جميع أبواب الفقه فكما وجدت المشاق الثلاثة في الوضوء، كذلك نجدها في العمرة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوقان الجائع للطعام عند حضور الصلاة والتأذي بالرياح الباردة في الليلة الظلماء والمشي في الوحل وغضب الحكام وجوعهم المانعين من استيفاء الفكر وغير ذلك . وكذلك الغرر في البيع ثلاثة أقسام وهكذا في كل أبواب الفقه.(1/131-132)
وبين أن لكل عبادة مرتبة. قلت : وكذلك منهيات المعاملات لكل منها مرتبة.
مجالات تدخل فيها الحاجة :
الحاجة والغرر :
من أهم المجالات التي تدخلها الحاجة عقود الغرر وتقدمت بعض النصوص التي تدل على اغتفار يسير الغرر للحاجة.
ونريد أن نذكر الآن ما هو الغرر ؟ وأصل النهي عنه ومدى تأثير الحاجة في إلغاء حكمه.
والغرر عرّفه القرافي بأنه: الشيء الذي لا يدري هل يحصل أو لا. وعرّف الجهالة بأنها: ما عُلم وجوده وجهُلت صفته.
وعرّف الجرجاني الغرر بأنه : ما يكون مجهول العاقبة لا يدري أيكون أو لا (التعريفات).
وقيل: ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول. قال الأزهري: ويدخل في بيع الغرر البيوع المجهولة التي لا يحيط بكنهها المتبايعان.(التاج: 3/443)
وبيع الغرر ممنوع شرعاً بعموم الكتاب لقوله تعالى: "وَلاَ تَأْكُلُو?اْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِـ?لْبَاطِلِ" ]البقرة2/88[ .
ومحرّم بنصوص السنّة . ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلّى اله عليه وسلّم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر (شرح مسلم للنووي11/156). وأخرجه مالك في الموطأ مرسلاً عن أبي حازم بن دينار عن سعيد بن المسيب أن النبي – صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَعِ الغَرَرِ(المنتقى للباجي:5/41).
علّق عليه الباجي بقوله " نهيه صلّى اله عليه وسلّم عن بيع الغرر يقتضي فساده ومعنى بيع الغرر – والله أعلم – ما كثر فيه الغرر وغلب عليه حتى صار البيع يوصف ببيع الغرر فهذا الذي لا خلاف في المنع منه ".
وأما يسير الغرر فإنه لا يؤثر في فساد عقد بيع فإنه لا يكاد يخلو منه عقد. وإنما يختلف العلماء في فساد أعيان العقود لاختلافهم فيما فيها من الغرر هل هو من حيز الكثير الذي يمنع الصحة أو من حيز القليل الذي لا يمنعها، فالغرر يتعلق بالمبيع من ثلاثة أوجه : من جهة العقد، والعوض، والأجل (المنتقى:5/41).
قلت: وجه ما ذكره الباجي وغيره أن مجرد وجود الغرر ليس مبطلاً للعقد حتى يكون غالباً ناشئاً عن كون إضافة البيع إلى الغرر هي من إضافة الموصوف إلى الصفة . ووصف ابن مالك – في التسهيل – هذا النوع من الإضافة بأنه من شبه المحضة ومثل له بمسجد الجامع لأن المسجد هو الجامع وذلك صفته ومعنى هذا أن النهي وارد على بيع غرر وليس عن بيع فيه غرر والفرق يدركه البصير بموارد الألفاظ.
وقال القرافي : " قاعدة : الغرر ثلاثة أقسام : متفق على منعه في البيع كالطير في الهواء ومتفق على جوازه كأساس الدار ومختلف فيه هل يلحق بالقسم الأول لعظمه أو بالقسم الثاني لخفته أو للضرورة إليه كبيع الغائب على الصفة والبرنامج ونحوهما ؟
ويقول النووي: "(فرع) الأصل أن بيع الغرر باطل لهذا الحديث والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز منه فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر وذكر أو أنثى وكامل الأعضاء أو ناقصها وكشراء الشاة في ضرعها لبن ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالإجماع.
قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلاّ بمشقة أو كان الغرر حقيراً جاز البيع وإلاّ فلا.
أما الشيخ تقي الدين بن تيمية فإنه قيّد الحاجة بالشدّة عندما قال في حديثه عن الجوائح: " والحاجة الشديدة يندفع بها الغرر اليسير والشريعة مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرّم فكيف إذا كانت المفسدة منفية".(الفتاوى الكبرى4/32)
الغرر المضاف :
واعتبر المالكية أن الغرر إذا كان مضافاً لأصل جائز يغتفر للحاجة بخلاف ما لو كان الغرر أصلاً في العقد فيبطل العقد .
وهذا الكلام واضح في أمرين أحدهما أن الغرر قد يجوز تبعاً للحاجة ويجوز منه اليسير وأن الربا لا يجوز منه قليل ولا كثير.
وهذه نصوص تبين حدود تأثير الحاجة في المنهيات وذلك بحسب مرتبة النهي فما كان في مرتبة وسطى كالغرر تؤثر فيه بشروط وما كان في مرتبة عليا لا يتأثر بها.
ومن هذا القبيل تأثير الحاجة معتمدة على اشتمال العقد على معنى الرفق والمعروف فقد يكون العقد في أصله حراماً ولكنه يباح للحاجة بناءً على ما علم من التفات الشارع للمعروف والرفق.(3/23)
ومن ذلك أنهم أجازوا إجارة لا تعرف فيها طبيعة المنافع المستأجر عليها ولا الذات المستأجرة وذلك في صيغة عرفت عند المالكية بـ"أعني بغلامك لأعينك بغلامي".
وتصور هذه المسألة من مختصر خليل ممزوجاً بشارحه الزرقاني : " وجاز أعني بغلامك على حرثي ونحوه لأعينك بغلامي. أراد أو نفسي على حرثك أو غيره . ولذا حذف متعلق حال كون ذلك، إجارة لا عارية ، لأنها بغير عوض وهذا بعوض، تحدث المنفعة أم لا، تساوى زمنها أو اختلف، تماثل المعان به للآخر أم لا، كحرث وبناء وغلام وثور فلا يشترط اتحاد المنفعة ولا عين المستعمل) . وهذه إجارة، ومعلوم أن الإجارة كالبيع . أركانها، والركن الثاني – الأجر- هو كالثمن يطلب كونه معروفاً قدراً وصفة " هذا كلام ابن عرفة (المواق:5/389).
وهذه الصيغة التي اعتبرت تشتمل على جهل قدر الأجرة وصفتها ؛ لأنها قد تكون ثوراً في مقابل غلام، وقد تكون حرثاً في مقابل البناء لأن الإعانة معروف حسب عبارة الزرقاني (نفس المرجع) .
قلت : قوله فكان ذلك ضرورة إلى آخره معناها هنا الحاجة كما قدمنا . وكذلك نصّوا على أن (قولهم الصفقة تفسد إذا جمعت حلالاً وحراماً مخصوص بالمعاوضات المالية بالبيع والشراء.(في الزرقاني: 7/79)
الحاجة ترجح المختلف فيه بين العلماء :
وقد نصَّ المالكية على جواز العمل بالضعيف بثلاثة شروط : أن تلجئ إليه الضرورة، وأن لا يكون ضعفه شديداً جداً، وأن تثبت نسبته إلى قائل يُقتدى به علماً وورعاً . ذكره البناني في حاشيته على الزرقاني عن المسناوي(5/124).
ونظمه سيدي عبدالله في مراقي السعود حيث قال :
وذِكْرُ ما ضَعِّفَ لَيْسَ للعَمَلْ … …إِذْ ذاكَ عَنْ وِفَاقِهِمْ قَدِ انْحَظَلْ
بلْ للتَّرَقي في مَدارِجِ السَّنا … …ويَحْفَظَ المُدْرَكَ مَنْ لَهُ اعْتِنا
أولِمُراعَاةِ الخِلافِ المُشْتَهِرْ … …أوِ المُراعاةِ لِكُلِّ مَا سُطِرْ
وكَوْنِهِ يُلْجى إليهِ الضَّرَرُ … …إنْ كانَ لَمْ يَشْتَدّ فِيهِ الخَوَرُ
وثَبَتَ العَزْوُ وقَدْ تَحَقَّقَا … …ضُرّاً من الضُّرِّ بِهِ تَعَلَّقَا
أصل مشروعية الحاجة رفع الحرج والتيسير فهي تشترك مع الضرورة في مسألة رفع الحرج وهي مبنية على التسهيل والتيسير والتوسع.
إجمال الفروق بين الضرورة والحاجة :
بعد هذا العرض يتبين أن الفرق بين الضرورة والحاجة يرجع إلى :
التعريف في أن الضرورة في معناها الفقهي الأخص شدة وضيق في المرتبة القصوى تبيح المحرّم، وفي معناها الأصولي كلي ينتظم الأحكام التي بها قوام الأديان والأبدان .
والحاجة مشقة في مرتبة وسطى في معناها الفقهي تلحق بالضرورة الفقهية في إباحة منهي ضعف دليله وتدنت مرتبته في سلم المنهيات وفي معناه الأصولي كلي أورث عدم اعتباره مشقة وحرجاً للعامة وأدى اعتباره إلى سهولة ويسر فكان أصلاً لعقود منصوصة حادت عن قياس أو خرجت عن قاعدة كلية أو أدى إليها اجتهاد مجتهد استصلاحاً أو استحساناً.
أصل المشروعية في أن النصوص المتعلقة بالضرورة نصوص واضحة محددة تتعلق برفع حرج وشدة من نوع خاص.
والنصوص التي ترجع مشروعية الحاجة إليها تتعلق برفع الحرج بصفة عامة أعم من تلك التي قبلها وأقل تحديداً.
وهذان الفرقان بين الضرورة وبين الحاجة ثابتان في الضرورة بالمعنى الأصولي (الضروري) ومتعلقها مستمر، أي أن الحكم الملحق من أجلها على خلاف القياس مستمر بناء على دليل الاستحسان أو المصلحة المرسلة وفي الضرورة بالمعنى الفقهي ومتعلقها مؤقت من باب الرخصة بالمعنى الأخص وهي تغيير حكم لعذر مع علة الحكم الأصلي.
وفي الحاجة بمعنى الحاجي وهو المعنى الأصولي ومتعلقها مستمر أي أن الحكم ثابت بها مستمر سواء كان منصوصاً معللاً بها كالسلم والإجارة …إلى آخره، أو منسوباً إليها استحساناً كالاستصناع للحاجة والتعامل أو استصلاحاً كجواز تلاوة الحائض عند مالك.
والحاجة بمعنى الحاجي يشترط فيها أن تكون عامة وأما الحاجة الفقهية وهي كالضرورة الفقهية لأنها ملحقة بها وتوسيع لمعناها وهذه ترفع الحرج مؤقتاً بخلاف الضرورة بمعناها الفقهي فإنها تبيح مع قياس النص المانع صريحاً فيما توجد فيه فترفعه مؤقتاً وتشاركها الحاجة الفقهية في التوقيت لكنها تختلف معها في مرتبة دليل الحكم الذي ترفقه فالأولى ترفع حكماً دليله قطعي كالنص بدليله الظاهر والاقتضاء والإشارة والمفهوم والقياس.
أما الثانية فإنها ترفع حكماً دليله ظني كحال العام وبخاصة العام الضعيف في نوادر الصور كما أسلفنا وهذا الاختلاف في طبيعة الدليل الذي تواجهه كل منهما ناشئ عن اختلاف المشقتين فالمشقّة في محل الضرورة هي مشقّة كبرى بينما المشقّة في محل الحاجة هي مشقّة وسطى.
أما الضرورة بمعنى الضروري عند الأصوليين فإنها تكون تأصيلاً لأحكام منصوصة من الشارع أو مجتهد فيها عن طريق المصلحة المرسلة.(3/24)
يكمن الفرق بين الضروري والحاجي في أن ما كان من قبيل الضروريات فهو أرفع مرتبة مما كان من قبيل الحاجيات تأصيلاً وتعليلاً، فما كان من الضروريات من حفظ نفس ودين ونسل ومال وعقل يقع في المرتبة العليا من المصالح الشرعية ولهذا فإنه معتبر في غيبة الشاهد الخاص عند من يعمل بالمصالح المرسلة وهو مالك رحمه الله تعالى ولم يستبعده من لا يعمل بها كالغزالي في المستصفى بشروط وابن قدامة في الروضة.
أما الحاجيات فلتدني مرتبتها فإن الاستصلاح في محلها نفاه كثير من العلماء كالغزالي في المستصفى وابن قدامة في الروضة.
وهذا في رأيي هو القول الفصل وإن وضعها قاعدة فقهية أحدث ارتباكاً عند كثير من الباحثين حيث أباحوا بالحاجة دون استفصال ودون النظر في شروط الاستصلاح والاستحسان.
ولم ينتبهوا إلى أن الحاجة لا تؤثر فيما ثبت النهي عنه بأدلة قوية بحيث تعتبر في مرتبة قوية من مراتب النهي فلا تؤثر في تحريم الخمر والميتة والدم . بل إنما تؤثر في عموم ضعيف كثرت أفراده وتناوله التخصيص وإنما تؤثر في مرتبة المنهيات لا توصف بأنها في أعلى درجات المنهيات فمن المعلوم أن محرّمات المقاصد ليست كمحرّمات الوسائل والذرائع وهذه فروق دقيقة توزن بميزان دقيق.
وباختصار فإن الفرق بين الضرورة وبين الحاجة يتجلى في ثلاث مراتب: مرتبة المشقّة ومرتبة النهي ومرتبة الدليل.
فإن الضرورة في المرتبة القصوى من المشقّة أو من الأهمية والحاجة في مرتبة متوسطة .
والنهي الذي تختص الضرورة برفعه هو نهي قوي يقع في أعلى درجات النهي لأن مفسدته قوية أو لأنه يتضمن المفسدة فهو نهي المقاصد بينما تواجه الحاجة نهياً أدنى مرتبة من ذلك لأنه قد يكون نهي الوسائل .
أما مرتبة الدليل فإن الدليل الذي ترفع حكمه الضرورة قد يكون نصاً صريحاً من كتاب أو سنّة أو سواهما . أما الدليل الذي تتطرق إليه الحاجة فهو في الغالب عموم ضعيف يخصص، أو قياس لا يطرد في محل الحاجة، أو قاعدة يستثنى منها.
من خلال التعامل مع هذه المراتب الثلاث يتبين فقه الفقهاء وفطنة الأذكياء في التمييز بين الضرورة بمعنييها الفقهي والأصولي والحاجة بمعنييها الأصولي والفقهي.
تطبيقات معاصرة :
فيما يلي بعض التطبيقات المعاصرة لمبدأ الحاجة :
1 – فتوى المجلس الأوروبي بشأن شراء بيوت السكنى في ديار غير المسلمين:
نبدأ هذه التطبيقات بفتوى أثارت جدلاً في الساحة الفقهية وهي فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المتعلقة بقرار إباحة شراء بيوت السكنى في ديار غير المسلمين ترجيحاً لمذهب أبي حنيفة ومن قال بقوله انطلاقاً من مبدأ الحاجة.
نظر المجلس في القضية التي عمت بها البلوى في أوروبا وفي بلاد الغرب كلها، وهي قضية المنازل التي تشترى بقرض ربوي بواسطة البنوك التقليدية.
وقد قدمت إلى المجلس عدة أوراق في الموضوع ما بين مؤيد ومعارض قُرئت على المجلس، ثم ناقشها جميع الأعضاء مناقشة مستفيضة، انتهى بعدها بأغلبية أعضائه إلى ما يلي:
1- يؤكد المجلس على ما أجمعت عليه الأمة من حرمة الربا وأنه من السبع الموبقات، ومن الكبائر التي تؤذن بحرب من الله ورسوله، ويؤكد ما قررته المجامع الفقهية الإسلامية من أن فوائد البنوك هي الربا الحرام .
2- يناشد المجلس أبناء المسلمين في الغرب أن يجتهدوا في إيجاد البدائل الشرعية التي لا شبهة فيها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً مثل (بيع المرابحة) الذي تستخدمه البنوك الإسلامية، ومثل تأسيس شركات إسلامية تنشئ مثل هذه البيوت بشروط ميسرة مقدورة لجمهور المسلمين، وغير ذلك.
3- كما يدعو التجمعات الإسلامية في أوروبا أن تفاوض البنوك الأوروبية التقليدية لتحويل هذه المعاملة إلى صيغة مقبولة شرعاً، مثل (بيع التقسيط) الذي يزاد فيه الثمن مقابل الزيادة في الأجل، فإن هذا سيجلب لهم عدداً كبيراً من المسلمين يتعامل معهم على أساس هذه الطريقة، وهو ما يجري به العمل في بعض الأقطار الأوروبية، وقد رأينا عدداً من البنوك الغربية الكبرى تفتح فروعاً لها في بلادنا العربية تتعامل وفق الشريعة الإسلامية، كما في البحرين وغيرها.
ويمكن للمجلس أن يساعد في ذلك بإرسال نداء إلى هذه البنوك لتعديل سلوكها مع المسلمين.
وإذا لم يكن هذا ولا ذاك ميسراً في الوقت الحاضر، فإن المجلس في ضوء الأدلة والقواعد والاعتبارات الشرعية، لا يرى بأساً من اللجوء إلى هذه الوسيلة وهي القرض الربوي لشراء بيت يحتاج إليه المسلم لسكناه هو وأسرته، بشرط ألا يكون لديه بيت آخر يغنيه، وأن يكون هو مسكنه الأساسي، وألا يكون عنده من فائض المال ما يمكنه من شرائه بغير هذه الوسيلة.
وقد اعتمد للمجلس في فتواه على مرتكزين أساسيين:
المرتكز الأول :(3/25)
قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) وهي قاعدة متفق عليها مأخوذة من نصوص القرآن في خمسة مواضع، منها قوله تعالى في سورة الأنعام : "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" ]الآية: 119[ . ومنها قوله تعالى في نفس السورة بعد ذكر محرّمات الأطعمة: "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ]الآية:145[ومما قرره الفقهاء هنا أن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة.
والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلم في حرج وإن كان يستطيع أن يعيش بخلاف الضرورة التي لا يستطيع أن يعيش بدونها، والله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة بنصوص القرآن كما في قوله تعالى في سورة الحج : "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" ]الآية:78[، وفي سورة المائدة: "مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ" ]الآية:6[ والمسكن الذي يدفع عن المسلم الحرج هو المسكن المناسب له في موقعه وفي سعته وفي مرافقه بحيث يكون سكناً حقاً .
وإذا كان المجلس قد اعتمد على قاعدة الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، فإنه لم ينس القاعدة الأخرى الضابطة والمكملة لها، وهي أن ما أبيح للضرورة يقدّر بقدرها، فلم يجز تملّك البيوت للتجارة ونحوها .
والمسكن ولا شك ضرورة للفرد المسلم وللأسرة المسلمة، وقد امتن الله بذلك على عباده حين قال: "والله جعل لكم من بيوتكم سكناً" ]النحل: 80[
وجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- المسكن الواسع عنصراً من عناصر السعادة الأربعة أو الثلاثة والمسكن المستأجر لا يلبي كل حاجة المسلم، ولا يشعره بالأمان وإن كان يكلف المسلم كثيراً بما يدفعه لغير المسلم ويظل سنوات يدفع أجرته ولا يملك منه حجراً واحداً، ومع هذا يظل المسلم عرضة للطرد من هذا المسكن إذا كثر عياله أو كثر ضيوفه، كما أنه إذا كبرت سنه أو قلّ دخله أو انقطع عرضة لأن يُرمى به في الطريق .
وتملك السكن يكفي المسلم هذا الهم، كما أنه يمكنه أن يختار المسكن قريباً من المسجد والمركز الإسلامي والمدرسة الإسلامية، ويهيئ فرصة للمجموعة المسلمة أن تتقارب في مساكنها عسى أن تنشئ لها مجتمعاً إسلامياً صغيراً داخل المجتمع الكبير، فيتعارف فيه أبناؤهم، وتقوى روابطهم، ويتعاونون على العيش في ظل مفاهيم الإسلام وقيمه العليا.
كما أن هذا يمكن المسلم من إعداد بيته وترتيبه بما يلبي حاجته الدينية والاجتماعية مادام مملوكاً له.
وهناك إلى جانب هذه الحاجة الفردية لكل مسلم الحاجة العامة لجماعة المسلمين الذين يعيشون أقلية خارج دار الإسلام، وهي تتمثل في تحسين أحوالهم المعيشية، حتى يرتفع مستواهم، ويكونوا أهلاً للانتماء إلى خير أمة أُخرجت للناس، ويغدوا صورة مشرقة للإسلام أمام غير المسلمين، كما تتمثل في أن يتحرروا من الضغوط الاقتصادية عليهم، ليقوموا بواجب الدعوة ويساهموا في بناء المجتمع العام، وهذا يقتضي ألاّ يظل المسلم يكد طول عمره من أجل دفع قيمة إيجار بيته ونفقات عيشه، ولا يجد فرصة لخدمة مجتمعه أو نشر دعوته.
المرتكز الثاني : (وهو مكمل للمرتكز الأول الأساسي)
هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن الشيباني - وهو المفتى به في المذهب الحنفي – وكذلك سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وهو رواية عن أحمد بن حنبل، ورجحها ابن تيمية – فيما ذكره بعض الحنابلة – من جواز التعامل بالربا – وغيره من العقود الفاسدة – بين المسلمين وغيرهم في غير دار الإسلام .
ويرجح الأخذ بهذا المذهب هنا عدة اعتبارات، منها :
1- أن المسلم غير مكلف شرعاً أن يقيم أحكام الشرع المدنية والمالية والسياسية ونحوها مما يتعلق بالنظام العام في مجتمع لا يؤمن بالإسلام لأن هذا ليس في وسعه ولا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها، وتحريم الربا هو من هذه الأحكام التي تتعلق بهوية المجتمع وفلسفة الدولة واتجاهها الاجتماعي والاقتصادي . وإنما يطالب المسلم بإقامة الأحكام التي تخصه فرداً مثل أحكام العبادات وأحكام المطعومات والمشروبات والملبوسات وما يتعلق بالزواج والطلاق والرجعة والعدة والميراث وغيرها من الأحوال الشخصية بحيث لو ضيق عليه في هذه الأمور ولم يستطع بحال إقامة دينه فيها لوجب عليه أن يهاجر إلى أرض الله الواسعة ما وجد إلى ذلك سبيلاً.(3/26)
2- أن المسلم إذا لم يتعامل بهذه العقود الفاسدة – ومنها عقد الربا – في دار القوم، سيؤدي ذلك بالمسلم إلى أن يكون التزامه بالإسلام سبباً لضعفه اقتصادياً وخسارته مالياً، والمفروض أن الإسلام يقوّي المسلم ولا يضعفه، ويزيده ولا ينقصه، وينفعه ولا يضرّه، وقد احتج بعض علماء السلف على جواز توريث المسلم من غير المسلم بحديث أبي داود أن مُعاذاً قال سَمِعْتٌ رَسُولَ الله –صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: الإِسْلامُ يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ"فورث المسلم" أي يزيد المسلم ولا ينقصه، ومثله: " الإِسْلامُ يَعْلُو لا يُعْلَى " وهو إذا لم يتعامل بهذه العقود التي يتراضونها بينهم سيضطر إلى أن يعطي ما يطلب منه ولا يأخذ مقابله فهو ينفذ هذه القوانين والعقود فيما يكون عليه من مغارم ولا ينفذها فيما يكون له من مغانم، فعليه الغرم دائماً وليس له الغنم، وبهذا يظل المسلم أبداً مظلوماً مالياً بسبب التزامه بالإسلام، والإسلام لا يقصد أبداً إلى أن يظلم المسلم بالتزامه به، وأن يتركه – في غير دار الإسلام – لغير المسلم يمتصه ويستفيد منه، في حين يحرم على المسلم أن ينتفع من معاملة غير المسلم في المقابل في ضوء العقود السائدة والمعترف بها عندهم.
وما يُقال من أن مذهب الحنفية إنما يجيز التعامل بالربا في حالة الأخذ لا الإعطاء لأنه لا فائدة للمسلم في الإعطاء وهم لا يجيزون التعامل بالعقود الفاسدة إلاّ بشرطين الأول: أن يكون فيها منفعة للمسلم، والثاني : ألا يكون فيها غدر ولا خيانة لغير المسلم، وهنا لم تتحقق المنفعة للمسلم.
فالجواب: أن هذا غير مسلَّم، كما يدل عليه قول محمد بن الحسن الشيباني في السير الكبير، وإطلاق المتقدمين من علماء المذهب، كما أن المسلم وإن كان يعطي الفائدة هنا فهو المستفيد إذ به يتملك المنزل في النهاية.
وقد أكّد المسلمون الذي يعيشون في هذه الديار بالسماع المباشر منهم وبالمراسلة: أن الأقساط التي يدفعونها للبنك بقدر الأجرة التي يدفعونها للمالك بل أحياناً تكون أقل. ومعنى هذا أننا إذا حرّمنا التعامل هنا بالفائدة مع البنك حرمنا المسلم من امتلاك مسكن له ولأسرته، وهو من الحاجات الأصلية للإنسان كما يعبّر الفقهاء، وربما يظل عشرين سنة أو أكثر يدفع إيجاراً شهرياً أو سنوياً ولا يملك شيئاً على حين كان يمكنه في خلال عشرين سنة – وربما أقل – أن يملك البيت .
فلو لم يكن هذا التعامل جائزاً على مذهب أبي حنيفة ومن وافقه لكان جائزاً عند الجميع للحاجة التي تنزل أحياناً منزلة الضرورة في إباحة المحظور بها.
ولاسيما أن المسلم هنا إنما يؤكل الربا ولا يأكله، أي هو يعطي الفائدة ولا يأخذها والأصل في التحريم منصب على (أكل الربا) كما نطقت به آيات القرآن، وإنما حرم الإيكال سداً للذريعة كما حرمت الكتابة له والشهادة عليه فهو من باب تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد .
ومن المعلوم أن أكل الربا المحرّم لا يجوز بحال، أما إيكاله – بمعنى إعطاء الفائدة – فيجوز للحاجة، وقد نصّ على ذلك الفقهاء وأجازوا الاستقراض بالربا للحاجة إذا سدت في وجهه أبواب الحلال .
ومن القواعد الشهيرة هنا : أن ما حرم لذاته لا يباح إلاّ للضرورة، وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة، والله الموفق.
وتعليقنا على هذا القرار : نقول عنه باختصار إنه لا يبيح التعامل بإطلاق بالربا في ديار غير المسلمين كما هو مقتضى مذهب أبي حنيفة ومن قال بقوله لكنه يبيحه في حالة الحاجة الشخصية التي لا تتجاوز محلها فهو ترجيح مقيد بالحاجة طبقاً لشروط الترجيح بالحاجة التي نقلناها عن مالك.
وإن كنت لا اتفق مع صياغة بعض الفقرات وبخاصة فيما يتعلق بالقول أن الحاجة وحدها تكفي في إباحة هذا التعامل.
والحقيقة أن الحاجة لا تكفي في إباحة الربا وإنما تعتمد الفتوى على قول العلماء القائلين بهذا مرجحاً بأصل عام شهد الشرع باعتباره وهو الحاجة والتيسير.
2 – قرار مجمع الفقه الإسلامي : 63(1/7) بشأن شراء أسهم في شركات تتعامل أحياناً بالربا: فيما يلي بعض البنود التي وردت بقرار مجمع الفقه الإسلامي فيما يختص بهذا الموضوع :إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7 – 12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9-14 مايو 1992م .
بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "الأسواق المالية" الأسهم، الاختيارات، السلع، بطاقة الائتمان، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي :
أولاً ـ الأسهم :
1- الإسهام في الشركات :
أ-بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز .
ب-لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرّم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرّمات أو المتاجرة بها.
ج-الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرّمات كالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.
2 – تحديد مسؤولية الشركات المساهمة المحدودة :(3/27)
لا مانع شرعاً من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها، لأن ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشركة.
ثانياً ـ التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة :
السلع : يتم التعامل بالسلع في الأسواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي:
الطريقة الأولى : أن يتضمن العقد حق تسليم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجود السلع أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه. وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثانية : أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق.
وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثالثة: أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد أجل ودفع الثمن عند التسليم وأن يتضمن شرطاً يقتضي أن ينتهي فعلاً بالتسليم والتسلم وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين، ويمكن أن يعدّل ليستوفي شروط السلم المعروفة فإذا استوفى شروط السلم جاز . وكذلك لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلماً قبل قبضها.
- الطريقة الرابعة : أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمّة في موعد أجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن يتضمن العقد شرطاً يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يمكن تصفيته بعقد معاكس . وهذا هو النوع الأكثر شيوعاً في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلاً.
وتعليقنا على هذا القرار المتعلق بالأسواق المالية نرى أن المجمع تارة لم يعتبر الحاجة لما عارضها من الدليل الذي يجعل اعتبارها ملغي وتارة اعتبرها . فعلى سبيل المثال :
1- الفقرة (ج) : الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرّمات كالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة .
وبهذا يرى المجمع أن الربا لا تبيحه الحاجة ولا عبرة بقلته بالنسبة لأعمال الشركة وأنشطتها باعتبار ذلك وصفاً طردياً والمجمع في ذلك كان مصيباً كل الإصابة لأن الربا كما أسلفنا في مرتبة من النهي لا تبيحها إلاّ الضرورة.
وكان بودي أن تُحذف كلمة (الأصل) التي أصبح البعض يتذرّع بها لإباحة الاشتراك في هذه الشركات بدعوى التطهير، وقد بيّنا خطأ ذلك في بحث آخر.
2-قرر المجمع أن لا مانع شرعاً من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محددة برأس مالها .
والمجمع تجاوز عن مشكلة الديون التي على الشركة فإن أصحابها وإن كانوا يعلمون أنها مرتبطة برأس مال الشركة فإنهم مع ذلك إنما تعاقدوا مع أرباب الشركة وهذا القرار فرع عن الاعتراف بالشخصية المعنوية والأصل في الشريعة اعتبار الذمّة الشخصية والمجمع قرر ذلك للحاجة.
3-في الفقرة الأخيرة من الطريقة الثالثة قرر المجمع أنه ( لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلماً قبل قبضها ) ولم يعتبر الحاجة مع أن مذهب مالك والأوزاعي جواز ذلك ما لم تكن السلعة طعاماً .
هذه القرارات تدل على تعامل حذر مع مبدأ الحاجة، ولعل بحثنا هذا يسهم في إيضاح معايير التعامل مع الحاجة.
بالإضافة إلى ما تقدم فقد منع المجمع عقود التوريد في قرارات سابقة وأكّد هذا المنع في دورته الأخيرة بالرياض بتاريخ 25 جمادى الثانية 1421هـ ، ماعدا ما يتعلق منها بالاستصناع بناءً على تأجيل العوضين.
والذي يظهر لي: أن عقود التوريد من المجالات التي تدخل فيها الحاجة لعدم وجود نص فيها وقد أجاز مالك تأجيل العوضين في السلم بشرط لثلاثة وإلى غاية أجل المسلم بلا شرط النقد وأجازه في الاستجرار في الشراء من دائم العمل كالخباز.
وأجازه في أكرياء الحج وهو كراء مضمون تأجل فيه العوضان بحاجة الناس إلى ذلك وقد نقلنا كلام ابن سراج عن المواق وفيه أن مالك : "أجاز تأخير النقد في الكراء المضمون".(التاج والإكليل:5/390) .
قال خليل :( أو في مضمونه لم يشرع فيها إلاّ كراء حج فاليسير) وكان مالك يرى أن لا بد أن ينتقد ثلثي الكراء في المضمونة إلى أجل، ثم رجع وقال :" قد اقتطع الأكرياء أموال الناس فلا بأس أن يؤخروهم بالنقد ويعربونهم الدينار وشبهه " (التاج والإكليل: 5/3939) .
قلت : قوله (ويعربونهم) أي : يعطونهم عربوناً .
كما أجيز الاستصناع للحاجة وقد أقر المجمع جوازه مع أن جواز تأجيل العوضين مذهب ابن المسيب رضي الله عنه.
وأنا أرى إعمال الحاجة في مثل هذه العقود مما لم يرد فيه نص إذا ثبتت الحاجة المعتبرة التي يؤدي عدم ارتكابها إلى مشقة وحرج يلحق العامة بغض النظر عن تحقق ذلك في آحاد صورها وقد شرحنا رأينا في تأجيل البدلين في بحثنا في البورصات المقدم إلى المجلس الأوروبي للإفتاء .
النتائج :
في هذا الفصل عرفنا الضرورة لغة بأنها الضيق والشدة والحاجة وأنها اصطلاحاً " أمر إذا لم يرتكبه المضطر هلك أو قارب الهلاك " في معناها الأخص وأنها تطلق على الحاجة . وأنها أصولياً الكلي الذي ينتظم المحافظة على ضرورات الحياة الخمس من جهة الوجود ومن جهة العدم . وبيّنا أصل مشروعية الضرورة .
وعرّفنا الحاجة لغة بأنها الافتقار إلى الشيء وذلك هو المأربة والمأربة هي الحاجة.(3/28)
وعرّفناها اصطلاحاً بأنها ما نزل عن الضرورة بحيث يؤدي فقده إلى مشقة وقلق وحصوله إلى سعة وتبسط.
ثم إن الحاجة منها ما هو حاجة عامة بشرية وهذه تحدث حكماً مستمراً وهي من باب الكلي الذي لا يجب تحققه في آحاد صوره فتكون أساساً للاستحسان والاستصلاح.
وحاجة خاصة فقهية تعتبر توسيعاً للضرورة تعطي حكمها وتقدر بقدرها وأنها رخصة بالمعنى الأخص، وذكرنا أمثلة لذلك وناقشنا وضع قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة في القواعد الفقهية وأخرجنا أصلها الأصولي مسلسلاً من الجويني إلى تلاميذه.
كما أوضحنا أن قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة ليست على إطلاقها وإن الحاجي لا يمكن أن يكون نداً للضرورة الفقهية وأن الأمثلة التي ذكروها منها – وهو أغلبها – منصوصة في الشرع فما معنى كون الحاجة تنزل منزلة الضرورة فيه إلاّ أنه استثناء من أصل يفيد التحريم كما الضرورة استثناء من نصوص تقضي بالتحريم.
وما عدا هذه المقارنة الجزئية فلا يبدو تنزيلها منزلة الضرورة مطرداً حتى يكون قاعدة فقهية قد بيّنا أنه لا تبيح ما كان النهي فيه قوياً كمحرمات المقاصد فلم تنزل منزلة الضرورة فيها.
وأشرنا إلى تفاوت درجة النهي في المنهيات وبيّنا أنها لا تواجه نصاً بالرفع ولا ترفع عامّاً في كل مدلوله بل ترفع جزئية من جزئياته وهي في الغالب جزئية تنتمي إلى العام بضعف وتلك نكتة لم يطلع عليها الباحثون وقد أيدناها بالاستقراء.
كما أبدينا أوجهاً أخرى تدخل فيها الحاجة حيث لا يكون الخلل في العقد مقصوداً أو حيث يكون الغرض من العقد معروفاً أو فيه شائبة المعروف والارتفاق أو يكون الخلل تابعاً وليس متبوعاً، أو تتوخى الحاجة مواقع الخلاف لتكون مرجحاً لقول مرجوح عرف قائله وثبت عزوه.
وأجملنا الفروق الجوهرية في المراتب الثلاث: مرتبة المشقّة، ومرتبة النهي، ومرتبة الدليل.
وهكذا اتضحت الخطوط الدقيقة للفرق بين الضرورة والحاجة التي فصلناها في القائمة الملحقة.
وذكرنا بعض التطبيقات من قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة تراوحت بين الإقدام والإحجام طبقاً لتقدير النهي والحاجة والتفاتاً في الغالب إلى وجود نقل يستأنس به أو أصل يعتمد عليه بعد أن ذكرنا قراراً واحداً للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وعلقنا على هذه القرارات تعليقاً موجزاً دون مناقشة قد تطول وتخرجنا عن سياق المطلوب في هذا البحث وأبدينا وجهة نظرنا الخاصة التي توافق قرارات المجمعين أو تخالف وتباين القرارات وبخاصة في مسألة تأجيل البدلين.
كل ذلك باختصار تارة بالعبارة الصريحة أو بالإشارة السريعة التي يفهمها أهل الاختصاص.
الفروق :
من حيث التعريف : الضرورة شدة وضيق ومشقّة تبيح المحرّم كالميتة والدم ولحم الخنزير ومال الغير والحاجة : افتقار ونقص فهي أعم من الضرورة .
الضرورة : أدلتها نصوص واضحة، والحاجة : أدلتها عمومات.
الضرورة الفقهية : لا تحتاج إلى نص في كل حالة تنزل فيها بل إن الإذن بها عام سوى ما استثنى لأدلة أخرى وقرائن . والحاجة : تفتقر إلى نص لإثبات اعتبارها وأكثر الأمثلة المذكورة كالإجارة والقراض والمساقاة منصوصة.
الضرورة : ترفع النص وغيره، والحاجة مجالها هو تخصيص العموم عند من يراها وبخاصة ما كان تناوله بالعموم ضعيفاً، وقد تخالف قياساً وتستثنى من قاعدة.
الضرورة : أثرها مؤقت محدود بها والحاجة العامة أثرها مستمر.
الضرورة شخصية لا ينتفع بها غير المضطر والحاجة لا يشترط فيها تحقق الاحتياج في آحاد أفرادها.
الضرورة رخصة بالمعنى الأخص والحاجة العامة ليست رخصة بالمعنى الأخص.
الضرورة ترفع نهياً في مرتبة عليا من سلم المنهيات كما ترفع غيره.
والحاجة لا ترفع نهياً في مرتبة عليا من مراتب النهي بل تتوخى محرّمات الوسائل دون محرمات المقاصد.
الضرورة تبيح العقود التي يكون الخلل فيها أصلياً أو تابعاً والحاجة تبيح العقد الذي يكون فيه الخلل تابعاً ومضافاً.
الضرورة تبيح الكثير واليسير والحاجة تبيح اليسير لا الكثير.
الضرورة تبيح الخلل المقصود وغيره، والحاجة تبيح غالباً الخلل غير المقصود في العقد.
الضرورة لا تختص بعقد دون آخر، والحاجة تبيح الممنوع أحياناً في سياق إرفاق ومعروف دون قصد المكايسة.
الضرورة لا تفتقر إلى خلاف، والحاجة ترجح الضعيف في محل الاختلاف بشروط.
وأخيراً لعلنا بهذه الفروق التي تسجل لأول مرة بهذه الطريقة أسهمنا في تجلية هذه المسألة أو على الأقل بيّنا الوجهة الصحيحة التي يجب على الباحثين أن ينموها والمسالك التي ينبغي للدارسين أن يسلكوها، وناقشنا مناقشة غير مسبوقة قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة في القواعد الفقهية مع أننا لا ندعي الاستيعاب.
وبالنسبة لفقه الأقليات فإن هذه القاعدة بالإضافة إلى الأمثلة المذكورة في أثناء البحث لها علاقة حميمة بكثير من مسائل فقه الأقليات وتمثل أساس الترجيح في القضايا الخلافية كالجمع بين الصلاتين لحاجة المغترب العامل بناء على ما ذهب إليه طائفة من الفقهاء منهم أشهب من المالكية وابن المنذر من الشافعية وابن سيرين وابن شبرمة إلى جواز الجمع لحاجة ما لم يتخذ ذلك عادة.(3/29)
قال ابن المنذر: يجوز الجمع في الحضر من غير خوف ولا مطر ولا مرض. وهو قول جماعة من أهل الحديث لظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما: إن النبي- صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر". فقيل لابن عباس لم فعل ذلك قال: أراد أن لا يحرج أمته.
رابعاً: قاعدة العرف:
هو ما يتعارف عليه الناس كالمعروف والعارفة وحجية العرف مستفادة من الكتاب والسنّة قال تعالى:"وللمطلقات متاع بالمعروف" "ومتّعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره" وقال تعالى: "من أوسط ما تطعمون أهليكم" وفي الحديث:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
ومن ما يستدل به لحجية العرف السنّة التقريرية كتقرير النبي –صلى الله عليه وسلم- للناس على صنائعهم وتجاراتهم . وقدم النبي – صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين. متفق عليه.
وقد أقرَّ – صلى الله عليه وسلم - القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية. رواه مسلم.
قال القرافي: وأما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرّحون بذلك فيها"شرح تنقيح الفصول ص 488،ويُراجع كتاب(العرف للدكتور عادل عبد القادر قوتة ص 129)
ولهذا اعتبرته المذاهب الفقهية فقد ورد عن الأحناف رحمهم الله تعالى حمل بعضهم قوله عليه الصلاة والسلام: "الطعام بالطعام". على البُر لأنه كان طعامهم . ذكر ذلك إمام الحرمين في البرهان ( 1 /446) .
وعن مالك أنه خصص قوله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن" بالعرف قائلاً : إن المرأة الشريفة لا ترضع بناءً على العرف وهو يوجب الرضاع على غيرها (القرطبي 3/161).
أما الشافعي فالذي رآه أن عرف المخاطبين لا يوجب تخصيص لفظ الشارع.(البرهان 1/446)
ولكن الشافعي قد يأخذ بالعرف في ترتيب الأحكام على كلام الناس.
قال الرافعي: الشافعي يتبع مقتضى اللغة تارة وذلك عند ظهورها وشمولها وهو الأصل ، وتارة يتبع العرف إذا استمر واطرد . وقال ابن عبد السلام: قاعدة الأيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة.( السيوطي في الأشباه والنظائر ص67)
أما الإمام أحمد فإنه يقول في الجائحة: إني لا أقول في عشر ثمرات ولا عشرين ثمرة ولا أدري ما الثلث ولكن إذا كانت جائحة تعرف الثلث أو الربع أو الخمس توضع) وقال ابن قدامة إنه ظاهر المذاهب.(المغني6/179).
ما نُقل يدل على أن العرف قد يكون أساساً لاستنباط الحكم فيخصص العام في دليل الاستحسان، إلاّ أن العرف قد يكون أساساً لتغير الفتوى لهذا فإن العلماء فيما يتعلق بالعرف لم يفرقوا بين مجتهد ولا مقلّد.
قال في مراقي السعود في تعريف الاستحسان :
أَوْ هو تَخْصِيصُ بعُرْفٍ مَا يَعُمّْ *** ورعْيَ الاسْتِصْلاحِ بعضَهُم يَؤمّْ
ومن الواضح أنهم يرون أن المقلد يتصرف طبقاً للعرف فيمكن أن يراجع مذهب إمامه على ضوئه ، بل إنه يخالف ظاهر النص بسبب اختلاف العرف الذي كان قائماً عليه على خلاف في هذه المسألة لأنه من باب تحقيق المناط وبهذا الصدد نذكر اختلافهم في تغير العرف بالنسبة لضمان ما أتلفته الماشية كما في حديث ناقة البراء ، فإن على أهل الحوائط حفظ حوائطهم بالنهار وعلى أهل الماشية حفظ ماشيتهم بالليل ، وفي حال تغير العرف بأن كان أهل الحوائط يحفظونها ليلاً وأهل الماشية يحفظونها نهاراً.
قال السيوطي: كما لو جرت عادة قوم بحفظ زرعهم ليلاً ومواشيهم نهاراً فهل ينزل ذلك منزلة العرف العام في العكس وجهان والأصح نعم.(الأشباه والنظائر ص 67) و (العرف د.عادل قوته ، ص215) .
كذلك نجد أن أبا يوسف يرى جواز معيار العد فيما معياره الوزن عند تغير العادة مع ورود النص.
قال في الدر المختار: وما نصّ الشارع على كونه كيليّاً كبُر وشعير وتمر وملح أو وزنياًّ كذهب وفضة فهو كذلك لا يتغير أبداً .. إلى قوله .. لأن النص أقوى من العرف فلا يترك الأقوى بالأدنى وما لم ينص عليه حمل على العرف وعن الثاني اعتبار العرف مطلقاً ورجحه الكمال.
قوله : ورجحه الكمال حيث قال عقب ما ذكرناه ولا يخفى أن هذا لا يلزم أبا يوسف لأن قصاراه أنه كنصه على ذلك وهو يقول يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناءً على أن تغير العادة يستلزم تغيّر النص حتى لو كان عليه الصلاة والسلام حياً نصَّ عليه.
وأطال ابن عابدين حيث أوضح: أن النص معلول بالعرف فيكون هو المعتبر في أي زمان كان. (حاشية ابن عابدين 4/112)
وقال أيضاً في رسالته " نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف" : فهذا كله وأمثاله دلائل واضحة على أن المفتي ليس له الجمود على المنقول في كتب ظاهر الرواية من غير مراعاة الزمان وأهله وألاّ يضيّع حقوقاً كثيرة ويكون ضرره أكثر من نفعه.(رسائل ابن عابدين ، 2-131)
" ليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما بظاهر الرواية ويتركا العرف ، والله أعلم.(نفس المرجع ، ص133)(3/30)
وله أيضاً : ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد أنه لابد فيه من معرفة عادات الناس ، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغيّر عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولا للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن أحكام ، ولهذا ترى مشايخ المذاهب خالفوا ما نصَّ عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمانهم لقال بما قالوا به أخذا من قواعد مذهبه.(رسائل ابن عابدين 2/125)
وقد عبّر العلماء عن ذلك تعبيراً قوياً فقال ابن القيّم في تغيّر الفتوى واختلافها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيّات والعوائد : هذا فصل عظيم النفع جداً وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله –صلى الله عليه وسلم-. (ابن القيّم ، إعلام الموقعين 3 /11)
ومن تغير الفتوى بتغير الزمان قول الأحناف الأصل في المرأة إذا قبضت معجل صداقها تلزم بمتابعة زوجها حيث شاء ولكن المتأخرين من أهل المذهب لا حظوا فساد الأخلاق وغلبة الجور على النساء فأفتوا بأن المرأة لا تجبر على السفر مع زوجها إلى مكان إذا لم يكن وطنا لها وذلك لفساد الزمان والأخلاق وعلى هذا استقرت الفتوى والقضاء في المذهب .( المدخل للشيخ الزرقاء ص928)
وأجاز متأخروا الأحناف أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلوم الشرعية .
وفي مذهب مالك: أجاز المتأخرون بيع العقار الموقوف بشروط وأصل المذهب منع ذلك.
وهذه الشروط هي : أن يكون العقار خربا وليس في غلته ما يصلحه ولا يوجد من يقوم بإصلاحه تطوعا .
وأجاز أهل الأندلس صرف غلات الأحباس في غير المصرف الموقوف عليه.
وحلف المتأخرون من علماء فاس الشهود على شهادتهم لفساد الزمان فقال الفاسي في عملياته :
وحَلَفَ ابْنُ سُودَةَ الشُّهودَا *** مِنَ اللفِيفِ لفُجُورِ زِيدَا .
وفي المذهب الشافعي: اعتبر المتأخرون من علماء المذهب المقصد العرفي في الأيمان والمعاملات دون مقتضى اللغة الذي كان المعتبر في أصل المذهب.
قال القرافي في "الأحكام ":… إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغيّر تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغيّر الحكم فيه عند تغيّر العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة وليس هذا تجديداً للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد، بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد".(القرافي، الأحكام ص218) .
(ثم اعلم) أن كثيراً من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناء على ما كان في عرفه وزمانه قد تغيرت بتغير الأزمان بسبب فساد أهل الزمان أو عموم الضرورة كما قدمناه من إفتاء المتأخرين بجواز الاستئجار على تعليم القرآن وعدم الاكتفاء بظاهر العدالة مع أن ذلك مخالف لما نص عليه أبو حنيفة ومن ذلك تحقق الإكراه من غير السلطان مع مخالفته لقول الإمام بناء على ما كان في عصره إن غير السلطان لا يمكنه الإكراه ثم كثر الفساد فصار يتحقق الإكراه من غيره فقال محمد باعتباره، وأفتى به المتأخرون.
الدخول بها بأنها لم تقبض ما أشترط لها تعجيله من المهر مع أنها منكرة للقبض وقاعدة المذهب أن القول للمنكر لكنها في العادة لا تسلم نفسها قبل قبضه. وكذا قالوا في قوله كل حل على حرام يقع به الطلاق للعرف قال مشايخ بلخ وقول محمد لا يقع إلا بالنية أجاب به على عرف ديارهم أما في عرف بلادنا فيريدون به تحريم المنكوحة فيحمل عليه نقله العلامة قاسم ونقل عن مختارات النوازل إن عليه الفتوى لغلبة الاستعمال بالعرف ثم قال قلت ومن الألفاظ المستعملة في هذا في مصرنا الطلاق يلزمني الحرام يلزمني وعلي الطلاق وعلي الحرام .هـ
وكذا مسألة دعوى الأب عدم تمليكه البنت الجهاز فقد بنوها على العرف مع أن القاعدة أن القول للمملك في التمليك وعدمه وكذا جعل القول للمرأة في مؤخر صداقها مع أن القول للمنكر. وكذا قولهم المختار في زماننا قولهما في المزارعة والمعاملة والوقف لمكان الضرورة والبلوى. وقول محمد بسقوط الشفعة إذا أخر طلب التملك شهرا دفعا للضرر عن المشتري.(3/31)
ورواية الحسن بأن الحرة العاقلة البالغة لو زوجت نفسها من غير كفء لا يصح. وإفتاؤهم بالعفو عن طين الشارع للضرورة وبيع الوفاء والاستصناع والشرب من السقا بلا بيان مقدار ما يشرب. ودخول الحمام بلا بيان مدة المكث ومقدار ما يصب من الماء. واستقراض العجين والخبز بلا وزن وغير ذلك مما بني على العرف وقد ذكر من ذلك في الأشباه مسائل كثيرة.
(فهذه) كلها قد تغيرت أحكامها لتغير الزمان إما لضرورة وإما للعرف وإما لقرائن الأحوال وكل ذلك غير خارج عن المذهب لأن صاحب المذهب لو كان في هذا الزمان لقال بها ولو حدث هذا التغير في زمانه لم ينص على خلافها وهذا الذي جرأ المجتهدين في المذهب وأهل النظر الصحيح من المتأخرين على مخالفة المنصوص عليه من صاحب المذهب في كتب ظاهر الرواية بناء على ما كان في زمنه كما مر تصريحهم به في مسألة كل حل علي حرام من أن محمداً بنى ما قاله على عرف زمانه وكذا ما قدمناه في الاستئجار على التعليم.
(فإن قلت) العرف يتغير مرة بعد مرة فلو حدث عرف آخر لم يقع في الزمان السابق فهل يسوغ للمفتي مخالفة المنصوص واتباع العرف الحادث. (قلت) نعم فإن المتأخرين الذين خالفوا المنصوص في المسائل المارة لم يخالفوه إلا لحدوث عرف بعد زمن الإمام فللمفتي أتباع عرفه الحادث في الألفاظ العرفية وكذا في الأحكام التي بناها المجتهد على ما كان في عرف زمانه وتغيير عرفه إلى عرف آخر إقتداء بهم لكن بعد أن يكون المفتي ممن له رأي ونظر صحيح ومعرفة بقواعد الشرع حتى يميز بين العرف الذي يجوز بناء الأحكام عليه وبين غيره فإن المتقدمين شرطوا في المفتي الاجتهاد وهذا مفقود في زماننا فلا أقل من أن يشترط فيه معرفة المسائل بشروطها وقيودها التي كثيرا ما يسقطونها ولا يصر حون بها اعتمادا على فهم المتفقه وكذا لابد له من معرفة عرف زمانه وأحوال أهله والتخرج في ذلك على أستاذ ماهر ولذا قال في آخر منية المفتي لو أن الرجل حفظ جميع كتب أصحابنا لابد أن يتتلمذ للفتوى حتى يهتدي إليه لأن كثيراً من المسائل يجاب عنه على عادات أهل الزمان فيما لا يخالف الشريعة. انتهى.
وفي القنية ليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما على ظاهر المذهب ويتركا العرف. انتهى.
ونقله منها في خزانة الروايات وهذا صريح فيما قلنا من أن المفتي لا يفتي بخلاف عرف أهل زمانه.
(وفي) تصحيح العلامة قاسم فإن قلت قد يحكون أقوالاً من غير ترجيح وقد يختلفون في التصحيح قلت يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغيير العرف وأحوال الناس وما هو إلاّ رفق بالناس وما ظهر عليه التعامل وما قوى وجهه ولا يخلوا الوجود من تمييز هذا حقيقة لا ظناً بنفسه ويرجع من لم يميز إلى من يميز لبراءة ذمته.
(فهذا) كله صريح فيما قلنا من العمل بالعرف ما لم يخالف الشريعة كالمكس والربا ونحو ذلك فلا بد للمفتي والقاضي بل والمجتهد من معرفة أحوال الناس وقد قالوا ومن جهل بأهل زمانه فهو جاهل وقدمنا أنهم قالوا يفتى بقول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لكونه جرب الوقائع وعرف أحوال الناس.
وقالوا إذا زرع صاحب في الأرض أرضه ما هو أدنى مع قدرته على الأعلى وجب عليه خراج الأعلى قالوا وهذا يعلم ولا يفتى به كيلا يتجرأ الظلمة على أخذ أموال الناس.
وكذا قال في فتح القدير قالوا لا يفتى بهذا لما فيه من تسلط الظلمة على أموال المسلمين إذ يدعى كل ظالم أن الأرض تصلح لزراعة الزعفران ونحوه وعلاجه صعب. انتهى. (فقد) ظهر لك أن جود المفتي أو القاضي على ظاهر المعقول مع ترك العرف والقرائن الواضحة والجهل بأحوال الناس يلزم منه تضييع حقوق كثيرة وظلم خلق كثير.
(ثم أعلم) أن العرف قسمان عام وخاص فالعام يثبت به الحكم العام ويصلح مخصصا للقياس والأثر بخلاف الخاص فإنه يثبت به الحكم الخاص ما لم يخالف القياس أو الأثر فإنه لا يصلح مخصصا.
تحقيق المناط:
والمناط هو العلة من النوط أي التعليق فالحكم معلق بها ، تقول ناط به نوطاً أي علقه.قال حسان :
وَأَنْتَ زَنِيمُ نيطَ في آلِ هاشِمٍ *** كَما نيطَ خَلفَ الراكِبِ القَدَحُ الفَردُ
ويُقال هو منه مناط الثريا ، أي : بعيد ، وهو تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع علة حكم ما في محله بنص أو إجماع فيبين المجتهد وجودها في الفرع. (شرح مختصر الروضة 2/233)
قال في مراقي السعود :
تَحقيقُ عِلَّةٍ عَلَيْها ائْتُلِفا *** في الفَرْعِ تَحْقيقَ مَناطِ عُرِفا
كتحقيق الطوافة في الفأرة فيحكم لها بحكم الهرة. وهو تطبيق القاعدة الشرعية المتفق عليها أو المنصوص عليها. وتحقيق المناط لا ينقطع فيه الاجتهاد إذ لا يمكن التكليف إلاّ به كما قال الشاطبي ، وأمثلته كثيرة وهي التي ركز عليها الفقهاء. (نشر البنود 2 /208)
وقال الشاطبي: الاجتهاد على ضربين : أحدهما لا يمكن أن ينقطع حتى ينقطع التكليف وذلك عند قيام الساعة ، والثاني يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا . فأما الأول فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط وهذا الذي لا خلاف فيه بين الأمّة في قبوله ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله.(الموافقات4 /89-90)
خامساً:قاعدة النظر في المآلات:(3/32)
ومما يصب في جداول المصلحة ويسير في دربها قاعدة النظر في المآلات في الأقوال والأفعال وقد نص الشاطبي على أن المفتى عليه أن ينظر في مآل فتواه.
وقد كان الإمام الشاطبي من أوفى من شرح هذا المدلول الاصطلاحي كما يقول الدكتور عبد المجيد النجار ونص الشاطبي : "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدّى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعة ربما أدّى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوى أو تزيد فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغبّ جار على مقاصد الشريعة".(الموافقات5/177-178)
وأصل ذلك قوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من الله فيسبوا الله عدواً بغير علم" وقوله –صلى الله عليه وسلم-: لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم " وقوله في تعليل انصرافه عن قتل المنافقين:دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه أخاف أن يتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه " البخاري.
وهكذا فإن الصحابة فهموا مقصد الشارع والمقاصد هي المعاني التي تعتبر حكما وغايات التشريع فتصرفوا طبقا لذلك فهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يترك تغريب الزانى البكر مع وروده في الحديث حيث قضى عليه الصلاة والسلام بجلده مائة وتغريب سنة وذلك لما شاهد من كون التغريب قد يؤدي إلى مفسدة أكبر وهى اللحاق بأرض العدو وقال لا أغرب مسلما.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : كفى بالنفي فتنة.
وأيضا فإن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمّا تولى الملك أجل تطبيق بعض أحكام الشريعة فلمّا استعجله ابنه في ذلك أجابه بقوله : "أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعونه جملة ويكون من ذا فتنة".(الموافقات 2/148)
وقد فهم ذلك العلماء فرتبوا عليه أولويات الأمر والنهي فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية حينما مر بقوم من التتار يشربون الخمر فنهاهم صاحبه عن هذا المنكر فأنكر عليه ذلك قائلا : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذّرية وأخذ الأموال فدعهم .( إعلام الموقعين 3/13)
وقد قال الشاطبي إنه ينبغي على المجتهد : "النظر فيما يصلح بكل مكلف في نفسه بحسب وقت دون وقت وحال دون حال وشخص دون شخص إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزّان واحد ...فهو يحمل على كل نفس من أحكام النصوص ما يليق بها بناء على أن ذلك هو المقصود الشرعي في تلقي التكاليف".(الموافقات 5/55)
وسد ذرائع الحرج والمشقة وقد يسميه البعض بفتح الذرائع لأنه ترك لبعض فضائل الأعمال خوفاً من إعنات المكلفين كما ترك عليه الصلاة والسلام تأخير صلاة العشاء قائلا: هذا وقتها لولا أن أشق على أمتي".
وصار الأفضل مفضولاً خوفاً من المشقة.
وكذلك ترك الأمر بالسواك عند كل صلاة وكذلك الجمع بين الصلاتين من غير عذر فقال ابن عباس: لئلا يحرج أمته.
وترك بناء البيت على قواعد إبراهيم لحدثان عهد القوم بالكفر فيفتنون.
وترك قتل أهل النفاق المشهود عليهم بالكفر لما في ذلك من تشويه صورة الدين وتنفير الناس منه.
وترك بعض الصحابة لذبح الأضحية يوم العيد وترك عثمان رضي الله عنه للقصر في الحج خوفا من أن يقول جهلة الناس: إن الصلاة أصبحت ركعتين.
وترك عمر رضي الله عنه لإصدار بيان على الناس يشرح فيه قضية الشورى واختيار الحكام بناء على نصيحة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حتى لا يساء فهمه ويطير الناس إلى أقطارهم بتصورات خاطئة.
وعلى هذا ينبني كثير من قرارات المجلس الأوربي حيث يمنع أئمة المساجد من عقد النكاح قبل أن يعقد عقداً مدنياً أمام السلطة لأن من شأن تلك العقود وإن كانت مستوفية الشروط أن تؤل إلى خصومات وربما حرمان المرأة من حقوقها وحرمان الأولاد من نسبهم لعدم توثيق العقد وهذا من باب النظر في المئالات.
وقاعدة ارتكاب أخف الضررين وجلب المصالح ودرء المفاسد فكما يقول ابن تيمية : إن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وعلى هذا تعطل أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما ويرتكب أخف الشرين والضرين لتفويت أقصاهما.
ويقول الشاطبي: وقد يرتكب النهي الحتم إذا كانت له مصلحة راجحة ومثل بمسألة تقرير الزاني وفيها النطق بالكلمة التي ينهى عنها في غير هذا المقام.( 3/331)
وبناء عليه فقد وضع المالكية قاعدة جريان العمل وهي قاعدة من خلالها يرجح قول كان في الماضي مرجوحاً ليصبح القول الضعيف راجحاً فيترك مشهور المذهب وراجحه ويعمل بهذا القول لكنهم ضبطوا ذلك بضوابط...(3/33)
... كان مخالفاً للمشهور وهذا ظاهر إذا تحقق استمرار تلك المصلحة وذلك السبب وهذا ظاهر إذا تحقق استمرار تلك المصلحة وذلك السبب و إلا فالواجب الرجوع إلى المشهور هذا هو الظاهر.( البناني 5/124)
ومن المهم أن نعرف لماذا عدل العلماء عن المشهور والراجح إلى القول الضعيف؟
والجواب كما يقول السجلماسي في شرحه :"إن أصل العمل بالشاذ وترك المشهور الاستناد لاختبارات شيوخ المذهب المتأخرين لبعض الروايات والأقوال لموجب ذلك كما بسطه ابن الناظم في شرح تحفة والده من الموجبات تبدل العرف أو عروض جلب المصلحة أو درء المفسدة فيرتبط العمل بالموجب وجوداً وعدماً ولأجل ذلك يختلف باختلاف البلدان ويتبدل في البلد الواحد بتبدل الأزمان".( شرح نظم العمل المطلق 1/7)
وقد قدمنا أن شروط العمل بالضعيف ثلاثة : أن لا يكون القول المعمول به ضعيفاً جداً وأن تثبت نسبته إلى قائل يُقتدى به علماً وورعاً وأن تكون الضرورة محققة ومعناها الحاجة.
وقد يعتبر البعض أن هذا من باب التساهل في الفتوى المنهي عنه وليس الأمر كذلك فمعنى التساهل عند ابن الصلاح : "هو أن لا يتثبت" الفقيه" ويُسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر . وربما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعة والإبطاء عجز ومنطقة وذلك جهل. ولأن يُبطئ ولا يخطئ أكمل به من أن يعجل فيضل ويُضل وقد يكون تساهله وانحلاله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلباً للترخيص على من يروم نفعه أو التغليظ على من يريد ضره ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه".( أدب الفتوى وشروط المفتى لابن الصلاح ص 65).
سادساً: قاعدة: قيام جماعة المسلمين مقام القاضي:
ويتفرع عليها: تصرفات المراكز الإسلامية في قضايا الأقلية المسلمة الشرعية ومستندها شرعا.ونحن نفصل الكلام فيه على ما يأتي :
إن الشريعة الإسلامية رتبت شئون الناس بناء على حكمة بالغة ومصالح قائمة وفي نفس السياق حددت المسئوليات و إناطتها بجهات معينة مكلفة بما اصطلح على تسميته"بالخطط الشرعية".
ومن هذه الخطط القضاء ويتولاه قضاة يعينهم ولي الأمر بمواصفات معروفة في كتب الفقه أولها العلم والديانة. وحيث أنه لا يوجد في المهجر قضاة شرعيون فإن المراكز الإسلامية يمكن أن تمنح صفة شرعية لفض بعض النزاعات وحسم بعض الخلافات بين المسلمين طبقا لما سماه الفقهاء تارة بجماعة المسلمين ومرة بالعدول الذين يقومون مقام القاضي وذلك أن الإمام في الأصل نائب عن الجماعة فلا يستبعد أن تنوب الجماعة إذا تعذر وجوده لما ورد في الأثر موقوفاً على ابن مسعود "ما رءاه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن" وقد صرح العلماء بأن جماعة المسلمين تقوم مقام القاضي عند عدمه وفي حالات نادرة في وجوده كما سنقف عليه.
وقد نص المالكية في باب أحكام زوجة المفقود على أن جماعة المسلمين تقوم مقام القاضي قال خليل في مختصره: "فصل ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي ووالي الماء و إلا فلجماعة المسلمين".
قال الحطاب وأما جماعة المسلمين فلا يصح ضربهم الأجل أي لزوجة المفقود إلا عند فقد من ذكر( القاضي - الوالي - ووالي الماء) ( مواهب الجليل 4/155)
وفى شرح المواق : (وقال القابسي وغيره من القرويين لو كانت المرأة في موضع لا سلطان فيه لرفعت أمرها إلى صالحي جيرانها ليكشفوا عن خبر زوجها ويضربوا لها أربعة أعوام ثم عدة الوفاة وتحل للأزواج لأن فعل الجماعة في عدم الإمام كحكم الإمام ) التاج والإكليل 4/156)
وقال الزرقاني عند قوله(فلجماعة المسلمين) من صالحي جيرانها وغيرهم العدول من معظم البلد لأنهم كالإمام الواحد كاف.( 4/211)
وقال الدردير في الشرح الصغير على أقرب المسالك : "أو لجماعة المسلمين عند عدمه" ولو حكما كما في زمننا بمصر إذ لا حاكم فيها شرعي ويكفي الواحد من جماعة المسلمين إن كان عدلا عارفا شأنه أن يرجع إليه في مهمات الأمور بين الناس لا مطلق واحد وهو مجمل كلام العلامة الأجهوري وهو ظاهر لا خفاء به والاعتراض عليه تعسف.( 2/694)
والدردير في آخر كلامه يرد اعتراض البناني على قيام الواحد مقام القاضي وأصل كلام البناني للشيخ المسناوي.
ومثله فسخ البيع الفاسد انظر شرح ابن جماعة وكلام أبي الحسن الذي أشار إليه هو في كتاب المكاتب ونصه بعد أن ذكر عن أبي عمران أن المكاتب إذا بعث لسيده بكتابته فلم يقبلها لا يخرج عن الرق حتى يقضي عليه القاضي بذلك إلا أن يكون ببلد لا حاكم فيه فليشهد ويكون ذلك كالحكم.
الشيخ انظر جعل أبي عمران هذا الإشهاد مقام الحكم وكذلك في المحارب وكذلك في الهبات . وإذا ترك بنتا وعصبة ولا إمام.(3/34)
وذكر ابن يونس في كتاب الحمالة أن جماعة العدول تقوم مقام الإمام.انتهى وقال البرزلي في أثناء مسائل الأقضية سئل السيوري عمن غاب إلى مصر وله زوجة لم يخلف لها نفقة إلا ما لا يفي بصداقها ( هكذا) وليس في البلد قاض وربما كان فيه أمين من قبله فحلف بالمشي إلى مكة أنه لا يحكم فيه ولا ينظر في طلاق وربما كان بين البلد والأمير نحو ثمانية أميال والخوف بينهم عام وربما انجلى الخوف وفي بعض الأوقات فهل تقوم الجماعة مقام القاضي في هذه النازلة وغيرها أو يجب على أمينه أن يحنث نفسه ويحكم أم لا ؟
جوابها: لعدم القضاة أو لكونهم غير عدول فجماعتهم كافية في الحكم في جميع ما وصفته وفي جميع الأشياء فيجتمع أهل الدين والفضل فيقومون مقام القاضي في ضرب الآجال والطلاق وغير ذلك قال البرزلي قلت: تقدم أن الجماعة تقوم مقام القاضي إلا في مسائل تقدم شيء منها. وانظر مسائل السلم من البرزلي والجهاد من المشذالي وقد ذكر بعض كلامه في الوصايا وفي الأقضية شيء من ذلك والله أعلم ( مواهب الجليل 4/199)
وإذا كانت بعض الظواهر تفيد اعتبار الحاكم فقط دون العدول ( جماعة المسلمين) كقول خليل: "وفي إرسالها القول قولها إن رفعت من يومئذ لحاكم لا لعدول وجيران" فإنما ذلك مع وجود السلطان حيث يختلف العلماء في اعتبار العدول مع وجود السلطان كما يشير إليه النقل في هذه المسألة إذ يقول المواق عند النص المتقدم: وأما إن رفعت أمرها إلى عدول بلدها والثقات من جيرانها ولم ترفع أمرها إلى السلطان فإحدى الروايتين أن ذلك ليس بشيء وعلى هذه الرواية العمل وبها الفتيا وصوب الشيخ أبو الحسن الرواية الأخرى وأن رفعها إلى الجيران كرفعها إلى السلطان وكثير من النساء لا ترضى الرفع إلى السلطان وتراه معرة وفسادا مع زوجها إن قدم.
ابن عرفة الذي استمر عليه قضاة بلدنا أن الرفع إلى العدول كالرفع إلى السلطان.
ويقول ابن فرحون في كتابه "التبصرة" : تنعقد ولاية القضاء بإجماع ذوي الرأي وأهل العلم والمعرفة والعدالة لرجل منهم كملت فيه شروط القضاء وهذا حيث لا يمكنهم مطالعة الإمام في ذلك.( 1/ 201 بحاشية نوازل عليش)
وفي المعيار للونشريسي ما نصه : "إذا لم يكن بالبلد قاض زوج صالحوا البلد من أراد التزويج".
وسئل أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي عن امرأة أرادت التزويج وهي ثيب ولا حاكم بالبلد وأولياؤها غيب ترفع أمرها إلى فقهاء البلد فيأمر من يزوجها وكيف إذا لم يكن بالبلد عالم ولا قاض أترفع أمرها إلى عدول البلد في البكر والثيب ؟
فأجاب: إذا لم يكن بالبلد قاض فيجتمع صالحوا البلد ويأمرون بتزويجها.
" كل بلد لا سلطان فيه فعدول البلد وأهل العلم يقومون مقامه في إقامة الأحكام"
وسئل أيضا عن بلاد المصامدة ربما لم يكن عندهم سلطان وتجب الحدود على السراق وشربة الخمر وغيرهم من أهل الفساد هل لعدول ذلك الموضع وفقهائه أن يقيموا الحدود إذا لم يكن سلطان وينظرون في أموال اليتامى والغيب والسفهاء ؟
فأجاب بأن قال: ذلك لهم وكل بلد لا سلطان فيه أو فيه سلطان يضيع الحدود أو سلطان غير عدل فعدول الموضع وأهل العلم يقومون في جميع ذلك مقام السلطان.
وسئل أيضا عن بلد لا قاضي فيه ولا سلطان أيجوز فعل عدوله في بيوعهم واشريتهم ونكاحهم؟
فأجاب:بأن العدول يقومون مقام القاضي والوالي في المكان الذي لا إمام فيه ولا قاضي.
قال أبو عمران الفاسي : أحكام الجماعة الذين تمتد إليهم الأمور عند عدم السلطان نافذ منها كل ما جرى على الصواب والسداد في كل ما يجوز فيه حكم السلطان وكذلك كل ما حكم فيه عمال المنازل من الصواب ينفذ.(المعيار10/102-103)
وفي "الدر النثير" لأبن الهلال في باب الغصب أن جماعة العدول في البلاد السائبة تنوب عن السلطان حيث يتعذر الإنهاء إليه في كل حكم وكذلك إن كان السلطان غير عدل أو يضيع الحدود.
وفي كتاب "شكر النعمة بنشر الرحمة" للعلامة محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي عند كلامه على شروط تزويج اليتيمة : وفي شرط إثبات موجبات نكاحها عند قاض قولان ثم استطرد قائلا "تنبيه" إن فقد القاضي فالجماعة تقوم مقامه في كل شيء.)
وفي مجموع النوازل الموريتانية نوازل نصوا فيها على أن جماعة المسلمين تقوم مقام القاضي ومنها تطليق الناشز يقول ابن حمى الله الشنقيطي في نظمه للنوازل :
ولا يَحِلُ تَركُ نَاشِزِ عَلى *** عِصْيَانِهَا والزُّوجُ حَتْماً قَبِلا
فِدَاءَها بِمَا أَحَبَ مُمْكِنا *** إلا يُطَلِقَها عَلَيهِ الأُمَنا
وقاعدة قيام الجماعة مقام الحاكم والقاضي معروفة في المذهب المالكي على اختلاف في دخولها في بعض النوازل.
وفي المذاهب الفقهية الأخرى إشارات نلتقط بعضها باختصار فمن ذلك قول العلامة أبي يعلى الفراء الحنبلي في الأحكام السلطانية: ولو أن بلدا خلا من قاض أجمعوا على أن قلدوا عليهم قاضيا نظرت فإن كان الإمام موجودا بطل التقليد وإن كان مفقودا صح ونفذت أحكامه.(الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص73)
ويقول ابن عابدين في الحاشية: وفي بلاد عليها ولاة كفار فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين.( 3/253)(3/35)
وقال قبل ذلك : ويتفرع على كونها دار حرب أن الحدود والقود لا يجري فيها.(نفس الصفحة)
فيفهم من كلامه أن من تراضى عليه المسلمون يمكن أن يحكم بينهم فيما سوى الحدود والدماء.
تطليق القاضي غير المسلم المرأة المسلمة:
إن هذه المسألة في كتب الفروع محسومة فغير المسلم ليس أهلا للحكم في شئون المسلمين لا قاضيا ولا حكما لقوله تعالى "وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً" والآية وردت بصورة الخبر ويراد به الأمر كما يقول الشاطبي وسلب أهلية القضاء والحكم عن غير المسلم أمر لا خلاف فيه فيما أعلم.
ومع ذلك فإن أوضاع المسلمين في ديار غير المسلمين حيث لا يسمح بإنشاء محاكم إسلامية يتحاكمون أمامها وتخضع منازعاتهم بالكلية لقوانين قضاة البلد الذي يقيمون فيه تجعل حالهم مندرجا ضمن الضرورات التي لها أحكامها والتي تتخذ من المصالح معيارا للحكم والإمكان والاستطاعة أساسا للتكليف لقوله تعالى"فاتقوا الله ما استطعتم" ولهذا رأى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء أن أحكام المحاكم غير المسلمة ينفذ بالطلاق لما يترتب على عدم ذلك من وجود حالة من التعليق يكون الرجل متمسكا بعصمة زوجته وتكون فيها المرأة مرسلة خارج بيت الزوجية مستندة إلى الحكم الصادر من المحكمة وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى وجعلوا في حيثيات القرار الذي استند إلى تقرير فضيلة الشيخ الفقيه فيصل مولوي أن الزوج بعقده للنكاح في ظل قوانين هذا البلد التي تسمح للقاضي غير المسلم بإيقاع الطلاق كأنه وَكَّلَ القاضي غير المسلم بحل العصمة بدلا منه وهي وكالة ممتدة طيلة بقاء النكاح بين الزوجين.
وفي هذا التخريج من البعد ما لا يخفى "فالأعم كما يقول العلماء لا أشعار له بأخصّ معين" فعقد النكاح في تلك البلاد قد يكون صاحبه ذاهلا وغافلا عن مسألة الطلاق فضلا عن أن يكون عاقدا توكيلا – فكل ما احتاج إلى إذن فإنه يحتاج إلى صريحه كما تقول القاعدة – أخذا من الحديث: الثيب تعرب.
ومع ما تقدم فإن القول بإنفاذ الطلاق لا يبعد وذلك بإيجاب طلاق الزوجة على الزوج وعلى جماعة المسلمين أن يحكموا بهذا الطلاق حتى لا تظل الزوجة على معصية كما قدمنا عن المالكية في الزوجة الناشز درءا للمفسدة وتوسيعا لمفهوم إنفاذ أحكام قضاة الجور المسلمين المولّين من طرف الكفار ليشمل القضاة الكفار درءا للمفسدة التي أشار إليها العز بن عبد السلام في الحالة الأولى حيث قال: ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلبا للمصالح العامة ودفعا للمفاسد الشاملة إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة لفوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها ممن هو أهل لها وفي ذلك احتمال بعيد.( القواعد 1/66)
وحيث يقول أيضا في الشهادة وهي صنو القضاء: بل لو تعذرت العدالة في جميع الناس لما جاز تعطيل المصالح المذكورة بل قدمنا أمثل الفسقة فأمثلهم و أصلحهم للقيام بذلك فأصلحهم بناء على أنا إذا أمرنا بأمر أتينا منه بما قدرنا عليه ويسقط عنا ما عجزنا عنه ولا شك أن حفظ البعض أولى من تضييع الكل وقد قال شعيب عليه السلام ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) وقال الله تعالى"فَـ?تَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" فعلق تحصيل مصالح التقوى على الاستطاعة فكذلك المصالح كلها.( 2/219)
وقال سيدي عبد الله الشنقيطي في " طرد الضوال والهمل عن الكروع في حياض العمل" : (فرع) شهادة اللفيف حيث وجد المستورون أما إذا كان أهل البلد كلهم فساقا فقد نقل القرافي في الذخيرة عن ابن أبي زيد إن لم يوجد في جهة إلا غير العدول أقيم أصلحهم وأقلهم فجورا للشهادة عليهم ويلزم مثل ذلك في القضاة وغيرهم لكيلا تضيع المصالح . قال وما أظن أنه يخالف أحد في هذا فإن التكليف مشروط بالإمكان . وفي المذهب لابن رشد أن الموضع إذا لم يكن فيه عدل قبلت شهادة أفضلهم ومثل هذا عن أحمد بن نصر.(ص25)
بل تجوز شهادة الكفار قال خليل المالكي في باب الخيار: وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين".
والكافر يشهد عند أبي حنيفة على مثله ويشهد في الوصية عند أحمد على المسلم بناء على قوله تعالى"أو آخران من غيركم" يراجع القبس (3/884)
وسبق كلام ابن عابدين في أن القاضي في دار الحرب يكون قاضيا بالتراضى بين المسلمين وأضاف : وعلى المسلمين أن يطلبوا منهم أن يعينوا لهم قاضيا .
وفي الختام: فقد القينا نظرة عجلى على وضع المسلمين في ديار غير المسلمين حيث تبين أن أوضاعهم أوضاع ضرورة بالمعنى العام لهذه الكلمة مما يقتضي اجتهاداً فقهياً بمعنى من معاني الاجتهاد الثلاثة المشار إليها وهو اجتهاد يستنفر النصوص والمقاصد والفروع والقواعد وقد رشحنا جملة من القواعد من خلالها يتعامل الفقيه مع قضايا فقه الأقليات وهي قواعد أساسها التيسير ورفع الحرج بضوابطه وشروطه وركزنا على الصق هذه القواعد بموضوع النازلة وهي قاعدة : إقامة جماعة المسلمين مقام القاضي.(3/36)
باعتباره مستند تخويل المراكز الإسلامية صلاحية البت في قضايا التنازع بين الزوجين وبخاصة في دعوى الضرر وإيقاع الطلاق والخلع.
وواصلنا حديثنا بكلمة عن أحكام التطليق والتفريق الصادر من قضاة غير المسلمين حيث اعتبرناها غير شرعية تصحح بأثر رجعي من طرف جماعة المسلمين تجنبا للحرج الديني وابتعادا عن المفاسد بحسب الإمكان.
ولما تقدم فإنه يجوز للمراكز الإسلامية وما في حكمها مما يعتبر مرجعا لجماعة المسلمين أن تقرر تطليق المرأة التي قد صدر لها حكم من محكمة غير إسلامية أو لم يصدر لها حكم ورفع الزوجان أمرهما إليها.
الفصل الثالث: أمثلة لمسائل من فقه الأقليات
المثال الأول: حكم إقامة الأقلية المسلمة في ديار الأكثرية غير المسلمة.
أولاً: اعلم أن تعريف الدار أمر مختلف فيه بين من يرى "أن دار الإسلام هي كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة". كما في البدائع والصنائع.
أو "دار الإسلام هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام" حسب تعريف ابن القيم ناسباً للجمهور.
فهل العبرة بالأحكام أم بالسكان ؟ وهل العبرة بجريان الأحكام في وقت من الأوقات حتى ولو احتلها الكفار كما يراه الشافعي ؟
وما هو نوع الأحكام هل هي الأحكام السلطانية من حدود وغيرها أم يكفي أن تقام الشعائر ؟
وهل تكون الدار مركبة إذا كان للكفار السلطان مع إسلام السكان كما يراه شيخ الإسلام ابن تيمية ؟
لعلي أعفي القارئ من هذه الخلاف العريض الذي لا يوجد فيه دليل حاسم لأقول:
إن دار الإسلام هي كل دولة أكثر سكانها من المسلمين وحكامها مسلمون حتى ولو كانوا لا يطبقون بعض الأحكام الشرعية.
ودار غير المسلمين هي كل دولة أكثر سكانها غير مسلمين وحكامها غير مسلمين.
والدار المركبة تتمثل في الدول الفدرالية فيها مسلمون وغير مسلمين. تحتفظ كل ولاية منها بسلطة سن القوانين. كما في نيجريا.
إذا كان الأمر ذكر فمسألة الإقامة قد اختلف فيها العلماء فذهب المالكية وابن حزم من الظاهرية في المحلى إلى أنه لا تجوز إقامة المسلم في دار غير المسلمين سواء خشي الفتنة أم لم يخشها لعدة أحاديث أصحها و أصرحها حديث الترمذي وأبي داود وفيه مقال " أَنَا بَرِيءُ مِنْ كُلَّ مُسْلِمِ يُقِيمُ بَيْنَ أظْهُرِ المُشْرِكِينْ ". حتى قال ابن حزم من دخل إليهم لغير جهاد أو رسالة من الأمير فإقامة ساعة إقامة . "أي حرام".
ومالك رحمه الله تعالى له رأي خاص في مسألة الإقامة في دار المعصية حتى أنه لا يجيز الإقامة ببلد يسب في الصحابة أو السلف الصالح.
ومن جهة المعقول أن المسلم يعرض نفسه للهوان ويشاهد المناكر.
والقول الثاني: قول جمهور الفقهاء وهم الأحناف والحنابلة والشافعية حيث أباحوا الإقامة للقادر على إظهار دينه الذي تتوفر له الحماية.
حيث قال الشافعية: أو قدر على الامتناع والاعتزال ثمَّ، ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقامه واجباً لأن محله دار الإسلام فلو هاجر لصارت دار حرب.( نهاية المحتاج8/ )
ودليلهم كما يقول الشافعي أن النبي عليه الصلاة والسلام أذن لقوم أسلموا بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم منهم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
وقال ابن حجر نقلا عن الماوردي: إذا قدر المسلم على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت للبلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يرتجى من دخول غيره في الإسلام.( فتح الباري 7/230)
وإسلام النجاشي وبقاؤه في قومه وقوله عليه الصلاة والسلام عنه " مَاتَ اليَوْمَ رَجُلُ صَالِحُ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلى أَخيكُمْ أََصْحَمَةَ." كما في البخاري .
وهذا الخلاف إنما هو إذا كان المسلم قادراً على إظهار شعائر دينه وممارسة عبادته.
أما إذا كان المسلم معرضاً للفتنة في دينه ومدعو للانسلاخ منه بالكلية فيجب عليه الفرار بدينه من تلك الديار إلى دار الأمن والأمان إذا وجد دار إسلام فذلك المطلوب وإلا فدار كفر لا يفتن فيها عن دينه.
ومع ما تقدم من تفصيل الحالتين حالة الأمن على إظهار الدين الذي قال فيه بعض الشافعية بوجوب البقاء وقال فيه البعض الآخر بأن البقاء أفضل.
وحالة خوف الفتنة في الدين والحمل على الخروج من الدين وهي حالة لا رخصة فيها وتجب فيها الهجرة فإن الجمهور يستحبون للمسلم أن يهجر دار الكفر كما يظهر من مراجعة المبسوط والمعيار والمجموع والمغنى وفتح الباري.
ويتأكد طلب الخروج من ديارهم إذا كان لا يستطيع تربية أبنائه تربية إسلامية أو كان بيته مهدداً بالتحلل الأخلاقي ووجد سبيلاً إلى الإقامة في بلد إسلامي فيه بقية من الأخلاق.
فالعبرة في الموازنة بين البلدان من حيث الصلاح والفساد انظر مغنى المحتاج.(4/284)
والمسألة في بقاء المسلم في ديار غير المسلمين ترجع إلى قاعدة التيسير وتنزيل الحاجات والمشقات منزلة الضرورات وهي القواعد التي أشرنا إليها فعلى المسلم أن يقدر ضروراته وحاجاته بقدرها كما أن "العولمة" وانفتاح العالم بعضه على بعض لها تأثير على تقدير الحاكم.(3/37)
وجاء في العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة: وإذا كانت المصلحة العائدة على طائفة المسلمين ببقائه ظاهرة كأن يكون له مدخل في بعض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب أن يبقى.
وسيأتي مزيد بيان في فتاوى المجلس الأوربي.
أما الجنسية فهي فرع عن الإقامة ويعرض لها ما يعرض للإقامة من عوارض التحريم عند الخوف من الخروج من الدين عليه أو على أولاده إذا وجد بلداً لا فتنة فيه.
أو الكراهة إذا كان لا يخاف الكفر إلا أنه يشاهد المناكر ويجد بلداً أقل مناكر.
أو الجواز عند التساوي.
أو الوجوب عندما توجد مصلحة قوية للإسلام والمسلمين في بقائه أو تحصل مفسدة في انتقاله.
أو الاستحباب عندما يقوم بالدعوة إلى الدين مع وجود غيره من الدعاة.
وهي أمور تحتاج إلى تحقيق المناط والنظر في المآلات التي أشرنا إليها في جملة القواعد الآنفة الذكر.
المثال الثاني : ما هو تأثير المكان على أحكام التكليف؟
وبعبارة أخرى هل الدار موطن رخصة فتبيح المحظور وتسقط الواجب وترجح من الخلاف ؟
هذا السؤال يشتمل على شقين أولهما تأثير الدار في إباحة بعض المحظورات وفي أحكام التكليف بصفة عامة.
وللعلماء في هذه المسألة مذهبان :
مذهب الجمهور وهو أن المكان لا تأثير له في أحكام التكليف وأن العزائم والرخص متساوية في دار الإسلام ودار غير المسلمين وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد في الصحيح من مذهبيهما ولا يعرف فيه خلاف كبير عن الصحابة سوى ما نقل عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وقد عبر الشافعي عن هذا الاتجاه بعبارات واضحة قوية حيث قال: ومما يوافق التنزيل والسنة ويعقل المسلمون ويجتمعون عليه أن الحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله على ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً.( الأم 4/165)
وذهب الجمهور إلى هذا بناء على عموم النصوص وعدم تخصيصها في الزمان يدل على عدم تخصيصها في المكان.
ذكر القرافي في الفرق التاسع والسبعين والمائة : بين قاعدة معاملة أهل الكفر وقاعدة معاملة المسلمين" قول مالك أكره معاملة المسلم بأرض الحرب للحربي بالربا وجوز أبوحنيفة الربا مع الحربي لقوله عليه السلام: لا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمِ وحَرْبِي".
"لا رِبَا إِلا بَيْنَ المُسْلِمينَ". والحربي ليس بمسلم.
ووافقنا الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم أجمعين لأن الربا مفسدة في نفسه فيمتنع من الجميع ولأنهم مخاطبون بفروع الشريعة لقوله تعالى(وحرم الربا) وعموم نصوص الكتاب والسنة يتناول الحربي.
قال اللخمي وغيره : إذا ظهر الربا بين المسلمين فمعاملة أهل الذمة أولى.
وعلل ذلك بأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة على أحد قولي العلماء.
أما المذهب الثاني فيرى تأثير المكان في الأحكام. فبعض المعاملات التي تحرم في بلاد المسلمين تجوز في ديار غير المسلمين.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وسفيان الثوري وإبراهيم النخعي وهو رواية عن أحمد وقول عبد الملك بن حبيب من المالكية.
وقد عبر عن هذا الاتجاه بعبارات واضحة الحاكم الحنفي في كتابه "الكافي" حيث قال : وإن بايعهم - غير المسلمين بدار غير المسلمين - الدرهم بالدرهمين نقداً أو نسيئة أو بايعهم بالخمر والخنزير والميتة فلا بأس بذلك لأن له أن يأخذ أموالهم برضاهم في قولهما - أبي حنيفة ومحمد بن الحسن - ولا يجوز شيء من ذلك في قول أبي يوسف.(ابن عابدين الحاشية 3/248)
ولا نتردد في كون هذا مذهب أبي حنيفة في ديار غير المسلمين بإطلاق ونتوقف مع إطلاق دار الحرب فالحكم عندهم لدار غير المسلمين وإن كانت دار موادعة.
فقد قال السرخسي إن الدار بالموادعة لا تصير دار إسلام وذكر نقولاً عن أبي عبيد في كتابه " الأموال" يجيز معاملات غير مشروعة في دار الموادعة مما يدل على أن مفهوم دار الحرب هي دار غير المسلمين.
وكذلك لا تردد في مسألة أن تكون الزيادة للمسلم شرطاً في جواز المعاملة كما ذكره متأخروا الأحناف بل العبرة أن يكون المسلم منتفعاً سواء كانت الزيادة له أو لغيره كما يدل عليه كلام الإمام محمد في السير الكبير في قضية "ضع وتعجل".
أدلة هذا المذهب:
ما قدمناه من مرسل مكحول و حديث جابر بن عبد الله أنّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع : " ألا إنَّ كُلَّ رباً كَانَ فِي الجَاهِليَّةِ فَهْو مَوضُوعُ وأَولُ رِباً يُوضَعُ رِبَا العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.(رواه أبو داود في المناسك ؟)(3/38)
وفي هذا ما يدل على إجازة الربا مع أهل الحرب في دار الحرب على ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف لأن مكة كانت دار حرب وكان بها العباس بن عبد المطلب مسلماً إما من قبل بدر - على ما ذكره ابن إسحاق من أنه اعتذر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - لمّا أسر يوم بدر وأمره أن يفتدي فقال له إني كنت مسلما ولم أخرج لقتالك إلا كرهاً فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم -:" أَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَكَ". أو من قبل يوم فتح خيبر – كما ذكره ابن إسحاق على ما دل عليه حديث الحجاج بن علاط من إقراره للنبي – صلى الله عليه وسلم - بالرسالة وتصديقه ما وعده الله به وقد كان الربا يوم فتح خيبر محرماً على ما روي أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم - أتي بقلادة وهو بخيبر من غنائمها فيها ذهب وخرز فأمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وبيع وحده. وقال الذهب بالذهب وزناً بوزن. ( أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/292)
فلمّا لم يردَّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم - ما كان من رباه بعد إسلامه - إما من قبل بدر أو من قبل خيبر- إلى أن ذهبت الجاهلية بمكة وإنما وضع منه ما كان قائما لم يقبض دل ذلك على إجازته إذ حكم له بحكم ما كان من الربا قبل تحريمه وبحكم الربا بين أهل الذمة والحربيين إذا أسلموا.
وحديث الحجاج بن علاط الذي دل على أن العباس كان مسلماً حين فتح خيبر.
هو ما روى أنس بن مالك عنه أنه قال للنبي –صلى الله عليه وسلم - حين فتح خيبر: إن لي بمكة أهلاً ومالاً وقد أردت أن آتيهم فإن أذنت لي أن أقول فعلت فأذن له رسول الله –صلى الله عليه وسلم - في ذلك فأتى مكة وأشاع بها أن أصحاب محمد قد استبيحوا وأني جئت لآخذ مالي فأبتاع من غنائمهم ففرح بذلك المشركون واختفى من كان بها من المسلمين فأرسل العباس بن عبد المطلب غلامه إلى الحجاج يقول له ويحك ما جئت به ؟ فما وعد الله به ورسوله خير مما جئت به فقال له اقرأ على أبي الفضل السلام وقل له ليخل لي معه بيتاً فإن الخبر على ما يسره فلمّا أتاه الغلام بذلك قام إليه فقبل ما بين عينيه.ثم أتاه الحجاج بن علاط فخلا به في بعض بيوته وأخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قد فتحت عليه خيبر وجرت فيها سهام المسلمين واصطفى رسول الله –صلى الله عليه وسلم - منها صفية لنفسه وأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أباح له أن يقول ما شاء ليستخرج ماله وسأله أن يكتم ذلك عليه ثلاثاً حتى يخرج ففعل فلمّا أخبر بذلك بعد خروجه فرح المسلمون ورجع ما كان بهم من كآبة على المشركين والحمد لله رب العالمين. ( أخرجه ابن حبان ونقلته بالمعنى واختصرت منه كثيراً لطوله وبالله التوفيق).
واحتج الطحاوي لإجازة الربا مع أهل الحرب في دار الحرب بحديث ثور بن زيد الديلي أنه قال بلغني أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم - قال: أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية و أيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام".( أخرجه مالك في الموطأ).
وإنما اختلف أهل العلم فيمن أسلم وله ثمن خمر أو خنزير لم يقبضه : فقال أشهب والمخزومي هو له حلال سائغ بمنزلة ما لو كان قبضه وقال ابن دينار وابن أبي حازم يسقط الثمن عن الذي هو عليه كالربا وأكثر مذاهب أصحابنا على قول أشهب والمخزومي.( ابن رشد المقدمات 2/11)
ابن تيمية في المحرر حيث قال : الربا محرم في دار الإسلام والحرب إلا بين مسلم وحربي لا أمان بينهما.( المحرر 1/318)
كما ورد ذكره كذلك عن آخرين من علماء الحنابلة كما ورد عن بعض علماء المالكية القول بكراهية ذلك وعدم تحريمه ففي البيان والتحصيل لابن رشد الجد قوله : وكذلك الربا مع الحربي في دار الحرب مكروه وليس بحرام لأنه لمّا جاز له أن يأخذ من ماله ما لم يؤتمن عليه لم يحرم عليه أن يربي معه فيه وكره من أجل أنه لم يأخذه على الوجه الذي أبيح له أخذ ماله وإنما أخذه بما عامله عليه من الربا. (البيان والتحصيل 17/291)
وقد روي عن أحمد أنه قال: لا يحرم الربا في دار الحرب.( الفروع لابن مفلح 4/147)
في الدر المختار: وحكم من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر كحربي فللمسلم الربا معه خلافاً لهم.( الحاشية 5/186)
وفي بدائع الصنائع للكاساني عند حديثه عن شرائط جريان الربا قال : ومنها: أن يكون البدلان متقومين شرعاً وهو أن يكونا مضمونين حقاً للعبد فإن كان أحدهما غير مضمون حقا للعبد لا يجري فيه الربا وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا دخل المسلم دار الحرب فبايع رجلا أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا درهما بدرهمين أو غير ذلك من البيوع الفاسدة في دار الإسلام أنه يجوز عند أبي حنيفة وعندهما لا يجوز لأن العصمة وإن كانت ثابتة فالتقوم ليس بثابت عنده.(بدائع الصنائع 5/192)(3/39)
يقول السرخسي في المبسوط : وإن بايعهم المستأمن إليهم الدرهم بالدرهمين نقداً أو نسيئة أو بايعهم في الخمر والميتة والخنزير فلا بأس بذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولا يجوز شيء من ذلك في قول أبي يوسف رحمه الله لأن المسلم ملتزم أحكام الإسلام حيثما يكون ومن حكم الإسلام حرمة هذا النوع من المعاملة.(المبسوط10/95)
وفي هذه المسألة قرار المجلس الأوربي بإجازة اشتراء البيوت بالقروض البنكية وهو يندرج في قاعدة رفع الحرج وتنزيل الحاجة منزلة الضرورة لترجيح القول الضعيف كما أشرنا إليه في ضوابط الحاجة من هذا الكتاب.
المثال الثالث: العلاقات الإنسانية وحسن التعامل في نصوص مختصرة تحكمها آية سورة الممتحنة
"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم".
والبر والقسط في غاية حسن التعامل ففي مسند الطيالسي عن هشام بن عروة عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قالت: يا رسول الله إِنَّ أُمِي أَتَتْنِي فِي عَهْدِ قُرَيْشِ وهْيَ رَاغِبَةُ مُشْرِكَةُ أَفَأَصِلُهَا قَالَ: نَعَمْ صِلِى أُمَكِ:".
وحديث الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قالَ لِي رَسُولُ الله –صلى الله عليه وسلم - ": اتَّقِ اللهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ وَأَتْبعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".
فبالنسبة للعوائد والتقاليد فإن لابن تيمية كلاماً يعتبر معياراً لما يمكن أن يسلكه المقيم في دارهم من موافقتهم في سلوكه الظاهر مما ليس مخالفاً للدين ولا هادماً لركن من أركانه.
وبعد أن قرر: أن المخالفة لهم "للكفار" لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه ...
قال: ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه من الضرر. بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة .( اقتضاء الصراط المستقيم 176- 177 )
وهذا الكلام يندرج في إطار تأصيل ابن تيمية لقاعدة مخالفة الكفار في الدين.
ويمكن أن نعتبر أن الملابس الأفرنجية والقبعات والنعال وغيرها من هذا الهدي الظاهر ولا ينبغي أن نتوسع في ذلك لارتكاب محرم منصوص.
وكذلك يمكن أن يسمح للمرأة في الغرب بوصل شعرها بغير شعر الآدمي عملا بمذهب أبي حنيفة.
وقد جعل بعضهم منه عدم تحريم حلق اللحية في الغرب بناء على قول قوي للشافعية بالكراهة فهو قول النووي وهو قول عياض من المالكية خلافاً للجمهور إذا دعت إليه الحاجة.
مسألة الآداب:
في الإنصاف للمرداوي: قوله ( وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم: روايتان) .
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والمغني والشرح والمحرر والنظم وشرح ابن منجا.
إحداهما: يحرم وهو المذهب صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع .
والرواية الثانية:لا يحرم فيكره وقدمه في الرعاية والحاويين في باب الجنائز ولم يذكر التحريم.
وذكر في الرعايتين والحاويين رواية بعدم الكراهة فيباح وجزم به ابن عبدوس في تذكرته .
وعنه: يجوز لمصلحة راجحة كرجاء إسلامه اختاره الشيخ تقي الدين ومعناه: اختيار الآجري وأن قول العلماء يعاد ويعرض عليه الإسلام.
قلت: هذا هو الصواب وقد عاد النبي –صلى الله عليه وسلم - صبيا يهودياً كان يخدمه وعرض عليه الإسلام فأسلم .
نقل أبو داود : أنه إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم .
وحيث قلنا: يعزيه فقد تقدم ما في تعزيتهم في آخر كتاب الجنائز ويدعو بالبقاء وكثرة المال والولد.
زاد جماعة من الأصحاب منهم صاحب الرعايتين والحاويين والنظم وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم – قاصداً كثرة الجزية.
قال الشافعي : ولا أصل لإلباس الذمي لبساً مميزاً.
المثال الرابع: مسألة استحالة العين وتسمى بانقلاب العين.
مسألة الأدوية والأغذية المشتملة على مواد حيوانية نجسة لأنها من أصل ميتة أو خنزير أو خمر بناء على قاعدة انقلاب العين تطهر هذه المواد كما أن ما لا تحله الحياة من الميتات طاهر فالأنفحه وعظام الميتة وعصبها كلها طاهرة والأنفحة هي المادة الغليظة التي تكون في الكرش
(قوله ويطهر زيت الخ) قد ذكر هذه المسألة العلامة قاسم في فتواه وكذا ما سيأتي متنا وشرحا من مسائل التطهير بانقلاب العين وذكر الأدلة على ذلك بما لا مزيد عليه وحقق ودقق كما هو دأبه رحمه الله تعالى فليراجع ثم هذه المسالة قد فرعوها على قول محمد بالطهارة بانقلاب العين الذي عليه الفتوى واختاره أكثر المشايخ خلافا لأبي يوسف كما في شرح المنية والفتح وغيرهما و عبارة المجتبي جعل الدهن النجس في صابون يفتي بطهارته لأنه تغير و التغير يطهر عند محمد ويفتي به للبلوى.(3/40)
وظاهره أن دهن الميتة كذلك لتعبيره بالنجس دون المتنجس إلا أن يقال هو خاص بالنجس لأن العادة في الصابون وضع الزيت دون بقية الأدهان تأمل ثم رأيت في شرح المنية ما يؤيد الأول حيث قال وعليه يتفرع ما لو وقع إنسان أو كلب في قدر الصابون فصار صابونا يكون طاهرا لتبدل الحقيقة.
ثم اعلم أن العلة عند محمد هي التغير وانقلاب الحقيقة وأنه يفتي به للبلوى كما علم مما مر ومقتضاه عدم اختصاص ذلك الحكم بالصابون فيدخل فيه كل ما كان فيه تغير وانقلاب حقيقة وكان فيه بلوى عامة فيقال كذلك في الدبس المطبوخ إذا كان زيته متنجساً ولاسيما أن الفار يدخله فيبول ويبعر فيه وقد يموت فيه.
وقد بحث كذلك بعض شيوخ مشايخنا فقال وعلى هذا إذا تنجس السمسم ثم صار طحينة يطهر خصوصا وقد عمت به البلوى وقاسه على ما إذا وقع عصفور في بئر حتى صار طينا لا يلزم إخراجه لاستحالته قلت لكن قد يقال إن الدبس ليس فيه انقلاب حقيقة لأنه عصير جمد بالطبخ وكذا السمسم إذا درس واختلط دهنه بأجزائه ففيه تغير وصف فقط كلبن صار جبنا وبر صار طحينا وطحين صار خبزا بخلاف نحو خمر صار خلا وحمار وقع في مملحة فصار ملحا وكذا دردي خمر صار طرطيراً وعذرة صارت رمادا أو حمأة فإن ذلك كله انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى لا مجرد انقلاب وصف كما سيأتي و الله أعلم.
- وانقلاب العين يعبر عنه بالاستحالة والاستحالة استفعالة من حال يحول إذا تغير أو انقلب أو زال أصلها استحوال بوزن استفعال أُعلت عينه بحذف حرف العلة وهو الواو وهو عين الفعل وعُوضت عنه بتاء التأنيث فصارت استحالة قال ابن مالك في اللامية :
ما عَيْنُه اعْتَلَتِ الإفعالُ منه والاستفعالُ بالتَّا وتَعويضُ بها حَصَلا
من المُزالِ.....................
وشرعاً: تغير يحصل في العين النجسة يؤدي إلى زوال أعراضها وتبدل أوصافها يزول بسببه الاسم الأول لزوال الصفات القديمة.
وهي من المطهرات لأنها أزالت العلة التي لأجلها وقع التحريم اتفاقا عند الأحناف والزيدية والظاهرية وأبي محمد بن حزم وعلى المشهور عند المالكية وعلى إحدى الروايتين عند الإمام أحمد.
وقد قطع شيخ الإسلام ابن تيمية من الحنابلة على أنها مطهرة لا فرق في ذلك بين الاستحالة الواقعة من الله ابتداء وبين الواقعة بكسب إنسان كما سيراه القارئ الكريم إن شاء الله تعالى.
-إذا حرق إنسان نجاسة حتى صارت رماداً فإن هذا الرماد يصبح طاهراً على المعتمد عند العلماء في المذهب المالكي وإذا كان هذا الرماد طاهراً ترتب على ذلك جواز حمله في الصلاة وفي الطواف وجواز تناوله إذا لم يكن فيه إضرار بالصحة وبالأحرى إذا خُلط بطعام آخر.
-قال البناني في الخمر : فإذا انقلبت خلا انقلبت سائر الأجزاء التي دخلته فزال حكم النجاسة.( البناني حاشية على الزرقاني 1/28)
- قال الزرقاني على خليل : إذا كانت النجاسة ذاتية وتغيرت أعراضها جرى فيها قولان والمشهور الفرق بين ما استحال إلى صلاح كالبيض واللبن وما استحال إلى فساد فلا يطهر.( نفس المصدر 1/24)
- واستدل بحديث ابن أبي شيبة بسنده إلى أبي الدرداء رضي الله عنه في المريّ يجعل فيه الخمرة قال : لا بأس به ذبحته النار والملح.
- وجاء في الذخيرة قاعدة تبين ما تقدم وهي : أن الله تعالى إنما حكم بالنجاسة في أجسام مخصوصة بشرط أن تكون موصوفة بأعراض مخصوصة مستقذرة و إلا فالأجسام كلها متماثلة واختلافها إنما وقع بالأعراض فإذا ذهبت تلك الأعراض ذهاباً كلياً ارتفع الحكم بالنجاسة إجماعاً كالدم يصير منيّاً ثم آدميا …( الذخيرة 1/180)
وذكر ابن رجب الحنبلي في قواعده في الكلام على طين الطريق المختلط بالنجاسة بعد بحث طويل... والثاني: الاستحالة وفي المذهب خلاف يُبنى عليه طهارة الطين إذا بقيت فيه عين النجاسة ثم استُهلكت فيه حتى ذهب أثرها. (قواعد ابن رجب 1/334)
وهذا الفرع يوافق عليه المالكية قال في المختصر مشبهاً في العفو:" طين مطر وإن اختلطت العذرة بالمصيب لا إن غلبت وظاهرها العفو.( يعنى ظاهر المدونة) .
جاء في حاشية ابن عابدين على الدر المختار معلقا على ما جاء في رد المحتار من قول صاحب : والمسك طاهر حلال وكذا نافجته مطلقاً على الأصح . قال : لاستحالته إلى الطيبة لأنه وإن كان دماً فقد تغير فيصير طاهراً كرماد العذرة. وقال: والمراد بالتغيير الاستحالة إلى الطيبة وهي من المطهرات عندنا.( الدر المختار1/209)
كذلك أومأ ابن قدامة إلى هذه العلة في المغنى بقوله في الكلام على دبغ جلد الميتة بعد أن ذكر القول الأول بأنه : لا يطهر عندهم قال : والثاني : يطهر لقوله –صلى الله عليه وسلم -:" أََيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ". ولأنه طهر بانقلابه فلم يفتقر إلى استعمال الماء كالخمر إذا انقلبت خلا.( المغنى 1/59-60)
ثم قال العلامة ابن تيمية : وأما دخان النجاسة فهذا مبني على أصل وهو : أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل : أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحاً طيباً كغيرها من الملح أو يصير الوقود رماداً ونحو ذلك .. ففيه للعلماء قولان:(3/41)
أحدهما: لا يطهر كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وهو المشهور عن أصحاب أحمد وإحدى الروايتين عنه.
والرواية الأخرى: أنه طاهر وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك في أحد القولين وإحدى الروايتين عن أحمد ومذهب أهل الظاهر وغيرهم.
وهذا هو الصواب المقطوع به فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنى فليست محرمة ولا في معنى المحرم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحلِّ .. فهي من الطيبات وهي أيضا في معنى ما اتفق على حله.
فالنص والقياس يقتضى تحليلها.
ثم قال: وأيضا فإن الله تعالى حرم الخبائث لما قام بها من وصف الخبث كما أنه أباح الطيبات لما قام بها من وصف الطيب وهذه الأعيان المتنازع فيها ليس فيها شيء من وصف الخبث وإنما فيها وصف الطيب.(الفتاوى21/ 70)
وهذا التعليل الذي علل به واضح لا غبار عليه وعليه تواطأ العلماء كالقرافي وغيره وزاد ابن تيمية ما يؤيده فقال: إن الاستقراء دلنا على أن كل ما بدأ الله بتحويله وتبديله من جنس إلى جنس مثل: جعل الخمر خلا والدم منياً والعلقة مضغة ولحم الجلالة الخبيث طيباً فإنه يزول حكم التنجيس وتزول حقيقة النجس لا تمكن المنازعة في هذا.
المثال الخامس: قضية حجاب المرأة المسلمة.
اعلم أن ستر المرأة لشعر رأسها واجب لقوله تعالى: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها".
وهذا النهي من نهي الوسائل والذرائع والنهي هنا يدل على الأمر بستر غير ما ظهر من الزينة.
فالستر واجب لغيره وكشف شعر الرأس حرام لأن شعر المرأة عورة كسائر جسدها على الصحيح.
وقد قال ابن عاشور في تفسيره: وقد فسر جمع من المفسرين الزينة بالجسد كله وفسر ما ظهر بالوجه والكفين قيل والقدمين والشعر. (التحرير والتنوير 18/207).
وشعر المرأة عورة مخففة في الصلاة خاصة عند مالك فلو كشفت المرأة عن شعرها ندب لها أن تعيد في الوقت.
ومعلوم أن النواهي ليست في مرتبة واحدة وكذلك الأوامر قال الشاطبي:
وبهذا الترتيب يعلم أن الأوامر في الشريعة لا تجرى في التأكيد مجرى واحدا وإنها لا تدخل تحت قصد واحد فإن الأوامر المتعلقة بالأوامر الضرورية ليست كالأوامر المتعلقة بالأمور الحاجية ولا التحسينية ولا الأمور المكملة للضروريات أنفسها بل بينها تفاوت معلوم بل الأمور الضرورية ليست في الطلب على وزان واحد كالطلب المتعلق بأصل الدين ليس في التأكيد كالنفس ولا النفس كالعقل إلى سائر أصناف الضروريات والحاجيات كذلك.(الموافقات3/209)
وبناء على هذا التفاوت في مراتب النهي ومراتب الأمر فقد رتب العلماء على ذلك نتائج عملية وهى أن النهي إذا كان نهي المقاصد ومعناها أن المنهي عنه يتضمن المفسدة التي من أجلها نهى الشارع عنه فهذا لا يباح إلا لضرورة قصوى وذلك كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير.
وإذا كانت مرتبة النهي متدنية بأن كان نهي الوسائل والذرائع التي لا تتضمن في نفسها المفسدة ولكنها وسيلة فهذا تبيحه الحاجة وهى مشقة وسطى كما نص عليه ابن القيم وهو يتكلم عن ربا الفضل وربا النسيئة : إن تحريم هذا من تحريم المقاصد وتحريم الآخر تحريم الوسائل وسد الذرائع ولهذا لم يبح من ربا النسيئة شيء.(إعلام الموقعين 2/117).
وقال القرافي: الأحكام على قسمين مقاصد وهى المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ووسائل وهى الطرق المفضية وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد.(الفروق 2/33)
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وعلى المقاصد انبت أحكام الشريعة وبالمصالح أرتبطت.(القبس 3/1037)
ووضع المشقة له حكمه في الكشف عن أجزاء من البدن فقد جاء في الحديث الصحيح في معركة أحد عن أنس رضي الله عنه قال لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبى بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب. وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتقرغانه في أفواه القوم.( رواه البخاري ).
الفتاوى:
حكم كشف المرأة المسلمة عورتها أمام غير المسلمة
أجاب المجلس عن سؤال حول عورة المسلمات أمام غير المسلمات واشتراكهن في مسبح آمن خاص بهن، بأنه لا مانع من هذا الاشتراك وأن عورة المسلمة تجاه غير المسلمة هي كعورة الرجل أمام الرجل، أي من السرة إلى الركبة، على ما هو المذهب المعتمد عند الحنابلة وقول صحيح في المذاهب الثلاثة. ويوصي المجلس الأخوات الصالحات بالحرص على غض البصر عما يظهر من العورات وعلى أن يتخذن من بينهن من تدربهن على السباحة، ونظراً لما بدا من حرص هؤلاء النسوة غير المسلمات على صورة من صور الحشمة في الابتعاد عن خلطة الرجال في هذا الموضع، فإن على المسلمات الاستفادة من ذلك في دعوتهن إلى الإسلام وقيمه.
السؤال:هل يحل لبس المعطف المصنوع من جلد الخنزير؟
الجواب:ما يتخذ من جلد الخنزير بعد دباغته هل يدخل في حكم الجلد النجس، أم يطهر بالدباغ؟(3/42)
الذي تدل عليه الأدلة أن جميع الجلود النجسة تطهر إذا دبغت؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" (رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس)، وفي رواية: " أََيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ" (رواه الترمذي)، فأفاد هذا الحديث بروايتيه أن الدباغ مطهر لجلد ميتة كل حيوان، وذلك أن لفظ (أي) و(إهاب) لفظان عامان، فيشمل كل إهاب، ولم يأت من ذلك استثناء خنزير أو ميتة.
وعليه فلا حرج في استخدام جلد الخنزير المدبوغ في اللباس ونحوه.
تعليق:
قلت : حديث الترمذي رواه النسائي وابن ماجه ومذهب جماهير العلماء استثناء جلد الخنزير من الطهارة بالدبغ لأنهم حملوا الإهاب في الحديث على ما تنفع فيه الذكاة لو ذكي خلافاً لرواية عن أبي يوسف ذكرها في المنية (تراجع الحاشية ابن عابدين)
وقد أشار الزرقاني إلى وجود قول ضعيف في مذهب مالك بطهارته بالدباغ وهو قول الإمام عبد المنعم بن الفرس من أن جلد الخنزير كغيره يطهر بالدبغ في اليابس والماء.(يراجع تعليق الصاوي على الشرح الصغير)
كما أن طهارة الخنزير بالدبغ هو مذهب داود وأهل الظاهر ورجحه الشوكاني في نيل الأوطار بناء على عموم الأحاديث.
قلت : ينبغى تقييد استعماله بالحاجة لقوة المعارض.
نقل الأعضاء:
1. حكم نقل الأعضاء وحالاته:
( أ ) يؤكد المجلس قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة "التابع لرابطة العالم الإسلامي".
وقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة "المنبثق عن منظمة المؤتمر العالم الإسلامي" رقم 26 (1/4) بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً كان أو ميتاً, ونصه:
من حيث التعريف والتقسيم:
أولاً: يقصد هنا بالعضو أي جزء من الإنسان, من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها, كقرنية العين. سواء أكان متصلا به, أم انفصل عنه.
ثانياً: الانتفاع الذي هو محل البحث, هو استفادة دعت ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة, أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه. على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعاً.
ثالثاً: تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1- نقل العضو من حي.
2- نقل العضو من ميت.
3- النقل من الأجنة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي, تشمل الحالات التالية:
أ - نقل العضومن مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه, كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.
ب - نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر. وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.
أما ما تتوقف عليه الحياة, فقد يكون فردياً, وقد يكون غير فردي, فالأول كالقلب والكبد, والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما تتوقف عليه الحياة, فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم بها. ومنه ما يتجدد تلقائياً كالدم, ومنه ما لا يتجدد, ومنه ما له تأثير على الأنساب والمورِّثات, والشخصية العامة, كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي, ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية : وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه طبياً.
الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً لا رجعة فيه طبياً. وقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة:
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة, وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
حالة الأجنة الني تسقط تلقائياً.
حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
حالة "اللقائح المستنبتة خارج الرحم".
من حيث الأحكام الشرعية:
أولاً: يجوز نقل العضو من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه, مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها, وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له, أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.
ثانيا: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر, إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً, كالدم والجلد, ويراعى في ذلك كون الباذل كامل الأهلية, وتحقق الشرعية المعتبرة.
ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر, كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان إلى إنسان آخر.
خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، كنقل قرنية العينين كلتيهما, أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو, أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك, بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته, أو بشرط موافقة وليّ أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.(3/43)
سابعاً: وينبغي ملاحظة: أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها, مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو، إذ لا يجوز إخضاع الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد, ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً, فمحل اجتهاد ونظر.
ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة, مما يدخل في أصل الموضوع, فهو محل بحث ونظر, ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة, على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.
(ب) يؤكد المجلس أيضاً قرار مجمع الفقه الاسلامي الدولي بجدة رقم 57(8/6) بشأن زراعة الأعضاء التناسلية, ونصه:
أولاً :زرع الغدد التناسلية : بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية ( الشفرة الوراثية ) للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلقّ جديد، فإن زرعهما محرم شرعاً.
ثانيا : زرع أعضاء الجهاز التناسلي :زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التى لا تنقل الصفات الوراثية – ما عدا العورات المغلظة - جائز لضرروة مشروعة وفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم 26 (1 \ 4 ) لهذا المجمع، والله أعلم.
(ج) يؤكد المجلس أيضاً قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة رقم 54 ( 5\6 ) بشأن زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي ونصه :
أولاً: إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه وفيه ميزة القبول المناعي؛ لأن الخلايا من الجسم نفسه فلا بأس من ذلك شرعاً.
ثانياً: إذا كان المصدر هو أخذها من جنين حيواني فلا مانع من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها ولم يترتب على ذلك محاذير شرعية.
وقد ذكر الأطباء أن هذه الطريقة نجحت بين فصائل مختلفة من الحيوان، ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي.
ثالثاً : إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو خلايا حية من مخ جنين باكر (في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر) فيختلف الحكم على النحو التالي.
ا : الطريقة الأولى : أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه، بفتح الرحم جراحياً، وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه، ويحرم ذلك شرعاً إلا إذا كان بعد إجهاض طبعي غير متعمد أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم وتحقق موت الجنين، مع مراعاة الشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة في القرار رقم 95 ( 8/6 ) لهذه الدورة.
ب : الطريقة الثانية وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع للإفادة منها ولابأس في ذلك شرعاً إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعاً، وتم الحصول عليها على الوجه المشروع.
رابعاً : المولود اللادماغي : طالما ولد حياً، لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع، فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الإذن المعتبر، وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة وغيرها، ومما تضمنه القرار رقم 26 (1/4 ) من قرارات الدورة الرابعة لهذا المجمع. ولا مانع شرعاً من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الانعاش إلى ما بعد موت جذع المخ – والذي يمكن تشخيصه – للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل، توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المشار إليها.
تحديد المنتفع بالأعضاء، ووسيلة ذلك :
هذا وقد استكمل المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بعد المناقشة المسائل الآتية التي تتعلق بنقل الأعضاء، وهي:
أ-إذا حدد المتبرع أو ورثته شخصاً معيناً للانتفاع بالعضو المتبرع به أو فوض جهة معينة بتحديد الشخص المنتفع به فيجب الالتزام بذلك ما أمكن، فإن لم يمكن لسبب إرادي أو طبي فإنه يرجع في ذلك إلى ورثة المتبرع، فإن لم يتيسر فيرجع إلى الجهة المعنية بمصالح المسلمين في البلاد غير الإسلامية.
ب-إذا كتب الشخص وثيقة للتبرع بعضو من أعضائه بعد وفاته فتطبق على ذلك أحكام الوصية، ولا يجوز للورثة أو غيرهم تبديل الوصية.
ج- في حالة وجود قانون بأن من لم يصرح بعدم الرغبة في أن ينتفع بأعضائه بعد وفاته يعتبر موافقاً؛ فإن عدم التصريح بالرفض يعتبر موافقة ضمنية.
القرار رقم (2/12)
حول مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية:
تداول أعضاء المجلس في موضوع مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية، واستمعوا إلى الدراسات الشرعية والفلكية المقدمة من بعض الأعضاء، والعروض التوضيحية للجوانب الفنية ذات الصلة التي تمت التوصية بها في الدورة الحادية عشرة للمجلس، وقرر ما يلي:
أولاً: تأكيد القرار السادس الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية ونصه:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد-صلى الله عليه وسلم-.(3/44)
أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406 هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ قد نظر في موضوع "أوقات الصلاة والصيام لسكان المناطق ذات الدرجات العالية".
ومراعاة لروح الشريعة المبنية على التيسير ورفع الحرج وبناءً على ما أفادت به لجنة الخبراء الفلكيين، قرر المجلس في هذا الموضوع ما يلي:
أولا. دفعاً للاضطرابات الناتجة عن تعدد طرق الحساب، يحدد لكل وقت من أوقات الصلاة العلامات الفلكية التي تتفق مع ما أشارت الشريعة إليه، ومع ما أوضحه علماء الميقات الشرعي في تحويل هذه العلامات إلى حسابات فلكية متصلة بموقع الشمس فوق الأفق أو تحته، كما يلي:
(1) الفجر: ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضاً في الأفق "الفجر الصادق" ويوافق الزاوية (18ْ) تحت الأفق الشرقي.
(2) الشروق: ويوافق ابتداء ظهور الحافة العليا لقرص الشمس من تحت الأفق الشرقي ويقدر بزاوية تبلغ (50َ) دقيقة زاوية تحت الأفق.
(3) الظهر: ويوافق عبور الشمس لدائرة الزوال ويمثل أعلى ارتفاع يومي للشمس يقابله أقصر ظل للأجسام الرأسية.
(4) العصر: ويوافق موقع الشمس الذي يصبح معه ظل الشيء مساوياً لطوله مضاف إليه فيء الزوال، وزاوية هذا الموقع متغيرة بتغير الزمان والمكان.
(5) المغرب: ويوافق اختفاء كامل قرص الشمس تحت الأفق الغربي، وتقدر زاويته بـ(50َ) دقيقة زاوية تحت الأفق.
(6) العشاء: ويوافق غياب الشفق الأحمر حيث تقع الشمس على زاوية قدرها (17ْ) تحت الأفق الغربي.
ثانياً:عند التمكين للأوقات يكتفى بإضافة دقيقتين زمنيتين على كل من أوقات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإنقاص دقيقتين زمنيتين من كل من وقتي الفجر والشروق.
ثالثاً. تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام:
المنطقة الأولى: وهي التي تقع ما بين خطي العرض (45ْ) درجة و(48ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتتميز فيه العلامات الظاهرة للأوقات في أربع وعشرين ساعة طالت الأوقات أو قصرت.
المنطقة الثانية: وتقع ما بين خطي عرض (48ْ) درجة و(66ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر.
المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (66ْ) درجة شمالاً وجنوباً إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهاراً أو ليلاً.
رابعاً: والحكم في المنطقة الأولى: أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبيّن الفجر الصادق إلى غروب الشمس عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة والصوم، ومن عجز عن صيام يوم أو إتمامه لطول الوقت أفطر وقضى في الأيام المناسبة.
خامساً: والحكم في المنطقة الثانية أن يعيّن وقت صلاة العشاء والفجر بالقياس النسبي على نظيريهما في ليل أقرب مكان تتميّز فيه علامات وقتي العشاء والفجر، ويقترح مجلس المجمع خط (45ْ) باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز، فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45ْ) درجة يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر.
سادساً: والحكم في المنطقة الثالثة أن تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض (45ْ) درجة، وذلك بأن تقسم الأربع والعشرين ساعة في المنطقة من (66ْ) درجة إلى القطبين، كما تقسم الأوقات في خط عرض (45ْ) درجة.
فإذا كان طول الليل في خط عرض (45ْ) يساوي (8) ساعات، وكانت الشمس تغرب في الساعة الثامنة، وكان العشاء في الساعة الحادية عشرة جعل نظير ذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وإذا كان وقت الفجر في خط عرض (45ْ) درجة في الساعة الثانية صباحاً كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه وبُدئ الصوم منه حتى وقت المغرب المقدّر.
وذلك قياساً على التقدير الوارد في حديث الدجّال الذي جاء فيه: (قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ومَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْماً، يَوْمُ كَسَنَةٍ ويَوْمُ كَشَهْرٍ، ويَوْمُ كَجُمُعَةُ وسَائُرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: فَذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ؟ قَالَ: لا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ" [أخرجه مسلم وأبو داود واللفظ له في كتاب الملاحم ]. والله ولي التوفيق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين". انتهى قرار المجمع الفقهي.
ثانياً: نظراً إلى أن هذه القضية اجتهادية وليست فيها نصوص قطعية فلا يرى المجلس حرجاً في الاعتماد على تقديرات أخرى صادرة من هيئات فتوى إسلامية مثل الاعتماد على درجة انحطاط الشمس بدرجة (12) الموافقة لصلاتي الفجر والعشاء ومثل تحديد الفارق الزمني بين وقتي المغرب والعشاء ووقت الفجر وشروق الشمس بساعة ونصف.(3/45)
وينصح المجلس الجهات الإسلامية المسئولة في المساجد والمراكز الإسلامية باتباع الطريقة التي ذكرها المجلس والمتفقة مع ما انتهى إليه المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة كما ذكر أعلاه.
ثالثاً: يؤكد المجلس قراره السابق رقم (3/3) بشأن مشروعية الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء عند ضياع علامة العشاء أو تأخر وقتها، رفعاً للحرج وتيسيراً على المسلمين المقيمين في ديار الغرب، والله أعلم.
السؤال:نحن هنا في بريطانيا، يحضر المسجد عندنا لشهود الجمعة من يفهم اللغة العربية ومن لا يفهمها، والجميع أو الأكثر يفهم لغة أهل البلد، فهل يجوز لنا إلقاء خطبة الجمعة بلغة المخاطبين وإن كانت غير العربية؟
الجواب:حيث إن المقصود بخطبة الجمعة هو التعليم والإرشاد، فمراعاة لغة المخاطبين هو الأصل في خطابهم، ونبه القرآن الكريم على هذا المعنى في الإبانة عن وظيفة الرسل، فقال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيِّنَ لهم" [إبراهيم: 4]، وقال عز وجل: "فهل على الرسل إلا البلاغ المبين" [النحل: 35]، والبلاغ لا يكون مبيناً إلا إذا كان بلسان يفهمه المخاطب.
والأصل في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية إذا غلب على المخاطبين فهمها، وذلك من أجل حاجة الخطبة إلى الاستدلال بالآية من القرآن، والحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وذكر الله تعالى، ليحصل بذلك الغرض منها، والأبلغ في كل ذلك أن يكون بالعربية، ثم تحقق حاجة من لا يفهمها بالترجمة له حسب ما تيسر.
والأشبه أن يكون هذا هو المراد في رأي جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن تكون الخطبة بالعربية.
فإن قل أو انعدم من يفهم العربية من الحاضرين، فلا مانع في أن تكون بلغتهم، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة حيث أجاز الخطبة بغير العربية
محتويات هذه الحلقة:
- تشييع جنازة الأقارب غير المسلمين.
- دفن المسلم في مقابر غير المسلمين.
- تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.
- صفات الفقير الذي تصرف له الزكاة.
القرار 4/6
تشييع جنازة الأقارب غير المسلمين
لقد أمر الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما حتى ولو كانا غير مسلمين, قال تعالى:"وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" [الإسراء 23]. وقالى تعالى:"وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا" [لقمان 15].
كما أمر الإسلام بصلة الرحم وحث على ذلك.
ويتأكد واجب البرّ والصلة في مناسبات الفرح والسرور وفي مناسبات المصائب والكروب ومن أعظمها الموت الذي يجمع الأقارب عند فقدان أحدهم, والإنسان بفطرته يجد حاجة للتعبير عن عاطفته نحو الميت من أقربائه وممن تربطه به صلة. ولذلك فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه : زار النبي –صلى الله عليه وسلم- قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله, فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي, واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي, فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" رواه مسلم وأحمد وأهل السنن إلا الترمذي.
ويضاف إلى هذا ما دعا إليه الاسلام من احترام الإنسان, مؤمناَ كان أو كافرا, في حياته وبعد مماته, وقد صحَّ عن النبي-صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم, قوله عن اليهودي الذي قام لجنازته, ردَّاَ على من أخبره أنه يهودي, فقال-صلى الله عليه وسلم-:" أليست نفساَ" فكيف إذا كانت نفس والدٍ أو والدة أو قريب ذي رَحِم.
وبناء على ما سبق ذكره, فإنه يجوز للمسلم أن يحضر تشييع جنازة والديه أو أحد أقربائه غير المسلمين, ولا حرج في حضوره للمراسم الدينية التي تُقام عادة للأموات في الكنائس والمعابد, على أن لا يشارك قي الصلوات والطقوس وغيرها من الأمور الدينية, وكذلك يجوز له حضور الدّفن, ولتكن نيته في ذلك وفاءً بحق البر والصلة, ومشاركة الأسرة في مصابها, وتقوية الصلة بأقربائه وتجنّب ما يؤدّي إلى الجفوة معهم في حال غيابه عن مثل هذه المناسبات.
القرار 5/6
دفن المسلم في مقابر غير المسلمين
هناك أحكام شرعية مقررة تتعلق بشأن المسلم إذا مات، مثل تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، ومن ذلك دفنه في مقابر المسلمين. ذلك : أن للمسلمين طريقة في الدفن واتخاذ المقابر، من حيث البساطة والتوجيه إلى القبلة، والبعد عن مشابهة المشركين والمترفين وأمثالهم.
و من المعروف : أن أهل كل دين، لهم مقابرهم الخاصة بهم، فاليهود لهم مقابرهم، والنصارى لهم مقابرهم، والوثنيون لهم مقابرهم، فلا عجب أن يكون للمسلمين مقابرهم أيضاً، وعلى المسلمين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا – بالتضامن فيما بينهم – إلى اتخاذ مقابرخاصة بهم، ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، لما في ذلك من تعزيز لوجودهم وحفظ لشخصيتهم.
فإذا لم يستطيعوا الحصول على مقبرة خاصة مستقلة، فلا أقل من أن يكون لهم رقعة خاصة في طرف من أطراف مقبرة غير المسلمين، ويدفنون فيها موتاهم.(3/46)
فإذا لم يتيسر هذا ولا ذاك ومات لهم ميت، فيدفن حيث أمكن ولو في غير مقابر المسلمين، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولن يضير المسلم إذامات في هذه الحالة، أن يدفن في مقابر غير المسلمين، فإن الذي ينفع المسلم في آخرته هو سعيه وعمله الصالح، وليس موضع دفنه "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى" [النجم: 39].
وكما قال سلمان الفارسي – رضي الله عنه - : إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس المرء عمله.
هذا، وإن القيام بدفن الميت حيث يموت هو الأصل شرعا ً، وهو أيسر من تكلف بعض المسلمين نقل موتاهم الى بلاد إسلامية، لما في ذلك من المشقة وتبديد الأموال.
و ليس بعد المقبرة الإسلامية عن أهل الميت مسّوغاً لدفنه في مقبرة غير المسلمين. لأن الأصل في زيارة المقابر إنما شرعت أساساً لمصلحة الزائر، للعبرة والاتعاظ، كما ثبت في الحديث : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها ترقق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة ". رواه أحمد والحاكم عن أنس.
أما الميت فيستطيع المسلم أن يدعو له ويستغفر له، ويصله الثواب بفضل الله تعالى في أي مكان كان الداعي والمستغفر له.
تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
مما لا شك فيه أن القضية قضية مهمة وحساسة، خاصة للمسلمين المقيمين في بلاد الغرب، وقد ورد إلى المجلس أسئلة كثيرة من الإخوة والأخوات، الذين يعيشون في تلك الديار، ويعايشون أهلها من غير المسلمين، وتنعقد بينهم وبين كثير منهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل، والرفقة في العمل، والزمالة في الدراسة، وقد يشعر المسلم بفضل غير المسلم عليه في ظروف معينة، مثل المشرف الذي يساعد الطالب المسلم بإخلاص، والطبيب الذي يعالج المريض المسلم بإخلاص، وغيرهما. وكما قيل: إن الإنسان أسير الإحسان، وقال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ!
ما موقف المسلم من هؤلاء (غير المسلمين) المسالمين لهم، الذين لا يعادون المسلمين، ولا يقاتلونهم في دينهم، ولم يخرجوهم من ديارهم أو يظاهروا على إخراجهم؟
إن القرآن الكريم قد وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين من كتاب الله تعالى في سورة الممتحنة وقد نزلت في شأن المشركين الوثنيين، فقال تعالى: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُو?اْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الممتحنة: 8-9].
ففرقت الآيتان بين المسالمين للمسلمين والمحاربين لهم:
فالأولون (المسالمون) شرعت الآية الكريمة برهم والإقساط إليهم، والقسط يعني: العدل، والبر يعني: الإحسان والفضل، وهو فوق العدل، فالعدل: أن تأخذ حقك، والبر: أن تتنازل عن بعض حقك. العدل أو القسط: أن تعطي الشخص حقه لا تنقص منه. والبر: أن تزيده على حقه فضلا وإحسانا.
وأما الآخرون الذين نهت الآية الأخرى عن موالاتهم، فهم الذين عادوا المسلمين وقاتلوهم، وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
وقد اختار القرآن للتعامل مع المسالمين كلمة (البر) حين قال: (أن تبروهم) وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى، وهو (بر الوالدين).
وقد روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها - أنها جاءت إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي مشركة، وهي راغبة (أي في صلتها والإهداء إليها) أفأصلها؟ قال: "صلي أمك".
هذا وهي مشركة، ومعلوم أن موقف الإسلام من أهل الكتاب أخف من موقفه من المشركين الوثنيين.
حتى إن القرآن أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم، بمعنى: أن يأكل من ذبائحهم ويتزوج من نسائهم، كما قال تعالى في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ" [المائدة:5].
ومن لوازم هذا الزواج وثمراته: وجود المودة بين الزوجين، كما قال تعالى: "وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُو?اْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21].
وكيف لا يود الرجل زوجته وربة بيته وشريكة عمره، وأم أولاده؟ وقد قال تعالى في بيان علاقة الأزواج بعضهم ببعض: "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ" [البقرة: 187].(3/47)
ومن لوازم هذا الزواج وثمراته: المصاهرة بين الأسرتين، وهي إحدى الرابطتين الطبيعيتين الأساسيتين بين البشر، كما أشار القرآن بقوله: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا" [الفرقان:54].
ومن لوازم ذلك: وجود الأمومة وما لها من حقوق مؤكدة على ولدها في الإسلام، فهل من البر والمصاحبة بالمعروف أن تمر مناسبة مثل هذا العيد الكبير عندها ولا يهنئها به؟ وما موقفه من أقاربه من جهة أمه، مثل الجد والجدة، والخال والخالة، وأولاد الأخوال والخالات، وهؤلاء لهم حقوق الأرحام وذوي القربى، وقد قال تعالى: "وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ" [الأنفال: 75] وقال تعالى: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى" [النحل:90].
فإذا كان حق الأمومة والقرابة يفرض على المسلم والمسلمة، صلة الأم والأقارب بما يبين حسن خلق السلم، ورحابة صدره، ووفاءه لأرحامه، فإن الحقوق الأخرى توجب على المسلم أن يظهر بمظهر الإنسان ذي الخلق الحسن، وقد أوصى الرسول الكريم أبا ذر بقوله: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" هكذا قال: "خالق الناس" ولم يقل: خالق المسلمين بخلق حسن.
كما حث النبي –صلى الله عليه وسلم- على (الرفق) في التعامل مع غير المسلمين، وحذر من (العنف) والخشونة في ذلك.
ولمّا دخل بعض اليهود على النبي –صلى الله عليه وسلم- ولووا ألسنتهم بالتحية، وقالوا: (السام) عليك يا محمد، ومعنى (السام): الهلاك والموت، وسمعتهم عائشة، فقالت: وعليكم السام واللعنة يا أعداء الله، فلامها النبي –صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فقالت: ألم تسمع ما قالوا يا رسول الله؟ فقال:"سمعت، وقلت: وعليكم"، (يعني: الموت يجري عليكم كما يجري علي) يا عائشة:"الله يحب الرفق في الأمر كله".
وتتأكد مشروعية تهنئة القوم بهذه المناسبة إذا كانوا –كما ذكر السائل- يبادرون بتهنئة المسلم بأعياده الإسلامية، فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة، وأن نرد التحية بأحسن منها، أو بمثلها على الأقل، كما قال تعالى: "وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" [النساء:86].
ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما، وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره، والمفروض أن يكون المسلم هو الأوفر - حظا، والأكمل خلقا، كما جاء في الحديث "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" وكما قال عليه الصلاة والسلام: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".!
ويتأكد هذا إذا أردنا أن ندعوهم إلى الإسلام ونقربهم إليه، ونحبب إليهم المسلمين، وهذا واجب علينا فهذا لا يتأتى بالتجافي بيننا وبينهم بل بحسن التواصل.
وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- حسن الخلق، كريم العشرة، مع المشركين من قريش، طوال العهد المكي، مع إيذائهم له، وتكالبهم عليه، وعلى أصحابه. حتى إنهم –لثقتهم به عليه الصلاة والسلام- كانوا يودعون عنده ودائعهم التي يخافون عليها، حتى إنه –صلى الله عليه وسلم- حين هاجر إلى المدينة، ترك عليا رضي الله عنه، وأمره برد الودائع إلى أصحابها.
فلا مانع إذن أن يهنئهم الفرد المسلم، أو المركز الإسلامي بهذه المناسبة، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام مثل (الصليب) فإن الإسلام ينفي فكرة الصليب ذاتها "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ" [النساء157].
والكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم، أو رضا بذلك، إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس.
ولا مانع من قبول الهدايا منهم، ومكافأتهم عليها، فقد قبل النبي –صلى الله عليه وسلم - هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره، بشرط ألا تكون هذه الهدايا مما يحرم على المسلم كالخمر ولحم الخنزير.
ولا ننسى أن نذكر هنا أن بعض الفقهاء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم قد شددوا في مسألة أعياد المشركين وأهل الكتاب والمشاركة فيها، ونحن معهم في مقاومة احتفال المسلمين بأعياد المشركين وأهل الكتاب الدينية، كما نرى بعض المسلمين الغافلين يحتفلون بـ(الكريسماس) كما يحتفلون بعيد الفطر، وعيد الأضحى، وربما أكثر، وهذا ما لا يجوز، فنحن لنا أعيادنا، وهم لهم أعيادهم، ولكن لا نرى بأسا من تهنئة القوم بأعيادهم لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة، أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية،التي تقتضي حسن الصلة، ولطف المعاشرة التي يقرها العرف السليم.
أما الأعياد الوطنية والاجتماعية، مثل عيد الاستقلال، أو الوحدة، أو الطفولة والأمومة ونحو ذلك، فليس هناك أي حرج على المسلم أن يهنئ بها، بل يشارك فيها، باعتباره مواطناً أو مقيماً في هذه الديار على أن يجتنب المحرمات التي تقع في تلك المناسبات.
تعليق:(3/48)
قلت : قد يكون من المناسب أن نضيف هنا أن تهنئة غير المسلمين مختلف فيها بين العلماء وفي مذهب الإمام أحمد ثلاث روايات بالمنع والكراهة والجواز وهذه الرواية الأخيرة هي اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية لما في ذلك من المصلحة وهي التي نختارها فتجوز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم نص على هذه الروايات في هذه الحالات كلها المرداوي في الإنصاف وما يذكر عن ابن تيمية في بعض الكتب الأخرى قد لا يتفق مع اختياراته الموثقة. والله ولي التوفيق.
صفات الفقير الذي تصرف له الزكاة
السؤال:ما هي صفات الفقير الذي تصرف له زكاة المال؟
الجواب:الفقير الذي جعله الله سبحانه وتعالى من الأصناف التي تصرف لها الزكاة في قوله:"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ" [التوبة: 60] اختلف في وصفه الفقهاء، والصحيح من أقوالهم: أنه الذي لا يملك مالا يكفيه في مطعمه وملبسه ومسكنه وسائر ما لا بد منه لنفسه ولمن تلزمه نفقته، من غير إسراف ولا تقتير، كمن يحتاج إلى عشرة ماركات ألمانية ولا يجد إلا ثلاثة أو اثنين.
على أننا ننبه إلى أن من كان ظاهر حاله الفقر، فلا مانع أن تعطى له الزكاة. وكذلك من ادعى أنه فقير فيصدق في قوله وتعطى له الزكاة. إلا إذا كان ظاهر حاله يدل على خلاف ذلك.
السؤال:يقع للقائمين على بعض المؤسسات الإسلامية، كالمراكز أو المساجد أو الجهات الخيرية، أنهم يدعون المسلمين إلى التبرع لصالح مشروع معين، ثم يفضل من المال شيء بعد تنفيذ المشروع، أو يلغى ذلك المشروع أصلاً، فما الحكم في تلك الأموال؟ هل للقائمين على تلك المؤسسة حق التصرف فيها في مصالح عامة أخرى دون إعلام المتبرعين؟ وإذا لزمهم إعلام المتبرعين، فكيف العمل في حال تعذر ذلك؟
الجواب:يُنْظر: فما أمكن تعيين كونه مال زكاة مفروضة، فإن المعطي لزكاة ماله لا يملك حق الاشتراط فيها أن تنفق في وجه مخصوص، وإنما محلها حيث مصارفها المبينة في كتاب الله تعالى بقوله: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [التوبة: 60]، فهذا يجعله القائمون على تلك المؤسسات في مصارفه باجتهادهم فيما يحقق مصلحة مجتمعهم.
وما لم يتعين كونه مال زكاة مفروضة، فالمتبرع قصد به ذلك المشروع المحدد الذي دعي إلى التبرع لأجله، فهو بتبرعه بمنزلة الواقف، والأصل التزام شرط الواقف، فلا يصرف ذلك المال إلا حيث أراد، وعليه: فإن عُرِفَ المتبرع بعينه وأمكن استئذانه فالواجب فعل بذلك، وإن تعذر وأمكن استئذان جماعة المتبرعين، شأن الأموال التي تجمع من المصلين في المساجد مثلاً، فيفعل ذلك، فإن تعذر فعل شيء من ذلك، فلا مانع من صرف المال في مشروع مشابه للمشروع الذي جمع لأجله، والأصل في ذلك كله قوله تعالى:"فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16].
- طلب الطلاق من الزوج الفاسق.
- إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه.
- طلاق المرأة نفسها.
- حكم تطليق القاضي غيرالمسلم.
- مراعاة السنن في الأضحية.
- طلب الطلاق من الزوج الفاسق
الزواج ميثاق غليظ، ورباط مقدس، يجمع بين الرجل والمرأة على كتاب الله تعالى وعلى سنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، ويجعل كلاً منهما لصاحبه بمنزلة اللباس له كما قال الله تعالى في تصوير هذه العلاقة بينهما: "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ" [البقرة 187]. بما توحي به كلمة (اللباس) من القرب واللصوق والستر والدفء والزينة.
ولهذا يجب على كل من الزوجين أن يحسن عشرة صاحبه، وأن يصبر عليه، ولا يجوز للرجل أن يطلق زوجته للإضرار بها، لأن في ذلك هدم هذه المؤسسة المشتركة، وكسر قلب الزوجة، وربما فرق بينها وبين أولادها منه بغير مبرر ولا ضرورة.
ومن هنا كان التفريق بين المرء وزوجه من الكبائر الموبقة، وهو من أحب الأعمال إلى إبليس كما جاء في بعض الأحاديث.
وإذا كان الزوج يحرم عليه إضرارامرأته بالطلاق بلا عذر، فكذلك لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بلا عذر موجب. وقد جاء فيما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة".
ومفهوم الحديث : أنها إذا طلبت الطلاق من بأس وبسبب، فلا إثم عليها.
فهل يكون فسق الزوج سبباً موجباً أو مجيزاً لطلب الطلاق من المرأة ؟
ولا ريب أن الفساق يختلفون في مدى فسقهم وفي معاشرتهم لنسائهم، فمنهم من يريد من امرأته أن تعينه على فسقه، بأن تقدم له الخمر مثلاً، وهو حرام عليها، فيجوز لها أن تطلب الطلاق تفادياً لما يمكن أن يصيبها من الإثم.
ومنهم من يسيء عشرته لامرأته ويضارها ويؤذيها، لهذا يعطيها الحق في طلب الطلاق وخصوصاً إذا استمر في ذلك، ولم ترج منه التوبة ولا استقامة الحال، ومنهم من لا يفعل هذا ولا ذاك، وهوحسن العشرة معها، فهذا هو الذي يختلف فيه.(3/49)
وجمهور الفقهاء يرون أن تارك الصلاة كسلاً إنما هو عاص فاسق لا كافر مرتد، وعلى هذا لا يجب التفريق بينه وبين امرأته.
والذي نرجحه هنا: أن المرأة إذا كانت تأمل في رجعة زوجها إلى الله، وأنه يمكن أن تؤثر فيه النصيحة والموعظة، وأن حاله يمكن أن يتحسن، فعليها أن تصبر عليه، وإن كان فاسقاً، بترك الصلاة وبشرب الخمر، وخصوصاً إذا كان لها أولاد من ذلك الرجل، وتخشى عليهم التشتت والضياع.
وهذا بشرط ألا يستحل ترك الصلاة أو شرب الخمر، فينتقل بذلك إلى الكفر الصريح المفرق بين المرء وزوجه.
- "إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه"
بعد اطلاع المجلس على البحوث والدراسات المختلفة في توجهاتها، والتي تناولت الموضوع بتعميق وتفصيل في دورات ثلاث متتالية، واستعراض الآراء الفقهية وأدلتها مع ربطها بقواعد الفقه وأصوله ومقاصد الشرع، ومع مراعاة الظروف الخاصة التي تعيشها المسلمات الجديدات في الغرب حين بقاء أزواجهن على أديانهم، فإن المجلس يؤكد أنه يحرم على المسلمة أن تتزوج ابتداء من غير المسلم، وعلى هذا إجماع الأمة سلفاً وخلفاً، أما إذا كان الزواج قبل إسلامها فقد قرر المجلس في ذلك ما يلي:
أولاً: إذا أسلم الزوجان معا ولم تكن الزوجة ممن يحرم عليه الزواج بها ابتداء (كالمحرمة عليه حرمة مؤبدة بنسب أو رضاع) فهما على نكاحهما .
ثانياً: إذا اسلم الزوج وحده ، ولم يكن بينهما سبب من أسباب التحريم وكانت الزوجة من أهل الكتاب فهما على نكاحهما .
ثالثاً: إذا أسلمت الزوجة وبقى الزوج على دينه فيرى المجلس :
أ - إن كان إسلامها قبل الدخول بها فتجب الفرقة حالاً.
ب - إن كان إسلامها بعد الدخول وأسلم الزوج قبل انقضاء عدتها ،فهما على نكاحهما.
ج - إن كان إسلامها بعد الدخول، وانقضت العدة, فلها أن تنتظر إسلامه ولو طالت المدة ، فإن أسلم فهما على نكاحهما الأول دون حاجة إلى تجديد له.
د- إذا اختارت الزوجة نكاح غير زوجها بعد انقضاء العدة فيلزمها طلب فسخ النكاح عن طريق القضاء.
خامساً: لا يجوز للزوجة عند المذاهب الأربعة بعد انقضاء عدتها البقاء عند زوجها، أو تمكينه من نفسها. ويرى بعض العلماء أنه يجوز لها أن تمكث مع زوجها بكامل الحقوق والواجبات الزوجية إذا كان لا يضيرها في دينها وتطمع في إسلامه, وذلك لعدم تنفير النساء من الدخول في الإسلام إذا علمن أنهن سيفارقن أزواجهن ويتركن أسرهن, ويستندون في ذلك إلى قضاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في تخيير المرأة في الحيرة التي أسلمت ولم يسلم زوجها: "إن شاءت فارقته وإن شاءت قرت عنده", وهي رواية ثابتة عن يزيد بن عبد الله الخطمي. كما يستندون إلى رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إذا أسلمت النصرانية امرأة اليهودي أو النصراني كان أحق ببضعها لأن له عهداً, وهي أيضاً رواية ثابتة. وثبت مثل هذا القول عن إبراهيم النخعي، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان .
- طلاق المرأة نفسها
وفي مسألة مدى جواز طلاق المرأة نفسها، فإن المجلس قد قرر بعد بحث مستفيض ما يلي:
أولاً: أن الطلاق من حيث الأساس حق أعطاه الإسلام للرجل.
ثانياً: يمكن أن تطلق المرأة نفسها إذا اشترطت ذلك في عقد الزواج أو إذا فوضها زوجها بذلك بعد العقد.
ثالثاً: يمكن للمرأة أن تخالع زوجها إذا رغبت في ذلك أمام القاضي الذي يجب عليه أن يبذل كل جهد ممكن للإصلاح بينهما، فإن يئس قضى بالخلع.
رابعاً: يمكن للمرأة أن تتفق مع زوجها على الطلاق ضمن أي شروط مشروعة يتراضيان عليها.
خامساً: يمكن للمرأة أن تطلب من القاضي التفريق بسبب الضرر المعتبر شرعاً، وله أن يحكم بذلك إذا أثبتت الزوجة ادعاءها، وبعد أن يبذل جهده في الإصلاح بين الزوجين كما أمر الله تعالى، وخاصة اختيار حكمين يساعدانه في هذه المهمة.
القرار 3/5
- حكم تطليق القاضي غير المسلم
الأصل أن المسلم لا يرجع في قضائه إلا إلى قاض مسلم، أو من يقوم مقامه، غير أنه بسبب غياب قضاء إسلامي حتى الآن يتحاكم إليه المسلمون في غير البلاد الإسلامية، فإنه يتعين على المسلم الذي أجرى عقد زواجه وفق قوانين هذه البلاد، تنفيذ قرار القاضي غير المسلم بالطلاق، لأن هذا المسلم لمّا عقد زواجه وفق هذا القانون غير الإسلامي، فقد رضي ضمناً بنتائجه، ومنها أن هذا العقد لا يحل عروته إلا القاضي. وهو ما يمكن اعتباره تفويضاً من الزوج جائزاً له شرعاً عند الجمهور، ولو لم يصرح بذلك. لأن القاعدة الفقهية تقول (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً). وتنفيذ أحكام القضاء ولو كان غير إسلامي جائز من باب جلب المصالح ودفع المفاسد وحسماً للفوضى، كما أفاده كلام غير واحد من حذاق العلماء كالعز بن عبدالسلام وابن تيمية والشاطبي.
القرار 4/5
ب – حول مدى ضرورة اشتراط مراعاة السن في الأضحية:(3/50)
فأجاب بأن اعتبار السن المحدد للأضحية في الضأن والبقر هو للتحقق من الانتفاع بها ليكون ما يضحى به مجزئاً، والسن هو علامة أو أمارة على ذلك، سواء أتم ذلك بنمو طبيعي أم باستخدام طرق التسمين، فإن التضحية بها جائزة تحقيقاً للمقصود الشرعي من اشتراط السن، وقد أفتى بهذا بعض مشاهير المالكية، وينبغي مراعاة المتطلبات الصحية لتجنب الأضرار التي قد تحدث من ذبائح مريضة أو مشتملة على موانع معروفة، مثل جنون البقر، والله أعلم. وبالمناسبة فإن المجلس ينبه المسلمين إلى ما يلي:
الحرص على الالتزام بالقوانين الصحية التي تشترط رقابة الطبيب البيطري على الذبائح في المسالخ الرسمية.
يجوز شرعاً أن يوكِّل المسلم غيره بذبح أضحيته عنه، ولو في بلد آخر، خاصة في البلاد التي يتعرض فيها المسلمون للاضطهاد، أو المجاعة، أو الحاجة الملحة.
في حال تعذر حصول المضحي على أضحية من المسلخ في اليوم الأول من أيام العيد، فلا مانع أن يكون ذلك إلى اليوم الرابع من أيام العيد.
قلت:
قولهم بعض مشاهير المالكية يشير إلى فتوى الشيخ ماء العينين في شأن المواشي التي يسرع بها الخصب إلى حالة من السمن وعظم الجسم لا تناسب سنها وذلك في مناطق تيرس الصحراوية.
(((((((((((((((((((((((
الفهرس العام
الباب الثالث…2
صناعة الفتوى وفقه الأقليات…2
خطر الفتوى وآداب الإفتاء ومسئولية المفتي:…4
آداب الفتيا:…7
مسؤولية المفتي:…11
نظرة إلى منهجية المذاهب الأربعة اتفاقاً واختلافاً:…27
وأخيراً : الفتوى الجماعية…31
السلم المتوازي :…35
مسألة التضخم :…35
مسألة تغيّر السكة أو انقطاعها :…36
التأصيل لفقه الأقليات:…42
وينقسم التأصيل لفقه الأقليات إلى مقاصد وقواعد:…46
القسم الأول: المقاصد:…46
القسم الثاني: قواعد كبرى تعتمد في فقه الأقليات:…47
ثالثاً: قاعدة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة:…55
الضرورة لغة:…57
الضرورة اصطلاحاً:…58
3- المعنى الأصولي للضرورة :…60
تعريف الحاجة:…63
مناقشة تنزيل الحاجة منزلة الضرورة :…65
ثانيا – الحاجة الفقهية:…72
عموم البلوى :…75
مجالات تدخل فيها الحاجة :…78
تطبيقات معاصرة :…86
رابعاً: قاعدة العرف:…101
تحقيق المناط:…110
خامساً:قاعدة النظر في المآلات:…111
سادساً: قاعدة: قيام جماعة المسلمين مقام القاضي:…115
الفصل الثالث: أمثلة لمسائل من فقه الأقليات…124
المثال الأول: حكم إقامة الأقلية المسلمة في ديار الأكثرية غير المسلمة.…125
المثال الثاني : ما هو تأثير المكان على أحكام التكليف؟…128
المثال الثالث: العلاقات الإنسانية وحسن التعامل في نصوص مختصرة تحكمها آية سورة الممتحنة…134
المثال الرابع: مسألة استحالة العين وتسمى بانقلاب العين.…137
المثال الخامس: قضية حجاب المرأة المسلمة.…141
نقل الأعضاء:…145
حول مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية:…151
تشييع جنازة الأقارب غير المسلمين…156
دفن المسلم في مقابر غير المسلمين…158
تهنئة غير المسلمين بأعيادهم…159
صفات الفقير الذي تصرف له الزكاة…165
- طلب الطلاق من الزوج الفاسق…167
- "إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه"…168
- طلاق المرأة نفسها…170
- حكم تطليق القاضي غير المسلم…170
ب – حول مدى ضرورة اشتراط مراعاة السن في الأضحية:…171(3/51)
الخلاصة في فقه الأقليات
(4)
الباب الرابع
فقه العبادات
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الرابع
فقه العبادات
المسائل الفقهية المتعلقة بالمغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز
د. عبد الكريم بن يوسف الخضر
أستاذ الفقه المشارك بجامعة الملك سعود - كلية التربية - الرياض
ملخص البحث
يعيش المسلم المغترب في بلاد الكفار معيشة تختلف عن معيشة المسلم في بلاد المسلمين . وذلك لوجود بعض الصعاب التي تعترض طريقه ، ومن أهم هذه الصعاب وجود الفوارق الواضحة في المسائل والأحكام الفقهية بين ما يكون في بلاد المسلمين وما يكون في بلاد الكفار . ولذلك يحتاج المسلم المغترب إلى معرفة هذه المسائل والأحكام ليكون على بصيرة من أمره ، وعلى علم في دينه ، فلا تختلط عليه أحكام غربته مع أحكام إقامته في بلاد المسلمين . وهذا البحث الذي بين أيدينا حاول أن يعالج جانباً من هذه الجوانب ولذلك عنى بثلاثة أمور في جانب عبادة المغترب وهي:
1 - صلاة الجمعة وقد بحثت فيها :
أ - حكم إذن الإمام بإقامتها .
ب - العدد الذي يشترط لإقامتها .
جـ - حكم الخطبة بغير اللغة العربية .
2 - صلاة العيدين وقد بحثت فيها حكم إقامتها للمغتربين .
3 - الجنائز وقد بحثت فيها :
أ - حكم وضعها في تابوت قبل الدفن .
ب - حكم دفن المسلم في مقابر الكفار .
جـ - حكم زيارة قبور الكفار .
ثم ختمت البحث بخاتمة وضعت فيها أهم النتائج التي تم التوصل إليها في هذا البحث .
وأسأل اللَّه الكريم أن يتقبل هذا العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه وأن ينفع به من كتبه وقرأه، والحمد لله رب العالمين .
المقدمة:
الحمد لله العفو العليم ، التواب العزيز الرحيم ، اللطيف الشكور الكريم، مالك الملك الجواد الحليم ، أحمده حمد من يعترف بفضله وآلائه ، ويسأله المغفرة لتقصيره في القيام بواجباته ، وأشهد أنه اللَّه الذي لا إله إلا هو المتفرد بكبريائه المتعالي عن خلقه المختص بأسمائه وصفاته .
وأشهد أن محمد بن عبد اللَّه الرسول النَّبِيّ الأمي خاتم أنبيائه ، أرسله إلى عامة خلقه وجميع أوليائه ، ليبين لهم طريق الحق من طريق الغواية ، وأصلي وأسلم عليه وعلى أصحابه وأزواجه ومن اقتفى سنته يرغب بالهداية ، أما بعد :
فهذا بحث متواضع في أهم المسائل التي تختص بالمسلمين المغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز أسميته : المسائل الفقهية المتعلقة بالمغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز .
سبب اختيار الموضوع وأهميته :
حينما يقيم المسلم المغترب في مكان اغترابه فإنه يرغب في ممارسة شعائر دينه التي ميزه اللَّه بها وتفضل عليه بشرعها. ومنها صلاة الجمعة وصلاة العيدين. ودفن الجثمان بعد الصلاة عليه .
والأصل أن المسلم المغترب لا يختلف في أحكامه عن المسلم غير المغترب الذي يقيم في بلاده خاصة في وجوب إظهار شعائر الدين الظاهرة ، ما لم يخف على نفسه أو ماله أو عرضه أو دينه ، ومن أظهر الشعائر صلاتا الجمعة والعيدين.
ولذلك فقد وجدت بضع مسائل في هذه الشعائر الظاهرة يحتاج إليها المسلم المغترب في غربته . رغبت في بحثها واستقصاء أقوال الفقهاء فيها ومعرفة ما يترجح من هذه الأقوال بالأدلة الصريحة الصحيحة ، علّي في ذلك أكون قد أسهمت إسهاماً قليلاً قليلة في تجلية بعض الإشكالات الفقهية التي قد تعترض طريق إخواننا المسلمين في بلاد الغربة([1]) .
خطة البحث :
انتظمت خطة البحث في مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة .
المقدمة وقد اشتملت على :
أ - سبب اختيار الموضوع وأهميته .
ب - خطة البحث .
الفصل الأول : في صلاة الجمعة . وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول : إذن الإمام في إقامة الجمعة .
المبحث الثاني : العدد الذي تقام فيه الجمعة .
المبحث الثالث : حكم الخطبة بغير العربية .
الفصل الثاني : في حكم صلاة العيد للمغتربين .
الفصل الثالث : في الجنائز . وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : حكم زيارة قبور المشركين .
المبحث الثاني : الدفن في التابوت .
المبحث الثالث : حكم دفن المسلم المغترب في مقابر الكفار .
هذا ما يسر اللَّه لي جمعه من المسائل الفقهية المتعلقة بالمغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز ، فإن كان ما ذكرته فيها صواباً فمن اللَّه وحده وله الحمد والنعمة والفضل ، وإن يكن ما ذكرته فيها خطئًا فمن نفسي والشيطان ، وأستغفر اللَّه العظيم منه ، والحمدلله رب العالمين .
--------------------
الفصل الأول : في صلاة الجمعة :
المبحث الأول : إذن الإمام في إقامة الجمعة
اختلف الفقهاء في اشتراط إذن الإمام في إقامة الجمعة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه لا يشترط لصحتها إذن الإمام .
وهذا قول المالكية([2])، والشافعية([3])، ورواية عند الحنابلة([4]) .
القول الثاني : أنه يشترط لصحتها إذن الإمام .
وهذا قول الحنفية([5])، ورواية عند الحنابلة([6]) .
القول الثالث : أن إذن الإمام شرط لوجوبها لا لجوازها .
وهذا رواية عند الحنابلة([7]) .
الأدلة :
أدلة القول الأول :
الدليل الأول :(4/1)
عن عبيد اللَّه بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وهو محصور، فقال : إنك إمام عامة ، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج ، فقال : الصلاة أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، وإذا أساؤا فاجتنب إساءتهم([8]).
وجه الدلالة : أن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه لم ينكر على من صلى الجمعة خلف إمام الفتنة ، مع أن هذا الإمام صلى بدون إذن الإمام الأعظم وهو عثمان ابن عفان ، مما يدل على عدم وجوب إذن الإمام في إقامة الجمعة .
الدليل الثاني :
أن علياً صلى الجمعة بالناس وعثمان محصور فلم ينكره أحد وصوب ذلك عثمان وأمر بالصلاة معهم([9]).
وجه الدلالة : أن صلاة علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه الجمعة بالناس وعثمان رضي اللَّه عنه محصور دليل على جواز صلاة الجمعة بدون إذن الإمام.
الدليل الثالث :
أن صلاة الجمعة من فرائض الأعيان فلم يشترط لها إذن الإمام كالظهر([10]).
الدليل الرابع :
أن صلاة الجمعة صلاة تشبه سائر الصلوات فتكون مثلها في عدم اشتراط إذن الإمام فيها([11]) .
دليل القول الثاني :
أنه لا يقيم صلاة الجمعة إلا الأئمة في كل عصر فصار ذلك إجماعاً على عدم جواز إقامتها بدون إذن الإمام([12]).
نوقش : أن ما ذكرتموه من الإجماع لا يصح لأن الناس يقيمون الجُمُعات في القرى من غير استئذان أحد ، ثم لو صح أنه لم يقع إلا ذلك لكان إجماعاً على جواز ما وقع لا على تحريم غيره . كالحج يتولاه الأئمة وليس بشرط فيه([13]).
أما القول الثالث فلم أجد له أدلة خاصة به.
الترجيح :
بعد النظر في هذه المسألة ومعرفة الأقوال الواردة فيها والاطلاع على أدلتها ومناقشة ما يحتاج إلى مناقشة منها تبين لي - واللَّه أعلم بالصواب - أن القول الراجح هو القول الأول وهو أنه لا يشترط إذن الإمام في صحة إقامة صلاة الجمعة . وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة ولضعف دليل القول الثاني وعدم سلامته من المناقشة . ولتعذر إمكانيته خاصة على أولئك المغتربين من المسلمين الذين يقيمون في بلاد الكفار ، فلا يمكنهم الحصول على إذن إمام البلد الذي يقيمون فيه ، ولو استطاعوا الحصول على إذنه فإنه يستطيع منعهم إقامتها برجوعه عن إذنه فيها في أي وقت ، وبالتالي يُحرم المسلمون المقيمون في تلك البلاد من إقامة الجمعةإلا بإذن إمام البلد الكافر وهذا بعيد لأن فيه جعل سبيل للكافرين على المسلمين ، واللَّه لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً . قال تعالى: { ولن يجعل اللَّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً } ([14]).
المبحث الثاني : العدد الذي تقام فيه الجمعة
قد يوجد بعض المسلمين في بلد من بلاد الكفار ويرغبون في إقامة صلاة الجمعة ولكنهم عدد قليل ، فهل يصح منهم إقامة صلاة الجمعة بالعدد القليل وما هو أقل عدد يمكن أن تقام فيه صلاة الجمعة .
اختلف أهل العلم في العدد الذي تقام فيه الجمعة على أقوال كثيرة، أهمها:
القول الأول : أنها تنعقد بثلاثة رجال .
وهذا القول رواية عند الحنابلة([15])، وقول أبي يوسف من الحنفية([16])، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([17]).
القول الثاني : أنها تنعقد بأربعين رجلاً .
وهذا مذهب الشافعية([18])، والرواية المشهورة عند الحنابلة([19]) .
القول الثالث : أنها تنعقد بخمسين رجلاً .
وهذا رواية عند الحنابلة([20]) .
القول الرابع : أنها تنعقد باثني عشر رجلاً .
وهذا القول مذهب المالكية([21]) .
القول الخامس : أنها تنعقد بأربعة .
وهذا مذهب الحنفية([22])، ورواية عند الحنابلة([23]) .
القول السادس : أنها تنعقد باثنين فما فوق .
وهذا مذهب ابن حزم([24]) .
الأدلة :
أدلة القول الأول :
الدليل الأول : عن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة ، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"([25]).
وجه الدلالة : أن الصلاة في هذا الحديث عامة تشمل الجمعة وغيرها ، فإذا كانوا ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة ومنها صلاة الجمعة فإن الشيطان قد استحوذ عليهم . وهذا يدل على وجوب صلاة الجمعة على الثلاثة ، ولا يمكن أن يقال : أنها تجب على الثلاثة ، ثم يقال : إنها لا تصح من الثلاثة ، لأن إيجابها عليهم ثم قولنا إنها غير صحيحة تضاد معناه : أمرناهم بشيء باطل والأمر بالشيء الباطل حرام([26]) .
الدليل الثاني : قال اللَّه تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللَّه وذروا البيع ... } الآية([27]) .
وجه الدلالة : أن هذه الصيغة الواردة في الآية صيغة الجمع فيدخل فيها الثلاثة، فيكون الثلاثة مأمورون بالسعي إلى صلاة الجمعة وهذا يدل على أنها تنعقد بهم([28]) .
الدليل الثالث : أن هذا العدد أقل الجمع فهو يتناوله اسم الجمع فتنعقد به الجماعة كالأربعين([29]) .
الدليل الرابع : أن المثنى في حكم الجماعة حتى يتقدم الإمام عليهما ، وفي الجماعة معنى الاجتماع ، وذلك يتحقق بالمثنى([30]).
أدلة القول الثاني :
الدليل الأول :(4/2)
قال الإمام أحمد في رواية الأثرم : بعث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين وكانت أول جمعة جمعت([31]).
وجه الدلالة : أن هذا الأثر يدل على أن العدد الذي تنعقد به الجمعة هو أربعون رجلاً ، فاقتصر عليه إذ التجميع تغيير فرض فلا يصار إليه إلا بنص أو اتفاق ، ولم يثبت ذلك . مما يدل على عدم انعقاد الجمعة بأقل من هذا العدد([32]).
يناقش :
بأنه إن صح هذا الأثر فإن بلوغهم هذا العدد وقع اتفاقاً لا قصداً فلا يصح الاستدلال به ، فلم يقل أنهم أمروا أن يجمعوا فلما بلغوا أربعين أقاموا جمعة، فلو كان لفظ الحديث هكذا لكان فيه شيء من الاستدلال . أما والحالة هذه فليس فيه شيء من الاستدلال([33]) .
الدليل الثاني :
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعدما ذهب بصره عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له : إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة ، قال : لأنه أول من جمّع بنا في هزم النّبيت([34])من حرة بني بياضة([35])في نقيع يقال له: نقيع الخضمات([36])، قلت: كم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون([37]).
وجه الدلالة : حيث دل هذا الأثر على أن أول جمعة جمعت في المدينة كان عدد من جمع بهم أربعين مما يدل على أن هذا العدد هو العدد الذي تنعقد به الجمعة .
يناقش من وجهين :
الوجه الأول : أن فيه محمد بن إسحاق ، وهو مختلف فيه([38]) .
الوجه الثاني : أن هذا العدد وقع اتفاقاً لا قصداً فلا يصح الاستدلال به ؛ لأنه لم ينص على أنهم أمروا بإقامة الجمعة فلم يقيموها حتى بلغوا أربعين ، مما يدل على أن أقل عدد تنعقد به الجمعة أربعين، بل قصارى ما أفاد هو أن العدد الذي أقيمت به أول جمعة في المدينة بناء على هذا الأثر هو أربعون.
الدليل الثالث :
عن جابر بن عبد اللَّه قال : مضت السنة أن في كل ثلاثة إمام أو في كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطر ، وذلك أنهم جماعة([39]).
وجه الدلالة : أن هذا الحديث يفيد أن أقل عدد تنعقد به صلاة الجمعة وصلاة العيد هو أربعون . مما يدل على أنها لا تنعقد بأقل من ذلك .
يناقش : بأن هذا الحديث ضعيف([40])فلا يصح الاستدلال به([41]) .
دليل القول الثالث :
عن أبي أمامة أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " على الخمسين جمعة ليس فيما دون ذلك " ([42]) .
وجه الدلالة : أن هذا الحديث نص على عدم جواز انعقاد الجمعة بأقل من خمسين رجلاً . لأنها لا تجب على من هم أقل من ذلك .
نوقش : أن هذا الحديث ضعيف فلا يصح الاستدلال به([43]).
أدلة القول الرابع :
الدليل الأول :
عن جابر بن عبد اللَّه قال : بينا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قائم يوم الجمعة إذ قدمت عير إلى المدينة فابتدرها أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر . قال : ونزلت هذه الآية : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها }([44])([45]) .
وجه الدلالة : أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم استمر في صلاة الجمعة مع أنه لم يبق معه بعد انصراف الناس للعير إلا اثنا عشر رجلاً ، وما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة، فيكون أقل عدد تنعقد به الجمعة اثني عشر رجلاً([46]).
نوقش : أن هذا العدد الذي بقي مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقع اتفاقاً ولم يكن قصداً، فربما يبقى أكثر ، وربما يبقى أقل ، فلا يكون فيه دليل على أن أقل عدد تنعقد به الجمعة اثنا عشر رجلاً([47]) .
الدليل الثاني : أن مصعب بن عمير حين بعثه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جمع بهم وهم اثنا عشر رجلاً([48]) .
نوقش من وجهين :
الأول : أن هذا لا يصح إسناده فلا يصح الاستدلال به([49]) .
الوجه الثاني : أنه لو صح فإنه لا يكون فيه دليلاً على أن أقل عدد تنعقد به الجمعة اثنا عشر ؛ لأنا نقول أن هذا العدد وقع اتفاقاً لا قصداً . فربما لو اجتمع أقل من ذلك لجمع بهم مما يدل على أن هذا لا يدل على أن أقل عدد تقام به الجمعة اثنا عشر([50]) .
أدلة القول الخامس :
الدليل الأول :
قال اللَّه تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللَّه وذروا البيع ...} الآية([51]) .
وجه الدلالة : أن ما ذكر في الآية يقتضي منادياً وذاكراً وهو المؤذن والإمام والاثنان يسعون لأن قوله : "فاسعوا" لا يتناول إلا المثنى ، ثم مادون الثلاث ليس بجمع متفق عليه فإن أهل اللغة فصلوا بين التثنية والجمع ، فالمثنى وإن كان فيه معنى الجمع من وجه فليس بجمع مطلق واشتراط الجماعة ثابت مطلقاً([52]) .
يناقش : أن الخطاب في الآية لعموم المؤمنين بوجوب إقامة صلاة الجمعة إذا نودي لها . وأقل ما تتجه له صيغة الخطاب في الآية هم الثلاثة لأنهم أقل الجمع فتنعقد الجمعة بثلاثة لأنهم أقل الجمع .
الدليل الثاني :
عن أم عبد اللَّه الدوسية قالت : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلاَّ أربعة " ([53]) .(4/3)
وجه الدلالة : أن هذا الحديث أثبت أن الجمعة تقام في القرية وإن لم يكن فيها إلاَّ أربعة ، وهذا يدل على أن أقل عدد تنعقد به الجمعة هو أربعة وأن ما كان أقل من ذلك فإنه لا تنعقد به الجمعة .
يناقش : أن هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به لأن فيه معاوية بن يحيى ومعاوية بن سعيد وهما مجهولان([54]).
الدليل الثالث :
أن الأربعة عدد يزيد على أقل الجمع المطلق أشبه الأربعين([55]) .
يناقش : أن الجمعة يكفي فيها أقل الجمع وهو ثلاثة لأنه تنعقد به الجماعة ولا داعي للزيادة عليه طالما أنه يكفي ، فتنعقد الجمعة به . ثم إنه لا داعي لأن يكون العدد يشبه الاربعين حتى تنعقد به الجمعة لأنه لم يثبت أن الجمعة لا تنعقد إلاَّ بالأربعين .
دليل القول السادس :
" إن الاثنين جماعة فيحصل الاجتماع ، ومن المعلوم أن صلاة الجماعة في غير الجمعة تنعقد باثنين بالاتفاق ، والجمعة كسائر الصلوات فمن ادعى خروجها عن بقية الصلوات ، وأن جماعتها لابد فيها من ثلاثة فعليه الدليل"([56]).
نوقش : أنه لابد في صلاة الجمعة من جماعة تستمع الخطبة من الخطيب وأقلها اثنان والخطيب هو الثالث : فيتبين أنه لابد في صلاة الجمعة من ثلاثة خطيب ومستمعان وأن الاثنين لا يكفيان ؛ لأن أحدهما يكون خطيباً والآخر يكون مستمعاً([57]).
الترجيح :
بعد الاطلاع على هذه المسألة والنظر في الأقوال الواردة فيها ومعرفة أدلة هذه الأقوال ، ومناقشة ما يحتاج إلى مناقشة من هذه الأدلة تبين لي - واللَّه أعلم بالصواب- أن القول الراجح هو القول الأول وهو أن الجمعة تنعقد بثلاثة رجال فإذا وجد ثلاثة رجال من أهل الجمعة صحت إقامة صلاة الجمعة في المكان الذي يقيمون به . وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة ولعدم سلامة أدلة الأقوال الأخرى من المناقشة ؛ ولأن هذا العدد أقل الجمع الذي يمكن أن يحصل به اجتماع ، خاصة حينما يتقدم الإمام للخطبة والصلاة فيكون خلفه اثنان وبالتالي تكتمل الجماعة ويحصل الاجتماع ، واللَّه أعلم .
المبحث الثالث : حكم الخطبة بغير العربية
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنها لا تصح بغير العربية لغير الحاجة ، وتصح للحاجة.
وهذا قول عند الشافعية([58])، ومذهب الحنابلة([59])، وقول الصاحبين من الحنفية([60])، وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية([61]) .
القول الثاني : أنه تشترط الخطبة بالعربية ولا تصح بغيرها .
وهذا مذهب المالكية([62])، والشافعية([63])، والرواية الصحيحة عند الحنابلة([64]).
القول الثالث : أنه يستحب الخطبة بالعربية ويصح بغيرها .
وهذا قول أبي حنيفة وهو المعتمد عند الحنفية([65])، وقول عند الشافعية([66])، ورواية عند الحنابلة([67]) .
الأدلة :
أدلة القول الأول :
الدليل الأول :
أن الخطبة لا تكون إلاَّ بالعربية لمن يفهمها ويعرفها ويحصل الفائدة المرجوة منها ولكن إذا كان المستمعون لها لا يفهمونها ولا يعرفونها ولا يحصلون الفائدة المرجوة منها إذا كانت بالعربية فإنه يجوز أن تكون بلسانهم الذي يعرفونه لا بالعربية ، وذلك لأن المقصود من الخطبة الوعظ والإرشاد والتوجيه وهذا يأتي لمن لم يفهم الخطبة لكونها ألقيت بغير لسانه ولغته .
الدليل الثاني :
أن الخطبة بالعربية ليست مقصودة لذاتها حتى يمكن أن يقال بعدم صحتها بغيرها حتى ولو لم يفهمها الناس المستمعون بل هي مقصودة لما فيها من تعليم وتوجيه وإرشاد للمستمعين لها وهذا لا يحصل لمن لم يفهمها ويعرفها لكونها ألقيت بغير لغته التي يفهمها .
أدلة القول الثاني :
الدليل الأول :
عن مالك بن الحويرث قال : أتينا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون ، فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة ، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً ، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أوقد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه ، قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم ، وعلموهم ومروهم ، وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها، وصلوا كما رأيتموني أصلي ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " ([68]) .
وجه الدلالة : أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر في هذا الحديث بأن يصلي المسلم كما رأي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي ويقتدي به في أحواله كلها وخاصة الصلاة ، وخطبة الجمعة جزء من الصلاة التي ينبغي أن يقتدي المسلم فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب الجمعة بالعربية فإنه ينبغي ألا تخطب الجمعة إلاَّ بالعربية ولا تصح بغيرها، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
يناقش : أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما كان يخطب بالعربية لأنه عربي ويخطب بقوم عرب فلا حاجة للخطبة بغيرها ، وهذا ما نقول به عند عدم الحاجة للخطبة بغيرها ، وأما حينما يكون هناك حاجة للخطبة بغيرها كأن يكون الذين تلقى عليهم الخطبة غير عرب ولا يفهمون العربية فإنه يصح أن يخطب بهم بلغتهم من أجل تحصيل المقصود من الخطبة وهو الوعظ والإرشاد والنصح ، مما لا يتحصل لوقلنا بوجوب الخطبة بالعربية لهم .
الدليل الثاني :(4/4)
أننا نقول بوجوب الخطبة باللغة العربية لاتباع السلف والخلف حيث لم يعهد منهم الخطبة بغير العربية([69]) .
يناقش : أن السلف والخلف الذين ذكرتم إنما كانوا يخطبون باللغة العربية لأنهم كانوا يخطبون بأناس يعرفون العربية ، وهذا مما لا شك فيه أنه ينبغي الخطبة في مثل هذه الحالة باللغة العربية لعدم الحاجة للخطبة بغيرها.
الدليل الثالث :
أن الخطبة ذكر مفروض فيشترط فيها أن تكون باللغة العربية كتكبيرة الإحرام والتشهد ونحوها([70]) .
يناقش : أنه لا يسلم لكم أنه يلزم أن تكون جميع الأذكار المفروضة باللغة العربية لأنه يلزم من هذا القول إثبات فرضية تعلم العربية على جميع المسلمين وهذا قول مرجوح لقول اللَّه تعالى : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فيالدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ([71]) .
وبناء على هذا فإننا نقول بعدم وجوب تعلم العربية على جميع المسلمين فإذا قلنا بهذا القول فإننا نقول إنه يمكن أن تكون بعض الأذكار بغير العربية عند الحاجة لذلك ومنها الخطبة .
دليل القول الثالث :
أن المقصود من الخطبة الوعظ وهو حاصل بكل اللغات فتصح الخطبة بأي لغة كانت([72]) .
يناقش : أن الأصل في الخطبة أن تكون باللغة العربية إذا كان المستمعون يفهمونها ويعرفونها ولا تصح بغيرها لفعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده ، وأما إن كان المستمعون لا يفهمون ولا يعرفون العربية فإنه لا بأس من الخطبة بغيرها للحاجة لذلك .
الترجيح :
بعد النظر في الأقوال الواردة في هذه المسألة والاطلاع على أدلتها ومناقشة ما لم يستقيم من هذه الأدلة تبين لي - واللَّه أعلم بالصواب- أن القول الراجح فيها هو القول الأول وهو أن الأصل في الخطبة أن تكون بالعربية ولا تصح بغيرها عند عدم الحاجة لذلك ، وتصح بغيرها عند الحاجة لذلك بشرط قراءة الآيات باللغة العربية ثم ترجمة معانيها بلغة الخطبة . وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة ولضعف أدلة الأقوال الأخرى وعدم سلامتها من المناقشة، ولأن المقصود من الخطبة الوعظ والإرشاد وهذا إذا كان بلغة لا يفهمها من ألقيت عليه فإنه يفوت المقصود منها وتكون عديمة الجدوى بخلاف ما إذا كانت بلغة يفهمها من ألقيت عليه فإنه يفهمها ويستفيد منها ويتعظ بها ، ثم إن كثير من المسلمين في العصر الحاضر لا يعرفون العربية وفي إلزامهم بتعلم العربية مشقة كبيرة عليهم قد لا يقدرون عليها وقد تكون سبباً في صدهم وأعراضهم عن الإسلام كما أنه لا يلزم من الإسلام أن يكون الإنسان متقناً للغة العربية ، فلا يعقل بعد هذا أن يمنع إلقاء الخطبة بغير العربية وتفويت فوائدها المرجوة منها بسبب أمر ليس في مقدور المسلم العجمي تعلمه وتحصيله.
-------------------
الفصل الثاني : في حكم صلاة العيد للمغتربين
يمر على المغتربين في وقت غربتهم أيام عيد الفطر وعيد الأضحى وهي أيام شرع اللَّه فيها صلاة العيد وجعلها فيها من شعائر الإسلام الظاهرة التي ينبغي المحافظة عليها .
فما حكم صلاة العيد للمغتربين ؟
القول الأول : أنها فرض كفاية .
وهو قول عند المالكية([73])، وقول عند الشافعية([74])، ومذهب الحنابلة([75]) .
القول الثاني : أنها سنة .
وهو رواية عند الحنفية([76])، والمشهور عند المالكية([77])، ومذهب الشافعية([78])، ورواية عند الحنابلة([79]) .
القول الثالث : أنها واجبة .
وهو الرواية الصحيحة عند الحنفية([80])، وقول عند المالكية([81])، ورواية عند الحنابلة هي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([82]).
الأدلة :
أدلة القول الأول :
استدلوا بأدلة تدل على الوجوب في الجملة ومنها :
الدليل الأول :
قال اللَّه تعالى : { فصل لربك وانحر } ([83]) .
وجه الدلالة : أن هذه الآية أمرت بأداء صلاة العيد والأمر يقتضي الوجوب إلا بصارف يصرفه من الوجوب إلى الندب ولا صارف هنا .
الدليل الثاني :
عن أم عطية رضي اللَّه عنها قالت : " أمرنا -تعني النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور ، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين([84]).
وجه الدلالة : أن الأمر يقتضي الوجوب إلا بصارف يصرفه من الوجوب إلى الندب ولا صارف هنا . وإذا كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر النساء بحضور صلاة العيد مع أنهن لسن من أهل الاجتماع لعدم مشروعية صلاة الجماعة لهن في المسجد. فإن الرجال من باب أولى فيكون شهود العيد في حقهم أوجب.
الدليل الثالث :
أن مواظبة ومداومة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عليها وعدم تخلفه عنها يدل على وجوبها([85]).
يناقش : أن الأصل في المداومة على الشيء إذا لم يكن فيه أمر الاستحباب([86]).
الدليل الرابع :
أن صلاة العيد من أعلام الدين وشعائره الظاهرة فكانت واجبةكالجمعة([87]).
يناقش : أن من أعلام الدين وشعائره ما ليس واجباً على الأعيان بل هو واجب كفائي ، كالأذان والإقامة فليس كل ما كان من أعلام الدين وشعائره واجباً على الأعيان .
الدليل الخامس:(4/5)
أنها لو لم تكن واجبة لم يجب قتال تاركيها كسائر السنن . يحققه أن القتال عقوبة لا تتوجه إلى تارك مندوب كالقتل والضرب([88]).
يناقش : أنه إنما جاز قتال تاركيها لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة لا يجوز لأي مجتمع تركها بالكلية ولذلك جاز قتال تاركيها لعدم إظهارهم لهذه الشعيرة المهمة من شعائر الإسلام فأصبح هذا المجتمع الذي لا يظهرها في المجتمعات الكافرة فجاز قتاله حتى يظهرها ليتميز عن غيره من المجتمعات
الدليل السادس :
أن صلاة العيد صلاة شرعت لها الخطبة فكانت واجبة على الأعيان([89])وليست فرضاً كالجمعة .
يناقش : أن هذا قياس مع الفارق حيث إنها تختلف عن الجمعة لأن خطبة الجمعة واجبة واستماعها واجب بخلاف صلاة العيد فخطبتها غير واجبة واستماعها غير واجب .
ما سبق من الأدلة دل على وجوب صلاة العيد في الجملة وأما أدلة عدم وجوبها على الأعيان فهي :
الدليل الأول : أن صلاة العيد صلاة لا يشرع لها الأذان فلم تكن واجبة على الأعيان كصلاة الجنازة([90]) .
الدليل الثاني : أن صلاة العيد لو كانت واجبة على الأعيان لوجبت خطبتها ، ووجب استماعها كالجمعة([91]) .
أدلة القول الثاني :
الدليل الأول :
عن طلحة بن عبيد اللَّه قال : جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول ، حتى دنا ، فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة . فقال : هل علي غيرها ؟ قال :لا إلا أن تطوع . قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : وصيام رمضان . قال: هل علي غيره ؟ قال : لا إلا أن تطوع . قال : وذكر له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الزكاة . قال: هل علي غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع . قال : فأدبر الرجل ، وهو يقول: واللَّه لا أزيد على هذا ولا أنقص . قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق"([92]).
وجه الدلالة : أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بين للأعرابي في هذا الحديث عدم وجوب أي صلاة سوى الصلوات الخمس مما يدل على سنية ما عداها من الصلوات . ومن ضمن الصلوات صلاة العيد فتكون سنة .
يناقش : أنه لا حجة لكم فيه لأن الأعراب لا تلزمهم الجمعة لعدم الاستيطان فالعيد أولى([93]) .
الدليل الثاني :
عن عبادة بن الصامت رضي اللَّه عنهما قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلوات كتبهن اللَّه على العباد ، من جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند اللَّه عهدٌ أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند اللَّه عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة([94]) .
وجه الدلالة : أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يذكر في هذا الحديث سوى الصلوات الخمس المفروضة مما يدل على سنية ما عداهن .
يناقش : أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما صرح بوجوب الخمس وخصها بالذكر دون ما عداها لتأكدها ووجوبها على الأعيان ، ووجوبها على الدوام وتكرارها في كل يوم وليلة، وغيرها يجب نادراً ولعارض كصلاة الجنازة والمنذورة والصلاة المختلف فيها فلم يذكرها([95]) .
الدليل الثالث :
أن صلاة العيدين صلاة ذات ركوع وسجود لم يشرع لها أذان فلم تجب ابتداءً بالشرع كصلاة الاستسقاء والكسوف([96]) .
يناقش : أن هذا القياس لا يصح لأن كونها ذات ركوع وسجود لا أثر له، بدليل أن النوافل كلها فيها ركوع وسجود ، وهي غير واجبة ، فيجب حذف هذا الوصف لعدم أثره ، ثم ينقض قياسهم بصلاة الجنازة وينتقض بكل حال بالمنذورة([97])
أدلة القول الثالث :
استدل أصحاب هذا القول بعموم الأدلة التي دلت على وجوب صلاة العيد في الجملة([98])، وقالوا بأنها باقية على عمومها لعدم وجود دليل يخص أو يستثني بعض المسلمين دون بعض ، وقد سبق مناقشة ما يحتاج إلى مناقشة منها.
الترجيح :
بعد النظر في هذه المسألة والاطلاع على الأقوال الواردة فيها ومعرفة أدلة هذه الأقوال ومناقشة ما يحتاج إلى مناقشة من هذه الأدلة تبين لي أن القول الراجح هو القول الأول وهو أن صلاة العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الجميع وإن لم يقم بها من يكفي أثم الجميع .
وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة ولعدم استقامة أدلة الأقوال الأخرى، واللَّه أعلم .
---------------------
الفصل الثالث : في الجنائز
المبحث الأول : حكم زيارة قبور المشركين
عندما يوجد المغترب في بلاد الكفار فإن أغلب القبور التي تكون موجودة فيها تكون قبور كفار ، وقد يرغب المسلم المغترب في زيارتها أو قد يضطر لزيارتها إما مجاملة لزميل له أو نحو ذلك ، فهل يجوز له زيارة قبور المشركين أم لا يجوز له ذلك ؟
اتفق جمهور الفقهاء([99])على أنه يجوز للمسلم أن يزور قبور الكافرين والمشركين وذلك لأنه يتحصل له من هذه الزيارة تذكر الموت والدار الآخرة والتي علل بها المصطفى صلى الله عليه وسلم الإذن العام بزيارة القبور ، دون تفريق بين قبور المسلمين وقبور الكافرين .
استدلوا على ذلك بما يأتي :
الدليل الأول :(4/6)
عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : " زار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال : استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " ([100]) .
وجه الدلالة : أن اللَّه سبحانه وتعالى أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يزور قبر أمه وهي مشركة مما يدل على جواز زيارة قبور المشركين .
قال ابن تيمية : ولهذا تجوز زيارة قبورالمشركين لهذه العلة كما ثبت في الصحيحين عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه زار قبر أمه([101]) .
وقال النووي : فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى([102]) .
الدليل الثاني :
عن بريدة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء ، فاشربوا في الاسقية كلها ، ولا تشربوا مسكراً " ([103]).
وجه الدلالة : عموم قول النَّبِي صلى الله عليه وسلم : " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" ، حيث كان النهي عن زيارة القبور عاماً سواء كانت قبور مسلمين أو قبور كفار ، فجاء الإذن بزيارتها عام أيضاً فيشمل قبور المسلمين وقبور الكفار أيضاً.
المبحث الثاني : حكم الدفن في التابوت
هناك بعض البلاد غير الإسلامية تشترط وضع جثمان الميت مهما كان في تابوت. سواء كان هذا الميت مسلماً أو غير مسلم. وقد يموت في هذه البلاد أحد من المسلمين الذين يعيشون فيها ، فهل يجوز أن يضع المسلم قريبه المتوفى في تابوت إذا اشترطت سلطات البلد الذي يوجد فيه وضعه في هذا التابوت أم لا يصح منه ذلك ؟
اتفق جمهور الفقهاء([104])من الحنفية([105])، والمالكية([106])، والشافعية([107])، والحنابلة([108])على أنه ينبغي أن يكفن الميت ويوضع في قبره بدون تابوت حيث يكره وضع الميت في تابوت إلا عند الحاجة إلى ذلك كأن تكون الأرض ندية أو رخوة لا تتماسك حتى يوضع فيها الميت ، أو كانت أرضاً مسبعة تكثر فيها السباع التي تعتدي على الأموات بنبش قبورهم وأكلهم أو أن تكون سلطات البلد الذي يقيم فيه المغترب تلزم بوضع جثمان الميت في تابوت ثم دفنه فيه كما هو حال بعض الدول الأوربية، أو نحو ذلك ، فإنه لا يكره في هذه الحالة وضع الميت في تابوت للحاجة إلى ذلك .
وقد استدلوا بالأدلة الآتية :
الدليل الأول :
أن وضع الميت ودفنه في تابوت لم ينقل عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مما يدل على عدم مشروعيته([109]) .
الدليل الثاني :
أن وضع الميت ودفنه في تابوت تشبه بالكفار حيث إنه من عملهم وقد ورد النهي عن التشبه بهم([110]) .
الدليل الثالث :
أن دفن الميت في الأرض أنشف لفضلاته حيث يعجل بنشوف فضلاته وتأخر إنتانه بخلاف وضعه في تابوت حيث إنه يساعد على تأخر نشوف فضلاته وسرعة إنتانه([111]).
الدليل الرابع :
أن عدم إدخال التابوت معه في قبره ولا شيء مما مسته النار تفاؤلاً بألا يمس الميت النار([112]) .
الدليل الخامس :
أن في الدفن في التابوت إضاعة مال مع عدم ورود ذلك عن السلف([113]).
المبحث الثالث : حكم دفن المسلم في مقابر الكفار
قد يموت المسلم المغترب في بلد اغترابه ولا يستطيع ورثته دفنه في مكان خاص بالمسلمين لعدم وجود مقابر خاصة بالمسلمين في البلد الذي مات فيه . أو لا يجدون بلداً من بلاد المسلمين تسمح سلطاته باستقبال جثمان الميت المسلم لدفنه في مقابرها .
فهل يجوز دفنه في مقابر الكفار أم لا يجوز ذلك ؟
اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية([114])، والمالكية([115])، والشافعية([116])، والحنابلة([117]) . على أنه لا يجوز دفن المسلم في مقابر الكفار . إلا عند الضرورة كأن يموت المسلم في بلد كفار لا يوجد فيه مقبرة خاصة بالمسلمين ،
ولا يستطيع ورثته نقله إلى بلد من بلاد المسلمين لدفنه فيها لعدم قدرتهم المالية على ذلك أو لأنهم لا يجدون بلداً من بلاد المسلمين تسمح سلطاته باستقبال جثمان الميت المسلم لدفنه فيها . فإنه يجوز في هذه الحالة دفن المسلم في مقابر الكفار.
وهذا ما أفتى به مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره الثالث المنعقدة بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من
8-13 صفر 1407 الموافق 11-16 أكتوبر 1986م([118]).
الخاتمة:
أحمد اللَّه حمداً يليق بجلال وجهه ، وعظيم سلطانه على ما وهب من نعم ، وما دفع من نقم ، وما رزق من شكر ، وما تجاوز وعفا عن ذنب وخطيئة، وعلى ما ستر من عيب ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ليهدي به اللَّه من شاء هدايته ويدله على طريق الخير القويم، ويضل به من سبقت عليه الضلالة إلى يوم الدين . صلاة وسلاماً ما تعاقب الليل والنهار الجديدين إلى أن يرث اللَّه الأرض فيبعث اللَّه العالمين ، وبعد:(4/7)
فإن مما لا شك فيه ولا ريب أن لكل شيء بداية ، وله في ذات الأمر نهاية وهذا البحث من الأشياء التي كانت لها بداية فكان لابد له من نهاية يختم بها وينهي الحديث عنه بالحديث عنها ، فجعلت خاتمته في أهم النتائج التي توصلت إليها فيه وهي :
1 -أنه لا يشترط إذن الإمام في صحة إقامة صلاة الجمعة سواء كان ذلك في بلاد المسلمين أم في بلاد الكافرين.
2 - أن صلاة الجمعة تنعقد بثلاثة رجال وهم إمام يخطب واثنان يستمعان. فإذا وجد ثلاثة رجال من أهل الجمعة، صحت إقامة صلاة الجمعة في المكان الذي يقيمون فيه .
3 - أن الأصل في الخطبة أن تكون باللغة العربية ولا تصح بغيرها عند عدم الحاجة لذلك ، وتصح بغير العربية عند الحاجة لذلك إذا كان المستمعون لا يفهمون العربية ولا يعرفونها بشرط قراءة الآيات القرآنية بالعربية ثم تترجم معانيها بلغة الخطبة .
4 - أن صلاة العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم بها من يكفي أثم الجميع .
5 - أنه يجوز للمسلم أن يزور قبور الكافرين والمشركين ؛ لأنه يتحصل له من هذه الزيارة تذكر الموت والآخرة كما يتحصل من زيارة قبور المسلمين.
6 - أنه ينبغي أن يكفن الميت المسلم ويوضع في قبره بدون تابوت ، حيث يكره وضع الميت في تابوت إلاَّ عند الحاجة إلى ذلك كأن تكون الأرض ندية أو رخوة لا تتماسك حتى يوضع فيها الميت أو كانت أرض مسبعة تكثر فيها السباع التي تعتدي على الأموات بنبش قبورهم وأكلهم أو أن تكون سلطات البلد الذي يقيم فيه المغترب المتوفى تُلزم بوضع جثمان الميت في تابوت ثم دفنه فيهكما هو حال بعض الدول الأوربية ونحو ذلك، فإنه لا يكره في هذه الحالة وضع الميت في تابوت للحاجة إلى ذلك.
7 - أنه لا يجوز دفن المسلم في مقابر الكفار إلاَّ عند الضرورة كأن يموت المسلم المغترب في بلد كفار لا يوجد فيه مقبرة خاصة بالمسلمين ولا يستطيع ورثته نقله إلى بلد من بلاد المسلمين لدفنه فيها لعدم قدرتهم المالية على ذلك أو لأنهم لا يجدون بلداً من بلاد المسلمين تسمح سلطاته باستقبال جثمان الميت المسلم لدفنه فيها؛ فإنه يجوز في هذه الحالة دفن المسلم في مقابر الكفار.
هذه هي أهم النتائج والثمرات التي تم التوصل إليها في هذا البحث المتواضع، فأسأل اللَّه العظيم ذا الوجه الكريم والسلطان العظيم البر العفو الرحيم، أن يتقبله عنده وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يغفر فيه الزلة ويمحو الخطيئة ويتجاوز عن الخلل وأن يجبر العثرة وأن يثقل به موازين من بحثه وكتبه وقرأه وطبعه وأن يجعله من العمل الصالح الذي يسر النظر إليه يوم القيامة. آمين ، آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين .
الهوامش والتعليقات
----------------
(1) هناك مسألة تتعلق بهذا الموضوع وهي مسألة : "إقامة صلاة الجمعة في معابد الكفار" لم أذكرها هنا لأنه سبق لي بحثها في بحث آخر مستقل بعنوان "أحكام المغتربين الفقهية في الصلاة" فأردت عدم تكرارها هنا ؛ لأنه يشترط في البحوث المقدمة للترقية في الجامعات عدم التكرار وفي حالة طباعة هذا البحث طباعة مستقلة سوف أذكرها تتميماً للفائدة.
(2) ابن رشد ، بداية المجتهد1/116، محمد الدسوقي ، حاشية الدسوقي1/374، عبدالباقي الزرقاني، شرح الزرقاني على موطأ مالك1/515.
(3) الشافعي ، الأم 1/156 ، السيد البكري ، إعانة الطالبين 2/58 ، زين الدين المليباري ، فتح المعين 2/58 ، محمد الغزالي ، الوسيط 2/269.
(4) محمد بن مفلح ، الفروع 2/81 ، ابن قدامة ، المغني 3/206 ، إبراهيم بن مفلح ، المبدع 2/164 .
(5) السرخسي ، المبسوط 2/25 ، ابن الهمام ، شرح فتح القدير 2/26 ، محمد البابرتي ، شرح العناية 2/26 .
(6) محمد بن مفلح ، الفروع 2/11 ، إبراهيم بن مفلح ، المبدع 2/164 ، ابن قدامة ، المغني 3/206 .
(7) محمد بن مفلح ، الفروع 2/11 ، إبراهيم بن مفلح ، المبدع 2/164 .
(8) رواه البخاري . صحيح البخاري 1/171 ، كتاب الأذان ، باب إمامة المفتون والمبتدع.
(9) ابن قدامة ، المغني 3/206-207 .
(10) انظر : المرجع السابق الجزء نفسه ص207.
(11) انظر : المرجع السابق نفس الجزء والصفحة .
(12) المرجع السابق نفس الجزء ص206.
(13) المرجع السابق نفس الجزء ص207.
(14) سورة النساء ، الآية : 141 .
(15) ابن قدامة ، المغني 3/204 ، إبراهيم بن مفلح ، المبدع 2/152 ، علي المرداوي ، الإنصاف 2/378 .
(16) السرخسي ، المبسوط 2/34 ، علي المرغيناني ، الهداية 2/31 ، ابن الهمام ، شرح فتح القدير 2/31 ، محمد البابرتي ، شرح العناية 2/31
(17) إبراهيم بن مفلح ، المبدع 2/152 ، علي المرداوي ، الإنصاف 2/378 .
(18) الشافعي ، الأم 1/190 ، الماوردي ، الإقناع 1/51 ، سليمان البجيرمي ، حاشية بجيرمي على الخطيب 2/170.
(19) ابن قدامة ، المغني 3/204 ، إبراهيم بن مفلح ، المبدع 2/152 ، علي المرداوي ، الإنصاف 2/378 ، ابن ضويان ، منار السبيل 1/139 .
(20) نفس المصادر السابقة نفس الأجزاء والصفحات.
(21) محمد الدسوقي ، حاشية الدسوقي 1/377 ، الخطاب ، مواهب الجليل 2/161 ، أحمد الدردير، الشرح الكبير 1/376.(4/8)
(22) السرخسي ، المبسوط 2/24 ، علي المرغيناني ، الهداية 2/31 ، ابن الهمام ، شرح فتح القدير 2/31 ، محمد البابرتي ، شرح العناية 2/31.
(23) إبراهيم بن مفلح ، المبدع 2/152 ، علي المرداوي ، الإنصاف 2/378 .
(24) ابن حزم ، المحلى 3/249 ، 289.
(25) رواه أبو داود . سنن أبي داود 1/371 ، كتاب الصلاة ، باب في التشديد في ترك الجماعة واللفظ له ، ورواه النسائي 2/106-107 ، كتاب الإمامة ، باب التشديد في ترك الطاعة ، ورواه الإمام أحمد في المسند 5/196 ، وصححه ابن خزيمة ، انظر: صحيح ابن خزيمة 2/371، كتاب الإمامة في الصلاة ، باب التغليظ في ترك صلاة الجماعة في القرى والبوادي واستحواذ الشيطان على تاركها ، والحاكم في المستدرك 1/330 ، كتاب الصلاة. وقال الحاكم : هذا حديث صدوق رواته ، شاهد لما تقدمه متفق على الاحتجاج برواته إلا السائب بن حبيش ، وقد عرف من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلاَّ عن الثقات . المستدرك 1/331. ووافقه الذهبي في التلخيص 1/331 ، ورواه البيهقي . السنن الكبرى 3/54، كتاب الصلاة ، باب فرض الجماعة في غير الجمعة على الكفاية ، ورواية ابن حبان، الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3/267 ، كتاب الصلاة، باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها ، ذكر استحواذ الشيطان على الثلاثة إذا كانوا في بدو أو قرية ولم يجمعوا الصلاة ، والبغوي في شرح السنة 2/369 ، كتاب الصلاة ، باب التشديد على ترك الجماعة (ح794).
(26) انظر : ابن عثيمين ، الشرح الممتع 5/52 .
(27) سورة الجمعة ، الآية : 9 .
(28) انظر : ابن قدامة ، المغني 3/204 .
(29) المرجع السابق نفس الجزء والصفحة.
(30) السرخسي ، المبسوط 2/24 .
(31) الزركشي ، شرح الزركشي 2/194 ، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/160 ، 161، كتاب الجمعة ، باب أول من جمع ، وباب الإمام يجمع حيث كان ولم يذكر العدد ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3/196 ، كتاب الجمعة ، باب وجوب الخطبة وأنه إذا لم يخطب صلى ظهراً أربعاً .
(32) الزركشي ، شرح الزركشي 2/195 .
(33) انظر : ابن عثيمين ، الشرح الممتع 5/48 .
(34) الهَزْم : ما اطمأن من الأرض . انظر : ابن منظور ، لسان العرب 12/608 ، حرف الميم ، فصل الهاء، مادة (هزم) .
و ( النَّبيت ) بطن من الأنصار وهو عمرو بن مالك بن الأوس. معجم البلدان 5/405 .
(35) بياضة : بطن من الأنصار وهو بياضة بن عامر بن رزيق بن عبد حارثة من الخزرج .
ياقوت الحموي ، معجم البلدان 5/405 .
(36) نقيع الخضمات : موضع حماه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ، لخيل المسلمين وهو من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة يسلكه العرب إلى مكة منه . ياقوت الحموي ، معجم البلدان 5/301.
(37) رواه أبو داود . سنن أبي داود 1/645-646 ، كتاب الصلاة ، باب الجمعة في القرى، واللفظ له . ورواه ابن ماجة . سنن ابن ماجة 1/343-344 ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب في فرض الجمعة ، والحاكم في المستدرك 1/417 ، كتاب الجمعة ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، وقال الذهبي في التلخيص : على شرط مسلم، التلخيص مع المستدرك 1/417.
(38) قال الأثرم عن أحمد هو حسن الحديث . وقال مالك : دجال من الدجاجلة . وقال البخاري رأيت علي بن عبد اللَّه يحتج بحديث ابن إسحاق . قال وقال علي : ما رأيت أحداً يتهم ابن إسحاق . وقال أبو زرعة الدمشقي وابن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه . وقال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد اللَّه يقول : ابن إسحاق ليس بحجة . انظر : ابن حجر ، تهذيب التهذيب 9/43 ، 44 .
(39) رواه الدارقطني . سنن الدارقطني 2/4 ، أول كتاب الجمعة ، باب من تجب عليه الجمعة، واللفظ له ، ورواه البيهقي . السنن الكبرى 1/177 ، كتاب الجمعة ، باب العدد إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة .
(40) لأن في إسناده عبد العزيز بن عبد الرحمن الجزري البالسي . قال البيهقي : وهو ضعيف . السنن الكبرى 3/177 ، قال أحمد : اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو موضوعة ، وقال النسائي : ليس بثقة . وقال الدارقطني : منكر الحديث . وقال ابن حبان : لا يجوز أن يحتج به . انظر : محمد آبادي ، التعليق المغني على الدارقطني 2/4 .
(41) انظر : الزركشي ، شرح الزركشي 2/195 ، ابن عثيمين ، الشرح الممتع 5/49 .
(42) رواه الدارقطني . سنن الدارقطني 2/4 ، أول كتاب الجمعة ، باب من تجب عليه الجمعة.
(43) لأن في إسناده جعفر بن الزبير متروك . سنن الدارقطني 2/4 ، وقال ابن معين : شامي لا يكتب حديثه . وقال أبو زرعة : ليس بشيء . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال: ليس بثقة . وقال أحمد : اضرب على حديث جعفر . انظر : ابن حجر، تهذيب التهذيب 2/91 .
(44) سورة الجمعة ، الآية : 11 .
(45) رواه مسلم . صحيح مسلم 1/590 ، كتاب الجمعة ، باب في قوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً}.
(46) انظر : ابن قدامة ، المغني 3/205.
(47) ابن عثيمين ، الشرح الممتع 5/50 .(4/9)
(48) ذكره البيهقي . السنن الكبرى 3/179 ، كتاب الجمعة ، باب العدد إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة .
(49) البيهقي ، السنن الكبرى 3/179 ، وقال البيهقي : وهذا منقطع وإن صح فإنما أراد بمعونة الاثنى عشر النقباء الذين بعثهم النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم في صحبتهم أو على أثرهم إلى المدينة ليقرىء المسلمين فيصلي بهم. السنن الكبرى 3/179 .
(50) انظر : ابن حزم ، المحلى 3/250 .
(51) سورة الجمعة ، الآية : 9 .
(52) السرخسي ، المبسوط 2/24 .
(53) رواه الدارقطني ، سنن الدارقطني 2/7 ، 8 ، كتاب الجمعة ، باب الجمعة على أهل القرية، ورواه البيهقي ، السنن الكبرى 3/179 ، كتاب الجمعة ، باب العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة .
(54) انظر : ابن حزم ، المحلى 3/249 ، والبيهقي ، السنن الكبرى 3/179 ، وقال الدارقطني: لا يصح هذا عن الزهري كل من رواه عنه متروك ، انظر : سنن الدارقطني 2/8 ، ومدار الحديث بجميع طرقه كله على الزهري ، ولم يثبت سماعه عن أم عبد اللَّه الدوسية ، فالحديث مع ضعف رواته منقطع أيضاً ، فلا ينتهض للاحتجاج به . محمد آبادي ، التعليق المغني على الدارقطني 2/7 .
(55) انظر : ابن قدامة ، المغني 3/205 .
(56) ابن عثيمين ، الشرح الممتع 5/52 ، وانظر : ابن حزم ، المحلى 3/250-251.
(57) انظر : المرجع السابق نفس الجزء ص53
(58) النووي ، روضة الطالبين 2/26 ، محمد الرملي ، نهاية المحتاج 2/317 ، أحمد القليوبي ، حاشية قليوبي 1/278.
(59) علي المرداوي ، الإنصاف 5/219 ، منصور البهوتي ، شرح منتهى الإرادات 1/298 .
(60) محمود العيني، البناية 2/206 ، ابن الهمام ، شرح فتح القدير 1/249 ، محمد البابرتي ، شرح العناية 1/249.
(61) اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، الفتاوى الإسلامية للجنة 1/405
(62) محمد الدسوقي ، حاشية الدسوقي 1/378 ، أحمد الدردير ، الشرح الكبير 1/378 ، الشيخ عليش، تقريرات الشيخ عليش 1/378، محمد الخرشي ، شرح الخرشي 2/78 ، علي العدوي ، حاشية العدوي 2/78 .
(63) النووي ، روضة الطالبين 2/26، النووي ، المجموع 4/521 ، محمد الرملي ، نهاية المحتاج 2/317، محمد الشربيني ، مغني المحتاج 1/286، سليمان الجمل ، حاشية الجمل 2/28، أحمد القليوبي ، حاشية قليوبي 1/278 .
(64) علي المرداوي ، الإنصاف 5/219 ، محمد بن مفلح ، الفروع 2/113 ، منصور البهوتي، شرح منتهى الإرادات 1/298 .
(65) محمود العيني ، البناية 2/206 ، ابن الهمام ، شرح فتح القدير 1/249 ، محمد البابرتي ، شرح العناية 1/249 .
(66) النووي ، روضة الطالبين 2/26 ، النووي ، المجموع 4/522 .
(67) علي المرداوي ، الإنصاف 5/219 .
(68) رواه البخاري ، صحيح البخاري 1/155 ، كتاب الأذان ، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة ، واللفظ له ، ورواه مسلم ، صحيح مسلم 1/465 ، 466 ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب من أحق بالإمامة .
(69) انظر : محمد الشربيني ، مغني المحتاج 1/286 .
(70) انظر : النووي ، المجموع 4/522 ، محمد الشربيني ، مغني المحتاج 1/286 .
(71) سورة التوبة ، الآية 122 .
(72) انظر : النووي ، المجموع 4/522 .
(73) محمد عليش، منح الجليل 1/458 ، محمد الخرشي، شرح الخرشي 2/98 ، أحمد الصاوي، بلغة السالك 1/187 .
(74) إبراهيم الشيرازي، المهذب 1/125 ، النووي ، المجموع 5/2 .
(75) ابن قدامة ، المغني 3/253 ، علي المرداوي ، الإنصاف 2/420 ، محمد بن مفلح ، الفروع 2/137 .
(76) ابن نجيم ، البحر الرائق 2/158 ، الزيلعي ، تبيين الحقائق 1/224
(77) ابن عبد البر ، الكافي ص77 ، ابن جزي ، القوانين الفقهية ص83 ، محمد المواق، التاج والإكليل 2/109 ، محمد عليش، منح الجليل 1/458 ، صالح الأبي،جواهر الإكليل 1/101، محمد الخرشي، شرح الخرشي 2/98 ، أحمد الصاوي، بلغة السالك 1/187.
(78) إبراهيم الشيرازي ، المهذب 1/125 ، النووي، المجموع 5/2 ، بدر الدين الزركشي، البحر المحيط 1/386 .
(79) علي المرداوي، الإنصاف 2/420 ، محمد بن مفلح ، الفروع 2/137 .
(80) ابن نجيم ، البحر الرائق 2/157 ، ابن عابدين، منحة الخالق على البحر الرائق 2/158 ، الزيلعي ، تبيين الحقائق 1/223 .
(81) محمد عليش، منح الجليل 1/458 ، أحمد الصاوي، بلغة السالك 1/187 .
(82) علي المرداوي ، الإنصاف 2/420 ، محمد بن مفلح ، الفروع 2/137 ، ابن تيمية، الاختيارات الفقهية ص150 .
(83) سورة الكوثر الآية : 2 .
(84) رواه البخاري . صحيح البخاري 2/8 ، كتاب العيدين ، باب خروج النساء والحيض إلى المصلى ، ورواه مسلم . صحيح مسلم 1/605-606 ، كتاب صلاة العيدين ، باب إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال ، واللفظ له.
(85) انظر : ابن قدامة ، المغني 3/254 .
(86) ابن عثيمين ، الشرح الممتع على زاد المستقنع 5/150 .
(87) انظر : ابن قدامة ، المغني 3/254 .
(88) انظر : المرجع السابق نفس الجزء والصفحة .
(89) انظر : المرجع السابق نفس الجزء ص253 .
(90) المرجع السابق نفس الجزء ص254 .(4/10)
(91) المرجع السابق نفس الجزء والصفحة .
(92) رواه البخاري . صحيح البخاري 1/17 ، كتاب الإيمان ، باب الزكاة من الإسلام . وقوله: { وما أمروا إلا ليعبدوا اللَّه مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } ، واللفظ له ، ورواه مسلم . صحيح مسلم 1/40-41 ، كتاب الإيمان ، باب بيانالصلوات التي هي أحد أركان الإسلام .
(93) انظر : ابن قدامة ، المغي 3/254 .
(94) رواه أبو داود 1/295-296 ، كتاب الصلاة ، باب في المحافظة على وقت الصلوات، ورواه النسائي . سنن النسائي 1/230 ، كتاب الصلاة ، باب المحافظة على الصلوات الخمس واللفظ له، ورواه ابن ماجة . سنن ابن ماجة 1/448 ، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها . ورواه مالك في الموظأ 1/123، كتاب صلاة الليل ، باب الأمر بالوتر ، ورواه الدارمي ، سنن الدارمي 1/370 ، كتاب الصلاة، باب في الوتر ، وقال ابن عبد البر : وهو صحيح ثابت لم يختلف عن مالك فيه . الشوكاني، نيل الأطار 1/365 .
(95) انظر : ابن قدامة ، المغني 3/254 .
(96) المرجع السابق نفس الجزء والصفحة .
(97) المرجع السابق نفس الجزء ص255.
(98) سبقت هذه الأدلة عند ذكر أدلة القول الأول في هذه المسألة ص22-24.
(99) علي المرداوي ، الإنصاف 2/562 ، ابن تيمية ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/344 ، 27/377، لأبي الطيب محمد آبادي ، عون المعبود 9/41 ، علي البعلي ، القواعد والفوائد الأصولية 1/167، النووي ، شرح النووي على صحيح مسلم 7/45، ابن حجر ، فتح الباري 3/179، وقال ابن حجر في فتح الباري : قال صاحب الحاوي لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط . انتهى . وحجة الماوردي قوله تعالى { ولا تقم على قبره } الآية [التوبة: ] وفي الاستدلال به نظر لا يخفى " فتح الباري 3/179 .
(100) رواه مسلم . صحيح مسلم 1/671 ، كتاب الجنائز ، باب استئذان النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه.
(101) ابن تيمية ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/344 .
(102) النووي ، شرح النووي على مسلم 7/45 .
(103) رواه مسلم . صحيح مسلم 1/672 ، كتاب الجنائز ، باب استئذان النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه
(104) جاء في نهاية المحتاج : " ويكره دفنه في تابوت بالإجماع " . محمد الرملي، نهاية المحتاج 3/30 ، وانظر: محمد الشربيني ، مغني المحتاج 1/363 ، وانظر : النووي ، المجموع 5/287-288 .
(105) الزيلعي ، تبيين الحقائق 1/245 ، ابن نجيم ، البحر الرائق 2/194 ، الكاساني ، بدائع الصنائع 1/318 ، ابن عابدين ، حاشية ابن عابدين 1/599، علاء الدين الحصكفي ، الدر المختار 1/599 .
(106) عبد الباقي الزرقاني ، شرح الزرقاني 2/100، محمد المواق ، التاج والإكليل 2/234، محمد عليش، منح الجليل 1/502 .
(107) محمد الرملي، نهاية المحتاج 3/30، محمد الشربيني ، مغني المحتاج 1/363 ، الكوهجي، زاد المحتاج 1/421، عميرة ، حاشية عميرة 1/349، أحمد القليوبي ، حاشية قليوبي 1/349 ، النووي ، المجموع 5/287 ، 293.
(108) منصور البهوتي ، كشاف القناع 2/134 ، علي المرداوي ، الإنصاف 2/546 ، محمد ابن مفلح ، الفروع 2/270 ، منصور البهوتي ، شرح منتهى الإرادات 1/349 ، ابن قدامة، المغني 3/435 .
(109) انظر : ابن قدامة ، المغني 3/435 ، منصور البهوتي ، كشاف القناع 2/134 .
(110) انظر : منصور البهوتي ، كشاف القناع 2/134 ، منصور البهوتي ، شرح منتهى الإرادات 1/349 ، ابن قدامة ، المغني 3/435.
(111) انظر : منصور البهوتي ، كشاف القناع 2/134 ، منصور البهوتي ، شرح منتهى الإرادات 1/349 ، ابن قدامة ، المغني 3/435.
(112) انظر : منصور البهوتي ، كشاف القناع 2/134 ، منصور البهوتي ، شرح منتهى الإرادات 1/349 ، ابن قدامة ، المغني 3/435.
(113) عميرة ، حاشية عميرة 1/349 .
(114) ابن عابدين ، حاشية ابن عابدين 1/599 ، محمود العيني ، البناية 3/280-281 .
(115) صالح الأبي ، جواهر الإكليل 1/114 ، 115 ، 116 ، 117 ، محمد عليش، منح الجليل 1/501 ، عبدالباقي الزرقاني، شرح الزرقاني 2/100.
(116) أحمد القليوبي ، حاشية قليوبي 1/349 ، عميرة ، حاشية عميرة 1/349 ، النووي، روضة الطالبين 2/142 .
(117) منصور البهوتي ، كشاف القناع 2/124 ، منصور البهوتي ، شرح منتهى الإرادات 1/257 ، ابن قدامة ، المغني 3/513 -514 ، علي المرداوي ، الإنصاف 2/557 ، محمد بن مفلح ، الفروع 2/285 .
(118) مجمع الفقه الإسلامي ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث 2/1400 .
-------------
المصادر والمراجع
1 - آبادي ، أبو الطيب محمد . التعليق المغني على الدارقطني: مطبوع مع سنن الدارقطني ، الناشر: عالم الكتب ، بيروت، ط. الرابعة 1416هـ/1986م.
2 - آبادي ، أبو الطيب محمد . عون المعبود شرح سنن أبي داود : الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان ، ط. الأولى ، 1410هـ/1990م.
3 - ابن الهمام ، محمد بن عبدالواحد المتوفى عام (681هـ) . شرح فتح القدير : الناشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان .(4/11)
4 - ابن تيمية ، أحمد بن عبد السلام . الإختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : اختارها علي البعلي الدمشقي المتوفى عام (803هـ): الناشر المؤسسة السعيدية بالرياض، مطابع الدجوى عابدين .
5 - ابن جزي ، أبي عبدالله محمد بن أحمد المتوفى عام (741هـ). القوانين الفقهية : الناشر دار الكتب العربي ، بيروت ، ط-الثانية 1409هـ .
6 - ابن حزم ، أبو محمد علي المتوفى عام (456هـ) . المحلى بالآثار : الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان .
7 - ابن حنبل ، الإمام أحمد المتوفى عام (241هـ) . المسند : الناشر دار الدعوة ، اسطنبول ، تركيا .
8 - ابن رشد الحفيد ، أبو الوليد محمد بن أحمد المتوفى عام (595هـ) . بداية المجتهد ونهاية المقتصد: الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، توزيع مكتبة الرياض الحديثة .
9 - ابن ضويان ، إبراهيم بن محمد ، المتوفى عام (1253هـ) . منار السبيل في شرح الدليل: الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط. الخامسة (1402هـ) .
10 - ابن عابدين ، محمد أمين الشهير، المتوفى عام (1252هـ) . منحة الخالق على البحر الرائق: مطبوع مع البحر الرائق . الناشر : مكتبة رشيدية ، باكستان، طبع في المطبعة العربية - باكستان .
11 - ابن عبد البر ، أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد ، المتوفى عام (463هـ) . الكافي في فقه أهل المدينة المالكي : الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط-الأولى 1407هـ .
12 - ابن قاسم ، عبدالرحمن بن محمد وابنه محمد. مجموع فتاوى شيخ الإسلام : الناشر الرئاسة العامة لشؤون الحرمين ، طبع بإدارة المساحة العسكرية ، القاهرة 1404هـ .
13 - ابن قدامة ، أبو محمد عبدالله بن أحمد المتوفى عام (620هـ) . المغني: تحقيق عبدالله التركي ، وعبدالفتاح الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان.
14 - ابن مفلح ، أبو اسحاق إبراهيم المتوفى عام (884هـ). المبدع في شرح المقنع: الناشر المكتب الإسلامي ، بيروت ، لبنان .
15 - ابن مفلح ، محمد المتوفى عام (763هـ) . الفروع : الناشر مكتبة ابن تيمية ، القاهرة .
16 - ابن منظور ، أبي الفضل محمد بن مكرم . لسان العرب : الناشر: دار صادر، بيروت - لبنان ، ط. الأولى 1410هـ/1990م.
17 - ابن نجيم ، زين العابدين ابراهيم المتوفى عام (970هـ) . البحر الرائق شرح كنز الدقائق: الناشر مكتبة رشيدية ، باكستان ، المطبعة العربية .
18 - الأزهري ، صالح عبدالسميع الآبي . جواهر الأكليل شرح مختصر خليل: الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت .
19 - البارتي ، محمد بن محمود المتوفى عام (786هـ) . شرح العناية على الهداية : مطبوع مع شرح فتح القدير ، الناشر دار إحياء التراث الإسلامي ، بيروت ، لبنان .
20 - البجيرمي ، سليمان البجيرمي . حاشية البجيرمي : الناشر دار الفكر ، ط-الأخيرة 1401هـ .
21 - البخاري ، أبو عبدالله محمد بن اسماعيل المتوفى عام (256هـ) . صحيح البخاري: الناشر دار الدعوة ، اسطنبول ، تركيا .
22 - البهوتي ، منصور بن يونس البهوتي المتوفى عام (1051هـ) . كشاف القناع عن متن الإقناع: الناشر مكتبة النصر الحديثة ، الرياض .
23 - البهوتي ، منصور بن يونس المتوفى عام (1051هـ) . شرح منتهى الإرادات: الناشر دار الفكر .
24 - البيهقي ، أبو بكر أحمد بن حسين المتوفى عام (458هـ) . السنن الكبرى: الناشر دار المعرفة ، بيروت ، توزيع مكتبة المعارف ، الرياض .
25 - الجمل ، سليمان الجمل . حاشية الجمل على المنهج : دار الفكر .
26 - الحاكم ، أبو عبد اللَّه محمد بن عبدالله المتوفى عام (405هـ) . المستدرك على الصحيحين: الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1411هـ ، ط- الأولى .
27 - الحصكفي ، علاء الدين محمد بن علي، المتوفى عام (1088هـ) . الدر المختار شرح تنوير الأبصار : الناشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان.
28 - الحطاب ، أبو عبد اللَّه محمد المغربي، المتوفى عام (954هـ) . مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: الناشر : دار الفكر ، ط. الثانية 1398هـ.
29 - الحموي ، أبو عبد اللَّه ياقوت . معجم البلدان : الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان .
30 - الحنبلي ، علي بن عباس البعلي، المتوفى عام (803هـ). القواعد والفوائد الأصولية: الناشر: مطبعة السنة المحمدية، القاهرة ، 1375هـ/1956م.
31 - الخرشي ، محمد المتوفى عام (1101هـ). شرح الخرشي على مختصر خليل: الناشر دار الكتاب الإسلامي لإحياء ونشر التراث الإسلامي، القاهرة، مصر .
32 - الخطيب ، محمد الشربيني المتوفى عام (977هـ). مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: الناشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي 1377هـ.
33 - الدارقطني ، علي بن عمر المتوفى عام (375هـ) . سنن الدارقطني : الناشر عالم الكتب ، بيروت ، لبنان ، ط-السابعة 1406هـ .
34 - الدارمي ، أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن بن الفضل المتوفى عام (255هـ) . سنن الدارمي : نشر وطبع بدار الدعوة ، اسطنبول ، تركيا .(4/12)
35 - الدرير ، أبو البركات أحمد، المتوفى عام (1201هـ) . الشرح الكبير: الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
36 - الدسوقي ، محمد عرفة الدسوقي المتوفى عام (1230هـ) . حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: الناشر دار الفكر للطباعة والنشر .
37 - الدمياطي ، سيد البكري بن السيد محمد شطا المصري . إعانة الطالبين : طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية ، عيسى البابي الحلبي.
38 - الذهبي ، شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان ، المتوفى عام (748هـ) . تلخيص المستدرك: الناشر : دار الكتب العلمية ، بيروت، لبنان، ط. الأولى ، 1411هـ.
39 - الزرقاني ، عبدالباقي . شرح الزرقاني على مختصر خليل: الناشر دار الفكر ، بيروت ، لبنان .
40 - الزركشي ، بدر الدين بن محمد بن بهادر، البحر المحيط: الناشر: دار الكتبي.
41 - الزركشي ، شمس الدين محمد بن عبد اللَّه، المتوفى عام (772هـ) . شرح الزركشي على مختصر الخرقي: طبع بشركة العبيكان للطباعة والنشر، الرياض.
42 - الزيلعي ، فخر الدين عثمان المتوفى عام (743هـ) . تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: الناشر دار الكتاب الإسلامي ، ط-الثانية بمطابع الفاروق ، القاهرة.
43 - السجستاني ، سليمان بن الأشعث المتوفى عام (275هـ) . سنن أبي داود : نشر وتوزيع محمد علي السيد ، حمص ، سوريا ، ط-الأولى 1388هـ.
44 - السرخسي ، أبو بكر بن أبي سهل المتوفى عام (490هـ) . المبسوط : الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، ودار المعرفة ، بيروت .
45 - الشافعي ، أبو عبدالله محمد بن إدريس ، المتوفى (204هـ) . الأم : الناشر دار المعرفة ، بيروت ، لبنان .
46 - الشافعي الصغير ، محمد بن أبي العباس الرملي المتوفى عام (1004هـ) . نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، ط-الأخيرة 1404هـ .
47 - الشوكاني ، محمد المتوفى عام (1255هـ) . نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار: الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان .
48 - الشيرازي ، أبو إسحاق إبراهيم بن علي، المتوفى عام (476هـ) . المهذب: الناشر : دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت - لبنان ، ط. الثانية، 1379هـ.
49 - الصاوي ، أحمد بن محمد . بلغة السالك لأقرب المسالك: الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة- مصر، ط. الأخيرة، 1372هـ.
50 - الصنعاني ، أبو بكر عبدالرزاق بن همام المتوفى عام (211هـ) . مصنف عبدالرزاق: الناشر المجلس العلمي في الهند ، مطابع دار العلم ، بيروت .
51 - العثيمين ، محمد بن صالح . الشرح الممتع على زاد المستقنع: الناشر : مكتبة آسام ، الرياض ، المملكة العربية السعودية.
52 - العدوي ، علي . حاشية العدوي : مطبوع مع شرح الخرشي ، الناشر: دار الكتاب الإسلامي لإحياء ونشر التراث الإسلامي، القاهرة - مصر.
53 - العسقلاني ، أحمد بن حجر المتوفى عام (852هـ) . تهذيب التهذيب: الناشر دار الكتاب الإسلامي ، القاهرة .
54 - عليش ، محمد، المتوفى عام (926هـ) . منح الجليل شرح على مختصر خليل: الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت - لبنان ط. 1409هـ.
55 - عميرة ، شهاب الدين أحمد أبو يعلى المتوفى عام (957هـ) . حاشية عميرة على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين : الناشر مطبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي ، القاهرة .
56 - العيني ، أبو محمد محمود . البناية في شرح الهداية : الناشر: دار الفكر ببيروت، ط. الثانية، 1411هـ/1990م.
57 - الغزالي ، محمد بن محمد، المتوفى عام (505هـ) . الوسيط : الناشر: دار السلام ، القاهرة، ط. الأولى 1417هـ .
58 - القزويني ، أبو عبدالله محمد بن يزيد المتوفى عام (255هـ) . سنن ابن ماجه : نشر وطبع بدار الدعوة ، اسطنبول ، تركيا .
59 - القشيري ، أبو الحسين مسلم بن الحجاج المتوفى عام (261هـ) . صحيح مسلم: الناشر دار الدعوة ، اسطنبول ، تركيا .
60 - القليوبي ، شهاب الدين أحمد بن أحمد المتوفى عام (1069هـ) . حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين : الناشر مطبعة دار إحياء الكتب العربية ، مصر .
61 - الكاساني ، علاء الدين أبي بكر بن مسعود المتوفى عام (587هـ) . بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ط-الثانية 1406هـ .
62 - الكوهجي ، عبد اللَّه بن حسن . زاد المحتاج بشرح المنهاج : الناشر: المكتبة العصرية، بيروت - لبنان، 1409هـ .
63 - مجلة مجمع الفقه الإسلامي . الناشر مجمع الفقه الإسلامي بجدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي .
64 - المرداوي ، علي الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي المتوفى عام (885هـ). الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل: الناشر مكتبة السنة المحمدية ط- الأولى 1374هـ ، توزيع مكتبة ابن تيمية ، القاهرة .(4/13)
65 - المرغيناني ، أبو الحسن علي بن أبي بكر، المتوفى عام (593هـ) . الهداية شرح بداية المبتدي: مطبوع مع شرح فتح القدير ، الناشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان .
66 - المليباري ، زين الدين بن عبدالعزيز . فتح المعين : الناشر : دار الفكر، بيروت.
67 - المواق ، أبو عبد اللَّه محمد بن يوسف العبدري ، المتوفى عام (897هـ) . التاج والإكليل لمختصر خليل: مطبوع مع مواهب الجليل، الناشر: دار الفكر، ط. الثانية ، 1398هـ .
68 - النسائي ، أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب المتوفى عام (303هـ) . سنن النسائي " المجتبى ": نشر وطبع بدار الدعوة ، اسطنبول ، تركيا .
69 - نظام، الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند . الفتاوى الهندية المسماة "بالفتاوى العالمكيرية": الناشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت، لبنان ، ط. الرابعة.
70 - النووي ، أبو زكريا محيي الدين المتوفى عام (676هـ) . المجموع شرح المهذب: الناشر دار الفكر .
71 - النووي ، أبو زكريا يحيى بن شرف المتوفى عام (676هـ) . روضة الطالبين وعمدة المفتين: الناشر المكتب الإسلامي ، دمشق ، سوريا ط-الثالثة .
72 - النيسابوري ، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي، المتوفى عام (311هـ) . صحيح ابن خزيمة: الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط. الثانية ، 1412هـ/1992م .
=====================
عاشوا تحت الحكم الشيوعي ولم يدروا ما صلاة ولا صيام فهل عليهم قضاء ؟
…سؤال رقم 97501
…سؤال:
أنا مسلمة من بلغاريا ، وكنَّا تحت الحكم الشيوعي ، ولم نكن نعرف أي شيء عن الإسلام ، بل إن كثيراً من العبادات كانت ممنوعة ، وأنا لم أعرف أي شيء عن الإسلام حتى بلغت 20 سنة ، وبعد ذلك التزمت بشرع الله . سؤالي لكم : هل عليَّ قضاء ما فاتني من صلاة وصيام ؟ وجزاكم الله خيراً
الجواب:
الحمد لله
أولا ً :
نحمد الله تعالى أن خلصكم من الحكم الشيوعي الظالم الفاجر , بعد أن استمر في قمعه للمسلمين أكثر من أربعين سنة , عمل خلالها على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى متاحف , واستولى على المدارس الإسلامية ، وعمل على تغيير أسماء المسلمين , وطمس الهوية الإسلامية .
لكن .. يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
فها هو الحكم الشيوعي بجبروته وطغيانه قد زال عام 1989م , وفرح بذلك المسلمون فرحاً شديداً , وعادوا إلى مساجدهم القديمة يرممونها ويصلحون من شأنها , ورجعوا إلى تعليم أطفالهم القرآن ، وعاد حجاب النساء المسلمات إلى الظهور في الشوارع والطرقات .
ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً , وأن ينصرهم ويعزهم ويكبت عدوهم.
ثانياً :
لقد نشأ جيل من المسلمين في بلغاريا تحت وطأة الحكم الشيوعي لا يعلمون شيئاً عن الإسلام , غير أنهم مسلمون , إذ حال الحكم الشيوعي بينهم وبين تعلم الإسلام , بل كان يمنع حتى دخول القرآن الكريم , والكتب الإسلامية إلى بلغاريا .
وهؤلاء الذين لا يعرفون شيئاً عن أحكام الإسلام وعبادته وفروضه لا يلزمهم قضاء شيء من تلك العبادات ، فإن المسلم إذا لم يتمكن من العلم الشرعي , ولم تبلغه الأحكام الشرعية فإنه لا يلزمه شيء , لقول الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/286 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها , بل الوجوب بحسب الإمكان , وكذلك ما لم يعلم حكمه , فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه , وبقي مدة لم يصلِّ , لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء , وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد .
وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان , وأداء الزكاة , وغير ذلك .
ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين , وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات ...
وأصل هذا كله : أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم ؟
والصواب في هذا : أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم , وأنه لا يُقضَى ما لم يعلم وجوبه , فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء , ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي , ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وعمر بن الخطاب وعمار لما أجنب , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء .
ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة . ومثل هذا كثير . وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور : أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , فالوجوب مشروط بالقدرة ، والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور , أو فعل محظور , بعد قيام الحجة" انتهى باختصار .
"مجموع الفتاوى" (19/225) .
وعلى هذا ، لا يلزمكم قضاء شيء من العبادات التي لم تعلموا بوجوبها .(4/14)
والنصيحة لكم أن تُقبلوا على تعلّم الأحكام الشرعية ، والتفقه في الدين ، والحرص كل الحرص على تعلم الإسلام والعمل به ، وتربية جيل مسلم ، حتى تكونوا على قدر التحدِّيات التي تواجه المسلمين عموماً ، وفي بلادكم خاصة .
ونسأل الله تعالى أن يعزّ الإسلام والمسلمين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
هل يجوز له الإفطار بسبب مشقة العمل ؟
…سؤال رقم 65803
…سؤال:
نحن في بلد غربي أي : لا يهتم بالصيام والصائمين ، وزوجي يعمل لفترة سنة ليكمل سنته الأخيرة في مجال الصيدلة وهذا العمل هو المقرر الدراسي للسنة الأخيرة ، أي : سنة تطبيقية في ميدان العمل ، المشكلة التي تواجهنا هي أن العمل يبعد مسافة ساعة بالسيارة ، ومكان مكتظ بالمرضى ، وبدأ زوجي يشعر بالدوار والصداع أثناء العمل حيث بدأ يعطي الأدوية للمرضى بطريقة خطأ ، فهو الآن يفكر بالإفطار لهذا السبب ، علما أن مسافة الطريق من المنزل للعمل أقل من 48 ميلا كما ذكرتم في أحد الأجوبة ، لكن الطريق يأخذ ساعة ذهابا وساعة أخرى إيابا ، كما أن مدة العمل 12 ساعة متواصلة ، فهل يجوز له الإفطار على أن يقضي بعد الانتهاء من هذه السنة الأخيرة من دراسته .
الجواب:
الحمد لله
الصوم ركن من أركان الإسلام ثابت بالكتاب والسنة وإِجماع الأُمة ، ولا يجوز للمسلم أن يفطر بغير عذر شرعي من مرض أو سفر ، وقد يحصل للإنسان أثناء الصوم مشقة فعليه أن يصبر ويستعين بالله عز وجل ، فإذا عطش الإنسان في نهار رمضان فلا بأس أن يصب على رأسه الماء للتبرد وأن يتمضمض ، فإذا سبب له العطش ضرراً بالغاً أو خشي الهلاك من العطش جاز له الفطر ، وعليه القضاء فيما بعد .
لكن لا يجوز أن يكون العمل هو السبب في المشقة الحاصلة له إذا كان يمكنه أخذ إجازة من العمل في شهر رمضان أو كان يستطيع تخفيف أعباء عمله فيه ، أو تغييره إلى ما هو أسهل .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن صيام شهر رمضان فرض على كل مكلف وركن من أركان الإسلام ، فعلى كل مكلف أن يحرص على صيامه تحقيقاً لما فرض الله عليه ، رجاء ثوابه وخوفاً من عقابه دون أن ينسى نصيبه من الدنيا ، ودون أن يؤثر دنياه على أخراه ، وإذا تعارض أداء ما فرضه الله عليه من العبادات مع عمله لدنياه وجب عليه أن ينسق بينهما حتى يتمكن من القيام بهما جميعاً ، ففي المثال المذكور في السؤال يجعل الليل وقت عمله لدنياه ، فإن لم يتيسر ذلك أخذ إجازة من عمله شهر رمضان ولو بدون مرتب ، فإن لم يتيسر ذلك بحث عن عمل آخر يمكنه فيه الجمع بين أداء الواجبين ولا يؤثر جانب دنياه على جانب آخرته ، فالعمل كثير ، وطرق كسب المال ليست قاصرة على مثل ذلك النوع من الأعمال الشاقة ، ولن يعدم المسلم وجهاً من وجوه الكسب المباح الذي يمكنه معه القيام بما فرضه الله عليه من العبادة بإذن الله ، ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً . ويرزقه من حيث لا يحتسب . ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً ) الطلاق/2، 3 .
وعلى تقدير أنه لم يجد عملاً دون ما ذكر مما فيه حرج وخشي أن تأخذه قوانين جائرة وتفرض عليه ما لا يتمكن معه من إقامة شعائر دينه أو بعض فرائضه فليفر بدينه من تلك الأرض إلى أرض يتيسر له فيها القيام بواجب دينه ودنياه ويتعاون فيه مع المسلمين على البر والتقوى فأرض الله واسعة ، قال الله تعالى : ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ) النساء/100 ، وقال تعالى : ( قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر/ 10 .
فإذا لم يتيسر له شيء من ذلك كله واضطر إلى مثل ما ذكر في السؤال من العمل الشاق صام حتى يحس بمبادئ الحرج فيتناول من الطعام والشراب ما يحول دون وقوعه في الحرج ثم يمسك وعليه القضاء في أيام يسهل عليه فيها الصيام " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 10 / 234 - 236 ) .
وسئلوا - أيضاً - : عن رجل يعمل في مخبز ويواجه عطشاً شديداً وإرهاقاً في العمل هل يجوز له الفطر ؟
فأجابوا :
" لا يجوز لذلك الرجل أن يفطر ، بل الواجب عليه الصيام ، وكونه يخبز في نهار رمضان ليس عذراً للفطر ، وعليه أن يعمل حسب استطاعته " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 10 / 238 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
سيسافر من بلدة إلى أخرى ويعود في نفس اليوم فهل له الفطر؟
…سؤال رقم 65629
…سؤال:
سوف أسافر من أمستردام إلى باريس وأعود في نفس اليوم ، هل يجوز لي أن أفطر في ذلك اليوم ؟.
الجواب:
الحمد لله
المسافر من الذين رخَّص الله لهم الفطر في رمضان ، قال الله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185 .
ولا فرق بين أن يكون السفر شاقاً أو سهلاً .(4/15)
وقد اختلف العلماء في الحد الذي يصير به الإنسان مسافرا بحيث يجوز له الترخص برخص السفر ، ومنها : الفطر للصائم .
فذهب جمهور العلماء إلى اعتبار المسافة ، وهي ما يقارب 80 كم .
وذهب آخرون ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ إلى أن المعتبر هو العرف ، وليس المسافة .
فكل ما اعتبره الناس في العرف سفرا فهو سفر تثبت له أحكام السفر في الشرع .
ولا ريب أن السفر من أمستردام إلى باريس يعتبره الناس في العرف سفراً ، ولو عاد في نفس اليوم .
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (4/257) في الرجل يخرج مسافة طويلة في مدة قصيرة ، قال : " مدة قصيرة في مسافة طويلة ، كمن ذهب مثلا من القصيم إلى جدة في يومه ورجع ، فهذا يسمى سفرا ، لأن الناس يتأهبون له ، ويرون أنهم مسافرون " انتهى .
والمسافة بين القصيم وجدة (900) كم تقريبا .
وعلى هذا ، من سافر من أمستردام إلى باريس وعاد في نفس اليوم فهو مسافر على القولين جميعا , أي سواء اعتبرنا المسافة أم العرف .
وهل الأفضل له أن يصوم أو يفطر ؟
الجواب :
الأفضل له الصيام إلا إذا وجد مشقة فالأفضل الفطر .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الأفضل للمسافر أن يصوم إلا إذا وجد مشقة فإنه يفطر ، والدليل على أن الأفضل أن يصوم :
أولاً : أنه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال أبو الدرداء رضي الله عنه : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديدٍ حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر ، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة . رواه مسلم .
ثانياً : ولأنه إذا صام كان أيسر عليه ؛ لأن القضاء يكون على الإنسان أصعب - غالباً - من الأداء في وقته ؛ لأنه إذا صام في رمضان صار موافقاً للناس في صيامهم ، فيكون ذلك أسهل عليه ، والله عز وجل حينما فرض على عباده الصيام قال : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) .
ثالثاً : ولأنه إذا صام رمضان في السفر كان أسرع في إبراء ذمته ، إذ إن الإنسان لا يدري ماذا يعتريه بعد رمضان ، فيكون صومه أسرع في إبراء الذمة .
وهناك فائدة رابعة : وهي أنه إذا صام في رمضان فقد صام في الوقت الفاضل - وهو رمضان - .
ولكن مع المشقة لا يصوم وهو مسافر ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : صائم ، قال : ( لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ ) قال ذلك لمن يصوم في السفر وقد شق عليه ، ولهذا لما نزل منزلاً ذات يوم سقط الصوَّام لأنهم متعبون ، وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ ) رواه مسلم .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/السؤال رقم 112) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
مسلمة جديدة تريد الصوم سراً
…سؤال رقم 37730
…سؤال:
لي صديقة أسلمت حديثاً ويجب أن يكون أمر إسلامها سراً لبعض الوقت، أبدت رغبة جادة في الصيام، ولكن لأنها تعيش في سكن للطلاب فهي تجد صعوبة في إخفاء صيامها عن بقية الأصدقاء . أرجو أن تقترح حل لها في مثل هذه الظروف .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نهنئ الأخت على دخولها في الإسلام ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتها على دينه وأن يتوفاها عليه ، وأن يهيئ لها من أمرها رشَداً .
وننصح الأخت أن تترك - قدر استطاعتها - الأمكنة التي يُعصى الله فيها ، وقد فهمنا من السؤال أنها تدرس في مكانٍ مختلط ، وتسكن في سكن مختلط ، وفي هذا إثم وخطر عليها وعلى دينها ، فيجب على الأخوات المسلمات أن يبيِّنَّ لها بالتي هي أحسن حكم ما هي فيه وخطره عليها ، وأن عليها تركه إن تيسر لها ولم يترتب عليه ما هو أشد مما هي فيه .
ثانياً :
لا يجوز لكَ اتخاذ صديقات ، ولا هي أن تتخذ من الرجال الأجانب أصدقاء ، فالعلاقة بين النساء والرجال تحكمها الشريعة الإسلامية ، ولم تجعل الشريعةُ الحرية لكل واحد من الرجل والأنثى أن يصاحب ويزامل ويصادق كلٌّ منهم الآخر ؛ وفي هذا فتحٌ لبابٍ من الشر عظيم ، وهو من خطوات الشيطان وسبله التي يكيد بها للناس لإيقاعهم في الفحشاء والمنكر من المصافحة والخلوة وما هو أكثر من ذلك وأشد .
ثالثاً :
وأما بالنسبة لصيامها : فعليها أن تصوم ولا يحل لها الإفطار ، والأمر بين الطلاب والطالبات أسهل منه إذا كان بين الأهل والأقرباء ، فيمكنها أن توهم الناس أنها مفطرة بحملها لزجاجة عصير - مثلاً - وإيهام الناس أنها تشرب منها ، كما يمكنها أن تقول إنها مريضة وتقصد المرض النفسي لما عليه حال الناس كما قال إبراهيم الخليل عليه السلام " إني سقيم " ، أو ما شابه ذلك من الحيَل المباحة .
فعليها أن تتقي الله تعالى ما استطاعت ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا .
نسأل الله لها التوفيق .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم مس يد الفتاة في رمضان
…سؤال رقم 36648
…سؤال:
ما حكم من مس يد فتاة أو قامت تلك الفتاة بضمه أو تقبيله في نهار رمضان ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(4/16)
يحرم على الرجل أن يمس يد امرأة أجنبية عنه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
وإذا كان هذا في مجرد المس ، فإن الضم والتقبيل أعظم وأشد . وإذا حاولت المرأة فعل ذلك ، وجب على الرجل أن يمنعها ، وألا يمكنها من فعل الحرام معه .
وهذا حكم عام ، يشمل الصائم وغيره ، إلا أن الصائم يتأكد في حقه البعد عن جميع المحرمات والمغريات والمثيرات التي تنافي حكمة الصوم وأهدافه ، وقد قال الله تعالى في بيان الحكمة من فرض الصيام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .
وقال عز وجل في الحديث القدسي : ( الصَّوْمُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي ) . رواه البخاري (7492) ومسلم (1151) .
فعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى تعالى ، ويعزم على عدم العود لذلك أبداً .
وأما صومه ففيه تفصيل :
إن خرج منه منيّ بسبب هذه الأعمال ، فسد صومه ، ووجب عليه قضاء هذا اليوم .
وإن لم يخرج منه مني فصومه صحيح .
ولكن ... ليس معنى صحة صومه أنه لا إثم عليه ، أو أن صومه كامل .
كلا ! بل كل المعاصي التي يفعلها العبد تنقص من ثواب صيامه ، وقد تذهب بثواب كله .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري (6057) .
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ ) رواه ابن ماجه (1690) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وانظر السؤال (50063) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا ، ويعيذنا من مضلات الفتن .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
حكم صلاة التراويح للنساء
…سؤال رقم 3457
…سؤال:
هل على النساء صلاة تراويح ، وهل يستحسن لهن أداؤها في المنزل أم الذهاب للمسجد لهذا الغرض ؟.
الجواب:
الحمد لله
صلاة التروايح سنة مؤكدة ، ويبقى الأفضل في حق النساء قيام الليل في بيوتهن لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ . " رواه أبو داود في سننه باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد : باب التشديد في ذلك . وهو في صحيح الجامع 7458
بل كلّما كانت صلاتها في موضع أخفى وأكثر خصوصية كان ذلك أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم : " صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا " رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد وهو في صحيح الجامع 3833
وعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ . رواه الإمام أحمد ورجال إسناده ثقات
ولكنّ هذه الأفضلية لا تمنع من الإذن لهنّ من الذهاب إلى المساجد كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا قَالَ فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ رواه مسلم 667
ولكنّ ذهاب المرأة إلى المسجد يشترط فيه ما يلي :
1- أن تكون بالحجاب الكامل
2- أن تخرج غير متطيّبة
3- أن يكون ذلك بإذن الزّوج
وأن لا يكون في خروجها أيّ مُحرّم آخر كالخلوة مع السّائق الأجنبي في السّيارة ونحو ذلك .
فلو خالفت المرأة شيئا مما ذُكِر فإنه يحقّ لزوجها أو وليها أن يمنعها من الذّهاب بل يجب ذلك عليه .(4/17)
وقد سألت شيخنا الشيخ عبد العزيز عن صلاة التراويح هل لها على وجه الخصوص أفضلية للمرأة في صلاتها في المسجد فأجاب بالنفي وأنّ الأحاديث في أفضلية صلاة المرأة في بيتها عامة تشمل التراويح وغيرها هذا والله تعالى أعلم .
ونسأل الله لنا ولسائر إخواننا المسلمين الإخلاص والقبول وأن يجعل عملنا على ما يحبّ ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
كيفية تهذيب الغريزة بالصيام
…سؤال رقم 26811
…سؤال:
يتعلق سؤالي بالصيام في غير شهر رمضان المبارك . أعني الصيام عندما تكون لدى المسلم رغبة في الزواج لكنه لا يستطيعه في الوقت الراهن . أعلم أنه يُنصح بالصيام في مثل هذه الحالة، لكن ما هو الحكم الصحيح في ذلك؟.
الجواب:
الحمد لله
جاء هذا الدين الحنيف بتهذيب الغرائز حتى لا يبقى الإنسان المسلم المتميز بشخصيته أسيراً لشهواته كالحيوان ، وشرع له من الشرائع الواجبة و المستحبة ما يحتمي بها من الآثار السيئة التي تنتج عن الانسياق وراء الشهوات ، ومن هذه التشريعات مشروعية الصيام لمن لم يستطع الوصول إلى التصريف الطبيعي لهذه الشهوة من خلال الزواج ، كما قال عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه ( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) البخاري 5066 مسلم 1400.و المراد أن الصوم يخفف من تأثير الشهوة على الشاب .
وهذا الحكم وإن كان مشروعاً لعموم الشباب فإن الحاجة إليه تزداد مع زيادة الفتن وتيسُّر أسباب المنكرات وكثرة المغريات ، لاسيما لمن يعيش وسط مجتمعات يكثر فيها التبرج والانحلال ، فينبغي الحرص على هذه العبادة للمحافظة على العفة والدين ، ويستعين الإنسان مع الصيام بدعاء الله تعالى أن يحفظه في دينه وعرضه وأن ييسر له الزواج الذي يحصن به فرجه ، ويستعين كذلك بتذكر ما أعدّه الله تعالى في الجنان من الحور العين لمن استقام على أمره تعالى وحفظ نفسه .
الشيخ محمد صالح المنجد
============
نصراني يسأل ماذا تفعلون في شهر رمضان؟
…سؤال رقم 65517
…سؤال:
ماذا تفعلون خلال شهر الصيام ؟.
الجواب:
الحمد لله
خص الله تعالى شهر رمضان بخصائص وفضائل ليست في غيره من الشهور ، فهو سيد الشهور ، ولله تعالى أن يختار بعض الشهور على بعض ، وأن يفضل بعض الليالي على بعض ، كما قال سبحانه : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ) القصص/68 .
وجعل الله تعالى في رمضان ليلة القدر ، التي قال الله عز وجل عنها : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) القدر/3 . أي أن العبادة فيها أكثر ثواباً وأجراً من العبادة في ألف شهر ، وهو من عظيم فضل الله على هذه الأمة .
وليلة القدر تكون في العشر الأخير من رمضان ، ولهذا يجتهد المسلمون في هذه العشر في العبادة أكثر من غيرها التماساً لهذه الليلة المباركة .
وأما ما نفعله - نحن المسلمين - في رمضان ، فإننا نتقرب إلى الله ، ونجتهد في عبادته ، وقد شرع لنا أنواعاً من العبادات التي يحب أن نتقرب إليه بها ، فمن ذلك :
1- الصيام ، وهو الامتناع عن الأكل والشرب والجماع وما ألحق بها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، ولسنا الأمة الوحيدة التي فرض الله عليها الصيام ، بل ما من أمة من الأمم السابقة إلا فرض الله عليها الصيام ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .
2- الإكثار من الصلاة بالليل (صلاة التراويح) .
وقيام الليل له أثر عجيب في تهذيب النفوس وإصلاحها ، وهو أيضاً من أسباب مغفرة الذنوب .
3- قراءة القرآن .
فرمضان هو شهر القرآن ، ففيه بدأ نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم . ولهذا تجد المسلمين يختمون القرآن قراءةً في رمضان ، فمنهم من يختمه مرة أو مرتين ، وأكثر من ذلك . وقد علم المسلم أن قراءة الحرف الواحد من القرآن الكريم بعشر حسنات ، وأن قراءة صفحة واحدة فيها آلاف الحسنات .
4- الصدقة ، وإطعام الطعام .
كان نبينا صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان .
ورغبنا نبينا صلى الله عليه وسلم في إطعام الطعام ، وتفطير الصائم ، حتى جعل ثواب من فَطَّر صائما مثل أجر الصائم ، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً .
5- الدعاء .
فرمضان شهر الدعاء ، فدعوة الصائم مستجابة ، وللصائم عند فطره دعوة لا ترد .
6- الاعتكاف .
وهو المكث في المسجد لأجل التفرغ لطاعة الله تعالى وعبادته ، وهو مسنون في العشر الأواخر من رمضان التماساً لليلة القدر .(4/18)
7- وقد فرض الله في آخره زكاة تسمى زكاة الفطر ، تطهر الصائم مما حصل في صومه من اللغو والرفث ، وتكون طعمة وإعانة للمساكين .
وهي فرض على الصغير والكبير والذكر والأنثى من المسلمين ، وهي وسيلة من وسائل الشعور بوحدة المجتمع المسلم ، وتماسكه وتراحمه .
8- ثم شرع الله للصائمين صلاة العيد ، تكون خاتمة لأعمالهم الحسنة التي أدوها في رمضان ، واجتماعا لهم يظهرون فيه الفرح والسرور والشكر لله تعالى .
والحاصل أن المسلم الموفق يقضي شهر رمضان في صوم وصلاة وقيام وذكر وتلاوة للقرآن ، ويختمه باعتكاف وزكاة ، مع الحرص على صلة الأرحام ، وبذل المعروف ، وكثرة الإنفاق في سبيل الله ، وغير ذلك من أعمال البر والخير . فيكون رمضان موسم خير له ، يتزود فيه من الطاعات ، ويتخلص فيه من الأوزار والسيئات ، ففي كل ليلة من رمضان يعتق الله أناسا من النار ، يتجاوز عن سيئاتهم ، ويغفر لهم زلاتهم ، ولهذا كان شهر رمضان أحب الشهور إلى المسلمين ، وهم يشعرون فيه بالسعادة والسرور ، والأنس والاطمئنان ، ويتمنون أن تكون السنة كلها رمضان .
ولعلك تزور أحد المراكز الإسلامية لترى بنفسك البهجة والفرحة التي يعيشها المسلمون في رمضان ، صغارا وكبارا ، وذلك من أثر الطاعة والعبادة كما سبق .
نسأل الله أن يهديك لما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
كان يصلي ثلاث سنوات دون غسل الجنابة
…سؤال رقم 9446
…سؤال:
السؤال :
عندما بلغت واحتلمت لم أكن أعرف بأن الغسل لا بد منه فبقيت على ذلك مدة تصل إلى ثلاث سنوات وبعدها علمت بوجوب الغسل فسؤالي هو ماذا علي أن أفعل من أجل الصلوات التي كنت أصليها في هذه الفترة هل علي قضاؤها ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
متى وجدت في ثوبك المني يجب عليك أن تغتسل حتى ولو لم تذكر احتلاماً ، فالمسلم إذا استيقظ من نومه ووجد في ثوبه أو فخذه أو في مكان نومه بللاً يعني أثر مني فيجب عليه أن يغتسل ولو لم يذكر احتلاماً في نومه فهذا لا بد منه لأنه موجب الغسل وهو خروج المني ذكر احتلاماً في منامه أم لم يذكر ، أما لو ذكر احتلاماً في منامه ولكنه لم يخرج منه شيء كما لو قلت أنا احتلمت في النوم كأن واقعت امرأة ولكن بعد أن استيقظت لم تجد أثر مني لا في ثوبك ولا في ملابسك ولا في بدنك ولا في منامك فهل يجب الغسل ؟ فهذا ليس فيه غسل ما دام أنه لم يوجد مني حتى ولو احتلمت إنما الغسل يترتب على وجود المني .
أما أنك تقول إنك لمدة ثلاث سنوات تصلي بدون غسل من الجنابة فالواجب عليك وعلى أمثالك أن تسأل ، قال تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) النحل/43 ومالك عذر عند الله ، فإن الله سبحانه وتعالى أعطاك الصحة والعافية وأعطاك العقل وأمرك أن تسأل ، ولا يجوز لك أن تعبد الله على جهل وضلال فإن عبادة الله على الجهل والضلال هي طريقة النصارى ، ألم تقرأ سورة الفاتحة كل يوم في صلاتك ( اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) الفاتحة /6-7 ، فالمغضوب عليهم هم اليهود معهم علم ولم يعملوا به ، والضالين هم النصارى يعبدون الله على جهل وضلال ، فكذلك المسلم إذا عبد الله على جهل وضلال فإنه من الضالين ، قال بعض العلماء : من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى ، وأنت عليك بتقوى الله ومراقبته والإكثار من النوافل ، وبعض العلماء يوجب عليك أن تقضي هذه الثلاث سنين لكن ما دام أنه صدر عن جهل وعددها كثير فأرجو ألا حرج عليك إن شاء الله وتكثر من النوافل وإن أمكن قضاؤها فهو المتعين بكل حال وإن شئت تكثر من النوافل كما ذكره جمع من أهل العلم والمسألة خلافية بينهم ، والله أعلم .
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 64
=============
هل يجوز الإفطار قبل سماع الأذان ؟
…سؤال رقم 78416
…سؤال:
هل يجوز الأكل قبل الأذان بثواني مع العلم أني لا أسمع الأذان والمنطقة شيعية يؤذنون بعد أذاننا ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا غربت الشمس فقد حل للصائم أن يفطر ، سواء أذن المؤذن أم لم يؤذن ، فالعبرة بغروب الشمس ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا ، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ) رواه البخاري (1954) ومسلم (1100) .
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : " فِي هَذَا الْحَدِيث رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ فِي تَأْخِيرهمْ الْفِطْر إِلَى ظُهُور النُّجُوم " انتهى من "فتح الباري" .
وبعض المؤذنين قد يتأخر في الأذان بعد غروب الشمس بفترة ، فلا عبرة بأذانه ، وفعله هذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي حثنا على المبادرة بالإفطار بعد غروب الشمس ، فقال : ( لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ ) رواه البخاري (1957) ومسلم (1098) .
ويجوز للصائم أن يفطر إذا غلب على ظنه غروب الشمس ولا يشترط حصول اليقين ، بل يكفي غلبة الظن .(4/19)
فإذا غلب على ظن الصائم أن الشمس قد غربت ، فأفطر ، فلا شيء عليه .
ولا يجوز له أن يفطر وهو شاك في غروبها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وسن تعجيل فطر أي : المبادرة به إذا غربت الشمس ، فالمعتبر غروب الشمس ، لا الأذان ، لاسيما في الوقت الحاضر حيث يعتمد الناس على التقويم ، ثم يعتبرون التقويم بساعاتهم ، وساعاتهم قد تتغير بتقديم أو تأخير ، فلو غربت الشمس ، وأنت تشاهدها ، والناس لم يؤذنوا بعد ، فلك أن تفطر ، ولو أذنوا وأنت تشاهدها لم تغرب ، فليس لك أن تفطر ؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال : ( إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق ، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب ، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ) .
ولا يضر بقاء النور القوي ، فبعض الناس يقول : نبقى حتى يغيب القرص ويبدأ الظلام بعض الشيء فلا عبرة بهذا ، بل انظر إلى هذا القرص متى غاب أعلاه فقد غربت الشمس ، وسن الفطر .
ودليل سنية المبادرة : قوله صلّى الله عليه وسلّم : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) ، وبهذا نعرف أن الذين يؤخرون الفطر إلى أن تشتبك النجوم كالرافضة أنهم ليسوا بخير .
فإن قال قائل : هل لي أن أفطر بغلبة الظن ، بمعنى أنه إذا غلب على ظني أن الشمس غربت ، فهل لي أن أفطر ؟
فالجواب : نعم ، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : ( أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ، ثم طلعت الشمس ) ومعلوم أنهم لم يفطروا عن علم ، لأنهم لو أفطروا عن علم ما طلعت الشمس ، لكن أفطروا بناءً على غلبة الظن أنها غابت ، ثم انجلى الغيم فطلعت الشمس " انتهى .
"الشرح الممتع" (6/267) .
الإسلام سؤال وجواب
============
ما حكم إعطاء السائق غير المسلم طعاما في نهار رمضان ؟
…سؤال رقم 49694
…سؤال:
عندنا سائق أجنبي غير مسلم هل نعطيه طعاماً أثناء النهار في رمضان ؟.
الجواب:
الحمد لله
يرجع حكم المسألة هذه ومثيلاتها إلى حكم مخاطبة الكافر بفروع الشرع ، والصحيح أنه مخاطب بها ، وهو قول الجمهور ، ولذا فلا يجوز تمكينه من الطعام في نهار رمضان ولا إعانته عليه .
وإذا استمر الكافر على كفره ومات عليه : فإنه يعاقب على كفره وعلى جميع أحكام الشريعة التي ترك العمل بها , وقد دل على ذلك قوله تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ . حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ) المدثر/38 - 47 .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 4 / 263 ) :
" الكافر في حال كفره هل هو مخاطب بفروع الشريعة ومكلف بها أم لا ؟ قال النووي : المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور بها , والمنهي عنها , ليزداد عذابهم في الآخرة " انتهى .
وقال ولي الدين العراقي :
" والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين " انتهى .
" طرح التثريب " ( 3 / 227 ) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 9 / 211 ، 212 ) تحت عنوان : بيع ما يقصد به فعل محرم :
" ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام , وكل تصرف يفضي إلى معصية : فهو محرم , فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز ....
ومن أمثلته عند الشافعية : بيع مخدر لمن يظن أنه يتعاطاه على وجه محرم , وخشب لمن يتخذه آلة لهو , وثوب حرير لرجل يلبسه بلا نحو ضرورة . وكذا بيع سلاح لنحو باغ وقاطع طريق . . . . . ودابة لمن يحملها فوق طاقتها .
كما نص الشرواني وابن قاسم العبادي على منع بيع المسلم طعاماً للكافر إذا علم أو ظن أنه يأكله نهاراً في رمضان , كما أفتى به الرملي , قال : لأن ذلك إعانة على المعصية , بناء على أن الراجح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة " انتهى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
استعمال العمال غير المسلمين والسماح لهم بالأكل أمام المسلمين وقت الصيام
…سؤال رقم 43041
…سؤال:
صاحب شركة لديه عمال غير مسلمين، فهل يجوز له أن يمنعهم من الأكل والشرب أمام غيرهم من العمال المسلمين في نفس الشركة خلال نهار رمضان؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
" لا ينبغي للإنسان أن يستخدم عمالاً غير مسلمين مع تمكنه من استخدام المسلمين، لأن المسلمين خير من غير المسلمين ، قال الله تعالى : { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَائِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعواْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ولكن إذا دعت الحاجة إلى استخدام عمال غير مسلمين ، فإنه لا بأس به بقدر الحاجة فقط .
ثانياً :(4/20)
وأما أكلهم وشربهم في نهار رمضان أمام الصائمين من المسلمين فإن هذا لا بأس به ، لأن الصائم المسلم يحمد الله عز وجل أن هداه للإسلام الذي به سعادة الدنيا والا?خرة ، ويحمد الله تعالى أن عافاه ، فهو وإن حُرم عليه الأكل والشرب في هذه الدنيا شرعاً في أيام رمضان ، فإنه سينال الجزاء يوم القيامة ، حين يقال له : { كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِما أَسْلَفْتُمْ في الأَْيَّامِ الْخَالِيَةِ } لكن يمنع غير المسلمين من إظهار الأكل والشرب في الأماكن العامة لمنافاته للمظهر الإسلامي في البلد ."
انتهى من كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله - مجموع الفتاوى 8/79 .
=============
قضاء الوقت في الأفلام والمسلسلات واللعب في رمضان
…سؤال رقم 13956
…سؤال:
بعض الصائمين يقضون معظم نهار رمضان في مشاهدة الأفلام والمسلسلات من الفيديو والتلفاز ولعب الورق فما حكم ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على الصائم وغيره من المسلمين أن يتقي الله سبحانه فيما يأتي وما يذر في جميع الأوقات ، وأن يحذر ما حرّم الله عليه من مشاهدة الأفلام الخليعة التي يظهر فيها ما حرّم الله ، من الصور العارية وشبه العارية ، ومن المقالات المنكرة ، وهكذا ما يظهر في التلفاز مما يخالف شرع الله ، من الصور والأغاني وآلات الملاهي والدعوات المضللة . كما يجب على كل مسلم صائماً كان أو غيره أن يحذر اللعب بآلات اللهو من الورق وغيرها من آلات اللهو ، لما في ذلك من مشاهدة المنكر وفعل المنكر ، ولما في ذلك أيضاً من التسبب في قسوة القلب ومرضها واستخفافها بشرع الله والتثاقل عما أوجب الله من الصلاة في الجماعة أو غير ذلك من ترك الواجبات ، والوقوع في كثير من المحرمات ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأنه في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم ) سورة لقمان/6-7 ، ويقول سبحانه في سورة الفرقان في صفة عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ) الفرقان/72 ، والزور يشمل جميع أنواع المنكر ، ومعنى لا يشهدون : لا يحضرون .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) رواه البخاري في صحيحه معلّقاً مجزوماً به ، والمراد بالحر .. الفرج الحرام ، والمراد بالمعازف : الغناء وآلات اللهو . ولأن الله سبحانه حرم على المسلمين وسائل الوقوع في المحرمات ، ولا شك أن مشاهدة الأفلام المنكرة وما يعرض في التلفاز من المنكرات من وسائل الوقوع فيها أو التساهل في عدم إنكارها والله المتسعان .
فتاوى الشيخ ابن باز ج/4 ص/ 158 .
============
لا يدرون عن حل مكسب الذين يرسلون الأطعمة إلى المسجد
…سؤال رقم 37789
…سؤال:
يقوم بعض الأخوة في رمضان بإرسال بعض الأطعمة للمسجد ويفطر الأخوة في المسجد عليها، ماذا لو أفطر المسلمون على طعام أرسله من دخله من الحرام ؟ كموظف البنك .... نحن لا ندري من أرسل أو ماذا أرسل ، أرجو التوضيح .
الجواب:
الحمد لله
لا يجب بل ليس من الحكمة والمصلحة أن تسألوا عن مصدر دخل من أرسل الطعام من إخوانكم لما في ذلك من التعنت والتكلف ، والأصل في أموال المسلمين وطعامهم وشرابهم الحل حتى يتبين لكم غير ذلك .
وإذا عرف المسلم أن هذا طعام صاحب كسب حرام بعينه فليتورع عنه .
وقد سبقت أجوبة متعددة على مثل هذا السؤال ، فانظر ( 5559 ) و ( 4820 ) و ( 37711 ) .
والله أعلم
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
نصرانية تريد أن تصوم
…سؤال رقم 37653
…سؤال:
أنا نصرانية ولكنني لا أؤمن بديني وأنا آسفة لهذا ، أمنت بالله وبرسوله وأريد أن أصوم رمضان ، ولكنني لا زلت نصرانية فهل يمكن أن أصوم رمضان ؟ لا أعلم كيف أصبح مسلمة، أشعر بهذا في قلبي ، ولكنني أظن بأن هذا ليس كافياً .
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للإسلام .
أيتها العاقلة
إن صيامك من غير دخولك في الإسلام لن تستفيدي منه شيئاً إلا الجوع والعطش ، لأن جميع العبادات لا يقبلها الله تعالى إلا إذا كانت مبنية على اعتقاد صحيح ، ودين سليم .
إن الأهم لك -ولا شيء أهم منه على الإطلاق- هو أن تبدئي بالخطوة الصحيحة ألا وهي الدخول في الإسلام .
وبعد ذلك تقومين بالصلاة والصيام ، وتقرئين القرآن ، وتؤدين سائر العبادات ، فيحيا بها قلبك ، وينشرح صدرك .
إن دخولك في الإسلام ليس بالأمر العسير ، لا يحتاج منك فقط إلا إلى النطق بالشهادتين ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ) .
إن وجود الشعور في قلبك بدخولك في الإسلام هذا من علامة الخير ، فعليك أن تتخذي الخطوة الأخيرة في ذلك بالقرار الحاسم الذي يترتب عليه سعادتك في الدنيا والآخرة .
إنك لا تؤمنين بدينك -كما قلتِ في سؤالك- فما قيمة هذه الحياة إذا كان الإنسان بلا دين ولا قيم ولا نظام رباني يسير عليه الإنسان في حياته ؟!(4/21)
أتظنين أن هذه الحياة الدنيا مجرد لهو ولعب وتمتع بالشهوات ثم ينتهي ذلك بالموت ؟
كلا !! إن بعد الموت حساباً ، وبعد الحساب جنة أو نار .
فعليك السعي فيما يكون سبباً في نجاتك ، ولا تتأخري ولا تنتظري فإن قطار العمر يسير ، ولا يدري المرء متى يتوقف به هذا القطار . وهو لا يتوقف به إلا على أول مراحل الآخرة ، فهنالك لا ينفع الندم .
يتمنى الإنسان لو رجع إلى هذه الحياة الدنيا ليؤمن ويعمل صالحاً ،
( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) المؤمنون/99-100 .
( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام/27 .
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) فاطر/36-37.
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة .
ونحن على أتم استعداد لتلقي أي سؤال منك والإجابة عنه إن شاء الله تعالى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===============
الاجتماع على مائدة الإفطار
…سؤال رقم 37702
…سؤال:
هل يمكن الاجتماع على مائدة إفطار كاملة في مسجد ما في شهر رمضان ، ولو ليوم واحد ، بقصد التواصل والألفة بين جماعة المسجد؟ أم يعتبر ذلك بدعة؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يعتبر ذلك من البدع . بل هو من الأمور المشروعة لأنها وسيلة لشيء مشروع وهو زيادة المودة والألفة بين المسلمين .
وقد امتن الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بتأليفه بين قلوب المؤمنين ، مما يدل على أنها من النعم العظيمة على هذه الأمة .
قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) الأنفال/62-63 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ) رواه البخاري (6064) ومسلم (2563) .
فزيادة المودة والألفة بين المسلمين مما حرص عليه الشرع الحنيف ، وشرع الوسائل الموصلة إلى ذلك ، كإلقاء السلام والبشاشة في وجه المسلم وحسن الخُلُق والهدية . . . وغير ذلك من الأمور التي رغب فيها الإسلام .
وكل ما كان سببا في حصول المودة بين المسلمين وزيادتها فهو من الأمور المشروعة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
كيفية الصلاة والصوم في البلاد التي نهارها دائم أو ليلها دائم
…سؤال رقم 5842
…سؤال:
بالنسبة للدول التي لا يحل فيها الظلام في فصل الصيف فكيف يصلون المغرب والعشاء ؟ وماذا يفعلون في شهر رمضان حيث يحل في ذلك الوقت ، فكيف يصوموا ؟.
الجواب:
الحمد لله
صدرت فتوى رقم (2769) من هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة في هذه المسألة بمثل ما ذكرناه ، وهذا نص السؤال والجواب :
الحمد لله وحده والصلاة السلام على من لا نبي بعده .. وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين بهولندا، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء والسؤال نصه : نرجو من سماحتكم التفضل بموافاتنا بالفتوى اللازمة لكيفية تعيين أوقات صلاة المغرب والعشاء والصبح ، وكذلك تعيين أول رمضان ، وأول أيام عيد الفطر المبارك ، ذلك أنه بالنسبة إلى حركة شروق وغروب الشمس في بلدان شمال أوربا والقريبة من القطب الشمالي تختلف عن مثيلتها في بلدان الشرق الإسلامي ، والسبب في ذلك يرجع إلى وقت مغيب الشفق الأحمر والأبيض، فيلاحظ أن الشفق الأبيض في الصيف يمتد حتى يكاد يستغرق الليل كله فيصعب تحديد وقت العشاء وكذلك طلوع الصبح ؟
والجواب :
لقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في بيان تحديد أوقات الصلوات ، وتحديد بدء صباح كل يوم ونهايته في رمضان في بلاد مماثلة لبلادكم هذا مضمونه :
بعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:(4/22)
أولاً : من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً . لعموم قوله تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } ( الإسراء / 78 ) وقوله تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا } ( النساء / 103 ) ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن وقت الصلاة فقال له : «صل معنا هذين» يعني اليومين ، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره أن يبرد بالظهر فأبرد بها ، ... وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق ، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل ، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال : « أين السائل عن وقت الصلاة » فقال الرجل أنا يا رسول الله قال : « وقت صلاتكم بين ما رأيتم » رواه البخاري ومسلم .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر مالم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان» أخرجه مسلم في صحيحه .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم ، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة. ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد وقد قال الله تعالى: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله ، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً ، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء قال تعالى : {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}، وقال الله تعالى : {لايكلف الله نفساً إلا وسعها} ، وقال : {وما جعل عليكم في الدين من حرج} .
ثانياً : من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء ، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر ، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة ، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض ، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال : «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ...» إلى آخره .
ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال : هل علي غيرهن قال : «لا ، إلا أن تطوع...» الحديث .
ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال : «صدق» إلى أن قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال : «صدق» قال فبالذي أرسلك : آلله أمرك بهذا؟ قال: « نعم... » الحديث .(4/23)
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له ما لبثه في الأرض قال : «أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم» فقيل : يا رسول الله اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : « لا ، اقدروا له » فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة ، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم .
فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة .
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ويكون مجموعها أربعاً وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال ، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 6 / 130 - 136 )
============
كيفية الصلاة والصوم في البلاد التي نهارها دائم أو ليلها دائم
…سؤال رقم 5842
…سؤال:
بالنسبة للدول التي لا يحل فيها الظلام في فصل الصيف فكيف يصلون المغرب والعشاء ؟ وماذا يفعلون في شهر رمضان حيث يحل في ذلك الوقت ، فكيف يصوموا ؟.
الجواب:
الحمد لله
صدرت فتوى رقم (2769) من هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة في هذه المسألة بمثل ما ذكرناه ، وهذا نص السؤال والجواب :
الحمد لله وحده والصلاة السلام على من لا نبي بعده .. وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين بهولندا، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء والسؤال نصه : نرجو من سماحتكم التفضل بموافاتنا بالفتوى اللازمة لكيفية تعيين أوقات صلاة المغرب والعشاء والصبح ، وكذلك تعيين أول رمضان ، وأول أيام عيد الفطر المبارك ، ذلك أنه بالنسبة إلى حركة شروق وغروب الشمس في بلدان شمال أوربا والقريبة من القطب الشمالي تختلف عن مثيلتها في بلدان الشرق الإسلامي ، والسبب في ذلك يرجع إلى وقت مغيب الشفق الأحمر والأبيض، فيلاحظ أن الشفق الأبيض في الصيف يمتد حتى يكاد يستغرق الليل كله فيصعب تحديد وقت العشاء وكذلك طلوع الصبح ؟
والجواب :
لقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في بيان تحديد أوقات الصلوات ، وتحديد بدء صباح كل يوم ونهايته في رمضان في بلاد مماثلة لبلادكم هذا مضمونه :
بعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:
أولاً : من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً . لعموم قوله تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } ( الإسراء / 78 ) وقوله تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا } ( النساء / 103 ) ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن وقت الصلاة فقال له : «صل معنا هذين» يعني اليومين ، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره أن يبرد بالظهر فأبرد بها ، ... وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق ، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل ، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال : « أين السائل عن وقت الصلاة » فقال الرجل أنا يا رسول الله قال : « وقت صلاتكم بين ما رأيتم » رواه البخاري ومسلم .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر مالم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان» أخرجه مسلم في صحيحه .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم .(4/24)
وهذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم ، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة. ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد وقد قال الله تعالى: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله ، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً ، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء قال تعالى : {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}، وقال الله تعالى : {لايكلف الله نفساً إلا وسعها} ، وقال : {وما جعل عليكم في الدين من حرج} .
ثانياً : من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء ، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر ، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة ، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض ، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال : «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ...» إلى آخره .
ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال : هل علي غيرهن قال : «لا ، إلا أن تطوع...» الحديث .
ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال : «صدق» إلى أن قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال : «صدق» قال فبالذي أرسلك : آلله أمرك بهذا؟ قال: « نعم... » الحديث .
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له ما لبثه في الأرض قال : «أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم» فقيل : يا رسول الله اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : « لا ، اقدروا له » فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة ، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم .
فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة .
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ويكون مجموعها أربعاً وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال ، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 6 / 130 - 136 )
=============
الأعذار التي تبيح الفطر في رمضان
…سؤال رقم 23296
…سؤال:
ما هي الأعذار المبيحة للفطر في رمضان ؟.
الجواب:
الحمد لله
فإن من تيسير الله لعباده أنه لم يفرض الصيام إلا على من يطيقه ، وأباح الفطر لمن لم يستطع الصوم لعذر شرعي ، والأعذار الشرعية المبيحة للصوم على النحو التالي :
" أَوَّلًا : ( الْمَرَضُ ) :
الْمَرَضُ هُوَ : كُلُّ مَا خَرَجَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ حَدِّ الصِّحَّةِ مِنْ عِلَّةٍ .(4/25)
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } . وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله تعالى عنه قَالَ : " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ , يُفْطِرُ وَيَفْتَدِي , حَتَّى أُنْزِلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا يَعْنِي قوله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ , هُدًى لِلنَّاسِ , وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ , فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ , وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فَنَسَخَتْهَا . فَالْمَرِيضُ الَّذِي يَخَافُ زِيَادَةَ مَرَضِهِ بِالصَّوْمِ أَوْ إبْطَاءَ الْبُرْءِ أَوْ فَسَادَ عُضْوٍ , لَهُ أَنْ يُفْطِرَ , بَلْ يُسَنُّ فِطْرُهُ , وَيُكْرَهُ إتْمَامُهُ , لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ , فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ . ثُمَّ إنَّ شِدَّةَ الْمَرَضِ تُجِيزُ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ . أَمَّا الصَّحِيحُ إذَا خَافَ الشِّدَّةَ أَوْ التَّعَبَ , فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ , إذَا حَصَلَ لَهُ بِالصَّوْمِ مُجَرَّدُ شِدَّةِ تَعَبٍ .
ثَانِيًا : السَّفَرُ :
يُشْتَرَطُ فِي السَّفَرِ الْمُرَخِّصِ فِي الْفِطْرِ مَا يَلِي :
أ - أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ طَوِيلا مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاةُ .
ب - أَنْ لَا يَعْزِمَ الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ خِلَالَ سَفَرِهِ .
ج - أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ , بَلْ فِي غَرَضٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ , وَذَلِكَ : لِأَنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ , فَلَا يَسْتَحِقُّهَا عَاصٍ بِسَفَرِهِ , بِأَنْ كَانَ مَبْنَى سَفَرِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ , كَمَا لَوْ سَافَرَ لِقَطْعِ طَرِيقٍ مَثَلًا .
( انْقِطَاعُ رُخْصَةِ السَّفَرِ ) :
تَسْقُطُ رُخْصَةُ السَّفَرِ بِأَمْرَيْنِ اتِّفَاقًا :
الْأَوَّلِ : إذَا عَادَ الْمُسَافِرُ إلَى بَلَدِهِ , وَدَخَلَ وَطَنَهُ , وَهُوَ مَحَلُّ إقَامَتِهِ .
الثَّانِي : إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا , أَوْ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ , وَكَانَ الْمَكَانُ صَالِحًا لِلْإِقَامَةِ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِذَلِكَ , فَيُتِمُّ الصَّلَاةَ , وَيَصُومُ وَلَا يُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ , لِانْقِطَاعِ حُكْمِ السَّفَرِ .
العذر الثَالِث : الْحَمْلُ وَالرَّضَاعُ :
الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ لَهُمَا أَنْ تُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ , بِشَرْطِ أَنْ تَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدِهِمَا الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ , أَوْ الضَّرَرَ أَوْ الْهَلَاكَ . وَدَلِيلُ تَرْخِيصِ الْفِطْرِ لَهُمَا : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَرَضِ صُورَتَهُ , أَوْ عَيْنَ الْمَرَضِ , فَإِنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ , فَكَانَ ذِكْرُ الْمَرَضِ كِنَايَةً عَنْ أَمْرٍ يَضُرُّ الصَّوْمُ مَعَهُ , وَهُوَ مَعْنَى الْمَرَضِ , وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا , فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ رُخْصَةِ الْإِفْطَارِ, ومِنْ أَدِلَّةِ تَرْخِيصِ الْفِطْرِ لَهُمَا , حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : { إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ , وَعَنْ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوْ الصِّيَامَ } وَفِي لَفْظِ بَعْضِهِمْ : { عَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ } .
رَابِعًا : الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ :
وَتَشْمَلُ الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ مَا يَلِي : الشَّيْخَ الْفَانِيَ , وَهُوَ الَّذِي فَنِيَتْ قُوَّتُهُ , أَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْفَنَاءِ , وَأَصْبَحَ كُلَّ يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ . والْمَرِيضَ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ , وَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ مِنْ صِحَّتِهِ . والْعَجُوزَ , وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُسِنَّةُ . والدليل فِي شَرْعِيَّةِ إفْطَارِ مَنْ ذُكِرَ، قوله تعالى:{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ }. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما : الْآيَةُ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ , وَهِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ , وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ , لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا , فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا .
خَامِسًا : إرْهَاقُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ :(4/26)
مَنْ أَرْهَقَهُ جُوعٌ مُفْرِطٌ , أَوْ عَطَشٌ شَدِيدٌ , فَإِنَّهُ يُفْطِرُ ويأكل بقدر ما تندفع به ضرورته ويمسك بقية اليوم وَيَقْضِي .
وَأَلْحَقُوا بِإِرْهَاقِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ خَوْفَ الضَّعْفِ عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ الْمُتَوَقَّعِ أَوْ الْمُتَيَقَّنِ كَأَنْ كَانَ مُحِيطًا : فَالْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ الْقِتَالَ بِسَبَبِ وُجُودِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ , وَيَخَافُ الضَّعْفَ عَنْ الْقِتَالِ بِالصَّوْمِ , وَلَيْسَ مُسَافِرًا , لَهُ الْفِطْرُ قَبْلَ الْحَرْبِ .
سَادِسًا : الْإِكْرَاهُ :
الإكراه : هو حَمْلُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ , عَلَى فِعْلِ أَوْ تَرْكِ مَا لا يَرْضَاهُ بِالْوَعِيدِ . "
الموسوعة الفقهية ج28 ص 73.
=============
يقيم في ألمانيا فهل يصوم مع الجمعية الأوربية أم مع السعودية
…سؤال رقم 50412
…سؤال:
نحن نقيم في ألمانيا والمشكلة أن إمام مسجد قال : سوف نصوم مثل السعودية ، وفي المسجد الثاني قيل إننا سنصوم تبعاً للجمعية الأوربية الإسلامية التي من المفروض أنها تهتم عادة بمراقبة الهلال . فما قولكم ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت الجمعية الأوربية الإسلامية تعتمد على رؤية الهلال ، فإن الأولى في حقكم ، هو الموافقة لهم في الصيام والإفطار .
والمسألة فيها خلاف قديم المشهور: هل لكل بلد رؤيته ؟ أم يلزم الجميع اتباع من رأوا الهلال ولو اختلفت المطالع ؟ وهو خلاف سائغ مبني على الاجتهاد ، ولا حرج على أحد في الأخذ بأحد هذين القولين حسب ما يظهر له من الأدلة .
ولعل أرجح القولين أن اختلاف المطالع معتبر ، وقد سبق بيان طرف من أدلة هذا القول في جواب السؤال رقم (50487) .
ومما يدل على ذلك : ما رواه مسلم (1819) عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ : فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا , وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ ، فَرَأَيْتُ الْهِلالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلالَ ، فَقَالَ : مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلالَ ؟ فَقُلْتُ : رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، وَرَآهُ النَّاسُ ، وَصَامُوا ، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ ، فَقَالَ : لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْت ، ِ فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ أَوْ نَرَاهُ ، فَقُلْتُ : أَوَ لا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ ؟ فَقَالَ : لا ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فهذا يدل على أنه مع تباعد البلاد فلكل بلد رؤيته ، وأنه لا يلزم الجميع الصوم برؤية إحدى البلدان له .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
إذا سافر أثناء الشهر إلى بلد اختلف عن بلده في الصيام ، فكيف يصوم ؟
…سؤال رقم 71203
…سؤال:
إذا سافر المسلم أثناء شهر رمضان إلى بلد آخر كان قد تأخر أو تقدم في بداية شهر رمضان عن بلده ، وظل بهذا البلد حتى العيد ، فمع أي البلدين يفطر ؟.
الجواب:
الحمد لله
" إذا سافر الرجل من بلد إلى بلد اختلف مطلع الهلال فيهما ، فالقاعدة أن يكون صيامه وإفطاره حسب البلد الذي هو فيه حين ثبوت الشهر ، لكن إن نقصت أيام صيامه عن تسعة وعشرين يوماً ، وجب عليه إكمال تسعة وعشرين يوماً لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، وهذه القاعدة مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ) وقوله : ( إنما الشهر تسع وعشرون ، فلا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه ) . ومن حديث كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية في الشام ، وفيه أن كريباً أخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن الناس رأوا هلال رمضان ليلة الجمعة في الشام ، فقال ابن عباس : لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه ، فقال كريب : ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإليك أمثلة تبين هذه القاعدة :
المثال الأول : انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم السبت ، وأفطروا يوم الأحد عن تسعة وعشرين يوماً ، فيفطر معهم ويلزمه قضاء يوم .(4/27)
المثال الثاني : انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين ، وأفطروا يوم الأربعاء عن ثلاثين يوماً ، فيبقى صائماً معهم ولو زاد على ثلاثين يوماً لأنه في مكان لم ير الهلال فيه ، فلا يحل له الفطر ، ويشبه هذا ما لو سافر صائماً من بلد تغيب فيه الشمس الساعة السادسة إلى بلد لا تغيب فيه إلا الساعة السابعة ، فإنه لا يفطر حتى تغيب الشمس في الساعة السابعة لقوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) .
المثال الثالث : انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين ، وأفطروا يوم الثلاثاء عن تسعة وعشرين يوماً ، فيفطر معهم ويكون صومهم تسعة وعشرين يوماً ، وصومه ثلاثين يوماً .
المثال الرابع : انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد ، وأفطروا يوم الثلاثاء عن ثلاثين يوماً إلى بلد صام أهله يوم الأحد ، وأفطروا يوم الاثنين عن تسعة وعشرين يوماً ، فيفطر معهم ، ولا يلزمه قضاء يوم ؛ لأنه أتم تسعة وعشرين يوماً .
دليل وجوب فطره في المثال الأول أنه رؤي الهلال ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتموه فأفطروا ) ودليل وجوب قضاء اليوم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الشهر تسع وعشرون ) فلا يمكن أن ينقص عن تسع وعشرين ليلة .
ودليل وجوب بقائه صائماً فوق الثلاثين في المثال الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتموه فأفطروا ) فعلق الفطر بالرؤية ، ولم تكن فيكون ذلك اليوم من رمضان في ذلك المكان فلا يحل فطره .
وأما حكم المثال الثالث والرابع فواضح .
هذا ما ظهر لنا في هذه المسألة بأدلتها وهو مبني على القول الراجح من اختلاف الحكم باختلاف المطالع ، أما على القول بأنه لا يختلف الحكم بذلك وأنه متى ثبتت رؤيته شرعاً بمكان لزم الناس كلهم الصوم أو الفطر فإن الحكم يجري على حسب ثبوته لكن يصوم أو يفطر سرًّا لئلا يظهر مخالفة الجماعة " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/69) .
=============
قضاء المسلم الجديد للفروض الإسلامية
…سؤال رقم 2195
…سؤال:
دخل رجل الإسلام وعمره أربعون سنة هل يقضي ما فاته من الصلاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يقضي من أسلم ما فاته من الصلاة والصيام والزكاة أيام كفره ، لقوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) سورة الأنفال/38 . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام يجب ما قبله ) رواه مسلم في صحيحه/121 ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً ممن أسلم بقضاء ما فاته من شعائر الإسلام أيام كفره ولإجماع أهل العلم بذلك .
فتاوى اللجنة الدائمة 6/400.
============
حد السفر الذي يبيح الفطر والقصر
…سؤال رقم 38079
…سؤال:
ما هو الحد الأدنى في السفر الذي يجوز معه الإفطار ؟.
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى أن المسافة التي تقصر فيها الصلاة ويفطر فيها الصائم ثمانية وأربعون ميلاً .
قال ابن قدامة في المغني :
مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( يعني الإمام أحمد ) أَنَّ الْقَصْرَ لا يَجُوزُ فِي أَقَلِّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا , وَالْفَرْسَخُ : ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ , فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلا . وَقَدْ قَدَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ , فَقَالَ : مِنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ ، وَمِنْ الطَّائِفِ إلَى مَكَّةَ ، وَمِنْ جُدَّةَ إلَى مَكَّةَ .
فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ . وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ . وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ , وَاللَّيْثُ , وَالشَّافِعِيُّ اهـ .
وتقدير ذلك بالكيلو متر نحو ثمانين كيلو متر تقريباً .
قال الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (12/267) في تقدير السفر :
" الذي عليه جمهور أهل العلم أن ذلك يقدر بنحو ثمانين كيلو تقريبا بالنسبة لمن يسير في السيارة ، وهكذا الطائرات ، وفي السفن والبواخر ، هذه المسافة أو ما يقاربها تسمى سفرا ، وتعتبر سفرا في العرف فإنه المعروف بين المسلمين ، فإذا سافر الإنسان على الإبل ، أو على قدميه ، أو على السيارات ، أو على الطائرات ، أو المراكب البحرية ، هذه المسافة أو أكثر منها فهو مسافر " اهـ .
وسئلت اللجنة الدائمة (8/90) :
عن مسافة القصر ، وهل لسائق الأجرة الذي يذهب أكثر من ثلاثمائة كيلو متر أن يصلي الصلاة قصر ا؟
فأجابت :
مقدار المسافة المبيحة للقصر ثمانون كيلو متر تقريبا على رأي جمهور العلماء ، ويجوز لسائق سيارة الأجرة أو غيره أن يصليها قصرا ؛ إذا كان يريد قطع المسافة التي ذكرناها في أول الجواب أو أكثر منها اهـ .
وذهب بعض العلماء إلى أن السفر لا يحدد بمسافة معينة ، بل المرجع في ذلك إلى العرف ، فما عده الناس في العرف سفراً فهو السفر الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية كالجمع بين الصلاتين والقصر والفطر للمسافر .(4/28)
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (24/106) : وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ جَعَلَ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ مَشْرُوعًا فِي جِنْسِ السَّفَرِ وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص381) عن مقدار المسافة التي يقصر فيها المسافر الصلاة وهل يجوز الجمع دون قصر ؟
فأجاب :
المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو مترا ، وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف أنه سفر وإن لم يبلغ ثمانين كيلو مترا ، وما قال الناس عنه : إنه ليس بسفر ، فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر .
وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة معينة .
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ . رواه مسلم (691) .
وقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أقرب إلى الصواب .
ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد ؛ لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين ، فلا بأس به إن شاء الله تعالى ، أما مادام الأمر منضبطا فالرجوع إلى العرف هو الصواب اهـ .
الإسلام سؤال وجواب
===============
هل يجمع ويقصر مَن سافر وأقام يوماً واحداً ؟
…سؤال رقم 47643
…سؤال:
ذهبت مع والدي إلى سفر وأقمنا يوماً واحداً ثم رجعنا ، هل في هذا اليوم نجمع ونقصر أم نقصر من دون الجمع ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اختلف أهل العلم - رحمهم الله - في المدة التي إن أقام فيها قصر صلاته وإن زاد عليها أتم على أقوال كثيرة ، والمذاهب الأربعة على أنه إذا كانت إقامة المسافر لا تزيد على ثلاثة أيام فله أن يترخص برخص السفر .
قال ابن رشد :
وأما اختلافهم في الزمان الذي يجوز للمسافر إذا قام فيه في بلد أن يقصر : فاختلاف كثير ، حكى فيه أبو عمر - أي : ابن عبد البر - نحواً من أحد عشر قولاً ، إلا أن الأشهر منها هو ما عليه فقهاء الأمصار ولهم في ذلك ثلاثة أقوال :
أحدها : مذهب مالك والشافعي أنه إذا أزمع المسافر على إقامة أربعة أيام أتم .
والثاني : مذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري أنه إذا أزمع على إقامة خمسة عشر يوماً أتم .
والثالث : مذهب أحمد وداود أنه إذا أزمع على أكثر من أربعة أيام أتم .
وسبب الخلاف : أنه أمر مسكوت عنه في الشرع والقياس على التحديد ضعيف عند الجميع ، ولذلك رام هؤلاء كلهم أن يستدلوا لمذهبهم من الأحوال التي نقلت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أقام فيها مقصراً ، أو أنه جعل لها حكم المسافر .
" بداية المجتهد " ( 1 / 122 ، 123 ) .
وعلى هذا ، فالصورة المسئول عنها وهي إقامة المسافر يوماً واحداً لم يقع فيها خلاف بين الأئمة أنه يقصر الصلاة .
ثانياً :
أما الجمع : فإن كان سائراً على الطريق : فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إما جمع تقديم وإما جمع تأخير حسب الأيسر له .
وإن كان نازلاً ( كمن وصل إلى البلد الذي سافر إليه ، أو نزل بالطريق عدة ساعات ليستريح ) : فالأفضل أن لا يجمع ، وإن جمع فلا بأس لصحة الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
وقوله : " في سفر قصر " ظاهر كلامه أنه يجوز الجمع للمسافر سواء كان نازلاً أم سائراً ، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء .
فمنهم من يقول : إنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً لا إذا كان نازلاً .
واستدل بحديث ابن عمر : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جَدَّ به السير " يعني : إذا كان سائراً .
وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين الصلاتين في منى في حجة الوداع ؛ لأنه كان نازلاً ، وإلا فلا شك أنه في سفر؛ لأنه يقصر الصلاة ... .
والقول الثاني : أنه يجوز الجمع للمسافر ، سواء كان نازلاً أم سائراً .
واستدلوا لذلك بما يلي :
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو نازل .
2. ظاهر حديث أبي جحيفة الثابت في الصحيحين : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلاً في الأبطح في حجة الوداع ، وأنه خرج ذات يوم وعليه حلة حمراء فأمَّ الناس فصلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين " قالوا : فظاهر هذا أنهما كانتا مجموعتين .
3. عموم حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم : " جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر " .
4. أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه : فجوازه للسفر من باب أولى .
5. أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها ، إما للعناء ، أو قلة الماء ، أو غير ذلك .
والصحيح : أن الجمع للمسافر جائز ، لكنه في حق السائر مستحب ، وفي حق النازل جائز غير مستحب ، إن جمع فلا بأس ، وإن ترك فهو أفضل .
" الشرح الممتع " ( 4 / 387 - 390 ) .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 50312 ) .(4/29)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===========
هل يقصر الصلاة قبل الخروج من البلد
…سؤال رقم 2295
…سؤال:
السؤال :
رجل خرج من بيته مسافراً وأدركته صلاة العصر قبل أن يخرج من البنيان أو المنطقة التي هو فيها ، هل يقصر أم يتم الصلاة ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
إذا أدركت المسافر الصلاة وهو في بلده فإن صلاها في بلده فإنه لا يقصر لأنه لم يخرج ، وإن خرج وفي أثناء الطريق صلاها فإنه يصليها ركعتين وإن كان قد أذّن وهو في البلد ، يعني العبرة بفعل الصلاة ، كما أنه لو دخل عليك الوقت وأنت في السفر ووصلت بلدك قبل أن تصلي ، فإنك تصليها أربعاً ، إذاً القاعدة أن الاعتبار بأداء الصلاة ، إن أديتها في سفر فاقصر ، وإن أديتها في الحضر فأتم .
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /148
===========
أحكام ومسائل في الصلاة على الكرسي
…سؤال رقم 50684
…سؤال:
في صلاة التراويح يحتاج بعض المصلين للكرسي وقد علمنا أنه يضع أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة الصف هذا إذا كان جالسا على الكرسي طوال الصلاة ، لكن السؤال : كيف يكون اصطفافه في الحالات التالية :
1. يجلس على الكرسي أثناء الوقوف فقط ؟
2. يجلس على الكرسي أثناء الركوع أو السجود أو التشهد ؟
3. يجلس على الكرسي في أجزاء متفرقة من الصلاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
القيام والركوع والسجود من أركان الصلاة ، فمن استطاع فعلها وجب عليه فعلها على هيئتها الشرعية ، ومن عجز عنها لمرضٍ أو كبر سنٍّ فله أن يجلس على الأرض أو على كرسي .
قال تعالى : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) البقرة/238 .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال : ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) . رواه البخاري ( 1066 ) .
قال ابن قدامة المقدسي :
أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالساً .
" المغني " ( 1 / 443 ) .
وقال النووي :
أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ولا إعادة عليه ، قال أصحابنا : ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام ؛ لأنه معذور ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا ) .
" المجموع " ( 4 / 226 ) .
وقال الشوكاني :
وحديث عمران يدل على أنه يجوز لمن حصل له عذر لا يستطيع معه القيام أن يصلي قاعداً ولمن حصل له عذر لا يستطيع معه القعود أن يصلي على جنبه .
" نيل الأوطار " ( 3 / 243 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا كَالْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ " انتهى من مجموع الفتاوى (8/437) .
وبناءً على ذلك : فإن من صلى الفريضة جالساً وهو قادر على القيام فصلاته باطلة .
ثانياً :
ومما ينبغي التنبه له : أنه إذا كان معذوراً في ترك القيام فلا يبيح له عذره هذا الجلوس على الكرسي لركوعه وسجوده .
وإذا كان معذوراً في ترك الركوع والسجود على هيئتهما فلا يبيح له عذره هذا عدم القيام والجلوس على الكرسي .
فالقاعدة في واجبات الصلاة : أن ما استطاع المصلي فعله ، وجب عليه فعله ، وما عجز عن فعله سقط عنه .
فمن كان عاجزاً عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي أثناء القيام ، ويأتي بالركوع والسجود على هيئتهما ، فإن استطاع القيام وشقَّ عليه الركوع والسجود : فيصلي قائماً ثم يجلس على الكرسي عند الركوع والسجود ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه .
انظر السؤال : (9307) ، (36738) .
قال ابن قدامة المقدسي :
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود : لم يسقط عنه القيام ، ويصلي قائماً فيومئ بالركوع ، ثم يجلس فيومئ بالسجود ، وبهذا قال الشافعي …
لقول الله تعالى : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صل قائماً ) ؛ ولأن القيام ركن لمن قدر عليه ، فلزمه الإتيان به كالقراءة ، والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه كما لو عجز عن القراءة . انتهى من "المغني" (1/444) باختصار .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
الواجب على من صلى جالسا على الأرض ، أو على الكرسي ، أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه ، والسنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع ، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع ، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : الجبهة - وأشار إلى أنفه - واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين ) .(4/30)
ومن عجز عن ذلك وصلي على الكرسي فلا حرج في ذلك ، لقول الله سبحانه : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) متفق على صحته .
" فتاوى ابن باز " ( 12 / 245 ، 246 ) .
ثالثاً :
وأما وضع الكرسي في الصف فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن العبرة فيمن صلى جالساً مساواة الصف بمقعدته ، فلا يتقدم أو يتأخر عن الصف بها ، لأنها الموضع الذي يستقر عليه البدن .
وانظر : "أسنى المطالب" (1/222) ، "تحفة المحتاج" (2/157) ، "شرح منتهى الإرادات" (1/279) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (6/21) :
" يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الاقْتِدَاءِ (أي اقتداء المأموم بالإمام) أَلا يَتَقَدَّمَ الْمُقْتَدِي إمَامَهُ فِي الْمَوْقِفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ( الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ) . . .
وَالاعْتِبَارُ فِي التَّقَدُّمِ وَعَدَمِهِ لِلْقَائِمِ بِالْعَقِبِ , وَهُوَ مُؤْخِرُ الْقَدَمِ لا الْكَعْبِ , فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لِطُولِ قَدَمِهِ لَمْ يَضُرَّ . . . . . وَالْعِبْرَةُ فِي التَّقَدُّمِ بِالأَلْيَةِ لِلْقَاعِدِينَ , وَبِالْجَنْبِ لِلْمُضْطَجِعِينَ " انتهى .
فإن كان المصلي سيجلس على الكرسي من أول الصلاة إلى آخرها فإنه يحاذي الصف بموضع جلوسه .
فإن كان سيصلي قائماً ، غير أنه سيجلس على الكرسي في موضع الركوع والسجود ، فقد سألنا فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك عن هذا فأفاد بأن العبرة بالقيام . فيحاذي الصف عند قيامه .
وعلى هذا سيكون الكرسي خلف الصف ، فينبغي أن يكون في موضع بحيث لا يتأذى به من خلفه من المصلين .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
لا يجوز مخالفة أهل البلد في الصيام والعيد
…سؤال رقم 12660
…سؤال:
يوجد في بلدتنا مجموعة من الإخوة الملتزمين ولكن يخالفوننا في بعض الأمور، منها مثلاً صيام رمضان فإنهم لا يصومون حتى يروا الهلال بالعين المجردة ، وبعض الأوقات نصوم قبلهم بيوم أو اثنين في شهر رمضان ، ويفطرون بعد عيد الفطر بيوم أو يومين وكل ما نسألهم عن صيام يوم العيد يقولون نحن لانفطر ولا نصوم حتى نرى الهلال بالعين المجردة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته » ، ولكن لا يعترفون بثبوت الرؤية بالأجهزة كما تعلمون،علماً أنهم يخالفوننا صلاة العيدين في وقتهم ، ولا يصلون إلا بعد العيد على حسب رؤيتهم ،وهكذا في عيد الأضحى يخالفوننا في ذبح أضحية العيد وفي وقفة عرفات، ويُعيدون بعد عيد الأضحى بيومين أي لا ينحرون الأضحية إلا بعدما ينحر المسلمون كلهم ، فهل ما يفعلونه صحيح وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
يجب عليهم أن يصوموا مع الناس ويفطروا مع الناس ويصلوا العيدين مع المسلمين في بلادهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة » متفق عليه ، والمراد الأمر بالصوم والفطر إذا ثبتت الرؤية بالعين المجردة أو بالوسائل التي تعين العين على الرؤية لقوله صلى الله عليه وسلم : " الصوم يوم تصومون والإفطار يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون " أخرجه أبو داوود (2324) والترمذي (697) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 561 )
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10/94
==============
هل يتبع في صيامه وإفطاره رؤية أهل بلده ؟
…سؤال رقم 66219
…سؤال:
لقد تأخرت رؤية الهلال في بلدي بيومين ، وهناك مجموعة تأخذ بعموم الرؤية وتصوم مع السعودية وبلدان مجاورة أخرى ، فقمت بتقليد هذه الجماعة هذه السنَة فصمت قبل بلدي بيوم ، فهل عليَّ القضاء - مع العلم أن الرؤية ثبتت بعد ذلك هنا - ؟ وهل عليَّ أن أفطر مع بلدي أو بعموم الرؤية ؟.
الجواب:
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (12660) أن المسلم إذا كان في دولة إسلامية تعتمد على رؤية الهلال في إثبات دخول الشهر وخروجه ، فالواجب عليه متابعة ذلك البلد ، ولا يجوز له مخالفتها لا في الصيام ولا في الإفطار .
لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ ) رواه أبو داود (2324) والترمذي (697) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقد اختلف الأئمة فيما لو ظهر الهلال في بلد ، هل يلزم جميع المسلمين الصوم ؟ أو يلزم البلاد القريبة دون البعيدة ؟ أو يلزم من اتفقت مطالعهم دون من اختلفت مطالعهم ؟ على أقوال .
فعلى المسلم أن يتبع علماء بلده فيما يرجحونه من هذه الأقوال حسب ما يظهر لهم من الأدلة ، ولا ينفرد بالصيام ولا الإفطار .
وقد ذكرنا نص كلام هيئة كبار العلماء في هذه المسألة في جواب السؤال رقم ( 50487 ) وفيه قولهم :(4/31)
" فإن أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء يرون بقاء الأمر على ما كان عليه ، وعدم إثارة هذا الموضوع ، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة ، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته " انتهى .
ولينظر الكلام بطوله فإنه مهم .
فعلى هذا ؛ عليك بموافقة بلدك التي تعتمد على الرؤية في إثبات دخول الشهر وخروجه ، في الصيام والإفطار ، وإذا فعلت ذلك فقد أحسنت ولا قضاء عليك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
هل له أن يفطر تبعا للسعودية ، وأهل بلده صائمون
…سؤال رقم 67895
…سؤال:
عندنا في بلدنا أكملنا رمضان ثلاثين يوما ، أما السعودية فصاموا تسعة وعشرين يوما وفوجئت بصديق لي في يوم الثلاثين أنه أفطر وقال لي : إنه يحرم صيام هذا اليوم لأن الهلال قد ظهر بالمملكة .
السؤال : ما حكم ما فعله صاحبي ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان المسلم موجوداً في بلد يعتبر الرؤية الشرعية لإثبات دخول الشهر وخروجه ، فإنه مأمور بموافقتهم في الصيام والإفطار ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12660).
أما إذا كان المسلم في بلد كافر ، أو في بلد يتلاعبون بدخول الشهر وخروجه حسب أهوائهم ، غير مراعين في ذلك الرؤية الشرعية ، فلا حرج عليه في اتباع من يثق في رؤيتهم وتمسكهم بالأحكام الشرعية .
وانظر جواب السؤال رقم (50522) ففيه بيان ذلك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
هل يصح الاعتماد على الإمساكيات الرمضانية ؟
…سؤال رقم 66891
…سؤال:
نحن في محافظة القنفذة ، ومن زمن طويل نعتمد تقويم " أم القرى " في الإمساك والإفطار ومواقيت الصلاة ، وبنفس مواقيت مكة المكرمة ، ولكن منذ عام أو أكثر وزَّع الإخوة في المكتب التعاوني تقويماً خاصّاً بمحافظة القنفذة ويوجد به فارق في التوقيت في حدود عشر دقائق تقل أحياناً وتزيد أخرى ، والمشكلة أن الناس الآن انقسموا إلى قسمين : بعض القرى تمسك على توقيت مكة المكرمة ، والبعض الآخر يمسك على هذا التقويم الجديد الخاص بالمحافظة ، والآن مشلكتنا في الصيام هل من يمسك على تقويم مكة المكرمة الذي يتأخر عن توقيت القنفذة بعشر دقائق يعتبر صيامه غير صحيح لأنه في هذه الحالة يعتبر أمسك بعد الأذان في حال كون التوقيت الجديد الخاص بالمحافظة صحيحاً ؟
نأمل بحث المسألة بجدية لأن الناس في جدل واختلاف .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز الاعتماد على الإمساكيات المنتشرة بين الناس إلا وفق شرطين :
أولها : أن تكون الجهة المصدرة لها من أهل العلم والخبرة .
وثانيها : أن تكون الإمساكية خاصة بالبلدة التي تصدرها الجهة لها ، ولا يجوز لأحدٍ يعيش بعيداً عن تلك البلدة اعتماد إمساكيتها لما يوجد من فروق في التوقيت بينهما .
ومن كان لا يتوفر عنده تقويم أو إمساكية ليعتمد عليها في إمساكه وإفطاره ، فيمكنه التحقق بنفسه من طلوع الفجر الصادق وغروب الشمس عن طريق المشاهدة , أو يقلد مؤذناً أميناً عارفاً بالأوقات .
فإذا عُرف أن المؤذن لا يؤذن إلا مع طلوع الفجر الصادق ، فالواجب الإمساك بمجرد سماع أذانه ، وإذا عُرف عنه أنه يؤذن بعد غروب الشمس فقد حلَّ للصائم أن يفطر ، ولا عبرة بأذان من يؤذن قبل الفجر أو بعد غروب الشمس بمدة احتياطاً .
ثانياًً :
سبق في جواب السؤال رقم : ( 8048 ) عن الشيخ عبد الرحمن البراك :
" وقد صار التقويم هو الوسيلة للناس في معرفة مواقيت الصلاة بالساعة والدقيقة ، فينبغي العناية بذلك " .
لكن هذا لا يعني عدم وجود أخطاء في هذه التقاويم ، فقد سبق في جواب السؤال رقم : ( 26763 ) عن الشيخ الألباني بيان خطأ بعض التقاويم في الفجر خاصة ، وكان ذلك بتحريه هو رحمه الله .
ومن المعلوم أن " تقويم أم القرى " يحظى بمصداقية عالية ، فقد أكد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - في إحدى خطب الجمعة - " أن التوقيت الخاص بأم القرى توقيت دقيق وشرعي وموثق ، ولا يمكن التشكيك فيه " .
وقال :
" لقد وثَّق علماء الأمة هذا التوقيت ، وجُرِّب وطُبِّق وثبت أنه طبقاً للتوقيت الشرعي ، وأن فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله أصدر بياناً في عام 1418هـ وثق فيه توقيت أم القرى " انتهى .
وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يوجد فرق يسير فقط في الفجر بمقدار خمس دقائق ، انظر جواب السؤال رقم ( 66202 ) .
ثالثاً :
بخصوص مدينة " القنفذة " فإنها تقع على ساحل البحر الأحمر في موقع متوسط بين مكة وجدة شمالا وجازان جنوباً ، وتقع على مسافة 380 كم جنوب مكة وجدة ، وتقع عند تقاطع خط طول 41.5 درجة شرقا بدائرة عرض 19.8 درجة شمالاً .
وأما مكة فتقع على خط العرض : 21:27 شمالاً ، وخط الطول : 39:49 شرقاً .
وبالتأمل في أوقات الصلوات حسب تقويم " أم القرى " رأينا فرقاً في التوقيت يتناسب مع بعد المسافة بين مكة والقنفذة فلا يصح اعتماد أهل القنفذة على توقيت مكة وأذانها .(4/32)
ففي هذا اليوم - 30 رجب 1426 هـ - مثلاً - كانت نتائج الصلوات كالتالي :
البلدة الفجر الشروق الظهر العصر المغرب العشاء
مكة 4,44 6,04 12,19 3,44 6,34 8,04
القنفذة 4,34 6,01 12,15 3,37 6,28 7,58
وبه يتبين صحة ما وزعه عليكم الإخوة في المكتب التعاوني من تقويم يختص بمنطقتكم ، والفروقات التي ذكرتم أنها موجودة هي صحيحة بالفعل ، فعليكم مراعاة هذا ، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم ويهديكم لما فيه رضاه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
هل تُشترط مدة معينة لبقاء الهلال المولود في السماء
…سؤال رقم 1456
…سؤال:
السؤال :
ما هي الطريقة التي يثبت بها أول كل شهر قمري ، وهل تشترط مدة معينة لبقاء القمر المولود في الأفق ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن الهلال متى رآه ثقة بعد غروب الشمس في ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان فإن الرؤية تكون معتبرة ، ويعرف بها أول الشهر من غير حاجة إلى اعتبار المدة التي يمكثها القمر بعد غروب الشمس ، سواء كانت عشرين دقيقة أم أقل أو أكثر ، لأنه ليس هناك في الأحاديث الصحيحة ما يدل على التحديد بدقائق معينة لغروب القمر بعد غروب الشمس . والله أعلم .
فتاوى اللجنة الدائمة 10/91
===========
هل يشترط أن يرى هلال رمضان كل واحد من المسلمين
…سؤال رقم 1584
…سؤال:
السؤال : ما حكم الذي لا يصوم في أول رؤية هلال رمضان إذا رؤي حتى يرى بنفسه ويستدل بالحديث القائل : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وهل صحيح استدلالهم بهذا الحديث ؟
الجواب:
الحمد لله
الحمد لله ، الواجب الصيام إذا ثبتت رؤية الهلال ولو بواحد عدل من المسلمين ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصيام عندما شهد الأعرابي برؤيته للهلال وأما الاستدلال بحديث ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) على أن كل فرد لا يصوم إلا برؤيته بنفسه فغير صحيح ، لأن الحديث خطاب عام بالصيام عند تحقق الرؤية ولو من واحد عدل من المسلمين . فتاوى اللجنة الدائمة 10/94 ، ومن الأدلّة الدالة أيضا على أنّ رؤية الواحد العدل الثقة من المسلمين للهلال كافية لوجوب الصيام على جميع المسلمين حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال : تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ . رواه أبو داود في سننه : كتاب الصوم : باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان . وبعض أهل البدع يتأخّرون عن سائر المسلمين بالصّوم لأجل اعتقادهم الضّال بأنه لا صيام على الإنسان حتى يراه بنفسه والأحاديث تردّ عليهم ثم نسألهم ماذا يفعل الأعمى وضعيف البصر إذن ؟ والأمر كما قال الله تعالى : ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46) سورة الحج ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
هل يشكّل المسلمون في بلاد الغرب لجنة لتحري رؤية الهلال
…سؤال رقم 2511
…سؤال:
هل يجوز للمسلمين الذين يقيمون في بلد ليس بإسلامية أن يشكلوا لجنة تقوم بإثبات هلال رمضان وشوال وذي الحجة أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
المسلمون الموجودون في بلد غير إسلامية يجوز لهم أن يشكلوا لجنة من المسلمين تتولى إثبات هلال رمضان وشوال وذي الحجة .
فتاوى اللجنة الدائمة 10/112
============
هل يتبعون المجلس الأوروبي ولو أخذ بالحساب الفلكي؟
…سؤال رقم 37667
…سؤال:
نحن إدارة مركز إسلاميّ في بريطانيا نريد أن نحدّد موعد بدء شهر رمضان ونهايته للمصلّين في مركزنا ، وقد وضعنا نصب أعيننا محاولة جمع كلمة المسلمين بحيث نبذل ما يمكن لتوحيد رأيهم في هذا الموضوع، وقد يرى بعضهم الرؤية والآخر الحساب. وللمجلس الأوروبي للإفتاء رأي في الموضوع ، مع العلم أنّه الجهة التي تتولّى إصدار الفتاوى للمسلمين في أوروبا .
سؤالنا :
هل نتبع المجلس الأوروبي للإفتاء ولو أخذ بالحساب ، أم نبقى على ما اعتمدناه من محاولة وحدة الكلمة بين المساجد في مدينتا ولو خالف رأي المجلس ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز العمل بالحساب الفلكي في إثبات دخول شهر رمضان أو خروجه ، والواجب هو العمل برؤية الهلال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ) رواه البخاري (1909) ومسلم (1081) . راجع سؤال (1602) .
وقد أجمع المسلمون على عدم جواز العمل بالحساب الفلكي بدلاً من رؤية الهلال إذا كانت السماء صحواً ، أما إن كان في السماء غيمٌ فقد شَذَّ بعض العلماء وأجاز العمل بالحساب الفلكي في حق الحاسب فقط .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(4/33)
فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يُرَى أو لا يُرَى لا يجوز ، والنصوص المستفيضة عن النبي بذلك كثيرة ، وقد أجمع المسلمون عليه ، ولا يُعرف فيه خلافٌ قديمٌ أصلاً ، ولا خلافٌ حديثٌ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غُمًّ الهلالُ جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب ، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا .
وهذا القول وإن كان مقيدا بالإغمام ، ومختصا بالحاسب ، فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه ، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم اهـ
مجموع الفتاوى (25/132) .
وبناء على هذا لا يجوز لكم اتباع المجلس المذكور إذا كان يعتمد على الحساب الفلكي وليس على رؤية الهلال .
وعليكم العمل برؤية الهلال كما هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أجمع المسلمون .
وفقكم الله لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
صعوبة تحري الهلال في البلدان الصناعية
…سؤال رقم 37743
…سؤال:
يعتقد الناس هنا بأنه من الصعب تحري الهلال بسبب كثرة الصناعة والدخان والأبنية ، فما رأيكم في هذا ؟ ما هو حجم الهلال في أول ظهوره ؟ .
الجواب:
الحمد لله
ليس من الصعب رؤية الهلال عند ظهوره ، وإذا لم يتيسر رؤيته في بعض الأمكنة بسبب كثرة الدخان فإنه لن يكون صعباً أن يُشاهَد في أمكنة أخرى أكثر وضوحاً .
والدخان والأبنية مهما بلغت من العلو فلن تكون مثل الغيم والسحاب في تغطية الهلال ، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا غم علينا ولم نره فعلينا أن نكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً .
فإما أن يُرى الهلال من خلال الدخان والأبنية : فيصام لمشاهدته .
وإما أن يراه من كان في مكانٍ آخر أكثر وضوحاً : فيصام لمشاهدته .
وإما أن يُغم علينا ولا نراه : فنكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً .
وأما حجم الهلال في أول ظهوره فإنه يكون صغيراً جدّاً لا يراه إلا من كان قوي البصر .
والله أعلم
وانظر للمزيد أجوبة الأسئلة : ( 1226 ) و ( 1248 ) و ( 1602 ) .
الإسلام سؤال وجواب
===========
متى ينوي الصوم وماذا لو علم في النهار بدخول رمضان ؟
…سؤال رقم 26863
…سؤال:
هل نية صوم رمضان تجب ليلاً أو نهاراً كما إذا قيل لك في وقت الضحى إن هذا اليوم من رمضان تقضيه أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجب تبييت نية صوم شهر رمضان ليلاً قبل الفجر ، ولا يجزئ صومه من النهار بدون نية ، فمن علم وقت الضحى أن هذا اليوم من رمضان فنوى الصوم وجب عليه الإمساك إلى الغروب ، وعليه القضاء ؛ لما رواه ابن عمر عن حفصة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان وصححاه مرفوعاً .
هذا في الفرض ، أما في النفل فتجوز نية صومه نهاراً إذا لم يكن أكل أو شرب أو جامع بعد الفجر ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه دخل عليها ذات يوم ضحى فقال : ( هل عندكم شيء؟ ) فقالت : لا ، فقال : ( إني إذاً صائم ) خرجه مسلم في صحيحه .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 244
==============
يجوز الاستعانة بآلات الرصد لرؤية الهلال وليس بالحسابات
…سؤال رقم 1245
…سؤال:
إنه من غير الممكن رؤية الهلال بالعين المجردة قبل أن يصبح عمره ثلاثين ساعة ، وبالإضافة إلى ذلك فإنه من غير الممكن أحيانا رؤيته بسبب حالة الجو ، فهل يجوز بناء على ذلك اللجوء إلى استعمال المعلومات الفلكية في حساب الموعد المحتمل لرؤية القمر الجديد وموعد بدء شهر رمضان ، أم يجب علينا رؤية القمر الجديد قبل بدئنا بصوم شهر رمضان المبارك ؟
الجواب:
الحمد لله(4/34)
تجوز الاستعانة بآلات الرصد في رؤية الهلال ولا يجوز الاعتماد على العلوم الفلكية في إثبات بدء شهر رمضان المبارك أو الفطر ، لأن الله لم يشرع لنا ذلك لا في كتابه ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإنما شرع لنا إثبات بدء شهر رمضان ونهايته برؤية هلال شهر رمضان في بدء الصوم ورؤية هلال شوال في الإفطار والاجتماع لصلاة عيد الفطر وجعل الأهلة مواقيت للناس وللحج ، فلا يجوز لمسلم أن يُوقّت بغيرها شيئاً من العبادات من صوم رمضان والأعياد وحج البيت والصوم في كفارة القتل خطأً وكفارة الظهار ونحوها ، قال تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) سورة البقرة /185 ، وقال تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) سورة البقرة /189 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) وعلى ذلك يجب على من لم يُر الهلال في مطلعهم في صحو أو غيم أن يتموا العدة ( عدة شعبان ) ثلاثين .. فتاوى اللجنة الدائمة 10/100 ، هذا ما لم تثبت رؤية الهلال في بلد آخر ، فإذا ثبتت رؤية الهلال في بلد آخر ثبوتا شرعيا وجب عليهم الصيام في قول جمهور أهل العلم . والله تعالى أعلم .
===========
هل مسألة اختلاف مطالع القمر معتبرة وموقف الجاليات الإسلامية
…سؤال رقم 1248
…سؤال:
نحن الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة وكندا يصادفنا في كل بداية لشهر رمضان مشكلة تسبب انقسام المسلمين إلى ثلاث فرق :
1- فرقة تصوم بتحري الهلال في البلدة التي يسكنون فيها .
2- فرقة تصوم مع بداية الصيام في السعودية .
3- فرقة تصوم عند وصول خبر من اتحاد الطلبة المسلمين في أمريكا وكندا الذي يتحرى الهلال في أماكن متعددة في أمريكا ، وفور رؤيته في إحدى البلاد يعمم على المراكز المختلفة برؤيته فيصوم مسلموا أميركا كلهم في يوم واحد على الرغم من المسافات الشاسعة التي بين المدن المختلفة .
فأي الجهات أولى بالاتباع والصيام برؤيتها وخبرها . أفتونا مأجوين أثابكم الله .
الجواب:
الحمد لله
أولاً : اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة حساً وعقلاً ، ولم يختلف فيها أحد من العلماء وإنما وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره .
ثانياً : مسألة اختلاف المطالع وعدم اعتباره من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال ، والاختلاف فيها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين وهو من الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المصيب أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة ، ويؤجر فيه المخطئ أجر الاجتهاد .
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين : فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع ، ومنهم من لم ير اعتباره واستدل كل فريق منهما بأدلة من الكتاب والسنة ، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد ، كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) سورة البقرة / 189 وبقوله صلى الله عليه وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) الحديث ، وذلك لاختلاف الفهم في النص وسلوك كل منهما طريقاً في الاستدلال به ..
ثالثاً : نظر مجلس الهيئة في مسألة ثبوت الأهلة بالحساب وما ورد في ذلك من أدلة في الكتاب والسنة واطلعوا على كلام أهل العلم في ذلك فقرروا بإجماع : عدم اعتبار حساب النجوم في ثبوت الأهلة في المسائل الشرعية لقول صلى الله عليه وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) الحديث ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه ) الحديث ، وما في معنى ذلك من الأدلة .
وترى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن اتحاد الطلبة المسلمين ( أو غيره ممن يمثّل الجالية الإسلامية ) في الدول التي حكوماتها غير اسلامية يقوم مقام حكومة اسلامية في مسألة إثبات الهلال بالنسبة لمن يعيش في تلك الدول من المسلمين .
وبناء على ما سبق ذكره يكون لهذا الاتحاد حق اختيار أحد القولين : إما اعتبار اختلاف المطالع وإما عدم اعتبار ذلك ، ثم يعمّم ما رآه على المسلمين في الدولة التي هو فيها ، وعليهم أن يلتزموا بما رآه وعمّمه عليهم ، توحيداً للكلمة ولبدء الصيام وخروجاً من الخلاف والاضطراب وعلى كل من يعيش في تلك الدول أن يتراءوا الهلال في البلاد التي يقومون فيها ، فإذا رآه ثقة منهم أو أكثر صاموا بذلك وبلغوا الاتحاد ليعمم ذلك ، وهذا في دخول الشهر ، أما في خروجه فلا بد من شهادة عدلين برؤية هلال شوال أو إكمال رمضان ثلاثين يوماً ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً ) والله أعلم .
فتاوى اللجنة الدائمة 10/109
===========
الصوم في البلاد ذات النهار القصير جدا أو الطويل جدا
…سؤال رقم 1730
…سؤال:
السؤال :(4/35)
في بعض جهات الدول الاسكندنافية يكون النهار أطول من الليل بكثير على مدار السنة ، حيث يكون الليل ثلاث ساعات فقط ، في حين يكون النهار واحداً وعشرين ساعة ، فإذا صادف أن قدم شهر رمضان في الشتاء فإن المسلمين فيها يصومون مدة ثلاث ساعات فقط ، وأما إذا كان شهر رمضان في فصل الصيف فإنهم يتركون الصوم لعدم قدرتهم عليه نظراً لطول النهار ، فنرجوا تحديد مواعيد الإفطار والسحور ، والمدة التي يصام فيها شهر رمضان ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
شريعة الإسلام كاملة وشاملة ، قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) سورة المائدة /3 وقال تعالى : ( قل أي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) سورة الانعام /19 وقال تعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ) سورة سبأ /28 ، وقد خاطب الله المؤمنين بفرض الصيام فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) سورة البقرة /183 وبيّن ابتداء الصيام وانتهاءه فقال تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) سورة البقرة /187 ولم يخصص هذا الحكم ببلد ولا بنوع من الناس ، بل شرعه شرعاً عاماً ، وهؤلاء المسئول عنهم داخلون في هذا العموم ، والله جل وعلا لطيف بعباده شرع لهم من طرق اليسر والسهولة ما يساعدهم على فعل ما وجب عليهم ، فشرع للمسافر والمريض - مثلاً - الفطر في رمضان لدفع المشقة عنهما ، قال تعالى : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العسر ) سورة البقرة /185 . فمن شهد رمضان من المكلّفين وجب عليه أن يصوم ، سواء طال النهار أو قصر ، فإن عجز عن إتمام صيام يوم وخاف على نفسه الموت أو المرض جاز له أن يفطر بما يسدّ رمقه ويدفع عنه الضرر ، ثم يمسك بقية يومه وعليه قضاء ما أفطره في أيام أخر يتمكن فيها من الصيام . والله أعلم
فتاوى اللجنة الدائمة 10/114
==============
مغتربون ولا يعرفون الفقراء جيدا ، فهل يخرجون زكاة الفطر في بلد آخر
…سؤال رقم 66293
…سؤال:
نحن السعوديون في أوروبا لا نعرف الفقراء جيدا ووجدنا شخصاً ثقة - إن شاء الله - ولكنه يقول أعطوني المال وسوف أشتري ببعضه أرزاً وأدفعه للفقراء وأعطي بعضه نقداً لهم واحتج بأن عددنا يفوق 500 شخص ويصعب عليه شراء كميات كبيرة لصعوبة حملها ولأن الفقراء قد لا يرغبون إلا في النقد لأنهم يستفيدون منه أكثر من الأرز فهل نعطيه أم نوكل إخواننا في السعودية ليخرجوها عنا ؟.
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء (منهم مالك والشافعي وأحمد) إلى أنه لا يجوز دفع زكاة الفطر قيمة ، بل الواجب أن تخرج طعاما كما فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري (1504) ومسلم (984) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : يقول كثير من الفقراء الآن إنهم يفضلون زكاة الفطر نقوداً بدلاً من الطعام ؛ لأنه أنفع لهم ، فهل يجوز دفع زكاة الفطر نقوداً ؟
فأجاب :
" الذي نرى أنه لا يجوز أن تدفع زكاة الفطر نقوداً بأي حال من الأحوال ، بل تدفع طعاماً ، والفقير إذا شاء باع هذا الطعام وانتفع بثمنه ، أما المزكي فلابد أن يدفعها من الطعام ، ولا فرق بين أن يكون من الأصناف التي كانت على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من طعام وجد حديثاً ، فالأرز في وقتنا الحاضر قد يكون أنفع من البر؛ لأن الأرز لا يحتاج إلى تعب وعناء في طحنه وعجنه وما أشبه ذلك ، والمقصود نفع الفقراء ، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: ( كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام ، وكان طعامنا يومئذ التمر ، والشعير ، والزبيب ، والأقط ) فإذا أخرجها الإنسان من الطعام فينبغي أن يختار الطعام الذي يكون أنفع للفقراء ، وهذا يختلف في كل وقت بحسبه .
وأما إخراجها من النقود أو الثياب ، أو الفرش ، أو الآليات فإن ذلك لا يجزئ ، ولا تبرأ به الذمة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)" انتهى . مجموع فتاوى ابن عثيمين (18 / سؤال 191) .
وعلى هذا فإن كان هذا الشخص ثقة فإنكم تشترطون عليه أن يخرجها كلها طعاما ، فإن لم يقبل فإنكم تخرجون منها ما تستطيعون في فقراء البلد الذي تقيمون فيه ، ثم لا حرج عليكم في نقل باقي الزكاة إلى بلد آخر ، ولا يشترط أن يكون إلى بلدكم الأصلي ، بل كلما نقلت إلى بلد أهله أكثر حاجة وفقراً ، أو إلى أقاربكم كان أولى .(4/36)
وقد سبق في جواب السؤال (43146) أنه لا بأس بنقل الزكاة إلى بلد آخر للحاجة ، كما لو نقلت إلى بلد فيه أقارب المزكي ، أو بلد أهله أشد حاجة .
سئل الشيخ ابن عثيمين : هل يزكي المغترب عن أهله زكاة الفطر ، علماً بأنهم يزكون عن أنفسهم ؟
فأجاب : زكاة الفطر وهي صاع من طعام ، من الرز ، أو البر ، أو التمر ، أو غيرها مما يطعمه الناس يخاطب بها كل إنسان بنفسه ، كغيرها من الواجبات ، لقول ابن عمر رضي الله عنهما : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الحر والعبد ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ) ، فإذا كان أهل البيت يخرجونها عن أنفسهم فإنه لا يلزم الرجل الذي تغرب عن أهله أن يخرجها عنهم ، لكن يخرج عن نفسه فقط في مكان غربته إن كان فيه مستحق للصدقة من المسلمين ، وإن لم يكن فيه مستحق للصدقة وكّل أهله في إخراجها عنه ببلده ، والله الموفق " انتهى . مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/سؤال 771)
وسئل أيضاً : ما حكم نقل زكاة الفطر إلى البلدان البعيدة بحجة وجود الفقراء الكثيرين ؟
فأجاب :
" نقل صدقة الفطر إلى بلاد غير بلاد الرجل الذي أخرجها إن كان لحاجة بأن لم يكن عنده أحد من الفقراء فلا بأس به ، وإن كان لغير حاجة بأن وجد في البلد من يتقبلها فإنه لا يجوز " انتهى . مجموع فتاوى ابن عثيمين (18 / سؤال 102)
وهذه فتوى جامعة لعلماء اللجنة الدائمة تجمع هذه المسائل وزيادة :
" مقدار زكاة الفطر صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط أو طعام ، ووقتها ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد ، ويجوز تقديمها يومين أو ثلاثة ، وتعطى فقراء المسلمين في بلد مخرجها ، ويجوز نقلها إلى فقراء بلد أخرى أهلها أشد حاجة ، ويجوز لإمام المسجد ونحوه من ذوي الأمانة أن يجمعها ويوزعها على الفقراء ؛ على أن تصل إلى مستحقيها قبل صلاة العيد ، وليس قدرها تابعاً للتضخم المالي ، بل حدَّها الشرع بصاع ، ومن ليس لديه إلا قوت يوم العيد لنفسه ومن يجب عليه نفقته : تسقط عنه ، ولا يجوز وضعها في بناء مسجد أو مشاريع خيرية . " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 9 / 369 ، 370 ) .
وقد سبق ذكر فتاوى أهل العلم في وجوب زكاة الفطر ، وفي مقدارها ، وفي عدم جواز إخراجها نقوداً ، وفي جواز نقلها لبلدٍ آخر أكثر حاجة في الأجوبة التالية : ( 22888 ) و ( 27016 ) و ( 7175 ) و ( 12938 ) .
الإسلام سؤال وجواب
============
حاضت أثناء الحج ولا تستطيع البقاء
…سؤال رقم 14217
…سؤال:
امرأة قدمت للحج فحاضت بعدما أحرمت بالحج ومحرمها مضطر إلى السفر فورا ، وليس لها أحد بمكة فما الحكم ؟.
الجواب:
الحمد لله
تسافر معه وتبقى على إحرامها ، ثم ترجع إذا طهرت وهذا إذا كانت في بلاد الحرمين لأن الرجوع سهل ولا يحتاج إلى تعب ولا إلى جواز سفر ونحوه ، أما إذا كانت أجنبية ويشق عليها الرجوع فإنها تتحفظ ( أي تشد على فرجها خرقة حتى لا يسيل الدم فيلوث المسجد ) وتطوف وتسعى وتقصر وتنهي عمرتها في نفس السفر لأن طوافها حينئذ صار ضرورة والضرورة تبيح المحظور.
وأما طواف الوداع فلا يلزمك ؛ لأن الحائض لا يلزمها طواف الوداع لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- : " أمر الناس أن يكون عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض " .
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -لما أخبر أن صفية طافت طواف الإفاضة قال : " فلتنفر إذا " ودل هذا أن طواف الوداع يسقط عن الحائض أما طواف الإفاضة فلا بد لك منه
انظر فتوى الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله رسالة 60 سؤال في الحيض .
الإسلام سؤال وجواب
============
هل على أهل مكة طواف وداع إذا خرجوا منها بعد الحج؟
…سؤال رقم 41894
…سؤال:
خادمة عملت في مكة خمس سنوات وتريد الحج وبعد الحج ترغب في السفر إلى بلدها خروجاً نهائيّاً ، هل عليها طواف وداع ؟.
الجواب:
الحمد لله
أهل مكة ليس عليهم أن يطوفوا للوداع ؛ لأن الطواف وجب توديعا للبيت ، وهذا المعنى لا يوجد في أهل مكة لأنها وطنهم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، في بيانه أن طواف الوداع ليس من أركان الحج التي لا بد منها :
" ولهذا لم يكن على أهل مكة طواف قدوم ، ولا طواف وداع ؛ لانتفاء معنى ذلك في حقهم ، فإنهم ليسوا بقادمين إليها ولا مودعين لها ما داموا فيها " مجموع الفتاوى " ( 26 / 261 )
و قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " ليس على أهل مكة طواف وداع " اهـ . الفتاوى 17/393 "
وهذا الأمر يشمل كل من كان داخل حدود الحرم . وقال ابن قدامة :
" ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي , لا وداع عليه " اهـ. المغني " ( 3 / 237 )
لكن إذا أراد شخص من أهل مكة أن يسافر منها بعد أداء المناسك فإنه يلزمه طواف الوداع قبل الخروج من مكة .
قال النووي رحمه الله : " قال أصحابنا : من فرغ من مناسكه ، وأراد المقام بمكة ، ليس عليه طواف الوداع ، وهذا لا خلاف فيه ، سواء كان من أهلها ، أو غريبا ، وإن أراد الخروج من مكة إلى وطنه أو غيره طاف للوداع " المجموع 8/254 " .(4/37)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا كان الرجل من أهل مكة ، وحج وسافر بعد الحج ، فليطف للوداع ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت ) مسلم 1327 ، وهذا عام ، فنقول لهذا المكي : ما دمت سافرت في أيام الحج ، وقد حججت ، فلا تسافر حتى تطوف . " اهـ . الفتاوى 23/339 " .
وعلى هذا فيلزم السائلة أن تطوف للوداع إذا أرادت السفر بعد أدائها المناسك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
تأخير الحج بدون عذر
…سؤال رقم 26714
…سؤال:
ما حكم من أخر الحج بدون عذر وهو قادر عليه ومستطيع ؟
الجواب:
الحمد لله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخره لغير عذر، فقد أتى منكراً عظيماً ومعصية كبيرة ، فالواجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بالحج ؛ لقول الله سبحانه :( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن غني عن العالمين) آل عمران/97
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس : شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" متفق على صحته (خ/ 8 ، م/ 16 )
ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عليه السلام عن الإسلام ، قال :" أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " أخرجه مسلم في صحيحه (8) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
والله ولي التوفيق . ا.هـ .
من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبدالعزيز بن باز رحمه الله ( 16 /359 )
===============
مات ولم يحج تفريطا فهل يحج عنه؟
…سؤال رقم 41663
…سؤال:
من مات ولم يحج وهو في الأربعين ، وكان مقتدراً على الحج مع أنه محافظ على الصلوات الخمس ، وكان في كل سنة يقول : سوف أحج هذه السنة ، ومات وله ورثة هل يحج عنه ؟ وهل عليه شيء ؟.
الجواب:
الحمد لله
" اختلف العلماء في هذا ، فمنهم من قال : إنه يحج عنه وأن ذلك ينفعه ، ويكون كمن حج لنفسه ، ومنهم من قال : لا يحج عنه ، وأنه لو حج عنه ألف مرة لم تقبل . يعني لم تبرأ بها ذمته ، وهذا القول هو الحق ، لأن هذا الرجل ترك عبادة واجبة عليه مفروضة على الفور بدون عذر ، فكيف يذهب عنها ، ثم نلزمه إياها بعد الموت ، ثم التركة الآن تعلق بها حق الورثة ، كيف نحرمهم من ثمن هذه الحجة وهي لا تجزئ عن صاحبها ، وهذا هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" ، وبه أقول : إن من ترك الحج تهاوناً مع قدرته عليه لا يجزئ عنه الحج أبداً ، لو حج عنه الناس ألف مرة ، أما الزكاة فمن العلماء من قال : إذا مات وأديت الزكاة عنه برأت الذمة ، ولكن القاعدة التي ذكرتها تقتضي ألا تبرأ ذمته من الزكاة ، لكني أرى أن تخرج الزكاة من التركة ، لأنه تعلق بها حق الفقراء والمستحقين للزكاة ، بخلاف الحج ، فلا يؤخذ من التركة ، لأنه لا يتعلق به حق إنسان ، والزكاة يتعلق بها حق الإنسان ، فتخرج الزكاة لمستحقيها ، ولكنها لا تجزئ عن صاحبها ، سوف يعذب بها عذاب من لم يزك ، نسأل الله العافية ، كذلك الصوم إذا علم أن هذا الرجل ترك الصيام وتهاون في قضائه ، فإنه لا يقضى عنه ، لأنه تهاون وترك هذه العبادة ، التي هي ركن من أركان الإسلام بدون عذر ، فلو قضي عنه لم ينفعه ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ) . فهذا فيمن لم يفرط ، وأما من ترك القضاء جهراً وجهاراً بدون عذر شرعي فما الفائدة أن نقضي عنه " انتهى .
"فتاوى ابن عثيمين" (21/226) .
============
هل يلزم الزوج أن يحج بزوجته؟
…سؤال رقم 41730
…سؤال:
زوجتي لم تحج الفريضة ، فهل يجب علي أن أذهب بها للحج ؟ وهل تلزمني نفقتها في الحج ؟.
الجواب:
الحمد لله
" إن كانت الزوجة قد اشترطت عليه في العقد أن يحج بها وجب عليه أن يفي بهذا الشرط ، وأن يحج بها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ ) ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) المائدة/1 . وقال : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) الإسراء/34 .
أما إذا لم تشترط عليه ذلك ، فإنه لا يلزمه أن يحج بها ، ولكني أشير عليه أن يحج بها لأمور :
أولاً : طلباً للأجر ، لأنه يكتب له من الأجر مثل ما كتب لها ، وهي قد أدت فريضة .
ثانياً : أن ذلك سبب للألفة بينهما ، وكل شيء يوجب الألفة بين الزوجين فإنه مأمور به .
ثالثا : أن يمدح ويثني عليه بهذا العمل ، ويُقتدى به .
فليستعن بالله ويحج بزوجته . سواء شرطت عليه أم لم تشترط . وأما إذا اشترطت فيجب عليه أن يوفي به " انتهى .
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله . "فتاوى ابن عثيمين" (21/114) .
===============
كيف يكون حجك مقبولاً ؟
…سؤال رقم 41833
…سؤال:(4/38)
ما هي الأمور التي ينبغي أن يعملها المسلم ليكون حجه مقبولاً إن شاء الله ؟.
الجواب:
الحمد لله
" الأمور التي ينبغي أن يعملها ليكون حجه مقبولاً : أن ينوي بالحج وجه الله عز وجل وهذا هو الإخلاص . وأن يكون متبعاً في حجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو المتابعة ، وكل عمل صالح فإنه لا يقبل إلا بهذين الشرطين الأساسيين : الإخلاص ، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم . لقول الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) البينة/5 . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) .
فهذا أهم ما يجب على الحاج أن يعتمد عليه : الإخلاص ، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم . وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حجته : ( لِتَأْخُذُوا عني مَنَاسِكَكُمْ ) .
ومنها : أن يكون الحج بمال حلال ، فإن الحج بمال حرام محرم ، لا يجوز ، بل قد قال بعض أهل العلم : إن الحج لا يصح في هذه الحالة ، ويقول بعضهم :
إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير
يعني حجت الإبل .
ومنها : أن يتجنب ما نهى الله عنه ، لقوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة/197 .
فيتجنب ما حرم الله عليه تحريماً عاماً في الحج وغيره من الفسوق والعصيان ، والأقوال المحرمة ، والأفعال المحرمة ، والاستماع إلى آلات اللهو ونحو ذلك ، ويجتنب ما حرم الله عليه تحريماً خاصاً في الحج : كالرفث وهو إتيان النساء ، وحلق الرأس ، واجتناب ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبسه في الإحرام . وبعبارة أعم : يجتنب جميع محظورات الإحرام .
وينبغي أيضاً للحاج أن يكون ليناً سهلاً كريماً في ماله وعمله ، وأن يحسن إلى إخوانه بقدر ما يستطيع ، ويجب عليه أن يجتنب إيذاء المسلمين ، سواء كان ذلك في المشاعر ، أو في الأسواق ، فيجتنب الإيذاء عند الازدحام في المطاف ، وعند الازدحام في المسعى ، وعند الازدحام في الجمرات ، وغير ذلك . فهذه الأمور التي ينبغي على الحاج ، أو يجب للحاج أن يقوم بها ، ومن أقرب ما يحقق ذلك : أن يصحب الإنسان رجلاً من أهل العلم حتى يذكره بدينه ، وإذا لم يتيسر ذلك فليقرأ من كتب أهل العلم ما كان موثوقاً قبل أن يذهب إلى الحج ، حتى يعبد الله على بصيرة " انتهى .
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "فتاوى ابن عثيمين" (21/20) .
الإسلام سؤال وجواب
==============
من أين يحرم من لم يمر على الميقات؟
…سؤال رقم 40965
…سؤال:
إذا لم يمر المحرم على شيء من المواقيت المعروفة فمن أين يحرم ؟.
الجواب:
الحمد لله
" إذا كان لا يمر بشيء من هذه المواقيت فإنه ينظر إلى حذو الميقات الأقرب إليه (فيحرم منه) ، إذا مر في طريق بين يلملم وقرن المنازل ينظر أيهما أقرب إليه ، فإذا حاذى أقربهما إليه أحرم من محاذاته ، ويدل لذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أهل العراق وقالوا : يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً ، وإنها جَوْر عن طريقنا - يعني فيها ميول وبعد عن طريقنا - فقال رضي الله عنه : انظروا إلى حذوها من طريقكم . فأمرهم أن ينظروا إلى محاذاة قرن المنازل ويحرموا ، هكذا جاء في صحيح البخاري ، وفي حكم عمر رضي الله عنه - هذا فائدة جليلة ، وهي أن الذين يأتون عن طريق الطائرات وقد نووا الحج أو العمرة ويمرون بهذه المواقيت إما فوقها أو عن يمينها أو يسارها يجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا هذه المواقيت ، ولا يحل لهم أن يؤخروا الإحرام حتى ينزلوا في جدة ، كما يفعله كثير من الناس ، فإن هذا خلاف ما حدده النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) الطلاق/1 . وقال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) البقرة/229 .
فعلى الإنسان إذا جاء عن طريق الجو وهو يريد الحج أو العمرة أن يكون متهيئاً للإحرام في الطائرة ، فإذا حاذى أول ميقات يمر به وجب عليه أن يحرم ، أي أن ينوي الدخول في النسك ولا يؤخر هذا حتى يدخل في مطار جدة " انتهى .
"فتاوى ابن عثيمين" (21/276) .
=============
لا يلزم من أراد الحج أو العمرة شيء إذا تجاوز الميقات ونسي أن يحرم ثم رجع إليه وأحرم
…سؤال رقم 12239
…سؤال:(4/39)
ذهبت للعمرة مؤخرا من الرياض . لقد لبست إحرامي وأنا في البيت ولم أنو، ظانا أني سأنوي وأنا في الطائرة قبل المرور بمحاذاة الميقات . وللأسف ، فإني لم أسمع الإعلان عن الميقات في الطائرة ولم أتمكن من النية لأن الطائرة كانت قد تجاوزت الميقات . وقررت الذهاب لمكة . وعندما وصلت إلى مكة، خلعت إحرامي ولبست ملابسي العادية وسقت السيارة إلى قرن المنازل (القريبة من) الطائف . وارتديت إحرامي هناك مرة أخرى ونويت للعمرة ورجعت إلى مكة وأديت مناسك عمرتي . أرجو أن تخبرني ما إذا كانت قد أديت عمرتي بشكل صحيح، أم أن علي أن أدفع كفارة ؟ وإذا كان علي دفع كفارة ، فماذا علي أن أفعل. أرجو أن ترد علي .
الجواب:
الحمد لله
من تجاوز الميقات بغير إحرام فعليه أن يرجع إليه ليحرم من هناك فإذا نزل من الطائرة بجدة ركب سيارة إلى ميقات أهل نجد وأحرم منه ، فإن أحرم من جدة وهو عازم على الحج والعمرة لزمه دم جبران عن تجاوز الميقات .
فتوى الشيخ ابن جبرين
وانظر فتاوى مشابهة في كتاب فتاوى إسلامية 2/202
وأنت أيها السائل قد أصبت في رجوعك إلى الميقات وإحرامك من هناك ، ولا يعتبر خلعك لملابس الإحرام موجباً للدَّم لأنك لم تُحرم أصلاً ، فإن الإحرام هو نية الدخول في النسك لا لبس الإحرام ، وبناء عليه فإن فعلك صحيح وليس عليك كفارة ولله الحمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
متى يحرم راكب الطائرة؟
…سؤال رقم 4635
…سؤال:
أنا أريد الحج هذه السنة بإذن الله وأريد أن أسافر من الرياض إلى جدة عن طريق الجو "بالطائرة" فمتى أحرم بالضبط ؟.
الجواب:
الحمد لله
ميقاتك في هذه الحالة هو (قرن المنازل) ويسمى الآن (السيل الكبير) .
ويجب الإحرام من الميقات لمن مَرَّ به ، فإن لم يمر به وجب عليه الإحرام إذا حاذاه براً أو بحراً أو جواً . فيجب عليك أن تحرم إذا حاذيت الميقات بالطائرة ، ونظراً لأن الطائرة تمر على الميقات بسرعة فلا بأس أن تحرم قبله بقليل احتياطاً .
قال الشيخ بن جبرين :
ومن لم يكن في طريقه ميقات : أحرم إذا حاذى أقربها إليه سواء كان طريقه برّاً أو بحراً أو جوّاً ويحرم راكب الطائرة إذا حاذى الميقات أو يحتاط قبله حتى لا يجاوزه قبل إحرامه ، فمن أحرم بعد ما جاوز الميقات فعليه دم جبران ، والله أعلم اهـ
" فتاوى إسلامية " ( 2 / 198 ) .
ومن فتاوى اللجنة الدائمة :
جدة ليست ميقاتاً لحج أو عمرة إلا للمستوطنين أو المقيمين بها، وكذا من وصل إليها لحاجة غير عازم على حج أو عمرة، ثم بدا له أن يحج أو يعتمر. أما من كان له ميقات قبلها كذي الحليفة بالنسبة لأهل المدينة وما وراءها، أو حاذاها براً أو جواً، وكالجحفة لأهلها ومن حاذاها براً أو بحراً أو مر بها جواً، وكيلملم كذلك، فإنه يجب عليه أن يحرم من ميقاته أو مما يحاذيه جواً أو بحراً أو براً اهـ . "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/130) .
والدليل على الإحرام مما يحاذي الميقات ما أخرجه البخاري ( 1458 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما فُتح هذا المصران - يعني : الكوفة والبصرة - أتَوا عمر فقالوا : يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدَّ لأهل نجد قرناً وهو جورٌ عن طريقنا ، وإذا أردنا قرناً شق علينا قال : فانظروا حذوها من طريقكم فحدَّ لهم ذات عرق .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/389) :
" فانظروا حذوها " أي : اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير مَيل فاجعلوه ميقاتاً اهـ
وينبغي أن يعلم أنه ليس من السنة أن يحرم الإنسان قبل الميقات ، لأنَّ هذا لم يفعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إلا إذا كان الرجل في طائرة فلا يتمكن من الوقوف عند محاذاة الميقات فهذا يحتاط بما يغلب على ظنه أنه لن يتجاوز الميقات إلا وهو محرم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
فلم يُنقل عن أحدٍ ممن حجَّ مع النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة ، ولولا تعين الميقات لبادروا إليه لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجراً . "فتح الباري" ( 3 / 387 ) .
والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
ميقات حجاج استراليا
…سؤال رقم 34183
…سؤال:
نحن نعيش في استراليا ، وفي هذا العام يريد وفد كبير من مسلمي استراليا القيام بفريضة الحج ، ونحن نسافر من سدني مثلاً وأول محطة لنا وهي أحد ثلاث موانئ جوية : جدة ، أبو ظبي ، البحرين ، فأين ميقات إحرامنا ؟ هل نحرم من سدني أو من أي مكان آخر ؟ أرجو الإجابة ولكم الشكر.
الجواب:
الحمد لله
ليست سدني ولا أبو ظبي ولا البحرين ميقاتاً لحج ولا عمرة ، وليست جدة ميقاتاً لمثلكم ، وإنما هي ميقاتٌ لأهلها .(4/40)
ويجب أن تحرموا إذا كنتم مررتم جواً فوق أول ميقات تمرون عليه قاصدين إلى مكة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا وقت المواقيت : ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ) ، وبإمكانكم أن تسألوا مُضِيف الطائرة قبل المرور عليه ، وإن نويتم الدخول في الإحرام بالحج أو العمرة ولبيتم بذلك قبل الميقات الذي ستمرون عليه خشية أن تتجاوزوه غير محرمين فلا بأس ، أما التهيؤ للإحرام بتنظيف أو غسل أو ارتداء ملابس الإحرام فيجوز في أي مكان .
وبالله التوفيق .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/131) .
===============
هل يجوز أن يلبس الجاكيت في الإحرام إذا كان الجو بارداً ؟
…سؤال رقم 41140
…سؤال:
هل يجوز أن نتغطى بالجاكيت أو أي شيء آخر أثناء الإحرام إذا كان الجو بارداً ؟.
الجواب:
الحمد لله
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال : يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يلبس المحرم القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخفين إلا أن لا يجد النعلين فليلبس ما هو أسفل من الكعبين ) رواه البخاري ( 5458 ) ومسلم ( 1177 ) .
ففي الحديث : نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس أشياء مخصوصة للمحرِم ، وإباحة ما سواها ، ويقاس على ما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان مثله ، فالجاكيت أو العباءة إذا وضعهما المحرم على كتفيه فهو لباس منهي عنه ، ويجوز له أن يلتحف بهما إذا أراد الدفء دون لبسهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" وكذلك يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء ، فله أن يلتحف بالقباء والجبة والقميص ونحو ذلك ، ويتغطى به - باتفاق الأئمة - عرضا ، ويلبسه مقلوباً ، يجعل أسفله أعلاه ويتغطى باللحاف وغيره ، ولكن لا يغطي رأسه إلا لحاجة " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 26 / 110 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - في بيان ما يحرم على المحرم من الرجال لبسه - :
" لا يلبس القميص ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف إلا إذا لم يجد إزاراً فيلبس السراويل ، أو لم يجد نعلين فيلبس الخفاف .
ولا يلبس ما كان بمعنى ما سبق ، فلا يلبس العباءة ولا القباء ولا الطاقية ولا الفنيلة ونحوها " انتهى .
" كيف يؤدي المسلم مناسك الحج والعمرة " ( ص 7 ، 8 ) .
وقال أيضاً :
ولا بأس أن يلف القميص على جسمه بدون لبس ، ولا بأس أن يجعل العباءة رداءً بحيث لا يلبسها كالعادة .
" مناسك الحج والعمرة " ( ص 64 ) .
وعلى هذا ، فإذا كان الجو بارداً فللمحرم أن يلتحف بعباءة أو غيرها من غير أن يلبسها على الوجه المعتاد ، فإذا احتاج إلى لبس جاكيت لكونه لا يجد شيئاً يدفع به البرد إلا هو فلا حرج عليه في لبسه ، وعليه أن يخرج الفدية : ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين . يفعل أي واحد من هذه الأشياء الثلاثة لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم ، قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَاحْلِقْ ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً ) رواه البخاري (4190) ومسلم (1201) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
لا يستطيع أن يلبس لبس الإحرام ، فهل له أن يحرم في ثيابه
…سؤال رقم 49033
…سؤال:
رجل يرغب في أداء العمرة ولكن لا يستطيع لبس الإحرام لأنه معاق ومشلول : فهل يستطيع العمرة بثيابه وهل عليه كفارة ؟.
الجواب:
الحمد لله
" نعم إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يناسبه من اللباس الآخر والجائز وعليه عند أهل العلم إما أن يذبح شاة يوزعها على الفقراء ، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو يصوم ثلاثة أيام .
هكذا قال أهل العلم قياسا على ما جاء في حلق الرأس حيث قال الله تعالى : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) البقرة/196
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام صيام ثلاثة أيام ، وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، وأن النسك ذبح شاة . ويكون الذبح والإطعام في هذه المسالة بمكة احتياطا ، لأن انتهاك محظور اللبس سيستمر إلى التحلل " .
مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/138) .
===============
استعمال الكريمات غير المعطّرة أثناء الإحرام
…سؤال رقم 20019
…سؤال:
هل يمكن أن نستعمل السواك أو معجون الأسنان أو المرطبات الجلدية أو الكريمات غير المعطرة أثناء الحج ؟ .
الجواب:
الحمد لله
إذا خلت هذه الأشياء من الطيب فلا يحرم استعمالها ، لأن المحظور في الإحرام هو الطيب أو التدهّن بشيء فيه طيب ـ عطر ـ
قال ابن قدامة في الكلام على محظورات الإحرام : وإن طيّب بدنه أو ثوبه ، ( أو ادّهن بمطيّب ) . والمقصود من الادهان بالمطيّب : إذا مسح على جلده بدهن فيه طيب ، فإنه لا يجوز ، لأن ذلك سوف يعلق به وتبقى رائحته .(4/41)
انظر الشرح الممتع لابن عثيمن ج/7 ص/158.
==============
يقيم في أوربا والمسجد بعيد عنه فهل يصلي في بيته ؟
…سؤال رقم 89676
…سؤال:
قرأت جوابكم على سؤال رقم (72895) وفيه وجوب صلاة الجماعة . وسؤالي نحن المسلمين المقيمين في أوروبا لا تتوفر لنا المساجد كما هو الأمر في البلاد الإسلامية ففي المدينة المترامية الأطراف لا تجد في أغلب الأحيان أكثر من مسجد واحد والوصول إليه يحتاج إلى وقت طويل ورفع الأذان بطبيعة الحال ممنوع أي أنه لا يسمع النداء على كل الأحوال مهما كانت المسافة بعيدة أو قريبة فما هو حكمنا إذا تركنا الصلاة في الجماعة بالمسجد ؟ وما هو دليل وجوبها بحقنا لانتفاء شرط سماع النداء ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
صلاة الجماعة واجبة على كل رجل بالغ مستطيع يسمع النداء .
والمقصود بسماع النداء : أن يسمع الإنسان الأذان بالصوت المعتاد من غير مكبرٍ للصوت ، مع رفع المؤذن صوته ، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع. وانظر السؤال رقم (20655) .
وعلى هذا ، لا يجب عليكم حضور الجماعة في المسجد إذا كان بعيداً عنكم .
هذا بالنسبة للصلوات الخمس مع الجماعة ، وأما الجمعة فلها شأن آخر ، فإنها تجب على كل من كان في المدينة أو القرية التي تقام فيها الجمعة ، سواء سمع النداء أم لم يسمع ، مهما ترامت أطراف البلد ، وهذا بإجماع العلماء .
قال النووي رحمه الله : " قال الشافعي والأصحاب : إذا كان في البلد أربعون فصاعدا من أهل الكمال ، وجب الجمعة على كل من فيه وإن اتسعت خطة البلد فراسخ ، وسواء سمع النداء أم لا . وهذا مجمع عليه " انتهى من المجموع" (4/353).
ثانيا :
من لم تجب عليه الجماعة ، لبعده عن المسجد ، فإن الأمر يبقى مستحبا في حقه ، وينبغي أن يحرص على التردد على المسجد المرة بعد الأخرى ، لا سيما إذا كان يعيش بعيدا عن المسلمين ، ففي لقائه بالمسلمين ، تجديد لإيمانه ، ورفع لدرجاته ، وتعميق لأواصر الأخوة والمودة ، وتعويد لأبنائه على حب المسجد وتعظيمه ، هذا مع السعي لبناء المساجد وتكثيرها ، والتعاون على ذلك ، ومن الملاحظ أن البلاد الأوربية تتفاوت في هذه المسألة تفاوتا ظاهرا ، وهذا يرجع إلى عوامل كثيرة ، يدخل فيها أحيانا ضعف همة البعض ، وتخاذلهم وانشغالهم عن هذه القضية الكبيرة وعن السعي لإيجاد السبل والحلول لها .
ولا يخفى عليك ما في السعي إلى المساجد - مهما بعدت المسافة - من الأجر العظيم ، والثواب الكبير ، وقد روى مسلم (654) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ، ويرفعه بها درجة ، ويحط عنه بها سيئة ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ) .
كما ينبغي الحرص على إقامة الجماعة في البيت ، أو مع الجيران ، في حال عدم الذهاب إلى المسجد ، ومن وسائل ذلك الحرص على اجتماع العوائل المسلمة في منازل متقاربة ، وحينئذ يحرص الجميع على أداء الصلاة جماعة في وقتها ، وتبقى لهذه الشعيرة العظيمة مكانتها في القلوب .
نسأل الله أن يزيدكم إيمانا وهدى وتقى ، وأن يعينكم على حمل رسالة الإسلام ونشرها .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
آداب قضاء الحاجة عند المسلمين
…سؤال رقم 2532
…سؤال:
السؤال :
هل فهمت على الأرجح من قواعد الحياء التي تدعو إليها أن الرجال يجب أن يجثموا أو ينحنوا عند التبول ؟ لكني أتساءل إذا كان من الأكثر حياء عدم استخدام المبولة في غرف نوم الرجال إذا كان أحدهم مسلما وتقترب غرفته من دورة المياه . أنا أعرف أن قواعد الأدب والحياء بالنسبة للمرأة المسلمة كثيرة وشديدة التحفظ عنها بالنسبة للمرأة الغربية . وأنا لهذا السبب أحترم المرأة المسلمة كثيرا . أنا لا أحب مهاجمة المسلمين وإن بدا ذلك من سؤالي لكني فقط لا أمتلك المعرفة الكافية بآدابهم وسلوكياتهم . شكرا لك مقدما على الإجابة حفظك الله من كل سوء وأدام لك الصحة والعافية .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لا بدّ أولا من شكرك أيّها السائل على حرصك على مشاعر المسلمين وسعيك لمعرفة ما يؤذيهم لتجتنبه ، ويسرنا أن نعتني بتفصيل الجواب لك فيما طلبتَ وأكثر لعلّه أن ينفتح لك من خلاله ما يقودك إلى خير عظيم .(4/42)
إنّ من عظمة الشّريعة الإسلامية المباركة أنّها ما تركت خيرا في قليل ولا كثير إلا أمرت به ودلّت عليه ولا شرا في قليل ولا كثير إلا حذّرت منه ونهت عنه ، فكانت كاملة حسنة من جميع الوجوه ، وقد أثار ذلك دهشة غير المسلمين وإعجابهم بهذا الدّين حتى قال أحد المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه : قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءةَ فَقَالَ سَلْمَانُ أَجَلْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ .. الحديث ، رواه الترمذي رقم 16 وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ في صحيح مسلم وغيره وقد وردت في الشريعة الإسلامية عدة آداب وأحكام في قضاء الحاجة ومنها :
1- عدم استقبال قبلة الصّلاة عند البول والغائط ( وقبلة المسلمين هي الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام بأمر من الله في مكة ) وهذا من احترام القبلة وتعظيم شعائر الله وقد قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْهَا . رواه مسلم 389.
2- أن لا يمسّ ذَكَرَه بيمينه وهو يبول لقوله صلى الله عليه وسلم : " إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ . " رواه البخاري 150
3- أن لا يزيل النّجاسة بيمينه بل يستخدم شماله لمباشرة النجاسة في إزالتها للحديث المتقدّم ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ . " رواه البخاري 5199 ولما روته حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ . رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع 4912 ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا اسْتَطَابَ أَحَدُكُمْ فَلا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ ، لِيَسْتَنْجِ بِشِمَالِهِ . " رواه ابن ماجة 308 وهو في صحيح الجامع 322
4- والسنّة أن يقضي حاجته جالسا وأن يدنو من الأرض لأنّه أستر وآمن من ارتداد رشاش البول عليه وتلويث بدنه وثيابه فإن أَمِن ذلك جاز البول قائما
5- أن يستتر عن أعين الناس عند قضاء الحاجة وقد كان أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ ( أي مرتفع من الأرض أو حائط نخل وهو البستان ) . رواه مسلم 517 ، وإذا كان الإنسان في الفضاء وأراد قضاء حاجة ولم يجد شيئا يستره فليبتعد عمن حوله من الناس لما رواه الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ فَأَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ رواه الترمذي 20 وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَلاءِ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ . رواه النسائي 16 وهو في صحيح الجامع 4651
6- أن لا يكشف العورة إلا بعد أن يدنو من الأرض لأنّه أستر لما رواه أَنَس رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الأَرْضِ رواه الترمذي 14 وهو في صحيح الجامع 4652 . وإذا كان في مرحاض فلا يرفع ثوبه إلا بعد إغلاق الباب وتواريه عن أعين النّاظرين ، ومن هذه النقطة والتي قبلها تعلم أيّها السائل الكريم أنّ ما يفعله كثير من النّاس في بلاد الغرب وغيرها من التبوّل وقوفا في المحلات المكشوفة داخل المراحيض العامة هو أمر مناف للأدب والحياء والحشمة والأخلاق الفاضلة الكريمة وتقشعرّ منه بدن كلّ صاحب فطرة سليمة وعقل صحيح ، إذ كيف يكشف الشّخص أمام النّاس عورته التي جعلها الله بين رجليه سترا لها وأمر بتغطيتها واستقرّ أمر تغطيتها عند جميع عقلاء البشر . وكذلك فإنّ من الخطأ أساسا بناء المراحيض بهذا الشّكل المُشين الذي يرى فيه مستعملوها بعضهم بعضا وهم يبولون متخلّفين في ذلك عن بعض البهائم التي من عادتها الاستتار عند التبوّل والتغوّط .
7- ومن الآداب الشّرعية عند المسلمين أذكار معيّنة يقولونها عند دخولهم الخلاء وعند خروجهم منه وهي مناسبة تمام المناسبة للحال والمكان فقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقول الواحد منا عند دخول الخلاء : بسم الله ، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ، فيستعيذ بالله من كلّ أمر خبيث ومن كلّ شيطان وشيطانة ، وعند الخروج يسأل الله المغفرة بقوله : غفرانك .(4/43)
8- الاعتناء بإزالة النجاسة بعد الفراغ من قضاء الحاجة لقوله صلى الله عليه وسلم محذّرا من التساهل في التطهّر من البول : " أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ . " رواه ابن ماجة 342 وهو في صحيح الجامع 1202 وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ . " رواه البخاري 5592
9- أن يكون غسل النجاسة أو مسحها ثلاث مرات أو وترا بعد الثلاث بحسب ما تدعو إليه حاجة التطهير ، لما جاء عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ مَقْعَدَتَهُ ثَلاثًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَعَلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ دَوَاءً وَطُهُورًا . رواه ابن ماجة 350 وهو في صحيح الجامع 4993 ، ولما رواه أبو هُرَيْرََةُ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا . " رواه الإمام أحمد وحسنه في صحيح الجامع 375
10- أن لا يستعمل العظم ولا الرّوث في الاستجمار ( وهو إزالة النجاسة بالمسح ) . وإنما يستعمل المناديل والحجارة ونحوها . لما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا وَلا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ .. الحديث رواه البخاري 3571
11- أن لا يبول الإنسان في الماء الراكد . لما رواه جَابِر رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ . " رواه مسلم 423 ولأنّ في ذلك تنجيسا للماء وإيذاء لمستعمليه .
|12- أن لا يبول في طريق النّاس ولا في ظلّ يستظلّ به النّاس ، لأنّ في ذلك إيذاء لهم ، وقد روى أبو هُرَيْرَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ قَالُوا وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ . " رواه أبو داود 23 وهو في صحيح الجامع 110
13- أن لا يسلّم على من يقضي حاجته ولا يردّ السّلام وهو في مكان قضاء الحاجة تنزيها لله أنْ يُذكر اسمه في الأماكن المستقذرة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ . " رواه ابن ماجة 346 وهو في صحيح الجامع 575 . وجمهور العلماء على كراهية الكلام في الخلاء لغير حاجة .
كانت تلك طائفة من الآداب والأحكام التي وردت في شريعة الإسلام بشأن هذا الموضوع الذي يتكرر من كلّ إنسان يوميا فاعتنت به الشّريعة غاية الاعتناء وبيّنت فيه كلّ التبيين فما بالك بما هو أعظم منه ، فهل تعلم أيها السائل الكريم دينا أو شريعة في العالم جاءت بمثل هذا ، إنّه كاف والله في إثبات كمالها وحسنها ووجوب اتّباعها ، نسأل الله لنا ولك التوفيق لكلّ خير والهداية إلى الحقّ وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
لم يستطع المبيت في مزدلفة
…سؤال رقم 36943
…سؤال:
لم نستطع المبيت في مزدلفة لأننا لم نجد مكاناً إلا على الطريق ولا يسمحون لأحد بالوقوف على الطريق. فانصرفنا إلى منى فهل علينا شيء ؟
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ ابن باز :
إن كان لم يجد مكاناً في مزدلفة أو منعه الجنود من النزول بها فلا شيء عليه ؛ لقول الله سبحانه : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، وإن كان ذلك على تساهل منه فعليه دم مع التوبة اهـ .
فتاوى ابن باز (17/287)
==============
متى يشرع الاضطباع والرمل ؟
…سؤال رقم 42153
…سؤال:
طفت طواف الإفاضة يوم العيد بعد النفرة من مزدلفة مباشرة أي قبل رمي جمرة العقبة أو الحلق ، هل في هذا الطواف اضطباع على اعتبار أني لا زلت محرماً . وفقكم الله .
الجواب:
الحمد لله
لا يشرع الاضطباع والرمل إلا في طواف العمرة ، وطواف القدوم للمفرد والقارن .(4/44)
أما فيما عدا ذلك فلا يشرعان ، فطواف الإفاضة لا رمل فيه اضطباع سواء طفته وأنت محرم أم غير محرم .
روى أبو داود (2001) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْمُلْ فِي السَّبْعِ الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
والاضطباع هو كشف المنكب الأيمن .
والرمل هو مقاربة الخطا مع إسراع المشي .
والاضطباع والرمل متلازمان ، فحيث شرع الرمل شرع الاضطباع ، وحيث لم يشرع الرمل لم يشرع الاضطباع .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/43) :
وَالاضْطِبَاعُ مُلازِمٌ لِلرَّمَلِ , فَحَيْثُ اسْتَحْبَبْنَا الرَّمَلَ فَكَذَا الاضْطِبَاعُ , وَحَيْثُ لَمْ نَسْتَحِبَّهُ فَكَذَا الاضْطِبَاعُ , وَحَيْثُ جَرَى خِلافٌ جَرَى فِي الرَّمَلِ وَالاضْطِبَاعِ جَمِيعًا , وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ اهـ.
وقَالَ أَيضاً : لَكِنْ يَفْتَرِقُ الرَّمَلُ وَالاضْطِبَاعُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الاضْطِبَاعَ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ , وَأَمَّا الرَّمَلُ إنَّمَا يُسَنُّ فِي الثَّلَاثِ الأُوَلِ وَيَمْشِي فِي الأَرْبَعِ الأَوَاخِرِ اهـ. "المجموع" (8/20) .
وذكر ابن قدامة في "المغني" (5/221) استحباب الرمل والاضطباع في طواف العمرة وفي طواف القدوم ثم قال :
وَلا يُسَنُّ الرَّمَلُ وَالاضْطِبَاعُ فِي طَوَافٍ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ إنَّمَا رَمَلُوا وَاضْطَبَعُوا فِي ذَلِكَ اهـ .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/225) :
يسن الاضطباع في الأشواط كلها في طواف القدوم خاصة ، كما يشرع الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم للحاج والمعتمر اهـ .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
ويرمل في جميع الثلاثة الأُول من الطواف الأول ، وهو الطواف الذي يأتي به أول ما يقدم مكّة ، سواء كان معتمراً أو متمتعاً ، أو محرماً بالحج وحده ، أو قارناً بينه وبين العمرة ، ويمشي في الأربعة الباقية ، يبتدئ كل شوط مع مقاربة الخطى ، ويستحب له أن يضطبع في جميع هذا الطواف دون غيره اهـ . فتاوى ابن باز (16/60) .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===============
وقت إخراج الزكاة
…سؤال رقم 10246
…سؤال:
أعلم أنه حسب الشريعة, فإن الزكاة تحين إذا حال الحول. والذي أرغب في التعرف عليه هو: هل يوجد تاريخ محدد يحين فيه دفع الزكاة, أم أن الأمر متروك لتقدير الفرد ؟.
الجواب:
الحمد لله
اعلم أيها المسلم أنّه تجب المُبَادرة بإخراج الزكاة ، فَوْرَ وُجُوبِهَا في المال ، لقوله تعالى : ( وآتوا الزكاة ) البقرة 110 ، ولأنّ حَاجَة الفَقِير تَسْتَدْعِي المُبَِادرة بِدَفعها إليه وفي تأخيرها إضرار به ، ولأن المبادرة بإخراجها أبْعَد عن الشُّحِّ وأخْلَص للذِّمة ، وهو مرضاة للرَّب ، وعَدَم تأخيرها إلا لضرورة ، كما لو أخرها ليَدْفَعَها إلى من هو أشدّ حاجة أو لغَيْبَةِ المال ، كما أنه يجوز تَعْجِيل إخراج الزكاة قبل وجوبها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين ، رواه الترمذي ( الزكاة/615) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ، ويكون تعجيلها إذا انعقد سبب وجوبها .
انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/247.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
مصير مانع الزكاة إذا مات
…سؤال رقم 1344
…سؤال:
السؤال :
ما حكم من شهد أن لا إله إلا الله وأقام الصلاة ولم يؤت الزكاة ولم يرض بذلك؟ ما حكمه في الإسلام إن مات أيصلى عليه أم لا؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
الزكاة ركن من أركان الإسلام فمن تركها جحدا لوجوبها يبين له حكمها فإن أصر كفر ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين أما إن كان تركها بخلا وهو يؤمن بوجوبها فهو عاص معصية كبيرة وفاسق بذلك ولكن لا يكفر يغسل ويصلى عليه إذا مات على الحال وأمره إلى يوم القيامة.
فتاوى الجنة الدائمة 9/184
==============
علاقة الزكاة بالنظام الاقتصادي والتكافل الاجتماعي
…سؤال رقم 43162
…سؤال:
هل الزكاة نظام اقتصادي إسلامي أو (نظام) للكفالة الاجتماعية ؟ إذا كان الجواب بلا، فما هو النظام الاقتصادي الإسلامي إذن ؟ وما هو نظام الكفالة الاجتماعية الإسلامي ؟ أهو الزكاة ؟ ومتى أستحق الحصول على معونات حكومية من دولة مسلمة أو كافرة ؟.
الجواب:
الحمد لله
لم يرد في النصوص الشرعية من كتاب أو سنة تعريفا للنظام الاقتصادي الإسلامي بل جاءت الشريعة ببيان كل ما يتعلق بحياة المسلم من خلال النصوص ومنها ما يتعلق بأحواله الاقتصادية .
ويمكن أن يعرَّف النظام الاقتصادي الإسلامي : بأنه مجموعة الأصول العامة الاقتصادية المستنبطة من القرآن والسنة ، والبناء الاقتصادي الذي يقام على أساس تلك الأصول .
أو يعرَّف بأنه النظام الذي يوجه النشاط الاقتصادي وينظمه وفقا لأصول الإسلام وسياسته في الاقتصاد .(4/45)
ومن الأصول العامة التي جاءت بها الشريعة : حق الإنسان في التملك ، وحرمة الاعتداء على مال الغير ، وإباحة الانتفاع بما في الأرض ، وتحريم الربا والميسر والظلم .
ومن صور البناء الاقتصادي الذي يقوم على تلك الأسس : البيوع الجائزة ، والشركة ، والمضاربة ، والإجارة ، والمزارعة ، والاستثمار المباح بأشكاله المتنوعة .
وباعتبار أن الزكاة عبارة عن خروج المال من يد ، وانتقالها إلى يد أخرى تنتفع بها وتتصرف فيها ، وأن ذلك كله منضبط بالأصول العامة المستخرجة من القرآن والسنة ، فالزكاة جزء من النظام الاقتصادي الإسلامي ولا شك ، وفيها من النصوص الخاصة التي تبين أصناف الأموال الزكوية ، والقدر الواجب فيها ، وأهلها ، ومصارفها ، ما هو معروف مشهور .
وهي أيضا وسيلة من وسائل تحقيق الكفالة الاجتماعية ، وهذه الكفالة في الإسلام لا تقتصر على الزكاة بل تتحقق بأمور أخرى أيضا ، كالصدقة ، والوقف ، والفيء والغنيمة وعطايا بيت المال .
فالمجتمع الإسلامي ينهض بأفراده من الأغنياء والفقراء، فيحث الأغنياء على البذل والعطاء ، ويلزمهم بقدر واجبٍ زكاة لأموالهم ، ويحقق الكفاية للفقراء والمحتاجين والعاجزين عن العمل من الشيوخ والأرامل وغيرهم . ولهذا جعلت الشريعة الزكاة فرضا وركنا من أركان الإسلام وحثت على الصدقة والوقف والوصية ، وجعلت الفقراء مصرفا من مصارف الزكاة والكفارة والفدية ، ككفارة الظهار واليمين والصوم ، وفدية الحج ، حتى تضيق دائرة الفقر في المجتمع المسلم.
والإنسان يستحق المعونة من الدولة المسلمة في حال عجزه عن العمل والكسب ، وعدم من ينفق عليه من أب أو أم أو قريب ، والعجز عن الكسب قد يكون لصغر أو مرض أو كبر .
وتضع بعض الدول المسلمة أنظمة للمعونة ، وفق معايير مختلفة ، كالمعاش التقاعدي ، والنفقة على أولاد المتوفى إلى بلوغهم سن الرشد ، ونحو ذلك ، ولو كان لديهم مال خاص بهم .
وأما الدول الأخرى غير المسلمة ، فلها أنظمتها ومعاييرها الخاصة هي التي تحكم مسألة المعونة .
وينبغي للمسلم أن يحرص على الكسب الحلال من عمل يده ، وأن يكون المنفق المعطي ، لا الآخذ ولا السائل لاسيما إن كان السؤال للمال من دولة كافرة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول " واليد العلياء هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة . رواه البخاري (5040) ومسلم (1034).
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
هل يجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر ؟
…سؤال رقم 43146
…سؤال:
هل يجوز إعطاء الزكاة لبلدة أخرى مثل فلسطين ويوجد فقراء في بلدي ؟.
الجواب:
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ( 10/9 ) :
تعطى الزكاة لمن فرضها الله لهم بقوله سبحانه : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } ، ولا تعطى إلا لمن تحقق إسلامه ظاهراً ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن : " فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم " ، وكلما كان المُعطى من الفقراء والمساكين أتقى وأكثر طاعة فهو أولى من غيره .
والأصل في الزكاة أن تصرف في فقراء البلد التي بها المال للحديث المذكور ، وإن دعت حاجة إلى نقلها ، كأن يكون فقراء البلد التي ينقلها إليه أشد حاجة ، أو أقرباء للمزكي بجانب أنهم فقراء ، أو نحو ذلك : جاز النقل .
والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب
-=============
طالبة تسأل عن الزكاة ودخلها 400 دولار شهرياً
…سؤال رقم 11576
…سؤال:
السؤال : أنا طالبة مسلمة أريد أن أعرف وقت وجوب الزكاة ؟ إذا كنت أحصل على 200-300دولار كل أسبوعين فهل علي زكاة ؟ ما هو الحد الأدنى للمال الذي تجب فيه الزكاة ؟ أين أدفع الزكاة ؟ هل يجب أن يكون الآخذ مسلماً ؟ ما هي الأماكن التي تدفع فيها الزكاة في الدول الكافرة ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
1- وقت وجوب الزكاة : إذا احتفظتِ بالمال لمدة عام كامل وجبت فيه الزكاة ، ومقدارها 2.5 % ، فهذا المبلغ الذي تحصلين عليه كل أسبوعين ليس عليه زكاة إلا إذا مضى عليه عام كامل ، أو كان عائدا عليك من تجارة حان وقت الزكاة فيها .
2- ادفعي الزكاة في البلد الذي تعيشين فيه إن كان فيه فقراء ، وإن وجدت بلدا آخر فيه فقراء أحوج من بلدك فلا بأس أن تدفعيها لهم .
3- نعم يجب ان يكون الذي يأخذ الزكاة مسلما ، إلا في حالة ما إذا كان كافرا نريد أن نرغبه في الإسلام ، ويغلب على ظننا أن ذلك يرغبّه في الإسلام ، فيجوز أن تدفع له الزكاة .
الشيخ سعد الحميد .
وذلك إذا كان هذا الكافر معظَّماً ذا منزلة عند الكفار ويرجى بإسلامه إسلام قومه أو قبيلته وعشيرته .(4/46)
4- الحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة يختلف باختلاف نوع المال هل هو ذهب أو فضة ، وأنت بلا شك تسألين عن زكاة المبالغ النقدية كالدولار ، والذي يظهر أن المبلغ المذكور في السؤال إن حال عليه حول وجبت فيه الزكاة لأنه يزيد على النصاب ، ولمعرفة نصاب المال ينظر السؤال رقم 2795و64 .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
===========
ما هو النصاب في المال
…سؤال رقم 2795
…سؤال:
السؤال :
كم نصاب الزكاة بالنسبة للأوراق النقدية وهل يكون تقدير النّصاب في العملات الورقية بناء على نصاب الذّهب أم بناء على نصاب الفضة .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
مقدار نصاب الزكاة في الدولار وغيره من العملات الورقية هو ما يعادل قيمته عشرين مثقالا من الذهب أو مائة وأربعين مثقالا من الفضة في الوقت الذي وجبت عليك فيه الزكاة في الدولارات ونحوها من العملات ، ويكون ذلك بالأحظّ للفقراء من أحد النصابين وذلك نظرا إلى اختلاف سعرهما باختلاف الأوقات والبلدان . فتاوى اللجنة الدائمة 9/257 ولأنه أنفع للفقراء فتاوى اللجنة الدائمة 9/254
( ونظرا لأن قيمة نصاب الفضة في هذا الوقت أدنى من قيمة نصاب الذّهب فيكون التقدير بناء عليه فإذا بلغ ما عند الشخص من العملة الورقية قيمة نصاب الفضة أخرج الزكاة ، ونصاب الفضّة يعادل 595 غراما تقريبا فيخرج صاحب المال ربع العشر ، في كل ألف خمسا وعشرين مما عنده من الأوراق النقدية عند حلول الحول ) . والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
نصاب الذهب بالدولار
…سؤال رقم 64
…سؤال:
السؤال : أقيم في أمريكا. كم نصاب الزكاة بالدولار الأمريكي؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
النصاب هو الحدّ الأدنى الذي إذا ملكه الشخص وجبت عليه الزكاة وإذا ملك أقلّ منه فلا تجب عليه.
ومعلوم أنّ زكاة المال في الشريعة واجبة في النقدين الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية في عصرنا الحاضر سواء كانت دولارات أو ريالات أو جنيهات وغيرها .
ونصاب الذهب هو عشرون مثقالا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم والمثقال يعادل بأوزان عصرنا ما يقارب 4,25 غراما فيكون نصاب الذهب 85 غراما تقريبا من ملكها على أيّ شكل كانت وجبت عليه فيها الزكاة في كلّ ألف 25 ( 2.5%) .
ونصاب الفضة هو مائتا درهم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، والدرهم يعادل بأوزان عصرنا ما يقارب 2.975 جراما فيكون نصاب الفضة 595 غراما تقريبا ، من ملكها على أيّ شكل كانت وجب عليه فيها الزكاة في كلّ ألف 25 ( 2.5 %) .
ومعلوم أنّ هناك تفاوتا ملحوظا بين قيمة نصاب الذهب وقيمة نصاب الفضة في زمننا هذا ، والأحوط لك والأحسن للفقير أن تنظر في الدولارات التي توفرّت لديك ومرّ عليها سنة هجرية كاملة ( 354 يوما ) فإن بلغت قيمة نصاب الفضة فأكثر أن تُخرج منها الزكاة من كلّ ألف دولار 25 دولارا تنفقها في مصارف الزكاة الشرعية المحددّة ، ونسأل الله أن يعيننا ويوفقنا للقيام بحقّ المال وصلى الله على نبينا محمد .
ويمكنك استعراض أسعار الذهب والفضة عن طريق الانترنت .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
زكاة الرواتب الشهرية ، وكيفية زكاة من عليه دين
…سؤال رقم 78807
…سؤال:
أنا أحتفظ بمالي في البنك حيث تودع فيه مباشرة من عملي رواتبي الشهرية ، وأقوم بالسحب منه لمصاريفي ، وحيث إنني لا أعرف المبلغ الذي يمضي عليه عام لكي أخرج زكاته فقد حددت أول رمضان كوقت لإخراجها وذلك باحتساب ما يوجد في حسابي البنكي حتى لو تم إيداع آخر راتب شهري فيه قبل أيام من دخول شهر رمضان .
لدى سؤالان :
الأول : هل صحيح ما أقوم به لاحتساب الزكاة ؟ .
الثاني : تحصلت مؤخراً على قرض من عملي لشراء منزل وأقوم بتسديده عن طريق الخصم الشهري من راتبي خلال السنوات القادمة فهل أخصم مبلغ القرض المتبقي من حساب الزكاة مع العلم أنه يوجد لدي رصيد في حسابي البنكي ؟ فمثلاً لو أن عندي رصيد مائة ألف ريال في البنك بحلول شهر رمضان والقرض المتبقي عليَّ سبعون ألف ريال ، فما هو الإجراء الصحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز وضع الأموال في البنوك الربوية إلا لضرورة حفظها ، على أن يكون ذلك بدون فائدة ، وانظر جواب الأسئلة : ( 23346 ) و ( 22392 ) و ( 49677 ) .
ثانياً :
إذا مَرَّ الحولُ على ملك النصاب : وجب إخراج الزكاة على الفور ، ولا يجوز تأخيرها بعد الحول مع القدرة على إخراجها ، فليس الإنسان مخيراً في تحديد أي شهر يخرج فيه زكاة ماله ، بل ذلك الشهر يكون عند تمام السنة ، إلا إذا كان يخرجها في رمضان معجلة قبل انتهاء الحول فلا بأس ، أما بعد نهاية الحول فلا يجوز تأخيرها إلى رمضان .
وانظر جواب السؤال : ( 26716 ) , ( 8400 ) .
ثالثاً :
إخراجك للزكاة عن جميع أموالك حتى راتب أخر شهر ، هذا هو أسلم وأيسر طريق لإخراج زكاة المدخر من الراتب .
وانظر جوابي السؤالين رقم ( 26113 ) و ( 50801 ) .
رابعاً :(4/47)
وقد سبق بيان تحريم الربا ، وتحريمه بالنسبة لبناء البيوت وشرائها ، فإذا كان هذا القرض ربوياً ، فعليك المبادرة بالتوبة ، والتخلص منه رغبة فيما عند الله ، وخوفاً من عقابه .
وانظر أجوبة الأسئلة ( 45910 ) و ( 21914 ) و ( 22905 ) .
خامساً :
وأما زكاة من عليه دين ، فالصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يخصم من المال التي تجب فيه الزكاة ، ففي المثال الذي ذكرته ، يجب عليك أن تزكي المائة ألف كاملة ، ولا يخصم منها الدين الذي عليك .
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 65763 ) و ( 22449 ) و ( 22426 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم شراء طعام زكاة الفطر قبل مدة
…سؤال رقم 7175
…سؤال:
السؤال : مركز إسلامي في بلاد الغرب يقوم بشراء كميات من الطعام كالرز مثلاً قبل العيد بعشرة أيام مثلاً ثم يعلن عن استعداده أخذ مبالغ من المسلمين لزكاة الفطر ، ثم يخرجها عنهم ، وذلك لأنه لا يتمكن من شراء الكمية إذا أخذ الأموال قبل العيد بيوم أو يومين فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله :
لا باس أن يشتري المركز الطعام قبل مدة ثم يبيعه على الراغبين في شراء زكاة الفطر ثم تخرج في وقتها الشرعي .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
==============
ما هو الحجّ
…سؤال رقم 2804
…سؤال:
السؤال :
ما الحج ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
الحج هو قصد الكعبة بيت الله الحرام لأداء المناسك وهي أفعال وأقوال جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة حجّه كالطواف سبعا بالبيت الحرام والسعي سبعا بين جبلي الصّفا والمروة والوقوف في عرفة ورمي الجمرات بمنى وغير ذلك ، وفيه منافع عظيمة للعباد من إعلان التوحيد لله والمغفرة العظيمة للحجاج والتعارف بين المسلمين وتعلّم أحكام الدّين وغير ذلك . واهتمامك بالسّؤال عن الحجّ أيّها الفتى مع صغر سنّك وبُعْد مكانك في كندا هو أمر جيد تُشكر عليه ، ونسأل الله لك التمكين من حجّ بيته وقضاء فرضه ، وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
حكم الحج
…سؤال رقم 34972
…سؤال:
ما هو حكم الحج ، وما حكم من أنكر وجوبه ؟.
الجواب:
الحمد لله
الحج ركن من أركان الإسلام ، فمن جحده أو أبغضه بعد البيان فهو كافر ، يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، ويجب على المستطيع أن يُعجِّل بأداء فريضة الحج ؛ لقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) آل عمران 97.
وبالله التوفيق .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11 / 11) .
-===========
حكم العمرة
…سؤال رقم 39524
…سؤال:
هل العمرة واجبة أو سنة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أجمع العلماء على مشروعية العمرة وفضلها .
واختلفوا في وجوبها ، فذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك -واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية- إلى أنها سنة مستحبة وليست واجبة .
واستدلوا بما رواه الترمذي (931) عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ ؟ قَالَ : لا ، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ .
غير أن هذا الحديث ضعيف ، ضعفه الشافعي وابن عبد البر وابن حجر والنووي ، والألباني في ضعيف الترمذي ، وغيرهم .
قال الشافعي رحمه الله : هُوَ ضَعِيفٌ , لا تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ , وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ شَيْءٌ ثَابِتٌ بِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ اهـ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : رُوِيَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ لا تَصِحُّ , وَلا تَقُومُ بِمِثْلِهَا الْحُجَّةُ اهـ .
وقال النووي في "المجموع" (7/6) : اتفق الحفاظ على أنه ضعيف اهـ .
ومما يدل على ضعفه أن جابراً رضي الله عنه ثبت عنه القول بوجوب العمرة كما سيأتي .
وذهب الإمامان الشافعي وأحمد إلى وجوبها . واختار هذا القول الإمام البخاري ، رحم الله الجميع .
واستدل القائلون بالوجوب بعدة أدلة :
1- ما رواه ابن ماجه (2901) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ . قال النووي في "المجموع" (7/4) : إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم اهـ . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
ووجه الاستدلال من الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم (عَلَيْهِنَّ) وكلمة (على) تفيد الوجوب .
2- حديث جبريل المشهور لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وعلاماتها ، فقد رواه ابن خزيمة والدارقطني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه زيادة ذكر العمرة مع الحج ، ولفظه : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت وتعتمر ، وتغتسل من الجنابة ، وتتم الوضوء ، وتصوم رمضان ) قال الدارقطني : هذا إسناد ثابت صحيح .(4/48)
3- ما رواه أبو داود (1799) والنسائي (2719) عَنْ الصُّبَيّ بْن مَعْبَدٍ قال كُنْتُ أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا . . . فَأَتَيْتُ عُمَرَ ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي أَسْلَمْتُ ، وَإِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيّ فَأَهْلَلْتُ بِهِمَا ، فَقَالَ عُمَرُ : هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
4- قول جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم .
قال جابر: لَيْسَ مُسْلِم إِلا عَلَيْهِ عُمْرَة . قال الحافظ : رَوَاه اِبْن الْجَهْم الْمَالِكِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن اهـ.
وقال البخاري رحمه الله : بَاب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَيْسَ أَحَدٌ إِلا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) اهـ وقوله : (لَقَرِينَتُهَا) أي : قرينة فريضة الحج .
وقال الشيخ ابن باز : الصواب أن العمرة واجبة مرة في العمر كالحج اهـ مجموع فتاوى ابن باز (16/355) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/9) : اختلف العلماء في العمرة ، هل هي واجبة أو سنة ؟ والذي يظهر أنها واجبة اهـ .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/317) :
الصحيح من قولي العلماء أن العمرة واجبة ، لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) البقرة/166 ، ولأحاديث وردت في ذلك اهـ .
والله تعالى أعلم .
انظر : "المغني" (5/13) ، "المجموع" (7/4) ، "فتاوى ابن تيمية" ( 26/5) ، "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين (7/9) .
الإسلام سؤال وجواب
===============
صفة الحج
…سؤال رقم 31822
…سؤال:
أريد أن أعرف صفة الحج بالتفصيل .
الجواب:
الحمد لله
الحج من أفضل العبادات ، وأجل الطاعات ، وهو أحد أركان الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، والتي لا يتم دين العبد إلا بها .
والعبادة لا يتم التقرب بها إلى الله ولا تكون مقبولة إلا بأمرين :
أحدهما : الإخلاص لله عز وجل بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة ، لا يقصد بها رياءً ولا سمعة ولا حظاً من الدنيا.
الثاني : اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولا وعملا ، والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تحقيقه إلا بمعرفة سنته صلى الله عليه وسلم .
لذلك فالواجب على من أراد أن يتعبد لله تعالى بعبادة -الحج أو غيره- أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها ؛ حتى يكون عمله موافقاً للسنة .
وسنلخص في هذه الأسطر صفة الحج كما وردت في السنة .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم 31819 بيان صفة العمرة ، فليرجع إليه .
أنواع الأنساك
الأنساك ثلاثة أنواع : تمتع - إفراد - قران
فالتمتع : أن يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج ( وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة وذو الحجة. انظر الشرح الممتع 7/62 ) فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر من شعره وتحلل من إحرامه ، فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله. فالمتمتع يأتي بعمرة كاملة وحج كامل .
والإفراد : أن يحرم بالحج وحده فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه بل يبقى محرما حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد ، وإن أخر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس .
والقران : أن يُحرم بالعمرة والحج جميعاً أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يُدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. ( وذلك بأن ينوي أن طوافه وسعيه عن حجه وعمرته ) .
وعمل القارن كعمل المفرد سواء إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه .
وأفضل هذه الأنواع الثلاثة التمتع ، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم به أصحابه وحثهم عليه ، حتى لو أحرم الإنسان قارناً أو مفرداً فإنه يتأكد عليه أن يقلب إحرامه إلى عمرة ثم يتحلل ليصير متمتعاً ولو كان ذلك بعد أن طاف للقدوم وسعى ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف وسعى عام حجة الوداع ومعه أصحابه أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه إلى عمرة ويقصر ويتحل وقال : لولا أنِّي سقت الهدي لفعلت الذي أمرتكم به .
الإحرام
يفعل هنا من سنن الإحرام ما سبق ذكره في السؤال المشار إليه آنفاً من الاغتسال والتطيب والصلاة .
ثم يحرم بعد فراغه من الصلاة أو بعد ركوبه دابته .
ثم إن كان متمتعاً قال : "لبيك اللهم بعمرة" .
وإن كان قارناً قال : "لبيك اللهم بحجة وعمرة" .
وإن كان مُفرداً قال : "لبيك اللهم حجاً" .
ثم يقول : اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة .(4/49)
ثم يلبي بما لبى النبي صلى الله عليه وسلم به وهو: "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" ، وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم : "لبيك إله الحق" وكان ابن عمر يزيد في التلبية قوله : "لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، والرغباء إليك والعمل" . يرفع الرجل صوته بذلك ، وأما المرأة فتقول بقدر ما يسمع من بجنبها ، إلا أن يكون بجانبها رجل ليس من محارمها فإنها تلبي سراً .
- وإذا كان من يريد الإحرام خائفا من عائق يعوقه عن إتمام نسكه ( كمرض أو عدو أو حبس أو غير ذلك ) فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني - أي منعني مانع عن إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي - لأن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال : إن لك على ربك ما استثنيت " رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه .
وأما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولم يأمر بالاشتراط كل أحد ، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها .
وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصا عند تغير الأحوال والأزمان مثل أن يعلو مرتفعا أو ينزل منخفضا أو يقبل الليل أو النهار وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار .
والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبدأ في الطواف .
وفي الحج من الإحرام إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم العيد .
الاغتسال لدخول مكة :
وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها إن تيسر له ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عند دخوله مكة . رواه مسلم (1259) .
ثم إذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف . . . وقد سبق ذكر صفة الطواف في السؤال رقم (31819) .
ثم بعد الطواف وصلاة ركعتين يأتي المسعى فيسعى بين الصفا والمروة ، وقد سبق في السؤال رقم (31819) بيان صفة السعي .
أما المتمتع فيسعى للعمرة ، وأما المفرد والقارن فيسعيان للحج ، ولهما أن يؤخرا السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة .
الحلق أو التقصير
فإذا أتم المتمتع سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً ، أو قصر من شعره ، ويجب أن يكون الحلق شاملا لجميع الرأس ، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس ، والحلق أفضل من التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم : " دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة " رواه مسلم (1303) .
إلا أن يكون وقت الحج قريبا بحيث لا يتسع لنبات شعر الرأس فإن الأفضل التقصير ليبقى له شعر يحلقه في الحج ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم : أمر أصحابه في حجة الوداع أن يقصروا للعمرة؛ لأن قدومهم كان صباح اليوم الرابع من ذي الحجة . وأما المرأة فإنها تُقصِّر من شعرها بمقدار أنملة .
وبهذه الأعمال تمت العمرة للمتمتع ، ويتحلل بعدها إحلالا كاملا ، ويفعل كما يفعل المحلون من اللباس والطيب وإتيان زوجته وغير ذلك .
وأما المفرد والقارن فإنها لا يحلقان ولا يقصران ولا يتحللان من إحرامهما ، بل يبقيان محرمان حتى يحلاً يوم العيد بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير .
ثم إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم المتمتع بالحج ضُحَىً من مكانه الذي هو فيه من مكة ، ويُستحب أن يفعل عند إحرامه بالحج ما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة فينوي الإحرام بالحج ويلبي ، فيقول : " لبيك اللهم حجاً ".
وإن كان خائفا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال : وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن لم يكن خائفا من عائق لم يشترط . ويُستحب له الجهر بالتلبية إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد .
الذهاب إلى منى
ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرا من غير جمع لأن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقصر بمنى ولا يجمع " والقصر : جعل الصلاة الرباعية ركعتين , ويقصر أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس في حجة الوداع ومعه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام ولو كان واجباً عليهم لأمرهم به كما أمرهم به عام الفتح . لكن حيث امتد عمران مكة فشمل منى وصارت كأنها حي من أحيائها فإن أهل مكة لا يقصرون فيها . الذهاب إلى عرفة
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة سار من منى إلى عرفة فنزل بنمرة إلى وقت الظهر (ونمرة مكان قبل عرفة مباشرة) إن تيسر له وإلا فلا حرج لأن النزول بنمرة سنة وليس بواجب ، فإذا زالت الشمس (أي دخل وقت صلاة الظهر) صلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين يجمع بينهما جمع تقديم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليطول وقت الوقوف والدعاء .(4/50)
ثم يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ويدعو بما أحب رافعا يديه مستقبل القبلة ولو كان جبل عرفات خلفه لأن السنة استقبال القبلة لا الجبل وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الجبل وقال : "وقفت ههنا وعرفة كلها موقف" .
وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
فإن حصل له ملل وأراد أن يستجم بالتحدث مع أصحابه بالأحاديث النافعة أو قراءة ما تيسر من الكتب المفيدة خصوصا فيما يتعلق بكرم الله وجزيل هباته ليقوي جانب الرجاء في ذلك اليوم كان ذلك حسنا , ثم يعود إلى التضرع إلى الله ودعائه ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة .
- الذهاب إلى مزدلفة :
فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة . .. فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين .
وإن كان يخشى أن لا يصل مزدلفة إلا بعد نصف الليل فإنه يصلي في الطريق ، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل .
ويبيت بمزدلفة فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكرا بأذان وإقامة ثم قصد المشعر الحرام ( وهو موضع المسجد الموجود بمزدلفة ) فوحد الله وكبره ودعا بما أحب حتى يسفر جدا (والإسفار هو ظهور ضوء النهار قبل طلوع الشمس) وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقفت ههنا وجمعٌ ( أي مزدلفة ) كلها موقف . ويكون حال الذكر والدعاء مستقبل القبلة رافعا يديه .
- الذهاب إلى منى :
فإذا أسفر جدا سار قبل أن تطلع الشمس إلى منى ويسرع في وادي محسر (وهو وادٍ بين مزدلفة ومنى) فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة وهي الأخيرة مما يلي مكة ( فهي أقرب الجمرات إلى مكة ) بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى كل واحدة بقدر حبة الفول تقريبا يُكبر مع كل حصاة (والسنة عند رمي جمرة العقبة أن يستقبل الجمرة ويجعل مكة عن يساره ، ومنى عن يمينه) فإذا فرغ من الرمي ذبح هديه ثم حلق رأسه أو قَصَّر إن كان ذكرا , وأما المرأة فتقصر من شعرها بمقدار أنملة (وبهذا يتحل المُحْرِم التحلل الأول ، فيحل له كل شيء إلا جماع زوجته) ثم ينزل إلى مكة فيطوف ويسعى للحج ( ثم يتحلل التحلل الثاني فيحل له كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام ).
والسنة أن يتطيب إذا أراد النزول إلى مكة للطواف بعد الرمي والحلق لقول عائشة رضي الله عنها : " كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " رواه البخاري (1539) ومسلم (1189) .
ثم بعد الطواف والسعي يرجع إلى منى فيبيت بها ليلتي اليوم الحادي عشر والثاني عشر ويرمي الجمرات الثلاث في اليومين إذا زالت الشمس , والأفضل أن يذهب للرمي ماشيا وإن ركب فلا بأس فيرمي الجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات عن مكة وهي التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى ويكبر بعد كل حصاة ثم يتقدم قليلا ويدعو دعاء طويلا بما أحب فإن شق عليه طول الوقوف والدعاء دعا بما يسهل عليه ولو قليلا ليحصل السنة .
ثم يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ثم يأخذ ذات الشمال فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه ويدعو دعاء طويلا إن تيسر له وإلا وقف بقدر ما يتيسر ولا ينبغي أن يترك الوقوف للدعاء لأنه سنة وكثير من الناس يهمله إما جهلا أو تهاونا وكلما أضيعت السنة كان فعلها ونشرها بين الناس أوكد لئلا تترك وتموت .
ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ثم ينصرف ولا يدعو بعدها .
فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل وخرج من منى , وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق , والتأخر أفضل , ولا يجب إلا أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى , فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال من الغد ، لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره مثل أن يكون قد ارتحل وركب ولكن تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه فإنه لا يلزمه التأخر لأن تأخره إلى الغروب بغير اختياره .
فإذا أراد الخروج من مكة إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينفر أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت " رواه مسلم (1327) ، وفي رواية : " أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفف عن الحائض " رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) .
فالحائض والنفساء ليس عليهما طواف وداع ، ولا ينبغي لهما أن يقفا عند باب المسجد الحرام للوداع لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويجعل طواف الوداع آخر عهده بالبيت إذا أراد أن يرتحل للسفر فإن بقي بعد الوداع لانتظار رفقة أو تحميل رحله أو اشترى حاجة في طريقه فلا حرج عليه ولا يعيد الطواف إلا أن ينوي تأجيل سفره مثل أن يريد السفر أول النهار فيطوف للوداع ثم يؤجل السفر إلى آخر النهار مثلا فإنه يلزمه إعادة الطواف ليكون آخر عهده بالبيت .
فائدة
يجب على المحرم بحج أو عمرة ما يلي :(4/51)
1- أن يكون ملتزما بما أوجب الله عليه من شرائع دينه كالصلاة في أوقاتها مع الجماعة .
2- أن يتجنب ما نهى الله عنه من الرفث والفسوق والعصيان لقوله تعالى { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } البقرة / 197.
3- أن يتجنب أذية المسلمين بالقول أو الفعل عند المشاعر أو غيرها.
4- أن يتجنب جميع محظورات الإحرام .
(أ) فلا يأخذ شيئاً من شعره أو ظفره ، فأما نقش الشوكة ونحوه فلا بأس به وإن خرج دم.
(ب) ولا يتطيب بعد إحرامه في بدنه أو ثوبه أو مأكله أو مشربه ولا يتنظف بصابون مطيب فأما ما بقي من أثر الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه فلا يضر .
(ج) ولا يقتل الصيد .
(د) ولا يجامع امرأته .
(ه) ولا يباشر لشهوة بلمس أو تقبيل أو غيرهما .
(و) ولا يعقد النكاح لنفسه ولا غيره ولا يخطب امرأة لنفسه ولا لغيره.
(ز) ولا يلبس القفازين. فأما لف اليدين بخرقة فلا بأس به.
وهذه المحظورات السبعة محظورات على الذكر والأنثى .
ويختص الرجل بما يلي:
- لا يغطي رأسه بملاصق فأما تظليله بالشمسية وسقف السيارة والخيمة وحمل العفش عليه فلا بأس به.
- ولا يلبس القميص ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف إلا إذا لم يجد إزاراً فيلبس السراويل أو لم يجد نعلين فيلبس الخفاف.
- ولا يلبس ما كان بمعنى ما سبق فلا يلبس العباءة ولا القباء ولا الطاقية ولا الفنيلة ونحوهما.
- ويجوز أن يلبس النعلين والخاتم ونظارة العين وسماعة الأذن وأن يلبس الساعة في يده أو يتقلدها في عنقه ويلبس الحزام ليجعل فيه النفقة .
- ويجوز أن يتنظف بغير ما فيه طيب وأن يغسل ويحك رأسه وبدنه وإن سقط بذلك شعر بدون قصد فلا شيء عليه .
والمرأة لا تلبس النقاب وهو ما تستر به وجهها منقوباً لعينيها فيه ، ولا تلبس البرقع أيضاً .
والسنة أن تكشف وجهها إلا أن يراها رجال غير محارم لها فيجب عليها ستره في حال الإحرام وغيرها…." انظر كتاب مناسك الحج والعمرة للألباني وكتاب صفة الحج والعمرة وكتاب المنهج لمريد العمرة والحج لابن عثيمين رحم الله الجميع .
الإسلام سؤال وجواب
=============
صفة العمرة
…سؤال رقم 31819
…سؤال:
أريد أن أعرف صفة العمرة بالتفصيل .
الجواب:
الحمد لله
العبادة لا تكون مقبولة عند الله تعالى إلا إذا توفر فيها شرطان ، وهما :
الأول : الإخلاص لله عز وجل ، بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة ، لا يقصد بها رياءً ولا سمعة ولا حظاً من الدنيا.
الثاني : اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولا وعملا . واتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تحقيقه إلا بمعرفة سنته صلى الله عليه وسلم .
لذلك فالواجب على من أراد أن يتعبد لله تعالى بعبادة -سواء كانت العمرة أو الحج أو غيرهما- أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها ؛ حتى يكون عمله موافقاً للسنة .
وسنلخص في هذه الأسطر صفة العمرة كما وردت في السنة .
والعمرة تتكون من أربعة أشياء وهي :
الإحرام ، والطواف بالبيت الحرام ، والسعي بين الصفا والمروة ، والحلق أو التقصير .
أولاً : الإحرام
الإحرام هو نية الدخول في النسك -الحج أو العمرة- .
إذا أراد أن يحرم فالسنة أن يتجرد من ثيابه ويغتسل كما يغتسل للجنابة ، ويتطيب بأطيب ما يجد من مسك أو غيره ، في رأسه ولحيته ، ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ، ثم أرى وبيص المسك في رأسه ولحيته بعد ذلك . رواه البخاري (271) ومسلم (1190) .
والوبيص هو البريق واللمعان .
والاغتسال عند الإحرام سنة في حق الرجال والنساء ، حتى النفساء والحائض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عند إحرامها وتستثفر بثوب وتحرم . رواه مسلم (1209) .
ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام ، ثم يصلي غير الحائض والنفساء الفريضة إن كان في وقت فريضة ، وإلا صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء ، فإذا فرغ من الصلاة استقبل القبلة وأحرم ، وله أن يؤخر الإحرام حتى يركب دابته (سيارته) ويستعد للمسير ، فيحرم قبل انطلاقه من الميقات إلى مكة .
ثم يقول : لبيك اللهم بعمرة .
ثم يلبي بما لبى النبي صلى الله عليه وسلم به وهو: (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) ، وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم : (لبيك إله الحق) ، وكان ابن عمر يزيد في التلبية : (لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، والرغباء إليك والعمل) . يرفع الرجل صوته بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية) صححه الألباني في صحيح أبي داوود (1599) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الحج العجُّ والثج) حسنه الألباني في صحيح الجامع (1112) .
والعج رفع الصوت بالتلبية ، والثج سيلان دماء الهدي .
والمرأة تقول بقدر ما يسمع من بجنبها ، إلا أن يكون بجانبها رجل ليس من محارمها فإنها تلبي سراً .(4/52)
وإذا كان من يريد الإحرام خائفا من عائق يعوقه عن إتمام نسكه ( كمرض أو عدو أو حبس أو غير ذلك) فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني - أي : إن منعني مانع من إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي - لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال : إن لك على ربك ما استثنيت . رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) .
فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه .
وأما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولم يأمر بالاشتراط كل أحد ، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها .
وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصا عند تغير الأحوال والأزمان ، مثل أن يعلو مرتفعا أو ينزل منخفضا أو يقبل الليل أو النهار ، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة ، ويستعيذ برحمته من النار .
والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبدأ في الطواف ، فإذا بدأ في الطواف قطع التلبية .
الاغتسال لدخول مكة
وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها إن تيسر له ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عند دخوله مكة . رواه مسلم (1259) .
ثانياً : الطواف
فإذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال : بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ، أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف فيستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله ، فإن لم يتيسر تقبيله استلمه بيده وقَبَّل يده (والاستلام هو مسح الحجر بيده) فإن لم يتيسر استلامه بيده فإنه يستقبل الحجر ويشير إليه بيده ويكبر ، ولا يقبل يده .
وفي استلام الحجر الأسود فضل كبير ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليبعثن الله الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ، ولسان ينطق به ، يشهد على من استلمه بحق) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1144) .
والأفضل أن لا يزاحم فيؤذي الناس ويتأذى بهم ، لما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر : (يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف ، إن وجدت خلوة فاستلمه ، وإلا فاستقبله وكبر) رواه أحمد (191) وقواه الألباني في رسالة مناسك الحج والعمرة ص 21.
ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره فإذا بلغ الركن اليماني (وهو ثالث الأركان بعد الحجر الأسود) استلمه من غير تقبيل ولا تكبير ، فإن لم يتيسر له استلامه انصرف ، ولا يزاحم عليه . ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) رواه أبو داوود وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (1666).
وكلما مر بالحجر الأسود استقبله وكبر ، ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن فإنما جعل الطواف بالبيت لإقامة ذكر الله تعالى .
وفي هذا الطواف ينبغي للرجل أن يفعل شيئين :
أحدهما : الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه , والاضطباع أن يكشف كتفه الأيمن بأن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف ، لأن الاضطباع محله الطواف فقط .
والثاني : الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط ، والرمل هو إسراع المشي مع مقاربة الخطوات ، وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل وإنما يمشي كعادته .
فإذا أتم الطواف سبعة أشواط غطى كتفه الأيمن ثم يتقدم إلى مقام إبراهيم فيقرأ : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) ثم يصلي ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى بعد الفاتحة ( قل يا أيها الكافرون ) وفي الثانية ( قل هو الله أحد ) بعد الفاتحة . ثم إذا فرغ من الصلاة ذهب إلى الحجر الأسود واستلمه إن تيسر له ، والمشروع هنا الاستلام فقط ، فإن لم يتمكن من الاستلام انصرف ولا يشير إليه .
ثالثاً : السعي
ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ويقول : (نبدأ بما بدأ الله به) ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو . وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم هنا : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) رواه مسلم (1218).
يكرر ذلك ثلاث مرات ويدعو بين ذلك . فيقول هذا الذكر ثم يدعو ، ثم يقوله الثانية ثم يدعو ، ثم يقوله الثالثة وينزل إلى المروة ولا يدعو بعد الثالثة .
فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضا شديدا بقدر ما يستطيع ولا يؤذي أحداً لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وهو يقول : (لا يُقطع الأبطح إلا شَدًّا) أي : إلا عَدْواً . رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2419) .(4/53)
والأبطح هم المسافة بين العلمين الأخضرين الموجودين الآن .
فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا ، ثم ينزل من المروة إلى الصفا فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه ، فإذا وصل الصفا فعل كما فعل أول مرة ، وهكذا المروة حتى يُكَمِّل سبعة أشواط , ذهابه من الصفا إلى المروة شوط , ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر ، ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن .
تنبيه :
قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) يقولها من أراد السعي إذا اقترب من الصفا في بداية السعي فقط ، ولا يستحب تكرارها كلما اقترب من الصفا والمروة كما يفعله بعض الناس .
رابعاً : الحلق أو التقصير
فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً ، أو قصر من شعره .
ويجب أن يكون الحلق شاملا لجميع الرأس ، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس ، والحلق أفضل من التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة . رواه مسلم (1303) .
وأما المرأة فإنها تُقصِّر من شعرها بمقدار أنملة .
وبهذه الأعمال تمت العمرة فتكون العمرة : الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح الأعمال ، وأن يتقبل منا إنه قريب مجيب .
انظر كتاب مناسك الحج والعمرة للألباني ، وكتاب صفة الحج والعمرة وكتاب المنهج لمريد العمرة والحج لابن عثيمين رحم الله الجميع .
الإسلام سؤال وجواب
===============
هل تشترط الطهارة للطواف والسعي؟
…سؤال رقم 34695
…سؤال:
أثناء طوافي للعمرة انتقض وضوئي ، فلم أدر ماذا أصنع ، فخرجت وتوضأت وأعدت الطواف ثم سعيت بين الصفا والمروة . فهل ما فعلته صحيح ؟ وماذا كان عليّ أن أفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
لقد أحسنت بإعادتك الوضوء والطواف ، وأخذت بالأحسن والأحوط ، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف كالصلاة ، فكما لا تصح الصلاة من المحدث حتى يتوضأ فكذلك الطواف .
قال ابن قدامة :
الطَّهَارَة مِنْ الْحَدَثِ شرط لِصِحَّةِ الطَّوَافِ , فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ . وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ اهـ .
واستدل الجمهور لهذا القول بعدة أدلة ، منها :
1- قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ , إلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ ) . رواه الترمذي (960) وصححه الألباني في إرواء الغليل (121).
2- ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ ) . وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خذوا عني مناسككم) . رواه مسلم (1297).
فتاوى الشيخ ابن باز (17/213-214) .
3- ثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة لما حاضت : ( افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي ) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : لي قريبة اعتمرت في رمضان ولما دخلت الحرم أحدثت حدثاً أصغر ، خرج منها ريح وخجلت أن تقول لأهلها أريد أن أتوضأ ، ثم طافت ولما انتهت من الطواف ذهبت لوحدها وتوضأت ثم أتت بالسعي ، فهل عليها دم أم كفارة ؟
فأجاب :
طوافها غير صحيح ، لأن من شرط صحة الطواف الطهارة كالصلاة ، فعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف بالبيت ويستحب لها أن تعيد السعي ، لأن أكثر أهل العلم لا يجيز تقديمه على الطواف ، ثم تقصّر من جميع رأسها وتحلّ ، وإن كانت ذات زوج وقد جامعها زوجها فعليه دم يذبح في مكة للفقراء ، وعليها أن تأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه للعمرة الأولى ، لأن العمرة الأولى فسدت بالجماع ، فعليها أن تفعل ما ذكرنا ثم تأتي بالعمرة الجديدة من الميقات التي أحرمت للعمرة الأولى منه ، سواء كان ذلك في الحال أو في وقت آخر حسب طاقتها . والله وليّ التوفيق اهـ .
فتاوى الشيخ ابن باز (17/214-215) .
وسئل أيضاً : رجل شرع في الطواف فخرج منه ريح ، هل يلزمه قطع طوافه أم يستمر ؟
فأجاب : إذا أحدث الإنسان في الطواف بريح أو بول أو منيّ أو مس فرج أو ما أشبه ذلك انقطع طوافه كالصلاة يذهب فيتطهر ثم يستأنف الطواف، هذا هو الصحيح ، والمسألة فيها خلاف ، لكن هذا هو الصواب في الطواف والصلاة جميعاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة ) . رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة ، والطواف من جنس الصلاة في الجملة .... اهـ .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (17/216-217) .
وذهب بعض العلماء إلى أن الطهارة من الحدث ليست شرطاً للطواف . وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية . وأجابوا عن أدلة القول الأول بالآتي :(4/54)
أما حديث ( الطواف بالبيت صلاة ) فقالوا : لا يصح من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإنما هو من قول ابن عباس رضي الله عنهما . قال النووي في المجموع : الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ اهـ .
وأما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه طاف متطهراً فقالوا : هذا لا يدل على الوجوب ، وإنما يدل على الاستحباب فقط ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله ولم يَرِد أنه أمر أصحابه بذلك .
وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة : ( افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي ) فإنما منعها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الطواف لأنها حائض ، والحائض ممنوعة من دخول المسجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً ؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف ، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة ، وقد اعتمر عمَراً متعددة والناس يعتمرون معه فلو كان الوضوء فرضاً للطواف لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً ، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه ، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب ؛ فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة ، وقد قال : " إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر " ... .اهـ .
"مجموع الفتاوى" ( 21 / 273 ) .
وهذا القول -أي عدم اشتراط الطهارة للطواف- مع قوته واحتمال الأدلة له لا ينبغي للإنسان أن يقدم على الطواف بلا طهارة ، وذلك لأن الطواف متطهراً أفضل بلا شك ، وأحوط وأبرأ للذمة . وبه يسلم الإنسان من مخالفة جمهور العلماء .
ولكن يسع الإنسان العمل به مع المشقة الشديدة في مراعاة الوضوء ، وذلك يكون في أيام المواسم ، أو إذا كان الرجل مريضاً أو كبيراً في السن يشق عليه أن يحافظ على طهارته مع شدة الزحام والمدافعة . . ونحو ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن أجاب عن أدلة الجمهور :
وعليه : فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس : أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك ، ولكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام ، مثل : لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد ، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد ، لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط : فيه مشقة شديدة ، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيه النص ظهوراً بيِّناً : فإنه لا ينبغي أن نُلزم الناس به ، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر ؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . البقرة / 185 اهـ . " الشرح الممتع " ( 7 / 300 ) .
وأما بالنسبة للسعي : فلا يشترط فيه الوضوء وهو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، بل يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض إلا من الطواف فقال لعائشة - رضي الله عنها - لما حاضت - : " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " . انظر المغني 5 / 246 .
قال الشيخ ابن عثيمين :
فلو سعى محدثاً ، أو سعى وهو جنب ، أو سعت المرأة وهي حائض : فإن ذلك مجزئ ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة .
" الشرح الممتع " ( 7 / 310 ، 311 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
نسي أحد الأشواط من طواف الإفاضة
…سؤال رقم 26213
…سؤال:
إذا طاف الحاج طواف الإفاضة، ونسي أحد الأشواط ولم يعلم إلا بعد خروجه من المسجد الحرام، فما الحكم ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( فتاوى اللجنة 11/253).
==============
وقت رمي الجمار
…سؤال رقم 49022
…سؤال:
أريد أن أعرف بالتحديد وقت رمي الجمار ، أوله وآخره .
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين :
وقت الرمي بالنسبة لجمرة العقبة يوم العيد يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد ، ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقّهم من آخر الليل ، وكانت أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ ترتقب غروب القمر ليلة العيد فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى ، ورمت الجمرة ، أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد ، وإذا كان زحام أو كان بعيداً عن الجمرات وأحب أن يؤخره إلى الليل فلا حرج عليه في ذلك ، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر .(4/55)
وأما بالنسبة لرمي الجمار في أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر ، واليوم الثاني عشر ، واليوم الثالث عشر فإن ابتداء الرمي يكون من زوال الشمس أي من انتصاف النهار عند دخول وقت الظهر ، ويستمر إلى الليل ، وإذا كان هناك مشقة من زحام وغيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر ، ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر ، الثالث عشر قبل الزوال ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال ، وقال للناس : " خذوا عني مناسككم " وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي ـ إلى هذا الوقت ـ مع أنه في شدّة الحر ، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر ، دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت ، ويدل لذلك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرمي من حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر ، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل ، لأجل أن يصلي الصلاة ـ صلاة الظهر ـ في أوّل وقتها ، لأن الصلاة في أول وقتها أفضل ، والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال .
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 560) .
وقال أيضاً :
رمي جمرة العقبة يوم العيد ينتهي بطلوع الفجر من اليوم الحادي عشر ويبتدئ من آخر الليل من ليلة النحر للضعفاء ونحوهم من الذين لا يستطيعون مزاحمة الناس .
وأما رميها في أيام التشريق فهي كرمي الجمرتين اللتين معها يبتدئ الرمي من الزوال ( أول وقت صلاة الظهر ) وينتهي بطلوع الفجر من الليلة التي تلي اليوم إلا إذا كان في آخر أيام التشريق فإن الليل لا رمي فيه وهو ليلة الرابع عشر ، لأن أيام التشريق انتهت بغروب شمسها ، ومع ذلك فالرمي في النهار أفضل إلا أنه في هذه الأوقات مع كثرة الحجيج وغشمهم ، وعدم مبالاة بعضهم ببعض إذا خاف على نفسه من الهلاك أو الضرر أو المشقة الشديدة فإنه يرمي ليلاً ولا حرج عليه ، كما أنه لو رمى ليلاً بدون أن يخاف هذا فلا حرج عليه ، ولكن الأفضل أن يراعي الاحتياط في هذه المسألة ولا يرمي ليلاً إلا عند الحاجة إليه اهـ .
فتاوى أركان الإسلام (ص557-558) .
الإسلام سؤال وجواب
=============
الحكمة من تشريع الزكاة
…سؤال رقم 43609
…سؤال:
هل هناك حكمة معينة من تشريع الزكاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجب أن يُعلم أن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا وهو متضمن لأحسن الحكم ، ومحقق لأحسن المصالح ، فإن الله تعالى هو العليم ، الذي أحاط بكل شيء علماً ، الحكيم ، الذي لا يشرع شيئاً إلا لحكمة .
ثانياً :
وأما الحكمة من تشريع الزكاة ، فقد ذكر العلماء حكما كثيرة لذلك ، منها :
الأولى : إتمام إسلام العبد وإكماله ؛ لأنها أحد أركان الإسلام ، فإذا قام بها الإنسان تم إسلامه وكمل ، وهذا لا شك أنه غاية عظيمة لكل مسلم ، فكل مسلم مؤمن يسعى لإكمال دينه .
الثانية : أنها دليل على صدق إيمان المزكي ، وذلك أن المال محبوب للنفوس ، والمحبوب لا يبذل إلا ابتغاء محبوب مثله أو أكثر ، بل ابتغاء محبوب أكثر منه ، ولهذا سميت صدقة ؛ لأنها تدل على صدق طلب صاحبها لرضا الله عزّ وجل .
الثالثة : أنها تزكي أخلاق المزكي ، فتنتشله من زمرة البخلاء ، وتدخله في زمرة الكرماء ؛ لأنه إذا عود نفسه على البذل ، سواء بذل علم ، أو بذل مال ، أو بذل جاه ، صار ذلك البذل سجية له وطبيعة حتى إنه يتكدر ، إذا لم يكن ذلك اليوم قد بذل ما اعتاده ، كصاحب الصيد الذي اعتاد الصيد ، تجده إذا كان ذلك اليوم متأخراً عن الصيد يضيق صدره ، وكذلك الذي عود نفسه على الكرم ، يضيق صدره إذا فات يوم من الأيام لم يبذل فيه ماله أو جاهه أو منفعته .
الرابعة : أنها تشرح الصدر ، فالإنسان إذا بذل الشيء ، ولاسيما المال ، يجد في نفسه انشراحاً ، وهذا شيء مجرب ، ولكن بشرط أن يكون بذله بسخاء وطيب نفس ، لا أن يكون بذله وقلبه تابع له .
وقد ذكر ابن القيم في "زاد المعاد" أن البذل والكرم من أسباب انشراح الصدر ، لكن لا يستفيد منه إلا الذي يعطي بسخاء وطيب نفس ، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده ، أما من أخرج المال من يده ، لكنه في قرارة قلبه ، فلن ينتفع بهذا البذل .
الخامسة : أنها تلحق الإنسان بالمؤمن الكامل ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) فكما أنك تحب أن يبذل لك المال الذي تسد به حاجتك ، فأنت تحب أن تعطيه أخاك ، فتكون بذلك كامل الإيمان .
السادسة : أنها من أسباب دخول الجنة ، فإن الجنة ( لمن أطاب الكلام ، وأفشى السلام ، وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام ) ، وكلنا يسعى إلى دخول الجنة .
السابعة : أنها تجعل المجتمع الإسلامي كأنه أسرة واحدة ، فيعطف فيه القادر على العاجز ، والغني على المعسر ، فيصبح الإنسان يشعر بأن له إخواناً يجب عليه أن يحسن إليهم كما أحسن الله إليه ، قال تعالى : ( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) القصص/77 . فتصبح الأمة الإسلامية وكأنها عائلة واحدة ، وهذا ما يعرف عند المتأخرين بالتكافل الاجتماعي ، والزكاة هي خير ما يكون لذلك ؛ لأن الإنسان يؤدي بها فريضة ، وينفع إخوانه .(4/56)
الثامنة : أنها تطفئ حرارة ثورة الفقراء ؛ لأن الفقير قد يغيظه أن يجد هذا الرجل يركب ما شاء من المراكب ، ويسكن ما يشاء من القصور ، ويأكل ما يشتهي من الطعام ، وهو لا يركب إلا رجليه ، ولا ينام إلا على الأرض وما أشبه ذلك ، لا شك أنه يجد في نفسه شيئاً .
فإذا جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم ، وقالوا : لنا إخوان يعرفوننا في الشدة ، فيألفون الأغنياء ويحبونهم .
التاسعة : أنها تمنع الجرائم المالية مثل السرقات والنهب والسطو ، وما أشبه ذلك ؛ لأن الفقراء يأتيهم ما يسد شيئاً من حاجتهم ، ويعذرون الأغنياء بكونهم يعطونهم من مالهم ، فيرون أنهم محسنون إليهم فلا يعتدون عليهم .
العاشرة : النجاة من حر يوم القيامة ، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : ( كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (4510) ، وقال في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) متفق عليه .
الحادية عشرة : أنها تلجئ الإنسان إلى معرفة حدود الله وشرائعه ؛ لأنه لن يؤدي زكاته إلا بعد أن يعرف أحكامها وأموالها وأنصباءها ومستحقيها ، وغير ذلك مما تدعو الحاجة إليه .
الثانية عشرة : أنها تزكي المال ، يعني تنمي المال حساً ومعنى ، فإذا تصدق الإنسان من ماله فإن ذلك يقيه الآفات ، وربما يفتح الله له زيادة رزق بسبب هذه الصدقة ، ولهذا جاء في الحديث : ( ما نقصت صدقة من مال ) رواه مسلم (2588) ، وهذا شيء مشاهد أن الإنسان البخيل ربما يسلط على ماله ما يقضي عليه أو على أكثره باحتراق ، أو خسائر كثيرة ، أو أمراض تلجئه إلى العلاجات التي تستنزف منه أموالاً كثيرة .
الثالثة عشرة : أنها سبب لنزول الخيرات ، وفي الحديث : ( ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (5204) .
الرابعة عشرة : ( أن صدقة السر تطفئ غضب الرب ) كما ثبت ذلك عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3759)
الخامسة عشرة : أنها تدفع ميتة السوء .
السادسة عشرة : أنها تتعالج ( أي تتصارع ) مع البلاء الذي ينزل من السماء فتمنع وصوله إلى الأرض .
السابعة عشرة : أنها تكفر الخطايا ، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم : ( الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (5136) .
انظر : "الشرح الممتع" (6/4-7) .
الإسلام سؤال وجواب
============
إذا صلى بعض المأمومين خارج المسجد وانقطع التيار الكهربائي
…سؤال رقم 83009
…سؤال:
أتيت إلى المسجد متأخرا لصلاة العشاء ، ولم يكن داخل المسجد مكان للصلاة فصلينا خارج المسجد ، وفي الركعة الأخيرة انقطع التيار الكهربائي وانقطع صوت الميكروفون عنا ولم نسمع الإمام ، ماذا نفعل في هذه الحالة ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان بعض المأمومين خارج المسجد ، وتعذر اقتداؤهم بالإمام لانقطاع التيار الكهربائي ، فإن المشروع في هذه الحال أن يقوم أحد المأمومين القريبين من باب المسجد بالجهر بالتكبير حتى يسمع من بخَارج المسجد ، ويمكنهم متابعة الإمام في الصلاة ، فإن لم يفعل فإنهم يخيرون بين أحد أمرين : إما أن يتموا صلاتهم فرادى ، وإما أن يقدموا أحدهم يتم بهم الصلاة جماعة ، وهذا هو الأولى ، حتى لا يقع المصلون في الاضطراب والارتباك الحاصل بسبب انقطاع صوت الإمام .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : صلى جماعة في قبو مسجد ( الطابق الأرضي ) صلاة الجمعة ، وأثناء الصلاة انقطع التيار الكهربائي ، وأصبح المأمومون لا يسمعون الإمام ، فتقدم أحد المأمومين وأكمل بهم الصلاة . فما حكم صلاة هؤلاء علما أنه أكمل بهم الصلاة على أنها جمعة؟ وما الحكم فيما لو لم يتقدم أحد ، هل يكمل كل فرد منهم صلاته وحده ؟ وإذا كان يجوز ذلك هل يكملها على أنها ظهر أو على أنها جمعة ، حيث إنه استمع إلى الخطيب وافتتح الصلاة مع الإمام وصلى معه ركعة ؟
فأجاب : إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل ، فصلاة الجميع صحيحة ؛ لأن من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو لم يتقدم لهم أحد فصلى كل واحد بنفسه الركعة الأخيرة أجزأه ذلك ، كالمسبوق بركعة يصلي مع الإمام ما أدرك ثم يقضي الركعة الثانية لنفسه ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (12/331) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
التبول في البانيو
…سؤال رقم 4026
…سؤال:
السؤال : هل التبول في البانيو أثناء الاستحمام يدخل في حديث النهي عن أن يبول الشّخص في مكان استحمامه أم لأن مجرى الماء مفتوح فلا يدخل ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب :
لا ، لا يدخل لأنه إذا بال فسوف يريق عليه الماء ثم يزول البول ، لكن لا يستحم حتى يزيل البول بإراقة الماء عليه .
سؤال :(4/57)
هذا التبول يحصل أثناء الاستحمام .
الجواب :
العادة أن التبول له مكان آخر ، لكن لو قُدِّر أن الإنسان حضره التبول أثناء الاستحمام فإنه يتوقف عن الاستحمام حتى يبول ويريق عليه الماء .. والله أعلم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
==============
الختان وانتقاء الاسم للمسلم الجديد
…سؤال رقم 1150
…سؤال:
أنا شاب من الدنمارك ، وأنا من مدة مهتم بالإسلام ، ولقد توصلت الآن لمرحلة أصبحت فيها متأكداً بكل معنى الكلمة أنني أريد أن أصبح مسلماً . وعندي أسئلة وهي كما يلي :
- هل يجب أن أكون مختوناً لأصبح مسلماً ( وهذا ما أقبله مسروراً ) وكيف يتم ذلك { الختان } هل يفعل عن طريق الطبيب أو الإمام أو أفعله بنفسي .
- إنني أحس أن تغيير اسمي عندما أصبح مسلماً هو بصدق حدث مفرح ، ولكنني أحب أن أعرف ما الاسم الأنسب من الأسماء الآتية ليكون اسمي الأول الجديد : قاسم -عاصم - تيم الله - سعيد . وسأكون ممتناً إن رددت على رسالتي .
الجواب:
الحمد لله
الحمد لله الذي هداك لهذا وما كنت لتهتدي لولا أن هداك الله ، وهذا نبأ سعيد نتلقاه هذه الليلة برغبتك للانضمام إلى ديننا نسأل الله لك التوفيق للحقّ والثبات على الإسلام .
وأمّا عن سؤالك الأوّل فإن كان الختان لا يسبّب لك ضررا فيمكنك إجراؤه عند من تثق بخبرته ومهارته من الجرّاحين ، وإذا كان سيسبّب لك ضررا فلا عليك من عدم القيام به ولا يضرّ ذلك بإسلامك إن شاء الله .
وأمّا بالنسبة لتغيير اسمك فإنّ أحبّ الأسماء إلى الله : عبد الله وعبد الرحمن كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم ( رقم 3975 ) .
وإذا أردت أن ننتقي لك اسما من الأسماء التي حدّدتها في القائمة فيمكنك أن تتسمى بـ : عاصم ومعناه في اللغة العربية حافظ أو صائن أو واقي
نسأل الله لك حياة طيبة سعيدة في ظلال الإسلام العظيم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
إمامة الرجل غير المختون
…سؤال رقم 2140
…سؤال:
السؤال :
إذا أسلم رجل أو أمرأة بعد أن بلغ عمرهما ثلاثين سنة أو أكثر أو أقل هل يلزمهما الختان ، وهل يجوز إمامة الرجل غير المختون ؟ .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
إن الختان من سنن الفطرة في حق الرجال و النساء فإن تركه بعد أن كبرت سنه فلا شيء عليه ، وأما إمامة غير المختون فصحيحة .
فتاوى اللجنة الدائمة 5/117
=============
لا يجوز أن يكون الختان عائقا بين الشخص وبين الدخول في الدين
…سؤال رقم 4
…سؤال:
السؤال :
محامي من الأرجنتين يسأل عن حكم الاختتان للكافر والكافرة إذا أرادا الدخول في الدين .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
أيها السائل العزيز
شكرا لك على توجيه هذا السؤال لأن مسألة الختان هي فعلا من المسائل التي تكون في عدد من الحالات عقبة في طريق بعض الذين يريدون الدخول في دين الإسلام .
والمسألة أسهل مما يظنّه الكثيرون ، فأما الختان فإنه من شعائر الإسلام ومن الفطرة ومن ملة إبراهيم عليه السلام وقد قال الله تعالى : ( ثمّ أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة .. ) رواه البخاري 6/388 ط. السلفية ، فالختان على الرجل المسلم واجب إذا قدر عليه ، فأما إذا لم يقدر عليه كأن خاف على نفسه التلف لو اختتن أو أخبره الطبيب الثقة أنه يحصل له نزيف قد يودي بحياته فيسقط عنه الختان حينئذ ولا يأثم بتركه .
ولا يجوز بأيّ حال من الأحوال أن تُجعل مسألة الختان عائقا بين الشخص وبين دخوله في الدّين بل إنّ صحة الإسلام لا تتوقف على الختان فيصحّ دخول الشخص في دين الإسلام حتى ولو لم يختتن .
أما مسألة حكم ختان الأنثى فستجد جوابها في السؤال رقم ( 427 ) .
أسأل الله أن يوفقك لكلّ خير ويحفظك من كلّ شر وصلى وسلم على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
حلاقة شعر الساقين
…سؤال رقم 832
…سؤال:
السؤال :
ما حكم حلاقة المرأة لشعر الساقين ؟ هل هو تشبه بالكفار وماذا قال العلماء في ذلك ؟ وإذا كانت المرأة تريد أن تفعله لزوجها فما الحكم ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لقد سبقت الإجابة عن هذا المسألة يراجع إجابة السؤال رقم 451 ، 742
وخلاصة الجواب أنه يجوز إزالة شعر الساقين ، وأمّا عن أقوال المذاهب الفقهية في مسألة حلاقة شعر الجسد كشعر اليدين والرجلين فقد صرّح المالكية بأنّ للمرأة إزالة كلّ ما في إزالته جمال لها ، ويجب عليها إبقاء ما في إبقائه جمال لها ولذلك يحرم عليها حلق شعر رأسها . ( الموسوعة الفقهية ) 18/100
ويحرم على المرأة النّمص وهو حفّ شعر الوجه وأشدّه الحاجبين للوعيد الوارد في ذلك . وللتفصيل في ضوابط زينة المرأة يُراجع سؤال رقم 261
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
حكم تطويل الأظافر
…سؤال رقم 21606
…سؤال:
ما حكم الشرع فيمن يطيل أظافره كلها أو بعضها ؟.
الجواب:
الحمد لله(4/58)
تطويل الأظافر مكروه إن لم يكن محرماً لأن النبي صلى الله عليه وقّت في تقليم الأظافر ألا تترك فوق أربعين يوماً . رواه مسلم في الطهارة (258)
ومن الغرائب أن هؤلاء الذين يدّعون المدنية والحضارة يبقون هذه الأظافر مع أنها تحمل الأوساخ والأقذار وتوجب أن يكون الإنسان متشبهاً بالحيوان ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما أنْهَرَ الدم وذُكر اسم الله فكل ليس السن والظفر ... أما السن فعظمٌ وأما الظفر فمُدى الحبشة ) رواه البخاري في الشركة (3507) ، ومسلم في الأضاحي (1968) ، يعني أنهم يتخذون الأظافر سكاكين يذبحون بها ويقطعون بها اللحم أو غير ذلك فهذا من هدي هؤلاء الذين أشبه ما يكونون بالبهائم .
كتاب الدعوة /5 الشيخ ابن عثيمين (2/79)
==============
صفة المسح على الخف أو الجورب
…سؤال رقم 12796
…سؤال:
سؤالي يتعلق بحديث المسح على الجوارب في حالة المسح على الطهارة ، قال ابن خزيمة أنه حسب ما ورد في حديث صفوان بن عسال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : أمرنا بالمسح على الخفين إذا لبسناهما على طهارة لمدة ثلاثة أيام للمسافر ولمدة يوم وليلة للمقيم .
سؤالي هو : هل يمكن أن أفترض أن يوم وليلة في الحديث تعني 24 ساعة ؟ وبالتالي هل أستطيع لبس جواربي على طهارة في أي وقت ثم أمسح عليها عند الوضوء مادامت المدة خلال الـ 24 ساعة ؟ مثلا ، هل يجوز أن ألبس الجوارب عند الحادية عشراً مساءاً في يوم ما , ثم أمسح عليها عند الوضوء حتى الحادية عشرة مساءاً من اليوم التالي ؟
كذلك , أرجو أن تخبروني ما هي الجزء من الجوارب الذي يجب أن يمسح ؟
أنا أعلم أنه لا يجوز مسح أسفل الجوارب , لكن هل يجب أن نمسح الجوارب من الجانبين والخلف والمقدمة ؟
أرجو إجابتي لأن هذا سيجعل حياتي أسهل بكثير , كما أن بشرتي حساسة وإهمالي للأمر يقودني لكثير من الوسواس وعدم الرضا .
الجواب:
الحمد لله
أما بداية مدة المسح على الخفين أو الجوربين فإنها تكون مِن أول مرَّة مَسَح فيها بعد الحَدَث وليس من أول لبس الخف . يراجع جواب سؤال رقم 9640 .
أما صفة المسح فهي : " أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثمَّ يُمرُّهما إلى ساقه ، يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى ، والرجل اليسرى باليد اليسرى ، ويُفرِّج أصابعه إذا مسح ولا يكرر المسح " . انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/43
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " يعني أن الذي يمسح هو أعلى الخف ، فيُمرّ يده من عند أصابع الرجل إلى الساق فقط ، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً ، يعني اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى ، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة ، كما تمسح الأذنان ، لأن هذا هو ظاهر السنة ، لقول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : " فمسح عليهما " ، ولم يقل بدأ باليمنى بل قال : مسح عليهما ، فظاهر السنة هو هذا . نعم لو فرض أن إحدى يديه لا يعمل بها فيبدأ باليمنى قبل اليسرى ، وكثير من الناس يمسح بكلتا يديه على اليمنى وكلتا يديه على اليسرى ، وهذا لا أصل له فيما أعلم . ...وعلى أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يجزئ لكن كلامنا هذا في الأفضل ." أ.هـ. انظر فتاوى المرأة المسلمة ج/1 ص/250
ولا يمسح من جانبي الخف ّوخلفه فلم يرد في مسحه شيء .
قال الشيخ ابن عثيمين : " وقد يقول قائل : إن ظاهر الأمر قد يكون باطن الخف أولى بالمسح لأنه هو الذي باشر التراب والأوساخ ، لكن عند التأمل نجد أن مسح أعلى الخف هو الأعلى والذي يدل عليه العقل ، لأن هذا المسح لا يراد به التنظيف والتنقية ، وإنما يراد به التعبد ، ولو أننا مسحنا أسفل الخف لكان ذلك تلويثاً له " .
والله أعلم .
يراجع الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/213.
الشيخ محمد صالح المنجد
-=============
شروط المسح على الخفين
…سؤال رقم 9640
…سؤال:
ما هي شروط المسح على الْخُفَّين مع الأدلة على ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
يُشترط للمسح على الخفَّيْن أربعة شروط :
الشرط الأول : أنْ يكون لابساً لهما على طهارة ودليل ذلك قوله صلَّى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة : (دعْهما فإنِّي أدخَلتُهما طاهرتَيْن) .
الشرط الثاني : أنْ يكون الخُفَّان أو الجوارب طاهرةً فإنْ كانت نجسةً فإنَّه لا يجوز المسح عليها ، ودليل ذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلان فخلعهما في أثناء صلاته وأَخبَر أنَّ جبريل أخبره بأنَّ فيهما أذىً أو قذَراً رواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مسنده ، وهذا يدل على أنَّه لا تَجوز الصلاة فيما فيه نَجاسة ولأنَّ النَّجس إذا مُسِح عليه تلوَّثَ الماسحُ بالنَّجاسةِ فلا يصِحُّ أنْ يكونَ مطهراً .(4/59)
الشرط الثالث : أنْ يكون مسحهما في الحَدَث الأصغر لا في الجنابة أو ما يوجب الغُسل ، ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال : أَمَرَنا رسولُ الله إذا كنَّا سَفرا أنْ لا نَنْزِع خِفافنا ثلاثة أيام ولياليَهُنَّ إلاَّ مِن جَنابة ولكنْ مِن غائطٍ وبولٍ ونومٍ رواه أحمد من حديث صفوان بن عسّال رضي الله عنه في مسنده ، فيُشترَطُ أنْ يكون المسح في الحَدَث الأصغر ولا يجوز في الحَدَث الأكبر لهذا الحديث الذي ذكرناه .
الشرط الرابع : أنْ يكون المسح في الوقت المحدَّد شرعاً وهو يومٌ وليلةٌ للمُقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر لحديث عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم للمُقيم يوماً وليلةً وللمسافر ثلاثة أيام ولياليَهن ، يعني في المسح على الخُفَّين . رواه مسلم ، وهذه المدة تبتدئ مِن أول مرَّة مَسَح بعد الحَدَث وتنتهي بأربعٍ وعشرين ساعةً بالنسبة للمُقيم واثنتين وسبعين ساعةً بالنسبة للمُسافر ، فإذا قدَّرنا أنَّ شخصاً تطهَّر لصلاة الفجر يوم الثلاثاء وبقي على طهارته حتى صلَّى العشاء من ليلة الأربعاء ونام ثم قام لصلاة الفجر يوم الأربعاء و مَسَح في الساعة الخامسة بالتوقيت الزوالي فإنَّ ابتداء المدة يكون في الساعة الخامسة مِن صباح يوم الأربعاء إلى الساعة الخامسة مِن صباح يوم الخميس فلو قُدِّر أنَّه مسَحَ يوم الخميس قبل تمام الساعة الخامسة فإنَّ له أنْ يُصلِّيَ الفجر أي فجرَ يوم الخميس بهذا المسح ويُصلي ما شاء أيضاً مادام على طهارته لأنَّ الوضوء لا يُنتَقَض إذا تَمَّت المدَّة على القول الراجح مِن أقوال أهل العلم وذلك لأنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يُوقِّت الطَّهارة وإنَّما وَقَّتَ المسْح فإذا تَمَّت المدة فلا مسْحَ ولكنَّه إذا كان على طهارة فطهارته باقيةٌ لأنَّ هذه الطهارة ثبتَتْ بمُقتضَى دليلٍ شرعي وما ثبتَ بدليلٍ شرعيٍ فإنَّه لا يرتفع إلاَّ بدليلٍ شرعيٍ ولا دليلَ على انتقاض الوضوء بتمام مدة المسح ولأنَّ الأصلَ بقاءُ ما كان على ما كان حتى يتبيَّن زوالُه فهذه الشروط التي تُشترَط للمسح على الخفَّيْن وهناك شروط أخرى ذكرها بعض أهل العلم وفي بعضها نظر .
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 14.
==============
هل ينتقض الوضوء بخلع الجوارب ؟
…سؤال رقم 26343
…سؤال:
إذا توضأ الإنسان ومسح على الخفين وأثناء مدة المسح خلع خفيه قبل الصلاة ، فهل يصلي وتصح صلاته أم أن وضوءه ينتقض بخلع الخفين ؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
إذا خلع الخف أو الجورب بعد أن مسح عليهما فلا تبطل طهارته على القول الصحيح من أقوال أهل العلم ، وذلك لأن الرجل إذا مسح على الخف فقد تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي ، فإذا خلعه فإن هذه الطهارة الثابتة بمقتضى الدليل الشرعي لا يمكن نقضها إلا بدليل شرعي ، ولا دليل على أن خلع الممسوح من الخفاف أو الجوارب ينقض الوضوء ، وعلى هذا فيكون وضوءه باقياً وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم .ولكن لو أعاد الخف بعد ذلك وانتقض وضوءه ثم أراد أن يمسح عليه في المستقبل فلا ؛ لأنه لابد أن يلبس الخف على طهارة غسل فيها الرجل ، على ما أعلمه من كلام أهل العلم . والله تعالى أعلم .
ينظر : مجموع فتاوى ورسائل الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( 11 / 179 ) ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( 21 / 179 ، 215 )
==============
هل المسح على الخفين أفضل أم غسل القدمين؟
…سؤال رقم 45535
…سؤال:
هل المسح على الخفين أفضل أم غسل القدمين ؟.
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء (منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي) إلى أن غسل القدمين أفضل ، قالوا : لأن غسل القدمين هو الأصل ، فكان أفضل .
انظر : "المجموع" (1/502) .
وذهب الإمام أحمد إلى أن المسح على الخفين أفضل ، واستدل بـ :
1- أنه أيسر ، و ( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) رواه البخاري (3560) ومسلم (2327) .
2- أنه رخصة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ ) رواه أحمد (5832) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (564) .
3- أن في المسح على الخفين مخالفةً لأهل البدع الذين ينكرونه ، كالخوراج والروافض .
وقد كثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فعل كل منهما ، غسل القدمين ، والمسح على الخفين ، مما جعل بعض العلماء يقول : المسح والغسل سواء ، وهو ما اختاره ابن المنذر رحمه الله .(4/60)
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الأفضل في حق كل واحد ما كان موافقاً للحال التي عليها قدمه ، فإن كان لابساً للخف فالأفضل المسح ، وإن كانت قدماه مكشوفتين فالأفضل الغسل ، ولا يلبس الخف من أجل أن يمسح عليه .
ويدل لهذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم ليغسل قدميه في الوضوء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( دَعْهُمَا ، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ) رواه البخاري (206) ومسلم (274) . فهذا يدل على أن المسح أفضل في حق من كان يلبس الخفين .
ويدل لذلك أيضاً ما رواه الترمذي (96) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ . حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (104) . فالأمر بالمسح يدل على أنه أفضل ، ولكنه في حق لابس الخف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" وفصل الخطاب : أن الأفضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه . فالأفضل لمن قدماه مكشوفتان : غسلهما ولا يتحرى لبس الخف ليمسح عليه , كما كان عليه أفضل الصلاة والسلام يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين , ويمسح قدميه إذا كان لابسا للخف " انتهى من "الإنصاف" (1/378) .
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/199) :
" ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه ، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما ، وإن كانت مكشوفتين غسل القدمين ، ولم يلبس الخف ليمسح عليه ، وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل ، قاله شيخنا (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية) " انتهى .
الإسلام سؤال وجواب
===============
بقاء الطهارة بعد انتهاء مدة المسح على الجوربين
…سؤال رقم 21705
…سؤال:
قرأت بأن مدة المسح على الخفين ( أي الجوربين ) هي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر ، فإذا انتهت مدة المسح فهل ينتقض الوضوء ؟ أم يبقى على طهارته ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله :
الصحيح أنه لا ينتقض ( الوضوء ) بانتهاء مدة المسح ، يعني مثلاً لو كانت تنتهي مدة المسح الساعة الثانية عشرة ظهراً ، وبقيت على طهارتك إلى الليل فأنت على طهارتك ؛ وذلك لأنه ليس هناك دليل على انتقاض الوضوء بانتهاء مدة المسح ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت المسح ولم يوقت الطهارة ، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها ، وهي أن ما ثبت بدليل شرعي فإنه لا يرتفع إلا بدليل شرعي ؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان .
اللقاء الرابع والأربعون من لقاء الباب المفتوح .
============
بقاء الطهارة بعد انتهاء مدة المسح على الجوربين
…سؤال رقم 21705
…سؤال:
قرأت بأن مدة المسح على الخفين ( أي الجوربين ) هي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر ، فإذا انتهت مدة المسح فهل ينتقض الوضوء ؟ أم يبقى على طهارته ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله :
الصحيح أنه لا ينتقض ( الوضوء ) بانتهاء مدة المسح ، يعني مثلاً لو كانت تنتهي مدة المسح الساعة الثانية عشرة ظهراً ، وبقيت على طهارتك إلى الليل فأنت على طهارتك ؛ وذلك لأنه ليس هناك دليل على انتقاض الوضوء بانتهاء مدة المسح ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت المسح ولم يوقت الطهارة ، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها ، وهي أن ما ثبت بدليل شرعي فإنه لا يرتفع إلا بدليل شرعي ؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان .
اللقاء الرابع والأربعون من لقاء الباب المفتوح .
==================
لا يشترط أن يكون الجورب من الجلد
…سؤال رقم 13954
…سؤال:
ما طبيعة الجوارب التي يُمسح عليها ؟ هل يجوز المسح على أية جوارب ، أم يجب أن تكون من الجلد ؟ أرجو أن تجيب على ضوء الكتاب والسنة.
الجواب:
الحمد لله
عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : (( تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ )) .
رواه الترمذي ( 92 ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " برقم ( 86 ) .
قال " صاحب القاموس " : الجورب : لفافة الرِّجْلِ .
قال أبو بكر بن العربي : والجورب هو غِشَاءٌ للقدم من الصوف يُتَّخَذُ للتَدْفِئَة .
َوعنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ قَالَ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ .
" المصنف " لابن أبي شيبة ( 1 / 173 ) .(4/61)
قال ابن حزم : وَالْمَسْحُ عَلَى كُلِّ مَا لُبِسَ فِي الرِّجْلَيْنِ - مِمَّا يَحِلُّ لِبَاسُهُ مِمَّا يَبْلُغُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ سُنَّةٌ , سَوَاءٌ كَانَا خُفَّيْنِ مِنْ جُلُودٍ أَوْ لُبُودٍ أَوْ عُودٍ أَوْ حَلْفَاءَ أَوْ جَوْرَبَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ - كَانَ عَلَيْهِمَا جِلْدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - أَوْ جُرْمُوقَيْنِ أَوْ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ عَلَى جَوْرَبَيْنِ .... " المُحَلَّى " ( 1 / 321 ) .
وخالف في جواز المسح على الخفين بعض أهل العلم ، والصحيح الذي تدل عليه الأدلة جواز ذلك كما سبق.
والله أعلم .
ويراجع جواب سؤال رقم (8186) و (9640) .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
…من مسح على الجوربين من غير طهارة وصلى
…سؤال رقم 2170
…سؤال:
السؤال :
بقيت فترة من الزمن أمسح على الجوربين على غير طهارة جاهلاً بالحكم فما حكم صلاتي في تلك الفترة ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
يجب أن تقضي الصلوات الماضية التي صليتها وأنت تمسح على الجوربين على غير طهارة .
فتاوى اللجنة الدائمة 5/246
-===========
صفة التيمم
…سؤال رقم 21074
…سؤال:
كيف يتيمم الإنسان إذا لم يجد الماء ، أو لم يستطع استعمال الماء ؟.
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري ومسلم حديثَ عمار بن ياسر رضي الله عنهما في صفة التيمم ، وقد رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه ، ولفظ إحدى هذه الروايات (347) (1/455) من الفتح : ( إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا ؛ فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ) . ورواه أبو داود (317) (1/515) من عون المعبود ، بنفس إسناد البخاري إلا شيخَ البخاري (محمد بن سلاَم) فإنه أبدله بـ (محمد بن سليمان الأنباري) قال عنه الحافظ في التقريب (2/167) : صدوق اهـ ولفظه : (فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ فَنَفَضَهَا ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الْكَفَّيْنِ ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ) .
وذكر الحافظ في الفتح (1/457) أن الإسماعيلي رواه بلفظ : ( إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ عَلَى الأَرْضِ ، ثُمَّ تَنْفُضَهُمَا ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِيَمِيْنِكَ عَلَى شِمَالِكَ ، وَشِمَالِكَ عَلَى يَمِيْنِكَ ، ثُمَّ تَمْسَحَ عَلَى وَجْهِكَ ) .
قال الشنقيطي في أضواء البيان (2/43) : فحديثُ البخاري هذا نصٌّ في تقديم اليدين على الوجه اهـ
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (21/423) : فرواية البخاري صريحةٌ في أنه مَرَّ على ظهر الكف قبل الوجه ، وقولُه في الرواية الأخرى : (وظاهر كفيه) يدل على أنه مسح ظاهر كل منهما براحة اليد الأخرى اهـ . وقال أيضاً (21/425) : لكنَّ الروايةَ التي انفرد بها البخاري تبين أنه مسح ظهر الكفين قبل الوجه اهـ وانظر الفتاوى (21/422-427) .
وعلى هذا تكون صفة التيمم : أن يقول : بسم الله ناوياً التيمم ، ثم يضرب بكفيه وجه الأرض ضربة واحدة ، ثم يمسح ظاهر كفه الأيمن براحة يده اليسرى ، وظاهر كفه الأيسر براحة يده اليمنى ، ثم يمسح وجهه بيديه . ويقال بعد التيمم ما يقال بعد الوضوء من الأذكار . والله أعلم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
حكم التيمم مع وجود الماء
…سؤال رقم 13618
…سؤال:
ما حكم التيمم مع وجود الماء ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ( من يتيمّم مع وجود الماء لديه فقال .. " هذا منكر عظيم يجب التنبيه عليه ، وذلك لأن الوضوء للصلاة شرط من شروط صحتها عند وجود الماء كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) الآية .(4/62)
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحْدث حتى يتوضأ ) . وقد أباح الله سبحانه وتعالى التيمم وأقامه مقام الوضوء في حال فقد الماء ، أو العجز عن استعماله لمرض ونحوه ، للآية السابقة ، ولقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً )
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس ، فإذا هو برجل معتزل ، فقال : ما منعك أن تصلي ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء . قال : عليك بالصعيد فإنه يكفيك ) متفق عليه .
ومن هذا يُعلم أن التيمم للصلاة لا يجوز مع وجود الماء والقدرة على استعماله ، بل الواجب على المسلم أن يستعمل الماء في وضوئه وغسله من الجنابة أينما كان ، ما دام قادراً عليه ، وليس بمعذور في تركه والاكتفاء بالتيمم ، وتكون صلاته حينئذ غير صحيحة لفقد شرط من شروطها وهو الطهارة بالماء عند القدرة عليه .
وكثير من البادية ـ هداهم الله ـ وغيرهم ممن يذهب إلى النزهة يستعملون التيمم ، والماء عندهم كثير ، والوصول إليه ميسر ، وهذا بلا شك تساهل عظيم وعمل قبيح لا يجوز فعله لكونه خلاف الأدلة الشرعية ، وإنما يعذر المسلم في استعمال التيمم إذا بعُد عنه الماء ، أو لم يبق عنده منه إلا اليسير الذي يحفظه لإنقاذ حياته وأهله وبهائمه مع بُعد الماء عنه ، فالواجب على كل مسلم أينما كان أن يتقي الله سبحانه وتعالى في جميع أموره وأن يلتزم بما أوجب الله عليه ، ومن ذلك الوضوء بالماء عند القدرة عليه ، كما يلزمه أن يحذر ما حرّمه الله عليه ، ومن ذلك التيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله . وأسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه ، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم ، وصلى الله عليه نبينا محمد وآله وصحبه .
انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/1 ص/210.
-============
عاجزة عن استخدام الماء ؟ متى يُشرع التيمم ؟
…سؤال رقم 11973
…سؤال:
أعرف سيدة تعاني من مشكلات في الجلد عندما تتوضأ بالماء ، مما يجعلها عاجزة عن أداء الصلاة . ما الشيء الذي عليها أن تفعله إذا وجدت مشكلة أو معاناة لدى استعمالها الماء ؟.
الجواب:
الحمد لله
من لم يستطع أن يتوضأ بالماء فعليه أن يتيمم ويُصلي بالتيميم ، والتيمم أن يضرب بكفيه الأرض ويمسح وجهه وكفيه .
وليُعلم بأن " التيمم شرعه الله عند فقد الماء أو تعذر استعماله لمرض أو نحوه فقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) سورة المائدة/43
فتاوى اللجنة الدائمة ـ أُنظر فتاوى إسلامية ج1ص216
==============
كيفَ يتوضّأُ ويصلِّي من بِهِ شَلَلٌ نِصْفِيٌّ ؟
…سؤال رقم 71202
…سؤال:
امرأةٌ مصابةٌ بشللٍ نصفي ، يصعبُ عليها الوضوء .
والسؤال : كيفَ تتوضأُ أو تتيمم ؟
هل يُجلَبُ لها ترابٌ ، أم ماذا ؟
هل تتيممُ بالجدار ( وليس عليه غبارٌ ) ، أم ماذا تفعل ؟
وكيف تكونُ صفةُ تيمُّمِها ؟
وما صفةُ صلاتِها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
المريضُ الذي لا يستطيع جلب الماءِ والوضوءَ به ، أو يعجزُ عن الحركةِ يُنظَرُ في حالِه :
فإن كان يجدُ مَن يُحضِرُ له الماء في وقتِ الصلاة ، ويساعدُه على وضوئِه ، فالوضوءُ واجبٌ في حقه .
وإن كان لا يجدُ من يعينُه على وضوئه ، فيُشرَع له التيممُ حينئذٍٍ , ويأخذُ حكم من عدمَ الماءَ ولم يجدْه .
وذلك لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقولُ : ( فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
وقال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) :
" ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ ، فهو كالعادم ، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء ، فأشبَهَ مَن وجدَ بئرًا ليس له ما يُستقَي به منها .
وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد ؛ لأنّه بمنزلةِ من يجدُ ما يستقي به في الوقت .
وإن خافَ خروجَ الوقتِ قبلَ مجيئِه ، فقالَ ابنُ أبي موسى : له التيمم ، ولا إعادةَ عليه .(4/63)
وهو قولُ الحسن ؛ لأنّه عادمٌ في الوقت ، فأشبَه العادمَ مطلقًا " انتهى .
وقالَ المَرداوِيُّ في "الإنصاف" (1/265) :
" لو عجَزَ المريضُ عن الحركةِ وعمَّن يُوَضِّيه ، فحُكمُه حكمُ العادم .
وإن خاف فوتَ الوقتِ إن انتظرَ من يُوَضّيه ، تيمَّمَ وصلّى ، ولا يعيدُ على الصحيحِ من المذهبِ " انتهى
وقال شيخُ الإسلامِ في "شرح العمدة" (1/433-434) :
" فإن لم يمكِنْه (استعمالُ الماء) بأن يكونَ عاجزًا عن الحركةِ إلى الماء ، وليس له من يناولُه ، فهو كالعادم . وإن كان له من يناولُه في الوقتِ فهو واجدُه " انتهى .
وجاءَ في "الموسوعةِ الفقهية" (14/260) :
" يتيمّمُ العاجزُ الّذي لا قدرةَ له على استعمالِ الماءِ ولا يعيدُ كالمكره ، والمحبوسِ ، والمربوط بقربِ الماء ، والخائفِ من حيوانٍ ، أو إنسانٍ في السّفرِ والحضرِ ، لأنّه عادمٌ للماءِ حكمًا ، وقد قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الصّعيد الطّيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماءَ عشرَ سنينَ ، فإذا وجدَ الماءَ فليمسّه بشرتَه ، فإنّ ذلك خير ) " انتهى .
وانظر سؤال رقم (20935) .
ثانيًا :
إذا كانَ يستطيعُ غسلَ بعضِ أعضاءِ الوضوء ، ويمنعُه مرضُه من غسلِ بقيتها ، فالواجبُ عليه أن يغسلَ ما استطاعَ من أعضاءِ الوضوء ، ويتيمَّمَ بدلًا عمَّا تركَه من غيرِ غسل .
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (67614) .
ثالثًا :
أما عن صفةِ التيمم :
فيقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين في "الشرح الممتع" (1/488) :
" والكيفيّةُ عندي التي توافقُ ظاهرَ السنة : أن تضربَ الأرضَ بيديك ضربةً واحدةً بلا تفريجٍ للأصابع ، وتمسحَ وجهَك بكفَّيْك ، ثم تمسحَ الكفينِ بعضَهما ببعض ، وبذلك يَتِمُّ التيممُ " انتهى.
وقد سبق بيانها بالتفصيل في سؤال رقم (21074) .
رابعًا :
إذا صلَّى المريضُ العاجزُ عن استعمالِ الماءِ بالتيممِ ، ثم تيسَّرَ له استعمال الماء بعدَ أن فرغَ من صلاتِه ، فلا تلزمُه الإعادة ، وذلك لأنَّه أدّى ما وجبَ عليه ، وفعل ما أُمِرَ به .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في "شرح العمدة" (1/425) :
" لأنّ اللهَ إنما خاطبَ بصلاةٍ واحدةٍ ، يفعلُها بحسبِ الإمكان ، والشرطُ المعجوزُ عنه ساقطٌ بالعجز ، وفي قولِه صلى الله عليه وسلم : ( الصعيدُ الطيبُ طهورُ المسلم ) وقولِه : ( الترابُ كافيك ) دليلٌ على أنّه يقومُ مقامَ الماءِ مطلقًا " انتهى .
خامسًا :
التيمُّمُ بالضربِ على جدارِ المنزلِ ، اختلفَ فيه أهلُ العلم ، تبعًا لاختلافِهم في المرادِ من قولِ اللهِ تعالى : ( فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً ) النساء/43 ، والصحيح في معنى الآية : أن المراد بالصعيد هو وجه الأرض , سواء كان تراباً أم رملاً أم حجارة . . أم غير ذلك .
وعلى هذا : إذا كان الجدار غير مطليٍّ بشيء جاز التيمم منه سواء كان عليه غبار أو لا , لأنه من الصعيد , وإن كان مطلياً ( بخشب أو دهان ) فهذا الخشب أو الدهان ليس من الصعيد فلا يصح التيمم منه إلا إذا كان عليه غبار , لأن الغبار من الصعيد .
وانظر سؤال رقم (36774) .
سادسًا :
أما عن صفةِ صلاةِ المريضِ العاجزِ عن الحركة :
فقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/208) :
" يأتي المريضُ أو المصابُ بالشّللِ بأركانِ الصّلاةِ الّتي يستطيعها عند جمهور الفقهاء ؛ لأنّ العاجزَ عن الفعلِ لا يكلّفُ به ، فإذا عجزَ عن القيامِ يصلي قاعدًا بركوعٍ وسجود ، فإن عجزَ عن ذلك صلَّى قاعدًا بالإيماء ، ويجعلُ السجودَ أخفضَ من الركوع ، فإن عجَزَ عن القعودِ يستلقي ويومئُ إيماءً ؛ لأن سقوطَ الركنِ لمكانِ العذرِ ، فيتقدرُ بقدرِ العُذر .
وروى عمرانُ بنُ حصين رضي الله عنه أنه قال : مرضتُ فعادَني رسولُ الله فقال : صلِّ قائمًا ، فإن لم تستطع فقاعدًا ، فإن لم تستطع فعلى جنب ، تومئُ إيماءً " انتهى .
وسئلَ الشيخُ صالحُ الفوزان : لي والدٌ مريضٌ مصابٌ بشللٍ في الجهةِ اليسرى من جسمِه ، حيثُ أصبحت عاطلةً تمامًا عن الحركة ، فلذلك لا يستطيعُ المشيَ ولا الحركةَ ولا قضاءَ الحاجةِ في الأماكنِ المخصصةِ لذلك بنفسه ، وهذا منذُ عشرِ سنوات ، ولكنَّه قبلَ ثلاثةِ أو أربعةِ أشهرٍ اشتدَّ عليه هذا المرضُ أكثر ، فهل يجوز له تركُ الصلاة لهذا السبب ، الذي به لا يستطيعُ التطهر للصلاةِ . أم لا ؟
فإن كان لا يجوزُ له ذلك فكيف العملُ في طهارتِه وفي صلاتِه ؟
وماذا يعملُ بما تركه من صلواتٍ فيما مضى في فترةِ مرضه ، لاعتقادِه أنه مادامَ كذلك فهو مُعفىً من الصلاة ؟
فأجابَ :
" المسلمُ لا تسقطُ عنه الصلاةُ مادام عقلُه ثابتًا ، ولكنَّه يصلِّي على حسبِ حالِه لقولِه تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ولقولِ النبي صلى الله عليه وسلم للمريض : ( صلِّ قائمًا ، فإن لم تستطع فقاعدًا ، فإن لم تستطع فعلى جنب ) .
فيجبُ على والدِك الذي أصيبَ بهذا الشللِ إذا كان يستطيعُ الوضوءَ بأن يوضّئَ نفسَه بيدِه الصحيحة ، أو يوضئُه غيرُه ممَّن يعينُه على الوضوء ، فإنه يجبُ عليه ذلك .
وإذا كانَ لا يستطيعُ الوضوءَ بالماء فإنه يتيمَّم بالتراب .(4/64)
وإذا كانَ لا يستطيعُ أن يتيممَ بنفسِه فيُيمّمُه غيرُه ، بأن يضربَ أحدَ أوليائِه أو الحاضرينَ عنده بيدَيه على التراب ، ويمسحَ بهما وجهَه ويديه وينويَ هو الطهارةَ بذلك ، ويصلي على حسبِ حالِه جالسًا أو على جنبِه ، ويومئُ برأسِه للركوعِ والسجودِ حسبَ الاستطاعة .
فإذا كان لا يستطيعُ الإيماءَ برأسِه لأجلِ الشللِ الذي فيه ، فإنه يومئُ بطرفه بالركوعِ والسجود .
وهكذا ، فالدينُ يسرٌ وللهِ الحمدُ ، لكن ليس معنى هذا أن يتركَ الصلاةَ نهائيًّا ، وإنما يصليها على حسبِ حاله كما ذكرنا ، ويجب عليه أن يقضيَ الصلواتِ التي تركها بحسب استطاعته " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (4/رقم 27)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
الختان ؛ كيفيته وأحكامه
…سؤال رقم 9412
…سؤال:
هل يمكن أن تبين لنا ما هو الختان وما هو موضعه ؟.
الجواب:
الحمد لله
لقد ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً قيماً في أحكام المولود سماه : "تحفة المودود في أحكام المولود" ، وقد عقد في هذا الكتاب باباً واسعاً تكلم فيه عن الختان وأحكامه ، وهذا ملخص منه ، مع بعض الزيادات عن غيره من أهل العلم .
1. معنى الختان :
قال ابن القيم :
الختان : اسم لفعل الخاتن ، وهو مصدر كالنزال والقتال ، ويسمى به موضع الختن أيضا ومنه الحديث : " إذا التقى الختانان وجب الغسل " ، ويسمى في حق الأنثى خفضا يقال : ختنت الغلام ختنا ، وخفضت الجارية خفضا ، ويسمى في الذكر إعذارا أيضا ، وغير المعذور يسمى أغلف وأقلف .
" تحفة المولود " ( 1 / 152 ) .
2. الختان سنة إبراهيم والأنبياء من بعده :
روى البخاري (6298) ومسلم (2370) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً ، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ .
و (الْقَدُوم) هو آلة النجار . وقيل : هو مكان بالشام .
قال الحافظ ابن حجر :
وَالرَّاجِح أَنَّ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث الآلَة , فَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن رَبَاح قَالَ : "أُمِرَ إِبْرَاهِيم بِالْخِتَانِ , فَاخْتَتَنَ بِقَدُّوم فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ عَجِلْت قَبْل أَنْ نَأْمُرك بِآلَتِهِ , فَقَالَ : يَا رَبّ كَرِهْت أَنْ أُؤَخِّر أَمْرك" اهـ
وقال ابن القيم :
والختان كان من الخصال التي ابتلى الله سبحانه بها إبراهيم خليله فأتمهن وأكملهن فجعله إماماً للناس ، وقد روي أنه أول من اختتن كما تقدم ، والذي في الصحيح اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة ، واستمر الختان بعده في الرسل وأتباعهم حتى في المسيح فإنه اختتن والنصارى تقر بذلك ولا تجحده كما تقر بأنه حرَّم لحم الخنزير ...
" تحفة المودود " ( ص 158 - 159 ) .
هذا ، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الختان
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وأقرب الأقوال : أنه واجب في حق الرجال ، سنة في حق النساء ، ووجه التفريق بينهما : أنه في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة ، لأنه إذا بقيت هذه الجلدة : فإن البول إذا خرج من ثقب الحشفة بقي وتجمع ، وصار سبباً في الاحتراق والالتهاب كلما تحرك ، أو عصر هذه الجلدة خرج البول وتنجس بذلك .
وأما في حق المرأة : فغاية فائدته : أنه يقلل من غلمتها ، أي : شهوتها ، وهذا طلب كمال ، وليس من باب إزالة الأذى .
" الشرح الممتع " ( 1 / 133 ، 134 ) .
وهذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله . قال ابن قدامة في المغني (1/115) : فأما الختان فواجب على الرجال ، ومَكْرُمَة في حق النساء ، وليس بواجب عليهن اهـ
3. موضعه :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
قال أبو البركات في كتابه " الغاية " : ويؤخذ في ختان الرجل جلدة الحشفة ، وإن اقتصر على أخذ أكثرها جاز ويستحب لخافضة الجارية أن لا تحيف ، وحكي عن عمر أنه قال للخاتنة : أبقي منه إذا خفضت ، وقال الخلال في " جامعه " : ذكر ما يقطع في الختان : أخبرني محمد بن الحسين أن الفضل بن زياد حدثهم قال: سئل أحمد : كم يقطع في الختانة ؟ قال : حتى تبدو الحشفة .
والحشفة : رأس الذكر ، كما في لسان العرب (9/47) .
وقال ابن الصباغ في " الشامل " : الواجب على الرجل أن يقطع الجلدة التي على الحشفة حتى تنكشف جميعها ، وأما المرأة فتقطع الجلدة التي كعرف الديك في أعلى الفرج بين الشفرين وإذا قطعت يبقى أصلها كالنواة .
وقال النووي رحمه الله :
والصحيح المشهور أنه يجب قطع جميع ما يغطي الحشفة اهـ . المجموع ( 1 / 351 ) .
وقال الجويني : القدر المستحق من النساء : ما ينطلق عليه الاسم ، قال : في الحديث ما يدل على الأمر بالإقلال ، قال : أَشِمِّي ولا تَنْهَكي ، أي : اتركي الموضع أشم والأشم المرتفع .
" تحفة المودود " ( 190 - 192 ) .
والحاصل أنه في ختان الذكر تقطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة ، وفي ختان الأنثى يُقطع جزءٌ من الجلدة التي كعرف الديك في أعلى الفرج .
4- الحكمة من مشروعية الختان(4/65)
أما للرجل فلأنه لا يتمكن من الطهارة من البول إلا بالختان ، لأن قطرات من البول تتجمع تحت الجلدة فلا يُؤمن أن تسيل فتنجس ثيابه وبدنه . ولذلك كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يشدد في شأن الختان . قال الإمام أحمد : وكان ابن عباس يشدد في أمره ، ورُوي عنه أنه لا حج له ولا صلاة . يعني : إذا لم يختتن اهـ المغني (1/115) .
وأما حكمة الختان بالنسبة للمرأة فتعديل شهوتها حتى تكون وسطاً .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن المرأة : هل تختتن أم لا ؟
فأجاب : الحمد لله ، نعم ، تختتن ، وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك ، قال رسول الله للخافضة وهي الخاتنة : (أشمي ولا تنهكي ، فإنه أبهى للوجه ، وأحظى لها عند الزوج) يعني : لا تبالغي في القطع ، وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القُلْفَة ، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها فإنها إذا كانت قلفاء [يعني : غير مختتنة] كانت مغتلمة شديدة الشهوة . ولهذا يقال في المشاتمة : يا بن القلفاء فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر . ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين . وإذا حصلت المبالغة في الختان ضعفت الشهوة فلا يكمل مقصود الرجل ، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال . والله أعلم اهـ مجموع الفتاوى (21/114) .
5- ويجوز دفع المال للختَّان .
قال ابن قدامة :
ويجوز الاستئجار على الختان ، والمداواة ، لا نعلم فيه خلافا ؛ ولأنه فعل يحتاج إليه ، مأذون فيه شرعا ، فجاز الاستئجار عليه ، كسائر الأفعال المباحة .
" المغني " ( 5 / 314 ) .
الإسلام سؤال وجواب
===========
حكم استخدام الصرف الصحي في سقي النخيل
…سؤال رقم 1363
…سؤال:
عندنا نخل على مجاري الصرف الصحي ، فهل يجوز الأكل من تمره وبلحه ؟
الجواب:
الحمد لله
نعم يجوز أن يؤكل من تمر النخل الذي يُسقى بماء مجاري الصحة ، لأنه إذا لم يظهر الطعم ولا الريح فإنه يعني أن النجاسة استحالت .
مجلة الدعوة العدد/1798 ص/61
===============
حكم البول واقفاً
…سؤال رقم 14629
…سؤال:
هل يجوز أن يبول الإنسان واقفا ، علما أنه لا يأتي الجسم والثوب شيء من ذلك ؟.
الجواب:
لا حرج في البول قائما ،لاسيما عند الحاجة إليه ، إذا كان المكان مستورا لا يرى فيه أحد عورة البائل ، ولا يناله شيء من رشاش البول ، لما ثبت عن حذيفة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما ) متفق على صحته ، ولكن الأفضل البول عن جلوس ؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأستر للعورة ، وأبعد عن الإصابة بشيء من رشاش البول .
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 352
=============
حكم بناء المرحاض في اتجاه القبلة
…سؤال رقم 69808
…سؤال:
أنا حالياً أقوم ببناء منزل وقد قيل لي إن المرحاض يجب وضعه في غير اتجاه القبلة فهل هذا صحيح ؟ حتى في وجود جدار أمامه .
الجواب:
الحمد لله
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة .
وقد ذهب جمهور العلماء ( منهم مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ) إلى أن هذا النهي إنما هو لمن كان في الفضاء بحيث لا يوجد ساتر بينه وبين القبلة ، أما في البنيان فأجازوا استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة .
وذهب آخرون ( منهم أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله ) إلى تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة مطلقاً ، في الفضاء والبنيان .
انظر "المغني" (1/107) ، "حاشية ابن عابدين" (1/554) ، "الموسوعة الفقهية" (34/5) .
وما دمت في مرحلة البناء فالأحوط لك أن تبني المرحاض بحيث لا يقع عند قضاء الحاجة فيه استقبال القبلة أو استدبارها ، خروجا من الخلاف .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : عن حكم استقبال أو استدبار القبلة وقت قضاء الحاجة في المباني أو الخلاء ، ثم ما حكم المباني المستعملة الآن والتي يوجد بها مراحيض تستقبل أو تستدبر القبلة ولا يمكن تعديله إلا بهدم الحمام كله أو جزء منه لإجراء التعديل ، وأخيرا إذا كان يوجد لدينا مخططات ولم تنفذ بعدُ وبعض المراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها هل يجب تعديلها أم أنها تنفذ ولا حرج في ذلك ؟
فأجابت :
" أولا :(4/66)
الصحيح من أقوال العلماء أنه يحرم استقبال القبلة - الكعبة - واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء ببول أو غائط وأنه يجوز ذلك في البنيان وفيما إذا كان بينه وبين الكعبة ساتر قريب أمامه في استقبالها أو خلفه في استدبارها كرَحْل أو شجرة أو جبل أو نحو ذلك ، وهو قول كثير من أهل العلم ؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ) رواه أحمد ومسلم ؛ ولما رواه أبو أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا ) رواه البخاري ومسلم ؛ ولما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ( رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة ) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن .
وروى أبو داود والحاكم أن مروان الأصفر قال : رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها ، فقلت : أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن ذلك ؟ قال : ( إنما نُهي عن هذا في الفضاء ، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس ) وسكت عنه أبو داود ، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : إسناده حسن .
وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يُقبض بعامٍ يستقبلها ) . وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم جمعاً بين الأدلة بحمل حديث أبي هريرة ونحوه على ما إذا كان قضاء الحاجة في الفضاء بلا ساتر ، وحديث جابر بن عبد الله وابن عمر رضي الله عنهم على ما إذا كان في بنيان أو مع ساتر بينه وبين القبلة .
ومن هذا يعلم جواز استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة في المباني كلها .
ثانيا :
إذا كان هناك مخططات لمبانٍ لم تنفذ وبها مراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها فالأحوط تعديلها حتى لا تكون في قضاء الحاجة بها استقبال القبلة أو استدبارها خروجا من الخلاف في ذلك ، وإذا لم تعدل فلا إثم لما تقدم من الأحاديث " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/97) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============(4/67)
هل يستعمل يده اليسرى أو بعضها في الاستنجاء
…سؤال رقم 14053
…سؤال:
أي الأصابع أستخدم لتنظيف نفسي بعد التغوط ؟ أم أستخدم اليد اليسرى بكاملها ؟.
الجواب:
الحمد لله
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ ) رواه مسلم (الطهارة / 392)
قال النووي : ولا يَسْتَعِين بِالْيَمِينِ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ مِنْ الاسْتِنْجَاء . ( أي سواء البول والغائط ) . أهـ
وعلى ذلك فيُقال إن على المرء استعمال يده اليسرى في إزالة النجاسة بأي طريقة كانت سواءً استعملها بكاملها أو استعمل بعضها والمقصود هو إزالة النجاسة عن البدن ، فالأمر في ذلك واسع المهم أن يتجنَّب استعمال اليمين في إزالة القذر . والله أعلم ويراجع جواب سؤال رقم (2532).
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
دخول الحمام بالجوال وفي شاشته لفظ الجلالة
…سؤال رقم 72235
…سؤال:
إذا كان لدى المسلم هاتف يظهر على شاشته عبارة : "الله أكبر" بالعربية ، فهل يجوز له دخول الحمام والهاتف معه ؟.
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل إلا لحاجة ، كالدراهم التي عليها اسم الله تعالى .
وصرح جماعة منهم بأنه إذا أخفى ما معه فلا حرج حينئذ .
قال ابن قدامة رحمه الله : " إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه ... فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى ، واحترز عليه من السقوط ، أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه فلا بأس . قال أحمد : الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ، ويدخل الخلاء . وقال عكرمة : اقلبه هكذا في باطن كفك فاقبض عليه ، وبه قال إسحاق ، ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين ، وقال أحمد في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم : أرجو أن لا يكون به بأس " انتهى من المغني (1/109) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم الدخول إلى الحمام بأوراق فيها اسم الله ؟
فأجاب : " يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة ، بل هي مخفية ومستورة " انتهى من "فتاوى الطهارة" ص (109) .
وعلى هذا ؛ فلا حرج من دخول الخلاء بالهاتف المحمول وعلى شاشته عبارة "الله أكبر" على أن يضعه في جيبه , بحيث لا يكون ظاهراً .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===============
حكم الوضوء عاريا
…سؤال رقم 2167
…سؤال:
السؤال :
عورة الرجل من السرة إلى الركبة فما حكم وضوئه عارياً أو لابساً سروالاً قصيراً لا يستر ركبته ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
يصح وضوؤه ، لأن كشف العورة ولبس السروال القصير لا يمنعان من صحة الوضوء ، ولكن يحرم عليه كشف عورته بحضرة غير زوجته أو سريته وهي الأمة المملوكة له التي يباح له الاستمتاع بها .
فتاوى اللجنة الدائمة 5/235
==============
حكم استعمال المناكير وهل تجب إزالته عند الوضوء
…سؤال رقم 9066
…سؤال:
هل في استعمال المرأة للمناكير التي تطلى بها الأظافر إثم ؟ وماذا تعمل عند الوضوء ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا نعلم شيئا في هذا ، لكن تركه أولى ؛ لعدم الحاجة إليه ، ولأنه قد يحول دون وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء . والحاصل : أن تركه أولى ، والاكتفاء بالحناء ، والذي عليه الأوائل أولى ، فإن استعملته المرأة ، فالواجب أن تزيله عند الوضوء ؛ لأنه - كما قلنا - يحول دون وصول الماء إلى البشرة . والله ولي التوفيق .
الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله .
==============
هل شرب الدخان ينقض الوضوء ؟
…سؤال رقم 6679
…سؤال:
السؤال :(4/68)
ما حكم الشريعة في بائع الدخان بأنواعه ؟ أنا أدخن وحينما أسمع المؤذن أدخل المسجد هل يجب علي أن أعيد الوضوء ، أم المضمضة تكفيني وأنا أعلم بأن الدخان يسبب أمراضاً شتى ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
يحرم بيع الدخان لخبثه وأضراره الكثيرة ، وفاعل ذلك يعد فاسقاً ، ولا يجب إعادة الوضوء من شرب الدخان ، لكن يشرع له إزالة الرائحة الكريهة من فمه بما يذهبها ، مع وجوب المبادرة بالتوبة إلى الله من ذلك .
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/57.
==============
يخرج منه المذي باستمرار دون شهوة
…سؤال رقم 2075
…سؤال:
السؤال :
شخص صلى وبعد الصلاة وجد على فرجه مذيا وهذا يتكرر عليه كثيرا فهل يعيد الصلاة ؟ وكيف تكون طهارته وصلاته ، وما حكم صلاة الجماعة بالنسبة له ، حيث أن خروج المذي يتكرر منه باستمرار بدون شهوة ، ويحصل له ذلك أيضا بعد البول ؟ وماذا يفعل بملابسه ؟.
الجواب:
الجواب :
يعتبر هذا حدثا دائما ، كسلس البول ، فيلزمه الوضوء لكل صلاة ، لأنه من نواقض الوضوء ، لكونه خارجا من السبيل ، ، وإذا خرج وهو في الصلاة فلا يعيد ، ولا يقطع الصلاة ، لأنه يخرج بدون اختيار ، ولا ينجس الملابس ، وهو في الصلاة لكن بعد الصلاة عليه أن يتوضأ للوقت الثاني إن خرج منه شيء بعد الأولى ، وأن يطهر ملابسه للصلاة بعدها ، وأن يحاول التحفظ بلبس وقاية تحفظ الخارج ، حتى لا يلوث ثيابه ، ( وله أن يصلي مع الجماعة كمأموم ، ولا يكون إماما وهو بهذه الحال ، لنقص طهارته ) ، وعليه السعي في علاج نفسه ، والله أعلم .
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن جبرين ص79 .
=============
هل استعمال الكريم ينقض الوضوء
…سؤال رقم 21791
…سؤال:
هل الكريم الذي نضعه في اليد أو الوجه ناقض الوضوء أم لا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
" تَدَهٌُّن المرأة بالكريم أو بغيره من الدهون لا يبطل الوضوء بل و لا يبطل الصيام أيضاً ، وكذلك دهنه بالشفة لا يبطل الوضوء ولا يبطل الصيام ، ولكن في الصيام إذا كان لهذه التحميرات طعم فإنها لا تستعمل على وجه ينزل طعمها إلى جوفها " .
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/11 ص/201.
============
لمس الكلب ولعابه لا ينقضان الوضوء
…سؤال رقم 5212
…سؤال:
السؤال :
هل لمس الكلب أو لعاب الكلب ينقض الوضوء
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
لمس الكلب أو لعابه لا ينقض الوضوء لأن الطهارة إذا ثبتت بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن رفعها إلا بدليل شرعي ، ولا دليل في النقض من مس الكلب أو لعابه لذلك لم يذكره العلماء في نواقض الوضوء .
قال ابن قدامة في المغني 1/264 بعد أن ذكر نواقض الوضوء ولم يذكر منها مس الكلب أو لعابه : فهذه جميع نواقض الطهارة ولا تنتقض بغير ذلك في قول عامة العلماء .. انتهى .
ولكن لا شكّ أن لعاب الكلب نجس مستقذر ونجاسته شديدة لا تزول إلا بسبع غسلات إحداهن بالتراب ، وفرْقٌ بين هذا وبين نقض الطهارة ، والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
هل يلزمه غسل الأطباق بعد استعمالها وغسلها من قبل غير المسلمين؟
…سؤال رقم 65617
…سؤال:
أقيم في دولة غير إسلامية حيث يتوجب علي استخدام مطبخ يستخدمه أشخاص غير مسلمين . بعد الفراغ من الطعام يقوم زملاؤنا غير المسلمين بغسل الأطباق ، فهل يجوز لنا استخدام هذه الأطباق في الأكل أم يتوجب علينا غسلها ثلاث مرات حتى تطهر ؟.
الجواب:
الحمد لله
الأصل في الأواني الطهارة ، سواء استعملها المسلم أو الكتابي أو غيرهما ، حتى يُتقين نجاستها . ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز استعمال آنية الكفار ، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة ، منها :
1- أن الله تعالى أباح لنا طعام أهل الكتاب ، أي ذبائحهم ، ومن المعلوم أنهم يأتون بها إلينا أحيانا مطبوخة بأوانيهم ، فدل على جواز استعمال أوانيهم .
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه غلام يهودي على خُبْزِ شَعِيرٍ وإِهَالَةٍ سَنِخَة . رواه أحمد ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/71) .
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وأصحابه من مزادةِ امرأةٍ مشركةٍ . رواه البخاري (337) ومسلم (682)
والمزادة : وعاء من الجلد يوضع فيه الماء .
فهذه الأدلة تدل على جواز استعمال آنية الكفار .
لكن إذا علمنا أنهم يطبخون في أوانيهم لحم الخنزير أو الميتة ، أو يشربون فيها الخمر ، فالأولى التنزه عنها وعدم استعمالها إلا إذا احتجنا إليها ولم نجد غيرها ، فنغسلها ونأكل فيها .
وإذا قاموا هم بغسلها فلا يلزمنا إعادة الغسل . ولا يشترط في الغسل أن يكون ثلاث مرات ، بل تغسل حتى يزول ما فيها من أثر طعامهم وشرابهم .
والدليل على هذا ما رواه البخاري (5478) ومسلم (3567) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ ؟ . . . قَالَ : أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا .(4/69)
وهذا محمول على من يستعمل الآنية منهم في المحرمات ، لرواية أبي داود (3839) ( إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال الخطابي :
" الرَّحْض : الْغَسْل .
وَالأَصْل فِي هَذَا : أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورهمْ الْخِنْزِير وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتهمْ الْخَمْر فَإِنَّهُ لا يَجُوز اِسْتِعْمَالهَا إِلا بَعْد الْغَسْل وَالتَّنْظِيف " انتهى من عون المعبود .
وقوله : ( إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا ) أي كلوا في ذلك الغير واشربوا . وهذا الأمر للاستحباب عند جمهور الفقهاء ، أي : يستحب التنزه عن هذه الأواني . ويكره استعمالها حتى مع غسلها ، إلا عند عدم وجود غيرها فتزول الكراهة .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (13/80) :
" وإنما نهى عن الأكل فيها بعد الغسل للاستقذار ، وكونها معتادة للنجاسة " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/69) :
" وأما حديث أبي ثعلبة الخشني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها ، فاغسلوها وكلوا فيها ) فهذا يدل على أن الأولى التنزه . لكن كثيراً من أهل العلم حملوا هذا الحديث على أناس عرفوا بمباشرة النجاسات من أكل الخنزير ونحوه ، فقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الأكل في آنيتهم إلا إذا لم نجد غيرها ، فإننا نغسلها ونأكل فيها ، وهذا الحمل جيد ، وهو مقتضى قواعد الشرع " انتهى .
وخلاصة الجواب :
إذا كان هؤلاء لا يستعملون تلك الأواني في شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة فاستعمالكم لها جائز .
فإن كانوا يستعملونها في الأطعمة أو الأشربة المحرمة أو النجسة فالأفضل لكم عدم استعمالها إذا وجدتم غيرها ، فإن لم تجدوا غيرها فلكم استعمالها بعد غسلها ، سواء قمتم أنتم أو هم بغسلها .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===========
لبس قفازات من جلد الخنزير
…سؤال رقم 22713
…سؤال:
أعمل في شركة حيث يستخدم العمال دائما قفازات من جلد الخنزير . على حد علمي أي شيء يؤخذ من الخنزير فهو حرام ، وإذا لمسته يجب أن أغسل يدي 7 مرات بالإضافة لمرة بالتراب . في هذه الحالة ما الذي يجب أن أفعله ؟.
الجواب:
الحمد لله
سبق في إجابة السؤال رقم (1695) أن جلد الخنزير نجس ولا يطهر بالدباغ .
ومجرد لمس النجاسة لا ينجّس البدن إلا مع وجود الرطوبة في النجاسة أو في البدن .
قال الشيخ ابن جبرين :
لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس . . . لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها اهـ فتاوى إسلامية (1/194) .
وعلى هذا لا تتنجس اليد بمجرد لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير ، إلا إذا كانت اليد أو القفاز عليه بلل من الماء .
وإذا حصل التنجس بلمس جلد الخنزير - مع وجود البلل - لزم غسل اليد ، ويكفي في ذلك غسلة واحدة لأنه لم يرد الأمر بغسل النجاسة سبع مرات إحداهن بالتراب إلا في نجاسة الكلب .
وذهب بعض العلماء إلى قياس الخنزير على الكلب ، فأوجبوا غسل نجاسته سبع مرات إحداهن بالتراب .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( وهذا قياس ضعيف ؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن ، وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد إلحاقه بالكلب ، فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره ، لا يغسل سبع مرات إحداها بالتراب ) الشرح الممتع 1/356
وينبغي على المسلم أن يحرص على طهارة بدنه وثيابه ، ويجتنب لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير ، لما في ذلك من مباشرة النجاسة ، وتعريض يده وثيابه للتنجس مما قد يؤثر على صحة صلاته ، إلا إذا احتاج إلى لبس هذه القفازات كما لو لم يجد غيرها فيجوز له لبسها مع الاحتياط من تنجيسها لبدنه وثيابه ، والمبادرة إلى غسل النجاسة إن حصلت حتى لا تتعدى إلى موضع آخر أو ينسى غسلها أو موضعها من ثيابه .
وسيجد من الجلود الطاهرة ما يغنيه عن هذه النجسة ، نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
حكم أكل ذبائح الكفار واستعمال أوانيهم
…سؤال رقم 34496
…سؤال:
إنني أسمع - قبل مجيئي للصين - أن الحيوانات التي ذبحها الملحدون ، أو بالأحرى قتلوها لا يجوز للمسلم أكلها ، وعندنا في الجامعة مطعم صغير للمسلمين ، وتوجد فيه لحوم ، غير أنني لست على يقين أنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية ومتشكك في ذلك ، مع العلم أن زميلاتي غير متشككين مثلي ويأكلون منها ، أهم على حق أم يأكلون حراما ؟
وكذلك بالنسبة لأواني الطعام ليس هناك تمييز بين أواني المسلمين وغيرهم ، ماذا ينبغي علي أن أفعل حيال هذه الأمور؟ .
الجواب:
الحمد لله(4/70)
لا يجوز أكل ذبائح الكفار غير أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، سواء كانوا مجوسا أو وثنيين أو شيوعيين ، أو غيرهم من أنواع الكفار ، ولا ما خالط ذبائحهم من المرق وغيره؛ لأن الله سبحانه لم يبح لنا من أطعمة الكفار إلا طعام أهل الكتاب في قوله عز وجل : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) الآية .
وطعامهم : هو ذبائحهم ، كما قال ابن عباس وغيره .
أما الفواكه ونحوها فلا حرج فيها ؛ لأنها غير داخلة في الطعام المحرم ، أما طعام المسلمين فهو حل للمسلمين وغيرهم ، إذا كانوا مسلمين حقا لا يعبدون إلا الله ، ولا يدعون معه غيره من الأنبياء ، والأولياء ، وأصحاب القبور وغيرهم مما يعبده الكفرة .
أما الأواني : فالواجب على المسلمين أن يكون لهم أوان غير أواني الكفرة التي يستعمل فيها طعامهم وخمرهم ونحو ذلك ، فإن لم يجدوا وجب على طباخ المسلمين أن يغسل الأواني التي يستعملها الكفار ثم يضع فيها طعام المسلمين؛ لما ثبت في الصحيحين ، عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل في أواني المشركين ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها )
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه .
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله ، م/4 ، ص/435
============
كيفية تطهير نجاسة الكلب
…سؤال رقم 41090
…سؤال:
كيف يتم تطهير نجاسة الكلب ؟ وهل يجب أن يغسل سبع مرات أم تكفي مرة واحدة ؟.
الجواب:
الحمد لله
روى مسلم (279) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ ) .
وروى مسلم (280) أيضاً : عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ ) .
ففي هذين الحديثين بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كيفية تطهير نجاسة الكلب ، وهي غسل الإناء سبع مرات ، إحداهن بالتراب . وكلاهما واجب .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/73) :
" لا يختلف المذهب أن نجاسة الكلب يجب غسلها سبعاً ، إحداهن بالتراب ، وهو قول الشافعي " انتهى .
وقال النووي في "المجموع" (2/598) :
" وقد اختلف العلماء في ولوغ الكلب , فمذهبنا أنه ينجس ما ولغ فيه ، ويجب غسل إنائه سبع مرات إحداهن بالتراب , وبهذا قال أكثر العلماء . حكى ابن المنذر وجوب الغسل سبعا عن أبي هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير وطاوس وعمرو بن دينار ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور . قال ابن المنذر : وبه أقول " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
" إذا كانت النجاسة على غير الأرض وهي نجاسة كلب ، فإنه لا بد لتطهيرها من سبع غسلات إحداها بالتراب " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/245) .
والأفضل أن تكون الغسلة الأولى هي التي بالتراب ، فإن جعل التراب في غيرها حصل المقصود ، وطهر المكان .
قال النووي في "المجموع" (2/598) :
" فالحاصل أنه يستحب جعل التراب في الأولى ، فإن لم يفعل ففي غير السابعة أولى ، فإن جعله في السابعة جاز , وقد جاء في روايات في الصحيح ( سبع مرات ) , وفي رواية : ( سبع مرات أولاهن بالتراب ) , وفي رواية : ( أخراهن بدل أولاهن ) , وفي رواية : ( سبع مرات السابعة بتراب ) , وفي رواية : ( سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب ) وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها ، وفيه دليل على أن التقييد بالأولى وغيرها ليس للاشتراط , بل المراد إحداهن " انتهى .
" وغسله بالتراب له عدة طرق :
1- أن يغسل بالماء ثم نذر التراب عليه .
2- أن نذر التراب عليه ثم نتبعه الماء .
3- أن نخلط التراب بالماء ثم نغسل به الإناء " قاله الشيخ ابن عثيمين في "شرح بلوغ المرام" حديث رقم (14) .
الإسلام سؤال وجواب
=============
هل الوسخ تحت الظفر يمنع من صحة الوضوء ؟
…سؤال رقم 27070
…سؤال:
هل الوسخ الذي يوجد تحت الأظافر يمنع صحة الوضوء ؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فالأظفار يجب تعهدها قبل مضي أربعين ليلة . لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقَّت للناس في تقليم الأظفار ، وحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب : ألا يُترك ذلك أكثر من أربعين ليلة هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم (258)
فالواجب على الرجال والنساء أن يلاحظوا هذا الأمر ، فلا يُترك الظفر ، ولا الشارب ، ولا العانة ، ولا الإبط أكثر من أربعين ليلة ، والوضوء صحيح لا يبطله ما قد يقع تحت الظفر من الوسخ لأنه يسير يعفى عنه .(4/71)
انظر : مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله ( 10 / 50 )
===============
إذا شك هل لعق الكلب موضعاً
…سؤال رقم 10949
…سؤال:
إذا كان الشخص يظن أن كلبا ربما لعق موضعا ما في ثوبه، لكنه ليس متأكدا تماما، فماذا عليه أن يفعل ؟ هل يجوز له أن يصلي في ذلك الثوب ؟ أنا أريد حقا أن أعرف الحكم لأن ذلك يؤرقني فأنا عندي كلب في بيتي (وقد أسلمت مؤخراً) ، وأحيانا يغيب الكلب عن ناظري فلا أعلم إن كان لعق ثوبي أم لا .
الجواب:
الحمد لله
اقتناء الكلب حرام إلا ما استثني من كلب الزرع ، أو الصيد ، أو كلب الغنم ، وما عدا ذلك فاقتناؤه حرام لأنه يُنقص من أجر مقتنيه في كل يوم قيراطا من الأجر ، وفي رواية أخرى قيراطان . وإذا اقتني للحاجة لكونه ما أذن فيه فإذا ولغ في إناء أو غيره فإنه يجب تطهيره ، بأن يُغسل سبع مرات إحداهن بالتراب وهذا إذا تيقنّا أنه ولغ فيه ، أما إذا شككنا في ذلك فإنه لا يجب غسله ما لم نتأكد ذلك لأن الأصل الطهارة .
الشيخ عبد الكريم الخضير .
=============
إذا لعق كلب ثوب المسلم فما الحكم ؟
…سؤال رقم 2453
…سؤال:
ماذا يجب أن يفعل أحدنا إذا لعق الكلب جلده أو ملابسه ؟
أنا أعرف أنك ستقول أنه من المفترض أن يقوم ذلك الشخص بحك المنطقة المتأثرة بالتراب أو الطين لكن ماذا لو كان الشخص يرتدي ملابس مصنوعة من قماش أملس فاخر كالبدلة مثلا
فهو إن فعل ذلك ستتسخ ملابسه أكثر فماذا لو اكتفى فقط بالغسيل المجفف في المغسلة ؟
الجواب:
الحمد لله
ذهب أهل العلم إلى القول بنجاسة سؤر ولعاب الكلب ، وقالوا بوجوب غسل ما يلعقه من الأواني والثياب . وقد وردت السنّة بما يفعله المسلم للتطهير إذا حصل ذلك
فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ، فليرقه ، ثم ليغسله سبع مرات ) . وزاد مسلم ( أولاهن بالتراب ) البخاري بحاشية السندي 1/44 مسلم 1/234
ومعنى ولغ : أي أدخل لسانه في الماء ، وغيره ، سواء شرب منه ، أو لم يشرب ، ومن ذلك اللعق ، والحديث نص في الآنية ، ولم يفرق العلماء بين الآنية وغيرها ، وقال العراقي : ذكر الإناء خرج مخرج الأغلب .
فيجب غسل الإناء أو الثوب سبع مرات ، إحداهن بالتراب . وهو قول ابن عباس ، وأبي هريرة في رواية ـ رضي الله عنهم ـ وبه أخذ ابن سيرين ، وطاووس ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو ثور ، وغيرهم المجموع 2/586 والمغني 1/46 والمحلى 1/146 ونيل الأوطار 1/74
ولا يلزم أن تكون الغسلة الأخيرة بالتراب ولذلك فلا يرد الاعتراض الوارد في السؤال من أنّ التراب يلوّث اللباس ، لأنّه سيُغسل بعدها بالماء ، وبعد تجفيفه وكيّه سيعود أنظف مما كان ، والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
صفة الغُسْل للجَنابة
…سؤال رقم 10790
…سؤال:
ما هي صفة الغُسْل للجَنابة ؟.
الجواب:
الحمد لله
غُسْل الجَنابة له صفتان : صفةٌ مُجزِئَةٌ ، وصفةٌ كاملةٌ :
أما الصفةُ الْمُجزِئة فأَنْ يتمضْمَضَ ويستنشِق ويَعُمَّ بدَنَه بالماء ولو دُفعةً واحدةً ولو ينغَمِس في ماءٍ عميقٍ . وأمَّا الكاملة فهي أنْ يغسِل فَرْجَه وما تلوَّثَ مِن آثارِ الجَنابة ثُمَّ يتوضَّأ وُضوءاً كاملاً ثُمَّ يَحْثُو الماء على رأسه ثلاثاً حتى يروِيَه إلى أصول شَعْره ثم يغسل شِقَّه الأيمنَ ثُمَّ شِقَّه الأيسرَ .
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 11.
==============
لم يكن يعلم بوجوب غسل الجنابة فهل يعيد الصلوات ؟
…سؤال رقم 45648
…سؤال:
لم أكن أعلم بوجوب الغسل من الجنابة للصلاة ، فهل عليَّ إعادة ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على كل مسلم ومسلمة تعلم الأحكام الشرعية وخاصة المتعلقة بما قد كلفه الله به ويستطيع القيام به ، فمن ملك المال وجب عليه تعلم أحكام الزكاة ، ومن عمل في التجارة وجب عليه تعلم أحكام البيع والشراء ، وعلى الجميع تعلم الاعتقاد الصحيح وما يلزم كل مكلف القيام به ، وأحكام الطهارة والصلاة ، وقد يسَّر الله تعالى طرق طلب العلم ، فلم يعد للكثيرين حجة في عدم العلم إلا التقصير .
وبخصوص المسألة المعيّنة : وهي عدم العلم بوجوب الغسل من الجنابة ، وأنك قد صلَّيت صلوات كثيرة وأنت على هذه الحال : فقد ذهب أهل العلم إلى أن ذلك يعتبر عذراً ، فلا يجب عليك قضاؤها ولكن عليك الاغتسال وإعادة الصلاة التي بلغك الحكم وأنت في وقتها . واستدلوا على ذلك بعدة أدلة :(4/72)
1. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال : ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني ، فقال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها . رواه البخاري ( 724 ) ومسلم ( 367 ) . فلم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء ما مضى من الصلوات وإنما أمره بقضاء الصلاة الحاضرة فقط .
2. عن عبد الرحمن بن أبزى قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إني أجنبت فلم أصب الماء ، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب : أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت ( أي : تمرغت في التراب ) فصليت فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه. رواه البخاري ( 331 ) ومسلم ( 368 ) .
فقد ترك عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصلاة لعدم علمه بوجوب التيمم لمن فقد الماء ، وخالف عمار بن ياسر رضي الله عنه طريقة التيمم لعدم علمه بصفة التيمم الصحيحة ، ولم يأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء ما تركاه من الصلوات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
... وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص ، مثل : أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء ، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص : فهل عليه إعادة ما مضى ؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد .
ونظيره : أن يمس ذَكَره ويصلى ، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر .
والصحيح في جميع هذه المسائل : عدم وجوب الإعادة ؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان ؛ ولأنه قال { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ : لم يثبت حكم وجوبه عليه ، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما ، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي ، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء ، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء .
ومن هذا الباب : المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها ، ففي وجوب القضاء عليها قولان ، أحدهما : لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره - ؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : " إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام " أمرها بما يجب في المستقبل ، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي .
وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة ، بل إذا قيل للمرأة : صلِّي ، تقول : حتى أكبر وأصير عجوزة ! ظانَّة أنه لا يخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها ، وفي أتباع الشيوخ ( أي من الصوفية ) طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم ، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات سواء قيل : كانوا كفَّاراً أو كانوا معذورين بالجهل ... " مجموع الفتاوى " ( 21 / 101 ، 102 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 21806 ) .
ويمكن أن يُقال هنا إن السائل إذا كان في مكان تتوافر فيه أسباب التعلم وفرّط ولم يتعلم فإن عليه قضاء الصلوات التي صلاها بغير غُسل من الجنابة ما لم يكن كبيراً جداً ، فيسقط قضاؤها حينئذ للحرج لقوله تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج/78
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
=============
هل يحرم على المرأة الجُنُب الطّبخ ومسّ الأشياء
…سؤال رقم 6533
…سؤال:
السؤال :
ما هي المدة التي يمكننا مكثها قبل الغسل من الوطء ؟ فقد سمعنا أنه يحرم علينا القيام بأي عمل مثل المشي أو طبخ الطعام ما لم نغتسل من الجنابة . هل يمكن تأخير الغسل إلى أن يحين وقت الصلاة التالية ؟
والله يثيبك على جهودك .
الجواب:
الجواب :
الحمد لله(4/73)
ليس هناك مدة معيّنة لمكث المرأة جنبا قبل الاغتسال إنما ذلك مرتبط بأداء الصلاة وغيرها من العبادات المشترطة فيها الطهارة ، فلا بأس من تأخير الغسل إلى أن يحين وقت الصّلاة التالية ما دامت الصلاة التي قبلها قد أُدّيت على طهارة لكن يُندب للإنسان المسلم أن يعجّل بالاغتسال لكي يكون دائما على طهارة كما هي السنّة ولأنّ الملائكة لا تقرب الجُنُب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ ( وهو الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء : فيض القدير 3/325 ) وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ " رواه أبو داود 4180 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 3522
فإذا انشغلت المرأة ولم يتيسّر لها الغسل من الجنابة بعد الوطء مباشرة فلا يضرّها ذلك ولا تكون نجسة ويكفيها الوضوء لتخفيف الجنابة وحتى تقربها الملائكة .
وأما يزعمه بعض الناس من أنه يَحرم على المرأة الجنب مس الأشياء والقيام ببعض الأمور فكل ذلك بدعة من القول وزور ليس له أصل في الدين ، وإنما قام هذا الاعتقاد الفاسد على الأحاديث المكذوبة والموضوعة الواردة في هذا الباب ، قال الشيخ الشقيري رحمه الله : وكذا من الأباطيل اعتقاد النساء أن المرأة الجُنُب إن باشرت عجن العجين فسَد بسبب جنابتها ، وأنّ البركة تضيع من كلّ شيء تضع يدها فيه . " السنن والمبتدعات ص : 31 .
وقد ورد إلى اللجنة الدائمة والبحوث نحو السؤال المذكور أعلاه (5/318- الفتاوى) وهذا نص الجواب :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد
نعم يجوز للجنب قبل أن يغتسل لمس الأشياء من أثواب وأطباق وقدور ونحوها سواء كان رجلاً أم امرأة لأنه ليس بنجس ولا يتنجس ما لمسه منها بلمسه إياه لما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأيام فانخس منه ثم رجع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :"أين كنت يا أبا هريرة " فقال :"إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة " فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"سبحان الله إن المسلم لا ينجس "رواه البخاري 1/333
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وأله وصحبه وسلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
===========
والده يمنعه من صلاة الفجر في المسجد فهل يطيعه ؟
…سؤال رقم 60259
…سؤال:
أنا عمري 16 سنة والمسجد قريب جدّاً من بيتنا ، ولكن أبي لا يسمح لي أن أصلي الفجر فيه ، ويسمح بباقي الصلوات قائلاً إنه يخاف عليَّ أن يحدث لي شيء ، لأن بيننا وبين المسجد تقاطعاً ، أي : شارعين متداخلين ، مع أني كلمته كثيراً وحاولت إقناعه بالآيات والأحاديث ، ولكن لا فائدة ، فهل أذهب للصلاة من دون علمه ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
في البداية - أخي السائل - نود أن نحيي فيك هذه الهمة الطيبة والحرص على الفرائض وصلاة الجماعة ، ونسأل الله لك الثبات على الدين والاستقامة ، وألا تكون مثل هذه التصرفات من والدك مثبطة لك عن الاستقامة وعمل الخير والهداية ، وقبل الجواب على سؤالك فينبغي أن تتذكر أمراً هاماً جداً ، وهو :
أن بر الوالدين وطاعتهما فريضة قد وصى الله بها في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومن ذلك قوله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) النساء/36 ، وقوله تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24 .
واعلم أن طاعة الوالدين ملزمة لك إلا أن يأمرا بمعصية الله تعالى ، فحينها لا طاعة لهما ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري ( 6830 ) ومسلم ( 1840 ) .
أما عن صلاة الجماعة فهي واجبة ، لا يجوز للأب أن يمنع ولده المكلف منها ، بل الواجب على الآباء أن يأمروا أبناءهم بها ويرغبوهم فيها ويحثوهم عليها ، وإذا أحس الوالد من ولده تقصيراً في هذا الواجب فعليه أن يستشعر المسئولية التي حُمِّلَها ، والرعية التي سوف يُسأل عنها أمام الله تعالى يوم الحساب ، فيأمر وينهى ويذكر رعيته بما يجب عليهم تجاه ربهم من الواجبات وخطر التهاون فيها .
فإن قصر الوالد في حق أولاده بأن تركهم دون أمر ونهي وترغيب في الخير وترهيب من الشر ، فهذا لا يعفيهم من الإثم إن قصروا في الواجبات أو فعلوا المحرمات .(4/74)
فإن تعدى الأمر عند الوالد بأن ينهى أبناءه عن الواجب الذي أمرهم الله به فعندئذ لا طاعة له في معصية الله أو في ترك ما أوجب الله ، فإذا أمر الأب ولده بترك صلاة الجماعة كل أوقاتها أو بعضها فقد أمر بمعصية ، فحينئذ لا طاعة له ، مع صحبته بالمعروف والإحسان إليه .
أما عن سؤالك هل تخرج سرّاً لصلاة الفجر : فهذا طيب بالنسبة لك ، لكنه يسيء إلى والدك من حيث لا تشعر ، فوالدك متلبس بمعصية ما دام يمنعك من صلاة الجماعة ، حتى لو خرجت سرّاً فالإثم لا يرتفع عنه ، لأنه ما يزال آمراً بالمنكر ، ناهياً عن المعروف ، حتى لو خرجت للصلاة دون علمه ، فعليك أن تحاول إقناعه أولاً بالحكم الشرعي ولو عن طريق غيرك إن كان لا يسمع منك أو يعتبرك صغيراً ، فإن لم يستجب ، فلا حرج عليك أن تخرج بلا إذن منه وبغير علمه ، مع أخذ الحيطة والحذر في طريقك للمسجد .
ثانياً :
ونقول لوالدك - هداه الله - إن الله تعالى حمَّلك مسئولية عظيمة ، وهي تعليم ونصح أهلك من زوجة وأولاد ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : ( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ) .
وقد أمرك الله تعالى أن تقي نفسك وأهلك ناره عز وجل فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6 ، وقول تعالى - ناصّاً على الأمر بالصلاة - : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه/132 .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركه سدى : فقد أساء غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء ، وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه ، فأضاعوهم صغاراً ، فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آباءهم كباراً " انتهى .
" تحفة الودود " ( ص 229 ) .
ونحن نسألك سؤالاً مهمّاً : أين أنت عن صلاة الفجر ؟! أليس من الواجب عليك أداؤها جماعة ؟! أليس من الواجب عليك أن تكون قدوة لأهلك وأولادك فتصلي في بيت الله تعالى جماعة ؟! إنك إن فعلت هذا أدَّيت ما أوجبه الله عليك ، وأعنتَ ولدك على صلاته في المسجد ، واطمأننتَ عليه إن كنتَ خائفاً من ذهابه وحده .
واعلم أيها الوالد الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله تعالى ، فكيف تخاف على من كان في ذمته عز وجل ؟!
فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ، فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) رواه مسلم ( 657 ) .
والذمة هنا الضمان ، وقيل : الأمان ، كما قال النووي رحمه الله .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لأداء الأمانة ، وأن تكون قدوة صالحة لأهلك ، وأن تعين ولدك على أداء الصلوات في بيت الله عز وجل .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
حكم الصلاة في مقر العمل
…سؤال رقم 74978
…سؤال:
أنا شخص أعمل في برج الفيصلية في الرياض ، وحين دخول وقت الصلاة يكون هناك تسجيل عبر سماعات المبنى إيذاناً بموعدها ، ولدي بعض الزملاء الذين يؤدون صلاة الظهر في مكاتبهم محتجين بعدة أسباب هي :
1- أنهم لا يسمعون أذان المسجد وإنما هذا تسجيل وليس أذاناً .
2- أنهم يؤدونها جماعة وبذلك حققوا شرط الجماعة .
3- أن البرج لا يوجد به مصلى خاص به - مع العلم بأن هناك مسجداً قريباً من الدور الأرضي- لكنهم يقولون : إن هذا المسجد ليس تابعاً للمبنى لذا فهو بعيد .
سؤالي هو :
ما حكم صلاتهم في مكاتبهم ؟ وكيف أرد على حججهم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : الأصل أن الصلاة تكون في المساجد ، ولهذا بنيت ، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سمع النداء فلم يجب ، فلا صلاة له إلا من عذر ) رواه الترمذي (217) وابن ماجه (793) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (793) .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لابن أم مكتوم رضي الله عنه : ( أتسمع النداء ؟ ) قال : نعم . قال : ( أجب ) رواه مسلم (653) .
وهذا الحديث يدل على أن الواجب على من سمع النداء أن يجيب ، فيصلي جماعة في المسجد.
والمراد بسماع النداء : أن يسمع صوت المؤذن إذا رفع صوته بالأذان من غير مكبر للصوت.
فمن كان قريباً من المسجد بحيث يسمع النداء وجبت عليه صلاة الجماعة في المسجد ، ومن كان بعيداً لم يجب عليه الحضور إلى المسجد .
وانظر جواب السؤال (20655) .
ثانياً :
أما قولهم : ( إنهم يؤدونها جماعة وبذلك حققوا شرط الجماعة ) .
فينبغي أن يعلموا أن الواجب عليهم أمران :
الأول : أن يصلوا جماعة .(4/75)
الثاني : أن تكون هذه الجماعة في المسجد .
فلا بد من تحقيق الأمرين معاً ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال المشار إليه آنفاً .
وانظر جواب السؤال (72398)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الأصل الصلاة في المساجد , ولا بأس أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم إذا كان خروجهم إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل , أو يؤدي إلى تلاعب بعض الموظفين الذين يخرجون للصلاة ويتأخرون , وإذا كان المسجد بعيداً أيضاً جاز لهم الصلاة في مكان عملهم .
فالمهم : إذا كان هناك مصلحة , أو حاجة إلى أن يصلوا في مكاتبهم فلا حرج " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/68) .
وخلاصة الجواب :
أن الواجب على هؤلاء أن يصلوا في المسجد ما دام المسجد قريباً ، ولا يجوز لهم أن يصلوا في مكاتبهم ، إلا من عذر كما لو خيف أن يكون ذلك سببا لتفريط الموظفين ونحو ذلك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
يصلون الجمعة في مكان العمل ولا يذهبون إلى المساجد
…سؤال رقم 83975
…سؤال:
نحن مجموعة من موظفي آرامكو السعودية نعمل بمدينة ميلان الإيطالية في مهمة عمل تستغرق حوالي السنة . نصلي بعض الصلوات في غرفة بمبنى العمل أعدت كمصلى لنا . قرر بعضنا أن يجتمعوا في هذا المصلى لصلاة الجمعة بحيث يخطب بنا أحدهم . وحجتهم في ذلك أن صلاتنا الجمعة في هذا المصلى يوفر علينا وقت الذهاب إلى المساجد الموجودة في مدينة ميلان وحولها. وأيضا اجتماعهم في هذا المسجد يرغب بعضنا الذين يتكاسلون عن أداء الجمعة في مساجد ميلان. وقرر البعض منا أن لا يصلي الجمعة في هذا المصلى لتشككهم في جواز ذلك حيث يبعد أحد مساجد ميلان عنا حوالي العشر دقائق بالسيارة . ويبعد مسجد آخر حوالي الثلث ساعة بالسيارة. ومسجد ثالث حوالي النصف ساعة بالسيارة. ولقد انقسمنا فمنا من يصلي الجمعة في هذا المصلى ومنا من يصلي في مساجد ميلان وما حولها. نرجو منكم أن تفتونا في حكم الصلاة في مصلى المكتب .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فإنه يكون في حكم المقيم فيلزمه إتمام الصلاة من لحظة دخوله البلد ، كما تلزمه الجمعة حيث ينادى بها .
وينبغي أن يعلم أن المسافر تجب عليه الجماعة ، كما تجب على المقيم ، وقد أحسنتم بجعل هذه الغرفة مصلى ، تصلون فيها الصلاة جماعة ، وانظر جواب السؤال رقم (21498)
ثانيا :
صلاة الجمعة واجبة عليكم ، ولا يجوز لكم الصلاة في الغرفة التي جعلتموها مصلى للصلوات الخمس ، لأن الأصل عدم مشروعية تعدد الجمعة إلا عند الحاجة والضرورة ، كما أن الأصل أن من كان في بلد تقام فيه الجمعة فإنه يلزمه المجيء إليها ولو بعدت المسافة ، وقد يسر الله لكم الأمر ، حتى وجد بقربكم ما ذكرت من المساجد التي تبعد عشر دقائق بالسيارة أو ثلث أو نصف ساعة .
قال النووي رحمه الله :
" قال الشافعي والأصحاب : إذا كان في البلد أربعون فصاعداً من أهل الكمال ، وجب الجمعة على كل من فيه ، وإن اتسعت خطة البلد فراسخ ، وسواء سمع النداء أم لا ، وهذا مجمع عليه " انتهى من "المجموع" (4/353) .
وانظر جواب السؤال رقم (14564)
ويجب عليكم نصح المتكاسلين عن صلاة الجمعة ، ببيان بعض الأحاديث الواردة في الوعيد الشديد على من تخلف عن صلاة الجمعة كقوله صلى الله عليه وسلم : ( من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه ) رواه أبو داود (1052) والترمذي (500) والنسائي (1269) وابن ماجة (1125) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم جمع التبرعات أثناء خطبة الجمعة
…سؤال رقم 72960
…سؤال:
ما حكم جمع التبرعات في الخطبة الثانية من خطبتي الجمعة وذلك بدعوة الخطيب لذلك ؟ وما حكمها وقت الدعاء من الخطبة الثانية ؟ وهل تفسد جمعة من يتبرعون أثناء الخطبة ؟ وهل تفسد جمعة من يمر بين المصلين ليأخذ التبرعات ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الواجب على من حضر الجمعة أن يُقبل بقلبه وجوارحه على خطبتها ، ولا يجوز له الانشغال عنها ، ولو برد السلام ، أو الإنكار على من تكلم أثناءها .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ) . رواه مسلم ( 857 ) .
قال النووي رحمه الله :
" قوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن مس الحصا فقد لغا ) فيه النهي عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة ، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة ، والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود " انتهى .
" شرح مسلم " ( 6 / 147 ) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :(4/76)
" ولا يجوز له العبث حال الخطبة بيد أو رجل أو لحية أو ثوب أو غير ذلك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مس الحصا فقد لغا ) وفي حديث أخر : ( ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً ) ؛ ولأن العبث يمنع الخشوع ، وكذلك لا ينبغي له أن يتلفت يميناً وشمالاً ، ويشتغل بالنظر إلى الناس ، أو غير ذلك ؛ لأن ذلك يشغله عن الاستماع للخطبة ، ولكن ليتجه إلى الخطيب كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتجهون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال الخطبة " انتهى بتصرف .
" الملخص الفقهي " ( 1 / 176 ) .
وجمع التبرعات من الحاضرين لخطبة الجمعة فيه تشويش شديد على الخطبة ، وفيه تسبب بالحركة من قبَل جامع التبرعات والمتبرعين ، وفيه تسبب بالكلام وتخطي الرقاب من قبَل جامع التبرعات ، وكل ذلك منهي عنه ، ومخالف لمقصود الجمعة وخطبتها ، وليس هذا بضرورة إذ يمكن تأجيل التبرع إلى ما بعد انتهاء الصلاة ، ومن فعله حرم أجر الجمعة وكانت له ظهراً .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا ) . رواه أبو داود ( 347 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 721 ) .
أي : مثل صلاة الظهر في الثواب ، ويحرم بسبب لغوه ، وتخطيه رقاب الناس من الثواب
الجزيل الذي يحصل لمصلى الجمعة . ( عون المعبود )
قال الشيخ الفوزان حفظه الله :
" ولا يجوز لمن يستمع الخطبة أن يتصدق على السائل وقت الخطبة ؛ لأن السائل فعل ما لا يجوز له فعله ؛ فلا يعينه على ما لا يجوز ، وهو الكلام حال الخطبة " انتهى .
" الملخص الفقهي " ( 1 / 175 ) .
ثانياً :
لا فرق في النهي عن الكلام والعبث بالحصى وغيره بين أن يكون في أول الخطبة أو أثناء دعائها ، وما يقوله بعض الفقهاء من جواز الكلام أثناء الدعاء قول ضعيف .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا : إذا شرع الإمام في الدعاء في حال الخطبة يجوز الكلام ؛ لأن الدعاء ليس من أركان الخطبة ، والكلام في غير أركان الخطبة جائز ، ولكنه قول ضعيف ؛ لأن الدعاء ما دام متصلاً بالخطبة فهو منها ، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة في الخطبة ) .
فالصحيح : أنه ما دام الإمام يخطب سواء في أركان الخطبة أو فيما بعدها : فالكلام حرام " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 5 / 110 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
رئيسه يمنعه من حضور صلاة الجمعة
…سؤال رقم 34617
…سؤال:
إذا منعني رئيسي في العمل من صلاة الجمعة فهل أستقيل من العمل أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان عملك خارج المدينة ولا تسمع صوت المؤذن إذا أذَّن بلا مكبر للصوت ، فإن صلاة الجمعة غير واجبة عليك ، وتصلي ظهراً .
أما إذا كنت داخل المدينة ، أو كنت خارجها ولكنك تسمع الأذان فيجب عليك حضور صلاة الجمعة .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بعض العمال الذين لا يأذن لهم كفلاؤهم بصلاة الجمعة بحجة أنهم حراس في المزرعة .
فأجاب :
إذا كان هؤلاء العمال بعيدين عن المسجد بحيث لا يسمعون النداء لولا مكبر الصوت ، وهم خارج البلد فإن الجمعة لا تلزمهم ، ويطمئن العمال بأنه لا إثم عليهم في البقاء في المزرعة ، ويصلون ظهرا ، ويشار على كفيلهم أن يأذن لهم لأن ذلك خيرٌ له وخيرٌ لهم اهـ
لقاء الباب المفتوح (1/413) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن شاب يعمل خادماً عند أحد الأشخاص ، ويمنعه صاحب العمل من الصلاة في المسجد ، ويضربه إذا صلى في المسجد ، ويهدده بالترحيل إلى بلاده .
فأجابت :
الصلوات الخمس يجب أداؤها في المسجد جماعة ، فعليك أن تؤديها جماعة في المسجد ، وأن تصبر وتحتسب في ذلك ، وسيجعل الله بعد عسر يسرا : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق/2-3 .
واعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فكن مع الله يكن الله معك اهـ .
فتاوى اللجنة الدائمة (7/302) .
وعلى هذا . . فالنصيحة لك أيها السائل أن تتفاهم مع رئيسك في العمل ، وأن تشرح له الوضع ، وأن تعده بتعويض الوقت الذي تقضيه في صلاة الجمعة لضمان مصلحة العمل ، فإن استجاب لك وإلا فلا خير في عمل يمنعك من الصلاة . ومن ترك شيئاً لله عَوَّضه الله خيراً منه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
إلقاء الخطبة باللهجة العامية
…سؤال رقم 21708
…سؤال:
هل يجوز إلقاء خطبة الجمعة حسب اللهجات المحلية ؟ أم أنه يجب أن تلقى باللغة العربية ؟.(4/77)
الجواب:
الحمد لله
خطبة الجمعة عبادة لا تسوغ باللهجات العامية ، لكن إذا لم يوجد من يحسن العربية فلا بأس أن تؤدى بما يفهمه الحاضرون . وإذا كان الحاضرون لا يفهمون العربية فلا مانع أن يترجم لهم بعد الصلاة ما يحتاجون إليه ، أو يوضح لهم بلهجتهم ما تدعوا الحاجة إليه .
الشيخ عبد الكريم الخضير .
============
ترجمة خطبة الجمعة
…سؤال رقم 984
…سؤال:
هل يجوز أن يلقي الإمام الخطبة يوم الجمعة باللغة الإنجليزية إذا كان أكثر الحاضرين لا يفهمون اللغة العربية ؟.
الجواب:
الحمد لله
ذهب بعض أهل العلم إلى منع ترجمة الخطب المنبرية في يوم الجمعة والعيدين باللغات الأعجمية ، رغبة منهم رحمهم الله في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه رضي الله عنهم في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها ، وتشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها .
وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية نظراً للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام وما نهاهم عنه من المعاصي ، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة وتحذيرهم من خلافها ، ولاشك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ ، لا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثّر فيهم خطبة الخطيب ولا يدفعهم ذلك إلى تعلّم اللغة العربية والحرص عليها ، ( وخصوصا في هذا الوقت الذي تخلّف فيه المسلمون وتقدّم غيرهم انتشرت لغة الغالب وانحسرت لغة المغلوب في هذا العالم ) .
وإذا كان المقصود من إيصال العلم والشّريعة إلى الناس لا يتحقّق عند غير العرب إلا إذا تُرجمت الخُطب إلى لغتهم فإنّ القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين التي يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى أحق بالإتباع ، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام ، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعيّنة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة .
وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون ، وبذلك يجمع بين المصلحتين وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين .
ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة ، منها قوله عزّ وجلّ ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم ) ، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة ، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي صلى الله عليه وسلم مرادهم ، ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة مترجمين ، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها ، ومن جهلها منهم دعوه بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة ، ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه ولا سيما في آخر الزمان وعند غربة الإسلام وتمسّك كل قوم بلغتهم ، فالحاجة للترجمة الآن ماسّة ولا يُمكن أن تتم للداعي دعوته إلا بذلك .
ويُراعي الخطيب ما هو الأصلح للحاضرين فإن كان الأنفع هو تجزئة الخُطبة بالعربية وترجمة كلّ جزء بعده حتى تكتمل الخطبة فعل ذلك ، وإن كان الأنفع ترجمتها كلّها بعد الخطبة أو بعد الصلاة فعل ذلك والله تعالى أعلم .
فتاوى الجنة الدائمة 8/251-255.
============
حكم استئجار الكنائس لصلاة الجمعة فيها
…سؤال رقم 2189
…سؤال:
السؤال :
لا يجد المسلمون في العديد من ولايات أمريكا أماكن مناسبة لأداء صلاة الجمعة ما عدا بعض الكنائس المؤجرة رخيصاً أو مجاناً ، فأثار بعض الطلاب النقاش حول صحة أداء الصلاة في الكنائس معتمدين على ما روي عن ابن عمر حول منع الصلاة في الكنائس ومعابد اليهود والمقابر وأماكن الذبح لغير الله ، وبناء على هذا الرأي فقد امتنع بعض المسلمين عن الحضور لصلاة الجمعة ، فضلاً نرجو إفادتنا بالحكم الصحيح في هذه الحالة حتى نستطيع تجاوز الخلافات بين المسلمين في هذا المجتمع ، وجزاكم الله خيراً
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
إذا تيسر وجود غير الكنائس ليُصلى فيها لم تجز الصلاة في الكنائس ونحوها ، لأنها معبد للكافرين يعبدون فيه غير الله ، ولما فيها من التماثيل والصور ، ( وأما إذا لم يتيسّر غيرها جازت الصلاة فيها ) للضرورة ، قال عمر رضي الله عنه : " إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها والصور " وكان ابن عباس رضي الله عنهما يصلي في البيعة إلا بيعة فيها التماثيل والصور . أخرجهما البخاري 1/112
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/268
==============
إقامة صلاة العيد في الإستاد الرياضي
…سؤال رقم 10506
…سؤال:(4/78)
نحن طلاب في الجامعة ولا يوجد عندنا مصلى للعيدين والاستسقاء ، ومنذ أربع سنوات ونحن نصلي هذه الصلوات في الاستاد الرياضي بالكلية ، وهو مكشوف ومفروش بالنايلون فما حكم فما حكم هذه الصلوات في المكان المذكور ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في صلاتكم في المكان المذكور ، وما يجري فيه من الأمور التي ذكرتم لا يمنع من إقامة صلاة العيد والاستسقاء فيه ما دام طاهراً ليس فيه شيء من النجاسة ، وإن تيسر مكان مستقل أحسن منه فهو أولى وأفضل . والله ولي التوفيق .
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/10.
============
صلاة الكسوف لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده
…سؤال رقم 20368
…سؤال:
هل نصلي الكسوف بناء على خبر أهل الحساب المنشور في الجريدة ؟ وهل إذا وقع الكسوف في بلد آخر نصلي صلاة الكسوف أم يجب رؤيته بالعين المجردة ؟.
الجواب:
الحمد لله
قد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بصلاة الكسوف والذكر والدعاء عندما يرى المسلمون كسوف الشمس أو القمر فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) وفي لفظ آخر : ( فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره ) فعلق صلى الله عليه وسلم الأمر بالصلاة والدعاء والذكر والاستغفار برؤية الكسوف لا بخبر الحسابين .
فالواجب على المسلمين جميعاً التمسك بالسنة والعمل بها والحذر من كل ما يخالفها .
وبذلك يعلم أن الذين صلوا صلاة الكسوف اعتماداً على خبر الحسابين قد أخطأوا وخالفوا السنة .
ويُعلم أيضاً أنه لا يشرع لأهل بلد لم يقع عندهم الكسوف أن يصلوا ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالصلاة وما ذكر معها برؤية الكسوف لا بالخبر من أهل الحساب بأنه سيقع ، ولا بوقوعه في بلد آخر ، وقد قال الله عز وجل : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر /7 ، وقال سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول لله أسوة حسنة ) الأحزاب /21 ، وهو صلى الله عليه وسلم إنما صلى صلاة الكسوف لما وقع ذلك في المدينة وشاهده الناس ، وقال عز وجل : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) النور /63 .
ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس وأنصح الناس ، وأنه هو المبلغ عن الله أحكامه . فلو كانت صلاة الكسوف تشرع بأخبار الحسابين ، أو بوقوع الكسوف في مناطق أو أقاليم لا يشاهدها إلا أهلها ، لبين ذلك وأرشد الأمة إليه . فلما لم يبين ذلك ، بل بين خلافه ، وأرشد الأمة إلى أن يعتمدوا على الرؤية للكسوف ، علم بذلك أن الصلاة لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده . والله ولي التوفيق .
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/30 .
================
هل يصلي المسلمون الاستسقاء في بلاد الكفار
…سؤال رقم 9167
…سؤال:
السؤال : جالية إسلامية مقيمة في بلاد الكفار وتأخّر نزول المطر فهل يجوز لهم أن يصلوا الاستسقاء ، والمطر إذا نزل سينفع الكفار أيضا ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
سألنا فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين فأجاب حفظه الله بقوله :
الاستسقاء من المسلمين في بلاد الكفار جائز ولو كان فيها منافع للكفار .
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
==============
الصلاة خلف الإباضية وأهل البدع
…سؤال رقم 40147
…سؤال:
ما هو رأيكم في فرقة الإباضية وهل صحيح أن ابن باز ( رحمه الله) قد كفر هذه الفرقة فنحن هنا في مسجد في أمريكا ويوجد به فرق مختلفة منهم الزيدية والشيعة أيضا فهل نسمح لأحد منهم بالإمامة والصلاة خلفه أم تكون لأهل السنة ؟.
الجواب:
الحمد لله
الإباضية إحدى الفرق الضالة ، كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة رقم 6935 ، ونصها :
السؤال : هل تعتبر فرقة الإباضية من الفرق الضالة من فرق الخوارج وهل يجوز الصلاة خلفهم ؟
فكان جواب اللجنة كما يلي :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
فرقة الإباضية من الفرق الضالة لما فيهم من البغي والعدوان والخروج على عثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهما ، ولا تجوز الصلاة خلفهم .
وبالله التوفيق .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
للمزيد عن الإباضية راجع سؤال رقم ( 11529 )
ولم نقف على تكفير الشيخ ابن باز رحمه الله لهذه الفرقة .
وانظر حكم الصلاة خلف الشيعة ، في جواب السؤال رقم 20093
ولا يجوز تمكين أهل البدع المكفِّرة من إمامة الصلاة ، لعدم صحة الصلاة خلفهم عند جمع من أهل العلم ، ولكونهم أهلا للهجر والزجر لا للإمامة والتقديم ، ولما يترتب على تقديمهم للصلاة من اغترار الجاهل بهم .(4/79)
والبدع المكفرة : كبدعة القول بخلق القرآن ، ونفي رؤية المؤمنين لربهم في الجنة ، والقول بتكفير مرتكب الكبيرة أو تخليده في النار ، وتكفير أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، أو القول بتحريف القرآن ، أو ادعاء أن الأئمة يعلمون الغيب ، أو الاستغاثة بالأموات ، وغير ذلك من صور الكفر والشرك .
وهذا بخلاف صاحب البدعة غير المكفرة ، فإن الصلاة خلفه صحيحة .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/364) السؤال التالي :
هل تجوز الصلاة خلف الإمام المبتدع ؟
جواب اللجنة :
من وجد إماما غير مبتدع فليصل وراءه دون المبتدع ، ومن لم يجد سوى المبتدع نصحه عسى أن يتخلى عن بدعته ، فإن لم يقبل وكانت بدعته شركية كمن يستغيث بالأموات أو يدعوهم من دون الله أو يذبح لهم فلا يصلى وراءه لأنه كافر وصلاته باطلة ولا يصح أن يجعل إماما وإن كانت بدعته غير مكفرة كالتلفظ بالنية صحت صلاته وصلاة من خلفه .
وبالله التوفيق .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
هل يصلي خلف من يجهل عقيدته وفي الولاية متصوفة وشيعة ؟
…سؤال رقم 72441
…سؤال:
أنا لا أصلي الجمعة مع الجماعة حيث إنني مبتعث لدولة أجنبية المسلمون في هذه الولاية قلة وفيهم الشيعة والمتصوفون , وأنا لا أعلم عن حال الإمام إن كان مسلما سنيا أو لا , فما حكم تركي للصلاة معهم ؟ مع العلم بأن المسجد بعيد ولا أسمع الأذان .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
صلاة الجماعة واجبة على من سمع الأذان ، فإذا كان بيتك بعيداً عن المسجد بحيث لا تسمع الأذان إذا رفع المؤذن صوته من غير مكبر للصوت ، مع سكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع فلا يجب عليك حضور صلاة الجماعة في المسجد .
وقد سبق بيان هذا في السؤال رقم (21969) ، والسؤال رقم (20655) .
وأما صلاة الجمعة فقد أجمع العلماء على أنها واجبة على كل من كان في المدينة من الرجال ، سواء سمع النداء أو لا ، ومهما تباعدت أطراف المدينة .
وانظر بيان هذا في جواب السؤال : ( 39054 ) .
ثانياً :
ما دام الإمام مسلما في الظاهر ، فلا يجوز ترك الجمعة والجماعة خلفه لاحتمال كونه شيعيا أو صوفيا ، إلا أن تمكن إقامة الجمعة والجماعة - من غير فتنة - خلف غيره ممن هو معروف بالاستقامة وصحة المنهج ، فالصلاة خلف هذا أولى وأفضل .
والأصل إحسان الظن بالمسلم ، وعدم القدح في دينه ومنهجه بغير قادح معلوم ، كما أن القول الراجح صحة الصلاة خلف كل من حكمنا بإسلامه ، ما لم يقع في أمور مكفرة ، كاعتقاد تحريف القرآن الكريم ، أو تكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو دعاء الأموات والاستغاثة بهم ، فهذا لا يصلى خلفه .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الصلاة خلف المرازقة وعن بدعتهم ؟
فأجاب : " يجوز للرجل أن يصلى الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين ، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ، ولا أن يمتحنه فيقول : ماذا تعتقد ؟ بل يصلى خلف مستور الحال ، ولو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع ففي صحة صلاته قولان مشهوران في مذهب أحمد ومالك ، ومذهبُ الشافعي وأبى حنيفة الصحة .
... ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته ، أو فاسق ظاهر الفسق ، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين ، والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك ، فان المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف ، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبى حنيفة وغيرهم .
ولهذا قالوا في العقائد : إنه يصلى الجمعة والعيد خلف كل إمام برا كان أو فاجرا ، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلى خلفه الجماعات ، فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقا ، هذا مذهب جماهير العلماء ، أحمد بن حنبل والشافعى وغيرهما ، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد . ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة ...(4/80)
والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها ، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ، ولا يعيدون ، كما كان ابن عمر يصلى خلف الحجاج ، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة ، وكان يشرب الخمر ... والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته ، لكن إنما كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب ، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يُرتّب إماما للمسلمين ، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب ، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا ، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه ، وصلى خلف غيره أثّر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه ، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة ، ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة ، وأما إذا كان ترك الصلاة يفوّت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يَترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/351- 356) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة : ما حكم أكل اللحوم عندما يكون الذابح مجهول العقيدة والصلاة وراءه ؟
فأجابوا : " إذا كان المسلم ظاهرا ، مجهول الحال بالنسبة لعقيدته ، ولم يعلم عنه انحراف في عقيدته صحت الصلاة وراءه وأكلت ذبيحته " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/365) .
وجاء فيها أيضا (7/353) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة : فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم ، أو العلم بالمغيبات ، أو التأثير في الكونيات ، فلا تصح الصلاة خلفهم .
وإن كانت بدعتهم غير شركية ؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الاجتماع والترنحات ، فالصلاة وراءهم صحيحة ، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماما غير مبتدع ؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم المقيم في بلد أهله متمسكون بالبدعة ، هل يصح له أن يصلي معهم صلاة الجمعة والجماعة ، أو يصلي وحده ، أو تسقط عنه الجمعة ؟ وإذا كان أهل السنة ببلد أقل من اثني عشر فهل تصح لهم الجمعة أم لا ؟
فأجاب : " إنّ إقامة صلاة الجمعة واجبة خلف كل إمام بر أو فاجر ، فإذا كان الإمام في الجمعة لا تخرجه بدعته عن الإسلام فإنه يصلى خلفه ، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم " انتهى ... " ثم نقل كلام شيخ الإسلام السابق ، إلى أن قال : " وأما السؤال الثاني : فجوابه أن يقال : هذه المسألة فيها خلاف مشهور بين أهل العلم ، والصواب في ذلك : جواز إقامة الجمعة بثلاثة فأكثر إذا كانوا مستوطنين في قرية لا تقام فيها الجمعة ، أما اشتراط أربعين أو اثني عشر أو أقل أو أكثر لإقامة الجمعة فليس عليه دليل يعتمد عليه فيما نعلم ، وإنما الواجب أن تقام في جماعة وأقلها ثلاثة وهو قول جماعة من أهل العلم ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو الصواب كما تقدم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/303) .
هذا وينبغي أن تتعاون مع الجالية الموجودة في هذه البلاد ، لدعوتهم إلى الله تعالى ، وتصحيح عقائدهم ، وإرشاد ضالهم ، بالحكمة بالموعظة الحسنة ، والسعي لأن تكون إمامة الصلاة في أفضلهم وأتقاهم .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
لا تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال
…سؤال رقم 9346
…سؤال:
هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال علماً بأن منهم من يجيد قراءة القرآن ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الإمام مشعوذاً يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات فلا يجوز أن يتخذ إماماً ولا يصلى خلفه لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية ، يقول جل وعلا : ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) النمل/65 ، وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار لقول الله تعالى : ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) البقرة/102 ، أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة احتياطاً للدين وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه .(4/81)
أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة لكن متى وجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم ، أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلبهم المدد فهذا لا يصلي خلفه ، لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها . ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب .
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/9 ص/278.
===========
هل يصلون خلف من يقنت في الفجر
…سؤال رقم 59925
…سؤال:
نحن دولة إسلامية في جنوب آسيا . الحكومة تأمر الأئمة أن يقلدوا الشافعية في صلواتهم هل نصلي وراء هؤلاء المقلدين ، علما أنهم يقنتون في الفجر باعتقاد أن القنوت في الفجر من السنة لذا يسجدون سجدة السهو إذا نسوا القنوت في الفجر .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
ليس من السنة المداومة على القنوت في صلاة الفجر ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20031) ورقم (5459) .
ثانياً :
صلاتكم خلف من يقنت في الفجر صحيحة ، وإن وُجد من لا يقنت على الدوام فالصلاة خلفه أولى ، محافظةً على السنة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض المسائل الاجتهادية التي يختلف فيها العلماء ، كالقنوت في الفجر والوتر ونحو ذلك ، قال :
" اتفق العلماء على أنه إذا فعل كلاًّ من الأمرين كانت عبادته صحيحة ، ولا إثم عليه ، لكن يتنازعون في الأفضل وفيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ، ومسألة القنوت في الفجر والوتر والجهر بالبسملة وصفة الاستعاذة ونحوها من هذا الباب ، فإنهم متفقون على أن من جهر بالبسملة صحت صلاته ، ومن خَافَتَ ( أي : أسَرَّ بها ) صحت صلاته ، وعلى أن من قنت في الفجر صحت صلاته ، ومن لم يقنت فيها صحت صلاته ، وكذلك القنوت في الوتر " اهـ .
وقال أيضا (23/115) :
" وقد تبين بما ذكرناه أن القنوت يكون عند النوازل . . . ومن قال إنه من أبعاض (أجزاء) الصلاة التي يجبر بسجود السهو ، فإنه بنى ذلك على أنه سنة يسن المداومة عليه ، بمنزلة التشهد الأول ونحوه ، وقد تبين أن الأمر ليس كذلك ، فليس بسنة راتبة ، ولا يسجد له ، لكن من اعتقد ذلك متأولاً في ذلك ، له تأويله ، كسائر موارد الاجتهاد ، ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، فإذا قنت قنت معه ، وإن ترك القنوت لم يقنت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) . وقال : ( لا تختلفوا على أئمتكم ) ، وثبت عنه في الصحيح أنه قال : ( يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فلكم وعليهم ) اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عندنا إمام يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة فهل نتابعه ؟ وهل نؤمن على دعائه ؟
فأجاب :
" من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليتابع الإمام في القنوت في صلاة الفجر ، ويؤمن على دعائه بالخير ، وقد نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى " اهـ .
مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/177) .
وسئلت اللجنة الدائمة ما نصه : هل تجوز الصلاة خلف إمام يسدل في صلاته ويقنت دائما في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح ؟
فأجابت : وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة سنة ، والسدل خلاف السنة ، والقنوت دائما في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح كما يفعل بعض المالكية والشافعية خلاف السنة ؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وإنما كان يقنت في النوازل ، وكان يقنت في صلاة الوتر .
فإذا كان الإمام يسدل في صلاته ويديم القنوت في صلاة الصبح على ما ذكر في السؤال نصحه أهل العلم وأرشدوه إلى العمل بالسنة ، فإن استجاب فالحمد لله ، وإن أبى وسهلت صلاة الجماعة وراء غيره صُلِّيَ خلف غيره محافظةً على السنة ، وإن لم يسهل ذلك صُلِّيَ وراءه حرصاً على الجماعة ، والصلاةُ صحيحةٌ على كل حال . اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة 7/366
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم إمامة المرأة للرجال
…سؤال رقم 39188
…سؤال:
ما حكم إمامة المرأة للرجال في صلاة الجمعة وغيرها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قد خص الله تعالى الرجال ببعض الفضائل والأحكام ، وكذلك خص النساء ببعض الفضائل والأحكام ، فلا يجوز لأحد من الرجال أن يتمنى ما خصت به النساء ، ولا يجوز لأحد من النساء أن يتمنى ما فضل به الرجال ، فإن هذا التمني اعتراض على الله تعالى في تشريعه وحكمه .
قال الله تعالى : ( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/32 .
قال السعدي رحمه الله :(4/82)
" ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره , من الأمور الممكنة وغير الممكنة . فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء , ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغني والكامل تمنيا مجردا , لأن هذا هو الحسد بعينه . . . ولأنه يقتضي السخط على قدر الله " انتهى .
فمما خص الله تعالى به الرجال ، أن العبادات التي تحتاج إلى قوة كالجهاد ، أو ولاية كالإمامة . . . إلخ تختص بالرجال ، ولا مدخل للنساء بها .
وقد دل على ذلك أدلة كثيرة ، منها :
1- قال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/34 .
قَالَ الشَّافِعِيُّ في الأم (1/191) :
" وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ ذُكُورٍ فَصَلاةُ النِّسَاءِ مُجْزِئَةٌ وَصَلاةُ الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ الذُّكُورِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ ; لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ وَقَصَرَهُنَّ عَنْ أَنْ يَكُنَّ أَوْلِيَاءَ ، وَلا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ إمَامَ رَجُلٍ فِي صَلاةٍ بِحَالٍ أَبَدًا " انتهى .
وقال السعدي رحمه الله :
" فتفضيل الرجال على النساء , من وجوه متعددة : من كون الولايات مختصة بالرجال , والنبوة والرسالة , واختصاصهم بكثير من العبادات , كالجهاد , والأعياد , والجمع . وبما خصهم الله به , من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله " انتهى .
2- وقال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .
قال السعدي رحمه الله :
" وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ " أي : رفعة ورياسة , وزيادة حق عليها , كما قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) . ومنصب النبوة والقضاء , والإمامة الصغرى والكبرى , وسائر الولايات مختص بالرجال " انتهى .
3- روى البخاري (4425) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً ) .
فهذا الحديث دليل على أن الولايات العامة لا يجوز للمرأة أن تتولاها ، والإمامة من الولايات العامة .
4- روى أبو داود (576) وأحمد (5445) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ ) صححه الألباني في سنن أبي داود .
قال في عون المعبود :
" ( وَبُيُوتهنَّ خَيْر لَهُنَّ ) : أَيْ صَلاتهنَّ فِي بُيُوتهنَّ خَيْر لَهُنَّ مِنْ صَلاتهنَّ فِي الْمَسَاجِد لَوْ عَلِمْنَ ذَلِكَ , لَكِنَّهُنَّ لَمْ يَعْلَمْنَ فَيَسْأَلْنَ الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد وَيَعْتَقِدْنَ أَنَّ أَجْرهنَّ فِي الْمَسَاجِد أَكْثَر . وَوَجْه كَوْن صَلاتهنَّ فِي الْبُيُوت أَفْضَل الأَمْن مِنْ الْفِتْنَة , وَيَتَأَكَّد ذَلِكَ بَعْد وُجُود مَا أَحْدَثَ النِّسَاء مِنْ التَّبَرُّج وَالزِّينَة " انتهى .
5- روى مسلم (440) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا ، وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا ، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا ) .
قال النووي :
" أَمَّا صُفُوف الرِّجَال فَهِيَ عَلَى عُمُومهَا فَخَيْرهَا أَوَّلهَا أَبَدًا وَشَرّهَا آخِرهَا أَبَدًا أَمَّا صُفُوف النِّسَاء فَالْمُرَاد بِالْحَدِيثِ صُفُوف النِّسَاء اللَّوَاتِي يُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَال , وَأَمَّا إِذَا صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَات لا مَعَ الرِّجَال فَهُنَّ كَالرِّجَالِ خَيْر صُفُوفهنَّ أَوَّلهَا وَشَرّهَا آخِرهَا , وَالْمُرَاد بِشَرِّ الصُّفُوف فِي الرِّجَال النِّسَاء أَقَلّهَا ثَوَابًا وَفَضْلا وَأَبْعَدهَا مِنْ مَطْلُوب الشَّرْع , وَخَيْرهَا بِعَكْسِهِ , وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِر صُفُوف النِّسَاء الْحَاضِرَات مَعَ الرِّجَال لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَة الرِّجَال وَرُؤْيَتهمْ وَتَعَلُّق الْقَلْب بِهِمْ عِنْد رُؤْيَة حَرَكَاتهمْ وَسَمَاع كَلامهمْ وَنَحْو ذَلِكَ , وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفهنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .
فإذا كانت المرأة مأمورة بالصلاة في بيتها ، والبعد عن الرجال ، وشر صفوف النساء أولها ، لأنها تكون أقرب إلى الرجال ، فكيف يليق بحكمة الشرع أن يبيح للمرأة أن تصلي إماما بالرجال ، وهو يأمرها أن تبتعد عن الرجال ؟!!(4/83)
6- روى البخاري (684) ومسلم (421) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ ) .
قال الحافظ :
" وَكَأَنَّ مَنْعَ اَلنِّسَاءِ مِنْ اَلتَّسْبِيحِ لأَنَّهَا مَأْمُورَة بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي اَلصَّلاةِ مُطْلَقًا لِمَا يُخْشَى مِنْ اَلافْتِتَانِ " انتهى .
فإذا كانت المرأة منهية عن تنبيه الإمام بالقول إن أخطأ ، وإنما تصفق ، حتى لا ترفع صوتها بحضرة الرجال ، فكيف تصلي بهم وتخطب بهم ؟!
7- روى مسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّه صلى خلف الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جدته ويتيم ، فقال : ( فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا ) .
قال الحافظ :
" فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لا تَصُفُّ مَعَ الرِّجَالِ , وَأَصْلُهُ مَا يُخْشَى مِنْ الافْتِتَانِ بِهَا " انتهى .
فإذا كانت المرأة تقف منفردةً خلف الصف ، ولا تقف مع الرجال في صفهم ، فكيف تتقدمهم وتصلي بهم إماما ؟!
قال في عون المعبود :
"وَفِيهِ دَلِيل أَنَّ إِمَامَة الْمَرْأَة لِلرِّجَالِ غَيْر جَائِزَة ، لأَنَّهَا لَمَّا مُنعت عَنْ مُسَاوَاتهمْ مِنْ مَقَام الصَّفّ كَانَتْ مِنْ أَنْ تَتَقَدَّمهُمْ أَبْعَد " انتهى . بتصرف يسير .
8- عمل المسلمين على مدار أربعة عشر قرنا من الزمان ، على أن المرأة لا تتولى الصلاة بالرجال .
بدائع الصنائع (2/289 ) .
فمن خالف هذا فقد اتبع غير سبيل المؤمنين ، والله تعالى يقول : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء/115 .
وهذه طائفة من أقوال العلماء :
جاء في "الموسوعة القفقهية" (6/205) :
" يُشْتَرَطُ لإِمَامَةِ الرِّجَالِ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ ذَكَرًا , فَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ , وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ " انتهى .
قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" ( ص 27 ) :
" واتفقوا على أن المرأة لا تؤم الرجال وهم يعلمون أنها امرأة ، فإن فعلوا فصلاتهم باطلة بإجماع " انتهى .
وقال في "المحلى" (2/167) :
" وَلا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَلا الرِّجَالَ , وَهَذَا مَا لا خِلَافَ فِيهِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ إذَا فَاتَتْ أَمَامَهُ . . . وَحُكْمُهُ عليه السلام بِأَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الرَّجُلِ وَلا بُدَّ فِي الصَّلاةِ , وَأَنَّ الإِمَامَ يَقِفُ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ لا بُدَّ أَوْ مَعَ الْمَأْمُومِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ . . . وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَثْبُتُ بُطْلانُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَلِلرِّجَالِ يَقِينًا " انتهى .
وقال النووي في المجموع (4/152) :
" وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لا تَجُوزُ صَلاةُ رَجُلٍ بَالِغٍ وَلا صَبِيٍّ خَلْفَ امْرَأَةٍ . . . وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ صَلاةُ الْفَرْضِ وَالتَّرَاوِيحِ , وَسَائِرُ النَّوَافِلِ , هَذَا مَذْهَبُنَا , وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - رحمهم الله , وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ التَّابِعِينَ , وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد .....
ثُمَّ إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ أَوْ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ صَلاةُ الرِّجَالِ , وَأَمَّا صَلاتُهَا وَصَلاةُ مَنْ وَرَاءَهَا مِنْ النِّسَاءِ فَصَحِيحَةٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلا إذَا صَلَّتْ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ : ( أَصَحُّهُمَا ) لا تَنْعَقِدُ صَلاتُهَا ( وَالثَّانِي ) : تَنْعَقِدُ ظُهْرًا وَتُجْزِئُهَا , وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ , وَلَيْسَ بِشَيْءٍ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وفي "الإنصاف" (2/265) :
" قَوْلُهُ ( وَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ )
هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا - يعني مذهب الإمام أحمد - قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ " انتهى .
ومذهب المالكية في هذا أشد المذاهب ، فإنهم يمنعون إمامة المرأة حتى للنساء ، ويجعلون الذكورة شرطاً في الإمامة مطلقاً . ففي "الفواكه الدواني" (1/204) :
"وَاعْلَمْ أَنَّ الإِمَامَةَ لَهَا شُرُوطُ صِحَّةٍ وَشُرُوطُ كَمَالٍ , فَشُرُوطُ صِحَّتِهَا ثَلاثَةَ عَشَرَ أَوَّلُهَا الذُّكُورَةُ الْمُحَقَّقَةُ فَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ وَلا الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ , وَتَبْطُلُ صَلاةُ الْمَأْمُومِ دُونَ الأُنْثَى الَّتِي صَلَّتْ إمَامًا" انتهى .(4/84)
وسئل الشيخ ابن باز عن رجل صلى صلاة العصر مأموماً خلف امرأته , فأجاب :
" لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا تصح صلاته خلفها لأدلة كثيرة وعلى المذكور أن يعيد صلاته " "مجموع فتاوى ابن باز" (12/130) .
ثانياً :
أما تعويل من زعم ذلك على ما روي من أن أم ورقة قد أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم في إمامة أهل بيتها . رواه أبو داود (591) .
فقالوا : إنها كانت تؤم أهل دارها بما فيهم الرجال والصبيان ، فقد أجاب العلماء عن هذا بعدة أجوبة :
1- أن الحديث ضعيف .
قال الحافظ في "التلخيص" (ص 121) : " وفي إسناده عبد الرحمن بن خلاد وفيه جهالة " انتهى .
وقال في "المنتقى شرح الموطأ" :
" هذا الحديث مما لا يجب أن يعول عليه " انتهى .
2- إن صح الحديث فالمراد : أنها كانت تؤم نساء أهل دارها .
3- أن ذلك خاص بأم ورقة ، لا يشرع ذلك لأحد غيرها .
4- أن بعض العلماء استدل به على جواز إمامة المرأة للرجل ، ولكن عند الضرورة ، ومعنى الضرورة ألا يوجد رجل يحسن قراءة الفاتحة . "حاشية ابن قاسم" (2/313) .
وانظر : "المغني" (3 /33) .
الإسلام سؤال وجواب
============
أين تقف إمامة النساء في صلاة الجماعة ، وأفضلية الصلاة في البيت للمرأة
…سؤال رقم 12451
…سؤال:
بالرغم من أن صلاة المرأة تكون أفضل في بيتها ، فهل تحصل على نفس الأجر كالرجل في صلاة الجماعة اذا أدت الصلاة في البيت أو المسجد ؟ وهل تحصل ايضا على أجر 27 درجة إذا أدت الصلاة بمفردها في البيت ؟
و ماهو الدليل على أن المرأة تؤم باقي المصليات في الصلاة ، بحيث تقف في نفس الصف وليس أمام المأمومين كالرجال ؟.
الجواب:
الحمد لله
هذا السؤال من شقّين :
الأول : وهو أفضلية صلاة المرأة في بيتها :
قال الشيخ ابن عثيمين : " السنة تدل على أن الأفضل للمرأة أن تصليّ في بيتها في أي مكان كانت سواء في مكّة أو غيرها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وبيوتهن خير لهن ) ، يقول ذلك وهو في المدينة مع أن المسجد النبوي الصلاة فيه زيادة فضل ، ولأن صلاة المرأة في بيتها أستر لها وأبعد عن الفتنة وكانت في بيتها أولى وأحسن " .
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ،ج/1 ص/207 ، ويراجع سؤال رقم (3457) ، وتضعيف الصلاة في الجماعة خاص بالرجال ، وقد قال عليه الصلاة والسلام للمرأة
قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ...وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ..) الحديث رواه أحمد ( مسند باقي الأنصار/25842) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 337
الشق الثاني :
الدليل على أن المرأة إذا أمت النساء تقف وسطهن :
قال ابن قدامة : كذلك سنّ لإمامة النساء القيام وسطهن في كل حال ، لأنهن عورات . المغني ج/1ص/347 وقال النووي : السنة أن تقف إمامة النساء وسطهن ، لما روي أن عائشة وأم سلمة أمّتا نساءً فقامتا وسطهنّ . المجموع شرح المهذّب ج/4 ص/192
و " إذا صلى النساء جماعة فإن إمامتهن تقف وسطهن ، لأن ذلك أستر ، والمرأة مطلوب منها الستر بقدر المستطاع ، ومن المعلوم أن وقوف المرأة بين النساء أستر من كونها تقف بين أيديهن ، والحجة في ذلك ما روي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما : ( أنهما إذا أمّتا النساء وقفتا في صفِّهن ) ، وهذا فعل صحابية ، والأصح أنه حجة لما لم يخالفه نصّ ، والمرأة مع كونها مع المرأة الواحدة كوقوف الرجل مع الرجل الواحد " . انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/387.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
===========
هل يصلي المسافر قصرا في بيته أم جماعة في المسجد ؟
…سؤال رقم 40299
…سؤال:
إذا أقمت ببلد إقامة مؤقتة أثناء سفري فهل الأفضل أن أقصر الصلاة في بيتي أو أصليها جماعة في المسجد تامة ؟.
الجواب:
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة لا يجوز لمسلم تركها إلا لعذر ، وقد سبق ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة .
راجع السؤال رقم ( 8918 ) .
وعلى هذا ، فعليك أداء الصلاة جماعة في المسجد ، وإذا كان الإمام مقيماً (غير مسافر) فإنك تصلي معه الصلاة تامة غير مقصورة .
سئل الشيخ ابن باز : إذا سافر الإنسان إلى جدة مثلا ، فهل يحق له أن يصلي ويقصر أم لا بد أن يصلي مع الجماعة في المسجد ؟
فأجاب :
"إذا كان المسافر في الطريق فلا بأس ، أما إذا وصل البلد فلا يصلي وحده ، بل عليه أن يصلي مع الناس ويتم ، أما في الطريق إذا كان وحده وحضرت الصلاة فلا بأس أن يصلي في السفر وحده ويقصر الرباعية اثنتين" اهـ .
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (12/297)
وسئل الشيخ ابن عثيمين متى وكيف تكون صلاة المسافر ؟
فأجاب :
"صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه , لقول عائشة رضي الله عنها : ( الصلاة أول ما فرضت ركعتين , فأقرت صلاة السفر , وأتمت صلاة الحضر) . رواه البخاري (1090) ومسلم(685) وفي رواية (وزيد في صلاة الحضر) .(4/85)
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة ) رواه البخاري (1081) ومسلم (693)
لكن إذا صلى مع إمام يتم صلى أربعاً سواء أدرك الصلاة من أولها, أم فاته شيء منها لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة , وعليكم السكينة والوقار, ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا ) . رواه البخاري (636) مسلم (602) . فعموم قوله : ( ما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا ) يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم .
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد , وأربعاً إذا ائتم بمقيم ؟! فقال : تلك السنة . رواه مسلم (688) وأحمد (1865)
ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر ؛ لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال : (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ) النساء/102 . وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيداً أو يخاف فوت رفقته, لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة " اهـ .
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/252)
وسئل أيضاً :
إذا كنت في سفر وسمعت النداء للصلاة فهل يجب علي أن أصلي في المسجد , ولو صليت في مكان إقامتي فهل في ذلك شيء ؟ إذا كانت مدة السفر أكثر من أربعة أيام متواصلة فهل أقصر الصلاة أم أتمها ؟
فأجاب قائلاً : إذا سمعت الأذان وأنت في محل الإقامة وجب عليك أن تحضر إلى المسجد , لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال للرجل الذي استأذنه في ترك الجماعة : ( أتسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : فأجب ) رواه مسلم (653) . وقال عليه الصلاة والسلام : ( من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر ) رواه الترمذي (217) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وليس هناك دليل يدل على تخصيص المسافر من هذا الحكم إلا إذا كان في ذهابك للمسجد تفويت مصلحة لك في السفر مثل أن تكون محتاجاً إلى الراحة والنوم فتريد أن تصلي في مقر إقامتك من أجل أن تنام , أو كنت تخشى إذا ذهبت إلى المسجد أن يتأخر الإمام في الإقامة وأنت تريد أن تسافر وتخشى من فوات الرحلة عليك , وما أشبه ذلك .
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/422) .
الإسلام سؤال وجواب
============
متعب من العمل ولا يريد الصلاة مع الجماعة
…سؤال رقم 22326
…سؤال:
ما حكم شخص يأتي من الدوام تعبان ويقوم ويتغدى ثم ينتظر أذان العصر فيصلي في البيت منفرداً ولا يذهب لتأديتها مع الجماعة ثم ينام ؟
الجواب:
الحمد لله
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن مثل هذا السؤال فأجاب :
ليس ما ذكرته عذراً يسوغ لك تأخير الصلاة مع الجماعة ، بل الواجب عليك أن تبادر إليها مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل ، ثم تكون الراحة وتناول الطعام بعد ذلك ، لأن الله سبحانه أوجب عليك أداء الصلاة في وقتها مع إخوانك المسلمين في الجماعة، وليس ما ذكرته عذراً شرعياً في تأخيرها ، ولكن ذلك خداع من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ، ومن ضعف الإيمان وقلة الخوف من الله عز وجل ، فاحذر هواك وشيطانك ونفسك الأمارة بالسوء تحمد العاقبة وتفوز بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة . وقاك الله شر نفسك وأعاذك من نزغات الشيطان .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ج/12 ص/29.
===============
إذا استيقظ ووجد بللا في الثوب ولا يدري ما هو
…سؤال رقم 22705
…سؤال:
ماذا أفعل عندما أستيقظ من النوم وأنا غير متأكد إذا كان علي الغسل أم لا ؟
بمعنى أنني لست متأكداً إذا كنت قد قذفت المنى أثناء النوم لأي سبب (العلامات غير مرئية أو جزئية.. إلخ)
أرجو أن تنصحني في هذا الموقف .
الجواب:
الحمد لله
إذا استيقظ الإنسان من نومه ، ورأى في نومه أنه احتلم ، غير أنه لم ير بللاً في ثيابه فإنه لا يلزمه الاغتسال بإجماع العلماء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة فقالت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ ، إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ . رواه البخاري (282) ومسلم (313) . وهذا يدل على أنه لا يجب الاغتسال إذا لم ير الماء . المغني 1/269 .
وأما إذا وجد البلل فلا يخلو من ثلاثة أحوال :
الأولى : أن يتيقن أنه مني فيلزمه الاغتسال بالإجماع . المغني 1/269 .
الثانية : أن يتيقن أنه ليس بمني ، فلا يلزمه الاغتسال ، ولكن يغسل ما أصابه هذا البلل لأن حكمه حينئذ حكم البول . الشرح الممتع 1/280 .
الثالثة : أن يتردد فيه ولا يدري هل هو مني أو مذي ؟(4/86)
فاختلف في ذلك العلماء :
فصحح النووي في المجموع (2/146) أنه يلزمه حكم المني والمذي معاً ، فيغتسل رفعا للجنابة لاحتمال أنه مني ، ويطهر ثيابه من النجاسة لاحتمال أنه مذي . لأنه لا تبرأ ذمته من الطهارة إلا بذلك .
ومذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إن سبق نومه تفكير في الشهوة أو مداعبة مع زوجته أو نظر ، فهذا البلل يعتبر مذيا، لأن الماء الذي ينزل بسبب ذلك غالباً هو المذي ، والأصل عدم ما سواه . فيطهر ثيابه من المذي برشها بالماء ، ولا يجب عليه الاغتسال .
أما إذا لم يسبق نومه تفكير في الشهوة أو مداعبة أو نظر ، فهذا البلل يعتبر منيا . لما روت عَائِشَةُ قَالَتْ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلا يَذْكُرُ احْتِلامًا . قَالَ : يَغْتَسِلُ . وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلا يَجِدُ الْبَلَلَ . قَالَ : لا غُسْلَ عَلَيْهِ . رواه أبو داود (236) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (216) .
قال الخطابي في معالم السنن : ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُوجِبُ الاغْتِسَالَ إِذَا رَأَى بِلَّةً ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهَا الْمَاءُ الدَّافِقُ [المني], وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ اهـ
ولأن هذا الماء لا بد لخروجه من سبب، وليس هناك سبب ظاهر إلا الاحتلام، والماء الذي يخرج بالاحتلام في الغالب إنما هو المني ، فألحقت هذه الصورة المجهولة بالأعم الأغلب .
انظر المغني (1/270) ، شرح العمدة (1/353) .
وكلا القولين قوي ، فإن أخذ بالقول الثاني أجزأه إن شاء الله ، وإن احتاط لصحة صلاته وأخذ بالقول الأول كان أفضل .
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا . والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
إذا نزل المني بعد الغسل من الجنابة
…سؤال رقم 44945
…سؤال:
أنا شاب للأسف الشديد أحاول بقوة ترك العادة السرية ولكني أضعف أحيانا ويحدث أنه بعد الغسل يخرج سائل شفاف لزج فهل هو يوجب الغسل حتى لو كان منيا مع العلم أنه خرج بدون شهوة وهل يجوز إزالة النجاسة مع غسل الجنابة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من العادة السرية وأن تقلع عنها ؛ وأن تحذر عاقبة تكرار الذنب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه ، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه ، وهو الران الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) رواه الترمذي (3257) وابن ماجة (4234) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم2654. ويمكنك مراجعة السؤال ( 329 ) ففيه بيان لكيفية الإقلاع عن هذه العادة السيئة .
ثانيا :
من اغتسل من احتلام أو جماع ثم خرج منه شيء بعد الغسل ، دون شهوة ، لم يلزمه إعادة الغسل ، قال ابن قدامة رحمه الله : ( فصل : فأما إن احتلم , أو جامع , فأمنى , ثم اغتسل , ثم خرج منه مني , فالمشهور عن أحمد أنه لا غسل عليه , قال الخلال : تواترت الروايات عن أبي عبد الله ـ أي الإمام أحمد ـ , أنه ليس عليه إلا الوضوء , بال أو لم يبل , فعلى هذا استقر قوله . وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء والزهري ومالك والليث والثوري وإسحاق , وقال سعيد بن جبير : لا غسل عليه إلا من شهوة .
وفيه رواية ثانية : إن خرج بعد البول , فلا غسل فيه , وإن خرج قبله اغتسل ، وهذا قول الأوزاعي وأبي حنيفة , ونقل ذلك عن الحسن ; لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة , فأوجب الغسل كالأول وبعد البول خرج بغير دفق وشهوة , ولا نعلم أنه بقية الأول ; لأنه لو كان بقيته لما تخلف بعد البول .
وقال القاضي : فيه رواية ثالثة , عليه الغسل بكل حال . وهو مذهب الشافعي ; لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث . وقال في موضع آخر : لا غسل عليه . رواية واحدة ; لأنه جنابة واحدة , فلم يجب به غسلان , كما لو خرج دفعة واحدة ...) انتهى من المغني 1/128
والصحيح أنه إذا خرج بغير شهوة لم يجب الغسل كما في الإنصاف 1/232، وكشاف القناع 1/141 ونصه : ( فإن خرج المني بعد الغسل من انتقاله ) لم يجب الغسل . ( أو ) خرج المني ( بعد غسله من جماع لم ينزل فيه ) بغير شهوة لم يجب الغسل ( أو خرجت بقية مني اغتسل له بغير شهوة لم يجب الغسل ) لما روى سعيد عن ابن عباس أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل ؟ قال : يتوضأ وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي ولأنه مني واحد فأوجب غسلا واحدا , كما لو خرج دفقة واحدة , ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد , وبه علل أحمد قال : لأن الشهوة ماضية , وإنما هو حدث أرجو أن يجزئه الوضوء) انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( قوله : " فإن خرج بعده لم يُعِده " أي : إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة ، فإنه لا يعيد الغسل . والدليل :
1- أن السبب واحد ، فلا يوجب غسلين .(4/87)
2- أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة ، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة .
لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني) انتهى من الشرح الممتع (1/281). وانظر السؤال رقم ( 12352 )
ثالثا :
المشروع في غسل الجنابة : إزالة ما لوث البدن من مني وغيره ، ثم الشروع في الاغتسال بالبدء بأعضاء الوضوء ، ثم إفاضة الماء على سائر الجسد ، لثبوت ذلك في صفة غسله صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري (251) ومسلم (476) عن مَيْمُونَة رضي الله عنها قَالَتْ صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلا فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا"، وإن حصل منك إزالة لسيء من النجاسات أو غيرها فإن هذا لا يبطل الغسل لأن الواجب في الغسل تعميم الجسد بالماء ـ مع المضمضة والاستنشاق على الصحيح ـ مع نية الغسل ، وليس من شروط رفعه للحدث عدم ملامسة النجاسة في أثنائه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
الفروق بين المني والمذي
…سؤال رقم 2458
…سؤال:
أحيانا عندما أستيقظ من النوم في الصباح أجد بعض البلل في ملابسي الداخلية . أرجو ألا تنظر للأمر على أنه احتلام أثناء النوم أو تبول لا إرادي لأن المذي أو المادة اللاصقة تخرج مني عادة بعد الاستيقاظ في صباح اليوم التالي وفي أغلب الأحيان أقوم بغسل ملابسي الداخلية وسروالي للسبب ذاته . سبق وقرأت في أحد الكتب أنه إذا لم تكن تلك المادة تحتوي على حيوانات منوية وأنها فقط مجرد مذي عندئذ لا يجب الغسل ويكتفي فقط بالوضوء للصلاة . فإذا كان الحال كذلك ماذا ينبغي أن نفعل مع الملابس ؟ وقد لاحظت أن هذا المذي يخرج أيضا في بعض المواقف الحرجة على الرغم من إبعاد نفسي عن جميع المواقف التي تعمل على إفراز المذي .
الجواب:
الحمد لله
الفرق الأول : في الصفات :
المني : بالنسبة للرجل ماء غليظ أبيض ، أما بالنسبة للمرأة فهو أصفر رقيق .
والأصل في هذه الصفات ما جاء عن أم سليم رضي الله عنها أنها سألت نبي الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل " فقالت أم سليم : - واستحيَيْتُ من ذلك - قالت : وهل يكون هذا ؟ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فمن أين يكون الشبه ؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون الشبه " متفق عليه . صحيح مسلم 469
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 3/222 ) عند قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر " : هذا أصل عظيم في بيان صفة المني وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب ، قال العلماء : مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة ويخرج بشهوة ويتلذذ بخروجه وإذا خرج استعقب خروجه فتور ورائحة كرائحة طَلْع النخل ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين ، .. ( وقد يتغيّر لون المنيّ بأسباب منها ) .. أن يمرض فيصير منيّه رقيقا أصفر أو يسترخي وعاء المني فيسيل من غير التذاذ وشهوة أو يستكثر من الجماع فيحمرّ ويصير كماء اللحم وربما يخرج دما عبيطا ، .. ثم إن خواص المني التي عليها الاعتماد في كونه منيا ثلاث : أحدها الخروج بشهوة مع الفتور عَقِبَه . والثانية : الرائحة التي شبه رائحة الطَّلْع كما سبق . الثالث : الخروج بدَفْق و دَفْعات ، وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيا ولا يشترط اجتماعها فيه ، وإذا لم يوجد شيء منها لم يحكم بكونه منيا وغلب على الظن كونه ليس منيا هذا كله في مني الرجل ، وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق وقد يَبْيضّ لفَضْل قُوَّتها ، وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما أحدهما أن رائحته كرائحة مني الرجل والثانية التلذذ بخروجه وفتور قوتها عقب خروجه . أ.هـ.
أما المذي : فهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو إرادته ولا يجد لخروجه منه شهوة ولا دفعا ولا يعقبه فتور ، يكون ذلك للرجل والمرأة وهو في النساء أكثر من الرجال قاله الإمام النووي في شرح مسلم ( 3/213 ) .
الفرق الثاني : في الحكم المترتب على خروجه من الإنسان :
المنيّ يوجب الغسل من الجنابة سواء كان خروجه يقظة بجماع أو غيره أو كان في المنام بالاحتلام.(4/88)
أما المذي فإنه يوجب الوضوء فقط ودليل ذلك ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كنت رجلا مذّاء فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : " فيه الوضوء " متفق عليه واللفظ للبخاري . قال ابن قدامة في المغني (1/168) : قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقُبل المرأة وخروج المذي وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة .
الفرق الثالث : الحكم من جهة طهارتهما ونجاستهما :
المني طاهر على القول الراجح من أقوال العلماء ودليل ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه . متفق عليه وفي رواية لمسلم " ولقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه وفي لفظ " لقد كنت أحكّه يابسا بظفري من ثوبه ". بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك غسله وهو رطب ويكتفي بمسحه بعود ونحوه كما روى الإمام أحمد في مسنده ( 6/243 ) عن عائشة رضي الله عنه قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت " يزيل ويميط " المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه ويَحتّه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه " ورواه ابن خزيمة في صحيحه وحسنه الشيخ الألباني في الإرواء ( 1/197 ) .
أما المذي فإنه نجس لحديث علي المتقدم ذكره والذي جاء في بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر والأنثيين ( أي الخصيتين ) ويتوضأ كما أخرجه أبو عوانة في مستخرجه وقال ابن حجر في التلخيص : وهذا إسناد لا مطعن فيه . فهو نجس يجب غسل الذكر والأنثيين من خروجه ويُبطل الطّهارة .
حكم الثوب إذا أصابه المني والمذي
على القول بطهارة المني فإنه لو أصاب الثوب لا ينجّسه ولو صلى الإنسان بذلك الثوب فلا بأس بذلك قال ابن قدامة في المغني (1/763) : " وإن قلنا بطهارته أستحب فركه وإن صلى من غير فرك أجزأه ".
أما المذي : فإنه يكتفى بنضح الثوب للمشقة في ذلك ودليل ذلك ما رواه أبو داود في سننه عن سهل بن حنيف قال : كنت ألقى من المذي شدة وكنت اكثر من الاغتسال فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " إنما يجزئك من ذلك الوضوء . قلت : يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه ؟ قال : يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها ثوبك حيث تُرى ( أي تظنّ ) أنه أصابه " ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح و لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا.ا.هـ.
قال صاحب تحفة الأحوذي (1/373) : واستدل به على أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي نضحه ورشّ الماء عليه ولا يجب غسله . والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
قراءة القرآن أثناء الحيض
…سؤال رقم 2564
…سؤال:
هل يمكن للمرأة أن تقرأ القرآن أثناء فترة الحيض أو الدورة الشهرية ؟
الجواب:
الحمد لله
هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله :
فجمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال الحيض حتى تطهر ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان على سبيل الذّكر والدّعاء ولم يقصد به التلاوة كقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة … الخ مما ورد في القرآن وهو من عموم الذكر .
واستدلوا على المنع بأمور منها :
1- أنها في حكم الجنب بجامع أن كلاً منها عليه الغسل ، وقد ثبت من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم القرآن وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة " رواه أبو داود (1/281) والترمذي (146) والنسائي (1/144) وابن ماجه (1/207) وأحمد (1/84) ابن خزيمة (1/104) قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقال الحافظ ابن حجر : والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة .
2- ما روي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن " رواه الترمذي (131) وابن ماجه (595) والدارقطني (1/117) والبيهقي (1/89) وهو حديث ضعيف لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (21/460) : وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث أ.هـ . وينظر : نصب الراية 1/195 والتلخيص الحبير 1/183 .
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو مذهب مالك ، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشوكاني واستدلوا على ذلك بأمور منها :
1- أن الأصل الجواز والحل حتى يقوم دليل على المنع وليس هناك دليل يمنع من قراءة الحائض للقرآن ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة ، وقال : ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن ينههن عن قراءة القرآن ، كما لم يكن ينههن عن الذكر والدعاء .(4/89)
2- أن الله تعالى أمر بتلاوة القرآن ، وأثنى على تاليه ووعده بجزيل الثواب وعظيم الجزاء فلا يمنع من ذلك إلا من ثبت في حقه الدليل وليس هناك ما يمنع الحائض من القراءة كما تقدم .
3- أن قياس الحائض على الجنب في المنع من قراءة القرآن قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالغسل بخلاف الحائض ، وكذلك فإن الحيض قد تطول مدته غالباً ، بخلاف الجنب فإنه مأمور بالإغتسال عند حضور وقت الصلاة .
4- أن في منع الحائض من القراءة تفويتاً للأجر عليها وربما تعرضت لنسيان شيء من القرآن أو احتاجت إلى القراءة حال التعليم أو التعلم .
فتبين مما سبق قوة أدلة قول من ذهب إلى جواز قراءة الحائض للقرآن ، وإن احتاطت المرأة واقتصرت على القراءة عند خوف نسيانه فقد أخذت بالأحوط .
ومما يجدر التنبيه عليه أن ما تقدم في هذه المسألة يختص بقراءة الحائض للقرآن عن ظهر قلب ، أما القراءة من المصحف فلها حكم آخر حيث أن الراجح من قولي أهل العلم تحريم مس المصحف للمُحدث لعموم قوله تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) ولما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه : " ألا يمس القرآن إلا طاهر " رواه مالك 1/199 والنسائي 8/57 وابن حبان 793 والبيهقي 1/87 قال الحافظ ابن حجر : وقد صحح الحديث جماعة من الأئمة من حيث الشهرة ، وقال الشافعي : ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عبدالبر : هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة .أ.هـ وقال الشيخ الألباني عنه : صحيح .التلخيص الحبير 4/17 وانظر : نصب الراية 1/196 إرواء الغليل 1/158 .
حاشية ابن عابدين 1/159 المجموع 1/356 كشاف القناع 1/147 المغني 3/461 نيل الأوطار 1/226 مجموع الفتاوى 21/460 الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين 1/291 .
ولذلك فإذا أرادت الحائض أن تقرأ في المصحف فإنها تمسكه بشيء منفصل عنه كخرقة طاهرة أو تلبس قفازا ، أو تقلب أوراق المصحف بعود أو قلم ونحو ذلك ، وجلدة المصحف المخيطة أو الملتصقة به لها حكم المصحف في المسّ ، والله تعالى أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
===========
دخول الحائض المسجد لحضور مجلس علم أو حلقة لتحفيظ القرآن
…سؤال رقم 60213
…سؤال:
امرأة حائض تريد دخول المسجد لحضور مجلس علم أو حلقة لتحفيظ القرآن مع العلم بأنها مواظبة على ذلك بشكل أساسي ، وإن تغيبت للحيض سيفوتها مسائل سيتعذر عليها إدراكها فيما بعد ، فهل يجوز لها الحضور بشروط معينة استثناء وما هو رأى العلماء الراجح في المسألة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ذهب جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنه لا يجوز للحائض أن تمكث في المسجد ، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ : ( أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ ) .
فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد ، وأمرها باعتزاله ، لأن له حكم المسجد ، فدل على منعها من دخول المسجد .
واستدلوا بأحاديث أخرى ولكنها ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ ) والحديث ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (232) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (6/272) :
ما حكم الشرع في حق المرأة التي تدخل المسجد وهي حائض للاستماع إلى الخطبة فقط ؟
فأجابوا : لا يحل للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض أو نفساء . . . أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأمن تنجيسها المسجد لقوله تعالى : ( وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) النساء/43 ، والحائض في معنى الجنب ؛ ولأنه أمر عائشة أن تناوله حاجة من المسجد وهي حائض " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/272) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز للحائض حضور حلق الذكر في المساجد ؟(4/90)
فأجاب : " المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد ، وأما مرورها بالمسجد فلا بأس به ، بشرط أن تأمن تلويث المسجد مما يخرج منها من الدم ، وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد ، فإنه لا يحل لها أن تذهب لتستمع إلى حلق الذكر وقراءة القرآن ، اللهم إلا أن يكون هناك موضع خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مكبر الصوت ، فلا بأس أن تجلس فيه لاستماع الذكر ، لأنه لا بأس أن تستمع المرأة إلى الذكر وقراءة القرآن كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتكئ في حجر عائشة ، فيقرأ القرآن وهي حائض ، وأما أن تذهب إلى المسجد لتمكث فيه لاستماع الذكر ، أو القراءة ، فإن ذلك لا يجوز ، ولهذا لما أُبلغ النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ، أن صفية كانت حائضا قال : ( أحابستنا هي ؟ ) ظن صلى الله عليه وسلم ، أنها لم تطف طواف الإفاضة فقالوا إنها قد أفاضت ، وهذا يدل على أنه لا يجوز المكث في المسجد ولو للعبادة . وثبت عنه أنه أمر النساء أن يخرجن إلى مصلى العيد للصلاة والذكر ، وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى " انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 273) .
وينظر مذاهب الفقهاء في: "المبسوط" (3/153) ، "حاشية الدسوقي" (1/173) ، "المجموع" (2/388) ، "المغني" (1/195) .
ثانيا :
للحائض أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف ، على ما هو مبين في جواب السؤال (2564) .
ولها أن تقرأ من المصحف المطبوع مع التفسير ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وأما كتب التفسير فيجوز مسها ؛ لأنها تعتبر تفسيرا ، والآيات التي فيها أقل من التفسير الذي فيها .
ويستدل لهذا بكتابة النبي صلى الله عليه وسلم الكتب للكفار ، وفيها آيات من القرآن ، فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر .
أما إذا تساوى التفسير والقرآن ، فإنه إذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يتميز أحدهما برجحان ، فإنه يغلب جانب الحظر فيعطى الحكم للقرآن .
وإن كان التفسير أكثر ولو بقليل أعطي حكم التفسير " انتهى من "الشرح الممتع" (1/267) .
ثالثا :
ما ورد في السؤال من خشية فوات بعض المسائل والدروس على الحائض إذا امتنعت من دخول المسجد ، يمكن تلافيه بتسجيل هذه الدروس ، أو الاستماع إليها من خارج المسجد ، إن أمكن ذلك ، وينبغي أن يلحق ببعض المساجد ملحقات خاصة لا تأخذ حكم المسجد ، تجعل كمكتبة أو دار للتحفيظ ، تتمكن صاحبات العذر من الجلوس فيها دون حرج .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===========
هل على النساء أذان وإقامة ؟
…سؤال رقم 20225
…سؤال:
أرجوك أخبرني هل هو فرض "أو واجب " على النساء أن يقمن بالأذان والإقامة قبل أن يصلين سواء فرداً أو في جماعةٍ مع أخوات أخريات ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : هل تشرع للمرأة إقامة الصلاة إذا أمّت النساء ؟
فأجابت :
لا تشرع في حقهن إقامة للصلاة سواء صلين منفردات أم صلت بهن إحداهن كما لا يشرع لهن أذان .
فتاوى اللجنة الدائمة 6 / 84
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل يجوز للمرأة فعل الأذان والإقامة للصلاة أم لا ؟
فأجاب الشيخ رحمه الله :
لا يشرع للمرأة أن تؤذن أو تقيم في صلاتها ، إنما هذا من شأن الرجال ، أما النساء فلا يشرع لهن أذان ولا إقامة ، بل يصلين بلا أذان ولا إقامة
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 10 / 356
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم الأذان عن طريق المذياع ونحوه
…سؤال رقم 48990
…سؤال:
ما حكم الأذان بالراديو ، يعني : إذا أتى وقت الأذان نقوم بتشغيل المسجل أو الراديو على تسجيل للأذان أو صوت مؤذن يؤدي الأذان ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأذان من آلة التسجيل ، أو من المذياع ، أو من مكان واحد وإرساله عن طريق الأجهزة إلى باقي المساجد : فبدعة محدثة .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
هل الأذان سنة للصلوات المفروضة ، وما حكمه بآلة التسجيل إن كان المؤذنون لا يتقنونه ؟ .
فأجابوا :
الأذان فرض كفاية بالإضافة إلى كونه إعلاماً بدخول وقت الصلاة ودعوة إليها ، فلا يكفي عن إنشائه عند دخول وقت الصلاة إعلانه مما سجل به من قبل ، وعلى المسلمين في كل جهة تقام فيها الصلاة أن يعيِّنوا من بينهم من يحسن أداءه عند دخول وقت الصلاة .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
وسئلوا :
قد سمعت من بعض الناس في الدول الإسلامية أنهم يسجلون بالشريط المذياع أذان الحرمين الشريفين ويضعون المذياع أمام المكبر ويؤذن بدل المؤذن ، فهل تجوز الصلاة ؟ مع ورود الدليل من الكتاب والسنة ، ومع تعليق بسيط ؟ .
فأجابوا :
إنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان ، بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلاة بنفسه ؛ لما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالأذان ، والأصل في الأمر الوجوب .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 6 / 66 ، 67 ) .
وقد قرر " مجلس المجمع الفقهي الإِسلامي برابطة العالم الإسلامي " ، الدورة التاسعة - في مكة المكرمة - من يوم السبت لعام 1406هـ ما يلي :(4/91)
إن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ، ونحوها : لا يجزئ ، ولا يجوز في أداء هذه العبادة ، ولا يحصل به الأذان المشروع ، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقتٍ من أوقات الصلوات ، في كلّ مسجدٍ ، على ما توارثه المسلمون من عهد نبيّنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===========
لا يجد مكاناً نظيفاً للوضوء والصلاة فهل يؤخر الصلاة ؟
…سؤال رقم 20960
…سؤال:
أعمل في شركة جميع من فيها غير مسلمين وأنا المسلم الوحيد فيها ، ولا يوجد مكان نظيف وملائم للوضوء خلال النهار ، ولا يوجد مكان خاص للصلاة ، هل يجوز أن أنتظر حتى أصل للبيت وأصلي الظهر والعصر ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجب أن يعلم المسلم أهمية الصلاة ، وضرورة المحافظة عليها من حيث أوقاتها وشروطها وأركانها وواجباتها ، قال الله تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } النساء / 103 .
عن عبد الله بن مسعود قال : سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : الصلاة على وقتها ، قال : ثم أي ؟ قال : ثم بر الوالدين ، قال : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله .
رواه البخاري ( 504 ) ومسلم ( 85 ) .
فلا يحل لمسلم أن يؤخر الصلاة عن وقتها ، والوضوء لا يحتاج إلى مكانٍ نظيف ليفعله ، ولو فرضنا أنه يحتاج له فإن على الأخ السائل أن يحتاط قبل مجيئه للعمل ويكون على وضوء ليصلي الصلاة في وقتها .
ويجب عليه أن يصلي الصلاة في وقتها ، والبحث عن مكان نظيف ليؤدي الصلاة فيه ليس أمراً صعباً ولا متعسِّراً ، والصلاة تصح في أي مكان من الأرض ما دام طاهراً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ) رواه البخاري ( 335 ) ومسلم ( 521 ) ، ولم يستثن الشرع إلا أماكن معينة لا تصح الصلاة فيها ، منها المقبرة والحمام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) رواه أبو داود ( 492 ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
فمكان عمله الذي يعمل فيه هو مكان الصلاة إن كان طاهراً ، فإن لم يتيسر فليبحث عن غيره ، ولو أن يطلب من أصحاب العمل تخصيص زاوية يصلي بها فهو ليس من الأمور الصعبة والمتعذرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وإذا تعمَّد تأخير الصلاة حتى ضاق الوقت عن فعل شروطها وأركانها مثل أن تكون عليه نجاسة أو هو جنب وأخَّر الصلاة بحيث متى اشتغل بالطهارة خرج الوقت : فعليه أن يشتغل بالطهارة أيضاً ، وهو آثم بفعلها في غير الوقت ؛ لأنه كان يجب عليه الطهارة قبل ضيق الوقت والصلاة فيه ، فمتى أخَّر ذلك : فعليه أن يفعله كما وجب عليه مع إثمه بالتأخير .
" شرح العمدة " ( 4 / 58 ) .
وإذا عجز عن شرط من شروط صحة الصلاة - كالطهارة - فإنه يصلي في الوقت ويسقط عنه هذا الشرط ، ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها من أجل أن يحصل هذا الشرط .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
... لأن من خوطب بالصلاة في أول الوقت وهو عاجز عن شرط أو ركن في الحال ، ويقدر على تحصيله بعد الوقت : لم يجز له تأخير الصلاة عن وقتها ، ولو جاز هذا لكان من عجز عن الطهارة أو السترة أو الركوع أو السجود وغير ذلك من الشرائط والأركان يؤخر الصلاة إلى أن يقدر على ذلك إذا علم أو غلب على ظنه أنه يقدر على ذلك ، وهذا خلاف الكتاب والسنة والإجماع ؛ فإن رعاية الشرع للوقت أعظم من رعايته لجميع الشرائط والأركان المعجوز عنها ، ولهذا لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها البتة للعجز عن بعض الأركان ، ومتى ضاق وقت الوجوب عن تحصيل الشرط والفعل : قدم الفعل في الوقت بدون الشرط ، وإنما تكون المحافظة على الشرط أولى إذا كان الوجوب في آخر الوقت ، مثل نائم يستيقظ آخر الوقت فإن الصلاة واجب عليه حينئذ فعلها بشروطها كما لو استيقظ بعد الوقت .
" شرح العمدة " ( 4 / 347 ، 348 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
الحد المسموح به في تأخير الصلوات بالنسبة للمرأة
…سؤال رقم 67911
…سؤال:
هل تعتبر المرأة المسلمة التي تصلي في البيت مذنبة أو آثمة إذا صلت صلاة الظهر قبل أذان العصر بنصف أو ربع ساعة أو إذا صلت صلاة العصر قبل أذان المغرب بنصف أو ربع ساعة أو أيضا إذا صلت صلاة العشاء قبل أذان الفجر بنصف ساعة . وإذا كانت الإجابة أنه لا يجوز ذلك فما هي أقصى الحدود المسموح بها لتأخير الصلاة دون أن يكون هناك ذنب أو إثم ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ، لقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/103 ، وقوله : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59 .(4/92)
وقد بَيَّنَ الشرعُ مواقيت الصلاة ، كما في الحديث الذي رواه مسلم (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ ) .
وقد سبق في جواب السؤال (9940) بيان مواقيت الصلوات الخمس على التفصيل .
ونكتفي هنا بذكر آخر وقت كل صلاة .
فآخر وقت صلاة الظهر دخول وقت صلاة العصر .
وآخر وقت صلاة العصر اصفرار الشمس ، ويمتد وقتها في حق المضطر كالمريض ونحوه إلى أن تغرب الشمس .
وآخر وقت صلاة المغرب مغيب الشفق الأحمر من السماء ، وهو أول وقت صلاة العشاء .
وآخر وقت صلاة العشاء نصف الليل ، ولا يمتد إلى طلوع الفجر .
وآخر وقت صلاة الفجر طلوع الشمس .
فيجوز أداء الصلاة في أي وقت من وقتها ، سواء من أوله أو وسطه أو آخره ، ولا يجوز تأخير أي صلاة من هذه الصلوات عن آخر وقتها بلا عذر قهري كالنوم والنسيان .
وبناء على ذلك فصلاتك الظهر قبل دخول وقت العصر بنصف ساعة أو بربع ساعة ، صحيحة ، ولا حرج عليك في ذلك .
وأما صلاة العصر فيلزمك أداؤها قبل اصفرار الشمس ، وتحديد هذا بالساعات يختلف من فصل لآخر ، والظاهر أن قبل المغرب بربع ساعة ونحوها تكون الشمس قد اصفرت ، فيكون قد خرج وقت صلاة العصر .
ولا يجوز لك أن تؤخري العشاء إلى ما قبل الفجر بنصف ساعة ؛ لأن وقت العشاء إلى نصف الليل كما سبق في الحديث ، وإذا أردتِ حساب نصف الليل فاحسبي الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر ، فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء ( وهو نصف الليل ) . فلو أن الشمس تغيب الساعة الخامسة ، والفجر يؤذن الساعة الخامسة فمنتصف الليل هو الساعة الحادية عشرة مساءً .
والأفضل التعجيل بأداء الصلاة في أول وقتها ؛ لما روى البخاري (496) ومسلم (122) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا . قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ . قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
وقت الفجر وخطأ بعض التقاويم
…سؤال رقم 26763
…سؤال:
قرأت في جريدة مقالاً يتحدث أن مصر تؤذن للفجر قبل ميعاده بـ 30 دقيقة واستند الكاتب على بعض الحسابات الفلكية التي لا أفهم فيها مثل أننا نحسب الفجر على 19.5 درجة وليس على 17.5 درجة . كل الذي أرجوه أن أعرف هل فعلاً مصر تؤذن للفجر قبل ميعاده أم لا، وإذا كانت الإجابة غير متوفرة فأرجو أن ترشدوني أي طريق أسلك .. علم الفلك أم ماذا .
الجواب:
الحمد لله
اعلم أن وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني ، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا ، ويمتد الوقت إلى طلوع الشمس .
وأما الفجر الأول فهو الفجر الكاذب ، وهو البياض المستطيل في السماء من أعلى الأفق إلى أسفل كالعمود ، ويقع قبل الفجر الصادق بنحو عشرين دقيقة ، تزيد وتنقص باختلاف فصول السنة .
ومعلوم أن الأحكام تترتب على وجود الفجر الصادق لا الكاذب .
وقد جاء في بيان الفجرين أحاديث كثيرة ، منها :
قوله صلى الله عليه وسلم : " الفجر فجران ، فجر يحرم فيه الطعام ، وتحل فيه الصلاة ، وفجر تحرم فيه الصلاة (أي صلاة الفجر ) ويحل فيه الطعام "
رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس ، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4279 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " الفجر فجران : فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يُحل الصلاة ولا يُحرم الطعام ، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يُحل الصلاة ويُحرم الطعام " رواه الحاكم والبيهقي من حديث جابر ، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4278 .
وفي رواية " الفجر فجران ، فجر يقال له : ذنب السرحان ، وهو الكاذب يذهب طولا ، ولا يذهب عرضا ، والفجر الآخر يذهب عرضا ، ولا يذهب طولا " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 2002
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ، ولاالفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستطير في الأفق ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 568
ومن هذا البيان النبوي يُعلم أن تحديد وقت الصلاة ينبني على المشاهدة ، لا على الحساب الفلكي ، ولا على التقاويم التي لا يُدرى حال واضعيها ومنزلتهم في الأمانة والعلم ، لا سيما مع ثبوت مخالفتها للوقت الصحيح.
وهذا الخطأ ليس في مصر وحدها ، بل قد تبين أن معظم التقاويم الموجودة لم تضبط الفجر على وقته الصحيح ، وإنما ضبطته على الفجر الكاذب ، وفي هذا تعريض لصلاة المسلمين للبطلان ، لا سيما من يصلي في بيته بعد سماع الأذان مباشرة.(4/93)
وقد قام جماعة من العلماء والباحثين في المملكة العربية السعودية والشام ومصر والسودان بتحري وقت الفجر الصادق ، وتبين لهم خطأ التقاويم الموجودة اليوم.
قال الشيخ الألباني رحمه الله : ( وقد رأيت ذلك بنفسي مراراً من داري في جبل هملان جنوب شرق عمان ، ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يُرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة ، أي قبل الفجر الكاذب أيضا ، وكثيراً ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق ، وهم يؤذنون قبل وقتها ، وقد يستعجلون بأداء الفريضة قبل وقتها في شهر رمضان ) انتهى من السلسلة الصحيحة (5/52).
وإذا عُلم هذا فالواجب على أهل كل بلد أن ينتدبوا جماعة من أهل العلم الثقات ، لتحري وقت الفجر ، وإعلام الناس به ، وتحذيرهم من اتباع التقويم إن ثبت خطؤه.
وينبغي على الأخ السائل وعلى جميع المسلمين في هذه البلاد التي بينت خطأ التقويم فيها ألا يصلوا الفجر حتى يتيقنوا أو يغلب على ظنهم طلوع الفجر ، وإن استطاعوا تأخير الأذان لهذا الوقت لزمهم ذلك ، كما يجب عليهم بيان هذا الحكم لنسائهم وبناتهم حذراً من إيقاع الصلاة في غير وقتها .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
ما هو الأمر المعتبر في دخول وقت الفجر في شمال بريطانيا
…سؤال رقم 2196
…سؤال:
السؤال :
إنني أعرض على سماحتكم موضوع مشكلة صلاة العشاء والفجر في مقاطعة نيوكاسل ببريطانيا ، يجد المسلمون هنا في بريطانيا نيوكاسل معاناة شديدة في تحديد الوقت بالنسبة لصلاة الفجر والعشاء وكذلك في بداية وقت الإمساك ، لأن الضوء يصل إلى سطح الأرض قبل شروقها ويستمر بعد غروبها لفترة طويلة تمتد في بعض الأحيان بطول الليل كاملاً ، وقد قسم علماء الفلك هنا هذه الفترة في بداية ظهور الضوء حتى شروق الشمس ، وفي غروبها حتى اختفاء ضوءها إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : تصل كثافة الضوء لدرجة تمكن الفرد بمزاولة أي عمل من الأعمال .
القسم الثاني : الضوء يكون بدرجة لا يتمكن الفرد فيه من مزاولة الأعمال التي تحتاج إلى ضوء .
القسم الثالث : الظلام التام .
فالسؤال هو : كيف يمكن تحديد بداية الوقت لصلاة الفجر وصلاة العشاء والإمساك على ضوء الأوقات المعطاة في هذا التقسيم ( التقسيم الفلكي ) ؟ .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لا عبرة في تحديد أوقات الصلوات بالتقسيم الفلكي وإنما العبرة في دخول وقت الفجر بظهور ضوء مستعرض في الأفق شرقاً إذا اتضح وتميز ، وينتهي وقته بطلوع الشمس ، ويبدأ وقت المغرب بغروب قرص الشمس ولا عبرة في ذلك ببقاء الضوء بعد غروب قرصها ، ويبدأ وقت العشاء بمغيب الشفق الأحمر الذي يظهر بعد غروب الشمس إذا اتضح وتميز .
ويبدأ الإمساك عن المفطرات بدخول وقت الفجر الذي سبق بيانه وينتهي بغروب قرص الشمس نفسه ولو بقي بعد غروبه شيء من ضوئها .
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/143
==============
أوقات الصلوات متقاربة في الشمال هل يجوز الجمع
…سؤال رقم 5709
…سؤال:
السؤال :
أود أن أعرف الخيارات للمسلم في صلاة الجماعة في الحالات التالية :-
وقت المغرب 10مساءاً
وقت العشاء 11:15 ووقت الفجر 1:50
لكي أوضح سؤالي فأنا أريد أن أعرف الفتوى في الخيارات التي يمكن للمسلم أن يتخذها عندما يكون وقت صلاة المغرب والعشاء والفجر قريبين جداً من بعضهم فهل يجوز للمسلم أن يصلي المغرب والعشاء جمعاً وإذا كان الجواب نعم فما هو الدليل من القرآن والسنة ؟.
الجواب:
الجواب :
وقت صلاة المغرب يمتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ، ودليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صحيح مسلم وفيه ما ذكر ، فما دامت أوقات الصلاة متميزة عن بعضها فلا بد من أداء كل صلاة في وقتها ، ولو تقاربت أوقاتها ، والصبر على ذلك نوع من الجهاد والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
لماذا نصلي بلا جمع
…سؤال رقم 11619
…سؤال:
لماذا نصلي بلا جمع ؟ أعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع وفصل. وفي يوم عرفات نصلي جمعاً فلماذا لا نجمع الصلوات في باقي الأيام ؟.
الجواب:
الحمد لله
سؤالك هذا يجب ان تتنبّه إلى خطورته ، لأنه يتوجه لجميع الأحكام الشرعية ، كأن يقول القائل : لماذا نُلزم بصيام شهر كامل متتابع ( شهر رمضان ) ، لماذا لا تفرق أيامه على مدار العام ؟ ولماذا يقيّد الحج وأداء شعائره بوقت مخصوص يزحم الناس فيه بعضهم بعضا ، فلماذا لا يفرق في سائر العام ؟ وهكذا في أسئلة كثيرة كلها تدل على الاعتراض على الله في حكمه . فهل علمت يا أخي أن الله تعالى قال : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) أي مفروضا في الأوقات . فافهم ما تقدم وأسأل الله أن يهديك ويصلح قلبك .
الشيخ سعد الحميد .(4/94)
الإسلام هو الاستسلام لله تعالى وعدم الاعتراض على أحكامه وقد قال تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الأحزاب/36 .
وقد قال تعالى في أوقات الصلاة : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ) النساء/103 ، وقد نزل الوحي بأوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً وهكذا أدَّاها صلى الله عليه وسلم في حياته ولم يجمع إلا في السفر والحرج .
ونريد أن ننبهك أيضاً إلى أن هناك بعض أهل البدعة يقولون بجمع الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء في حال الإقامة دون سبب فلتحذر منهم ولا تصحبهم ولا تستمع إليهم واحذرهم أن يفتنوك عن دينك . ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
حكم صلاة الجماعة على الرجال
…سؤال رقم 40113
…سؤال:
هل يجوز الصلاة في المنزل والمسجد قريب ؟ مع العلم أن المصلين اثنان فقط .
الجواب:
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة على الرجال الأصحاء، في المسجد، على الصحيح من أقوال العلماء.
وذلك لأدلة كثيرة منها :
1- قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) النساء / 102
( ووجه الاستدلال بالآية من وجوه :
أحدها : أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ، ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله "ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك " وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت الجماعة سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان، فهذه على ثلاثة أوجه: أمره بها أولا ، ثم أمره بها ثانيا ، وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف) انتهى كلام ابن القيم من كتاب الصلاة .
2- وفي الصحيحين - وهذا لفظ البخاري- عن أبي هريرة أن رسول الله قال : " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقا سمينا أو مِرْمَاتَين حسنتين لشهد العشاء " . البخاري ( 7224 ) ومسلم ( 651 ) .
والعرق : هو العظم على بقايا اللحم ، وقيل هو اللحم .
والمرماة : هي ما بين ظلفي الشاة من اللحم ، والظلف للغنم والبقر كالحافر للفرس .
قال ابن المنذر رحمه الله : ( وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة ؛ إذ غير جائز أن يحرق الرسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض ) الأوسط 4/134.
ولمعرفة المزيد من الأدلة راجع السؤال رقم ( 8918 )
وإذا ثبت وجوب صلاة الجماعة فالواجب فعلها في المسجد ، ولا يجوز للرجل القادر على حضور الجماعة في المسجد أن يصلي في البيت ولو كان يصليها جماعة مع أهله .
قال الشيخ ابن باز :
وأما ترك الصلاة في الجماعة فمنكر لا يجوز ، ومن صفات المنافقين .
والواجب على المسلم أن يصلي في المسجد في الجماعة ، كما ثبت في حديث ابن أم مكتوم- وهو رجل أعمى- أنه قال : يا رسول الله ، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته ، فرخص له ، فلما ولى دعاه ، فقال : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم ، قال : فأجب " أخرجه مسلم في صحيحه (635).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " أخرجه ابن ماجة ، والدار قطني ، وابن حبان ، والحاكم بإسناد صحيح ، قيل لابن عباس : ما هو العذر؟ قال : ( خوف أو مرض ) .
وفي صحيح مسلم (654) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( لقد رأيتنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عن الصلاة في الجماعة إلا منافق أو مريض ) .
والمقصود : أنه يجب على المؤمن أن يصلي في المسجد ، ولا يجوز له التساهل والصلاة في البيت مع قرب المسجد . " انتهى
وكون المسجد لا يصلي فيه إلا رجلان يؤكد عليك حضور الجماعة ، لتسلم من مغبة الإثم والتقصير وتشجيعاً لهما على حضور الجماعة من المسجد حتى لا يتسرب إليهما الكسل .
والاثنان فما فوقهما جماعة .
قال ابن هبيرة رحمه الله : ( وأجمعوا على أن أقل الجمع الذي تنعقد به صلاة الجماعة في الفرض غير الجمعة اثنان : إمام ومأموم قائم عن يمينه ) الإفصاح 1/155
وقال ابن قدامة رحمه الله : ( تنعقد الجماعة باثنين فصاعدا ، لا نعلم فيه خلافا ) انتهى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
صلاة الجماعة تنعقد باثنين إمام ومأموم
…سؤال رقم 52906
…سؤال:
إذا كان هناك رجلان في البيت فهل يكفي هذا العدد لأداء الصلاة جماعةً ؛ بحيث يكون أحدهما الإمام والآخر مأمومًا ؟.
الجواب:
الحمد لله(4/95)
نعم ، يكفي لإقامة صلاة الجماعة اثنان ؛ إمام ومأموم ، سواء كان ذلك في البيت أو غيره ؛ قال الإمام البخاري رحمه الله : " باب اثنان فما فوقهما جماعة " ثم روى فيه حديث مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا ) البخاري 658
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قَوْله : ( بَاب اِثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَة ) هَذِهِ التَّرْجَمَة لَفْظ حَدِيث وَرَدَ مِنْ طُرُق ضَعِيفَة , ..." أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ : أَلَا رَجُل يَتَصَدَّق عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ؟ فَقَامَ رَجُل فَصَلَّى مَعَهُ , فَقَالَ : هَذَانِ جَمَاعَة " .
وَالْقِصَّة الْمَذْكُورَة دُونَ قَوْله " هَذَانِ جَمَاعَة " أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ والترمذي مِنْ وَجْه آخَرَ صَحِيح.
وقال أيضاً :
وَاسْتُدِلَّ بِهِ (يعني حديث مالك بن الحوريث رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَة إِمَام وَمَأْمُوم ، [ وهو ] أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُون الْمَأْمُوم رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ اِمْرَأَةً . انتهى كلام الحافظ .
والحديث الذي أشار إليه الحافظ عند أبي داود (554) وصححه ، لفظه : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ : ( أَلا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا ، فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (2652) .
قال في "عون المعبود" : ليحصل له ثواب الجماعة ، فيكون كأنه أعطاه صدقة اهـ .
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (... َصَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ وَحْدَهُ ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) النسائي 843 وأبو داود 554 وصححه الألباني في صحيح الجامع 2242 .لكن ينبغي أن يعلم أن الواجب على الرجل أن يؤدي الصلاة جماعةً في المسجد ، ولا يجوز له أن يصلي الفريضة في البيت جماعةً أو منفرداً إلا من عذر
سئلت اللجنة الدائمة : هل صلاة الاثنين جماعة أو لا ؟
فأجابت : "صلاة الاثنين فما فوقهما جماعة ، لكن كلما زاد العدد زاد الفضل ، ومع ذلك يجب أداء الصلاة جماعة في المسجد" اهـ . "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/289) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن قوم يصلون الجماعة في البيت ، فقال :
" ننصح هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه ويصلوا الجماعة مع المسلمين في المساجد ؛ فإن الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد ، إلا إذا كان لعذر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم أمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب ، إلى قوم لا يشهدون الجماعة ، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ) انظر : البخاري 644 ومسلم 651 .
هؤلاء القوم قد يكونون يصلون جماعة في أماكنهم ، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يصلوا مع الجماعة الذين نصبهم الشرع ، والجماعة الذين نصبهم الشرع هم الذين يصلون في المساجد ، المساجد التي يدعى إلى الحضور إليها عند الصلاة ، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ) ؛ فقال : ( حيث ينادى بهن ) ، و " حيث " ظرف مكان ، أي فليحافظ عليها في المكان الذي ينادى لها فيه " اهـ . "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/19) .
ولمزيد من الفوائد والأدلة حول هذه المسألة راجع السؤالين رقم ( 8918 ) ، (40113) .
الإسلام سؤال وجواب
=============
يترك صلاة الجماعة بسبب العمل
…سؤال رقم 65783
…سؤال:
والدي أحياناً لا يذهب إلى صلاة الفجر والتراويح بسبب الضغط الشديد في عمله ، فهل هذا يجوز أم لا ؟ مع العلم أن والدي - في العادة - في رمضان لا يترك صلاة التراويح إلا إذا كان مريضاً ، وهو متدين أيضاً - والحمد لله - ولكن الآن من ضغط عمله فلا يذهب أحياناً إلى الصلاة .
الجواب:
الحمد لله
الصلاة في الجماعة واجبة في جميع الأوقات لقول الله تعالى : ( وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ ) النساء/102 . فأوجب سبحانه تعالى الصلاة في الجماعة في حال الحرب ، فكيف بحال السلم ؟(4/96)
وروى البخاري ( 608 ) ومسلم ( 1040 ) أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤمَّ ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأُحرق عليهم بيوتهم ) ، وفي صحيح مسلم ( 1044 ) ( أن رجلاً أعمى جاء إلى النبي فقال : يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله أن يرخص له في بيته ، فرخَّص له فلما ولَّى دعاه فقال : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم . قال : فأجب ) ، فينبغي للمسلم أن يحافظ على الصلاة في الجماعة في جميع الأوقات وأن لا يشغله عنها شاغل من شواغل الدنيا .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) المنافقون/9 ، فعليك أن تنصحي والدك وتذكريه بهذه الأدلة الصحيحة بالحكمة والموعظة الحسنة .
وهذا الحكم هو لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس ، أما التراويح فأمرها أيسر من ذلك ، فيجوز للمسلم أن يصليها في بيته ، وإن كان الأفضل أن يصليها جماعة في المسجد .
ولا يجوز للمسلم أن يرهق نفسه في أعمال الدنيا على حساب عبادته وصلاته ، وقد وصف الله تعالى المؤمنين أنهم لا تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذِكر الله وإقام الصلاة فقال تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) النور/36–38 .
وفي ختم الآيات بقوله تعالى ( وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) إشارة إلى أمر ينبغي التفطن له لمن بذل وقته في التجارة والعمل على حساب طاعته لربه ، وهو أن الرزق بيد الله يرزقه من يشاء بغير حساب ، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال : ( أيها الناس ، اتقوا الله وأجملوا في الطلب ، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها ، وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم ) رواه ابن ماجه ( 2144 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1698 ) .
فلا مانع من بذل الأسباب في الرزق لكن ينبغي على المسلم أن لا يبالغ في العمل فيبذل له وقته كله على حساب طاعته وصحته وتربية أبنائه ، وعليه أن يسدد ويقارب .
فنرجو أن يقف والدك على ما قلناه ويتأمله حق التأمل ، ونسأل الله تعالى أن يهديه لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق ، وأن يرزقه رزقا حسناً طيبا مباركاً فيه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===========
حكم صلاة الجماعة للمريض ولمن لا يتحكم بالنجاسة
…سؤال رقم 50075
…سؤال:
لي زميل عمل عملية استئصال فتحة الشرج - تغيير مجرى فتحة الشرج وفتح فتحة من الجنب - لوجود ورم ، سؤالي هو : الفتحة الجديدة لا يتحكم في الإخراج أو الريح هل يجوز له الصلاة في المسجد أو في البيت ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يعافيه وأن يشفيه ، كما نسأله تعالى أن يلهمه الصبر ويؤجره على ما ابتلاه به .
وهذه الحالة المرضية لا يستطيع المريض فيها أن يتحكم بإخراج الغائط ، بل يخرج الغائط عبر فتحة الشرج المصطنعة على هيئة سلس مستمر ، وحكمه حكم من به سلس دائم .
وعليه : فيجوز لمن ابتلي بهذا أن يجمع بين الصلاتين إن شقَّ عليه أداء كل صلاة في وقتها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
والصواب أن الجمع لا يختص بالسفر الطويل بل يجمع للمطر ويجمع للمرض كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين . " الفتاوى الكبرى " ( 1 / 49 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة في حكم امرأة لا تتحكم بالبول من مرض أصابها :
إذا كان الأمر كما ذكر : فإنها تصلِّي على حسب حالها ، ولا مانع من جمعها الظهر والعصر في وقت أحدهما ، وهكذا المغرب والعشاء ؛ لعموم أدلة يسر الشريعة على أن يكون وضوؤها للظهر والعصر بعد دخول الوقت ، وهكذا المغرب والعشاء يكون وضوؤها لهما بعد دخول الوقت .
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 8 / 85 ) .
ثانياً :
ولا تسقط الجماعة في المسجد عن مثل هذا المريض إلا أن يكون في ذهابه تلويث للمسجد أو ظهور ريح كريهة من الفتحة الجديدة ؛ لما في ذلك من أذية المصلين .
- أما الرائحة الكريهة : فخروجها من الإنسان عذر له في سقوط وجوب صلاة الجماعة ، بل لا يحل له المجيء إلى المسجد وإيذاء الملائكة والمصلين بهذه الرائحة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :(4/97)
إذا كان فيه بَخَرٌ : أي : رائحةٌ منتنةٌ في الفَمِ ، أو في الأنفِ أو غيرهما تؤذي المصلِّين ، فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه . " الشرح الممتع " ( 4 / 323 ) .
وقد نُهي آكل البصل والثوم عن حضور جماعة المسجد لما لهما من رائحة كريهة ، ويلحق بذلك أيضاً : رائحة الدخان والسجائر الخبيثة المحرمة
روى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ) .
وإذا كان من عادة هذا المريض أن يصلي في المسجد جماعة : فإنه يكتب له أجرها ولو صلى في بيته .
قال الشيخ ابن عثيمين :
المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً " . " الشرح الممتع " ( 4 / 323 ) .
وأما تلويث المسجد بالنجاسات فهو محرَّم ، وقد أمرنا بتنظيف المساجد وتطييبها .
روى البخاري (221) ومسلم (284)عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ ) وفي رواية لمسلم (285) : ( ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ) .
قال النووي في شرح صحيح مسلم :
"يَحْرُم إِدْخَال النَّجَاسَة إِلَى الْمَسْجِد , وَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنه نَجَاسَة فَإِنْ خَافَ تَنْجِيس الْمَسْجِد لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُول , فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ جَازَ" اهـ .
الإسلام سؤال وجواب
=============
انقطعت الكهرباء أثناء صلاة الجمعة ولم يتمكنوا من متابعة الإمام
…سؤال رقم 71231
…سؤال:
كنا في صلاة الجمعة ، والمسجد عندنا مكون من عدة طوابق ، وفي الركعة الأولى انقطعت الكهرباء فلم يتمكن المأمومون الذين يصلون في الطابق الثاني والثالث من متابعة الإمام ، فصلوها ظهرا ، فهل ما فعلوه صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان ذلك قد وقع قبل الركوع في الركعة الأولى ، فما فعلوه صحيح ، وإذا وقع ذلك بعد الركوع مع الإمام فكان الواجب عليهم أن يتموها جمعة ، ركعتين .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن مثل هذه الواقعة فقال: "من أدرك ركعة من الجمعة ثم عرض عارض كانقطاع الكهرباء ونحوه ، فإنه يتمها جمعة منفرداً بمعنى أنه يصلي الركعة الثانية ثم يسلم ؛ لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ ) . والركعة إنما تدرك بالركوع ، ومن لم يدرك الركوع مع الإمام فإنه غير مدرك للركعة ، وعلى هذا فإذا كان من ذكروا في السؤال لم يدركوا مع الإمام إلا تكبيرة الإحرام فقط فإنهم يصلونها ظهرا ً" اهـ .
"مجلة البحوث الإسلامية" (61/83) .
الإسلام سؤال وجواب
(((((((((((((((((((((((((((
الفهرس العام
الباب الرابع…2
فقه العبادات…2
المسائل الفقهية المتعلقة بالمغتربين في صلاة الجمعة والعيدين والجنائز…2
المقدمة:…3
الفصل الأول : في صلاة الجمعة :…5
المبحث الأول : إذن الإمام في إقامة الجمعة…5
المبحث الثاني : العدد الذي تقام فيه الجمعة…8
المبحث الثالث : حكم الخطبة بغير العربية…15
الفصل الثاني : في حكم صلاة العيد للمغتربين…19
الفصل الثالث : في الجنائز…24
المبحث الأول : حكم زيارة قبور المشركين…24
المبحث الثاني : حكم الدفن في التابوت…25
المبحث الثالث : حكم دفن المسلم في مقابر الكفار…27
الخاتمة:…28
عاشوا تحت الحكم الشيوعي ولم يدروا ما صلاة ولا صيام فهل عليهم قضاء ؟…52
هل يجوز له الإفطار بسبب مشقة العمل ؟…55
سيسافر من بلدة إلى أخرى ويعود في نفس اليوم فهل له الفطر؟…58
مسلمة جديدة تريد الصوم سراً…61
حكم مس يد الفتاة في رمضان…63
حكم صلاة التراويح للنساء…65
كيفية تهذيب الغريزة بالصيام…67
نصراني يسأل ماذا تفعلون في شهر رمضان؟…68
كان يصلي ثلاث سنوات دون غسل الجنابة…71
هل يجوز الإفطار قبل سماع الأذان ؟…73
ما حكم إعطاء السائق غير المسلم طعاما في نهار رمضان ؟…75
استعمال العمال غير المسلمين والسماح لهم بالأكل أمام المسلمين وقت الصيام…77
قضاء الوقت في الأفلام والمسلسلات واللعب في رمضان…79
لا يدرون عن حل مكسب الذين يرسلون الأطعمة إلى المسجد…80
نصرانية تريد أن تصوم…81
الاجتماع على مائدة الإفطار…83(4/98)
كيفية الصلاة والصوم في البلاد التي نهارها دائم أو ليلها دائم…84
كيفية الصلاة والصوم في البلاد التي نهارها دائم أو ليلها دائم…90
الأعذار التي تبيح الفطر في رمضان…95
يقيم في ألمانيا فهل يصوم مع الجمعية الأوربية أم مع السعودية…98
إذا سافر أثناء الشهر إلى بلد اختلف عن بلده في الصيام ، فكيف يصوم ؟…100
قضاء المسلم الجديد للفروض الإسلامية…103
حد السفر الذي يبيح الفطر والقصر…103
هل يجمع ويقصر مَن سافر وأقام يوماً واحداً ؟…106
هل يقصر الصلاة قبل الخروج من البلد…109
أحكام ومسائل في الصلاة على الكرسي…110
لا يجوز مخالفة أهل البلد في الصيام والعيد…115
هل يتبع في صيامه وإفطاره رؤية أهل بلده ؟…116
هل له أن يفطر تبعا للسعودية ، وأهل بلده صائمون…117
هل يصح الاعتماد على الإمساكيات الرمضانية ؟…118
هل تُشترط مدة معينة لبقاء الهلال المولود في السماء…122
هل يشترط أن يرى هلال رمضان كل واحد من المسلمين…122
هل يشكّل المسلمون في بلاد الغرب لجنة لتحري رؤية الهلال…124
هل يتبعون المجلس الأوروبي ولو أخذ بالحساب الفلكي؟…124
صعوبة تحري الهلال في البلدان الصناعية…126
متى ينوي الصوم وماذا لو علم في النهار بدخول رمضان ؟…127
يجوز الاستعانة بآلات الرصد لرؤية الهلال وليس بالحسابات…128
هل مسألة اختلاف مطالع القمر معتبرة وموقف الجاليات الإسلامية…130
الصوم في البلاد ذات النهار القصير جدا أو الطويل جدا…132
مغتربون ولا يعرفون الفقراء جيدا ، فهل يخرجون زكاة الفطر في بلد آخر…134
حاضت أثناء الحج ولا تستطيع البقاء…138
هل على أهل مكة طواف وداع إذا خرجوا منها بعد الحج؟…139
تأخير الحج بدون عذر…140
مات ولم يحج تفريطا فهل يحج عنه؟…141
هل يلزم الزوج أن يحج بزوجته؟…143
كيف يكون حجك مقبولاً ؟…144
من أين يحرم من لم يمر على الميقات؟…146
لا يلزم من أراد الحج أو العمرة شيء إذا تجاوز الميقات ونسي أن يحرم ثم رجع إليه وأحرم…147
متى يحرم راكب الطائرة؟…149
ميقات حجاج استراليا…151
هل يجوز أن يلبس الجاكيت في الإحرام إذا كان الجو بارداً ؟…152
لا يستطيع أن يلبس لبس الإحرام ، فهل له أن يحرم في ثيابه…154
استعمال الكريمات غير المعطّرة أثناء الإحرام…155
يقيم في أوربا والمسجد بعيد عنه فهل يصلي في بيته ؟…156
آداب قضاء الحاجة عند المسلمين…158
لم يستطع المبيت في مزدلفة…164
متى يشرع الاضطباع والرمل ؟…164
وقت إخراج الزكاة…166
مصير مانع الزكاة إذا مات…167
علاقة الزكاة بالنظام الاقتصادي والتكافل الاجتماعي…168
هل يجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر ؟…171
طالبة تسأل عن الزكاة ودخلها 400 دولار شهرياً…172
ما هو النصاب في المال…173
نصاب الذهب بالدولار…174
زكاة الرواتب الشهرية ، وكيفية زكاة من عليه دين…176
حكم شراء طعام زكاة الفطر قبل مدة…178
ما هو الحجّ…179
حكم الحج…180
حكم العمرة…180
صفة الحج…183
صفة العمرة…194
هل تشترط الطهارة للطواف والسعي؟…201
نسي أحد الأشواط من طواف الإفاضة…206
وقت رمي الجمار…206
الحكمة من تشريع الزكاة…209
إذا صلى بعض المأمومين خارج المسجد وانقطع التيار الكهربائي…213
التبول في البانيو…214
الختان وانتقاء الاسم للمسلم الجديد…215
إمامة الرجل غير المختون…217
لا يجوز أن يكون الختان عائقا بين الشخص وبين الدخول في الدين…217
حلاقة شعر الساقين…219
حكم تطويل الأظافر…220
صفة المسح على الخف أو الجورب…221
شروط المسح على الخفين…223
هل ينتقض الوضوء بخلع الجوارب ؟…225
هل المسح على الخفين أفضل أم غسل القدمين؟…226
بقاء الطهارة بعد انتهاء مدة المسح على الجوربين…228
بقاء الطهارة بعد انتهاء مدة المسح على الجوربين…229
لا يشترط أن يكون الجورب من الجلد…230
…من مسح على الجوربين من غير طهارة وصلى…231
صفة التيمم…232
حكم التيمم مع وجود الماء…234
عاجزة عن استخدام الماء ؟ متى يُشرع التيمم ؟…236
كيفَ يتوضّأُ ويصلِّي من بِهِ شَلَلٌ نِصْفِيٌّ ؟…237
الختان ؛ كيفيته وأحكامه…242
حكم استخدام الصرف الصحي في سقي النخيل…247
حكم البول واقفاً…248
حكم بناء المرحاض في اتجاه القبلة…248
حكم بناء المرحاض في اتجاه القبلة…251
هل يستعمل يده اليسرى أو بعضها في الاستنجاء…254
دخول الحمام بالجوال وفي شاشته لفظ الجلالة…255
حكم الوضوء عاريا…256
حكم استعمال المناكير وهل تجب إزالته عند الوضوء…257
هل شرب الدخان ينقض الوضوء ؟…258
يخرج منه المذي باستمرار دون شهوة…258
هل استعمال الكريم ينقض الوضوء…259
لمس الكلب ولعابه لا ينقضان الوضوء…260
هل يلزمه غسل الأطباق بعد استعمالها وغسلها من قبل غير المسلمين؟…261
لبس قفازات من جلد الخنزير…264
حكم أكل ذبائح الكفار واستعمال أوانيهم…266
كيفية تطهير نجاسة الكلب…267
هل الوسخ تحت الظفر يمنع من صحة الوضوء ؟…270
إذا شك هل لعق الكلب موضعاً…270
إذا لعق كلب ثوب المسلم فما الحكم ؟…271
صفة الغُسْل للجَنابة…273(4/99)
لم يكن يعلم بوجوب غسل الجنابة فهل يعيد الصلوات ؟…273
هل يحرم على المرأة الجُنُب الطّبخ ومسّ الأشياء…277
والده يمنعه من صلاة الفجر في المسجد فهل يطيعه ؟…279
حكم الصلاة في مقر العمل…283
يصلون الجمعة في مكان العمل ولا يذهبون إلى المساجد…285
حكم جمع التبرعات أثناء خطبة الجمعة…288
رئيسه يمنعه من حضور صلاة الجمعة…291
إلقاء الخطبة باللهجة العامية…293
ترجمة خطبة الجمعة…293
حكم استئجار الكنائس لصلاة الجمعة فيها…296
إقامة صلاة العيد في الإستاد الرياضي…297
صلاة الكسوف لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده…298
هل يصلي المسلمون الاستسقاء في بلاد الكفار…299
الصلاة خلف الإباضية وأهل البدع…300
هل يصلي خلف من يجهل عقيدته وفي الولاية متصوفة وشيعة ؟…302
لا تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال…307
هل يصلون خلف من يقنت في الفجر…308
حكم إمامة المرأة للرجال…311
أين تقف إمامة النساء في صلاة الجماعة ، وأفضلية الصلاة في البيت للمرأة…319
هل يصلي المسافر قصرا في بيته أم جماعة في المسجد ؟…321
متعب من العمل ولا يريد الصلاة مع الجماعة…324
إذا استيقظ ووجد بللا في الثوب ولا يدري ما هو…325
إذا نزل المني بعد الغسل من الجنابة…327
الفروق بين المني والمذي…330
قراءة القرآن أثناء الحيض…334
دخول الحائض المسجد لحضور مجلس علم أو حلقة لتحفيظ القرآن…338
هل على النساء أذان وإقامة ؟…341
حكم الأذان عن طريق المذياع ونحوه…342
لا يجد مكاناً نظيفاً للوضوء والصلاة فهل يؤخر الصلاة ؟…344
الحد المسموح به في تأخير الصلوات بالنسبة للمرأة…346
وقت الفجر وخطأ بعض التقاويم…349
ما هو الأمر المعتبر في دخول وقت الفجر في شمال بريطانيا…352
أوقات الصلوات متقاربة في الشمال هل يجوز الجمع…353
لماذا نصلي بلا جمع…354
حكم صلاة الجماعة على الرجال…356
صلاة الجماعة تنعقد باثنين إمام ومأموم…359
يترك صلاة الجماعة بسبب العمل…362
حكم صلاة الجماعة للمريض ولمن لا يتحكم بالنجاسة…365
انقطعت الكهرباء أثناء صلاة الجمعة ولم يتمكنوا من متابعة الإمام…368(4/100)
الخلاصة في فقه الأقليات
(5)
الباب الخامس
فقه الدعوة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الخامس
الدعوة
توجيهات للدعاة في الخارج
…سؤال رقم 12913
…سؤال:
نحن شباب متوجهون إلى الغرب للدعوة إلى الله ، فنرجو منكم تزويدنا ببعض النصائح والتوجيهات للاستفادة منها في رحلتنا . والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب:
الحمد لله
فإن الدعوة إلى الله من أوجب الواجبات ، وهي سبيل الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من العلماء والدعاة والمصلحين ، ورغبةً في استكمال وتحقيق الهدف من الجولة الدعوية والاستفادة من وقتكم الثمين الذي تبتغون به الأجر من الله تعالى ، فإننا ننصحكم بما يلي :
1- تقوى الله عزَّ وجل ومراقبته في السر والعلانية ، قال عليه الصلاة والسلام : " اتق الله حيثما كنت .. " رواه الترمذي (1910) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1618) ، فتقوى الله هي رأس الأمر كله ، وهي سبب التوفيق في الدنيا والمثوبة في الآخرة . واحتساب الأجر وإخلاص النية لله عزَّ وجل في القول والعمل : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " رواه البخاري (1) ومسلم (3530) ، وهذا مما يُعين الداعية ويجعل عمله مباركاً ، كما أن تقوى الله هي رأس الأمر كله ، وهي سبب التوفيق في الدنيا والمثوبة في الآخرة .
2- كونوا قدوة حسنة في كلامكم ومظهركم وطعامكم ونومكم ، مقتدين في ذلك كله بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله .
3- الحرص على غض البصر وخصوصاً في البلاد التي يكثر فيها التبرج والسفور.
4- يُستحسن اللباس العربي لأن فيه مصالح كثيرة ، ولا يُفضل ارتداء اللباس الإفرنجي ، أما بالنسبة لما يُقال عن خطورة اللباس العربي في الخارج فهو مجرد إشاعات لا حقيقة لها . ويمكن نزع الغترة أو الشماغ والاكتفاء بالطاقية عند الحاجة إلى ذلك .
5- السواك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم وهو نادر في أغلب البلدان لذا فهو هدية محببة لدى كثير من المسلمين .
6- استخدام حقيبة يدوية للملابس ؛ لأن احتمال فقدان العفش في تلك الدول وارد ، وكذلك إفساح المجال لشحن الكتب التي تحتاجونها ، وصرف ما معكم من أموال إلى الدولار للصرف منها أثناء الجولة .
7- أخذ جميع الاحتياطات اللازمة قبل السفر كالتطعيم من الأمراض المنتشرة في الدولة التي سوف تُسافر إليها ، وأخذ بطاقة التطعيم الدولي الأصفر .
8- أخذ جميع العناوين التي يُحتاج إليها مثل عنوان سفارات بعض البلاد العربية والإسلامية ، وكذلك المراكز والهيئات الإسلامية المعروفة والموثوقة .
الحذر من الإيحاء إلى المسلمين الذين تختلطون بهم أنكم جئتم لمساعدتهم مادياً لأن هذا يفتح عليكم باب طلبات المساعدة والمطالب الشخصية ، بل قد يفهم بعض الناس أن معكم أموالاً طائلة فيتربصون بكم شراً . ولكن هذا لا يمنع من استصحاب بعض الزكوات والصدقات معكم لدفعها للمحتاجين إليها عند اقتناعكم بذلك مع الحذر والسرية .
9- عدم الخوض في أحاديث لا داعي لها ، والحذر من التطرق إلى أمور الزواج ولو من باب المزاح لا سيما مع المترجمين ، وقد حدثت مآسي من جراء قيام بعض الدعاة من الزواج في أول الرحلة الدعوية ، والطلاق في آخرها ، ومن ذلك تشويه سمعة الدعاة وتضييع أولاد وزوجات .
10- التزود بما يلي :
" مصحف جيب ، ويُفضل أن يكون من المذيل بترجمة معاني الكلمات وأسباب النزول.
" كتاب أو كتابين في العقيدة وخصوصاً التوحيد وما يتعلق بالطرق الصوفية .
" كتاب أو كتابين في فقه العبادات وخصوصاً في فقه الطهارة والصلاة والصيام .
" كتاب رياض الصالحين للإمام النووي فهو مرجع شامل خصوصاً في فقه الطهارة والصيام .
" فتاوى اللجنة الدائمة .
" مجموعة مختارة من الدروس والمحاضرات المسجلة للاستفادة منها خصوصاً أثناء الرحلات الطويلة بالسيارة .
" استصحاب وسيلة تعين على تحديد اتجاه القبلة وأوقات الصلوات وساعة منبه ، ويُفضل شراء جهاز تسجيل صغير لتسجيل بعض الكلمات وإجراء بعض المقابلات مع السكان المحليين عند الحاجة ، واللقاءات الدعوية وما ذُكر أعلاه يُفيد الداعية في إعداد الكلمات والدروس والمحاضرات والإجابة عن الأسئلة ، وكذلك في تنظيم وقته والاستفادة منه بإذن الله تعالى .
11- الاستفادة قدر الإمكان من الوقت بما يُفيد الدعوة حيث إن زيارتكم هناك مكسب للمسلمين في ذلك البلد ، فما من بابٍ للخير يُمكن طرقه إلا وعليكم به ولا تترددوا وليكن ذلك بالتنسيق مع الاخوة المسئولين والمنظمين .
12- مراعاة جانب ضعف العلم والجهل واختلاف المذاهب عند طرح أي موضوع أو قضية للنقاش مع محاولة الابتعاد عن الخوض في المسائل الخلافية وتصنيف الناس ، والحرص على بيان الحق من غير التعرض للأشخاص .
13- الحكمة من أعظم الأمور الأساسية في منهج الدعوة إلى الله تعالى وخاصة في ظروف السفر ، وهي مطلوبة في ترتيب الأولويات والتدرج في تحقيق الأهداف كما أنها مطلوبة في التعامل مع مختلف أصناف الناس ، ومن الحكمة أيضاً تقدير الناس وحفظ مقاماتهم ، وإنزالهم منازلهم .(5/1)
14- سيجد الداعية بعض الأسئلة الفقهية ترد عليه أثناء الجولة ، وخصوصاً بعد إلقاء الدروس والكلمات فينبغي عليه التوسط في التعامل مع هذه القضية ، والإجابة على الأسئلة الشرعية بالأدلة وذكر أقوال العلماء أو قول " لا أدري " ، كما قيل : " من قال لا أدري فقد أفتى " . ولا مانع من تأجيل الجواب إلى حين مراجعة المسألة .
15- الأفضل أن تكون الدروس والكلمات بالتناوب بين المشاركين في الجولة ، ولا نرى أبداً أن يستأثر واحد فقط بأعباء الجولة فيصبح هو المفتي والخطيب والواعظ حتى وإن كان أكثر مقدرة وتمكناً ؛ لأن من أهداف الجولات تدريب الدعاة عملياً على الدعوة ، وهذه الجولات فرصة ثمينة للتدرب على المواعظ والخطب خصوصاً بالنسبة للاخوة الذين يجدون صعوبة وعدم مقدرة على تطبيق ذلك داخل البلاد نظراً لوجود العلماء وطلبة العلم .
16- التعرف على أحوال المسلمين وذلك بالتعرف على الوضع الإسلامي بعامة والجمعيات والمؤسسات الإسلامية الرسمية وغير الرسمية في المنطقة بخاصة ، وكتابة عناوينها وتقارير عن نشاطاتها ، وكذلك التعرف على الشخصيات الإسلامية البارزة والمؤثرة في المجتمع ، ومحاولة كسبهم قدر الإمكان بالزيارة والكلمة الطيبة ، للاستفادة فيما يعود على الإسلام والمسلمين بالخير ،كل ذلك حسب الضوابط الشرعية ، وكذلك التعرف على النشاطات المعادية للإسلام في المنطقة ومتابعتها .
17- توثيق الصلات بالجهات الدينية والرسمية الموجودة ، وذلك عبر اللقاءات الودية وتهادي الكتب والمواد السمعية الإسلامية ونحوها ، وهذا سيسهل لكم كثيراً من الأمور في عملكم ويكون أبلغ في انتشار الدعوة وتأثيرها .
وختاماً نسأل الله لكم التوفيق والسداد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
الدعوة إلى الإسلام
…سؤال رقم 12376
…سؤال:
كيف تكون الدعوة إلى الإسلام ؟.
الجواب:
الحمد لله
خلق الله الإنسان , وأسكنه في الأرض ولم يتركه سدىً بل أوجد له ما يحتاجه من طعام وشراب ولباس وأنزل عليه في مختلف العصور منهجاً يسير على هديه , وصلاح البشرية وسعادتها في كل زمان ومكان إنما يكون باتباع منهج الله وطرح ما سواه ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) الأنعام/153 .
والإسلام آخر الأديان السماوية والقرآن آخر الكتب السماوية ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء والرسل وقد أمره الله أن يبلغ هذا الدين إلى الناس كافة : ( وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) الأنعام/18 .
وقد أرسل الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام إلى الناس جميعاً كما قال سبحانه : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ) الأعراف/158 .
والدعوة إلى الإسلام هي أفضل الأعمال , لما فيها من هداية الناس إلى الصراط المستقيم وإرشادهم إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) فصلت/33 .
والدعوة إلى الإسلام رسالة شريفة وهي وظيفة الأنبياء والرسل وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن رسالته في الحياة , ورسالة أتباعه هي الدعوة إلى الله , قال تعالى : ( قل هذه سيبلي أدعو الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) يوسف/108.
والمسلمون عامة والعلماء خاصة , مأمورون بالدعوة إلى الإسلام , كما قال سبحانه : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) آل عمران/104 .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( بلغوا عني ولو آية ) أخرجه البخاري/3461 .
والدعوة إلى الله رسالة عظيمة ومهمة جليلة إذ هي دعوة الناس إلى عبادة الله وحده ونقلهم من الظلمات إلى النور وزرع الخير مكان الشر والحق مكان الباطل , لذا يحتاج من يقوم بها إلى العلم والفقه والصبر والحلم واللين والرفق وبذل المال والنفس ومعرفة الأحوال والعادات . قال تعالى : ( ادع إلى سيبل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) النحل/125 .
وقد امتن الله على رسوله بقوله : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ) آل عمران/159 .
والداعية قد يتعرض في دعوته إلى للجدل , وخاصة مع أهل الكتاب وقد أمرنا الله حين يصل الأمر إلى الجدال , أن نجادل بالتي هي أحسن وذلك بالرفق واللين وعرض مبادئ الإسلام كما جاءت نقية صافية بلطف بلا إكراه كما قال تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم و قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ) العنكبوت/46 .
وللدعوة إلى الله فضل عظيم و أجر جزيل قال عليه الصلاة و السلام : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً , ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم ، مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ) رواه مسلم/2674 .(5/2)
وإذا كان البناء المادي يحتاج إلى جهد وصبر حتى يكتمل فإن بناء النفوس , وحملها على الحق , يحتاج إلى الصبر والتضحية وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام , فصبر على أذى الكفار , واليهود , والمنافقين فقد استهزءوا به وكذبوه , و آذوه ورموه بالحجارة وقالوا أنه ساحر أو مجنون واتهموه بأنه شاعر أو كاهن فصبر عليه السلام على كل هذا حتى نصره الله , وأظهر دينه فعلى الداعية أن يقتدي به ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) الروم/60 .
فالواجب على المسلمين الاقتداء برسولهم , والسير على هديه والدعوة إلى الإسلام والصبر على الأذى في سيبل الله , كما فعل رسولهم صلى الله عليه وسلم : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كانوا يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) الأحزاب/21 .
ولا صلاح ولا سعادة للأمة إلا باتباع هذا الدين ولذلك أمر الله بإبلاغه للناس كافة كما قال سبحانه : ( هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب ) إبراهيم/52 .
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري .
===============
مطلوب منه بحث عن الإسلام وأثره على أوربا
…سؤال رقم 14070
…سؤال:
ناقش ظهور الإسلام وانتشاره بدراسة حياة محمد صلى الله عليه وسلم وأفكاره الدينية وتاريخ القرن الذي بعد وفاته. اشرح بالتفصيل أفكار محمد الدينية مقسماً إياها إلى ثلاث أقسام : كيف انعكست هذه الأفكار على حياة محمد الشخصية، على معتقداته وخلفياته ، وعلى مجتمع القرن السابع عموماً. ثم اشرح متى وكيف انتشر الإسلام من جزيرة العرب ووصل أوروبا . ووضح أثر الإسلام على النصارى في الغرب وفي بلاد العرب والمناطق المجاورة.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لم يأتِ نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم بأفكارٍ من عند نفسه ، بل ما جاء به إنما هو من عند الله تعالى ، وهو وحي أوحاه الله له .
ثانياً :
أما حياته صلى الله عليه وسلم :
فهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق فلنسبه من الشرف أعلى ذروة ، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم ، فأشرف القوم : قومه ، وأشرف القبائل : قبيلته ، وأشرف الأفخاذ : فخذه ، فهو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان … بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
بعثه الله على رأس أربعين ، وهي سن الكمال ، وأول ما بدئ به رسول الله من أمر النبوة : الرؤيا فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، قيل وكان ذلك ستة أشهر ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ، ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة فجاءه الملك وهو بغار حراء وكان يحب الخلوة فيه فأول ما أنزل عليه { اقرأ باسم ربك الذي خلق } العلق/1 .
وكان لدعوته مراتب : المرتبة الأولى : النبوة ، الثانية : إنذار عشيرته الأقربين ، الثالثة : إنذار قومه ، الرابعة : إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة ، الخامسة : إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر .
وأقام بعد ذلك ثلاث سنين يدعو إلى الله سبحانه مستخفيا ثم نزل عليه { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } الحجر/94 .
ينظر " زاد المعاد " لابن القيم ( 1 / 71 فما فوق ) ، ومنه استفدنا ما سبق .
ثالثاً :
وأما ما كان يدعو إليه نبينا صلى الله عليه وسلم ، فيكفي منه ما ورد على لسان أبي سفيان - وكان كافراً وقت قوله - قال هرقل - عظيم الروم - لأبي سفيان : فماذا يأمركم به ؟ قال : يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة ، والصدقة ، والعفاف ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة .
وقد علَّق هرقل على كلام أبي سفيان بقوله : وهذه صفة النبي ، قد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أظن أنه منكم ، وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميَّ هاتين ، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه .
رواه البخاري ( 2782 ) ومسلم ( 1773 ) .
رابعاً :
وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، فقد تولَّى أبو بكر الصدِّيق الخلافة ، وقد وقع في أيامه من الأمور الكبار : تنفيذ جيش أسامة ، وقتال أهل الردة وما نعى الزكاة ومسيلمة الكذاب ، وجمع القرآن .
ثم عمر بن الخطاب ، وهو أحد السابقين الأولين ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الخلفاء الراشدين ، وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحد كبار علماء الصحابة وزهادهم ، وكثرت الفتوح في أيامه : ففتحت دمشق والأردن والعراق وبيت المقدس ومصر وهو الذي كتب التاريخ من الهجرة بمشورة علي . واستشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين على يد قاتله الكافر المجوسي أبي لؤلؤة .(5/3)
ثم عثمان بن عفان ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وأسلم قديماً ، وهو ممن دعاه الصدِّيق أبو بكر إلى الإسلام ، وهاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة ، وتزوج رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ثم توفيت ، فتزوج أختها أم كلثوم ، وقد مكث في الخلافة ثنتي عشرة سنة ، واستشهد سنة خمس وثلاثين وله بضع وثمانون سنة .
ثم علي بن أبي طالب ، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤاخاة ، وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها ، وأحد السابقين إلى الإسلام ، وأحد العلماء الربانيين ، والشجعان المشهورين ، والزهاد المذكورين ، والخطباء المعروفين ، وأحد من جمع القرآن وعرضه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
خامساً :
وقد كان صلى الله عليه وسلم مهتديا بهدي القرآن ، بل كان خُلقه القرآن كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وما كان نبينا صلى الله عليه وسلم عليه في الإسلام هو ما كان عليه من خلق قبل الإسلام لكن الله تعالى كمَّل له أخلاقه وزينها ، وعند أول نزول الوحي قالت خديجة رضي الله عنها وهي تعدد أخلاقه :
كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصِل الرحم ، وتحمل الكلَّ - أي : الضعيف العاجز - وتُكسب المعدوم - أي : الفقير - ، وتقري - أي : تكرم - الضيف ، وتعين على نوائب الحق - كما رواه البخاري ( 4 ) ومسلم ( 160 ) - .
وقد وصفه أصحابه وأعداؤه بما هو أهل له صلى الله عليه وسلم : من الكرم والشجاعة والرحمة وحسن الكلام وكثرة العبادة والصدق والأمانة … الخ .
ويلخص ذلك كله قوله تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم/4 .
وقد كان لحسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم أكبر الأثر وأعظمه ، حتى كان ذلك سبباً في دخول بعض المشركين في الإسلام .
عن أبي هريرة قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له " ثمامة بن أثال " فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أطلقوا ثمامة ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " . رواه البخاري ( 4114 ) ومسلم ( 1764 ) .
سادساً :
أما بالنسبة لوصول الإسلام إلى أوربا فقد وصلها من عدة طرق ، منها :
1. حرص المسلمين على إيصال دعوة الحق إلى جميع الناس ، ففتحت الأندلس على يد طارق بن زياد عام 92 هـ /711 م واستمرت الفتوحات في غرب أوربا حتى وصلت انتهت إلى شرق جنوب فرنسا في عام 114 هـ .
2. القادمون من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بحثاً عن عمل وأمل .
3. استقدام الغربيين لشعوب بعض الدول مثل استقدام الألمان للأتراك للعمل في بلادهم .
4. وجود دعاة الإسلام في تلك البلاد .
5. نفوذ الدولة العثمانية في أوربا .
6. إسلام أهل أوربا الأصليين وتحولهم إلى دعاة للإسلام .
7. التواصل التجاري بين المسلمين وأوربا .
8. دخول أناس من الأوربيين في الإسلام .
9. تغير أنماط التفكير الأوربي .
10. نبذ خرافات الكنيسة المخالفة للوحي واعتماد العلم التجريبي الذي وضع أسسه وطوره المسلمون .
11. مشاركة الجاليات الإسلامية في تطوير الأبحاث والمخترعات والشركات في أوربا من خلال أصحاب الشهادات والكفاءات من المسلمين ثم زيادة عدد الجاليات الإسلامية في أوربا وما تتطلب من مساجد ومدارس ومراكز .. الخ واتسع تأثيرهم حتى خشي من ذلك أعداء الإسلام كاليهود فكتبت صحيفة " هآرتس " الإسرائيلية تقول في عددها الصادر في آخر يونيو عام 2001م : " كما هو الحال في غرب أوروبا كذلك أدت الزيادة الكبيرة في الولايات المتحدة في عدد المسلمين إلى ازدياد نفوذهم السياسي ... بيد أن الزيادة في عدد المسلمين وتعاظم وتزايد وعيهم السياسي وخاصة الطلاب العرب والذين يلاحظ أنهم من أكثر العرب نشاطاً وحركية من الناحية السياسية وكذلك التضاؤل في عدد اليهود نتيجة لزيجاتهم المختلطة وذوبانهم في المجتمع الأمريكي ، كل ذلك سوف يلعب مستقبلاً دوراً في ميزان القوى المتنافسة على النفوذ بواشنطن ، وقد أصبح ذلك ملموساً ومحسوساً في نشاطات جماعات الضغط العربية بالكونجرس …
1. تزايد عدد المسلمين في البلاد الأوربية ، فقبل أكثر من عشر سنوات كان عدد المسلمين في أوربا حوالي ( 12 ) مليون مسلماً .
2. انتشار المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس .
3. انتشار الحجاب واللباس الشرعي في عواصم الدول الأوربية .
4. إقامة المعارض والندوات الإسلامية ، وتأسيس شركات تعنى بالذبح الحلال ودفن الموتى على الطريقة الشرعية .
وغير ذلك كثير .
والله الهادي والموفق.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
ما حكم العيش مع والدة كافرة ؟
…سؤال رقم 27105
…سؤال:
ما حكم العيش مع والدة كافرة ونقل الزوجة لنفس البيت للعيش معها ؟.
الجواب:
الحمد لله(5/4)
لا مانع من أن يعيش الولد مع والدته الكافرة ، أو أن تعيش هي معه ، وقد يكون هذا سبباً في هدايتها إذا أحسن الولد لها في المعاملة ، وأحسن في عرض الإسلام عليها ، والبعد عنها قد يكون سبباً في تأخير هدايتها .
والمسلم مأمورٌ بالإحسان إلى والديه وبرهما حتى لو كانوا كفَّاراً ، ولا يحل للمسلم أن يعقهما أو يسيء إليهما في القول أو الفعل ، على أن ذلك لا يعني أن يطيعها في المعصية أو يداهنها في الكفر الذي تعتنقه .
أ . قال تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } العنكبوت / 8 .
ب . وقال تعالى : { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } لقمان / 15 .
ت . وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : " نعم ، صِلي أمك " .
رواه البخاري ( 2477 ) ومسلم ( 1003 ) .
ث. عن سعد بن أبي وقاص : أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال : حلفتْ أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب ، قالت : زعمتَ أن الله وصاك بوالديك ، وأنا أمك ، وأنا آمرك بهذا ، قال : مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد ، فقام ابنٌ لها يقال له " عمارة " فسقاها فجعلت تدعو على سعد ، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية { ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك على أن تشرك بي } وفيها : { وصاحبهما في الدنيا معروفاً } ... .
رواه مسلم ( 1748 ) .
هـ. وهذه فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حكم طاعة الوالدين في حلق اللحية :
السؤال : عن حكم طاعتك لوالدك في حلق اللحية .
فأجاب الشيخ رحمه الله :
بأنه لا يجوز لك طاعة والدك في حلق اللحية ، بل يجب توفيرها وإعفاؤها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين " ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الطاعة في المعروف " ، وإعفاء اللحية واجب وليس بسنَّة حسب الاصطلاح الفقهي ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ، والأصل في الأمر الوجوب ، وليس هناك صارف عنه .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / 377 - 378 ) .
وانظر جواب السؤالين ( 5053 ) و ( 6401 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
قصص لنساء أسلمن وفارقن أزواجهن الكفار
…سؤال رقم 3408
…سؤال:
السؤال :
أعرف أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تتزوج رجلاً غير مسلم وهناك أخت على قائمة التحول إلى الإسلام وأسلمت وتسأل ماذا تفعل بخصوص زوجها غير المسلم الذي قبل أن تكون مسلمة بدون مشاكل وسمح لها أن تعلم أبنائها بالطريقة الإسلامية وعندما سألتنا قلنا لها أنه يجب أن يشهد الزوج شهادة الإسلام أو أنها تنفصل عنه ولكن للأسف لا يؤمن بعض الناس بذلك أرجوا أن ترسل لي حالات واقعية من عصر الرسول عليه السلام فيها مسلمات تركن أزواجهن المشركين وأعتقد أن ذلك الوسيلة الوحيدة لإقناع أولئك بهذا الأمر وهو أنه لا يحل لمسلمة أن تبقى في عصمة رجل غير مسلم حتى لو لم يعارض إسلامها .
الجواب:
الجواب :
1. ما قيل في السؤال من تحريم نكاح المسلمة للكافر صحيح لا غبار عليه .
أ. قال الله تعالى { ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } ( البقرة / 221 ) .
قال القرطبي :
قوله تعالى { ولا تنكحوا } أي : لا تُزوجوا المسلمة من المشرك ، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة أبدا لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام . " تفسير القرطبي " ( 3 / 72 ) .
ب. وقال تعالى { لا هنَّ حلٌّ لهم ولا هم يحلون لهن } ( الممتحنة / 10 ) .
قال البخاري رحمه الله :
باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي وقال عبد الوارث عن خالد عن عكرمة عن بن عباس إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه … وقال مجاهد إذا أسلم في العدة يتزوجها وقال الله تعالى { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقال الحسن وقتادة في مجوسيين أسلما هما على نكاحهما وإذا سبق أحدهما صاحبه وأبى الآخر بانت ، لا سبيل له عليها .. " صحيح البخاري " وانظر : " الفتح " ( 9 / 421 )
2. أما الأمثلة ، فمنها :
1. ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب ، وقد كانت متزوجة من أبي العاص بن الربيع في الجاهلية ، فلما أسلمت : فسخ النكاح بينهما ، ولحقت بأبيها صلى الله عليه وسلم ، فلما أسلم ( زوجها ) : ردَّها النبي صلى الله عليه وسلم إليه .
رواه الترمذي ( 1143 ) وأبو داود ( 2240 ) وابن ماجه ( 2009 ) .
وصححه الإمام أحمد ( 1879 ) ، وقال الترمذي : ليس بإسناده بأس .
والصحيح : أنه يرجع إليها الزوج من غير حاجة إلى عقد جديد .
فإن كانت لا تزال في العدة فهو أحق بها ، وإن انتهت عدتها : فهي حرّةُ نفسها في الرجوع إليه أو عدم الرجوع .
قال الترمذي :(5/5)
والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها وهي في العدة أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحق . " سنن الترمذي " ( حديث 1142 ) .
وقال ابن عبد البر :
لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها إليها إذا كان لم يسلم في عدتها . " التمهيد " ( 12 / 23 ) .
وقال ابن القيم :
ولكن الذي دل عليه حكمه صلى الله عليه وآله وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته ، وإن انقضت عدتها : فلها أن تنكح من شاءت ، وإن أحبت انتظرته فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح . " زاد المعاد " ( 5 / 137 ، 138 ) .
2. قال القرطبي :
وكانت عند طلحة بن عبيد الله : أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ففرق الإسلام بينهما ثم تزوجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص وكانت ممن فر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من نساء الكفار فحبسها وزوّجها خالداً . " تفسير القرطبي " ( 18 / 65 ، 66 ) .
3. عن أنس قال : تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت : إني قد أسلمت فإن أسلمت نكحتك فأسلم فكان صداق ما بينهما " .
رواه النسائي ( 3340 ) .
4. وكذا أسلمت ابنة الوليد بن المغيرة امرأة " صفوان بن أمية " قبله ، وفسخ نكاحه ، ثم أسلم بعدها ورجع إليها . رواه مالك في " الموطأ " ( 1132 ) .
قال ابن عبد البر :
هذا الحديث لا أعلمه يتصل من وجه صحيح وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير وابن شهاب إمام أهل السير وعالمهم وكذلك الشعبي وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله.
" التمهيد " ( 12 / 19 ) .
5. و أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة " عكرمة بن أبي جهل " ، وفسخ نكاحها ، ثم أسلم في العدة ، فرجعت إلى زوجهما . رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 107 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
هل يجوز إجابة دعوة غير المسلم إلى الطعام للتقرب منه
…سؤال رقم 8798
…سؤال:
السؤال :
الدعوة إلى الإسلام تستلزم إقامة علاقات شخصية مع الكفار ؛ أولاً لإزالة الغربة والتمهيد للدعوة ، فهل إذا دعاني أحدهم إلى طعام أو شراب ليس من المحرمات ، مثل الجبن والسمك والشاي ، يجوز لي تناوله ؟ إذا كان هناك احتمال استخدام الأوعية قبل ذلك في تناول الخنزير والخمر رغم غسلها بالماء والصابون ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
العلاقات بين الناس أنواع ، فإذا كانت علاقة ود ومحبة وإخاء من مسلم لكافر فهي محرمة ، وقد تكون كفراً ، قال الله تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) . وما في معناها من الآيات والأحاديث .
وإن كانت علاقة بيع أو شراء أو إجابة دعوة إلى طعام حلال أو قبول هدية مباحة مثلاً ، دون أن يكون في ذلك تأثير على المسلم ؛ فهي مباحة ، وتناول ما قُدِّمَ من الكافر إلى المسلم من الأطعمة والأشربة الحلال جائز ، ولو قدمت في إناء سبق أن استعمل في شراب خمر أو تناول لحم خنزير أو نحو ذلك ؛ إذا كان قد غسل بعد استعماله في محرمات أو نجاسات حتى زال ذلك منه تماماً ، وإذا كان في ذلك إعانة على إبلاغ الدعوة إلى الإسلام كان ذلك أدعى إلى الإجابة والاتصال ، وأرجى للأجر والثواب .
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 254 .
==============
هل وجود النصارى بين المسلمين كافٍ في بلوغ الدعوة إليهم
…سؤال رقم 10212
…سؤال:
السؤال :
ذكرتم في إجابة سابقة أن من وصلته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى ، وعلموا بها إلا أنهم لم يتبعوه : بأنهم كفار ، ويعاملون معاملة الكفار في أحكام الدنيا والآخرة ، كما يعلم سماحتكم أن في بلدنا هذا كثيراً من المسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى ، فهل وجودهم في هذا البلد المسلم كافي لوصول الرسالة إليهم ؟.
الجواب:
الجواب :
وجودهم بين المسلمين يُوجِبِ أن يُعتَبَروا في حكم من بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتجري عليهم أحكام ذلك ؛ لأن الله سبحانه قال : ( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي ولا نصرني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " رواه مسلم .
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 252.
============
تريد الإسلام ولا تريد ترك زوجها الكافر
…سؤال رقم 4036
…سؤال:(5/6)
تواجهنا في المراكز الإسلامية وأثناء دعوة النساء الكافرات إلى الإسلام مشكلة تعلّق الزوجة بزوجها الكافر الذي لا يريد أن يسْلم ويصعب عليها أن تضحي بزواجها منه وخصوصا عندما يكون بينهما أولاد وزوجها حسن الخلق فيتغلّب حبها له ونحن نعلم أنّ المرأة الكافرة إذا أسلمت لا يجوز لها البقاء في عصمة الرجل الكافر لقوله تعالى : ( لا هنّ حِلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ ) فكيف نتعامل مع هذه المشكلة وهل يجوز أن نركز على إسلامها ونترك باقي الموضوع ؟
الجواب:
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
امرأة تقول : أريد الإسلام وزوجي جيد ولا أريد الانفصال عنه ، فماذا أفعل ؟
الجواب :
لابد أن تنفصل عنه ، ولكن هل من الممكن أن تدعوه للإسلام ؟ فتقول : إني أريد أن أسلم فإن أسلمْت فقد فسخ العقد إلا أن تسلم ، فلعلها إذا ذكرت هذا له يوافق على الإسلام .
سؤال :
إذا أسلمت ، فهل تكون في البيت حين دعوته أم تترك البيت ؟
جواب :
إذا كانت ترجو إسلامه تبقى في البيت حتى تنتهي العدة .
سؤال :
وهل تكشف عليه أثناء العدة أم لا ؟
جواب :
الاحتياط أن لا تكشف ؛ لأنه ليس مؤكدا أنه يوافق .
سؤال :
ولا الخلوة ؟
جواب :
ولا الخلوة .
سؤال :
إذا كان إخبارها بهذا قد يصدها عن الإسلام ، فهل يجوز لنا شرعا أن نحجب عنها النصف الثاني من الجواب ، فنقول : أسلمي أولا ثم نجيبك بعد ذلك عن حكم الاستمرار ؟
الجواب :
لا ، لو قلنا هذا ثم أُخبرت فارتدت صارت المشكلة أعظم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين بعثه لأهل خيبر : أدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه .
سؤال :
فهذه الآن لو بقيت معه بمعاشرة بعد الإسلام فهي صاحبة كبيرة ؟
جواب :
نعم ، ولكن هل يجوز الإصرار على الزنا ؟!!
سؤال : ما ملخص ما نجيبها به ؟
جواب :
نقول لها : أسلمي ، واعلمي أنك إذا أسلمت ولم يسلم زوجك فإنه ينفسخ النكاح . انتهى .
وينبغي التركيز في الحديث مع النّساء اللاتي يتعرّضن لهذه القضية على الأمور التالية مع الشّرح المستفيض :
- تقديم محبّة الله ورسوله على محبّة كلّ أحد
- أنّها إذا أخلصت في دعوته والدّعاء له فقد يهديه الله على يديها
- أن من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه
- أنّ الله لا يُضيّع عبده الذي ضحّى بما يحبّ من أجله
وكذلك أن يُسعى في حلّ مشكلة مثل هذه المرأة إذا أسلمت وانفصلت عن زوجها بأن يتقدّم من الاخوة المسلمين من يتزوجها ويضمّ إليه أولادها أو يوجد من أهل الخير المسلمين من ينفق عليها وعليهم ، نسأل الله الهداية والتوفيق والسّداد ، وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
=============
متى نحكم للشخص بالإسلام
…سؤال رقم 655
…سؤال:
السؤال:
مات شخص غير مسلم وأنا أعرفه بأنه قبل الإسلام واعتقد به ولكنه مات قبل أن يتحوّل إلى الإسلام هل هذا الشّخص يُغفر له أو أنه لا يزال يعتبر واحدا من الكفار ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
إذا لم ينطق الشخص بالشهادتين ويدخل في الإسلام فلا يُحكم له بأنّه مسلم ولو كان معجبا بالإسلام ويعترف بأنّه أفضل الأديان أو أنّه دين عظيم ونحو ذلك ، وهذا أبو طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم مات كافرا ونهى الله نبيه عن الاستغفار له مع أنّه كان يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ويقول في شعره :
وإني لأعلم أن دين محمد من خير أديان البريّة دينا
لولا الملامة أو حذار مسبّة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فإذا مات الشّخص ولم ينطق بالشهادتين عاملناه معاملة الكفّار في الدعاء والصلاة عليه ودفنه ونحو ذلك ونَكِلُ أمره إلى الله .
أمّا إذا دخل الشخص في الإسلام عن اعتقاد ويقين ونطق بالشهادتين فإنه يكون مسلما حتى ولو لم يسجّل إسلامه رسميا ، ولو لم يراجع محكمة أو مركزا إسلاميا ليأخذ وثيقة بذلك ، وحتى ولو لم يُشهره أمام الملأ ، ولو مات مثل هذا الشخص فإننا نرجو له الجنة وندعو له بالرحمة .والله بصير بالعباد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
تريد أن تُسلم وهي وحيدة في بلدها
…سؤال رقم 861
…سؤال:
السؤال : أريد أن أعرف أكثر عن اعتناق الإسلام. أنا أعيش في منطقة ليس فيها مسلمون على الإطلاق ولا مساجد ولا مجموعات دراسة ولا شيء. ما أفضل طريقة لأبدأ التعلم؟ وماذا ينبغي أن أعرف؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله(5/7)
ما دمت قد عرفت أيتها السائلة الكريمة أنّ الإسلام هو دين الحقّ والصراط المستقيم فإنّه يجب عليك المسارعة إلى الدخول فيه والابتداء في ممارسة الفرائض الإسلامية كالصلاة وغيرها وحبّك لتعلّم الإسلام أمر جميل تُشكرين عليه ولكنك تشكين عدم وجود الوسط المعين والبيئة الصّالحة ، ولا شكّ أنّ هذه مشكلة ولكنّك ستستطيعين التغلّب عليها إن شاء الله فعندك عدد من الصّفحات الإسلامية في شبكة الإنترنت تستطيعين من خلالها الحصول على مزيد من العلم والفائدة ، ثمّ تستطيعين مراسلة بعض الهيئات ودور النّشر الإٍسلامية للحصول على بعض الكتب المفيدة عن دين الإسلام وقد يكون موجودا في مدينتك أو في مدينة قريبة منك مركز إسلامي تستطيعين الذهاب إليه ولو مرة في الشّهر للتعرّف على أخواتك المسلمات للتواصي معهن على الحقّ والخير وربما تستطيعين استخدام هذه الشبكة في البحث عن عناوين المراكز الإسلامية في كلّ ولاية أو مدينة .
وإذا أمكنك الانتقال إلى بلد فيها جالية إسلامية أو مركز إسلاميّ على منهج سليم فهذا أمر طيب ، وعلى كلّ حال فلنفرض أنّك لم تجدي مسلما واحدا فإنّ هذا لا يمنعك أبدا من البقاء على الإسلام صلتك دائمة بربك تعبدينه وتناجينه وتسألينه الهداية والثبات وتشعرين من خلال الصلاة له بالأنس به واللجوء إليه ما يعوّضك عن كلّ أحد ويزيل وحشتك وعدم لقائك بالأخوات في العقيدة والدّين ، كما أنّ بعض الصحابة الذين أسلموا في صدر الإسلام بقوا في أقوامهم وقبائلهم وحيدين منفردين كلّ واحد يعبد الله في مكانه حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فهاجروا إليه وعاونوه على إقامة دولة الإسلام .
نسأل الله لك الهداية إلى الحقّ وسرعة الاستجابة لله ورسوله والسعادة لك في الدنيا والآخرة .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
===========
مراجع علمية ( فيديو - أشرطة - كتب ) لغير المسلمين
…سؤال رقم 7182
…سؤال:
يسعدني كثيرا أن أكتب إليك هذه الرسالة التي أريد من ورائها أن أسألك المساعدة والرأي .
بدأنا في المدينة التي نسكن بها مشروعا جديدا أسميناه "مركز المعلومات الإسلامية" بهدف تعريف غير المسلمين بالإسلام. ونحن نحاول الآن أن نحصل على بعض المعلومات حول أفضل المواد المناسبة لهذا الغرض. بدأت الخطة بالحصول على تلك المعلومات كخطوة أولى وإن شاء الله سنتبعها بالحصول على المزيد من نسخ المواد المناسبة وتوزيعها على المكتبات العامة وغيرها من الأماكن في مدينتنا. ونحن نعتقد أن تلك المواد يجب أن تتضمن ما يلي: كتاب أو كتابين، شريط مسجل أو شريطين، شريط فيديو أو شريطين. وسؤالي الآن هو :
في رأيك : ما هو أفضل كتاب مناسب (ما هما أفضل كتابين، كحد أقصى، مناسبين) لغير المسلمين ؟
ما هو أفضل شريط مسجل مناسب (ما هما أفضل شريطي مسجل، كحد أقصى، مناسبين) لغير المسلمين ؟
ما هو أفضل شريط فيديو مناسب (ما هما أفضل شريطي فيديو، كحد أقصى، مناسبين) لغير المسلمين ؟
أظن أن المواد المناسبة يجب أن تكون :
أ ) مشوقة
ب) مختصرة
ج) بسيطة دون ضعف في المادة
سأكون شاكرا لكم لو أجبتم على استفساراتي المدرجة أعلاه .
الجواب:
أولاً :
بالنسبة للكتب التي ننصح بها لغير المسلمين :
1. " كيف تدخل في الإسلام " لمؤلفه محمد سليمان الأشقر .
2. " لا تحزن " ، للشيخ عائض القرني .
ثانياً :
وأما بالنسبة للأشرطة ، فالتي ننصح بها :
1. " دعوة للتأمل " ، للشيخ علي القرني .
ثالثاً :
وبالنسبة لأشرطة الفيديو ، فننصح بـ :
1. " إنه الحق " ، للشيخ عبد المجيد الزنداني .
2. " مناظرات أحمد ديدات " ، للشيخ أحمد ديدات .
وفقكم الله لما يحب ويرضى
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===========
نصرانية مهتمة بالإسلام ولكنها تعترض على تطويق المرأة بالأحكام الشرعية
…سؤال رقم 6581
…سؤال:
منذ سنوات قليلة وأنا مهتمة بالإسلام ولكن لست أدري كيف أتوسع في الإطلاع والقراءة ، عمري تقريباً 50 سنة وقد نفرت من الإسلام قليلاً بسبب تطويق ومحاصرة المرأة (كما يبدو لي ) . كيف أدخل في الإسلام لأدرسه ؟.
الجواب:
الحمد لله
إن معرفة ما تحتاجه المرأة متفاوت في العقول البشرية ، والمرأة عادة تخضع لتعاليم وأنظمة وعادات مجتمعها بحُلوِها ومرِّها ، وكثير من أنظمة المجتمعات غير الإسلامية وعاداتها وأنماط حياتها فيها جناية على المرأة ؛ والمتأمل فيها يجد أنّ القصد منها جعل المرأة مجالا لاستمتاع الرجل تحت شعار الحرية وهذا أمر مناف للدين الصحيح ومضادّ لما يقتضيه العقل والحكمة .
فهل من الحكمة أو الإنصاف أن يشارك في درة ثمينة شركاء عدة مع إمكان استحواذ واحد عليها يحفظها ؟ وهل مِن الحكمة كشف العورات لمجرد متعة زائلة ؟
وهل مِن الحكمة فتح أبواب الإثارة والاختلاط وكشف المرأة زينتها ليقع معها من يقع في الفاحشة التي تؤدي إلى شيوع الأمراض وكثرة أولاد الحرام واختلاط الأنساب؟ وهل من الحكمة تكليف المرأة بالعمل خارج البيت مما يترتب عليه إهمال البيت ومزاحمة الرجال وتضييع الأولاد ثم هي لا تُطيق ذلك لا نفسيا ولا جسميا .(5/8)
وانظري إلى هذه المقارنة البسيطة بين حال المرأة في الإسلام وحالها في غيره من الأنظمة والأديان :
أولاً : الإسلام حرر المرأة من عبودية الخلق والهوى ، وغير الإسلام عبَّدها للشيطان والهوى .
ثانياً : الإسلام حفظ لها عرضها وكرامتها ، وغير الإسلام بذل عرضها وكرامتها .
ثالثاً : الإسلام جعل الإنفاق على المرأة واجباً لسترها ، وغير الإسلام جعلها سلعة يُتاجر بها وكلّفها شططا بالإنفاق على نفسها والخروج للعمل .
رابعاً : الإسلام حفظ المرأة صغيرة ، وكرَّمها كبيرة ، وغير الإسلام جعل ذلك عبئاً على المجتمع .
خامساً : الإسلام حفظ للمرأة مالها ، ونسلها ، وحياتها ، ونظمها لها ، وغير الإسلام أضاع كل ذلك .
فعليك أولاً: بقراءة كتاب الله عز وجل والنظر في تفسيره كتفسير ابن كثير ، ثم القراءة في صحيحي البخاري ومسلم ، وسماع الأشرطة الإسلامية وخصوصاً التي من مشايخ أهل السنَّة .
وثانياً : عليك بالذهاب إلى أقرب المراكز الإسلامية لأهل السنّة لتتعرفي عندهم على برامج تعليم المرأة .
وثالثاً : يمكنك الاستفادة من المواقع الإسلامية الكثيرة على الإنترنت ، والتي تقدم لك الإسلام الصافي ، وتجيبك على تساؤلاتك ، ويمكنك مراسلة بعض المؤسسات الإسلامية المعتمدة عند أهل السنة لتزويدك بالكتب والمجلات النافعة لك ، مثل مؤسسة الحرمين ، والندوة العالمية للشباب المسلم - ويوجد قسم خاص بالنساء - .
ورابعاً : تعرفي على أخوات مسلمات يمكنهن تقديم المعونة لك ، وإرشادك على ما يصلح قلبك وحالك ، حيث إن المرأة أقرب إلى فهم بنات جنسها من الرجال .
وخامساً : احذري الاغترار ببعض من ينتسب إلى الإسلام ، وهو بريء منه ، مثل القاديانية ، والشيعة ، والبهائية ، والصوفية .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
=============
الدعاء للكفار بالهداية
…سؤال رقم 43164
…سؤال:
قرأت إجابة السؤال رقم (4569) . وجاء في الإجابة دعاء الشيخ بأن يهدي الله الرافضة ، فهل هذا يليق ؟ فالدعاء للمشركين لا يجوز . .
الجواب:
الحمد لله
أولاً : نشكر للأخ السائل هذا الاهتمام وسؤاله عما يستشكله في بعض الإجابات .
ثانياً : للوقوف على حكم الرافضة وبعض أقوالهم يراجع السؤال رقم ( 1148 ) و ( 10272 ) .
ثالثاً : الاستغفار للمشركين لا شك أنه محرم ، وقد دل على تحريمه الكتاب والسنة .
قال الله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) التوبة / 113-114 .
قال السعدي رحمه الله :
يعني : ما يليق ولا يحسن بالنبي والمؤمنين به " أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ " أي : لمن كفر بهُ وعبد معه غيره " وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" . . .
ولئن وجد الاستغفار من خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لأبيه فإنه "عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ " في قوله "سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" وذلك قبل أن يعلم عاقبة أبيه.
فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو للّهُ سيموت على الكفر ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير "تَبَرَّأَ مِنْهُ" موافقة لربه وتأدبا معه.
"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ" أي: رجَّاع إلى اللّه في جميع الأمور كثير الذكر والدعاء والاستغفار والإنابة إلى ربه.
"حَلِيمٌ" أي: ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات لا يستفزه جهل الجاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه فأبوه قال له: "لَأَرْجُمَنَّكَ" وهو يقول له: "سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي" اهـ .
وروى البخاري (3884) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرض الإسلام على عمه أبي طالب وهو يموت، فأبى ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ . فَنَزَلَتْ : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) وَنَزَلَتْ : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) .
قال الحافظ :
( مَا لَمْ أَنَّهُ عَنْهُ ) أَيْ : الاسْتِغْفَار , وَفِي رِوَايَة : (عَنْك) اهـ .
وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي .
قال النووي رحمه الله :
فِيهِ : النَّهْي عَنْ الاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ اهـ .(5/9)
وواضح من هذين الحديثين أن النهي إنما هو عن الاستغفار لهم وهو طلب المغفرة ، ومثله الدعاء لهم بدخول الجنة أو النجاة من العذاب .
والحكمة من هذا النهي :
"أن الاستغفار لهم في هذه الحال ( أي في حال تبين أنهم أصحاب الجحيم ) غلط غير مفيد فلا يليق بالنبي والمؤمنين لأنهم إذا ماتوا على الشرك أو علم أنهم يموتون عليه فقد حقت عليهم كلمة العذاب ووجب عليهم الخلود في النار ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين ولا استغفار المستغفرين .
وأيضا : فإن النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معهُ عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبهُ ويوالوا من والاه اللّهُ ويعادوا من عاداه اللّهُ والاستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار مناف لذلك مناقض له" اهـ . قاله السعدي رحمه الله .
وليس الدعاء للكفار بالهداية مما يشمله النهي عن الاستغفار لهم .
وقد ثبت دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض الكفار بالهداية .
قال البخاري رحمه الله في "الصحيح" : بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ . ثم ذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ . رواه البخاري (2937) ومسلم (2524) .
قال الحافظ في "فتح الباري" :
ذَكَرَ البخاري حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي قُدُومِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرو الدَّوسِيِّ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوسًا" وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ . وَقَوْلُه : "لِيَتَأَلَّفَهُمْ" مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَارَةً يَدْعُو عَلَيْهِمْ ، وَتَارَةً يَدْعُو لَهُمْ ، فَالْحَالَة الأُولَى حَيْثُ تَشْتَدُّ شَوْكَتُهُمْ ، وَيَكْثُرُ أَذَاهُمْ ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ ، وَيُرْجَى تَأَلُّفُهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ دَوْسٍ اهـ .
وروى الترمذي (2739) عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ : كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ ، فَيَقُولُ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ . صححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال الحافظ :
حَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ (يعني : الكفار) يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الأَمْر بِالتَّشْمِيتِ , لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلا مَانِع مِنْ ذَلِكَ , بِخِلافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلافِ الْكُفَّار اهـ .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
تريد الإسلام وهناك معارضة منِ أمها وجدتها
…سؤال رقم 31796
…سؤال:
لقد كنت أفكر في اعتناق الإسلام منذ بلوغي الحادية عشرة من عمري . الآن أصبح عمري 14 عاماً وأنا متأكدة من أن هذا ما أريده في هذه الحياة . لقد تعلمت كل كلمات الصلاة ( أذكار الصلاة ) وسورة الفاتحة وحاولت أن أمارسها لكنني لا زلت مشوشة فيما يتعلق بحركات وأوضاع الصلاة . كما أنني اخترت لنفسي اسماً إسلامياً .
لقد أخبرت أمي عن معتقداتي لكنها كاثوليكية ولذلك فهي تعارض دخولي في الإسلام .
ليس لدي أصدقاء مسلمين ولذلك لا يوجد من ينصحني . تقول والدتي أن علي الانتظار حتى أبلغ السادسة عشرة أما في الوقت الحالي فيجب علي الذهاب للكنيسة وما إلى ذلك .
أعلم أنني جاهزة لدخول الإسلام لكن في كل مرة أذكره فيها تقول لي جدتي - التي تسكن معنا أيضاً - أنني أسبب لهم المتاعب وأنهم لا ينتمون إلى بريطانيا . وهذا يزعجني ويضايقني لكني لا أريد أن أصرخ في وجهها لأني أعلم أن عدم احترامها يخالف الإسلام .
أرغب في الإعلان عن معتقداتي بوضوح لأصدقائي لكن جدتي تقول إن معاملة الناس لي ستختلف وسأصبح منبوذة . لقد فكرت في اعتناق الإسلام سراً لكن هذا لن يتيح لي الذهاب للمسجد وحدي ولن يكون مسموحاً لي أن أرتدي الحجاب أو أن أصلي الفروض الخمسة من قبل مدرستي . لا أدري ماذا أفعل . أرجوكم ساعدوني !!!
الجواب:
الحمد لله
لقد حمل لنا سؤالك في هذا الصباح أنباء سارة ، وأثلج صدورنا . ولله الحمد ما قرأناه في سؤالك ، وفهمنا المتاعب التي تواجهينها ونحن نعيشها معك الآن من خلال الإجابة على سؤالك والمساهمة في تقديم حلول للمشكلة التي تعانين منها ، وعجبنا من حفظك لكل كلمات الصلاة وسورة الفاتحة رغم أن لغتك هي الإنجليزية وتعرفك على الله منذ أن كنت في الحادية عشر من العمر وزيادة يقينك واقتناعك بالإسلام بعد مضي ثلاث سنوات وأنت الآن في الرابعة عشر من العمر فنقول وبالله التوفيق :(5/10)
الإنسان إذا آمن بشيء فإنه سيكون على استعداد للتضحية من أجله فكيف إذا كان هذا الشيء هو توحيد الله وعبادته وإتباع رسوله وتنفيذ أوامره فلا شك أن التضحية عندئذ ستكون أعظم وأعظم . وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الجنة حفت بالمكاره ومعنى ذلك أنه ليس لنا طريق إلى الجنة إلا باقتحام الصعاب وتحمل المشاق والمكاره ولأن سلعة الله غالية ونعيمه كبير لا ينفد والحياة فيها خالدة واللذات فيها دائمة فإن المسلم الحق سيكون على استعداد للتضحية بأمور كثيرة من الدنيا الفانية الزائلة من أجل ذلك النعيم وسيكون مستعداً لتحمل أذى الناس والصبر على سبهم وشتمهم وانتقادهم وسخريتهم من أجل الحصول على ذلك النعيم وهناك أمر آخر جميل في هذا الموضوع وهو أنه كلما أوذي وصبر فسيزداد أجراً وسيرتفع درجات ٍعند رب العالمين بل إنه قد يزيد إيمانه ويقوى بحيث أنه يتلذذ بالصبر على مرارته من أجل مرضات الله ، وحلاوة السعي لرضا الرب ستنسيه مرارة غضب الناس وإيذائهم وانتقاداتهم وإذا كان الأذى بعض الكلمات التي سيسمعها من السخرية أو الاستهزاء أو الانتقاد فماذا عليه لو تحمل من أجل تحقيق رضا الرب والحصول على ثوابه وهو في كل ذلك يؤمن بموعود الله الذي قال في كتابه العزيز : ( والعاقبة للمتقين ) ويعلم بأن الصبر لا يمكن أن يتحقق إلا بمدد من الله فيطلب منه العون والتثبيت قال تعالى : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) وهو مستعد أن يُعلن الحق للناس رضي من رضي وأبى من أبى ، فإذا رفضوه أعرض عنهم وتركهم كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( فاصدع بما تُؤمر واعرض عن المشركين ) ، وقال تعالى : ( واعرض عن الجاهلين ) إن الكلمات الجارحة من الأقارب ثقيلة على النفس وأشد عليها من وقع السلاح ولكن من استحضر عظمة الله وثوابه هان عليه ذلك ومضى في طريقه لا يلتفت ولا يتردد وبعد هذا التوضيح نتم لك الإجابة على سؤالك في النقاط التالية :
أولاً : أحسنت بعدم رفع صوتك على جدتك لأن احترام الوالدين والجد والجدة هو من دين الإسلام .
ثانياً : حاولي مقاومة الذهاب إلى الكنيسة ما أمكنك ذلك لأنه مكان يُكفر فيه بآيات الله ويُعلن الشرك بالله ، ويُجهر فيه بدين باطل ، وحيث أنك أنثى فإنه لا يجب عليك الذهاب إلى المسجد مثل الرجال ، ولن تكوني مقصرة عندما لا تذهبين إلى المسجد لأن أفضل مكان للصلاة بالنسبة للمرأة هو بيتها .
ثالثاً : جاهدي قدر استطاعتك ارتداء الحجاب واحتملي الأذى في سبيل الله ، واصبري على أداء الفروض الخمسة في أوقاتها علماً بأنها لا تتعارض كلها مع وقت المدرسة فإنك إذا صليت الصبح بعد طلوع الفجر ثم ذهبت إلى المدرسة فإنك تستطيعين القيام بصلاة الظهر قبل دخول وقت العصر في المدرسة وستجدين وقتاً لذلك في فسحةٍ بين الحصص أو وقت الغداء أو بعد الرجوع إلى البيت والمهم أن تقع صلاة الظهر بعد زوال الشمس وقبل دخول صلاة العصر .
رابعاً : إذا أحسنت معاملة الناس فستكسبينهم في النهاية ولن تصبحي منبوذة بإذن الله .
خامساً : لا تتأخري في الدخول إلى الإسلام ولا تنتظري لحظة فإنك لا تعرفين متى يأتي الموت فانطقي بالشهادتين وأدي الصلاة فستتعودين عليها بعدد ركعاتها وأوقاتها وأذكارها وبممارستها مع مرور الوقت سيزول التشويش الذي تشعرين به في سؤالك ، وما دمتِ جاهزة للدخول في الإسلام فإنك ولله الحمد لا تحتاجين لموافقة أم ولا جدة ولا غيرهما مادام الله قد أمرك باتباع دينه ، قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه )
سادساً : ابحثي عن أخوات مسلمات لمصاحبتهن ومصادقتهن والاتصال بهن ليكُنَّ عوناً لك وسنداً لتعلم الدين والثبات عليه وفيما يلي رقم هاتف المنتدى الإسلامي في مدينة لندن للاستعلام عن مواعيد الدروس النسائية لعله يكون لك انطلاقاً من ذلك المكان حيث أنك تسكنين في بريطانيا (7369060 ).
وأخيراً : فإننا نكرر إعجابنا وفرحنا بما ورد في سؤالك ، ونستبشر لك بحياة سعيدة ومستقبل جميل في ظل الدين الإسلامي الحنيف ، ونحن على استعداد لمساعدتك في كل ما يمكننا القيام به .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
===========
تريد الإسلام وهناك معارضة منِ أمها وجدتها
…سؤال رقم 31796
…سؤال:
لقد كنت أفكر في اعتناق الإسلام منذ بلوغي الحادية عشرة من عمري . الآن أصبح عمري 14 عاماً وأنا متأكدة من أن هذا ما أريده في هذه الحياة . لقد تعلمت كل كلمات الصلاة ( أذكار الصلاة ) وسورة الفاتحة وحاولت أن أمارسها لكنني لا زلت مشوشة فيما يتعلق بحركات وأوضاع الصلاة . كما أنني اخترت لنفسي اسماً إسلامياً .
لقد أخبرت أمي عن معتقداتي لكنها كاثوليكية ولذلك فهي تعارض دخولي في الإسلام .
ليس لدي أصدقاء مسلمين ولذلك لا يوجد من ينصحني . تقول والدتي أن علي الانتظار حتى أبلغ السادسة عشرة أما في الوقت الحالي فيجب علي الذهاب للكنيسة وما إلى ذلك .(5/11)
أعلم أنني جاهزة لدخول الإسلام لكن في كل مرة أذكره فيها تقول لي جدتي - التي تسكن معنا أيضاً - أنني أسبب لهم المتاعب وأنهم لا ينتمون إلى بريطانيا . وهذا يزعجني ويضايقني لكني لا أريد أن أصرخ في وجهها لأني أعلم أن عدم احترامها يخالف الإسلام .
أرغب في الإعلان عن معتقداتي بوضوح لأصدقائي لكن جدتي تقول إن معاملة الناس لي ستختلف وسأصبح منبوذة . لقد فكرت في اعتناق الإسلام سراً لكن هذا لن يتيح لي الذهاب للمسجد وحدي ولن يكون مسموحاً لي أن أرتدي الحجاب أو أن أصلي الفروض الخمسة من قبل مدرستي . لا أدري ماذا أفعل . أرجوكم ساعدوني !!!
الجواب:
الحمد لله
لقد حمل لنا سؤالك في هذا الصباح أنباء سارة ، وأثلج صدورنا . ولله الحمد ما قرأناه في سؤالك ، وفهمنا المتاعب التي تواجهينها ونحن نعيشها معك الآن من خلال الإجابة على سؤالك والمساهمة في تقديم حلول للمشكلة التي تعانين منها ، وعجبنا من حفظك لكل كلمات الصلاة وسورة الفاتحة رغم أن لغتك هي الإنجليزية وتعرفك على الله منذ أن كنت في الحادية عشر من العمر وزيادة يقينك واقتناعك بالإسلام بعد مضي ثلاث سنوات وأنت الآن في الرابعة عشر من العمر فنقول وبالله التوفيق :
الإنسان إذا آمن بشيء فإنه سيكون على استعداد للتضحية من أجله فكيف إذا كان هذا الشيء هو توحيد الله وعبادته وإتباع رسوله وتنفيذ أوامره فلا شك أن التضحية عندئذ ستكون أعظم وأعظم . وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الجنة حفت بالمكاره ومعنى ذلك أنه ليس لنا طريق إلى الجنة إلا باقتحام الصعاب وتحمل المشاق والمكاره ولأن سلعة الله غالية ونعيمه كبير لا ينفد والحياة فيها خالدة واللذات فيها دائمة فإن المسلم الحق سيكون على استعداد للتضحية بأمور كثيرة من الدنيا الفانية الزائلة من أجل ذلك النعيم وسيكون مستعداً لتحمل أذى الناس والصبر على سبهم وشتمهم وانتقادهم وسخريتهم من أجل الحصول على ذلك النعيم وهناك أمر آخر جميل في هذا الموضوع وهو أنه كلما أوذي وصبر فسيزداد أجراً وسيرتفع درجات ٍعند رب العالمين بل إنه قد يزيد إيمانه ويقوى بحيث أنه يتلذذ بالصبر على مرارته من أجل مرضات الله ، وحلاوة السعي لرضا الرب ستنسيه مرارة غضب الناس وإيذائهم وانتقاداتهم وإذا كان الأذى بعض الكلمات التي سيسمعها من السخرية أو الاستهزاء أو الانتقاد فماذا عليه لو تحمل من أجل تحقيق رضا الرب والحصول على ثوابه وهو في كل ذلك يؤمن بموعود الله الذي قال في كتابه العزيز : ( والعاقبة للمتقين ) ويعلم بأن الصبر لا يمكن أن يتحقق إلا بمدد من الله فيطلب منه العون والتثبيت قال تعالى : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) وهو مستعد أن يُعلن الحق للناس رضي من رضي وأبى من أبى ، فإذا رفضوه أعرض عنهم وتركهم كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( فاصدع بما تُؤمر واعرض عن المشركين ) ، وقال تعالى : ( واعرض عن الجاهلين ) إن الكلمات الجارحة من الأقارب ثقيلة على النفس وأشد عليها من وقع السلاح ولكن من استحضر عظمة الله وثوابه هان عليه ذلك ومضى في طريقه لا يلتفت ولا يتردد وبعد هذا التوضيح نتم لك الإجابة على سؤالك في النقاط التالية :
أولاً : أحسنت بعدم رفع صوتك على جدتك لأن احترام الوالدين والجد والجدة هو من دين الإسلام .
ثانياً : حاولي مقاومة الذهاب إلى الكنيسة ما أمكنك ذلك لأنه مكان يُكفر فيه بآيات الله ويُعلن الشرك بالله ، ويُجهر فيه بدين باطل ، وحيث أنك أنثى فإنه لا يجب عليك الذهاب إلى المسجد مثل الرجال ، ولن تكوني مقصرة عندما لا تذهبين إلى المسجد لأن أفضل مكان للصلاة بالنسبة للمرأة هو بيتها .
ثالثاً : جاهدي قدر استطاعتك ارتداء الحجاب واحتملي الأذى في سبيل الله ، واصبري على أداء الفروض الخمسة في أوقاتها علماً بأنها لا تتعارض كلها مع وقت المدرسة فإنك إذا صليت الصبح بعد طلوع الفجر ثم ذهبت إلى المدرسة فإنك تستطيعين القيام بصلاة الظهر قبل دخول وقت العصر في المدرسة وستجدين وقتاً لذلك في فسحةٍ بين الحصص أو وقت الغداء أو بعد الرجوع إلى البيت والمهم أن تقع صلاة الظهر بعد زوال الشمس وقبل دخول صلاة العصر .
رابعاً : إذا أحسنت معاملة الناس فستكسبينهم في النهاية ولن تصبحي منبوذة بإذن الله .
خامساً : لا تتأخري في الدخول إلى الإسلام ولا تنتظري لحظة فإنك لا تعرفين متى يأتي الموت فانطقي بالشهادتين وأدي الصلاة فستتعودين عليها بعدد ركعاتها وأوقاتها وأذكارها وبممارستها مع مرور الوقت سيزول التشويش الذي تشعرين به في سؤالك ، وما دمتِ جاهزة للدخول في الإسلام فإنك ولله الحمد لا تحتاجين لموافقة أم ولا جدة ولا غيرهما مادام الله قد أمرك باتباع دينه ، قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه )
سادساً : ابحثي عن أخوات مسلمات لمصاحبتهن ومصادقتهن والاتصال بهن ليكُنَّ عوناً لك وسنداً لتعلم الدين والثبات عليه وفيما يلي رقم هاتف المنتدى الإسلامي في مدينة لندن للاستعلام عن مواعيد الدروس النسائية لعله يكون لك انطلاقاً من ذلك المكان حيث أنك تسكنين في بريطانيا (7369060 ).(5/12)
وأخيراً : فإننا نكرر إعجابنا وفرحنا بما ورد في سؤالك ، ونستبشر لك بحياة سعيدة ومستقبل جميل في ظل الدين الإسلامي الحنيف ، ونحن على استعداد لمساعدتك في كل ما يمكننا القيام به .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
===========
مسلم جديد يريد أن يتعلم الدين
…سؤال رقم 20267
…سؤال:
سؤالي يتضمن أشياء كثيرة . دخلت الإسلام حديثاً جداً منذ فترة قصيرة جداً وفي البداية كنت أحافظ على كل الصلوات قدر استطاعتي (أنا لا أعلم اللغة العربية) وقال لي شخص إنني يجب فقط أن أتكلم باللغة العربية … فتوقفت عن الصلاة في نهاية الأمر …. وأنا أفكر في ربي عدة مرات كل يوم …. وأتبع تعاليم الإسلام … ولكنني لا أستطيع أن أتوقف عن بعض الأشياء التي أعلم أنها خاطئة …. ومنذ أن هداني الله فقد بدلت حياتي للأفضل كثيراً وأنا الآن أسعد حالاً مما كنت لسنوات طوال . فقد كنت أشرب الخمر حتى الثمالة كل يوم وأنا الآن تقريبا لا أشرب مطلقا وكنت أقامر بأموالي كلها والآن توقفت عن ذلك تقريبا بالكلية وعندما أفعل هذه الأشياء الخاطئة أشعر بأنها خطأ وأنني لا أريد أن أعود لسابق عهدي وأشعر أن الله يهديني بطرق لا أعرفها .. أنا لا أشعر بالذنب ولكنني أشعر لماذا أفعل هذا .. وقد سألت عدة مسلمين أعمل معهم وحتى شخص قابلته على شبكة الإنترنت سألتهم أن يعلموني الصلاة بالكيفية الصحيحة ويساعدوني في أمور أخرى .. ولكن ولأنني استرالي فهم لا يشعرون أنني جاد في إسلامي … لذا كانوا مترددين . أنا لست شخصاً جيداً على ما أعتقد .. ولكنني أفضل حالاً بكثير مما كنت عليه من قبل وبعون الله وهدايته أعلم أنني أستطيع أن أنجح … ما زال أمامي الكثير لأتعلمه … من فضلك انصحني .. هل يجب علي أن أحاول بمفردي أم أظل أطلب المساعدة من المسلمين رغم أنهم لا يبدو أنهم يريدون مساعدتي .
الجواب:
الحمد لله
الحمد لله أولاً وأخراً .. والشكر له دائماً وأبداً .. يمنُّ على من يشاء بالهداية .. وينعم على من شاء بالسعادة .. ويُنجي عبده من الضلالة .. وينصر أولياءه إلى قيام الساعة .
أيها الأخ المسلم .. هنيئاً لك على نعمة الهداية .. ونسأل الله لك الثبات حتى الممات .
لقد كان إنجازاً عظيماً حين قررت أن تعتنق دين الإسلام ، وأن تترك الضلال الذي نشأت عليه ، وتجتنب الشرك الذي نُهيت عنه ، فأهلاً بك أخاً جديداً للمسلمين ، ومرحباً بك زائراً كريماً في هذا الموقع .
في البداية .. نذكرك بأن الإنسان في هذه الدنيا يمرُّ بامتحان عظيم ، وبلاءٍ جسيم ، يحتاج معه إلى الصبر والثبات ، والعزم حتى الممات ، ( يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه ) .
ومن جملة ما ابتلى الله به عباده ما افترض عليهم من الفرائض والواجبات كالصلوات والصوم والزكاة والحج وسائر العبادات ، وما نهاهم عنه من الكذب والغش والزنا واللواط وسائر المحرمات ، ليرى المؤمن الصادق الذي ينفذ أمر الله فيدخله الجنة ، ويرى الكاذب المنافق الذي يترك طاعة الله فيدخله الله النار .
فاحرص - وفقك الله - على بذل الجهد في تعلم أمر الله لتفعله ، وتعلم ما حرم الله لتجتنبه .
والأوامر كثيرة ، والنواهي مثلها , وتعدادها أو شرحها في مكان واحد متعذر ، ولكنَّا نُحيلُك على ما ورد في موقعنا هذا من الأسئلة التي اشتملت على تعاليم الدين الحنيف ، فلعلك أن تتصفحها ، وتقرأ ما ورد فيها لعل الله أن ينفعك بها .
وأما ما ذكرته في سؤالك من أنه يجب عليك أن تتعلم اللغة العربية ، فهذا صحيح ولكن ليس كل اللغة ، بل الواجب تعلم ما تحتاج إليه في أُمور دينك انظر السؤال (6524) ، وعدم معرفتك للغة العربية ليس مسوغاً لترك الصلاة لأنك تستطيع أن تتعلم ما تحتاجه في صلاتك في وقت يسير ، وإلى أن تتعلمه فعليك أن تحافظ على الصلاة في وقتها ، وتصلي حسب استطاعتك ، و( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .
وأما كيفية الصلاة فستجد الجواب في الموقع برقم (13340) ، وانظر للفائدة (8580) و(2427) و (11040) .
وختاماً ننصحك أيها الأخ بالبحث عن مركز إسلامي في بلدك ، ومصاحبة المسلمين المتمسكين بدينهم ، ولا تنسَ متابعة المواقع الموثوقة ، والحرص على الاستفادة منها بقدر الإمكان ، كما نفيدك بأننا نَسْعَدُ بخدمتك وخدمة أمثالك ممن يحرصون على ما ينفعهم ، وسنقدم لكم ما نستطيع من التوجيه والإرشاد ، فكن معنا على اتصال ، والله يحفظك ويرعاك ، والسلام .
الإسلام سؤال وجواب
=============
بماذا يبدأ من أراد الدعوة ؟
…سؤال رقم 1703
…سؤال:
إذا أراد الإنسان أن يدعو إنساناً آخر كيف يبدأ معه وبماذا يكلمه ؟
الجواب:
الحمد لله
كأن السائل يريد أن يدعو إلى الله ، والدعوة إلى الله لا بد أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة ولين الجانب وعدم التعنيف واللوم والتوبيخ .(5/13)
ويبدأ بالأهم فالأهم . كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث رسله إلى الآفاق آمرهم أن يبدؤوا بالأهم فالأهم وقد قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : ( ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله ، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإذا أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) ، فيبدأ بالأهم فالأهم ويتحين الفرص والوقت المناسب وإيجاد المكان المناسب لدعوتهم . فقد يكون من المناسب أن يدعوه إلى بيته ويتكلم معه ، وقد يكون من المناسب أن يذهب هو إلى بيت الرجل ليدعوه ، ثم يكون من المناسب أن يدعوه في وقت دون وقت ، فعلى كل حال المسلم العاقل البصير يعرف كيف يتصرف في دعوة الناس إلى الحق .
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله -
============
بماذا يبدأ الدعاة في الدعوة إلى الله
…سؤال رقم 10261
…سؤال:
تختلف الجماعات الإسلامية هنا في البدايات التي يجب على الدعاة البدء بها ، هل هي الجانب السياسي أو العقائدي أو الأخلاقي .. فما هي الأمور التي ترون أن يبدأ بها ؟.
الجواب:
يشرع البدء بالعقيدة كما بدء بها النبي صلى الله عليه وسلم وبدأت بها الرسل ، ولحديث معاذ : " إنك ستأتي أقواماً من أهل الكتاب ، فإذا جئتهم فادعهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم إن الله قد فرض عليهم صدقة تأخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوك بذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " ، إذا كان المدعوون كفاراً ، أما إذا كان المدعوون مسلمين فإنهم يبين لهم ما جهلوا من أحكام دينهم ، وما قصروا فيه ، ويعتنى بالأهم فالأهم .
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 238.
=============
كيف تخدم الإسلام
…سؤال رقم 22154
…سؤال:
أريد أن أخدم ديني فماذا أفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
1- تخدم الإسلام إذا صح منك العزم وصدقت النية : فإن الله عز وجل يبارك في العمل الخالص لوجهه الكريم حتى وإن كان قليلاً ، والإخلاص إذا تمكن من طاعة ما حتى وإن كانت قليلة أو يسيرة في عين صاحبها ولكنها خالصة لله تعالى يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله ، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة .
2- تخدم الإسلام إذا عرفت الطريق وسرت معه : الطريق المستقيم هو سلوك طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أمر الدعوة ومبتدئها ووسائلها وطرقها والصبر على ذلك مع الرفق بالناس ورحمتهم فهم مرضى المعاصي والذنوب .
3- تخدم الإسلام : إذا استفدت من جميع الظروف المتاحة والإمكانيات المتوفرة : وهذه نعمة عظيمة فكل الوسائل مباحة إلا ما حرمها الله عز وجل ، ونحن ندعو بكل الوسائل المشروعة مراعين الأدلة الشرعية والآداب المرعية .
4- تخدم الإسلام : إذا قدمت حظ الإسلام على حظوظك النفسية والمادية : خدمة هذا الدين معناه قيامك ببذل الغالي والنفيس من مال وجهد ووقت وفكر وغيرها ، أرأيت من يحب رياضة ( كرة القدم ) مثلاً ، كيف يُفرغ جهده ووقته وماله لمحبوبته تلك ! وأنت أولى بذلك منه ولا شك .
5- تخدم الإسلام : إذا سلكت سبل العلماء والدعاة والمصلحين : فاستصحب الصبر وتحمل التعب والنصب فأنت في عبادة عظيمة هي مهمة الأنبياء والمرسلين ومن سار على أثرهم .
6- تخدم الإسلام : إذا ابتعدت عن الكسل والضعف والخور : فإن هذا الدين دين العزيمة والهمة والشجاعة والإقدام ، ولا يضر الدعوة إلا خمول كسول ، أو متهور جهول .
7- تخدم الإسلام : إذا ربطت قلبك بالله عز وجل وأكثرت من الدعاء والاستغفار ومداومة قراءة القرآن ، فليس أنفع في جلاء القلوب وصقل الأرواح وجعلها تعمل ولا تكل ، وتكدح ولا تمل من الإكثار من ذكر الله عز وجل والتقرب إليه بالطاعات ونوافل العبادات .
8- تخدم الإسلام : إذا ارتبطت بالعلماء العاملين : الذين لهم قدم صدق وجهاد معلوم في نصرة هذا الدين ، فإن السير تحت علمهم وتوجيههم فيه خير عظيم ، ونفع عميم .
9- تخدم الإسلام : إذا نظمت الوقت بشكل يومي وأسبوعي وشهري : فهناك أعمال تقضيها في اليوم ، وأخرى في الأسبوع ، وثالثة شهرية ، ورابعة سنوية .
مثال اليومي : دعوة من تراهم كل يوم ، وأسبوعي : من تقابلهم كل أسبوع ، وشهري : مثل اجتماع الأسرة العائلي الشهري ، وسنوي : مثل اللقاءات الكبيرة السنوية أو السفر إلى الحج أو العمرة وهكذا .
10- تخدم الإسلام : إذا وهبته جزءاً من همك ، وأعطيته جزءاً من وقتك وعقلك وفكرك ومالك ، وأصبح هو شغلك الشاغل وهمك وديدنك ، فإن قمت فللإسلام ، وإن سرت فللإسلام ، وإن فكرت فللإسلام ، وإن دفعت فللإسلام ، وإن جلست فللإسلام .
11- تخدم الإسلام : كلما وجدت باباً من أبواب الخير سابقت إليه وسرت إلى الإسهام بالعمل فيه ... لا تتردد ولا تؤخر ولا تُسوف .
من كتاب كيف أخدم الإسلام لعبد الملك القاسم ص 18.
=============(5/14)
هل يجوز دخول الكنائس لأجل الدعوة ، أو لأجل الفرجة
…سؤال رقم 10108
…سؤال:
توجد هنا كنائس كثيرة ، فهل يجوز الدخول فيها ومناقشة القساوسة الذين فيها ؟ هل يجوز دخولها للنظر فيها ومعرفة ما يفعل هؤلاء ؟.
الجواب:
يجوز دخول الكنائس لأهل العلم لدعوة أهلها إلى الإسلام ، أما دخولها لأجل الفرجة فقط فلا ينبغي ؛ لأنه لا فائدة من ورائه ، ولأنه يُخشى على المسلم أن يتأثر بهم ، لا سيما إذا كان جاهلاً بأمور دينه ، ولا يستطيع رد الشبهة التي يوجهونها إليه .
من فتاوى اللجنة الدائمة 13/257.
=============
هل تقطع علاقتها مع بعض الكافرات أم تستغلها في الدعوة ؟
…سؤال رقم 69876
…سؤال:
أنا امرأة لي مراسلات مع أوربيات وأمريكيات عن طريق الإنترنت نقوم بتبادل الهدايا وأمور الخياطة وذلك منذ سنتين . حاولت مناقشتهن في الإسلام لكن توقفت خوفا من عدم تمكني من الدعوة وبالتالي الوقوع في الخطأ . ماذا تنصحني هل أقطع علاقتي بهن نهائيا أم أستمر بقصد دعوتهن للإسلام رغم الصعوبات وكيف أبدأ ؟ وهل تعتبر هذه العلاقة صداقة وما حكمها شرعا ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز للمسلم أو المسلمة اتخاذ صديق أو صديقة من غير المسلمين ؛ لنهي الله تعالى عن مودة الكافرين وموالاتهم واتخاذهم بطانة ، كما في قوله تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) المجادلة/22 ، وقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة/51 ، وقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) آل عمران/118 .
ثانيا :
يجوز للمسلم مراسلة هؤلاء ، وتقديم الهدايا لهم ، بغرض دعوتهم للإسلام ، وترغيبهم فيه ، بشرط أن يكون متحصنا بالعلم والإيمان ، متمكنا من الدعوة ، مطلعا على شبهات القوم وأساليبهم . أما غير المتمكن فليس له أن يزج بنفسه في هذا المجال ؛ لما قد يعترضه من الفتن ، أو يأتيه من الشبهات التي لا يقدر على ردها ، فيكون هذا سبب انحرافه وهلاكه ، عياذا بالله من ذلك .
ثالثا :
إذا كانت مراسلة هؤلاء تقتصر على تبادل أمور الخياطة ، والاستفادة منهم في ذلك من غير أن يصل الأمر إلى محبتهم ومودتهم وتهنئتهم بأعيادهم - مثلاً - فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود بيعاً وشراء .
بل لا حرج من تقديم بعض الهدايا لهم بشرط أن يكونوا غير محاربين للإسلام والمسلمين ، فإن الله تعالى قال : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة/8 .
قال السعدي رحمه الله (ص 1016) :
" أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم ، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم ، فليس عليكم جناح أن تصلوهم ، فإن صلتهم في هذه الحالة لا محذور فيها " انتهى .
رابعاً :
وسائل الدعوة كثيرة ومتنوعة ، منها :
1- الحوار المباشر ، وينبغي أن يرتكز على بيان محاسن الإسلام ، وحقيقة التوحيد ، وأهمية الإيمان ، وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم بيان بطلان ما سواه من الأديان الأخرى ، وما أصابها من التحريف والتغيير والتبديل .
2- إهداء الكتب والنشرات التي تتحدث عن الإسلام وترغب في الدخول فيه .
3- دلالة الآخرين على المواقع المختصة بتوضيح الإسلام ، والدعوة إليه ، والإجابة على شبهات المخالفين ، ومجادلتهم بالتي هي أحسن .
ولا بد أن يكون الداعي إلى الإسلام متحصنا بالعلم الشرعي والإيمان القوي الذي يقف في وجه الشبهات والشهوات ، وإلا فليدع المجال لغيره ، وليتق الله في نفسه ولا يوردها المهالك ، وليحذر المسلم أن يتسرب إلى قلبه شيء من مودة الكافر ومحبته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
-==============
حكم من لم تبْلُغْه دعوَة الإِسلام
…سؤال رقم 10134
…سؤال:(5/15)
أين يذهب من يقيمون في أبعد أماكن العالم؟ إلى الجنة أم إلى النار؟ مثل من يعيشون في الغابات وفي القطب الجنوبي. إنهم لم يتلقوا أي نبي ولم يخبرهم أي أحد عن الله أو الإسلام.
الجواب:
الحمد لله
أحسن ما قيل في هذا الصنف من الناس ، أنّهم يُمْتَحَنُونَ يوم القيامة ، فمن أطاع الأمر دخل الجنة ، ومن عصى دخل النار ، لقول الله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) الإسراء/15
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى 1/456.
==============
كيف يدعو المسلم المرأة الكافرة
…سؤال رقم 5656
…سؤال:
الجامعة التي أدرس فيها لا يوجد بها الكثير من المسلمين ، حتى المسلمين الموجودون ليس لديهم علم كثير.
الكثير من أصدقائي في الجامعة من غير المسلمين يسألونني أسئلة عن الإسلام وهذا عادة يحدث فيما بيننا بعيداً عن الناس فهل يجوز هذا لغرض إقناعهم بالإسلام .
الجواب:
الحمد لله
عليك بدعوة من تستطيع للإسلام والدخول في دين الله عزّ وجلّ وبيان قوة هذا الدّين وميزاته العظيمة ومناسبته للبشرية وما فيه من الحلول الناجحة لمشكلاتها وبيان وجوب اتّباعه لا اتّباع غيره ، كلّ ذلك بالعلم الصحيح والأدلة والبراهين التي تعرفها وأنت متأكّد منها ، كلّ ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وجدال الكافرين بالتي هي أحسن .
وينبغي أن تكون طريقتك وأساليبك في الدّعوة متقيّدة بأحكام الشريعة الإسلامية فلا يجوز - على سبيل المثال - أن تختلي بامرأة كافرة ولو لأجل الدّعوة وعليك أن تحذر من إقامة العلاقات مع النساء وأن تنتبه لمداخل الشّيطان الذي قد يدخل عليك من باب الدّعوة والتقرّب إلى الله بنصح الكافرات ثمّ ينتهي بك إلى الافتتان بهنّ ، فدعوة الكافرات إمّا أن تقوم بها النساء المسلمات أو يقدّمها الذَّكَر المسلم عن طريق توزيع الأشرطة أو الكتيّبات أو بإلقاء الكلمات والمحاضرات العامة دون تقصّد النّظر إلى النساء ، ونسأل الله لك التوفيق في دعوتك والتسديد في إجاباتك ، وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
قضاء المسلم الجديد للفروض الإسلامية
…سؤال رقم 2195
…سؤال:
دخل رجل الإسلام وعمره أربعون سنة هل يقضي ما فاته من الصلاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يقضي من أسلم ما فاته من الصلاة والصيام والزكاة أيام كفره ، لقوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) سورة الأنفال/38 . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام يجب ما قبله ) رواه مسلم في صحيحه/121 ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً ممن أسلم بقضاء ما فاته من شعائر الإسلام أيام كفره ولإجماع أهل العلم بذلك .
فتاوى اللجنة الدائمة 6/400.
===============
كيف يغيّر المسلم الجديد اسمه
…سؤال رقم 284
…سؤال:
عند ولادتي سماني أبي باسم يدل على معتقداته الكفرية ، وبعد إسلامي قمت بتغير اسمي إلى اسم إسلامي ، فهل هذا عمل صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
من هداه الله تعالى ودخل في دين الإسلام فإنّه يكفيه أن يختار اسما إسلاميا لنفسه ويبقى على انتسابه إلى أبيه وأسرته لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة الذين أسلموا بتغيير أسماء آبائهم وأجدادهم وإنما غيّر أسماء أصحاب الأسماء المحرّمة والمكروهة ، وبما أنّ اسمك ذو جذور وثنيّة فتغييرك له إلى اسم آخر مثل بلال أو غيره أمر صائب وصحيح ، وأبق على بقيّة نسبك كما هو وفي هذا شيء من الإرضاء لوالديك نسأل الله لهما الهداية ولنا ولك التوفيق وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
مسيحي يتساءل هل بإمكانه الدخول في دين الإسلام
…سؤال رقم 21613
…سؤال:
مرحبا اسمي ..... أعيش في السويد أنا لست مسلماً ولكن أنا مهتم كثير بالإسلام . هل من الممكن لشخص مثلي أن يصبح مسلماً ؟أشعر أن دين الإسلام يوفق أفكاري ، أريد أن أعرف المزيد عن الإسلام ...
الجواب:
الحمد لله
أهلاً بك ضيفاً كريماً على هذا الموقع وأنت - في الحقيقة - تُشكر كثيراً على اهتمامك بالإسلام لأنه الوسيلة لهدايتك بإذن الله وقولك أن دين الإسلام يوافق أفكارك دليل على جودة أفكارك وسلامتها وأن فطرتك طيبة لموافقتها للحق واستعدادها لقبوله ، وقد قال الله عز وجل ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ، وأما عن سؤالك هل من الممكن أن تصبح مسلماً ، فالجواب : نعم بالتأكيد ، فسارع ولا تتردد ، ونرحب بك سائلاً الآن وأخاً مسلماً لنا في المستقبل القريب بإذن الله .
ونهنئك على هذه البداية الجيدة في انفتاح نفسك للإسلام وإقبالك على تعلّمه وكل ما عليك الآن هو اعتناق الإسلام بالنطق بالشهادتين ثم مباشرة التنفيذ والعمل بشرائع الإسلام وستجد إجابات مهمة من أسئلة بأرقام 703 و 378 و 6703 و 12373 .
وييسرنا أن نجيبك عن أي استفسار مستقبلاً وأن نتعاون معك في سبيل فهم هذا الدين العظيم
وشكراً لك مرة أخرى . والسلام على من اتبع الهدى .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============(5/16)
تريد الدخول في الإسلام فهل ينطق ولداها بالشهادة أيضاً
…سؤال رقم 13946
…سؤال:
أنا في مرحلة ترك النصرانية والدخول في الإسلام ، ومنذ 9 أعوام وأنا أرملة ، ولي ابن يبلغ من العمر14 عاما وبنت تبلغ من عمرها11 عاما ، وأعلم بأن علي النطق بالشهادتين ، لكن هل النطق بالشهادتين مطلوب أيضا من ابني وبنتي ؟.
الجواب:
الحمد لله
النطق بالشهادتين شرط للدخول في الإسلام ، ومن وُلد بين أبوين مسلمين لا يلزم أن ينطق بالشهادتين لأنه مسلم حكماً إلا أن يأتي بناقض ، وأما من وُلد بين أبوين غير مسلمين فلا بد أن ينطق بهما كأبويه .
الشيخ : عبد الكريم الخضير.
===============
هل يُخبر غَيْر المسلم بكل تفاصيل الإسلام
…سؤال رقم 13521
…سؤال:
هل من الصواب للشاب المسلم أن يخبر شخصاً ما من غير المسلمين عن كل ما يعنيه الإسلام ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم من الصواب إخباره بمعنى الإسلام ولكن ليس من الحكمة إخباره بكل تفاصيل الإسلام دفعة واحدة ، ولذلك فلابد للداعية أن يكون حكيماً ويبدأ بالأهم ويعمل بفقه الأوليات في الدعوة كما جاء في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْيَمَنِ قَالَ إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ) رواه البخاري (1458) ومسلم (19)
وعلى المسلم أن يدعو للإسلام بشرط أن يكون عالماً بما يدعو إليه ، حتى لا يقع منه الخطأ أثناء دعوته لقول الله تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ) سورة يوسف/108 .
والبصيرة : " هي المعرفة التي تميز بها بين الحق والباطل . " أ . هـ كلام البغوي رحمه الله في تفسيره ( 4/284 ) .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره ( 4/422 ) عند تفسير هذه الآية : " يقول الله تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمراً له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله ، أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي . " أ.هـ
واعلم بأن الدعوة إلى الإسلام واجبة ، قال علماؤنا رحمهم الله : " يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم أربع مسائل والعمل بها :
الأولى : العلم ، وهو معرفة العبد ربه ، ونبيه ، ودين الإسلام بالأدلة .
الثانية : العمل به ، أي العمل بمقتضى هذا العمل .
الثالثة : الدعوة إليه . أي الدعوة إلى ما تعلَّمه .
الرابعة : الصبر على الأذى فيه . أي في سبيل العلم ، والعمل ، والدعوة إلى ما تعلم .
والدليل على هذه المسائل الأربع قول الله تعالى : ( وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) سورة العصر.
فقوله تعالى : { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا } دليل على المسألة الأولى ؛ لأنه لا إيمان إلا بعلم . وقوله : { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } دليل على المسألة الثانية ، وقوله : { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } دليل على المسألة الثالثة ، وهي الدعوة . وقوله : { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } دليل على المسألة الرابعة .
فيبين لغير المسلم ما يعنيه دين الإسلام من الاستسلام لله وقبول أمره والإيمان بنبيه صلى الله عليه وسلم ، ويذكر له محاسن الدين الإسلامي ( راجع السؤال 219 ) ، حتى يقتنع ويقر بالإسلام ، فإذا أسلم فحينئذٍ يبين له أحكام الإسلام على سبيل التفصيل على سبيل التدرج ويراعى مستوى عقل المخاطب ولا يُطرح عليه أموراً تثير لديه الشبهات أو تجعله كالضائع من كثرة المعلومات ، ولكن ينهج نهج الربانيين الذين قال الله فيهم : ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) آل عمران/79 ، قيل في تفسير الربانيين : الذين يربّون الناس بصغار العلم قبل كباره ( تفسير البغوي 2/60)
أي بالقواعد والأمور الكبار قبل الدقائق وصغار المسائل . والله الهادي إلى سواء السبيل .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
نصراني يسأل عن تحريم الخمر
…سؤال رقم 12564
…سؤال:
لماذا يحرم الإسلام الخمر ، بينما هو يبشر أهل الجنة بأن لهم خمرا فيها ؟.
الجواب:
الحمد لله
قد سبق لنا بيان بعض المفاسد المترتبة على شرب الخمر ، والتي من أجلها حرمت في دين الله تحريما قطعيا . [ راجع مثلا السؤال رقم 40882 ] .(5/17)
غير أن السائل ، هدانا الله وإياه للعلم الحق واتباعه ، يظن أن تحريم الخمر في الدنيا ، ثم وعد المؤمنين ، والإنعام عليهم بها في الجنة ، تناقض في شرع الله ، أو لعله ، في أحسن أحواله يستشكل ذلك .
أما التناقض فمعاذ الله أن يقع في كتابه أو شرعه شيء منه ، وهو العلم الحكيم الخبير ، وإنما يأتي التناقض من عند غيره سبحانه . قال الله تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) النساء/82
يأتي التناقض من أيدي البشر ، إذا تجرؤا على اللفظ المنزل ، ومن أفهامهم حين تضل عن المعنى المراد أو وجه الحكمة :
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
فأما كتاب الله فهو محفوظ بحفظه سبحانه : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9
وأما غيره من الكتب فلم يتكفل الله بحفظه ، وإنما أمر أهله بذلك الحفظ ؛ فبدلوا وغيروا ، بحيث لم يبق أحد يشك في تبديلها عن الصورة التي أنزلها الله بها ، بل كل من له أدنى معرفة من أهلها لا يدعي أنها هكذا نزلت من عند الله ، ولا هكذا بلغها المسيح في حياته . [ راجع السؤال رقم 47516 ] .
فلنعد الآن إلى السؤال ، أو فلنعد قبله للسائل ؛ لنقول له :
هل أنت معترض على تحريم الخمر في الدنيا ، وتريدها حلالا ، كما أنها في الجنة نعيم لأهلها ؟!
فحينئذ يعود السؤال إليك أيها السائل ، لنقول :
ألم تكن الخمر محرمة في كتابكم المقدس ، وتكرر ذلك في العهد القديم الذي تؤمنون به ؟
فإن كنت لم تعلم بذلك من قبل ، فاسمع :
( ويل للأبطال على شرب الخمر ، ولذوي القدرة على مزج السُّكْر ) أشعياء 5/22 ]
( لا تكن بين شريبي الخمر ، بين المتلفين أجسادهم ، لأن السكير والمسرف يفتقران ) الأمثال 23/20-21 ]
{ وكلم الرب هارون قائلا : خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع ، لكي لا تموتوا فرضا دهريا في أجيالكم ، وللتمييز بين المقدس والمحلل ، وبين النجس والطاهر }
[ اللاويين 10/8-10 } .
وهذه إشارة تدل العاقل فقط ، وأما استيعاب ذلك فلا يسعه المقام .
بل حتى في العهد الجديد من كتابكم المقدس ، قد بقي ما يدل على ذلك :
{ وأما الآن فكتبت إليكم : إن كان أحد مدعوا أخا زانيا أو طماعا أو عابد وثن أو شتاما أو سكيرا أو خاطفا ، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا } [ رسالة بولس الأول إلى أهل كورنثوس 5/11 ] .
{ لا تضلوا ؛ لا زناة ، ولا عبدة أوثان ، ولا مأبونون ، ولا مضاجعو ذكور ، ولا سارقون ، ولا طماعون ، ولا سكيرون ، ولا شتامون ، ولا خاطفون يرثون ملكوت الله } [ إصحاح 6/9 ، 10 ]
{ لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة ، بل امتلئوا بالروح } [ إصحاح 5/18 ] .
وأمثال هذا كثير أيضا .
( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن/13
فإن زعمت ، وهكذا تزعمون ، أن تحريمها نسخ ، وأنها صارت حلالا لكم ، فما تنكر أن ينسخ القرآن هذا التحليل ، ويحرمها الله على الناس في الدنيا ؟!
أو أنت معترض على أنها صارت نعيما في الآخرة ، بعد تحريمها في الدنيا ، فتريدها حراما في الدارين ؟!
وحينئذ يبقى السؤال عليك أيضا :
إذا قبلتم أن ينسخ تحريم الخمر في الدنيا ، فصارت حلالا ـ بزعمكم ـ أليس من الأولى أن تقبلوا ذلك في الآخرة ، وهذا مع أن الآخرة ليست دارا للتكليف ، وإنما هي دار نعيم لأهل الجنة ، وعذاب الجحيم لأهل النار ؟!
على أن هذه الأجوبة إنما هي جدال للمعترض ، لنبين له أنه لم ينصف خصمه حين اعترض عليه ، ولم يفكر فيما عنده .
وأما إن كان السائل يطلب معرفة الحق محضا ، فأمر الحق أسهل من ذلك ، فإن على الحق نورا ، وحينئذ يقال له :
إن الله تعالى إنما حرم الخمر لأنها رجس خبيث من عمل الشيطان ، تذهب عقل شاربها ، فتشغله عن طاعة الله تعالى ، وتوقعه في معصيته ، وتورث العداوات والضغائن في قلوب المؤمنين ، قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) المائدة
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ ) صحيح مسلم 2003
وهكذا هو الحديث عنها في كتابكم المقدس :
{ وكلم الرب هارون قائلا : خمرا ومسكرا لا تشرب ... للتمييز بين المقدس والمحلل ، وبين النجس والطاهر } [ اللاويين 10/8-10 } .(5/18)
وأما خمر الآخرة فهي لذة خالصة من كل قذر ونجس في خمر الدنيا ، فالجنة دار الطيبين ، وما فيها إلا طيب ؛ قال ربنا سبحانه : ( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ(45)بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ(46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ) سورة الصافات ، فلا تغتال عقولهم فتخلبها وتتلفها ، وتصدع لهم رؤوسهم ، ولا تتلف لهم أموالهم .
خمر الآخرة لا تشبه خمر الدنيا إلا في اسمها ، وأما حقيقتها فذلك : ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال ربنا عز وجل : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/17
وحُق لمن تدنس بخمر الدنيا أن يحرم من خمر الآخرة ؛َ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ ) صحيح مسلم 2003 .
نسأل الله أن يهديك إلى اتباع الحق ، وترك اللجج والمراء ؟!
والله الموفق ، لا رب سواه .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حوار مع بوذي عن الجهاد في الإسلام
…سؤال رقم 27180
…سؤال:
دخلت في حوار مع أحد الأشخاص ، وادعى ذلك الشخص أن المسلمين الذين يتبعون التعاليم التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم يقولون بأن أي شخص غير مسلم فهو عرضة للسيف والقتل .أنا لا أصدق ادعاءه هذا ، ولكنني لست مسلماً ، وأعرف القليل عن الإسلام ، وليست لدي الاستطاعة لأرد بها ادعاء هذا الشخص ، فما هي تعاليم الإسلام في هذا الأمر ؟ وكيف أجيبه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
سؤالك لنا أيها الباحث عن الحقيقة يدل إن شاء الله على رغبة صادقة في معرفة الحقيقة ، لكن ألم تسأل نفسك قبل ذلك : لماذا أكتفي بهذا " القليل " الذي أعرفه عن الإسلام ؟ لماذا لا أتعرف صورة ذلك الدين كاملة من أهله ، وإن استلزم الأمر مني أن أسافر إليهم كما أسافر ، ويسافر الناس كثيرا لجمع المال أو للسياحة ، أو غير ذلك من الأغراض المادية ، وربما التافهة ؟!
إن القضية مصيرية ؛ أليس من الجائز أن تكون الحقيقة التي تهز قلبك ، وتقنع عقلك ، هي في هذا القدر الذي تجهله من هذا الدين ، أو في الصورة الكاملة الناصعة التي لم ترها ؟
والأمر بعد ذلك ، أيها الباحث عن الحقيقة ، جد خطير : إنها جنة أبدا ، أو نار أبدا !!
لكنك تحتاج مع تلك الرغبة الصادقة في معرفة الحقيقة إلى إرادة أصدق في اتباعها ، وقوة في نفسك على التزامها ، وإن خالفت ما كنت تعتاده من قبل .
ثم إنك حينما تسأل ذلك السؤال تبدو كالمريض الذي ينظر إلى مبضع الطبيب وحِدَّته ، وينسى الداء الذي يقتله ، ويلعن الكوّاء على حَرْقَته ، وينسى الجذام الذي يأكله ، وليس هذا شأن العاقلين !!
أفلا تعرفت أولا أهم بواعث الجهاد في الإسلام ، قبل أن تسأل عمن يستحق القتل ؟!
تلك البواعث التي اختصرها ربعي بن عامر وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ونقلوها لرستم قائد جيش الفرس في معركة القادسية ، وهو يسألهم واحدا بعد واحد ، في ثلاثة أيام متوالية ، قبل المعركة : ما الذي جاء بكم ؟ فيكون الجواب : " الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام . . فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه ، فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه ، وتركناه وأرضه ، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي [ يعني : ننتهي ] إلى الجنة أو الظفر [ أي : النصر ] " .
والواقع الإنساني ، أمس واليوم وغدا ، يواجه هذا الدين ...بعقبات العقائد المنحرفة والأفكار الباطلة ، . . وعقبات سياسية وعسكرية و اجتماعية واقتصادية وعنصرية ، ... وتختلط هذه بتلك ، وتتفاعل معها بصورة معقدة شديدة التعقيد ، لينتج عنها في آخر الأمر موقف صارفٌ عن الإسلام جملة ، صاد للناس عن سبيله !!
وإذا كان " البيان القولي" ، والحوار الجدلي ، بالتي هي أحسن ، إنما يواجهان العقائد والأفكار المنحرفة ، فإن " الحركة الجهادية " تواجه العقبات المادية الأخرى - وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على تلك العوامل المعقدة المتشابكة ، وتوجه ضرباتها للقوى السياسية والعسكرية التي تُعَبِّدُ الناسَ لغير الله . . - أي تحكمهم بغير شريعة الله وسلطانه - والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى هذا " البيان" واعتناق تلك " العقيدة " ، بحرية لا يتعرض لها السلطان . وهما معا - البيان والحركة الجهادية - يواجهان الواقع البشري " بجملته . بوسائل مكافئة لكل مكوناته . " [ انظر : معالم في الطريق ، ص 59 وما بعدها ](5/19)
فتبين بذلك أن ( أصل القتال المشروع هو الجهاد ، ومقصوده أن يكون الدين لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين ، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة ، كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمِن ونحوهم ، فلا يقتل عند جمهور العلماء ، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله ... لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله ، كما قال الله تعالى : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) البقرة/190
وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه مَرَّ على امرأة مقتولة في بعض مغازيه ، قد وقف عليها الناس ، فقال : ( ما كانت هذه لتقاتل ) ، وبعث رجلاً إلى خالد بن الوليد - وكان أميراً على مقدمة الجيش - فقال له : قل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا ) ( وهو الأجير ) ولعل المراد إذا لم يكن معه سلاح . [ رواه أبو داود 2669 وقال الألباني : حسن صحيح ـ صحيح أبي داود 2324 ] ...
وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق ، كما قال تعالى :( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ ) البقرة/217 ، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ، ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر من منه ، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه ... ) اهـ. بتصرف يسير . [ السياسة الشرعية ، لابن تيمية 165-167] .
وهاهنا أمر جدير بأن ينتبه إليه ، وهو أن المحاربة والتعادي والتظالم نزعات قديمة في بني الإنسان ما دام للنفوس مطامع وأهواء ، وما دام في بني الإنسان خير وشر . يقول ابن خلدون :
( إن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة منذ أن بدأ الله الخليقة ، وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ... وهي أمر طبيعي في البشر لا تخلو منه أمة ولا جيل .. )
وأين كان المسلمون من الحروب المفظعة التي وقعت بين مختلف الطوائف المسيحية قديما ، ثم ما لاقاه البروتستانت على أيدي الكاثوليك ؟!
ثم أين كان المسلمون من الحربين العالميتين ؟! وأين كانوا من هيروشيما وناجازاكي ؟!
لقد يحق لنا أن نقول مع الكونت هنري دي كاستري : ( الأقرب إلى الصواب أن يقال : إن مسالمة المسلمين ولين جانبهم كان السبب في سقوط دولتهم ) .
وصدق الله العظيم : ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج/40 ولعلك حين تتدبر ذلك ، ثم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاسِلِ ) صحيح البخاري 3010 ، وقوله : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ ) البخاري 4557 ، يعني أنهم بحربهم لغيرهم ربما أسروا بعضهم ، أو خضع لسلطانهم آخرون ، ثم يتعرفون على الإسلام ، ويدخلون فيه ، وقد كانوا كارهين له أول الأمر ...
لعلك حين تفعل ذلك أن تُقَبِّل يد الطبيب ، وإن بقي على جلدك أثر مبضعه ...
والله الموفق .
الإسلام سؤال وجواب
==============
نصراني يسأل عن سبب تحريم لحم الخنزير
…سؤال رقم 12558
…سؤال:
لماذا يحرم الإسلام الخنزير ، مع أنه مخلوق من مخلوقات الله ؟ ولماذا خلق الله الخنزير إذاً ؟!.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لقد حرم ربنا جل وعلا أكل الخنزير تحريما قطعيا ، قال تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) الأنعام/145
ومن رحمة الله تعالى بنا ، وتيسيره علينا ، أنه أباح لنا أكل الطيبات ، ولم يحرم علينا إلا الخبائث ، قال تعالى : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) الأعراف/157
فنحن لا نشك لحظة أن الخنزير حيوان خبيث قذر ، فإن أكله مضر بالإنسان ، ثم هو يعيش على الأوساخ والقاذورات ، وهو ما تأباه النفس السوية وتعافه وترفض تناوله ، لما فيه من إخلال بطبع الإنسان ومزاجه السوي الذي خلقه الله عز وجل فيه .
ثانيا :
وأما أضرار أكل الخنزير على جسم الإنسان ، فقد أثبت الطب الحديث جملة منها :
• يعد لحم الخنزير من أكثر أنواع اللحوم الحيوانية التي تحتوي مادة الكوليسترول الدهنية ، والتي تقترن زيادتها في دم الإنسان بزيادة فرص الإصابة بتصلب الشرايين. كما أن تركيب الأحماض الدهنية في لحم الخنزير تركيب شاذ غريب يختلف عن تركيب الأحماض الدهنية في الأغذية الأخرى، مما يجعل امتصاصها أسهل بكثير من غيرها في الأغذية الأخرى وبالتالي زيادة كوليسترول الدم .(5/20)
• يساهم لحم الخنزير ودهنه في انتشار سرطان القولون والمستقيم والبروستاتا والثدي والدم .
• يسبب لحم الخنزير ودهنه الإصابة بالسمنة وأمراضها التي يصعب معالجتها.
• يسبب تناول لحم الخنزير الحكة والحساسية وقرحة المعدة.
• يسبب تناول لحم الخنزير الإصابة بالتهابات الرئة والناتجة عن الدودة الشريطية ودودة الرئة والتهابات الرئة الميكروبية.
وتتمثل أهم مخاطر تناول لحم الخنزير في احتواء لحم الخنزير على الدودة الشريطية وتسمى تينياسوليم التي يصل طولها إلى 2-3 متر. ويؤدي نمو بويضات هذه الدودة في جسم الإنسان فيما بعد إلى الإصابة بالجنون والهستيريا في حال نمو هذه البويضات في منطقة الدماغ ، وإذا ما نمت في منطقة القلب فإنها تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وحدوث نوبات قلبية ، ومن أنواع الديدان الأخرى التي تتواجد في لحم الخنزير دودة التريكانيلا الشعرية الحلزونية المقاومة للطبخ والتي قد يؤدي نموها في الجسم إلى الإصابة بالشلل والطفح الجلدي .
ويؤكد الأطباء أن أمراض الديدان الشريطية تعتبر من الأمراض الخطيرة التي تنجم عن تناول لحم الخنزير، وتتطور في الأمعاء الدقيقة عند الإنسان، وتنضج خلال شهور عدة لتصل إلى دودة بالغة، يتألف جسمها من حوالي ألف قطعة، ويصل طولها إلى ما بين 4 - 10 أمتار، وتعيش وحيدة في أمعاء الإنسان المصاب وتخرج بيضها مع البراز. وعندما تبتلع الخنازير البيض وتهضمه، يدخل إلى الأنسجة والعضلات مشكّلاً الكيسة المذنبة أو اليرقة، وهي كيس يحتوي على سائل وعلى رأس الدودة الشريطية. وعند تناول لحم الخنزير المصاب تتحول اليرقة إلى دودة كاملة في أمعاء الإنسان، وتسبب هذه الديدان ضعف الإنسان، ونقص فيتامين (ب12)، الذي يسبب نوعاً خاصاً من فقر الدم، وقد يسبب حدوث أعراض عصبية مثل التهاب الأعصاب، وقد تصل اليرقات في بعض الحالات إلى الدماغ مسببة حدوث الاختلاج، أو ارتفاع الضغط داخل الدماغ، وما يتلوه من صداع، واختلاج ، أو حتى حدوث الشلل .
ويسبب تناول لحم الخنزير غير المطبوخ جيداً أيضا الإصابة بالديدان الشعرينية ، وعندما تصل هذه الطفيليات إلى الأمعاء الدقيقة تخرج يرقات كثيرة بعد 4 إلى 5 أيام لتدخل إلى جدار الأمعاء ، وتصل إلى الدم ومنه إلى معظم أنسجة الجسم، وتمر اليرقات إلى العضلات وتشكل كيسات هناك. ويعاني المريض من آلام عضلية شديدة، وقد يتطور المرض إلى حدوث التهاب السحايا، والدماغ ، والتهاب عضلة القلب والرئة، والكليتين، والأعصاب ، وقد يكون المرض مميتاً في حالات قليلة .
ومن المعروف أن هناك أيضا بعض الأمراض الخاصة بالبشر ، لا يشاركهم فيها من الحيوانات إلا الخنزير، ومن ذلك الروماتيزم، وآلام المفاصل، وصدق الله العظيم إذ يقول : "إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" البقرة/173 .
فهذه بعض أضرار أكل الخنزير ، ولعلك بعد الوقوف عليها لا تستريب في تحريمه ، وإننا لنأمل أن يكون ذلك الخطوة الأولى لهدايتك إلى الدين الحق ، فلتقف ، ولتبحث ، ولتنظر ، ولتتأمل ، بعدل وإنصاف وتجرد لمعرفة الحق واتباعه واسأل الله تتعالى أن يهديك لما فيه خير لك في الدنيا والآخرة .
على أننا لو لم نعلم في أكل الخنزير مضرة ولا أذى ، فهذا لا يغير من إيماننا بتحريمه شيئا ، ولا يضعف من تركنا له ، ولتعلم أن آدم عليه السلام إنما أخرج من الجنة لأجل أكلة أكلها من الشجرة التي نهاه الله عنها ، وما علمنا عن تلك الشجرة شيئا ، ولا كان آدم في حاجة إلى أن يبحث في سبب تحريم الأكل منها ، بل كان يكفيه ، كما هو يكفينا ويكفي كل مؤمن ، أن يعلم أن الله حرم هذا .
وانظر حول بعض الأضرار المترتبة على أكل لحم الخنزير : أبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي ، ط الكويت [ 731 وما بعدها ] ، وأيضا : الوقاية الصحية في ضوء الكتاب والسنة ، لؤلؤة بنت صالح [ 635 وما بعدها ] .
على أننا نعود فنسألك أنت أيها السائل :
أليس الخنزير محرما في العهد القديم الذي هو شطر كتابكم المقدس :
{ لا تأكل رجسا ما ؛ هذه البهائم التي تأكلونها ... والخنزير لأنه يشق الظلف ، لكنه لا يجتر ، فهو نجس لكم ، فمن لحمها لا تأكلوا ، وجثثها لا تلمسوا } [ سفر التثنية 14/3-8 ونحوه في سفر اللاويين 11/1-8 ] .
وتحريم الخنزير على اليهود لا يحتاج إلى أن ننقل دليلا عليه ، فإن كنت في شك ، فاسأل القوم يخبروك لكن الذي نظن أننا نحتاج إلى تنبيهك عليه هو بعض ما جاء في كتابكم المقدس أيضا ، لكن في عهده الجديد الذي يقول لكم إن أحكام التوراة ثابتة في حقكم ، لا يمكن أن تتغير ؛ أليس فيها أن المسيح قال :
{ لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس ، أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض ، بل لأكمل ؛ فإني الحقَّ أقول لكم : إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف أو نقطة واحدة من الناموس ، حتى يكون الكل } [ متى 5/17-18 ]
ومع أننا لا نحتاج مع هذا النص إلى أن نبحث عن حكم آخر للخنزير في العهد الجديد ، فإننا نزيدك هنا نصا آخر قاطعا في نجاسة الخنزير وخبثه :(5/21)
{ وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى . فطلب إليه كلُّ الشياطين قائلين : أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها . فأذن لهم يسوع للوقت ، فخرجت الأرواح النجسة ، ودخلت في الخنازير } [ إنجيل مرقس 5/11-13 ] وانظر نصوصا أخرى في استقذار الخنازير ، واحتقار من يقوم برعيها [ متى 67 ، رسالة بطرس الرسول الثانية 2/22لوقا 15/11-15 ]
فلعلك تقول هذا نسخ ، فقد قال بطرس ، أو قال بولس ؟!!
وهكذا يبدل كلام الله ، وتنسخ التوراة ، وينسخ كلام المسيح الذي أكد لكم أنه ثابت ثبوت السماء والأرض ، يبدل كل هذا وينسخ بكلام بولس أو بطرس ؟!
فلنفرض أنه صادق ، وأن تحريمه قد نسخ حقيقة ، فما تنكرون أن يكون حراما في الإسلام كما كان عندكم أول مرة ؟!
ثالثا :
وأما قولك :إذا كان أكله محرما ، فلماذا خلق الله الخنزير إذاً ، فلا نحسبك جادا فيه ، وإلا فإننا نسألك لماذا خلق الله كذا وكذا من الأشياء المؤذية ، أو المستقذرة ، بل نسألك لماذا خلق الله الشيطان ؟!
أليس من حق الخالق أن يأمر عباده بما يشاء ، ويحكم فيهم بما يريد ، لا معقب لحكمه سبحانه ، ولا مبدل لكلماته ؟
أليس من واجب المخلوق العابد أن يقول لربه ، كلما أمره بشيء : سمعنا وأطعنا ؟
( قد يلذ لك مذاقه ، ويستهويك أكله ، ويتمتع به من حولك ، لكن ألا تستحق الجنة منك أن تضحي ببعض ما تشتهيه نفسك ؟ ).
الإسلام سؤال وجواب
============
أسلمي ثمّ لا تقلقي من الماضي السيئ
…سؤال رقم 14246
…سؤال:
أنا فتاة صغيرة وأريد أن أسلم لأني تأكدت بأن الإسلام هو الدين الحق ، ولكن لدي مشكلة واحدة وهي أني قبل أن أعرف الإسلام قمت بالكثير من الذنوب إن لم تكن حياتي كلها ذنوب ، فهل يمكن أن أسلم ، وماذا افعل بخصوص حياتي السابقة ؟.
الجواب:
الحمد لله
بسم الله الرحمن الرحيم
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(2)غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ(3) سورة غافر
روى ابن عباس - وهو من صحابة نبي الإسلام عليه السلام - أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو لَحَسَنٌ وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ قول الله تعالى : قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53)وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ(54)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ(55)أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ(56)أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(57)أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(58)بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ ءَايَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ(59) سورة الزمر
وكان عمرو بن العاص مشركا مذنبا عدوا لله ، " قَالَ لَمَّا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِي الإِسْلامَ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبَايِعَنِي فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ فَقُلْتُ لا أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي قَالَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ . " رواه الإمام أحمد 17159
ففرّي إلى الله واعلمي أنّه ليس شيء من القلق الذي لديك إلا وحلّه موجود في النصوص المتقدّمة ، بل إنّ هذه النصوص تخاطبك أنت ، وتُعنى بقضيتك وتحلّ مشكلتك .
وإذا كان ربّك رحيما توابا ويغفر الذنوب جميعا ورحمته وسعت كلّ شيء وناداك مع عباده للتوبة والإسلام ووعدك على لسان رسوله عليه السلام بأنّ ذنوبك السابقة كلها كبيرها وصغيرها بجميع أنواعها ستمحى وتزول بالكلية إذا أسلمت ، وستبدئين بصحيفة أعمال جديدة نظيفة من السيئات ، فماذا تنتظرين ولأيّ شيء تتأخرين ، فعجّلي وأقدمي وأسلمي واعبدي ربك ، ونحن نستبشر لك بمستقبل سعيد وحياة طيبة في ظلّ الإسلام ، ولقد سرّنا - والله - سؤالك ، ونحن بانتظار الخبر السعيد .
ولمعرفة كيفية الدخول في الإسلام انظري الأسئلة رقم 703 و11936 وقسم اعتناق الإسلام في الموقع والله يحفظك من كلّ سوء وهو نعم المولى ونعم النصير والهادي إلى سواء السبيل .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============(5/22)
هل إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم رشوة
…سؤال رقم 48981
…سؤال:
يتهم بعض الناس الإسلام في قضية المؤلف قلوبهم بأنه رشوة وإغراء بالمال للدخول في الإسلام . فهل هذا صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
أن إعطاء المال لتأليف القلوب ليس رشوة ؛ لأن الرشوة هي : المال الذي يدفعه الراشي لمن يعينه على إبطال حق أو إحقاق باطل ، أما إعطاء المال من أجل تأليف قلوب الناس للإسلام فهو لإعانتهم على الحق وترغيبهم فيه ، وهو الدخول في الإسلام فهو من قبيل الجهاد بالمال .
وقد جعل الله تعالى للمؤلفة قلوبهم سهمًا في الزكاة ، قال تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) التوبة /60
وهذا السهم يأخذه الحاكم ويصانع به من يرى أنه قريب من الإسلام ، وقد أعطى صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم أموالاً من غنائم غزوة حنين ، وقد أدى ذلك إلى إسلام قبائل بأكملها لهذا الأمر ، وهو أمر مستمر ، ورافد من روافد الدعوة ينبغي إحياؤه ؛ لأن الإنسان مجبول على حب من أحسن إليه :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 8/181 ، وابن الأثير ، النهاية في غريب الحديث ص 359 ، والبوطي ، فقه السيرة ص 430
والموقف الصحيح للمسلم أنه إذا رأى نصًا ظاهرًا وصريحًا وصحيحًا في مسألة معينة ، سواء أكان ذلك يتماشى مع ثقافة العصر - الثقافة الغربية - أو لا يتماشى معها ، قال به دون وجل أو خوف سواء علم الحكمة من هذا التشريع أم لم يعلمها .
وصلى الله وسلم على نبيه الكريم .
الإسلام سؤال وجواب
===========================
الفهرس العام
الباب الخامس…2
الدعوة…2
توجيهات للدعاة في الخارج…2
الدعوة إلى الإسلام…7
مطلوب منه بحث عن الإسلام وأثره على أوربا…10
ما حكم العيش مع والدة كافرة ؟…16
قصص لنساء أسلمن وفارقن أزواجهن الكفار…19
هل يجوز إجابة دعوة غير المسلم إلى الطعام للتقرب منه…22
هل وجود النصارى بين المسلمين كافٍ في بلوغ الدعوة إليهم…24
تريد الإسلام ولا تريد ترك زوجها الكافر…25
متى نحكم للشخص بالإسلام…28
تريد أن تُسلم وهي وحيدة في بلدها…29
مراجع علمية ( فيديو - أشرطة - كتب ) لغير المسلمين…31
نصرانية مهتمة بالإسلام ولكنها تعترض على تطويق المرأة بالأحكام الشرعية…33
الدعاء للكفار بالهداية…35
تريد الإسلام وهناك معارضة منِ أمها وجدتها…39
تريد الإسلام وهناك معارضة منِ أمها وجدتها…43
مسلم جديد يريد أن يتعلم الدين…48
بماذا يبدأ من أراد الدعوة ؟…51
بماذا يبدأ الدعاة في الدعوة إلى الله…52
كيف تخدم الإسلام…52
هل يجوز دخول الكنائس لأجل الدعوة ، أو لأجل الفرجة…55
هل تقطع علاقتها مع بعض الكافرات أم تستغلها في الدعوة ؟…55
حكم من لم تبْلُغْه دعوَة الإِسلام…58
كيف يدعو المسلم المرأة الكافرة…59
قضاء المسلم الجديد للفروض الإسلامية…60
كيف يغيّر المسلم الجديد اسمه…61
مسيحي يتساءل هل بإمكانه الدخول في دين الإسلام…62
تريد الدخول في الإسلام فهل ينطق ولداها بالشهادة أيضاً…63
هل يُخبر غَيْر المسلم بكل تفاصيل الإسلام…64
نصراني يسأل عن تحريم الخمر…66
حوار مع بوذي عن الجهاد في الإسلام…71
نصراني يسأل عن سبب تحريم لحم الخنزير…76
أسلمي ثمّ لا تقلقي من الماضي السيئ…81
هل إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم رشوة…84(5/23)
الخلاصة في فقه الأقليات
(6)
الباب السادس
أحكام الوظائف
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب السادس
أحكام الوظائف
العمل بالقسم الإسلامي في البنك مع وجود الاختلاط
…سؤال رقم 98022
…سؤال:
كنت لفترة طويلة أعمل في البنك.....وبمنصب إداري كبير .. ومن الله عليَّ بالهداية وطلبت تحويلي إلى القسم الإسلامي بالبنك.. وخلال الثلاث السنوات الفائتة .. توسع البنك في توظيف النساء بدون ضوابط .. وقد قمت بالإنكار عليهم طوال سنتين وتم اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية ... وقد قدمت استقالتي وكتبت فيها السبب وهو التوسع في توظيف النساء بدون ضوابط ... وانتقلت إلى وظيفة في شركة عامة .. بنصف راتبي والحمد لله المهم صدمت بعد سنة أن البيئة التي أعمل بها بيئة سيئة مليئة بالغيبة والنفاق والأحزاب ...كما أن الأعباء المادية أصبحت تؤرقني وقد عرض عليَّ العودة للبنك بنفس المنصب الذي كنت فيه . السؤال : هل أعود ؟ مع العلم أن البنك لم يكمل خطة أسلمته بالكامل بل اكتفى بأسلمة إدارة الأفراد فقط . أما الشركات والخزينة مازالت تتعامل بالربا وأيضا توسع البنك في توظيف النساء بالإدارة .
الجواب:
الحمد لله
خروجك من البنك لما ذكرت من التوسع في توظيف النساء بدون ضوابط ، ورضاك بالعمل بنصف راتبك ، دليل خير وفلاح لك ، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، ومن اتقى الله تعالى رزقه من حيث لا يحتسب ، والدرهم الحلال خير من مائة درهم من الحرام ، فإنه لا ينبت جسد من سحت إلا كانت النار أولى به ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيا :
إذا كان الأمر كما ذكرت من أن البنك لم يكمل خطة أسلمته بالكامل ، بل اكتفى بأسلمة إدارة الأفراد فقط أما الشركات والخزينة فمازالت تتعامل بالربا ، فإنه لا يجوز لك العمل فيما لم تتم أسلمته ، أو فيما يعين على الربا ويدعمه .
وكذلك لا يجوز العمل في مكان تختلط فيه النساء بالرجال ؛ لما يترتب على الاختلاط من مفاسد عظيمة ، سبق بيانها في السؤال رقم (50398) .
وما ذكرت من أن البيئة التي تعمل بها الآن بيئة سيئة يملؤها الغيبة والنفاق والأحزاب ، فهذا مما يمكن التغلب عليه ، بإتقان العمل ، وبذل النصيحة ، ودعوة الناس للخير .
فإن أمكن أن تعمل في البنك بعيدا عن الربا والاختلاط ، فلا حرج عليك من العودة إليه ، وإلا فاصبر واحتسب ، وليعظم رجاؤك فيما عند الله .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم العمل في شركة برمجة وفيها قسم آخر يصمم مواقع لترويج الخمر
…سؤال رقم 98062
…سؤال:
أنا أعمل مهندس كومبيوتر في شركة برمجيات أصحابها نصارى وقد بدأت الشركة في مواقع إلكترونية لمحلات ومصانع خمور لكن ليس بها حتى الآن عمل برمجيات بل كلها حتى الآن عمل لمصممي المواقع وليس لمبرمجيها لكن هناك احتمال كبير في تداخل العملين معاً . أنا تركت الشركة لأبعد عن الشبهات ولكن هناك مسلمون في الشركة لا يريدون أن يغادروا الشركة ، فما الحكم في هذا الموقف ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت أعمال البرمجة مقتصرة على ما هو مباح ، ولا علاقة لها بالمواقع المحرمة كمواقع بيع الخمور وتصنيعها ، فلا حرج من البقاء في هذا العمل ، وهو من باب الإجارة على المباح عند من يقترف الحرام ، كالعمل عند المرابي وشارب الخمر ونحوهما ، ومعلوم أن الأصل حل هذا التعامل ، ما لم يكن فيه إعانة على الحرام . وقد عمل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لدى اليهود ، مع اشتهار أخذهم الربا وأكلهم السحت .
لكن يكره التعامل مع أصحاب الأموال المختلطة ، وقد أحسنت في الخروج من هذه الشركة ، ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا .
وإذا دمج بين أعمال البرمجة وأعمال التصميم لمواقع الترويج للخمر أو غيرها من المنكرات ، تعيّن ترك العمل ؛ لأنه لا يجوز مباشرة الحرام أو الإعانة عليه .
وانظر السؤال رقم (31781) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم المشاركة والعمل في دفتر التوفير
…سؤال رقم 97896
…سؤال:(6/1)
أعمل حاليا في البريد ، وبالتحديد في إدارة الحاسب الآلي ، حيث يقوم البريد بإعطاء فوائد سنوية على دفاتر التوفير الموجودة لديه على أساس إعطاء أموال المودعين لديه حسب نظام حكومي إلى بنك الاستثمار القومي حيث لا يتعامل البنك إلا مع الحكومة في تمويل مشروعاتها أو إقراض البنوك والهيئات الحكومية ثم يعيد إلينا الأموال محملة بالفوائد التي يقوم هو بتحديدها ونعطي للمودعين على حسب ما يقرر البنك ونحصل على عمولة كهيئة بريد من تلك القصة المهم أن وظيفتي هي إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال العملاء إلى جهاز الحاسب الرئيسي حيث عن طريقه نقوم بإضافة الفوائد من كل عام إلى حسابات العملاء في شهر يوليو بالإضافة إلى استخدامه في الأعمال الإدارية مثل التأكد من حسابات العملاء فهل أعتبر كاتب ربا وهل فوائد البريد حرام أم حلال مع العلم بأننا لا نعطي قروضاً والحمد لله والتوفير هو ما يصرف على الهيئة بنسبه 90% فهل أترك عملي أم أنقل إلى قسم آخر أم ليس علي حرج؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يحرم إيداع الأموال فيما يسمى بدفتر التوفير ، وذلك لأمرين :
الأول : أنه عقد يقوم على إضافة نسبة معلومة إلى رأس المال ، مع ضمان رأس المال ، فحقيقته أنه قرض بفائدة ، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا ، والمقرض هنا هو العميل ، والمقترض هو الهيئة القائمة على هذا الدفتر .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف . قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " المغني (6/436)
الثاني : أن البريد يضع أموال مودعيه في البنوك الربوية ، ويأخذ عليها نسبة معلومة ، يوزع جزءا منها على المودعين ، وهذا عقد ربوي آخر يقوم به البريد .
فالبريد يقترض بالربا في الصورة الأولى ، ويقرض بالربا في الصورة الثانية ، ولهذا لا يستريب مطلع على هذه المعاملة من الجزم بتحريمها ، وتحريم العمل فيها كتابةً أو شهادة أو إعانة بأي صورة من صور الإعانة .
جاء في موسوعة "فتاوى الأزهر" سؤال موجه لشيخ الأزهر السابق جاد الحق على جاد الحق رحمه الله ، عن : مسألة الفوائد التي تعطيها أو تدفعها البنوك أو الشركات على المبالغ المدفوعة لديها أو المستثمرة بمعرفتها - هل تلك الفوائد تعد ربا أم لا ؟
وجاء في جوابه بعد ذكر النصوص في تحريم الربا : " وبهذه النصوص وغيرها في القرآن والسنة يحرم الربا بكل أنواعه وصوره سواء كان زيادة على أصل الدَّين، أو زيادة في نظير تأجيل الدين وتأخير سداده ، أو اشتراط ضمان هذه الزيادة في التعاقد مع ضمان رأس المال .
لما كان ذلك ، وكانت الفوائد المسئول عنها التي تقع في عقود الودائع في البنوك ، وفى صناديق التوفير في البريد ، وفى البنوك ، وفى شهادات الاستثمار محددة المقدار بنسبة معينة من رأس المال المودع ، وكانت الوديعة على هذا من باب القرض بفائدة ، ودخلت في نطاق ربا الفضل أو ربا الزيادة كما يسميه الفقهاء وهو محرم في الإسلام بعموم الآيات في القرآن الكريم وبنص السنة الشريفة وبإجماع المسلمين : لا يجوز لمسلم أن يتعامل بها أو يقتضيها ، لأنه مسئول أمام الله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي ونصه : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ) والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى .
ثانيا :
العمل في " إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال عملاء دفتر التوفير إلى جهاز الحاسب الرئيسي " ، هو من كتابة الربا ، وقد روى مسلم (1598) في صحيحه عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى ، والمبادرة بترك هذا العمل ، والتحول إلى قسم آخر بعيد عن الربا ، أو ترك هذا العمل بالكلية ، فرارا من الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة .
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأن من اتقاه زاده ، وأنعم عليه ، ورزقه من حيث لا يحتسب ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3 .
وفقنا والله وإياك لما فيه الخير والهدى والفلاح .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===============
يعمل في مخزن وقد يطلب منه نقل لحم الخنزير إلى الشاحنات
…سؤال رقم 85191
…سؤال:(6/2)
أنا شاب مسلم أعمل في بلد غربي في مخزن لتوزيع المواد الغذائية على الأسواق والمحلات التجارية حيث نقوم بجمع هذه المواد وتعبئتها في الشاحنات لتحمل إلى الأسواق ومن بين المواد التي نجمعها الخضر والفواكه والألبان واللحوم .... وأحيانا نتصادف مع زبون يطلب لحم الخنزير أو مشتقاته فنكون مضطرين إلى جمعها وحملها على الشاحنات. سؤالي : ما رأي الشرع في عملي هذا؟ مع العلم أن فرص العمل المتوفرة في المطاعم والمقاهي بدورها تقدم أطباقا تحتوي علي لحم خنزير.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز بيع لحم الخنزير ، ولا الإجارة على حمله ، ولا الإعانة عليه بوجه من الوجوه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ ) رواه البخاري (2082) ومسلم (2960) .
ولقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 ، وكذا كل ما ثبت تحريمه ، فلا يجوز الإعانة عليه ، كتقديم الخمر ، أو الميتة ، أو لحم الحمر الأهلية ، في المطاعم وغيرها .
قال الله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) المائدة/3 .
والواجب على المسلم أن يتقي الله تعالى ، وأن يبحث عن الكسب الحلال ، وأن يجتنب الكسب الحرام ، فإن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر رضي الله عنه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : عن العمل في المطاعم التي تقدم بها الخمور ولحم الخنزير .
فأجابوا : " يحرم العمل والتكسب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير ، والأجرة على ذلك محرمة ؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، والله تعالى نهى عنه بقوله ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) وننصحك بالبعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه ؛ لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله ".
فتاوى اللجنة الدائمة (13/49) .
والحاصل أنه لا حرج عليك في العمل في هذا المخزن ، بشرط عدم الإعانة على شيء من الحرام ، بيعا ، أو جمعا ، أو حملا ، أو غير ذلك من صور الإعانة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
حكم العمل في مجال السياحة ؟
…سؤال رقم 82402
…سؤال:
هل العمل بالسياحة حلال أم حرام ؟.
الجواب:
الحمد لله
السياحة الآن تعني التبرج والاختلاط والخمور والحفلات الماجنة ولعب القمار والشواطئ التي تُكشف فيها العورات ، وفي بعض البلدان يضاف إلى ما سبق زيارة مساكن الكفار الذين نهينا عن الذهاب إليها وزيارتها إلا أن نكون باكين ، وهذا كله مخالف للشرع داخل في التعاون على الإثم والعدوان ، ومسبب للكسب الحرام .
قال الله تعالى : ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ ) رواه البخاري ( 423 ) ، (3380) ومسلم ( 2980 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" أن يصيبكم " أي : خشية أن يصيبكم , ووجه هذه الخشية : أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار , فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه , وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك ، والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له , فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال , ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه , فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم .
" فتح الباري " ( 1 / 531 ) .
ولو فرض أن السياحة في بلدك أو مؤسستك لا تدل السياح على أماكن الحرام ولا تعينهم عليه : فإنه يجوز لك العمل معهم .(6/3)
فالذي يجب عليك فعله إن كنت تعمل في مؤسسات سياحية تقوم على نشر المنكرات والدلالة عليها : أن تبادر إلى الخروج من العمل بعد نصح القائمين عليه بتقوى الله واجتناب الحرام ، وإن كنتَ لم تعمل بعدُ فلا تعمل معهم ، واعلم أن ما عند الله خير وأبقى ، ولا تُنبت جسدك وجسد أبنائك بالحرام ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ . وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2- 3 ، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ تَرَكَ شَيْئاً لله عوَّضَه الله خَيْراً مِنْه ) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " حجاب المرأة المسلمة " ( ص 49 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
هل يعمل طباعا في مكتب محاماة يدافع عن المجرمين ؟
…سؤال رقم 82799
…سؤال:
هل العمل كطباع في مكتب محاماة وعلمي بأن المستشارين يدافعون عن مجرمين وأنا أطبع هذه المذكرات على الكمبيوتر فهل علي إثم في ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
العمل في المحاماة يكون جائزا ويكون حراما ، بحسب القضية والحال ، فإن كانت المحاماة لنصرة مظلوم ، واسترداد حق ، فهي جائزة ، بل مستحبة ، وإن كانت لنصرة باطل أو إعانة على ظلم ، أو اعتمدت على كذب وزور فهي حرام . وراجع السؤال رقم (9496) .
وينبني على ذلك حكم العمل في مكاتب المحاماة ، في الطباعة وغيرها ، لأنها من جملة ما يستعان به في المحاماة ، فحيث كانت المحاماة جائزة ، كانت الوسائل المعينة عليها جائزة أيضا ، والعكس بالعكس ؛ قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 .
فإذا علمتَ أن المستشارين يدافعون عن مجرمين ، وطُلب منك طباعة مذكراتهم ، لم يجز لك ذلك ؛ لأنه إعانة على الإثم ، وإقرار للمنكر ، ومشاركة فيه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ) رواه مسلم (49).
والدفاع عن المجرم والتستر عليه ونصرته جريمة عامةٌ وخاصة ، عامة في حق الأمة ؛ لما لانتشار المجرمين وبعدهم عن العقاب من آثار سيئة لا تخفى ، وخاصةٌ في حق المجني عليه إن تعلقت القضية بشخص معين .
وكل إعانة على الظلم والجريمة محرمة ، سواء كان بإعداد المادة أو طباعتها أو الدفاع عنهم أو غير ذلك .
والواجب عليك هو نصح هؤلاء ، والامتناع عن المشاركة في طباعة ما تعلم أنه دفاع عن باطل ، فإن استجيب لك فالحمد لله ، وإلا فابحث عن عمل آخر ، تسلم فيه من الإثم ، وتنال منه رزقا حلالا .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===============
هل يجوز لها أن تصلي أمام الموظفين في الشركة ؟
…سؤال رقم 39178
…سؤال:
أنا امرأة أعمل في شركة هل يجوز لي أن أصلي أمام الموظفين بنفس الغرفة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يُعلم من سؤالكِ أنك تعملين في عمل مختلط مع الرجال ، والاختلاط يترتب عليه مفاسد ومحاذير كثيرة لا تخفى على أهل البصائر ، وراجعي السؤال رقم (1200) لمعرفة أدلة تحريم الاختلاط .
وقد أفتى الثقات من أهل العلم بتحريم العمل المختلط ، ومن ذلك ما جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/156) : " الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة ، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا ، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء ، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك " انتهى .
وراجعي السؤال رقم (6666) ففيه : هل تستمرّ في عمل تختلط فيه بالرجال ؟
ثانيا :
من ابتليت بهذا العمل المختلط ، فإن أمكنها أداء الصلاة في بيتها فهو أفضل ، كأن يكون رجوعها إلى بيتها قبل العصر بوقت يتسع لأداء صلاة الظهر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا ، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا ) رواه أبو داود (570) وصححه الألباني في صحيح أبي داود ؛ ولما فيه من الستر والصيانة عن نظر الرجال .
وإن كان لا يمكنها إدراك الصلاة في بيتها ، فإنها تختار أستر مكان في محل عملها ، وتصلي صلاتها ، ملتزمة بحجابها ، ساترة لجميع بدنها ، ولا يجوز لها أن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها ، قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) النساء/103 .
قال السعدي رحمه الله :(6/4)
" أي : مفروضا في وقته . فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتا , لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم ، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : (صلوا كما رأيتموني أصلي ) " انتهى .
"تفسير السعدي" ( ص 204) .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/255) :
" المرأة الحرة عورة يحرم عليها كشف وجهها وكفيها بحضرة الرجال الأجانب منها ، سواء كانت في الصلاة أو في حالة الإحرام أو في غير ذلك من الحالات العادية ؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ) رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه . وإذا كان هذا في حالة الإحرام المطلوب فيه كشف وجه المرأة ففي غيرها أولى ؛ لعموم قوله عز وجل : ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) " انتهى .
واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، ومن اتقى الله تعالى جعل له من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، فبادري بترك العمل المختلط ، وابحثي عن العمل المباح الذي يبارك الله تعالى فيه .
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
لا تستطيع خلع الحجاب عند الوضوء في محل عملها فهل تمسح عليه ؟
…سؤال رقم 72391
…سؤال:
أنا أعمل في شركة ومن الصعب علي الوضوء للصلاة ( أي خلع الحجاب لمسح الشعر والأذنين ) والسؤال هل الأفضل أن أمسح على الحجاب وأمسح الأذنين قدر استطاعتي فقط ؟ أم أن أجمع صلاة الظهر والعصر بالمنزل ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الظاهر أن تحرجك من خلع الحجاب هو لوجود الرجال الأجانب في محل عملك ، فإن كان الأمر كذلك فاعلمي أن اختلاط المرأة بالرجال الأجانب عنها يترتب عليه مفاسد ومحاذير كثرة ، كالخلوة والنظر والخضوع بالقول وفتنة القلب وغير ذلك مما لا يخفى على أهل البصائر ، وراجعي السؤال رقم (1200) لمعرفة أدلة تحريم الاختلاط .
ثانيا :
من ابتليت بذلك ، وحان وقت الصلاة أثناء عملها ، ولم يمكن تأخيرها إلى حين رجوعها لبيتها ، فإنها تصلي في أستر موضع في محل العمل ، مع سترها لوجهها وكفيها وجميع بدنها عن الرجال الأجانب ، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (39178) .
ثالثا :
قولك : إنه من الصعب خلع الحجاب لمسح الشعر والأذنين في الوضوء ، يثير تساؤلا ، وهو كيف تغسلين ذراعيك وقدميك في حضرة الرجال ؟
ولا يخفى عليك أن الذراعين والقدمين هما من العورة التي يجب سترها عن الأجانب ، وأما الوجه والكفان ففيهما خلاف ، والراجح وجوب سترهما أيضا ، وانظري السؤال رقم (11774) .
رابعا :
يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها عند الحاجة ، كشدة البرد ، أو مشقة خلع الحجاب ولبسه .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها ؟
فأجاب : " المشهور من مذهب الإمام أحمد ، أنها تمسح على الخمار إذا كان مدارا تحت حلقها ، لأن ذلك قد ورد عن بعض نساء الصحابة رضي الله عنهن .
وعلى كل حال فإذا كانت هناك مشقة ، إما لبرودة الجو أو لمشقة النزع واللف مرة أخرى ، فالتسامح في مثل هذا لا بأس به ، وإلا فالأولى ألا تمسح " انتهى .
"فتاوى الطهارة" (ص 171) .
وقال في "شرح منتهى الإرادات" (1/60) : " و يصح المسح أيضا على خُمُرِ نساء مُدارةٍ تحت حلوقهن ؛ لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها ، ذكره ابن المنذر " انتهى .
ومادام الخمار ساترا للأذنين ، فإنه يكفي المسح على الخمار ، ولا يلزم إدخال اليدين تحت الخمار لمسحهما ، وكذلك الرجل إذا لبس عمامة ، فإنه لا يلزمه مسح الأذنين ، ولو كانتا مكشوفتين ، بل يستحب ذلك فقط .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ويسن أيضا أن يمسح ما ظهر من الرأس كالناصية وجانب الرأس والأذنين ".
"فتاوى الطهارة" (ص 170) .
خامسا :
على المرأة المسلمة أن تحرص على تقوى الله تعالى ، وامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، والبعد عن العمل المختلط الذي قد يُحل بها غضب الله وسخطه ، والحذر من إيثار الدنيا على الآخرة ، فإنها متاع زائل ، وما عند الله لا ينفد . وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في "حجاب المرأة المسلمة" (ص 49) .
نسأل الله أن يوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
============
هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار ؟
…سؤال رقم 50074
…سؤال:(6/5)
يوجد مصنع لصنع التحف الزجاجية كحوامل العطور والشمعدانات وتصديرها للخارج ، وعرض عليَّ بأن أكون مسؤولاً عن التصدير ، ولكن المصنع يطلب مني في أعياد النصارى ( الكريسماس ) عمل بعض التحف الزجاجية الخاصة بعيدهم كالصلبان والتماثيل . فهل هذا العمل يجوز حيث إنني أخشى من الله بعد أن منَّ عليَّ ببعض العلم وبحفظ كتابه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن يشارك في أعياد الكفَّار ، سواء بحضور أو تمكين لهم بإقامته أو ببيع مواد وسلع تتعلق بتلك الأعياد .
كتب الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ إلى وزير التجارة قائلاً : من محمد إبراهيم إلى معالي وزير التجارة سلمه الله . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
ذُكر لنا أن بعض التجار في العام الماضي استوردوا هدايا خاصة بمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية ، من ضمن هذه الهدايا شجرة الميلاد المسيحي ، وأن بعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد .
وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله ، ولا نشك في أنكم تعرفون عدم جواز ذلك ، وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم .
فنأمل منكم ملاحظة منع ما يرد بالبلاد من هذه الهدايا وما في حكمها مما هو خصائص عيدهم.
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 3 / 105 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
بعض المسلمين يشاركون النصارى في أعيادهم ، فما توجيهكم ؟ .
فأجاب :
لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم ، بل يجب ترك ذلك ؛ لأن " مَن تشبَّه بقوم فهو منهم " ، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم ، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك ، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء لأنها أعياد مخالفة للشرع ، فلا يجوز الاشتراك فيها ، ولا التعاون مع أهلها ، ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها ؛ ولأن الله سبحانه يقول : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 405 ) .
وفي بيان لعلماء اللجنة الدائمة حول المشاركة باحتفالات الألفية قالوا :
سادساً : لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ومن ذلك : إشهار أعيادهم وإعلانها ، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام ، أو نصب الساعات واللوحات الرقمية ، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية ، أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية ، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها ، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها . اهـ .
وعليه : فلا يجوز لك - أخي - المشاركة في صنع شيء يتعلق بأعياد الكفار ، واترك هذه الوظيفة لله تعالى ، وسيبدلك الله خيراً منها إن شاء .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===============
هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار ؟
…سؤال رقم 50074
…سؤال:
يوجد مصنع لصنع التحف الزجاجية كحوامل العطور والشمعدانات وتصديرها للخارج ، وعرض عليَّ بأن أكون مسؤولاً عن التصدير ، ولكن المصنع يطلب مني في أعياد النصارى ( الكريسماس ) عمل بعض التحف الزجاجية الخاصة بعيدهم كالصلبان والتماثيل . فهل هذا العمل يجوز حيث إنني أخشى من الله بعد أن منَّ عليَّ ببعض العلم وبحفظ كتابه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن يشارك في أعياد الكفَّار ، سواء بحضور أو تمكين لهم بإقامته أو ببيع مواد وسلع تتعلق بتلك الأعياد .
كتب الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ إلى وزير التجارة قائلاً : من محمد إبراهيم إلى معالي وزير التجارة سلمه الله . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
ذُكر لنا أن بعض التجار في العام الماضي استوردوا هدايا خاصة بمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية ، من ضمن هذه الهدايا شجرة الميلاد المسيحي ، وأن بعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد .
وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله ، ولا نشك في أنكم تعرفون عدم جواز ذلك ، وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم .
فنأمل منكم ملاحظة منع ما يرد بالبلاد من هذه الهدايا وما في حكمها مما هو خصائص عيدهم.
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 3 / 105 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
بعض المسلمين يشاركون النصارى في أعيادهم ، فما توجيهكم ؟ .
فأجاب :(6/6)
لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم ، بل يجب ترك ذلك ؛ لأن " مَن تشبَّه بقوم فهو منهم " ، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم ، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك ، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء لأنها أعياد مخالفة للشرع ، فلا يجوز الاشتراك فيها ، ولا التعاون مع أهلها ، ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها ؛ ولأن الله سبحانه يقول : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 405 ) .
وفي بيان لعلماء اللجنة الدائمة حول المشاركة باحتفالات الألفية قالوا :
سادساً : لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ومن ذلك : إشهار أعيادهم وإعلانها ، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام ، أو نصب الساعات واللوحات الرقمية ، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية ، أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية ، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها ، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها . اهـ .
وعليه : فلا يجوز لك - أخي - المشاركة في صنع شيء يتعلق بأعياد الكفار ، واترك هذه الوظيفة لله تعالى ، وسيبدلك الله خيراً منها إن شاء .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
حكم عمل المحامي في دولة تحكم بغير ما أنزل الله
…سؤال رقم 42521
…سؤال:
هل يجوز أن أعمل محاميا في دولة تحكم بغير ما أنزل الله ؟ وهل أجري حلال أو حرام ؟.
الجواب:
الحمد لله
" من يكون وكيلا عن غيره وهو ما يسمى عرفا ( المحامي ) في قضية ما في دولة تحكم بالقوانين الوضعية على خلاف الشريعة الإسلامية ، فكل قضية يدافع فيها عن الباطل عالما بذلك مستندا في دفاعه إلى القوانين الوضعية فهو كافر إن استحل ذلك ، أو كان مستهترا لا يبالي بمعارضة الكتاب والسنة بما وضعه الناس من قوانين ، وما يأخذه من الأجر على هذا فهو سحت .
وكل قضية يدافع فيها عن الباطل عالما بذلك معتقدا تحريمه لكن حمله على ذلك طمعه في كسب القضية لينال الأجر عليها فهو آثم ، مرتكب لجريمة من كبائر الذنوب ، وما يأخذه من الأجر على ذلك سحت لا يحل له .
أما إن دافع عن موكله في قضية معتقدا أنه محق شرعا ، واجتهد في ذلك بما يعرفه من أدلة التشريع الإسلامي ، فهو مثاب على عمله ، معذور في خطئه ، مستحق للأجر على دفاعه .
وأما من دافع عن حق في الواقع لأخيه ، وهو يعتقده حقا ، فهو مثاب ، مستحق للأجر المتفق عليه مع من وكله " اهـ .
من فتاوى اللجنة الدائمة (23/497) .
===============
هل يجلس مع زملائه في العمل وهم يشربون الخمر ؟
…سؤال رقم 20959
…سؤال:
أنا المسلم الوحيد في الشركة التي اعمل فيها ، ويتطلب عملي أن أكون في رحلات عمل أو مناسبات مع زملاء في العمل وأحياناً يشربون الخمر وأنا موجود ، هل أكون مذنباً بالبقاء معهم حتى وأنا لا أشرب ولا أفعل أي شيء يتعارض مع ديني ؟ إذا لم أشارك في هذه المناسبات فربما يؤثر هذا على بقائي في العمل .
الجواب:
الحمد لله
فضَّل الله تعالى هذه الأمة على غيرها لأمور وعلى رأسها : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال الله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) آل عمران / 110 .
والواجب عليك - وأنت المسلم الوحيد في الشركة كما تقول - أن تعتز بشعائر دينك ، وأن تحرص على تطبيقها ، وأن لا ترتكب ما نُهيتَ عنه ، وهذا مما يزيدك رفعة وشرفاً ويعظم من أجرك ، فالبقاء معهم ولو لم تباشر شرب الخمر هو بحد ذاته معصية ، والله تعالى أمرنا بعدم الجلوس في أماكن المنكرات ، وإلا كان علينا مثل ما على من باشر المنكرات بنفسه .
قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) النساء / 140 .
وقال : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) الأنعام / 68 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم ( 70 ) .
وإنكار القلب هو ما يصيبه من هم وغم وحزن على وجود المنكر ، وهذا فرض عين على جميع الناس في جميع الظروف والأحوال لا يعذرون بتركه ؛ لأن القلب لا سلطان لأحدٍ عليه ، والبقاء في مجلس المنكر يتنافى مع هذا الإنكار .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :(6/7)
إذ المؤمن عليه أن يتقى الله في عباده وليس عليه هداهم ، وهذا معنى قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } ، والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات : لم يضره ضلال الضلال ، وذلك يكون تارة بالقلب ، وتارة باللسان ، وتارة باليد ، فأما القلب : فيجب بكل حال إذ لا ضرر في فعله ، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبي : " وذلك أدنى - أو أضعف - الإيمان " .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 127 ) .
هذا ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمَ عن الجلوس على مائدة يُشرب فيها الخمر .
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر : فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر " .
رواه أحمد ( 126 ) ، وقد صححه العلامة الألباني في " إرواء الغليل " ( 7 / 6 ) .
وانظر جواب السؤال ( 8957 ) و ( 6992 ) .
وأخيراً نذكرك بقول الله تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً . ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً } الطلاق / 2 ، 3 .
فاترك هذه المنكرات ، وتلك الرحلات والجلسات ، واحتسب ذلك عند ربك تبارك وتعالى فإن أدى هذا إلى فصلك من عملك فأجرك عند الله عظيم وستجد الخير والفرج والرزق بإذنه تعالى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
حكم الإضراب عن العمل
…سؤال رقم 5230
…سؤال:
السؤال :
ما حكم الإضراب عن العمل لتحقيق بعض المطالب للعامل أو تحسين بعض الأوضاع ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
إن الإضراب إخلال في عقد العمل بين العامل من جهة وصاحب العمل من جهة أخرى ، ولقد دعى الله عز وجل في كتابه الكريم إلى الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق التي يقطعها الإنسان على نفسه تجاه الغير ، ولا بد أن يقوم العامل بجميع الأعمال الموكلة إليه على الوجه الذي يرضي الله تعالى مصداقاً لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) المائدة /1
وقد يصاحب الإضراب بعض المفاسد وأعمال الشغب ومظاهر العنف ، وهذا ما لا يرتضيه الشارع بناء على القاعدة الفقهية : درء المفاسد أولى من جلب المنافع ، وهناك العديد من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق المطالب وقد تكون أكثر فاعلية وجدوى من الإضراب ، والإنسان العاقل لا يترك باباً وفق أسس سليمة شرعية إلا وطرقه .
أما الانقطاع عن العمل بسبب عدم دفع الأجور والرواتب فهذا جائز ، لأن رب العمل أخل بالعقد ، فللعامل أن ينقطع عن العمل حتى يدفع له أجره ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) رواه ابن ماجه والله أعلم .
المرجع : مسائل ورسائل / محمد المحمود النجدي ص 48
================
يعمل في شركة بها مطعم يبيع الخمر ولحم الخنزير
…سؤال رقم 70520
…سؤال:
زوجي يعمل في دولة غربية في شركة بيع الملابس النسائية والرجالية وأيضا ملابس الأطفال وكل مستلزمات المنزل والذهب أي كل شيء .
والسؤال هو : في الشركة قسم للطعام أي مطعم وفيه تباع لحوم الخنزير والخمر لكن زوجي يعمل في قسم الساعات والذهب ، فهل يعتبر مرتبة حلال أم حرام ؟ أرجو منكم التفصيل في ذلك .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
سبق في كثير من الأجوبة بالموقع التحذير من الإقامة في دول الكفر ، لما في ذلك من تأثير سلبي واضح على دين الرجل ، فإنه يتعرض لشهوات وشبهات قد تكون سببا في فتنته عن دينه ، نسأل الله السلامة . ويعتاد رؤية المنكرات ولا يستطيع إنكارها أو تغييرها ، مما يقلل قبح هذه المنكرات في قلبه .
ولذلك : لا يجوز للمسلم أن يقيم في دول الكفر إذا كان يخشى على دينه .
وانظر السؤال رقم (38284) ، (13363) .
ثانياً :
إذا كان عمل زوجك في قسم الساعات والذهب ، لا صلة له بالمطعم وما يباع ويفعل فيه من منكرات ، فراتبه حلال ، لأنه في مقابل عمل مباح ، ولا يتحمل إثم الشركة فيما تبيعه من حرام .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتعاملون مع اليهود معاملات مباحة ، مع أن اليهود كانوا يتعاملون معاملات أخرى محرمة كالربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل ، وقد روى الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيرا فقلت : بأبي أنت ، ما لي أراك متغيرا ؟ قال : ( ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث ) .
قال : فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلوٍ بتمرة فجمعت تمرا فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم . حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (3271) . وانظر جواب السؤال (20732) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
يعمل في شركة بها مطعم يبيع الخمر ولحم الخنزير
…سؤال رقم 70520
…سؤال:
زوجي يعمل في دولة غربية في شركة بيع الملابس النسائية والرجالية وأيضا ملابس الأطفال وكل مستلزمات المنزل والذهب أي كل شيء .(6/8)
والسؤال هو : في الشركة قسم للطعام أي مطعم وفيه تباع لحوم الخنزير والخمر لكن زوجي يعمل في قسم الساعات والذهب ، فهل يعتبر مرتبة حلال أم حرام ؟ أرجو منكم التفصيل في ذلك .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
سبق في كثير من الأجوبة بالموقع التحذير من الإقامة في دول الكفر ، لما في ذلك من تأثير سلبي واضح على دين الرجل ، فإنه يتعرض لشهوات وشبهات قد تكون سببا في فتنته عن دينه ، نسأل الله السلامة . ويعتاد رؤية المنكرات ولا يستطيع إنكارها أو تغييرها ، مما يقلل قبح هذه المنكرات في قلبه .
ولذلك : لا يجوز للمسلم أن يقيم في دول الكفر إذا كان يخشى على دينه .
وانظر السؤال رقم (38284) ، (13363) .
ثانياً :
إذا كان عمل زوجك في قسم الساعات والذهب ، لا صلة له بالمطعم وما يباع ويفعل فيه من منكرات ، فراتبه حلال ، لأنه في مقابل عمل مباح ، ولا يتحمل إثم الشركة فيما تبيعه من حرام .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتعاملون مع اليهود معاملات مباحة ، مع أن اليهود كانوا يتعاملون معاملات أخرى محرمة كالربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل ، وقد روى الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيرا فقلت : بأبي أنت ، ما لي أراك متغيرا ؟ قال : ( ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث ) .
قال : فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلوٍ بتمرة فجمعت تمرا فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم . حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (3271) . وانظر جواب السؤال (20732) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===============
عمل الطلاب في مطاعم تقدّم الخمر والخنزير
…سؤال رقم 1830
…سؤال:
يضطر كثير من الطلاب المسلمين إلى العمل في هذه البلاد لتغطية نفقات الدراسة والمعيشة لأن كثيراً منهم لا يكفيه ما يرده من ذويه مما يجعل العمل ضرورة له لا يمكن أن يعيش بدونه ، وكثيراً ما لا يجد عملاً إلا في مطاعم تبيع الخمور أو تقدم وجبات فيها لحم الخنزير وغيره من المحرمات . فما حكم عمله في هذه المحلات ؟ وما حكم بيع المسلم للخمور والخنازير ، أو صناعة الخمور وبيعها لغير المسلمين ؟ علماً بأن بعض المسلمين في هذه البلدان قد اتخذوا من ذلك حرفة لهم .
الجواب:
الحمد لله
للمسلم إذا لم يجد عملاً مباحاً شرعاً العمل في مطاعم الكفار بشرط أن لا يباشر بنفسه سقي الخمر أو حملها أو صناعتها أو الاتجار بها ، وكذلك الحال بالنسبة لتقديم لحوم الخنازير ونحوها من المحرمات .
مجمع الفقه الإسلامي ص 45
==============
هل تفضيله للعمل مع غير المسلمين يعتبر من موالاتهم ؟
…سؤال رقم 67610
…سؤال:
هل العمل في شركة يملكها رجل كافر يعتبر من موالاة الكفار ؟.
الجواب:
الحمد لله
العمل عند الكفار ومشاركتهم في التجارة لا يعد من موالاتهم ، وعلى المسلم أن يحسن اختياره للأشخاص ، ولطبيعة العمل ونوعية التجارة ، ولا يجوز أن تكون أعماله أو تجاراته في المحرمات ، ولا يحل له أن يوادهم في قلبه ، ولا أن يثني عليهم ثناء مطلقاً ، ويجب عليه أن يتحلى بالصدق والإتقان في عمله ليكون أنموذجاً طيباً لأخلاق المسلمين .
قال الشيخ صالح الفوزان :
ومن الموالاة المحرمة : مناصرتهم على المسلمين ومظاهرتهم أو الدفاع عنهم بالقول بتبرير ما هم عليه والاعتزاز بما هم عليه ، كل هذا من أنواع الموالاة المحرمة والتي تصل إلى الردة عن الإسلام - والعياذ بالله - قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة/51 .
أما ما يجوز لنا من التعامل مع الكفار فهو التعامل المباح ، نتعامل معهم بالتجارة ، ونستورد منهم البضائع ، ونتبادل معهم المنافع ، ونستفيد من خبراتهم ، نستقدم منهم من نستأجره على أداء عمل كهندسة أو غير ذلك من الخبرات المباحة ، هذا حدود ما يجوز لنا معهم ولابد من أخذ الحذر ، وأن لا يكون له سلطة في بلاد المسلمين إلا في حدود عمله ، ولا يكون له سلطة على المسلمين ، أو على أحد من المسلمين ، وإنما تكون السلطة للمسلمين عليهم .
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (2/252) .
وعلى أصحاب الأعمال من المسلمين أن يتقوا الله في أعمالهم وموظفيهم ، وأن يقيموا الأعمال المباحة ، وأن يعطوا موظفيهم وعمالهم حقوقهم كاملة غير منقوصة ، وأن لا يتسببوا في انتقال العمال والموظفين المسلمين إلى غيرهم من الكفار .
فالكثير من المسلمين يرى أن ما يحصل عليه من راتب وامتيازات عند الكافر هي التي تدفعه إلى العمل عنده ؛ لأنه يرى أنه يأخذ ما يستحقه ، وفي هذا من المفاسد ما فيه من مدح هؤلاء الكفار والثناء عليهم في خلقهم ومعاملاتهم ، وقد يؤدي ذلك إلى الوقوع في موالاتهم ، وهو ما سبب فتنة لكثيرين في دينهم بعد ذلك .
وانظر جواب السؤال رقم ( 59879 ) ففيه تفصيل مهم في موالاة الكفار وأنواعها .
وانظر جواب السؤال رقم ( 2875 ) ففيه حكم العمل عند الكفار ، وجواب السؤال رقم ( 2371 ) ففيه بيان جواز مشاركة المسلم للكافر بشروط .(6/9)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
================
خيره صاحب العمل بين تخفيف اللحية أو ترك العمل
…سؤال رقم 82720
…سؤال:
أنا أعمل في شركة وصاحب العمل طلب مني تخفيف اللحية ( وليس حلاقتها ) أو ترك العمل مع العلم بأنه يسمح لي بالصلاة في المسجد في أوقاتها دائما فما حكم تخفيف اللحية ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
حلق اللحية محرم ، وكذلك تقصيرها وتخفيفها ؛ لما ورد من الأدلة على وجوب إعفائها وتركها .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/133) : " حلق اللحية حرام لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة والصريحة والأخبار ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار ، فمن ذلك حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب ) وفي رواية : ( أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ) وفيه أحاديث أخرى بهذا المعنى ، وإعفاء اللحية تركها على حالها ، وتوفيرها إبقاؤها وافرة من دون أن تحلق أو تنتف أو يقص منها شيء ، وحكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض ، واستدل بجملة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق وبحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من لم يأخذ من شاربه فليس منا ) صححه الترمذي قال في الفروع وهذه الصيغة عند أصحابنا - يعني الحنابلة - تقتضي التحريم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة ؛ لأن مشابهتهم في الظاهر سببٌ لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة بل وفي نفس الاعتقادات ، فهي تورث محبة وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ) الحديث ، وفي لفظ : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه الإمام أحمد . ورَدَّ عمرُ بن الخطاب شهادة من ينتف لحيته .
وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد : " يحرم حلق اللحية ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال " يعني بذلك المتشبهين بالنساء ، ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية ) رواه مسلم عن جابر ، وفي رواية : ( كثيف اللحية ) ، وفي أخرى : ( كث اللحية ) والمعنى واحد ، ولا يجوز أخذ شيء منها لعموم أدلة المنع " انتهى .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم من يساوي لحيته يجعلها متساوية مع بعضها البعض ؟
فأجاب : " الواجب : إعفاء اللحية ، وتوفيرها ، وإرخاؤها ، وعدم التعرض لها بشيء ؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين ) متفق على صحته ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وروى البخاري في صحيحه رحمة الله عليه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين ) وروى مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس )
وهذه الأحاديث كلها تدل على وجوب إعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها ، وعلى وجوب قص الشوارب . هذا هو المشروع ، وهذا هو الواجب الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام وأمر به ، وفي ذلك تأس به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضي الله عنهم ، ومخالفة للمشركين ، وابتعاد عن مشابهتهم وعن مشابهة النساء .
وأما ما رواه الترمذي رحمه الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها فهو خبر باطل عند أهل العلم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تشبث به بعض الناس ، وهو خبر لا يصح ؛ لأن في إسناده عمر بن هارون البلخي وهو متهم بالكذب . فلا يجوز للمؤمن أن يتعلق بهذا الحديث الباطل ، ولا أن يترخص بما يقوله بعض أهل العلم ، فإن السنة حاكمة على الجميع ، والله يقول جل وعلا : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) ويقول سبحانه : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) ويقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ) والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/443).
ثانيا :(6/10)
لا يجوز لصاحب العمل أن يأمرك بتخفيف لحيتك ؛ لأنه أمر بالمعصية كما سبق ، وليس لك أن تطيعه ، بل الواجب عليك أن تصبر وتصابر ، وتبين له الحكم الشرعي ، فإن أصر على رأيه ، وكان إعفاؤك للحية يعني ترك العمل ، فيُنظر في حالك وعملك ، فإن كنت تجد عملا غيره ، فاترك العمل ، ابتغاء مرضاة الله تعالى ، وإن لم تجد عملا آخر ، فنرجو أن تكون معذورا في التخفيف من لحيتك ؛ لما تقرر عند أهل العلم من جواز ارتكاب المحرم عند الضرورة والحاجة الشديدة ، على أن تقتصر على أقل ما يمكن من التخفيف الذي يرضى به صاحب العمل ، قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 وراجع السؤال رقم (70319)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============================
الفهرس العام
الباب السادس…2
أحكام الوظائف…2
العمل بالقسم الإسلامي في البنك مع وجود الاختلاط…2
حكم العمل في شركة برمجة وفيها قسم آخر يصمم مواقع لترويج الخمر…3
حكم المشاركة والعمل في دفتر التوفير…4
يعمل في مخزن وقد يطلب منه نقل لحم الخنزير إلى الشاحنات…7
حكم العمل في مجال السياحة ؟…8
هل يعمل طباعا في مكتب محاماة يدافع عن المجرمين ؟…10
هل يجوز لها أن تصلي أمام الموظفين في الشركة ؟…11
لا تستطيع خلع الحجاب عند الوضوء في محل عملها فهل تمسح عليه ؟…13
هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار ؟…16
هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار ؟…18
حكم عمل المحامي في دولة تحكم بغير ما أنزل الله…20
هل يجلس مع زملائه في العمل وهم يشربون الخمر ؟…21
حكم الإضراب عن العمل…23
يعمل في شركة بها مطعم يبيع الخمر ولحم الخنزير…24
يعمل في شركة بها مطعم يبيع الخمر ولحم الخنزير…25
عمل الطلاب في مطاعم تقدّم الخمر والخنزير…26
هل تفضيله للعمل مع غير المسلمين يعتبر من موالاتهم ؟…27
خيره صاحب العمل بين تخفيف اللحية أو ترك العمل…29(6/11)
الخلاصة في فقه الأقليات
(7)
الباب السابع
الولاء والبراء
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب السابع
الولاء والبراء
تحرير قول الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله في موالاة الكفار
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فإنه قد ذهب أحد الإخوان ''' إلى أن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله يذهب إلى عدم كفر من والى الكفار وأعانهم على المسلمين إذا كان ولاءه لأجل غرض دنيوي !
ونقل عن الشيخ رحمه الله كلاما كان قد علق فيه على قصة حاطب رضي الله عنه وهو قوله :
( قوله - أي النبي صلى الله عليه وسلم - " صدقكم، خلوا سبيله " ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، إذا كان مؤمناً بالله ورسوله، غير شاك، ولا مرتاب ؛ وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي،) ا.هـ - وسيأتي سياق الكلام من أوله
ثم قرر أن قول الشيخ رحمه الله (وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي ) قيد يقيد به كل صور الموالاة وكل صور الإعانة للكفار !
وبنى على هذا النقل المبتور أن جميع صور الموالاة كفر دون كفر !
-وأن الشيخ رحمه الله لا يقول حتى بكفر من ظاهر المشركين على المسلمين ولو قاتل في جيشهم ضد المسلمين ما لم يقاتل لأجل دينهم أو يستحل ذلك ! وهذا غلط كبير على الشيخ رحمه الله بل هو افتراء عليه وعلى علماء الدعوة النجدية المباركة ……
وأنا إذ أبرز موقف الشيخ رحمه الله في حكم موالاة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين ، ذلك ليسلم لنا موقف علماء الدعوة النجدية والذين ساروا جميعهم على نهج شيخهم وإمامهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله والذي قرر أن من نوا قض الإسلام العشرة : ( مظاهرة المشركين على المسلمين ) .
- فإن موقف الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله وآبائه وأبنائه خاصة ، وعلماء الدعوة النجدية عموما من مسالة تولي الكفار ومناصرتهم على المسلمين من الوضوح بمكان لا يخفى على مطلع على أقوالهم متتبع لها في مظانها '''
- فالشيخ رحمه الله يسير في هذه المسالة على منوال آبائه وإخوانه ممن يفرق بين التولي والموالاة ! أو من يجعلها مراتب في الموالاة !
فيجعل التولي ( الموالاة التامة ) كفرا مخرجا عن الملة ' بينما يجعل الموالاة من قبيل الكبائر والمعاصي غير المكفرة بذاتها !
يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: -
" ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، قد يراد بها مسماها المطلق وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة، والأول هو الأصل عند الأصوليين، والثاني لا يحمل الكلام عليه إلا بقرينة لفظية أو معنوية، وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي، وتفسير السنة" ا.هـ
ويقول رحمه الله :
( ... وعرفتم أن مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة ، منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية ، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات )
الدرر صـ 8/342
- وهذا التقسيم في حد ذاته من أعظم الأمور التي تجلي موقف الشيخ رحمه الله من هذه المسالة !
فإن التقسيم بهذه الصورة يعني بالضرورة أن هذه المسالة فيها صور مكفرة بذاتها ' وأخرى مقيدة ، لا تكون كفرا إلا كما تكون المعاصي كفرا '' وذلك يكون إما (بالاستحلال أو الرضى بالكفر أو الولاء لأجل الدين ) ' هذا ما يعنيه التقسيم ابتداءاً !!!
ومحاولة البعض تقيد جميع صور الموالاة بأنها ليست كفرا لكون الولاء فيها لغرض دنيوي ! أو تقييدها بالاستحلال ! أو الرضى بالكفر ! فهذا الصنيع أقرب لتحريف كلام الشيخ رحمه الله منه لتحقيقه ، لأنه - شاء أم أبى - قد جعل كل صور الموالاة من قبيل المعاصي غير المكفرة !
وبداهة فإن هذا يأباه تقسيم الشيخ رحمه الله السابق!!
فهما أمران متقابلان :
الأول : أن ذات التقسيم من الشيخ رحمه الله يبطل ما ذهب إليه من تقييد جميع الصور بهذه القيود !
الثاني : أن هذا التقييد على جميع صور المولاة يجعلها جميعها من قبيل المعاصي لا تكفر بذاتها !
وهذا إبطال لكلام الشيخ في قوله عن المولاة : " منها ما يوجب الردة .....، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات"
- ولكي يتضح الأمر أكثر نرجع إلى سياق الكلام الذي ذكر فيه الشيخ رحمه الله هذا القيد والذي ظن البعض أن الشيخ رحمه الله يقيد جميع صور الموالاة بان تكون لأجل الدين ! ولينتبه أني في مقام تحرير قول الشيخ رحمه الله فحسب بصرف النظر عما اذهب إليه في المسالة فهذا ليس مقام تحريره !
واصل الكلام هو في الرسالة الآتية
يقول رحمه الله :
بسم الله الرحمن الرحيم(7/1)
من : عبد اللطيف، بن عبد الرحمن، بن حسن : إلى عبد العزيز الخطيب، السلام على من اتبع الهدى وعلى عباد الله الصالحين ؛ وبعد فقرأت رسالتك وعرفت مضمونها وما قصدته من الاعتذار ولكن أسأت في قولك أن ما أنكره شيخنا، الوالد من تكفيركم أهل الحق واعتقاد إصابتكم ؛ أنه لم يصدر منكم وتذكر أن إخوانك من أهل : النقيع يجادلونك وينازعونك في شأننا وأنهم ينسبوننا إلى السكوت عن بعض الأمور وأنت تعرف : أنهم يذكرون هذا غالباً، على سبيل القدح في العقيدة والطعن في الطريقة وإن لم يصرحوا بالتكفير فقد حاموا حول الحمى / فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ومن الغي عن سبيل الرشد، والعمى
وقد رأيت : سنة أربع وستين / رجلين من أشباهكم المارقين بالأحساء قد اعتزلا الجمعة والجماعة وكفرا من في تلك البلاد من المسلمين وجحتهم من جنس حجتكم يقولون أهل الأحساء يجالسون : ابن فيروز ويخالطونه هو، وأمثاله ممن لم يكفر بالطاغوت ولم يصرح بتكفير جده الذي رد دعوة الشيخ محمد ولم يقبلها وعاداها .
قالا : ومن لم يصرح بكفره فهو كافر بالله لم يكفر بالطاغوت، ومن جالسه فهو مثله ورتبوا على هاتين المقدمتين الكاذبتين، الضالتين ما يترتب على الردة الصريحة من الأحكام حتى تركوا رد السلام فرفع إلى أمرهم فأحضرتهم وتهددتهم وأغلظت لهم القول فزعموا أولاً : أنهم على عقيدة الشيخ، محمد بن عبد الوهاب وأن رسائله عندهم فكشفت شبهتهم وأدحضت ضلالتهم، بما حضرني في المجلس .
وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد والمذهب وانه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر والكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه ،من العبادات والإلهية وهذا : مجمع عليه أهل العلم والإيمان، وكل طائفة من أهل المذاهب المقلدة، يفردون هذه المسألة، بباب عظيم يذكرون فيه حكمها وما يوجب الردة ويقتضيها وينصون على الشرك وقد أفرد ابن حجر هذه المسألة بكتاب سماه : الإعلام بقواطع الإسلام .
وقد أظهر الفارسيان المذكوران التوبة والندم وزعما : أن الحق ظهر لهما، ثم لحقا بالساحل وعادا إلى تلك المقالة وبلغنا عنهم : تكفير أئمة المسلمين، بمكاتبة الملوك المصريين ؛ بل كفروا : من خالط من كاتبهم من مشائخ المسلمين، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى والحور بعد الكور
وقد بلغنا : عنكم نحو من هذا وخضتم في مسائل من هذا الباب كالكلام في الموالاة، والمعادة والمصالحة والمكاتبات وبذل الأموال والهدايا ونحو ذلك من مقالة أهل الشرك بالله، والضلالات والحكم بغير ما انزل الله عند البوادى، ونحوهم من الجفاة، لا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الألباب ومن رزق الفهم عن الله وأوتي الحكمة وفصل الخطاب .
والكلام في هذا : يتوقف على معرفة ما قدمناه، ومعرفة أصول عامة، كلية، لا يجوز الكلام في هذا الباب وفى
غيره لمن جهلها و أعرض عنها وعن تفاصيلها فإن الإجمال ،والإطلاق ،وعدم العلم،بمعرفة مواقع الخطاب، وتفاصيله، يحصل به من اللبس، والخطأ، وعدم الفقه عن الله، ما يفسد الأديان، ويشتت الأذهان، ويحول بينها، وبين فهم السنة والقرآن ؛ قال : ابن القيم، في كافيته، رحمه الله تعالى :
فعليك بالتفصيل والتبيين فالـ إطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ أذهان والآراء كل زمان
وأما : التكفير بهذه الأمور، التي ظننتموها، من مكفرات أهل الإسلام فهذا : مذهب، الحرورية، المارقين، الخارجين على علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين، ومن معه من الصحابة، فإنهم : أنكروا عليه، تحكيم أبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، في الفتنة التي وقعت، بينه وبين معاوية، وأهل الشام ؛ فأنكرت الخوارج عليه ذلك، وهم في الأصل من أصحابه، من قراء الكوفة، والبصرة، وقالوا : حكّمت الرجال في دين الله، وواليت معاوية، وعمراً، وتوليتهما، وقد قال الله تعالى : ( إن الحكم إلا لله) [يوسف:40] وضربت المدة بينك وبينهم، وقد قطع الله هذه الموادعة والمهادنة، منذ أنزلت : براءة .
وطال بينهما النزاع، والخصام، حتى أغاروا على سرح المسلمين، وقتلوا من ظفروا به من أصحاب علي، فحينئذ
شمر رضي الله عنه لقتالهم، وقتلهم دون النهروان، بعد الأعذار والإنذار، والتمس : " المخدج : المنعوت في الحديث الصحيح، الذي رواه مسلم، وغيره من أهل السنن، فوجده علي، فسر بذلك، وسجد لله شكراً على توفيقه، وقال : لو يعلم الذي يقاتلونهم، ماذا لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، لنكلوا عن العمل، هذا : وهم أكثر الناس عبادة، وصلاة، وصوماً .(7/2)
فصل : ولفظ : الظلم، والمعصية، والفسوق، والفجور، والموالاة، والمعاداة، والركون، والشرك، ونحو ذلك من الألفاظ، الواردة في الكتاب، والسنة، قد يراد بها مسماها المطلق، وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة ؛ والأول : هو الأصل عند الأصوليين ؛ والثاني : لا يحمل الكلام عليه، إلا بقرينة لفظية، أو معنوية، وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي، وتفسير السنة، قال تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) الآية [ إبراهيم :4] وقال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) [ النحل :43-44] . وكذلك : اسم المؤمن، والبر، والتقى، يراد بها عند الإطلاق، والثناء، غير المعنى المراد، في مقام الأمر، والنهي ؛ ألا ترى : أن الزاني، والسارق، والشارب،
ونحوهم، يدخلون في عموم قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) الآية [ المائدة :6] وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ) الآية [ الأحزاب :69] وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ) [ المائدة :106] ولا يدخلون في مثل قوله : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ) [الحجرات:15] وقوله (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) الآية [ الحديد :19] . وهذا : هو الذي أوجب للسلف، ترك تسمية الفاسق، باسم الإيمان، والبر ؛ وفي الحديث : " لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر، حين يشربها، وهو مؤمن، وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم فيها، وهو مؤمن " وقوله : " لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه " لكن نفى الإيمان هنا، لا يدل على كفره، بل يطلق عليه اسم الإيمان، ولا يكون كمن كفر بالله ورسله، وهذا هو الذي فهمه السلف، وقرروه في باب الرد، على الخوارج، والمرجئة، ونحوهم، من أهل الأهواء ؛ فافهم هذا، فإنه مضلة أفهام، ومزلة أقدام .
وأما : إلحاق الوعيد المرتب، على بعض الذنوب، والكبائر، فقد يمنع منه مانع، في حق المعين، كحب الله ورسوله، والجهاد في سبيله، ورجحان الحسنات، ومغفرة الله ورحمته، وشفاعة المؤمنين، والمصائب المكفرة، في الدور
الثلاثة، ولذلك، لا يشهدون لمعين من أهل القبلة، بجنة ولا نار، وإن أطلقوا الوعيد، كما أطلقه القرآن، والسنة، فهم يفرقون، بين العام المطلق، والخاص المقيد ؛ وكان عبد الله حمار، يشرب الخمر، فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل، وقال ما أكثر ما يؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ط لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله " مع : أنه لعن الخمر، وشاربها، وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه .
وتأمل : قصة حاطب بن أبي بلتعه، وما فيها من الفوائد، فإنه هاجر إلى الله ورسوله، وجاهد في سبيله، لكن حدث منه : أنه كتب بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين من أهل مكة، يخبرهم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيره لجهادهم، ليتخذ بذلك يداً عندهم، تحمي أهله، وماله بمكة، فنزل الوحي بخبره، وكان قد أعطى الكتاب : ظعينة، جعلته في شعرها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، والزبير، في طلب الظعينة، وأخبرهما، أنهما يجدانها في روضة : خاخ، فكان ذلك، وتهدداها، حتى أخرجت الكتاب من ضفائرها، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فدعا حاطب بن أبي بلتعة، فقال له : " ما هذا " ؟ فقال : يا رسول الله، إني لم أكفر بعد إيماني، ولم أفعل هذا
(ص473) رغبة عن الإسلام، وإنما أردت أن تكون لي عند القوم يد، أحمي بها أهلي، ومالي، فقال صلى الله عليه وسلم : " صدقكم، خلوا سبيله " واستأذن عمر، في قتله، فقال : دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال : " وما يدريك، أن الله اطلع على أهل بدر، فقال : اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم " وأنزل الله في ذلك، صدر سورة الممتحنة، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) الآيات .
فدخل حاطب في المخاطبة، باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوص السبب، الدال على إرادته، معه أن في الآية الكريمة، ما يشعر : أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك، قد ضل سواء السبيل، لكن قوله : " صدقكم، خلوا سبيله " ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، وإذا كان مؤمناً بالله ورسوله، غير شاك، ولا مرتاب ؛ وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي، ولو كفر، لما قال : خلوا سبيله
ولا يقال، قوله صلى الله عليه وسلم :" ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم " هو المانع من تكفيره، لأنا نقول : لو كفر لما بقي من حسناته، ما يمنع من لحاق الكفر، وأحكامه ؛ فإن الكفر : يهدم ما قبله، لقوله تعالى :(7/3)
( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) [ المائدة :5] وقوله : ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ) [الأنعام:88] والكفر، محبط للحسنات والإيمان، بالإجماع ؛ فلا يظن هذا .
وأما قوله تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [ المائدة : 51] وقوله : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ) [ المجادلة : 22] وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) [ المائدة : 57 ] فقد فسرته السنة، وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة .
وأصل : الموالاة، هو : الحب والنصرة، والصداقة ودون ذلك : مراتب متعددة ؛ ولكل ذنب : حظه وقسطه، من الوعيد والذم ؛ وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وفى غيره وإنما أشكال الأمر، وخفيت المعانى، والتبست الأحكام على خلوف من العجم والمولدين الذين لا دراية لهم بهذا الشأن ولا مممارسة لهم بمعاني السنة والقرآن
.. ......) ا.هـ ( الدرر السنية جـ 1 ص 467وما بعدها)
(وهي أول رسالة للشيخ رحمه الله من المجلد الثالث من المسائل والرسائل النجدية )
أقول :
إن المتأمل في كلام الشيخ رحمه الله يوقن أن الشيخ رحمه الله قد فرق بين فعل حاطب والذي جعله من " نوع موالاة، " ولم يجعله كفرا مخرجا من الملة وبين الموالاة التامة أو التولي المكفر والذي دلت عليه الآيات التي بدأها بقوله تعالى:
( ومن يتولهم منكم فهو منهم) !
فإن الشيخ رحمه الله في بداية رسالته قد نعى على من وجه إليهم رسالته منهجهم في التكفير ببعض ما ذكره ووصفه أنه من الخوارج الحرورين فقال :
" وقد بلغنا : عنكم نحو من هذا وخضتم في مسائل من هذا الباب كالكلام في الموالاة، والمعادة والمصالحة والمكاتبات وبذل الأموال والهدايا ونحو ذلك ............. ثم قال بعد ذلك .... وأما : التكفير بهذه الأمور، التي ظننتموها، من مكفرات أهل الإسلام فهذا : مذهب، الحرورية، المارقين، الخارجين على علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين، ومن معه من الصحابة......."
- …ثم حمل قصة حاطب رضي الله عنه على هذه المسائل التي نعى عليهم التكفير بها فقال :
( وتأمل : قصة حاطب بن أبي بلتعه، وما فيها من الفوائد،...... ثم قال فدخل حاطب في المخاطبة، باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه،..... )
ومع أنه رحمه قد قرر أن فعل حاطب رضي الله عنه "نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة،"
إلا انه جعله " مؤمناً بالله ورسوله، غير شاك، ولا مرتاب ؛ وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي، ولو كفر، لما قال : خلوا سبيله .
فتبين أن فعل حاطب رضي الله عنه على هذه الصورة مما ذكره من الصور التي نعى على البعض التكفير بها وذلك في قوله أعلاه : " كالكلام في الموالاة، والمعادة والمصالحة والمكاتبات وبذل الأموال والهدايا ونحو ذلك "
وبهذا يتضح أن ما ذكره رحمه الله من قيود في قوله "وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي" فهو مختص بهذه الصور التي ذكرها وجعل فعل حاطب رضي الله عنه منها .
ثم انتقل رحمه الله إلى بيان صورة أخرى من التولي المكفر فقال :
"وأما قوله تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ....."
مما يدل على أن الشيخ رحمه الله قد أنهى الكلام عن حاطب رضي الله عنه وبين حكمه وحكم فعله وأنها من نوع الموالاة التي ليست كفرا في ذاتها ! ،ثم انتقل بعد ذلك إلى نوع آخر يختلف عما سبق الكلام فيه وهو التولي أو الموالاة المطلقة التامة والتي تدل عليها ما جاء به من آيات والتي تدل على كفر من يقوم بمعاونة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين كما سبق النقل عنه في أول البحث !!!
وقد وقفت في موضع آخر على كلام للشيخ رحمه الله يزيل الإشكال ويرفع الجدل، يصرح فيها الشيخ رحمه الله أن فعل حاطب رضي الله عنه من الموالاة المحرمة بعد تقسيمه للموالاة إلى قسمين : قسم هو كفر مخرج من الملة والآخر هو من قبل المعاصي ،،،
قال رحمه الله :
( ... وعرفتم أن مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة ، منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية ، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات ، وعرفتم قوله تعالي { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) الممتحنة 1 وأنها نزلت فيمن كاتب المشركين بسر الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جعل ذلك من "الموالاة المحرمة " وإن اطمئن قلبه بالإيمان....) الدرر صـ 8/342
وبهذا يتضح أن الشيخ رحمه الله إنما ذكر هذا القيد في صورة يعدها هو من قبيل المعاصي ومن قسم المولاة غير المكفرة والتي لا تكون كفرا إلا إذا كانت لأجل الدين أو رضا بالكفر أو أن فاعلها يستحل هذا العمل المحرم …والله أعلم
وهذه بعض أقوال الشيخ رحمه الله في بيان كفر من يناصر الكفار أو يعاونهم والتي إذا وضعت مقابل هذا النقل المبتور تبين أن كلام الشيخ رحمه الله كان في صورة تختلف قطعا عمل سيأتي عنه !
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله:
"وتعزيرهم وتوقيرهم – يعني الكفار – تحته أنواع أيضاً :(7/4)
أعظمها رفع شأنهم ، ونصرتهم على أهل الإسلام ومبانيه ، وتصويب ما هم عليه ، فهذا وجنسه من المكفرات . ودونه مراتب من التوقير بالأمور الجزئية ، كلياقة الدواة ونحوه " ( الدرر 8 / 360)
فهذا نص من الشيخ رحمه الله على أن بعض الصور كفر مخرج من الملة بذاتها دون هذه القيود والبعض الآخر ليس بكفر إلا إذا كان مقيدا بما سبق ذكره !
وقال أيضا :
( قال شيخ الإسلام في اختياراته : من جمز إلى معسكر التتار ولحق بهم ، أرتد وحل دماه ودمه) (الدرر السنية 8/338)
وقال أيضاً:
".....فكيف بمن أعانهم ؟ ، أو جرهم على بلاد أهل الإسلام ؟ ، أو أثنى عليهم ؟ أو فضلهم بالعدل على أهل الإسلام ؟ واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم ؟ وأحب ظهورهم ؟ فإن هذا ردة صريحة بالاتفاق ، قال الله تعالى (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين)." الدرر 8/326) )
وقال أيضاً : :
" وقال تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة:57) ، فتأمل قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإن هذا الحرف – وهو (إن) الشرطية – تقتضي نفي شرطها إذا انتفى جوابها ، ومعناه : أن من اتخذهم أولياء فليس بمؤمن " (الدرر 8 / 288 )
وقال أيضاً :
"وأفضل القرب إلى الله : مقت أعدائه المشركين ، وبغضهم وعداوتهم وجهادهم ، وبهذا ينجو العبد من توليهم من دون المؤمنين ، وإن لم يفعل ذلك فله من ولايتهم بحسب ما أخل به وتركه من ذلك . فالحذر الحذر مما يهدم الإسلام ويقلع أساسه ، قال تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة:57) وانتفاء الشرط يدل على انتفاء الإيمان بحصول الموالاة ، ونظائر هذا في القرآن كثير " (الدرر 9/24)
وهذه بعض النقولات عن أبيه الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله وأبنائه عبد الله ومحمد ابنا الشيخ عبد الطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ
يقول الإمام العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ صاحب ( فتح المجيد) في بيانه للأمور التي تنقض التوحيد ، قال :
( الأمر الثالث : موالاة المشرك والركون إليه ونصرته وإعانته باليد أو اللسان أو المال ، كما قال تعالى ) فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكَافِرِينَ) (مجموعة الرسائل والمسائل) (4/291)
وهذا قول الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله أيضا :
وقد سئل عن الفرق بين الموالاة والتولي ، فأجاب :
( التولي كفر يخرج من الملة وهو كالذب عنهم وإعانتهم بالمال والبدن والرأي ، والموالاة كبيرة من كبائر الذنوب ، كبل الدواة أو بري القلم أو التبشش لهم ،أو رفع الصوت لهم )
(الدرر السنية 10/429)
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمهم الله جميعا:
) وقال صلى الله عليه وسلم : من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله ) فلا يقال : أنه بمجرد المجامعة والمساكنة يكون كافرا بل المراد : أن من عجز عن الخروج عن ظهراني المشركين ، وأخرجوه معهم كرها فحكمه كحكمهم في القتل وأخذ المال لا في الكفر ، وأما إن خرج معهم لقتال المسلمين طوعا واختيارا ، أو أعانهم ببدنه ماله فلا شك أن حكمه حكمهم في" الكفر" ( الدرر السنية 8/455ـ456
فهذا الشيخ وهذا أباه وهذان ولداه رحمهم الله جميعا في تقرير معنى واحد في هذه المسألة وغيرهم كثير من إخوانهم لا يسع المقام لنقل أقوالهم ولكن اقتصرنا على محل الفائدة في هذا المقام .
وهنا أنتهي من الكلام على موقف الشيخ رحمه الله ولكن أورد بعض ما قد يرد على هذا الموضوع باختصار:
قد يقول قائل:
( إن فعل حاطب رضي الله عنه هو من أعظم أنواع الإعانة للكفار ‘ وإن ما قررته من موقف الشيخ رحمه الله ومن نصه على أن فعل حاطب رضي الله عنه من المولاة المحرمة ! يتعارض مع كلام أئمة الدعوة بل مع الإجماع القاضي بكفر من أعان الكفار على المسلمين بأي نوع من أنواع الإعانة سواء كانت بالنفس أو المال أو اللسان !!! )
فالجواب عن هذا أقول :
أولا :
حسبي هنا أن أوضح كلام الشيخ الذي يتعلق به البعض في تعميم القيود المذكورة في قصة حاطب على جميع صور الموالاة وأبطل ذلك فهذا ما رمت أليه في هذه الأسطر ولكن لا يمنع أن أوجه كلامه رحمه الله بما لدي والله المستعان :
ثانيا :(7/5)
إن من المسلمات عند أئمة الدعوة النجدية أن مسالة أن تولي الكافرين ومناصرتهم على المسلمين كفر مخرج من الملة وهذا الأمر مستفيض عنهم بلا شك من لدن الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله الذي صرح في ( نواقضه العشرة ) على كفر من يظاهر المشركين ويعاونهم على المسلمين ! ثم من بعده أبناءه وطلابه ، ولا أدل على ذلك من حكاية الإجماع أو الإتفاق من كثير منهم على ما نص عليه إمامهم رحمهم الله جميعا !
وكونهم يقسمون الولاء إلى قسمين ( كفر ، وما دونه ) اكبر دليل على أن هناك صور مكفرة بذاتها وأخرى دون ذلك ………وهذا أصل محكم !!!
ومحاولة البعض طمس هذه الحقائق أو التشغيب عليها محاولة فاشلة ومفضوحة ....
ثم إن من المقرر عن أهل العلم أنه إذا تعارضت مسالة جزئية مع أصل كلي من الأصول وأشكلت فلا ينتقض هذا الأصل أو يطعن في قطعيته لأجل معارضة أو توهم معارضة مع هذه المسالة الجزئية .....
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :
"أن الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليا وأيضا فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي......وأيضا فالجزئيات المتخلفة قد يكون تخلفها لحكم خارجة عن مقتضى الكلي فلا تكون داخلة تحته أصلا أو تكون داخلة لكن لم يظهر لنا دخولها " ( الموافقات ج: 2 ص: 53)
وتوجيه هذه المعارضة قد يكون بحملها على أحد هذين الوجهين :
- إما أن تكون هذه المعارضة من قبيل تخصيص العام فيكون لها حكمها الخاص المستثني من الحكم العام وفي هذا الوجه إعمال لكلا الدليلين وهو أولى من إعمال أحدهما وإهمال الآخر !
-وإما أن تندرج تحت هذه الأصل وتأخذ حكمه ويؤول معناها بما يتفق مع هذا الأصل !
- وقصة حاطب رضي الله عنه على الوجه الأول تكون من نوع الموالاة غير المكفرة ويكون حديث حاطب رضي الله عنه نص في ذلك '''
فنحكم النص ونترك ما يذهب إليه العقل من أن هذه الإعانة قد تكون اعظم من المساعدة بالمال أو النفس أو غير ذلك لأن العقل محكوم بالشرع وكما قال علي رضي الله عنه :
"لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفين أولى بالمسح من أعلاهما "
ولأنه قد يقال : إن اتخاذهم بطانة وتقريبهم من الولاة وعملهم كوزراء ومستشارين في الدولة وتوليهم الأمور العظام مما يجعل أمر المسلمين كأنه في أيديهم أكثر إفسادا على الأمة من مجرد إفشاء سر أو مكاتبة عدو على حسب ما جاء في قصة حاطب رضي الله عنه '''
ولما لم تكفر النصوص الشرعية من قام بهذا بل اكتفت بالنهي عن ذلك وقفنا عندها ولم نتجاوزها ! فكذلك يقال في قصة حاطب رضي الله عنه
وهذا الوجه - قد - يصح الحمل عليه بشرط أن يقتصر هذا الحكم على حد الصورة التي جاءت في قصة حاطب رضي الله عنه لا تتجاوزها ، فإذا كان بهذه الصورة يصح حملها على نوع الموالاة غير المكفرة على هذا الوجه ، ''
وهذا لا يمنع أن يكون جنس هذا العمل كفرا إن تجاوز هذه الحدود فقد يوقع صاحبه في الكفر والعياذ بالله ويدخل في باب المولاة المكفرة ' وهو مع ذلك على خطر عظيم .
وعلى هذا يستقيم كلام أهل العلم ممن جعل فعل حاطب رضي الله عنه أصل في حكم الجاسوس المسلم وميزوه عن باقي صور المظاهرة والمعاونة ويستقيم الإجماع أيضا بحمله على ما ورد النص بكفر فاعله ، والله أعلم
الوجه الثاني :
أن تندرج حكم هذه الصورة من الموالاة تحت الأصول المقررة لكفر من ظاهر المشركين وعاونهم على المسلمين ويكون حكمها هو الكفر الأكبر كما حكي الإجماع على ذلك غير واحد ! ويؤول فعل حاطب رضي الله عنه أنه ليس مظاهرة ولا معاونة للكفار لأنه
"متأول " كما قرر ذلك ابن حجر رحمه الله وغيره حيث قال :
"وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه " ا. هـ. ( الفتح 8/50)
والتأويل كما هو معلوم عذر شرعي كالخطأ والإكراه يرفع وصف الفعل عن الفاعل وإن كان الفعل في الأصل كفر مخرج من الملة، فهو رضي الله عنه لم يكفر ، لتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم له وقبوله لعذره !
ولكن يستنبط من القصة ما يدل على أن جنس هذا العمل مكفر كما هو ظاهر من موقف عمر رضي الله عنه وأرضاه .
وكون الشيخ رحمه الله يرى أن فعل حاطب من الموالاة المحرمة على حالتين :
- إما أن الشيخ رحمه الله( يخص ) فعل حاطب رضي الله عنه بأنه مولاة محرمة وهذا
( تخصيص لحاطب ) لما أحتف به من قرائن تدل على صدقه ، ولكونه متأولا -كما سبق -، ولتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم له ، وهذا لا يتعارض مع حكمه بكفر من أعان الكفار بالرأي واللسان….
- وإما أنه رحمه الله يرى أن فعل حاطب رضي الله عنه مولاة محرمة دون تخصيص حاطب بذلك وتكون هذه الصورة من المولاة مخصصة من عموم صور المعاونة بالرأي لورود النص بذلك ( وهذا تخصيص لفعل حاطب ) .
وأخيرا لا تخلوا هذه الوجوه من إيرادات لكن هذا ما تيسر لي الآن وتحرير المسألة يطول والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه : أبو عبدالرحمن الباشا
=================
والدها يريد الإقامة معها وهي وزوجها يريدان الهجرة من بلاد الكفر
…سؤال رقم 96689
…سؤال:(7/6)
يتعلق سؤالي بكوني اضطررت للسفر لبلد غير مسلم بسبب زواجى من رجل كان يعيش ويعمل هناك ، حدث ذلك منذ فترة من الزمن ، ولكن يريد كلٌّ منَّا الآن الرحيل والذهاب إلى بلد مسلم ، في الوقت الذي تقدم فيه أبي بطلب للمجيء إلى هنا حتى يكون قريباً مني ، فهو يبلغ من العمر 70 عاماً ، وليست لديه زوجة ترعاه ، والآن فإن والدي يرجوني ألا أتركه وحيداً ؛ لأنه تقدم في العمر للحد الذي لا يمكنه فيه الاعتناء بنفسه ، وحتى لو حصل زوجي على وظيفة فى بلد مسلم فإننا لانستطيع أن نصطحب معنا والدي بسبب مشاكل فى الحصول على تأشيرة ، رجاء قدموا لي يد العون .
الجواب:
الحمد لله
قد أحسنتما في التخلص من الإقامة في بلاد الكفر ، فلا يجوز للمسلم أن يقيم في تلك الديار ويستقر بينهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ ) رواه أبو داود ( 2645 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم ( 27211 ) تحريم الإقامة في بلاد الكفر ووجوب الهجرة إلى بلاد المسلمين ، فلينظر .
وبخصوص والدك : فيجب عليكِ إبلاغه بهذا الحكم ، وعدم التنازل عن ترك البلد من أجله ، وذهابه معكم إلى بلدٍ مسلم هو الأليق به ، وهو واجب عليكِ أن تسعي فيه ، ولا نظن أنه أمرٌ يستحيل حدوثه ، فرجل في مثل سنِّه نظن أنه من السهل الحصول على تأشيرة له ، وبخاصة أنه والدك ، فدرجة القرابة القوية بينكما تؤهله في كل البلدان - في الغالب - للحصول على تأشيرة .
وإذا فُرض أنه صعُب ذلك عليكِ ، أو أن الأمر سيتأخر بعض الوقت : فالذي ننصح به هو بقاؤه مع أسرة مستقيمة ، أو مع أشخاص موثوقين لحين الحصول على تأشيرة ليلتحق بكم
وإذا لم يتيسر هذا الأمر : فيمكنكِ التأخر من أجله زمناً يسيراً لحين الحصول على تأشيرة ، فيسافر معك للبلد المسلم ، ويكون زوجك قد سبقك وهيأ لكما أمور السكن والإقامة .
وأخيراً : إذا لم يتيسر أمر تأشيرته ، وليس له مكان يقيم فيه في بلده ، ولم يوجد إلا أنتِ ترعينه وتقومين على خدمته : فالذي نراه هو اختيار تأخير خروجك من بلد الكفر حتى ييسر الله أمره ، ولعلَّ احتسابك هذا الأمر لله تعالى أن ييسر الله لك أمرك ، ويفرج عنك كربك ، فاقنعي زوجك بتأخير الخروج من أجل والدك ، ولعله أن يأخذ سنَّه في الحسبان ، وأن يحتسب أمره عند الله تعالى .
وننبه الزوجة إلى أن اختيارها التأخر ، أو إلغاء الخروج من أجل والدها لا يكون دون موافقة زوجها ، فزوجها له عليها طاعة ، فإذا أمرها بالخروج معه ، وعدم الانتظار ، أو عدم الإلغاء : فليس لها أن تخالفه ، وطاعته تقدَّم على طاعة والديها ، لذا فليكن الأمر بينها وبين زوجها بالتفاهم والإقناع ، فلعلَّه أن يرضى بحلٍّ تبر فيه والدها حتى يقضي الله أمر والدها .
وهذا كله على فرض أنه لا يوجد لوالدك أبناء آخرين يقومون بشأنه غيرك ، كما هو ظاهر من سؤالك ؛ وإلا لو كان له أحد سواك ، ولو أخ أو أخت له ، لكان ذلك أعون على تخطي المشكلة ، ولو إلى أن يتم لك ولزوجك الاستقرار في مكان يمكنكما اصطحابه إليه .
والله الموفق
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم السكن مع العوائل في الخارج
…سؤال رقم 13694
…سؤال:
ما حكم السكن مع العوائل لمن سافر إلى الخارج للدراسة لأجل الاستفادة من اللغة أكثر ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز السكن مع العوائل لما في ذلك من تعرض الطالب للفتنة بأخلاق الكفرة ونسائهم ، والواجب أن يكون سكن الطالب بعيدا عن أسباب الفتنة ، وهذا كله على القول بجواز سفر الطالب إلى بلاد الكفرة للتعلم ، والصواب أنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار للتعلم إلا عند الضرورة القصوى ، بشرط أن يكون ذا علم وبصيرة وأن يكون بعيدا عن أسباب الفتنة ،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم أو يزايل المشركين ) أخرجه النسائي بإسناد جيد . ومعناه : حتى يفارق المشركين إلى المسلمين ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
فالواجب على المسلمين الحذر من السفر إلى بلاد أهل الشرك إلا عند الضرورة القصوى ، إلا إذا كان المسافر ذا علم وبصيرة ويريد الدعوة إلى الله والتوجيه إليه فهذا أمر مستثنى ، وهذا فيه خير عظيم . لأنه يدعو المشركين إلى توحيد الله ويعلمهم شريعة الله ، فهو محسن وبعيد عن الخطر لما عنده من العلم والبصيرة والله المستعان .
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله ، م/4 ، ص/381 .
==============
هل يدعو لوالديه ولا يعلم على أي شيء ماتا
…سؤال رقم 21563
…سؤال:
مَن ترك والديه كفاراً ولم يعلم هل أسلموا أو لا ، هل يجوز أن يدعو لهم ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية السؤال السابق :
فأجاب :(7/7)
متى كان من أمَّةٍ أصلها كفار : لم يجز أن يستغفر لأبويه ، إلا أن يكونا قد أسلما ، كما قال تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى مِن بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } .
" الفتاوى الكبرى " ( 2 / 423 ).
==============
لا يجوز لمسلم أن يقاتل مع الكفار ضد المسلمين إطلاقاً
…سؤال رقم 14004
…سؤال:
أعمل في جيش دولة غير مسلمة وتقع بينهم وبين المسلمين حروب فما الحكم إذا أرسلوني مع فرقة من الجبيش لحرب ضد المسلمين ، شعوري كمسلم يدفعني لعدم الرغبة أبدا في القتال ضد مسلم في أي حرب.
فماذا علي أن أفعل؟؟؟
وما الحكم إذا ذهبت ...
الجواب:
الحمد لله
إذا أرسلت لحرب ضد المسلمين فلا يجوز لك المشاركة إطلاقاً ، ومساعدة الكفار ضد المسلمين كفر أكبر مخرج عن الإسلام قال الله تعالى عمن يظاهر المشركين : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ، أما مسألة كيفية التخلص وما هو العذر الذي ستبديه وطريقة الخروج من هذه الورطة إذا حصلت فنسأل الله أن يعينك عليها وعليك بإستشارة بعض أهل الخبرة من المسلمين
ونريد أن نؤكد عليك بضرورة البحث عن وظيفة أخرى وترك الخدمة في جيش الكفار لما يترتب على ذلك من إعانتهم وتقويتهم وتكثير عدد محاربيهم ومسانديهم اللهم إلا إذا كان عملك فيه منفعة للمسلمين كنقل أخبار وأسرار الكفار إلى المسلمين ليستفيد المسلمون منها أو أن يكون عملك دعوياً إسلامياً بحتاً كالخطابة والإمامة بالمسلمين الموجودين في الجيش الكافر مع نصحهم بترك أي عمل فيه تقوية للكفار ونسأل الله السلامة من الفتن وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
التبرع بالدم للكافر المسالم الذي ليس بيننا وبينه حرب
…سؤال رقم 12729
…سؤال:
ما حكم التبرع بالدم في بلاد الكفر حيث سيعطى الدم لكافر على الأرجح ؟ توجد حالات يعاني فيها أطفال من أمراض في الدم ، ويكون أولئك الأطفال في حاجة ماسة للصفيحات (اللويحات) الدموية ؟ فهل حكم (التبرع في هذه الحالة) هو نفس الحكم الخاص بالسؤال السابق ؟ أخبرني أحد الأئمة بأن الدم يجب ألا يتبرع به ، (هل قوله صحيح) ؟.
الجواب:
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن ذلك فقال :
" لا أعلم مانعاً من ذلك ، لأن الله تعالى يقول في كتابه العظيم : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ) الممتحنة /8
فأخبر الله سبحانه أنه لا ينهانا عن الكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا أن نبرَّهم ونُحسن إليهم ، والمضطر في حاجة شديدة إلى الإسعاف ، وقد جاءت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها إلى بنتها وهي كافرة ، في المدينة في وقت الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة ـ تسألها الصلة ، فاستفتت أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأفتاها أن تصِلها ، وقال : ( صلي أمك وهي كافرة )
فإذا اضطر المعاهد أو الكافر المستأمن الذي ليس بيننا وبينه حرب ، إذا اضطر إلى ذلك فلا بأس بالصدقة عليه من الدم ، كما لو اضطر إلى الميتة ، وأنت مأجور في ذلك ، لانه لا حرج عليك أن تسعف من اضطر إلى الصدقة ."
من كتاب فتاوى نور على الدرب ج 1 ص 376
وبناء عليه ، فإن الكافر المحارب الذي بينه وبين المسلمين حرب لا يجوز له التبرع بالدم ، لأن في هذا إعانة على عدوانه على المسلمين ، وهو أمر خطير جداً ، نسأل الله السلامة والعافية .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
هل يسمح المسلم لضيفه الكافر بأداء شعائر الكفر في بيته
…سؤال رقم 4948
…سؤال:
إذا زارك شخص كافر ليبقى في بيتك لعدة أيام فهل يجوز للمسلم المستضيف أن يسمح له بأن يؤدي صلاته وشعائر دينه التعبدية ؟
هل يعتبر المسلم المستضيف مذنباً ؟ لأن بعض الصلوات والشعائر التعبدية لدين آخر لا تتوافق مع الإسلام .
الجواب:
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد صالح العثيمين فأجاب بقوله : الحمد لله ، لا يجوز أن توافقه على ذلك لأن هذا كفر فإنه لا دين له كما قال الله عز وجل " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه " وقال تعالى " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " ولأن هذا الزائر امتهن كرامتك لأنه يعلم أنك لا ترضى بهذا فلا تدعه يمتهن كرامتك . أهـ والله أعلم.
الشيخ محمد صالح العثيمين
============
مشكلة الذوبان اللغوي للمسلمين في الخارج
…سؤال رقم 4839
…سؤال:
نواجه نحن المسلمين في الخارج مشكلة الذّوبان اللغوي بحيث نتكلّم بلغة الكفّار في بلاد الغرب من حيث نشعر ولا نشعر ، مماشاةً لمن حولنا وتأثّرا بالوسط الذي نعيش فيه ، فما هو موقف الشريعة من هذا الأمر وكيف نتغلّب على المشكلة ؟
الجواب:
الحمد لله
اذكر شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله في شأن هذه المشكلة وتبيان خطرها وأثرها والموقف الشّرعي منها كلاما متينا نفيسا هذا نصّه :(7/8)
" وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم .
ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية وارض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه .
وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب فيظهر شعار الإسلام وأهله ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب عليه
واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق
وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله .. " اقتضاء الصراط المستقيم 2/207
وننصح بالإضافة لما تقدّم بما يلي :
- أن يجاهد المسلمون أنفسهم هم وأهلوهم وأولادهم على أن يتكلموا باللغة العربية في بيوتهم ومنتدياتهم واجتماعاتهم وأن يكون الوالدان قدوة للأولاد داخل البيت في هذا وان يتعمّدا أحيانا عدم إجابة الولد إذا لم يتكلّم باللغة العربية .
- الحرص على إدخال الأولاد المدارس والأكاديميات العربية ما أمكن ذلك .
- أن تعيش العوائل المسلمة في تجمعات سكانية ما أمكن حيث يكون المحيط والجيران والبيئة الصغيرة عربية اللغة .
- الاجتهاد في إقامة دورات لتعليم اللغة العربية واحتساب الأجر في ذلك والتقرّب إلى الله به وكذلك متابعة تعلّم اللغة العربية في الكتب والأشرطة والوسائل التعليمية الحديثة .
- السماع المستمر للقرآن الكريم المسجّل وأشرطة الدروس والمحاضرات الإسلامية باللغة العربية .
والله وليّ التوفيق وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
ما حكم الشراء من كفار مع وجود مسلمين
…سؤال رقم 6699
…سؤال:
ما حكم ترك المسلمين التعاون فيما بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين ويرغب في الشراء من دكاكين الكفار ، هل هذا حلال أم حرام ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر ، وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر - فهذا حرام لما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم ، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له ، وأما إن كانت دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب ، فإن انتصح فالحمد لله ، وإلا عدل عنه إلى غيره ، ولو كان كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته .
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/18.
=================
لبس زي غير المسلمين
…سؤال رقم 4056
…سؤال:
من لبس غير زي المسلمين هل عليه ضرر في دينه وصلاته أم لا ؟ وهل لبس النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبسه الأجناد في زماننا من قباء وغيره مما هو ضيق الكمين أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
يُنهى عن التشبه بالكفار في لباس وغيره ، للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك وتنقص به صلاته ، وثبت في صحيح البخاري وغيره : أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قباء في بعض الأوقات ، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة شامية ضيقة الكمين . والله أعلم .
من فتاوى الإمام النووي ص 61 .
================
رد السلام على الكافر على ثلاثة أقسام
…سؤال رقم 43154
…سؤال:
إذا سلم الكافر على المسلم فهل يرد عليه ؟ وإذا مد يده للمصافحة فما الحكم ؟ وكذلك خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :(7/9)
" إذا سلم الكافر على المسلم سلاماً بيناً واضحاً فقال : السلام عليكم ، فإنك تقول : عليك السلام ، لقوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) النساء / 86 ، أما إذا لم يكن بيناً واضحاً فإنك تقول : وعليك .
وكذلك لو كان سلامه واضحاً يقول فيه : السام عليكم يعني الموت فإنه يقال : وعليك .
فالأقسام ثلاثة :
الأول : أن يقول بلفظ صريح : " السام عليكم ". فيجاب : " وعليكم ".
الثاني : أن نشك هل قال : " السام " أو قال : "السلام" ، فيجاب : "وعليكم" .
الثالث : أن يقول بلفظ صريح : "السلام عليكم" . فيجاب : "عليكم السلام" ؛ لقوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ :
" فلو تحقق السامع أن الذي قال له : سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول : وعليك السلام أو يقتصر على قوله : وعليك ؟ فالذي تقتضيه الأدلة وقواعد الشريعة أن يقال له : وعليك السلام ، فإن هذا من باب العدل ، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان ، وقد قال تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) . فندب إلى الفضل ، وأوجب العدل ، ولا ينافي هذا شيئاً من أحاديث الباب بوجه ما ، فإنه صلى الله عليه وسلم ، إنما أمر بالاقتصار على قول الراد : وعليكم على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم ، ثم قال ابن القيم : والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نظير المذكور لا فيما يخالفه . قال الله تعالى : ( وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ) المجادلة / 8 .
فإذا زال هذا السبب ، وقال الكتابي : سلام عليكم ورحمة الله فالعدل في التحية أن يرد عليه نظير سلامه . أ.هـ أحكام أهل الذمة 200 /1.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم : السام عليكم ، فقولوا : وعليك " . والسام هو الموت .
وإذا مد يده إليك للمصافحة فمد يدك إليه وإلا فلا تبدأه .
وأما خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي فمكروه ، لكن ضع الكأس على الطاولة ولا حرج .
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/36 .
================
اللين مع الكفار بقصد الدعوة
…سؤال رقم 41631
…سؤال:
ما حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
" لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم قال الله تعالى : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ) الممتحنة / 4 ، وقال تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) المجادلة / 22 .
وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع . قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) الممتحنة / 1 .
أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به ، لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به . وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم - رحمه الله -."
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/31 .
==============
حكم إقامة الطلبة المبتعثين في بلاد الكفار
…سؤال رقم 6154
…سؤال:
نحن طلبة مسلمون ندرس في أمريكا لفترات تتراوح ما بين ستة أشهر وأربع سنوات وجئنا للدراسة هنا بمحض إرادتنا - أي لسنا مبتعثين من أي جهة - والدراسة هنا في أمريكا لا تختلف عن الدراسة في بلادنا سوى بالحصول على اللغة الإنجليزية ، فما حكم جلوسنا في هذه البلاد للدراسة ؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب:
الحمد لله
من كان منكم لديه علم وبصيرة بدين الله يمكنه أن يدعو إلى الله ويعلم الناس الخير ويدفع الشبهة عن نفسه ويظهر دينه بين من لديه من الكفار فلا حرج عليه ؛ لأن إقامته والحال ما ذكر وتزوده من العلم الذي يحتاج إليه ينفعه وينفع غيره ، وقد يهدي الله على يديه جمعاً غفيراً إذا اجتهد في الدعوة وصبر وأخلص النية لله سبحانه وتعالى ، أما من ليس عنده علم وبصيرة ، أو ليس عنده صبر على الدعوة ، أو يخاف على نفسه الوقوع فيما حرم الله ، أو لا يستطيع إظهار دينه بالدعوة إلى توحيد الله والتحذير من الشرك به وبيان ذلك لمن حوله فلا تجوز له الإقامة بين أظهر المشركين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ) ولما عليه من الخطر في هذه الإقامة ، و الله ولي التوفيق .(7/10)
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/9 ص/401.
=============
الخدمة العسكرية في جيوش الكفار وتولي وظائف دينية فيها
…سؤال رقم 3885
…سؤال:
السؤال:
ما حكم الخدمة العسكرية في جيوش الكفار ؟ وما هو دليل الإباحة أو التحريم ؟
وما هو الحكم إذا كان الشخص يعمل ليساعد الذين يعملون في الجيش على أدائهم لحقوق الله أثناء عملهم في الجيش أو البحرية ؟
الجواب:
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي:
الحمد لله رب العالمين : الأمور العسكرية مشكلة لأنه يلزم منها مساعدة هؤلاء الكفار في حروبهم مع المسلمين أو مع من بينهم و بين المسلمين عهد ، و أما إذا كان لا يلزم هذا فقد يكون من المصلحة أن يشتغل في العسكرية ليعرف أسرارهم و يحذر من شرهم . أي إذا كان عمله يفيد المسلمين وإلا فلا . أهـ
وبناء عليه فإذا كان يعمل واعظا أو داعية أو إمام أو مؤذنا ينفع المسلمين ويدعو غير المسلمين فلا بأس بذلك .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
================
إيضاح القاعدة العظيمة : " تحريم موالاة الكفّار "
…سؤال رقم 2179
…سؤال:
السؤال:
نرجو التوضيح بالأمثلة ما المقصود من العبارة التالية : " موالاة الكفّار حرام " .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
نعم الأمثلة توضّح المقصود وتجلّيه ولذلك ننتقل إليها مباشرة وننقل بعضا من أهمّ ما ذكره أهل العلم وأئمة الدّعوة من صور الموالاة الكفار :
ـ الرضا بكفرهم أو الشك فيه أو الامتناع عن تكفيرهم أو الإقدام على مدح دينهم قال الله تعالى عن كفر الراضي : ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ) . وقال تعالى موجبا ومشترطا الكفر بالطاغوت : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) . وقال عن اليهود في تفضيلهم المشركين على المسلمين: ( ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا).
ـ التحاكم إليهم : كما في قوله تعالى : ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به )
ـ مودتهم ومحبتهم ، قال تعالى : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله .. الآية )
ـ الركون إليهم والاعتماد عليهم وجعلهم سندا وظهيرا ، قال تعالى : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) .
ـ إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين . قال الله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وقال عن الكفار : ( بعضهم أولياء بعض ) . وقال : ( ومن يتولّهم منكم فإنه منهم ) .
ـ الانخراط في مجتمعاتهم والانضمام إلى أحزابهم وتكثير سوادهم والتجنُّس بجنسياتهم ( لغير ضرورة ) والخدمة في جيوشهم والعمل على تطوير أسلحتهم .
ـ نقل قوانينهم وتحكيمها في بلاد المسلمين ، قال تعالى : ( أَفَحُكم الجاهلية يبغون )
ـ التولي العام لهم واتخاذهم أعوانا وأنصارا وربط المصير بهم ، قال الله تعالى ناهيا عن ذلك ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . بعضهم أولياء بعض ) .
ـ مداهنتهم ومجاملتهم على حساب الدين ، قال تعالى : ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) . ويدخل في ذلك مجالستهم والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله ، قال الله تعالى : ( وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُسْتهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ) .
ـ الثقة بهم واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين وجعلهم مستشارين . قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودُّوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون . ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضُّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور . إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها }(7/11)
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ لا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَتْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلِقْ . " رواه مسلم 3388 .
ومن هذه النصوص يتبين لنا تحريم تولية الكفار الأعمال التي يتمكنون بواسطتها من الاطلاع على أحوال المسلمين وأسرارهم ويكيدون لهم بإلحاق الضرر بهم .
ـ توليتهم المناصب الإدارية التي يرأسون بها المسلمين ويذلونهم ويتحكمون في رقاب الموحدين ويحولون بينهم وبين أدائهم عباداتهم . قال الله تعالى ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ، وروى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قلت لعمر رضي الله عنه : لي كاتب نصراني ، قال : مالك قاتلك الله ، أما سمعت قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } ( المائدة :51 ) ألا اتخذت حنيفاً ، قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه ، قال : لا أكرمهم إذ أهانهم الله ، ولا أعزهم إذ أذلهم الله ، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله .
وكذلك جعلهم في بيوت المسلمين يطلعون على العورات ويربون أبناء المسلمين على الكفر ومن هذا ما وقع في هذا الزمان من استقدام الكفار إلى بلاد المسلمين وجعلهم عمالاً وسائقين ومستخدمين ، ومربين في البيوت وخلطهم مع العوائل والأسر المسلمة .
وكذلك ضمّ الأولاد إلى المدارس الكفرية والمعاهد التبشيرية والكليات والجامعات الخبيثة وجعلهم يسكنون مع عوائل الكفار .
ـ التشبه بالكافرين في الملبس والهيئة والكلام وغيرها وذلك يدل على محبة المتشبه به ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم ) .
فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم من عاداتهم ، وعباداتهم ، وسمتهم وأخلاقهم ، كحلق اللحى ، وإطالة الشوارب ، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة ، وفي هيئة اللباس ، والأكل والشرب وغير ذلك .
ـ الإقامة في بلادهم بغير حاجة ولا ضرورة ، ولهذا فإن المسلم المستضعف الذي لا يستطيع إظهار شعائر دينه تحرم عليه الإقامة بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة ، قال تعالى :{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً . إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً } .
فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة . وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله ونشر الإسلام في بلادهم .
فالإقامة بين ظهرانيهم محرمة لغير ضرورة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين ) .
ـ السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس : أمّا الذّهاب لحاجة شرعية - كالعلاج والتجارة وتعلّم التخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة ، وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين .
ويشترط للذّاهب في هذه الحالة أن يكون معه علم يدفع به الشبهات وإيمان يدفع به الشهوات وأن يكون مُظهِراً لدينه معتزاً بإسلامه مبتعداً عن مواطن الشر ، حذِراً من دسائس الأعداء ومكائدهم ، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام .
ـ مدحهم والذبّ عنهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد . قال تعالى :{ ولا تمدن عينيك إلى ما متَّعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربِّك خيرٌ وأبقى } .(7/12)
وكذلك تعظيمهم وإطلاق ألقاب التفخيم عليهم والبدء بتحيتهم وتقديمهم في المجالس وفي المرور في الطرقات ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ " . رواه مسلم 4030
ـ ترك تاريخ المسلمين والتأريخ بتأريخهم واعتماده خصوصاً التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي ، وهو عبارة عن ذكرى مولد المسيح عليه السلام ، والذي ابتدعوه من أنفسهم وليس هو من دين المسيح عليه السلام ، فاستعمال هذا التاريخ فيه مشاركة في إحياء شعارهم وعيدهم .
ولتجنب هذا لما أراد الصحابة رضي الله عنهم وضْع تاريخ للمسلمين في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه عدلوا عن تواريخ الكفار وأرخوا بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على وجوب مخالفة الكفار في هذا وفي غيره مما هو من خصائصهم ـ والله المستعان .
ـ مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أوتهنئتهم بمناسبتها أو حضور أماكنها .
وقد فُسَّر الزور في قوله تعالى :{ والذين لا يشهدون الزور } بأعياد الكفار .
ـ التسمي بأسمائهم المُنكَرة ، وقد غيّر النبي صلى الله عليه وسلم الأسماء الشركية كعبد العزّى وعبد الكعبة .
ـ الاستغفار لهم والترحم عليهم : قال الله تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ).
فهذه طائفة من الأمثلة التي توضّح قاعدة تحريم موالاة الكفّار ، نسأل الله سلامة العقيدة وقوّة الإيمان والله المستعان .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
هل يجوز تصويت المسلمين للكفار الأخف شراً ؟
…سؤال رقم 3062
…سؤال:
بعض المسلمين الذين يعيشون في بلاد غير إسلامية يريدون معرفة جواز المشاركة في الانتخابات والتصويت لأحزاب غير إسلامية . يقولون بأن بعض الأحزاب المعينة ستخدم المسلمين هناك إذا فازوا في الانتخابات .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
هذه من مسائل الفتوى التي يختلف فيه الحكم بحسب الزمان والمكان والأحوال فلا يطلق فيها حكم عام في جميع الصور الواقعة أو المتوقعة .
ففي بعض الحالات لا يسوغ فيها التصويت كما إذا كان الأمر لا أثر له على المسلمين ، أو كان المسلمون لا أثر لهم في التصويت ، فإدلاؤهم وعدمه سواء ، وكذا لو كان الحال متشابهة ومتساوية بالنسبة للمصوّت لهم لاستوائهم في الشر أو الموقف من المسلمين ..
وقد تكون المصلحة الشرعية مقتضية للتصويت من باب تخفيف الشر وتقليل الضرر ، كما لو كان المرشحون من غير المسلمين لكن أحدهم أقل عداوة للمسلمين من الآخر ، وكان تصويت المسلمين مؤثرا في الاقتراع فلا بأس بالتصويت له في مثل هذه الحال .
وعلى كل حال فهذه من مسائل الاجتهاد المبنية على قاعدة المصالح والمفاسد ينبغي أن يرجع فيها إلى أهل العلم العارفين لضوابط هذا الأصل ، وأن يُعرض عليهم الأمر بتفاصيله في حال البلد الذي تعيش فيه الجالية المسلمة وقوانينه وحال المرشّحين وأهمية التصويت وجدواه ونحو ذلك .
وليس لأحد أن يتوهم أن من قال بالتصويت أنه مقرر للكفر مؤيد له ، وإنما ذلك لمصلحة المسلمين لا محبة للكفر وأهله ، وقد فرح المسلمون بانتصار الروم على الفرس ، كما فرح المسلمون في الحبشة بانتصار النجاشي على من نازعه الملك كما هو معروف في السيرة ومن أراد التورع فله ذلك ، وهذا الجواب في موضوع انتخاب الأشخاص في المواقع المؤثّرة . والله تعالى أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
طلب التبرعات من الكفار
…سؤال رقم 212
…سؤال:
السؤال :
هل يجوز للمسلم قبول التبرعات من غير المسلم لصالح المشاريع الخيرية ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه " باب قبول الهدية من المشركين " ثم أورد تحت هذا الباب عدداً من الأحاديث الدالة على جواز ذلك .
وقال الحافظ ابن حجر في شرحه : وفي الباب ( أي وفي هذا الموضوع ) حديث عياض بن حمار أخرجه أبو داود و الترمذي عن عياض قال : أَهديتُ للنبي صلى الله عليه و سلم ناقة فقال : أسلمت ؟ قلت : لا ، قال : إني نُهيت عن زَبْد المشركين ( أي أُعطياتهم وهداياهم ) " .. ثمّ نقل الحافظ رحمه الله عن بعض أهل العلم بأنّهم قالوا في الجمع بين نصوص الامتناع والقبول بأن الامتناع في حق من يريد بهديته الموالاة ( مثل استمالة المسلم إليه ) ، و القبول في حق من يرجى بذلك ( أي بقبول هديته ) تأنيسه و تأليفه على الإسلام .
فقبول هبات الكفار وتبرعاتهم دون طلب لا بأس به ويجوز صرف هذا المال في المشاريع الإسلامية ونفقاتها المختلفة .
أما طلب التبرعات من الكفار ففيه بعض المحاذير مثل الذلّ أمامهم وملكهم قلب الطالب إذا أعطوه .(7/13)
فلو خلا من هذه المحاذير فلا بأس ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعين ( دون ذلّ ) في أمور الدعوة - وهو بمكة - ببعض المشركين كعمه أبي طالب وغيره . والذلّ أمام الكفار ينتفي بوضع الصناديق لهذا الغرض إضافة إلى الإعلانات التي يُرفق معها أرقام الحسابات في البنوك مثلاً . والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
تعلم اللغة الأجنبية
…سؤال رقم 3414
…سؤال:
السؤال :
هل تعلم اللغة الإنجليزية حرام أم حلال ؟ .
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
إذا كان هناك حاجة دينية أو دنيوية إلى تعلم اللغة الإنجليزية ، أو غيرها من اللغات الأجنبية فلا مانع من تعلمها ، أما إذا لم يكن حاجة فإنه يكره تعلمها .
من فتاوى اللجنة الدائمة 12/133.
================
حكم الدعوة إلى وحدة الأديان
…سؤال رقم 10213
…سؤال:
السؤال :
ما حكم الدعوة إلى ( وحدة الأديان ) ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات ، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى( وحدة الأديان ) : دين الإسلام ، ودين اليهودية ، ودين النصارى ، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد ، في رحاب الجامعات والساحات العامة ، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة و الإنجيل في غلاف واحد ، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة ، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب ، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي :
أولاً : إن من أصول الاعتقاد في الإسلام ، المعلومة من الدين بالضرورة ، والتي أجمع عليها المسلمون : أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى الإسلام ، وأنه خاتمة الأديان ، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع ، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام ، قال الله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) وقال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) . والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان .
ثانياً : ومن أصول الاعتقاد في الإسلام : أن كتاب الله تعالى : ( القرآن الكريم ) هو آخر الكتب نزولاً وعهداً برب العالمين ، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل ؛ من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها ، ومهيمن عليها ، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم ، قال الله تعالى : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ) .
ثالثاً : يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم ، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان ، كما جاء ذلك في آيات من كتاب الله الكريم ، منها قول الله تعالى : ( فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذُكِّروا به ولا تزال تطّلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم ) ، وقوله عز وجل : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) وقوله سبحانه : ( وإن منهم فريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) . ولهذا فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام ، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة ، وقال عليه الصلاة والسلام : " أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقية ؟! لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي " رواه أحمد والدارمي وغيرهم .(7/14)
رابعاً : من أصول الاعتقاد في الإسلام : أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، كما قال تعالى : ( ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) ، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، ولو كان أحد من الأنبياء حياً لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم ، وإنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك ، كما قال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) ، ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وحاكماً بشريعته ، وقال الله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) . كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين ، قال الله تعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) وقال سبحانه : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ) وغيرها من الآيات .
خامساً : ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم ، وتسميته كافراً ممن قامت عليه الحجة ، وأنه عدو الله ورسوله والمؤمنين ، وأنه من أهل النار ، كما قال تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ) وقال جل وعلا : ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ) ، وقال تعالى : ( وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) ، وقال تعالى : ( هذا بلاغ للناس وليُنذَروا به ) وغيرها من الآيات ، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " . ولهذا فمن لم يُكَفِّر اليهود والنصارى فهو كافر ، طرداً لقاعدة الشريعة : " من لم يُكفِّر الكافر بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر " .
سادساً : وأمام هذه الأصول الاعتقادية ، والحقائق الشرعية ، فإن الدعوة إلى ( وحدة الأديان ) والتقارب بينها وصرفها في قالب واحد ، دعوة خبيثة ماكرة ، والغرض منها خلط الحق بالباطل ، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه ، وجرّ أهله إلى ردة شاملة ، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) وقوله جل وعلا : ( ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) .
سابعاً : وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر ، والحق والباطل ، والمعروف والمنكر ، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين ، فلا ولاء ولا براء ، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله ، والله جل وتقدس يقول : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ، ويقول جل وعلا : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ) ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) .
ثامناً : إن الدعوة إلى ( وحدة الأديان ) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام ؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد ، فترضى بالكفر بالله عز وجل ، وتُبطل صدق القرآن ونَسْخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان ، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً ، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع .
تاسعاً : وبناءً على ما تقدم :
1 - فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن الله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة ، والتشجيع عليها ، وتسليكها بين المسلمين ، فضلاً عن الاستجابة لها ، والدخول في مؤتمراتها وندواتها ، والانتماء إلى محافلها .
2 - لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين ، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد ؟ فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد ؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق ( القرآن الكريم ) والمحرف أو الحق المنسوخ ( التوراة والإنجيل ) .(7/15)
3 - كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة : ( بناء مسجد وكنيسة ومعبد ) في مجمع واحد ؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبد الله به غير دين الإسلام ، وإنكار ظهوره على الدين كله ، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة ، لأهل الأرض التدين بأي منها ، وأنها على قدم التساوي ، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان ، ولا شك أن إقرار ذلك واعتقاده أو الرضا به كفر وضلال ؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين ، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله ، تعالى الله عن ذلك . كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس ( بيوت الله ) وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله ، لأنها عبادة على غير دين الإسلام ، والله تعالى يقول : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ، بل هي بيوت يُكفَرُ فيها بالله ، نعوذ بالله من الكفر وأهله ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ( 22/162 ) : " ليست - البِيَع والكنائس - بيوتاً لله ، وإنما بيوت الله المساجد ، بل هي بيوتٌ يُكفر فيها بالله ، وإن كان قد يُذكر فيها ، فالبيوت بمنزلة أهلها ، وأهلها الكفار ، فهي بيوت عبادة الكفار " .
عاشراً : ومما يجب أن يُعلم : أن دعوة الكفار بعامة ، وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين ، بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة ، ولكن لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن ، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام ، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ، ودخولهم فيه ،أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة ، قال الله تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون ) ، أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم ، وتحقيق أهدافهم ، ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون والله المستعان على ما يصفون ، قال تعالى : ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) .
وإن اللجنة إذ تقرر ما تقدم ذكره وتبينه للناس ؛ فإنها توصي المسلمين بعامة ، وأهل العلم بخاصة بتقوى الله ومراقبته ، وحماية الإسلام ، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته ، والكفر وأهله ، وتحذرهم من هذه الدعوة الفكرية.
اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء
==============
هل يقال للكافر جزاك الله خيرا
…سؤال رقم 1476
…سؤال:
السؤال :
هل يجوز لنا أن نقول ( جزاك الله خيرا ) لغير المسلم إذا عمل لنا عملا ، أو قدم لنا مساعدة ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
لا يجوز الدعاء للكافر بالخير ، فليس أهلا له ، وإنما إذا عمل عملا نافعا ونحو ذلك فإنك تشكره بقولك : شكرا ، أو أشكرك ، لحديث : " من لا يشكر الناس لا يشكر الله " حديث صحيح رواه الإمام أحمد ( 2/258) ، والأولى ان تستعمل كلمة الشكر بلغته أي بغير العربية ، ويكفي الإشارة إلى اعترافك بفعله الجميل ، مع ملاحظة أنه لا يجوز استعمال الكافر ، ولا قبول مساعدته ، - إلا عند الحاجة- لما فيه من تحمل المنة ، وفي الأثر : اللهم لا تجعل لمبتدع علي منَّة فيودُّه قلبي .
اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص45
وسألته شفويا عن ذلك فذكر القيد.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
============
حكم الحصول على الجنسية الكافرة
…سؤال رقم 6247
…سؤال:
ما حكم الحصول على الجنسية الكافرة ؟
الجواب:
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله بقوله :
من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارد من بلده ولم يجد مأوى فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية ، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه . والله أعلم .
الشيخ عبد الله بن جبرين
==========
تريد الإسلام ولا تريد ترك زوجها الكافر
…سؤال رقم 4036
…سؤال:
تواجهنا في المراكز الإسلامية وأثناء دعوة النساء الكافرات إلى الإسلام مشكلة تعلّق الزوجة بزوجها الكافر الذي لا يريد أن يسْلم ويصعب عليها أن تضحي بزواجها منه وخصوصا عندما يكون بينهما أولاد وزوجها حسن الخلق فيتغلّب حبها له ونحن نعلم أنّ المرأة الكافرة إذا أسلمت لا يجوز لها البقاء في عصمة الرجل الكافر لقوله تعالى : ( لا هنّ حِلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ ) فكيف نتعامل مع هذه المشكلة وهل يجوز أن نركز على إسلامها ونترك باقي الموضوع ؟
الجواب:
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
امرأة تقول : أريد الإسلام وزوجي جيد ولا أريد الانفصال عنه ، فماذا أفعل ؟
الجواب :
لابد أن تنفصل عنه ، ولكن هل من الممكن أن تدعوه للإسلام ؟ فتقول : إني أريد أن أسلم فإن أسلمْت فقد فسخ العقد إلا أن تسلم ، فلعلها إذا ذكرت هذا له يوافق على الإسلام .
سؤال :(7/16)
إذا أسلمت ، فهل تكون في البيت حين دعوته أم تترك البيت ؟
جواب :
إذا كانت ترجو إسلامه تبقى في البيت حتى تنتهي العدة .
سؤال :
وهل تكشف عليه أثناء العدة أم لا ؟
جواب :
الاحتياط أن لا تكشف ؛ لأنه ليس مؤكدا أنه يوافق .
سؤال :
ولا الخلوة ؟
جواب :
ولا الخلوة .
سؤال :
إذا كان إخبارها بهذا قد يصدها عن الإسلام ، فهل يجوز لنا شرعا أن نحجب عنها النصف الثاني من الجواب ، فنقول : أسلمي أولا ثم نجيبك بعد ذلك عن حكم الاستمرار ؟
الجواب :
لا ، لو قلنا هذا ثم أُخبرت فارتدت صارت المشكلة أعظم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين بعثه لأهل خيبر : أدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه .
سؤال :
فهذه الآن لو بقيت معه بمعاشرة بعد الإسلام فهي صاحبة كبيرة ؟
جواب :
نعم ، ولكن هل يجوز الإصرار على الزنا ؟!!
سؤال : ما ملخص ما نجيبها به ؟
جواب :
نقول لها : أسلمي ، واعلمي أنك إذا أسلمت ولم يسلم زوجك فإنه ينفسخ النكاح . انتهى .
وينبغي التركيز في الحديث مع النّساء اللاتي يتعرّضن لهذه القضية على الأمور التالية مع الشّرح المستفيض :
- تقديم محبّة الله ورسوله على محبّة كلّ أحد
- أنّها إذا أخلصت في دعوته والدّعاء له فقد يهديه الله على يديها
- أن من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه
- أنّ الله لا يُضيّع عبده الذي ضحّى بما يحبّ من أجله
وكذلك أن يُسعى في حلّ مشكلة مثل هذه المرأة إذا أسلمت وانفصلت عن زوجها بأن يتقدّم من الاخوة المسلمين من يتزوجها ويضمّ إليه أولادها أو يوجد من أهل الخير المسلمين من ينفق عليها وعليهم ، نسأل الله الهداية والتوفيق والسّداد ، وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
=============
وَعَد كافرا أن يذهب معه للكنيسة
…سؤال رقم 7622
…سؤال:
السؤال : هل الحنث بالوعد مباح أم لا؟
المسألة أنني أعمل في وظيفة جديدة ولمدة 5 سنوات قادمة -إن شاء الله- ولي زميل نصراني عمره 45 عاماً وهو يحاول أن يتقرب إلي ويكلمني عن النصرانية والقرآن والإنجيل ثم دعاني لأذهب معه إلى الكنيسة ووافقت ثم تراءى لي أن لا أذهب وأن أتوقف عن المناقشة معه.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله :
لا يجوز له الذهاب إلى الكنيسة لما فيه من تعظيمها وإظهار شأنها والتعرض للإعجاب بالشرك وأهله ، ويجب عليه إخلاف هذا الوعد ، وأن يبين الحكم للكافر حتى يعلم لماذا أخلف معه المسلم الوعد . والله أعلم .
الشيخ عبد الله بن جبرين
============
حديث " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام .. " أليس منفراً عن الإسلام
…سؤال رقم 42235
…سؤال:
ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال : " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " أليس في العمل بهذا تنفير عن الدخول في الإسلام ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
" يجب أن نعلم أن أسدَّ الدعاة في الدعوة إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن أحسن المرشدين إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا علمنا ذلك فإن أي فهم نفهمه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مجانباً للحكمة فالواجب علينا أن نتهم هذا الفهم ، وأن نعلم أن فهمنا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم خطأ ، لكن ليس معنى ذلك أن نقيس أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بما ندركه من عقولنا وأفهامنا ؛ لأن عقولنا وأفهامنا قاصرة ، لكن هناك قواعد عامة في الشريعة يرجع إليها في المسائل الخاصة الفردية .
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول : " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " والمعنى : لا تتوسعوا لهم إذا قابلوكم حتى يكون لهم السعة ويكون الضيق عليكم بل استمروا في اتجاهكم وسيركم ، واجعلوا الضيق إن كان هناك ضيق على هؤلاء، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إذا رأى الكافر ( كاليهود الذين في المدينة ) ذهب يزحمه إلى الجدار حتى يرصه على الجدار ولم يفعل ذلك الصحابه رضي الله عنهم بعد فتوح الأمصار .
فالمعنى أنكم كما لا تبدؤونهم بالسلام لا تفسحوا لهم فإذا لقوكم فلا تتفرقوا حتى يعبروا بل استمروا على ما أنتم عليه واجعلوا الضيق عليهم إن كان في الطريق ضيق ، وليس في الحديث تنفير عن الإسلام بل فيه إظهار لعزة المسلم ، وأنه لا يذل لأحد إلا لربه عز وجل .
انتهى - بتصرف يسير - من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/38 .
الإسلام سؤال وجواب
============
معاملة الزوجة الكتابية
…سؤال رقم 33862
…سؤال:
الآية في سورة المائدة التي تحرم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، هل تعني عدم اتخاذهم أصدقاء أو حماية لنا؟ لأن البعض يقول : إن الآية تعني فقط مساعدين ولكن في الترجمة الإنجليزية تعني أصدقاء وإذا لم تكن تعني أصدقاء فكيف نحب الزوجة غير المسلمة ونعاملها حسب الشريعة الإسلامية ؟ .
الجواب:
الحمد لله(7/17)
التعامل مع اليهود والنصارى وسائر الكفار له ضوابط وحدود حددتها الشريعة الإسلامية ، ومن تلك الضوابط ما يلي :
أولا : أنه يجوز الحديث مع الكافر والتحدث إليه في الأمور المباحة .
ثانيا : لا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء ، واتخاذهم أولياء له العديد من الصور والأشكال ، فمنها مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان ، أو محبتهم ، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم ونحو ذلك ، وقد قال الله تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) المجادلة /22 .
ثالثا : يجوز التعامل مع الكفار بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك ، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية سلاحاً، وصح أنه اشترى من اليهود طعاماً .
أما معاملة الزوجة الكتابية ، فإن الله تعالى قال في كتابه : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة /8 . فالعدل مع الزوجة الكتابية والإحسان إليها جائز ، ولا حرج في ذلك ، ولا يدخل ذلك في موالاتها .
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/270) :
"لا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْمُشْرِكَةَ ; لقوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) , وَيَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الْكِتَابِيَّةَ ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) . وَالْفَرْقُ أَنَّ الأَصْلَ أَنْ لا يَجُوزَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْكَافِرَةَ ; لأَنَّ ازْدِوَاجَ الْكَافِرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ مَعَهَا مَعَ قِيَامِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ لا يَحْصُلُ السَّكَنُ وَالْمَوَدَّةُ الَّذِي هُوَ قِوَامُ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ إلا أَنَّهُ جَوَّزَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ ; لِرَجَاءِ إسْلامِهَا ; لأَنَّهَا آمَنَتْ بِكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ فِي الْجُمْلَةِ , وَإِنَّمَا لم تؤمن على سبيل التفصيل إيماناً صحيحاً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أُخْبِرَتْ عَنْ الأَمْرِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ , فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَتَى نُبِّهَتْ عَلَى حَقِيقَةِ الأَمْرِ تَنَبَّهَتْ , هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الَّتِي بُنِيَ أَمْرُهَا عَلَى الدَّلِيلِ دُونَ الْهَوَى وَالطَّبْعِ , وَالزَّوْجُ يَدْعُوهَا إلَى الإِسْلامِ وَيُنَبِّهُهَا عَلَى حَقِيقَةِ الأَمْرِ فَكَانَ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ إيَّاهَا رَجَاءُ إسْلامِهَا فَجَوَّزَ نِكَاحَهَا لِهَذِهِ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ بِخِلافِ الْمُشْرِكَةِ , فَإِنَّهَا فِي اخْتِيَارِهَا الشِّرْكَ بالله ، وعدم إيمانها بالأنبياء والرسل ما يدل على أنها أَنَّهَا لا تَنْظُرُ فِي الْحُجَّةِ والدليل وَلا تَلْتَفِتُ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَةِ ، وإنما تبقى على تقليد الآباء ، واتباع الهوى ، فَيَبْقَى ازْدِوَاجِ الْكَافِرِ مَعَ قِيَامِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ الْمَانِعَةِ عَنْ السَّكَنِ وَالْمَوَدَّةِ خَالِيًا عَنْ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ فَلَمْ يَجُزْ نْكَاحُهَا اهـ بتصرف .
وقال في "حاشية العدوي" (1/273) :
"قَوْلُهُ : (وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك) أَيْ : نَطْرَحُ مَوَدَّةَ الْعَابِدِ لِغَيْرِك ، وَلا نُحِبُّ دِينَهُ وَلا نَمِيلُ إلَيْهِ . وَلا يُعْتَرَضُ هَذَا بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ لأَنَّ فِي تَزَوُّجِهَا مَيْلًا لَهَا لأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُرَادُ هُوَ بُغْضُ الدِّينِ اهـ .
وللمزيد من الفائدة يمكنك الاطلاع على أرقام الأسئلة التالية : ( 34559 ، 11793 ، 10342 ، 26721 ، 23325 ) .
الإسلام سؤال وجواب
===============
هل يعتبر التأريخ بالتاريخ الميلادي موالاة للكفار
…سؤال رقم 21314
…سؤال:
هل التأريخ بالتاريخ الميلادي يعتبر من موالاة الكفار ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يعتبر موالاة ، لكن يعتبر تشبهاً بهم .
والصحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجوداً في عصرهم ، ولم يستعملوه ، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجري .
وضعوا التاريخ الهجري ولم يستعملوا التاريخ الميلادي مع أنه كان موجوداً في عهدهم ، هذا دليل على أن المسلمين يجب أن يستقلوا عن عادات الكفار وتقاليد الكفار ، لاسيما وأن التاريخ الميلادي رمز على دينهم ، لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السنة ، وهذه بدعة ابتدعها النصارى ، فنحن لا نشاركهم ولا نشجهم على هذا الشيء . وإذا أرّخنا بتاريخهم فمعناه أننا نتشبه بهم .
وعندنا والحمد لله التاريخ الهجري الذي وضعه لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد بحضرة المهاجرين والأنصار ، هذا يغنينا . انتهى(7/18)
فضيلة الشيخ صالح الفوزان في كتاب المنتقى 1/257 .
==============
البقاء في البلد الإسلامي ولو كان مخالفاً لرغبة الوالدين
…سؤال رقم 21344
…سؤال:
ولدت في بريطانيا وعشت هناك كل عمري، تزوجت في باكستان .
والداي لا يزالان في بريطانيا ويتمنيان أن أعيش بقربهما ، أنا كذلك أفتقدهم جداً وأجده من الصعب أن أعيش في بلد نامي (لأنني تعودت على المعيشة في الغرب طوال حياتي، ومع هذا فأنا أعيش حياة زوجية سعيدة ) .
أزورهما كل سنة وأبقى هناك على الأقل شهرين (هما يفضلان ثلاثة أشهر) فهل هذا جائز ؟
هل يجوز لي ولعائلتي أن ننتقل للعيش في بريطانيا حيث أنني أستطيع تأدية فرائضي الدينية كما أفعلها هنا تماماً ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا تجوز الإقامة بين ظهراني المشركين ، وفي بلادهم إلا لعذر شرعي ، وأنت ما دمت تتمكنين من الإقامة في بلاد الإسلام ، وليس هناك ما يضطرك للإقامة في بريطانيا ، فاحمدي الله على نعمة الإسلام ، وابقي في البلد المسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام : " أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ، لا تتراءى نارهما " .
الشيخ : سعد الحميد .
=============
هل تقطع علاقتها مع بعض الكافرات أم تستغلها في الدعوة ؟
…سؤال رقم 69876
…سؤال:
أنا امرأة لي مراسلات مع أوربيات وأمريكيات عن طريق الإنترنت نقوم بتبادل الهدايا وأمور الخياطة وذلك منذ سنتين . حاولت مناقشتهن في الإسلام لكن توقفت خوفا من عدم تمكني من الدعوة وبالتالي الوقوع في الخطأ . ماذا تنصحني هل أقطع علاقتي بهن نهائيا أم أستمر بقصد دعوتهن للإسلام رغم الصعوبات وكيف أبدأ ؟ وهل تعتبر هذه العلاقة صداقة وما حكمها شرعا ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز للمسلم أو المسلمة اتخاذ صديق أو صديقة من غير المسلمين ؛ لنهي الله تعالى عن مودة الكافرين وموالاتهم واتخاذهم بطانة ، كما في قوله تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) المجادلة/22 ، وقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة/51 ، وقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) آل عمران/118 .
ثانيا :
يجوز للمسلم مراسلة هؤلاء ، وتقديم الهدايا لهم ، بغرض دعوتهم للإسلام ، وترغيبهم فيه ، بشرط أن يكون متحصنا بالعلم والإيمان ، متمكنا من الدعوة ، مطلعا على شبهات القوم وأساليبهم . أما غير المتمكن فليس له أن يزج بنفسه في هذا المجال ؛ لما قد يعترضه من الفتن ، أو يأتيه من الشبهات التي لا يقدر على ردها ، فيكون هذا سبب انحرافه وهلاكه ، عياذا بالله من ذلك .
ثالثا :
إذا كانت مراسلة هؤلاء تقتصر على تبادل أمور الخياطة ، والاستفادة منهم في ذلك من غير أن يصل الأمر إلى محبتهم ومودتهم وتهنئتهم بأعيادهم - مثلاً - فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود بيعاً وشراء .
بل لا حرج من تقديم بعض الهدايا لهم بشرط أن يكونوا غير محاربين للإسلام والمسلمين ، فإن الله تعالى قال : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة/8 .
قال السعدي رحمه الله (ص 1016) :
" أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم ، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم ، فليس عليكم جناح أن تصلوهم ، فإن صلتهم في هذه الحالة لا محذور فيها " انتهى .
رابعاً :
وسائل الدعوة كثيرة ومتنوعة ، منها :
1- الحوار المباشر ، وينبغي أن يرتكز على بيان محاسن الإسلام ، وحقيقة التوحيد ، وأهمية الإيمان ، وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم بيان بطلان ما سواه من الأديان الأخرى ، وما أصابها من التحريف والتغيير والتبديل .
2- إهداء الكتب والنشرات التي تتحدث عن الإسلام وترغب في الدخول فيه .(7/19)
3- دلالة الآخرين على المواقع المختصة بتوضيح الإسلام ، والدعوة إليه ، والإجابة على شبهات المخالفين ، ومجادلتهم بالتي هي أحسن .
ولا بد أن يكون الداعي إلى الإسلام متحصنا بالعلم الشرعي والإيمان القوي الذي يقف في وجه الشبهات والشهوات ، وإلا فليدع المجال لغيره ، وليتق الله في نفسه ولا يوردها المهالك ، وليحذر المسلم أن يتسرب إلى قلبه شيء من مودة الكافر ومحبته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم طلب المساعدة من الكفار وقبولها
…سؤال رقم 9918
…سؤال:
السؤال : ما حكم طلب المساعدة من الكفار وقبولها ؟.
الجواب:
الحمد لله
هذا فيه تفصيل ؛ فإن كان طلبها منهم وقبولها لا يخشى منه ضرر في الدين على من طلبها أو قبلها فلا حرج في ذلك ، وإن كان في ذلك خطر لم يجز له طلبها ولا قبولها ؛ عملاً بالأدلة الشرعية الدالة على وجوب الحذر مما حرم الله ، والبعد عن مساخط الله ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض الهدايا من المشركين ولم يقبلها من آخرين ، والحكمة في ذلك : هو ما ذكرنا : كما نص على ذلك أهل العلم .
والله ولي التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/8 ص/432.
==============
حكم أكل المسلم مع الكافر
…سؤال رقم 10342
…سؤال:
السؤال : هل إذا أكل المسلم مع نصراني أو غيره من الكفرة أو شرب معه يعتبر ذلك حراماً ؟ وإذا كان ذلك حراماً فما نقول في قول الله تعالى : ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ) المائدة/5 ؟.
الجواب:
الحمد لله
ليس الأكل مع الكافر حراماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة الشرعية ، لكن لا تتخذوهم أصحاباً فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ولا تؤانسهم ، وتضحك معهم ، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كالأكل مع الضيف أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق أو لأسباب أخرى شرعية فلا بأس .
وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا يقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية والله ولي التوفيق .
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/9 ص/324.
==============
حكم مشاركة الكفار في أعيادهم
…سؤال رقم 1130
…سؤال:
شاهدت الكثير من المسلمين يشاركون في احتفالات الكريسمس وبعض الاحتفالات الأخرى .
فهل هناك أي دليل من القرآن والسنة يمكن أن أريه لهم يدل على أن هذه الممارسات غير شرعية ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز مشاركة الكفار في أعيادهم للأمور التالية :
أولاً : لأنه من التشبه و " من تشبه بقوم فهو منهم . " رواه أبو داود ( وهذا تهديد خطير ) ، قال عبد الله بن العاص من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجاناتهم وتشبه بهم حتى يموت خسر في يوم القيامة .
ثانياً : أن المشاركة نوع من مودتهم و محبتهم قال تعالى : ( لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء … ) الآية ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق … ) الآية .
ثالثاً : إن العيد قضية دينية عقدية وليست عادات دنيوية كما دل عليه حديث : " لكل قوم عيد و هذا عيدنا " و عيدهم يدل على عقيدة فاسدة شركية كفرية .
رابعاً : ( و الذين لا يشهدون الزور …) الآية فسرها العلماء بأعياد المشركين ، و لا يجوز إهداء أحدهم بطاقات الأعياد أو بيعها عليهم و جميع لوازم أعيادهم من الأنوار و الأشجار و المأكولات لا الديك الرومي ولا غيره و لا الحلويات التي على هيئة العكاز أو غيرها .
وقد سبقت إجابة عن سؤال مشابه فيها مزيد من التفصيل تحت رقم 947 .
الشيخ محمد صالح المنجد
=============
حضور أعياد المشركين وتهنئتهم بها
…سؤال رقم 11427
…سؤال:
هل يجوز حضور الاحتفال بأعياد النصارى وتهنئتهم بها ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال ابن القيم رحمه الله : ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله . وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم . . . وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم) . وقال عمر أيضاً : (اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم) . وروى البيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو أنه قال : (من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) اهـ أحكام أهل الذمة 1 /723-724 .
وأما تهنئتهم بأعيادهم فقد تقدم جواب عن ذلك برقم (947) فننصح السائل بمراجعته.
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
جمع التبرعات لشراء هدايا للعوائل الفقيرة في الكريسمس
…سؤال رقم 8375
…سؤال:(7/20)
مدرستي فيها تقاليد في أعياد الميلاد فكل عام يقوم أحد الفصول بتولي أمر أسرة فقيرة يجمع لها التبرعات لشراء هدايا أعياد الميلاد ولكني رفضت ذلك لأن الأسرة حينما تتلقى هذه الهدايا تدعو "بارك الله في النصارى" فهل فعلي صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
يظهر أنك تعني ميلاد المسيح عليه السلام الذي تعظمه النّصارى وتتخذه عيداً . وأعياد النصارى من دينهم ، وتعظيم المسلمين لأعياد الكفّار بإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا هو من التشبُّه بهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) . فيجب على المسلمين أن يحذروا من التشبه بالنصارى في أعيادهم ، وفي العادات المختصة بهم ، وقد أحسنت وأصبت حيث لم توافق على جمع التبرعات للأسر الفقيرة بمناسبة أعياد الميلاد ، فاستقم على طريقك ، وناصح إخوانك وبيِّن لهم أن هذا العمل لا يجوز فنحن المسلمين ليس لنا سوى عيد الفطر ، وعيد الأضحى وقد أغنانا الله عن أعياد الكافرين بهذين العيدين . انتهى .
كتبه : الشيخ عبد الرحمن البراك
ونحن المسلمين إذا أردنا الصّدقة فإننا نبذلها للمستحقّين الحقيقيين ولا نتعمد جعْل ذلك في أيام أعياد الكفار بل نقوم به كلما دعت الحاجة وننتهز مواسم الخير العظيمة كرمضان والعشر الأوائل من ذي الحجّة وغيرها من المواسم الفاضلة التي تُضاعف فيها الأجور ، وكذلك في أوقات العسرة كما قال الله تعالى : فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ(12)فَكُّ رَقَبَةٍ(13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ(14)يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ(15)أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ(16)ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ(17)أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ(18) سورة البلد
وصلى الله على نبينا محمد.
الشيخ محمد صالح المنجد
============
يعاني من كسل زملائه المسلمين في الدراسة فهل يعمل مع غير المسلمين؟
…سؤال رقم 46453
…سؤال:
أنا طالب بإحدى المدارس في الغرب ، والحمد لله أقضي جل وقتي مع المسلمين ، لكن أعاني من كسلي وكسل زملائي المسلمين هنا ، ولذلك بدأت بتفضيل العمل مع غير المسلمين هنا في مجال الدراسة فقط ، فهل هذا يعتبر موالاة للكفار ؟ وماهي شروط العمل معهم في هذه الحالة ؟.
الجواب:
الحمد لله
إن من أهم ما يؤثر في أخلاق الإنسان وطبائعه ، بل ودينه أيضاً : بيئته المحيطة به ، من أشخاص يتعاملون معه ويتعامل معهم ، ومكان يعيش فيه ويتردد عليه ، وتتردد معالمه على حسه ، بحيث يتأثر شعور الإنسان ، وتتكون قِيَمُه التي يؤمن بها ، وتتلون أخلاقه التي يتخلق بها بهذه المؤثرات المختلفة من حوله ، وأخطر ما في ذلك أن هذه العملية تتم من حيث لا يدري ، ولا يلقي لها بالاً ، ولأجل ذلك قالوا : الطبع لص ، يعني أنه ينقل مما حوله خفية ، من حيث لا يشعر به الإنسان .
ولأجل ما ذكرنا حدد الشرع للإنسان بيئته التي ينبغي أن يحرص على الحياة فيها ، من حيث اختيار الصديق الصالح ، والبيئة المسلمة التي يعيش فيها ، وحذره من الإقامة بين أظهر المشركين ، أومصادقتهم . [ راجع أسئلة الولاء والبراء في قسم العقيدة ] ، وانظر الأسئلة رقم (38284) ، (26118) ، (23325) .
وهذا إنما يمكن للمرء أن يتحراها ويتحكم فيها في حال السعة ، وأما حين يكون الإنسان في حال الضرورة ، أو ما يشبهها ، وليس في يده أمر الاختيار ، فهنا يكون الكلام عن تحصيل أقصى ما يستطيع من المصالح ، ودفع أقصى ما يمكنه من المفاسد . انظر للأهمية السؤال (13363)
وفيما يتعلق بسؤالك ، قبل أن تفكر في العمل مع غير المسلمين ، لِمَ لا تحاول أن تدفع الكسل عنك وعن إخوانك المسلمين ؟!
لِمَ لا تحاول أن تقدم ـ مع إخوانك ـ صورة طيبة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من جد واجتهاد ؟!
إن أخشى ما أخشاه أن تؤكد بذلك السلوك صورة الكسل والتهاون والضعف التي تُنْقل عن المسلمين ، ولعمر الله إنها شكوى قديمة ، اشتكاها عمر رضي الله عنه من قبل : اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة !! راجع السؤال رقم (43270)
أما إن دار الأمر بين أن تعمل وتجد مع الكفار ، أو تنام وادعاً بين المسلمين ، فلتعمل ولتجتهد ، واحرص على دينك وأخلاقك التي تعلمتها من دينك ، وكن شحيحاً بدينك أشد من شحك بمالك ودمك ، وانتبه إلى :
1- لا تجعل أصدقاء عملك من النساء ، فأنت خبير بأحوالهن ، تعرف ما يترتب على صحبتهن والاختلاط بهن ، ثم فوق ذلك تعرف أن مثل هذه العلاقات مرفوضة في الشرع .
2- حاول أن تقلل من الأوقات التي تقضيها بينهم ، قدر المستطاع .
3- اقتصر في حدود هذه العلاقة على ما يتطلبه العمل والدراسة منك .
4- حاول أن تكون صورة صحيحة للمسلمين : في دينهم وأخلاقهم ، واربط كل خير عندك بما يأمرك به دينك .
5- اعلم أن استقامتك وحرصك على دينك من أسباب احترام الآخرين لك ، ومن يدري لعل منهم من يتأثر بك ، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها .
والله الموفق .
الإسلام سؤال وجواب
=============(7/21)
حكم تهنئة الكفار بأعيادهم
…سؤال رقم 947
…سؤال:
ما حكم تهنئة الكفار بأعيادهم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم - يرحمه الله - في كتاب ( أحكام أهل الذمة ) حيث قال : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول: عيد مبارك عليك ، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة ، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ." انتهى كلامه - يرحمه الله - .
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنّئ بها غيره ، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم } وقال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } ، وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا .
وإذا هنؤنا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا ، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى ، لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً إلى جميع الخلق ، وقال فيه : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } . وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام ، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها .
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة ، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى ، أو أطباق الطعام ،أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من تشبّه بقوم فهو منهم } . قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه : ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) : " مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل ، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء " . انتهي كلامه يرحمه الله .
ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو توددا أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم .
والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم ، ويرزقهم الثبات عليه ، وينصرهم على أعدائهم ، إنه قوي عزيز . ( مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 3/369 ) .
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
ما معنى اتخاذ الكفار أولياء ؟ وحكم مخالطة الكفار
…سؤال رقم 59879
…سؤال:
ورد في القرآن أنه لا يجوز لنا اتخاذ الكفار أولياء ، لكن ماذا يعني ذلك ؟ أقصد إلى أي حدٍّ ؟ هل يجوز لنا التعامل معهم ؟ أنا أدرس ، فهل يجوز لنا لعب كرة السلة معهم ؟ هل يجوز أن نتحدث معهم فيما يتعلق بالسلة وما إلى ذلك ؟ هل يجوز أن نصاحبهم طالما أنهم أبقوا أمور اعتقاداتهم لأنفسهم ؟ .
أسأل عن ذلك لأني أعرف شخصاً يصاحبهم بمثل هذه الطريقة وتواجده معهم لا يؤثر على اعتقاده ، لكني مع ذلك أقول له : " لماذا لا تبقى مع المسلمين بدلا من هؤلاء ؟ " وهو يرد قائلا : إن أغلب - أو العديد - من المسلمين يشربون الخمر ويتناولون المخدرات في أماكن تجمعهم ، كما أن لهم صديقات ، وهو يخاف من أن معاصي هؤلاء المسلمين قد تغويه ، لكنه متأكد تماما أن كفر الكفار لن يغريه لأنه شيء لا يُعتبر مغريا بالنسبة له ، فهل تواجده ولعبه وحديثه حول أمور الرياضة مع الكفار يعتبر " من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين " ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
حرم الله تعالى على المؤمنين اتخاذ الكافرين أولياء ، وتوعد على ذلك وعيداً شديداً .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة/51 .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :(7/22)
" ذكر في هذه الآية الكريمة أن من تولى اليهود والنصارى مِن المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم ، وبيَّن في موضع آخر أن توَلِّيهم موجب لسخط الله ، والخلود في عذابه ، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم ، وهو قوله تعالى : ( تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) المائدة/80 ، 81 .
ونهى في موضِع آخر عن تَوليهم مبيناً سبب التنفير منه ، وهو قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) الممتحنة/13 .
وبيَّن في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف ، وتقية ، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور ، وهو قوله تعالى : ( لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران/28 . فهذه الآية الكريمة فيها بيانٌ لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاحٌ ؛ أن محل ذلك في حالة الاختيار ، وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم ، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم ، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة ، ومن يأتي الأمور على اضطرار فليس كمثل آتيها اختياراً .
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم " انتهى .
"أضواء البيان" ( 2 / 98 ، 99 ) .
ومن صور مولاة الكفار المحرمة : اتخاذهم أصدقاء وأصحاباً ، ومخالطتهم في الطعام واللعب معهم .
وفي جواب السؤال رقم ( 10342 ) نقلنا عن الشيخ ابن باز قوله :
" ليس الأكل مع الكافر حراماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة الشرعية ، لكن لا تتخذوهم أصحاباً فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ولا تؤانسهم ، وتضحك معهم ، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كالأكل مع الضيف أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق أو لأسباب أخرى شرعية فلا بأس .
وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا يقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية " . انتهى .
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله :
عن حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم ؟
فأجاب :
لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم ؛ لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم ، قال الله تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) الممتحنة/4 . وقال تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) المجادلة/22 .
وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ) الممتحنة/1 .
أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم : فهذا لا بأس به ؛ لأنه من باب التأليف على الإسلام ، ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به ، وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم رحمه الله " . انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 3 / السؤال رقم 389 ) .
ثانياً :
وأما قول هذا القائل : إنه لا يخالط العصاة من المسلمين خوفا من أن تغويه معاصيهم ، وأما الكفار فإن كفرهم لن يغريه .
فجوابه أن يقال :
أما عدم مخالطته لأهل المعاصي من المسلمين فَلَنِعْمَ ما فَعَلَ ، إذا لم يكن قادراً على نصيحتهم ، ونهيهم عن المنكر ، وخاف على نفسه من الوقوع في معاصيهم واستحسانها .(7/23)
وأما مخالطته للكفار ، فليست العلة في منع مخالطة الكفار هي الخوف من الوقوع في الكفر فقط ، بل مِنْ أظهرِ عِلَلِ هذا الحكم : عداوتُهم لله ورسوله والمؤمنين ، وقد أشار الله تعالى إلى هذه العلة بقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ) الممتحنة/1 .
فكيف يليق بمسلم أن يصاحب عدو الله وعدوه ويصادقه ؟!
ثم مِنْ أين يأمَنُ هذا مِنِ استحسانِ طريقتهم ومذهبهم ؟ وقد وقع كثير من المسلمين في الكفر والإلحاد وارتدوا عن الإسلام بسبب مصاحبتهم للكفار ، وإقامتهم في بلدانهم . فبعضهم تَهَوَّدَ ، وبعضهم تَنَصَّر ، وبعضهم اعتنق مذاهب فلسفية ملحدة .
نسأل الله أن يثبتنا على دينه .
وانظر جواب السؤال رقم ( 2179 ) ففيه إيضاح القاعدة العظيمة : " تحريم موالاة الكفّار " وفيه ذِكر صور كثيرة من تلك الموالاة المحرَّمة .
وفي جواب السؤال رقم ( 43270 ) تجد حكم القول بأن أخلاق الكفّار أفضل من أخلاق المسلمين ، وفيه النقل عن الشيخ ابن باز بتحريم هذا القول .
وفي جواب السؤال رقم ( 26118 ) ، ( 23325 ) بيان تحريم مصاحبة الكافر ومصادقته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
بيع بطاقات أعياد النّصارى
…سؤال رقم 782
…سؤال:
السؤال: أنا أعمل محاسب. وفي العمل يوجد بطاقات عيد ميلاد المسيح عليها عبارات شركية مثل (عيسى هو الله - وهو يحبك)… الخ . إذا كان العميل يحضر لي هذه البطاقات فأبين له أنصحه) ، وأضع النقود في آلة التسجيل. فهل أنا كافر ؟ أنا أكره الشرك ، وأكره المسيحية ، وأكره المسيحيين ، فهل أنا كافر ؟
الجواب:
الحمد لله
ما دمت مؤمنا كارها للشرك كارها لدين النّصارى فلست بكافر بل أنت مسلم ما دمت على التوحيد ولم ترتكب ما يُخرج من الدّين ، ولكن لا بدّ أن تعلم أنّه لا يجوز لمسلم أن يعين الكفار بأي وسيلة على إقامة أعيادهم والاحتفال بها ومن ذلك بيع ما يستخدمونه في أعيادهم . قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم : " فأمّا بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والرّيحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرّم . وهو مبني على أصل وهو : أنّه لا يجوز أن يبيع الكفّار عنبا أو عصيرا يتخذّونه خمرا . وكذلك لا يجوز أن يبيعهم سلاحا يقاتلون به مسلما . "
ثمّ نقل عن عبد الملك بن حبيب من علماء المالكية قوله : " ألا ترى أنّه لا يحلّ للمسلمين أن يبيعوا من النصّارى شيئا من مصلحة عيدهم ؟ لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يُعارون دابّة ولا يعاونون على شيء من عيدهم لأنّ ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم .." الاقتضاء ص: 229 ، 231 ط. دار المعرفة بتحقيق الفقي .
نسأل الله أن يثبتك على الحقّ ويجنبّك الباطل ويرزقك من لدنه رزقا حسنا . وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
حكم فتح المحلات التجارية في يوم عيدٍ للكفار
…سؤال رقم 69558
…سؤال:
هل هناك أي محظور إذا فتح الفرد متجره أيام العيد ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج على المسلم في فتح متجره أيام أعياد المسلمين ( عيدي الفطر والأضحى ) ، بشرط أن لا يبيع ما يستعين به بعض الناس على معصية الله تعالى .
ثانيا :
أما فتح المتجر في الأيام التي يتخذها غير المسلمين أعيادا ، كيوم الكريسمس ، ونحوه من أعياد اليهود أو البوذيين أو الهندوس ، فلا حرج في ذلك أيضا ، بشرط ألا يبيع لهم ما يستعينون به على معاصيهم ، كالأعلام والرايات ، والصور ، وبطاقات التهنئة ، والفوانيس ، والزهور ، والبيض الملوّن ، وكل ما يستعملونه لإقامة العيد .
وكذلك لا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في أعيادهم .
والأصل في ذلك أن المسلم منهي عن فعل المعصية ، وعن الإعانة عليها ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد ، من الطعام واللباس ونحو ذلك ؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/520) .
وقال : " فأما بيع المسلمين لهم [أي للكفار] في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك ، أو إهداء ذلك لهم ، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم " .(7/24)
ونقل عن ابن حبيب المالكي قوله : " ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئا من مصلحة عيدهم ، لا لحما ، ولا إداما ، ولا ثوبا ، ولا يُعارون دابة ، ولا يعاونون على شيء من عيدهم ؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم ، ومن عونهم على كفرهم ، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك . وهو قول مالك وغيره ، لم أعلمه اختلف فيه " . "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/526) ، "الفتاوى الكبرى" (2/489) ، "أحكام أهل الذمة" (3/1250) .
وقال شيخ الإسلام أيضاً : " فإن كان ما يبتاعونه [يشترونه] يفعلون به نفس المحرم ، مثل صليب أو شعانين أو معمودية أو تبخير أو ذبح لغير الله أو صورة ونحو ذلك ، فهذا لا ريب في تحريمه ، كبيعهم العصير ليتخذوه خمرا ، وبناء الكنيسة لهم .
وأما ما ينتفعون به في أعيادهم للأكل والشرب واللباس ، فأصول أحمد وغيره تقتضي كراهته ، لكن : كراهة تحريم كمذهب مالك أو كراهة تنزيه ؟ والأشبه أنه كراهة تحريم ، كسائر النظائر عنده ، فإنه لا يُجوّز بيع الخبز واللحم والرياحين للفساق الذين يشربون عليها الخمر ، ولأن هذه الإعانة تفضي إلى إظهار الدين [الباطل] وكثرة اجتماع الناس لعيدهم وظهوره ، وهذا أعظم من إعانة شخص معين " . "الاقتضاء" (2/2/552) .
وسئل ابن حجر المكي رحمه الله عن بيع المِسك لكافر يعلم منه أنه يشتريه ليطيّب به صنمه ، وبيع حيوان لكافر يعلم منه أنه يقتله بلا ذبحٍ ليأكله ؟
فأجاب بقوله : " يحرم البيع في الصورتين ، كما شمله قولهم ( يعني العلماء ) : كل ما يَعلم البائع أن المشتري يعصي به يحرم عليه بيعه له . وتطييب الصنم وقتل الحيوان المأكول بغير ذبح معصيتان عظيمتان ولو بالنسبة إليهم ، لأن الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين ، فلا تجوز الإعانة عليهما ببيع ما يكون سببا لفعلهما . وكالعلم هنا غلبة الظن , والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/270) .
والحاصل أنه يجوز للمسلم فتح متجره في أيام أعياد الكفار ، بشرطين :
الأول : ألا يبيع لهم ما يستعملونه في المعصية أو يستعينون به على إقامة عيدهم .
والثاني : ألا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في هذه الأعياد .
ولا شك أن هناك سلعا معلومة ، تتخذ لهذه الأعياد ، كالبطاقات والصور والتماثيل والصلبان وبعض الأشجار ، فهذه لا يجوز بيعها ، ولا إدخالها في المحل أصلا .
وما عدا ذلك مما قد يُستعمل في العيد وغيره ، فيجتهد صاحب المتجر ، فلا يبيعه لمن علم من حاله أو غلب على ظنه أنه يستعمله في الحرام أو يستعين به على إقامة العيد ، كالملابس ، والطيب ، والأطعمة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
هل يقبل المسلم الهدية من أخيه الكافر .
…سؤال رقم 46797
…سؤال:
ما حكم أخوين أحدهما مسلم والآخر مشرك وغني هل يجوز للأخ المسلم قبول هدية أخيه الكافر والمشرك هذا أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
قبول المسلم هدية أخيه إذا كان كافراً أو مشركاً جائزة لما في ذلك من تأليفه ، لعل الله أن يهديه للإسلام .
وبالله التوفيق .
فتاوى اللجنة الدائمة (16/183) .
=============
هل النصارى الموجودون الآن أقرب الناس إلينا مودة ؟
…سؤال رقم 22182
…سؤال:
إن الله تعالى يقول في كتابه عن النصارى : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ..) المائدة / 82
ومعلوم لدينا في الوقت الحاضر عداوتهم الشديدة للإسلام والمسلمين فما موقفنا منهم ؟ وهل تجوز اللعنة عليهم كما جازت على اليهود ؟ هذا السؤال يحيرني كثيراً .
الجواب:
الحمد لله
ليس في الثناء المذكور في هذه الآيات ما يوجب الحيرة في شأن النصارى والتوقف في لعنتهم فإن الموصوفين بتلك الصفات ليس المقصود بهم جميع النصارى ، بل طائفة منهم استجابت للحق ولم تستكبر عن اتباعه، وهذا هو الذي يقتضيه سياق الآيات المسؤول عنها ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82} وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) المائدة / 82 - 83 ، فالآيات تتحدث عن قوم من النصارى لما عرفوا الحق أسلموا وأعلنوا إيمانهم .
قال العلامة ابن القيم في هذه الآيات :
والمقصود أن هؤلاء أي الموصفين بهذه الصفات الذين عرفوا أنه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة إلى الإيمان .(7/25)
أما لعنة من لم يؤمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النصارى فلا يحصى ما جاء من الأدلة القطعية الدالة على ذلك ، ومنها ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في مرضه الذي لم يقم منه : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) وكيف لا يلعن من وصف الله قوله في كتابه إذ يقول : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) المائدة / 72 ، وإذ يقول : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) المائدة / 73
إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة لكفرياتهم وضلالاتهم .
ومن الآيات المصرحة بمصيرهم قوله تعالى في آخر تلك الآيات التي ذكرها السائل : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) المائدة / 86
فتوى الشيخ ابن إبراهيم بتصرف . مجلة البحوث الإسلامية (58/36-39) .
الإسلام سؤال وجواب
==============
عدم موالاة الكفار وقصر الموالاة على المسلمين
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة
معنى الولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى . .
إنها تعني التناصر والتحالف معهم . ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم . فبعيد جدا أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين . إنما هو ولاء التحالف والتناصر , الذي كان يلتبس على المسلمين أمره , فيحسبون أنه جائز لهم , بحكم ما كان واقعا من تشابك المصالح والأواصر , ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام , وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة , حتى نهاهم الله عنه وأمر بإبطاله . بعد ما تبين عدم إمكان قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة . .
وهذا المعنى معروف محدد في التعبيرات القرآنية . وقد جاء في صدد الكلام عن العلاقة بين المسلمين في المدينة والمسلمين الذين لم يهاجروا إلى دار الإسلام:فقال الله سبحانه: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) . . وطبيعي أن المقصود هنا ليس الولاية في الدين . فالمسلم ولي المسلم في الدين على كل حال . إنما المقصود هو ولاية التناصر والتعاون . فهي التي لا تقوم بين المسلمين في دار الإسلام والمسلمين الذين لم يهاجروا إليهم . . وهذا اللون من الولاية هو الذي تمنع هذه الآيات أن يقوم بين الذين آمنوا وبين اليهود والنصارى بحال , بعد ما كان قائما بينهم أول العهد في المدينة .
إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء , واتخاذهم أولياء شيء آخر , ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين , الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته , بوصفه حركة منهجية واقعية , تتجه إلى إنشاء واقع في الأرض , وفق التصور الإسلامي الذي يختلف في طبيعته عن سائر التصورات التي تعرفها البشرية ; وتصطدم - من ثم - بالتصورات والأوضاع المخالفة , كما تصطدم بشهوات الناس وانحرافهم وفسوقهم عن منهج الله , وتدخل في معركة لا حيلة فيها , ولا بد منها , لإنشاء ذلك الواقع الجديد الذي تريده , وتتحرك إليه حركة إيجابية فاعلة منشئة . .
وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة ينقصهم الحس النقي بحقيقة العقيدة , كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها ; ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها , فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه مكفولي الحقوق , وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة . ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب . . بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة . . وأن هذا شأن ثابت لهم , وأنهم ينقمون من المسلم إسلامه , وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم . وأنهم مصرون على الحرب للإسلام وللجماعة المسلمة . وأنهم قد بدت البغضاء من أفواهم وما تخفي صدورهم أكبر . . إلى آخر هذه التقريرات الحاسمة .
إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب , ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم . وإن طريقه لتمكين دينه وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب , ومهما أبدى لهم من السماحة والمودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتحقيق نظامه , ولن يكفهم عن موالاة بعضه لبعض في حربه والكيد له . .
وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة , أن نظن أن لنا وإياهم طريقا واحدا نسلكه للتمكين للدين ! أمام الكفار والملحدين ! فهم مع الكفار والملحدين , إذا كانت المعركة مع المسلمين !!!(7/26)
وهذه الحقائق الواعية يغفل عنها السذج منا في هذا الزمان وفي كل زمان ; حين يفهمون أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي أهل الكتاب في الأرض للوقوف في وجه المادية والإلحاد - بوصفنا جميعا أهل دين ! - ناسين تعليم القرآن كله ; وناسين تعليم التاريخ كله . فأهل الكتاب هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من المشركين: (هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا) . . وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة , وكانوا لهم درعا وردءا . وأهل الكتاب هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام , وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس , وهم الذي شردوا العرب المسلمين في فلسطين , وأحلوا اليهود محلهم , متعاونين في هذا مع الإلحاد والمادية ! وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان . . في الحبشة والصومال واريتريا والجزائر , ويتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية , في يوغسلافيا والصين والتركستان والهند , وفي كل مكان !
ثم يظهر بيننا من يظن - في بعد كامل عن تقريرات القرآن الجازمة - أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر . ندفع به المادية الإلحادية عن الدين !
إن هؤلاء لا يقرأون القرآن . وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام ; فظنوها دعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن .
إن هؤلاء لا يعيش الإسلام في حسهم , لا بوصفه عقيدة لا يقبل الله من الناس غيرها , ولا بوصفه حركة إيجابية تستهدف إنشاء واقع جديد في الأرض ; تقف في وجه عداوات أهل الكتاب اليوم , كما وقفت له بالأمس . الموقف الذي لا يمكن تبديله . لأنه الموقف الطبيعي الوحيد !
وندع هؤلاء في إغفالهم أو غفلتهم عن التوجيه القرآني , لنعي نحن هذا التوجيه القرآني الصريح:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . . ومن يتولهم منكم فإنه منهم . إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . .
هذا النداء موجه إلى الجماعة المسلمة في المدينة - ولكنه في الوقت ذاته موجه لكل جماعة مسلمة تقوم في أي ركن من أركان الأرض إلى يوم القيامة . . موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة: الذين آمنوا . .
ولقد كانت المناسبة الحاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا , أن المفاصلة لم تكن كاملة ولا حاسمة بين بعض المسلمين في المدينه وبعض أهل الكتاب - وبخاصه اليهود - فقد كانت هناك علاقات ولاء وحلف , وعلاقات اقتصاد وتعامل , وعلاقات جيره وصحبه . . وكان هذا كله طبيعياً مع الوضع التاريخي والاقتصادي والاجتماعي في المدينة قبل الإسلام , بين أهل المدينة من العرب وبين اليهود بصفة خاصة . . وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم في الكيد لهذا الدين وأهله ; بكل صنوف الكيد التي عددتها وكشفتها النصوص القرآنية الكثيرة ; والتي سبق استعراض بعضها في الأجزاء الخمسة الماضية من هذه الظلال ; والتي يتولى هذا الدرس وصف بعضها كذلك في هذه النصوص .
ونزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته , لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة . ولينشى ء في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها الخاصة . المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية . فهذه صفة المسلم دائما . ولكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا لله ورسوله والذين آمنوا . . الوعي والمفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض وفي كل جيل .
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . ومن يتولهم منكم فإنه منهم , إن الله لا يهدي القوم الظالمين) .
بعضهم أولياء بعض . . إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن . . لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء . . إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض ولا في أي تاريخ . . وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . . لقد ولي بعضهم بعضا في حرب محمد صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة في المدينة وولي بعضهم بعضا في كل فجاج الأرض , على مدار التاريخ . . ولم تختل هذه القاعدة مرة واحدة ; ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرره القرآن الكريم , في صيغة الوصف الدائم , لا الحادث المفرد . . واختيار الجملة الاسمية على هذا النحو . . بعضهم أولياء بعض . . ليست مجرد تعبير ! إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل !
ثم رتب على هذه الحقيقة الأساسية نتائجها . . فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم . والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم , يخلع نفسه من الصف ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف "الإسلام" وينضم إلى الصف الآخر . لأن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية:
(ومن يتولهم منكم فإنه منهم) . .
وكان ظالما لنفسه ولدين الله وللجماعة المسلمة . . وبسبب من ظلمه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه . ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم:(7/27)
(إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . .
لقد كان هذا تحذيرا عنيفا للجماعة المسلمة في المدينة . ولكنه تحذير ليس مبالعا فيه . فهو عنيف . نعم ; ولكنه يمثل الحقيقة الواقعة . فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى - وبعضهم أولياء بعض - ثم يبقى له إسلامه وإيمانه , وتبقى له عضويته في الصف المسلم , الذين يتولى الله ورسوله والذين آمنوا . . فهذا مفرق الطريق . .
وما يمكن أن يتميع حسم المسلم في المفاصلة الكاملة بينة وبين كل من ينهج غير منهج الإسلام ; وبينه وبين كل من يرفع راية غير راية الإسلام ; ثم يكون في وسعه بعد ذلك أن يعمل عملا ذا قيمة في الحركة الإسلاميةالضخمة التي تستهدف - أول ما تستهدف - إقامة نظام واقعي في الأرض فريد ; يختلف عن كل الأنظمة الأخرى ; ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الأخرى . .
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم , الذي لا أرجحة فيه ولا تردد , بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من الناس - بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبأن منهجه الذي كلفه الله أن يقيم الحياة عليه , منهج متفرد ; لا نظير له بين سائر المناهج ; ولا يمكن الاستغناء عنه بمنهج آخر ; ولا يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ولا تصلح الحياة البشرية ولا تستقيم إلا أن تقوم على هذا المنهج وحده دون سواه ; ولا يعفيه الله ولا يغفر له ولا يقبله إلا إذا هو بذل جهد طاقته في إقامة هذا المنهج بكل جوانبه:الاعتقادية والاجتماعية ; لم يأل في ذلك جهدا , ولم يقبل من منهجه بديلا - ولا في جزء منه صغير - ولم يخلط بينه وبين أي منهج آخر في تصور اعتقادي , ولا في نظام اجتماعي , ولا في أحكام تشريعية , إلا ما استبقاه الله في هذا المنهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب . .
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم بهذا كله هو - وحده - الذي يدفعه للاضطلاع بعبء النهوض بتحقيق منهج الله الذي رضيه للناس ; في وجه العقبات الشاقة , والتكاليف المضنية , والمقاومة العنيدة , والكيد الناصب , والألم الذي يكاد يجاوز الطاقة في كثير من الأحيان . . وإلا فما العناء في أمر يغني عنه غيره - مما هو قائم في الأرض من جاهلية . . سواء كانت هذه الجاهلية ممثلة في وثنية الشرك , أو في انحراف أهل الكتاب , أو في الإلحاد السافر . . بل ما العناء في إقامة المنهج الإسلامي , إذا كانت الفوارق بينه وبين مناهج أهل الكتاب أو غيرهم قليلة ; يمكن الالتقاء عليها بالمصالحة والمهادنة ?
إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة , باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية , يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح . فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله . والتسامح يكون في المعاملات الشخصية , لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي . . إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام , وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلا ; ولا يقبل فيه تعديلا - ولو طفيفا - هذا اليقين الذي ينشئه القرآن الكريم وهو يقرر: (إن الدين عند الله الإسلام) . . (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . . (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) . . (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) . . وفي القرآن كلمة الفصل . . ولا على المسلم من تميع المتميعين وتمييعهم لهذا اليقين !
ويصور السياق القرآني تلك الحالة التي كانت واقعة ; والتي ينزل القرآن من أجلها بهذا التحذير:
(فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم , يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) . .
روى ابن جرير , قال:حدثنا أبو كريب , حدثنا إدريس , قال:سمعت أبي , عن عطية بن سعد . قال:جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله . إن لي موالي من يهود كثير عددهم ; وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود , وأتولى الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي [ رأس النفاق ]:إني رجل أخاف الدوائر . لا أبرأ من ولاية موالي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي:" يا أبا الحباب . ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه " ! قال:قد قبلت ! فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) . . .(7/28)
وقال ابن جرير . "حدثنا هناد , حدثنا يونس بن بكير , حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري , قال:لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود:أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر . فقال مالك بن الصيف:أغركم أن أصبتم رهطا من قريش , لا علم لهم بالقتال ? أما لو أصررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا . فقال عبادة بن الصامت:يا رسول الله إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم , كثيرا سلاحهم , شديدة شوكتهم . وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود , ولا مولى لي إلا الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي:لكني لا أبرأ من ولاية يهود . إني رجل لا بد لي منهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة ابن الصامت ? فهو لك دونه ! " فقال:إذن أقبل . .
قال محمد بن إسحق:فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع . فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة . قال:فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه . فقام إليه عبدالله بن أبي بن سلول - حين أمكنة الله منهم - فقال:يا محمد أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - قال:فأبطأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال:يا محمد أحسن في موالي . قال:فأعرض عنه . قال:فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرسلني " وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا . ثم قال:" ويحك ! أرسلني " . قال:لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي . أربعمائة حاسر , وثلاثمائه دارع , قد منعوني من الأحمر والأسود , تحصدهم في غداة واحدة ? إني امرؤ أخشى الدوائر . قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هم لك " . .
قال محمد بن إسحق:فحدثني أبي إسحق بن يسار , عن عبادة , عن الوليد بن عبادة بن الصامت , قال:لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدالله بن أبى وقام دونهم ; ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج . له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم , وقال:يا رسول الله أبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم , وأتولى الله ورسوله والمؤمنين , وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم . ففيه وفي عبدالله بن أبي نزلت الآية في المائدة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء , بعضهم أولياء بعض) إلى قوله:(ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) . .
وقال الإمام أحمد:حدثنا قتيبة بن سعيد , حدثنا يحيى بن زكريا بن أبى زيادة , عن محمد بن إسحاق , عن الزهري , عن عودة , عن أسامة بن زيد , قال:"دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن أبى نعوده , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " قد كنت أنهاك عن حب يهود " فقال عبدالله:فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات . . [ وأخرجه أبو داود من حديث محمد بن إسحق ]
فهذه الأخبار في مجموعها تشير إلى تلك الحالة التي كانت واقعة في المجتمع المسلم ; والمتخلفة عن الأوضاع التي كانت قائمة في المدينة قبل الإسلام ; وكذلك عن التصورات التي لم تكن قد حسمت في قضية العلاقات التي يمكن أن تقوم بين الجماعة المسلمة واليهود والتي لا يمكن أن تقوم . . غير أن الذي يلفت النظر أنها كلها تتحدث عن اليهود , ولم يجى ء ذكر في الوقائع للنصارى . . ولكن النص يجمل اليهود والنصارى . . ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلاقة دائمة وأوضاع دائمة بين الجماعة المسلمة وسائر الجماعات الأخرى , سواء من أهل الكتاب أو من المشركين [ كما سيجيء في سياق هذا الدرس ] . . ومع اختلاف مواقف اليهود من المسلمين عن مواقف النصارى في جملتها في العهد النبوي , ومع إشارة القرآن الكريم في موضع آخر من السورة إلى هذا الاختلاف في قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا , ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى . . . الخ. . مع هذا الاختلاف الذي كان يومذاك , فإن النص هنا يسوي بين اليهود والنصارى - كما يسوي النص القادم بينهم جميعا وبين الكفار . . فيما يختص بقضية المحالفة والولاء . ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة . هي:أن ليس للمسلم ولاء ولا حلف إلا مع المسلم ; وليس للمسلم ولاء إلا لله ولرسوله وللجماعة المسلمة . . ويستوي بعد ذلك كل الفرق في هذا الأمر . . مهما اختلفت مواقفهم من المسلمين في بعض الظروف . .(7/29)
على أن الله - سبحانه - وهو يضع للجماعة المسلمة هذه القاعدة العامة الحازمة الصارمة , كان علمه يتناول الزمان كله , لا تلك الفترة الخاصة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وملابساتها الموقوتة . . وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لهذا الدين وللجماعة المسلمة في معظم بقاع الأرض لم يكن أقل من عداء اليهود . . وإذا نحن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى مصر في حسن استقبال الإسلام , فإننا نجد الرقعة النصرانية في الغرب , قد حملت للإسلام في تاريخها كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن , وشنت عليه من الحرب والكيد , ما لا يفترق عن حرب اليهود وكيدهم في أي زمان ! حتى الحبشة التي أحسن عاهلها استقبال المهاجرين المسلمين واستقبال الإسلام , عادت فإذا هي أشد حربا على الإسلام والمسلمين من كل أحد ; لا يجاريها في هذا إلا اليهود . .
وكان الله - سبحانه - يعلم الأمر كله . فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة . بغض النظر عن واقع الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها وملابساتها الموقوتة ! وبغض النظر عما يقع مثلها في بعض الأحيان هنا وهناك إلى آخر الزمان .
وما يزال الإسلام والذين يتصفون به - ولو أنهم ليسوا من الإسلام في شيء - يلقون من عنت الحرب المشبوبة عليهم وعلى عقيدتهم من اليهود والنصارى في كل مكان على سطح الأرض , ما يصدق قول الله تعالى:
(بعضهم أولياء بعض) . . وما يحتم أن يتدرع المسلمون الواعون بنصيحة ربهم لهم . بل بأمره الجازم , ونهيه القاطع ; وقضائه الحاسم في المفاصلة الكاملة بين أولياء الله ورسوله , وكل معسكر آخر لا يرفع راية الله ورسوله . .
إن الإسلام يكلف المسلم أن يقيم علاقاته بالناس جميعا على أساس العقيدة . فالولاء والعداء لا يكونان في تصور المسلم وفي حركته على السواء إلا في العقيدة . . ومن ثم لا يمكن أن يقوم الولاء - وهو التناصر - بين المسلم وغير المسلم ; إذ أنهما لا يمكن أن يتناصرا في مجال العقيدة . . ولا حتى أمام الإلحاد مثلا - كما يتصور بعض السذج منا وبعض من لا يقرأون القرآن ! - وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ?
إن بعض من لا يقرأون القرآن , ولا يعرفون حقيقة الإسلام ; وبعض المخدوعين أيضا . . يتصورون أن الدين كله دين ! كما أن الإلحاد كله إلحاد ! وأنه يمكن إذن أن يقف "التدين" بجملته في وجه الإلحاد . لأن الإلحاد ينكر الدين كله , ويحارب التدين على الإطلاق . .
ولكن الأمر ليس كذلك في التصور الإسلامي ; ولا في حس المسلم الذي يتذوق الإسلام . ولا يتذوقالإسلام إلا من يأخذه عقيدة , وحركة بهذه العقيدة , لإقامة النظام الإسلامي .
إن الأمر في التصور الإسلامي وفي حس المسلم واضح محدد . . الدين هو الإسلام . . وليس هناك دين غيره يعترف به الإسلام . . لأن الله - سبحانه - يقول هذا . يقول: (إن الدين عند الله الإسلام) . . ويقول: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . . وبعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم يعد هناك دين يرضاه الله ويقبله من أحد إلا هذا "الإسلام" . . في صورته التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وما كان يقبل قبل بعثة محمد من النصارى لم يعد الآن يقبل . كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلام , لم يعد يقبل منهم بعد بعثته . .
ووجود يهود ونصارى - من أهل الكتاب - بعد بعثه محمد صلى الله عليه وسلم - ليس معناه أن الله يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لهم بأنهم على دين إلهي . . لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول الأخير . . أما بعد بعثته فلا دين - في التصور الإسلامي وفي حس المسلم - إلا الإسلام . . وهذا ما ينص عليه القرآن نصا غير قابل للتأويل . .
إن الإسلام لا يكرههم على ترك معتقداتهم واعتناق الإسلام . . لأنه (لا إكراه في الدين) ولكن هذا ليس معناه أنه يعترف بما هم عليه "ديناً ويراهم على دين" . .
ومن ثم فليس هناك جبهه تدين يقف معها الإسلام في وجه الإلحاد ! هناك "دين" هو الإسلام . . وهناك "لا دين" هو غير الإسلام . . ثم يكون هذا اللادين . . عقيدة أصلها سماوي ولكنها محرفه , أو عقيده أصلها وثني باقيه على وثنيتها . أو إلحاداً ينكر الأديان . . تختلف فيما بينها كلها . . ولكنها تختلف كلها مع الإسلام . ولا حلف بينها وبين الإسلام ولا ولاء . .
والمسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلاء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم - كما سبق - ما لم يؤذوه في الدين ; ويباح له أن يتزوج المحصنات منهن - على خلاف فقهي فيمن تعتقد بألوهية المسيح أو بنوته , وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تحل أم مشركة تحرم - وحتى مع الأخذ بمبدأ تحليل النكاح عامه . . فإن حسن المعامله وجواز النكاح , ليس معناها الولاء والتناصر في الدين ; وليس معناها اعتراف المسلم بأن دين أهل الكتاب - بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو دين يقبله الله ; ويستطيع الإسلام أن يقف معه في جبهه واحدة لمقاومة الإلحاد !
إن الإسلام قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء .(7/30)
ودعاهم إلى الإسلام جميعاً , لأن هذا هو "الدين" الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعاً . ولما فهم اليهود أنهم غير مدعوين إلى الإسلام , وكبر عليهم أن يدعوا إليه , جابههم القرآن الكريم بأن الله يدعوهم إلى الإسلام , فإن تولوا عنه فهم كافرون !
والمسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إلى الإسلام , كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء . وهو غير مأذون في أن يكره أحداً من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام . لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه . فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه , هو كذلك لا ثمره له .
ولا يستقيم أن يعترف المسلم بأن ما عليه أهل الكتاب - بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو دين يقبله الله . . ثم يدعوهم مع ذلك إلى الإسلام ! . . إنه لا يكون مكلفاً بدعوتهم إلى الإسلام إلا على أساس واحد ; هو أنه لا يعترف بأن ما هم عليه دين . وأنه يدعوهم إلى الدين .
وإذا تقررت هذه البديهيه , فإنه لا يكون منطقياً مع عقيدته إذا دخل في ولاء أو تناصر للتمكين للدين في الأرض , مع من لا يدين بالإسلام .
إن هذه القضيه في الإسلام قضيه اعتقاديه إيمانيه . كما أنها قضيه تنظيميه حركيه !
من ناحيه أنها قضيه إيمانيه اعتقاديه نحسب أن الأمر قد صار واضحاً بهذا البيان اذي أسلفناه , وبالرجوع إلى النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولاء بين المسلمين وأهل الكتاب .
ومن ناحية أنها قضية تنظيمية حركية الأمر واضح كذلك . . فإذا كان سعي المؤمن كله ينبغي أن يتجه إلى إقامة منهج الله في الحياة - وهو المنهج الذي ينص عليه الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بكل تفصيلات وجوانب هذا المنهج , وهي تشمل كل نشاط الإنسان في الحياة . . فكيف يمكن إذن أن يتعاون المسلم في هذا السعي مع من لا يؤمن بالإسلام دينا ومنهجا ونظاما وشريعة ; ومن يتجه في سعيه إلى أهداف أخرى - إن لم تكن معادية للإسلام وأهدافه فهي على الأقل ليست أهداف الإسلام - إذ الإسلام لا يعترف بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا في ذاته صالحا - (والذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) . .
والإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للإسلام . . ولا يتصور إمكان انفصال أية جزئية في السعي اليومي في حياة المسلم عن الإسلام . . لا يتصور إمكان هذا إلا من لا يعرف طبيعة الإسلام وطبيعة المنهج الإسلامي . . ولا يتصور أن هناك جوانب في الحياة خارجة عن هذا المنهج يمكن التعاون فيها مع من يعادي الإسلام , أو لا يرضى من المسلم إلا أن يترك إسلامه , كما نص الله في كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من المسلم ليرضوا عنه ! . . إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية على السواء . .
ولقد كان اعتذار عبدالله بن أبي بن سلول , وهو من الذين في قلوبهم مرض , عن مسارعته واجتهاده في الولاء ليهود , والاستمساك بحلفه معها , هي قوله:إنني رجل أخشى الدوائر ! إني أخشى أن تدور علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة , وأن تنزل بنا الضائقة . . وهذه الحجة هي علامة مرض القلب وضعف الإيمان . . فالولي هو الله ; والناصر هو الله ; والاستنصار بغيره ضلالة , كما أنه عبث لا ثمرة له . . ولكن حجة ابن سلول , هي حجة كل بن سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل منافق مريض القلب , لا يدرك حقيقة الإيمان . . وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولاء يهود بعد ما بدا منهم ما بدا . لأنه قلب مؤمن فخلع ولاء اليهود وقذف به , حيث تلقاه وضم عليه صدره وعض عليه بالنواجذ عبدالله بن أبى بن سلول !
إنهما نهجان مختلفان , ناشئان عن تصورين مختلفين , وعن شعورين متباينين , ومثل هذا الاختلاف قائم على مدار الزمان بين قلب مؤمن وقلب لا يعرف الإيمان !
ويهدد القرآن المستنصرين بأعداء دينهم , المتألبين عليهم , المنافقين الذين لا يخلصون لله اعتقادهم ولا ولاءهم ولا اعتمادهم . . يهددهم برجاء الفتح أو أمر الله الذي يفصل في الموقف ; أو يكشف المستور من النفاق .
(فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده , فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) .
وعندئذ - عند الفتح - سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بمعنى الفصل أو عند مجيء أمر الله - يندم أولئك الذين في قلوبهم مرض , على المسارعة والاجتهاد في ولاء اليهود والنصارى وعلى النفاق الذي انكشف أمره , وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال المنافقين , ويستنكرون ما كانوا فيه من النفاق وما صاروا إليه من الخسران !
(ويقول الذين آمنوا:أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم ? حبطت أعمالهم , فأصبحوا خاسرين !) . .
ولقد جاء الله بالفتح يوما , وتكشفت نوايا , وحبطت أعمال , وخسرت فئات . ونحن على وعد من الله قائم بأن يجيء الفتح , كلما استمسكنا بعروة الله وحده ; وكلما أخلصنا الولاء لله وحده . وكلما وعينا منهج الله , وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا . وكلما تحركنا في المعركة على هدى الله وتوجيهه . فلم نتخذ لنا وليا إلا الله ورسوله والذين آمنوا . .
في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 128-129)
=================(7/31)
هل النصارى أقرب مودة لنا ؟
قال تعالى :
{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) }[المائدة/]
لقد واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها دولة الإسلام بالمدينة . وكادوا للأمة المسلمة منذ اليوم الأول الذي أصبحت فيه أمة . وتضمن القرآن الكريم من التقريرات والإشارات عن هذا العداء وهذا الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الحرب المريرة التي شنها اليهود على الإسلام وعلى رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة المسلمة في تاريخها الطويل , والتي لم تخب لحظة واحدة قرابة أربعة عشر قرنا , وما تزال حتى اللحظة يتسعر أوارها في أرجاء الأرض جميعا .
لقد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم أول مقدمه إلى المدينة , معاهدة تعايش مع اليهود ; ودعاهم إلى الإسلام الذي يصدق ما بين أيديهم من التوراة . . ولكنهم لم يفوا بهذا العهد - شأنهم في هذا كشأنهم مع كل عهد قطعوه مع ربهم أو مع أنبيائهم من قبل , حتى قال الله فيهم:(ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون . أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ? بل أكثرهم لا يؤمنون . ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون)
ولقد أضمروا العداء للإسلام والمسلمين منذ اليوم الأول الذي جمع الله فيه الأوس والخزرج على الإسلام , فلم يعد لليهود في صفوفهم مدخل ولا مخرج , ومنذ اليوم الذي تحددت فيه قيادة الأمة المسلمة وأمسك بزمامها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تعد لليهود فرصة للتسلط !
ولقد استخدموا كل الأسلحة والوسائل التي تفتقت عنها عبقرية المكر اليهودية , وأفادتها من قرون السبي في بابل , والعبودية في مصر , والذل في الدولة الرومانية . ومع أن الإسلام قد وسعهم بعد ما ضاقت بهم الملل والنحل على مدار التاريخ , فإنهم ردوا للإسلام جميله عليهم أقبح الكيد وألأم المكر منذ اليوم الأول .
ولقد ألبوا على الإسلام والمسلمين كل قوى الجزيرة العربية المشركة ; وراحوا يجمعون القبائل المتفرقةلحرب الجماعة المسلمة: (ويقولون للذين كفروا:هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) .
ولما غلبهم الاسلام بقوة الحق - يوم أن كان الناس مسلمين - استداروا يكيدون له بدس المفتريات في كتبه - لم يسلم من هذا الدس إلا كتاب الله الذي تكفل بحفظه سبحانه - ويكيدون له بالدس بين صفوف المسلمين , وإثارة الفتن عن طريق استخدام حديثي العهد بالإسلام ومن ليس لهم فيه فقه من مسلمة الأقطار . ويكيدون له بتأليب خصومه عليه في انحاء الأرض . . حتى انتهى بهم المطاف أن يكونوا في العصر الأخير هم الذين يقودون المعركة مع الإسلام في كل شبر على وجه الارض ; وهم الذين يستخدمون الصليبية والوثنية في هذه الحرب الشاملة , وهم الذين يقيمون الأوضاع ويصنعون الأبطال الذين يتسمون بأسماء المسلمين , ويشنونها حربا صليبية صهيونية على كل جذر من جذور هذا الدين !
وصدق الله العظيم: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) . .
إن الذي ألب الأحزاب على الدولة المسلمة الناشئة في المدينة ; وجمع بين اليهود من بني قريظة وغيرهم ; وبين قريش في مكة , وبين القبائل الأخرى في الجزيرة . . يهودي . .
والذي ألب العوام , وجمع الشراذم , وأطلق الشائعات , في فتنة مقتل عثمان - رضي الله عنه - وما تلاها من النكبات . . يهودي . .
والذي قاد حملة الوضع والكذب في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الروايات والسير . . يهودي . .
ثم إن الذي كان وراء إثارة النعرات القومية في دولة الخلافة الأخيرة ; ووراء الانقلابات التي ابتدأت بعزل الشريعة عن الحكم واستبدال "الدستور" بها في عهد السلطان عبدالحميد , ثم انتهت بإلغاء الخلافة جملة على يدي "البطل" أتاتورك . . يهودي . .
وسائر ما تلا ذلك من الحرب المعلنة على طلائع البعث الإسلامي في كل مكان على وجه الأرض وراءه يهود !
ثم لقد كان وراء النزعة المادية الإلحادية . . يهودي . . ووراء النزعة الحيوانية الجنسية يهودي . . ووراء معظم النظريات الهدامة لكل المقدسات والضوابط يهود !(7/32)
ولقد كانت الحرب التي شنها اليهود على الإسلام أطول أمدا , وأعرض مجالا , من تلك التي شنها عليه المشركون والوثنيون - على ضراوتها - قديما وحديثا . . إن المعركة مع مشركي العرب لم تمتد إلى أكثر من عشرين عاما في جملتها . . وكذلك كانت المعركة مع فارس في العهد الأول . وأما في العصر الحديث فإن ضراوة المعركة بين الوثنية الهندية والإسلام ضراوة ظاهرة ; ولكنها لا تبلغ ضراوة الصهيونية العالمية . . [ التي تعد الماركسية مجرد فرع لها ] وليس هناك ما يماثل معركة اليهود مع الإسلام في طول الأمد وعرض المجال إلا معركة الصليبية , التي سنتعرض لها في الفقرة التالية .
فإذا سمعنا الله - سبحانه - يقول:
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) . .
ويقدم اليهود في النص على الذين أشركوا . . ثم راجعنا هذا الواقع التاريخي , فإننا ندرك طرفا من حكمة الله في تقديم اليهود الذين أشركوا !
إنهم هذه الجبلة النكدة الشريرة , التي ينغل الحقد في صدورها على الإسلام وعلى نبي الإسلام , فيحذر الله نبيه وأهل دينه منها . . ولم يغلب هذه الجبلة النكدة الشريرة إلا الإسلام وأهله يوم أن كانوا أهله ! . . ولن يخلص العالم من هذه الجبلة النكدة إلا الإسلام يوم يفيء أهله إليه . .
(ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى . ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا , وأنهم لا يستكبرون . وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق , يقولون:ربنا آمنا , فاكتبنا مع الشاهدين . وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق , ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين . فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها , وذلك جزاء المحسنين . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) . .
إن هذة الآيات تصور حالة , وتقرر حكما في هذه الحالة . . تصور حالة فريق من أتباع عيسى - عليه السلام -: (الذين قالوا:إنا نصارى) . . وتقرر أنهم أقرب مودة للذين آمنوا . .
ومع أن متابعة مجموع الآيات لا تدع مجالا للشك في أنها تصور حالة معينة , هي التي ينطبق عليها هذا التقرير المعين , فإن الكثيرين يخطئون فهم مدلولها , ويجعلون منها مادة للتميع المؤذي في تقدير المسلمين لموقفهم من المعسكرات المختلفة , وموقف هذه المعسكرات منهم . . لذلك نجد من الضروري - في ظلال القرآن - أن نتابع بالدقة تصوير هذه الآيات لهذه الحالة الخاصة التي ينطبق عليها ذلك الحكم الخاص:
إن الحالة التي تصورها هذه الآيات هي حالة فئة من الناس , قالوا:إنا نصارى . هم أقرب مودة للذين آمنوا: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون) . . فمنهم من يعرفون حقيقة دين النصارى فلا يستكبرون على الحق حين يتبين لهم . .
ولكن السياق القرآني لا يقف عند هذا الحد , ولا يدع الأمر مجهلا ومعمما على كل من قالوا:إنا نصارى . . إنما هو يمضي فيصور موقف هذه الفئة التي يعنيها:
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق , يقولون ربنا آمنا , فاكتبنا مع الشاهدين . وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق , ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين . .
فهذا مشهد حي يرتسم من التصوير القرآني لهذه الفئة من الناس , الذين هم أقرب مودة للذين آمنوا . . إنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول من هذا القرآن اهتزت مشاعرهم , ولانت قلوبهم , وفاضت أعينهم بالدمع تعبيرا عن التأثر العميق العنيف بالحق الذي سمعوه . والذي لا يجدون له في أول الأمر كفاء من التعبير إلا الدمع الغزير - وهي حالة معروفة في النفس البشرية حين يبلغ بها التأثر درجة أعلى من أن يفي بها القول , فيفيض الدمع , ليؤدي ما لا يؤديه القول ; وليطلق الشحنة الحبيسة من التأثر العميق العنيف .
ثم هم لا يكتفون بهذا الفيض من الدمع ; ولا يقفون موقفا سلبيا من الحق الذي تأثروا به هذا التأثر عند سماع القرآن ; والشعور بالحق الذي يحمله والإحساس بما له من سلطان . . إنهم لا يقفون موقف المتأثر الذي تفيض عيناه بالدمع ثم ينتهي أمره مع هذا الحق ! إنما هم يتقدمون ليتخذوا من هذا الحق موقفا إيجابيا صريحا . . موقف القبول لهذا الحق , والإيمان به , والإذعان لسلطانه , وإعلان هذا الإيمان وهذا الإذغان في لهجة قوية عميقة صريحة:
(يقولون:ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين . وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق , ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ?) . .
إنهم اولا يعلنون لربهم إيمانهم بهذا الحق الذي عرفوه . ثم يدعونه - سبحانه - أن يضمهم إلى قائمة الشاهدين لهذا الحق ; وأن يسلكهم في سلك الامة القائمة عليه في الأرض . . الأمه المسلمه , التي تشهد لهذا الدين بأنه الحق , وتؤدي هذه الشهادة بلسانها وبعملها وبحركتها لإقرار هذا الحق في حياة البشر . . فهؤلاء الشاهدون الجدد ينضمون إلى هذه الأمة المسلمة ; ويشهدون ربهم على إيمانهم بالحق الذي تتبعة هذة الأمة ; ويدعونه - سبحانه - أن يكتبهم في سجلها . .(7/33)
ثم هم بعد ذلك يستنكرون على أنفسهم أن يعوقهم معوق عن الإيمان بالله ; أو أن يسمعوا هذا الحق ثم لايؤمنوا به , ولا يأملوا - بهذا الإيمان - أن يقبلهم ربهم , ويرفع مقامهم عنده , فيدخلهم مع القوم الصالحين:(وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق , ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ?) . .
فهو موقف صريح قاطع تجاه ما أنزل الله إلى رسوله من الحق . . موقف الاستماع والمعرفة , ثم التأثر الغامر والإيمان الجاهر , ثم الإسلام والانضمام إلى الأمة المسلمة , مع دعاء الله - سبحانه - أن يجعلهم من الشاهدين لهذا الحق ; الذين يؤدون شهادتهم سلوكا وعملا وجهادا لإقراره في الأرض , والتمكين له في حياة الناس ثم وضوح الطريق ففي تقديرهم وتوحده ; بحيث لا يعودون يرون أنه يجوز لهم أن يمضوا إلا في طريق واحد:هو طريق الإيمان بالله , وبالحق الذي أنزله على رسوله , والأمل - بعد ذلك - في القبول عنده والرضوان .
ولا يقف السياق القرآني هنا عند بيان من هم الذين يعنيهم بأنهم أقرب مودة للذين آمنوا من الذين قالوا إنا نصارى ; وعند بيان سلوكهم في مواجهة ما أنزل الله الى الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق ; وفي اتخاذ موقف إيجابي صريح , بالإيمان المعلن , والانضمام إلى الصف المسلم ; والاستعداد لأداء الشهادة بالنفس والجهد والمال ; والدعاء إلى الله أن يقبلهم في الصف الشاهد لهذا الحق على هذا النحو ; مع الطمع في أن يختم لهم بالانضمام إلى موكب الصالحين . . لا يقف السياق القرآني عند هذا الحد في بيان أمر هؤلاء الذين يقرر أنهم أقرب مودة للذين آمنوا . بل يتابع خطاه لتكملة الصورة , ورسم المصير الذي انتهوا إليه فعلا:
(فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين) . .
لقد علم الله صدق قلوبهم وألسنتهم ; وصدق عزيمتهم على المضى في الطريق ; وصدق تصميمهم على أداء الشهادة لهذا الدين الجديد الذي دخلوا فيه ; ولهذا الصف المسلم الذي اختاروه , واعتبارهم أن أداء هذه الشهادة - بكل تكاليفها في النفس والمال - منة يمن الله بها على من يشاء من عباده ; واعتبارهم كذلك أنه لم يعد لهم طريق يسلكونة إلا هذا الطريق الذي أعلنوا المضي فيه ; ورجاءهم في ربهم أن يدخلهم مع القوم الصالحين . .
لقد علم الله منهم هذا كله ; فقبل منهم قولهم وكتب لهم الجنة جزاء لهم ; وشهد لهم - سبحانه - بأنهم محسنون , وأنه يجزيهم جزاء المحسنين:(فأثابهم الله - بما قالوا - جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها . . وذلك جزاء المحسنين . .) .
والإحسان أعلى درجات الإيمان والإسلام . . والله - جل جلاله - قد شهد لهذا الفريق من الناس أنه من المحسنين .
هو فريق خاص محدد الملامح هذا الذي يقول عنه القرآن الكريم: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى) . .
هو فريق لا يستكبر عن الحق حين يسمعه , بل يستجيب له تلك الاستجابة العميقة الجاهرة الصريحة . وهو فريق لا يتردد في إعلان استجابته للإسلام , والانضمام للصف المسلم ; والانضمام إليه بصفة خاصة في تكاليف هذه العقيدة ; وهي أداء الشهادة لها بالاستقامة عليها والجهاد لإقرارها وتمكينها وهو فريق علم الله منه صدق قوله فقبله في صفوف المحسنين . .
ولكن السياق القرآني لا يقف عند هذا الحد في تحديد ملامح هذا الفريق المقصود من الناس الذين تجدهم أقرب مودة للذين آمنوا بل إنه ليمضي فيميزه من الفريق الآخر من الذين قالوا:إنا نصارى ممن يسمعون هذا الحق فيكفرون به ويكذبون , ولايستجيبون له , ولا ينضمون إلى صفوف الشاهدين:(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) :. .
والمقصود قطعا بالذين كفروا وكذبوا في هذا الموضع هم الذين يسمعون - من الذين قالوا إنا نصارى - ثم لا يستجيبون . . والقرآن يسميهم الكافرين كلما كانوا في مثل هذا الموقف . سواء في ذلك اليهود والنصارى ; ويضمهم إلى موكب الكفار مع المشركين سواء ; ما داموا في موقف التكذيب لما أنزل الله على رسوله من الحق ; وفي موقف الامتناع عن الدخول في الإسلام الذي لا يقبل الله من الناس دينا سواه . . نجد هذا في مثل قول الله سبحانه:
(لم يكن الذين كفروا - من أهل الكتاب والمشركين - منفكين حتى تأتيهم البينة) . .
(إن الذين كفروا - من أهل الكتاب والمشركين - في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) .
(لقد كفر الذين قالوا:إن الله ثالث ثلاثة) . .
(لقد كفر الذين قالوا:إن الله هو المسيح ابن مريم) . .
(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) . .
فهو تعبير مألوف في القرآن , وحكم معهود . . وهو يأتي هنا للتفرقة بين فريقين من الذين قالوا:إنا نصارى ; وللتفرقة بين موقف كل فريق منهما تجاه الذين آمنوا ; وللتفرقة كذلك بين مصير هؤلاء وأولئك عند الله . . هؤلاء لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين وأولئك أصحاب الجحيم . .(7/34)
وليس كل من قالوا:إنهم نصارى إذن داخلين في ذلك الحكم: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا) . . كما يحاول أن يقول من يقتطعون آيات القرآن دون تمامها إنما هذا الحكم مقصور على حالة معينة لم يدع السياق القرآني أمرها غامضا , ولا ملامحها مجهلة , ولا موقفها متلبسا بموقف سواها في كثير ولا قليل . .
ولقد وردت روايات لها قيمتها في تحديد من هم النصارى المعنيون بهذا النص:
أورد القرطبي في تفسيره:"وهذه الآية نزلت في النجاشي وأصحابه , لما قدم عليهم المسلمون في الهجرة الأولى - حسب ما هو مشهور في سيرة ابن اسحاق وغيره - خوفا من المشركين وفتنتهم ; وكانوا ذوي عدد ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد ذلك فلم يقدروا على الوصول إليه , حالت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب فلما كانت وقعة بدر وقتل الله فيها صناديد الكفار , قال كفارقريش:إن ثأركم بأرض الحبشة فأهدوا إلى النجاشي وابعثوا له برجلين من ذوي رأيكم يعطيكم من عنده , فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر . فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة بهدايا . فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك , فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري وكتب معه إلى النجاشي ; فقدم على النجاشي , فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين , وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم . ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن , فقرأ سورة "مريم" فقاموا تفيض أعينهم من الدمع . فهم الذين أنزل الله فيهم: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى) وقرأ إلى(الشاهدين) [ رواه أبو داود . قال:حدثنا محمد بن مسلمة المرادي , قال:حدثنا ابن وهب . قال:أخبرني يونس عن ابن شهاب , عن أبي بكر عبدالرحمن بن الحرث بن هشام . وعن سعيد بن المسيب وعن عروة بن الزبير:أن الهجرة الأولى هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة . وساق الحديث بطوله ] .
"وذكر البيهقي عن ابن إسحاق قال:قدم على النبي صلى الله عليه وسلم عشرون رجلا وهو بمكة , أو قريب من ذلك , من النصارى حين ظهر خبره , من الحبشة , فوجدوه في المسجد , فكلموه وسألوه , ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة . فلما فرغوا من مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا , دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل , وتلا عليهم القرآن . فلما سمعوه فاضت أعينهم من الدمع , ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه , وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا:خيبكم الله من ركب ! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل , فلم تطل مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم , ما نعلم ركبا أحمق منكم - أو كما قال لهم - فقالوا:سلام عليكم لا نجاهلكم , لنا أعمالنا ولكم أعمالكم , لا نألو أنفسنا خيرا . . فيقال:إن النفر النصارى من أهل نجران . ويقال:إن فيهم نزلت هؤلاء الآيات:(الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) إلى قوله: (لا نبتغي الجاهلين) .
"وقيل:إن جعفرا وأصحابه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف , فيهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وهم بحيراء الراهب وإدريس وأشرف وأبرهة وثمامة وقثم ودريد وأيمن . فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة "يس" إلى آخرها , فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا به , وقالوا:ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فنزلت فيهم (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا , ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى) 00 يعني وفد النجاشي 0 وكانوا أصحاب الصوامع0 وقال سعيد بن جبير:وأنزل الله فيهم أيضا(الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) إلى قوله (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) إلى آخر الآية 0 وقال مقاتل والكلبي كانوا أربعين رجلا من أهل نجران من بني الحرث بن كعب , واثنين وثلاثين من الحبشة , وثمانية وستين من أهل الشام 0 وقال قتادة:نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى , فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم آمنوا به فأثنى الله عليهم"
وهذا الذي نقرره في معنى هذا النص ; والذي يدل عليه السياق بذاته , وتؤيده هذه الروايات التي أسلفنا , هو الذي يتفق مع بقية التقريرات في هذه السورة وفي غيرها عن موقف أهل الكتاب عامة - اليهود والنصارى - من هذا الدين وأهله 0كما أنه هو الذي يتفق مع الواقع التاريخي الذي عرفته الأمة المسلمة خلال أربعة عشر قرنا .
إن السورة وحدة في اتجاهها وظلالها وجوها وأهدافها ; وكلام الله سبحانه لا يناقض بعضه بعضا0 (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرًا) . . وقد وردت في هذه السورة نفسها نصوص وتقريرات , تحدد معنى هذا النص الذي نواجهه هنا وتجلو 00 نذكر منها:(7/35)
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء , بعضهم أولياء بعض , ومن يتولهم منكم فإنه منهم , إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . .
قل:يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم 0 وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا , فلا تأس على القوم الكافرين . .
كذلك جاء في سورة البقرة: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم 0 قل:إن هدى الله هو الهدى ; ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير . .
كذلك صدق الواقع التاريخي ما حذر الله الأمة المسلمة إياه ; من اليهود ومن النصارى سواء 0 وإذا كان الواقع التاريخي قد حفظ لليهود وقفتهم النكدة للإسلام منذ اليوم الأول الذي دخل فيه الإسلام عليهم المدينة ; في صورة كيد لم ينته ولم يكف حتى اللحظة الحاضرة ; وإذا كان اليهود لا يزالون يقودون الحملة ضد الإسلام في كل أرجاء الأرض اليوم في حقد خبيث وكيد لئيم 00 فإن هذا الواقع قد حفظ كذلك للنصارى الصليبيين أنهم اتخذوا من الإسلام موقف العداء منذ واقعة اليرموك بين جيش المسلمين وجيوش الروم - فيما عدا الحالات التي وقع فيها ما تصفه الآيات التي نحن بصددها فاستجابت قلوب للإسلام ودخلت فيه 0 وفيما عدا حالات أخرى آثرت فيها طوائف من النصارى أن تحتمي بعدل الإسلام من ظلم طوائف أخرى من النصارى كذلك ; يلاقون من ظلمها الوبال ! - أما التيار العام الذي يمثل موقف النصارى جملة فهو تلك الحروب الصليبية التي لم يخب أوارها قط - إلا في الظاهر - منذ التقى الإسلام والرومان على ضفاف اليرموك ! لقد تجلت أحقاد الصليبية على الإسلام وأهله في الحروب الصليبية المشهورة طوال قرنين من الزمان , كما تجلت في حروب الابادة التي شنتها الصليبية على الاسلام والمسلمين في الاندلس ر , ثم في حملات الاستعمار والتبشير على المماليك الإسلامية في إفريقية أولا , ثم في العالم كله أخيرا . .
ولقد ظلت الصهيونية العالمية والصليبة العالمية حليفتين في حرب الإسلام - على كل ما بينهما من أحقاد - ولكنهم كانوا في حربهم للإسلام كما قال عنهم العليم الخبير: (بعضهم أولياء بعض) حتى مزقوا دولة الخلافة الأخيرة 0 ثم مضوا في طريقهم ينقضون هذا الدين عروة عروة . وبعد أن أجهزوا على عروة(الحكم) ها هم أولاء يحاولون الإجهاز على عروة "الصلاة " !
ثم ها هم أولاء يعيدون موقف اليهود القديم مع المسلمين والوثنين 0 فيؤيدون الوثنية حيثما وجدت ضد الإسلام 0 عن طريق المساعدات المباشرة تارة , وعن طريق المؤسسات الدولية التي يشرفون عليها تارة أخرى ! وليس الصراع بين الهند وباكستان على كشمير وموقف الصليبية منها ببعيد .
وذلك فوق إقامة واحتضان وكفالة الأوضاع التي تتولى سحق حركات الإحياء والبعث الإسلامية في كل مكان على وجه الأرض . وإلباس القائمين بهذه الأوضاع أثواب البطولة الزائفة ودق الطبول من حولهم , ليستطيعوا الإجهاز على الإسلام , في زحمة الضجيج العالمي حول الأقزام الذين يلبسون أردية الأبطال !
هذا موجز سريع لما سجله الواقع التاريخي طوال أربعة عشر قرنا ; من موقف اليهودية والصليبية تجاه الإسلام ; لا فرق بين هذه وتلك ; ولا افتراق بين هذا المعسكر وذاك في الكيد للإسلام , والحقد عليه ,والحرب الدائبة التي لا تفتر على امتداد الزمان .
وهذا ما ينبغي أن يعيه الواعون اليوم وغدا ; فلا ينساقوا وراء حركات التمييع الخادعة أو المخدوعة ; التي تنظر إلى أوائل مثل هذا النص القرآني - دون متابعة لبقيته ; ودون متابعة لسياق السورة كله , ودون متابعة لتقريرات القرآن عامة , ودون متابعة للواقع التاريخي الذي يصدق هذا كله - ثم تتخذ من ذلك وسيلة لتخدير مشاعر المسلمين تجاه المعسكرات التي تضمر لهم الحقد وتبيت لهم الكيد ; الأمر الذي تبذل فيه هذه المعسكرات جهدها , وهي بصدد الضربة الأخيرة الموجهة إلى جذور العقيدة .
إن هذه المعسكرات لا تخشى شيئا أكثر مما تخشى الوعي في قلوب العصبة المؤمنة - مهما قل عددها وعدتها - فالذين ينيمون هذا الوعي هم أعدى أعداء هذه العقيدة . وقد يكون بعضهم من الفرائس المخدوعة ; ولكن ضررهم لا يقل - حينئذ - عن ضرر أعدى الأعداء , بل إنه ليكون أشد أذى وضرا .
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ; وهو لا يناقض بعضه بعضا , فلنقرأه إذن على بصيرة . .في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 137)
---------
إن طبيعة الموقف بين أهل الكتاب والمجتمع المسلم يجب البحث عنها اولاً:
في تقريرات اللّه - سبحانه - عنها , باعتبار أن هذه هي الحقيقة النهائية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ; وباعتبار أن هذه التقريرات - بسبب كونها ربانية - لا تتعرض لمثل ما تتعرض له الاستنباطات والاستدلالات البشرية من الأخطاء . . وثانياً:في المواقف التاريخية المصدقة لتقريرات اللّه سبحانه !(7/36)
إن اللّه سبحانه يقرر طبيعة موقف أهل الكتاب من المسلمين في عدة مواضع من كتابه الكريم . . وهو تارة يتحدث عنهم - سبحانه - وحدهم , وتارة يتحدث عنهم مع الذين كفروا من المشركين ; باعتبار أن هنالك وحدة هدف - تجاه الإسلام والمسلمين - تجمع الذين كفروا من أهل الكتاب والذين كفروا من المشركين . وتارة يتحدث عن مواقف واقعية لهم تكشف عن وحدة الهدف ووحدة التجمع الحركي لمواجهة الإسلام والمسلمين . . والنصوص التي تقرر هذه الحقائق من الوضوح والجزم بحيث لا تحتاج منا إلى تعليق . . وهذه نماذج منها . .
(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم) . . . [ البقرة:105 ] .
(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسدا من عند أنفسهم , من بعد ما تبين لهم الحق) . . . [ البقرة:109 ] .
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) . . . [ البقرة:120 ] .
(ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم) . . . [ آل عمران:69 ] . (وقالت طائفة من اهل الكتاب:آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون , ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) . . . [ آل عمران:72 - 73 ] .
(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) . . . [ آل عمران:100 ] . . .
(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل , واللّه أعلم بأعدائكم . . .) . . . [ النساء:44 - 45 ] .
(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت , ويقولون للذين كفروا:هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) . . . [ النساء:51 ] .
وفي هذه النماذج وحدها ما يكفي لتقرير حقيقة موقف أهل الكتاب من المسلمين . . . فهم يودون لو يرجع المسلمون كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق . وهم يحددون موقفهم النهائي من المسلمين بالإصرار على أن يكونوا يهوداً أو نصارى , ولا يرضون عنهم ولا يسالمونهم إلا أن يتحقق هذا الهدف , فيترك المسلمون عقيدتهم نهائياً . وهم يشهدون للمشركين الوثنيين بأنهم أهدى سبيلاً من المسلمين ! . . . الخ .
وإذا نحن راجعنا الأهداف النهائية للمشركين تجاه الإسلام والمسلمين كما يقررها اللّه - سبحانه - في قوله تعالى:(ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) . . . [ البقرة:217 ] .
(ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) . . . [ النساء:102 ] .
(إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون) . . . [ الممتحنة:2 ] .
(وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) . . . [ التوبة:8 ] .
(لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة) . . . [ التوبة:10 ] .
إذا نحن راجعنا هذه التقريرات الربانية عن المشركين , وجدنا أن الأهداف النهائية لهم تجاه الإسلام والمسلمين , هي بعينها - وتكاد تكون بألفاظها - هي الأهداف النهائية لأهل الكتاب تجاه الإسلام والمسلمين كذلك . . مما يجعل طبيعة موقفهم مع الإسلام والمسلمين هي ذاتها طبيعة موقف المشركين .
وإذا نحن لاحظنا أن التقريرات القرآنية الواردة في هؤلاء وهؤلاء ترد في صيغ نهائية , تدل بصياغتها على تقرير طبيعة دائمة , لا على وصف حالة مؤقتة , كقوله تعالى في شأن المشركين:
(ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) . .
وقوله تعالى في شأن أهل الكتاب:
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) . .
إذا نحن لاحظنا ذلك تبين لنا بغير حاجة إلى أي تأويل للنصوص , أنها تقرر طبيعة أصيلة دائمة للعلاقات ; ولا تصف حالة مؤقتة ولا عارضة !
فإذا نحن ألقينا نظرة سريعة على الواقع التاريخي لهذه العلاقات , متمثلة في مواقف أهل الكتاب - من اليهود والنصارى - من الإسلام وأهله , على مدار التاريخ , تبين لنا تماماً ماذا تعنيه تلك النصوص والتقريرات الإلهية الصادقة ; وتقرر لدينا أنها كانت تقرر طبيعة مطردة ثابتة , ولم تكن تصف حالة مؤقتة عارضة .
إننا إذا استثنينا حالات فردية - أو حالات جماعات قليلة - من التي تحدث القرآن عنها وحواها الواقع التاريخي بدت فيها الموادة للإسلام والمسلمين ; والاقتناع بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق هذا الدين . ثم الدخول فيه والانضمام لجماعة المسلمين . . وهي الحالات التي أشرنا إليها فيما تقدم . . فإننا لا نجد وراء هذه الحالات الفردية أو الجماعية القليلة المحدودة , إلا تاريخاً من العداء العنيد , والكيد الناصب , والحرب الدائبة , التي لم تفتر على مدار التاريخ . .
فأما اليهود فقد تحدثت شتى سور القرآن عن مواقفهم وأفاعيلهم وكيدهم ومكرهم وحربهم ; وقد وعى التاريخ من ذلك كله ما لم ينقطع لحظة واحدة منذ اليوم الأول الذي واجههم الإسلام في المدينة حتى اللحظة الحاضرة !(7/37)
وليست هذه الظلال مجالاً لعرض هذا التاريخ الطويل . ولكننا سنشير فقط إلى قليل من كثير من تلك الحرب المسعورة التي شنها اليهود على الإسلام وأهله على مدار التاريخ . .
لقد استقبل اليهود رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ودينه في المدينة شر ما يستقبل أهل دين سماوي رسولاً يعرفون صدقه , وديناً يعرفون أنه الحق . .
استقبلوه بالدسائس والأكاذيب والشبهات والفتن يلقونها في الصف المسلم في المدينة بكافة الطرق الملتوية الماكرة التي يتقنها اليهود . . شككوا في رسالة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وهم يعرفونه ; واحتضنوا المنافقين وأمدوهم بالشبهات التي ينشرونها في الجو وبالتهم والأكاذيب . وما فعلوه في حادث تحويل القبلة , وما فعلوه في حادث الإفك , وما فعلوه في كل مناسبة , ليس إلا نماذج من هذا الكيد اللئيم . . وفي مثل هذه الأفاعيل كان يتنزل القرآن الكريم . وسور البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والحشر والأحزاب والتوبة وغيرها تضمنت من هذا الكثير:
ولما جاءهم كتاب من عند اللّه مصدق لما معهم - وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا - فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به , فلعنة اللّه على الكافرين . بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه - بغياً أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده - فباءوا بغضب على غضب , وللكافرين عذاب مهين . . . [ البقرة:89 - 90 ] .
وبعد هذا التقرير والبيان تختم الآية المبينة لحقيقة ما عليه أهل الكتاب من الكفر والشرك , بقوله تعالى: (قاتلهم اللّه ! أنى يؤفكون ?) .
و . . نعم . . قاتلهم اللّه ! كيف يُصرفون عن الحق الواضح البسيط , إلى هذه الوثنية المعقدة الغامضة التي لا تستقيم لدى عقل أو ضمير ?!
الدرس الثالث:31 كفر اليهود والنصارى في طاعة أحبارهم ورهبانهم بالباطل
ثم ينتقل السياق القرآني إلى صفحة أخرى من صحائف الانحراف الذي عليه أهل الكتاب ; تتمثل في هذه المرة لا في القول والاعتقاد وحدهما ; ولكن كذلك في الواقع القائم على الاعتقاد الفاسد:
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه والمسيح ابن مريم . وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً , لا إله إلا هو , سبحانه عما يشركون) . .
وفي هذه الآية استمرار في وجهة السياق في هذا المقطع من السورة . من إزالة الشبهة في أن هؤلاء أهل كتاب . . فهم إذن على دين اللّه . . فهي تقرر أنهم لم يعودوا على دين اللّه , بشهادة واقعهم - بعد شهادة اعتقادهم - وأنهم أمروا بأن يعبدوا اللّه وحده , فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه - كما اتخذوا المسيح ابن مريم رباً - وأن هذا منهم شرك باللّه . . تعالى اللّه عن شركهم . . فهم إذن ليسوا مؤمنين باللّه اعتقاداً وتصورا ; كما أنهم لا يدينون دين الحق واقعاً وعملاً .
وقبل أن نقول:كيف اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً , نحب أن نعرض الروايات الصحيحة التي تضمنت تفسير رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - للآية . وهو فصل الخطاب .
الأحبار:جمع حَبر أو حِبر بفتح الحاء أو بكسرها , وهو العالم من أهل الكتاب وكثر إطلاقه على علماء اليهود . . والرهبان:جمع راهب , وهو عند النصارى المتبتل المنقطع للعبادة ; وهو عادة لا يتزوج , ولا يزاول الكسب , ولا يتكلف للمعاش .
وفي "الدر المنثور" . . روى الترمذي [ وحسنه ] وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه وغيرهم عن عدي بن حاتم - رضي اللّه عنه - قال:أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ في سورة براءة: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه) فقال:" أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم , ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه . وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه " .
وفي تفسير ابن كثير:وروى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير - من طرق - عن عدي بن حاتم - رضي اللّه عنه - أنه لما بلغته دعوة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فر إلى الشام , وكان قد تنصر في الجاهلية فأسرت أخته وجماعة من قومه . ثم منّ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - على أخته وأعطاها , فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام , وفي القدوم على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقدم عدي المدينة - وكان رئيساً في قومه طيئ وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم - فتحدث الناس بقدومه , فدخل على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وفي عنق عدي صليب من فضة , وهو يقرأ هذه الآية: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه) قال:فقلت:إنهم لم يعبدوهم . فقال:" بلى ! إنهم حرموا عليهم الحلال , وأحلوا لهم الحرام , فاتبعوهم:فذلك عبادتهم إياهم . . . " .
وقال السدي:استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم . ولهذا قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً) أي الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام , وما حلله فهو الحلال , وما شرعه اتبع , وما حكم به نفذ .
وقال الألوسي في التفسير:
"الأكثرون من المفسرين قالوا:ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم . بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم" . .(7/38)
ومن النص القرآني الواضح الدلالة ; ومن تفسير رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وهو فصل الخطاب , ثم من مفهومات المفسرين الأوائل والمتأخرين , تخلص لنا حقائق في العقيدة والدين ذات أهمية بالغة نشير إليها هنا بغاية الاختصار .
أن العبادة هي الاتباع في الشرائع بنص القرآن وتفسير رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فاليهود والنصارى لم يتخذوا الأحبار والرهبان أرباباً بمعنى الاعتقاد بألوهيتهم أو تقديم الشعائر التعبدية إليهم . . ومع هذا فقد حكم اللّه - سبحانه - عليهم بالشرك في هذه الآية - وبالكفر في آية تالية في السياق - لمجرد أنهم تلقوا منهم الشرائع فأطاعوها واتبعوها . . فهذا وحده - دون الاعتقاد والشرائع - يكفي لاعتبار من يفعله مشركا بالله , الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين .
أن النص القرآني يسوي في الوصف بالشرك واتخاذ الأرباب من دون الله , بين اليهود الذين قبلوا التشريع من أحبارهم وأطاعوه واتبعوه , وبين النصارى الذين قالوا بألوهية المسيح اعتقادا وقدموا إليه الشعائر في العبادة فهذه كتلك سواء في اعتبار فاعلها مشركا بالله , الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ويدخله في عداد الكافرين . .
أن الشرك باللّه يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير اللّه من عباده ; ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته ; ولا تقديم الشعائر التعبدية له . . كما هو واضح من الفقرة السابقة . . ولكنا إنما نزيدها هنا بيانا
وهذه الحقائق - وإن كان المقصود الأول بها في السياق هو مواجهة الملابسات التي كانت قائمة في المجتمع المسلم يومذاك من التردد والتهيب للمعركة مع الروم , وجلاء شبهة أنهم مؤمنون باللّه لأنهم أهل كتاب - هي كذلك حقائق مطلقة تفيدنا في تقرير "حقيقة الدين" عامة . .
إن دين الحق الذي لا يقبل اللّه من الناس كلهم ديناً غيره هو "الإسلام" . . والإسلام لا يقوم إلا باتباع اللّه وحده في الشريعة - بعد الاعتقاد بألوهيته وحده وتقديم الشعائر التعبدية له وحده - فإذا اتبع الناس شريعة غير شريعة اللّه صح فيهم ما صح في اليهود والنصارى من أنهم مشركون لا يؤمنون باللّه - مهما كانت دعواهم في الإيمان - لأن هذا الوصف يلحقهم بمجرد اتباعهم لتشريع العباد لهم من دون اللّه , بغير إنكار منهم يثبت منه أنهم لا يتبعون إلا عن إكراه واقع بهم , لا طاقة لهم بدفعه , وأنهم لا يقرون هذا الافتئات على اللّه . .
إن مصطلح "الدين" قد انحسر في نفوس الناس اليوم , حتى باتوا يحسبونه عقيدة في الضمير , وشعائر تعبدية تقام ! وهذا ما كان عليه اليهود الذين يقرر هذا النص المحكم - ويقرر تفسير رسول اللّه صلى الله عليه وسلمأنهم لم يكونوا يؤمنون باللّه , وأنهم أشركوا به , وأنهم خالفوا عن أمره بألا يعبدوا إلا إلهاً واحداً , وأنهم اتخذوا أحبارهم أرباباً من دون اللّه .
إن المعنى الأول للدين هو الدينونة - أي الخضوع والاستسلام والاتباع - وهذا يتجلي في اتباع الشرائع كما يتجلي في تقديم الشعائر . والأمر جد لا يقبل هذا التميع في اعتبار من يتبعون شرائع غير اللّه - دون إنكار منهم يثبتون به عدم الرضا عن الافتئات على سلطان اللّه - مؤمنين باللّه , مسلمين , لمجرد أنهم يعتقدون بألوهية اللّه سبحانه ويقدمون له وحده الشعائر . . وهذا التميع هو أخطر ما يعانيه هذا الدين في هذه الحقبة من التاريخ ; وهو أفتك الأسلحة التي يحاربه بها أعداؤه ; الذين يحرصون على تثبيت لافتة "الإسلام" على أوضاع , وعلى أشخاص , يقرر الله سبحانه في أمثالهم أنهم مشركون لا يدينون دين الحق , وأنهم يتخذون أربابا من دون الله . . وإذا كان أعداء هذا الدين يحرصون على تثبيت لافته الإسلام على تلك الأوضاع وهؤلاء الأشخاص ; فواجب حماة هذا الدين أن ينزعوا هذه اللافتات الخادعة ; وأن يكشفوا ما تحتها من شرك وكفر واتخاذ أرباب من دون اللّه . . (وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) . . .في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 230)
==================
ضوابط التشبّه بالكفار
…سؤال رقم 21694
…سؤال:
ما هي حدود التشبه بالغرب ؟؟ هل كل ما هو حديث وجديد ويأتينا من الغرب فهو تشبه بهم ؟؟ بمعنى آخر : كيف نطلق الحكم على شيء ما بأنه محرم لأنه تشبه بالكفار ؟.
الجواب:
الحمد لله
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) رواه أبو داود (اللباس / 3512) قال الألباني في صحيح أبي داود : حسن صحيح . برقم (3401)
قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالْعَلْقَمِيّ : أَيْ تَزَيَّى فِي ظَاهِره بِزِيِّهِمْ , وَسَارَ بِسِيرَتِهِمْ وَهَدْيهمْ فِي مَلْبَسهمْ وَبَعْض أَفْعَالهمْ اِنْتَهَى . وَقَالَ الْقَارِي : أَيْ مَنْ شَبَّهَ نَفْسه بِالْكُفَّارِ مَثَلا مِنْ اللِّبَاس وَغَيْره , أَوْ بِالْفُسَّاقِ أَوْ الْفُجَّار أَوْ بِأَهْلِ التَّصَوُّف وَالصُّلَحَاء الأَبْرَار ( فَهُوَ مِنْهُمْ ) : أَيْ فِي الإِثْم وَالْخَيْر .(7/39)
قَالَ شَيْخ الإِسْلام اِبْن تَيْمِيَّةَ فِي الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم : وَقَدْ اِحْتَجَّ الإِمَام أَحْمَد وَغَيْره بِهَذَا الْحَدِيث , وَهَذَا الْحَدِيث أَقَلّ أَحْوَاله أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيم التَّشَبُّه بِهِمْ كَمَا فِي قَوْله { مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } وَهُوَ نَظِير قَوْل عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّهُ قَالَ : مَنْ بَنَى بِأَرْضِ الْمُشْرِكِينَ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوت حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَقَدْ يُحْمَل هَذَا عَلَى التَّشَبُّه الْمُطْلَق فَإِنَّهُ يُوجِب الْكُفْر , وَيَقْتَضِي تَحْرِيم أَبْعَاض ذَلِكَ , وَقَدْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي الْقَدْر الْمُشْتَرَك الَّذِي يُشَابِههُمْ فِيهِ , فَإِنْ كَانَ كُفْرًا أَوْ مَعْصِيَة أَوْ شِعَارًا لَهَا كَانَ حُكْمه كَذَلِكَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّشَبُّه بِالأَعَاجِمِ , وَقَالَ : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى . وَبِهَذَا اِحْتَجَّ غَيْر وَاحِد مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة أَشْيَاء مِنْ زِيّ غَيْر الْمُسْلِمِينَ . أهـ . انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود .
والتشبه بالكفار على قسمين :
تشبه محرَّم ، وتشبه مباح .
القسم الأول : التشبه المحرّم : وهو فعل ما هو من خصائص دين الكفار مع علمه بذلك ، ولم يرد في شرعنا .. فهذا محرّم ، وقد يكون من الكبائر ، بل إن بعضه يصير كفراً بحسب الأدلة .
سواء فعله الشخص موافقة للكفار ، أو لشهوة ، أو شبهة تخيل إليه أنّ فعله نافع في الدنيا والآخرة .
فإن قيل هل من عمل هذا العمل وهو جاهل يأثم بذلك ، كمن يحتفل بعيد الميلاد ؟
الجواب : الجاهل لا يأثم لجهله ، لكنه يعلّم ، فإن أصر فإنه يأثم .
القسم الثاني : التشبه الجائز : وهو فعل عمل ليس مأخوذاً عن الكفار في الأصل ، لكن الكفار يفعلونه أيضاً . فهذا ليس فيه محذور المشابهة لكن قد تفوت فيه منفعة المخالفة .
" التشبه بأهل الكتاب وغيرهم في الأمور الدنيوية لا يباح إلا بشروط
1- أن لا يكون هذا من تقاليدهم وشعارهم التي يميّزون بها .
2- أن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم ويثبت ذلك أنه من شرعهم بنقل موثوق به ، مثل أن يخبرنا الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله أو بنقل متواتر مثل سجدة التحية الجائزة في الأمم السابقة .
3- أن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك ، فأما إذا كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغنى عن ذلك بما جاء في شرعنا .
4- أن لا تؤدي هذه الموافقة إلى مخالفة أمر من أمور الشريعة .
5- أن لا تكون الموافقة في أعيادهم .
6- أن تكون الموافقة بحسب الحاجة المطلوبة ولا تزيد عنها ."
انظر كتاب السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار لسهيل حسن ص 58- 59.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
مقاطعة بضائع الكفار المحاربين
…سؤال رقم 20732
…سؤال:
هل من العادة إباحة التعامل مع اليهود ، أو شركات يملكها اليهود أو مساهمين يهود ، أو شركات لها فروع في إسرائيل ، إلخ. ؟
مؤخرا ً كثير من المسلمين يقولون إنه حرام التعامل مع اليهود على الإطلاق . لحسب معلوماتي المحدودة، حتى عندما قاتل المسلمون اليهود في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لم يمنع التعامل معهم ، وعندما توفي كان درعه مرهوناً عند يهودي على دَيْن . الرجاء إعلامنا بالموقف الصحيح لهذه القضية .
الجواب:
الحمد لله
أولاً : الأصل هو جواز التعامل بالبيع والشراء مع اليهود وغيرهم ، لما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع والشراء والقرض والرهن وغير ذلك من المعاملات المباحة في ديننا.
وهؤلاء اليهود الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل العهد ، ومن نقض العهد منهم فقد قُتِلَ أو أُخرِجَ ، أو تُرِكَ لمصلحة .
على أنه قد ثبت ما يدل على جواز البيع والشراء مع الكفار المحاربين .
قال الإمام البخاري رحمه الله :
بَاب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ .
ثم روى (2216) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً ؟ قَالَ : لا ، بَلْ بَيْعٌ ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً .
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (11/41) :
وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذِّمَّة ، وغيرهم من الكفَّار إذا لم يتحقَّق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب ، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم . . . اهـ .(7/40)
وقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ : مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ جَائِزَةٌ , إِلا بَيْعَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ .
ونقل في " المجموع" (9/432) الإجماع على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب .
والحكمة من ذلك واضحة ، وهي أن هذا السلاح يقاتلون به المسلمين .
ثانياً : لا شك في مشروعية جهاد أعداء الله المحاربين من اليهود وغيرهم ، بالنفس والمال ، ويدخل في ذلك كل وسيلة تضعف اقتصادهم وتلحق الضرر بهم ، فإن المال هو عصب الحروب في القديم والحديث .
وينبغي على المسلمين عموما التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكينهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين ، وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقهم للأحكام الشرعية وإقامة الحدود ، وبما يكون سببا في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم ، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ ) . رواه أبو داود (2504) صححه الألباني في صحيح أبي داود .
فعلى المسلمين أن يساعدوا المجاهدين بكل ما يستطيعونه ، وبذل كل الإمكانيات التي يكون فيها تقوية للإسلام والمسلمين ، وعليهم أيضاً جهاد الكفار بما يستطيعونه من القدرة ، وعمل كل ما فيه إضعاف للكفار أعداء الدين ، فلا يستعملونهم كعمال بالأجرة كُتَّاباً أو محاسبين أو مهندسين أو خُداما بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يجمعون أموال المسلمين ويحاربونهم بها .
والحاصل :
أن من قاطع بضائع الكفار المحاربين وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم ، وإضعاف اقتصادهم ، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن .
ومن تعامل معهم متمسكاً بالأصل وهو جواز التعامل مع الكفار - لاسيما بشراء ما يحتاج إليه - فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى ، ولا يكون ذلك قدحاً في أصل الولاء والبراء في الإسلام .
وقد سئلت اللجنة الدائمة : ما حكم ترك المسلمين التعاون بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين ، ويرغب في الشراء من الكفار ، هل هذا حلال أم حرام ؟
فأجابت :
الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر ، وقد اشترى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليهود ، لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر فهذا حرام لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم ، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم ، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له ، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب ، فإن انتصح فالحمد لله ، وإلا عدل إلى غيره ، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته " اهـ . "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/18) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
=============
حكم عيادة المريض الكافر
…سؤال رقم 13933
…سؤال:
يحدث أن يمرض أحد النصارى معنا في العمل أو الدراسة فهل تجوز زيارته وما حكم عيادة المريض الكافر ؟.
الجواب:
الحمد لله
تجوز العيادة بقصد دعوته وعرض الإسلام عليه .
وهذا توسط في المسألة فلا يصح المنع مطلقاً لأنه لم يرد في ذلك دليل بل هو خلاف الأدلة الصحيحة .
والقول بالجواز مطلقاً فيه شيء من النظر فلم يبق إلا جواز عيادته إذا كان يعرض عليه الإسلام أو يرتجيه .
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال . كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمَرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له . أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول . الحمد لله الذي أنقذه من النار .
وهذا الحديث فيه فوائد .
الأولى : حُسنُ خُلقه صلى الله عليه وسلم .
الثانية : حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الخلق .
الثالثة : أن اليهود إذا مات على يهوديته كافر مخلد في النار وهذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم . والذي نفسي بيده لاَ يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار . رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة .
الرابعة : عيادة اليهودي إذا رجيت المصلحة . قال أبو داود رحمه الله سمعت الإمام أحمد سئل عن عيادة اليهودي والنصراني ؟ قال إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم .(7/41)
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى لله عليه وسلم لأبي طالب ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما والله لأستغفرنّ لك مالم أُنه عنك فأنزل الله تعالى فيه { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى .. } .
والحديث فيه دليل على عيادة القريب المشرك إذا رُجي إسلامه قال الفضل بن زياد سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل المسلم يعود أحداً من المشركين ، قال : إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فليعده كما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي فعرض عليه الإسلام .
الشيخ سليمان العلوان
=============
هل يجوز دخول الكنائس لأجل الدعوة ، أو لأجل الفرجة
…سؤال رقم 10108
…سؤال:
توجد هنا كنائس كثيرة ، فهل يجوز الدخول فيها ومناقشة القساوسة الذين فيها ؟ هل يجوز دخولها للنظر فيها ومعرفة ما يفعل هؤلاء ؟.
الجواب:
يجوز دخول الكنائس لأهل العلم لدعوة أهلها إلى الإسلام ، أما دخولها لأجل الفرجة فقط فلا ينبغي ؛ لأنه لا فائدة من ورائه ، ولأنه يُخشى على المسلم أن يتأثر بهم ، لا سيما إذا كان جاهلاً بأمور دينه ، ولا يستطيع رد الشبهة التي يوجهونها إليه .
من فتاوى اللجنة الدائمة 13/257.
==============
هل يدعو لصديقه النصراني بالشفاء
…سؤال رقم 47322
…سؤال:
لدي صديق نصراني أحبه جدا وهو من النصارى الذين مدحهم القرآن ، وهو الآن مريض جدا فهل يسمح لي الإسلام أن أدعو الله له بالشفاء ؟ .
الجواب:
الحمد لله
عقيدة الولاء والبراء من آكد أصول الدين ، وأوثق عرى الإيمان ، وكما أن الإيمان يزيد وينقص فكذلك تحقيق الناس لهذا الأصل العظيم يزيد وينقص ، وأما هدم هذا الأصل في قلب العبد وترك ما يوجبه على المؤمن من الأعمال فهو هدم للإيمان كله الذي هو مبني على محبة أولياء الله تعالى ، ومعاداة أعدائه ، وقد دل على هذا الأصل عدة آيات من كتاب الله ، وأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك :
قوله تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) المجادلة/22 وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً ) النساء/144 وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة/51 وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) آل عمران/118 وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بِحَرَّة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأتبعك وأصيب معك ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : تؤمن بالله ورسوله ؟ قال : لا ، قال فارجع فلن أستعين بمشرك " رواه مسلم (1817)
بل اتهم الصحابة - رضي الله عنهم - مالك بن الدخشن بالنفاق ، بسبب كثرة صحبته لبعض المنافقين ، ولقائه بهم ، كما ثبت في الصحيحين ( البخاري برقم 415 ، ومسلم 33 )
كل ما سبق وغيره كثير ، يدل على تحريم موالاة الكافرين ، أو محبتهم وتوليهم ، وهذه الموالاة لها صور عدة ، فمنها : الرضا بكفرهم ، أو مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان ، أو محبتهم ، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم ، أو تحكيم قوانينهم وغير ذلك ، وانظر السؤال رقم ( 2179 )(7/42)
ومما سبق تعلم أن محبة الكافر أمرها خطير جدا ، لأنها تناقض باباً عظيما من أبواب التوحيد ، ألا وهو الولاء للمؤمنين ، والبراء من المشركين .
وقولك إن هذا الكافر من النصارى الذي مدحهم الله في كتابه ، جوابه أن الذين مدحهم الله في كتابه هم صنف معين لهم أوصاف محددة ، وقد بين الله تعالى هذه الأوصاف بعد آية مدحهم مباشرة ، قال تعالى : ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ) ثم قال : ( ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ* وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) المائدة/86 فتمام الآيات يبين أن المراد بهؤلاء من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وتأثر بسماع القرآن ودعوته .
قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية : " يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين وإلى ولايتهم ومحبتهم وأبعدهم من ذلك : لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا .
فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين ، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم ، وذلك لشدة بغضهم لهم بغيا وحسدا وعنادا وكفرا .
( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى )
وذكر تعالى لذلك عدة أسباب : منها : أن منهم قسيسين ورهبانا ، أي علماء متزهدين وعبادا في الصوامع متعبدين . والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة ، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود وشدة المشركين .
ومنها : أنهم لا يستكبرون أي ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق ، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم ، فإن المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر .
ومنها : أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا للذي تيقنوه ، فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا : ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لله بالتوحيد ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به ، ويشهدون على الأمم السابقة بالتصديق والتكذيب .... وهذه الآيات نزلت في النصارى الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسم - كالنجاشي وغيره ، ممن آمن منهم ، وكذلك لا يزال يوجد فيهم من يختار دين الإسلام ، ويتبين له بطلان ما كانوا عليه ، وهم أقرب من اليهود والمشركين إلى دين الإسلام " [ تفسير السعدي 1 / 511 ]
أما الدعاء للكافرين فينقسم إلى قسمين :
الأول : أن تدعو له بالهداية إلى الإسلام ونحو ذلك ، فهذا جائز ، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ) رواه الترمذي (3681) ، وصححه الألباني ، وهذا دعاء لأحدهما بالهداية
الثاني : أن تدعو له بالمغفرة ونحو ذلك ، فهو حرام بالإجماع .
قال النووي : " وأما الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع " [ المجموع 5 / 120 ]
وقال في تحفة المحتاج :" ويحرم الدعاء بأخروي لكافر وكذا من شك في إسلامه ولو من والديه " [ 3 / 141 ]
أما الدعاء له بالشفاء من مرض والعافية منه ، فهو جائز للمصلحة ، كرجاء إسلامه وتأليف قلبه ، ونحو ذلك ، ويدل لهذا حديث الصحابي الذي رقى سيد القوم من لدغة العقرب ، وقد سبق بيانه في السؤال رقم ( 6714 ) ، والدعاء بالشفاء من جنس الرقية .
بل يجوز لك أن تزوره في مرضه هذا ، والإنسان في مرضه يرقُّ قلبه ويضْعُف ، ويقرب قبوله للحق ، وقد كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام يهودي يخدمه ، فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ ) رواه البخاري (1356)
قال ابن حجر : " وفي الحديث جواز استخدام المشرك وعيادته إذا مرض ، وفيه حسن العهد "(7/43)
لكن الدعاء للكافر بالشفاء لا يعني موالاته أو محبته أو تقديمه أو مودته كما سبق ذلك ، والله أعلم .
وللمزيد راجع الأسئلة رقم ( 23325 ، 20471 ، 32560 ، 41631 ، 6517 ، 26721 ، 1398 ، 3485 )
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين : عن حكم موالاة الكفار ؟
فأجاب بقوله : موالاة الكفار بالموادة والمناصرة واتخاذهم بطانة حرام منهي عنها بنص القرآن الكريم قال الله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
وأخبر أنه إذا لم يكن المؤمنون بعضهم أولياء بعض والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ويتميز هؤلاء عن هؤلاء ، فإنها تكون فتنة في الأرض وفساد كبير .
ولا ينبغي أبدا أن يثق المؤمن بغير المؤمن مهما أظهر من المودة وأبدى من النصح فإن الله تعالى يقول عنهم ( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ). ويقول سبحانه لنبيه ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) والواجب على المؤمن أن يعتمد على الله في تنفيذ شرعه ، وألا تأخذه فيه لومة لائم ، وألا يخاف من أعدائه فقد قال الله تعالى : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وقال تعالى : ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
( انظر مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 3 / 31 - 46 ، الولاء والبراء في الإسلام ص 352 ) .
الإسلام سؤال وجواب
================
مسلم يقوم بجمع التبرعات للكنيسة فهل يقبل صومه؟
…سؤال رقم 50173
…سؤال:
لي صديق مسلم مشارك في النادي الدولي في المدرسة . وقد استفسر المعلم من جميع المشتركين في النادي إن كانوا يريدون جمع التبرعات للكنيسة . وتطوع المذكور لذلك . وسيقوم بجمع التبرعات في رمضان . فهل يقبل صيامه ؟.
الجواب:
الحمد لله
الكنيسة : هي البناء الذي يمارس فيه النصارى شعائرهم وطقوسهم ، بما تشتمل عليه من الكفر والتثليث وعبادة غير الله .
وعليه فبناء الكنائس ، أو جمع التبرعات لإنشائها أو إصلاحها أو دعمها ، منكر عظيم ، لما فيه من الإعانة على نشر الكفر وتقريره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" من اعتقد أن الكنائس بيوت الله , أو أنه يعبد فيها ، أو أن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله , أو أنه يحب ذلك , أو يرضاه فهو كافر ; لأنه يتضمن اعتقاده صحة دينهم , وذلك كفر ، أو أعانهم على فتحها ; أي : الكنائس ، وإقامة دينهم ; واعتقد أن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر ، لتضمنه اعتقاد صحة دينهم " .
وقال : الشيخ في موضع آخر:
" من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله ; فهو مرتد , وإن جهل أن ذلك محرم عُرِّف ذلك , فإن أصر صار مرتدا ; لتضمنه تكذيب قوله تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ) آل عمران/91 " انتهى من " مطالب أولي النهى" (6/281) بتصرف .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (14/482) :
" لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبني كنيسة أو محلا للعبادة ليس مؤسسا على الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره ، والله عز وجل يقول : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 .
فعليك تذكيره بالله ونصحه أن يتوب إلى الله تعالى ، ويقلع عن العمل المذكور حذراً من وقوعه هو في الكفر والردة ، فيحبط عمله وهو لا يشعر .
وعلى هذا ، فإنه يُخشى على صاحبك ما هو أعظم من عدم قبول صيامه ، ألا وهو الكفر .
نسأل الله أن يهديه ، ويوفقه لكل خير .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
هل تفضيله للعمل مع غير المسلمين يعتبر من موالاتهم ؟
…سؤال رقم 67610
…سؤال:
هل العمل في شركة يملكها رجل كافر يعتبر من موالاة الكفار ؟.
الجواب:(7/44)
الحمد لله
العمل عند الكفار ومشاركتهم في التجارة لا يعد من موالاتهم ، وعلى المسلم أن يحسن اختياره للأشخاص ، ولطبيعة العمل ونوعية التجارة ، ولا يجوز أن تكون أعماله أو تجاراته في المحرمات ، ولا يحل له أن يوادهم في قلبه ، ولا أن يثني عليهم ثناء مطلقاً ، ويجب عليه أن يتحلى بالصدق والإتقان في عمله ليكون أنموذجاً طيباً لأخلاق المسلمين .
قال الشيخ صالح الفوزان :
ومن الموالاة المحرمة : مناصرتهم على المسلمين ومظاهرتهم أو الدفاع عنهم بالقول بتبرير ما هم عليه والاعتزاز بما هم عليه ، كل هذا من أنواع الموالاة المحرمة والتي تصل إلى الردة عن الإسلام - والعياذ بالله - قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة/51 .
أما ما يجوز لنا من التعامل مع الكفار فهو التعامل المباح ، نتعامل معهم بالتجارة ، ونستورد منهم البضائع ، ونتبادل معهم المنافع ، ونستفيد من خبراتهم ، نستقدم منهم من نستأجره على أداء عمل كهندسة أو غير ذلك من الخبرات المباحة ، هذا حدود ما يجوز لنا معهم ولابد من أخذ الحذر ، وأن لا يكون له سلطة في بلاد المسلمين إلا في حدود عمله ، ولا يكون له سلطة على المسلمين ، أو على أحد من المسلمين ، وإنما تكون السلطة للمسلمين عليهم .
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (2/252) .
وعلى أصحاب الأعمال من المسلمين أن يتقوا الله في أعمالهم وموظفيهم ، وأن يقيموا الأعمال المباحة ، وأن يعطوا موظفيهم وعمالهم حقوقهم كاملة غير منقوصة ، وأن لا يتسببوا في انتقال العمال والموظفين المسلمين إلى غيرهم من الكفار .
فالكثير من المسلمين يرى أن ما يحصل عليه من راتب وامتيازات عند الكافر هي التي تدفعه إلى العمل عنده ؛ لأنه يرى أنه يأخذ ما يستحقه ، وفي هذا من المفاسد ما فيه من مدح هؤلاء الكفار والثناء عليهم في خلقهم ومعاملاتهم ، وقد يؤدي ذلك إلى الوقوع في موالاتهم ، وهو ما سبب فتنة لكثيرين في دينهم بعد ذلك .
وانظر جواب السؤال رقم ( 59879 ) ففيه تفصيل مهم في موالاة الكفار وأنواعها .
وانظر جواب السؤال رقم ( 2875 ) ففيه حكم العمل عند الكفار ، وجواب السؤال رقم ( 2371 ) ففيه بيان جواز مشاركة المسلم للكافر بشروط .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============
أسس وضوابط في علاقة المسلمين بغير المسلمين
…سؤال رقم 26721
…سؤال:
نريد أن نعرف بوضوح كيف ينظر المسلمون إلى غير المسلمين ، وكيف يتعاملون معهم وفق شريعة الإسلام ؟.
الجواب:
الحمد لله
1- الإسلام دين رحمة و عدل
2- المسلمون مأمورون بدعوة غير المسلمين بالحكمة و الموعظة الحسنة و الجدال بالتي هي أحسن قال الله تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم )
3- لا يقبل الله غير الإسلام دينا قال تعالى ( و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
4- يجب على المسلمين أن يُمَكِِِِِّنوا أي كافر من سماع كلام الله قال تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه )
5- يفرق المسلمون بين أنواع الكفار في المعاملة , فيسالمون من سالمهم و يحاربون من حاربهم و يجاهدون من وقف عائقا دون نشر رسالة الإسلام و تحكيمه في الأرض.
6- موقف المسلمين من غير المسلمين في مسألة الحب والبغض القلبي مبني على موقف هؤلاء من الله عز وجل فإن عبدوا الله لا يشركون به شيئا أحبوهم و إن أشركوا بالله و كفروا به و عبدوا معه غيره أو عادوا دينه و كرهوا الحق كرهوهم بالقلب و جوبا.
7- إن البغض القلبي لا يعني الظلم بأي حال من الأحوال لأن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم فيما يجب عليه من الموقف تجاه أهل الكتاب ( وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) مع كونه مسلماً وهم على ملة اليهودية و النصرانية.
8- يعتقد المسلمون بأنه لا يجوز لمسلم بحال من الأحوال أن يظلم غير المسلم المسالم فلا يعتدي عليه ولا يخيفه ولا يرهبه ولا يسرق ماله ولا يختلسه ولا يبخسه حقه ولا يجحد أمانته ولا يمنعه أجرته ويؤدي إليه ثمن البضاعة إذا اشتراها منه وربح المشاركة إذا شاركه.
9- يعتقد المسلمون أنه يجب على المسلم احترام العهد إذا عقده مع طرف غير مسلم فإذا وافق على شروطهم في إذن الدخول إلى بلدهم (الفيزا) و تعهد بالإلتزام بذلك فلا يجوز له أن يفسد فيها ولا أن يخون ولا أن يسرق ولا أن يقتل ولا أن يرتكب عملاً تخريباً وهكذا.
10- يعتقد المسلمون أن غير المسلمين الذين يحاربونهم ويخرجونهم من ديارهم ويعينون على إخراجهم بأن دماء هؤلاء وأموالهم حلال للمسلمين.(7/45)
11- يعتقد المسلمون بأنه يجوز للمسلم أن يحسن إلى غير المسلم المسالم سواء بالمساعدة المالية أو الإطعام عند الجوع أو القرض عند الحاجة أو الشفاعة في الأمور المباحة أو اللين في الكلام و رد التحية وهكذا قال الله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )
12- لا يمانع المسلمون من التعاون مع غير المسلمين في إحقاق الحق و إبطال الباطل ونصرة المظلوم ورد الأخطار عن البشرية كالتعاون في محاربة التلوث وسلامة البيئة ومحاصرة الأمراض الوبائية ونحو ذلك.
13- يعتقد المسلمون بأن هناك فرقا بين المسلم وغير المسلم في أحكام معينة مثل الدية والميراث والزواج والولاية في النكاح ودخول مكة وغيرها كما هو مبين في كتب الفقه الإسلامي وهذا مبني على أوامر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولا يمكن المساواة بين من آمن بالله وحده لا شريك له وبين من كفر بالله وحده وبين من كفر بالله وأشرك به وأعرض عن دينه الحق.
14- المسلمون مأمورن بالدعوة إلى الله في جميع البلاد الإسلامية وغيرها وعليهم أن يقوموا بتبليغ دين الله الحق إلى العالمين و بناء المساجد في أنحاء العالم وإرسال الدعاة إلى الأمم غير المسلمة ومخاطبة عظمائها للدخول في دين الله .
15- ويعتقد المسلمون أن غيرهم من أهل الملل والأديان الأخرى ليسوا على دين صحيح ، ولذلك فإن المسلمين لا يسمحون لغيرهم ببث دعاة أو مبشرين أو بناء كنائس في بلدان المسلمين قال الله تعالى ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) فمن ظن أن الإسلام يتساوى مع غيره من الأديان فهو مخطئ خطأً عظيماً وعلماء المسلمين يفتحون الباب للمحاورة مع غير المسلمين ويتيحون الفرصة للنقاش والسماع من غير المسلمين وعرض الحق عليهم .
وأخيراً فقد قال الله تعالى ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعض أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) وقال الله تعالى : ( ولو آمن أهل الكتاب لكن خيراً لهم ).
الشيخ محمد صالح المنجد
==============
حكم القول بان أخلاق الكفّار أفضل من أخلاق المسلمين
…سؤال رقم 43270
…سؤال:
هل يجوز أن يقول المسلم أن بعض الكفار أحسن خلقاً من بعض المسلمين ؟ .
الجواب:
الحمد لله
إذا قال إن أخلاق الكفار أفضل من أخلاق المسلمين - بهذا الإطلاق - فهذا محرم لا شك في ذلك ، بل يستتاب صاحبه ، لأن رأس الأخلاق وأهمها الخلق مع الله تعالى ، والأدب معه وترك عبادة ما سواه ، وهذا متحقق في المسلمين دون الكافرين ، كما أن فيه تعميما على كل المسلمين ، ولا بد أن يكون منهم من هو قائم بأخلاق الإسلام ، وبشرع الله تعالى .
وإن فضل بعض أخلاق الكفار على أخلاق بعض المسلمين ، فهذا من الخطأ ، إذ يكفي الكفار سوء خلق ما فعلوه مع ربهم جل وعلا وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، فقد سبوا الله تعالى ، وادعوا له الولد ، وقدحوا في أنبيائه وكذبوهم ، فأي خلق يفيدهم مع الناس إذا كانت أخلاقهم مع ربهم جل وعلا من أسوأ الأخلاق .
ثم كيف نرى أخلاق عشرة أو مائة من الكفار ، ونحكم عليهم بأن أخلاقهم جيدة ، ونسينا أخلاق أكثرهم من اليهود والنصارى ، فكم غدروا بالمسلمين ، وكم أفسدوا ديارهم ، وكم فتنوهم عن دينهم ، وكم أضاعوا من ثرواتهم ، وكم مكروا وتربصوا وتجبروا وطغوا ....
إن خلق بعضهم الجيد لا يساوي شيئا أمام خلق أكثرهم القبيح ، فضلا على أن خلقهم هذا لا يقصدون منه نفس الخلق ، وإنما يقصدون منه نفع أنفسهم ، واستقامة أمورهم الدنيوية ، وتحصيل مصالحهم ، في أغلب أحوالهم .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن سائل يعقد مقارنة أو موازنة بين العمال من المسلمين وغير المسلمين فيقول : إن غير المسلمين هم من أهل الأمانة ، وأستطيع أن أثق فيهم ، وطلباتهم قليلة ، وأعمالهم ناجحة ، أما أولئك فهم على العكس تماما ، فما رأيكم سماحة الشيخ ؟
فأجاب : " هؤلاء ليسوا بمسلمين على الحقيقة ، هؤلاء يدعون الإسلام ، أما المسلمون في الحقيقة فهم أولى وأحق وهم أكثر أمانة وأكثر صدقا من الكفار ، وهذا الذي قلته غلط لا ينبغي أن تقوله ، والكفار إذا صدقوا عندكم وأدوا الأمانة حتى يدركوا مصلحتهم معكم ، وحتى يأخذوا الأموال عن إخواننا المسلمين ، فهذه لمصلحتهم ؛ فهم ما أظهروا هذا لمصلحتكم ولكن لمصلحتهم هم ، حتى يأخذوا الأموال وحتى ترغبوا فيهم .
فالواجب عليكم ألا تستقدموا إلا الطيبين من المسلمين ؛ وإذا رأيتم مسلمين غير مستقيمين فانصحوهم ووجهوهم فإن استقاموا وإلا فردُّوهم إلى بلادهم واستقدموا غيرهم ، وطالبوا الوكيل الذي يختار لكم أن يختار الناس الطيبين المعروفين بالأمانة ، المعروفين بالصلاة، المعروفين بالاستقامة؛ لا يستقدم من هبّ ودبّ .(7/46)
وهذا لا شك أنه من خداع الشيطان، أن يقول لكم : إن هؤلاء الكفار أحسن من المسلمين ، أو أكثر أمانة ، أو كذا أو كذا ؛ كله لما يعلمه عدو الله وجنوده من الشر العظيم في استقدام الكفرة واستخدامهم بدل المسلمين ؛ فلهذا يرُغِّب فيهم ويزين لكم استقدامهم حتى تدعوا المسلمين ، وحتى تستقدموا أعداء الله ، إيثارا للدنيا على الآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وقد بلغني عن بعضهم أنه يقول : إن المسلمين يصلون ويعطلون الأعمال بالصلاة ، والكفار لا يصلون حتى يأتوا بأعمال أكثر ، وهذا أيضا من جنس ما قبله ، ومن البلاء العظيم ؛ أن يعيب المسلمين بالصلاة ويستقدم الكفار لأنهم لا يصلون ، فأين الإيمان ؟ وأين التقوى ؟ وأين خوف الله ؟ أن تعيب إخوانك المسلمين بالصلاة ! نسأل الله السلامة والعافية . " فتاوى نور على الدرب
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن وصف الكفار بالصدق والأمانة وحسن العمل ؟
فأجاب بقوله : هذه الأخلاق إن صحت مع أن فيهم الكذب والغدر والخيانة والسطو أكثر مما يوجد في بعض البلاد الإسلامية وهذا معلوم ، لكن إذا صحت هذه فإنها أخلاق يدعو إليها الإسلام ، والمسلمون أولى أن يقوموا بها ليكسبوا بذلك حسن الأخلاق مع الأجر والثواب . أما الكفار فإنهم لا يقصدون بها إلا أمرا ماديا فيصدقون في المعاملة لجلب الناس إليهم .
لكن المسلم إذا تخلق بمثل هذه الأمور فهو يريد بالإضافة إلى الأمر المادي أمرا شرعيا وهو تحقيق الإيمان والثواب من الله - عز وجل - وهذا هو الفارق بين المسلم والكافر .
أما ما زعم من الصدق في دول الكفر شرقية كانت أم غربية فهذا إن صح فإنما هو نزر قليل من الخير في جانب كثير من الشر ولو لم يكن من ذلك إلا أنهم أنكروا حق من حقه أعظم الحقوق وهو الله - عز وجل - { إن الشرك لظلم عظيم } . فهؤلاء مهما عملوا من الخير فإنه نزر قليل مغمور في جانب سيئاتهم ، وكفرهم ، وظلمهم فلا خير فيهم . مجموع الفتاوى 3
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :" ولا يستعان بأهل الذمة في عمالة ولا كتابة لأنه يلزم منه مفاسد أو يفضي إليها ، وسئل أحمد في رواية أبي طالب في مثل الخراج فقال : لا يستعان بهم في شيء " الفتاوى الكبرى 5/539
وجاء في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك : " وتفضيل الكافر على المسلم إن كان من حيث الدين فهو ردة وإلا فلا " 2/348
وراجع السؤال رقم ( 13350 ).
الإسلام سؤال وجواب
==============
بل المشاركة في جيوش المشركين حرام
[الكاتب: محمد مصطفى المقرئ]
الحمد لله الذي أمرنا بالتوحد والائتلاف، ونهانا عن التنازع والاختلاف، سيما عند النوازل والنكبات، وتداعي النوائب والملمات، فقال تعالى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (لأنفال:46)، والصلاة والسلام على السراج المنير الهادي، الذي اجتمعت به المشارب من كل سهل ووادي، فما تركهم إلا وفيهم ما يعصمهم من كل فتنة وتدافع، ويهديهم إلى الحق عند كل تنازع..
الحمد لله الذي أمرنا بالتوحد والائتلاف، ونهانا عن التنازع والاختلاف، سيما عند النوازل والنكبات، وتداعي النوائب والملمات، فقال تعالى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (لأنفال:46)، والصلاة والسلام على السراج المنير الهادي، الذي اجتمعت به المشارب من كل سهل ووادي، فما تركهم إلا وفيهم ما يعصمهم من كل فتنة وتدافع، ويهديهم إلى الحق عند كل تنازع.. وبعد
فإن من أعظم سبل التلاقي والتآزر، وتقوية الروابط والأواصر، أن تكون صدورنا للنصح رحبة واسعة ، لنُجمع الرأي أو يكون لنا في خلافاتنا سعة، ما لم نعارض نصاً أو نبطل أصلاً، والله من وراء قصد العباد، وهو الملهم للرشاد.. اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شرور أنفسنا.. ثم أما بعد .. ..
نُشِرَتْ على بعض مواقع "الإنترنت" فتوى منسوبة إلى الأفاضل: الشيخ يوسف القرضاوي ـ المستشار طارق البشري ـ الدكتور سليم العوا، وقد أثبتها الأستاذ فهمي هويدي في مقال له، منشور على موقع جريدة "الشعب" المصرية، وأشار فيه إلى أن الفتوى تحمل توقيع شخصين إضافيين، هما: الدكتور هيثم الخياط، وكاتب المقال نفسه.
وهذا نصها :
( (موقف العسكريين المسلمين في الجيش الأميركي
فهمي هويدي
حين أرسل مجلس الافتاء لاوروبا الشمالية رسالة كبير المرشدين المسلمين بالجيش الاميركي الى ثلاثة من العلماء هم: الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، والمستشار طارق البشري والدكتور محمد سليم العوا، كانت اجابة السؤال التي تم الاتفاق عليها وحملت توقيع شخصين اضافيين هما الدكتور هيثم الخياط وكاتب هذه السطور (رغم تواضع اسهامي فيها) على النحو التالي:
السؤال يعرض قضية شديدة التعقيد وموقفاً بالغ الحساسية يواجهه اخواننا العسكريون المسلمون في الجيش الاميركي، وفي غيره من الجيوش التي قد يوضعون فيها، في ظروف مشابهة.(7/47)
والواجب على المسلمين كافة ان يكونوا يداً واحدة ضد الذين يروعون الآمنين ويستحلون دماء غير المقاتلين بغير سبب شرعي، لان الاسلام حرم الدماء والأموال حرمة قطعية الثبوت الى يوم القيامة، إذ قال تعالى: «من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا، بغير نفس أو فساد في الارض، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات ثم ان كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون» (المائدة 32)، فمن خالف النصوص الاسلامية الدالة على ذلك فهو عاص مستحق للعقوبة المناسبة لنوع معصيته وقدر ما يترتب عليها من فساد أو إفساد.
ويجب على اخواننا العسكريين المسلمين في الجيش الاميركي ان يجعلوا موقفهم هذا ـ وأساسه الديني ـ معروفيْن لجميع زملائهم ورؤسائهم وأن يجهروا به ولا يكتموه لأن في ذلك إبلاغاً لجزء مهم من حقيقة التعاليم الاسلامية، طالما شوهت وسائل الاعلام صورته أو أظهرته على غير حقيقته.
ولو ان الاحداث الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة عُوملت بمقتضى نصوص الشريعة وقواعد الفقه الاسلامي لكان الذي ينطبق عليها هو حكم جريمة الحرابة الوارد في سورة «المائدة» (الآيتان 33 و34).
لذلك، فاننا نرى ضرورة البحث عن الفاعلين الحقيقيين لهذه الجرائم، وعن المشاركين فيها بالتحريض والتمويل والمساعدة، وتقديمهم لمحاكمة منصفة تنزل بهم العقاب المناسب الرادع لهم ولأمثالهم من المستهينين بحياة الابرياء وأموالهم والمروعين لأمنهم.
وهذا كله من واجب المسلمين المشاركة فيه بكل سبل ممكنة، تحقيقاً لقوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» (المائدة 5).
ولكن الحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمين الآخرين، مصدره ان القتال يصعب ـ أو يستحيل ـ التمييز فيه بين الجناة الحقيقيين المستهدفين به، وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث، وان الحديث النبوي الصحيح يقول: «اذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، قيل هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: قد أراد قتل صاحبه» (رواه البخاري ومسلم).
والواقع ان الحديث الشريف المذكور يتناول الحالة التي يملك فيها المسلم أمر نفسه فيستطيع ان ينهض للقتال ويستطيع أن يمتنع عنه، وهو لا يتناول الحالة التي يكون المسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة، يلتزم بطاعة الأوامر الصادرة إليه، وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة.
يتبين من ذلك ان الحرج الذي يسببه نص هذا الحديث الصحيح إما انه مرفوع، وإما انه مغتفر بجانب الأضرار العامة التي تلحق مجموع المسلمين في الجيش الاميركي، بل وفي الولايات المتحدة بوجه عام، اذا اصبحوا مشكوكاً في ولائهم لبلدهم الذي يحملون جنسيته، ويتمتعون فيه بحقوق المواطنة، وعليهم ان يؤدوا واجباته.
وأما الحرج الذي يسببه، كون القتال لا تمييز فيه فان المسلم يجب عليه أن ينوي بمساهمته في هذا القتال أن يحق الحق ويبطل الباطل، وان عمله يستهدف منع العدوان على الأبرياء أو الوصول الى مرتكبيه لتقديمهم للعدالة، وليس له شأن بما سوى ذلك من أغراض للقتال قد تنشئ لديه حرجاً شخصياً، لأنه لا يستطيع وحده منعها ولا تحقيقها، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، والمقرر عند الفقهاء ان ما لا يستطيعه المسلم وغير ساقط عنه لا يكلف به، وإنما المسلم هنا جزء من كل لو خرج عليه لترتب على خروجه ضرر، له ولجماعة المسلمين في بلده، أكبر كثيراً من الضرر الذي يترتب على مشاركته في القتال.
والقواعد الشرعية المرعية تقرر أنه «اذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما»، فاذا كان يترتب على امتناع المسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم ـ وهم ملايين عديدة ـ وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذى روحياً ونفسياً فان «الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام» كما تقرر القاعدة الفقهية الأخرى.
واذا كان العسكريون المسلمون في الجيش الاميركي يستطيعون طلب الخدمة ـ مؤقتاً أثناء هذه المعارك الوشيكة ـ في الصفوف الخلفية للعمل في خدمات الاعاشة وما شابهها ـ كما ورد في السؤال ـ من دون ان يسبب لهم ذلك، ولا لغيرهم من المسلمين الاميركيين، حرجاً ولا ضرراً فانه لا بأس عليهم من هذا الطلب.
أما اذا كان هذا الطلب يسبب ضرراً أو حرجاً يتمثل في الشك في ولائهم، أو تعريضهم لسوء ظن، أو لاتهام باطل، أو لايذائهم في مستقبلهم الوظيفي، او للتشكيك في وطنيتهم، وأشباه ذلك، فانه لا يجوز عندئذ هذا الطلب.(7/48)
والخلاصة انه لا بأس ـ ان شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركة في القتال في المعارك المتوقعة ضد من «يُظَنُّ» انهم يمارسون الإرهاب أو يؤوون الممارسين له ويتيحون لهم فرص التدريب والانطلاق من بلادهم، مع استصحاب النية الصحيحة على النحو الذي أوضحناه، دفعاً لأي شبهة قد تلحق بهم في ولائهم لأوطانهم، ومنعاً للضرر الغالب على الظن وقوعه، وإعمالا للقواعد الشرعية التي تنص على ان الضرورات تبيح المحظورات، وتوجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد، والله تعالى أعلم وأحكم ))
http://www.islamie.com/showthread.php?t=10110
http://www.albeed.com/vb/showthread.php?t=41524
-------------
والفتوى تجيز للمجندين المسلمين في جيوش المشركين أن يقاتلوا دولة إسلامية يُدَعَى أنها تأوي "إرهابيين" استباحوا زهق أنفس بريئة!!
وسواء صحَتْ نسبة هذه الفتوى للأفاضل المذكورين أو لم تصح، فإنه يلزم المبادرة إلى بيان موقعها من النظر والتأصيل الشرعيين، والتنويه على ما أراه تجاوزاً لأحكام شرعية مستقرة، لا مجال للاجتهاد فيها وجعلها محل خلاف، ولا سيما بعد نشر الفتوى وإذاعتها، وصيرورتها قيد العمل والتطبيق اعتقاداً بصحتها، سواء من جهة المستفتين، أو غيرهم من عموم المسلمين.
هذا وإن ظني بالموقعين عليها، أنهم من أسرع الناس أوبة إلى الحق، أحرصهم إن شاء الله على المراجعة والتصويب.
بين يدي السطور: ملاحظات على قوالب ومضامين الفتوى:
أولى: تجاوزت الفتوى أحكاماً هي كالأصول للأمر المسؤول عنه، ويأتي على رأس ما تُجُوِزَ ما يلي:
أ) حكم إقامة المسلم في ديار الشرك، وما يتعلق بحالات الجواز من ضوابط، كاشتراط القدرة على إظهار شعائر الإسلام، وحرمة مظاهرة المشركين على المسلمين.
ب) حكم الدخول في جيوش المشركين، والمشاركة فيها، حتى وإن لم تكن في قتال مع المسلمين.
ج) حرمة الانضواء تحت راية عمية، تضرب في الأرض على غير هدى، ولا تبالي بحق قاتلت أم بباطل، ولا تحصى مظالمها، ولا تؤمن غوائلها.
ثانية: استباحة دماء غير المقاتلين محظور شرعي متفق على حظره، غير أن المنع متوجه إلى قصد القتل دون ما يقع منه ضمناً وتبعاً، هذا من جهة أصل الحظر أو الإباحة، ثم يأتي مجال الاجتهاد فيما وراء ذلك من تقدير المصالح والمفاسد والموازنة بينها، ولقد يترجح المنع من الفتيا بحكم مقرر بأصل مشروعيته، لما يتوقع من آثاره وعواقبه ومآلاته، ولكن هذا الترجيح لا يخرج المسألة عن كونها معدودة من موارد الاجتهاد.
ولسنا في حاجة إلى التنبيه على أن الكثير من مسائل الاجتهاد يمكن رفع الخلاف عنه لو حررت مواضع النزاع فيه.
ثالثة: وجاء في نص الفتوى ـ بعد بيانها حرمة إزهاق النفوس بغير حق، وهو ما نؤكده ـ: ( فمن خالف النصوص الإسلامية الدالة على ذلك فهو عاص مستحق للعقوبة المناسبة لنوع معصيته وقدر ما يترتب عليها من فساد أو إفساد).
وجاء فيها كذلك: (ولو أن الأحداث الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة عُوملت بمقتضى نصوص الشريعة وقواعد الفقه الإسلامي لكان الذي ينطبق عليها هو حكم جريمة الحرابة الوارد في سورة «المائدة» [الآيتان 33 و34]).
ولم تبين الفتوى من هي الجهة الشرعية التي يُخول لها إيقاع العقوبة المستحقة على مسلم فيما لو ثبت ارتكابه لما هو جرم في نظر الشارع الحكيم!!
وهل يجيز لنا الشارع أن يؤخذ بجريرة المُدان (إن ثبتت إدانته)، غيره من الأبرياء ومن لا ذنب لهم؟ قال تعالى: { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ } (الأنعام من الآية 164، والإسراء: من الآية 15، وفاطر من الآية 18 ، والزمر: من الآية7) وفي (سورة النجم): { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (38، 39).
ومن ذا الذي له الحق في إقامة حد الحرابة قادراً على إنفاذه؟ وهل يملك مقيم الحد ـ إن وُجد بصفة شرعية ـ أن ينتصف للمدان فيما اعتُديَ عليه فيه؟
وإذا لم يكن للمسلمين جهة تنصرهم ظالمين(بأخذ الحق منهم)، ومظلومين(بأخذ الحق لهم)، فهل يجوز تسليم المسلم لمن يعبث به وبحرماته؟! وفي الحديث: "المسلم أخو المسلم، لا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره"[رواه مسلم].(7/49)
رابعة: والفتوى وإن دعت إلى العمل على كشف الجناة الحقيقيين، إلا أنها رجعت ووجهت عباراتها كما لو أنه قد ثبت ارتكاب المسلمين لهذا الفعل، وأنه لا حرج من قتالهم وقتل أبريائهم مع عدم ثبوت إدانتهم، كما جاء فيها(ولكن الحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمين الآخرين، مصدره أن القتال يصعب ـ أو يستحيل ـ التمييز فيه بين الجناة الحقيقيين المستهدفين به، وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث، وان الحديث النبوي الصحيح يقول: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، قيل هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: قد أراد قتل صاحبه» (رواه البخاري ومسلم)، وجاء في موضع آخر منها: (لا بأس ـ إن شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركة في القتال في المعارك المتوقعة)، فإذا أضفنا إلى ذلك أن استفتاء السائلين متجه إلى ما صارت جيوش التحالف بصدده من ضرب بلد مسلم (وربما بلاد)، وهو الواقع المعاش، فإن الفتوى قد أجازت: قتال المسلم للمسلم بغير موجب شرعي.
خامسة: قفزت الفتوى فوق ما كان يجب بحثه من أحكام إكراه المسلم على قتال إخوانه المسلمين، بحسب ما جاء فيها من قولهم: (والواقع أن الحديث الشريف المذكور يتناول الحالة التي يملك فيها المسلم أمر نفسه فيستطيع أن ينهض للقتال ويستطيع أن يمتنع عنه، وهو لا يتناول الحالة التي يكون المسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة، يلتزم بطاعة الأوامر الصادرة إليه، وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة)، وقولهم:( يتبين من ذلك أن الحرج الذي يسببه نص هذا الحديث الصحيح إما انه مرفوع، وإما انه مغتفر بجانب الأضرار العامة التي تلحق مجموع المسلمين في الجيش الأميركي، بل وفي الولايات المتحدة بوجه عام)، وقولهم:( وإنما المسلم هنا جزء من كل لو خرج عليه لترتب على خروجه ضرر، له ولجماعة المسلمين في بلده، أكبر كثيراً من الضرر الذي يترتب على مشاركته في القتال).
فطفقت الفتوى في أواخرها تنقض ما قررته في أولها، من أن قتل نفس واحدة هو كقتل الناس جميعاً، إذ أباحت قتل أنفس مؤمنة غير محصية دفعاً لضرر مظنون يلحق القاتلين أو غيرهم.
سادسة: وجاء في الفتوى:( وأما الحرج الذي يسببه، كون القتال لا تمييز فيه فان المسلم يجب عليه أن ينوي بمساهمته في هذا القتال أن يحق الحق ويبطل الباطل، وان عمله يستهدف منع العدوان على الأبرياء أو الوصول إلى مرتكبيه لتقديمهم للعدالة، وليس له شأن بما سوى ذلك من أغراض للقتال قد تنشئ لديه حرجاً شخصياً، لأنه لا يستطيع وحده منعها ولا تحقيقها، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، والمقرر عند الفقهاء أن ما لا يستطيعه المسلم وغير ساقط عنه لا يكلف به).
وهذه الصياغة هي نفسها صالحة لأن يحتج بها المتهمون (فَرَضَاً) بالهجمات، لأنه لا يمكنهم التمييز(ولا سيما مع ضعف إمكاناتهم وقلة حيلتهم)، وأنهم إنما ينوون بها إحقاق الحق وإبطال الباطل، وأن عملهم يستهدف منع العدوان على الأبرياء، ولكن(في فلسطين والعراق وغيرها)، أو الوصول إلى إضعاف المعتدين وردعهم، وهذا غاية ما أوتوا من وسيلة لرد العدوان، ]لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} (الطلاق: من الآية7).
سابعة: وتقرر الفتوى: (وإنما المسلم هنا جزء من كل لو خرج عليه لترتب على خروجه ضرر، له ولجماعة المسلمين في بلده، أكبر كثيراً من الضرر الذي يترتب على مشاركته في القتال.
والقواعد الشرعية المرعية تقرر أنه «إذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما»، فإذا كان يترتب على امتناع المسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم ـ وهم ملايين عديدة ـ وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذى روحياً ونفسياً فان «الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام» كما تقرر القاعدة الفقهية الأخرى) .
أقول: أيهما أعم؟ الضرر المتوقع لحوقه بمسلمي أفغانستان والذي يمكن أن يبلغ ما لحق مسلمي العراق أو يزيد؟ أم ضرر مسلمي أمريكا الذي قد لا يتجاوز أن يكون ضرراً معنوياً، ولو فر ض أن يكون مادياً، لأمكن دفعه ولو بالفرار منه، وهو الواجب على كل مسلم، فيما لو لم يأمن على نفسه في بلاد الشرك؟
ثم إن قتل نفس مؤمنة واحدة هو كقتل الناس جميعاً، ومضرة هذا الأمر عظيمة، لا مجال للتهوين منها على أساس المقارنة بين خصوصيتها وعمومية الضرر المقابل، ويؤيده أن الصحيح من مذاهب الفقهاء: هو أن الجماعة تقتل بالواحد المقتول بغير حق.
ثامنة: وتمضي الفتوى: (فإذا كان يترتب على امتناع المسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم ـ وهم ملايين عديدة ـ وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذى روحياً ونفسياً فان «الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام» كما تقرر القاعدة الفقهية الأخرى) .
وهذا من حيث المضمون قد سبق تصويبه، ومن حيث الشكل: كيف يستقيم في مقام الفتوى بناؤها على افتراضات، وترك تقدير تلك الافتراضات للمستفتين، حيث جاء فيما نقلته عاليه: (فإذا كان يترتب على امتناع المسلمين .. إلخ).(7/50)
ويمكنك أن تلحظ ـ من السياق ـ دوافع الاستفتاء: من الشعور بالحرج والتأذي النفسي، ما يدل على حرمة المشاركة في هذا القتال، وكما في الحديث: "والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك"[رواه أحمد:(4/228)، والدارمي:(2/245ـ 246)، وأبو يعلي:(1586)، (1857)، والطبراني في "الكبير":(22/403)]، وفي ثانٍ: "والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس" [رواه مسلم:(2553)، وأحمد:(4/182)، والترمذي:(2389)، وغيرهم]، وفي ثالث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" [رواه الرزاق في "المصنف":(4984)، وأحمد:(1/299)، والترمذي:(2518)، والنسائي:(8/327)، وغيرهم، وصححه ابن حبان:(722)].
تاسعة: وجاء في الفتوى: (وإذا كان العسكريون المسلمون في الجيش الأميركي يستطيعون طلب الخدمة ـ مؤقتاً أثناء هذه المعارك الوشيكة ـ في الصفوف الخلفية للعمل في خدمات الإعاشة وما شابهها ـ كما ورد في السؤال ـ من دون أن يسبب لهم ذلك، ولا لغيرهم من المسلمين الأميركيين، حرجاً ولا ضرراً فإنه لا بأس عليهم من هذا الطلب. أما إذا كان هذا الطلب يسبب ضرراً أو حرجاً يتمثل في الشك في ولائهم، أو تعريضهم لسوء ظن، أو لاتهام باطل، أو لإيذائهم في مستقبلهم الوظيفي، أو للتشكيك في وطنيتهم، وأشباه ذلك، فانه لا يجوز عندئذ هذا الطلب) .
وفي هذا الاستدراك ما يدل على الحرج والتأثم من المشاركة في القتال القائم.
وفيه: إطلاق كلمة الولاء بما يشي بأنه لا حرج من أن يبذل المسلم ولاءه لغير دار الإسلام، ولراية غير راية التوحيد، وهو أخطر ما في الأمر كله، بل المسلم مطالب ـ بمقتضى هذا الكلام ونحوه الذي تكرر في الفتوى في غير موضع منها، أن يكون حريصاً كل الحرص على أن لا يكون موضع شك (مجرد شك) في هذا الولاء!!
أما المستقبل الوظيفي ـ الذي عدته الفتوى ضرورة تبيح المحظور ـ : فهو الصنم الذي استعبدت به أمتنا لصالح الطغاة، ولا موضع له من الإعذار.
عاشرة: القواعد الشرعية غير مطرد العمل بها في كل ما يندرج تحتها من مفردات، إذ إنها ليست كلية ، ومن ثم لا تنطبق أحكامها على كل جزئية من جزئياتها، بل الأمر فيها ـ بالنسبة للفروع ـ هو على الأعم الأغلب، ولذلك يقول ابن نجيم: "لا يجوز الفتوى بما تقتضيه القواعد والضوابط، لأنها ليست كلية بل أغلبية" [وانظر "القواعد الفقهية" للندوي:(292)].
والمقصود أنهم لا يعتمدون في الفتوى على واحدة من هذه القواعد دون استناد إلى دليل صريح فيما يفتون به، وكذلك لم يعرف عنهم أنهم يطرحون الدليل بالكلية اعتماداً على قاعدة وحدها.
ولم أجد في الفتوى دليلاً على ما ذهبت إليه من جواز المشاركة في جيوش المشركين، سوى قاعدة "الضرر الأعلى يدفع بتحمل الضرر الأدنى"، وهي على كل غير منطبقة على ما أجازته، بل العكس هو الصحيح.
حادية عشر: وختمت الفتوى بما يلي:( والخلاصة انه لا بأس ـ إن شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركة في القتال في المعارك المتوقعة ضد من «يُظَنُّ» أنهم يمارسون الإرهاب أو يؤوون الممارسين له ويتيحون لهم فرص التدريب والانطلاق من بلادهم، مع استصحاب النية الصحيحة على النحو الذي أوضحناه، دفعاً لأي شبهة قد تلحق بهم في ولائهم لأوطانهم، ومنعاً للضرر الغالب على الظن وقوعه، وإعمالا للقواعد الشرعية التي تنص على أن الضرورات تبيح المحظورات، وتوجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد، والله تعالى أعلم وأحكم) .
أ) فهي تجيز للعسكريين المسلمين المشاركة في معركة الظلم والعدوان ضد أفغانستان.
ب) وهي تجيز لهم القتل بالظِنة (ضد من "يُظن" أنهم يمارسون الإرهاب أو يؤوون الممارسين له ويتيحون لهم فرص التدريب والانطلاق من بلادهم) حسب ما جاء في الفتوى.
ج) تؤكد على لزوم دفع شبهة الشك في ولاء المقاتلين المسلمين لمعسكر الكفر والبغي!!
د) تبيح للمسلم قتل أخيه المسلم بذريعة الإكراه، ومن المعلوم أن المكره لا يجوز له ذلك وإن كان فيه قتله، ومن باب أولى إن كان الدافع للقتل مجرد الضرورة التي لا إكراه فيها.
هـ) إذا كان دليل الفتوى الرئيسي الذي اعتُمد عليه هو وجوب قتل المحارب المستوجب لحد الحرابة، كمقدمة منطقية أولى، تكون المقدمة المنطقية الأخرى: ثبوت الاتهام على معين أو معينين، لنصل إلى النتيجة المتولدة من المقدمتين، وهي وجوب قتل أو قتال أولئك المعينين، وإلا فبتخلف هذه المقدمة الأخيرة يصير الإفتاء بمشروعية قتال المسلمين في أفغانستان ضرباً من الإفتئات والبغي، الذي ننزه الأفاضل المفتين عنه،لأنه يجيز للعسكريين الأمريكيين قتال وقتل متهم بريء لم تثبت إدانته.(7/51)
ثانية عشر: كيف يستقيم مضمون الفتوى مع ما أفتى به أهل العلم ـ ومنهم الشيخ القرضاوي ـ من حرمة المشاركة مع التحالف أو إعانته أو تأييده، وكيف لو تسترت الدول العربية والإسلامية في ما احتجت به الفتوى، وقالوا ـ أيضاً ـ أنهم معرضون لأذى مادي ونفسي ومئات الملايين من المسلمين معهم، إن هم امتنعوا عما يريده التحالف من مشاركة ومعاونة ومباركة، ولا سيما مع التصريحات التي لم تجعل أمام حكام بلادنا سوى خيار واحد، وهو أن يكونوا مع الولايات المتحدة، وإلا كانوا مع "الإرهاب" يصيبهم ما يصيبه؟!
ولا تزال دعوى الإكراه هي الشبهة التي يعتذر بها كل مُفَرِطٍ في الإسلام وشريعته، ]فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (المائدة: من الآية52).
ثالثة عشر: كيف يستقيم مضمون الفتوى مع ما أفتى به أهل العلم ـ ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي ـ من جواز القيام بالعمليات الاستشهادية، مع ما يقع فيها من ضحايا من غير المقاتلين، وهل يقتضي ذلك وجوب إقامة حد الحرابة على القائمين بهذه العمليات، إلحاقاً لهم بالأولين، لاتحاد العلة التي يدور معها الحكم حيث دارت؟ وهذه النقطة تعيدنا إلى ما ذكرناه آنفاً من خطأ إطلاقات الحظر والإباحة فيما فيه تفصيل أو تخصيص أو تقييد.
رابعة عشر: كيف يستقيم مضمون الفتوى مع ما أفتى به أهل العلم، من وجوب الدفاع عن أفغانستان، أو أي بلد مسلم يتعرض لعدوان؟ ومعلوم أن هذا الوجوب متعين على كل مسلم، إذا ما عجز أهل القطر المعتدى عليه ومن وراءهم، عن دفع العدو المداهم، أفبهذه الفتوى يأخذ العسكريون المسلمون، أم بتلك التي تجعلهم في خندق العدو ضد الأمة بأسرها؟!
وإذ آتي على ذكر مسائل وأحكام متعلقة بمسألتنا، وأضمنها ما يدعمها ويدعم ملاحظاتي الآنفة، طلباً للحق الذي هو موضع حرص الجميع، أؤكد على تقبلي ـ بل سعادتي ـ لأي نصح صادق أو نقد نافع، يراد به بلوغ الحق، والله الموفق والهادي إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أولا: حكم إقامة المسلم في ديار الشرك:
إقامة المسلم في بلاد الشرك تُراوح بين الأحكام الشرعية الخمسة المعروفة: الوجوب، والندب، والإباحة، والكراهية، والتحريم. وذلك بحسب اختلاف الظروف والأحوال والمقاصد، فإذا لم يكن ثم تحريم، وكان حكمها(أي: الإقامة) ـ في حالة معينة ـ متردداً بين الأحكام الأربعة الباقية، فإنها لا تشرع عندئذ إلا بشروط.
وهذه الشروط هي كما يلي:
1ـ التمكن من النهوض بالتكاليف الشرعية. [انظر المغني لابن قدامة: 10/514ـ ط دار الكتاب العربي 1403هـ].
2ـ أن لا يخشى على نفسه من الفتنة في الدين، ولو مع تمكنه من إظهار الإسلام، والقيام بفرائضه. .[المصدر السابق].
على أن إظهار الإسلام لا يقصد به مجرد إظهار الشعائر، بل يقصد به : الجهر بعداوة المشركين، كما في احتجاج خالد بم الوليد على مجاعة، بأنه سكت، ولم يظهر البراءة كما أظهرها "ثمامة" "واليشكري"، والقصة مشهورة تجدها في السير.
3ـ أن لا يكون عرضة لإكراهه على مظاهرة المشركين على المسلمين، فضلاً عن أن يبادر بذلك من نفسه دون إجبار، وهو في معنى الشرط السابق، لأنه لا ريب من الفتنة، بل من أكبرها.
فإذا فات شرط من هذه الشروط، وجب عليه الهجرة إلى دار يعلو فيها سلطان الإسلام، وإلا فهو آثم ما لم يكن عاجزاً عن الهجرة، ودليل ذلك كله قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97).
جاء في "الروضة الندية" :
"قيل: المراد بهذه الأرض: المدينة. والعموم أولى، لأن الاعتبار به، لا بخصوص السبب، كما هو الحق، فيراد بالأرض كل بقعة من بقاع الأرض تصلح للهجرة إليها" ["العبرة فيما جاء في الغزو والشهادة والهجرة" لصديق بن حسن القنوجي : ص216].
وجاء في "المغني" لابن قدامة:
"( فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه: واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به: فهو واجب"[ انظر المغني لابن قدامة: 10/514].
وجاء في تفسير القرطبي:
"وقول هؤلاء: (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) يعني: مكة، اعتذار غير صحيح، إذ كانوا يستطيعون الحيل، ويهتدون السبيل، ثم وقفتهم الملائكة على دينهم بقولهم (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً)، ويفيد هذا السؤال والجواب: أنهم ماتوا مسلمين ظالمين لأنفسهم في تركهم الهجرة .." ["جامع البيان لأحكام القرآن" للقرطبي: 5/346].
وجاء في تفسير الألوسي:(7/52)
"(قالوا) :أي الملائكة: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) ... بالرحيل إلى قطر آخر من الأرض تقدرون فيه على إقامة أمور الدين كما فعل من هاجر إلى الحبشة، وإلى المدينة..["روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني" للألوسي : 5/126].
قال الحافظ ابن كثير: "( ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي: بترك الهجرة"، ثم قال:"فهذه الآية عامة لكل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص هذه الآية"["تفسير القرآن العظيم" للعماد ابن كثير:(2/343)].
ولسنا نذهب إلى كفر من ترك الهجرة ،مع القدرة عليها، لمجرد هذا الترك، وقد تقدم قول القرطبي :(ويفيد هذا السؤال والجواب أنهم ماتوا مسلمين)، وجاء في أحكام القرآن للجصاص: "... إذا أسلم الحربي، فأقام ببلادهم، فليس بمسلم .. " ـ ثم قال ـ : " ... وأما قول الحسن بن صالح في أن المسلم إذا لحق بأرض بدار الحرب فهو مرتد فإنه خلاف الكتاب والإجماع، لأن الله تعالى قال: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} (الأنفال: من الآية72)، فجعلهم مؤمنين مع إقامتهم في دار الحرب بعد إسلامهم، وأوجب علينا نصرتهم بقوله:]وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (لأنفال: من الآية72) ..." ["أحكام القرآن": 3/219].
ويدل عليه حديث بُرَيْدَة ـ رضي الله عنه ـ ، وفيه: "ثم ادْعُهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ... فإن أبَوْا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونونَ كأعراب المسلمين ..." [صحيح مسلم برقم(1731]، فإنه يفيد بأن ترك الهجرة ـ مع القدرة عليها ـ ليس ردة ولا كفراً.
فإن كان عاجزاً عن الهجرة، فهو معذور بعذر الله له، ]إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (النساء:98)، وقد قال الله تعالى في تتمة هذه الآية: { فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} (النساء:99).
قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: "هذا عذر من الله لهؤلاء في ترك الهجرة، وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدروا .. ما عرفوا يسلكون الطريق، ولهذا قال:(لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً)، قال مجاهد وعكرمة والسدي: يعني طريقاً..
وقوله تعالى: (فأولئك عسى الله أن يغفو عنهم) أي: يتجاوز من الله عنهم بترك الهجرة، وعسى من الله موجبة"["تفسير القرآن العظيم":(1/823)].
فمن كان مقيماً في بلاد الشرك، وفاته شرط من الشروط المذكورة آنفاً، ثم لم يهاجر مع قدرته على ذلك كان آثماً ولا ريب، فإذا أدى ترك الهجرة إلى الفتنة في الدين والانسلاخ من الملة، كان تركها عندئذ كفراً، وذلك يدخل فيه ما لو ظاهر المشركين وعاونهم على قتال المسلمين.
وعلى هذه الحالات التي تجب فيها الهجرة ويحرم تركها تحمل الأحاديث التي تنهى عن إقامة المسلم في دار الشرك، كقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قيل : يا رسول الله، ولم؟ قال: "لا تراءى ناراهما" [رواه أبو داود في "سننه":(3/122) برقم(2787)، والترمذي (4/155) مرفوعاً، وصححه البخاري مرسلاً، وكذا أبو داود والترمذي والدار قطني إلى قيس بن أبي حازم(وانظر نيل الأوطار"(8/27ـ 28)، وانظر "جامع الأصول":(4/445)].
وكقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم، أو جامعهم، فهو مثلهم"[رواه الترمذي:(4/156) برقم(1605)، وانظر"جامع الأصول"(6/667)"قال الذهبي: إسناده مظلم، لا تقوم بمثله حجة"("نيل الأوطار" للشوكاني:(8/27ـ28)].
وكقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها"[رواه أحمد في"المسند"(4/99) ، وأبو داود في "السنن"(3/7) برقم(2479)، والدارمي في سننه(2/239)، وقال الألباني:صحيح. وانظر"صحيح الجامع الصغير"(6/186) برقم(7346)].
وبهذا نخلص إلى لزوم شرط التمكن من إقامة واجبات الدين، وإلا وجبت الهجرة، كما يقول ابن قدامة ـ في بيان استحباب الهجرة في بعض الأحوال ـ : "ولا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة"["المغني" لابن قدامة:(10/515)]. فاشترط لعدم وجوبها: إمكان إقامة الواجب.
ولا ريب أن المشاركة مع جيوش المشركين في قتال المسلمين: ترك لواجب من أعظم الواجبات الشرعية، بل هو ترك لحق من أعظم حقوق الإخوة الدينية، وهو الموالاة التي هي من أهم مقتضيات "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
قال ابن حزم: "من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين: فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها: من وجوب القتل عليه متى قدر عليه، ومن إباحة ماله وانفساخ نكاحه، وغير ذلك.(7/53)
وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين، ولا أعان عليهم، ولم يجد في المسلمين من يجيره، فهذا لا شيء عليه، لأنه مضطر مكره.
أما من كان محارباً للمسلمين معيناً للكفار بخدمة أو كتابة فهو كافر"["المحلى" لابن حزم:(13/139ـ140)].
وقال الشيخ حمد ابن عتيق ـ في بيان أقسام المسلمين المقيمين في دار الحرب ـ :"القسم الأول: أن يقيم عندهم رغبة واختياراً لصحبتهم، فيرضى ما هم عليه من الدين أو يمدحه، أو يرضيهم بعيب المسلمين (كما هو دأب الكثيرين في هذه الآونة)، أو يعاونهم على المسلمين بنفسه أو ماله أو لسانه: فهذا كافر عدو لله ولرسوله، لقوله تعالى: { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ } (آل عمران: من الآية28)، قال ابن جرير: قد برئ من الله وبرئ الله منه، لارتداده عن دينه ودخوله في الكفر. وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة: من الآية51) ، وقال صلى الله عليه وسلم: "من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله"..." ["الدفاع" لابن عتيق:(10ـ12)] .
ولما عدَد الشيخ محمد بن عبد الوهاب الأنواع التي يكفر بها المكلف، قال: "النوع الرابع: من سلم من هذا كله، ولكن أهل بلده يصرون على عداوة التوحيد واتباع أهل الشرك، وهو يعتذر إن ترك وطنه يشق عليه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده، ويجاهد بماله ونفسه ، فهذا أيضاً كافر، فإنه لو يأمرونه بتزوج امرأة أبيه، ولا يمكنه ترك ذلك إلا بمخالفتهم، فعل. وموافقته لهم مع الجهاد معهم بنفسه وماله مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله، أكبر من ذلك بكثير، فهذا أيضاً كافر، وهو ممن قال الله فيهم: { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} (النساء:91).
ثم إن ما يُرجى من مصالح شرعية من وراء إقامة المسلم في بلاد الكفر، كرجاء ظهور الإسلام، أو إفادة المسلمين بعلم أو نحوه، أو لتحسس أخبار أعدائهم، أو لتكثير المسلمين المقيمين في بلاد الشرك ومعونتهم .. إلى غير ذلك من مصالح .. لا ريب أن فواتها لا وجه لمقارنته بمضرة قتال المسلم لأخيه المسلم، وإعانة الكافر عليه، فهذه الأخيرة لا شك أنها أعظم الشرين، وأعم الضررين، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ثم إن دفع الضرر المزعوم هنا أو المتوهم، مما سمته الفتوى (أذى مادياً أو روحياً) لا يكون بانتهاك المحرم، ولا سيما مع إمكان دفعه بالمشروع، والمشروع: ترك الدار التي لا يأمن المرء فيها من الفتنة في دينه، كما يقول الشيخ سفر الحوالي ـ حفظه الله ـ : " وإذا تاب المسلمون المقيمون في بلاد الغرب من المعاصي ـ وأعظمها نسيان الولاء والبراء، والذوبان في مجتمع الكفر والفسق ـ رفع الله عنهم البلاء العنصري ، كما أن كل من سافر أو أقام لغير حاجة عارضة، أو ضرورة قاهرة، عاصٍ حتى يتوب، بأن يعود ويفارق دار الكفر، إلا من كان قصده الدعوة ومراده الهجرة" [ذكره في بيانه القيم المنشور على موقع "طريق الإسلام" 15/10].
ثانياً: حكم الدخول في جيوش المشركين حتى وإن لم تكن في قتال مع المسلمين:
لا يجوز الدخول في جيوش المشركين ابتداء، حتى وإن فرض أنها لن تقاتل المسلمين، وذلك من وجوه:
(الأول:) حرمة موالاة المشركين، باطناً وظاهراً، ومن الموالاة الظاهرة الدخول في جيوشهم، ذلك أن عمل الجيوش الأساسي، هو تقوية ونصرة الدول التي تنتمي إليها، وهذه من أبلغ صور الموالاة الظاهرة التي حرمها الشارع تحريماً قطعياً.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة:51).
قال ابن حزم: "صح أن قول الله تعالى: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ[ إنما هو على ظاهره: بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين"["المحلى":(13/35)].
وقال ابن تيمية: "أخبر الله في هذه الآية: أن متوليهم هو منهم، وقال سبحانه: { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (المائدة:81) فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياْ ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. فالقرآن يصدق بعضه بعضاً"["الإيمان" لابن تيمية:(14)].(7/54)
قال الشيخ عبد الرحمن البراك ـ حفظه الله ـ : "وعد العلماء مظاهرة الكفار على المسلمين من نواقض الإسلام لهذه الآية" [بيان الشيخ ناصر العمرالمنشور على موقع "الإسلام اليوم"].
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة:57)، وقال تعالى: { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (آل عمران:28).
قال ابن جرير في تفسيرها:
"من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم ويظاهرهم على المسلمين فليس من الله في شيء، أي: قد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر. (إلا أن تتقوا منهم تقاة) أي: إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل" ["تفسير الطبري":(3/228)].
الوجه الثاني: حرمة تكثير سواد المشركين، لقول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً[ (النساء:97ـ99).
فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم فيرمي به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب عنقه فيقتل، فأنزل الله: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} (النساء: من الآية97)"[رواه البخاري في "صحيحه"برقم:(4596)].
قال الحافظ ـ في "الفتح" ـ: "عن ابن عباس عند ابن المنذر والطبري، "كان قوم من أهل مكة قد أسلموا، وكانوا يخفون الإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} (العنكبوت: من الآية10) ، فكتب إليهم المسلمون بذلك، فحزنوا، فنزلت ]ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} (النحل: من الآية110) الآية، فكتبوا إليهم بذلك، فخرجوا فلحقوهم، فنجا من نجا وقتل من قتل"["فتح الباري" للحافظ العسقلاني:(8/112)].
وتعليقاً على هذه القصة، قال ابن حجر ـ أيضاً ـ : "وفي هذه القصة دلالة على براءة عكرمة مما ينسب إليه من رأي الخوارج، لأنه بالغ في النهي عن قتال المسلمين وتكثير سواد من يقاتلهم. وغرض عكرمة: أن الله ذم من كثر سواد المشركين مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم، قال فكذلك أنت لا تكثر سواد هذا الجيش، وإن كنت لا تريد موافقتهم لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله، وقوله(فيم كنتم) سؤال توبيخ وتقريع، واستنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية"["فتح الباري":(8/113)].
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه. فقلنا: يا رسول الله! صنعت شيئاً في منامك لم تكن تفعله. فقال: "العَجَبُ إنَ ناساً من أمتي يَؤُمونَ بالبيت برجل من قريش. قد لجأ بالبيت. حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم" فقلنا: يا رسول الله ! إن الطريق قد يجمع الناس. قال: "نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل. يهلكون مهلكاً واحداً، ويصدرون مصادر شتى. يبعثهم الله على نياتهم" ["صحيح مسلم" برقم(2884)].
قال الإمام النووي: "أما (المستبصر) فهو المستبين لذلك القاصد له عمداً، وأما (المجبور) فهو المكره، يقال: أجبرته فهو مجبر، هذه اللغة المشهورة.. ..".
إلى أن قال: " وفي هذا الحديث من الفقه: التباعد من أهل الظلم، والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين، لئلا يناله ما يعاقبون به، وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا"["صحيح مسلم بشرح النووي":(17/10ـ11)].
وفي الحيث الصحيح: "لا تساكنوا المشركين، ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا"[رواه الحاكم في "المستدرك":(2/141)، وقال صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي].(7/55)
الوجه الثالث: أن الإسلام أبطل عصبية الجاهلية التي تقيم ولاءها على أساس من الجنس أو العرق أو العشيرة، فهي لا تبالي برابطة الدين وأخوة الإيمان.
قال تعالى: { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة:22).
قال العماد ابن كثير: "] لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[ أي: لا يوادون المحادين ولو كانوا من الأقربين، كما قال تعالى: { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (آل عمران:28)..."["تفسير القرآن العظيم":(4/230)].
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة:23، 24).
قال الحافظ ابن كثير ـ في تفسير هذه الآية ـ : "أمر تعالى بمباينة الكفار به وإن كانوا آباء أو أبناء ، ونهى عن موالاتهم (إن استحبوا) أي اختاروا الكفر على الإيمان"[تفسير القرآن العظيم":(2/343)].
فإن يكن الولاء للقبيلة أو الجنس أو غيره من الولاءات الدنيوية مقدماً على ولاية الإيمان، فهو حمية الجاهلية التي ذم الله بها الكافرين، قال تعالى: { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ [ (الفتح: من الآية26).
وروى أبو داود في "السنن" عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قيل له: أمن العصبية أن ينصر الرجل قومه في الحق؟ قال: "لا" ، قال: "ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه في الباطل"، وقال خيركم الدافع عن قومه ما لم يأثم"، وقال: "مثل الذي ينصر قومه بالباطل كبعير تردى في بئر فهو يجر بذنبه"، وقال: "من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسب أو بلد، أو جنس أو مذهب، أو طريقة: فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟"، وغضب لذلك غضباً شديداً"["مجموع الفتاوى":(28/328ـ329)].
وقد يتبادر إلى الذهن من الوهلة الأولى أن المقصود من الموالاة المحرمة قاصر على صورته الأوضح ، والتي هي الميل إلى اتباع المشركين في الدين، والحق أن الولاية المنهي عنها في هذه الآيات تشتمل على ولاية النصرة والتحالف، بل تنصب عليها.
يقول الأستاذ/سيد قطب رحمه الله:
"إن الولاية المنهي عنها هنا (يعني آية التوبة) ولاية التناصر والتحالف معهم، ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم، فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين، إنما هو ولاء التحالف والتناصر الذي كان يلتبس على المسلمين أمره، فيحسبون أنه جائز لهم بحكم ما كان واقعاً من تشابك المصالح والأواصر، ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة حتى نهاهم الله عنه وأمر بإبطاله. يوضح ذلك قوله تعالى بشأن المسلمين الذين لم يهاجروا: { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} (لأنفال: من الآية72) أي: ولاية التناصر والتعاون وليس ولاية الدين"[وانظر "في ظلال القرآن":(2/909، 910)].(7/56)
كما أن في مخالطة المسلم المشركين إقراراً لهم على كفرهم وفجورهم، وليس كل أحد متمكناً من دعوتهم، قادراً على إنكار ما هم عليه، مما يكفله لهم القانون، ويمنحهم الحماية لفعله، ويحصنهم فيه ضد إنكار المنكرين، بدعوى الحريات الشخصية، التي هي الانحلال والإباحية، وقد نهانا الله تعالى عن مخالطة أهل المنكرات، والمكث في أماكن المحرمات، كما قال تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً[ (النساء:140)، وقال تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأنعام:68)، والقاعدة عند أهل العلم: أنه "إذا لم يزُل المنكر فزُلْ أنت" ، وفرق بين من يخالط القوم لأغراض دعوية، ومن يخالطهم على كل حال مجبراً على ذلك، لا يسعه هجرهم عند مقارفتهم الحرام، أو مفارقتهم في غير أوقات دعوتهم، وقال تعالى: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة:78، 79) .
روى الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم" ، قال يزيد: وأحسبه قال: "في أسواقهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم(ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)"، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس، فقال: "لا والذي نفسي بيده، حتى تأطروهم على الحق أطراً"، والمقصود بيان أنه لا يجوز مخالطة القوم لغير غرض الأمر والنهي والدعوة إلى الله، إلا أن يكون مضطراً عاجزاً عن الهجرة إلى دار الإسلام، كما قال تعالى: { إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} (النساء:98، 99) ، والله أعلم.
الوجه الرابع: لئلا يكون للكافر على المسلم سلطان، وقد قال الله تعالى: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (النساء: من الآية141)، وقول الله تعالى: { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران:139)، قال القاسمي في التفسير: "فإن الإيمان يقتضي العلو لا محالة، أفاده أبو السعود"[محاسن التأويل":(4/235)]. ومعلوم أن القوانين العسكرية تمنح القواد الحق في إلزام مرؤسيهم بشكل مطلق، وعلى نحو يكاد يكون الالتزام فيه بأوامرهم طاعةً عمياء!! وقد قال تعالى: { وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} (هود:113)، قال الإمام القرطبي: "الركون حقيقته: الاستناد والاعتماد، والسكون إلى الشيء والرضا به، وقال قتادة: معنى الآية: لا توادوهم ولا تطيعوهم، وقال ابن جريج: لا تميلوا إليهم"["تفسير القرطبي":(9/108)].
والمقصود بيان أن ولاية الكافر على المسلم عزة له، والأصل أن الكافر ذليل، فلا يجتمع إذلاله وإعزازه معاً إلا كان على خلاف المشروع.
ويدخل في هذا: تعظيم طريقة القوم وشعارهم، وتقديس قانونهم المخالف لقانون رب العالمين، ويدخل فيه كذلك رفع اليد عند الرأس أو الصدر بالتحية، طبقاً للأعراف العسكرية، وهو أمر محرم ولا ريب، ويخشى معه ما هو أعظم من الحرمة والذنب. [وانظر: "تحفة الإخوان" للشيخ حمود التويجري:(19)].
ثالثاً: حرمة الانضواء تحت راية عمية، تضرب في الأرض على غير هدى، ولا تبالي بحق قاتلت أم بباطل، ولا تؤمن مظالمها، وتخشى غوائلها.
وهذا أمر معلوم حرمته في الشرع، حتى لو كانت هذه الراية العمية لطائفة مسلمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية، فقتل، فقتلته جاهلية"[رواه مسلم].(7/57)
فكيف إذا كانت الراية العمية لطائفة كافرة؟ ثم كيف إذا كانت هذه الطائفة الكافرة هي أكثر الطوائف سعياً بالفساد في الأرض، وأكثرها ظلماً للعباد، وأشدها طغياناً وبغياً؟ بل كيف إذا كانت هذه الطائفة معروفة بعدائها للمسلمين، وتحيزها لعدوهم، مستذلة لدولهم، ناهبة لثرواتهم؟ وقد قال الله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: من الآية2)، ومن هذا ما ورد في الشرع من النهي عن القتال في الفتنة، ذلك أنه قتال لا يتبين فيه المحق من المبطل، ولا المظلوم من الظالم ، روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تكون فتن، النائم فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الراكب، والراكب فيها خير من المجري، قتلاها كلها في النار" قلت: يا رسول الله! ومتى ذلك؟ قال: "ذلك أيام الهرج" قلت: وما أيام الهرج؟ قال: "حين لا يأمن الرجل جليسه!" قلت: فما تأمرني؟ قال: كف يدك، ولسانك، وادخل دارك ..." الحديث ["مجمع الزوائد" : (7/302)، وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات].
فالفتنة المشار إليها في هذا الحديث: قتال آثم بين الناس على تعدد فئاتهم، "قتلاها كلها في النار"، وخير الناس فيها النائم عنها، ثم كل من يتعلق بسبب فإنه يضرب بسهم من الإثم قليل أو كثير، على حسب همته في جمع الحطب لها، ونفخه في نيرانها.
ومما ورد في وصف التغير والتناكر الذي يصيب الناس في الفتنة ـ وهو أشبه ما يكون بما نعالجه هنا ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لم يُحلَ في الفتنة شيئاً حرمه قبل ذلك، ما بال أحدكم يأتي أخاه، فيسلم عليه، ثم يجيء بعد ذلك فيقتله!"["مجمع الزوائد":(7/298)، وقال: رواه الطبراني].
ووصف ابن عمر حال الناس في الفتنة، فقال: "في الفتنة لا ترون القتل شيئاً"["مجمع الزوائد":(7/293)، وقال رواه أحمد].
فالفتنة هنا تصوغ الناس صياغة تجعلهم يألفون معها القتل، فيقدمون عليه بلا مبالاة، حتى كأنه ليس بشيء يثير الاستنكار! وهو ما أجازته الفتوى من أسف.
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسباب والدوافع التي تغري الداخلين في هذه الفتن، فقال:"إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، فتن كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوام خلاقهم (الخلاق: النصيب الوافر من الخير)، ودينهم، بعرض من الدنيا"["مجمع الزوائد":(7/308)، وقال: رواه أحمد والطبراني].
والفتنة تجعل كثيراً من الناس يضحون بسجلات ماضيهم المتدين الناصعة، فيقدمونها على مذبح الشهوات الدنيوية والأغراض الدنية، ذلك حين تزل قدم بعد ثبوتها، وتؤثر المناصب والمطامع على ما عند الله، ويقدم رضا المستكبرين على رضا رب العالمين، وما رضا المستكبرين سوى السلطة والنفوذ والبغي في الأرض، وهو عند الأتباع الصغار: الثمن المدفوع لهم نظير ما يبذلونه ـ في سبيل التمكين للسادة ـ من إرهاب وقتل وتدمير! قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (النساء:76).
ما هو المخرج عند وقوع قتال الفتنة، أو أي قتال ممنوع منه شرعاً؟
هذا تساؤل تلح به الضمائر الحية، ويهيجه في النفس وازع الإيمان، فكم من مؤمن يجد نفسه متورطاً في قتال محرم، أو مطالباً بالمشاركة فيه، إما إكراهاً وإما إرهاباً، والشارع الحكيم لم يدع هذا السؤال معلقاً بغير إجابة، كما هو منهاجه في شئون العباد كلها، ففي السنة المطهرة ما يهدي إلى مخرج بل مخارج مشروعة، تعفي المسلم من التورط في سفك الدماء بغير حق، وإليك بيانها:
1ـ الأمر بالابتعاد عن معترك القتال، والاختفاء عن الأنظار مهما أمكن، كأن يلزم الإنسان بيته، ويغلق عليه داره، فقد جاء في بعض الأحاديث ـ بصدد الابتعاد عن الفتنة ـ : "ادخلوا بيوتكم، وأخملوا ذكركم ... "["مجمع الزوائد":(7/303)، وقال: رواه الطبراني].
2ـ الانشغال بالأعمال الخاصة، وانصراف المرء إلى شأن نفسه، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم/ "فإذا نزلت ـ أي: الفتنة ـ فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه... "["مستدرك الحاكم":(4/440ـ441)، قال الذهبي: قلت: صحيح].
3ـ ومنها ما جاء في مسند أحمد عن صحابي من خثعم، قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يكون في هذه الأمة خمس فتن" ـ ثم يحدث هذا الصحابي رجلاً من الشام، فيقولـ : "فقد مضت أربع، وبقيت واحدة ، وهي الصيلم(بمعنى الاستئصال)، وهي فيكم يا أهل الشام، فإن استطعت أن تكون حجراً فكنه، ولا تكن مع واحد من الفريقين، ألا فاتخذ نفقاً في الأرض! فقيل له: أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم!"["المسند":(5/73)].(7/58)
تنبيه: أمره صلى الله عليه وسلم هنا المسلم أن لا يكون مع أحد الفريقين، هو فيما لو كان غير متبين الحق مع أيهما، وهو خلاف ما نحن فيه، ولكن المقصود بيان كيف يُترك القتال المحرم ويُبتعد عنه، إذا ما دعي المرء إليه أو طولب بالمشاركة فيه.
4ـ ومما يزجر عن المشاركة في القتال المحرم: التأمل في المآل البائس الوخيم والعاقبة السيئة الشنيعة، إذا ما كان القتال في غير سبيل الله، وكان لمقصد دنيوي، ففي الحديث الصحيح: "إذا اقتتلتم على الدنيا، فالقاتل والمقتول في النار"["نيل الأوطار":(7/50)].
وماذا ينتظر هذا المجند في جيش المشركين، سوى الحفاظ على مكتسباته الدنيوية، وفي أحسن الحالات: اتقاء وتجنب ضرر موهوم أو مظنون يلحقه أو يلحق غيره من المسلمين؟
5ـ ومن أساليب تجنب سفك الدماء في الفتنة ـ ولا سيما إذا أجبر المسلم على حضور القتال ـ الأمر بإتلاف السلاح، حتى لا يكون صلاحه للاستعمال مثار إغراء للقتال به وإزهاق أنفس معصومة، فعن محمد بن مسلمة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت الناس يقتتلون على الدنيا، فاعمد بسيفك على أعظم صخرة في الحرة، فاضربه بها حتى يتكسر، ثم اجلس في بيتك، حتى تأتيك يد خاطئة، أو منية قاضية ... "["مجمع الزوائد":(7/300ـ301)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات].
وهذا مما يدل على تعظيم الشريعة لأمر الدماء، والحض على تجنب سفكها، ما لم يكن يقين قاطع، أو دليل ساطع.
خامساً: العجز والإكراه وضوابط الإعذار بهما:
المسلم المقيم في بلاد الشرك بين أربع حالات:
الأولى: أن يقيم عندهم راغباً مختاراً مريداً لصحبتهم، فيرضى ما هم عليه من الدين أو يمدحه، أو يرضيهم بعيب المسلمين، أو يعاونهم على المسلمين، فهذا لا نصيب له في الإسلام، قال تعالى: { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} (آل عمران: من الآية28)، وقد تقدم ذكر أقوال المفسرين في الآية.
الثانية: أن يقيم عندهم لأجل مال أو ولد، وهو لا يظهر دينه مع قدرته على الهجرة، ولا يعينهم على المسلمين، ولا يواليهم بقلبه ولا بلسانه، فهذا لا يكفر لمجرد الجلوس، ولكنه عاص بتركه الهجرة، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (النساء:97)، وقد تقدم كلام ابن كثير وما ذكره من حرمة الإقامة ـ في هذه الحالة ـ بالإجماع.
الثالثة: من كانت إقامته بينهم مستحبة، وصاحبها مجاهد في سبيل الله حتى يرجع، وذلك كمن أقام بينهم بقصد الدعوة إلى الله، أو لتعلم ما هو وسيلة لمرضاة الله وخذلا أعدائه. ويشترط في الذين تستحب لهم الإقامة بين الكفار: أن يكونوا قاصدين بإقامتهم إظهار دين الله والدعوة إليه، عارفين لدينهم بأدلته، متمسكين بعقيدتهم، مأموناً عليهم ـ في ظاهر حالهم ـ من الوقوع في الفتنة.
وهذه الشروط المشار إليها لا أرى أن يُترك التقدير فيها للأفراد بحسب ما يرى كلٌ لنفسه، بل ينبغي أن يُرجع إلى أهل الحل والعقد، أو ولاة المسلمين إن وجدوا.
الرابعة: من لا حرج عليه في الإقامة بين ظهرانيهم، وهو نوعان:
1ـ من كانت إقامته لحاجة دنيوية ـ كتجارة أو علاج ـ وهو عارف لدينه بأدلته آمن من الفتنة، مظهر لدينه، قادر على التأثير فيهم دون التأثر بهم. وقد كان للتجار المسلمين تأثير عظيم على البلدان التي ارتحلوا إليها.
2ـ أن يقيم بينهم مستضعفاً، كالذين استثنوا من آية سورة النساء السابقة: { إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً، وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (النساء:98)، يقول ابن كثير: "لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق"["تفسير القرآن العظيم":(2/343)].
وقد قال الله تعالى ـ تعقيباً على هذه الآية ـ : { فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} (النساء:99)
قال الحافظ بن كثير في تفسير هاتين الآيتين: "هذا عذر من الله لهؤلاء في ترك الهجرة، وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق، ولهذا قال (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً)، قال مجاهد وعكرمة والسدي: يعني طريقاً.
وقوله تعالى: { فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً[أي: يتجاوز من الله عنهم بترك الهجرة، وعسى من الله موجبة"["تفسير القرآن العظيم":(2/823)].
فلا عذر في ترك الهجرة إلى بلاد الإسلام إلا بالشروط المتقدمة، أو مع العجز المبين في هذه الآيات، التي أوردناها آنفاً.
ضوابط الإكراه في المسألة:(7/59)
الإكراه عذر شرعي معتبر بشروطه التي بينها الأصوليون، فمتى وجد انتفى معه التكليف، ولم يؤاخذ المكلف بأفعاله، بل أفعاله وتصرفاته ـ عندئذ ـ موصومة بالبطلان، غير معتبرة شرعاً، إلا أن هذه القاعدة لا تنسحب على مجرد الخوف وتوقع الضرر، فثم حالات لا مجال للاعتذار فيها بمكروه يخشى وقوعه، بل والإكراه ذاته لا اعتبار له إذا ما كان على ما لا يتصور الإكراه فيه، اللهم إلا أن يكون إكراهاً ملجئاً تنتفي فيه إرادة المكلف بالكلية، ومن هذين النوعين الأخيرين مسألتان متعلقتان بموضوعنا هنا: الأولى: خشية الضرر الحاصل من قطع موالاة المشركين، والثانية: الإكراه على القتل.
1ـ الإكراه على موالاة المشركين.
وفيها مسألتان: (أحدهما:) أنه لا يتصور الإكراه على الموالاة القلبية الباطنة، إذ لا سلطان لأحد على قلب أحد، ولذلك حذر الله تعالى عباده من ميل قلوبهم إلى المشركين، لا سيما حال عملهم بالتقية، إذا ما أكرهوا على الكفر، فقال تعالى: { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (آل عمران:28).
(والأخرى:) توهم جواز موالاة المشركين لمجرد خوف أذاهم وتوقع الضر منهم.
وأصل هذه الشبهة: الخلط بين التقية بكتمان الدين، والتقية بإظهار الكفر، وثم فرق بينهما جلي، فكتمان الدين يكفي في الإعذار فيه مجرد خوف الضرر، أما إظهار الكفر: فلا بد فيه من تحقق الإكراه، لا مجرد الخوف والتوقع. ولهذا نهى الله تعالى عن موالاة أهل الكتاب، وبين أن موالاتهم ـ ولو مع الخوف ـ كفر، قال الله تعالى:]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض،ٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم،ْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين،َ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم،ْ يَقُولُونَ: نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِه،ِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة:51، 52). فالله تعالى لم يجعل مجرد الخشية ـ من أن تكون الدائرة والغلبة للكافرين ـ عذراً في موالاتهم، بل جعل من تولاهم ـ معتذراً بذلك ـ منهم.
وإذا تبين لنا أن الإكراه ـ بشروطه المعتبرة ـ يبيح للمكره أن يظهر الكفر، فليعلم أن ذلك على سبيل الترخيص، ولا يقتضي ذلك وجوبَ أو استحبابَ الأخذِ بالرخصة، فإن الرخصة حكم استثنائي عارض ومؤقت، وهي إنما شرعت لسد الخلل، حينما يطرأ على المكلف ما يعرضه لفوات واحدة من الضرورات حال امتثاله للتكليف، فمتى زال الضرر لم تجز في حقه الرخصة، بل الواجب العمل على الخروج من حالة الضرورة متى قدر على ذلك، ثم إن الأولى والأكمل الأخذ بالعزيمة، ولو وصل الإكراه إلى حد القتل.
2ـ الإكراه على قتال المسلمين أو قتلهم.
قتال المسلمين وقتلهم حرام بالإجماع، لقول الله تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الأنعام: من الآية151)، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الفرقان: من الآية68)، وأكد على حرمة المسلم بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (النساء:29)، يعني: لا يقتل بعضكم بعضاً، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة"[رواه البخاري:(6878)، ومسلم:(1676)، وأحمد وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان]، وفي لفظ لمسلم: "والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم" وذكره، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه"[رواه مسلم:(2564)].(7/60)
وهذه الحرمة ثابتة حتى مع وجود عارض الإكراه، وقد تقدم أن المكره على حضور قتال محرم، لا يجوز له مباشرة القتال، بل الواجب عليه أن يمتنع من الحضور إن قدر، أو أن يفسد وسيلة القتل التي معه، أو غير ذلك مما تقدم ذكره على التفصيل، وقد شددت النصوص النبوية الصحيحة على هذا أيما تشديد، كما جاء في حديث أبي بكرة: " ... فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى إحدى الصفين أو ـ إحدى الفئتين ـ فيضربني رجل بسيفه، أو بسهمه، فيقتلني؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك، ويكون من أصحاب النار"[رواه مسلم:(2887)].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ففي هذا الحديث أنه نهى عن الفتنة، بل أمر بما يتعذر معه القتال من الاعتزال، أو إفساد السلاح الذي يقاتل به، وقد دخل في ذلك المكره وغيره. ثم بين أن المكره إذا قتل ظلماً كان القاتل قد باء بإثمه وإثم المقتول، كما قال تعالى ـ في قصة ابني آدم ـ : { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} (المائدة:29)...".
إلى أن قال: "والمقصود أنه إذا كان المكره على القتال في الفتنة، ليس له أن يقاتل، بل عليه إفساد سلاحه، وأن يصبر حتى يقتل مظلوماً، فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام؟! كمانعي الزكاة والمرتدين ونحوهم، فلا ريب أن هذا يجب عليه إذا أكره على الحضور أن لا يقاتل، وإن قتله المسلمون، كما لو أكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين، وكما لو أكره رجل رجلاً على قتل مسلم معصوم، فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين، وإن أكرهه بالقتل، فإنه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس.
فليس له أن يظلم غيره فيقتله لئلا يقتل هو، بل إذا فعل ذلك كان القوَد على المكره والمكره جميعاً عند أكثر العلماء، كأحمد، ومالك، والشافعي في أحد قوليه، وفي الآخر يجب القود على المكره فقط، كقول أبي حنيفة ومحمد. وقيل: القَوَد على المكره المباشر، كما روي ذلك عن زفر. وأبو يوسف يوجب الضمان بالدية بدل القوَد، ولم يوجبه"["مجموع الفتاوى":(28/539ـ540)].
وفي شرح حديث أبي بكرة المذكور قبل قليل، قال الإمام النووي: "وفي هذا الحديث رفع الإثم عن المكره على الحضور هناك، وأما القتل فلا يباح بالإكراه، بل يأثم المكره على المأمور به بالإجماع، وقد نقل القاضي وغيره فيه الإجماع، قال أصحابنا: وكذا الإكراه على الزنا لا يرفع الإثم فيه، هذا إذا أكرهت المرأة حتى مكنت من نفسها، فأما إذا ربطت، ولم يمكنها مدافعته، فلا إثم والله أعلم"["صحيح مسلم بشرح النووي":(18/16ـ17)].
وقال ابن رجب الحنبلي: "واتفق العلماء على أنه لو أكره على قتل معصوم لم يبح له أن يقتله، فإنه إنما يقتله باختياره افتداءً لنفسه من القتل، هذا إجماع من العلماء المعتد بهم، وكان في زمن الإمام أحمد يخالف فيه من لا يُعتد به"["جامع العلوم والحكم":(2/371)].
وقد جاء في نص الفتوى الموقع عليها من الأفاضل المذكورين: (ولكن الحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمين الآخرين، مصدره أن القتال يصعب ـ أو يستحيل ـ التمييز فيه بين الجناة الحقيقيين المستهدفين به، وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث، وان الحديث النبوي الصحيح يقول: «اذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، قيل هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: قد أراد قتل صاحبه» (رواه البخاري ومسلم).
والواقع أن الحديث الشريف المذكور يتناول الحالة التي يملك فيها المسلم أمر نفسه فيستطيع ان ينهض للقتال ويستطيع أن يمتنع عنه، وهو لا يتناول الحالة التي يكون المسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة، يلتزم بطاعة الأوامر الصادرة إليه، وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة).
ولي على هذه الفقرة ملاحظات:
1ـ كيف أجازت الفتوى لهؤلاء العسكريين قتل من لا ذنب له بجريرة من له "ذنب" فَرَضاً؟ وهذا القسم الأخير عدد محصور مشاع، في كثير معصوم غير محصور!!
2ـ ما هي البينة الشرعية التي تدين المشار إليهم وتثبت عليهم ما اتهموا به؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر"[حديث حسن، رواه البيهقي في "سننه":(10/252)، وحسنه الحافظ في "الفتح":(5/283)، وأصله في الصحيحين].
قال الحافظ ابن رجب: "قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، قال: ومعنى قوله: "البينة على المدعي" يعني: يستحق بها ما ادعى، لأنها واجبة عليه يؤخذ بها، ومعنى قوله: "اليمين على المدعى عليه" أي: يبرأ بها، لأنها واجبة عليه، يؤخذ بها على كل حال.أ.هـ"[جامع العلوم والحكم":(2/230)].(7/61)
3ـ جاء في نص الفتوى: (والواقع أن الحديث الشريف المذكور، يتناول الحالة التي ... إلخ ) هذه الفقرة انطوت على خطأ فادح، إذ مفهوم المخالفة فيها يقتضي: أنه حيث لا خيار للمكره في قتال المسلم جاز له!! وقد تقدم بيان أنه لا عذر بالإكراه في قتال المسلمين.
4ـ وحيث زُعِم أن الحديث (لا يتناول الحالة التي يكون المسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة، يلتزم بطاعة الأوامر الصادرة إليه)، كان الواجب أن يبين وجه ذلك، وأن تستقصى نصوص المسألة ـ كما هو الواجب على المجتهد عند النظر والاستدلال ـ أو أن تورد ـ على الأقل ـ النصوص المتناولة لما "لم يتناوله" هذا النص، وأن يبين حكم هذه الحالة التي (يكون المسلم فيها ... إلخ) ، ولا يصح أن يطلق هذا القول هكذا على عواهنه، إذ لا يمكن أن تأتي الشريعة بجواز الانخراط في جيوش المشركين، فكلامهم موهم بأن أصل الانخراط جائز!!
5ـ أما مسألة الولاء الذي لا ينبغي أن يفعل ما يؤدي إلى التشكيك فيه، فهي الطامة، والقارعة، والحاقة، والصاخة، أن يحرص المسلم على إثبات ولائه للذين كفروا، وقد تقدم شيء من الأدلة غير قليل، في بيان حرمة موالاة الكافرين، وإن كان ما أوردته قليلاً بالنسبة لما اكتظت به المرجعيات الإسلامية في هذا الباب، ولكني أقول: لعل الشيوخ الأفاضل والأساتذة الكرام يقصدون إلى معنى آخر، غير أن عبارتهم ـ لا شك ـ موهمة.
6ـ إذا كان بإمكان العسكري المسلم في جيوش المشركين تقديم استقالته، وبإمكانه: طلب العمل في مجال آخر غير القتال، بل بإمكانه الاستفادة بالقانون الذي يمنحه حق الامتناع عن دخول المعارك التي تصادم معتقداته وديانته (وكل هذا ذكره الأستاذ هويدي في مقاله) فكيف يُعد هذا العسكريُ ـ مع ذلك ـ مُكرَهاً أو مضطراً؟!
أما الحديث المشار إليه، والمذكور في هذه الفقرة السابقة المنقولة عن الفتوى، فكلام أئمتنا فيه كما يلي:
جاء في "فتح الباري": " وقد أخرج البزار في حديث "القاتل والمقتول في النار" زيادة تبين المراد، وهي: "إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار"، ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ: لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيما قتل، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج، القاتل والمقتول في النار".
قال القرطبي:
"فبين هذا الحديث: أن القتال إذا كان على جهل، من طلب دنيا، أو اتباع هوى، فهو الذي أريد بقوله: "القاتل والمقتول في النار"["الفتح":(13/37ـ38)].
قال الإمام النووي:
"وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار، فمحمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها"["مسلم بشرح النووي":(18/15)].
ولا ريب أنه لا تأويل لهؤلاء العسكريين مقبول، ولا عذر لهم في مقاتلة المسلمين، ولا سيما مع تهافت أدلة الاتهام المدجلة، وإن المنصف ليدرك أي الفريقين ـ إذاً ـ هو الذي يقاتل عصبية.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا"[صحيح البخاري":(7077،7071)].
قال الحافظ العسقلاني: "(فليس منا) أي: ليس على طريقتنا، أو ليس متبعاً لطريقتنا، لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه، لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه، لإرادة قتاله أو قتله ونظيره".
قال: "وهذا في حق من لا يستحل ذلك، فأما من يستحله، فإنه يكفر باستحلال المحرم بشرطه، لا مجرد حمل السلاح، والأولى عند كثير من السلف: إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر"[فتح الباري":(13/27)]..
فهذا الحديث يدل على أن حمل السلاح على المسلم حرام في حد ذاته، وإن لم يكن به قتل ولا قتال، وأن نية القتال هي في نفسها إثم، قال الإمام النووي: "(إن المقتول في النار لأنه أراد قتل صاحبه) فيه دلالة المذهب الصحيح الذي عليه الجمهور، أن من نوى المعصية وأصر على النية يكون آثماً، وإن لم يفعلها ولا تكلم"["شرح النووي":(18/17)].
وفي الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"[رواه البخاري:(7077)].
وفيه: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"[رواه البخاري:(7076)].
قال الحافظ في الفتح: "وجملة الأقوال فيه ثمانية، ووقفت على تاسع، وهو أن المراد ستر الحق ، والكفر لغة: الستر، لأن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويعينه، فلما قاتله كأنه غطى على حقه الثابت له عليه. وعاشر: وهو أن الفعل المذكور يفضي إلى الكفر، لأن من اعتاد الهجوم على كبار المعاصي جَرَهُ شؤمُ ذلك إلى أشد منها، فيُخشى أن لا يُختم له بخاتمة الإسلام"["الفتح":(13/30)].
وبعد .. فهذه الأدلة قاضية على وجه القطع واليقين بما يلي:
1ـ حرمة مظاهرة المشركين على المسلمين، وكذا المعاونة ، والتأييد على ما يضر بالإسلام وأهله.
2ـ حرمة الانخراط في جيوش المشركين، وإن لم يكونوا في قتال مع المسلمين، لوجوه مذكورة فيما سبق.
3ـ حرمة الانضواء تحت راية عمية، تقاتل عصبية، لهوى أو لدنيا، حتى وإن كانت هذه الراية العمية لطائفة مسلمة.
4ـ حرمة مباشرة القتال أو القتل ونحوه، إذا ما أكره المسلم على الحضور عند التقاء الصفين.(7/62)
5ـ حرمة الإقامة في بلاد الشرك، ما لم تكن ضرورة ملجئة، أو حاجة ملحة، أو مصلحة مرجوة، أو إكراه، والمقيم يشترط فيه أن يكون مظهراً لدينه، آمناً من الفتنة، غير معين لأهل الشرك ولا مظاهراً لهم على مسلم، ولا راضياً بالكفر وأهله، فإن فاته شيء من هذه الشروط، فالهجرة عليه واجبة إن قدر، والعاجز عن الهجرة معذور مسامح، إلا أن يكون غير متمكن من إظهار دينه فهو آثم، ولا نقول بكفر من تركها لمجرد الترك، إلا أن يتلبس بنوع آخر من الكفر، مما ذكرناه في الشروط، أو غيره، والمرء حسيب نفسه.
ختاماً أقول: لو أن بلادنا كانت للناس ملاذاً آمناً، وموئلاً كافياً، ومنزلاً كريماً .. ما اضطر كثير منهم لهجرها، وإيثار هذه البلاد عليها، وإلى الله المشتكى.
وبعد، فإن أكن أصبت، فمن الله وحده وله الفضل والمنة، وإن تكن الأخرى، فإني متراجع عنها، معتذر منها، وحسبي أني أردت وضع الحق في نصابه، مع كل الاحترام لذوي الفضل الموقعين على الفتوى، وما حيلتنا، وقد أبى الله تعالى الكمال لغير كتابه الحكيم، وأبى العصمة لغير رسوله الكريم؟
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[بقلم: محمد مصطفى المقرئ]
==================
جدير بالشيخ القرضاوي أن يعود عن مدح البابا والترحم عليه
[الكاتب: محمد مصطفى المقرئ]أجل... جدير بمن كان في مثل مكانة الشيخ القرضاوي - حفظه الله وأحسن عملنا وعمله - أن يعود، بل أن يكون أسرع الناس أوبة إلى الحق، أجرأهم تصويباً لخطأ نفسه، ولا سيما إن كان هو وحده الذي تتوفر له فرصة التصحيح، أعني الفرصة السانحة والمكافئة من خلال نفس المنبر الذي جرى فيه الخطأ.
ففي ذلك إعفاء لنفسه من تبعة أن يُتبَعَ في غير صواب، ومسؤولية أن لا يضرب من نفسه القدوة والمثل، فيما يجب على من يدركه خطأ أو زلل، وأهل العلم - لا جرم - منوط بهم التعليم والتربية جميعاً.
وقديماً قالوا: "العود أحمد"، وفي خطاب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما يوصيه بالتراجع عن الخطأ، فيقول: (ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل) [1].وهذا النصح والتبيين مني - وإن وقع متراخياً عن صدور الزلة المعنية - مقصوده: أن أصوب ما استطعت من خلال هذا المنبر الموقر، وعبر مقال واحد بزاوية فيه، على أن ذلك قد لا يكافئ برنامجاً بحجم "الشريعة والحياة" أو لا يغطي نفس مجاله ومداه... آملاً أن يصدر التصويب من الشيخ الموقر نفسه، وعبر منبر "الجزيرة" نفسه.
لقد ورد على لسان الشيخ الموقر كلام يتصل بأحكام لا مجال فيها للاجتهاد، لأنها معدودة من مسائل العقيدة، والأمر فيها نصي لا يحتمل التأويل، توقيفي لا يسوغ إعمال الرأي فيه.
وسأنقل - فيما يلي - كلام الشيخ بنصه وحرفه، قبل أن أشرع في بيان وجوه الخطأ فيه، مستعيناً بالله تعالى أن يوفقني لصياغة الرد عليه في أرق عبارة ممكنة، وأخفها وقعاً على آذان محبي الشيخ، وألطفها نزولاً على نفوسهم.
قال - غفر الله لنا وله -: (نقدم عزاءنا في هذا البابا - يعني باب الفاتيكان - الذي كان له مواقف تذكر وتشكر له، ربما يعني بعض المسلمين يقول أنه لم يعتذر عن الحروب الصليبية وما جرى فيها من مآسي للمسلمين كما اعتذر لليهود وبعضهم يأخذ عليه بعض أشياء ولكن مواقف الرجل العامة وإخلاصه في نشر دينه ونشاطه حتى رغم شيخوخته وكبر سنه، فقد طاف العالم كله وزار بلاد ومنها بلاد المسلمين نفسها، فكان مخلصا لدينه وناشطا من أعظم النشطاء في نشر دعوته والإيمان برسالته وكان له مواقف سياسية يعني تُسجل له في حسناته مثل موقفه ضد الحروب بصفة عامة.
فكان الرجل رجل سلام وداعية سلام ووقف ضد الحرب على العراق ووقف أيضا ضد إقامة الجدار العازل في الأرض الفلسطينية وأدان اليهود في ذلك وله مواقف مثل هذه يعني تُذكر فتشكر... لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب ونقدم عزاءنا للمسيحيين في أنحاء العالم ولأصدقائنا في روما وأصدقائنا في جمعية سانت تيديو في روما ونسأل الله أن يعوِّض الأمة المسيحية فيه خيراً).
راجع نص كلام الشيخ مفرغاً كتابة على موقع "الجزيرة نت" نقلاً عن برنامج "الشريعة والحياة"، الأحد الموافق 3/4/2005م.
وسأكتفي - هنا - بما ورد في قوله: (لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب)!!
فهل يجوز شرعاً؛ أن ندعوا الله لمن مات على الكفر، سواء كان له دين أو لا دين له أو كان مرتداً عن دين الإسلام بالرحمة والمثوبة؟
والجواب على هذا تراه فيما يلي من خلال مسألتين:
المسألة الأولى: لا يجوز أن يدعى للكافر - الذي يموت على الكفر - بالرحمة.(7/63)
ذلك أن الكافر الذي يموت على الكفر مطرود من رحمة الله، ونحن مأمورون بأن نأخذ الناس بظواهرهم، فمن مات على الكفر وجب أن يجري عليه أحكام الكفار، ومن مات على الإسلام؛ وجب أن يجري عليه أحكام أهل القبلة، ولا يسعنا أن نفترض في هؤلاء أو أولئك خلاف ما دل عليه ظاهر أمرهم.
ومطلق الرحمة لا يحق إلا في حق من مات على الإيمان... قال تعالى - والخطاب في حق المؤمنين -: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}... إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157]، وقال: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} [النساء: 175]، وقال: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107]، ولم يزل دعاء المؤمنين ربهم ورجاؤهم إياه {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، وأيضاً ما حكاه القرآن عن أصحاب الكهف: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} [الكهف: 10].
فالرحمة المطلقة لا حظ فيها للكافر، هذا مع سعة رحمة الله التي وإن شملت الكفار في الدنيا من بعض الوجوه لا تشملهم في الآخرة... قال تعالى: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147].
ولذلك فإن ما أثبته القرآن من رحمة في حق عموم الناس أو في حق المشركين منهم إنما هي رحمة نسبية أو جزئية، مقيدة...
• مقيدة بالدنيا؛ كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ* وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ* إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} [يس: 41 - 44].
• أو مقيدة بتوفير أسباب الهداية إلى الآخرة؛ كما قال تعالى: {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 157]، وفرق بين رحمة توفير أسباب الهداية وبين رحمة مآل الاهتداء وعاقبته... قال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61]، وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} [الإسراء: 82]، وقال تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، وقال: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ} [الجاثية: 20].
• أو بتخفيف العذاب عن بعضهم لمعنى مختص بذلك البعض؛ كما الحال مع أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم. أما فيما سوى ذلك فلا يناله الله برحمة...
وبهذا التقسيم نفهم قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما يرحم اللهُ من عباده الرحماءَ) [2] .(7/64)
فالرحمة المذكورة في نحو هذا من النصوص هي من جهة ثبوتها في حق المؤمن غيرها في حق الكافر، أي من جهة وجوهها ومقدارها... لأنها في حق هذا الأخير مقيدة بهذه الدار، وبأحكام جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فيها تخفيف عن المشركين ورحمة، وبأخلاق راقية في معاملتنا لهم، وبأسباب للهداية والبيان، ورفع الإصر والأغلال التي كانت عليهم، كما في قوله الله تعالى - في صفة النبي صلى الله عليه وسلم -: {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].
أما رحمة الله عباده في الآخرة فالكافر مطرود منها لا ريب... ومقتضى الطرد من رحمة الله أن لا يغفر الله للمطرود وهو الذي يموت على الكفر.
ذلك أن مغفرة الذنوب مظهر من أعظم مظاهر الرحمة، بل أعظمها... قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48]، وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء: 116]، وقد دلت هذه الآية وسابقتها على أن من لم يتب من الشرك حتى مات عليه غير مغفور له، مقطوع بذلك غير معلق على المشيئة، وإنما يدخل في المشيئة من مات على التوحيد مع ما ألم به من ذنب دون الشرك... {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، فهذه في حق العموم بشرط الإيمان، فالله يغفر الذنوب جميعها بما في ذلك الشرك إن تيب منه.
لا رحمة ولا مغفرة لم مات على الكفر:
والدعاء بالرحمة للكافر متضمن لطلب المغفرة له ولا ريب، ولا سيما إن اقترن بطلب المثوبة، وحمله على ما هو دون ذلك - كرجاء تخفيف العذاب مثلاً - بعيد، وقد جاءت الصياغة في كلام الشيخ القرضاوي مطلقة غير مقيدة، بل اقترن بها ما يتعين معه حملها على الإطلاق كما تقدم. ولو فرض - جدلاً - جواز حملها على غير ذلك لكان فيها من التلبيس والاشتباه على السامع والقارئ ما يوجب تركها واستبدال بها صياغة تسلم من الالتباس والشبهة.
والشيخ - لا ريب - يعلم أنه لا يجوز الاستغفار للكافر الذي مات عل الكفر، ولكن عبارته تضمنت هذا المعنى أو اقتضته، وإن لم يذكر ذلك بصريح لفظه.
والشيخ يعلم أن الكلام إنما يصاغ على ما يفهمه سامعه، وفي المشاهدين من يتعذر عليه استكناه المقاصد والنيات، أو حمل الكلام على غير ظاهره. ولذلك وجب التنويه إلى أن من مات على الكفر لا يغفر له، ولا يستغفر له...
قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ* وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 113، 114].
قال الإمام الطبري - في تفسير الآية -: (يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به أن يستغفروا, يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم أولي قربى, ذوي قرابة لهم. {من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}؛ يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان تبين لهم أنهم من أهل النار; لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله) [3].(7/65)
وفي سبب نزول الآية روى الشيخان في صحيحيهما، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)، فأنزل الله عز وجل: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} [القصص: 56].
فالآية على هذا ناسخة لاستغفار النبي صلى الله عليه وسلم لعمه فإنه استغفر له بعد موته على ما روي في غير الصحيح. وقال الحسين بن الفضل: وهذا بعيد؛ لأن السورة من آخر ما نزل من القرآن، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة [4].
وفي زيادة للطبري، أوردها العسقلاني في "الفتح": (قال: أي عم، إنك أعظم الناس عليَّ حقاً، وأحسنهم عندي يداً، فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة)، وفيه أنه مع عظيم ما قدم أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم لا ترجى له شفاعة إلا أن يؤمن.
وقد بوب مسلم لهذا الحديث بقوله: باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع في النزع، وهو الغرغرة، ونسخ جواز الاستغفار للمشركين. والدليل على أن من مات على الشرك، فهو من أصحاب الجحيم. ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل.
قال الإمام النووي رحمه الله: (وأما قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ}، فقال المفسرون وأهل المعاني: معناه: ما ينبغي لهم. قالوا وهو نهي).
قال: (أما قوله عز وجل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} [القصص: 56]، فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاج، وغيره، وهي عامة؛ فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى) [5].
وقد حقق الحافظ ابن حجر رحمه الله المسألة تحقيقاً رصيناً كعادته في التدقيق والاستقصاء؛ فقال: (قوله : " فأنزل الله : {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}"؛ أي ما ينبغي لهم ذلك، وهو خبر بمعنى النهي هكذا وقع في هذه الرواية .
وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال استغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي" . فقال أصحابه : "لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه، فنزلت". وهذا فيه إشكال، لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية، والأصل عدم تكرر النزول .
وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال : "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقابر فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى، فبكينا لبكائه، فقال : إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، فأنزل علي : {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}، وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه " نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب"، ولم يذكر نزول الآية .
وفي رواية الطبري من هذا الوجه؛ "لما قدم مكة أتى رسم قبر" ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية: " لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت"، وللطبراني من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه "لما هبط من ثنية عسفان" وفيه نزول الآية في ذلك .
فهذه طرق يعضد بعضها بعضا، وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب، ويؤيده أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد - بعد أن شج وجهه -: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصاً بالأحياء وليس البحث فيه، ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم، ويكون لنزولها سببان : متقدم، وهو أمر أبي طالب. ومتأخر، وهو أمر آمنة .(7/66)
ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك، فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب، ويشير إلى ذلك أيضا قوله في حديث الباب : "وأنزل الله في أبي طالب : {إنك لا تهدي من أحببت}؛ لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره، والثانية نزلت فيه وحده، ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال : "سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : {ما كان للنبي... الآية} ". وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : وقال المؤمنون: ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه ؟ فنزلت. ومن طريق قتادة قال : "ذكرنا له أن رجالاً" فذكر نحوه ) [6].
ثم إن قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} تضمن قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم؛ فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز.
شبهة وردها:
فإن قيل: فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - يوم أحد حين كسروا رباعيته وشجوا وجهه -: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، فكيف يجتمع هذا مع منع الله تعالى رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين.
قيل له: إن ذلك القول من النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء، والدليل عليه: ما رواه مسلم عن عبد الله قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نبياً قبله شجه قومه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عنه بأنه قال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
قال الإمام القرطبي: (وهذا صريح في الحكاية عمن قبله, لا أنه قاله ابتداء عن نفسه كما ظنه بعضهم. والله أعلم. والنبي الذي حكاه: هو نوح عليه السلام).
وقال الطاهر بن عاشور في قوله تعالى: {ما كان للنبي...}: (وجاءت صيغة النهي بطريق نفي الكون مع لام الجحود مبالغة في التنزه عن هذا الاستغفار) [7].
وقيل: إن المراد بالاستغفار في الآية الصلاة.
قال بعضهم: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنا; لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين بقوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين... الآية}، قال عطاء بن أبي رباح: (الآية في النهي عن الصلاة على المشركين، والاستغفار هنا يراد به الصلاة).
قلت: وحمل الآية على أن المراد بالاستغفار الصلاة لا ينفي دلالة ما سواها من الأدلة على حرمة الاستغفار للكافر.
وللآية جواب ثالث أورده الإمام القرطبي: وهو أن الاستغفار للأحياء جائز; لأنه مرجو إيمانهم ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين. وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين. فأما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعى له.
قال ابن عباس: (كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت؛ فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا) [8].
ثم قال تعالى - بعد هاتين الآيتين -: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: 115].
قال ابن جرير: (يقول الله تعالى: وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذا رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله حتى يتقدم إليكم بالنهي عه فتتركوا. فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه ثم تتعدوا فيه إلى ما نهاكم عنه فإنه لا يحكم عليكم بالضلال؛ فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعاً أو عاصياً فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه) [9].
وقال الحافظ ابن كثير: (يقول تعالى - مخبراً عن نفسه الكريمة وحكمه العادل - إنه لا يضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة كما قال تعالى: {فأما ثمود فهديناهم... الآية}، وقال مجاهد في قوله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم... الآية}، قال: بيان الله عز وجل للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه لهم في معصيته وطاعته عامة فافعلوا أو ذروا) [10].
وقال الطاهر بن هاشور: (وفيه تسجيل أيضاً لكون أولئك المشركين أحرياء بقطع الاستغفار لهم لأن أنبياء الله ما قطعوه عنهم إلا بعد أن أمهلوهم ووعدوهم وبينوا لهم وأعانوهم بالدعاء لهم فما زادهم ذلك إلا طغياناً) [11].
المسألة الثانية: لا يجوز أن يدعى للكافر - الذي يموت على الكفر - بالمثوبة.(7/67)
أما الدعاء لمن مات على الكفر بالمثوبة فلا يصح ولا يستقيم، ذلك أن الكافر لا مثوبة له في الآخرة... قال الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16]، وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20].
وقد اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على آراء [12]:
فقيل: نزلت في الكفار; قاله الضحاك, واختاره النحاس; بدليل الآية التي بعدها {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار} [هود: 16]. أي من أتى منهم بصلة رحم أو صدقة نكافئه بها في الدنيا, بصحة الجسم, وكثرة الرزق, لكن لا حسنة له في الآخرة.
وقيل: المراد بالآية المؤمنون; أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الثواب ولم يُنقَص شيئاً في الدنيا, وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا, وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فالعبد إنما يعطى على وجه قصده, وبحكم ضميره; وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل ملة.
وقيل: هو لأهل الرياء; وفي الخبر أنه يقال لأهل الرياء: (صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد قيل ذلك)، ثم قال: (إن هؤلاء أول من تسعر بهم النار)، رواه أبو هريرة, ثم بكى بكاء شديداً، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها}، وقرأ الآيتين [خرجه مسلم في "صحيحه" بمعناه، والترمذي أيضاً].
وقيل: الآية عامة في كل من ينوي بعمله غير الله تعالى, كان معه أصل إيمان أو لم يكن; قاله مجاهد وميمون بن مهران, وإليه ذهب معاوية رحمه الله تعالى. وقال ميمون بن مهران: ليس أحد يعمل حسنة إلا وُفّيَ ثوابَها; فإن كان مسلماً مخلصاً وُفّيَ فِي الدنيا والآخرة, وإن كان كافراً وُفّيَ في الدنيا. وقيل: من كان يريد "الدنيا" بغزوه مع النبي صلى الله عليه وسلم وُفِّيَهَا, أي وُفِّيَ أجرَ الغزاة ولم ينقص منها; وهذا خصوص والصحيح العموم.
وحكى ابن الجوزي هذه الآراء الأربعة في تفسيره مختصرة [13].
وأورد ابن كثير نحوها، وإن كان يميل إلى أن الآية في أهل الرياء عامة، فإنه لا ثواب لهم في الآخرة [14].
وكذلك أوردها ابن العربي، وقال: (أخبر الله سبحانه أن من يريد الدنيا يعطى ثواب عمله فيها، ولا يبخس منه شيئا. واختلف بعد ذلك في وجه التوفية؛ فقيل في ذلك صحة بدنه أو إدرار رزقه).
قال سعيد بن جبير: (أعطوا ثواب ما عملوا من خير في الدنيا. وقال مجاهد: (من عمل عملاً من صلة، أو صدقة، لا يريد بت وجه الله، أعطاه الله ثواب ذلك في الدنيا، ويدرأ به عنه في الدنيا) [15].
فتقرر - على آرائهم جميعاً -: أن لا ثواب للكافر في الآخرة.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة; وكذلك الآية التي في " الشورى": (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها... الآية} [الشورى: 20]، وكذلك: {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} [آل عمران: 145] [16].
ومن ذهب إلى هذا قيد هذه الآيات بآية الإسراء؛ {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً} [الإسراء: 18]، كما نقله من سبق ذكر أقوالهم.
وبوب الإمام مسلم في "صحيحه": باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل.
وأورد تحته: عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين. فهل ذاك نافعه؟ قال: (لا ينفعه. إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) [17].
قال الإمام النووي: (أي لم يكن مصدقاً بالبعث، ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذاباً من بعض بحسب جرائمهم. هذا آخر كلام القاضي.
وذكر الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي - في كتابه "البعث والنشور" - نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر، قال البيهقي: وقد يجوز أن يكون حديث ابن جدعان وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة، ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات) [18].
وفي إحباط عمل الكافر - إن مات على الكفر - نصوص كثيرة... منها: قول الله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].(7/68)
فهذا شرط - كما يقوله ابن كثير [19] - والتوحيد شرط كذلك في قبول الأعمال وسلامتها من البطلان والإحباط.
وقال الإمام القرطبي - في تفسير الآية -: (أي لو عبدوا غيري لحبطت أعمالهم) [20].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
قال ابن كثير في التفسير: (هذه كقوله تعالى؛ {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}) [21].
قال القاضي ابن العربي: (هذا وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم فقد قيل: إن المراد بذلك أمته، وكيفما تردد الأمر فإنه بيان أن الكفر يحبط العمل كيف كان، ولا يعني به الكفر الأصلي؛ لأنه لم يكن فيه عمل يحبط، وإنما يعني به أن الكفر يحبط العمل الذي كان مع الإيمان؛ إذ لا عمل إلا بعد أصل الإيمان، فالإيمان معنى يكون به المحل أصلا للعمل لا شرطا في صحة العمل، كما تخيله الشافعية؛ لأن الأصل لا يكون شرطا للفرع؛ إذ الشروط أتباع فلا تصير مقصودة؛ إذ فيه قلب الحال وعكس الشيء، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}).
وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} [الفرقان: 23].
قال ابن كثير: (هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي إما الإخلاص فيها وإما المتابعة لشرع الله فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين وقد تجمعهما معا فتكون أبعد من القبول حينئذ) [22].
وقال الإمام القرطبي: ({وقدمنا}: قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل بر عند أنفسهم، {فجعلناه هباء منثوراً}: أي لا ينتفع به; أي أبطلناه بالكفر).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 147].
قال ابن كثير: (أي من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات حبط عمله) [23].
وقال الطاهر بن عاشور - في تفسير هذه الآية -: (لا تخلوا جماعة المتكبرين من فريق قليل يتخذ سبيل الرشد عن حلم وحب للمحمدة، وهم بعض سادة المشركين وعظماؤهم في كل عصر، كانوا قد يحسب السامع أنْ ستنفعهم أعمالهم، أزيل هذا التوهم بأن أعمالهم لا تنفعهم مع التكذيب بآيات الله ولقاء الآخرة، وأشير إلى أن التكذيب هو سبب حبط أعمالهم بتعريفهم بطريق الموصولية - أي الذين - دون الإضمار) [24].
ونحو ذلك من الآيات كثير...
ومهما كان للكافرين من أعمال نافعة وآثار مفيدة فهم الأخسرون أعمالاً... قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف: 103 - 105].
قال أبو بكر بن العربي: (أجاب الله عما وقع التقرير عليهم بقوله: {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً}، لكن العلماء من الصحابة ومن بعدهم حملوا عليهم غيرهم، وألحقوا بهم من سواهم ممن كان في معناهم، ويرجعون في الجملة إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول: الكفار بالله، واليوم الآخر، والأنبياء، والتكليف؛ فإن الله زين لكل أمة عملهم، إنفاذاً لمشيئته، وحكما بقضائه، وتصديقا لكلامه. الصنف الثاني: أهل التأويل الفاسد للدليل الذين أخبر الله عنهم بقوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}، كأهل حروراء والنهروان، ومن عمل بعملهم اليوم، وشغب الآن على المسلمين تشغيب أولئك حينئذ، فهم مثلهم وشر منهم. قال علي بن أبي طالب يوما، وهو على المنبر: لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته، فقام ابن الكواء، فأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغ عمر بن الخطاب، فقال: ما الذاريات ذروا؟ قال علي: الرياح. قال: ما الحاملات وقرا؟ قال: السحاب. قال: فما الجاريات يسرا؟ قال: السفن. قال: فما المقسمات أمرا؟ قال: الملائكة. قال: فقول الله تعالى: {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا}، قال: ارق إلي أخبرك. قال: فرقى إليه درجتين قال: فتناوله بعصا كانت بيده، فجعل يضربه بها. ثم قال: أنت وأصحابك. وهذا بناء على القول بتكفير المتأولين. وقد قدمنا نبذة منه، وتمامها في كتب الأصول. الصنف الثالث: الذين أفسدوا أعمالهم بالرياء وضيعوا أحوالهم بالإعجاب).
وعلى الجملة فإنه لا وزن ولا قيمة لأعمال الكافرين وآثارهم في الآخرة...(7/69)
قال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم: 18].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى...}، إلى قوله: {لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ} [البقرة: من الآية: 264].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
قال الحافظ ابن كثير: (وذلك أنهم عملوا أعمالاً اعتقدوا أنها على شيء، فلما عرضت على الملك الحكم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحداً إذا إنها لا شيء بالكلية، وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية) [25].
فالكافرون ضالون ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون، وأن أعمالهم ذات وزن موزون، وأنهم على شيء... وقد خيب الله ظنهم في أعمالهم، أفيليق بأهل الإيمان أن يكون ظنهم بأعمال أهل الضلال كظن أولئك بها، مع ما قطع به القرآن ببوارها؟! قال تعالى: {إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف: من الآية: 30].
قال الطاهر بن عاشور - في تفسير آيتي سورة هود: {من كان يريد الحياة الدنيا... الآية}، إلى قوله: {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار... الآية} -: (وفيه تنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بظاهر حسن حال الكافرين في الدنيا، وأن لا يحسبوا أيضاً أن الكفر يوجب تعجيل العذاب فأوقظوا من هذا التوهم، كما قال تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196، 197]) [26].
غاية ما يستفيده الكافر في الآخرة:
غاية ما يستفيده الكافر في الآخرة مما قدم من عمل في دنياه، ولم يستوف أجره فيها... أن يخفف به عنه من عذابه يوم القيامة، وهذا لا يعلم في حق معين إلا بنص، كما وقع لأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم في "صحيحه": عن العباس بن عبد المطلب، أنه قال: يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشىء؟ فإنه كان يحوطك [27] ويغضب لك. قال: (نعم، هو في ضحضاح [28] من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) .
وفي رواية: قال: (نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح).
وفي رواية: فقال: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة. فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه) [29].
وقد تقدم من كلام الإمام النووي ما نقله عن الإمام البيهقي، قال: (وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة، ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات) [30].
هذا غاية ما يمكن أن يحصله كافر في الآخرة، أما أن يثاب - لتطلب له المثوبة - فلا.
وبقطع النظر عما أنجزه بابا الفاتيكان من عمل "صالح"، وأثر "طيب" على حد وصف الشيخ القرضاوي... فإن كلامنا هنا في بيان حرمة الدعاء للكافر بالرحمة والمثوبة كائناً من كان، وإن فاق عمله وأثره عمل وأثر أبي طالب - الذي نُصَّ على تخفيف العذاب عنه - أضعافاً مضاعفة.
إنجازات بابا الفاتيكان...
ولكن تجدر الإشارة - هنا - إلى بعض إنجازات الرجل، كي لا يغتر بما قيل فيه مسلم...
أولاً: هو البابا الأكثر ولعاً بالتنصير:
وشهد شاهد من أهلها: (في أول تعليق لها بعد تأكد نبأ وفاة "يوحنا بولس الثاني" زعيم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان، وصفت وكالة ميسنا الكنسية "البابا" بأنه كان "البابا المولع بالتنصير".
وفي معرض ثنائها على "بولس" الذي هلك يوم أمس السبت قالت الوكالة: إن البابا أخذ على نفسه تبليغ "رسالة الإنجيل" في القارات الخمس أثناء فترة "حبريته".
وأضافت الوكالة أن فترة مكث يوحنا بولس على سدة الفاتيكان، كانت إحدى أطول الفترات في التاريخ، حيث استمرت أكثر من ستة وعشرين عامًا، بدأت بتوليه "البابوية" عام 1978.
وعلى الصعيد ذاته ذكرت الوكالة التنصيرية أن يوحنا بولس الذي مات بعد بلوغه 84 عامًا قام بأكثر من مائة رحلة تبشيرية قابل فيها ملايين الحجاج في نحو 129 دولة.
كما ذكرت الوكالة أن الزعيم السابق للكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان كان قد عقد نحو 737 اجتماعًا ومقابلة مع رؤساء دول العالم خلال ستة وعشرين عامًا، كما أجرى مقابلات تصل إلى 245 مقابلة مع رؤساء وزراء دول العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن "بولس" كان قد حذر الكاثوليك من التخلي عن التنصير قائلاً: "إن التبشير لازم وحتمي على كل مسيحي، والويل والجحيم لمن لم يبشر) [31].(7/70)
وقد اعترف "البابا" ذات مرة باختراق النشاط التنصيري للمنظمات الإغاثية مؤكدًا أن: "مهمة "التبشير" ملازمة للكنيسة طالما ظلت قائمة، وأن المنظمات "الخيرية" تسعى إلى القيام بـ "واجباتها" من خلال الأعمال الإغاثية والمساعدات الإنسانية بالمناطق المنكوبة حول العالم لإرواء العطشى إلى "دم المسيح"... على حد زعمه.
ثانياً: وضع أساسًا متينًا للعلاقة الجديدة بين الكنيسة الكاثوليكية و"إسرائيل":
صرح المسؤول الكاثوليكي الفرنسيسكاني "ديفيد جايجير" عضو وفد الفاتيكان الذي تفاوض نيابة عن "يوحنا بولس الثاني" في اتفاقية عام 1993 مع الكيان الصهيوني بأن بولس وضع أساسًا متينًا للعلاقة الجديدة بين الكنيسة الكاثوليكية و "إسرائيل"، وأعطى أملاً عظيمًا لتأثير الكنيسة في الدولة اليهودية.
وقال "جايجير": إن تأثير "البابا" على إدراك اليهود كان قد اتضح في استطلاع رأي أجري عام 2000 حيث أظهر أن غالبية "الإسرائيليين" يعتقدون أنه كان مرشحهم المفضل.
وزعم المسؤول الكاثوليكي بالفاتيكان أنه: "بعد أيام قليلة من ظهوره على شاشات التلفزيون "الإسرائيلي"، استطاع هذا الكاهن -المعين من قبل السيد المسيح - تحويل أنظار غالبية الشعوب الإسرائيلية نحو الكنيسة وزعمائها " - حسب تعبيره -
وعلى الصعيد ذاته قال "جايجير": إن يوحنا بولس - في الواقع - قدم الجمهور "الإسرائيلي" إلى مفهوم جديد من الإيمان.
ووصف "جايجير" تأثير بولس على اليهود بقوله: إن الأغلبية العلمانية "الإسرائيلية" رأت في بولس شيئًا جديدًا، فهو زعيم ديني لم يكن يعظ بالقومية أو التطرف أو الخوف، بل بالعدالة والمساواة.
وحسب وكالة آسيا نيوز قال "جايجير": إن بولس أسس علاقات جيدة للكنيسة مع الشعب اليهودي حيث وقع المعاهدات مع دولة "إسرائيل"، وبوفاة يوحنا بولس؛ يكون قد بدأ عملاً عظيماً ما زال بحاجة إلى من يكمله.
وكان يوحنا ومسؤولو الفاتيكان قد ساعدوا في التغلب على "معاداة السامية" في مناطق نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية [32].
بدأت أولى خطوات بولس نحو التعاون المشترك مع اليهود بتأكد تأييده لتبرئتهم من القتل المزعوم للمسيح - عليه السلام - خلال لقاءاته بمؤسسي الدولة الصهيونية وإنشاء مكتب للفاتيكان داخل الكيان الصهيوني.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن زعماء الصهاينة يكلفونه بأدوار تخدم مصالحهم، ويتضح ذلك من لقائه بثمانية عشر قياديًا من الرابطة اليهودية التي تطلق على نفسها "ضد التشهير", وهي إحدى أبرز المنظمات الأمريكية المتخصصة فيما يسمى بـ "مكافحة معاداة السامية".
وقد طلب "إبراهام فوكسمان" رئيس الرابطة وأحد قادة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة من يوحنا ومسؤولي الفاتيكان المساعدة في التغلب على "معاداة السامية" في مناطق نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
وفي هذا الإطار أعرب الرئيس الصهيوني "موشية كاتساف" عن أسفه العميق لوفاة "بولس" وقال في برقية عزائه: "إن الشعب اليهودي سيتذكر يوحنا بولس الثاني الذي ساهم في تغيير أفكار المسيحيين تجاه اليهود بعد فترة من الكراهية من أتباع الكنيسة الكاثوليكية لليهود".
ثالثاً: أبرأ اليهود من دم المسيح عليه السلام:
يشار إلى أن الفاتيكان كان قد برأ اليهود من القتل المزعوم للمسيح منهيًا بذلك قرونًا من الكراهية من أتباع الكنيسة الكاثوليكية واليهود.
رابعاً: سعيه الحثيث لتوحيد الكنائس العالمية تحت قيادة كنيسته، حتى بات ذلك يمثل القضية الثانية على قائمة اهتماماته بعد التنصير:
وكانت القضية الثانية في حياته هي توحيد الطوائف النصرانية تحت زعامة كنيسته، وينضم إلى ذلك دعوته إلى ما يعرف بـ "الحوار بين الأديان" والتي كانت دأبه وديدنه، وكان يرسل نوابه لعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات لتلك "الحوارات" في أماكن متفرقة من العالم "لاسيما العالم المسلم".
ولا يخلو الأمر من محاولاته المتعددة تحسين الصورة المشوهة التي حاقت بكنيسته وكرادلته بعد تفشي الفضائح الأخلاقية بين القساوسة، فضلاً عن الاعتداءات التاريخية للكاثوليك ضد الأرثوذكس والطوائف الشرقية، ولن نتحدث عن الحملات الصليبية التي تعد علامة سوداء بارزة من تاريخ مرير للكنيسة الكاثوليكية الرومانية والتي أعلن عنها جورج بوش في خطابه الشهير عند سقوط بغداد وسماها حرب الصليب...
قضى "بولس الثاني" عمره لاهثًا وراء حلم توحيد جميع كنائس العالم تحت الكنيسة "الأم" بالفاتيكان – حسب تعبيره - وبذل الاعتذارات المتعددة على الفظائع التي ارتكبها أجداده في حق تلك الكنائس، ورغم ذلك فقد رفض الأرثوذكس مجددًا قيادة "كنيسة روما".
وبسبب قيام الكاثوليك بأعمال تنصيرية بين الأرثوذكس في أوكرانيا ومناطق رعايا الكنيسة الأرثوذكسية رفض رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك "أليكسي الثاني" زيارة "يوحنا" لروسيا.
وانتقد أليكسي الثاني الفاتيكان مرات عديدة للعداء التاريخي بينهما بعد أن اقتحم الكاثوليك الموالين للفاتيكان الكنائس الأرثوذكسية في العديد من المدن الروسية عقب سقوط الشيوعية؛ فنهبوها وتركوها خرابًا...(7/71)
وبذل "البابا" الأموال الطائلة من أجل استرضاء الأرثوذكس سواء في روسيا أو في مصر واليونان، وقد اشترط شنودة الثالث للغفران للكاثوليك الاشتراك في الإيمان الكامل أولاً قبل الحديث عن العمل تحت راية واحدة الأمر الذي جعل رأسي الكنيسة العالميين "بولس" و "شنودة" في نزاع شبه دائم ظهر بعضه وخفي أكثره.
خامساً: تحذيره الملح وتوعده بالجحيم لمن يترك التبشير – التنصير -:
شهدت الحركة التنصيرية في عهد يوحنا بولس توسعًا غير مسبوق، فهو لم يفتأ يرسل منصري الكنيسة الكاثوليكية الرومانية إلى مناطق متفرقة حول العالم لاسيما إلى أفريقيا وآسيا وشرق أوروبا.
وقد عقد مجمع "تبشير الشعوب" الذي أسسه بولس التابع للفاتيكان لقاء ضم رؤساء الأساقفة الأمريكيين مع أساقفة أفريقيا الكاثوليك حول أهمية التجديد في وسائل التنصير، وحينئذٍ أعلن "البابا" - في إطار ترهيبه من ترك النصارى "للتبشير"-: (إن التبشير لازم وحتمي على كل مسيحي، والويل والجحيم لمن لم يبشر، ولا بد أن تشكل كلمات "بولس الرسول" شعارًا لكل منهم، فلا تفتخروا أعزائي الأساقفة بأعمالكم "التبشيرية" إذا "بشرتم" فإنه ليس مجالاً للفخر).
وقد عقد "بولس" عشرات المؤتمرات من أجل "إحياء" التنصير في أفريقيا وشرق أوروبا مستفيدًا بالميزانيات الأمريكية والأوربية الضخمة الخاصة بالحملات التنصيرية.
سادساً: نشاطه في الحرب على "الإرهاب" وتفعيل فكرة "حوار الأديان":
التقى الزعيم السابق للكنيسة الكاثوليكية خلال الأعوام الستة والعشرين الماضية بنحو 737 رئيس دولة من رؤساء دول العالم و 245 مقابلة مع رؤساء وزراء الدول، وقد تركزت حواراته مع هؤلاء الرؤساء في السنوات الأخيرة حول ما يعرف بالحرب على "الإرهاب".
فعندما قابل رئيس الحكومة الأسبانية "ثاباتيرو" بالفاتيكان مع وفد من الأساقفة الأسبان أعلن على مسامعهم: "أكرر ما قلته لكم سابقًا من ضرورة تعاونكم مع الفاتيكان من أجل خدمة قضية السلام وحرب الإرهاب وتنمية الحوار بين الأديان".
وعلى سبيل المثال تباحث بولس مع الرئيس اليمني "علي عبد الله صالح" حول أهمية وضرورة مكافحة "الإرهاب"، بل ووجه حديثه إلى اليمنيين قائلاً: ("إنني أحث جميع الرجال والنساء في منطقتكم على محاربة "الإرهاب" والعمل من أجل "السلام").
ثم انتقل بولس في حديثه للرئيس اليمني إلى مسألة حوار الأديان حيث قال: (إن العمل من أجل السلام لا يتأتى إلا بعد استقرار "التسامح" في القلوب؛ لذا فعليكم أن تحتضنوا لقاءات للحوار بين الأديان والشعوب في مناطقكم لا سيما الجزيرة العربية).
سابعاً: لقاؤه بعلاوي والمطالبة بحماية نصارى العراق:
عندما التقى "بولس" رئيس الحكومة العراقية المعين إياد علاوي وزوجته في الفاتيكان حثه على إشراك نصارى العراق في "إرساء دعائم الديموقراطية" – على حد وصفه- وشدد على حتمية توفير الحرية الدينية للمسيحيين.
وعن الشأن العراقي أشاد يوحنا بأعمال مجمع الكنائس الشرقية "الإغاثية" بالعراق وفلسطين والتي تتضمن مساعدة الهيئات الكنسية هناك، كما تشمل "التبشير بالإنجيل" في الشرق الأوسط.
وهذا يكشف أن استنكاره الهزيل غزو العراق هو من قبيل المناورة السياسية، والحيل الدعائية، وللإستهلاك الإعلامي.
ثامناً: دوره في خدمة المصالح الأمريكية والغربية:
وفي هذا الشأن أماطت مصادر أمريكية مقربة من الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان اللثام عن دور يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان في "الحرب الباردة" وفي إسقاط الاتحاد السوفيتي.
وأدلى إدوارد راوني - مستشار الرئيس ريجان بشأن محادثات الأسلحة النووية - بتصريحات نشرتها وكالة الأنباء الكاثوليكية الأمريكية مفادها أن "بولس الثاني" شارك "ريجان" عن كثب فيما عرف تاريخيًا بالحرب الباردة التي أسقطت الاتحاد السوفيتي السابق، ويؤكد "راوني" على أن البابا قدم كل ما يستطيع لإسقاط المطرقة والمنجل سواء من ناحية تقديم المعلومات أو تحريك عناصره داخل الجمهوريات السوفيتية.
تاسعاً: حزنه وشجونه على النصرانية أن لا تحكم أوروبا:
لم يُخفِ "يوحنا بولس الثاني" شجونه حين أطاحت أوروبا بحلمه باعتماد القيم النصرانية كدستور للاتحاد الأوربي على الرغم من تأييد بعض الدول مثل إيطاليا وبولندا وأيرلندا.
وظل "بولس" يحذر من سيطرة العلمانية على أوربا الموحدة حيث كتب رسالة إلى كنيسة بولندا وأساقفتها يحثهم فيها على الوقوف ضد الأصوات الداعية إلى سيطرة العلمانية على القارة الأوربية، محذرًا من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي مذكرًا بدورها التاريخي في نشر الإسلام في القارة، ومذكرًا بضرورة تنصير شرق أوروبا كي تتنفس القارة برئتين - حسب وصفه -
عاشراً: عصر بولس عصر فضائح القساوسة:
عندما تفجرت الفضائح الخلقية الشاذة لأساقفة الكاثوليك في أمريكا اعتذر "البابا" لأُسر الأطفال الذين اعتُدِي عليهم من قبل القساوسة، ولم تمض أسابيع حتى تفجرت الفضائح من جديد؛ فلم يُطِق "البابا" الاعتذار لمئات المنتهَكين داخل الكنائس من "رجال الدين".(7/72)
ويكفي القارئ أن يعلم أن نحو 65 أبرشية تابعة أمريكية أشهرت إفلاسها نظرًا للأزمة المالية الحادة التي تمر بها نتيجة دفعها تعويضات كبيرة لضحايا اعتداءات القساوسة، من بينها أسقفية "بوسطن" التي تعد هي الأكثر غُرمًا من بين الأسقفيات الكاثوليكية في الولايات المتحدة حيث اضطرت لدفع مبلغ 85 مليون دولار لما يزيد عن 550 ضحية اعتداء جنسي وشذوذ قام بها القساوسة! [33].
حادي عشر: آخر أعماله... اهتمامه بالتنصير في الدول العربية!:
وقد كان البابا يوحنا واضحًا حين أعلن عن رغبته فى توسيع دائرة التنصير في الشرق الأوسط واتخذ في سبيل ذلك خطوات على المستويات المختلفة وصارت تحمل لقب "تاريخية"، بمعنى أنها حدثت للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يمتد إلى قرابة ألفي سنة.
فالبابا يوحنا كان أول بابا على الإطلاق يدخل مسجدًا حين زار المسجد الأموي في دمشق في مايو من عام 2001. وهو أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية في التاريخ يزور مصر، التي تضم أكبر مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط من حيث العدد، وإن كانت أقلية ضئيلة للغاية فيه تدين بالولاء لكنيسة روما.
وفي عهده أقيمت علاقات دبلوماسية قوية جدًا بين إسرائيل والفاتيكان عام 1994، بعد أن كان – أيضًا - أول بابا يلتقي مباشرة بالحاخام الأكبر في إسرائيل قبل ذلك بسنة على ملأ من الصحافة والإعلام العالميين، وأول بابا يزور معبدًا يهوديًا، عام 1986, كما يعلم اهتمام البابا بالعملية الإرسالية التنصيرية في العراق, وبكلمته المشهورة بعد سقوط بغداد أن الأجواء في العراق مهيأة للتنصير كأفضل ما يكون... كما قام البابا يوحنا قبيل تدهور حالته الصحية بتعيين نائب جديد له على شبه الجزيرة العربية، كرئيس لما يسمى ب"إدارة شؤون النيابة الرسولية" والتي تشمل البحرين والسعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان واليمن.
وكان بولس قد قبل صباح يوم الاثنين 21/3/2005 استقالة المطران "جوفاني بيرناردو جريمولي" الذي كان يشغل هذا المنصب وعين مكانه المطران "بول هيندر" الذي كان أسقفًا لمنطقة شبه الجزيرة العربية.
وقالت الإذاعة السويسرية: إن بول هيندر حاصل على دكتوراه في القانون الكنسي.
وتم إنشاء ما يسمى بـ "إدارة شؤون النيابة الرسولية" في شبه الجزيرة العربية - التي تتخذ من العاصمة الإماراتية "أبو ظبي" مقرًا لها - في 28 من يونيو من عام 1889، ويعتبرها الفاتيكان إحدى المقاطعات الكنسية الأكثر أهمية وامتدادًا في العالم، ويعمل فيها نحو: 40 كاهنًاً، و70 راهبة [34].
هذا هو بابا الفاتيكان مجرداً من هالات الإعلام وأغلفة السياسة ومجاملات المعزين.
ثُمَّ بقيت ملاحظة تعَجُبٍ لا بد فيها من المعاتبة:
ذلك أننا - من أسف - لم نر، ولم نسمع، ولم نقرأ مثل هذا العزاء والتأبين لرموز منا - نحن الإسلاميين - فقدتهم الأمة، ممن يخالف نهج الشيخ وكثيراً من آرائه وفتاواه، بدءاً بالدكتور علاء محيي الدين - المتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية بمصر، وكان رجلاً إعلامياً لا دور له فيما كان من أحداث - ومروراً بالعلامة حمود العقلا، وليس انتهاء بالقائد خطاب وخلفه أبي الوليد، وغير هؤلاء كثير، رحمهم الله جميعاً برحمته، وإن لم يترحم عليهم المترحمون على البابا.
وكتب؛ محمد مختار مصطفى المقرئ
________________
[1] "إعلام الموقعين" لابن قيم الجوزية: (86/1) ط: دار الجيل - بيروت 1973م.
[2] صحيح مسلم - كتاب الجنائز - باب ما يقال عند المريض والميت - ح: (923).
[3] "جامع البيان": (7/50) ط أولى - 1421هـ / 2001م.
[4] فتح - كتاب التفسير - (16) باب (ما كان للنبي..) ح/4679، ومسلم شرح النووي: (1/294) - كتاب الإيمان - (9) باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت: (ح/39).
[5] "مسلم بشرح النووي": (1/297) ط ثانية - مؤسسة قرطبة 1414هـ / 1994م.
[6] "فتح الباري": (8/367 - 377) ط ثالثة - دار الفكر - 1407هـ.
[7] "التحرير والتنوير": (11/44) ط دار سحنون بتونس - بدون رقم وبدون تاريخ.
[8] الجامع لأحكام القرآن": (4/586 - 590) ط: دار الحديث - القاهرة - 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
[9] "جامع البيان": (7/65) ط أولى - 1421هـ / 2001م.
[10] "تفسير القرآن العظيم": (2/296) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[11] "التحرير والتنوير": (11/44) ط دار سحنون بتونس - بدون رقم وبدون تاريخ.
[12] الجامع لأحكام القرآن": (5/16 - 18) ط: دار الحديث - القاهرة - 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
[13] "زاد المسير": (4/84) ط رابعة - 1407هـ / 1987م.
[14] "تفسير القرآن العظيم": (2/440) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[15] "زاد المسير": (4/84) ط رابعة – 1407 هـ / 1987م.(7/73)
[16] هذه الآية قيدها وفسرها آية "الإسراء": {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} [الإسراء: 18] إلى قوله: {محظورا} [الإسراء: 20] قال القرطبي: (فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد والله سبحانه يحكم ما يريد , وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {من كان يريد الحياة الدنيا} أنها منسوخة بقوله: {من كان يريد العاجلة} [الإسراء: 18]. والصحيح ما ذكرناه؛ وأنه من باب الإطلاق والتقييد؛ ومثله قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186] فهذا ظاهره خبر عن إجابة كل داع دائما على كل حال , وليس كذلك؛ لقوله تعالى: {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} [الأنعام: 41] والنسخ في الأخبار لا يجوز; لاستحالة تبدل الواجبات العقلية , ولاستحالة الكذب على الله تعالى فأما الأخبار عن الأحكام الشرعية فيجوز نسخها على خلاف فيه , على ما هو مذكور في الأصول؛ ويأتي في "النحل" بيانه إن شاء الله تعالى). وانظر "الجامع لأحكام القرآن": (5/16 - 18) ط: دار الحديث - القاهرة - 1423 هـ / 2002م. بدون رقم.
[17] "مسلم بشرح النووي": (3/107) - كتاب الإيمان - (92) باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل: (ح/365).
[18] "مسلم بشرح النووي": (3/108).
[19] "تفسير القرآن العظيم": (2/156) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[20] الجامع لأحكام القرآن": (4/34) ط: دار الحديث - القاهرة - 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
[21] "تفسير القرآن العظيم": (4/62) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[22] "تفسير القرآن العظيم": (3/315) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[23] "تفسير القرآن العظيم": (2/248) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[24] "التحرير والتنوير": (9/107، 108) ط دار سحنون بتونس - بدون رقم وبدون تاريخ.
[25] "تفسير القرآن العظيم": (2/315) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[26] "التحرير والتنوير": (12/22 - 23) ط دار سحنون بتونس - بدون رقم وبدون تاريخ.
[27] قال أهل اللغة: حاطه يحوطه حوطاً وحياطة إذا صانه وحفظه وذب عنه وتوفر على مصالحه.
[28] الضحضاح فارق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، واستعير في النار.
[29] "مسلم بشرح النووي": (3/104) - كتاب الإيمان - (90) باب شفاعة النبي ص لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه: (ح/357).
[30] "مسلم بشرح النووي": (3/108).
[31] "مفكرة الإسلام": الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.
[32] "مفكرة الإسلام": الثلاثاء 25 صفر 1426ه الموافق: 5/4/2005م.
[33] الفقرات من 2 - 10 منقولة عن مقال كتبه للمفكرة نجاح شوشة: الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.
[34] عن تقرير نقلته المفكرة: الأحد 23 صفر 1426ه الموافق: 3/4/2005م.
===================
المداراة لا المداهنة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فإنَّ من أقوى الأسباب والوسائل التي تساعدُ على تأصيل المفاهيم وإيضاحها، هو التحديد والتحرير، للمصطلحات التي تستخدم وتطلق على مفهومٍ معين، أو موقف محدد، كما أنَّ تحديد الألفاظ والمواضع يساعدُ أيضًا على الفصل في الأمور، وعدم اختلاط بعضها ببعض.
وإنَّ من المصطلحات التي تحتاجُ إلى إيضاحٍ وتحديدٍ وتحرير، هو هذا الموضوع الذي نحن بصدده، ألا وهو تحديد مفهوم المداراة، والمداهنة، والفرق بينهما، وما ينشأ عن كلٍ منهما من مواقف.
ولقد اخترتُ هذا الموضوع وذلك لخطورةِ الخلط بين هذين الأمرين، وما ينشأُ عن ذلك من مواقف عمليةٍ خاطئة، خاصة في هذا العصر الذي من سماته التناقض والاضطراب، وفي مثل هذه الأجواءِ يتعرض المسلم لكثيرٍ من المواقف، التي تفرضُ عليه المداراة، وقد يقع في المداهنةِ وهو يحسبِ أنها مداراة.
وقد يحصلُ العكس في هذه القضية، حيثُ يوجدُ من يرفض أي أسلوبٍ للمداراة، والتي قد تكون واجبةً في بعض المواقف، ظانًّا أنها مداهنة، ومعلومٌ ما ينشأ من هذا الخلط من مفاسد أو تفويت مصالح.
من أجل ذلك كله وقع الاختيار على هذا الموضوع.
أسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما فيه، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يؤتنا الحكمة بفضله ورحمته، (( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً )) .
تعريف المداراة :
بوَّب البخاري- رحمه الله تعالى- في المداراة بابًا كاملاً، في كتاب الأدب وأسماهُ ( باب المداراة مع الناس ).
وذكر الحافظ ابن حجرٍ- رحمه الله تعالى- : (( أنَّ أصلها الهمز لأنَّهُ من المدافعةِ والمراد به الدفع برفق )) [1] .
وذكر صاحبُ القاموس المحيط، في معنى درأه : أي جعلهُ درءًا، ودرأه أي دفعه وتدا رأوا: أي تدافعوا في الخصومة.
أما المداهنة:
فقد ذكر الحافظُ ابن حجر- رحمه الله تعالى- أنَّ المداهنة من الدهانِ، وهو الذي يظهرُ على الشيءِ ويسترُ باطنه ) [2].
وذكرَ صاحب القاموس المحيط : أنَّها إظهار خلاف ما يضمر.
وبهذا التعريف يتبينُ خطرَ المداهنة، وما تُؤدي إلى ضياعِ الدين كله أو بعضه، وأنَّ في المداراةِ مندوحة عن المداهنة.(7/74)
وأزيد هذا الأمر إيضاحًا ببعض الآيات من كتاب الله عز وجل، وبعض الأحاديثِ التي حذرت من المداهنة، وأذنت في المداراةِ مع ذكرِ أقوالِ المفسرين والمحدثين حولها.
الأدلة الناهية عن المداهنة
يقول الله عز وجل: (( فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ )) ( القلم:8، 9 ) .
ولعلماء التفسير أقوالٌ مختلفة في معنى المداهنة، يجمعها معنى واحد كما سيتضحُ ذلك من عرضِ أقوالهم، وأنَّ الاختلاف هُنا اختلافُ تنوعٍ لا اختلاف تضاد.
نقل القرطبي- رحمه الله- في تفسيره عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وعطية والضحاك والسد ي في قوله تعالى : (( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ )) ، ودُّوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم.
وعن ابن عباس أيضًا: ودُّوا لو ترخص لهم فيرخصون لك.
وقال الفراء والكلبي: لو تلين لهم فيلينون لك.
والإدهان : التلين لمن لا ينبغي له التليين، قاله الفراء .
وقال مجاهد : المعنى ودُّوا لو ركنت إليهم، وتركت الحق فيمالئونك، إلى أن قال. وقال الحسن: (( ودُّوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونكَ في دينهم... إلخ.
ثم قال القرطبي قلت : كُلَّها إن شاءَ الله صحيحة على مقتضى اللغةِ والمعنى، فإنَّ الإدهان : اللينُ والمصانعة، وقيل مُجاملة العدو ممايلته ) [3] أهـ.
ويعلق سيد قطب- رحمه الله تعالى- حول هذه الآية فيقول: ((... فهو المساومة إذن، والاعتقاد في منتصفِ الطريق، كما يفعلون في التجارة، وفرقٌ بين الاعتقادِ والتجارة كبير، فصاحبُ العقيدة لا يتخلى عن شيءٍ منها، لأنَّ الصغير منها كالكبير، بل ليس في العقيدة صغير وكبير، إنَّها حقيقةٌ واحدةٌ متكاملة الأجزاء، لا يطيعُ فيها صحابها أحدًا، ولا يتخلى عن شيءٍ أبدًا، وما كان يمكنُ أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصفِ الطريق، ولا أن يلتقيا في أي طريق )) [4] .
يقول الله عز وجل: (( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)) (الإنسان:24) ، ويقول الله عز وجل : (( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً )) (الإسراء:75.)
من الآيات السابقةِ يتبينُ أنَّ المداهنةَ مُحرمةٌ بجميع صورها، لأنَّ محصلةَ أعمال المداهنة هو النقص في الدين والنيل منه.
والحاصلُ أنَّ أيِّ عملٍ تتعارضُ فيه المصالح والمفاسد، فإنَّ ما كان محصلتهُ ثلم الدين أو أهله فإنَّه محرمٌ ولا يجوزُ الإقدامُ عليه، بل تجبُ فيه المداراة.
وما كان محصلتهُ الإبقاء على الدين والمحافظةِ عليه، فإنَّهُ جائزٌ فعله، بل واجبٌ في بعض الأحيان، كما توضحُ ذلك الأدلة التالية:
1- يقول الله عز وجل : (( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ )) (الأنعام: 108 ) .
ففي هذه الآية الكريمة نهيٌ للمؤمنين من أن يسبُّوا المشركين وآلهتهم، ومعلومٌ جوازُ سبِ آلهة المشركين استقلالاً، ولكن لمَّا كان يترتبُ على ذلك سبٌّ الله عز وجل وتعالى علوًّا كبيرًا، لذلك نهي المؤمنون عن هذا العمل، وذلك من بابِ المداراة، والتي محصلتها المحافظة على الدين ولو في المآل.
والأدلةُ على جوازِ المداراة أو استحبابها أو وجوبها أحيانًا ما يلي:
2- يقول الله عز وجل في وصف المؤمنين من أهل الكتاب، ويمدحهم بذلك قوله تعالى : (( وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ )) (القصص: 54) .
ذكر القرطبي في قوله تعالى : (( وَيَدْرَأُونَ )) أي ( يدفعون، درأتُ إذا دفعتُ، والدرءُ الدفع. وفي الحديث (( أدرءوا الحدود بالشبهات )) [5]. قيل : يدفعون بالاحتمالِ والكلامِ الحسن الأذى . وقيل : يدفعون بالتوبة والاستغفار الذنوب.
وعلى الأولِ فهو وصفٌ لمكارمِ الأخلاق، أي من قالَ لهم سُوءًا لا ينوه وقابلوه من القول الحسن بما يدفعه، وهي في صدر الإسلام، وهي مما نسختُها آيةُ السيف، وبقي حُكمها فيما دُون الكُفرِ، تتعاطاهُ أمةُ محمدٍ ? إلى يوم القيامة.
ومنه قوله- عليه الصلاة والسلام- لمعاذ ? : (( وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن )) [6] ، ومن الخلق الحسن دفعُ المكروهِ والأذى، والصبر على الجفا، بالإعراض عنهُ ولين الحديث) [7] أ هـ.
والدليل من السنة: ما بوَّبَ له البخاري بقوله »باب المداراة مع الناس« حيث قال:
- ويذكرُ عن أبي الدرداء : (( إنا لنُكشرُ في وجوهِ أقوامٍ وإن قلوبنا لتلعنهم )).
- وعن عائشة- رضي الله عنها- أنه استأذن على النبي ? رجل فقال: (( ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ـ أو بئس أخو العشيرة )) فلما دخل ألانَ له الكلام، فقلت له : يا رسول الله قلتَ ما قلت ثمَّ ألنت له في القول ؛ فقال : (( أي عائشة : إنَّ شرَّ الناسِ منزلةً عند الله من تركه - أو ودَعه - الناس اتقاء فحشه )) [8] .(7/75)
وعلق الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى- على هذين الحديثين بقوله ( مختصرًا ).
( قال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفضُ الجناحِ للناسِ، ولينُ الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة.
وظن بعضهم أنَّ المداراة هي المداهنة فغلط، لأنَّ المداراة مندوبٌ إليها والمداهنة محرمة، والفرقُ: أنَّ المداهنة من الدهان، وهو الذي يظهرُ على الشيءِ ويستر باطنه.
وفسرها العلماء بأنها مُعاشرةُ الفاسقِ، وإظهارُ الرضا بما هو فيه، من غير إنكارٍ عليه.
والمداراةُ هي الرفقُ بالجاهل في التعلم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطفِ القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك )[9] .
وعلقَ على حديث عائشة- رضي الله عنها- في باب »لم يكن النبي ? فاحشًا ولا متفحشًا«.
وقال القرطبي : في الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق، أو الفحش، ونحو ذلك من الجور في الحكم، والدعاء إلى البدعة، مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم، مالم يؤدِّ ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى.
ثم قال تبعًا لعياض : والفرق بين المداراةِ والمداهنةِ: أنَّ المداراةَ بذلُ الدنيا لصلاحِ الدنيا، أو الدينِ أو هما معًا، وهي مُباحةٌ وربما استحبت؛ والمداهنةُ ترك الدين لصلاح الدنيا،. أهـ[10].
ومزيدًا للفائدة حول هذا الموضوع، ننقل مقتطفات مما ذكره الإمام أبو حاتم البستي في كتابه، روضة العقلاءِ ونزهة الفضلاء في »ذكر استعمال لزوم المداراة وترك المداهنة مع الناس«، حيثُ قال : أنبأنا محمد ابن قتيبة اللخمي بعسقلان، وعمر بن سعيد بن سنان الطائي بمنبج ـ قالا : حدثنا ابن واضحٍ، حدثنا يوسف بن أسباط، حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال : قال رسول الله ? : ((مداراة الناس صدقة )) .
قال أبو حاتم : الواجبُ على العاقلِ أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة، من غير مفارقة.
إذ المداراةُ من المداري صدقة له، والمداهنةُ من المداهنِ تكونُ خطيئة عليه.
وقال : الواجبُ على العاقلِ أن يُداري الناس مداراة الرجل السابح في الماءِ الجاري، ومن ذهب إلى عشرةِ الناس من حيث هو كَدَّر على نفسه عيشه، ولم تصفِ له مودته، لأنَّ وداد الناس لا يُستجلبُ إلاَّ بمساعدتهم على ما هُم عليه، إلاَّ أن يكون مأثمًا، فإذا كانت حالةُ معصيةٍ فلا سمع ولا طاعة.
وروى بسنده عن المدائني قال: قال معاوية ? : (( لو أن بيني وبين الناس شعرةً ما تقطعت ))؛ قيل : وكيف ؟ قال : (( لأنهم إن مدوها خليتها وإن خلَّو مددتها )).
وكذلك روى بإسنادهِ أن أبا الدرداء ? قال لأم الدرداء : (( إذا غضبتُ فرضيني، وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق ))[11] أهـ.
ويقول الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى- في الفرق بين المداراة والمداهنة، وخطورة الخلط بينهما : (( وكذلك المداراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذم، والفرق بينهما : أنَّ المداري يتلطفُ بصاحبه حتى يستخرج منه الحق، أو يرده عن الباطل، والمداهنُ يتلطفُ به ليقره على الباطل، ويتركه على هواه، فالمداراةُ لأهل الإيمان، والمداهنةُ لأهل النفاق، وقد ضُرب لذلك مَثَلٌ مُطابق، وهو حالُ رجلٍ به قرحة قد آلمته، فجاءهُ الطبيب المداوي الرفيق، فتعرف عليه، ثم أخذ في تليينها حتى إذا نضجت، أخذ في بطها برفقٍ وسهولة، حتى أخرج ما فيها، ثم وضع على مكانها من الدواءِ والمراهم ما يمنعُ فساده، ويقطعُ مادته، ثم تابع عليها بالمراهم التي تنبت اللحم، ثم يذرُ عليها بعد نبات اللحم ما يُنشفُ رُطوبتها، ثم يَشُدُّ عليها الرباط، ولم يزل يُتابعُ ذلك حتى صلحت.
والمداهنُ قال لصاحبها : لا بأسَ عليك منها، وهذه لا شيءَ فاسترها عن العيوب([12]) بخرقة، ثم ألهاهُ عنها، فلا تزالُ مادتها تقوى وتستحكمُ حتى عظُمَ فسادها[13]. أهـ.
من هذا البيان الشافي يتبين لنا حقيقة المداراة والمداهنة، وأنهما ضدانِ لا يجتمعان؛ إذ أن المداراةِ صفةُ مدح، وهي لأهلِ الإيمان، بينما المداهنةُ صفةُ ذمٍ، وهي لأهلِ النفاق.
الخلاصة :
مما سبق يتبينُ لنا ذلك الفرق الواضح بين المداهنة والمداراة، وأنَّهُ لا يجوزُ لنا بحالٍ من الأحوال أن نخلطَ بين هذين المفهومين حتى لا نثلمَ ديننا بحجةِ المداراة، أو أن نُقدم على أمورٍ يعقبها مفاسد على هذا الدين، خوفًا من أنَّ إحجامنا عنها يوقُعنا في المداهنة، وما أجمل التفريق السابق الذي نُقل عن الحافظ ابن حجر في كتاب الفتح، وذلك في
كتاب الأدب، في باب مداراة الناس- حيث أجدني مضطرًا لإعادتهِ مع بعض التصرف.
فالمداهنة : أن يتنازلَ المرءُ عن شيءٍ من دينهِ ليحافظ بذلك على دنياهُ أو عرضه.
والمداراة : أن يتنازلَ المرءُ عن شيءٍ من دنياهُ أو عرضه، ليحافظ بذلك على دينهِ أو دنياه، أو هما معًا.(7/76)
وأخيرًا : نستطيع القول بأنَّ حقيقة المُداراة أو المداهنة مبنيٌ على قاعدةٍ شرعيةٍ عظيمة، ألا وهي »قاعدة سد الذرائع«، فما كان ذريعةً لثلمِ الدين أو أهله بصفةٍ خاصة أو عامة، فهو مداهنة، وما كان ذريعةً لحفظِ الدين وأهله بصفةٍ خاصةٍ أو عامة، فهو مُداراة، ومن أوضحِ الأمثلةِ للمداراةِ تلك القصة المشهورة عن حذافة السهمي ?، حيثُ دَفع القتلُ عن أسارى المسلمين بتقبيلهِ رأس ـ النصراني الكافر ـ ملك الروم.
وختامًا : أنصحُ نفسي وإخواني من الدعاة أفرادًا وجماعات، أن يُولوا هذا الموضوع أهميةً كبيرة، وأن يصنفُ المسلمُ أقوالهُ وأعمالهُ على ضوءِ هذه القاعدة الشرعية العظيمة، حتى لا نقعُ في المداهنة، المعلوم حرمتها، ظناً منا أنها مُداراة أو نُجازفُ في أمورٍ تعودُ بالمفسدةِ على هذا الدين أو أهله، ظنًّا منَّا أنَّ الإحجام عنها مُداهنة فنكونُ
كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنار.
والأمثلةُ في هذين الجانبين المتقابلين كثيرةً وكثيرة، وليس هذا محلُ ذكرها، ولا هو قصدي من هذه المقالة، بل أردتُ الذكرى والتنبيه على ضرورةِ تحديد هذين المفهومين، وإزالةِ ما اشتبك بينهما، حتى يتضحَ كلُّ مفهومٍ عن الآخر، وأنهما شيئانِ متقابلان، ولفظان متغايران لا مترادفان.
أسألُ الله عز وجل أن يبصرنا بديننا، وأن يُلهمنا رُشدنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
[1] فتح الباري: 10 / 545.
[2] فتح الباري: 10 / 545 .
[3] تفسير القرطبي 18 / 230 .
[4] في ظلال القرآن: 6 / 3658 .
[5] ذكره الترمذي بلفظ: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم) (1424).
[6]الترمذي (1987) ، وقال: حديث حسن.
[7] تفسير القرطبي: 13 / 298 .
[8]فتح الباري: 10 / 544 (دار الريان) .
[9] فتح الباري: 10 / 545 (دار الريان).
[10] فتح الباري: 10 / 469 (باختصار) (دار الريان ).
[11] روضة العقلاء: ص70 دار الكتب العلمية.
[12] (العيوب) كذا بالأصل ، ولعل الصواب هو: ( العيون ).
[13] الروح ص: 231.
==================
الولاء والبراء
حامد بن عبد الله العلي
الحمد لله الذي أمر بالإيمان وموالاة المؤمنين، وبالبراءة من الكفر والكافرين، أشهد أن لا إله إلا هو ولي المتقين، قرن التوحيد بأصل الولاء والبراء، فلا يقبل الأول إلا ومعه الثاني.
واشهد أن محمدا صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم عبده ورسوله، القائد الرباني، المبعوث بجمع الناس على المبدأ الإيماني، والبراءة من كفر كل كافر وثني أو مجوسي أو يهودي أو نصراني.
أما بعد: فيا عباد الله، قد عظم الله - تعالى -أصل الولاء والبراء في الدين، أي موالاته ومولاة المؤمنين به، وتكفير ومعاداة الكافرين به وجهادهم، غاية التعظيم، حتى قرنه بالتوحيد الذي هو أصل دين الإسلام.
فأصل دين الإسلام قائم على إفراد الله بالعبادة، وما العبادة سوى توحيد المحبة المقتضي الخضوع بالطاعة، ومحبة الله - تعالى -تتجلى في موافقته بحب ما يحب من الأقوال والأعمال والأعيان والأمكنة والأزمنة..وما سوى ذلك، وموافقته فيما يبغض من الأقوال والأعمال والأعيان وما سوى ذلك.
قال ابن القيم:
ليس العبادة غير توحيد المحبة مع خضوع القلب والأركان
والحب نفس وفاقه فيما يحب وبغض مالا يرتضي بجنان
ووفاقه نفس اتباعك أمره والقصد وجه الله ذي الإحسان
فإذاً معنى الولاء والبراء، أن توالي الله - تعالى -فتوالي أولياءه، وتتبرأ من أعداءه، وتحب ما يحب، وتبغض ما يبغض، وقد صح في الحديث (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) رواه أبو داود من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -.
وقد جاء تقرير هذا الأصل العظيم، أصل الولاء والبراء، على أنحاء:
فأولا: أمر الله - تعالى -المؤمنين أن يوالي بعضهم بعضها:
قال الحق - سبحانه -: ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون)) [سورة المائدة: 55].
ثانيا: نفى الإيمان عمن يوالي أعداء الله:
قال - تعالى -: ((كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قوي عزيز، لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها - رضي الله عنهم - ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون)) [سورة المجادلة: 21-22].
وقد بين الله - تعالى -هنا، أن كل من يرضى بولاية الله ورسوله والمؤمنين فعاقبته الفلاح؛ كما قال أيضا: ((ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون))" [تفسير القرآن العظيم: 2/105].
ثالثا: تبرّأ ممن يوالي الكافرين من دون المؤمنين:
فقال - عز وجل -: ((لا يتخذِ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء)) [سورة آل عمران: 28].(7/77)
قال ابن جرير: "قد برئ من الله وبرئ الله منه؛ لارتداده عن دينه ودخوله في الكفر"، وقال ابن كثير: "نهى- تبارك وتعالى -عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتّخذوهم أولياء يُسِرّون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعّد على ذلك فقال - تعالى -: ((ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ)) أي: ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله كما قال - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تُلقون إليهم بالمودة)) إلى أن قال: ((ومن يفعله منكم فقد ضلَّ سواء السبيل)) [سورة الممتحنة: 1] وقال - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين. أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً))" [تفسير القرآن العظيم: 1/466].
هذا وقد وصف الله - تعالى -الكفار بأنهم: ((لا يرقُبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون))؟! [سورة التوبة: 10]، فكيف يحل لمسلم أن يواليهم إلا إن ينسلخ من إيمانه.
رابعا: حكم على من يتولى الكفار أنه منهم:
وقد حَكَم الله - عز وجل -، بالكفر على من والى الكافرين، وظاهرهم على المسلمين، فقال- تبارك وتعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين)) [سورة المائدة: 51].
قال ابن جرير: "ومن تولاّهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملّتهم؛ فإنه لا يتولى متولٍّ أحداً إلا وهو به ـ وبدينه وما هو عليه ـ راضٍ. وإذا رضيه ورضيَ دينه فقد عادى ما خالفه وسَخَطَه وصار حكمُه حكمَه"، قال - عز وجل -: ((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنّ كثيراً منهم فاسقون)) [سورة المائدة: 80-81].
خامسا: بين أن موالاة الكفار من صفات المنافقين:
قال- تبارك وتعالى -: ((بشّر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليماً. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. أيبتغون عندهم العزة فإنّ العزة لله جميعاً)) [سورة النساء: 138-139] وقال - عز وجل -: ((يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من أهل الكتاب يرُدّوكم بعد إيمانكم كافرين)) [سورة آل عمران: 100]، وهذا من صميم الولاء والبراء يشهد لذلك قوله - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردّوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين. بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)) [سورة آل عمران: 149-150].
سادسا: حذّر المسلمين من أن مقصود الكفار إخراج المسلمين عن دينهم:
هذا ويخطئ من يظن أن الكفار يرضون من المسلمين بالتنازل عن جزء من دينهم، أو إرضاء الكفار باتقاءهم إلى حين، بل قد أوضح- تبارك وتعالى -لعباده المسلمين أنّ الكفار لن يرضوا عنهم حتى يفارقوا دينهم الحق، ثم يكونون عبيدا لمعسكر الكفر، فقال - سبحانه -: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملتهم)) [سورة البقرة: 120]، وقال - عز وجل -: ((ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً)) [سورة النساء: 89]، وقال جلّ جلاله: ((ودّ كثير من أهل الكتاب لو يرُدّونكم من بعد إيمانكم كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيَّن لهم الحقّ)) [سورة البقرة: 109].
سابعا: حذر من اتخاذهم بطانة لانهم لا يألون في إفساد المؤمنين:
وقد حذر الله - تعالى -، من المسارعة إلى ابتغاء رضا الكفار، وخشيتهم، وابتغاء العزة عندهم؛ قال الحق - سبحانه -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتُّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون. ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كلِّه وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ. قل موتوا بغيظكم إنّ الله عليم بذات الصدور)) [سورة آل عمران: 118-119].
ثامنا: بيّن أن الذين يسارعون في موالاة الكفار هم الذين في قلوبهم مرض:
قال - تعالى -(فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين).
فكفى بهذه الآيات ذكرى وموعظة، وكفى بها زاجرا للمؤمنين عن الوقوع فيما ينقض هذا الأصل الإيمانيّ العظيم، أصل الولاء والبراء.
فإياك إياك أخي المسلم، وما يردده الذين في قلوبهم من مرض، من أهل النفاق والزيغ، من الفرح بظهور الكفار في البلاد، وإفسادهم للعباد، وإياك ثم إياك وإعانتهم بأي وجه من وجوه الإعانة، على مقاصدهم ومخططاتهم الخبيثة في بلاد المسلمين، أو الفرح بحكمهم لبلاد الإسلام وظهورهم فيها.
فوالله إن الفرح بذلك، أعظم من الزنى وشرب الخمر، ومن أعانهم ولو بشطر كلمة، فكل ما يترتب على علوهم في الأرض، من الكفر والفساد، وإضلال العباد، فهو شريكهم على قدر ما شاركهم من الآثام.(7/78)
ويظن بعض هؤلاء الذين استحوذ الشيطان على قلوبهم، أن الكفار سيحلون السلام، ويؤمنون الخائف، ويحصل بعلوهم ظهور البركات، واجتماع الخيرات، وذلك كله من تزيين الشيطان لهم (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا).
فمتى كان صلاح حال الأمة على يد أعداءها الذين وصفهم الله - تعالى -في سورة التوبة بعدما أمر بجاهدهم (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
وسبحان الله ألم يقل الله - تعالى -(لايألونكم خبالا ودوا ما عنتم) ألم يقل (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) ألم يقل (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
ألا فإن الناس ممتحنون في إيمانهم، فثبت الله مسلما عرف الحق باتبعه، ووالى الله ورسوله والذين آمنوا الذين وصفهم الله بقوله (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم).
وطوبى لعبد تبرأ من أعداء الله، وعلم الله من قلبه أن ليس فيه فرح بعلو الكفار وظهورهم، بل كان في قلبه من ذلك من البغض ما يتقرب به إلى الله زلفى، هؤلاء الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، نسأل الله - تعالى -أن يجعلني وإياكم منهم.
هذا وأفضل الناس في هذا الشأن، وأعلاهم منزلة، مجاهد يبذل مهجته وماله ليدافع عن الإسلام، ويذود عن حرمات وأعراض المسلمين، نسأل الله - تعالى -أن يجعلنا منهم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، والصلاة والسلام على المصلى عليه في الأرض والسماء، محمد بن عبد الله وعلى آله النجباء، واصحابه الفضلاء.
وبعد:
فقد بينا بنصوص الكتاب العزيز، أن هذا أصل هذا الدين وقاعدته العظمى، التوحيد المقرون بعقيدة الولاء و البراء، ومما قاله علماء الإسلام في هذا الباب:
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا، لله ولا يواد إلا لله، ولا يعادى إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله -: (فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله، والمعاداة في الله، والموالاة في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقانا بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).
قال أبو الوفاء بن عقيل: (إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة).
إننا أيها الاخوة الكرام، عندما نعتز بديننا، ونتميز به، ونصدع بالحق الذي جاء به، ونرفض إفساد حدوده، وإزالة معالمه، واختلاطه بعماية الجاهلية، بمبدأ الولاء والبراء، إنما نحفظ ونصون هذا الهدى، الذي هو علاج البشرية جمعاء من تيهها وضلالها، ونضع أمام العالمين، هدى الله رب العالمين، صافيا نقيا، ليحيى من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، وليهدي الله به من يشاء، ويضل من يشاء، ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
إنها رسالتنا أيتها الأمة، أمانتنا التي حملنا الله إياها، وتركها لنا رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وليس من معنى مبدأ الولاء والبراء ولامقتضاه، أن نسفك الدم بغير حق، أو نهريق دماء الأبرياء، أو نهلك الحرث والنسل، أو نسعى في الأرض فسادا،، بل نسير في الحرب مع الكافرين، وسلمهم، ومعاملتهم وهجرهم، على وفق شريعة الله - تعالى -، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
وليس على أساس قوانين الأمم المتحدة الطاغوتية، ولا قرارات مجلس الأمة الذي يهيمن عليه دول كبرى مستكبرة فرعونية، بل نتبع في ذلك شريعة ربنا، وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
غير مضيعين عهد الله علينا: بأن لا نجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، وأن نكون نحن الأعلون دائما (ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، معتزين بديننا، وشريعة ربنا، شامخين بذلك بين الأمم، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، نجاهد في سبيل الله ولا نخاف لومة لائم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع علم الجهاد وانصر المجاهدين، واخذل أعداء الدين، ورد كيدهم في نحورهم يا رب العالمين.
اللهم آتتا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، نسأل اللهم العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة، وأن لا تجعل مصيبنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وانصرنا على القوم الكافرين.
http://www.h-alali.net المصدر:
=====================(7/79)
ما هي هويتنا نحن المسلمين؟!
[الكاتب: بشر بن فهد البشر]
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد...
الانتماء الذي نريدُ أن نتحدث عنه هو الانتماء إلى هويةٍ واضحةٍ ثابتة، هوية مستقلة متميِّزة؛ فهو الذي يُعطي الأمم الوصف الذي تستحق به أن تكون أمماً، وهو القاعدة الأساسية لبناء الأمم، لأنَّ الهوية التي تنتمي إليها أي أمة هي تميزها عن غيرها.
فما هي هويتنا نحن المسلمون؟ ولمن يكون انتماؤنا؟ وإلى من ننتسب؟ ولأي شيءٍ نتعصب؟ وعلى أيِّ شيءٍ نوالي ونعادي؟
في العصور الأخيرة، وبالتحديد في القرن الهجري الماضي، حصل للأمة المسلمة ما يمكنُ أن نسميهِ أو نطلق عليه ب "أزمة الهوية"، أزمة تحقيق الانتماء، فحصل فيها ولها من التخبط والتنقل على موائد الشرق والغرب، ما أضاع الأمة وأفقدها استقلالها وتميزها وشخصيتها، وإلى هذا اليوم لا تزال الأمةُ تعيشُ هذه الأزمة, أزمة الهوية، أزمة الانتماء، إما في ضياع الهوية ضياعاً كاملاً عند فئةٍ من المستغربين، وإمَّا بالغش والغُبارية وتكدر الرؤية، عن كثير ممن ينتسبُ لهذه الأمة، سواءً كان من عامةِ الشعوب، أو كان ممن ينتمي إلى العمل الإسلامي، أو حتى من الحكومات أو غير ذلك.
لذلك يجبُ أن نحدد هويتنا بدقة، وأن نعرفها بوضوح؛ لنعرف ما هي حقيقتناوأهدافنا، وما هو المنهج الذي يجبُ أن نسير عليه؟
فهل هويتنا هي القومية أم الوطنية؟ أم التبعية للشرق أو الغرب أو لهيئة الأمم؟ أم هويتنا هي السير وفق النظام العالمي الجديد؟
ما هي هويتنا نحن المسلمين؟
إن َّالقومية جاءتنا عن طريق الغرب:
عن طريق أوروبا, ونشرها اليهود في تركيا، فأثاروا النعرة القومية الطورانية؛ ثُمَّ أخذها النصارى المارونيون في لبنان بالتحديد ونشروا القومية العربية، ففرقت بين المسلم من أرض العرب وبين المسلم من البلدان الأخرى، فبدل أن يكون الرقم الذي معنا يتعدى الألف مليون، أصبح لا يتجاوزُ مائة وخمسون مليون.
ثم حصل التفرق والانحطاط، هذه القومية ما أخذت حتى بقيم العرب في الجاهلية، والتي عبر عنها شاعرهم بقوله:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
بل أخذت التحلل والتهتك، والفجور والفساد، ونقلوهُ إلى بلاد العرب بصفةِ التقدم والرقي والحضارة.
هل هويتنا هي الوطنية؟!
إنَّ الأوطان رقعةٌ ضيقة، ما الذي يحدها؟ ما الذي يُبَيِّنُها؟ هل هي المكان الذي قضيتَ فيه حياتك؟ وما تحديد هذا الوطن الذي يجبُ أن يتعصب له الإنسان، وأن يوالي عليه وأن يعادي؟
إنَّ الوطن لا يُحد ولا يوضح، فإذا قيل - مثلاً - إنَّ أهل مصر يجبُ أن يتعصبوا لمصر، فسيختلفُ أهل مصر لأي شيءٍ يتعصبون؛ للصعيد أم للقاهرة؟ وأهل الصعيد سيختلفون لأي شيءٍ يتعصَّبون لأسوان أو لأسيوط؟ إنَّ هذه الهوية لا تحديد لها، وإنَّها تفرقةٌ وضعفٌ وخورٌ في الأمة.
هل ننتمي لهيئةِ الأمم؟
وللشرعيةِ التي يُطنطنون بها، وهي في واقع الأمرِ جاهلية يُسيِّرها اليهود والنصارى، فنحن كما قال جرير:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم …
ولا يستأمرون وهم شهود
أم هل ننتمي للنظام العالمي الجديد؟ الذي نكون عجلةً من عجلاته، ولكن السائق غربي يقود الحافلة، إلى أي شيءٍ ننتمي؟ وما الذي يُميزنا عن غيرنا؟ وما الذي يحدد هوية هذه الأمة؟ ما الذي يجعلنا نجتمع على كلمة سواء؟
إنَّ هويتنا أيُّها - الأخ القارئ -؛ هي هذا الدين الذي أكرمنا الله به وأخرجنا به من الضلالةِ إلى الهدى، ومن العمى إلى البصيرة، هذا الدين هو القاسم المشترك الوحيد الذي تلتقي عنده وحدة الإسلام، هذه الأمة الكبرى من مشرق الأرض إلى مغربها، فلا يجمعها جنسٌ ولا تجمعها لغةٌ ولكن يجمعها دين واحد، هو هذا الدين الذي اتحدت وائتلفت عليه.
لقد كان المسلمُ يخرجُ من أقصى المغرب وينتقل إلى أقصى المشرق وهو يعتبر الجميع بلاده، بل إنَّهُ ينتقلُ من بلدٍ بعيد إلى بلد آخر، فإذا جاء احتفى به أهل البلد وعينوه لهم قاضياًوإماماً.
انظر - مثلاً - إلى ابن خلدون العالم الكبير والمؤرخ، وهو صاحبُ "المقدمة" التي هي من قواعد علم الاجتماع, ولد في بلاد تونس، وفيها نشأ وانتقل إلى بلاد الأندلس، فاستقبلوه استقبالاً حافلاً، وانتقل إلى مصر فعينوه فيها قاضياً.
وهكذا كانت الأمة:
ولستُ أدري سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيانِ
وكل ما ذكر اسمُ الله في بلدٍ عددت أرجاءه من لب أوطانِ
بل إنَّ تاريخ هذه الأمة المسلمة يتعدى الألف وأربع مائة سنة، الماضية إلى أعماق التاريخ, إلى يوم أن أنزل آدم عليه السلام إلى هذه الأرض، منذ أن وجد الإسلام على هذه الأرض وذاك هو تاريخنا.(7/80)
إن َّالأمة المسلمة أمة واحدة من عهد آدم عليه السلام، كما قال الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء: 92]، وقال سبحانه في سورة المؤمنون: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [سورة المؤمنون: 51].
فدين هذه الأمة دين واحد هو الإسلام: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران]، وتاريخها واحد هو تاريخ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ثم أتباعهم من المؤمنين.
ولذلك فنحن نتفاعل مع قصص الأنبياء عندما نقرؤها في كتاب الله جل وعلا، فعندما تقرأ سورة يوسف، أو عندما تقرأ قصة إلقاء أبينا إبراهيم في النار، أو عندما تقرأ قصة موسى مع فرعون؛ تحس بشعور غريب، كأنما أنت ممن شهد الحدث، وممن هو معني به، كما أنك أيضاً عندما تقرأ هذه القصص تجد في نفسك العداوة للطواغيت فرعون وهامان وقارون، كما في نفس الوقت تعادي أبا جهل وأُبي بن خلف وعبد الله بن أُبي ومن تبعهم إلى عصرنا.
إن هذا هو الشعور الواحد شعور الأمة الواحدة، كما قال الله سبحانه: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ} [سورة الحج: 78]، هو - أي الله عز وجل - سماكم المسلمين من قبل، وفي هذا؛ أي في هذا القرآن: {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [سورة الحج: 78].
ويقول صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي الحارث الأشعري - رضي الله تعالى عنه: (ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من حثى جهنم)، قيل: وإن صلى وصام؟! قال: (وإن صلى وصام، وزعم أنه مسلم، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم، المسلمين، المؤمنين، عباد الله) [1].
إنَّ لنا ثلاثة أسماءٍ سمانا الله بها؛ "المسلمين"، "المؤمنين"، "عباد الله".
إذن؛ دعوى الجاهلية التي جاءت في هذا العصر الحديث، وتوعد عليها بأنَّ صاحبها من حثى جهنم؛ هو كل تعصب لغير هذا الدين، سواءً كان تعصباً لجنس، أو لقبيلة، أو لوطن، أو لأرض، أو لقومية، أو لغة، فكل تعصبٍ لغير هذا الدين على غير حق فصاحبه قد دعى بدعوى الجاهلية.
فالتعصب للأوطان أو للأنساب، أو الدعوة للقومية أو الوطنية؛ هو أمرٌ من أمور الجاهلية، فكيف بالسعي لتعميق هذه الانتماءات، ثم أيضاً التفريق بين الناس على هذا الأساس، ووزنهم بهذا الميزان؛ ميزان القوميات والوطنيات واللغات والأجناس، إنَّ هذا كلَّهُ من دعوى الجاهلية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن، من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة؛ فهو من غراء الجاهلية).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: (الدعاء بدعوى الجاهلية؛ كالدعاء إلى القبائل والعصبية للإنسان، ومثلهُ التعصب للمذاهب والطوائف والمشايخ، وتفضيل بعض على بعض، وكونه منتسباً إليه يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي ويزن الناس به، فكلُّ هذا من دعوى الجاهلية).
ثم نتذكر القصة المشهورة التي رواها البخاري ومسلم عندما ضرب رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، فقال المهاجرين: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها خبيثة، دعوها فإنها منتنة)، رواية البخاري: (دعوها فإنَّها خبيثة)، ورواية مسلم: (دعوها فإنها منتنة).
مع أن هذه - يا للأنصار، يا للمهاجرين - أوصاف يحبها الله ورسوله، فإنَّ الله عز وجل سمَّى المهاجرين بهذا الاسم، وهو الذي سمى الأنصار بهذا الاسم فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} [سورة التوبة: 100]، ومع ذلك لما أصبحت الدعوة هنا على غير حقٍ تعصب للباطل، أصبحت من دعوى الجاهلية، فكيف بغير ذلك أيُّها الأخ الكريم؟
ومما يجدرُ أن نذكره في هذا الحديث ما ذكره بعض الدعاة إلى الله عز وجل عن قصةٍ مؤثرة ينبغي أن نأخذ منها عبرة.(7/81)
يقول: (أنه عقدت ندوة في فلسطين المحتلة عام 1980م - وبالتحديد في 19/12/1980م - حضرها من مصر الدكتور مصطفى خليل - رئيس وزراء مصر الأسبق - وحضر هذه الندوة عددٌ من الأساتذة اليهود المتخصصين في الشؤون السياسية والعربية، فقال خليل هذا: "أودُّ أن أطمئنكم، أننا في مصر نفرق بين الدين والقومية، ولا نقبل أبداً أن تكون قيادتنا السياسية مرتكزة إلى عقائدنا الدينية"، فوقف أحدُ اليهود - بروفيسور اسمه "دافين" - قائلاً: "إنكم أيُّها المصريون أحرار في أن تفصلوا بين الدين والسياسة، ولكنني أحب أن أقول لكم، إننا في إسرائيل نرفضُ أن نقول إنَّ اليهودية مجرد دينٍ فقط، بل إننا نؤكد لكم أنَّ اليهودية دينٌ وشعبٌ ووطن"، وقام آخر - البروفيسور "تيفي ياقوت" - وقال: "أودُّ أن أقول للدكتور مصطفى خليل، أنَّه يكون على خطأ كبير إذا أصر على التفريق بين الدين والقومية، وإننا نرفضُ أن يعتبرنا الدكتور خليل مجرد أصحاب دين لا قومية، فنحنُ نعتبر اليهودية دينناً وشعبناً ووطننا"...)، إلى آخر كلامهِ الذي ذكر فيه أن القومية أوروبية المنشأ والمصدر، وأنَّ الأوربيون صدروها إلى الشرق.
ألا شاهت وجوه الناعقين بالانتماء لغير الإسلام، الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، فلهم أقول؛ خذوا الدروس من هذا اليهودي إذا كنتم قد صددتم عن أخذ الدروس من الكتاب والسنة.
23/3/1426 هـ
--------------
1) أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان وغيرهم، وهو حديث صحيح، صححه جماعة من أهل العلم قديماً وحديثاً، وممن صححه في عصرنا سماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والعلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله
===================
عيد الشهداء في بلاد العم سام
[الكاتب: وسيم فتح الله]
هيا بنا يا جدي الحبيب، فعن هذه المناسبة ينبغي ألا تغيب.
قلت لمحمد: وما تلك المناسبة أيها الحفيد؟ فنظر إلي مستغرباً: إنه يوم العيد! قلت: أي عيد ولسنا في حج ولا صيام، أجابني: عيد شهداء أمريكا في حرب الحرية والسلام.
فنظرت في التقويم فإذا اليوم عيد الشهداء، اليوم نكرم من سفكوا في سبيل أمريكا الدماء، فقلت لحفيدي: يا بني الصغير، دعوني في منزلي وامضوا بلا تأخير، فموعدي في هذا اليوم مع قومٍ آخرين، فاحتفلوا أنتم بشهدائكم ودع جدك المسكين. ولم أتمالك عبرةً اغرورقت في عينَي، فتلهف محمد: ما بك يا جدي؟ قلت : لا شيء يا بني.
فألح قائلاً: لن أبرح حتى تحدثني عما يبكيك، فإني أحبك يا جدي وبالروح أفديك. لماذا يا جدي لا تحتفل معنا بعيد الشهداء؟ أليسوا أكرم بني الأرض ويحبهم أهل السماء؟ ألم تر كيف تكرم أمريكا الشهداء؟ ألم تر وسام جارنا الذي قدم اثنين من الأبناء؟!
جدي ! أسألك بالله أن تخبرني بالقصة، فلقد انتابتني من دموعك الغصة. فنظرت في عيني محمد وقلت: اجلس يا ولدي، هذه الحكاية أمانة فبلغها من بعدي، والله على ما أقول يا ولدي شهيد،فاسمع الحكاية ثم احتفل إن شئت بالعيد..
لقد أعلنت أمريكا حربها على الإسلام، وكان ذلك بواحاً منذ عشرين عام، ونحن يا بني في المعاصي غارقون، وبمتاع أمريكا الزائل لاهون وعابثون. ابتلانا الله بفتنةٍ كانت عظيمة، ولكن فتنتنا في الدين كانت هي الأليمة، فلقد بعنا يا بني عقيدتنا بعنا الولاء والبراء، وجعلنا مكان ذلك أشرطة بيضاء حمراء وزرقاء،وكان ذلك يومئذٍ علامة الحب والولاء، قدمها المسلمون وقدموا الأموال والدماء. ورفعنا على مساجدنا أعلام أمريكا قبل أن نرفع الأذان، ووقفنا نصفق كالحمقى وأمريكا تسوم المسلمين الهوان، صلينا على أموات الكفر وأموات النفاق، ونسينا أطفال أفغانستان وأطفال العراق، كانت النساء تنزف حتى الموت في فلسطين، وكنا نرسل دماءنا في أكياسٍ إلى مانهاتن وبروكلين..
فاستوقفني محمد برهة وقال باستهجان: عفواً يا جدي ما معنى هذه الكلمة التي قلتها الآن، أعني كلمة "الأذان"؟!
فأجبته باكياً: " الأذان " يا محمد للمصلين النداء، وقد ألغاه في أمريكا مجلس الإفتاء، قالوا إنه تقليد قديم من الجزيرة العربية، وأحلوا مكانه التكنولوجيا الغربية. فأجابني قائلاً: تعني الإشارة بالهواتف الخلوية؟ قلت: نعم، هذا هو الأذان على الطريقة الأمريكية، وقد أتى به علماؤنا مراعاة لفقه الأقليات، حتى لا ينفر من صوت الأذان الأمريكيون والأمريكيات.
وتمالكت نفسي لأكمل الحكاية، بل هي اعتراف مني بالجريمة والجناية، وعلى كل حال يا ولدي الصغير، ألمَّ بنا آنذاك أمر خطير؛ وخشينا أن نخسر إن تفوهنا بالحقيقة، وآثرنا أن نعلن بولائنا لأمريكا، ولم تكن القضية بحاجة إلى تفكير، فلقد وجدنا من يساندنا بفقه التبرير، فأخفينا من القرآن نصوص القتال والجهاد، واكتفينا بترجمة آيات المحبة بين العباد، وقدمنا لأمريكا شتى طقوس الطاعة والانقياد، ولكن ذلك لم يكفِ وكان الطلب بازدياد، حتى كانت القاصمة التي منها لم نسلَم، حيث طلبوا من الجندي الأمريكي قتل أخيه المسلم!!
كيف، وبأي نصٍ أو اجتهاد؟ كيف يقتل المسلم أخاه بدلاً من أن يشاركه الجهاد؟(7/82)
تحرجنا وحاك الإثم في الصدور، ولكن عاجلتنا فتاوى " المصالح " بالظهور، قالوا إن مصلحة الجماعة الإسلامية في أمريكا فوق كل المصالح، فلا بأس أن يشارك المسلم الأمريكي في هذه المذابح، بل قد يقترب الأمر التكليفي من الندب إلى الوجوب، ولا حرج البتة في الأمر ولا حاجة لك أن تتوب، فالفعل مباحٌ بل أمرٌ واجب، إذا خشيت أن يختل ولاؤك لبلد الكفر المحارب. وإن أنت أيها الجندي المسلم قُتلت في سبيل السلام والحريات، فتلك درجة الشهادة التي نلتها أعلى الدرجات, فاذهب وقاتل مع أصحاب الأخدود ، قاتل إخوانك المسلمين فإنهم العدو اللدود.
وباركت أمريكا بالطبع هذه الإفتاء، وكافأت المسلمين في أمريكا بعيد الشهداء، فاذهب يا حفيدي وضع أكاليل الزهور، اذهب وضعها ولا تسل عمن في القبور؛ هم شهداء وإن كان اسمهم جون ومايكل ومونيكا، كيف لا وقد قُتلوا في سبيل أمريكا؟!
أما أنا فذاهبٌ لأبحث عن قبور المسلمين، الذين قُتلوا وهم لله وحده موالون، فإني قد مزقت الألوان الحمراء والبيضاء والزرقاء، ولقد كفرت بمن مات في سبيلها ، وأعلنتها لله وحده عقيدة الولاء والبراء، نعم لقد كفرت بها ولن أقبل عن الإسلام بدل، ومهما قال الناس ورددوا: اعلُ هُبل، فإني قائلٌ أبداً: الله أعز وأجل.
===============================
الفهرس العام
الباب السابع…2
الولاء والبراء…2
تحرير قول الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله في موالاة الكفار…2
والدها يريد الإقامة معها وهي وزوجها يريدان الهجرة من بلاد الكفر…20
حكم السكن مع العوائل في الخارج…23
هل يدعو لوالديه ولا يعلم على أي شيء ماتا…24
لا يجوز لمسلم أن يقاتل مع الكفار ضد المسلمين إطلاقاً…25
التبرع بالدم للكافر المسالم الذي ليس بيننا وبينه حرب…26
هل يسمح المسلم لضيفه الكافر بأداء شعائر الكفر في بيته…27
مشكلة الذوبان اللغوي للمسلمين في الخارج…28
ما حكم الشراء من كفار مع وجود مسلمين…30
لبس زي غير المسلمين…31
رد السلام على الكافر على ثلاثة أقسام…32
اللين مع الكفار بقصد الدعوة…34
حكم إقامة الطلبة المبتعثين في بلاد الكفار…35
الخدمة العسكرية في جيوش الكفار وتولي وظائف دينية فيها…36
إيضاح القاعدة العظيمة : " تحريم موالاة الكفّار "…37
هل يجوز تصويت المسلمين للكفار الأخف شراً ؟…43
طلب التبرعات من الكفار…44
تعلم اللغة الأجنبية…46
حكم الدعوة إلى وحدة الأديان…46
هل يقال للكافر جزاك الله خيرا…52
حكم الحصول على الجنسية الكافرة…53
تريد الإسلام ولا تريد ترك زوجها الكافر…54
وَعَد كافرا أن يذهب معه للكنيسة…57
حديث " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام .. " أليس منفراً عن الإسلام…57
معاملة الزوجة الكتابية…59
هل يعتبر التأريخ بالتاريخ الميلادي موالاة للكفار…61
البقاء في البلد الإسلامي ولو كان مخالفاً لرغبة الوالدين…62
هل تقطع علاقتها مع بعض الكافرات أم تستغلها في الدعوة ؟…63
حكم طلب المساعدة من الكفار وقبولها…66
حكم أكل المسلم مع الكافر…66
حكم مشاركة الكفار في أعيادهم…67
حضور أعياد المشركين وتهنئتهم بها…69
جمع التبرعات لشراء هدايا للعوائل الفقيرة في الكريسمس…69
يعاني من كسل زملائه المسلمين في الدراسة فهل يعمل مع غير المسلمين؟…71
حكم تهنئة الكفار بأعيادهم…73
ما معنى اتخاذ الكفار أولياء ؟ وحكم مخالطة الكفار…75
بيع بطاقات أعياد النّصارى…80
حكم فتح المحلات التجارية في يوم عيدٍ للكفار…81
هل يقبل المسلم الهدية من أخيه الكافر .…84
هل النصارى الموجودون الآن أقرب الناس إلينا مودة ؟…85
عدم موالاة الكفار وقصر الموالاة على المسلمين…86
هل النصارى أقرب مودة لنا ؟…103
ضوابط التشبّه بالكفار…127
مقاطعة بضائع الكفار المحاربين…129
حكم عيادة المريض الكافر…133
هل يجوز دخول الكنائس لأجل الدعوة ، أو لأجل الفرجة…135
هل يدعو لصديقه النصراني بالشفاء…135
مسلم يقوم بجمع التبرعات للكنيسة فهل يقبل صومه؟…141
هل تفضيله للعمل مع غير المسلمين يعتبر من موالاتهم ؟…143
أسس وضوابط في علاقة المسلمين بغير المسلمين…145
حكم القول بان أخلاق الكفّار أفضل من أخلاق المسلمين…148
بل المشاركة في جيوش المشركين حرام…151
جدير بالشيخ القرضاوي أن يعود عن مدح البابا والترحم عليه…196
المداراة لا المداهنة…230
الولاء والبراء…239
ما هي هويتنا نحن المسلمين؟!…247
عيد الشهداء في بلاد العم سام…254(7/83)