الحجج اللطاف في الرد على الغماري والسقاف
يحتوي هذا الكتاب على ثلاث رسائل هي :
1- تحذير العبد الأواه من ترك تحريك الإصبع في الصلاة.
2- دحض الأدلة الفرية لسنة الجمعة القبلية.
3- رفع الارتياب بتوهين الحارث الكذاب.
وجمعت الرسائل الثلاث معاً وسميت المجموع :
الحجج اللطاف في الرد على الغماري والسقاف
بقلم : محمد عادل ملاح
سوريا - حلب هـ 00963215551155
mallah99@hotmail.com(1/1)
عن المؤلف وأعماله :
أنا محمد عادل بن محمد زكي ملاح من مواليد حلب عام 1941 تخرجت من كلية الهندسة قسم الهندسة الكهربائية والميكانيكية بجامعة حلب عام 1964 ثم اتجهت إلى دراسة علوم الحديث على بعض العلماء منهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني " رحمه الله " في حلب ودمشق وقد ألفت كتاب فهرس التراجم يبلغ حوالي عشرة آلاف صفحة جمعت فيه جميع أسماء الأشخاص المترجمين في خمسة وستين كتابٍ من كتب التراجم ذاكراً فيه كلاً منهم مع جميع أسمائه ونسبه المتفق عليه والمختلف فيه وذكر أسماء الكتب مع رقم الجزء والصفحة التي تحتوي على الترجمة وكذلك ألقابه وكناه وإن تعددت وأنا الآن بصدد إضافة بعض الكتب وتشكيل الأسماء المبهمه وتعديل رقم الصفحات برقم الترجمة وكذلك إضافة تواريخ الولادة والوفاة لكل منهم حسب ماهو وارد في هذه الكتب وكذلك درجة الراوي من حيث الجرح والتعديل وكذلك الإشارة لرواة الكتب الستة منهم بالرموز المصطلح عليها في كتب التراجم وبينت مااخترته من هذه الرموز في مقدمة هذا الكتاب وقد أثنى الشيخ الألباني "رحمه الله" خيراً على هذا الكتاب بعد اطلاعه عليه .
أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لإتمام هذا المشروع ونشره آمين إنه سميع مجيب .
والحمد لله رب العالمين.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده , ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ و َلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }. (آل عمران:102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } . (النساء:1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ؛ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } . (الأحزاب:70-71)
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله , وخير الهدي هدي محمد ? , وشرَّ الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار. وبعد :(1/2)
لقد وقع تحت يدي ثلاث رسائل وهي :
1- تحذير العبد الأواه من تحريك الإصبع في الصلاة للأستاذ حسن بن علي السقاف.
2- الأدلة الجلية لسنة الجمعة القبلية للأستاذ حسن بن علي السقاف.
3- نكث الناكث المعتدي بتضعيف الحارث للأستاذ عبد العزيز الغماري.
وطالعت الرسائل الثلاث ، لعلي أجد عند هذين الأستاذين أدلة صحيحة تثبت ما ذهبا إليه ، وبكل أسف لم أر في الرسائل الثلاث سوى الشتائم والافتراءات والتحريفات التي لا تنطلي سوى على العامة أما من كان عنده شيء من العلم فيعلم أن هذه التحريفات باطلة.
وقد امتدت هذه التحريفات لتشمل أسماء المؤلفين مثل محمد شمس الحق العظيم آبادي وكنيته أبو الطيب فقد سماه السقاف عبد العظيم آبادي في الصفحة 28 من رسالة تحذير العبد الأواه وسماه الغماري أبا الطيب العظيم آبادي في الصفحة 46 من رسالة نكث الناكث ظاناً أن أحد أسمائه العظيم بينما هو شمس الحق العظيم والعظيم هو بدل من الحق وشمس مضاف إلى الحق كإضافة عبد إلى الله أو إلى الرحمن فلا يكون الله أو الرحمن اسماً لعبد وإنما عبد مضاف إلى لفظ الجلالة الله أو الرحمن كعبد الله أو عبد الرحمن.
وياليت الغماري وقف عند تحريف أسماء المؤلفين ، بل امتد إلى تحريف الآيات ، ووضعها ضمن قوسين كالآية 115 من سورة النساء أوردها الغماري في ص 55 من رسالته هذه نكث الناكث ، بقوله : والله تعالى يقول :
{ ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم }( بينماهي : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً } (النساء:115) وشتان بين المعنيين.(1/3)
فمن يحرف أسماء المؤلفين عمداً أو جهلاً ، ومن ثم يحرف الآيات ، ليس ببعيد عليه أن يحرف معنى كلام المؤلفين ، بل ويحرف كلامهم أيضاً مما سنجده أثناء الرد في ثنايا الرسائل التالية.
والسقاف يدعي الإجماع في كل ما يذهب إليه ويهواه ،حتى أوقعه ذلك في تناقضات كثيرة ، منها مثلاً أنه اتهم الألباني رحمه الله بتصحيح أحاديث ضعيفة ، وتضعيف أحاديث صحيحة ، وأورد في ص5 من رسالته مثالاً على ذلك في الحاشية بقوله : كحديث ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ) وقال وهو حديث ضعيف معلول باتفاق الحفاظ . وكان الألباني رحمه الله قد صححه فعلاً لتعدد طرقه ، وفي إحدى طرقه أبو حنيفة . ثم ختم السقاف رسالته هذه في ص22 بقوله: وضعف الألباني الإمام أبا حنيفة رحمه الله ..... مع أن الثقات رووا عنه ، وأجمعت الأمة على ثقته وجلالته فهل تجمع الأمة على ثقته ، ثم تجمع على رد حديثه ، وإن رواه معه آخرون ؟ فالثقة حديثه صحيح بدون أن يتابعه أحد ، وأبو حنيفة قد تابعه في هذا الحديث آخرون ، فأبو حنيفة لو كان عنده ثقة ، لقبل تصحيح حديثه ولو منفرداً ، ولو كان ضعيفاً عنده لقبل تصحيح حديثه ، نظراً لوروده من طرق أخرى ، فيها ضعفاء ، فيتقوى حديث أبي حنيفة بهم ، ويصح ، أو على الأقل يتحسن بهم ، أما وأنه يرد حديثه حتى مع المتابعة ، فمعنى ذلك أنه ينزله منزلة الكذابين والوضاعين ، فهل ما زال الألباني مخطئاً في تصحيح حديث أبي حنيفة ، أم السقاف يدعي ثقة أبي حنيفة وإجماع الأمة على ذلك بشكل نظري ، وعملياً ينزله منزلة الكذابين والوضاعين ، فلا يقبل حديثه ، وإن شهد له أهل الأرض جميعا ً؟ . وغير هذه التناقضات كثير وحسبنا الله ونعم الوكيل.(1/4)
الرسالة الثانية :
دحض الأدلة الفرية لسنة الجمعة القبلية وهي رد على رسالته الأدلة الجلية لسنة الجمعة القبلية للسقاف.
رددت فيهاعلى تصحيح السقاف لأحاديث ضعيفة ليقوي بها زعمه سنية صلاة الجمعة القبلية وتلاعبه بالنقل وحذفه مايفيد بأن الصلاة التي يستشهد بها هي صلاة تحية المسجد وقد نقل السقاف مانقله ابن حجر في الفتح عن النووي في الخلاصة بقوله وقد استدل واحتج بهذا الحديث ( حديث كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ) الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتاب الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها ولم ينقل قول ابن حجر بعدها ناقداً لها قوله ( باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها ) ....قال ابن المنير في الحاشية كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر قال وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر وكذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد وكذلك نقل صاحبنا كلام البخاري وعكسه بقوله باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها ظناً منه أن البخاري أخطأ فصحح له أو أنه عرف أن البخاري لم يخطئ ولكنه غش بالنقل ليتجنب شك القارئ في سبب تقديم البعد على القبل على خلاف العادة فيلجأ للبحث عن السبب.
ثم ادعى السقاف كذباً أن سنة الجمعة القبلية ثابتة في المذاهب الأربعة المتبوعة وهي مذهب الإمام البخاري وفندت قوله هذا من كتبهم.
وهي من الصفحة 110-142.
ورسالتا السقاف جمعتا معاً ، لذا فإن ترتيب صفحاته ، تكون :
من 1- 29 للرسالة الأولى تحذير العبد الأواه من تحريك الإصبع في الصلاة.
ومن 110- 142 للرسالة الثانية ، والتي هي بعنوان : الأدلة الجلية لسنة الجمعة القبلية.(1/5)
ولقد حاول الأستاذ السقاف جاهداً في الرسالة الأولى ، أن يضعف حديث وائل بن حجر رضي الله عنه ، رواية زائدة بن قدامة بالتحريف والتضليل ، رغم اعترافه بصحتها ، واعترافه بأن زائدة بن قدامة ثقة ، ليقوي حديث ابن الزبير ، رواية ابن جريج ، رغم ضعفها وعنعنة ابن جريج فيها ، وعدم ثبوت تصريحه بالتحديث ، ورغم مخالفتها لروايات مسلم لحديث ابن الزبير ، من غير طريق ابن جريج وتجنب الإمام مسلم رواية ابن جريج لعدم صحتها عنده.
أما رسالة الغماري فقد طبعت عقب رسالة أخرى ، وتتألف من 32 صفحة تبدأ من 29 - 60 وموضوعها هو توثيق الحارث الأعور الكذاب ، وكان قد تبادر إلى ذهني أنه يوثق الحارث بن أسد المحاسبي ، فقلت في نفسي صوفي يدافع عن صوفي ليقوي حديثه ، وعلى كل فالرجل غير متهم وحديثه مقبول في المتابعات ، وعندما بدأت بقراءتها ، تبين لي أن الحارث المقصود ، هو الحارث بن عبد الله الأعور الكذاب ، فهالني الأمر ، إذ أن محاولة تقوية ضعيف تأتي من باب العصبية ، أما توثيق الكذابين فهذا ما لم يحتمله أحد ، وكان المؤلف الغماري قد ألف كتاباً باسم " الباحث عن علل الطعن في الحارث " فنوه الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في مقدمة أحد كتبه مستغرباً : " حتى أن أحدهم ألف رسالة خاصة في توثيق الحارث الأعور الشيعي " فكانت جريمة لا تغتفر ، عند من تسمى بمحدث المغرب عبد العزيز الغماري ، فعمد إلى تحرير هذه الرسالة وسماها " نكث الناكث المعتدي بتضعيف الحارث " ليبرهن على توثيق الحارث ، بما يعلم أي مبتدىء بعلم الحديث ، أنه لا علاقة له بالجرح والتعديل ، كسؤال الحسن والحسين رضي الله عنهما له عن حديث علي رضي الله عنه ، بدون أن يرويا عنه ، وكتقديم أهل الكوفة له في الصلاة وغير ذلك ، وحث علي رضي الله عنه له على التعلم ، أما التوثيق فهو قول أحد أئمة الجرح والتعديل بأنه ثقة ، دون أن يتراجع عن رأيه هذا ، ودون أن يجرحه غيره بجرح مفسر ، وصاحبنا هذا كما سنرى في ثنايا الرد ، بأن أربعة وأربعين إماماً من أئمة الجرح والتعديل ، قد ردوا حديثه ،(1/6)
واتهمه بعضهم بالكذب ، وعدله ثلاثة منهم ابن معين والنسائي وأحمد بن صالح المصري ، تراجع الأولان عن تعديله وضعفاه ، وغمزه الثالث غمزة أدت به إلى عدم قبول روايته نهائياً ألا وهي أنه كان يكذب في رأيه وهذا حتى في مذهب الغماري غير مقبول الرواية نهائياً لأن العدالة لا تتجزأ عنده ولا تتبعض فلا يكون عدلاً في جهة وكذاباً في جهة أخرى.
وقد قمت بتحرير ردود على الرسائل الثلاث وسميتها :
1- تحذير العبد الأواه من ترك تحريك الإصبع في الصلاة.
2- دحض الأدلة الفرية لسنة الجمعة القبلية.
3- رفع الارتياب بتوهين الحارث الكذاب.
وجمعت الرسائل الثلاث معاً وسميت المجموع :
الحجج اللطاف في الرد على الغماري والسقاف
وفي هذه الردود فندت جميع التحريفات والمغالطات التي عمد إليها المؤلفان لإثبات ماذهبا إليه وأضفت إلى النصوص التي نقلاها مبتورة ما حذفاه منها لبيان المعاني والأحكام التي يقصدها أصحابها لا المعاني التي يرويها الغماري والسقاف.
نسأل الله الهداية لنا وللأستاذين والله من وراء القصد وهو يهدي سواء السبيل.(1/7)
الرسالة الأولى
تحذير العبد الأواه من ترك تحريك الإصبع في الصلاة(1/8)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى وبعد :
إن ردنا هذا ليس هو من قبيل المكابرة والتمسك بالرأي فليس أسهل علينا من التبرؤ من رأي خاطىء ارتأيناه والعودة إلى الحق الذي وجدناه فقد سبق وتراجع الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله عن بعض آرائه وعلى صفحات كتبه شاكراً لمن انتقده إن نبهه إلى الحق والصواب كما ترى ذلك في ص 7 من صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم - الطبعة السادسة مثالاً على ذلك ، لكن ردنا هو لبيان المغالطات التي أوردها السقاف في رسالته ليدلل على ما ذهب إليه بدلاُ من أن يتق الله ويفتش عن الأدلة الصحيحة ويسهم في نشرها وينال رضى الله في الدنيا والآخرة وحسبنا الله ونعم الوكيل.
…وقد ابتدأت هذه الرسالة بالرد على الإشكالات التي أوردها السقاف بالترتيب معترضاً على الألباني سواء كان لها علاقة بموضوع الرسالة أم لا.(1/9)
1- كتمان السقاف لآراء بعض أئمة الشافعية التي نقلها النووي باستحباب التحريك مع نقله لبقية الآراء
في الصفحة 4 : أورد فتوى النووي باستحباب الإشارة برفع المسبحة من اليد اليمنى عند الهمزة من قوله إلا الله ولا يحركها فلو كرر تحريكها كره ولم تبطل صلاته على الصحيح وقيل تبطل.
وقد راجع السقاف المجموع شرح المهذب للنووي 3 / 454 ونقل منه في الصفحة 13 من رسالته وكتم ماذكره النووي هنا وفيه ثلاثة آراء لأئمة الشافعية إذ قال النووي : وهل يحركها عند الرفع بالإشارة فيه أوجه :
1- الصحيح الذي قطع به الجمهور أنه لايحركها فلو حركها كان مكروهاً ولا تبطل صلاته لأنه عمل قليل.
2- والثاني يحرم تحريكها فإن حركها بطلت صلاته حكاه عن أبي علي بن أبي هريرة وهو شاذ ضعيف.
3- والثالث يستحب تحريكها حكاه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وآخرون.
فكما تلاحظ أن النووي صحح الأول وضعف الثاني وأشار إلى من عمل بالثالث ثم أورد دليلهم وهو حديث وائل بن حجر ثم حاول التوفيق بينه وبين رواية ابن جريج لحديث عبد الله بن الزبير . إذن تحريم التحريك عند النووي مردود ويتراوح الحكم على التحريك عند الشافعية بين الكراهة عند بعضهم والاستحباب عند البعض الآخر موافقة منهم للحنابلة والمالكية ولحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الصحيح والرأي الثالث كما يلاحظ لم يضعفه النووي كما
ضعف الثاني وهو ولو لم يحكم له بالصحة صراحة كما فعل في الأول ( كي لا يثير المتعصبين عليه ) إلا أنه أورد دليلهم وهو حديث وائل بن حجر وحاول الجمع بينه وبين رواية ابن جريج التي ظنها صحيحة.
إذن هناك بعض أئمة الشافعية الكبار ممن وقفوا على حديث وائل عملوا بالحديث وأفتوا به اتباعاً لقول إمامهم " إذا صح الحديث فهو مذهبي " المجموع للنووي 1 / 63 ، واتباعاً لسنة سيد ولد آدم ? وعملاً بالآية الكريمة ) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ( (النساء: من الآية80).
- وفي حاشية الصفحة 4 : استشهد السقاف بحديث ابن عمر وفيه " وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام " على عدم التحريك.
قلت : هذا يؤيد حديث التحريك ولا يعارضه كما في قولك وأشار إليه أن تعال والأحاديث الأخر فيها فكان يدعو بها يحركها أي يحركها وكأنه يدعو بها أحداً ويناديه.
- وفي حاشية الصفحة 4 : استشهد السقاف أيضاً على عدم التحريك بحديث ابن الزبير " أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يشير بإصبعه لا يحركها " وقال وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود والبيهقي.
قلت : ليس بصحيح كما سيأتي بيانه ص21 و 50-55.(1/10)
2- إنكار السقاف أحاديث صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم -
- في الصفحة 5 : قال السقاف وكم في صفة صلاته ( أي الألباني ) من أحاديث ضعيفة قد صححها وأحاديث صحيحة ضعفها كما لا يخفى.
قلت : قلد السقاف في ذلك الغماري في قوله صفة صلاته جاهلاً أو متجاهلاً ما ينطوي عليه هذا اللفظ فإن كان يقصد أن الألباني هو النبي فقد كفر وإن كان يقصد أن هذه هي صفة صلاة الألباني اخترعها من عنده فقد أنكر أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم - وردها ومن فعل ذلك فقد كفر.(1/11)
3- ادعاؤه كذباً على لسان ابن حجر اتفاق الحفاظ على تضعيف وإعلال حديث من كان له إمام
- في الصفحة 5 : استشهد السقاف للنوع الأول ( أي الأحاديث الضعيفة التي صححها الألباني رحمه الله ) في حاشيته على هذا الكلام بقوله : كحديث " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " الذي ذكره ص95 من الطبعة السادسة من صفة صلاته وهو حديث ضعيف معلول باتفاق الحفاظ كما قال ابن حجر في فتح الباري 2 / 242 وغيره.
قلت : غير صحيح فابن حجر لم يقل هذا الكلام ولم يدَّع اتفاق الحفاظ على هذا الكلام وإليك ما قاله ابن حجر على هذا الحديث [ في الصفحة 2 /283 من طبعة دار البيان للتراث التي تقابل الصفحة 2 / 242 من نسخة السقاف ] :
واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقاً كالحنفية بحديث " من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة " لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني وغيره واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية " وإذا قرأ فأنصتوا " .
فأبدل السقاف عبارة ابن حجر " لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ " بعبارة " وهو حديث ضعيف معلول باتفاق الحفاظ " فهل هذان التعبيران بنفس اللفظ وحتى بنفس المعنى فابن حجر لم يدَّع الاتفاق الذي تدعي أنه قاله ـ وكما أشار الشيخ ناصر رحمه الله في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم - بأنه قواه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفروع لابن عبد الهادي ( ق 48 / 2 ) وفال ( وصحح بعض طرقه البوصيري وقد تكلمت عليه بتفصيل وتتبعت طرقه في الأصل ثم في إرواء الغليل رقم 493 ) وأشار ابن حجر إلى أن الدارقطني قد استوعب طرقه وتكلم ابن حجر بإسهاب في الدراية 1 / 162 من طبعة دار المعرفة على الحديث وأورد الدارقطني وابن حجر بعض الطرق فأين الاتفاق الذي تدعيه إذن الحديث صحيح بمجموع طرقه.(1/12)
4- رد السقاف حديث أبي حنيفة وتنزيله منزلة الكذابين والوضاعين
ومن بين الطرق التي أورداها رواية من طريق أبي حنيفة والحسن بن عمارة وقد ضعف الدارقطني هذه الطريق بقوله وأبو حنيفة والحسن بن عمارة ضعيفان ونقلها عنه ابن حجر في الدراية 1 / 163 وحسب علمنا أنك تدافع عن أبي حنيفة وتوثقه بل شنعت على الألباني في نهاية رسالتك هذه ص22 بقولك :
وضعف الألباني الإمام أبا حنيفة رحمه الله كما في تعليقه على كتاب السنة لابن أبي عاصم 1 / 76 مع أن الثقات رووا عنه وأجمعت الأمة على توثيقه وجلالته .... إلخ . فانظروا كيف يتطاول على الإمام الأعظم رحمه الله . ا هـ .
فلماذا ترد حديث أبي حنيفة مطلقاً هنا ولا تقبله حتى في المتابعات مع ادعائك إجماع الأمة على توثيقه وتشنع على الألباني تضعيفه أبا حنيفة من جهة حفظه في نهاية رسالتك فالألباني قد قبل حديثه في المتابعات لنفي احتمال خطئه غير المقصود وأنت ترد حديثه مطلقاً فقد تابعه الحسن بن عمارة وهو ضعيف كما قال الدارقطني وتابعه عاصم بن عصام وهو مجهول وغيره مما يدفع عن أبي حنيفة احتمال خطئه في هذا الحديث.
فهل أبو حنيفة عندك كذاب أم وضاع حتى ترد حديثه ولو توبع فما أراك إلا وينطبق عليك المثل " رمتني بدائها وانسلت ".(1/13)
5- ادعاء السقاف إجماع الأمة على توثيق أبي حنيفة ورد حديثه
إن الألباني صحح حديث " من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة " لتعدد طرقه وفي أحد طرقه أبو حنيفة وقبل الألباني رواية أبي حنيفة في المتابعات نظراً لسوء حفظه رحمه الله وهذا لم يخدش في جلالته وإمامته والسقاف قد قال عن الحديث : وهو حديث ضعيف معلول باتفاق الحفاظ ( كذباَ ) كما قال ابن حجر في فتح الباري 2 / 242 وابن حجر أشار هناك إلى أن الدارقطني استوعب طرق الحديث بقوله : وفي سنن الدارقطني من بين الطرق التي استوعبها طريق أبي حنيفة والحسن بن عمارة وقال عقبهما وأبو حنيفة والحسن بن عمارة ضعيفان.
وقال السقاف في ص22 من رسالته عن أبي حنيفة : وأجمعت الأمة على توثيقه وجلالته.
فهل تجمع الأمة على أمرين متناقضين ؟ هل تجمع الأمة على ثقة أبي حنيفة وجلالته ثم تجمع على رد حديثه مطلقاً والرسول ? يقول " لا تجتمع أمتي على ضلالة " رواه الترمذي في الفتن باب لزوم الجماعة ووضعه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 1848 0
فهل يستحيل على الأمة الاجتماع على ضلالة ، ثم تجمع على أمور متناقضة : ( توثيق أبي حنيفة ) و ( رد حديثه مطلقاً ) ؟ وهذا قول لا يقوله مجنون فضلاً عن إجماع الأمة والحفاظ.
أبو حنيفة ضعيف عند السقاف عندما روى حديثاُ لايريده السقاف ( من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة ). وتابع أبا حنيفة آخرون.
أبو حنيفة أجمعت الأمة على توثيقه وجلالته عند السفاف ليهاجم ويشنع على الألباني تضعيفه أبا حنيفة من جهة حفظه.
لماذا تشنع يامحدث المشرق على الألباني تصحيحه هذا الحديث طالما أنك تدعي إجماع الأمة على توثيق أبي حنيفة (( من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة )) مع أن في سنده أبو حنيفة بجانب آخرين.
ومن الملفت للنظر أنه ينتقد الألباني رحمه الله ويتهمه بتصحيح أحاديث ضعيفة وتضعيف أحاديث صحيحة بزعم السقاف فوقع المسكين في رمي الأمة بالإجماع على أمرين متناقضين في آن ليثبت ذلك ؛ فما أسهل ادعاءه الإجماع ونقله عن كبار العلماء !(1/14)
6- ادعاؤه كذباً على لسان النووي اتفاق الحفاظ وأهل العلل على إدراج وغلط حديث مالي أنازع
وتابع في حاشية ص5 : وكذلك حديث "مالي أنازع " ص94 وقد اتفق الحفاظ وأهل العلل والمتخصصون على أنَّ هذا الحديث غلط فيه إدراج وفيه نسبة كلام لأبي هريرة لم يقله كما في المجموع للحافظ النووي 3 / 368.
قلت : فلمَ هذا التهويل هل هذا الحديث غلط كما تزعم ومن قال من الحفاظ وأهل العلل والمتخصصين أن هذا الحديث غلط ؟ بل هذا الكلام هو كلامك فقط فهل كلامك يعني اتفاق الحفاظ وأهل العلل والمتخصصين كما ادعيت اتفاقهم على توثيق أبي حنيفة وردِّ حديثه مطلقاً ؟
أم أن اتفاق الحفاظ هو تحت طلبك كلما ارتأيت رأياً ، ومن قال من أهل الصناعة أنه مدرج سواك وكما هو معلوم أن الحديث المدرج هو ما اختلط فيه قول أحد الرواة بكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وروي كله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أما في هذا الحديث فكلام أبي هريرة منفصل عن كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم - .
غاية ما في الأمر أن بعض الحفاظ نسب كلام أبي هريرة إلى الزهري وبعضهم نسبه إلى أبي هريرة وفي كلتا الحالتين هو تفسير لفعل الصحابة رضي الله عنهم من أن سبب انتهائهم عن القراءة خلف الإمام فيما جهر به هو هذا الحديث " مالي أنازع " وقد روى أبو داود الحديث برقم 828 وقال عقبه قال مسدد في حديثه قال معمر فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به رسول الله? وقال ابن السرح في حديثه : قال معمر عن الزهري قال أبو هريرة فانتهى الناس. فقد بين ابن السرح شيخ أبي داود بأن الزهري رفع صراحة هذا الكلام لأبي هريرة وأوقفه مسدد على معمر.
فبعض الرواة رفع الكلام إلى أبي هريرة وبعضهم أوقفه على الزهري وبعضهم أوقفه على معمر وهذا لايمنع من أن يكون الزهري قد حدث بالحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ونشط فرفع فعل الناس إلى أبي هريرة تارة وقاله قولاً بدون الرفع تارة وكذلك فعل معمر عن الزهري عن أبي هريرة وقد رواه الأوزاعي عنه بدون الرفع فرجح الذهلي والبخاري وأبو داود وقف الكلام المنسوب لأبي هريرة على الزهري بدون دليل.
أما كلام النووي في المجموع طبع مطبعة الإمام 3 / 321 والذي أشار إليه السقاف فهو : " وصحح البيهقي الحديث الأول وضعف الثاني حديث أبي هريرة ] مالي أنازع القرآن [ وقال تفرد به عن أبي هريرة : ابن أُكيمة - بضم الهمزة وفتح الكاف - وهو مجهول قال وقوله : ] فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فيما جهر به [ هو من كلام الزهري وهو الراوي عن ابن أكيمة قاله محمد بن يحيى الذهلي والبخاري وأبو داود واستدلوا برواية الأوزاعي حين ميزه من الحديث وجعله من قول الزهري.
فأين هذا الكلام من الكلام الذي نقله السقاف عن النووي : اتفاق الحفاظ وأهل العلل والمتخصصين على أن هذا الحديث غلط ؟
أما قول النووي بأن البيهقي ضعف الحديث لأن فيه ابن أكيمة وهو مجهول أقول :
لا مانع من أن يكون مجهولاً لدى البيهقي فقد عرفه غيره ووثقه وهو أعني ابن أكيمة : عمارة بن أكيمة الليثي الخبذعي قال الحافظ في التقريب : ثقة وقال في التهذيب : قال ابن البرقي في باب من لم تشتهر عنه الرواية واحتملت روايته لرواية الثقاث عنه ولم يغمز : ابن أكيمة الليثي قال يحيى بن معين كفاك قول الزهري سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب وقال يعقوب بن سفيان هو من مشاهير التابعين بالحديث وقال ابن عبد البر إصغاء سعيد بن المسيب إلى حديثه دليل على جلالته عندهم فالحديث صحيح لزوال الجهالة عن ابن أكيمة عند البيهقي والنووي.
ثم أذكرك يا صاحبي بأن الحديث احتج به إمام مذهبك في الأم فقال البيهقي في السنن 2 / 157 واعتماد الشافعي في القديم بعد الآية على الحديث الذي أخبرنا ..... فذكر الحديث بعدة طرق.
فأين كلام النووي من كلامك يا صاحبي ؟ ثم أليس الشافعي من الحفاظ وأهل العلل والمتخصصين فلماذا لم يضعف الحديث بل صححه واعتمد عليه ؟ ثم هل أدرج أحد الرواة عبارة أبي هريرة : [ فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ] في الحديث ورفعها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ؟ أم أنك لا تدري ما الحديث المدرج ؟(1/15)
7- ادعاء السقاف كذباً تصحيح البيهقي وابن حبان والذهبي لحديث ابن الزبير
كما استشهد السقاف في حاشية ص5 للنوع الثاني ( أي الأحاديث الصحيحة التي ضعفها الألباني ) بحديث عبد الله بن الزبير وقال وقد صححه الحفاظ ومنهم النووي والبيهقي وابن حبان والذهبي والحافظ بإقراره.
فأقول :
أولاً : قد بين السقاف في ص13 من رسالته تصحيح البيهقي لهذا الحديث نقلاً عن النووي وعاد إلى الأصل ( سنن البيهقي ) وأشار إلى الصفحة والجزء الذي فيه تصحيح البيهقي لهذا الحديث فقال في الحاشية وانظر سنن البيهقي 2/131 ، 132.
وكان من أمانة السقاف أن يكتم أن البيهقي قد أتبعه مباشرة بالحديث الذي يعارضه وهو حديث وائل بن حجر ( حديث التحريك ) ومحاولة البيهقي بعد روايته لحديث التحريك أن يوفق بينه وبين حديث عدم التحريك ؛ ولم يتعرض البيهقي للحديثين صحة أو ضعفاً . فأين تصحيح البيهقي للحديث ؟
ثانياً : وأما ابن حبان فلم يصححه بل بالعكس فإن ابن حبان قد صحح الحديث المعاكس وهو حديث وائل بن حجر بالتحريك وذلك برواية الحديث في صحيحه برقم 485 من موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ولم يرو حديث ابن الزبير في صحيحه مما يدل على أنه ضعيف عند ابن حبان.
ثالثاً : لم تذكر لنا تصحيح الذهبي والحافظ بإقراره أين هو ؟ وأي حافظ تتبع الذهبي وانتقده حتى يقره ؟
رابعاً : إنك أثناء تحقيقك للحديث ص13 لم تتعرض لابن حبان ولا للذهبي بأي ذكر في تصحيح الحديث.
إذن يتبين مما سبق أن الحفاظ النووي والبيهقي وابن حبان والذهبي والحافظ ( المزعوم المجهول ) بإقراره لم يصححوا الحديث كما يزعم السقاف.(1/16)
8 - جهل السقاف بمصطلح الحديث كالشذوذ وزيادة الثقة
قال السقاف في ص6 في نقض أدلة الألباني التي استدل بها على تحريك الإصبع والتي انغر بها من وثق بكلامه.
الإشكال الأول : 1- أما حديث سيدنا وائل بن حجر الذي أورده فهو حديث صحيح كما قال إلا لفظة " يحركها " التي فيه فهي شاذة وذلك لأن الحديث روي من طريق أحد عشر رجلاً من الثقات الحفاظ كلهم لم يذكروها وانفرد زائدة بن قدامة الثقة بها مخالفاً رواية ابن الزبير الصحيحة التي فيها نفي التحريك وكذا رواية ابن عمر التي في مسلم التي ليس فيها ذكر للتحريك وقد أعل هذه الزيادة وهي لفظة " يحركها " الحافظ ابن خزيمة في صحيحه 1 / 354 حيث قال ليس في شيء من الأخبار يحركها إلا في هذا الخبر زائدة ذكره ، وأما قول الألباني رواه البيهقي فصحيح هو في سنن البيهقي والزيادة مطروحة كما قدمنا وأما قوله رواه أبو داود فليس بصحيح.
أقول : حديث وائل بن حجر اعترف السقاف بصحته إنما اعترض على لفظة " يحركها " فيه بدعوى الشذوذ لأن الحديث روي من طريق أحد عشر رجلاً من الثقات الحفاظ كلهم لم يذكروها وهؤلاء الثقات الحفاظ قد رووها بألفاظ عديدة منهم من يقول وأشار بالسبابة يدعو بها ومنهم من قال مشيراً بها ولم يقل أحد منهم لا يحركها كرواية أبي داود التي اعتمد عليها السقاف والشذوذ هو كما جاء في المصطلح هو أن يروي الثقة حديثاً يخالف فيه من هو أوثق منه فأنت ترى ليس بين الأحد عشر رجلاً من الثقات الحفاظ من قال لايحركها وإنما بعضهم من قال أشار بالسبابة يدعو بها وبعضهم قال مشيراً بها ولو أردت الجمع بين هذه الروايات لاستفدت التحريك ولما وجدت التعارض لأن الإشارة بالإصبع والدعاء بها يستوجبان تحريكها وليس في أي رواية صحيحة لايحركها ، وإن لم تفهم التحريك من رواياتهم فعندها تكون هذه الرواية رواية زائدة بن قدامة زيادة من ثقة وزيادة الثقة مقبولة كما هو معلوم في علم الحديث لأنه لا يعارض في هذا الحديث باقي الثقات وإنما يزيد عليهم.
فالسقاف بدلاً من أن يقول هذه الزيادة رواها زائدة بن قدامة زيادة عن غيره قال شذ وبذلك يكون السقاف قد شذ عن المعروف في علم الحديث.(1/17)
9- رد السقاف الرواية الصحيحة لمخالفتها الرواية الضعيفة
أما مخالفتها لرواية ابن الزبير الصحيحة فلم تخالف لرواية ابن الزبير الصحيحة التي رواها مسلم بجميع طرقها الصحيحة في صحيحه 5 / 79 بشرح النووي في المساجد باب صفة الجلوس في الصلاة الأولى منهما من طريق عثمان بن حكيم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه والثانية من طريق محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبيرعن أبيه والتي كلها تؤيد رواية زائدة بالمعنى وتعضدها وكلها ليس فيها لفظة لا يحركها وتجنب مسلم طريق ابن جريج إلى ابن الزبير التي لم تصح عنده وإلا لو صحت عنده لأوردها أثناء تتبعه وإيراده جميع روايات الحديث كعادته . وما أورده السقاف على رواية زائدة ينطبق وبشكل أشد على رواية ابن جريج لحديث ابن الزبير لأنه :
1- سندها ضعيف لاختلاط حجاج بن محمد الأعور بآخره تقريب التهذيب 1/89 الذي فيه نصريح ابن جريج بالسماع.
2- سندها ضعيف لتدليس ابن جريج الذي عنعنه ( وذلك في الطرق التي فيها عنعنة ابن جريج بسند صحيح إليه ) تقريب التهذيب 1 / 520.
3- مخالفتها لرواية عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه في صحيح مسلم 5/79 التي فيها وأشار بأصبعه السبابة وعامر أعرف برواية أبيه من المدلس الذي عنعن روايته.
4- تفرد هذه الرواية عن باقي روايات ابن الزبير العديدة بلفظة لا يحركها ومعارضتها لها ولرواية زائدة يحركها.
5- إدراج لفظة لا يحركها في الحديث فهي من كلام ابن جريج وهو فقيه ولم يتابعه فيها أحد ممن روى عن ابن الزبير هذا الحديث ولا تتفق بالمعنى مع باقي الروايات.
6- لفظة يحركها أقرب إلى معنى باقي الروايات من لفظة لا يحركها.
7- الموقف هو وصف وإثبات لأفعال لا نفي لأفعال ولو جئت تنفي أفعالاً لما انتهيت.
8- لفظة يحركها مثبتة ولفظة لا يحركها نافية والمثبت مقدم على النافي.
فهل بعد هذه المخالفات الثماني في الرواية الضعيفة للرواية الصحيحة نرد الرواية الصحيحة لمخالفتها للرواية الضعيفة وقواعد المصطلح تقول إذا خالف الضعيفُ الثقةَ صار حديثه منكراً.(1/18)
10- جهل السقاف لمعنى اصطلاحهم ليس في شيء من الأخبار إلا هذا أولا يروى إلا من هذا الوجه
وأما قول السقاف وقد أعل هذه الزيادة وهي لفظة " يحركها " الحافظ ابن خزيمة في صحيحه حيث قال ليس في شيء من الأخبار " يحركها " إلا في هذا الخبر زائدة ذكره.
أقول : هل هذه العبارة تفيد التعليل إن من كان عنده أدنى علم في الحديث يفهم من هذا الكلام أن زائدة تفرد بهذه الزيادة وإلا لما رواها ابن خزيمة في صحيحه وكما رأينا تفرده لا يضر لأن زيادة الثقة مقبولة.
وقد قال الترمذي عن حديث " إنما الأعمال بالنيات " حديث 1647 هذا حديث حسن صحيح ولا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري ، فهل يفهم من كلام الترمذي أن هذا الحديث ضعيف ؟ لا ، غاية ما في الأمر أنه يقصد بأن هذا الحديث تفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من الأثبات وقد قال ابن كثير نقلاً عن ابن الصلاح في ص35 من اختصار علوم الحديث في هذا الحديث فإنه تفرد به عمر وعنه علقمة وعنه محمد بن إبراهيم التيمي وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري فكما ترى لم يتفرد في هذا الحديث راوٍ واحد وإنما تفرد به من كل طبقة راوٍ فمن الصحابة تفرد به عمر ومن التابعين تفرد به عنه علقمة ومن أتباع التابعين تفرد به عنه محمد بن إبراهيم التيمي ومن بعده تفرد به عنه يحيى بن سعيد الأنصاري.
وكذلك يورد ابن كثير في كتابه اختصار علوم الحديث ص35 طبعة دار الفكر بعض ما تفرد به الثقات بأشياء لا يرويها غيرهم كالزهري ومالك فقال وقد قال مسلم : للزهري تسعون حرفاً لا يرويها غيره ومن ثم يستخلص النتيجة في نهاية الصفحة بقوله : فإذن الذي قاله الشافعي أولاً هو الصواب : إنه إذا روى الثقة شيئاً قد خالفه فيه الناس فهو الشاذ المردود . وليس من ذلك أن يروي الثقة ما لم يرو غيره بل هو مقبول إذا كان عدلاً ضابطاً حافظاً فإن هذا لو رد لردت أحاديث كثيرة من هذا النمط وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل والله أعلم.
ثم قال ابن كثير نقلاً عن ابن الصلاح ص 38 في موضوع زيادة الثقة : ومنهم من قال إن كانت مخالفة في الحكم لما رواه الباقون لم تقبل وإلا قبلت كما لو تفرد بالحديث كله فإنه يقبل تفرده به إذا كان ثقة ضابطاً أو حافظاً وقد حكى الخطيب على ذلك الإجماع.
أما رواية ابن جريج فإنها تخالف رواية غيره بزيادة " لا يحركها " إذ كيف نقول يدعو بها ولا يحركها ؟
أما قول السقاف ص7 : وكذا رواية ابن عمر التي ليس فيها ذكر التحريك فأنت ترى بعد ضم عبارة " ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام " فدعا بها " وعبارة ابن ماجة " فيدعو بها " تفيد التحريك وتؤيد رواية زائدة لحديث وائل بن حجر وكذلك رواية عبد الله بن الزبير الصحيحة وهذه الروايات كلها تشترك إما بالتصريح بالتحريك أو بالتلويح بقولهم وأشار بالسبابة يدعو بها أو فدعا بها إذ لا تعارض بين الأحاديث.
إذن رواية زائدة لا تعارض رواية الأحد عشر رجلاً الثقات الذين لم يذكروها وإنما هي تروي لفظة زائدة توضح المعنى لـ " يدعو بها " ولا تفسده ولا تعارض حتى رواية ابن عمر التي فيها أيضاً لفظة " فدعا بها " عند مسلم وهي عند ابن ماجة " فيدعو بها ".
وكذلك لا تخالف روايات حديث ابن الزبير الصحيحة التي أوردها مسلم بجميع طرقها دون طريق ابن جريج لمعارضتها لجميع الطرق ولعدم صحتها لديه ؛ ومنها رواية عثمان بن حكيم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه ورواية أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه.
ولم تخالف سوى إحدى روايات حديث ابن الزبير التي هي من طريق ابن جريج التي تجنب روايتها أصحاب الصحاح عن زياد عن محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه إذ انفرد ابن جريج بهذه اللفظة عن محمد بن عجلان مخالفاً :
1- رواية محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه التي لم تخالف سائر الروايات الصحيحة.
2- ومنها رواية عثمان بن حكيم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه.
اللتين رواهما مسلم 5 / 79 بشرح النووي كتاب المساجد باب صفة الجلوس في الصلاة .
فالسقاف بدل أن يستنكر رواية ابن جريج عن زياد عن محمد بن عجلان التي انفرد بها عن محمد بن عجلان إذ رواها غيره عن محمد بن عجلان بدون هذه اللفظة ورواها غير محمد بن عجلان أيضاً بدون هذه اللفظة ذهب السقاف وحكم بالشذوذ على رواية زائدة التي شاركت جميع روايات غيره إما لفظاً أو معنى بينما رواية ابن جريج خالفت جميع الروايات لفظاً ومعنى إذ كيف يقول يدعو بها ولا يحركها ؟(1/19)
11- عدم تمييزه كلامه من كلام خصمه ورده عليه
وأضاف السقاف ص7 : وأما قول الألباني : رواه البيهقي فصحيح هو في سنن البيهقي والزيادة مطروحة كما قدمنا وكان أثناء تعداده أدلة الألباني وشبهه ص5 قد ذكر حديث وائل بن حجر ثم قال رواه البيهقي وأتبعه بقوله قال الألباني رواه أبو داود والنسائي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان وصححه ابن الملقن.
أقول : إن الألباني رحمه الله لم يعز الحديث للبيهقي وذلك تقصير منه وقد نقل السقاف عزو الألباني رحمه الله بكامله وليس فيهم البيهقي فعجيب منه أن يترك جميع من عزاه الألباني إليهم ويبدلهم بمصدر لم يعزه إليه الألباني رحمه الله.
ولو عدنا إلى ص5 وأمعنا النظر فيما كتبه السقاف لرأيناه ذكر الحديث ثم قال رواه البيهقي ثم قال : قال الألباني رواه أبو داود ... فواضح للعيان أن نسبة الحديث للبيهقي ليست من قول الألباني بل هي من قول السقاف نقلها من المجموع للنووي واختلطت على المسكين مع نقله الكامل لعزو الألباني للحديث وأجاب عنه بالإيجاب فلم يميز كلامه من كلام خصمه.(1/20)
12- إصرار السقاف على إنكار نسبة الحديث لأبي داود نتيجة جهله أو تجاهله أصول الرواية عند المحدثين
وقال متابعاً ص7 : وأما قوله رواه أبو داود ا هـ . فليس بصحيح فقد وهم الألباني فظن أن أبا داود أخرجه ولم يخرجه أبو داود.
وعلق في الحاشية عليه بقوله : وقد ظن أحد مقلدي الألباني أن هذا الحديث موجود في سنن أبي داود برقم 727 ، أو أنه أراد أن ينصر شيخه فكتب ورقات لي ملأها سباباً وشتماً لكنه لم يخرج منها بطائل وما في سنن أبي داود هو حديث آخر في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ورفعها وتحريكها من تحت الثياب في البرد فليتنبه إليه وقد أوردها أبو داود في باب رفع اليدين.
أقول : أما أبو داود فقد رواه فعلاً كما كتب لك أحد أنصار الألباني برقم 727 حسب زعمك لكن ادعاءك بأنه كتب ورقات لك ملأها سباباً وشتماً فذلك زعم باطل لأن الرسالة الخاصة عادة يغلب عليها طابع النصح والتودد أملاً في عودة المنصوح إلى الحق وعدم تماديه بالباطل إذ أنه ظن فيك خيراً فأحب أن ينصحك وإلا لشهر بك في رسالة علنية ، وقد جرب عليك الكذب في هذه الرسالة إذ ادعيت تصحيح ابن حبان والبيهقي والذهبي رواية ابن جريج لحديث ابن الزبير وهم بالعكس قد صححوا الحديث المخالف وهو حديث زائدة وتجاهلوا رواية ابن جريج لحديث ابن الزبير لضعفها عندهم سوى البيهقي الذي روى الحديثين بدون التعرض لهما صحة أو ضعفاً على طريقة أهل السنن وكل ذلك لتدلل على صحة ادعائك فكيف نصدق هذا الزعم ورسالتك هذه هي المليئة بالسباب والشتائم والكذب.
ثم هلا ترويت قبل أن تُكذِّب هذا الناصح وتفتري عليه وقرأت النص الذي أشار إليه فلو كنت من أهل الحديث حقاً لعلمت أن ما ذهب إليه هذا الناصح حق ولما وصفته بالتقليد فلو أمعنت النظر في الحديث 727 والحديث 726 الذي قبله لرأيت أن الحديث الذي قبله وصف فيه صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من التكبير حتى جلسة التشهد وقال ورأيته يقول هكذا وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة ثم روى أبو داود الحديث رقم 727 بإسناد فيه زائدة عن عاصم بن كليب ولم يعد الحديث ولاسنده بل قال بإسناده ( أي كما هو باقي إسناد الحديث الذي قبله ) ومعناه ( أي بنفس معنى الحديث الذي قبله ) إلا أنه زاد قال فيه ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى ..... الخ كلامه الذي لم يرد في الرواية السابقة.
وهذا حسب اصطلاح المحدثين : يروي المحدث حديثاً ثم يروي هذا الحديث بإسناد آخر يتفق في نهاية الإسناد مع الإسناد الأول فيقول حين يتفق مع الإسناد الأول بإسناده وإذا كان يؤدي نفس المعنى ولكنه يخالفه باللفظ فيقول بمعناه ولا يلزم هذا الراوي أن ينقل اللفظ الثاني إنما عليه أن يبين الزيادة أو الألفاظ المخالفة بالمعنى.
وهذا ما فعله أبو داود إذ أن الرواية الثانية فيها ألفاظ لم ترد في الرواية الأولى فأوردها بعد أن قال بإسناده ومعناه إذ قال : وقال فيه فذكرها.
ومعروف أن زائدة لم يتردد في روايته ولم يضطرب فيها وخاصة لفظ التحريك في جميع الكتب التي وردت فيها روايته نستنتج من ذلك أن عزو الألباني رحمه الله للرواية صحيح وكذلك عزو الناصح لهذه الرواية صحيح.
يضاف إلى ذلك فائدة أفيدك إياها بأن أبا داود رحمه الله قد فهم من الروايتين الأولى التي فيها " وأشار بالسبابة " في الحديث 726 والرواية الثانية " كان يحرك إصبعه يدعو بها " في الحديث 727 أنهما بنفس المعنى وذلك حين قال بإسناده ومعناه ولم يشر إلى اللفظ الثاني في الرواية الثانية ولو فهم أن اللفظ الثاني هو غير الأول في المعنى لوجب عليه بيانه كما بين ما اختلفت به الرواية الثانية عن الأولى إذ قال وقال فيه فذكر الخلاف والزيادة.(1/21)
13- جهل السقاف عادة المحدثين روايتهم الحديث كاملاً أو قطعة منه تحت عنوان معين أو حكم معين
وقول السقاف منكراً على الناصح ( وما في سنن أبي داود هو حديث آخر في رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ورفعها وتحريكها من تحت الثياب في البرد فليتنبه إليه وقد أوردها أبو داود في باب رفع اليدين ) .
ونسي السقاف أو تناسى أنه جرت العادة عند المحدثين أن يرووا الحديث كاملاً وأحياناً قطعة منه تحت عنوان أو حكم معين يفيدهم كدليل لهذا الحكم وهذا لا يعني أن هذا الحديث ليس فيه سوى هذا الحكم فأغلب الأحاديث تتضمن أحكاماً كثيرة قد لا تكون في موضوع واحد بل حتى ولا في عبادة واحدة . وهذا ما فعله أبو داود في باب رفع اليدين إذ أنه روى الأحاديث 721 ، 723 ، 726 ، 727 كاملة ليستشهد بجزء منها كدليل للباب.
ومع ذلك يطلب السقاف من القارىء أن يذهب مذهبه ويفهم فهمه بقوله فليتنبه إليه.
وقد عزاه لأبي داود أيضاً عبد الله هاشم يماني المدني محقق سنن الدارمي وكذلك الشيخ سلام الله وكذلك صاحب عون المعبود وصاحب منار السبيل وصاحب المنتقى من الأخبار وشرحه نيل الأوطار.
ثم إن أبا داود قال بإسناده ومعناه في الحديث رقم 727 وقد ذكر الإشارة بالسبابة في الحديث 726 الذي قبله وأورد الزيادة بتحريك اليدين تحت الثياب من البرد التي فيه وقد ذكره بتمامه ابن الجارود في الحديث رقم 208 ولو راجعته هناك لرأيت فيه تحريك اليدين تحت الثياب من البرد ورأيت فيه عبارة : فرأيته يحركها يدعو بها لكنك لاتريد أن تقر بذلك لأنه ليس على هواك.(1/22)
14- ولع السقاف بالمنكر واتهامه غيره بالولع بالشاذ
الإشكال الثاني يقول السقاف ص7 : أما قوله ( أي الألباني ) إنه فيه دليل على أن السنة أن يستمر في الإشارة في تحريكها إلى السلام فمردود لأنه أخذ برواية ـ أعني الألباني ـ وترك باقي الروايات الصحيحة التي نص الحفاظ على صحتها كرواية ابن عمر في مسلم ولعاً منه بالشاذ مع أن اللفظة التي تمسك بها ضعيفة بالشذوذ وترك أيضاً رواية سيدنا عبد الله بن الزبير التي خرجها أبو داود والبيهقي بأسانيد صحيحة بل ادعى لينصر رأيه أن رواية ابن الزبير التي فيها لفظة ( لا يحركها ) ضعيفة.
أقول : جميع الروايات الصحيحة متضافرة لفظاً ومعنى سواء رواية ابن عمر أو وائل بن حجر أو روايات ابن الزبير التي في مسلم والتي رواها محمد بن عجلان وعثمان بن حكيم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه وقد بينا أن الألفاظ : مشيراً بها ، يدعو بها ، يحركها هي بنفس المعنى وكما فهمه أيضاً أبو داود ولم يخالف هذه الروايات سوى رواية ابن جريج لحديث ابن الزبير والتي بينا وسنبين عللها إن شاء الله.
إضافة إلى ذلك اعترف السقاف بصحة رواية زائدة لحديث وائل بن حجر في الصفحة 6 من رسالته بقوله فهو حديث صحيح كما قال ؛ لكنها خالفت إحدى الروايات الضعيفة وليس الصحيحة لرواية حديث ابن الزبير والتي هي من طريق ابن جريج التي بينا بعض عللها ص21 فأصبحت عند السقاف العالم البعيد عن الهوى والضلال والجهل شاذة لمخالفتها إحدى الروايات الضعيفة المليئة بالعلل واتهم بالجهل والضلال والهوى من قال بضعف هذه الرواية الضعيفة والتي قصر فيها الألباني سامحه الله ولم يصفها بالنكارة وبذلك يضرب السقاف بعلم الحديث عرض الحائط إذ أنه من المقرر في علم الحديث إذاخالف الضعيفُ الثقةَ كان الحديث منكراً.
فيقرر السقاف أن الحديث الضعيف يرتفع إلى الصحة ( لأنه وافق رأيه ) ويَحْرفُ الصحيحَ إلى الشذوذ وبذلك تعلم كلام مَنْ هو المردود ومن أخذ برواية وترك ليس باقي الروايات الصحيحة بل كل الروايات الصحيحة.(1/23)
15- ادعاء السقاف أن أقوال مالك ليست دليلاً شرعياً حتى حين موافقتها الحديث الصحيح
الإشكال الثالث : قال السقاف في ص8 : أما قوله إنه مذهب مالك فالألباني لا يحتج بأقوال مالك ولا غيره فلا فائدة في هذا الكلام البتة وخصوصاً أنه ليس دليلاً شرعياً عنده.
فأقول : إن الألباني رحمه الله يحتج بأقوال من عمل بالحديث الصحيح لأن مذهبه أن يعمل بالحديث الصحيح أحد العلماء المجتهدين قبله كي لا يتفرد هو بالعمل به وإلا فهل أقوال مالك هي دليل شرعي عندك ياسقاف.(1/24)
16- ظنه إذا خالف أحد علماء المذهب لرأي المذهب صار خلافاً عاماً
ثم يقول السقاف : ونزيد الألباني فنقول له هناك خلاف بين المالكية في تحريك الإصبع.
أقول : ياسبحان الله قول الألباني رحمه الله وهو مذهب مالك وغيره هل هذا الكلام معناه مذهب المالكية أم أن هذا مذهب مالك وهل إذا قال الإمام رأياً ألزم جميع من انتسب إلى مذهبه بالقول به وهذا الخلاف بين علماء المذهب طبيعي في حال ثبوته إذن فلا فائدة من إيراد خلاف بعض المالكية لإمامهم وليس حجة على الإمام ولا على غيره على الرغم من قول سلام الله بأن هذا المذهب أخذ به مالك والجمهور كما زعمت أنت فقد أتيت به ليشهد لك فشهد عليك فقد صرح بأن هذا الرأي أخذ به مالك والجمهور أي أن جمهور المالكية هم من أهل هذا الرأي ولا عبرة للباقي خاصة في حال مخالفتهم للحديث الصحيح.(1/25)
17- استشهاده بالشيخ سلام الله الذي ترك مذهبه واتبع الحديث الذي ظنه في مسلم ( خطأً ) بينما هو ( أي السقاف ) يفعل العكس
ثم يستشهد السقاف بكلام الشيخ سلام الله في شرح موطأ مالك فيقول : ففي عون المعبود 3 / 455 قال الشيخ سلام الله في شرح موطأ مالك وفي حديث وائل عند أبي داود وفيه " ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " ففيه تحريك السبابة عند الرفع وبه أخذ مالك والجمهور على أن المراد بالتحريك ههنا هو الرفع لا غير ؛ فلا يعارضه ما في مسلم عن ابن الزبير " كان ? يشير بإصبعه إذا دعا لا يحركها " ا هـ من عون المعبود.
أقول : ياسبحان الله شتان بين ورع الشيخ سلام الله وبين مغالطاتك فالشيخ سلام الله مالكي ومذهب إمامه التحريك لكنه وقع على رواية ابن جريج هذه التي في سنن أبي داود ( التي أنكرتها ) وظنها خطأً أنها في مسلم فلم يسعه رحمه الله أن يتمسك برأي إمامه ويترك حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الذي ظنه صحيحاً فحاول التوفيق بين الحديثين قدر جهده فتوصل إلى الرأي بأن يحركها مرة واحدة ثم يتوقف عن التحريك فهو مأجور على اجتهاده هذا وإن أخطأ ولكنك اطلعت على ضعف الحديث برواية ابن جريج فما الحاجة لأن تتمسك باجتهاده الذي بني على أساس خاطىء وهو الذي أراد به وجه الله لكنك تريد به غير ذلك وهذا الرأي ليس هو رأي المالكية بل هو رأي الشيخ سلام الله فقط وذلك لظنه خطأًً أن الحديث هو في صحيح مسلم فلم يجرؤ الرجل على مخالفة الحديث في سبيل اتباع مذهبه وأنت ياسقاف تخالف الحديث الصحيح ليس في سبيل اتباع مذهبك لأن إمامك يقول إذا صح الحديث فهو مذهبي وإنما تخالفه لشيء آخر تخفيه في نفسك.(1/26)
18- تخطئة السقاف صاحب عون المعبود والشيخ سلام الله بعزو حديث وائل لأبي داود
ثم يستدرك السقاف بجهله ص 8 على ما نقله صاحب عون المعبود عن الشيخ سلام الله في شرح موطأ مالك في قوله وفي حديث وائل عند أبي داود وفيه " ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " وذلك بتعليقه في الحاشية بقوله : وقد اغتر الألباني بنسبة هؤلاء المصنفين الحديث لأبي داود فنسبه هو أيضاً لأبي داود تقليداً لا تحقيقاً وذلك من أكبر الأدلة على أنه ليس بمحدث بل هو ناقل من الكتب لا غير فتنبه.
أقول : اغتر السقاف بنفسه كثيراً حتى أنه لم يملأ عينه الشيخ سلام الله شارح موطأ مالك ولا صاحب عون المعبود في عزو الأول للحديث لأبي داود وموافقة الثاني له ولم يدفعه عزوهما هذا ولا صاحب منار السبيل ولا صاحب المنتقى من الأخبار ولا صاحب نيل الأوطار إلى إعادة القراءة لحديث أبي داود ولم يدفعه نصح أحد الإخوان له وإرشاده إلى مكان الحديث بالضبط فنسب الناصح إلى تقليد الألباني ونسب الألباني رحمه الله كما ترى إلى الجهل وأنه ليس بمحدث ووصفه بأنه ناقل من الكتب لا غير ومن ثم ينبه القارىء إلى ما استنتجه هو مستدلاً بدليل واعتبره من أكبر الأدلة ألا وهو عزو الحديث إلى أبي داود وقد غاب عن ذهنه أنه دلل بعمله هذا على صلفه وعجبه بنفسه إذ على الرغم من أن جميع هؤلاء العلماء ينسبون الحديث إلى أبي داود فهو يكابر ويقرر أن من قلدهم هو جاهل فجميع هؤلاء العلماء جهلة ومن قلدهم جاهل عند هذا الجاهل فهذا السقاف الذي يدعي أنه عربي قرشي هاشمي حسيني وبكل أسف لايفقه فهم اللغة العربية كما سيأتي في أواخر هذه الرسالة بفهمه قول وائل بن حجر يحركها لايحركها إنه يفهم الكلام العربي بأسلوب يستحيي الكردي أو الأرمني أن يفهمه به فغاية مايفهمه الكردي والأرمني أن يذكر المؤنث ويؤنث المذكر أما أن يفهم الإثبات نفياُ والنفي إثباتا فهذا مالم يفعله الأعاجم فمثل هذا الأعجمي اللسان والفهم أنى له فهم مصطلح علم الحديث.(1/27)
19- اعترافه بأن مذهب مالك هو التحريك
ثم يستشهد السقاف ص 8 بتفسير الشيخ سلام الله لحديث التحريك بعد اعترافه بأنه أخذ به مالك والجمهور بأن المراد بالتحريك ههنا هو الرفع لاغير.
فأقول : من أين له هذا التخصيص للحديث ونصه واضح " ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " يقول الحديث رفع إصبعه فرأيته يحركها ولم يقل حركها أكد تأكيداً ثانياً على التحريك بقوله يدعو بها.
ولكن التعصب يوهمه أنه فعل شيئاً وطلاب المرحلة الابتدائية يعلمون أن فعل المضارع يفيد الاستمرار !(1/28)
20- طلب السقاف من الألباني تقليد مذهب مالك في خطئه وصوابه
ثم يقول ص9 : أقول سبحان الله عندما يوافق اجتهاد الإمام مالك ما يريد الألباني يأخذ به ويعتبره وعندما يخالفه يضرب به عرض الحائط.
وأنا أقول : سبحان الله عندما ترى كلام أيٍّ شخص يوافق رأيك أو أي حديث مهما كان ضعيفاً يوافق مذهبك فأنت مستعد لرد جميع الروايات الصحيحة وتصحيح الرواية الضعيفة كما تفعل الآن وكما سودت صفحات رسالتك هذه بكلام ليس فيه أيُّ بصيص من العلم وإنما هو عبارة عن افتراءات وشتائم وهذا هو سلاح الجاهل.(1/29)
21- ادعاء السقاف عدم استمرار التحريك عند المالكية
ثم يقول السقاف ص9 : علماً بأن الذين يقولون بالتحريك من السادة المالكية لا يقولون بالصفة التي يدعو لها الألباني.
فأقول : أثبت ذلك وإلا فهي إحدى افتراءاتك.(1/30)
22- قول المالكية ليس حجة عند السقاف وإن كان معهم الدليل
ثم يقول السقاف ص9 : ولو ثبت أن السادة المالكية يقولون بالتحريك بالصفة التي يقول بها هذا الألباني فلا حجة بذلك عندنا وعنده.
قلت : هذا صحيح لكن مع الفارق بينك وبينه فهو يدور مع الحديث حيث دار - ابتغاء وجه الله - وأنت تُدوِّرُ الحديثَ حيث تدور - ابتغاء غير ذلك.(1/31)
23- الدليل على أن الألباني يدور مع الحديث حيث دار ولا يُدوِّر الحديث حيث يدور
ثم قال السقاف ص9 : وقد أنكر مالك حديث تحريم صيام السبت في غير الفريضة وهو أمير مؤمنين في الحديث من أئمة السلف فلماذا أعرض الألباني عن كلامه ؟
أقول : يقال أمير المؤمنين وليس أمير مؤمنين - وياليتك أعجمي وتفهم اللغة العربية مثل الألباني بدلاً من أن تكون عربياً كما تدعي ولا تجيد اللغة العربية - والعربي يفرق بين اللفظين فاللفظ الأول معرفة أما الثاني فنكرة وإذا قلت أمير المؤمنين فُهِمَ أن مالكاً هو أمير جميع المؤمنين في علم الحديث أما إذا قلت أمير مؤمنين فهذا يعني أنه أمير بعض المؤمنين وقد يكونون اثنين ، ثم كلامك هذا في مخالفَة الإمام مالك لدليل واضح على أن الألباني يدور مع الحديث حيث دار ولا يدوِّرُ الحديثَ حيث يدور ولا يعبد الرجال بل يعبد رب الرجال.(1/32)
24- دعوة الألباني لاتباع السنة في حال ثبوتها ونسي ما يفعله هو بالسنة
ثم قال السقاف ص9 : ونحن سنثبت بإذن الله تعالى ومشيئته للألباني ولغيره أن السنة عدم تحريك الإصبع في الصلاة فإن ثبت ذلك أفيترك الألباني مذهب مالك كما يزعم ويتبع السنة كما يدعو الناس إلى ذلك بزعمه ؟ أم يبقى مصراً معانداً ؟
فأقول : ياسبحان الله ألا تدري ما تقول ؟ أم نسيت ماقلت قبل هذا الكلام بأسطر ؟ أنسيت أنك قلت : ولو ثبت أن السادة المالكية يقولون بالتحريك بالصفة التي يقول بها هذا الألباني ( مستهزئاً به ) فلا حجة بذلك عندنا وعنده واستدللت على ذلك بأن مالكاً أنكر حديث تحريم صيام السبت في غير الفريضة وأعرض الألباني عن كلامه ( أي كلام مالك ) فهل هذا الكلام دليل على أن الألباني رحمه الله يذهب مذهباً أو يقلد مذهباً ثم يطوع الأحاديث لمذهبه ؟ أم أنه يتبع الحديث غير معتدٍّ بمن خالفه ابتغاء وجه الله ؟
ثم نعكس السؤال : بعد أن أثبتنا لك أن السنة الصحيحة ( كما اعترفت أنت بصحة حديث التحريك وبعد أن أثبتنا لك ضعف الرواية التي تمسكت بها وهي عدم التحريك ) هي التحريك فهل تتخلى عن مذهبك وتتبع السنة كما يدعو الألباني رحمه الله الناس ؟ أم تبقى مصراً معانداً ؟ عهدي بك الثاني وأرجو أن يخطىء ظني بك لكن لاأظنه.(1/33)
25- نفي السقاف قول الإمام أحمد بالتحريك
الإشكال الرابع : قال السقاف ص9 : أما قوله سئل الإمام أحمد فقال يشير بها شديداً . ا هـ فليس في كلامه ما يدل أو يشير للتحريك.
أقول : آفة العلم من الفهم السقيم فإذا لم تفهم الحديث في سنن أبي داود رغم أن أحد الإخوان قد أشار لك برقم الحديث من الكتاب ورغم قول سلام الله ذلك ورغم قول صاحب عون المعبود و ..... و وأصررت على التعامي أو أنك لم تفهم اصطلاح القوم في الرواية ولم تُجِدْ تتبع الروايات في الكتب فهذا ليس شأننا.
فقد قال الألباني رحمه الله في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم - ص170 : وسئل الإمام أحمد : هل يشير الرجل بإصبعه في الصلاة ؟ قال : نعم شديداً . ذكره ابن هاني في مسائله عن الإمام أحمد ص26 من مخطوطة المكتب الاسلامي ا هـ . فكيف يفهم العربي عبارة يشير الرجل بإصبعه في الصلاة شديداً المعنى الصريح والواضح لكل عربي أن الرجل يحرك إصبعه بشدة وإلا لما بقي للسؤال ولا للجواب معنى.
ثم تذهب لتغوص في مذهب الإمام أحمد كما غصت في مذهب مالك عمن يخالف إمام المذهب في رأيه على الرغم من أن الألباني رحمه الله لم يستشهد سوى برأي إمام المذهب.(1/34)
26- ادعاؤه أن مذهب السادة الحنابلة عدم التحريك
وأضاف السقاف ص9 : ومذهب السادة الحنابلة عدم التحريك وهم أدرى بأقوال إمامهم ومعانيها وصحيحها من سقيمها.
أقول : هل يقول هذا إنسان فمذهب الحنابلة والمالكية معروف ومشهور بالتحريك.
غاية ما في الأمر أن بعض الحنابلة حاول التوفيق بين الحديث الصحيح " يحركها " وبين الحديث الضعيف الذي ظنه صحيحاً " لا يحركها " فقالوا يشير بها عند ذكر الله في التشهد وغيره ويخفضها حين عدمه فشتان بين ورعه وعنادك.(1/35)
27- فهمه إشارة الحنابلة عند كل ذكر لله في التشهد عدم تحريك
وأضاف السقاف ص9 : قال صاحب الروض المربع الحنبلي 1 / 59 ما نصه : ويشير بسبابتها من غير تحريك في تشهده ودعائه في الصلاة وغيرها عند ذكر الله تعالى تنبيهاً على التوحيد . ا هـ والروض المربع مختصر معتمد عند الحنابلة.
أقول هنا : أي أنه لا يستمر بالتحريك بل يشير بها عند ذكر الله تعالى وليس لا يحركها مطلقاً ، ويشهد لذلك ما قاله الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقزي في حاشيته على الروض المربع 1 / 179 : قوله " عند ذكر الله تعالى " انظر هل المراد عند ذكر لفظ الله أو عند ذكر كل لفظ دال على " الله " حتى " اللهم " والضمائر فليراجع ثم رأيت ابن نصر أفصح عن المسألة وعبارته في شرحه على الفروع : وتبعه م ص ( أي حاشية منصور على المنتهى ) أي عند لفظ الله ومقتضى ذلك أنه يشير بها في تشهده أربع مرات م خ ( أي حاشية محمد الخلوتي ) ا هـ بحروفه ولكن ماذا نفعل مع العربي الذي لايستطيع فهم العربية.(1/36)
28- تَقْوى ابن قدامة بتمسكه بالحديث
وتابع السقاف ص10 : وقال شيخ المذهب ابن قدامة الحنبلي في المغني 1/534 " ويشير بالسبابة يرفعها عند ذكر الله تعالى في تشهده لما روى عبد الله بن الزبير ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يشير بإصبعه ولا يحركها ) " . رواه أبو داود ؛ فمن أعلم بكلام الإمام أحمد ابن قدامة شيخ المذهب أم الألباني ؟
أقول : إن ابن قدامة يقرر الإشارة بالسبابة عند ذكر الله ( أليس هذا تحريك ) ليوفق بين حديث وائل بن حجر وحديث ابن جريج الذي ظنه صحيحاً وشتان بين ورعه وعنادك.
وابن قدامة يقول بالتحريك ويقيده بذكر الله ليوفق بين الحديثين ومن المعلوم أنه بعد معرفة ضعف الحديث الثاني القائل بعدم التحريك يرتفع القيد ويبقى التحريك مطلقاً.
فمن أعلم بمذهب الإمام أحمد صاحب الروض المربع وابن قدامة وابن مفلح وصاحب منار السبيل أم السقاف الذي ظن كلمة من غير تحريك في كلامهم تفيد عدم التحريك مطلقاً ونسي أو تناسى بأنهم يقولون يشير بالسبابة عند ذكر الله أي يرفعها عند ذكر الله ويخفضها في غيره وهو تحريك مقيد.(1/37)
29- مع بتر كلام ابن مفلح يتضح ما أخفاه السقاف من قول أكثر أئمة الحنابلة بالتحريك المستمر
وأضاف السقاف ص10 : وفي المبدع شرح المقنع لابن مفلح الحنبلي 1/462 ما نصه : وعلى كل حال لا يحركها في الأصح لفعله عليه السلام قال في الغنية : ويديم نظره إليها في كل تشهده لخبر ابن الزبير رواه أحمد.
أقول : مهما اقتطعت من كلام ابن مفلح فظاهر منه أنه عرض آراء من قال بالتحريك من كبار أئمة الحنابلة ودليلهم ومن قال بالتحريك المقيد بالإشارة عند ذكر الله مع دليله وهو حديث ابن جريج ثم رجح الرجل ولورعه التقييد ومخالفته لإمامه اتباعاً للحديث الذي ظنه صحيحاً فهو مأجور على اجتهاده وعدم تعصبه لإمامه وإن أخطأ وأنت موزور ياسقاف على عنادك ومخالفتك المتعمدة للحديث الصحيح ولو رجعت إلى الكتاب المشهور عند الحنابلة وهو منار السبيل في شرح الدليل على مذهب الإمام أحمد بن حنبل إذ يقول الشيخ مرعي بن يوسف في المتن 1 / 94 " ويشير بسبابتها عند ذكر الله " ويعلق الشارح الشيخ إبراهيم المحمد بن ضويان على ذلك بقوله لحديث ابن عمر " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها " رواه أحمد ومسلم. وفي حديث وائل بن حجر " ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
إذن مذهب الحنابلة التحريك بالرغم من أنك تفتش عمن حاول التخلص من مخالفة حديث ابن جريج فاجتهد بتقييد التحريك خروجاً من هذه المخالفة وإن الإمام أحمد يذهب إلى تحريك الإصبع وبشدة.(1/38)
30- عزو صاحب منار السبيل حديث وائل بن حجر إلى أبي داود الذي أنكره السقاف
وهنا أهمس في أذنك ياسقاف هل الشيخ إبراهيم المحمد صاحب منار السبيل بعزوه الحديث لأبي داود هو من المصنفين الذين أخطأوا أم الذين ليسوا بمحدثين وليسوا سوى ناقلين من الكتب.
ثم يعود السقاف لسؤاله السخيف والمغالط للألباني رحمه الله والذي يعرف جوابه ودلل عليه أثناء مناقشته لمذهب مالك في التحريك بقوله التالي في الفقرة القادمة.(1/39)
31- انقلاب السحر على الساحر
فقال السقاف ص10 : ونقول للألباني لو فرضنا أن الإمام أحمد يقول بالتحريك الذي تقول أنت به ـ جدلاً ـ وثبت في السنة خلاف ذلك فهل تبقى معانداً متعصباً للإمام أحمد ؟
وأنا أقول لك ياسقاف : هل الألباني وضع كلام الإمام أحمد هو الأصل واستدل عليه بالأحاديث وطوعها ليُثبت كلامه أم أنه فتش عن الحديث الصحيح ثم عمن عمل به ليطمئن به قلبه ؟
ولنعكس السؤال : لو ثبت لك عدم صحة الحديث الذي بنيت عليه رسالتك هذه كلها وثبت لك صحة باقي الروايات هل تتبع الحديث الصحيح الذي تحث عليه الألباني رحمه الله أم تبقى معانداً متعصباً لهواك ؟ !(1/40)
32- حتى أئمة الشافعية يقولون بالتحريك
ومن المشهور بين جميع الناس أن المالكية والحنابلة يحركون إصبعهم في التشهد ولكن الذي كتمه السقاف بعد أن قرأه في المجموع شرح المهذب 3 / 454 واقتطع منه ( ص 13 من رسالته ) ما وافق هواه وكتم الباقي أن هناك من كبار أئمة الشافعية من يقول باستحباب التحريك فقال النووي :
وهل يحركها عند الرفع بالإشارة ؟ فيه أوجه :
1- الصحيح الذي قطع به الجمهور أنه لا يحركها فلو حركها كان مكروهاً ولا تبطل صلاته لأنه عمل قليل.
2- والثاني : يحرم تحريكها فإن حركها بطلت صلاته حكاه عن أبي علي بن أبي هريرة وهو شاذ ضعيف.
3- والثالث يستحب تحريكها حكاه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وآخرون.
وقد يحتج لهذا بحديث وائل بن حجر رضي الله عنه أنه وصف صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وذكر وضع اليدين في التشهد قال : " ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " رواه البيهقي بإسناد صحيح.
إذن ليس فقط الحنابلة والمالكية يقولون بالتحريك ولكن العلماء الكبار من الشافعية يقولون بالتحريك وقد قرأته ياسقاف لكنك كتمته كما كتم اليهود آية الرجم عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حينما طلبوا منه أن يحكم في يهودي ويهودية زنيا كما جاء في صحيح البخاري في المحاربين باب الرجم في البلاط ومسلم في صحيحه 11/209 في الحدود باب حد الزنا والدارمي في الحدود باب الحكم بين أهل الكتاب ولكن ) وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ( ( التوبة الآية 32 ) وما أريدك أن تجاري اليهود في فعلهم فالحق أحق أن يتبع.(1/41)
33- تفسيره البهلواني للحديث " فرأيته يحركها يدعو بها " برفعها فقط
الإشكال الخامس : قال السقاف ص10 قوله : ( ومنه يتبين أن تحريك الإصبع في التشهد سنة ثابتة ) ؛ فجوابه نعم رفعها وهو تحريكها مرة واحدة سنة ثابتة لا تكرار التحريك كما توهم الشيخ.
أقول : سبحان الله إذا ضعفت حديث التحريك فأين الدليل على تحريكك هذا مرة واحدة ؟ وإذا ثبت إلى رشدك وصححت الحديث فمن أين أتيت بتخصيص التحريك بمرة واحدة ؟ ثم هل رفع الإصبع يسمى تحريكاً ودعاءً بها ؟ وهل هذا الذي يعنيه الحديث " ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " .(1/42)
34- قول السقاف لو كان مراد وائل بن حجر دوام التحريك لما قال فرأيته يحركها
ثم يقول السقاف ص11 : وأقول لو كان الأمر كما يزعم ويدعي ( أي الألباني ) لما قال سيدنا وائل بن حجر رضي الله عنه ( ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها ) لأن ظاهر هذه الرواية يفيد أنه كان واضعها ثم أشار بها بدليل رواية سيدنا ابن عمر في صحيح مسلم ( وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة ) فاتضح أنه أشار بها بعدما كان واضعاً لها من أول التحيات وهذا مراد سيدنا وائل بالتحريك على فرض ثبوته وعدم شذوذه ولم يرد سيدنا وائل دوام التحريك قطعاً كما تفيده النصوص والألباني يخالف ذلك كله بالتحريك من أول الجلوس في التشهد مع أن رواية ( لا يحركها ) الصحيحة تثبت وتؤكد ما قررناه.
أقول : لنورد الحديث وليقرأه القراء ليشهدوا لك أو عليك :
يقول وائل بن حجر : " قلت لأنظرن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كيف يصلي ؟ قال فنظرت إليه قام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه ثم وضع كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد ثم ركع فرفع يديه مثلها ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه ثم جلس فافترش اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى ووضع حد مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها ؛ ثم جئت بعد ذلك في زمن فيه برد فرأيت الناس وعليهم جلُّ الثياب تحرك أيديهم من تحت الثياب " هذا لفظ ابن الجارود برقم 208 وفي ابن حبان في الزوائد برقم 485 " ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد " وباقي الحديث بألفاظ متقاربة معه.
فهل تريد أن يرفع إصبعه وهو في السجود أم وهو واقف ؟ فوائل بن حجر يصف صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قوله ثم جلس فافترش اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى ووضع حد مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها.
فهو يصف الأعمال بالترتيب وكذلك في رواية ابن عمر " وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة " فكيف اتضح لك يا صاح أنه أشار بها بعد ما كان واضعاً لها من أول التحيات وأين ذكر وضعه لها في روايتي وائل وابن عمر فقد شرح وائل بن حجر كيف وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كفه على فخذه وركبته اليسرى بينما وصف يده اليمنى رأساً بالوضع فالقبض فالتحريك ؟
ثم هل مراد وائل بن حجر بالتحريك عدم التحريك ؟ أتراه أعجمياً لا يجيد التعبير فيعبر عن عدم التحريك بالتحريك ؟
صحيح أنه ليس حسينياً ولا هاشمياً ولا قرشياً لكنه حضرمي كِنْدي من بقايا أبناء الملوك في حضرموت فهو يجيد العربية ويعبر عن كل شيء بما يناسبه من اللغة العربية ولا يحِّيرُّ الناس في فهم مراده ولا يحوجهم لفهم كلامه إلى أن يعكسوه وفي اللغة العربية كلمة يحركها تفيد استمرار التحريك وإلا لاكتفى بكلمة رفع إصبعه إذا كان الهدف من التحريك هو مجرد الرفع.
ولقد فتشت عن تعبير أفصح من هذا يعَّبر به عما أراده الألباني رحمه الله لنعطيه ونعلمه لوائل بن حجر ليصحح تعبيره فلم أجد فلم يبق أمامنا إلا أن نلجأ للعربي القرشي الهاشمي الحسيني الشافعي السقاف ليعطينا التعبير العربي الذي كان على وائل بن حجر أن يقوله ليعبر عن استمرار التحريك لو كان يعنيه . فقد نفى السقاف دلالة كلام وائل على ما يزعم ويدعي الألباني رحمه الله بقوله : لو كان الأمر كما يزعم ويدعي لما قال سيدنا وائل بن حجر رضي الله عنه .... أما كان عليه أن يقول ما كان على وائل بن حجر أن يقول لو كان الأمر كما يزعم ويدعي الألباني ولخلصنا من الحيرة ؟(1/43)
35- رد السقاف تضعيف الألباني لحديث ابن جريج من قبل إسناده وهو ضعيف من قبل إسناده ومتنه
الإشكال السادس : قال السقاف ص11 : قوله ( حديث لا يحركها لا يثبت من قبل إسناده ) مردود عليه.
أقول : بل لا يثبت من قبل إسناده ومتنه كما بيناه ص21 وما سنبينه ص50-55 إن شاء الله تعالى.(1/44)
36- ثلاث ملاحظات على التراجم التي نقلها السقاف تظهر أن وراء الأكمة ما وراءها
ثم قال السقاف ص11 : وإليك الحديث ورجاله وأقوال الحفاظ فيه : قال أبو داود في سننه : حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي أخبرنا حجاج عن ابن جريج عن زياد عن محمد بن عجلان عن عامر عن عبد الله بن الزبير " أنه ذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها " .
ثم قال رجال الحديث وأقوال أهل الجرح والتعديل فيهم :
أ- إبراهيم بن الحسن المصيصي قال الحافظ في تقريب التهذيب صحيفة 89 رقم 164 ثقة ( د س ).
ب- حجاج بن محمد قال في الجرح 3 / 66 / 708 قال علي المدني ثقة صدوق وقال الحافظ في تقريب التهذيب 153 رقم 1135 ثقة ثبت . وأضاف في الحاشية وما أورده هنا بعض الأغبياء من أهل الكنود والجحود فلا شيء البتة ( ع ).
ج- ابن جريج قال في الجرح 5 / 357 / 1687 قال أحمد : ابن جريج : ثبت صحيح الحديث لم يحدث بشيء إلا أتقنه ( ع ) .
د- زياد بن سعد قال في الجرح 3 / 533 / 2408 قال أحمد : خراساني ثقة ا هـ وفي التقريب ثقة ثبت ( ع ).
ه- محمد بن عجلان : قال في الميزان 3 / 664 / 7938 إمام صدوق مشهور وثقه أحمد وابن عيينة وأبو حاتم ( وهو من رجال مسلم والأربعة ).
و- عامر بن عبد الله : قال في الجرح 6 / 325 / 1810 قال الإمام أحمد : ثقة من أوثق الناس ا هـ وفي التقريب ثقة عابد من رجال الستة.
هذا تخريج رجال الحديث وقد رأيت أن رجاله كلهم عدول ثقات.
أقول : كما أريتنا إن رجال الحديث كلهم عدول ثقات لا كما رأينا فدعنا نبحث بأنفسنا عن رجال الحديث بعد أن نلقي نظرة على تخريجك.
ففي هذا التخريج عدة ملاحظات :
1- من المعروف أن تهذيب التهذيب هو كتاب مختصر يحوي تراجم رجال كتب الأئمة الستة وهو يحتوي على ما حكاه أبو حاتم وابن معين وأحمد والبخاري والنسائي وابن عدي وو ... وعادة لا يلجأ المحدث إلى غيره إلا في غير رجال كتب الأئمة الستة وإذا أراد إجمال أقوالهم رجع إلى كتاب التقريب فالحافظ ابن حجر لخص التراجم فيه بحكمه هو المستخلص من أقوال الأئمة في التهذيب.
والحديث هو في سنن أبي داود أي أن رجاله كلهم في التهذيب والتقريب .
وصاحبنا السقاف قد ترجم رجال الحديث.
أ - إبراهيم بن الحسن - من التقريب
ب - حجاج بن محمد - من الجرح والتقريب ( فيم انتقى )
جـ - ابن جريج من الجرح ووضع رمز ع دون أن يبين ما يقصد به وكتاب الجرح لا يستعمل هذا الرمز وإنما هو من استعمال التقريب والتهذيب والميزان.
د - زياد بن سعد - من الجرح والتقريب .
هـ- محمد بن عجلان - من الميزان.
و - عامر بن عبد الله - من الجرح والتقريب .
فلم هذا التحول من التقريب في الأول إلى الجرح والتقريب في الثاني إلى الجرح في الثالث مع رمز التقريب فقط ثم الجرح والتقريب في الرابع ثم إلى الميزان في الخامس ثم إلى الجرح والتقريب في السادس ؟
2- إحجامه عن الترجمة من التقريب لابن جريج ونقله الرمز ع منه فقط دون أن ينسبه له وهو من استعماله.
3- إضافته إلى ترجمة حجاج بن محمد في الحاشية : وما أورده هنا بعض الأغبياء من أهل الكنود والجحود فلا شيء البتة فلم يكشف لنا من هم هؤلاء الأغبياء من أهل الكنود والجحود ولم يكشف لنا ما قالوا ولا أين قالوا ؟
فلا بد أن وراء الأكمة ما وراءها .
ولرؤية ما وراء الأكمة يجب أن نبحث في التهذيب والتقريب عن تراجم هؤلاء الرجال لنتبين سبب إحجامه عن تراجمهم فيهما فالرجل ذمته واسعة جداً.(1/45)
37- إخفاء السقاف اختلاط حجاج بن محمد أثناء نقله ترجمته
ب- حجاج بن محمد [ رقم الصفحة في الجرح هو 166 وليس 66 وعلي هو ابن المديني وليس المدني ] .
أما ترجمته في التقريب : ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته وهذا من أمانته إذ نقل ما يفيده ويدعمه في دعم دليله واستبعد ما يضيره ويهدم بنيانه من أساسه ( والمختلط حديثه ضعيف كما في مقدمة التقريب ).(1/46)
38- وصف السقاف كبار أئمة الجرح والتعديل الذين ذكروا اختلاط حجاج بن محمد بانهم أغبياء من أهل الكنود والجحود
ويا ليته وقف عند هذا الحد بل زاد الطين بلة فقال وما أورده هنا بعض الأغبياء من أهل الكنود والجحود فلا شيء البتة.
ولنتبين من هم الأغبياء رأينا أولاً أن ابن حجر قد ذكر في التقريب اختلاط حجاج ولنتبين باقي الأغبياء من أهل الكنود والجحود علينا أن نعود إلى التهذيب والميزان فنرى أن الذهبي قد ذكر اختلاط حجاج في الميزان وابن حجر قد ذكره في التهذيب ونقله عن ابن سعد وإبراهيم الحربي ويحيى بن معين والخلال وأبي العرب القيراوني الذي ذكره في الضعفاء بسبب الاختلاط وأصل كتاب تهذيب التهذيب هو تهذيب الكمال لأبي الحجاج المزي وأصل تهذيب الكمال أيضاً الكمال في أسماء الرجال للمقدسي فالأغبياء من أهل الكنود والجحود هم الذهبي وابن حجر وابن سعد وإبراهيم الحربي ويحيى بن معين والخلال وأبو العرب القيرواني وأبو الحجاج المزي والمقدسي وهؤلاء كلهم من أهل الكنود والجحود ولا شيء كلامهم البتة.(1/47)
39-إخفاء السقاف تدليس ابن جريج
ج- ابن جريج : قال في الجرح قال أحمد : ابن جريج ثبت صحيح الحديث لم يحدث بشيء إلا أتقنه ا هـ ( ع ) قلت الرمز ( ع ) ليس للجرح بل هو للتقريب وتعني أنه من رواة الستة فلماذا نقل السقاف ترجمة ابن جريج من الجرح ولم ينقلها من التقريب كما فعل فيمن قبله ومن بعده طبعاً ليس مصادفة بل لغاية في نفس يعقوب فلنعد إلى التقريب 1 / 520/ 1324 ونرى ما فيه فيقول الحافظ : ثقة فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل ولو تعدينا التقريب إلى التهذيب 6/404/855 لوجدنا في الترجمة : وقال أبو بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد كنا نسمي كتب ابن جريج كتب الأمانة . وإن لم يحدثك بها ابن جريج من كتابه لم ينتفع به . وقال الأثرم عن أحمد إذا قال ابن جريج قال فلان وقال فلان وأُخبرت جاء بمناكير وإذا قال وسمعت فحسبك به .... وقال الدارقطني تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما فالتدليس أخفاه السقاف بنقله قول أحمد فقط من الجرح فيه هذه هي أمانة العلم عند السقاف بل هذا هو العلم عند السقاف.
أما الألباني فهو ناقل كتب لا يجيد التدليس ولا مهاجمة أئمة الجرح والتعديل أما السقاف فبطل ويطلق العنان للسانه في شتم أئمة الدين فأين هذا من ذاك !
وابن جريج هنا قد روى الحديث وعنعنه ولم يصرح بالتحديث فكما قال أحمد فيه : إذا قال ( أي ابن جريج ) قال فلان وقال فلان وأُخبرت جاء بمناكير فالحديث منكر.
د- زياد بن سعد قال في الجرح قال أحمد خراساني ثقة ا هـ وفي التقريب ثقة ثبت ( ع ) وما عرَّج إلى الجرح إلا ليبرر تعريجه عن التقريب في ترجمة محمد بن عجلان مع أن عبارة التقريب أقوى وأوثق من عبارة الجرح.
هـ- محمد بن عجلان قال في الميزان إمام صدوق مشهور وثقه أحمد وابن عيينة وأبو حاتم وهو من رجال مسلم والأربعة.
والسقاف لم تعجبه ترجمة الحافظ لمحمد بن عجلان في التقريب فنزع إلى الميزان أملاً في إبعاد أي شبهة ضعف عن رواة الحديث الذي تبناه ولكنه زاد الطين بلة إذ أنه نقل التوثيق له دون التضعيف وذلك من أمانته العلمية وفضله وتقواه.
وإليك ما أورده الذهبي في الميزان بعد ذكره التوثيق سالف الذكر قال الحاكم : أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثاً كلها شواهد ( أي لم يحتج مسلم به بل روى له متابعة أي هو عنده ضعيف ) وقد تكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه قلت ( القائل الذهبي ) : والثلاثة المسمون قل ما رووا عنه ( هم مالك وشعبة ويحيى القطان ) قال يحيى القطان كان مضطرباً في حديث نافع وقال عبد الرحمن بن القاسم قيل لمالك إن ناساً من أهل العلم يحدثون قال من هم فقيل له : ابن عجلان فقال لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً قلت ( القائل الذهبي ) : قال مالك هذا لما بلغه أن ابن عجلان حدث بحديث خلق الله آدم على صورته ولابن عجلان فيه متابعون وخرج في الصحيح . وقال البخاري في ترجمة ابن عجلان في الضعفاء وقال لي علي بن أبي الوزير عن مالك أنه ذكر ابن عجلان فذكر خبراً و قال البخاري قال يحيى القطان : لا أعلم إلا أني سمعت ابن عجلان يقول كان سعيد المقبري يحدث عن أبيه عن أبي هريرة وعن رجل عن أبي هريرة فاختلط فجعلهما عن أبي هريرة كذا في نسختي بالضعفاء للبخاري . ا هـ .
ومع ذلك لا نفعل مثله نورد ما يدعمنا ونخفي ما يهدم أساسنا بل نورد مالنا وما علينا والحافظ ابن حجر يقول في التقريب في ترجمته : محمد بن عجلان المدني صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة وكلمة صدوق ( هي دون الثقة وفوق الضعيف في مصطلح القوم ) . تنزل الحديث ( وحدها إذا لم يوجد في السند علة أخرى ) من مرتبة الصحة إلى مرتبة الحسن إلا أنه ضعيف في أحاديث أبي هريرة لأنها اختلطت عليه.(1/48)
40- بعد تدليس السقاف تراجم رجال الحديث دلس عبارة رجاله كلهم عدول ثقات
ثم قال السقاف : هذا تخريج الحديث وقد رأيت أن رجاله كلهم عدول ثقات.
قلت : هذا تعبير عند أهل الحديث خاص بهم ولا يعني الصحة لأنه لا يحترز عن الانقطاع والإرسال والتدليس وسوء الحفظ والاختلاط بل يلتزم فقط بوصف رجال السند بأنهم ثقات وكذا قولهم رجاله رجال الصحيح وكذا رجاله موثقون.
فإن قاله السقاف وهو يدري معناه فقد دلسه على الناس وهو ليس بصحيح ليوهمهم أنه صحيح ، وإن قاله وهو لا يدري معناه بل رآه في كتب الحديث فأحب أن يتمثل بقولهم ويقلدهم دون أن يدري ما يقول ( وعندها يكون ناقل صحف لايفقه ماينقل ) فنقول له إن هذا الكلام ليس نصاً على التصحيح ففي سنده كما رأينا لا كما أرانا هو :
1- حجاج بن محمد المصيصي الأعور ثقة اختلط بآخره تقريب التهذيب 1 /89 فهو ضعيف.
2- عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مدلس تقريب التهذيب 1 / 520 وقد عنعنه وقد قال الدارقطني تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح وقال أحمد إذا قال ابن جريج قال فلان وقال فلان وأُخبرتُ جاء بمناكير وإذا قال أخبرني وسمعت فحسبك به تهذيب التهذيب 6/404 وهنا عنعنه فهو منكر.
3- محمد بن عجلان صدوق تقريب التهذيب 2 / 190 ( وهو وصف دون الثقة وفوق الضعيف كما أوضحنا سابقاً ).
هذا من ناحية السند وأما من ناحية المتن فقد انتقدناه في ص21.
ثم قال ص12 بعد ذلك : أما قول الأئمة والحفاظ في هذا الحديث فإليك هي : ( والصواب فإليك هو ولكن مالعمل فالسقاف عربي فرشي هاشمي حسيني كما يدعي ) قال الإمام الحافظ النووي في شرح المهذب 3 / 454 ذكر البيهقي بإسناده الصحيح عن ابن الزبير : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كان يشير بإصبعه إذا دعا لا يحركها ـ رواه أبو داود بإسناد صحيح.
أقول : هذا حكم النووي على إسناد أبي داود وعنه البيهقي بالصحة لا حكم أبي داود ولا البيهقي وقد حكم النووي قبل هذا لرواية زائدة لحديث وائل بن حجر بالصحة.(1/49)
41- يقرر السقاف أن حديث ابن جريج صحيح رغم ما دلسه في التراجم
ويقول ص13 : إذاً فالحديث صحيح لا غبار عليه.
قلت : بل منكر وطبعاً لاغبار عليه بل طين لما سبق وبيناه ص21 و 50 - 55.(1/50)
42- يتساءل كيف ساغ للألباني تضعيف هذا الحديث
ثم أردف قائلاً ص13 : فأقول ويقول كل منصف طرح التعصب جانباً كيف ساغ للألباني أن يضعف هذا الحديث ؟ لاشك أن الضعف أتى لهذا الحديث لأنه لا يوافق مذهب الألباني القاضي بتكرار تحريك الإصبع في التشهد.
أقول : هل تستطيع أن تطرح التعصب جانباً ولو للحظة واحدة ؟ ثم هل تسأل هذا السؤال مخلصاً ؟ إن كنت تسأل مخلصاً وما أخالك فإليك الجواب :
لقد سوغ للألباني رحمه الله تضعيف هذا الحديث ورعُه وتقواه وعلمُه وحبُّه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - ويا ليتك تفعل مثله وأعكس السؤال الآن كيف ساغ لك أن تصحح حديثاً ضعيفاً بل منكراُ وتضعف أحاديث صحيحة فهل تستطيع أن تجيب على سؤالي كما أجبتك على سؤالك إن أجبت بالإيجاب كما أجبتك فهنيئاً لك بهذا الورع وإن أجبت بالنفي فهنيئاً لك أجرك في الآخرة.
ثم يتولى الإجابة عن الألباني ص 13 ظاناً أنه من طينته فقال : لاشك أن الضعف أتى لهذا الحديث لأنه لا يوافق مذهب الألباني القاضي بتكرار تحريك الإصبع في التشهد.
فأقول : عجباً لهذا الكلام إذ لا يجرؤ أن يقوله سكان المارستانات فماذا يجبر الألباني على اتباع رأي معين سوى قول الرسول ? أهو مقلِّدٌ ويقلدُ مَنْ ؟ أهو ذَنبٌ فَذَنبُ من ؟ هل هو كغيره يفرض الرأي ثم يستشهد عليه بأحاديث ينسجها على قد الرأي ؟
لقد خالف ابنَ تيميةَ في أمور كثيرة وهو من محبيه لا لشيء إلا لأنه اعتقد أن ابنَ تيميةَ لم يصب الصواب في بعض الأمور فخالفه فيها وخالف فلاناً وفلاناً ولم يهبْ من خالفه لاعتقاده أن مخالفته لا تضر من خالفه ولا تنقص من فضله شيئاً وأكثر من ذلك اعتقد أنه مأجور لكن أجراً واحداً على اجتهاده وفقد الأجر الآخر وهو أجر الإصابة كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :
[ إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ] . أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - أخرجه البخاري في الاعتصام باب أجر الحاكم ومسلم في الأقضية والترمذي في الأحكام في القاضي يصيب ويخطىء وابن ماجة في الأحكام باب الحاكم يجتهد وباقي الستة بألفاظ متقاربة فهل بعد ذلك يقال له هذا الكلام بل بالعكس يوجه هذا الكلام لمخالفيه لأنهم بموافقتهم له يقرون له بالعلم وينكشف جهلهم لذلك يلجؤون إلى التشنيع عليه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً بلا وازع ولا رادع من الله سبحانه وتعالى.(1/51)
43- تقعيد السقاف قاعدة يطبقها على الألباني هنا ولا يطبقها على نفسه ص11 من رسالته
الإشكال السابع : قال السقاف في ص13 : أما قول الألباني ( ولو ثبت فهو نافٍ وحديث الباب مثبت والمثبت مقدم على النافي كما هو معلوم عند العلماء ) ا هـ . فأقول ( القائل السقاف ) : احترز بقوله ( ولو ثبت ) ما إذا أثبته أحد الناس وبين صحته للناس وإلا فالحديث صحيح بلا ريب فيكون الألباني قد أخذ حذره وفيه إشارة إلى أنه صحيح عنده أيضاً لكنه يستر صحته لأنه مخالف لمشربه كما أسلفنا.
فأقول : قد استعملت ياسقاف هذا الأسلوب في افتراض الصحة قبل صفحتين ص11 فقلت لو كان الأمر كما يزعم ويدعي لما قال سيدنا وائل بن حجر رضي الله عنه [ ثم رفع إصبعه فرأيته ( في الأصل فرأيتها وهو خطأ ) يحركها ] ... . وهذا مراد سيدنا وائل بالتحريك على فرض ثبوته وعدم شذوذه وما ألزمت به غيرك لا يلزمه إنما يلزمك لأنك أنت قعدت هذه القاعدة فالأحرى أن تطبق عليك فمعنى ذلك وحسب قاعدتك أنك تعتقد بصحة الحديث كما صرحت في ص6 وعدم شذوذه لكنك تكابر وتكابر بتضعيفه لأنه يخالف مذهبك ومشربك.
أما الألباني فغير ملزم بمذهب ولا رأي أحد ولا حتى رأيه فهو إذا وجد أنه على خطأ في أمر ما رجع عنه بسهولة غير عابىء بما يقوله عنه الجاهلون فالحق أحق أن يتبع ورضوان الله خير من رضاء الناس ؛ وقاعدتك هذه غير مقبولة عند العلماء.
فهذا التعبير مستعمل جداً عند الفقهاء والمحدثين " ولو ثبت " ولم يقل لهم أحد بأنه ثابت عندك ولكنك تكابر فالظاهر أنك تشعر بأنك تكابر عندما تستعمل هذا الاصطلاح فظننت أن غيرك أيضاً يكابر رغم صحة الحديث لديه.(1/52)
44- ادعاء السقاف تصحيح الأئمة الأعلام والبيهقي للحديث من رواية ابن جريج " لا يحركها "
وتابع السقاف ص13 : والحديث ثابت كما قال الأئمة الأعلام وكفى بالحافظ البيهقي والحافظ النووي أنهما قد صححاه.
قلت : الحديث لم يصححه الأئمة الأعلام وإلا فاذكرهم لنا فقد تجنبه جميع من ألف في الصحيح.
أما الحافظ النووي فهو وحده الذي حكم على الحديث بالصحة وقبل هذا الحديث مباشرة ذكر حديث وائل بن حجر من رواية زائدة استشهاداً لرأي الشافعية الذين قالوا باستحباب التحريك وحكم له بالصحة أيضاً.
أما البيهقي فقد ذكر الحديثين أيضاً معاً كما ذكرهما النووي ولم يذكر فيهما تصحيحاً ولا تضعيفاً.
ويبدو أنك لم تميز بين كلام النووي أخرجه البيهقي بإسناد صحيح وتعبير صححه البيهقي وأنك تخلط بينهما.
والفرق بينهما واضح فقول النووي أخرجه أو رواه البيهقي بإسناد صحيح تصحيح من النووي فقط وليس من البيهقي أما تعبير صححه البيهقي فهو منسوب للبيهقي وهو لم يقله.(1/53)
45- يكفي السقاف في دليله ما لا يكفي في دليل خصمه
أما قولك وكفى بالحافظ البيهقي والحافظ النووي أنهما قد صححاه فعجيب قولك هذا ألا ترى أنهما عاملا الحديثين " يحركها " و " لا يحركها " معاملة واحدة فالبيهقي رواهما معاً مقدماً " يحركها " على " لا يحركها " ولم يتكلم على إسنادهما صحة أو ضعفاً ( فلم يصحح أحدهما كما تزعم ).
والنووي قد ذكرهما أيضاً مقدماً حديث التحريك على عدم التحريك أيضاً وحكم للاثنين بالصحة معاً في المجموع 3 / 454 فما تقوله عن حديث " لا يحركها " ينطبق تماماً على حديث يحركها فقد قلت وكفى بالحافظ البيهقي والحافظ النووي أنهما قد صححاه بالنسبة لحديث " لا يحركها ".
ألا يكفي بالحافظ البيهقي والحافظ النووي أنهما قد صححاه بالنسبة لحديث " يحركها " . بعد تقديمهما لحديث يحركها على لايحركها ومحاولة الجمع بينهما ليتخلصا من مخالفة أحدهما إضافة إلى تصحيح الأول من قِبَل كلِّ من أخرجه من أصحاب الصحاح كابن حبان وابن خزيمة وعدم ذكرهم للثاني أصلاُ لضعفه عندهما.(1/54)
46- يقرر السقاف وجوب الجمع بين الحديثين الصحيح والمنكر
ثم قلت يا سقاف ص13 وقد تعارضت رواية وائل بن حجر التي فيها( يحركها ) على فرض عدم ضعفها بالشذوذ مع رواية عبد الله بن الزبير التي فيها ( لا يحركها ) ظاهراً وأصولياً يجب الجمع بينهما.
أقول : لا يمكن الجمع بين المثبت والنافي هنا فهو يصف فعلاً واحداً بالإيجاب والنفي معاً كيف نجمع بين يحركها ولا يحركها.
في حال التعارض القاعدة المتبعة المثبت مقدم على النافي وهنا يتعذر الجمع بين الحديثين فيقدم المثبت على النافي هذا لو تساويا في الصحة وإلا فبين الروايتين ما بين السماء والأرض أحدهما صحيح والثاني منكر.(1/55)
47- يعيب السقاف على الألباني اختصار عبارة " إذا تعذر الجمع بينهما " ويبيح لنفسه تدليس التراجم
ثم تعقب السقاف على قوله بعد اعترافه بصحة القاعدة بقوله ص14 :
فاعلم أيها اللبيب أن الألباني حذف عبارة ( إذاتعذر الجمع بينهما ) وبحذفها ينال مراده ويتم له الأمر الذي يهواه ولا يهمه ذلك وإن كان الطريق إليه بالتدليس وحذف تمام الكلام.
أقول : لقد افترض الألباني رحمه الله أنك تفهم اللغة العربية ( وصدق أنك عربي قرشي هاشمي حسيني ) لمَّا رأى نسبك الحسيني الهاشمي القرشي الحسيني وخاف أن يتوسع بالشرح فتأخذ على خاطرك فتقول له إنك أعجمي وأنا قرشي هل تراني لا أجيد لغة قومي حتى تتوسع لي بهذا الشرح لكلام معروف بالبديهة وإلا لو عرف أن فهمك للغة العربية لا يساعدك على فهم الكلام العربي لشرح لك أكثر.
فباللغة العربية يا عزيزي لا يمكن أن نقول حرَّكَ ولم يحرِّكْ إلا إذا أتينا على أحد الفعلين وأفرغناه من معناه فكيف يحرك إصبعه ولا يحركها والوصف يحركها وباللغة العربية معناها يستمر بالتحريك وأما لا يحركها فتعني نفي الفعل أصلاً فلا يمكن الجمع بينهما حسب منطوق ومفهوم الروايتين لذلك حذف الألباني اختصاراً من القاعدة عبارة " إذا تعذر الجمع بينهما " لأن العربي ولو كان قليل العلم يعلم أنه من المستحيل الجمع بينهما هذا لو صحت رواية ابن جريج ولكن هيهات فهي منكرة.
فقد فرض الألباني افتراضاً غير حاصل أصلاً وزاد مخالفيه اطمئناناً أنه حتى لو ثبتت هذه الرواية ولم تثبت فالمثبت مقدم على النافي لأنه لا يمكن الجمع بينهما ولا تظن أن الألباني رحمه الله يفعل فعلك كما فعلت في ادعائك تصحيح البيهقي وابن حبان والذهبي لرواية ابن جريج ، وكما دلست ترجمة ابن جريج وحجاج بن محمد ، وما تورعت عن رمي كبار علماء الجرح والتعديل بالغباء والجحود والكنود ومنهم ابن حجر والمزي والمقدسي والذهبي وابن سعد وإبراهيم الحربي ويحيى بن معين والخلال وأبو العرب القيرواني ـ لا لشيء إلا لأنهم قالوا إن حجاج بن محمد قد اختلط ـ وأضفت بقولك وأن كلامهم هذا ليس بشيء البتة.
فهل جريمة الألباني باختصاره لعبارة " إذا تعذر الجمع بينهما " لحسن ظنه بك أنك تجيد فهم لغة قومك الذين تدعي نسبتك إليهم أكبر من جريمتك في رمي علماء الأمة بالغباء والجحود والكنود وتدليسك في تراجم رجال الحديث ومع ذلك فكان موضوع الجمع أو التقديم هو مجرد افتراض صحة الحديثين وإلا فأحدهما صحيح والآخر منكر ولكن صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم - " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " أخرجه البخاري في الأدب باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت وأبو داود في الأدب باب الحياء وابن ماجة في الزهد باب الحياء وأحمد عن أبي مسعود عن حذيفة.(1/56)
48- معاجلة شتم تلميذ الألباني بما لا علاقة للألباني ولا لكتابه به
ثم لم يكتف السقاف بكيل الشتائم للألباني رحمه الله بل عاجل تلميذَه صاحب كتاب إرشاد الساري بما تيسر له من الشتائم والألباني لا علاقة له بالكتاب المذكور ولا علاقة للرسالة بموضوع الكتاب.(1/57)
49- جهل السقاف معنى اصطلاح المحدثين لم يرو إلا من هذا الوجه بأنه للتفرد وليس للشذوذ
ثم عقد السقاف في 7 صفحات فصلاً في بيان شذوذ لفظة يحركها في حديث وائل بن حجر فافتتحه في ص16 بكلام ابن خزيمة بأنه صرح بشذوذ هذه اللفظة وفهم هذا الفهم من قوله ليس في شيء من الأخبار ( يحركها ) إلا في هذا الخبر زائدة ذكره ا هـ.
قلت : قد عقبنا عليه سابقاً بأن هذا هو اصطلاح المحدثين لتعبيرهم عن تفرد راوِ بحديث أو لفظ وتوسعنا في شرحنا واستشهدنا لذلك بقول الترمذي في حديث " إنما الأعمال بالنيات " ولا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري وقول ابن الصلاح فيه ص35 من الباعث الحثيث في هذا الحديث فإنه تفرد به عمر وعنه علقمة وعنه محمد بن إبراهيم التيمي وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري فكما ترى لم يتفرد في هذا الحديث راوٍ واحد وإنما تفرد به من كل طبقة راوٍ فمن الصحابة تفرد به عمر ومن التابعين تفرد به علقمة ومن بعده تفرد به محمد بن إبراهيم التيمي ومن بعده تفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري ومع ذلك لم يقل أحد بأنه ضعيف أو فسر كل هذا الكلام عنه بأنهم ضعفوه بل اعتبروه أصل الدين واعتبروا أنه لا تقبل الأعمال الحسنة إلا بالنية الحسنة.
فابن خزيمة لم يضعف هذا الحديث وإنما أشار لتفرد زائدة بهذه اللفظة وهذا لا نزاع فيه فهو بروايته لحديث وائل في صحيحه دليل على صحته عنده مع إعطائه لنا فائدة حديثية بأن زائدة تفرد بهذه اللفظة وهذا موجود بكثرة في صحيح ابن خزيمة وفي سنن الترمذي وغيرهما من كتب السنة ولم يقصد واحد منهم بذلك ضعف الحديث.
وعدم رواية ابن حبان وابن خزيمة لحديث ابن الزبير من رواية ابن جريج دليل على ضعفها عندهم وكذا مسلم الذي روى حديث ابن الزبير بجميع رواياته الصحيحة وتجنب رواية ابن جريج لعدم صحتها عنده.(1/58)
50- عودة مرة أخرى لادعاء السقاف تصحيح الحفاظ لرواية ابن جريج
ثم أعاد السقاف هنا ص 16 بأن رواية ابن الزبير صححها الحفاظ.
قلت : كما مر معنا في الأبحاث السابقة لم يصححها أحد منهم سوى النووي وكذب السقاف وعدد منهم ص5 من رسالته ابن حبان ( الذي صحح الرواية المعاكسة وتجنب هذه ) والبيهقي ( الذي روى الحديثين معاً دون الإشارة إلى صحتهما أو ضعفهما ) والذهبي ( لم يذكر أين ) وموافقة الحافظ له ( ليس له وجود ).
وبعد ذلك عدد من خالف زائدة في رواية الحديث وهم أحد عشر ونعود فنقول إنها ليست مخالفة بل موافقة وزيادة توضيح بهذه اللفظة فمهما لتَّ وعجن وتمنطق فلن يستفيد شيئاً لأننا موافقون منذ البداية على أن زائدة تفرد بهذه اللفظة عن باقي الحفاظ وهي غير مخالفة لما رووه بل موافقة ومفسرة ومبينة وموضحة لما تعنيه باقي الروايات فهي زيادة ثقة وزيادة الثقة مقبولة.(1/59)
51- ادعاؤه عدم اعتبار من جمع بين الفقه والحديث لرواية زائدة
وقال ص17 وهذا يثبت قطعاً أن التحريك شاذ لتصريح الحافظ ابن خزيمة السلفي بذلك وعدم اعتبار الفقهاء الجامعين بين الفقه والحديث لها ولقواعد الحديث وأصول الفقه الناصة على أن الثقة إذا خالف الثقات اعتبر ما جاء به شاذاً ولتصريح الأحاديث الأخرى الصحيحة بعدم التحريك.
أقول :
1- رأينا عدة مرات أن ابن خزيمة صحح الحديث بإيراده في صحيحه وتجنب رواية ابن جريج لضعفها عنده وأشار إلى تفرد زائدة بلفظة يحركها وليس إلى شذوذها.
2- يدعي عدم اعتبار الفقهاء الجامعين بين الفقه والحديث لها فنقول :
1- إنه اعترف بأن البيهقي روى الحديث وذلك في الصفحات 5 ، 7 من رسالته وأشار إلى أن الحديث عند البيهقي 2 / 132 وقد حاول الجمع بينها وبين رواية ابن جريج دون أن يطعن في إحداهما أو أن يقدم واحدة منهما على الأخرى والبيهقي هو فقيه ومحدث كبير وكتابه في السنن يشهد له بباعه الطويل في الفقه والحديث.
2- إنه اعترف بأن ابن خزيمة روى الحديث وذلك في الصفحات 5 ، 7 ، 16 ، 17 من رسالته وأشار إلى أنه في صحيحه 1 / 354 وابن خزيمة قد رتب صحيحه على أبواب الفقه بل تجنب رواية ابن جريج في صحيحه لعدم صحتها لديه ولم يجرؤ أحد أن يدعي أنه لم يجمع بين الفقه والحديث.
3- إنه أقر الألباني بنقله لعزوه الحديث لابن حبان وسكت عليه وذلك في الصفحة 5 من رسالته وابن حبان قد رواه في صحيحه برقم 485 من موارد الظمآن وابن حبان محدث وفقيه ويشهد له كتابه صحيح ابن حبان المبوب حسب أبواب الفقه.
4- إنه أقر الألباني بنقله لعزوه الحديث للنسائي وسكت عليه وذلك في الصفحة 5 من رسالته والنسائي قد روى الحديث 3 / 37 في السنن ولم يقل أحد بأن النسائي لم يجمع بين الفقه والحديث وكتابه سنن النسائي يشهد بذلك.
5- إنه نقل عزو الألباني الحديث لأبي داود في الصفحة 5 من رسالته وأشار إليه الناصح بأنه برقم 727 وعزاه إليه كبار العلماء والمصنفين وأصر على التعامي عنه أليس أبو داود ممن جمع بين الفقه والحديث ؟
6- إنه أقر الألباني بنقله لعزوه الحديث لابن الجارود وسكت عليه في الصفحة 5 من رسالته وقد رواه ابن الجارود في المنتقى برقم 208 ومعروف أن ابن الجارود قد رتب منتقاه على أبواب الفقه وهو محدث وفقيه انتقى المنتقى من بعض رواياته.
7- إنه أقر الألباني بنقله عزو الحديث لابن الملقن في الصفحة 5 من رسالته وسكت عليه ونقل تصحيحه الحديث عن الألباني ، وابن الملقن معروف بأنه محدث وفقيه.
8- رواه أحمد في مسنده 4 / 318 وهو إمام المذهب الحنبلي أحد المذاهب الأربعة وصاحب المسند فهو محدث وفقيه.
9- رواه الدارمي برقم 1364 في سننه أليس هو محدثاً وفقيهاً ؟
10- أورد الحديث صاحب منار السبيل فيه 1 / 94 ألا يجمع فيه بين الفقه والحديث ؟
11- أورد الحديث النووي في المجموع شرح المهذب الذي نقل السقاف منه 3/454 أليس النووي ممن جمع بين الفقه والحديث ؟
12- كبار أئمة الشافعية الذين اتبعوا هذا الحديث وعدلوا عن رأي إمامهم وقالوا باستحباب تحريك الإصبع وذكرهم النووي في المجموع 3 / 454 ومنهم الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب أليسوا ممن جمع بين الفقه والحديث ؟
13- أورد الحديث ابن تيمية صاحب منتقى الأخبار باب الإشارة بالسبابة وصفة وضع اليدين أليس هو ممن جمع بين الفقه والحديث ؟
14- ذكره الشوكاني صاحب نيل الأوطار فيه وأتم عزوه أليس هو ممن جمع بين الفقه والحديث ؟
ولم أتفرغ لتتبع من أورده ممن جمع بين الحديث والفقه إذ لم أراجع سوى المراجع التي أشار إليها السقاف في رسالته وبعض المراجع التي وقعت عرضاً تحت يدي أثناء تحريري هذا الرد.
بينما لم يرو حديث ابن جريج هذا سوى أبي داود والنسائي وأبي عوانة والبيهقي وكلها عن حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن محمد بن عجلان.
فكل الفقهاء الجامعين للفقه والحديث الذين مروا معنا وعددناهم قد رووا رواية زائدة وأفتوا بها وتجاهلوا رواية ابن جريج سوى النادر منهم على الرغم من أن مسلماً قد روى جميع روايات حديث ابن الزبير ومنها رواية محمد بن عجلان من غير طريق ابن جريج وما ذلك إلا لضعف رواية ابن جريج عنده حتى أنه لم يروها متابعة أو شاهداً لحديث ابن الزبير الصحيح وهؤلاء الذين رووا رواية ابن جريج لم ينصوا على صحتها سوى النووي وإنما أكثرهم رواها إلى جانب رواية زائدة بمن فيهم النووي وصححها إضافة إلى رواية ابن جريج.
فكان الأحرى بالسقاف أن يقول : وهذا يثبت قطعاً أن عدم التحريك منكر وليس شاذاً لرواية الفقهاء الجامعين بين الفقه والحديث لها ( يحركها ) ولقواعد الحديث وأصول الفقه الناصة على أنه إذا خالف الضعيفُ الثقةَ يصبح حديثه منكراً و قد خالف حجاج بن محمد المصيصي الأعور وهو قد اختلط فرواه عن ابن جريج مصرحاُوقد تفرد عنه عن زياد وقد تفرد عنه وعنعنه عن محمد بن عجلان وخالف رواية مسلم عن محمد بن عجلان وهكذا تصبح رواية ابن جريج منكرة.
أما تصريح الأحاديث الأخرى الصحيحة بعدم التحريك فلا يقول أيُّ حديث صحيح بعدم التحريك سوى الرواية الضعيفة بل المنكرة.(1/60)
52- من جازف بالتصحيح والتضعيف الألباني أم السقاف؟
ويقول السقاف ص17 : وظهر أيضاً أن الألباني جازف في تصحيح التحريك وتضعيف ما سواه بدون حجة ولا برهان مقبول عند جميع العقلاء.
أقول : بل جازف السقاف وراوغ ليضعف التحريك ويصحح ماسواه وحججه وبراهينه ليست مقبولة ، أما حجج الألباني رحمه الله وبراهينه فهي المقبولة عند جميع العقلاء لأنها كلها توافق المنطق والمعقول وأصول الحديث والفقه ؛ وقد بينا صحة رواية زائدة ونكارة رواية ابن جريج.(1/61)
53- مقارنة ألفاظ الحديث مع كلمتي يحركها ولا يحركها لبيان ما يوافق وما يخالف
ويقول السقاف ص18 : ولا يمكن بحال من الأحوال أن تعتبر لفظة ( يحركها ) زيادة ثقة وخصوصاً أن قواعد المصطلح لا تحكم بذلك قال الإمام الحافظ العراقي في ألفيته في قواعد الحديث.
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة … فيه الملا فالشافعي حققه
ثم قال العراقي في شرحه :
اختلف أهل العلم بالحديث في صفة الشاذ فقال الشافعي ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لايروي غيره وإنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس إلى أن قال :
أحدها ( أقسام زيادة الثقة ) : ما يقع مخالفاً منافياً لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ ا هـ .
أقول : العلة ليست في الحديث إنما العلة في الفهم وأنى لأعجمي الفهم أن يطبق قواعد علم الحديث بعد إيرادها ؛ لنضع العبارات بعضها بجانب بعض ونضع بجانبها مرة يحركها ومرة لا يحركها لنر ما ينسجم منها مع باقي الروايات وما لاينسجم .
وأشار بالسبابة ، يشير بها ، فدعا بها ، يدعو بها ، يحركها
وأشار بالسبابة ، يشير بها ، فدعا بها ، يدعو بها ، لا يحركها
فأي اللفظين يتوافق مع باقي الألفاظ ؟ وأي منها ينافيها ؟
فطبعاً صاحب الفهم السليم والعربي اللسان والفطرة السليمة البعيدة عن الهوى والعصبية يقول اللفظ الأول هو المتوافق وكلمة يحركها تتناسب مع باقي الألفاظ : يشير بها ويدعو بها.
أما صاحب الفهم السقيم والأعجمي اللسان والفطرة الملوثة المدفوع بالهوى والعصبية ويبغض السنة وأهلها سوف يكابر ويكابر ويقول " عنزة ولو طارت " ويقول إن السطر الثاني هو المتوافق ويصر على أن فيدعو بها لا يحركها كلمتان متوافقتان.(1/62)
54- جمعه بين الحديثين بإلغاء أحدهما تماماً
ويقول السقاف ص19 : ونزيد قطعاً للوسوسة أنه على فرض عدم شذوذ لفظة ( يحركها ) . [ وأقول هنا على قاعدته أنه يعترف بصحتها لكنه يكابر ] يمكن الجمع بينها وبين ( لا يحركها ) كما جمع بينهما بعض الحفاظ ناصين به على عدم التحريك بالشكل الشاذ الذي ولع به الألباني ومن انغر بكلامه.
أقول : مرحى لك يا سقاف لبهلوانيتك التي استطاعت أن تجمع بين ما اعتبرته ضعيفاً وبين ما اعتبرته صحيحاً بين يحركها ولا يحركها كيف نجمع بينهما ؟ لقد جمع بينهما ببراعة وهو لا يحركها يا لجمعك الذي يضاهي فهمك !(1/63)
55- تفسيره التحريك بعدم التحريك
ويقول السقاف ص19 : بيان طريقة الجمع بين الحديثين كما هو قاعدة العلماء من أصوليين ومحدثين.
اعلم يرحمك الله تعالى أن مراد سيدنا وائل بن حجر إن صح عنه قوله ( يحركها ) هو رفع السبابة بعدما كانت موضوعة لا غير وهو الإشارة بالتوحيد أي أن النبي -صلى الله عليه وسلم - لم يرفعها من أول التحيات بل عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله.
أقول : ما الدليل على ذلك ؟
وأضاف وأما سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فأراد ( أقول لو صح عنه وهيهات ) فأراد بعدم التحريك في قوله ( لا يحركها ) عدم تكرار التحريك أكثر من مرة وهي مرة الرفع فلا تعارض بين الحديثين هذا ملخص ما قاله العلماء في المسألة.
أقول : حرفت الأول وهو الصحيح حتى أفرغته من معناه نهائياً بدون دليل وأثبت الثاني وهو ضعيف بل ومنكر! وهكذا يكون العلماء وإلا فلا.(1/64)
56- اختصار السقاف كلام البيهقي بتحريفه عن معناه
ثم يقول السقاف ص20 : ونقل النووي في نفس الموضع عن الإمام الحافظ البيهقي : إن المراد في حديث سيدنا وائل بن حجر في قوله ( يحركها ) يشير بها مرة واحدة أي لا يديم تحريكها فيكون موافقاً لرواية عبد الله بن الزبير ( لا يحركها ) ا هـ كلام البيهقي منقولاً من المجموع ومن سننه الكبرى 2 / 132 ببعض تصرف اختصاراً .
أقول حرًّف السقاف مرتين :
أولاً : نقل النص من سنن البيهقي ببعض تصرف فحرًّفه ليقلب هنا معناه ثم قال اختصاراً ونصه المختصر أطول من نص البيهقي وإليك نص البيهقي :
فيحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها فيكون موافقاً لرواية ابن الزبير والله تعالى أعلم.
فأنت ترى أن نص البيهقي هو أصغر من نص السقاف المختصر.
كذلك قال البيهقي يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها فقول البيهقي بالاحتمال ينافيه قول السقاف بالجزم وقول البيهقي الإشارة بها ينافيه قول السقاف مرة واحدة ولم يقل البيهقي في آخر كلامه لفظة لا يحركها ثم أتبعه البيهقي رحمه الله بقوله والله تعالى أعلم أي أن البيهقي ليس جازماً بهذا المعنى لأنه بدأه بالاحتمال وأنهاه بقوله والله تعالى أعلم لا بالجزم كما ادعى السقاف وبالاحتمال يسقط الاستدلال.(1/65)
57- دفعه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وفتوى المالكية وأحمد وكبار أئمة الشافعية بفتوى النووي
وقال السقاف ص20 : وقد نقلنا فتوى الإمام النووي بكراهة تحريك الإصبع في الصلاة أول هذه الرسالة.
أقول : قد مر أن النووي ذكر عن كبار أئمة الشافعية استحباب تحريك الإصبع في الصلاة وذلك في المجموع شرح المهذب 3 / 454 وكذلك مرت معنا فتوى الحنابلة ومنهم الإمام أحمد وشيخ المذهب ابن قدامة وغيرهم ومالك بسنية التحريك اتباعاً للحديث فمن أولى بالاتباع فتوى النووي أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ومالك وأحمد وابن قدامة وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود وابن الملقن وكبار أئمة الشافعية علماً أن النووي ذكر الآراء الثلاثة كراهة وتحريم واستحباب التحريك وأن الأول مذهب الجمهور من الشافعية والثاني مذهب أبي علي بن أبي هريرة ووصفه بالشاذ والثالث حكاه عن بعض الشافعية الكبار.(1/66)
58- استعانته بالكذب لتصحيح حديث مالك بن نمير الخزاعي
وقال السقاف ص20 ويؤكد ما ذكرناه ما رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن نمير الخزاعي قال : " رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم - واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعاً إصبعه السبابة قد حناها شيئاً " وقال في الحاشية وهذا الحديث صححه الحافظ ، ومالك بن نمير الخزاعي الذي في سنده مقبول كما في التقريب وهو وإن لم يرو عنه إلا واحد فقد صحح الحفاظ حديثه ..... وقد نص على صحة حديث مالك بن نمير عن أبيه ابن خزيمة في صحيحه 1 / 354 وأقر تصحيحه الحافظ في الإصابة في ترجمته ( في الأصل ترجمة وهو خطأ ) رقم 8807 وروى الحديث ابن حبان في صحيحه .... وسكت عليه أبو داود وهذا كافٍ في الحكم على الحديث بالصحة خلافاً لكلام الألباني في تمام المنة.
أقول : لا حاجة لاستدلالك هذا بهذا الحديث لأن طرق الحديث الكثيرة والصحيحة كلها فيها الإشارة بالإصبع والدعاء بها ولا تفيد عدم التحريك وهذا الحديث لا يفيد عدم التحريك وإنما فيه حني الإصبع قليلاً وهذا لا يمنع التحريك لو صح لكنه لم يصح.
ففيه مالك بن نمير الخزاعي قال الحافظ في التقريب مقبول وقال ص5 من التقريب السادسة ( أي الطبقة السادسة ) من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث ( فكلمة مقبول في التقريب هي اختصار لعبارة مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث ) وهذا الحديث لم يتابعه فيه أحد فالحديث لين أي ضعيف فلا أدري هل السقاف جاهل بمعنى اصطلاح ابن حجر مقبول ( وهذا لا يقبل جهله حتى من المبتدئين بعلم الحديث ) أم أنه كاذب ومدلس وما أظنها الأولى ثم دعواك صحح الحفاظ حديثه من أين أتيت بها ثم قولك كثير من الثقات المتفق على ثقتهم لم يروِ عنهم غير واحد كثابت بن قيس الزرقي المدني فأنت تقول أن هؤلاء الثقات متفق على ثقتهم وصاحبك هذا مالك بن نمير من نص على ثقته لنقبل تفرده؟(1/67)
59- تدليس السقاف تصحيح الألباني حديث مالك بن نمير الخزاعي
أما قوله في تتمة الحاشية ص 20 : ثم رأيته تناقض فصحح لمالك بن نمير الخزاعي في صحيح سنن النسائي 1 / 272 .
أقول : هذه كذبة أخرى وقطعاً قرأ في صحيح سنن النسائي ماكتب بجانب الحديث بعد حذف ( قد أحناها شيئاً وهو يدعو ) ( صحيح ) ـ ضعيف أبي داوود 176 ( سن أبي داوود 1 / 357 برقم 990 ) ولابد أنه رجع إلى ضعيف أبي داوود ووجد بجانب الحديث عبارة ضعيف ( ضعيف سنن النسائي 28 /1274 ) ثم رجع الى ضعيف سنن النسائي ووجد بجانب الحديث : منكر بزيادة الإحناء ضعيف أبي داود 1760 [ عندنا برقم 209 / 1991 ] فهل حكم الألباني بذلك على حديث مالك بن نمير بالصحة .
هناك ثلاثة أحكام في الحديث :
1- في ضعيف سنن أبي داود حكم على الحديث من حيث سنده بالضعف.
2- في ضعيف سنن النسائي حكم على الحديث من حيث سنده وزيادة الإحناء فيه بالنكارة لمخالفتها الأحاديث الصحيحة مع ضعفها.
3- في صحيح سنن النسائي حكم على الحديث ( بعد حذف الإحناء ) بأنه صحيح لغيره لأن الحديث يوافق الأحاديث الصحيحة فكلام السقاف لا يقصد منه بيان خطأ الألباني أو تناقضه لأنه في الحقيقة لم يخطىء هنا ولم يتناقض فاخترع تناقضاً كون مالك بن نمير لم يوثقه غير ابن حبان وابن خزيمة فهو مجهول الحال وحديثه ضعيف عند الألباني متابعة للجمهور ولقواعد علم الحديث.
ثم صحح الألباني حديثه لمتابعته لغيره بعد الحكم على ما تفرد به بالنكارة لمخالفته الأحاديث الصحيحة ولا شيء على كلام الألباني البتة.
والسقاف قد نسي أو تناسى أنه نقل عن الشيخ شعيب في ص28 من رسالته تحذير العبد الأواه قوله : وهذا حديث حسن في الشواهد. والحديث الحسن في الشواهد يكون ضعيفاً فيتحسن بوجود ضعيف مثله ويتقوى به وهذا الحديث تقوى بالأحاديث الصحيحة التي فيها رفع الإصبع والدعاء بها فأصبح الحديث صحيحاً لغيره وليس حسناً لذاته أما إحناء الإصبع فخالف به الأحاديث الصحيحة وعندما يخالف الضعيفُ الثقة يصبح حديثه منكراً فبحكم الشيخ شعيب هذا على الحديث يصبح الإحناء عنده منكراً.
فمن أحق بالنكير الألباني أم السقاف ؟
والسقاف لا يقصد أن يدلس على طلاب الحديث فتدليسه هذا مكشوف لديهم ولكنه يقصد بتدليسه هذا من ليس من طلاب الحديث فلا يميزون سقيم كلامه من سقيمه ! وكله سقيم.(1/68)
60- تحريك الإصبع مذبة للشيطان وليس للتوحيد فقط
وقال السقاف ص21 : وأما حديث " لهي أشد على الشيطان من الحديد " فلا دلالة فيه على التحريك البتة إنما يفيد الحديث أن المتشهد إذا أشار بإصبعه بالتوحيد في الصلاة فكأنه يضرب الشيطان بالحديد وليس معنى ذلك أن الشيطان يكون تحت إصبعه وهو يحركها فيضربه ضرباً كأنه الحديد كما توهمه بعض السذج فهذا مما لا يقول به عاقل.
أقول نحن والسقاف نتفق على أن الحديث عن السبابة وقد ثبت التحريك للسبابة فالمشار إليه في الحديث هو لتحريك الإصبع.
أما معنى الضرب الذي يقول السقاف توهمه بعض السذج فهذا مما لايقول به عاقل ونحن لم يخطر لنا على بال هذا المعنى ولا نتصور أنه حتى السذج يتوهمون مثل هذا المعنى لأنه مهما كان الإنسان ساذجاً فلا يخطر على باله بأن يضرب الشيطان بإصبعه ويتصور أن إصبعه تنزل على رأس الشيطان وتؤلمه كأنها مطارق الحديد وهذا مثله مثل الرمي على الرغم من أنهم يقولون بأنهم يرمون الشيطان في منى ولا يتصورون بأن يقف الشيطان هناك بانتظار رميهم له بالحجارة فمهما بلغت سذاجة أحدهم فلا يفوته أن ذاك الرمي وهذا التحريك هما رمز فذاك رمز وتذكير برمي إبراهيم له حينما أتاه ليتظاهر بنصحه ويثنيه عن ذبحه ابنه إسماعيل وهذا رمز لطاعة الله ومن ثم طاعة رسوله ?.
أما إن نزل شخص إلى مستوى تحت مستوى السذج ومنهم من أشرت إليه فهذا ليس شأننا وعلى كل المسألة مسألة أمر ونحن لسنا مسؤولين عن معنى هذا الأمر وإنما عن تنفيذه فقط.
والحديث عزاه الألباني لـ أحمد والبزار وأبي جعفر البختري في الأمالي 1 / 60 وعبد الغني المقدسي في السنن 2 / 12 بسند حسن والروياني في مسنده 2 / 249 والبيهقي.
وقد روى الحميدي في مسنده برقم 648 فقال ثنا سفيان وعبد العزيز بن محمد قالا ثنا مسلم بن أبي مريم أخبرني علي بن عبد الرحمن المعاوي قال : صليت إلى جنب ابن عمر فقلبت الحصى فلما انصرف قال لا تقلب الحصى فإن تقليب الحصى من الشيطان وافعل كما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قلت وكيف رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وضم أبو بكر الحميدي ثلاث أصابع ونصب السبابة ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وبسطها قال سفيان وكان يحيى بن سعيد حدثناه عن مسلم فلما لقيت مسلماً حدثنيه وزاد فيه وهي مذبة الشيطان لا يسهو أحد وهو يقول هكذا ونصب الحميدي إصبعه.
وسفيان هو ابن عيينة وهذا الحديث صحيح . إذن تحريك الإصبع بالإضافة إلى أنه للتوحيد فهو أيضاً كي لا يسهو أحد.(1/69)
61- طعن السقاف في حديث " لهي أشد على الشيطان من الحديد " وفي تحسينه
ثم قال السقاف : هذا مع ملاحظة أن حديث " لهي أشد على الشيطان من الحديد " فيه ضعف ففي الإسناد رجل وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وقال فيه الحافظ في التقريب : كثير بن زيد : صدوق يخطىء وليس هو من رجال الصحيحين والألباني ربما يضعف السند بمن هو أقوى منه كما هو معلوم من كتبه ومسوداته.
أقول : وهنا كذب السقاف مرة أخرى فقد قال ابن حجر في ترجمته قال عبد الله بن أحمد عن أبيه ما أرى به بأساً وقال عبد الله بن الدورقي عن ابن معين ليس به بأس وقال معاوية بن صالح وغيره عن ابن معين صالح وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين ليس بذاك وكان أولاً قال ليس بشيء وقال ابن عمار الموصلي ثقة وقال يعقوب بن شيبة ليس بذاك الساقط وإلى الضعف ما هو وقال أبو زرعة صدوق فيه لين وقال أبو حاتم صالح ليس بالقوي يكتب حديثه وقال النسائي ضعيف وقال ابن عدي وتروى عنه نسخ ولم أر به بأساً وأرجو أنه لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد توفي في خلافة أبي جعفر وكان كثير الحديث وقال أبو جعفر الطبري وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بنقله وخلطه ابن حزم بكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ثم قال كثير بن عبد الله بن زيد بن عمرو ساقط متفق على اطراحه وأن الرواية عنه لا تحل وتعقبه الخطيب بما ملخصه إن الحديث عند ( د ) ـ أي أبي داود ـ من رواية كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة وعند ( ت ) ـ أي الترمذي ـ من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده فهما اثنان اشتركا في الاسم وسياق المتن واختلفا في النسب والسند فظنهما ابن حزم واحداً وكثير بن زيد لم يوصف بشيء مما قال بخلاف كثير بن عبد الله الآتي.
إذن الرجل وثقه أحمد وابن معين ( في رواية معاوية بن صالح وعبد الله بن الدورقي ) وابن عمار الموصلي وأبو زرعة وابن عدي وابن حبان ( مع تشدده في غير المجاهيل ) والخطيب.
وجعله بين الضعيف والثقة يعقوب بن شيبة وأبو زرعة وأبو حاتم .
وضعفه ابن معين ( في رواية ابن أبي خيثمة ) والنسائي وأبو جعفر الطبري .
وأخيراً وصفه ابن حجر في التقريب بأنه صدوق يخطىء ( وهو يقل عن مرتبة الصدوق قليلاً أي يلزمه جبر بسيط ليرتفع إلى مرتبة الحسن وليس الصحيح ) وقد روى الحميدي بسند صحيح في مسنده برقم 648 بقوله : " وهي مذبة الشيطان لا يسهو أحد " وبذلك يرتفع الحديث إلى مرتبة الحسن لغيره وقد قال الألباني عن سنده حسن ولم يقل صحيح . وأما أن يشترط بالثقة أن يكون من رجال الصحيحين فهذا ما لم يقل به أحد إضافة إلى أن صاحبك الحارث الذي تحاول أنت والغماري توثيقه في رسالة الغماري بيان نكث الناكث المعتدي لايكفي أنه ليس من رجال الصحيحين فقط وإنما كذبه صاحبا الصحيحين البخاري ومسلم بل وأجمع كل أئمة الجرح والتعديل على تكذيبه كما سنبين ذلك في ردنا على رسالة الغماري نكث الناكث المعتدي ولم يضعف الألباني رحمه الله أحداً هو أقوى من كثير بن زيد ولو عاد السقاف إلى اصطلاح ابن حجر في مقدمة التقريب لرأى أن اصطلاح صدوق يخطئ هي الخامسة بينما اصطلاح مقبول التي وصف فيها مالك بن نمير الذي صحح السقاف حديثه هي السادسة بترتيب ابن حجر وقد رتب ابن حجر مصطلحاته بقوله فأولها الصحابة ثم يذكر باقي المراتب الأضعف بالأضعف.
إذن فالسقاف يضعف كثير بن زيد وقد ذكره ابن حجر في المرتبة الخامسة بينما يقوي حديث مالك بن نمير وقد ذكره ابن حجر في المرتبة السادسة فمن يضعف من هو أقوى من كثير بن زيد يا سبحان الله رمتني بدائها وانسلت فهل مالك بن نمير صاحب المرتبة السادسة هو أقوى من كثير بن زيد صاحب المرتبة الخامسة.
فالألباني حسن حديث كثير بن زيد لاقتران روايته مع غيره من الروايات الصحيحة ورتبه ابن حجر بالمرتبة الخامسة وضعفه السقاف بينما مالك بن نمير الذي وصفه ابن حجر مقبول ورتبه بالمرتبة السادسة أي يأتي بالمرتبة بعد كثير بن زيد ضعف حديثه الألباني وصحح حديثه لاقتران روايته مع غيره بينما السقاف صحح حديثه مع تفرده ؛.
فالسقاف يوثق مالك بن نمير وهو صاحب المرتبة السادسة بينما يضعف كثير بن زيد صاحب المرتبة الخامسة والسادسة هي أدنى من الخامسة في مراتب ابن حجر.(1/70)
62- ادعاء السقاف رد الألباني توثيق ابن حبان مطلقاً
ثم قال السقاف فالألباني مثلاً يقول في صحيحته حديث رقم 343 ومن المعلوم أن توثيق ابن حبان غير معتمد عند المحققين من العلماء والنقاد .... ومنهم الذهبي ا هـ .
أقول : كذب السقاف مرة أخرى فالألباني دائماً يردد أن توثيق ابن حبان وشيخه ابن خزيمة لا يعتدُّ به في المجاهيل لأنهما يوثقان المجاهيل خلافاً للجمهور وهو هنا وحده قد وثق عطية بن عامر الجهني وهو مجهول العدالة لذا فلا يعتد بتوثيقه ولو كان هناك إنصاف عند السقاف لقال بأن الألباني يضعف الروايات التي يسوقها ليبرهن بها على صحة الحديث : " إن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة " . إذن الألباني رحمه الله حينما يستشهد بحديث يبين مدى ضعفه ولا يسكت عن علل الروايات التي يوردها في سبيل دعم رأيه في تصحيح الحديث وهذا دليل على علم الرجل وورعه.(1/71)
63- كذب السقاف بقوله إن الألباني يقول إن توثيق ابن حبان فيه لين
ثم يتابع السقاف ص21 فيقول : وقد تناقض الألباني فرد على الحافظ المنذري حين حسَّن إسناداً فيه من وثقه ابن حبان بقوله كما في الصحيحة برقم 105 وفي ذلك نظر عندي لما قررناه مراراً أن توثيق ابن حبان فيه لين.
أقول : كذب السقاف مرة أخرى فلم يرد ذكر الحافظ المنذري ولا ابن حبان في الحديث رقم 105 من سلسلة الأحاديث الصحيحة . ولم يقل الألباني أبداً أن توثيق ابن حبان فيه لين بل يعتد به وهو من المتشددين إلا في المجاهيل لأنه خلاف الجمهور.(1/72)
64- ذمه الألباني بدل شكره لرده توثيق ابن حبان لمجهول يدعم دليله
ثم يتابع السقاف ص21 : وقال في حجاب المرأة صحيفة 110 فهو في عداد المجهولين وإن أورده ابن حبان في الثقات على قاعدته ومنه تعلم أن قول الحافظ البوصيري إسناده حسن غير حسن 1هـ .
أقول : الرجل لم يخرج عن قاعدته في رد توثيق ابن حبان للمجاهيل ولم يفرح بتحسين البوصيري لسند حديث أورده الألباني كشاهد لحديث آخر بل رد التحسين.
رجل يورد حديثاً شاهداً لحديث يرويه وينبه إلى أن بعض المحدثين قد حسن هذا الشاهد كي لا يغتر بتحسينه أحد فهو يصر على ضعفه فينهض هذا بضعفه الحديثُ المشهودُ له وينهض ضعفُ هذا الشاهد بضعف المشهود له كل منهما إلى مرتبة الحسن لغيره.
رجل يدحض ما يدعم قوله بالباطل أفنشكره أم نذمه ؟
بينما سقافنا هذا يبحث في بطون الكتب فلا يتورع عن تحريف النصوص وادعاء نصوص ليدعم بها كلامه ولو بالباطل ويحوِّر كلام العلماء الذين تكلموا ضد دليله ويدعي أنهم صححوا دليله هكذا العلماء يكذبون ليدعموا دليلهم ثم يذمون من رد كلام من دعم دليله خطأ كما رد الألباني هنا كلام البوصيري تحسين شاهد أورده الألباني لتقوية حديث ضعيف آخر فيصبح الاثنان كل منهما حسناً لغيره لذلك أتبعه الألباني بقوله إلا إذا كان يريد أنه حسن لغيره فهو سائغ وشتان بين العلم مع الورع ، وبين الجهل وقلة الدين . وأتبعه الألباني بقوله وكذلك أورده المقدسي في الأحاديث المختارة والله أعلم.(1/73)
65- طعنه تحسين الألباني لحديث عبد الله بن يسار متابعة
ثم يتابع السقاف ص21 بقوله : ثم ناقض نفسه فصحح حديث عبد الله بن يسار واحتال له أن عبد الله هذا وإن لم يذكروا توثيقه عن غير ابن حبان فقد روى عنه جماعة من الثقات.
أقول : كذب السقاف مرة أخرى قالألباني لم يصححه فقد أتبعه الألباني بقوله : وله شاهد من حديث عمار بن ياسر أخرجه أبو عمرو بن مهند في المنتخب من فوائده 2 / 268 . والصحيح لذاته لا يحتاج إلى متابعة ولا شواهد ؛ وبذلك يصبح حديثه حسناً لغيره وبين المرتبتين أربع مراتب صحيح لذاته ، صحيح لغيره ، حسن لذاته ، حسن لغيره ، فهل هذا جهل أم كذب من هذا السقاف.(1/74)
66- طعنه تحسين الألباني لحديث المهاجر بن عمرو متابعة
ثم يتابع السقاف ص22 فيقول وحسن حديث المهاجر بن عمرو وقال وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات ( حجاب 110 ).
أقول : هو حسن لغيره فقد أتبعه الألباني بشاهد آخر ضعيف فيرفع الحديثان بعضهما لبعض لمرتبة الحسن لغيره ولكن ماذا نفعل بمن يجهل العلم ثم ينتقد العالم فالسقاف إما أنه جاهل بعلم الحديث أو أنه كذاب.(1/75)
67- طعنه تحسين الألباني لحديث يحيى بن مالك وهو ثقة
ثم يتابع السقاف ص22 بقوله : وقال في يحيى بن مالك فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى لتابعيته ورواية جماعة من الثقات عنه .... الخ صحيحته 365
أقول : هل الأمانة أن تنقل كلام الشيخ ناصر مبتوراً ياسقاف فقد أتم قوله مع تصحيح الحاكم والذهبي له فتصحيح ابن حبان والحاكم والذهبي ورواية الثقات عنه لم يُطَمْئِن الألباني إلى تصحيح حديثه رغم أنه استشهد به لتصحيح حديث أورده في سلسلة الأحاديث الصحيحة فحكم له بالحسن ومع ذلك فيحيى بن مالك هو أبو أيوب الأزدي البصري العتكي المرادي وثقه النسائي والعجلي وابن سعد كما في التهذيب وقال في التقريب ثقة فالحديث صحيح وليس حسناً فقط.(1/76)
68- طعنه تحسين الألباني لحديث ابن سليط موافقة لابن حجر بادعائه لم يرو عنه إلا واحد أو اثنان
ثم يقول السقاف ص22 وحسن أيضاً حديث ابن سليط ولم يوثقه إلا ابن حبان ولم يرو عنه إلا واحد أو اثنان كما في آداب زفافه ( ص64 و 88 الطبعة القديمة ) .
أقول : وجدته في ص68 من الطبعة الثانية ولم أره في المكان الثاني حوالي الصفحة 88 - 120 فقد قال الألباني موافقاً ابن حجر في الفتح 9 / 188 لا بأس به رغم قوله عن عبد الكريم بن سليط في التقريب مقبول فهو ليس حسناً وإنما هو ضعيف وقد وهم الشيخ غفر الله له متابعاً ابن حجر . ثم كيف تقول لم يرو عنه إلا واحد أو اثنان ؟ ومن أين أتيت بهذا الكلام ؟ ألم تقرأ في ترجمته في التهذيب 6 / 373 وعنه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي والحسن بن صالح بن حي ثم تعقب ابن حجر على قول ابن معين لم يرو عنه إلا الحسن بقوله : قلت : ذكره ابن حبان في الثقات وقال روى عنه المراوزة فهل عبد الرحمن والحسن والمراوزة هم واحد أو اثنان ؟ !(1/77)
69- يتباكى السقاف على تضعيف الألباني أبا حنيفة ويرد هو حديثه مطلقاً تنزيلاً له منزلة الكذابين
وأخيراً ذهب السقاف يستصرخ قلوب الناس ويتظاهر بالغيرة على الإمام أبي حنيفة بقوله ص22 :
وضعف الألباني الإمام أبا حنيفة رحمه الله كما في تعليقه على كتاب السنة لابن أبي عاصم له 1 / 76 مع أن الثقات رووا عنه وأجمعت الأمة على ثقته وجلالته ..... الخ فانظروا كيف يتطاول على الإمام الأعظم رحمه الله !
أقول يا لدموع التماسيح :
1- لو كنت تعتقد أنه الإمام الأعظم لاتبعته ولما رميت بعلمه وفقهه كله وراء ظهرك حتى وإن كان معه الدليل.
2- لو كنت تعتقد أن الأمة أجمعت على ثقته وجلالته كما تقول فلم رددت الحديث الصحيح الذي يرويه هو ويطبقه في فقهه " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " في ص5 ورواه عنه الدارقطني وتابعه الجسن بن عمارة أم أنك تبطن غير ما تظهر والأصح أنك تكذب.
3- إنك لو اعتقدت في أبي حنيفة الضعف لسوء حفظه كما يقول البخاري ومسلم والنسائي وابن عدي والدارقطني وابن حبان وابن سعد وابن حجر والعقيلي وابن أبي حاتم وابن المبارك وابن معين وأحمد بن حنبل وابنه عبد الله والحاكم وعبد الحق الإشبيلي والذهبي ووقفت عند هذا الحد الذي وقف عنده الألباني لقبلت حديثه في المتابعات والشواهد والحديث الذي رددته قد تابعه فيه الحسن بن عمارة وللحديث شواهد عديدة.
4- إن ردك المطلق لحديث أبي حنيفة حتى وإن توبع يعني أنك تنزله إلى مرتبة الكذابين والوضاعين وحاشاه من ذلك . وشتان بين موقفك وموقف الألباني من أبي حنيفة رحمه الله . فالألباني رحمه الله يتبعه إذا كان الدليل معه وأنت لا تتبعه حتى وإن كان الدليل معه ( لغاية في نفسك ) والألباني يقبل حديثه اذا أمن خطأه بأن يتابعه شخص آخر وإن كان ضعيفاً وأنت لا تقبل حديثه حتى وإن شهد له أهل الأرض جميعاً.
ولنطلع الآن على أقوال الألباني رحمه الله في أبي حنيفة وتأدبه مع هذا الإمام الكبير فقال في تخريج حديث في السنة لابن أبي عاصم 1 / 76 ما يلي :
اسناده ضعيف رجاله ثقات رجال البخاري غير أبي حنيفة فإنه على جلالته في الفقه ضعفه الأئمة لسوء حفظه وقد خرجت أسماء هؤلاء الأئمة في الأحاديث الضعيفة 5/76 بما لا تراه في كتاب آخر ولدينا مزيد.
وقال في الأحاديث الضعيفة 5 / 76 ما يلي بعد أن أورد أسماء الأئمة الذين ضعفوه وكلامهم فيه من الصفحة 1 / 76 - 1 / 79 وقال عقبه :
ومما لاشك فيه عندنا أن أبا حنيفة من أهل الصدق ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى ينضم إليه الضبط والحفظ وذلك مما لم يثبت في حقه رحمه الله بل ثبت فيه العكس بشهادة من ذكرنا من الأئمة وهم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم واتبع أقوالهم ولا يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه خلافاً لظن بعض المتعصبين له من المتأخرين فكم من فقيهٍ وقاضٍ وصالحٍ تكلم فيهم أئمة الحديث من قبل حفظهم وسوء ضبطهم ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعناً في دينهم وعدالتهم كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة وذلك مثل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي وحماد بن أبي سليمان الفقيه وشريك بن عبد الله القاضي وعباد بن كثير ...... فهذا هو الحق والعدل وبه قامت السماوات والأرض فالصلاح والفقه شيء وحمل الحديث وحفظه وضبطه شيء آخر ولكل رجاله وأهله فلا ضير على أبي حنيفة رحمه الله أن لا يكون حافظاً ضابطاً ما دام أنه صدوق في نفسه أضف إلى ذلك جلالة قدره في الفقه والفهم فليتق الله بعض المتعصبين له ممن يطعن في مثل الإمام الدارقطني لقوله في أبي حنيفة " ضعيف الحديث " ويزعم أنه ما قال ذلك إلا تعصباً على أبي حنيفة ولم يدر البعض المشار إليه أن مع الدارقطني أئمة الحديث الكبار مثل الشيخين وأحمد وغيرهم ممن سبق ذكرهم أفكل هؤلاء متعصبون ضد أبي حنيفة ؟ تالله إن شخصاً يقبل مثل هذه التهمة توجه إلى مثل هؤلاء الأئمة لأيسر عليه وأقرب إلى الحق أن يعكس ذلك فيقول صدق ( في الأصل صدوق وهو خطأ ) هؤلاء فيما قالوه في الإمام أبي حنيفة ولا ضير عليه في ذلك فغايته أن لا يكون محدثاً ضابطاً وحسبه ما أعطاه الله من العلم والفهم الدقيق حتى قال الإمام الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة ولذلك ختم الحافظ الذهبي ترجمة الإمام في سير النبلاء 5/288/1 بقوله وبه نختم : قلت : الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام وهذا أمر لا شك فيه.
وليس يصح في الأذهان شيء… إذا احتاج النهار إلى دليل
فبالله عليك أخي القارىء من يتطاول على الإمام أبي حنيفة رحمه الله ؟
الألباني الذي نقل رأي أئمة الحديث في تضعيف أبي حنيفة في الحديث من جهة حفظه وأقر له بالعلم والفقه والفهم والدين والورع والإمامة وفصلها عن الحديث لاعتماد الحديث على الحفظ والضبط أم السقاف الذي لا يأخذ بقول من سمًّاه الإمام الأعظم ( سماه هكذا رياء ) حتى وإن كان الحق والدليل معه.
والألباني الذي يقبل حديث أبي حنيفة رحمه الله إذا أمن الخطأ ( وذلك بمتابعته أو وجود شواهد لحديثه ) أم السقاف الذي ادعى بأن الأمة أجمعت على ثقته وجلالته ومع ذلك يرد حديثه منفرداً أو حتى في المتابعات وشهَّرَ بالألباني لقبوله حديثه إذا توبع ؟
فهل تبدي بلسانك غير ما تخفيه يا سقاف ؟ فكل إناء بما فيه ينضح.
وياليتك تطاولت على الإمام أبي حنيفة رحمه الله فقط يا سقاف بل وصلت بك الجرأة في الصفحة 12 من رسالتك هذه إلى شتم علماء الأمة ووصفهم بالأغبياء من أهل الكنود والجحود وبأن ما قالوه هو لا شيء البتة لا لذنب اقترفوه إلا لأنهم وصفوا حجاج بن محمد بأنه قد اختلط في آخره وبذلك يسقط الحديث الذي تدافع عنه في هذه الرسالة وتحشد لتصحيحه الأكاذيب والافتراءات ومن هم العلماء الذين ضعفوا صاحبه حجاجاً هذا ؟ هم : يحيى بن معين ، ابن سعد ، الخلال ، ابراهيم الحربي ، أبو العرب القيرواني ، المقدسي ، المزي ، الذهبي ، ابن حجر.
فكما ترى عزيزي القارىء أن السقاف أراد أن يوهم الناس أن الألباني رحمه الله يتطاول على الإمام أبي حنيفة رحمه الله مستغلاً نقله آراء أئمة الحديث في حفظ أبي حنيفة رحمه الله علماً أنه يركز على إمامة أبي حنيفة رحمه االله في العلم والفقه والفهم والدين والورع فبان عواره وكيف أنه ( السقاف ) رد حديث أبي حنيفة رحمه الله مطلقاً وبذلك أنزله مرتبة الوضاعين والكذابين ولم يقف عند تطاوله على هذا الإمام بل تعدى ذلك إلى وصف علماء الأمة وخاصة في الرجال فوصفهم بالغباء والكنود والجحود وبأن قولهم ليس بشيء البتة.(1/78)
70- عثور السقاف أخيراً على محدث في بلاد الشام بعد نفيه مع الغماري وجود محدث
ثم عقد في ص23 فصلاً في تخريج للحديث للشيخ شعيب الأرناؤوط .
أقول : عجباً للجوئك للشيخ شعيب الأرناؤوط من يكون هذا بعد قولك تعليقاً على قول من لقيه محدث المغرب عبد العزيز الغماري الحسني أثناء ادعائه كذباً وبهتاناً في رسالته بيان نكث الناكث المعتدي بتضعيف الحارث ( الذي كذبه كل علماء الجرح والتعديل على الإطلاق وعددهم ما يقارب الخمسين ) ثقة الحارث . فقال ص41 :
ولكنه اغتر ( أي الألباني ) بفراغ الجو وخلو البلاد ممن يشتغل بالحديث على الوجه الصحيح .
فعلقت على كلامه هذا مؤيداً بقولك :
قلت وخصوصاً بلاد الشام فليس فيها محدث البتة والشيخ بدر الدين الذي شهروا بأنه محدث لم يكن كذلك ويشهد لذلك عدم تخرج تلامذة به يعرفون الحديث مع عدم وجود كتب حديث من تصنيفه تدل على أنه محدث وكل من عرفته أو سمعت عنه يشهد له بأنه محدث . هو حقيقة لا يعرف الحديث وإنما يتناقل الناس ذلك دون تمحيص وإدراك وقد نقل الحافظ الشريف أحمد الغماري في بعض كتبه بأنه حضر عليه فوجده لا يعرف الحديث وليس هذا طعناً بالشيخ البتة وإنما هو إخبار بالواقع ا هـ حسن.
فهل الشيخ شعيب الأرناؤوط هو نجل الغماري وتخرج من مدرسة الغماري أم أنه محدث أتانا من المريخ فحسب زعمك وزعم صاحبك الغماري أنه لا يوجد في بلاد الشام خاصة وبلاد الإسلام عامة محدث يعرف الحديث فكيف اكتشفت الشيخ شعيباً هل ظهر الساعة هذه فأعلنت عنه أم أنك كنت تكذب مع صاحبك الغماري وتدعي خلو بلاد الشام من علماء الحديث وبلاد الشام مباركة دعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بقوله " اللهم بارك لنا في شامنا " أخرجه البخاري في الاستقامة باب ما قيل في الزلازل والآيات وفي الفتن باب ما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم - الفتنة من قبل المشرق والترمذي في المناقب باب فضل الشام واليمن.
وكبار المحدثين والعلماء قديماً وحديثاً إما أنهم ظهروا من بلاد الشام أو أنهم تخرجوا على يد علماء أهل الشام فليسوا بحاجة لأن يأتيهم شخص لا يعرف من هو ولا بمن هو مرتبط ويدعي نسبته حسنياً هاشمياً قرشياً عربياً مسلماً ليحكم على علمهم فهم الذين يحكمون على الناس أنهم علماء أم لا ولا يحكم الناس عليهم هم مشهورون بالعلم وغيرهم مغمورون فكيف يحكم المغمورون والغماريون على المشهورين ورسالتاكما هاتان المليئتان بالأكاذيب والأباطيل لم تُفنَّد ولم تُعرَّ كما يجب سوى في بلاد الشام ولم يستهجنها سوى علماء بلاد الشام لأنهم من عنوانها شموا نتنها فالعلم ليس بالنسب المدعى وإنما هو بالجد والتقوى والعمل.(1/79)
71- ملخص لبحث الشيخ شعيب الأرناؤوط في الحديث
وملخص بحث الشيخ شعيب الأرناؤوط الذي نقله السقاف وعلى ذمته لأنه مجرب عليه الكذب في رسالته هذه وغيرها.
1- حديث وائل بن حجر برواية زائدة بن قدامة إسنادها صحيح لكن لفظة يحركها شاذة لانفراد زائدة بها.
2- حديث وائل بن حجر رواية غير زائدة لا تتضمن لفظة يحركها مع ورود ألفاظ : وأشار بالسبابة يدعو بها ، جعل يدعو هكذا يعني بالسبابة يشير بها ، يدعو بها ، ودعا بالسبابة.
3- حديث ابن عمر لا يتضمن لفظة يحركها مع ورود ألفاظ : وأشار بالسبابة ، فدعا بها ، يدعو بها . مسلم ( 5/80 ) ( 114 ) ، والترمذي 294 ( كتم السقاف الثانية والثالثة ظناً مع ادعاء التقديم والتأخير دون أن يتعرض للدعاء ).
4- حديث ابن الزبير من رواية غير ابن جريج تتضمن الإشارة والدعاء بها ولا تتضمن لفظة يحركها.
5- حديث ابن الزبير من رواية ابن جريج تتضمن الإشارة والدعاء ولفظة لا يحركها . وهي حسنة الإسناد وقد صرح ابن جريج بالتحديث عند أبي عوانة والنسائي والبيهقي.(1/80)
72- نزول رواية ابن جريج من الصحة طوال الرسالة فجأة إلى الحسن في آخرها
وهنا أقول للسقاف هل أنت موافق على ما قرره الشيخ شعيب أي أن رواية ابن جريج حسنة بعد أن كنت في رسالتك كلها تدعي صحتها وترد بها رواية زائدة الصحيحة فسبحان مغير الأحوال ومغير الآراء في نفس الرسالة وفي نفس البحث.(1/81)
73- هل يرد الصحيح بالحسن
بعد أن هبطت رواية ابن جريج عند السقاف إلى الحسن لنقارن على هذا الأساس الذي استجدَّ عنده :
فرواية زائدة صحيحة الإسناد وتنفرد بلفظة يحركها.
ورواية ابن جريج حسنة الإسناد وتنفرد بلفظة لا يحركها ( تتفرد بها عن روايات مسلم للحديث ).
نحن الآن أمام روايتين متعاكستين :
أ-…من حيث السند هل يقدم الحسن على الصحيح أم العكس.
ب-…من حيث المتن والمعنى :
الأول يشير بها ، يدعو بها يحركها .
الثاني يشير بها ، يدعو بها لا يحركها .
أي حديث يوافق بالمعنى أكثر ألفاظ باقي الروايات ؟ ! طبعاً الأول إذ كيف يدعو بها ولا يحركها ؟(1/82)
74- تضعيف تصريح ابن جريج في السماع
ثم أقول للشيخ شعيب ( إن صدق السقاف في نقله وإلا فهو مجرب عليه الكذب في رسالته هذه كثيراً ) .
أيوب بن محمد الوزان عند النسائي والفضل بن يعقوب البغدادي عند البيهقي سمعا من حجاج بن محمد بعد عودته إلى بغداد وتغيره وقد ترجم الخطيب للاثنين بسبب دخولهما بغداد ولطالما أن حجاجاً روى العنعنة قبل الاختلاط وروى التصريح بعد الاختلاط فالتصريح مردود حتماً ونعيد هنا ما كنا ذكرناه في تضعيف حديث ابن جريج في الصفحة 21 من هذه الرسالة :
1- سندها ضعيف لاختلاط حجاج بن محمد الأعور بآخره تقريب التهذيب 1/89 الذي فيه نصريح ابن جريج بالسماع.
2- سندها ضعيف لتدليس ابن جريج الذي عنعنه ( وذلك في الطرق التي فيها عنعنة ابن جريج بسند صحيح إليه ) تقريب التهذيب 1 / 520.
3- مخالفتها لرواية عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه في صحيح مسلم 5/79 التي فيها وأشار بأصبعه السبابة وعامر أعرف برواية أبيه من المدلس الذي عنعن روايته.
4- تفرد هذه الرواية عن باقي روايات ابن الزبير العديدة بلفظة لا يحركها ومعارضتها لها ولرواية زائدة يحركها.
5- إدراج لفظة لا يحركها في الحديث فهي من كلام ابن جريج وهو فقيه ولم يتابعه فيها أحد ممن روى عن ابن الزبير هذا الحديث ولا تتفق بالمعنى مع باقي الروايات.
6- لفظة يحركها أقرب إلى معنى باقي الروايات من لفظة لا يحركها.
7- الموقف هو وصف وإثبات لأفعال لا نفي لأفعال ولو جئت تنفي أفعالاً لما انتهيت.
8- لفظة يحركها مثبتة ولفظة لا يحركها نافية والمثبت مقدم على النافي.
اللهم لا فالضعيف إذا خالف الثقة أصبح حديثه منكراً حسب قواعد علم الحديث وليس حسب علم السقاف.
ثم لنناقش رواية ابن جريج فنقول :
إن عبد الله بن الزبير قد رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يصلي فوصف صلاته فالموقف موقف وصف وليس موقف نفي فما أدراه بالحركة حتى يقول لا يحركها ولو أخذ يصف بالنفي لما انتهى من الوصف إذ عليه أن يصف كل حركة من حركات الصلاة وينفي عنها أشياء كثيرة عند كل حركة لذا أرى أن لفظة لا يحركها هي فيما يبدو والله أعلم من تفسير ابن جريج ـ وهو فقيه ـ للفظة يشير بها فظن حجاج بن محمد أنها من روايته فرواها عنه على أساس أنها من روايته وقد عنعن ابن جريج الحديث فاختلط حجاج وتردد في تصريح ابن جريج وفي عنعنته فالحديث مدرج ثم زيادة على ذلك :
فقد تفرد ابن جريج عن زياد بن سعد بها وتفرد زياد بن سعد عن محمد بن عجلان بهذه الرواية لا يحركها ورواها الليث بن سعد وغيره عن محمد بن عجلان بدون لفظة لا يحركها.
إذن تفرد زياد بن سعد عن محمد بن عجلان دون غيره إذ روي عن محمد بن عجلان بدون هذه اللفظة وتفرد ابن جريج عن زياد بن سعد بها . وتفرد حجاج بن محمد عن ابن جريج بها.(1/83)
75- وصف تخريج الشيخ شعيب بالتحقيق الدقيق والاستقصاء العميق
ثم علق السقاف ص28 في الحاشية : ومن هذا التحقيق الدقيق والاستقصاء العميق :
أقول للسقاف : هل هي رمية من غير رامٍ ؟ أم أن الشيخ شعيباً قد خرج منه هذا التحقيق صدفة فوافق الصواب عندك وأصبح دقيقاً ؟ أم عادت البلاد الإسلامية عامة والبلاد الشامية خاصة وامتلأت بالمحدثين ؟ أم حسب الحاجة فحين يتكلم أحد الشاميين بكلام يوافقك يصبح محدثاً ثم يعود أدراجه ويجلس في صفوف الجهلة ؟(1/84)
76- خمس ملاحظات على التعليق تكشف جهله المطبق في الكلام وجهله أسماء المؤلفين الذين ينقل عنهم
يتابع السقاف تعليقه ص28 : يتبين ( من هذا التحقيق ) أن ما قاله المعلق على رسالة الحافظ ابن رجب " الخشوع في الصلاة " طبع دار عمار الطبعة الأولى 1406 هـ هباء منثوراً وخصوصاً أنه ادعى ص7 أن عبد العظيم أبادي قال في عون المعبود 1 / 374 " وفيه تحريكها دائماً " والحق أن عبد العظيم أبادي قال أيضاً بعد ذلك في عون المعبود 3 / 281 على أن المراد بالتحريك ههنا هو الرفع لا غيره فيكون النص الثاني ناسخاً للأول ويكون عبد العظيم أبادي نفى التحريك كما نفاه أهل الحديث والحمد لله تعالى.
أقول :
1- إن صاحب عون المعبود ليس اسمه عبد العظيم وإنما اسمه محمد وكنيته أبو الطيب ولقبه شمس الحق العظيم آبادي كما ورد في مقدمته ورجل يحرف أولا يعرف اسم المؤلف للكتاب الذي ينقل منه أو قرأ ولم يفهم فيتصرف بالاسم حسب فهمه الأعجمي لاحسب حسبه العربي القرشي الهاشمي الحسني المدعى ليس مستغرباً أن يحرف النصوص التي ينقلها من الكتب ليدعم آراءه.
2- بل قل الحمد لعبد العظيم فقد رفعته إلى مرتبة المشرع ثم ينسخ أحكاماً كان قد شرعها من قبل بدلاً من أن تقول إن شمس الحق العظيم قد استنبط حكمين متناقضين كل منهما من حديث لذا يقدم الحكم الموافق للحديث الصحيح فشمس الحق ليس مشرعاً ولا ناسخاً ولايقال النسخ في قول البشر.
3- هل ترى أن عبارة : ادعى ص7 أن عبد العظيم أبادي قال في عون المعبود 1/374 عبارة صحيحة ودقيقة ؟ ترى هل هي كذب حتى تصفه بأنه ادعى ؟ أم هي صحيحة ولكنها لا تروق لك ؟ ولطالما أنك فتشت الكتاب واستخرجت منه العبارة المناقضة في الجزء الثالث فلا بد أنك فتشت الجزء الأول ورأيت العبارة التي يشير إليها المعلق على رسالة الحافظ ابن رجب.
ولعمري طالما أنك لا تميز بين كلمة ادعى وبين قال ثم تتربع عرش الاجتهاد فليس غريباً أن تخرج مثل هذه الرسالة من تحت يدك المليئة بالأكاذيب والأغاليط والتحريفات حتى في أسماء المؤلفين ثم ليس غريباً منك أن يأخذك الغرور والعجرفة وتصف علماء الأمة بالغباء والكنود والجحود.
ولعمري لا يخرج هذا الوصف لعلماء الأمة إلا من عدو للإسلام والمسلمين حاقد عليهم.
ففي هذه الحاشية البسيطة كشف عن جهله :
1- تحريفه اسم صاحب عون المعبود .
2- وصف تحقيق الشيخ شعيب بالتحقيق الدقيق مع تنزيله الحديث الذي يدافع عنه السقاف إلى الحسن وهو الذي كان يدعي صحته طوال هذه الرسالة فهل الشيخ شعيب أعلم منك فاعترفت بشكل غير مباشر بخطئك في تصحيح الحديث.
3- عدم تمييزه بين كلمتي ادعى وقال واستعمل الواحدة مكان الأخرى.
4- استعمل النسخ لكلام المؤلف وبذلك رفعه إلى مرتبة المشرع الذي هو الإله.
5- لم لا يكون حكمه الموافق للحديث هو الأصح ؟(1/85)
77 - ملاحظات حول تخريج الشيخ شعيب
نقل السقاف عن الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريج حديث وائل بن حجر ص23 أن الشيخ شعيباً قال :
فحديث سفيان بن عيينة عن عاصم عند أحمد 4 / 318 والحميدي 885 والنسائي 3 / 34 - 35 والطبراني 22 / 78 ، 85 بلفظ " وأشار بالسبابة ".
أقول هو عند الحميدي بلفظ " وحلق حلقة ودعا هكذا ونصب الحميدي السبابة " . والدعاء بالسبابة يتنافى مع ثباتها.
وهو عند النسائي 3 / 34 - 35 بألفاظ " وأشار " " وأشار بالسبابة يدعو بها ".
ثم قال ص 25 :
فهؤلاء الثقات الأثبات من أصحاب عاصم لم يذكروا التحريك الذي انفرد به زائدة وهذا من أبين الأدلة على وهم زائدة فيه لاسيما أن روايتهم تتأيد بأحاديث صحيحة ثابتة عن غير وائل بن حجر ولم يرد فيها التحريك وجاء في بعضها إثبات الإشارة ونفي التحريك كما تتفق عليه.
أقول :
1- لو انفرد زائدة بلفظ التحريك فهو ثقة ولايضره تفرده فزيادة الثقة مقبولة.
2- لا يضره عدم ورود التحريك بأحاديث صحيحة ثابتة عن غير وائل إضافة إلى اقتران الإشارة بالسبابة بالدعاء بها والدعاء بها يفيد التحريك ولا ينافيه.
3- قولك وجاء في بعضها إثبات الإشارة ونفي التحريك كما سنقف عليه فهذا مما لم أقف عليه لأنه لا يوجد في هذا البحث ـ الذي يقول السقاف بأنه ذاكره بتمامه ـ أي حديث ينفي التحريك ويحكم عليه الشيخ شعيب بالصحة.
4- أورد السقاف ص27 في تتمة تخريج الشيخ شعيب حديث عدم تحريك الإصبع رواية ابن جريج عند أبي داود والنسائي وأبي عوانة والبيهقي وحكم عليه بالحسن بقوله وهذا إسناد حسن فهل يعارض الإسناد الحسن الإسناد الصحيح ويرده تالله لم تقل بهذا أيُّ قاعدة من قواعد علم الحديث.
5- بعد ذكر علل رواية ابن جريج وبيان أن لفظة لا يحركها مدرجة في الحديث إضافة لضعف سندها هل ما زالت تقدم على رواية زائدة الصحيحة الإسناد ومتطابقة المعنى مع جميع روايات الحديث فتأمل !(1/86)
78- تحسينه لحديثٍ فيه لفظة منكرة
ذكر في الصفحة 28 حديث مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه " أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قاعداً في الصلاة واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعاً إصبعه السبابة قد أحناها شيئاً وهو يدعو " . وهذا حديث حسن في الشواهد.
أقول : إن قولك هذا ياحسن ليس بحسن فالحديث كما تعلم فيه مالك بن نمير الخزاعي وهو مجهول الحال فالحديث بلفظة أحناها محني بل منكر لمخالفة المجهول للثقات وأما باقي الحديث فيمكن أن تعتبره حسناً لغيره أو صحيحاً لغيره(1/87)
79- بيان في معنى التحليق
ثم أورد ص28 : تنبيه في معنى التحليق : ظن بعض الناس أن التحليق هو تحريك الإصبع الشاهد ( السبابة ) بشكل دائري كالحلقة وليس كذلك ...... وهذا لا يلزم منه تحريك البتة.
…أقول : التحليق هو وصف الأصابع وليس وصف الحركة وأما التحريك فمستفاد من صريح لفظ الحديث.
ولكن كلامك هذا تريد أن توهم القارئ أن استفادة التحريك هي من سوء فهم من قال بالتحريك من التحليق وبذلك تعبر عن عدم فهمك للغة العربية التي تكلم بها من قال بالتحريك فكيف تفهم علم الحديث فعلم الحديث له أهله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه محمد عادل ملاح ونقحه على فترات(1/88)
الرسالة الثانية
دحض الأدلة الفرية لسنة الجمعة القبلية(1/106)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد .
لقد أورد السقاف في رسالته الأدلة الجلية لسنة الجمعة القبلية أحاديث ضعيفة وواهية وقدمها على الصحيحة ليدعم بها رأيه في إثبات سنة الجمعة القبلية وادعى في نهايتها أن سنة الجمعة القبلية ثابتة في المذاهب الأربعة المتبوعة وها أنذا أفند حججه وأردها واحدة بعد أخرى .
وقد جريت في هذا الرد على إيراد مقاطع من رسالته بحروفها ثم أعقب عليه بما يستحق من النقد العلمي متجاهلاً السباب والشتائم فأقول :
ابتدأ الكاتب بالسباب والشتائم واصفاً الألباني رحمه الله ومن تبعه بأنه من أدعياء الحديث المتنطعين وغيرها من الأوصاف الشائنة وإن تجنب الاسم ثم قال ص 33 :
إعلم يرحمك الله أن سنة الجمعة القبلية أعني ركعتين أو أربعاً قبلها من السنن المؤكدات وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ( بعد أن تزول الشمس ـ أي تميل(1/107)
عن وسط السماء ويدخل وقت الظهر ـ يصلي أربع ركعات سنة للجمعة قبلها في بيته وكان بيته في مسجده ( كما هو معلوم ثم يخرج إلى المسجد فيصعد على المنبر فيؤذن المؤذن فيقوم للخطبة فالآذان كان بعد دخول الوقت وبعد أن يصلي الركعات الأربع وإنما كانوا يعرفون زوالها سليقة . وبقي الأمر هكذا في زمن سيدنا أبي بكر وكذا في زمن سيدنا عمر رضي الله عنهما ثم سن سيدنا عثمان رضي الله عنه الأذان الثاني والأذان الثاني هو الأول توقيتاً بمعنى أن الأذان الثاني الذي سنه سيدنا عثمان قبل الذي يكون بعد صعود الإمام على المنبر فجعل هذا الأذان الثاني ( وهو الأول زمناً ) إعلاماً على دخول الوقت أي وقت الظهر وزوال الشمس عن كبد السماء وأما الأذان الأول الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبقي على محله وهو بعد صعود الإمام على المنبر فيكون الثاني زمناً والأول تشريعاً.
أقول :
1 - ما دليلك على سنيتها ؟.
2 - ما دليلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليها في بيته ؟.
3 - متى كان الأذان بعد دخول الوقت ( والأذان كما هو معلوم إعلام بدخول الوقت ) ؟.
4 - صلاة السنة المؤكدة هل تكون قبل الأذان أم بعده ؟.
5 - استشهدت في الحاشية بأحاديث " إن الرسول ( كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس " و " كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء " و " كنا نخرج بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة(1/108)
الضحى " والمعروف أنه بين الأذان وصلاة الجمعة هناك فاصل ألا وهو الخطبة فطبيعي أن تتأخر صلاة الجمعة عن الوقت وأما أن يتأخر الأذان عن الوقت فهذا مالا يقبل به أحد.
6 - هلاّ تكرم شيخنا السقاف وبين للمتنطعين بزعمه لِمَ ابتدع سيدنا عثمان رضي الله عنه الأذان الثاني ( مع أنه لم يقل أحد بأن عثمان رضي الله عنه إبتدع وإنما يقولون سنَُّ لأن البدعة لاتليق بالصحابة وخاصة الخلفاء الراشدين منهم ) هل سنه استحساناً ؟ أم رأياً ارتآه ؟ أم لضرورة ؟.
السبب موجود في نفس الخبر الذي نقله السقاف سرداً في ص 34 من غير عزوٍ لمصدره فهو في صحيح البخاري كتاب الجمعة " باب الجلوس على المنبر عند التأذين " و " باب التأذين عند الخطبة ".
فقال في الأول : حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره أن التأذين يوم الجمعة أمر به عثمان حين كثر أهل المسجد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام.
وقال في الثاني : حدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن الزهري قال سمعت السائب بن يزيد يقول : إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم فلما كان في خلافة عثمان رضي الله عنهما وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث ( الأذانان الأصليان هما الأذان بين يدي الخطيب والإقامة عند الصلاة ) فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك .(1/109)
إذن فعله عثمان رضي الله عنه لضرورة ألا وهي إسماع الناس لما كثروا في المسجد ولم يفعله عن هوى ولو تأمن إسماع الناس بوسيلة أخرى لما لجأ لسن أذان آخر.
والآن وبعد اختراع مكبرات الصوت زالت الحاجة لهذا الأذان لذا فإبقاء هذا الأذان أو الدعوة لإبقائه هو من التنطع فعند فقدان الماء يشرع التيمم وبوجوده ثانية يعود الأمر لسابق عهده ألا وهو الوضوء أو الغسل حسب الحال وهنا سن عثمان رضي الله عنه الأذان الثاني لحاجة إسماع الناس وعندما تأمن إسماعهم عن طريق مكبرات الصوت زالت الحاجة لهذا الأذان الثاني فالرجوع للأصل هو الأصل.
فهل فِعْلٌ فعله عثمان رضي الله عنه لضرورة يصبح تشريعاً دائماً وثابتاً ولو زالت هذه الضرورة ؟ اللهم لا.
ولو قلت بذلك للزمك القول بعدم جواز الجماعة في قيام رمضان والتي منعها أو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خشية أن تفرض علينا فلا نستطيعها ولو زالت هذه الخشية بوفاته - صلى الله عليه وسلم - . ومن المعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلى مرتبة من عثمان وغيره . فقد روى البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب " فضل من قام رمضان " ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين باب " الترغيب في صلاة التراويح " ومالك في موطئه كتاب الصلاة في رمضان باب " الترغيب في الصلاة في رمضان " والنسائي في سننه كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب " قيام شهر رمضان " واللفظ للبخاري : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجل بصلاته فأصبح الناس(1/110)
فتحدثوا فاجتمع أكثر فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف عليَّ مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك " . ولفظ مسلم : " أما بعد فإنه لم يخف عليّ شأنكم الليلة ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها " . ولفظ مالك والنسائي : " قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان " . إلا أن النسائي قال : " فلم يمنعني وقال أن يفرض عليكم ".
وبعد وفاته ( زالت خشية افتراضها على الأمة لانقطاع الوحي واكتمال الرسالة فأعاد عمر رضي الله عنه الأمر إلى ما كان عليه وأعاد الجماعة إلى صلاة التراويح ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك ولم يقل له أحد : إنك فعلت شيئاً نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل عرفوا أن ما منعت الجماعة لأجله قد زال فعادت مشروعيتها ولم يبق الأمر على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهوش عليه أحد كما هوشت علينا.
هذا بالنسبة لفعل فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نقض لزوال سببه فكيف بفعل فعله عثمان رضي الله عنه بعد زوال سببه بمخترعات حديثة أدت ما هدف إليه من فعله واحتاج الناس إليه.(1/111)
أم أنك ما زلت مصراً على رأيك بسنية الأذان الثاني وبذلك يلزمك القول كما أسلفت أنت بعدم مشروعية قيام رمضان جماعة مع العلم أن نقض سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من سنة سنها خليفة من بعده لضرورة.
وبذلك يرتد عليك ما أوردته علينا بقولك أسأت وأخطأت من أوجه :
الأول : نسبت الى عمر رضي الله عنه مخالفة السنة ورميته بالابتداع وليس لك ذلك.
الثاني : نسبت إلى الصحابة الذين أقروا عمر رضي الله عنه على هذا الفعل الإقرار على الباطل ولم تعتبر إجماعهم .
الثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصى وصية فقال : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ـ وليس المهدين كما أورده السقاف ـ عضوا عليها بالنواجذ " رواه الترمذي في كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ في السنة واجتناب البدع وأبو داود في كتاب السنة باب لزوم السنة وابن ماجة في المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين وأحمد 4/126 ، 127 وابن حبان والحاكم والدارمي بألفاظ متقاربة فيكون ما فعله عمر رضي الله عنه إحياء لسنة أوصى بالتمسك بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثه الصحيح الصريح هذا.
فيتضح ساعتئذ أن من سعى في إلغاء الأذان الثاني لصلاة الجمعة ساعٍ في إحياء سنة خولفت لضرورة بعد أن زالت هذه الضرورة كما أعاد عمر رضي الله عنه سنة الجماعة في قيام رمضان بعد أن زال سبب منعها وهو(1/112)
خشية الافتراض علينا فلا نطيقها وبذلك تمسك بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - التي أمر بها وحض عليها بقوله " عليكم بسنة الخلفاء الراشدين " وبذلك ينطبق على المنكر على هذا الساعي الحديث الصحيح " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله عز وجل وأما عاد فأهلكوا وفي الأدب باب ماجاء في قول الرجل ويلك وفي اسستتابة المرتدين باب قتل الخوارج والملحدين ومسلم في الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم وباب التحريض على قتل الخوارج والترمذي في الفتن باب صفة المارقة وابن ماجة في السنة وأبو داوود في البيعة بألفاظ متقاربة فنسأل الله تعالى الهداية لهذا السقاف المُنْكِر.
قال السقاف ص 36 : أدلة سنة الجمعة القبلية ( سأرد على كل دليل أولاً بأول ).
1 - روى الإمام الحافظ أبو الحسن الخلعي في فوائده بإسناد جيد من طريق أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً " . قال الحافظ ولي الدين العراقي في طرح التثريب إسناده جيد وكذلك نص عليه ونقله عن العراقي الإمام المحدث المناوي في فيض القدير 5/216 ففي هذا الحديث تصريح بسنة الجمعة القبلية.
قلت : قول العراقي إسناده جيد غير جيد ففيه :
أ - أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله بن عبيد مدلس وقد عنعنه وهو ثقة لكنه اختلط في آخره فقد نقل الحافظ ( ابن حجر ) من ثقات ابن حبان أن أبا(1/113)
إسحاق السبيعي كان مدلساً وكذا ذكره في المدلسين حسين الكرابيسي وأبو جعفر الطبري وذكر الحافظ ما يدل على تدليسه . ذكر ذلك في ترجمته في تهذيب التهذيب 8/66.
ب - عاصم بن ضمرة ضعفه ابن عدي والجوزجاني فقال وعن علي بأحاديث باطلة لايتابعه الثقات عليها والبلاء منه وقال ابن حبان كان رديء الحفظ فاحش الخطأ على أنه أحسن حالاً من الحارث تهذيب التهذيب 5/46 وقال الحافظ في التقريب صدوق.
جـ - لم نر بقية السند لنر مافيه أيضاً .
فالحديث ضعيف ولا يصلح كدليل خاصة وأن الأثرم قال عنه إنه حديثٌ واهٍ وأعله الحافظ بمحمد بن عبد الرحمن السهمي وقال هو ضعيف كما في الفتح 2/493.
2 - وروى ابن ماجة بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصليت قبل أن تجيء ؟ قال لا ، قال فصل ركعتين وتجوز فيهما . وقال : قال المجد بن تيمية في الأحكام رجال إسناده ثقات وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي إسناده صحيح نقل ذلك الحافظ ولي الدين العراقي في طرح التثريب 3/42.
أقول : قول العراقي إسناده صحيح غير صحيح ففيه :
أ - الأعمش مدلس وقد عنعنه تهذيب التهذيب 4/224.(1/114)
ب - حفص بن غياث تغير حفظه في آخره وكان يدلس ونقل الحافظ في تهذيب التهذيب : وقال صالح بن محمد لما ولي القضاء جفا كتبه وأشار إلى أن حديث " من أقال مسلماً " تفرد به عن الأعمش وليس هذا الحديث في كتبه وأنكروا عليه عدة أحاديث وقد لقيه داود بن رشيد الراوي عنه في آخره إذ أنه سكن في آخره ببغداد وكذا حفص بن غياث وقد مات حفص سنة 196 وداود سنة 239 تهذيب التهذيب 2/418 ، 3/184 .
جـ - لفظة " قبل أن تجيء " منكرة مخالفة لجميع روايات قصة سليك وقد صنفها الإمام ابن ماجة تحت باب ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب ولم يروه تحت باب سنة الجمعة القبلية.
وكذلك رواه مسلم 6/164 في كتاب الجمعة باب التحية والإمام يخطب كمايلي :
" جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال له ياسليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما "
وترجم له النووي بالتحية والإمام يخطب وقال النووي في تعليقه على هذا الحديث والذي قبله في صحيح مسلم هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما ... ا هـ.(1/115)
وقد قال ابن حجر في الفتح 2/475 من طبعة دار البيان للتراث مايلي :
وأجاب المانعون بأجوبة غير ما تقدم ( في منع تحية المسجد أثناء الخطبة ) :
اجتمع لنا منها زيادة على عشرة أوردتها ملخصة مع الجواب عنها لتستفاد : وعدها حتى وصل الى الثامن فقال :
( الثامن ) ... ومن هذه المادة قولهم : إنما أمره ( لسليك ) بسنة الجمعة التي قبلها ومستندهم قوله في قصة سليك عند ابن ماجة " أصليت قبل أن تجيء " فلا يصلي إذا دخل المسجد وتعقب بأن المانع من صلاة التحية لايجيز التنفل حال الخطبة مطلقاً . ويحتمل أن يكون معنى قبل أن تجيء أي إلى الموضع الذي أنت به الآن وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة كما تقدم في قصة الذي تخطى ويؤكده أن في رواية لمسلم " أصليت الركعتين " بالألف واللام وهو للعهد ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء كما سيأتي في بابه.
أقول : هذا الجمع بين الروايات لو كانت رواية ابن ماجة صحيحة وإلا فكما رأيت هي منكرة.
وقال ابن حجر في الفتح / 2 / 473 قوله ( أي البخاري : باب ) " إذا رأى الإمام رجلاً جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين " أي إذا كان لم يصلهما قبل أن يراه ".(1/116)
وقال زين الدين العراقي في طرح التثريب 3/42 قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي وإسناده صحيح قالوا فقوله قبل أن يجيء يدل على أن الصلاة المأمور بها ليست تحية المسجد لأن فعلها في البيت لايقوم مقام فعلها في المسجد فتعين أنها سنة الجمعة وفيه نظر فلم يتعين ذلك فلا يجوز إثبات سنة الجمعة لمجرد هذا إذ يحتمل أن معناه قبل أن تقترب مني لسماع الخطبة وليس المراد قبل أن يجيء إلى المسجد لأن صلاته قبل مجيء المسجد غير مشروعة فكيف يسأله عنها إذ المأمور به بعد دخول وقت الجمعة السعي إلى مكان الجمعة وقبله لايصح فعلها بتقدير ثبوتها.
وعهدي بك يا سقاف شافعياً كما تذكر على غلاف رسالتك والحديث الذي رواه مسلم في قصة سليك عمم بأن من أتى المسجد والإمام يخطب فليصل ركعتين ولم يقل إذا لم يصل في بيته فليصل في المسجد . وياليتك تتبع الحديث وتخالف مذهب إمامك حين يكون الحديث مع غير إمامك أما وأن الحديث مع إمامك وجميع علماء المذهب وجميع رواة الحديث فهموا أن الحديث هو لتحية المسجد وليس لسنة الجمعة القبلية فمن هو المولع بالشاذ ؟
3 - وعن نافع قال : " كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك " رواه أبو داوود وابن حبان في صحيحه.
قلت : رواه أبو داوود برقم 1128 وابن حبان في الموارد برقم570 بلفظ " ويصلي بعدها ركعتين " وواضح لم حذف السقاف كلمة بعدها وعلق الهيثمي على هذا الحديث بقوله : قلت الصلاة بعد الجمعة في البيت صحيح وترجم له(1/117)
أبو داوود الصلاة بعد الجمعة ولم يفتح باباً للصلاة قبل الجمعة ولم يترجم لهذا الحديث بالصلاة قبل الجمعة سوى الهيثمي رحمه الله وأنا أجيب على ذلك :
قول الراوي كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة هناك حالتان لا ثالث لهما :
1 - أن يصليهما بعد دخول الوقت وبذلك تفوته الخطبة وصلاة الجمعة ولا يعقل أن يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه هو الخطيب والإمام ويستحيل عليه فعل ذلك فضلاً عن الإطالة بهما وكذلك ابن عمر ثم فقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبكير للصلاة يوم الجمعة بقوله ( " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " رواه البخاري في الجمعة باب فضل الجمعة ومسلم في الجمعة والترمذي في الصلاة باب التبكير إلى الجمعة وباقي أهل السنن بألفاظ متقاربة.
وقوله كان ابن عمر يطيل الصلاة دليل على الاستمرارية لا مرة ولا مرتين وإنما بشكل دائم كل يوم جمعة يطيل الصلاة في بيته ويستبعد من مثل هذا الصحابي الجليل الفقيه أن يطيل ركعتين بعد دخول وقت الجمعة في بيته ويفوت أجر التبكير إلى الجمعة وبشكل دائم والتبكير ليس بعد دخول الوقت وإنما قبل ساعات كما يفيد الحديث والوقت قبل الجمعة بساعات هو وقت نفل مطلق يوم الجمعة ولم يحدد في هذا الحديث عدد الركعات التي كان يصليها فظهر أنها صلاة نفل مطلق لا سنة راتبة للجمعة.(1/118)
2 - أن يصليهما قبل خروجه إلى المسجد مبكراً أي قبل دخول الوقت بساعات فهذا صريح بأنها صلاة نفل مطلق وخاصة أن الهيثمي علق عليه في الموارد بقوله الصلاة بعد الجمعة في البيت صحيح ملمحاً إلى عدم ثبوت صحة الصلاة قبل الجمعة بالمعنى الذي قد يتبادر إلى الذهن . أما أبو داوود ففهم أنها صلاة تطوع مطلق لذا عقد لهذا الحديث باباً في الصلاة بعد الجمعة ولم يعقد له باباً في الصلاة قبل الجمعة.
وروى الشافعي في الأم 1/175 عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة " وصلاة ابن عمر هي من هذا القبيل وليست سنة الجمعة القبلية بل صلاة تطوع مطلق وقد روى البخاري عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " رواه في كتاب الجمعة باب الدهن للجمعة وصلاة ابن عمر هي من هذا القبيل هي صلاة نفل مطلق وليست سنة الجمعة القبلية لأنها كما هو واضح قبل دخول وقت الجمعة.
وتابع السقاف قوله : وقد استدل واحتج بهذا الحديث ( حديث ابن عمر ) الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتاب الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها كما نقل ذلك عنه ابن حجر في الفتح 2/426.
أقول في عبارة السقاف هذه تدليسان :(1/119)
1 - التدليس الأول : أن ابن حجر نقل كلام النووي مستشهداً به ومؤيداً له.
2 - التدليس الثاني : لم ينقل رد ابن حجر لكلام النووي عقبه كما تدعو له أمانة العلم . فقد قال ابن حجر في الفتح 2/493 من طبعة دار البيان للتراث المقابلة للصفحة 2/426 من نسخة السقاف : باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها.
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين.
قوله ( باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها ) ... قال ابن المنير في الحاشية كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر قال وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر وكذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد انتهى.
ووجه العناية المذكورة ورود الخبر في البعد صريحاً دون القبل وقال ابن بطال إنما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد الظهر من أجل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر قال والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت انتهى وقال ابن التين لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث فلعل البخاري أراد إثباتها قياساً على الظهر انتهى .
والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب وهو ما رواه أبو داوود وابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال " كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان(1/120)
يفعل ذلك " احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها وتعقب بأن قوله " وكان يفعل ذلك " عائد على قوله ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته " ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك " أخرجه مسلم وأما قوله " كان يطيل الصلاة قبل الجمعة " فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعاً لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره حيث قال فيه " ثم صلى ما كتب له " وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزار بلفظ " كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعاً وفي إسناده ضعف وعن علي مثله رواه الأثرم والطبراني في الأوسط بلفظ " كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً " وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره وقال الأثرم إنه حديث واه ومنها عن ابن عباس مثله وزاد " لا يفصل في شيء منهن " أخرجه ابن ماجة بسند واه قال النووي في الخلاصة إنه حديث باطل وعن ابن مسعود عند الطبراني أيضاً مثله وفي إسناده ضعف وانقطاع ورواه عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفاً وهو الصواب وروى ابن سعد عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم موقوفاً نحو حديث أبي هريرة وقد تقدم في أثناء الكلام على حديث جابر في قصة سليك قبل سبعة أبواب قول من قال أن المراد بالركعتين اللتين أمره بهما النبي صلى الله عليه وسلم هي سنة الجمعة والجواب عنه وقد تقدم نقل المذاهب في كراهة التطوع نصف النهار ومن استثنى يوم الجمعة دون(1/121)
بقية الأيام في باب " من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر " في أواخر المواقيت وأقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ماصححه ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعاً " ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان " ومثله حديث عبد الله بن مغفل الماضي في وقت المغرب " بين كل أذانين صلاة " ا هـ بحروفه وقد استشهد بهما السقاف في رابعاً وخامساً.
4 - وفي الصحيحين ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بين كل أذانين صلاة ".
قلت : الحديث صحيح لكن المقصود بالأذانين هو الأذان والإقامة فبين كل أذان وإقامة صلاة ولا يدخل تحته أذانا الجمعة لأن الأذان الأول بالوقت محدث لحاجة وليس هو أذاناً أصلياً كما نابت خطبة الجمعة عن الصلاة بين الأذان والإقامة وهناك أيضاً أذانان كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل أحد أن بينهما صلاة ألا وهما أذانا الفجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يسمعوا أو يؤذن ابن أم مكتوم " .
فكيف بالأذان الذي أحدث لحاجة الإسماع . الحديث أخرجه البخاري في الصوم باب لايمنعنكم من سحوركم أذان بلال ، ومسلم في الصيام باب صفة الفجر ، والترمذي في الصلاة باب الأذان في الليل ، والنسائي في الأذان والأذان في الصلاة باب وقت أذان الفجر ، وابن الجاوود وأحمد بألفاظ متقاربة واللفظ لمسلم والترمذي.(1/122)
5 - وفي صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعاً " ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان " فهذا فيه دلالة قوية على أن صلاة الجمعة لها ركعتان راتبتان قبلها كباقي الصلوات المفروضات.
أقول : صحيح أنه ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان وقد قلنا في الدليل الرابع أن خطبة الجمعة قامت مقام الركعتين ومن المعلوم أن الأذان بين يدي الخطيب هو الأذان حين دخول الوقت وهو الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم يشرع الرسول ( بالخطبة وحين تنتهي الخطبة تقام الصلاة ويشرع المصلون بصلاة الجمعة . إذن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان الأذان حين دخول الوقت يكون بين يدي الخطيب وهو الرسول ( بعد أن يصعد المنبر ثم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم بالخطبة وحين ينزل من المنبر تقام الصلاة ويشرع النبي صلى الله عليه وسلم مع المصلين في صلاة الجمعة فأين وقت السنة المزعومة ؟.
6 - ولذلك عقد البخاري باباً في الصحيح في كتاب الجمعة سماه ( باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها ) أورد فيه حديث ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين " يشير كما قال الحافظ ابن المنير إلى أن الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر فقاس البخاري الجمعة على الظهر.
قلت : تتمة الحديث " وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين " والباب هو " باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها " وليس كما ذكره السقاف وقد مر في الرد على الدليل الثالث للسقاف سبب تقديم البعد على القبل لكن السقاف ظن(1/123)
أن البخاري أخطأ فأصلح له الخطأ دون أن ينوه عن ذلك فيلاحظ من الحديث أن السنن المعددة هي لأوقات الظهر والمغرب والعشاء والجمعة البعدية فالجمعة مذكورة في الحديث ومعطاةٌ حكمها فما الحاجة لقياسها على الظهر ؟ ولو أنها لم تذكر في الحديث وقست لكان هناك مبرر فكيف نقيسها على الظهر ؟ ومتى تصلى إذا كان الأذان يؤذن حين دخول الوقت ـ كما هو باقي الأوقات ـ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ثم يشرع مباشرة بالخطبة وعندما ينزل من المنبر تقام الصلاة ويشرع في صلاة الجمعة فأين وقت الركعتين قبل الجمعة ؟ ثم مر معنا في الرد على الدليل الثالث أن ابن حجر قال في الفتح 2/493 أن البخاري عقد الباب باسم " باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها " وليس كما يقول السقاف " باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها " .
قال ابن المنير وكانت عنايته لحكم الصلاة بعدها أكثر وكذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد انتهى . ووجه العناية المذكورة ورود الخبر في البعد صريحاً دون القبل وقال ابن بطال إنما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد الظهر من أجل أنه ( كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر قال والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على الركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت انتهى بحروفه.
وقال أبو زرعة العراقي في طرح التثريب 3/41 طبعة دار المعارف أثناء تعداده الفوائد المستفادة من حديث ابن عمر في صلاة التطوع :
السابعة : قد يستدل به على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يصلي قبل الجمعة شيئاً إذ لو وقع ذلك منه لضبط كما ضبطت صلاته بعدها وكما(1/124)
ضبطت صلاته قبل الظهر ولعل البخاري أشار إلى ذلك بقوله في صحيحه باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها أي باب حكم ذلك وهو الفعل بعدها لوروده والترك قبلها لعدم وروده فيكون بدعة فإنه لم يذكر في الباب المذكور ما يدل على الصلاة قبلها ويحتمل أنه أشار إلى فعل الصلاة قبلها بالقياس على سنة الظهر التي قبلها المذكورة في حديث ابن عمر الذي أورده وهذان الاحتمالان يجيئان أيضاً في قول الترمذي في جامعه باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها واقتصر ( في الأصل واختصر ) والدي رحمه الله في شرح الترمذي على احتمال ثالث وهو أنه إنما ذكر الصلاة قبل الجمعة في تبويبه لما حكاه في أثناء الباب المذكور عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً وقد أنكر جماعة كون الجمعة لها سنة قبلها وبالغوا في إنكاره وجعلوه بدعة وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يؤذن للجمعة إلا بين يديه وهو على المنبر فلم يكن يصليها وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لأنه إذا خرج الإمام انقطعت الصلاة وممن أنكر ذلك من متأخري أصحابنا وجعله من البدع والحوادث الإمام شهاب الدين أبو شامة ولم أر في كلام الفقهاء ( في الأصل ولم أر كلام ) من الحنفية والمالكية والحنابلة استحباب سنة للجمعة قبلها وذهب آخرون إلى أن لها سنة قبلها منهم النووي . ا هـ
7 - ولقد ترجم أيضاً الحفاظ من السلف في مصنفاتهم في الحديث كما ترجم البخاري أن هناك صلاة قبل الجمعة وبعدها وعدد منهم عبد الرزاق وابن أبي شيبة والترمذي وقال هؤلاء من أئمة السلف.
أقول : سبق وبينا أن أبا زرعة العراقي قال ولعل البخاري أشار إلى ذلك بقوله في صحيحه باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها أي باب حكم ذلك وهو(1/125)
الفعل بعدها لوروده والترك قبلها لعدم وروده فيكون بدعة فإنه لم يذكر في الباب المذكور ما يدل على الصلاة قبلها وقال أيضاً وهذان الاحتمالان يجيئان أيضاً في قول الترمذي في جامعه باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها وما قيل في الترمذي يقال أيضاًَ في عبد الرزاق وابن أبي شيبة وما دعاه إلى ذلك الاحتمال هو عدم وجود وقت لدى الرسول -صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة الكرام وقت لصلاتها ومن ترجم من الحفاظ بقوله باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها قد أتوا بأدلة على الصلاة بعد الجمعة ولكنهم لم يأتوا بأي دليل ينهض لإثبات الصلاة قبلها خاصة وأننا بينا عدة مرات أنه لا يوجد وقت للصلاة قبل الجمعة فما قيل قبل الجمعة هو قبل وقت الجمعة عموماً.
وهاهو مسلم والنسائي وأبو داوود لم يذكروا باباً للصلاة قبل الجمعة مع روايتهم لهذا الأثر وإنما أوردوه للاستدلال على سنة صلاة الجمعة البعدية. وكذلك الدارمي والدارقطني والطيالسي بترتيب البنا ومالك والطحاوي والحاكم.
8 - وقد وردت آثار عن الصحابة في ذلك منها :
1 - مارواه الإمام الحافظ عبدالرزاق في مصنفه ( كان عبد الله بن مسعود يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً ).
قلت : رواه عبد الرزاق عن الثوري عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : " كان عبد الله يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً حتى جاءنا علي فأمرنا أن نصلي بعدها ركعتين ثم أربعاً " 3/247 في الجمعة باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها.(1/126)
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن هشيم عن عطاء بن السائب بهذا الإسناد وزاد فأخذنا بقول علي وتركنا قول عبد الله نقله حبيب الرحمن الأعظمي بحاشية عبد الرزاق على هذا الحديث.
وأبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب لم يسمع من ابن مسعود لكنه سمع علياً تهذيب التهذيب 5/184 فأمْرُ ابن مسعود لهم بالصلاة قبل الجمعة لم يثبت للانقطاع وعلى كل فإن علياً أمر أهل البصرة بالصلاة بعد الجمعة فأخذوا به وتركوا قول ابن مسعود ( الذي لم تصح نسبته إليه ).
2 - وصح عند الحافظ عبد الرزاق أيضاً أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " كان يصلي قبلها ـ أي الجمعة ـ أربع ركعات ( في الأصل عند السقاف إلى بدل أي وهو خطأ ) وبعدها أربع ركعات " وكذا رواه ابن أبي شيبة من وجه آخر.
قلت : رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات وبعدها أربع ركعات . قال أبو إسحاق وكان علي يصلي بعد الجمعة ست ركعات وبه يأخذ عبد الرزاق 3/247.
ورواه ابن أبي شيبة عن شريك عن أبي إسحاق عن عبد الله بن حبيب قال كان عبد الله يصلي أربعاً فلما قدم عليٌّ صلى ستاً ركعتين وأربعاً ( وكلاهما بعد الجمعة كما في الأثر الأول ) نقله حبيب الرحمن الأعظمي بحاشية عبد الرزاق على هذا الحديث.(1/127)
وفي السند الأول قتادة لم يسمع عبد الله بن مسعود ولا علياً تهذيب التهذيب 8/355 نقل ابن حجر عن الحاكم : لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس.
أما السند الثاني فإن عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمي لم يسمع ابن مسعود ولكنه سمع علياً وينضم محتوى هذا الأثر من قول علي إلى محتوى الأثر الأول من قول علي من الصلاة بعد الجمعة وأما عن ابن مسعود فلم يصح شيء لعلة الانقطاع.
ثم الوارد من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة بعد الجمعة ركعتان أو أربع وأما الوارد من أمر علي أو فعله فست ركعات.
وأضاف عبد الرزاق معلقاً على الأثر قال أبو إسحاق وكان علي يصلي بعد الجمعة ست ركعات بقوله : وبه يأخذ عبد الرزاق أي ويترك ماورد عن ابن مسعود لعدم صحته عنده.
3 - وأخرج ابن سعد عن صفية بنت حيي رضي الله عنها " أنها صلت قبل الجمعة أربعاً " حكاه الحافظ ابن حجر في الدراية ص 143.
قلت : أشار ابن حجر في الدراية إلى أن الأثر هو في ترجمة صفية ففتشت ترجمة صفية بنت حيي من طبقات ابن سعد فلم أره فلعلها تكون في نسخته وسقطت من النسخ التي بين أيدينا إن لم يكن ابن حجر قد وهم في عزوه وعلى كل لو صح سنده لكانت صلاتها هذه كصلاة ابن عمر أي هي(1/128)
نفل مطلق قبل دخول وقت الجمعة لعدم وجود وقت للصلاة قبل الجمعة بعد أذان الجمعة كما وضحنا سابقاً.
9 - ذكر أئمة أهل العلم ثبوت هذه السنة واعتمدوها كالإمام النووي في كتبه والحافظ المجد بن تيمية في المنتقى وقال قوله ( لسليك أصليت قبل أن تجيء دليل على أنها سنة الجمعة التي قبلها لا تحية المسجد . ومن قال إن حديث سليك مصحف فهو صاحب دعوى لا دليل له عليها لذلك لم يعرج عليها الحفاظ كالزيلعي.
أقول : إن لفظة قبل أن تجيء في رواية ابن ماجة التي تفرد بها عن جميع من روى حديث سليك الغطفاني كالشيخين وأصحاب السنن بما فيهم ابن ماجة هي منكرة وجميع من روى حديث سليك هذا بما فيهم ابن ماجة قد ترجم للحديث بتحية المسجد والإمام يخطب أو ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب بل أتبعها مسلم وغيره بتتمة الحديث بقولهم ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ولم يقل ولم يصل في بيته فهل نعدل عن هذه الزيادة الصحيحة التي رواها الثقات الأثبات إلى الزيادة التي رواها ابن ماجة بسند ضعيف جداً وتلك الرواية واضحة الدلالة على أنها تحية المسجد أما هذه الزيادة الضعيفة جداً فظاهرها الصلاة في البيت إذا انفردت وبذلك تصبح منكرة لمخالفتها الروايات الصحيحة وقد سبق وقلنا إن فيها ( رواية ابن ماجة ) ثلاث علل :
1 - سليمان بن مهران الأعمش مدلس وقد عنعنه.
2 - حفص بن غياث تغير حفظه في آخره وقد لقيه داود بن رشيد في آخره.
3 - خالفت الروايات الصحيحة فأصبحت منكرة.(1/129)
إذن الدليل على تصحيفها بل على نكارتها موجود بثلاث علل في سندها ومتنها.
أما النووي فإليك ما علقه على حديث سليك في شرحه لمسلم بعد رواية مسلم للحديث بأسانيد عديدة وروايات عديدة ليس في أحدها طبعاً " قبل أن تجيء : " هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي ( الذي هو مذهبك كما تنتسب إليه على غلاف رسالتك ) وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة وحكي هذا المذهب أيضاً عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين.
…هذا هو الرأي الذي اعتمده الإمام النووي مستدلاً بهذه الأحاديث للدلالة على مذهب إمامه ألا وهو الشافعي وغيره كما عدَّدهم.
أما المجد بن تيمية فقد انخدع بكلام العراقي على الحديث بقوله رجال إسناده ثقات فظنه تصحيحاً للحديث ويفهم منه لو صح أن المراد به سنة الجمعة وكذلك الزيلعي ذهل عن علله ( وجل من لا يسهو ) عندها انصاع المجد للحديث اتباعاً لا عناداً.
أما العبارة رجال إسناده ثقات فلا تعني صحة الحديث باصطلاح القوم فرجال إسناده كلهم ثقات لكن هناك تدليس الأعمش وقد عنعنه وتغير حفظ حفص بن غياث وتحديثه من حفظه أثناء توليه القضاء فأخطأ في هذا الحديث كما أخطأ في أحاديث كثيرة غيره ثم مخالفتها لجميع روايات حديث قصة(1/130)
سليك الغطفاني ولو علم المجد رحمه الله عدم صحتها لما قال بها . فمن غيره وغير النووي من آلاف العلماء قال بذلك ؟ اللهم لا.
فأصحاب الصحاح والسنن ممن روى الحديث ترجموا له بباب تحية المسجد أو ما يفعل إذا جاء والإمام يخطب وهذا الرسول الكريم ( قد وضح الحكم بعد أمره لسليك أن يصلي الركعتين بقوله " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " شرح صحيح مسلم 6/164 ولم يقل إذا لم يصل في بيته وعلق عليه الإمام النووي في شرحه لمسلم بقوله " وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ صحيحاً فيخالفه " ... وأن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق جاهل بحكمها ... والمستنبط من هذه الأحاديث أن تحية المسجد لا تترك في أوقات النهي عن الصلاة أو أنها ذات سبب تباح في كل وقت " . ا هـ.
ثم تأتي إلى لفظة منكرة ياصاحبي وهي " قبل أن تجيء " وتدفع بها الحكم الواضح الذي أتت به جميع الروايات الصحيحة لحديث سليك وهي تحية المسجد وهذا النووي يقول : وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ صحيحاً فيخالفه فزن نفسك وقولك هذا في ميزان النووي هذا واعرف مقدار نفسك !
ثم قوله في آخر رسالته : فتبين واتضح وضوحاً جلياً أن سنة الجمعة القبلية ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وعن السلف وقد قال بها العلماء.(1/131)
أقول : قد تبين واتضح وضوحاً جلياً أن سنة الجمعة القبلية غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن السلف وليس لها أصل في السنة البتة.
نعم قال بها المجد ظناً بقول العراقي في إحدى روايات ابن ماجة التي فيها " قبل أن تجيء " رجال إسناده ثقات تصحيحاً للحديث وقد بينا أنه ليس تصحيحاً للحديث . فالمجد من ورعه رحمه الله اتبع الحديث وقال به وهو مأجور على اجتهاده أما من تبين له الحق ويصر على اتباع الباطل فهو موزور والعياذ بالله.
وأما باقي العلماء فقالوا بتحية المسجد اعتماداً على حديث سليك ولم يستنبطوا منه سنة الجمعة القبلية كما تزعم وعلى رأسهم الإمام النووي.
ثم قوله بعد ذلك : فمن نهى عنها في هذا الزمان أو نهى عن أذانين يوم الجمعة فقد خالف السنة وشذ بعيداً وإن ادعى بأنه متمسك بالسنة.
أقول : إن من نهى عنها في هذا الزمان وغيره فقد وافق السنة لعدم نهوض دليل واحد على صحتها ومن دعا إليها هو الذي خالف السنة وابتدع وشذ بعيداً بعد أن علمت أنه لا يوجد وقت بعد دخول وقت الجمعة لصلاتها لانشغال الرسول الكريم ( بالخطبة مباشرة بعد الأذان بين يديه ثم صلاة الجمعة فور نزوله من المنبر . وكذلك النهي عن أذانين يوم الجمعة لزوال سبب سن الأذان الأول من قبل عثمان رضي الله عنه فهل بعد هذا البيان الذي بيناه لك أجاب الله دعاءك الذي دعوته في نهاية الرسالة ألا وهو : نسأل الله السلامة وحسن الأدب والإعانة والعون على الطاعة واقتفاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/132)
في الأقوال والأفعال والأحوال وصحابته ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ؟
وهل طبقت ما استشهدت به من قول صاحب الجوهرة :
وكل خير في اتباع من سلف ***** وكل شر في ابتداع من خلف
وكل هدي للنبي قد رجح ***** فما أبيح افعل ودع ما لم يبح
وتابع الصالح ممن سلفا ***** وجانب البدعة ممن خلفا ؟؟
أرجو ذلك.
- ثم استدرك بعد إنهاء رسالته بقوله :
( تنبيه ) : سنة الجمعة القبلية ثابتة في المذاهب الأربعة المتبوعة ونصت كتبهم على سنيتها وهي مذهب الإمام البخاري أيضاً وغيره فتأمل.
قلت : تأملت فوجدت مايلي :
1 - مذهب مالك : لم يتعرض الإمام مالك لذكرها في الموطأ مطلقاً ولو كانت عنده سنة لذكرها وقد مر معنا قول أبي زرعة العراقي في طرح التثريب 3/41 ولم أر في كلام الفقهاء ( ولم أر كلام ) من الحنفية والمالكية والحنابلة استحباب سنة للجمعة قبلها.
2 - مذهب الشافعي : لم يتعرض الإمام الشافعي في الأم لها بل :(1/133)
أ - ذكر الإمام الشافعي في الأم باب الصلاة نصف النهار يوم الجمعة واستدل بأحاديث على استثناء تحريم الصلاة في الأوقات المنهي عنها في وقت انتصاف النهار حتى تزول الشمس يوم الجمعة.
كما ذكر فعل الناس من صلاتهم ما شاؤوا إلى أن يصعد عمر إلى المنبر ويؤذن المؤذن بين يديه ( علماً أنه كان في عهده هذا مازال هو الأذان الوحيد ) فيمسكون عن الصلاة.
ثم عقد فصلاً لمن دخل المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر ولم يركع واستشهد له بحديث سليك وقد رأينا سابقاً كلام النووي بأن هذا الحديث يدل على تحية المسجد وأشار إلى أنه مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأنهى الشافعي هذا الفصل بقوله في الأم : وإن لم يصل الداخل في حال تمكنه فيه كرهت ذلك له ولا إعادة ولا قضاء عليه ولو كانت عنده سنة الجمعة القبلية لقال بقضائها لأن الشافعي يرى قضاء النوافل الراتبة فروى في الأم 1/131 حديث أم سلمة بسنده إليها فقالت ( دخل عليََ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت يارسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال : " إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر وأنه قدم علي وفد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان " ).
وقال في نهاية هذا الباب وهذا مثل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة لأن من شأن الناس التهجير ( أي التبكير قبل وقتها بساعات ) للجمعة والصلاة إلى خروج الإمام ( وعندها يؤذن المؤذن بين يديه بدخول الوقت فيبدأ بالخطبة ).(1/134)
ب - قول ابن حجر في الفتح 2/475 أما سنة الجمعة فلم يثبت فيها شيء.
جـ - قال زين الدين العراقي عن والده في طرح التثريب 3/42 فلا يجوز إثبات سنة الجمعة لمجرد هذا ( دلالة لفظ قبل أن تجيء على الصلاة في البيت وعدم كونها تحية المسجد ) إذ المأمور به بعد دخول وقت الجمعة السعي إلى مكان الجمعة وقبله لايصلح فعلها بتقدير ثبوتها . ا هـ.
د - قول أبي زرعة العراقي في طرح التثريب 3/41 في الفوائد المستفادة من حديث ابن عمر في النوافل : قد يستدل به على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يصلي قبل الجمعة شيئاً إذ لو وقع ذلك منه لضبطت كما ضبطت صلاته بعدها وكما ضبطت صلاته قبل الظهر ولعل البخاري أشار إلى ذلك بقوله في صحيحه باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها أي باب حكم ذلك وهو الفعل بعدها لوروده والترك قبلها لعدم وروده فيكون بدعة فإنه لم يذكر في الباب المذكور مايدل على الصلاة قبلها.
هـ - وتابع أبو زرعة في هذا الباب : وقد أنكر جماعة كون الجمعة لها سنة قبلها وبالغوا في إنكاره وجعلوه بدعة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يؤذن للجمعة إلا بين يديه وهو على المنبر فلم يكن يصليها وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لأنه إذا خرج الإمام انقطعت الصلاة وممن أنكر ذلك من متأخري أصحابنا وجعله من البدع والحوادث الإمام شهاب الدين أبو شامة ولم أر كلام الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة استحباب سنة للجمعة قبلها وذهب آخرون إلى أن لها سنة قبلها ومنهم النووي.(1/135)
3 - مذهب أحمد : قال صاحب الدليل ص 109 بعد أن عدَّدَ التطوع بالكسوف والاستسقاء والتراويح والوتر قال وأفضل الرواتب سنة الفجر ثم المغرب ثم سواء والرواتب المؤكدة عشر : ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر واستشهد لها شارحه صاحب منار السبيل بحديث ابن عمر في الصحيحين ثم عدَّدَ صلاة الضحى وتحية المسجد وسنة الوضوء وسجود الشكر ولم يتعرض لسنة الجمعة القبلية كما لم يتعرض لها في باب صلاة الجمعة.
وفي الروض المربع الذي تقول عنه ص 10 في رسالتك تحذير العبد الأواه بأنه مختصر معتمد عند الحنابلة 1/303 من الكتاب الذي عليه حاشية الروض المربع للعنقزي مايلي :
( ومن دخل ) المسجد ( والإمام يخطب لم يجلس ) ولو كان وقت نهي ( حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما ) بقوله عليه الصلاة والسلام " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين " متفق عليه زاد مسلم " وليوجز فيهما " فإن جلس قام فأتى بهما مالم يطل الفصل فتسن تحية المسجد لمن دخل غير وقت نهي وقيام الخطيب ا هـ . ما ضمن القوسين المتن لصاحب زاد المستنقع وما خارج القوسين هو لشارحه صاحب الروض المربع.
وقال 1/298 ( وأقل السنة ) الراتبة ( بعد الجمعة ركعتان ) لأنه عليه الصلاة والسلام " كان يصلي بعد الجمعة ركعتين " متفق عليه من حديث(1/136)
ابن عمر ( وأكثرها ست ) ركعات لقول ابن عمر " كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله " رواه أبو داوود.
ولم يتعرض بذكر للسنة القبلية وباعترافك إن هذا الكتاب المختصر هو المعتمد عند الحنابلة وعلماء المذهب أعلم بمذهب إمامهم حسب زعمك كما ورد في تحذيرك ص 9.
4 - المذهب الحنفي : ذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار باب التطوع بعد الجمعة كيف هو وأورد الأحاديث التي تدل على سنة الجمعة البعدية 1/336 وأما في باب التطوع بالليل والنهار كيف هو 1/334 :
فقد روي عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً لا يفصل بينهن بسلام ثم بعد الجمعة ركعتين ثم أربعاً.
وروي عن ابن مسعود " أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً لا يفصل بينهن بتسليم.
فأقول : الأول صحيح الإسناد.
أما الثاني ففيه :
1 - ابراهيم بن يزيد النخعي لم يلق ابن مسعود ( وقال ابن المديني لم يلق النخعي أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تهذيب التهذيب 1/178 ).
2 - محل بن محرز الأعور اٍلضبي ٍلا بأس به تقريب التهذيب 2/232(1/137)
3 - أبو معاوية الضرير أحفظ الناس لحديث الأعمش وهو مضطرب في غيره ( وهذا الحديث ليس عن الأعمش ) وهو مدلس وقد عنعنه تهذيب التهذيب 9/ 139.
والأول رأينا أن ابن عمر كان يصلي قبل الجمعة أي قبل دخول وقت الجمعة وإلا فلا يتم ذلك له بعد أذان الجمعة :
1 - لصلاته لها في بيته كما مر في الدليل الثالث.
2 - لتبكيره إلى المسجد لصلاة الجمعة كما هي السنة.
3 - لانشغاله بسماع الخطبة بعد أذان الجمعة.
والطحاوي وهو الذي دعم المذهب الحنفي بالأدلة وأفرد باباً لسنة الجمعة البعدية فلم يفرد لسنة الجمعة القبلية باباً ولم يشر إليها لأنه فهم من هذا الأثر مافهمناه.
5 - وقد قال أبو زرعة العراقي في طرح التثريب 3/41 مجملاً آراء المذاهب الأربعة والبخاري بعد أن وجه ترجمة البخاري باب " الصلاة بعد الجمعة وقبلها " إلى ثبوت الصلاة بعد الجمعة وعدم ثبوتها قبلها ( كما وجهه ابن حجر في الفتح نقلاً عن ابن المنير ) لتقديمه البعد على القبل على خلاف العادة وعدم إمكانية صلاتها لأن الأذان للجمعة كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ثم ينشغل بالخطبة فصلاة الجمعة وذكر من عد هذه الصلاة من البدع من الشافعية قال : ولم أر في كلام الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة استحباب سنة للجمعة قبلها وذهب آخرون إلى أن لها سنة قبلها منهم(1/138)
النووي ثم ذكر الأدلة المدعمة لقوله ودحضها . وقد رأينا كيف أن النووي وجه حديث سليك لتحية المسجد.
6- وهاهو مسلم والنسائي وأبو داوود والدارمي والدارقطني ومالك والطحاوي والحاكم لم يجعلوا باباً لها . وبذلك تعلم أن سنة الجمعة القبلية لم يقل بها أحد من الأئمة الثلاثة كما لم يقل بها شيخ المذهب الحنفي وصاحب الفضل عليه ألا وهو الطحاوي كما لم يقل بها كل من اتبع مذهبه من أهل المذاهب الأربعة الذين احتجوا بالدليل فكما ترى بأن آخر سهم رماه بعد انتهاء رسالته وظن أنه يثبت به رسالته قد ارتد إلى نحره وقوض دعائم رسالته من أولها إلى آخرها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه محمد عادل ملاح ونقحه على فترات(1/139)
الرسالة الثالثة
رفع الارتياب بتوهين الحارث الكذاب(1/140)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
فقد ألف الأستاذ الغماري رسالتين الأولى " الباحث عن علل الطعن في الحارث " والثانية بعنوان " نكث الناكث المعتدي بتضعيف الحارث " رد على تنويه الشيخ ناصر الدين الألباني في مقدمة أحد كتبه بقوله : " حتى أن أحدهم ألف رسالة خاصة في توثيق الحارث الأعور الشيعي " وكلها شتائم للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله حتى في عنوانها ومن ثم في مقدمتها وهنا في رسالتي هذه أرد على الثانية لأنها أحدث وقد جمع الأستاذ الغماري كل قواه ليرد على الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله ويتحفه بشتائمه وقد عمدت في هذا الرد كما في الردود السابقة إلى إيراد فقرات من رسالته والرد عليها بما تستحقه.
فقال الغماري في المقدمة ص29 : وحمله ( الألباني ) عليه ( هذا التنويه ) ما عرف به واشتهر عنه من تسليط لسانه الأعجمي على عباد الله تعالى بدون ذنب اكتسبوه ولا إثم اقترفوه .....(1/141)
أقول : أي جريمة أكبر من هذه الجريمة التي تقوم بها يامحدث المغرب من الإتيان إلى أكذب رجل بين الرواة والذي أجمع على رد حديثه كل علماء الجرح والتعديل وعلى رأسهم الشيخان بل ولم يستطع الإمام مسلم بعد أن تجنب روايته أن يسكت عنه كي لايظن ظان بأنه تركه سهواً بل نوه عنه في مقدمة صحيحه فقال مسلم ( ثنا قتيبة ثنا جرير عن الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذاباً ) ثم تخطِّىء الشيخين وتقول بأنه كان عليهما أن يصنفاه في مقدمة رجال الصحيح بل يجب أن يكون سنده عن علي عليه السلام أصح الأسانيد من غير شك كما ذكرت ذلك في رسالتك ص37. وبذلك يكون الحارث الأعور الكذاب عن علي أصح من مالك عن نافع عن ابن عمر والسند الثاني سماه المحدثون السلسلة الذهبية وباستدراك محدث المغرب بأنه على الشيخين أن يصنفاه في مقدمة رجال الصحيح يصبح الحارث الأعور الكذاب عن علي أقوى وأصح سنداً من مالك عن نافع عن ابن عمر.
وإني لأتساءل ما الهدف من توثيق هذا الكذاب ؟
فأقول : إنه لا يخفى على أي إنسان بأن من يسعى لذلك يكون هدفه ترويج أحاديثه الموضوعة التي رواها للناس واعتبارها فوق أحاديث الصحيحين ليخرب بذلك للمسلمين دينهم وليحلل لهم الحرام ويحرم عليهم الحلال كما هو هدف الشعوبيين والزنادقة كما صرح بذلك عبد الكريم بن أبي العوجاء حين قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة على الزندقة بعد سنة 160 هجرية في خلافة المهدي ولما أُخذ لتضرب عنقُه قال " لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل الحرام " الميزان 2/ 644 . وهذا الذي يسعى إليه المستشرقون الحانقون على الإسلام وأهله أن يدلسوا علينا من يتظاهر بأنه من أبناء جلدتنا ويضعوه في مصاف علمائنا ثم يفتري(1/142)
ويدلس على المسلمين دينهم وينهال على العلماء بالشتائم والقذف والتشنيع ويتهمهم بالجهل بل ويعيرهم بلسانهم الأعجمي ويصفهم بأنهم أعاجم.
فهل يجوز لمحدث المغرب أن يعير إنساناً بأن أصله غير عربي وقد قال ( لأبي ذر عندما عير بلالاً بأمه بقوله ياابن السوداء قال له " أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية " أخرجه البخاري في الإيمان باب المعاصي من أمر الجاهلية ، والله سبحانه وتعالى يقول :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (الحجرات: 13)
ثم إنه من المعلوم أن محمد بن إسماعيل البخاري هو من بخارى ومحمد ابن ماجه هو من قزوين وأبو داود هو من سجستان والنسائي من نسا والترمذي من ترمذ وأبو حنيفة النعمان بن ثابت هو فارسي فهؤلاء كلهم ليسوا عرباً وقد سخرهم الله سبحانه وتعالى لنقل ديننا وحفظه لنا والذب عنه من أعداء الدين.
وقال محدث المغرب في مقدمته : وتطاول ( أي الألباني ) على مقام أكابر الحفاظ كالمنذري الحافظ المتقن رحمه الله تعالى وغيره بدون أدنى سبب يوجب ذلك التطاول على مقامهم في خدمة الحديث النبوي.
أقول : هل يجوز لمحدث المغرب الافتراء على الألباني أو غيره بأنه يتهجم على أكابر الحفاظ كالمنذري وغيره دون دليل علماً بأن كتب الألباني مليئة بنقوله عنهم مع تأدبه معهم أجمعين بل وحثَّ قراءَه وأتباعَه على احترامهم حتى في حال مخالفتهم ، ونسي المسكين أنه بمؤلََّفه هذا والمؤلَّف الذي يدافع عنه قد تطاول فيه على الأمة(1/143)
الإسلامية بأسرها التي أجمعت على رد حديث الحارث الأعور وعمد إلى توثيقه ، ثم يتهم العلماء تارة بالعداوة لهذا الكذاب وتارة بالغفلة والتقصير في العلم والفهم وخاصة أصحاب الصحيحين ( أصح كتابين بعد كتاب الله ) لعدم رفعهما هذا الحارث الأعور الكذاب من الحضيض في مراتب الحديث وتقديمه على جميع رجال الصحيح.
فهل يسلك هذا المسلك من كان من أبناء جلدتنا ومن قال لا إله إلا الله مخلصاً بها من قلبه ؟
والآن لنتتبع جميع الإشكالات التي أوردها هذا الغماري في رسالته ونرد عليها بما يناسبها من العلم ثم بعد ذلك نورد ماقاله أهل العلم في الحارث الكذاب في كتب التراجم.
وعند الإشارة إلى رقم الصفحة يلاحظ أننا لم نبدأ بالصفحة رقم 1 لأن الرسالة مطبوعة عقب رسالة أخرى لقريبه عبد الله الغماري فهي تبدأ من الصفحة رقم 29.
1- قال الغماري ص30 :
لأن الحارث الأعور الهمذاني الذي وثقته وبينت بطلان جرح من جرحه مَثلُه مثَلُ سائر رواة الصحيح الذين اختلف فيهم أئمة الجرح ما بين مادح وقادح ومجرح وموثق كما يعلم ذلك من تتبع أحوال رجال الصحيحين .....
بل من يتتبع أحوال الرجال ويطلع على كتب الجرح والتعديل يحصل عنده العلم اليقين أنه لا يوجد راوٍ مهما علا قدره وسمت منزلته لم يتناوله جرح ولو بالتدليس مثلاً .... وإذا كان هذا حال سائر الرواة إلا النادر منهم جداً فلا ينبغي أن يحمل باللوم على من اختار توثيق الحارث.(1/144)
أقول : هل تقارن الحارث الأعور الكذاب الذي أجمعت الأمة على طرح حديثه برجال الصحيحين كمالك وابن اسحاق اللذين اختصما فجرح كل منهما الآخر مما يعبر عن الخصومة فنبذ أهل الجرح والتعديل كلامهما هذا واعتبروه كأن لم يكن ولم يؤثر ذلك على توثيقهما وأما الحارث الأعور فقد كذبه الشعبي في الرواية وهو ما زال يتردد عليه ليتعلم منه الفرائض والحساب ووصفه بأنه من أحسب الناس إذن كذبه الشعبي ديانة لا عداوة وبقي عنده ليتعلم منه ما يجيده من العلوم سوى الرواية التي تعتمد على الصدق والحفظ.
ثم إن اختيار التوثيق ليس مزاجياً وإنما ينضوي تحت قواعد وضوابط معروفة في علم الحديث فإذا كان التضعيف مثلاً لعداوة أو لعمل يقوم به الراوي وهو مباح في مذهبه لكنه محرم في مذهب الجارح أو لخطأ أخطأ فيه راوٍ بحديثٍ أو حديثين بجانب كمٍّ هائل من أحاديث يرويها على وجهها فيرد تجريحه وأما توثيق الحارث فليس هو من هذا القبيل إنما هو مخالفة متعمدة لقواعد الحديث وضرب بكلام علماء الجرح والتعديل عرض الحائط.
2- يقول عن كتابه " الباحث عن علل الحارث " ص31 :
" الكتاب الذي أعجب به كل من قرأه من أهل العلم السالمين من داء الشغب والشغف بنشر الخلاف بين المسلمين ".
أقول يعجب به فريقان لا ثالث لهما :
أ- جاهل بعلم الحديث وقواعده ومصطلحات القوم في الجرح والتعديل فتُدلَّسَ عليه من غير أن يتنبه لذلك فالبخاري مثلاً يصف بعض الرواة بقوله " سكتوا عنه " أو " فيه نظر " ولغوياً تعني أن علماء الجرح لم يتعرضوا لهذا الراوي بالنقد فمرروا حديثه بينما هذه(1/145)
اللفظة المهذبة عنده يستعملها هذا الإمام لمن كان في أدنى المنازل وأردئها عنده ، وكذلك قال ابن أبي حاتم : إذا قيل " صدوق " أو " محله الصدق " أو " لابأس به " فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه ( أي يقارن مع غيره ليُرى هل يعضده فيتحسن به أم لا ) وهذا المصطلح لغوياً يعني أنه ثقة وحديثه صحيح وكذلك هو في اصطلاح ابن حجر مثلاً أنه بين الثقة والضعيف فحديثه حسن ، أما حين يقول ابن حجر عن راوٍ إنه " مقبول " فيعني ذلك أن حديثه مقبولٌ حين يتابع وإلا فليِّنُ الحديث أي ضعيف كما في مقدمة التقريب ولغوياً كلمة مقبول تعني أنه مقبول الحديث لدى المحدثين وحديثه صحيح. كما أن وصف راوٍ بالفضل والزهد والتعبد والفقه لايفيد التوثيق في مصطلحهم فتسويد صفحات بمدح لأحد الرواة لا تعادل كلمة ثقة فكلمة ثقة تعني الصدق والحفظ والضبط والصفتان الثانية والثالثة ليست بيد الإنسان وإنما هي هبة من الله فنقصها أو عدم وجودها لا يقدح في جلالة وعدالة وفهم الراوي وفقهه ودينه ولكنها تقدح في روايته . إذن الرواية وشروطها الصدق والحفظ والضبط لأدائها كما تلقاها شيء والفقه والفهم والعبادة والدين شيء آخر ليس له أي علاقة بالرواية إلا اذا انضم للشرط الأول فيزيدها بهاءً.
ب- عدو للحديث وأهله ومتعصب للهوى فكيف لايفرح هذا بأي سهم يصوب إلى نحور المسلمين وعلمائهم.
3- قال ص31 :
" في الوقت الذي هم فيه أحوج ما يكونون إلى الوفاق والالتئام والوئام ...... وطرح الترهات والخزعبلات التي يراها الجاهلون ومن في قلوبهم مرض أنها من صميم الدين وليست من الدين لا في قبيل ولا في دبير وإنما أثارها المثيرون وأخرجها المضلون من زوايا الإهمال ومخابىء النسيان تلبية لنداء الشر وإجابة لدعوة الشيطان في(1/146)
التفرقة ورفع لواء التنافر والتناحر وإيغار الصدور بين أهل لا إله إلا الله ليسهل اجتياحهم على عدوهم والقضاء عليهم في عقر دارهم رغم ما هم فيه من البلاء ".
أقول : أليس هذا هو حالك يا محدث المغرب وياليتك أتيت بمسألة خلافية لتطرحها بين المسلمين فتثير فيها ما تصف وإنما تأتي بأمر أجمع العلماء عليه قديماً وحديثاً ألا وهو رد حديث الحارث الأعور الكذاب وتقوم الآن بعد أربعة عشر قرناً وتشتم السلف والخلف وتصفهم بعدم الفهم لأنهم لم يرفعوا الحارث الكذاب إلى مقدمة رجال الصحيح بما فيهم البخاري ومسلم.
4- ثم يقول ص31 :
" ووطنه ( أي الألباني ) الذي ينتمي إليه وعرف بالانتساب إليه يحكمه الشيوعيون بل المتطرفون منهم وإنا لله وإنا إليه راجعون وإخوانه يذوقون الويل والعذاب من تسلطهم فكان ينبغي للألباني قبل الهجوم على العلماء وأئمة السلف والسعي بين المسلمين بالفرقة لقصد أو بدون قصد أن يكرس جهوده ويوجه لسانه على الأقل لدعوة الألبانيين إخوانه للجهاد وقتال الشيوعيين الملاحدة مع أني لم أسمع عنه شيئاً يتعلق بهذا الأمر مطلقاً بل كان الواجب عليه أن يكون أول الحاملين للسلاح لتحرير بلاده من حكم الملاحدة وعند ذلك يعطي الدليل وألف دليل على غيرته على الإسلام ونصيحته لدينه والدفاع عن أهل ملته ".
أقول : لا يا ألباني لِمَ لَمْ تفعل ذلك ؟! حقاً إنك لمجرم أما كان لك أسوة بالغماري الذي لم يقر له جفن حزناً على إخوانه المسلمين في الأندلس الذين خضعوا لحكم بلاده المغرب سنين عديدة وحتى أنها فتحت انطلاقاً من بلده ويفصل بين بلده وبين الأندلس ما ينوف عن مئات الأمتار من المياه ومع ذلك فهو يتقلد سيفاً ويذهب إلى(1/147)
الأندلس كل يوم ويقتل المئات من الإسبانيين الذين أنشأوا محاكم التفتيش وقتلوا كل من أظهر انتقاله للنصرانية وأبطن ثباته على دينه الإسلام هذا إضافة إلى مؤلفاته التي طبقت شهرتها الآفاق وهي تدعو هؤلاء المسلمين إلى الجهاد ضد حكامهم من النصارى المجرمين في الأندلس منها مثلاً كتاب " الدعوة لتحرير الأندلس " و " الدعوة لنجدة المسلمين في الأندلس " و " لبيك يا أندلس " وغيرها كثير بينما لا يفصل بينك وبين بلدك سوى بضعة آلاف من الأميال ولم يتجاوز سنك بعدُ المئة أي إجرام أكبر من هذا يا ألباني.
5- ثم يتابع الغماري حديثه ص32 :
" أما حمل القلم وتجريد اللسان للطعن في أئمة المسلمين وحماة الشريعة من رجال السلف والخلف والدعوة إلى الخلاف والشقاق في أمور تافهة للغاية فذلك لا يجمل صدوره من مسلم عامي فضلاً عمن يدعي خدمة الإسلام ...... إلى درجة أن يدخل من أجل ذلك في مداخل لا قبل له بها ولا تقرها السنة النبوية التي نصب نفسه للدعوة إليها.
أقول : ليس لك حق يا ألباني أن تشير إلى أن الغماري - ولو إشارة بسيطة - قد ألف كتاباً مستقلاً لتوثيق الحارث الأعور المتفق على رد حديثه عند الأمة فإنك بذلك تطعن في الأئمة - وليس الذي ينتقدهم وعلى رأسهم البخاري ومسلم ويجهلهم ويعنفهم في عدم توثيقهم للحارث الكذاب - سلفها وخلفها فإنك بذلك تقطع الطريق عليه في تلبيسه على الناس دينهم وبذلك تثير الخلاف والشقاق وهذه أمور تافهة للغاية لايجمل صدورها من مسلم عامي ولا تقرها السنة فتوثيق الكذابين أمر تافه لايجمل بك يا ألباني أن تنبه الناس عليه ولا تقرك عليه سنة المستشرقين لذا فإنك تستحق ماجرده عليك الغماري من قلمه بالشتائم والافتراءات.(1/148)
6- قال الغماري متابعاً :
" والذين لا يجوز لأجل ذلك تكفيرهم أو منع الصلاة خلفهم وعليهم أو معاملتهم بغير ما يعامل به المسلم الذي حرم الله تعالى دمه وماله وعرضه ".
أقول : عتبي عليك يا ألباني هل يسمع بهذه الفتوى من يبعد عنك آلاف الأميال ولا نسمعها منك ونحن بجوارك عشرات السنين وكيف سمعها منك الغماري هل نشرتها في كتاب وزعته في بلاد الماو ماو ولم تَجُدْ علينا بنسخة منه ثم لم نرك تطبق هذه الفتوى حتى نقتدي بك.
6- ويتابع الغماري ص32 :
" لأنهم من أهل لا إله إلا الله التي يثقل بها ميزانهم يوم يقوم الناس للحساب مهما ارتكبوا من موبقات ومهما خرجوا عن الطريق وفعلوا وفعلوا كما يشهد بذلك حديث البطاقة لأنه حديث قاصم لظهر كل من يريد أن يحجر على أهل لا إله إلا الله رحمة الله تعالى وفضله ومغفرته التي وعد بها قائلها".
أقول : ما يمنعك يا ألباني أن تدعو إلى ما يدعو إليه الغماري فتقول للناس قولوا لا إله إلا الله وافعلوا ما تشاؤون وما تريدون من الموبقات فهذه البطاقة سوف تثقل ميزانكم مهما فعلتم من الموبقات واستحللتموها ، بل لِمَ العبادة إذن ولِمَ تثقل علينا بمصنفاتك كل يوم وتعلمنا فيها صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وحجة النبي صلى الله عليه وسلم والصيام وغيرها من العبادات وهذا ماصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما لم يصح وكان يكفيك من ذلك أن تقول لنا كما ورد في بعض روايات الحديث " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " وكفى المؤمنين القتال فلا حاجة لصلاة ولاصيام ولاحج ولازكاة ولا ولا ولا بأس من ارتكاب الموبقات مهما تعدد أشكالها . ثم ما الفائدة من العلم والعلماء وهذه القناطير المقنطرة من كتب التوحيد والفقه والحديث بل ما الفائدة من نزول الوحي على محمد ( ثلاثاً وعشرين سنة ثم لماذا حرب أبي بكر للمرتدين عندما منعوا الزكاة و و ........ طالما(1/149)
أن الدين كله يكفي منه أن يقول أحدنا لاإله إلا الله حتى ولو بلسانه دون اعتقاد بها هذا لعمري مالم يحلم أي مستشرق بتحقيقه بين المسلمين ! قال تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ( (الحجرات آية14) .
والإيمان كما عرفه العلماء ومنهم إمام مذهبك الشافعي هو قول وعمل ( قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان ) أم أنك يا غماري تستشهد بالآية الكريمة { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ } (النساء آية43) . وتقف كما وقف غيرك عندها ! ؟
فانظر أخي المسلم إلى النصح بين المسلمين ومن يريد لهم الخير شتان بين شخص يدعوهم إلى قول لاإله إلا الله حتى ولو بلسانهم ويبيح لهم فعل الموبقات مهما تعددت ولا يكلفهم بأي نوع من العبادات مهما صغرت وبين إنسان يطلع علينا كل يوم بكتاب يصحح فيه لنا عقيدتنا وعبادتنا ويعلمنا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم يصح.
إلا أنه يوجد لي عليك اعتراض ياغماري أو سمِّه إشكالاً : ما الحاجة لرسالتك هذه لتوثيق الحارث الكذاب وماتفيدنا طالما أنه يكفينا قول لاإله إلا الله ولو بلساننا رغم ماتثيره من الجدل ومافيها من الطعن في الحديث وأهله من السلف والخلف.
6- ويتابع ص 33 قوله :
" أقول : لايجمل بالمسلم الناصح أن يسعى بين جماعة المسلمين ـ في هذا الوقت ـ بالتفرقة وبث الشقاق والخلاف في أمور تافهة للغاية إثمها أكبر من نفعها إن كان فيها نفع وإلا فإثمها محقق وضررها قد ظهر للعيان ".(1/150)
قلت : لايجمل بك ياألباني أن تنبه الناس إلى مايدلسه الغماري على المسلمين في دينهم ولو بإشارة خفيفة فيضطر للرد عليك بصفحاتٍ عديدةٍ وبذلك ينقسم المسلمون قسمين ويتنازعون فيما بينهم أما لو سكتَّ فعندها يستطيع أن يخدعهم ويلفهم حوله.
9- يعلق السقاف على كلام الغماري محشياً ص 33 :
" حتى أن أتباع الألباني ومقلديه في أمريكا كانوا وما يزالون سبباً لإغلاق مساجد عديدة من قبل البوليس الأمريكي لأجل ما فعلوه وسببوه من فتن وخلافات وشجار في تلك المساجد ا هـ حسن.
قلت : يسلم فمك يا حسن قل للألباني : لو سكت أتباعك يا ألباني ولم يعترضوا على ما ننشره من ترهات وأغاليط لما اضطررنا لضربهم ولما تدخل البوليس الأمريكي فأغلق المساجد التي تواجدتم فيها وكان بإمكانهم السكوت عليها لأنها أباطيل وخرافات واهية فماذا يكون إذا عبدنا الجيلاني واستغثنا به من دون الله وماذا يكون لو اتبعنا البدع وتركنا السنة وماذا يكون لو عبدنا المشايخ مع الله وماذا لو قلنا :
الرب عبد والعبد رب * * * فما أدري من المكلف
كما يقول ابن عربي وماذا يكون لو قلنا :
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا * * * وما الله إلا راهب في كنيسة
كما يقرر ابن عربي وماذا يكون لو قلنا : " ما في الجبة إلا الله " كما يقول الحلاج أليس نقول في النهاية لا إله إلا الله هل تحتاج هذه الخلافات الواهية إلى هذه الاعتراضات التي لانستطيع أن نقضي عليها بالدليل فنلجأ معذورين إلى أن نقضي عليها بالقوة.(1/151)
وهؤلاء المشركون قالوا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - " { مَا نَعْبُدُهُمْ ( أي الأصنام ) إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } (الزمر: آية 3 ) . أي نعلم أنهم لا يخلقون شيئاً ولكن يُخْلَقون ولايرزقون أحداً ولكن نعبدهم ليكونوا لنا شفعاء عند الله ، أما قول الرسول ( لابن عباس " إذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " . رواه الترمذي في صفة القيامة باب ولكن يا حنظلة ساعة وساعة وقال هذا حديث حسن صحيح وصححه الألباني.
فابن عباس هذا فيما يبدو من أهل الظاهر ولا يعرف علم الباطن فخاطبه الرسول ( على قدر فهمه ولو فهم ابن عباس طريقة القوم في التصوف وتحريف الكلام عن مواضعه لخاطبه بغير ذلك أما قول الله سبحانه وتعالى :
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة آية 186) . فهذه الآية وغيرها كثير هي لأهل الظاهر ولا يحق لك ياألباني أن تعترض على شيء مما ندعو إليه وإن خالف القرآن والسنة لأنها خلافات واهية وإذا تكلمت بشيء عنها فسنقيم الدنيا ولا نقعدها وعندها تتفرق كلمة الإسلام والمسلمين والإسلام ينهى عن الفرقة فاحذر هذا.
أنسيت يا ألباني أن المشركين قالوا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قد أتيت بدين فرق بين الأب وابنه وبين الأخ وأخيه أتريد أن تتابع عنادك ودعوتك إلى الله ورسوله كما تابع محمد - صلى الله عليه وسلم - الدعوة إلى الله وحده وتقف في وجه أعداء السنة ؟(1/152)
10- وقال الغماري ص33 :
" إن الحارث ثقة عدل رضي وثقه جماعة السلف والخلف واعتمدوا على روايته واحتجوا بحديثه لأنه إمام من أئمة العلم والحديث في الكوفة.
أقول : إن التوثيق هو أن ينص إمام من أئمة الجرح على توثيقه بلفظ ثقة فدلنا على واحد فقط من جماعة السلف والخلف ممن وثقه بهذا اللفظ أو بلفظ معتمد في مصطلح الحديث ثم من اعتمد على روايته ومن احتج بحديثه هل البخاري أم مسلم ؟
11- وتابع الغماري ص33 :
" وقدمه أهل الكوفة على غيره في العلم وفي الصلاة بهم في الوقت الذي كانت عامرة بسادات التابعين وأئمة العلم والحديث في الكوفة " .
قلت : نعم قدموه في العلم الذي هو الفقه وليس في الرواية فذاك عمدته الفهم وهذه عمدتها الصدق والضبط أما الصلاة فليس لها علاقة بالرواية.
12- وتابع الغماري ص34 :
" ولو لم يكن دليل على توثيق الحارث وجعله في الطبقة الأولى من أهل العدالة وتقديمه على أغلب رجال الصحيح إلا هذا لكان كافياً لأهل العلم في ذلك ومغنياً عن غيره من الأدلة ".
قلت : ولا في الدرجة العاشرة من أهل العدالة لما سبق وبيَّنا أن العلم والفقه والإمامة هي غير الرواية فالرواية كما أسلفنا تعتمد على الصدق والضبط لا على الفقه والإمامة.(1/153)
13- وتابع ص34 :
" لأن من المقرر عند أهل الحديث أن من الأمور التي يعرف بها عدالة الراوي وكونه ثقة شهرته بذلك بين أهل بلده ووطنه وربما كان عندهم هذا أعلى وأرقى في التعديل والتوثيق من ثناء رجل واحد من أئمة الجرح عليه.
أقول : قال ابن الصلاح في النوع الثالث والعشرين من علوم الحديث : معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل وبيان الجرح والتعديل المقبول : الثقة الضابط لما يرويه وهو المسلم العاقل البالغ ..... وأن يكون مع ذلك متيقظاً غير مغفل حافظاً إن حدث من حفظه فاهماً إن حدث على المعنى فإن اختل شرط مما ذكرنا ردت روايته . وتثبت عدالة الراوي باشتهاره بالخير والثناء الجميل عليه أو بتعديل الأئمة أو اثنين منهم له أو واحد على الصحيح ولو بروايته عنه في قول . قال ابن الصلاح وتوسع ابن عبد البر فقال كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه.
إذن حتى يتبين جرحه وصاحبنا هذا لم يختلفوا في جرحه وإنما أجمعوا على جرحه.
14- وتابع الغماري ص34 :
" وأول من اعتمد عليه في الرواية عنه والأخذ منه سيدا شباب أهل الجنة - الحسن والحسين عليهما السلام - فقد روى ابن سعد في الطبقات 6 /168 عن الشعبي قال " لقد رأيت الحسن والحسين يسألان الحارث الأعور عن حديث علي " ..... وفي هذا أعظم دليل وأكبر حجة وأقوى برهان على أنه ثقة عندهما ، عنده من حديث علي والدهما - عليه السلام - مالايوجد عند غيره ..... إلا أنا نقول مثل الحسن والحسين في العلم والجلالة في الدين لايأخذ الحديث عمن عرف بالكذب وعدم الصدق في الرواية.(1/154)
أقول : فعلاً الحسن والحسين سألا الحارث عما عنده من حديث علي فتبين لهما كذبه فلم يروياعنه وإلا فليقل لنا الغماري أين روايتهما عنه ؟
15- وتابع الغماري ص35 :
" فرواية الحسن والحسين عن الحارث ترد طعن الشعبي فيه بالكذب وتظهر أنه أراد به - إن سلم ذلك له - الكذب في الرأي كما قال أحمد بن صالح المصري.
أقول : قال أبو عمرو بن الصلاح في كتاب علوم الحديث ص104 بتحقيق نور الدين عتر : التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته ..... وأطلق الإمام أبو بكر الصيرفي الشافعي فيما وجدت له في شرحه لرسالة الشافعي فقال " كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعَّفنا نقله لم نجعله قوياً بعد ذلك " . والحارث حتى لم يعلن توبته.
16- قال الغماري ص35 :
" ومع ذلك فقد قال يحيى بن معين ما زال الناس يقبلون حديثه " .
قلت : هو إلى الضعف أقرب لأن معناه في اصطلاح القوم يقبلون حديثه حيث يتابع وإلا فلا وهذا الكلام يفسر قول ابن معين ثقة والرواية الأخرى لابأس به ثم ما زال المحدثون يقبلون حديثه أي أنهم مترددون بين قبوله وبين طرحه تهذيب التهذيب 2 / 145 ثم حزم أمره في الأخير وقال ليس بالقوي ثم قال ضعيف كما نقله عنه الذهبي . الميزان 1 / 435 وذلك بعد أن تأكد الرجل من عدم صحة رواياته.
17- وتابع الغماري ص35 :(1/155)
" وقد وثقه أحمد بن صالح المصري إمام أهل مصر في الحديث فقيل لأحمد بن صالح قول الشعبي حدثنا الحارث وكان كذاباً قال أحمد بن صالح لم يكن بكذاب وإنما كان كذبه في رأيه.
أقول : مر معنا أنهم اختلفوا في قبول رواية التائب من الكذب وهذا لم يتب.
18- وتابع الغماري ص36 :
" ثم إن علي بن أبي طالب خطب الناس فقال من يشتري علماً بدرهم فاشترى الحارث الأعور صحفاً بدرهم ثم جاء بها علياً فكتب له علماً كثيراً ثم إن علياً خطب الناس بعد فقال يا أهل الكوفة غلبكم نصف رجل وهذا أيضاً شهادة من علي بفضل الحارث وأنه من أهل العلم الذين يؤخذ عنهم وأنه غلب أهل الكوفة في العلم ولو كان متهماً في ذلك لبين علي أمره وحذرهم منه ".
أقول : إن تشجيع علي لأهل الكوفة لكتابة علمه واندفاع الحارث لذلك هذا ليس توثيقاً له فالتوثيق يكون بعد الرواية لا قبل الرواية وقبل الأخذ وعلي لايعلم الغيب ولا يعرف ما سوف يؤديه هذا الحارث من الرواية على وجهها أم على غيره وقد وصفه بنصف رجل فهل هذا الوصف مدح أم قدح ؟ !
19- وتابع الغماري ص36 :
" عن أبي إسحاق أنه كان يصلي خلف الحارث الأعور وكان إمام قومه وكان يصلي على جنائزهم ".
قلت : الإمامة في الصلاة لا دخل لها بالرواية ولا بالتوثيق . وقد نُقلَ عن السلف رحمهم الله ( الصلاة خلف كل برَّ وفاجر ).(1/156)
20- وأعاد الغماري ص36 ذكر تقديم أهل الكوفة للحارث الأعور على عبيدة السلماني وعلقمة ومسروق وشريح.
أقول : التقديم في العلم والفقه والإمامة وليس في الرواية وإلا فليس منهم من جرح أو ردت روايته غيره.
21- وتابع الغماري ص36 :
"وبعد أن أعاد ذكر تقديمه الحارث على الأربعة ( عبيدة وعلقمة ومسروق وشريح ) . قال : قال ابن سيرين : إن قوماً آخرهم شريح لَقوم لهم شأن ا هـ انظر المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان 2 / 557 وتهذيب الكمال 1 / 215 وتهذيب التهذيب 2 / 146 والميزان 1 / 203 . وفي بعض الروايات قال ابن سيرين : " إن قوماً آخرهم شريح لَقوم خيار " وفي اللفظ الذي ذكره الذهبي في الميزان قال ابن سيرين وفاتني الحارث فلم أره وكان يفضل عليهم وكان أحسنهم.
أقول : فكما تلاحظ أن قول الذهبي في الميزان يختلف عن الرواية التي ساق فيها ذكر المصادر لفظاً ومعنى إلا أنها في الميزان 1 / 437 طبعة دار إحياء الكتب العربية كما أن هذا الكلام غير موجود في التهذيب أما تهذيب الكمال والمعرفة والتاريخ فليست هذه الكتب تحت يدي لأتأكد من نقله ومهما يكن فمعنى هذا الكلام هو تقديم الحارث في الفقه وليس في الرواية.
22- وتابع الغماري ص37 :(1/157)
"وإنه ممن يجب أن يكون في مقدمة رجال الصحيح بل يجب أن يكون سنده عن علي عليه السلام أصح الأسانيد من غير شك لأنهم قالوا فيما ذكروه في أصح الأسانيد : محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي.
أقول : لقد وصفه مسلم فعلاً في مقدمة صحيحه وذكر سبب تجنب روايته بذكر كلام الشعبي فيه ألا وهو الكذب واعتبر سنده عن علي رضي الله عنه كما قال الغماري بإبدال كلمة واحدة منه فقط فأبدل كلمة أصح بكلمة أحط وذلك بوصفه بالكذب ونقل ابن حبان في الضعفاء له 1/ 222 بسنده عن أبي نعيم سمع الحارث من علي عليه السلام أربع أحاديث ونقل ابن حجر في التهذيب 2/ 145 : وقال أبو بكر بن عياش لم يكن الحارث بأرضاهم ونقل الذهبي في الميزان 1 / 437 عن مغيرة قال لم يكن الحارث يصدق عن علي في الحديث.
23- قال الغماري ص 38 :
" بل جعلوا طعن إبراهيم النخعي في الشعبي بكذبه في السماع من مسروق عقوبة من الله تعالى له حيث تعدى على الحارث في لمزه بالكذب ".
أقول : قد خاف جماعة من العلماء من التكلم في الرواة بما فيهم وظنوه غيبة لكن البخاري وغيره من أهل الجرح و التعديل اعتبروه فرضاً في الدين لتبيان حال الرواة من أجل الحكم على صحة أحاديثهم ومن عده عقوبة خاف أن تكون غيبة.
24- قال الغماري ص 38 :
" ولو لم يرد طعن الشعبي في الحارث فهو باطل لأنه غير مفسر ولا مبين السبب وهو مردود اتفاقاً.(1/158)
قلت : أي تفسير أوضح من أن يقال و كان كذاباً وأي عبارة أردأ من هذه العبارة في الجرح أما الجرح الذي لا يقبل إلا مفسراً كأن يوثقه جماعة كثر و يضعفه واحد بقوله ضعيف فهذا الجرح لا يقبل إلا مفسراً لأنه ما يكون جرحاً في رأي شخص قد لايكون جرحاً عند الآخرين وقصة البخاري الذي سافر مسافة طويلة ليأخذ حديثاً عن راوٍ ورآه يكذب على دابته التي تفلتت منه يوهمها أن معه شيئاً تأكله فتركه وعاد دون أن يسأله و قال إن الذي يكذب على الدابة لا آمن أن يكذب علي فهذا الجرح عندما عرف سببه من البخاري لم يأخذ به أهل الحديث و لم يعتبروه جرحاً فكلمة ضعيف تخبىء وراءها أشياء و أشياء فهي مقبولة و لو كانت غير مفسرة في حق من لم يعدل أما من كثر معدلوه وقل جارحوه فلا يقبل جرحهم إلا مفسراً هذا الذي يقوله أهل هذه الصناعة . و صاحبنا أجمعوا على ذمه ووصفوه بالكذب و في حالته و لو وصف بالضعف من غير تفسير الضعف فمقبول جرحه لعدم تعديل أحد منهم له فكيف وهو موصوف بالكذب.
25- قال الغماري ص 38 :
" ولا يخرج تكذيب الشعبي له عن أن يكون من كلام الأقران في بعضهم بعضاً و ذلك معروف مشهور بين أهل العلم وعقد له ابن عبد البر في جامع بيان العلم بابا خاصاً استوفى الكلام فيه على ذلك ، انظر 2 / 150 منه ".
أقول : لقد عقد ابن عبد البر هذا الباب في 2 / 184 من الطبعة الثانية له طبع المكتبة السلفية و لخصه 2 / 186 بما يلي : قال أبو عمر " هذا باب قد غلط فيه كثير من الناس وضلت به نابتة جاهلة لا تدري ماعليها في ذلك . و الصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول(1/159)
أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب قبوله من جهة الفقه والنظر وأما من لم تثبت إمامته ولاعرفت عدالته ولاصحت لعدم الحفظ والإتقان روايته فإنه ينظر فيه إلى مااتفق أهل العلم عليه ويجتهد في قبول ماجاء به على حسب مايؤدي النظر إليه.
و الشعبي اعترف بتقدمه في الفقه والفرائض والحساب لذا واظب على تعلمها منه وقد قيل للشعبي كنت تختلف إلى الحارث قال نعم أختلف إليه أتعلم منه الحساب كان أحسب الناس.
إذن هذا ليس من كلام الأقران بعضهم في بعض فكلام الأقران في بعضهم يأتي عند الغضب و لايأخذه أهل الحديث على محمل الجد . أما الشعبي فعلى الرغم من تكذيبه له كان يختلف إليه ليتعلم منه الفقه والفرائض والحساب ولا أثر هنا للخصام بل الرجل قد واظب على الاستفادة من الحارث في الحساب.
و الحارث كما سنرى في نهاية هذه الرسالة إن شاء الله قد ضعفه حوالي خمسون إماماً وعدله منهم ثلاثة هم ابن معين و النسائي وأحمد بن صالح المصري ، تراجع الاثنان الأولان عن تعديله وضعفاه بأصرح عبارات التضعيف مع إصرار الثالث على توثيقه مع وصفه بأنه كان يكذب في رأيه أي في حديثه مع الناس وهذا مما لايقبله حتى الغماري ويرفض حديثه لأن الغماري يقول في ص 44 من رسالته هذه التي ننتقدها بقوله : لأن المقرر عند أهل الحديث أن الراوي إذا كان يكذب في لهجته و كلامه ولا يكذب في حديثه فروايته أيضاً غير مقبولة لأن العدالة لا تتجزأ ولا تتبعض فلا يكون الراوي ثقة عدلاً في جهة و كذاباً فاسقاً في جهة أخرى.(1/160)
26- و قال الغماري ص 39 :
" ومعلوم أن الحارث كان أعلم بحديث علي - عليه السلام - من الشعبي فلما سمع منه ما لم يبلغه من حديث علي عليه السلام - سارع إلى تكذيبه و هكذا حاله حتى مع الصحابة فكيف بالحارث . فقد نقل الحافظ الذهبي في ترجمة الشعبي من " تذكرة الحفاظ " 1 / 83 عن الحاكم عن ربيعة بن يزيد قال : قعدت إلى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك فحدث رجل من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : اعبدوا ربكم و لاتشركوا به شيئاً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الأمراء فإن كان خيراً فلكم و إن كان شراً فعليهم و أنتم منه براء " فقال له الشعبي كذبت . فهذه القصة فيها دليل بين على أن الشعبي كان سريع التكذيب لمن حدث بما لم يبلغه . فمن جعل طعن الشعبي في الحارث بالكذب حجة فليجعله في تكذيب هذا الصحابي كذلك مع أني أكاد أجزم بأن تكذيب الشعبي للحارث إنما هو من جهة رأيه لا غير.
أقول : يا فضيلة الشيخ أخطأت في الفهم وفي الاستدلال وغالطت في الاستنتاج بأمور :
1- هذا الكلام غير صحيح ولاعبرة لردة فعله في حادثة أو حادثتين ( لو صحت و هذا لم يصح كما سنبينه ) و إلا لما عدَّ من أهل الجرح والتعديل ولم يقبل كلامه أصلاً في جرح أو تعديل أي راوٍ إذا كان هذا طبعه ثم لم يتفرد بتضعيف الحارث كما سنبينه فيما بعد.
2- الذهبي نقل هذه القصة في مآثر الشعبي و ليس في مساوئه و لم يستنتج مااستنتجته أنت منها فقد نقل قبلها و بعدها أقوالاً تدل على فهمه و حيطته منها :(1/161)
- مولده أثناء خلافة عمر في ما قيل كان إماماً حافظاً فقيهاً متفنناً ثبتاً متقناً.
- وروى عن علي فيقال مرسل وعن عمران بن حصين وجرير بن عبد الله وأبي هريرة وابن عباس وعائشة وعبد الله بن عمر وعدي بن حاتم والمغيرة بن شعبة وفاطمة بنت قيس وخلق.
- قال أحمد العجلي مرسل الشعبي صحيح لا يكاد يرسل إلا صحيحاً.
- عن الشعبي قال أدركت خمسمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
- عن أبي مجلز ما رأيت أفقه من الشعبي لاسعيد بن المسيب ولاطاوس ولاعطاء ولا الحسن ولا ابن سيرين.
- جرير عن ( في الأصل بن وهو خطأ ) أيوب قال سأل رجل الشعبي عن ولد الزنا شر الثلاثة هو ؟ فقال لو كان كذلك لرجمت أمه وهو في بطنها ( أي لم يحل رجمها إلى أن يولد ويرضع ويفطم لتسلم حياته ).
- وعن أبي بكر الهذلي قال قال لي ابن سيرين الزم الشعبي فلقد رأيته يستفتى والصحابة متوافرون.
- وعن ابن المديني قال قيل للشعبي من أين لك هذا العلم كله ؟ قال بنفي الاعتماد والسير في البلاد وصبر كصبر الجماد وبكور كبكور الغراب.
- قال ابن عيينة : العلماء ثلاثة : ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والثوري في زمانه.
- جعفر بن عون سمعت ابن أبي ليلى يقول و ذكر هذين فقال كان الشعبي صاحب آثار و كان إبراهيم صاحب قياس.
- وعن عبد الملك بن عمير قال مرَّ ابن عمر بالشعبي و هو يحدث بالمغازي فقال شهدت القوم ولهذا أحفظ لها وأعلم بها مني.(1/162)
- و قال عيسى الحناط قال الشعبي إنما كان يطلب هذا العلم من جمع النسك و العقل فإن كان عاقلاً بلا نسك قيل هذا لا يناله وإن كان ناسكاً ولم يكن عاقلاً قيل هذا أمر لا يناله إلا العقلاء ثم قال فلقد رأيت اليوم يطلبه من لا عقل له ولا نسك.
- عن حصين عن عامر قال : ماكُذب على أحد في هذه الأمة ما كُذب على علي رضي الله عنه.
- أشعث عن ابن سيرين قال : قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثير.
- ثنا داود بن يزيد سمعت الشعبي يقول : و الله لو أصبت تسعاً وتسعين مرة و أخطأت مرة لأعدوا عليَّ تلك الواحدة.
- وعن الشعبي : أنا مبغض لمن أبغض عثمان وعلياً.
- زكريا بن أبي زائدة قال كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ بأذنه ويقول تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن.
- أنا مجالد عن الشعبي قال كره الصالحون الأولون الإكثار من الحديث ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت إلا بما أجمع عليه أهل الحديث.
- ثم أورد هذه الحادثة للدلالة على فهمه ومعارضته حتى للصحابة في فهمهم . ( الحادثة التي استشهد بها الغماري ) .
- ثم أورد بعدها قوله : ما كنت أعرف فقهاء الكوفة إلا أصحاب عبد الله ( أي لا يوجد فقهاء فقههم صحيح سوى أصحاب عبد الله بن مسعود وإلا فأدعياء الفقه كثر ) . فقال له قيس الأرقب : أفلا تعرف أصحاب علي ؟ فقال : نعم ، قال : فتعرف الحارث الأعور ؟ قال : نعم لقد تعلمت منه حساب الفرائض والجد فخشيت على نفسي منه الوسواس فلا أدري ممن تعلمه . قال : فهل تعرف ابن حبتن ؟ قال : نعم لم يكن بفقيه ولم يكن فيه خير قال : فهل تعرف صعصعة بن صوحان ؟ قال : كان رجلاً خطيباً ولم(1/163)
يكن بفقيه قال : فهل تعرف رشيداً ( في الأصل رشيد وهو خطأ ) الهجري ؟ قال الشعبي : نعم بينما واقف في الهجريين إذ قال لي رجل : هل لك في رجل يحب أمير المؤمنين قلت : نعم فأدخلني على رشيد فلما رآني أشار بيده إلي وأنشأ يحدث قال : خرجت حاجاً فلما قضيت نسكي قلت لو أحدثت عهداً بأمير المؤمنين فمررت بالمدينة فأتيت باب علي فقلت لإنسان استأذن لي على سيد المسلمين فقال هو نائم وهو يظن أني أعني الحسن فقلت : لست أعني الحسن إنما أعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ، قال أو ليس قد مات ؟ فقلت أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس حي ويعرق من الدثار الثقيل فقال أما إذا عرفت سرَّ آل محمد فادخل وسلم عليه واخرج فدخلت على أمير المؤمنين فأنبأني بأشياء تكون فقلت لرشيد إن كنت كاذباً فلعنك الله وقمت وبلغ الحديث زياداً فبعث إلى رشيد فقطع لسانه وصلبه.
- عاصم الأحول عن الشعبي إنه كان أكثر حديثاً من الحسن وأسن منه بسنتين.
- ابن شبرمة سمعت الشعبي يقول ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته ولا أحببت أن يعيده علي ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه أحد لكان به عالماً.
- وفي نهاية الترجمة قال ابن شبرمة سمعت الشعبي يقول ماسمعت منذ عشرين سنة من رجل يحدث بحديث إلا وأنا أعلم به منه.
- فكما ترى يافضيلة الشيخ كل ما نقله الذهبي يدل على حفظ الشعبي وعلمه وورعه وفقهه وحيطته وروايته عن خمسمائة صحابي وأنه أعلم بالحديث من راويه وإن كان صحابياً وأعلم بالمغازي ممن حضرها بشهادة ابن عمر رضي الله عنه له.(1/164)
3-وفي هذا الحديث يا فضيلة الشيخ لم يذكر لنا ربيعة بن يزيد اسم هذا الصحابي لنر مرتبته في الحفظ والضبط والفهم ومهما يكن فليس هو أفضل من عبد الله بن عمر الذي يشهد بأن الشعبي أعلم بالمغازي منه مع أن ابن عمر رآها وأن الشعبي رواها فهذا الصحابي روى الحديث صحيحاً حتى وأطيعوا الأمراء ثم أتبعه بتفسيره له بعبارة " فإن كان خيراً فلكم وإن كان شراً فعليهم وأنتم منه براء " . وهذا لم يكن من الحديث أصلاً ؛ لأن الأحاديث التي رويت في طاعة الأمراء كلها توصي بالسمع والطاعة لهم ماأقاموا كتاب الله أو مالم يأمروا بمعصية فكيف يتلاءم هذا مع رواية هذا الصحابي : " وإن كان شراً فعليهم وأنتم منه براء " .
فقد روى مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية : عن أم الحصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أُمِّرَعليكم عبد مجدَّع حسبتها قالت أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا ".
وروى عن ابن عمر بعده عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " ورواه الترمذي في كتاب الجهاد باب ما جاء لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق ورواه أيضاً البخاري وباقي الستة وأحمد ورواه ابن الجارود في المنتقى باب ما يجب من طاعة الأمراء وتركه إذا أمروا بمعصية حديث رقم 1041 وهناك أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحض على ترك طاعة الأمير حين يأمر بما يخالف كتاب الله منها ما رواه مسلم عقب الحديث السابق عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأَمَّر عليهم رجلاً فأوقد ناراً وقال ادخلوها فأراد ناس أن يدخلوها وقال الآخرون إنا قد فررنا منها فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة وقال(1/165)
للآخرين قولاً حسناً . وقال لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف . ولا عجب أن يكون فهم الشعبي للحديث أجود من فهم ذلك الصحابي والرسول ( يقول : " فرب مبلَّغٍ أوعى من سامع " رواه الترمذي في العلم وأحمد وابن حبان وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وصححه الألباني.
4- إن طلاب المرحلة الابتدائية يعرفون الفرق بين كذبْتَ وكذَّاب فالأولى تدل على الفعل في حالة واحدة أما الثانية فتعني الاستمرارية والملازمة فما بالك بالشعبي العربي الهمداني اليمني الأصل الذي كتب عن خمسمائة صحابي ووصفه قراء الكوفة " بأنه زعيم القراء " الذي تذوق اللغة العربية في مهده وورثها عن أجداده حقيقة لاادعاءً كما فعل غيره فقال للصحابي لما استنبط حكماً خاطئاً من الحديث كذبت ولم يقل له كذاب كما قال للحارث الأعور.
5- لجهل فضيلتك أو تجاهلك وصفت الشعبي بأنه سريع التكذيب لمن حدث بما لم يبلغه . وكأن الرجل يحفظ حديثاً أو حديثين فينصب نفسه ميزاناً للرواة ونسيت فضيلتك قول الشعبي :
" لقد نسيت من العلم ما لو حفظه أحد لكان به عالماً " ( هذا مما لم يكتبه وما بقي في ذهنه مما لم يكتبه أكثر بكثير عدا الذي كتبه ).
6- لجهل فضيلتك بلغات العرب وصفت الشعبي هذا الوصف وكأنه أحمق يبادر بالتكذيب لأي كان لمجرد تحديثه بحديث لم يبلغه.
فقد قال ابن حبان في كتاب علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار ص92 : أبو محمد البخاري الذي كان يقول : الوتر حق فقال عبادة بن الصامت : كذب أبو محمد(1/166)
اسمه مسعود بن زيد بن سبيع الأنصاري ومن قال إن اسمه أحمد فقد وهم وليس في الصحابة أحد اسمه أحمد وقول عبادة كذب يريد أخطأ هذه لغة سائرة في أهل الحجاز.
فهذه لغة أهل الحجاز يا فضيلة الشيخ ولا يسع الذي يوثق ويضعف ويصدر الأحكام بأن يقول هذا سريع التكذيب وهذا يُرَدُّ قولُه أقول لا يسعه أن يجهل لغات الأمصار واصطلاح أهل الفن.
…فقول الشعبي لهذا الصحابي كذبت يعني أخطأت أي أخطأت في تفسير الحديث بعبارتك التي فسرت بها الحديث " وإن كان شراً فعليهم وأنتم منه براء " هذا التفسير خطأ يرده الروايات التي أوردناها سابقاً ومنها " إنما الطاعة في المعروف " وهو ليس من الحديث أصلاً.
قد تعود إلى مغالطاتك وتقول بأن الشعبي كوفي وبعيد عن الحجاز فأقول لك بأنه أخذ عن عائشة وابن عمر في الحجاز وفي المدينة بالذات وقضى فترة لا بأس بها في المدينة والصحابي غالباً هو من أهل الحجاز فيفهم كلامه أيضاً على محمله.
7- لم يصفه أحد من السابقين ولا اللاحقين بأنه سريع التكذيب حتى الذين أوردوا له هذه القصة طوال أربعة عشر قرناً حتى تبادر فضيلتك فتصفه بهذا الوصف.
8- من قال بأن الحارث أعلم بحديث علي من الشعبي ؟ إذا كان الشعبي أعلم بالمغازي التي رواها من ابن عمر الذي رآها بشهادة ابن عمر نفسه وقول الشعبي : ما سمعت منذ عشرين سنة من رجل يحدث بحديث إلا وأنا أعلم به منه ( أي بمعناه ) فمع هذا العلم الغزير والفهم القويم هل يقدم علم الحارث على علم الشعبي بحديث علي ومن أين استنبطته ؟(1/167)
9- لا تجزم بما لا تعرف ولا تقل إن تكذيب الشعبي للحارث إنما هو من جهة رأيه لا غير فقد نقلنا لك من تذكرة الحفاظ للذهبي قوله في الحارث لقد تعلمت منه حساب الفرائض والجد فخشيت على نفسي منه الوسواس فلا أدري ممن تعلمه فالرجل لم يرو عنه بل اكتفى في البداية وبعد أن عرف حاله بتعلم الفرائض منه.
ثم خاف على نفسه الوسواس لعدم وثوقه بالحارث وبكلامه عمن تعلمه وإلا لسأله ولكنه جرب عليه الكذب.
27- وتابع الغماري ص40 :
" و إلا لما أخذ ( الشعبي ) عنه ( الحارث ) وتعلم منه وهو معدود من الرواة عن الحارث " .
قلت : لا مانع من الرواية عنه مع بيان حاله وقد روى مسلم في مقدمة صحيحه عنه قوله حدثني الحارث وكان كذاباً . فالرجل روى عنه مع بيان حاله وهذا أبو حنيفة يروي عن جابر الجعفي ويقول ما رأيت في التابعين أكذب منه . أحوال الرجال للجوزجاني ص50 .
أما التعلم فتعلم منه الحساب وقال ما رأيت أحسب منه.
28- وتابع الغماري ص40 :
" لاسيما والكذب لم يكن له سوق بين التابعين ولا له رواج على لسانهم ..... وما صار التابعون يأخذون الحذر من الرواة ويحتاطون في الأخذ حتى وقعت الفتنة فلما وقعت نظروا من كان من أهل السنة أخذوا حديثه ومن كان من أهل البدع تركوا حديثه - كما قال ابن سيرين رحمه الله ".(1/168)
أقول : قال الزهري " وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون " شرح الطحاوية ص609 الطبعة الأولى للمكتب الاسلامي . فوقعت الفتنة بين علي ومعاوية وبين علي وعائشة وبين علي والمنشقين عنه من الخوارج وهذه الفتن جميعها في عهد الصحابة وقام كثيرون من أنصار كل فرقة ووضعوا أحاديث تؤيد فريقهم في الفتنة وتدحض الطرف الآخر عداء للإسلام وأهله ومنهم تديناً ظناً منهم كما أجاب أحدهم عندما ذكر بحديث " من كذَبَ عليَّ فليتبوأ مقعده من النار " أجاب إنا نكذب له لاعليه . وهذا أبو حنيفة يقول عن شيخه جابر الجعفي ما رأيت أكذب منه وهذا الحارث قد كذبه الشعبي فالكذب موجود في عهد التابعين نتيجة لدخول أعداء الإسلام فيه ليطعنوه من الداخل كما تفعل أنت يا غماري وإلا فما غرضك من توثيق كذاب أجمع علماء الأمة سلفهم وخلفهم منذ أربعة عشر قرناً على رد حديثه.
وقد روى مسلم في مقدمة صحيحه 1 / 80 عن ابن عباس : إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول تركت الحديث عنه.
وقال أيضاً : إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.
إذن في عهد ابن عباس ركب الناس الصعب والذلول وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لذا أخذ يرد حديثهم ولا يأخذ منهم إلا ما يعرف وهذا في عهد الصحابة فما بالك بعصر التابعين.
وقال البخاري في التاريخ الصغير 1 / 147 :(1/169)
1- فأوحى المختار الثقفي ابن الربعة الخزاعي وهو صحابي فقال : إنك شيخ أدركت النبي صلى الله عليه وسلم ولا تكذَّبُ بما حدثت عنه فقونا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وهذه سبعمائة دينار . قلت الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم النار وما أنا بفاعل.
2- يقول محمد بن عمار بن ياسر قدمت على رجل ( أي المختار ) يفتري على الله ورسوله.
3- يقول عدي بن حاتم أشهد أن هذا كذاب يعني المختار.
4-يقول صلة : قاتل الله الكذاب ( المختار) أي حديث أفسد وأي شيعة شان.
فإذا كان الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتشر في عهد ابن عباس والصحابة فهل يصدق قولك " والكذب لم يكن له سوق بين التابعين ولا له رواج على لسانهم " فلا أدري أجهلاً قولك هذا أم كذباً ؟
وأما قولك إن التابعين أخذوا حديث أهل السنة وتركوا حديث أهل البدع فليس بصحيح فقد رووا للثقة من أهل السنة والبدعة على السواء وتركوا الكذاب من أهل السنة والبدع على السواء وهذا صحيح البخاري وصحيح مسلم مليئان بأحاديث الشيعة والخوارج لكن الثقات منهم.
29- ثم نقل الغماري ص40 كلام الذهبي في رسالته " في الثقات المتكلم فيهم فيما لا يوجب ردهم " ما نصه :
" فمن ندر في جنب ما قد حمل احتمل ومن تعدد غلطه وكان من أوعية العلم اغتفر له أيضاً ونقل حديثه وعمل به على تردد بين الأئمة الأثبات في الاحتجاج عمن هذا نعته كالحارث الأعور وعاصم بن ضمرة وصالح مولى التوأمة وعطاء بن السائب ونحوهم " .(1/170)
وأخذ انطلاقاً من هذا الكلام يستنتج ما يحلو له من التوثيق ووصف الحافظ الذهبي بالناقد المتقن متناسياً أن الحافظ الذهبي قد قال بأن الأئمة الأثبات ترددوا بالاحتجاج في هؤلاء ولما عاد إلى تراجمهم بصفة موسعة وصف كلاً منهم بما له وما عليه في الميزان وضعفهم إلى المرتبة التي يستحقونها ولما عاد صاحبنا الغماري إلى ترجمة الذهبي للحارث في الميزان ورأى ما فيها تراجع عما وصف به الذهبي في الصفحة 40 من رسالته : الحافظ الناقد المتقن الذهبي فذكر في ص43 من رسالته : وكذلك ناقض الذهبي نفسه حيث قال : مع روايتهم لحديثه في الأبواب وهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه والظاهر أنه يكذب في لهجته وحكاياته وأما في الحديث النبوي فلا وكان من أوعية العلم ..... الخ كلامه المذكور في الميزان 1/202 وعلق على ذلك بقوله :
فرواية أهل الحديث لحديثه في الأبواب دليل على أنه لم يوهنوه وأما قوله والظاهر أنه كان يكذب في لهجته فباطل أيضاً بل من أبطل الباطل لأن المقرر عند أهل الحديث أن الراوي إذا كان يكذب في لهجته وكلامه ولايكذب في حديثه فروايته أيضاً غير مقبولة لأن العدالة لاتتجزأ ولا تتبعض فلا يكون الراوي ثقة عدلاً في جهة وكذاباً فاسقاً في جهة أخرى وهذا مما تشترك فيه الرواية مع الشهادة ( ونسي بأنه أقر أحمد بن صالح المصري قوله لم يكن بكذاب وإنما كان كذبه في رأيه ص 35 ).
أقول : مهلاً مهلاً عندما يقول إمام كلمة تظنها في صالحك [ وهي ليست في صالحك كما ذكرت عما أورده الذهبي في ص40 من رسالتك ] ترفعه إلى أعلى عليين وتصفه بالحافظ الناقد المتقن وعندما يوضح كلامه في مكان آخر تصفه بالتناقض وبأن قوله من أبطل الباطل كما ذكرت عنه في رسالتك ص43 و44 فما ذنبه إذا فسرت القول الأول جاهلاً أو متجاهلاً على مزاجك وبما يحلو لك وتركت قوله الآخر الذي هو المعتمد لأن كلامه في الرسالة " في الثقات المتكلم فيهم ..... " ليس هو موضع ترجمة وإنما هو(1/171)
تقرير قواعد وأما الترجمة المعتمدة فموضعها الميزان وهو مسؤول عن كلامه عن التراجم في الميزان وليس في غيره من الكتب التي ليس موضوعها الترجمة وأما القول بأن رواية أهل الحديث لحديثه في الأبواب دليل على أنهم لم يوهنوه فهذا غير صحيح لأنهم لم يلتزموا الصحة في السنن بل رووا لكثير من الوضاعين وممن نصوا هم على أنهم وضاعون مثل جابر الجعفي وغيره فقد قال فيه أبو حنيفة ما لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي ما أتيته بشيء من رأيي إلا جاء فيه بأثر . تهذيب التهذيب 2 / 48 ، وفي أحوال الرجال للجورجاني ص50 بمعناه.
30- يعود الغماري لاستنتاجاته من كلام الذهبي ص40 بقوله :
فأفاد هذا التقرير من الحافظ الناقد المتقن الذهبي فيما يتعلق بالحارث أموراً :
1- إن الحارث لم يكن كذاباً كما زعم الشعبي لأن الكذب لم يكن يصدر من التابعين عمداً.
فأقول : لقد أورد الذهبي كلام الشعبي في الميزان وأقره كما أقره مسلم في مقدمة صحيحه وأورده البخاري في ضعفائه إضافة لتاريخه الكبير والصغير واتفق النقاد على ضعفه كما سنرى في نهاية هذه الرسالة فهل بعد هذا الكلام حاجة لمستزيد أما عن تعمد الكذب فهذا أبو حنيفة يقول عن جابر الجعفي مارأيت في التابعين أكذب منه كما تقدم في أحوال الرجال للجوزجاني ص50 وفي تهذيب التهذيب 2 / 48 " ما لقيت فيمن لقيت أكذب منه ..... ".
2- إن حديثه يعمل به في الأحكام وينقل بين الناس ولهذا احتج أصحاب كتب السنة بحديثه للمعنى الذي ذكره الذهبي والتردد في ذلك لا يضر فقد ذكرت أن ذلك التردد(1/172)
لا أساس له ولا دليل عليه وأن الحارث ثقة يعمل بحديثه قولاً واحداً على حسب القواعد المقررة.
أقول : مهلاً سوف تقرر بعد ثلاث صفحات بأن العدالة لا تتجزأ ولا تتبعض فلا يكون الراوي ثقة عدلاً في جهة وكذاباً فاسقاً في جهة أخرى فكيف يعمل بحديث الحارث في الأحكام ويرد في العبادات . أما احتجاج أصحاب كتب السنة بحديثه فقد سبق وبينا أن أصحاب السنن لم يلتزموا الصحة في أحاديثهم وإنما رووا فيها عن وضاعين نصوا هم على أنهم وضاعون فلا حجة في رواية أصحاب السنن عن الحارث.
2- إن الحارث لم يقع منه تفرد في حديثه وإنه لم يكن ممن فحش خطؤه وكذا وهمه لأنه كان من التابعين الأولين وإنما ذلك يوجد في صغار التابعين فمن بعدهم.
قلت : لم يقولوا عنه بأنه ممن فحش خطؤه وكثر وهمه وإنما وصفوه بالكذب.
31- ثم يقول الغماري ص41 :
" فأين يذهب الألباني من هذا الكلام الذي قرره الذهبي الحافظ الناقد الذي ما أتى بعد يحيى بن معين خبير بأحوال الرجال مثله ، في شأن الحارث وحكمه فيه بأنه ممن يعمل بحديثه وينقل عنه.
أقول : بعد أن وصفت الذهبي هذا الوصف فما ذنب الذهبي إذا فهمت كلامه بالعكس وفسرت كلامه في غير مكان الترجمة حينما ذكره من بين الرواة الذين تردد الأئمة في الاحتجاج بهم على أنه توثيق له واستغربت ما ترجمه ونقل ما له وما عليه في الميزان بشكل موسع فنقل تكذيبه وتوهين الجمهور له وقد قالوا : " آفة العلم من الفهم السقيم " هذا إذا أضيف للفهم السقيم الغرض الخبيث فتكون النتيجة عجائب فلم يقل الرجل لا هنا ولا هناك بأنه ممن يعمل بحديثه وينقل عنه فأكثر من عدهم لا يقبل حديثهم إذا(1/173)
انفردوا لأنهم ضعفاء وترجمهم في الميزان ووصف كلاً منهم بما يليق به . فأين تذهب ياغماري من قول الذهبي الحافظ الناقد المتقن كما وصفته أنت ونقلته عنه في الصفحة 43 وهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه والظاهر أنه يكذب في لهجته وحكاياته وأما في الحديث النبوي فلا ثم تقرر بعدها بأن العدالة لا تتجزأ ولا تتبعض.
32- وقال الغماري ص41 : فظهر من هذا أن الألباني ليس له معرفة بالرجال ولا له غوص في نقل عبارات أهل الجرح.
أقول : الحمد لله أنه ليس للألباني معرفة بالرجال كمعرفتك هذه ولا له غوص كغوصك وإنما شأن الرجل يقتصر على جمع طرق الحديث والحكم على سندها كما يقول أهل الجرح والتعديل وعلى حسب مصطلحات القوم. ولا يغوص كغوصك لأنه إذا غاص كهذا الغوص ما خرج من جهنم والعياذ بالله . رجل يغوص غوصاً يخطىء به الأمة وعلماءها وما أجمعت عليه منذ أربعة عشر قرناً ويستنتج أن البخاري ومسلماً والشعبي والذهبي وابن حجر وابن سعد والنووي والنسائي وابن معين وابن المديني وأحمد بن حنبل وأبا حاتم وابن أبي حاتم وبنداراً وو ...... كلهم أخطؤوا في ردهم لحديث الحارث حتى من عاصر منهم الحارث واختبره وغمارينا الذي ينتسب إلى نفس الفرقة التي ينتسب إليها الحارث ألا وهي الشعوبية هو أخبر به ممن عاصره بأحواله فله الحق بتوثيقه.
33- وقال الغماري ص41 : فنجده ( الألباني ) يصحح ما هو موضوع ويضعف ما هو صحيح ويحكم بوقف ما هو مرفوع.
أقول : إن الألباني يخاف أن يقدم على ما أقدمت عليه ياغماري فيخالف الأمة وعلماءها وما اتفقت عليه منذ أربعة عشر قرناً أما أنت فشجاع كشجاعة أبي طالب وأبي لهب وأبي جهل فلا تخاف من إعلان رأيك أحداً حتى الله أما الألباني فجبان فهو يخاف(1/174)
الله ولا يجرؤ على مخالفة إجماع الأمة لأنه أولاً وأخيراً مسلم لذا فهو يصحح ما هو صحيح بنظر الأمة وإن كان موضوعاً بعرفك ويضعف كل حديث صححته طائفتك ( الشعوبية ) لتطعن به ديننا.
34- وتابع الغماري ص41 :
" ولكنه ( الألباني ) اغتر لفراغ الجو وخلو البلاد ممن يشتغل بالحديث على الوجه الصحيح.
أقول : الحمد لله على فراغ الجو وخلو البلاد ممن يشتغل بالحديث على الوجه الصحيح الذي تشتغل به أنت والذي تبغي به وجه الشيطان فتخالف إجماع الأمة فتصحح ماأجمعت الأمة على تضعيفه وتضعف ماأجمعت الأمة على تصحيحه وتوثق من أجمعت الأمة على تكذيبه وتضعف من أجمعت الأمة على توثيقه.
35- قال الصياد السقاف ص41 معلقاً على كلام الغماري هذا :
" وخصوصاً بلاد الشام فليس فيها محدث البتة " .
أقول : إذا كان ذلك كذلك فمن هو الذي دعوته شعيب أرناؤوط - وعذراً من الأستاذ شعيب- وأين بلده الذي نقلت بحثاً كاملاً بحروفه من بحثه في حديث تحريك الإصبع في رسالتك تحذير العبد الأواه من تحريك الإصبع في الصلاة وأفردت فصلاً خاصاً به ؟ ص23 دون أن تتحفظ على ما قرره وما ذهب إليه ؟ وتصف تحقيقه في الحاشية ص28 بقولك : " ومن هذا التحقيق الدقيق والاستقصاء العميق يتبين ..... " :
1- فإن كان محدثاً فتكذب أنت والغماري في ادعائكما أنه لا يوجد محدث في البلاد وخصوصاً بلاد الشام ممن يشتغل بالحديث على الوجه الصحيح.
2- وإن لم يكن محدثاً فما هي صفته حتى استشهدت به ضد الألباني؟(1/175)
3- وإن كان محدث أوراق كما هو الألباني فتكون بذلك قد استشهدت بكلام جاهل على كلام جاهل.
4- في أي المكانين تكذب هل هنا بقولك " وخصوصاً بلاد الشام فليس فيها محدثٌ البتة ؟ أم هناك حيث تصف تحقيقه بالتحقيق الدقيق والاستقصاء العميق.
36- وتابع الغماري نقده للألباني ص42 :
" حتى يعلم الطلبة أنه محدث الأوراق والصحف " .
أقول : إن الألباني رحمه الله محدث الأوراق والصحف ينظر فيما نقلته لنا الأمة ثقة عن ثقة وحفظت به لنا ديننا فيبينه لنا ولا يخلو بالمستشرقين وأعداء الإسلام والمسلمين ثم ينقل إلينا ما يشرعونه لنا في ديننا.
37- وتابع الغماري ص42 :
" وأعظم دليل على هذا ( أن الألباني محدث أوراق وصحف ) ما وقع له في شأن الحارث في الميزان أن الجمهور على توهينه فأخذ ذلك منه مسلماً ورأى أن ذلك هو الحق لأنه ليس له أهلية لمعرفة صواب كلام أهل الجرح من خطئه ".
أقول : الألباني أصلحه الله ليس له أهلية لمعرفة صواب كلام إجماع الأمة من خطئه فهل لك اتصال يا ألباني بأعداء المسلمين ليوجهونك إلى صواب إجماع الأمة من خطئه ؟ إنك لا تعدو كونك تبحث في الأوراق والصحف وتتقيد بالقواعد التي قعدها علماء الأمة لتحكم على الحديث صحة أو ضعفاً ولكن الغماري الذي يتصل بالمستشرقين ليعرف منهم صواب إجماع الأمة من خطئه هو المحدث الحديث وصاحب الدين الجديد . فهذا وإن كان الذهبي ( الحافظ المتقن كما وصفه في الصفحة 40 من رسالته ) قال في ترجمة الحارث : والجمهور على توهينه وإن نقل ابن حجر بأن الجمهور قد كذبوه ووهنوه لكن أحاديثه المكذوبة تفيد المستشرقين والشعوبيين الجدد في نشر الأباطيل بين(1/176)
صفوف المسلمين وبذلك يفسد دينهم فهو نتيجة لمصلحة أعداء المسلمين يجب أن يوثق لتقبل أحاديثه وتدلس على المسلمين.
38- وتابع الغماري ص42 :
" لأن الذهبي وإن كان حافظاً ناقداً لكنه له أوهام وأغلاط في كلامه على بعض الرجال ".
أقول : لذا فكلام الذهبي في الميزان المخصص للتراجم والذي وافق فيه إجماع الأمة على رد حديث الحارث خطأ ووهم أما كلامه العام واستشهاده على قواعد في علم الحديث بإيراد أسماء فيمن تردد العلماء في قبول روايتهم فهو الصحيح ، تخطئة الذهبي في المكان المختص وتصويب رأيه في مكان الاستشهاد هذا هو المنطق الصحيح عند الغماري ومع ذلك فالرأيان فيهما التضعيف لو فهم النصين كما يفهمه أهل اللغة والحديث.
39- وتابع الغماري ص42 :
" كما يقع له أيضاً ( الذهبي ) أوهام في تصحيح الأحاديث وتضعيفها .... كما يعلم من قرأ تلخيص المستدرك له ومن ذلك قوله في الحارث إن الجمهور على توهينه فإنه وهم محض وتسرع في القول.
أقول : لم يكتف الذهبي بتكذيب الحارث في الميزان أثناء ترجمته - وهو الحافظ الناقد المتقن - حتى يطبق كلامه ويوافق فيه أئمة الجرح والتعديل أثناء تلخيصه المستدرك وتحقيق أحاديثه . فالألباني ليس وحده الذي يصحح ويضعف جاهلاً بل الذهبي أيضاً يصحح ويضعف واهماً ولا يعرف قواعد الحديث كما يعرفها الخبير الذي طلع علينا بعد أربعة عشر قرناً ليجدد النظر في توثيق الرواة وجرحهم !(1/177)
40- وتابع الغماري ص42 :
" ولو تتبع الألباني كلام أهل الجرح في الحارث كما حصل لنا - ونظر في مخرج جرح المجرحين له لعلم وتحقق أن الجمهور الذي قال الذهبي أنه اتفق على توهين الحارث لا يوجد إلا في الميزان للذهبي رحمه الله تعالى - وأنه لا حقيقة له في الخارج مطلقاً كما يقولون في العنقاء.
أقول : فعلاً لو تتبع الألباني كلام أهل الجرح في الحارث على طريقة تتبع الغماري ونظر في مخرج جرح المجرحين له لعلم وتحقق أن الجمهور الذي قال الذهبي أنه اتفق على توهين الحارث لا يوجد إلا في الميزان للذهبي - وهو طبعاً واهم - وأنه لا حقيقة له في الخارج مطلقاً كما يقولون في العنقاء فلا وجود للبخاري ولا لمسلم ولا لأحمد بن حنبل ولا لابن معين ولا لعلي بن المديني ولا للشعبي ولا لابن سعد ولا لأبي حاتم ولا لابن أبي حاتم ولا لأبي زرعة ولا لأحمد بن يونس ولا لزائدة ولا لمنصور بن المعتمر ولا للمغيرة بن مقسم ولا لإبراهيم النخعي ولا لأبي سعيد الأشج ولا للجوزجاني ولا ليحيى بن سعيد القطان ولا لعبد الرحمن بن مهدي ولا للنسائي ولا للدارقطني ولا لابن عدي ولا لابن شاهين ولا لابن حجر ولا لابن العماد الحنبلي ولا للنووي ولا ولا ....... فهؤلاء خيال ولاوجود لهم وتحكى عنهم الحكايات كما تحكى عن العنقاء.
41- ويتابع الغماري في ص42 قوله :
" لأن الجمهور الذي يخرج منه الحسن والحسين ومعهما والدهما وأهل الكوفة وابن سيرين وسعيد بن جبير وابن معين وأحمد بن صالح المصري وحبيب بن أبي ثابت والنسائي وأبو بكر بن أبي داود وأبو حفص بن شاهين وابن عبد البر وغيرهم كثير ممن وثقه وأثنى عليه بل قال ابن معين : ما زال المحدثون يقبلون حديثه . الجمهور الذي يخرج منه هذا العدد الجم من أئمة السلف والخلف لجدير أن ينبذ نبذ النواة ويطرح في زوايا الترك والإهمال ويسدل عليه ستار النسيان ".(1/178)
أقول : نعم الجمهور الذي يخرج منه الحسن والحسين ومعهما والدهما وأهل الكوفة وو...... لجدير أن ينبذ نبذ النواة فكيف إذا انضموا إلى من عددناهم في الفقرة السابقة فلم يبق من الجمهور الذي يوثق الحارث غيرك يا غماري وأنت حكمت على نفسك بما تستحق.
فسؤال الحسن والحسين له كما أسلفنا عن حديث والدهما - عليهم السلام - ليس بتوثيق له فالرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - " مات ودرعه مرهونة عند يهودي " رواه البخاري في الجهاد باب 89 والمغازي باب 86 والترمذي في البيوع باب الرخصة في الشراء إلى أجل والنسائي في البيوع باب مبايعة أهل الكتاب وابن ماجة في الرهون والدارمي في البيوع وأحمد.
فهل يصبح اليهودي ثقة في الحديث إذا عامله أو كلمه ليس الحسن والحسين أو علي بل سيد البشر محمد - صلى الله عليه وسلم - .
أقول : إن الحسن والحسين سألا الحارث ولو وثقاه لرويا عنه فِلمَ لم يرويا عنه ولم يقل أحد بأنهما رويا عنه غيرك وإلا فأين الرواية وأما علي رضي الله عنه فقد حثه كما حث غيره على العلم والحث على العلم ليس بتوثيق والنسائي ذكره في كتابه الضعفاء ولم ينقل توثيقه مما يؤكد على أنه استقر في نهاية الأمر على تضعيفه وأحمد بن صالح المصري نزل كلام الشعبي في تكذيبه للحارث على الكذب في حديثه ( ومن كانت هذه صفته فحديثه مردود عند المحدثين وكذلك مردود عندك ) وابن معين أوردت كلامه الذي هو إلى التضعيف أقرب فلو كنت محدثاً لنأيت عن هذا الاستشهاد بقول ابن معين الواضح لطلبة الحديث وللمبتدئين به إن هذا الوصف معناه أنهم يترددون في قبول حديثه(1/179)
ولما يستقر رأيهم بعد على نبذ حديثه وبذلك يتذكر القارىء ما استقر عليه رأي ابن معين في النهاية وحزم عليه أمره فأطلق عليه لقب ضعيف وليس بالقوي.
أما باقي من عددتهم فقد وصفوه بالعلم والفهم والفضل وهذا ليس موضوع بحثنا الآن.
42- وتابع الغماري في ص43:
" فَذَكَرَ ذِكْرَ أبي إسحاق الشيرازي للحارث في فقهاء التابعين وأنه من أصحاب ابن مسعود وقول سعيد بن جبير عن أصحاب ابن مسعود بأنهم سرج المدينة وقول الشعبي بأن ابن مسعود أفقه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : فالذي يتمسك بقول الذهبي في توهين الحارث بعد هذا هو الواهي حقيقة.
قلت : لو كنت مسلماً حقاً ما تجرأت على هذا القول لكن كل إناء بما فيه ينضح فحقدك الأسود على الإسلام والمسلمين أعماك ولم تدر مايخرج من فيك وكل من عددنا وسنرتبهم مع أقوالهم في نهاية الرسالة من علماء الأمة كلهم واهون عندك يا غماري لكن إذا لم تستح فاصنع ماشئت إذا كان البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن معين وابن المديني وو ...... واهين فمن الثقة إذن ؟ !
طبعاً مسيلمة وعبد الله بن سبأ والغماري هؤلاء هم ثقات الأمة وعنهم يؤخذ الدين.
فهذا الكلام الذي ترد به توهين الحارث على علماء الأمة ، قول العلماء في فقه ابن مسعود ومن ثم فقه أصحابه ليس توثيقاً لأصحابه في الرواية ياجاهلاً بالرواية وأهلها.
43- وتابع الغماري في ص43 :(1/180)
فذكر تناقض الذهبي في رسالته " الرواة الثقات المتكلم فيهم " وبقوله فيها أن الحارث وشبهه يعمل بحديثه وينقل على تردد بين الأئمة الأثبات في الاحتجاج عمن هذا نعته وبين توهينه له في الميزان وكذلك مع قوله " مع روايتهم لحديثه في الأبواب وهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه والظاهر أنه يكذب في لهجته وحكاياته وأما في الحديث النبوي فلا ".
أقول : إن المكان المخصص للتراجم والمرجع لذلك والمعتمد في التوثيق والتضعيف هو الميزان عند الذهبي أما رسالته واستشهاده فيها بأسماء فلا عبرة له للتوثيق والتضعيف فيها إلا إذا لم يكن للمؤلف رأي آخر أودعه المكان المخصص له ففي الميزان نظر الإمام الذهبي الحافظ الناقد المتقن الذي لم يأت أحد بعد ابن معين مثله كما أسلفت أنت نظر في جميع ما قيل في الحارث وحكم عليه بما يستحق فكلامه في الميزان هو بعد التحقيق والتمحيص وفي غيره يكون الكلام عرضاً . ثم إن الرجل لا يتناقض وإنما ينقل آراء الناس ويقول مع أن الجمهور على توهينه فقد رووا حديثه في الأبواب واستنتج الرجل أن الحارث لا يكذب في الحديث النبوي وإنما يكذب في حديث الناس.
44- وقال الغماري في ص 45 :
" بل قال الذهبي في الميزان 1/23 : والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به.
قلت : نقل ابن حجر هذا الكلام عن الذهبي في التهذيب في ترجمة الحارث ثم أتبعه بقوله قلت لم يحتج به النسائي وإنما أخرج له في السنن حديثاً واحداً مقروناً بابن ميسرة وآخر في اليوم والليلة متابعة هذا جميع ماله عنده وذكر الحافظ المنذري أن ابن حبان احتج به في صحيحه ولم أر ذلك لابن حبان وإنما أخرج من طريق عمرو بن مرة عن الحارث بن عبدالله الكوفي عن ابن مسعود حديثاً والحارث بن عبدالله الكوفي هذا هو(1/181)
عند ابن حبان رجل ثقة غير الحارث الأعور كذا ذكر في الثقات وإن كان قوله هذا ليس بصواب والله أعلم.
45- وقال في ص 45 :
" وهذه شهادة من النسائي بأن الطعن الذي وقع في الحارث مردود غير مقبول.
قلت : مر معنا في التعليق السابق بأن النسائي لم يرو له إلا حديثين متابعة ولم يوثقه بل وذكره في كتابه الضعفاء له وبذلك لم يخرج النسائي المتعنت في الرجال عن قاعدته وهو الذي يرد حديث الراوي بما لايكون جرحاً فكيف إذا جرح بالكذب كما قلت أنت.
46- وتابع في ص 45:
" فاحتجاجه ( أي النسائي ) مع هذا دليل واضح على أنه ثقة ... وأن حديثه صحيح كسائر أحاديث الثقات.
أقول : لم يحتج به النسائي كما مر معنا بل روايته له حديثين فقط متابعة دليل على أنه ليس بثقة عنده وليس حديثه صحيحاً كسائر أحاديث الثقات وكيف يكون حديثه صحيحاً عنده وقد ذكره في الضعفاء وقال ليس بالقوي.
47- وقال في ص 45 منوهاً أن ابن عبد البر قال عن حديث " والصحيح عن علي من وجوه شتى صحاح أنه قال في الصلاة الوسطى صلاة العصر وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عنه جماعة من أصحابه منهم عبيدة السلماني وشتير بن شكل ويحيى الجزار والحارث والأحاديث في ذلك صحاح ثابتة أسانيدها حسان ا هـ ".(1/182)
أقول : فكما تلاحظ أن ابن عبد البر لم يقل قال الحارث وإنما أورد عدة من أصحاب علي وذكره في آخرهم ومع ذلك ومع متابعة بعضهم البعض فلم يحكم على مجموع أسانيدها بالصحة وإنما حكم لها بالحسن وقوله هذا ليس تعديلاً للحارث فقد روى ابن عبد البر هذا الحديث له متابعة لغيره وهم كثر كما ترى.
48- وقال في ص 45 " والألباني لشذوذه وجهله ....... خالف عمل هؤلاء الأئمة من السلف والخلف في توثيق الحارث وتصحيح حديثه ".
أقول : واضح مما سبق مَنِ الشاذ والجاهل هل من خالف الأمة وشتمها ليوثق كذاباً أم من تابع الأمة ووافقها ؟
49- وقال في ص 45 :
" كما وقع منه في كلامه ( أي الألباني ) على حديث : " الأنبياء قادة والفقهاء سادة ومجالسهم زيادة " وقال موضوع.
أقول : هل حديث الحارث الكذاب حسب قواعد المصطلح في الحديث يستحق أعلى من هذه المرتبة إضافة لعلة ثانية وهي أن أبا إسحاق لم يسمعه من الحارث ؟
50- وقال في ص 46:
وقد أظهر في هذا الكلام من الجهل ما يضحك منه صغار الطلبة.
أقول : بما فيهم أنت لجهلكم قواعد المصطلح إذا كنتم مخلصين ولكشف عواركم إن كان غير ذلك.(1/183)
51- وقال في ص 46 :
" واعتماد الألباني - لعدم وصوله إلى درجة الاجتهاد في الكلام على الرجال أوقعه كما قلنا فيما كشف به عن جهله.
أقول : إن الألباني لايجتهد بعد إجماع الأمة وأئمة الحديث على تكذيب راوٍ بعد أربعة عشر قرناً ويطلع على الأمة الإسلامية بأنها كانت طوال هذه العصور مخطئة في تضعيفها الحارث والحق الذي ارتآه بعد أربعة عشر قرناً أن الحارث الكذاب ثقة . لا لم يصل الألباني إلى هذه المرتبة لعدم ارتباطه مع جهات معينة توجهه بل غاية فعل الألباني أن يتتبع قول علماء الأمة ويحكم على الحديث حسب قواعد المصطلح.
52- وقال الغماري في ص 46 :
" والألباني أوقعه في هذا الخطأ القبيح والغلط الشنيع تقليده لأبي الطيب العظيم آبادي.
قلت : فعلاً الألباني جاهل والغماري عالم ومجتهد وو.......... حتى أن الغماري اختصر اسم أبي الطيب اختصاراً لايمكن أن يقع من جاهل فأبو الطيب اسمه محمد شمس الحق العظيم آبادي وليس العظيم آبادي فالعظيم هو بدل من الحق وليس صفة لمحمد ولا لأبي الطيب فالحق والعظيم هما اسمان لله وشمس مضافة لله باسميه الحق والعظيم فإذا حذفت شمساً من اسمه فكأنك تحذف عبداً من اسم عبد الله أو عبد الرحمن فتسميهما الله أو الرحمن فهل يقبل هذا جاهل ؟ ! فإذا كنت لاتعرف اسم من تنقل عنه ولا تفقه معنى اسمه ثم تسميه بأحد أسماء الله ( العظيم ) بدلاًَ من شمس الحق العظيم فأنا أقر بأنك غصت لكنك لم تخرج وبان جهلك بل وعدم فهمك وحسبنا الله ونعم الوكيل.(1/184)
53- وقال في ص 46 :
" فالقاعدة المقررة عند أهل العلم بالحديث والأمر الذي عليه العمل عندهم وهو الذي يقتضيه النظر أيضاً : أن الحديث يجب أن يعلل أولاً بالهيثم بن موسى المروزي المجهول فإني لم أقف له على ترجمة فيما لدي من كتب الرجال ..... فالرجل في عداد المجهولين فيما يظهر . فكان يجب على الألباني - لو كان بصيراً بنقد الأحاديث - أن يبدأ في الكلام على سند الحديث الذي أعله بالحارث من أوله ليسلم له التعليل.
أقول : اعتراضك على طريقة التعليل ليس بأغرب من اعتراضك على علماء الأمة بتضعيف الحارث فمن المنطقي :
1- أن يبدأ المحدث بتحقيق الحديث من الأعلى وليس من الأسفل لاحتمال المتابعة وورود الحديث من طريق أخرى.
2- هل يعلل الحديث بالمجهول أو الضعيف وينسب إليه الوضع ويترك الكذاب ؟
فهذا لم يقل به من انتسب إلى هذا العلم الشريف من المسلمين وأما من غيرهم فهم أحرار في طريقة بحثهم وقد علق شمس الحق العظيم آبادي على الحديث في سنن الدارقطني بقوله وأما رواية علي في الكتاب ففيها الحارث بن عبد الله الأعور وهو ضعيف جداً فهل هو جاهل أيضاً أم محدث أوراق وصحف ؟
54- ويقول في ص 47 :
" فوجود عبد العزيز بن الحصين هذا هو الذي يجب أن يعلل به الحديث كما هي قاعدة أهل العلم في مثل هذا لأنه لم يوثقه أحد.
أقول : أنسيت ما ذكرته قبل سطرين قول ابن حجر في اللسان : وأعجب من كل ما تقدم أن الحاكم أخرج له في المستدرك وقال إنه ثقة.(1/185)
55- ويقول في ص 48 :
" كأنه لايوجد ضعيف في السند إلا هو ".
أقول : لا يوجد في السند كذاب غيره.
56- وتابع الغماري في ص 48 :
" وحتى لو سلمنا له أن الحارث ضعيف وكذاب - كما قال - ولكن من يثبت لنا أنه هو صاحب الحديث مادام الطريق إليه فيها متروكاً - والصواب متروك - وغير ثقة ".
قلت : اسأله فلو كنت تدري ما تقول لما سألت هذا السؤال فحتى البعيد عن علم الحديث لو قلت له من يتهم بالحديث الكذاب أم متروك الحديث لأجابك مباشرة الكذاب ولكن الهوى يعمي ويصم.
57- قال في ص 48:
" ولو سلمنا له سلامة السند من كل هذا وإن التهمة من جهة الحارث وحده .... ولكن فيه أبو إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه " ا هـ ملخصاً.
أقول : لجهلك في علم الحديث تقول هذا فعلة التدليس تؤدي بالحديث إلى الضعف وليس إلى الوضع فلو كنت فعلاً محدثاً لما أبديت أيَّ اعتراض من اعتراضاتك هذه لأنها كلها ضد طريقة المحدثين وهل يقدم التعليل بالضعف على الوضع ومع ذلك فقد ذكر الألباني أبا إسحاق في تعليل الحديث.
58- وقال الغماري في ص 49 :(1/186)
" ومن الأمور التي تدل على قصور الألباني أنه اقتصر في كلامه على الحارث على قوله : ضعفه الجمهور وقال ابن المديني كذاب وترك ذكر العدد الكبير الذي وثقه وأثنى عليه كما ذكر ذلك في ترجمة الحارث من كتب الجرح ".
أقول : لقد نسي أن يقول أن الحسن والحسين سألاه عن حديث علي فوجداه كذاباً فلم يرويا عنه وقد حثه علي على العلم ووصفه بنصف رجل.
59- وقال الغماري ص 49 :
" ومما يضحك ويجعل حبوتك تنحل عجباً من هذا الألباني أنه جعل قول شعبة لم يسمع منه ( أي أبو إسحاق من الحارث ) إلا أربعة أحاديث مما يجرح به الحارث.
أقول : الظاهر أن حبوتك محلولة لكل طالب . وعجبك هذا ناتج من عدم فهمك ما يلي :
1- اللغة العربية لأن الألباني يتكلم عن علل الحديث وكلامه هذا هو في علل الحديث وليس في علل الحارث.
2- لغة القوم فعندما يقول الألباني أبو إسحاق لم يسمع من الحارث سوى أربعة أحاديث يفهم أي مبتدئ بالعلم أن هذا ليس طعنا بالحارث ولا بأبي إسحاق وإنما يفهم أن هناك انقطاعاً في السند بين أبي إسحاق والحارث ولو كان هذا الحديث من الأربعة لصرح بالتحديث فيه أبو إسحاق ولكن كما سبق وقلنا إن " آفة العلم من الفهم السقيم " وكيف من يتصف بهذا الفهم لا يسمي نفسه بمحدث المغرب وقد ذهب لتسويد صفحة كاملة ليبرهن على أن قلة الرواية عن شيخ لا تضعفه.
60- وقال الغماري في ص 50 :(1/187)
" ثم مما يعرفك بضعف الألباني في هذا العلم وقصوره فيه وعدم اتباعه للمقرر فيه عند أهله أنه حكم على الحديث أولاً بأنه موضوع ثم قال بعد أن ذكر سند الحديث الذي علقه من طريق عن الحارث عن علي بن أبي طالب : وهذا سند ضعيف جداً فحكمه أولاً بأن الحديث موضوع وهو شر الضعيف لأنه لادرجة بعده مطلقاًـ ثم حكمه على السند بأنه ضعيف جداً ثانياً تناقض عظيم وجهل كبير يعلمه طلبة نخبة الفكر لأن السند الضعيف جداً لايصل أن يكون به الحديث موضوعاً بل يحتمل أ ن يكون واهياً يرتفع إلى درجة الضعيف بخلاف الحديث الموضوع ".
أقول : لو تأمل الغماري صنيع الألباني لرآه يذكر الحديث أولاً ثم يذكر فيه رتبة هذا الحديث ثم يذكر العلل التي بموجبها حكم عليه هذا الحكم فقال الألباني في هذا الحديث موضوع ثم ذكر طريق الحديث ووصفه بأنه ضعيف جداً وبين علله ثم قول العلماء فيه ثم قال من طريق المعنى بأن لوائح الوضع عليه ظاهرة فلم يحكم الألباني على الحديث بأنه موضوع ثم ضعيف جداً لكنه أعطى نتيجة الحكم وبخط عريض ثم بين كيف توصل إلى هذا الحكم وهذا ما يفهمه أي قارئ للكتاب وإن لم يكن محدثاً للمغرب أو للمشرق.
61- ثم قال الغماري في ص 51 :
" كأن القاري ـ رحمه الله تعالى ـ يحيى بن معين أو علي بن المديني أو الحافظ ابن حجر أو المنذري رضي الله عنهم جميعاً مع أنه لايعد في العلم شيئاً مذكوراً.
فأقول : حتى ولو كان هو هؤلاء فهل يعدون عندك شيئاً مذكوراً.
62- وقال الغماري في ص 51 :(1/188)
"وفي الختام أراد الألباني أن يجهز على الحديث مرة واحدة ولايدع للنزاع معه طريقاً فتناول الطعن في الحديث من جهة معناه فقال ولوائح الوضع عليه ظاهرة وهذا منه مجرد تحكم بالهوى ودفع بالصدر وإلا فما الذي يلوح عليه من علامات الوضع ؟.
أقول : إن من يعمل بالحديث ليله ونهاره ويتذوق حلاوته فبمجرد أن يمر عليه كلام منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيعرف إذا كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أم لا لمجرد أن يرى آثار النبوة عليه لكن لايجعل كلامه هذا مقدماً على النقد العلمي وإنما ينقد السند نقداً علمياً ثم يضيف إليه ذوقه الذي تذوقه من الحديث ولصنيع الألباني هذا عند الحفاظ سابقة فقال ابن كثير في الباعث الحثيث النوع الثالث عشر المعلل من الحديث " وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث حتى قال بعض حفاظهم معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد منهم ... فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة ومنها ماوقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك يدركها البصير من أهل هذه الصناعة " . وأما من طمس الله على بصره وبصيرته فلايحسن حتى أن يقرأ لغة القوم ولايفهم اصطلاحاتهم فكيف يرى آثار النبوة على الحديث هذا مستحيل . ثم إنك أضفت إلى الحارث صاحبك هذا الذي اتهمه الألباني بالوضع عللاً أخرى وحاولت إلصاق الوضع بأناس آخرين في السند مما يزيد في ظلامة السند فهل زيادة العلل تصحح الحديث أم تنزل به إلى الحضيض.
63- وقال الغماري في ص 51 :
" وورد ما يشهد له في أحاديث كثيرة ".
أقول : أين هي بالله عليك ؟
64- وتابع الغماري في ص 51 :(1/189)
" وورد موقوفاً عن أبي مسعود ـ والصواب ابن مسعود ـ بلفظ " المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالسهم زيادة " . رواه الطبراني في الكبير قال الهيثمي في المجمع 1/126 ورجاله موثقون.
أقول : هل الأثر الموقوف على الصحابي هو بمثابة المرفوع وهل يكون عليه آثار النبوة ثم ألا تدري أن اصطلاح القوم رجاله موثقون لاتعني صحة الحديث أو الأثر لأنها تقتصر على أن رجال السند وصفوا بالثقة وهذا لايدفع الانقطاع في السند ولا التدليس ولا الاختلاط الذي طرأ على بعض الرواة ولاتغير الحفظ والأثر الموقوف رواه الخطيب في " الفقيه والمتفقه " 1/32 قال :
أنا الحسين بن عمر الغزال وعبد الله بن يحيى السكري قال أنا إسماعيل بن محمد الصفار نا عباس بن عبد الله الترقفي نا أبو عبد الرحمن المقري ( في الأصل القري وفيه خطأ مطبعي ) نا سعيد ـ يعني ابن أبي أيوب ـ عن عبد الله بن الوليد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة ( في الأصل عبد الرحمن بن حجيرة وهو سقط مطبعي ) عن أبيه قال كان عبد الله بن مسعود يقول فذكره وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله موثقون وهو كما قال فرجاله كلهم ثقات ماعدا عبد الله بن الوليد بن قيس بن الأخرم التجيبي المصري قال الحافظ في التقريب لين الحديث وقال في التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات وضعفه الدارقطني فقال لايعتبر بحديثه . فالأثر عن ابن مسعود ضعيف.
65- ثم قال الغماري في ص 52 :
" وإذا كان الألباني لايقول بقاعدة ولايرجع إلى أصل يحتكم إليه وهو يخترع القواعد على حسب ما يظهر له ويريد فهمه ولهذه تجده في كلامه على الأحاديث يصحح ويضعف ويثبت ويبطل بما يخالفه هو نفسه إذا اقتضى نظره وجداله وخصامه ولدده ذلك.(1/190)
أقول : أي قاعدة اخترعها الألباني وطبقها وهي غير موجودة في كتب المصطلح ثم من الذي يصحح ويضعف خلافاً لجمهور علماء المسلمين ويخطئ ما سار عليه علماء الأمة وقرروه منذ أربعة عشر قرناً والآن يطلع علينا بتوثيق الكذابين ويعيب على البخاري ومسلم أنهما لم يخرجا للحارث الكذاب واعتباره في مقدمة رجالهما ومن يدري غداً فقد يطعن في رجال الصحيح فلا عجب من ذلك ثم يدعونا لتصحيح أحاديث الموضوعات لابن الجوزي.
66- وقال الغماري في ص 52 :
"لأن قواعده ( أي الألباني ) مبعثرة فلا هي تابعة لأهل الحديث ولا لأهل الأصول ولا للفقهاء وغرضه بذلك الهرب من الوقوع في يد خصمه إذا ( في الأصل إذ وهو خطأ ) وقع في نزاع فيما يختاره من الأقوال الشاذة الواهية وهي كثيرة في صفة صلاته وتجهيز جنازته وحجاب امرأته وحلية نسائه وسلسلة أحاديثه " .
أقول لهذا المتعالم المتعجرف : إنك لم تقرأ القرآن ولم تتذوق معناه ولم تتأدب بأخلاقه فتسمي كتب الألباني بغير مسماها فتشير إلى كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بصفة صلاته فإن اعتبرت أن الألباني هو النبي صلى الله عليه وسلم فقد كفرت وإن اعتبرت أن هذه هي صفة صلاة الألباني اخترعها من عنده فقد أنكرت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ورددتها فقد كفرت وما قيل عن هذا الكتاب يقال عن باقي الكتب التي ذكرها الغماري مستهزئاً بها . أما تجهيز جنازته فلا يوجد كتاب بهذا الاسم لاعنده ولاعند غيره وإنما عنده كتاب أحكام الجنائز وبدعها فإن كنت تدعو عليه بهذا التعبير التهكمي فلا مانع عندنا وعنده بعد أن ذهب رحمه الله تعالى إلى لقاء ربه وتجهزت جنازته على السنة وذهب إلى لقاء ربه(1/191)
بنفس راضية مرضية وأما أنت إذا أبيت إلا أن تكون جنازتك على غير هذه الصفة ويكون لقاؤك لله على غير هذا اللقاء فلك ذلك إن شاء الله.
67- وتابع الغماري ص 52 :
" بحيث لو تتبعها الإنسان لأخرج منها كتاباً مفيداً للفكاهة وقت الاستراحة من العمل الشاق يصلح أن يكون ذيلاً لكتاب أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي رحمه الله تعالى.
أقول : إن هذا الكلام يستحيي أن يقوله وأن يجاهر به أشد الناس إلحاداً فكيف تدعي بأنك محدث المغرب وبكل صفاقة وقلة حياء تتبع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي استشهد بها الألباني في كتبه ثم لاترفعها لتصبح كتاباً وإنما ذيل كتاب لأخبار الحمقى والمغفلين قبحك الله من محدث وقبح علمك ولابارك الله بك ولا بعلمك ولو أقيم حكم إسلامي لحكم عليك بالإعدام لاستهزائك بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما استهزاء ولسوف تتفكه بهذه الأحاديث وقت الاستراحة من العذاب في جهنم إن شاء الله إن كان هناك وقت للاستراحة وما أظن ذلك فـ " إذا لم تستح فافعل ما شئت " أخرجه البخاري في الأدب باب إذا لم تستح وأبو داود في الأدب باب الحياء وابن ماجة في الأدب باب الحياء وأحمد عن أبي مسعود وعن حذيفة فلستَ أقل سوءاً وشراً من سلمان رشدي صاحب كتاب الآيات الشيطانية الذي نبذه المسلمون وهددوا حياته فهو يعيش الآن كالجرذان ويهرب من وكر لوكر.
68- وقال الغماري في ص 52 : " ومن شذوذه المضحك "(1/192)
أقول : نعم شذوذه عن جادة الكفر واتباعه طريق الإيمان ( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ( (التوبة الآية82).
69- وتابع الغماري في ص 52 بقوله :
" ما وقع منه في شأن الحارث من جزمه بكذبه واعتراضه علي في توثيقي له الأمر الذي يوهم الغُرَّ المبتدئ أني تفردت بذلك عن الجمهور.
قلت : قد بَرْهَنَّا ذلك هنا وسنوضح إجماع الأمة على ذلك في أواخر الرسالة إن شاء الله وهذا الذي أثار حنقك وضغينتك عليه فلم يتركك تسرح وتمرح وتضلل المسلمين.
70- ثم يستشهد محدث المغرب في ص 52 بحديث موضوع آخر وينسبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا و هو " اتركوا الترك ".
أقول : لفظ الحديث " اتركوا الترك ما تركوكم فإن أول من يسلب أمتي ما خولهم الله عز وجل بنو قنطورا من كركرا " رواه الطبراني في الكبير 3 / 76 / 1 والخلال في أصحاب ابن منده 152/5 و أبو جعفر الطوسي في الأمالي عن مروان بن سالم الجزري عن الأعمش عن أبي وائل وزيد بن وهب ( الطبراني والخلال عن ابن مسعود ) ( و الطوسي عن حذيفة ) به و فيه مروان بن سالم الجزري قال البخاري ومسلم وأبو حاتم منكر الحديث و قال أبو عروبة الحراني يضع الحديث تهذيب التهذيب 10/93 فهل هذا الراوي الوضاع أيضاً عندك ثقة و لكي تدعم حديثك هذا يافضيلة الشيخ عليك أن تؤلف رسالة أخرى في توثيق الجزري وتطعن في البخاري ومسلم لطعنهم في هذا الراوي الكذاب و تتابع سلسلة رسائلك بتوثيق باقي الكذابين والوضاعين لتدعم بها الأحاديث الموضوعة التي تستشهد بها وتدلسها على المسلمين.(1/193)
و لم يكتف محدث المغرب بتوثيق الكذابين بل ذهب يستشهد بالأحاديث الموضوعة أيضاً.
فما فائدة الاشتغال بعلم الحديث والمهاترات فيه إذا كان لا فرق عندك في الاستشهاد بين الحديث الصحيح والموضوع قل كل صحيح و كفى . فقبل صفحات دافعت عن حديث موضوع " الأنبياء سادة ... " و ها أنت تستشهد بحديث موضوع آخر " اتركوا الترك " و قد قال الله تعالى في حق أحبار اليهود ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ( (الجمعة الآية 5 ) .
وها أنت تحمل علماً وتسود صفحات لتدلس على الناس توثيق كذاب ولم تتأن حتى يتقبل الناس منك ذلك بل عاجلتهم بحديثين موضوعين أحدهما من طريق صاحبك الكذاب الحارث و الآخر يساندك في شتم الألباني و طبعاً هذا هو هدفك من توثيق الكذابين و قد روى مسلم في مقدمة صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " وقال أيضاً " من حدث عني حديثاً يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ".
71- و تابع الغماري قوله في ص 53 :
" و كذلك أقواله الشائنة فيما يتعلق بذات الله تعالى مما يدل على أنه لا يعرف ما يستحيل وصف الحق تعالى به كقوله العصمة لله تعالى.
أقول : العصمة هي المنع من الخطأ والله سبحانه و تعالى لا يجوز عليه الخطأ لكماله سبحانه و طبعاً لا يعصمه غيره وإنما كماله.(1/194)
72- ثم يأتي دور الصياد السقاف ليعلق على قوله ص 52 في الحاشية بقوله :
" و كإقراره لشارح الطحاوية في ما ذكره في الشرح من أغلاط كقدم نوع العالم وإثبات الحد لله دون أن يعلق على تلك العبارات بالإنكار ".
أقول : إن الألباني لم ينتقد صاحب الكتاب و لم يناقشه آراءه وعقيدته بل كان كل عمله فيه تخريج أحاديثه فسكوته هنا لا يختلف عن سكوته في جميع ما أصاب به الشارح أو أخطأ أما التحقيق والانتقاد فقد تركه لمشروع آخر كما قال في التوضيح و لو نظرت إلى غلاف الكتاب لرأيت : خرج أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني.
و مع ذلك فإن الشيخ ناصراً قد علق على ذلك ورد قول شارح الطحاوية كما سيأتي مما يبين كذب السقاف أو جهله وغفلته وحكمه على الشيء بدون علم.
فقد علق الشيخ ناصر في الصفحة 295 من الطبعة الرابعة و الصفحة 233 من الطبعة الثالثة على حديث :
" إن أول ما خلق الله القلم ....... " ( و في الحديث إشارة إلى الرد على من يقول من العلماء بحوادث لا أول لها ) . ثم من يثبت الحد لله سبحانه و تعالى فلقد وصفنا الله سبحانه و تعالى بما وصف به نفسه فقال تعالى :
{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } ( طه الآية 5 ).
{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } ( فاطر الآية10 ).
{ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } ( آل عمران الآية55 ).(1/195)
{ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } ( النساء آية 157 - 158 ).
{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } ( النحل الآية50 ).
{ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ } ( الملك الآية16 ).
{ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ } ( المعارج الآية 3 - 4 ) .
{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً } ( غافر الآية 36 - 37 ).
و قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للجارية بالإيمان حين سألها " أين الله " فقالت في السماء . رواه مسلم في المساجد باب تحريم الكلام في الصلاة وأبو داوود في الصلاة باب تشميت العاطس في الصلاة و في الإيمان باب الرقبة المؤمنة والنسائي في السهو باب الكلام في الصلاة ومالك في العتق باب ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة والشافعي في الرسالة فقرة 242 و أحمد 2/291 ، 5/447 - 448 - 449.
لكننا لا نكيف كيف هو في السماء و لا نشبهه بشيء كالمجسمة ولا ننفي عنه الجهة حتى يصبح عدماً كالمعتزلة فالله سبحانه وتعالى على عرشه فوق سماواته بائن عن خلقه وقد نقل الذهبي رحمه الله عن الرسول ( وعن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين وأئمة الحديث والفقه وعلماء الأمة سلفهم وخلفهم قولهم بالعلو ومن شاء التوسع فليراجع في هذا كتاب ( العلو للعلي الغفار ) . لكننا لانقول بعقيدة الحلول كعقيدة الحلاج " ما في الجبة إلا الله " ولانقول بعقيدة الاتحاد كعقيدة ابن عربي الذي يقول إن الله سبحانه وتعالى اتحد بمخلوقاته ويدلل على ذلك بقوله :
العبد رب والرب عبد * * * فما أدري من المكلف
ويقول أيضاً :(1/196)
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا * * * وما الله إلا راهب في كنيسة
وما هذا الكلام إلا لقوله بأن الله سبحانه وتعالى اتحد بمخلوقاته فإن عَبَدَ الله عَبَدَ نفسه وإن عَبَدَ نفسه عبد الله وكذلك فإلهه يظهر في الكلب ويظهر في الخنزير ويظهر في الراهب فأي شيء يعبده ابن عربي فكأنما عَبَدَ الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . فهل هذه العقيدة التي تعتقدها ياسقاف هل تعتقد أن الكلب إلهك والخنزير إلهك والحجر إلهك والشجر إلهك أم تعتقد أنك أنت الله ؟!
نحن مسلمون مؤمنون موحدون ياسقاف ولسنا عبدة أوثان وننزه ربنا عن الحلول والاتحاد والتعطيل والإحداث وعن كل مالايليق به سبحانه وتعالى فإن اخترت أنت غير هذه العقيدة فأنت حر { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }( يوسف الآية 108 ).
73- ثم عقد الغماري فصلاً من 7 صفحات ليدافع عن الحارث وعن تشيعه ويرمي الألباني بالقصور لاعتراضه عليه في توثيقه الحارث لكونه شيعياً وأخذ يستشهد بالصحيحين في قبولهما أحاديث الشيعة وصال وجال بكلام لاخلاف عليه بين العلماء ولم يقل الألباني خلافه فالألباني لم يضعف الحارث لكونه شيعياً لكنه جرت العادة لدى المحدثين أن يضيفوا للراوي بدعته إلى كذبه أو ضعفه وليست سبباً لضعفه وإنما تكون له حافزاً ودافعاً لكذبه في أكثر الأحيان وليس دائماً وقد قال الذهبي عن أبان بن تغلب شيعي جلد لكنه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته.
أما أنت ياغماري فلجوؤك لهذا البحث ناتج عن غبائك وعدم فهمك لغة القوم ومرادهم بنسبة البدعة إلى المترجم حين يذكرون ضعفه كغبائك في توثيق الحارث وظنك سؤال الحسن والحسين له توثيقاً له.(1/197)
74- ثم تطرق الغماري في ص58 لحديث " أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب " وقال فإنه ( أي الألباني ) حكم بوضعه في مقدمة كتبها لبعض الرسائل مستدلاً على وضعه بأن روح التشيع واضحة في الحديث ولا أدري أين هذا التشيع الذي وضح له من الحديث مع أن الحديث له شواهد وطرق وعلى قوله هذا وقاعدته الفارغة ينبغي ألا نقبل حديثاً في فضل علي عليه السلام ولو تواتر إذا كان يخبر بفضل لعلي لايوجد لغيره من الصحابة رضوان الله عليهم كحديث " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و انصر من نصره ".
أقول : أين قال الألباني أن القاعدة أن يستدل على الحديث بوضعه بأن روح التشيع واضحة فيه فهذا لم يقل به أحد ولقد ذكرنا سابقا بأنه جرت عادة المحدثين أن ينقدوا سند الحديث وبعد أن يتبين لهم ضعفه أو وضعه ينتقلوا للتكلم على معناه ومرماه ويتبينوا نور النبوة فيه أو ظلمة الوضع.
فهاهو الحاكم يروي الحديث الأول في المستدرك 3/124 " أنا سيد ولد آدم .... " وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وفي إسناده عمر بن الحسن وأرجو أنه صدوق ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين . وعقب عليه الذهبي بقوله قلت أظن أنه هو الذي وضع هذا وكذلك شاهده عقب عليه الذهبي بقوله قلت وضعه ابن علوان وكذلك شاهده الثالث بقوله ورواه عمر بن موسى الوجيهي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً قلت عمر وضاع فهل يجبر الوضاع حديث وضاع يامحدث المغرب وهل الذهبي الذي وصفته بالحافظ الناقد المتقن الذي لم يأت بعد يحيى بن معين مثله كما قلت يقلد غيره في الحكم على الحديث بالوضع أم أنه أيضاً محدث أوراق وصحف ؟ أم أنه لايعرف أن الوضاع يجبر ويشهد لحديث الوضاع وعرفته أنت ؟ فاسمع إلى ماقاله أبو عمرو بن الصلاح ص 40 من الباعث الحثيث تعليق أحمد شاكر : لايلزم من ورود الحديث من طرق متعددة كحديث الأذنان من الرأس أن يكون حسناً لأن الضعف يتفاوت(1/198)
فمنه مالايزول بالمتابعات يعني لايؤثر كونه تابعاً أو متبوعاً كرواية الكذابين والمتروكين ومنه ضعف يزول بالمتابعة كما إذا كان راويه سيء الحفظ أو روى الحديث مرسلاً فإن المتابعة تنفع حينئذ.
فهل عرفت ياغماري من أين وضح له التشيع في هذا الحديث رغم شواهده وطرقه لأن فيها كلها وضاعين شيعة لايخشون الله فيكذبون على الله ورسوله ليؤيدوا دعاويهم.
أما قوله : وعلى قوله هذا وقاعدته الفارغة ينبغي ألا نقبل حديثاً في فضل علي عليه السلام ولو تواتر لاسيما إذا كان يخبر بفضل لعلي لايوجد لغيره من الصحابة كحديث " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره " . فكلامك ينبئ عن أنك شيعي متحرق فضلاً عن جهلك بعلم الحديث فمتى رفض الألباني أو أي محدث سني حديثاً صحيحاً يخبر بفضل علي إلا إذا ركبه شيعي متحرق مثلك فلا يقول به الألباني ولاغيره وليس إن كان فيه فضل لعلي بل إذا كان لأبي بكر بل وللرسول الكريم ( فالفضائل لاتنسج بالأحاديث الموضوعة وإنما تروى بالسند الصحيح عن الصادق المصدوق وأما أنك تأتي إلى كل حديث فيه فضيلة لعلي وتقول إنه صحيح حتى ولو كان موضوعاً فهذا لم يقل به عاقل . أما الحديث " من كنت مولاه فعلي مولاه ... " فقد تتبع الشيخ ناصر طرقه في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1750 وصححه لتعدد طرقه بل قال عن الشطر الأول " من كنت مولاه فعلي مولاه " بأنه متواتر والشطر الثاني " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " صحيح بمجموع طرقه الكثيرة إلا أنه توقف في الشطر الأخير " وانصر من نصره " لعدم وقوفه سوى على طريق واحدة ضعيفة ورجح أن يكون تفسيراً للشطر الثاني وزيادة على ذلك لام شيخه ابن تيمية لتسرعه بالحكم على الشطر الأول بالضعف والشطر الثاني بالوضع وعدم جمعه طرقه قبل الحكم عليه . فالرجل ليس منحرفاً عن علي فعلي رضي الله عنه هو(1/199)
صحابي وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره على ابنته فاطمة التي هي أحب بناته إليه وهو رابع الخلفاء الراشدين المهديين وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم - في فئة معاوية بأنها الفئة الباغية بقوله لعمار " تقتلك الفئة الباغية " رواه الترمذي عن أبي هريرة في مناقب عمار والطيالسي عن أبي سعيد وعن أم سلمة في مناقب عمار والبرقاني والإسماعيلي بطرق يعضد بعضها بعضاً وصححه الألباني . وقد قتل عمار وهو في فئة علي.
أما أن يقر الألباني بكل مايدعيه الشيعة في فضل علي فهذا مالا يفعله كما أنه لايفعله إذا ورد في فضل أبي بكر أو عمر أو النبي -صلى الله عليه وسلم - إلا بطريق صحيح.
75- وأضاف في ص 58 قوله : وهكذا إذا اتبع الإنسان كل جاهل وأجاب كل صارخ ولم يعمل النظر ويبحث عن الأقوال قبل قائلها فإنه يرد السنة الصحيحة جملة ويعطي مع ذلك السلاح لأعداء الدين وملاحدة العصر في رد مالايعجبهم ويوافق هواهم من حديث سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - .
قلت : هذا الكلام صحيح وأضيف إليه ويوثقون الكذابين ليدسوا أكاذيبهم في دين المسلمين ويهدموا دينهم.
وقبل أن أجمع كلام علماء الجرح في الحارث أرى أن أورد هنا بعض ما أورده مسلم في مقدمة صحيحه وما علق عليه النووي في شأن الحارث : فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه بسنده إلى الشعبي قال حدثني الحارث الأعور الهمداني وكان كذاباً.
فعلق النووي عليه بقوله بعد ضبط اسم الشعبي ولد ( أي الشعبي ) لستِّ سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان الشعبي إماماً عظيماً جليلاً جامعاً للتفسير والحديث والفقه والمغازي والعبادة قال الحسن كان الشعبي والله كثير العلم عظيم الحلم(1/200)
قديم السلم من الإسلام بمكان . وأما الحارث الأعور فهو الحارث بن عبد الله وقيل ابن عبيد أبو زهير الكوفي متفق على ضعفه.
ثم روى مسلم بعده بسنده : حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري حدثنا أبو أسامة عن مفضل عن مغيرة قال سمعت الشعبي يقول حدثني الحارث الأعور وهو يشهد أنه أحد الكذابين.
فعلق عليه النووي بقوله هذا إسناد كله كوفيون . فهذا دليل على كذب الغماري بأن الحارث مقدم عند الكوفيين وهؤلاء الرواة الكوفيون كلهم ينقل تكذيب الشعبي للحارث دون أن يعترض عليه أو يرده ثم روى مسلم بسنده إلى إبراهيم ( وهو النخعي ) قال قال علقمة قرأت القرآن في سنتين فقال الحارث القرآن هين الوحي أشد . ثم روى بسنده إلى الحارث أنه قال : تعلمت القرآن في ثلاث سنين والوحي في سنتين أو قال الوحي في ثلاث سنين والقرآن في سنتين.
وعلق عليه النووي بقوله فقد ذكره مسلم في جملة ما أنكر على الحارث وجرح به وأخذ عليه من قبيح مذهبه وغلوه في التشيع وكذبه.
قال القاضي عياض رحمه الله وأرجو أن هذا من أخف أقواله لاحتماله الصواب فقد فسره بعضهم بأن الوحي هنا الكتابة ومعرفة الخط قال الخطابي يقال أوحى ووحى إذا كتب ( ولم يقل أحد أن الكتابة أشد من تعلم القرآن ولايتلاءم هذا التفسير مع كلام الحارث ) . وعلى هذا ليس على الحارث درك وعليه الدرك في غيره قال القاضي ولكن لما عرف من قبح مذهبه وغلوه في مذهب الشيعة ودعواهم الوصية إلى علي رضي الله عنه وسرِّ النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي وعلم الغيب مالم يطلع غيره عليه بزعمهم سيء الظن بالحارث في هذا وذهب به ذلك المذهب ولعل هذا القائل فهم من الحارث معنى منكراً فيما أراده والله أعلم.(1/201)
ثم أورد مسلم بعد ذلك بسنده إلى إبراهيم أن الحارث اتهم.
ثم أورد مسلم بسنده إلى حمزة الزيات قال سمع مُرَّة الهمداني من الحارث شيئاً فقال له اقعد بالباب قال فدخل مرة وأخذ سيفه قال وأحس الحارث بالشر فذهب.
ونقل الذهبي في الميزان 1/435 كان ابن سيرين يرى أن عامة مايروى عن علي باطل . ونقل عن الشعبي : ما كُذِبَ على أحد من هذه الأمة ما كذب على علي رضي الله عنه.
فيا أيها الغماري هل نزل الوحي على هذا الحارث فرآه أشد من القرآن ؟ أم أنك تكذب وإياه ؟ ثم هل رجل يدّعي نزول الوحي عليه يوثق ولا يوصف بالكذب ؟ تالله لأنت أكذب منه !
ترجمة الحارث
والآن نعود إلى بحثنا ونورد ماقاله أهل العلم في الحارث الأعور الكذاب :
- يقول ابن حجر في التهذيب 2/145 :
الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الخارفي أبو زهير الكوفي ويقال الحارث بن عبيد ويقال الحوتي وحوت بطن من همدان روى عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وبقيرة امرأة سلمان . روى عنه الشعبي وأبو إسحاق السبيعي وأبو البختري الطائي وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن مرة وجماعة.(1/202)
- قال مسلم في مقدمة صحيحه ثنا قتيبة ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذاباً.
- وقال منصور عن إبراهيم إن الحارث اتهم.
- وقال أبو معاوية عن محمد بن شيبة الضبي عن أبي إسحاق زعم الحارث الأعور وكان كذاباً.
- وقال يوسف بن موسى عن جرير كان الحارث زيفاً.
- وقال أبو بكر بن عياش لم يكن الحارث بأرضاهم.
- وقال الثوري كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث.
- وقال عمرو بن علي كان يحيى وعبد الرحمن لايحدثان عنه غير أن يحيى حدثنا يوماً عن شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث يعني عن علي : " لايجد عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر " فقال هذا خطأ من شعبة حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن عبد الله وهو الصواب.
- وقال أبو خيثمة كان يحيى بن سعيد يحدث عن حديث الحارث ما قال فيه أبو إسحاق سمعت الحارث.
- وقال الجوزجاني سألت علي بن المديني عن عاصم والحارث فقال مثلك يسأل عن ذا الحارث كذاب.
- وقال الدوري عن ابن معين الحارث قد سمع من ابن مسعود وليس به بأس.
- وقال عثمان الدارمي عن ابن معين ثقة . قال عثمان ليس يتابع ابن معين على هذا.
- وقال أبو زرعة لايحتج بحديثه.
- وقال أبو حاتم ليس بقوي ولاممن يحتج بحديثه.
- وقال النسائي ليس بالقوي.
- وقال في موضع آخر ليس به بأس.(1/203)
- وقال مجالد قيل للشعبي كنت تختلف إلى الحارث قال نعم أختلف إليه أتعلم منه الحساب كان أحسب الناس.
- وقال أشعث بن سوار عن ابن سيرين أدركت الكوفة وهم يقدمون خمسة من بدأ بالحارث ثنَّى بعبيدة ومن بدأ بعبيدة ثنَّى بالحارث.
- وقال علي بن مجاهد عن أبي جناب الكلبي عن الشعبي شهد عندي ثمانية من التابعين الخير فالخير منهم سويد بن غفلة والحارث الهمداني حتى عد ثمانية أنهم سمعوا علياً يقول فذكر خبراً.
- وقال ابن أبي داوود كان الحارث أفقه الناس وأحسب الناس وأفرض الناس تعلَّمَ الفرائض من علي.
- وقال البخاري في التاريخ عن أبي إسحاق إن الحارث أوصى أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد الخطمي.
- قلت وفي مسند أحمد عن وكيع عن أبيه قال حبيب بن أبي ثابت لأبي إسحاق حين حدث عن الحارث عن علي في الوتر يا أبا إسحاق يساوي حديثك هذا ملأ مسجدك ذهباً.
- وقال الدارقطني الحارث ضعيف.
- وقال ابن عدي عامة مايرويه غير محفوظ.
- وقال ابن حبان كان الحارث غالياً في التشيع واهياً في الحديث مات سنة 65.
- وكذا ذكر وفاته إسحاق القراب في تاريخه وقرأته بخط الذهبي.
- وقال ابن أبي خيثمة قيل ليحيى يحتج بالحارث فقال مازال المحدثون يقبلون حديثه.
- وقال ابن عبد البر في كتاب العلم له لما حكى عن إبراهيم أنه كذب الحارث أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث كذاب ولم يبن من الحارث كذبه وإنما نقم عليه إفراطه في حبِّ علي.
- وقال ابن سعد كان له قول سوء وهو ضعيف في روايته ( في الأصل رأيه والتصويب من الطبقات ).(1/204)
- وقال ابن شاهين في الثقات قال أحمد بن صالح المصري الحارث الأعور ثقة ما أحفظه وما أحسن ماروى عن علي وأثنى عليه قيل له فقد قال الشعبي كان يكذب قال لم يكن يكذب في الحديث إنما كان كذبه في رأيه.
- وقرأت بخط الذهبي في الميزان : والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به والجمهور على توهينه مع روايتهم له في الأبواب وهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه والظاهر أنه يكذب في حكاياته لا في الحديث.
- قلت ( القائل ابن حجر ) لم يحتج به النسائي وإنما أخرج له في السنن حديثاً واحداً مقروناً بابن ميسرة وآخر في اليوم والليلة متابعة هذا جميع ماعنده.
- وذكر الحافظ المنذري أن ابن حبان احتج به في صحيحه ولم أر ذلك لابن حبان وإنما أخرج من طريق عمرو بن مرة عن الحارث بن عبد الله الكوفي عن ابن مسعود حديثاً والحارث بن عبد الله الكوفي هذا هو عند ابن حبان رجل ثقة غير الحارث الأعور كذا ذكر في الثقات وإن كان قوله هذا ليس بصواب والله أعلم . انتهى بحروفه.
2- وقال الذهبي في الميزان 1/435 :
- الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور من كبار علماء التابعين على ضعف فيه يكنى أبو ( في الأصل أبا وهو خطأ ) زهير عن علي وابن مسعود وعنه عمرو بن مرة وأبو إسحاق وجماعة.
- قال شعبة لم يسمع أبو إسحاق منه إلا أربعة أحاديث وكذلك قال العجلي وزاد وسائر ذلك كتاب أخذه.
- وروى مغيرة عن الشعبي حدثني الحارث الأعور ـ وكان كذاباً.
- وقال منصور عن إبراهيم إن الحارث اتهم.
- وروى أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال لم يكن الحارث يصدق عن علي في الحديث.
- وقال ابن المديني كذاب.(1/205)
- وقال جرير بن عبد الحميد كان زيفاً.
- وقال ابن معين ضعيف.
- وقال عباس عن ابن معين ليس به بأس.
- وكذا قال النسائي وعنه ( عن ابن معين ) قال ليس بالقوي.
- وقال الدارقطني : ضعيف.
- وقال ابن عدي عامة مايرويه غير محفوظ.
- وقال يحيى القطان عن سفيان قال كنا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الحارث.
- وقال عثمان الدارمي سألت يحيى بن معين عن الحارث الأعور فقال ثقة قال عثمان ليس يتابع يحيى على هذا.
- حصين عن الشعبي قال ما كُذِبَ على أحد من هذه الأمة ماكذب على علي رضي الله عنه.
- وقال أيوب كان ابن سيرين يرى أن عامة مايروى عن علي باطل.
- وقال الأعمش عن إبراهيم إن الحارث قال تعلمت القرآن في ثلاث سنين والوحي في سنتين.
- وقال مفضل بن مهلهل عن مغيرة سمع الشعبي يقول حدثني الحارث وأشهد أنه أحد الكذابين.
- وروى محمد بن شيبة الضبي عن أبي إسحاق قال زعم الحارث الأعور وكان كذاباً.
- جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال قرأت القرآن في سنتين فقال الحارث الأعور القرآن هين الوحي أشد من ذلك.
- وقال بندار أخذ يحيى وعبد الرحمن القلم من يدي فضربا على نحو من أربعين حديثاً من حديث الحارث عن علي.
- جرير عن حمزة الزيات قال سمع مرة الهمداني من الحارث أمراً فأنكره فقال له اقعد حتى أخرج إليك فدخل مرةٌ فاشتمل على سيفه فأحس الحارث بالشر فذهب.(1/206)
- وقال ابن حبان كان الحارث غالياً في التشيع واهياً في الحديث وهو الذي روى عن علي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " لاتفتحن على الامام في الصلاة " رواه الفريابي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عنه وإنما هو قول علي.
- محمد بن يعقوب بن عباد عن محمد بن داود عن إسماعيل عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنين المريض تسبيحه وصياحه تهليله ونومه على الفراش عبادة ونفسه صدقة وتقلبه جنباً بجنب قتال لعدوه ويكتب له من الحسنات مثل ما كان يعمل في صحته فيقوم وما عليه خطيئة أخرجه البخاري في كتاب الضعفاء له.
- قال أبو بكر بن أبي داود كان الحارث الأعور أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس تعلم الفرائض من علي.
- و حديث الحارث في السنن الأربعة و النسائي مع تعنته في الرجال فقد احتج به وقوى أمره والجمهور على توهين أمره مع روايتهم لحديثه في الأبواب فهذا الشعبي يكذبه ثم يروي عنه والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكايته وأما في الحديث النبوي فلا وكان من أوعية العلم.
- قال مرة بن خالد : أنبأنا محمد بن سيرين قال كان من أصحاب ابن مسعود خمسة يؤخذ عنهم أدركت منهم أربعة و فاتني الحارث فلم أره و كان يفضل عليهم و كان أحسنهم و يختلف في هؤلاء الثلاثة أيهم أفضل علقمة و مسروق و عبيد مات الحارث سنة خمس و ستين.
و الآن لننقل تراجمه من غير التهذيب و الميزان مقتصرين على ما يتعلق منها بالرواية فقط :
3- قال ابن حجر في التقريب 1/141 : الحارث ..... كذبه الشعبي في رأيه و رمي بالرفض و في حديثه ضعف.(1/207)
4- قال الخزرجي في خلاصة تذهيب الكمال ص 58 : قال الشعبي وابن المديني كذاب ، قال ابن معين في رواية والنسائي ليس به بأس وقال أبو حاتم والنسائي في رواية ليس بالقوي وقال ابن معين ضعيف له في س ( رمز النسائي ) حديثان.
5- قال الذهبي في المفني ص 141 : قال ابن المديني كذاب وقال الدارقطني ضعيف وقال النسائي ليس بالقوي وقد كذبه الشعبي وقال أبو بكر بن عياش عن مغيرة : لم يكن يصدق عن علي في الحديث إلا أصحاب عبد الله.
6- قال ابن حبان في الضعفاء 1/222 : كان غالياً في التشيع واهياً في الحديث . قال الشعبي حدثنا الحارث و أشهد أنه أحد الكذابين حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي سمعت العباس بن محمد يقول سمعت يحيى بن معين يقول حدثنا جرير عن حمزة الزيات قال سمع مرة الهمداني من الحارث الأعور شيئاً فأنكره فقال له اقعد حتى أخرج إليك فدخل مرةٌ واشتمل على سيفه وأحس الحارث بالشر فذهب . وروى عن أحمد بن زهير بسنده سئل يحيى بن معين عن الحارث صاحب علي فقال ضعيف . وروى بسنده أيضاً عن أبي نعيم سمع الحارث من علي عليه السلام أربع أحاديث ( و هو راوية علي لم يسمع منه سوى أربعة أحاديث ).
7- قال النسائي في الضعفاء له ص 29 : حارث بن عبد الله الأعور ليس بالقوي.
8- قال ابن سعد في الطبقات الكبرى 6/116 : كان له قول سوء وهو ضعيف في روايته . وروى عن علباء بن أحمر أن علي بن أبي طالب خطب الناس فقال من يشتري علماً بدرهم ( قيمة الورق الذي يكتب عليه ) فاشترى الحارث الأعور صحفاً بدرهم ثم جاء بها علياً فكتب له علماً كثيراً ( و مع ذلك لم يسمع منه سوى أربعة أحاديث كما(1/208)
روى ابن حبان ) و قال روى جرير عن مغيرة عن الشعبي قال حدثني الحارث الأعور و كان كذوباً.
9- قال ابن أبي حاتم في الجرح 3/78 : واتهمه الشعبي بالكذب ولم يسمعه إبراهيم النخعي . حدثنا عبد الرحمن نا أبو سعيد الأشج نا أبو أسامة حدثني مفضل بن مهلهل قال حدثني مغيرة قال سمعت الشعبي يقول حدثني الحارث وأنا أشهد أنه أحد الكذابين . حدثنا أبي نا أحمد بن يونس نا زائدة عن منصور ومغيرة عن إبراهيم قال اتهم الحارث الأعور.
- حدثنا أبو سعيد الأشج نا أبو معاوية عن محمد بن شيبة الضبي عن أبي إسحاق قال زعم الحارث و كان كذوباً.
- حدثنا عبد الرحمن أنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلي ثنا أبي قال قال أبو بكر بن عياش لم يكن الحارث بأرضاهم كان غيره أرضى منه كانوا يقولون إنه صاحب كتب . وكان ابن مهدي قد ترك حديث الحارث.
- حدثنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال قيل ليحيى بن معين الحارث صاحب علي فقال ضعيف.
- حدثنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال سمعت أبي يقول الحارث الأعور كذاب.
- سألت أبي عن الحارث الأعور فقال ضعيف الحديث ليس بالقوي و لا ممن يحتج بحديثه.
- سمعت أبا زرعة يقول الحارث الأعور لا يحتج بحديثه.
10- قال البخاري في التاريخ الكبير 1/273 : قال لنا ابن يونس عن زائدة عن إبراهيم أنه اتهم الحارث.
- و قال أبو أسامة حدثنا مفضل عن مغيرة سمعت السدي حدثنا الحارث وأشهد أنه أحد الكذابين.(1/209)
11- قال البخاري في التاريخ الصغير 1/156 : قال الشعبي حدثني الحارث و كان كذاباً ، حدثني أحمد بن يونس ثنا زائدة عن مغيرة عن إبراهيم أنه اتهم الحارث.
12- قال البخاري في الضعفاء له ص 28 : قال ابن يونس عن زائدة عن مغيرة عن إبراهيم أنه اتهم الحارث.
13- و قال ابن العماد الحنبلي في الشذرات 1/73 : و فيها ( أي سنة خمس وستين ) توفي الحارث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور صاحب علي وابن مسعود و كان متهماً بالكذب و حديثه في السنن الأربعة.
14- قال النووي في المجموع شرح المهذب 3/288 من طبعة مطبعة الإمام بمصر : و أما الأثر عن علي رضي الله عنه فضعيف أيضاً لأن الحارث الأعور متفق على ضعفه و ترك الاحتجاج به و كذلك قال في شرحه لمسلم في مقدمة صحيحه متفق على ضعفه.
15- قال محمد شمس الحق العظيم آبادي في تعليقه على سنن الدارقطني 3/80 أما رواية علي في الكتاب ففيها الحارث بن عبد الله الأعور ضعيف جداً.
والآن لكي نستوعب ما قيل فيه نجمع الآراء ونحذف المكرر وبعزل الجارحين عن الموثقين:
- مسلم عن قتيبة عن جرير عن مغيرة عن الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذاباً.
- ابن أبي حاتم عن أبيه عن أحمد بن يونس عن زائدة عن منصور ومغيرة عن إبراهيم قال : اتهم الحارث.
- أبو سعيد الأشج عن أبي معاوية عن محمد بن شيبة الضبي عن أبي إسحاق زعم الحارث الأعور وكان كذاباً.
- يوسف بن موسى عن جرير كان الحارث زيفاً.(1/210)
- ابن أبي حاتم عن ابن أبي خيثمة عن أبيه عن أبي بكر بن عياش لم يكن الحارث بأرضاهم كان غيره أرضى منه كانوا يقولون إنه صاحب كتب.
- يحيى القطان عن الثوري : كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث.
- عمرو بن علي : كان يحيى وعبد الرحمن لايحدثان عنه.
- ابن مهدي ترك حديث الحارث.
- الجوزجاني سألت علي بن المديني عن عاصم والحارث فقال مثلك يسأل عن ذا ؟ الحارث كذاب.
- عثمان الدارمي عن ابن معين ثقة قال عثمان ليس يتابع ابن معين على هذا.
- أبو زرعة قال لايحتج بحديثه.
- ابن أبي حاتم سألت أبي : الحارث الأعور ؟ فقال ضعيف الحديث ليس بالقوي ولا ممن يحتج بحديثه.
- النسائي قال : ليس بالقوي.
- الدارقطني قال : الحارث ضعيف.
- ابن عدي قال : عامة ما يرويه غير محفوظ.
- ابن حبان : كان الحارث غالياً في التشيع واهياً في الحديث.
- ابن أبي خيثمة عن ابن معين : مازال المحدثون يقبلون حديثه أو مازال الناس يقبلون حديثه وقال مرة ضعيف.
- ابن سعد : كان له قول سوء وهو ضعيف في رأيه أو روايته.
- ابن شاهين عن أحمد بن صالح المصري : ثقة إنما كان كذبه في رأيه.
- الذهبي : الظاهر أنه يكذب في حكاياته أو لهجته والجمهور على توهينه.
-ابن حجر : كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف.
- ابن المديني قال : كذاب.(1/211)
- مغيرة عن الشعبي قال : كذاب.
- أبو بكر بن عياش عن مغيرة لم يكن الحارث يصدق عن علي في الحديث.
- ( البخاري ) و ( ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ) عن أبي أسامة عن مفضل بن مهلهل عن مغيرة عن الشعبي حدثني الحارث وأشهد أنه أحد الكذابين.
- بندار أخذ يحيى وعبد الرحمن القلم من يدي فضربا على نحو أربعين حديثاً من حديث الحارث عن علي.
- جرير عن حمزة الزيات سمع مرة الهمداني من الحارث أمراً فأنكره فحاول قتله.
- جرير عن مغيرة عن الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذاباً.
- ابن أبي حاتم اتهمه الشعبي بالكذب.
- لم يسمعه إبراهيم النخعي.
- ابن أبي حاتم عن ابن أبي خيثمة عن أبيه : الحارث الأعور كذاب.
- البخاري قال لنا ابن يونس عن زائدة عن مغيرة عن إبراهيم : أنه اتهم الحارث.
- ابن العماد الحنبلي : الحارث كان متهماً بالكذب.
- النووي : الحارث الأعور متفق على ضعفه وترك الاحتجاج به.
- محمد شمس الحق العظيم آبادي : الحارث بن عبد الله الأعور ضعيف جداً.
- إبراهيم ( النخعي ) إن الحارث قال : تعلمت القرآن في ثلاث سنين والوحي في سنتين وفي رواية : القرآن هين الوحي أشد من ذلك.
وكما هو واضح إن أقوال هؤلاء كلهم جرح صريح لا لبس فيه.
والآن لنعدد من ضعفه من الدراسة السابقة باعتبار من استشهد بقول غيره بدون الاعتراض عليه أن له فيه نفس الرأي مرتبين أسماءهم حسب الأحرف الأبجدية :
1- إبراهيم بن يزيد النخعي الشهير بـ ( إبراهيم النخعي ) تابعي جليل.(1/212)
2- إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني أبو إسحاق الشهير بـ ( الجوزجاني ) صاحب كتاب أحوال الرجال.
3- أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب النسائي الشهير بـ ( ابن أبي خيثمة ) صاحب التاريخ الكبير.
4- أحمد بن شعيب النسائي الشهير بـ ( النسائي ) صاحب السنن.
5- أحمد بن صالح المصري من رجال البخاري وأبي داود.
6- أحمد بن عبد الله بن يونس المصري الشهير بـ ( ابن يونس ) من كبار رجال الجرح بمصر.
7- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشهير بـ ( ابن حجر ) صاحب تهذيب التهذيب.
8- جرير بن عبد الحميد الرازي الضبي من رجال الستة.
9- حماد بن أسامة الشهير بـ ( أبي أسامة ) من رجال الستة.
10- حمزة بن حبيب الزيات من رجال مسلم والأربعة.
11- زائدة بن قدامة تابعي جليل.
12- زهير بن حرب النسائي أبو خيثمة الشهير بـ ( أبي خيثمة ) من كبار رجال الجرح.
13- سفيان الثوري من رجال الستة ومن كبار رجال الجرح.
14- عامر بن شراحيل الشعبي الشهير بـ ( الشعبي ) تابعي جليل.
15- عباس بن محمد الدوري الشهير بـ ( عباس الدوري ).
16- عبد الحي بن العماد الحنبلي الشهير بـ ( ابن العماد الحنبلي ) صاحب شذرات الذهب.
17- عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي الشهير بـ ( ابن أبي حاتم ) صاحب الجرح والتعديل.
18- عبد الرحمن بن مهدي من رجال الستة ومن كبار رجال الجرح.(1/213)
19- عبد الله بن سعيد الأشج أبو سعيد الشهير بـ ( أبي سعيد الأشج ) من كبار رجال الجرح.
20- عبد الله بن عدي الجرجاني الشهير بـ ( ابن عدي ) صاحب الكامل.
21- عبيد الله بن عبد الكريم الرازي أبو زرعة الشهير بـ ( أبي زرعة ) من كبار رجال الجرح.
22- عثمان بن سعيد الدارمي صاحب المسند الكبير.
23- علي بن عبد الله بن المديني الشهير بـ ( ابن المديني ) صاحب كتاب العلل.
24- علي بن عمر الدارقطني الشهير بـ ( الدارقطني ) صاحب السنن والضعفاء.
25- عمرو بن عبد الله السبيعي أبو إسحاق الشهير بـ ( أبي إسحاق السبيعي ) من رجال الستة.
26- عمرو بن علي الفلاس الشهير بـ ( الفلاس ) من كبار رجال الجرح.
27- عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين الشهير بـ ( ابن شاهين ) صاحب كتاب الثقات.
28- قتيبة بن سعيد الشهير بـ ( قتيبة ) من شيوخ الستة.
29- محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الشهير بـ ( الذهبي ) صاحب كتاب الميزان وكتاب المغني في الضعفاء.
30- محمد بن إدريس الرازي أبو حاتم الشهير بـ ( أبي حاتم ) من كبار رجال الجرح.
31- محمد بن إسماعيل البخاري الشهير بـ ( البخاري ) صاحب الصحيح.
32- محمد بن بشار بندار الشهير بـ ( بندار ) من شيوخ الستة.
33- محمد بن حاتم بن حبان الشهير بـ ( ابن حبان ) صاحب كتاب الثقات والضعفاء والصحيح.
34- محمد بن خازم الضرير أبو معاوية الشهير بـ ( أبي معاوية الضرير ) من رجال الستة.(1/214)
35- محمد بن سعد الشهير بـ ( ابن سعد ) صاحب الطبقات.
36- محمد بن شيبة الضبي من رجال مسلم.
37- محمد شمس الحق العظيم آبادي محقق سنن الدارقطني وغيره.
38- مرة بن شراحيل الخير الطيب الهمداني الشهير بـ ( مُرَّة الهمداني ) من كبار التابعين.
39- مسلم بن الحجاج الشهير بـ ( مسلم ) صاحب الصحيح.
40- مغيرة بن مقسم الضبي الشهير بـ ( مغيرة ) تابعي جليل.
41- مفضل بن مهلهل من رجال مسلم والنسائي وابن ماجة.
42- منصور بن المعتمر تابعي جليل.
43- يحيى بن سعيد القطان من كبار رجال الجرح.
44- يحيى بن شرف بن مري النووي الشهير بـ ( النووي ) الشافعي الصغير.
45- يحيى بن معين صاحب كتاب معرفة الرجال.
46- يوسف بن موسى ين راشد القطان من رجال البخاري والترمذي وابن ماجة والنسائي في مسند علي.
47- أبو بكر بن عياش من رجال الستة إلا مسلماً في المقدمة.
أما الموثقون :
1- ابن معين قال عثمان الدارمي عن ابن معين ثقة وليس يتابع ابن معين على هذا وقال عباس الدوري عن ابن معين لابأس به وقال ابن أبي خيثمة أحمد بن زهير عن ابن معين مازال الناس أو المحدثون يقبلون حديثه وقال مرة أخرى ضعيف وقال الذهبي عن ابن معين ليس بالقوي.
2- النسائي قال ليس به بأس وذكره في الضعفاء وقال ليس بالقوي دون أن يذكر الرأي الأول.
3- أحمد بن صالح المصري وثقهُ إلا أنه قال يكذب في رأيه.(1/215)
وبدراسة أقوال الأئمة الثلاثة نرى أن :
1- ابن معين قد وثقه في أول الأمر ثم بدأ يضعف أمره مرة بعد مرة إلى أن قال في النهاية ضعيف ، ليس بالقوي.
2- النسائي نقل عنه أنه قال لابأس به وهي منزلة دون الثقة وفوق الضعيف ولايذكر أحد أين قالها ولكنه ذكره في الضعفاء وقال ليس بالقوي والعبرة في رأيه لهذا الكتاب.
3- أحمد بن صالح المصري وثقه إلا أنه قال يكذب في رأيه.
نستنتج من الدراسة السابقة :
1- قد ضعف الحارث أربعة وأربعون إماماً من أئمة الجرح والتعديل.
2- قد عدله ثلاثة :
أ - ابن معين والنسائي ثم تراجعا عن تعديله وضعفوه.
ب - أحمد بن صالح المصري وثقه ثم غمزه غمزة أدت به إلى عدم قبول روايته نهائياً ألا وهي كان يكذب في رأيه وهذا حتى في مذهب الغماري غير مقبول الرواية نهائياً لأن العدالة لاتتجزأ ولا تتبعض.
أما مجرد سؤاله بدون الرواية عنه من قبل الحسن والحسين أو حث علي له على التعلم وتعليمه من قبله الفرائض وتقديم أهل الكوفة له في الصلاة أو العلم الذي هو الفقه و مدحه بأنه كان أفقه الناس أو أفرض الناس وأحسب الناس فهذا كله لايفيد التوثيق لأن الرواية عمادها الصدق والضبط وهذه كلها أمور ليس لها علاقة بالصدق والحفظ والضبط.(1/216)
نصل في النتيجة إلى أن أربعة وأربعين إماماً لم يترددوا في جرحِه يضاف إليهم ثلاثة عدلوه في البداية ثم رجعوا عن ذلك بعد أن تبينوا ضعفه وبذلك يحصل الإجماع التام على جرحه بين جميع من تكلم في هذا الموضوع فلم يحصل أن أجمع سبعة وأربعون إماماً على تضعيف شخص كما أجمعوا على تضعيف الحارث الأعور الكذاب دون أن يوثقه أحد.
مما سبق يتبين أن موضوع تضعيف الحارث وجرحه ليس موضوع اجتهاد بين آراء علماء بعضهم عدله وبعضهم جرحه من غير بيان السبب وإنما الموضوع هو إجماع بين عدد هائل من الأئمة وهو قريب من خمسين إماماً يكفي جرح أي واحد منهم فقط لأي راوٍ حتى ولو لم يذكر السبب ولم يوثقه أحد أقول يكفي لقبول جرحه بلا معارضة.
فهل يجرؤ على توثيق هذا الشخص مسلم يخاف الله فضلاً عمن يدعي أنه محدث المغرب وينفي وجود العلماء في العالم الإسلامي كله وخاصة بلاد الشام وموافقة السقاف له ودعمه لرأيه لولا أنهما مدفوعان وراء غاية لاترضي الله نسأل الله العافية . وبذلك يظهر على من تنطبق الآية التي استشهدتَ بها في الصفحة 55 من رسالتك هذه
{ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } (النساء آية 115) . وليس كما أوردتها أنت { ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم } فهل تحريفك في الكتب أدى بك إلى تحريفك في القرآن نسأل الله العافية.
قد يقول قائل قد يكون هذا التحريف سهواً فأقول وأنا خطر لي ذلك بادئ الأمر ولكن بعد التدقيق ظهر لي أن هذا التحريف عمداً لأمور :(1/217)
1- لو عزا الآية لسورة النساء لقلنا أنه عزاها من حفظه وخانته ذاكرته ولكنه عزاها للسورة مع رقم الآية والحافظ لايحفظ القرآن مع أرقام آياته بل يحفظه سرداً ولو قلنا بأن البعض يحفظون القرآن مع أرقام الآيات لقلنا ليس سيء الحفظ مثل هذا يحفظ أرقام الآيات ويخطئ في تلاوتها . إذن الرجل فتش عن هذه الآية في القرآن ونقلها بعد تحريفها ونقل رقم الآية.
2- حرف الآية لتخدم غرضه ومن الواضح لكل لبيب أن الآية الصحيحة ليست بمعنى الآية المحرفة فبعد أن صور الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله ـ بالكذب والتحريف ـ أنه خرج عن آراء المؤمنين حرف هذه الآية لتخدم غرضه وقد أظهرنا بهذه الرسالة كيف وافق الألباني إجماع الأمة وخالفه الغماري بعد أربعة عشر قرناً وشتم جميع علماء الأمة الذين خالفوه رأيه نسأل الله السلامة من الهوى والحقد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه محمد عادل ملاح ونقحه على فترات(1/218)