التلخيص القيم
لاختيارات أبي العباس وتلميذه
ابن القيم
تأليف
وليد بن راشد السعيدان
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وخاتم المرسلين وآله وصحبه الطيبين الطاهرين ثم أما بعد :-
فإني قد كنت في وقت مضى قد جردت اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابي الذي أسميته ( تجريد اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية ) وقد لاقى ولله الحمد والمنة قبولاً حسناً في أوساط طلبة العلم وأخذت منه نسخ كثيرة كما يخبرني عن ذلك المشرف على موقع صيد الفوائد, وقد عنت لي فكرة أخرى وهي نقل اختيارات أبي العباس رحمه الله تعالى من كتبه بنصه هو من غير زيادة ولا نقص, وأدمج معها اختيارات تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بنصه أيضاً وعرضت هذه الفكرة على بعض الطلاب والمشايخ ولاقت منهم استحساناً كبيراً, واستعجلوني في تنفيذها, فتركت ما في يدي من الأعمال الكتابية - وهي كثيرة جداً - وأقبلت على مطالعة كتب الشيخين واستخلصت منها هذه الاختيارات وهاأنذا أدونها لك, وأسميت هذه الوريقات بـ( التلخيص القيم لاختيارات أبي العباس وتلميذه ابن القيم ) وأسأله جل وعلا أن ينفع به ويبارك فيه وأن يجعله عملاً صالحاً خالصاً لوجهه الكريم وأشهد الله تعالى أنه وقف لوجهه الكريم على سائر المسلمين, وأن من أراد طباعته من المسلمين فله ذلك من غير تبديل لمضمونه, ولو بغير اسم جامعها والمهم عندي ولله الحمد إيصال الحق للناس ولا شأن لنا بالأسماء ولا بالألقاب التي لن تدفن معنا في قبورنا, فحقوق طبعه محفوظة لكل مسلمين وهو وقف عام لكل مسلم, ولا أجيز لأحدٍ قريباً كان أو بعيداً أن يحتفظ بحقوق طبعه لا من قريب ولا ولد, فأسأل الله تعالى أن يطرح فيه البركة وينفع به وأن يعينني على إكماله إنه خير مسئول ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, وإلى المقصود ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي الكبير فأقول(1/1)
وبالله التوفيق ومنه أستلهم الرشد وزيادة الإحسان في التحقيق .
1- { ما يؤخذ من طريقة المتصوفة وما يترك }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وكان المشايخ والمصنفون في السنة يذكرون في عقائدهم مجانبة من يكثر دعوى المحبة والخوض فيها من غير خشية, لما في ذلك من الفساد الذي وقع فيه طوائف من المتصوفة وما وقع في هؤلاء من فساد الاعتقاد والأعمال أوجب إنكار طوائف لأصل طريقة المتصوفة بالكلية حتى صار المنحرفون صنفين, صنف يقر بحقها وباطلها وصنف ينكر حقها وباطلها كما عليه طوائف من أهل الكلام والفقه والصواب إنما هو الإقرار بما فيها وفي غيرها من موافقة الكتاب والسنة والإنكار لما فيها وفي غيرها من مخالفة الكتاب والسنة ) ا.هـ. قلت:- وقد بنى ابن تيمية هذا الاختيار على قواعد:- الأولى:- أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة كوسطية الأمة بين الأمم, الثانية:- الحق يقبل ممن جاء به بغض النظر عن قائله, والباطل يرد ممن جاء به بغض النظر عن قائله, الثالثة:- قاعدة العدل المنبثقة من قوله تعالى { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } والله أعلم .
2- { هل التشريع يستلزم الإرادة ؟ }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والإخبار ينقسم إلى صدق وكذب والله تعالى يوصف بالصدق دون الكذب والإنشاء نوعان, إنشاء تكوين وإنشاء تشريع فإنه سبحانه له الخلق والأمر, وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون والتكوين يستلزم الإرادة عند جماهير الخلائق وكذلك يستلزم الكلام عند أكثر أهل الإثبات وأما التشريع فيستلزم الكلام, وفي استلزامه للإرادة نزاع والصواب أنه يستلزم أحد نوعي الإرادة كما سنبينه إن شاء الله تعالى ) ا.هـ.
3- { كون الإنسان حيواناً ناطقاً متحركاً هل هذا يوجب أن هذه الأشياء مغايرة للإنسان في حقيقتها }(1/2)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( و من هنا فرقوا في منطقهم بين الماهية و الوجود
وهم لو فسروا الماهية بما يكون في الأذهان, والوجود بما يكون في الأعيان لكان هذا صحيحاً لا ينازع فيه عاقل وهذا هو الذي تخيلوه في الأصل لكن توهموا أن تلك الماهية التي في الذهن هي بعينها الموجود الذي في الخارج, فظنوا أن في هذا الإنسان المعين جواهر عقلية قائمة بأنفسها مغايرة لهذا المعين مثل كونه حيواناً وناطقاً وحساساً ومتحركاً بالإرادة ونحو ذلك والصواب أن هذه كلها أسماء لهذا المعين, كل اسم يتضمن صفة ليست هي الصفة التي يتضمنها الاسم الآخر فالعين واحدة والأسماء والصفات متعددة ) ا.هـ.
4- { مرجع الضمير في قوله { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } }
قال أبو العباس ابن تيمية ( وطائفة ظنت أن الضمير في قوله { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } عائد إلى الله تعالى ويقولون هذه جمعت طريق من استدل بالخلق على الخالق ومن استدل بالخالق على المخلوق والصواب الذي عليه المفسرون وعليه تدل الآية أن الضمير عائد إلى القرآن وأن الله يري عباده من الآيات الأفقية والنفسية ما يبين لهم أن القرآن حق وذلك يتضمن بثبوت الرسالة وأن يسلم لما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ) ا.هـ.
5- { الصواب في حديث (( إن لله تسعة وتسعين اسماً...الحديث )) }(1/3)
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب الذي عليه جمهور العلماء أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة )) معناه أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة, وليس مراده أنه ليس له إلا تسعة وتسعون اسماً فإنه في الحديث الآخر الذي رواه أحمد وأبو حاتم في صحيحه (( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب غمي وهمي )) وثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في سجوده (( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك )) فأخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يحصي ثناء عليه ) ا.هـ. قلت:- وهذا الاختيار منبثق من قاعدة الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن .
6- { المراد بالكلمة في قوله (( أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله )) }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والناس قد تنازعوا في مثل قوله (( أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله )) هل المراد بها الكلمة التي شرعها الله وهي عقدة النكاح أو المراد كلمة الله التي تكلم بها وهي شرعه وإذنه وتحليله لذلك والصواب أن المراد بقوله (( كلمة الله )) كلامه الذي تكلم به المتضمن إذنه وتحليله وشرعه لا العقد الذي هو كلام العباد ) ا.هـ.
7- { هل كلام الله يتفاضل }(1/4)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والصواب الذي عليه جمهور السلف والأئمة أن بعض كلام الله أفضل من بعض كما دل على ذلك الشرع والعقل ففي الحديث الثابت عن النبي أنه قال لأبي سعيد ابن المعلى (( لأعلمنك سورة لم ينزل في التوراة والإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها )) ثم أخبره أنها فاتحة الكتاب فأخبر النبي أنه ليس في القرآن لها مثل فبطل قول من قال بتماثل جميع كلام الله وكذلك ثبت في الصحيح أنه قال لأبي بن كعب (( أتدري أي آية في كتاب الله أعظم فقال { اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ...الآية } فضرب بيده في صدري وقال:- ليهنك العلم أبا المنذر )) فبين أن هذه الآية أعظم من غيرها من الآيات ) ا.هـ. قلت:- ومذهب السلف هو ما صوبه أبو العباس رحمه الله تعالى وخلاصة مذهبهم يقول ( كلام الله تعالى يتفاضل باعتبار مدلوله لا باعتبار المتكلم به ) .
8- { هل المؤثر التام يتعقبه أثره أم يقارنه ؟ }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وهؤلاء أصل قولهم إن العلة التامة يقارنها معلولها
في الزمان كما جعلوا الفلك القديم الأزلي عندهم مقارناً لعلته في الزمان وقابلوا بذلك قول المتكلمين الذين قالوا:- بل المؤثر التام يتأخر عنه أثره والصواب:- أن المؤثر التام يتعقبه أثره, لا يقارنه ولا يتراخى عنه كما قال تعالى { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ولهذا يقال كسرته فانكسر وقطعته فانقطع وطلقت المرأة فطلقت وأعتقت العبد فأعتق وعلى هذا فيلزم حدوث كل ما سوى الرب تعالى لأن ما كونه لا يكون إلا بعد تكوينه لا مع التكوين ) ا.هـ.
9- { هل الصفة هي الذات أم غيرها }(1/5)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( فالجواب المرضي عند الأئمة أن لا يطلق القول بأنها - أي الصفات - هي الذات ولا بأنها غيرها ولا بأنها الذات ولا بأنها زائدة عليها ولا ينفى الأمران فيقال:- لا هي الذات ولا غيرها حتى يكون قسماً ثالثاً ليست هي الذات ولا هي غيرها فإن هذا يقوله طائفة من المتكلمة الصفاتية من أصحاب أحمد وغيره كما يقوله من يقوله من أصحاب الأشعري والصواب:- المنصوص عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنه لا يطلق لا هذا ولا هذا لأن لفظ ( الغير ) فيه إجمال واشتراك فقد يراد بالغيرين ما جاز مفارقة أحدهما الآخر أو مباينته له فلا تكون الصفة اللازمة للموصوف غيراً له, وقد يراد بالغيرين ما جاز العلم بأحدهما دون الآخر فيكون غيراًَ له, وكذلك لفظ الزيادة على الذات فإن الذات يراد بها الذات المجردة عن الصفات, فالصفات زائدة على هذه الذات لكن هذه الذات عند أهل الإثبات لا حقيقة لها في الخارج وإنما تقدر في الذهن تقديراً وإنما يعتقد ثبوتها في الخارج نفاة الصفات ) ا.هـ. قلت:- ومذهب السلف في ذلك هو ما نص عليه أبو العباس هنا وبيانه أن يقال:- إن الألفاظ المجملة التي تحتمل الحق والباطل لا تثبت مطلقاً ولا تنفى مطلقاً وإنما الواجب فيها الاستفصال فإن أريد بقولهم ( الصفات غير الذات ) أي أنها بائنة عنها فهذا قول باطل لأن الصفة لا تنفصل عن الموصوف بها, وإن كان يقصد أنها تفيد معنىً زائداً على ما تفيده الذات المجردة فهو حق وصدق, ومن قال ( إن الصفات هي الذات ) إن كان يقصد أنها لا تفيد معنىً زائداً على الذات فهو معنىً باطل وإن كان يقصد أنها متصلة بها لا تنفك عنها وأنها تفيد معنى زائداً على الذات فهو حق وصدق والله المستعان .
10- { هل العلم هو نفس العالم }(1/6)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والصواب أن هذا ممتنع في صريح العقل معلوم علماً يقيناً أن العلم ليس هو نفس العالم ومن قال بهذا - أي بأن العلم هو عين العالم - فقد أتى بغاية السفسطة وجحد العلم الضروري ) ا.هـ. قلت:- وذلك بأن العلم هو الصفة والعالم هو الموصوف ومن جعل الصفة هي عين الموصوف فهو جاهل ضال، مقرمط في السمعيات مسفسط في العقليات .
11- { ماذا يقال في نفس الله تعالى }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ومعلوم أن نفس الله تعالى التي هي ذاته المقدسة الموصوفة بصفات الكمال ليست مثل نفس أحدٍ من المخلوقين وقد ذهب طائفة من المنتسبين إلى السنة من أهل الحديث وغيرهم وفيهم طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما إلى النفس صفة من الصفات والصواب:- أنها ليست صفة، بل نفس الله تعالى هي ذاته سبحانه الموصوفة بصفاته سبحانه وذلك لأنه بإضافتها إليه قطع المشاركة فكذلك لما أضاف إليه علمه وقوته ووجهه ويديه وغير ذلك، قطع بإضافته إليه المشاركة فامتنع أن شيئاً من ذلك من جنس صفات المخلوقين كما امتنع أن تكون ذاته من جنس ذوات المخلوقين ) ا.هـ.
12- { مذهب أهل السنة في القدرة وعلاقتها بالمقدور }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ولهذا كان مذهب أهل السنة أن القدرة لابد أن تكون مع مقدورها لا يجوز أن تكون معدومة عن وجود المقدور، ولكن تنازعوا هل يكون وجودها قبله مع بقائها والصواب هو التفريق بين القدرة المصححة التي يشترط في الفعل معها وجود الإرادة وبين القدرة الموجبة وهي مجموع ما يستلزم المقدور ) ا.هـ.
13- { المراد بقوله تعالى { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } }(1/7)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والصواب ما قاله الجمهور أن ( الدأب ) بالتسكين هو العادة وهو غير الدأب بالتحريك، إذا اللفظ زاد المعنى والذي في القرآن مسكن ما علمنا أحداً قرأ بالتحريك وهذا معروف في اللغة، يقال فلان:- دأبه كذا وكذا أي هذا عادته وعمله الملازم له وإن لم يكن في ذلك تعب واجتهاد ومنه قوله تعالى { وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ } والدأب نظير الدائم والباء والميم متقاربان ) ا.هـ.
14- { الصواب في أفعال العباد }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وإنما تنازعوا في أفعال العباد والصواب أنها أفعال لهم وهي مخلوقة لله تعالى ) ا.هـ.
15- { معنى الظلم وهل في الوجود ظلم من الله تعالى }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب القول الثالث وهو أن الظلم وضع الأشياء في غير موضعها وكذلك ذكره أبو بكر بن الأنباري وغيره من أهل اللغة وذكروا على ذلك عدة شواهد كما قد بسط في غير هذا الموضع, وحينئذٍ فليس في الوجود ظلم من الله سبحانه بل قد وضع كل شيء موضعه مع قدرته على أن يفعل خلاف ذلك, فهو سبحانه يفعل باختياره ومشيئته ويستحق الحمد والثناء على أن يعدل ولا يظلم خلاف قول المجبرة الذين يقولون:- لا يقدر على الظلم وقد وافقهم بعض المعتزلة كالنظام ) ا.هـ.
16- { كيف يصدق آدم عدوه إبليس مع علمه بهذه العداوة }(1/8)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب في ذلك أن يقال إن آدم صلوات الله وسلامه عليه لما قاسمه عدو الله أنه ناصح وأخرج الكلام على أنواع متعددة من التأكيد, أحدها:- القسم, الثاني:- تصديرها بالجملة الاسمية لا الفعلية, الثالث:- تصديرها بأداة التأكيد, الرابع:- الإتيان بلام التأكيد في الخبر, الخامس:- الإتيان به اسم فاعلٍ لا فعلاً دالاً على الحدث, السادس:- تقديم المعمول على العامل فيه ولم يكن آدم يظن أن أحداً يقسم بالله كذباً يمين غموس يتجرأ فيها على الله تعالى هذه الجرأة فغره عدو الله بهذا التأكيد والمبالغة فظن آدم صدقه وأنه إن أكل منها لم يخرج من الجنة ورأى أن الأكل وإن كان فيه مفسدة فمصلحة الخلود أرجح ولعله يتأتى له استدراك مفسدة النهي أثناء ذلك إما باعتذار وإما بتوبة وإما بغير ذلك كما تجد هذا التأويل قائماً في نفس كل من يؤمن بالله واليوم الآخر إيماناً لاشك فيه إذا أقدم على المعصية, فوازن بين هذا التأويل وبين تأويلات المحرفين يظهر لك الصواب من الخطأ والله الموفق للصواب ) ا.هـ.
17- { لقد توعد الله سبحانه فاعل الظلم بأنواع من الوعيد فما العلاقة بين الوعيد وفاعل الظلم عند أهل السنة }(1/9)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولكن غلط هنا طائفتان من أهل التأويل الوعيدية حيث حجرت على الرب تعالى بعقولها الفاسدة أن يترك حقه ويعفو عن من يشاء من أهل التوحيد وأوجبوا عليه أن يعذب العصاة ولابد, وقالوا:- إن العفو عنهم وترك تعذيبهم إخلال بحكمته وطعن في خبره, وقابلتهم الطائفة الأخرى وقالوا:- لا نجزم بثبوت الوعيد لأحدٍ فيجوز أن يعذب الله الجميع وأن يعفو عن الجميع وأن ينفذ الوعيد في شخص واحد يكون هو المراد من ذلك اللفظ ولا نعلم هل هذه الألفاظ للعموم أو للخصوص وهذا غلو في التعطيل والأول غلو في التقييد والصواب:- غير المذهبين وأن هذه الأفعال سبب لما علق عليها من الوعيد والسبب قد يتخلف عن مسببه لفوات شرط أو وجود مانع والموانع متعددة منها:- ما هو متفق عليه بين الأمة كالتوبة النصوح ومنها:- الحسنات الماحية والمصائب المكفرة وما يلحق العبد بعد موته من ثواب تسبب إلى تحصيله أو دعاء أو استغفار له أو صدقة عنه ومنها:- شفاعة بإذن الله فيها لمن أراد أن يشفع فيه ومنها:- رحمة تدركه من أرحم الراحمين يترك بها حقه ويعفو عنه وهذا لا يخرج العموم عن مقتضاه وعمومه ولا يحجر على الرب تعالى حجر الوعيدية والقدرية ) ا.هـ.
18- { المراد بقوله تعالى { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } }(1/10)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وكذلك يقولون في قوله { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } أن المراد به عبدالله ابن أبي وكان من أحسن الناس جسماً والصواب:- أن اللفظ عام فيمن اتصف بهذه الصفات وهي صحة الجسم وتمامه وحسن الكلام وخلوه من روح الإيمان ومحبة الهدى وإيثاره كخلو الخشب المقطوعة التي قد تساند بعضها البعض من روح الحياة التي يعطيها النمو أو الزيادة والثمرة واتصافهم بالجبن والخور الذي يحسب صاحبه أن كل صيحة عليه ) ا.هـ.
19- { لفظ ذات هل هو عربي؟ }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما استعمال لفظ ( ذات ) في حقيقة الشيء الخارجية فأظنه استعمالاً مولداً وهو من العربية المولدة لا العربية العرباء، ولما ولدوا هذا الاستعمال أدخلوا عليها الألف واللام وهو من العربية المولدة أيضاً قالوا:- الذات، والعرب لا تستعملها إلا مضافة، وقد تنازع فيها أهل العربية فكثير منهم يغلط أصحاب هذا الاستعمال ويقول:- هو خلاف لغة الغرب وبعضهم يجعله قياس اللغة وإن لم ينطقوا به والصواب:- أنه من العربية المولدة كما قالوا:- الكل والبعض والكافة والعرب لا تستعملها إلا مضافة وقريب من هذا اللفظ الماهية والكمية والكيفية والآنية ) ا.هـ.
20- { هل النفس تموت }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب أن يقال موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدماً محضاً فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعد هذا وكما صرح به النص ) ا.هـ.
21- { هل الروح قديمة أم محدثة }(1/11)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب المستبين ما أجمعت عليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم من أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث وأن معاد الأرواح واقع وأن الله وحده الخالق وما سواه مخلوق له، وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم القرون المفضلة على ذلك من غير اختلافٍ في حدوثها وأنها مخلوقة ) ا.هـ.
22- { هل الفعل الصادر من العبد يضاف إلى قدرته أم يضاف إلى قدرة الرب جل وعلا }(1/12)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب أن يقال:- تقع الحركة بقدرة العبد وإرادته التي جعلها الله فيه، فالله سبحانه إذا أراد فعل العبد خلق له القدرة والداعي إلى فعله فيضاف الفعل إلى قدرة العبد إضافة السبب إلى مسببه ويضاف إلى قدرة الرب إضافة المخلوق إلى الخالق، فلا يمتنع وقوع مقدور بين قادرين أحدهما أثر لقدرة الآخر وهي جزء سبب، وقدرة القادر الآخر مستقلة بالتأثير والتعبير عن هذا المعنى بمقدور بين قادرين تعبير فاسد وتلبيس، فإنه يوهم أنهما متكافئان في القدرة كما تقول:- هذا الثوب بين هذين الرجلين وهذه الدار بين هذين الشريكين وإنما المقدور واقع بالقدرة الحادثة وقوع المسبب بسببه والفاعل والآله كله أثر القدرة القديمة ولا نعطل قدرة الرب سبحانه عن شمولها وكمالها وتناولها لكل ممكن، ولا نعطل قدرة الرب التي هي سبب عما جعلها الله سبباً له ومؤثرة فيه وليس في الوجود شيء مستقل بالتأثير سوى مشيئة الرب سبحانه وقدرته وكل ما سواه مخلوق له وهو أثر قدرته ومشيئته، ومن أنكر ذلك لزمه إثبات خالقٍ سوى الله تعالى، أو القول بوجود مخلوق لا خالق له، فإن فعل العبد إن لم يكن مخلوقاً لله تعالى كان مخلوقاً للعبد، إما استقلالاً وإما على سبيل الشركة، وإما أن يقع بغير خالقٍ، ولا مخلص عن هذه الأقسام لمنكر دخول الأفعال تحت قدرة الرب ومشيئته وخلقه وإذ عرف هذا فنقول:- الفعل وقع بقدرة الرب خلقاً وتكويناً كما وقعت سائر المخلوقات بقدرته وتكوينه، وبقدرة العبد سبباً ومباشرة، والله هو الذي خلق الفعل ) ا.هـ.
23- { المراد من قول الملائكة { وَنُقَدِّسُ لَكَ } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ومنه قول الملائكة { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } فقيل:- المعنى ونقدس أنفسنا لك، فعدى باللام، وهذا ليس بشيء والصواب أن المعنى:- نقدسك وننزهك عما لا يليق بك، هذا قول جمهور أهل التفسير ) ا.هـ.(1/13)
24- { المراد بلعل الصادرة من الله تعالى }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( النوع السابع:- التعليل بـ( لعل ) وهي في كلام الله تعالى للتعليل مجردة عن معنى الترجي فإنها إنما يقارنها معنى الترجي إذا كانت من المخلوق وأما في حق من لا يصح عليه الترجي فهي للتعليل المحض كقوله { اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فقيل:- هو تعليل لقوله { اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } وقيل تعليل لقوله { خَلَقَكُمْ } والصواب:- أنه تعليل للأمرين، لشرعه وخلقه ومنه قوله { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وقوله { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } وقوله { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وقوله { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } فلعل في هذا كله قد أخلصت للتعليل والرجاء الذي فيها إنما هو متعلق بالمخاطبين ) ا.هـ.
25- { المراد بالعدل والظلم }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب:- أن العدل وضع الأشياء في مواضعها التي تليق بها وإنزالها منزلتها، كما أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه وقد تسمى الله سبحانه بالحكم العدل ) ا.هـ.
26- { هل الأمر والإرادة متلازمان }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وبهذا التفصيل يزول الاشتباه في مسألة الأمر والإرادة هل هما متلازمان أم لا؟ فقالت القدرية الأمر يستلزم الإرادة واحتجوا بحجج لا تندفع وقالت المثبتة الأمر لا يستلزم الإرادة واحتجوا بحجج لا تندفع والصواب أن الأمر يستلزم الإرادة الدينية ولا يستلزم الإرادة الكونية، فإنه لا يأمر إلا بما يريده شرعاً وديناً وقد يأمر بما لا يريده كوناً وقدراً ) ا.هـ.
27- { الدعاء من أسباب حصول المطلوب الشرعية }(1/14)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب:- أن هاهنا قسماً غير ما ذكره السائل وهو أن هذا المقدور قدر بأسبابٍ ومن أسبابه الدعاء فلم يقدر مجرداً عن سببه ولكن قدر بسببه فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال وقدر دخول النار بالأعمال وهذا القسم هو الحق وهذا هو الذي حرمه السائل ولم يوفق له، وحينئذٍ فالدعاء من أقوى الأسباب فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء فلا يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب، ولما كان الصحابة - رضي الله عنهم - أعلم الأمة بالله ورسوله وأفقههم في دينه كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم وكان عمر - رضي الله عنه - يستنصر به على عدوه وكان أعظم جنده وكان يقول للصحابة:- لستم تنصرون بكثرة وإنما تنصرون من السماء، وكان يقول:- إني لا أحمل هم الإجابة ولكن هم الدعاء فإذا ألهمت الدعاء معه، فإن الإجابة معه، فمن ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة فإن الله سبحانه يقول { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } وقال { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( من لم يسأل الله يغضب عليه )) وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته وإذا رضي الرب تبارك وتعالى فكل خير في رضاه كما أن كل بلاءٍ ومصيبة في غضبه ) ا.هـ.
28- { ما الذي يحمد من حال كل قوم }(1/15)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب:- أن يحمد من حال كل قوم ما حمده الله ورسوله ويذم من حال كل قومٍ ما ذمه الله ورسوله كما جاء به الكتاب والسنة ) ا.هـ.
29- { هل الخضر - عليه السلام - حي أم ميت؟ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب:- الذي عليه المحققون أنه ميت وأنه لم يدرك الإسلام ولو كان موجوداً في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه، كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره ولكان يكون في مكة والمدينة ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم ولم يكن مختفياً عن خير أمة أخرجت للناس، ثم ليس للمسلمين به وأمثاله حاجة لا في دينهم ولا في دنياهم فإن دينهم أخذوه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ) ا.هـ
30- { ما مرجع الضمير في قوله { وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد اختلفوا في مفسر الضمير من قوله تعالى { وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا } فقيل:- هو الإيمان لكونه أقرب المذكورين وقيل هو الكتاب فإنه النور الذي هدى به عباده والصواب:- أنه عائد على الروح المذكور في قوله { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا...الآية } فمسمى وحيه روحاً ونوراً ) ا.هـ.
31- { هل سورة قل يا أيها الكافرون تعرضت للقتال وهل هي منسوخة } ?
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والصواب:- أن هذه السورة لم تتعرض للقتال لا بأمرٍ ولا نهي بل مضمونها البراءة من دين الكفار وهذا أمر محكم لا ينسخ أبداً ) ا.هـ.
32- {هل الهدنة مع الكفار تكون مؤبدة أم مؤقتة؟ }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والصواب:- هو القول الثالث وهو أنها تجوز مطلقة ومؤقتة، فأما المطلقة فجائزة غير لازمة يخير بين إمضائها وبين نقضها وأما المؤقتة فلازمة ) ا.هـ.
33- { ما الذي بدل في الكتب المتقدمة }(1/16)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ومما تسلمه النصارى في فرقهم أن كل فرقة تخالف الأخرى فيما تفسر به الكتب المتقدمة ومما تسلمه اليهود أنهم متفقون على أن النصارى تفسر التوراة والنبوات المتقدمة على الإنجيل بما يخالف معانيها وأنها بدلت أحكام التوراة فصار تبديل كثير من معاني الكتب المتقدمة متفقاً عليه بين المسلمين واليهود والنصارى وأما تغيير بعض ألفاظها ففيه نزاع بين المسلمين والصواب:- الذي عليه الجمهور أنه بدل بعض ألفاظها كما ذكر ذلك في مواضعه ) ا.هـ.
34- { ما الفرق بين دعاء الله بأسمائه الحسنى والإخبار بها عنه }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والصواب القول الثالث وهو أن يفرق بين أن يدعى بالأسماء أو يخبر بها عنه فإذا دعي لم يدع إلا بالأسماء الحسنى كما قال تعالى { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ } وأما الإخبار عنه فهو بحسب الحاجة فإذا احتيج إلى تفهيم الغير المراد إلى أن يترجم أسماؤه بغير العربية أو يعبر عنه باسم له معنىً صحيح لم يكن ذلك محرماً ) ا.هـ.
35- { هل كانت الشهب يرمى بها من قبل }(1/17)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وقد ظن بعض الناس أن الشهب لم يكن يرمى بها من قبل ذلك بحال والصواب:- أنه كان الرمي بها كما هو الآن أحياناً, كما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس ورواه أيضاً أحمد في مسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو في نفرٍ من الأنصار إذ رمي بنجمٍ فاستنار فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( ما كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به في الجاهلية؟ )) قالوا:- كنا نقول:- مات ملك, أو ولد مولود, فقال (( ليس ذلك كذلك ولكن الله إذا قضى أمراً يسمعه أهل العرش فيسبحون, فيسبح من تحتهم بتسبيحهم, فيسبح من تحت ذلك فلم يزل التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا حتى يقول بعضهم لبعض:- لم سبحتم؟ فيقولون:- سبح من فوقنا فسبحنا بتسبيحهم فيقولون:- ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا فيسألونهم فيقولون:- قضى الله في خلقه كذا وكذا, الأمر الذي كان, فيهبط الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى سماء الدنيا فيتحدثون به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف ثم يأتون به إلى الكهان من أهل الأرض فيحدثونهم فيخطئون ويصيبون فيحدث الكهان )) وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن الكهان قد كانوا يحدثوننا بالشيء فيكون حقاً قال (( تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيفذ منها في إذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة )) وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول (( إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم )) وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال (( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم, قالوا الحق وهو العلي الكبير(1/18)
فيسمعها مسترق السمع ومسترقوا السمع هكذا بعضهم على بعض, فيسمع الكلمة فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة, فيقال:- أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا, كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء )) ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري وقال في آخره (( ثم إن الله تعالى حجب الشياطين عن السمع بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فلا كهانة )) ورواه معمر عن الزهري وقال:- فقلت للزهري أوكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال نعم, فقلت:- يقول الله تعالى { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ...الآية } قال:- غلظت واشتد أمرها حين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ) ا.هـ. وخلاصته أن الشهب كان يرمى بها من قبل إلا أنه بعد البعثة غلظ فيها وشدد والله أعلم .
36- { فائدة الدعاء }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وزعم قوم من المبطلين متفلسفة ومتصوفة أنه لا فائدة أصلاً - أي الدعاء - فإن المشيئة الإلهية والأسباب العلوية إما أن تكون قد اقتضت وجود المطلوب وحينئذٍ فلا حاجة إلى الدعاء أو لا تكون اقتضته وحينئذٍ فلا ينفع الدعاء، وقال قوم ممن تكلموا في العلم:- بل الدعاء علامة ودلالة على حصول المطلوب، وجعلوا ارتباطه بالمطلوب ارتباط الدليل بالمدلول، لا ارتباط السبب بالمسبب بمنزلة الخبر الصادق والعلم السابق والصواب:- ما عليه الجمهور من أن الدعاء سبب لحصول الخير المطلوب أو غيره كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة وسواءً سمي سبباً أو شرطاً أو جزءاً من السبب فالمقصود هنا واحد فإذا أراد الله بعبدٍ خيراً ألهمه دعاءه والاستعانة به ) ا.هـ.
37- { حكم تحري الأمكنة التي نزلها النبي - صلى الله عليه وسلم - للصلاة فيها ونحو ذلك }(1/19)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( روى سعيد بن منصور في سننه، حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن معرور بن سويد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال (( خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر بـ { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ } و { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } في الثانية فلما رجح من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد فقال:- ما هذا؟ قالوا:- مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:- هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، من عرضت له منكم الصلاة فيه فليصل ومن لم تعرض له الصلاة فليمض )) فقد كره عمر - رضي الله عنه - اتخاذ مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عيداً وبين أن أهل الكتاب إنما هلكوا بمثل ذلك, وفي رواية عنه (( أنه رأى الناس يذهبون مذاهب, فقال:- أين يذهب هؤلاء؟ فقيل:- يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم يصلون فيه, فقال:- إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا كانوا يتتبعون آثار أنبيائهم ويأخذونها كنائس وبيعاً, فمن أدركته الصلاة منكم في هذه المساجد فليصل ومن لا فليمض ولا يتعمدها )) وروى محمد ابن وضاح وغيره أن عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان لأن الناس كانوا يذهبون تحتها فخاف عمر الفتنة عليهم, وقد اختلف العلماء - رضي الله عنهم - في إتيان تلك المشاهد, فقال محمد بن وضاح:- كان مالك وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي بالمدينة ما عدا ( قباء ) ودخل سفيان الثوري بيت المقدس وصلى فيه ولم يتتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها, فهؤلاء كرهوها مطلقاً لحديث عمر - رضي الله عنه - لأن هذا يشبه الصلاة عند المقابر إذ هو ذريعة إلى اتخاذها أعياداً وإلى التشبه بأهل الكتاب ولأن ما فعله ابن عمر لم يوافقه عليه أحد من الصحابة فلم ينقل عن الخلفاء الراشدين ولا عن غيرهم(1/20)
من المهاجرين والأنصار أن أحداً منهم كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزلها النبي - صلى الله عليه وسلم - والصواب:- مع جمهور الصحابة لأن متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - تكون بطاعة أمره وتكون في فعله بأن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله فإذا قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - العبادة في مكانٍ كان قصد العبادة فيه متابعة له, كقصد المشاعر والمساجد وأما إذا نزل في مكانٍ بحكم الاتفاق لكونه صادف وقت النزول أو غير ذلك مما يعلم أنه لم يتحر ذلك المكان فإنا إذا تحرينا ذلك المكان لم نكن متبعين له فإن الأعمال بالنيات ) ا.هـ.
38- { هل يقبل الركن اليماني }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد اختلف في الركن اليماني فقيل يقبله وقيل يستلمه ويقبل يده وقيل لا يقبله ولا يقبل يده والأقوال الثلاثة مشهورة في مذهب أحمد وغيره والصواب:- أنه لا يقبله ولا يقبل يده فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل هذا ولا هذا كما نطقت به الأحاديث الصحيحة ) ا.هـ. قلت:- والاستحباب حكم شرعي وقد تقرر أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة. والله أعلم .
39- { ما وجه افتقار الأشياء إلى الله تعالى؟ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب:- أن الأشياء مفتقرة إلى الخالق لذواتها لا لأمر آخر جعلها مفتقرة إليه, بل فقرها لازم لها لا يمكن أن تكون غير مفتقرة إليه, كما أن غناء الرب وصف لازم له لا يمكن أن يكون غير غني بنفسه, لا بوصف جعله غنياً, وفقر الأشياء إلى الخالق وصف لها وهي معدومة, وهي موجودة ) ا.هـ.
40- { تسبيح الأشياء وسجودها }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وكما قال بعضهم في قوله { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } قال:- تسبيحه دلالته على صانعه, فتوجب بذلك تسبيحاً من غيره والصواب:- أن لها تسبيحاً وسجوداً بحسبها ) ا.هـ.(1/21)
41- { كم كان عدد ركعات صلاة الكسوف التي صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب:- أنه لم يصل إلا بركوعين وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم ) ا.هـ.
42- { قول أهل السنة في يزيد بن معاوية }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ومع هذا فطائفة من أهل السنة يجيزون لعنه لأنهم يعتقدون أنه فعل من الظلم ما يجوز لعن فاعله، وطائفة أخرى ترى محبته لأنه مسلم، تولى على عهد الصحابة وبايعه الصحابة ويقولون:- لم يصح عنه ما نقل عنه، وكانت له محاسن، أو كان مجتهداً فيما فعله والصواب:- هو الذي عليه الأئمة من أنه لا يخص بمحبةٍ ولا يلعن، ومع هذا فإن كان فاسقاً ظالماً فالله يغفر للفاسق والظالم لاسيما إذا أتى بحسناتٍ عظيمة وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (( أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له )) وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية وكان معه أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ) ا.هـ.
43- { قول أبي العباس في أطفال الكفار }(1/22)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأطفال الكفار أصح الأقوال فيهم الله أعلم بما كانوا عاملين كما أجاب بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في الحديث الصحيح, وطائفة من أهل الحديث وغيرهم قالوا:- إنهم كلهم في النار, وذكر أنه من نصوص أحمد وهو غلط على أحمد, وطائفة جزموا بأنهم في الجنة واختار ذلك أبو الفرج ابن الجوزي وغيره واحتجوا بحديث فيه رؤيا النبي لما رأى إبراهيم الخليل وعنده أطفال المؤمنين, قيل يا رسول الله وأطفال المشركين قال (( وأطفال المشركين )) والصواب:- أن يقال:- الله أعلم بما كانوا عاملين ولا نحكم لمعين منهم بجنةٍ ولا نار, وقد جاء في عدة أحاديث أنهم يوم القيامة في عرصات القيامة يؤمرون وينهون فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار ) ا.هـ.
44- { الصواب في آيات الصفات وأحاديثها }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب في كثير من آيات الصفات وأحاديث القطع بالطريقة الثابتة كالآيات والأحاديث الدالة على أن الله سبحانه فوق عرشه ويعلم طريقة الصواب في هذا وأمثاله بدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك دلالة لا تحتمل النقيض وفي بعضها قد يغلب على الظن ذلك مع احتمال النقيض وتردد المؤمن في ذلك هو بحسب ما يؤتاه من العلم والإيمان ومن لم يجعل الله نوراً فما له من نور, ومن اشتبه عليه ذلك أو غيره فليدعُ بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام يصلي من الليل قال (( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )) ) ا.هـ.
45- { هل يخلو العرش عند نزول الرب في ثلث الليل الآخر }(1/23)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب:- قول السلف أنه ينزل ولا يخلو منه العرش ) ا.هـ.
46- { هل الخلاف في رؤية الكفار لله في العرصات من عدمها يوجب تهاجراً وترك المختلفين الصلاة خلف بعض }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فأما مسألة رؤية الكفار فأول ما انتشر الكلام فيها وتنازع الناس فيها فيما بلغنا بعد ثلاثمائة سنة من الهجرة وأمسك عن الكلام في هذا قوم من العلماء, وتكلم فيها آخرون, فاختلفوا فيها على ثلاثة أقوال, مع أني ما علمت أن أولئك المختلفين فيها تلاعنوا ولا تهاجروا فيها, إذ في الفرق الثلاثة قوم فيهم فضل وهم أصحاب سنة والكلام فيها قريب من الكلام في مسألة محاسبة الكفار, هل يحاسبون أم لا, وهي مسألة لا يكفر فيها بالاتفاق, والصحيح أيضاً أن لا يضيق فيها ولا يهجر وقد حكي عن أبي الحسن بن بشار أنه قال لا يصلى خلف من قال:- إنهم يحاسبون والصواب:- الذي عليه الجمهور أنه يصلى خلف الفريقين بل يكاد الخلاف بينهم يرتفع عند التحقيق ) ا.هـ.
47- { هل يكفر مخالف الإجماع }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنين فإنها مما بين الله فيه الهدى، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر كما يكفر مخالف النص البين، وأما إذا كان يظن الإجماع ولا يقطع به، فهنا قد لا يقطع أيضاً بأنها مما تبين فيها الهدى من جهة الرسول ومخالف مثل هذا الإجماع قد لا يكفر بل قد يكون ظن الإجماع خطأ وأن الصواب في خلاف هذا القول وهذا هو فصل الخطاب فيما يكفر به من مخالفة الإجماع وما لا يكفر ) ا.هـ.
48- { هل للقلب عمل أم أنه ليس في القلب إلا التصديق }(1/24)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( الرابع:- ظن الظان أن ليس في القلب إلا التصديق وأن ليس الظاهر إلا عمل الجوارح، والصواب:- أن القلب له عمل مع التصديق والظاهر:- قول ظاهر وعمل ظاهر وكلاهما مستلزم للباطن، والمرجئة أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان فمن قصد منهم إخراج أعمال القلوب أيضاً وجعلها هي التصديق فقط فهذا ضلال بين، ومن قصد إخراج العمل الظاهر، قيل له:- العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن ) ا.هـ.
49- { متى قدم وفد عبدالقيس }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ووفد عبدالقيس من خيار الوفد الذين وفدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقدومهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قبل فرض الحج، وقد قيل:- قدموا سنة الوفود، سنة تسع، والصواب أنهم قدموا قبل ذلك فإنهم قالوا:- إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، يعنون أهل نجد وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام وسنة تسع كانت العرب قد ذلت وتركت الحرب وكانوا بين مسلم أو معاهدٍ خائف لما فتح الله مكة، ثم هزموا هوازن يوم حنين، وإنما كانوا ينتظرون بإسلامهم فتح مكة ) ا.هـ. قلت:- وعلى هذا فالمقطوع به أن وفدهم كان قبل سنة تسع أي قبل فتح مكة .
50- { أنواع العلم }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وهذا التفصيل الموجود في علمنا بحيث ينقسم إلى علمٍ فعلي له تأثير في المعلوم، وعلمٍ انفعالي لا تأثير له في وجود المعلوم هو فصل الخطاب في العلم فإن من الناس من يقول العلم صفة انفعالية لا تأثير له في المعلوم كما يقوله طوائف من أهل الكلام، ومنهم من يقول:- بل هو صفة فعلية لها تأثير في المعلوم كما يقوله طوائف من أهل الفلسفة والكلام والصواب:- أنه نوعان كما بيناه وهكذا علم الرب تبارك وتعالى فإنه علمه بنفسه سبحانه لا تأثير له في وجود المعلوم، وأما علمه بمخلوقاته التي خلقها بمشيئته وإرادته فهو مما له تأثير في وجود معلوماته ) ا.هـ.(1/25)
51- { هل الاستطاعة تكون متقدمة على الفعل أم مقارنة له وما أنواعها }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب:- الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الاستطاعة تكون متقدمة على الفعل ومقارنة له أيضاً، وتقارنه أيضاً استطاعة أخرى، لا تصلح لغيره، فالاستطاعة نوعان متقدمة صالحة للضدين ، ومقارنة لا تكون إلا مع الفعل ، فتلك هي المصححة للفعل المجوزة له ، وهذه هي الموجبة للفعل المحققة له ) ا.هـ.
52- { أيهما أفضل مسمى الصوفي أم مسمى الفقير وأيهما أفضل الغني الشاكر أو الفقير الصابر }(1/26)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد تنازع الناس أيما أفضل مسمى الصوفي أو مسمى الفقير ويتنازعون أيضاً أيما أفضل الغني الشاكر أو الفقير الصابر، وهذه المسألة فيها نزاع قديم بين الجنيد وبين أبي العباس بن عطاء، وقد روي عن أحمد ابن حنبل فيها روايتان والصواب:- في هذا كله ما قاله الله تبارك وتعالى حيث قال { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وفي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل أي الناس أفضل قال (( أتقاهم )) قيل:- ليس عن هذا نسألك، فقال (( يوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله )) فقيل:- ليس عن هذا نسألك، فقال (( عن معادن العرب تسألوني، الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا فدل الكتاب والسنة على أن أكرم الناس عند الله أتقاهم )) وفي السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، كلكم لآدم وآدم من تراب )) وعنه أيضاً أنه قال (( إن الله تعالى أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس رجلان مؤمن تقي وفاجر شقي )) فمن كان من هذه الأصناف أتقى لله فهو أكرم عند الله فإذا استويا في التقوى استويا في الدرجة ) ا.هـ. قلت:- لله أبوك ما أعلمك وما أعظم التوفيق والهدى الذي هديت إليه والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
53- { ما القول في حروف:- أبجد هوز حطي }(1/27)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد تنازع الناس في أبجد هوز حطي فقال طائفة هي أسماء قوم, فقيل أسماء ملوك مدين, أو أسماء قوم كانوا ملوكاً جبابرة, وقيل هي أسماء الأيام الستة التي خلق الله فيها الدنيا, والأول اختيار الطبري وزعم هؤلاء أن أصلها ( أبو جاد ) مثل أبي عاد, و ( هواز ) مثل رواد وجواب وأنها لم تعرب لعدم العقد والتركيب, والصواب:- أن هذه ليست أسماء لمسميات, وإنما ألفت ليعرف تأليف الأسماء من حروف المعجم, بعد معرفة حروف المعجم ولفظها:- أبجد هوز حطي وليس لفظها:- أبو جاد, هواز ) ا.هـ.
54- { مذهب السلف في كلام الله تعالى }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب في هذا الباب وغيره مذهب سلف الأمة وأئمتها من أنه سبحانه لم يزل متكلماً إذا شاء وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته وأن كلماته لا نهاية لها وأنه نادى موسى بصوت سمعه موسى وإنما ناداه حين أتى, لم يناده قبل ذلك وأن صوت الرب لا يماثل أصوات العباد, كما أن علمه لا يماثل علمهم وقدرته لا تماثل قدرتهم وأنه سبحانه بائن عن مخلوقاته بذاته وصفاته, ليس في مخلوقاته شيء من ذاته, ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ) ا.هـ.
55- { ما الواجب في وصف الله تعالى }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب:- ما عليه أئمة الهدى وهو أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث ويتبع في ذلك سبيل السلف الماضين, أهل العلم والإيمان, والمعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فتكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه, ولا يعرض عنها فيكون من باب الذين إذا ذكروا بآيات ربهم يخرون عليها صماً وعمياناً ولا يترك تدبر القرآن فيكون من باب الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ا.هـ.
56- { ما القول الصحيح في البسملة }(1/28)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب:- القطع بخطأ هؤلاء وأن البسملة آية من كتاب الله حيث كتبها الصحابة في المصحف إذ لم يكتبوا فيه إلا القرآن وجردوه عما ليس منه كالتخميس والتعشير وأسماء السور, ولكن مع هذا لا يقال هي من السورة التي بعدها كما أنها ليست من السورة التي قبلها بل هي مما كتبت آية أنزلها الله تعالى في أول كل سورة وإن لم تكن من السورة وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة ) ا.هـ. وخلاصته أنها آية من مجمل القرآن لا من الفاتحة ولا من كل سورة, إلا سورة النمل فإنها جزء آية بالاتفاق فإذا حسبت آيات القرآن وخرج لك العدد فزده آية واحدة وهي آية البسملة والله أعلم .
57- { متى يثبت الحكم الشرعي في حق الفرد }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب في هذا الباب كله أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم وأنه لا يقضي ما لم يعلم وجوبه ) ا.هـ.
58- { ما المراد بالحكم الشرعي }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب:- أن الحكم الشرعي يكون تارة ما أخبر به ويكون تارة ما أثبته وتارة يجتمع الأمران ) ا.هـ.
59- { ما المراد بالخمر المذكور في القرآن }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب الذي عليه الأئمة الكبار أن الخمر المذكورة في القرآن تناولت كل مسكر فصار تحريم كل مسكر ثابت بالنص العام ) ا.هـ.
60- { هل يقتل المصرح بأنه لن يحج البتة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وإنما صورة المسألة أن يعزم على ترك الحج ويقول
هو واجب علي ولا أحج أبداً فهذا موضوع النزاع والصواب:- القول بقتله لأن الحج من حقوق الإسلام والعصمة تثبت لمن تكلم بالإسلام إلا بحقه والحج أعظم حقوقه ) ا.هـ.
61- { إن قيل كيف يشوى اللحم في الجنة وليس فيها نار }(1/29)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فإن قيل:- فأين يشوى اللحم وليس في الجنة نار؟ فقد أجاب بعضهم بأنه يشوى خارج الجنة ثم يؤتى به إليهم والصواب:- أنه يشوى في الجنة بأسباب قدرها العزيز الحكيم لإنضاجه وإصلاحه كما قدر هناك أسباباً لإنضاج الثمر والطعام على أنه لا يمتنع أن يكون فيها نار تصلح لا تفسد شيئاً كما صح عنه أنه قال (( مجامرهم الألوة )) والمجامر جمع مجمر وهو البخور الذي يتبخر بإحراقه والإلوة العود المطري فأخبر أنه يتجمرون به أي يتبخرون بإحراقه لتسطع لهم رائحته, وقد أخبر سبحانه أن في الجنة ظلالاً, والظلال لابد أن تفيء مما يقابلها, فقال { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ } وقال { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ } وقال { وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً } فالأطعمة والحلوى والتجمر تستدعي أسباباً تتم بها, والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو, وكذلك جعل لهم أسباباً تصرف الطعام من الحشاء والعرق الذي يفيض من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذاك سبب إنضاجه ) ا.هـ.
62- { الصواب في قوله تعالى { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب أن ( ما ) هاهنا بمعنى الذي وأن المراد خلقكم وخلق الأصنام التي تعملونها كما في حديث حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( إن الله خلق صانع وصنعته )) ) ا.هـ.
63- { القول في المتعة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل وأنها حرمت عام فتح مكة ولم تحل بعد ذلك ولم تحرم عام خيبر بل عام خيبر حرمت لحوم الحمر الأهلية ) ا.هـ.
64- { هل الفيء يخمس }(1/30)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وجمهور العلماء على أن الفيء لا يخمس كقول مالك وأبي حنيفة وأحمد وهذا قول السلف قاطبة وقال الشافعي والخرقي ومن وافقه من أصحاب أحمد:- يخمس والصواب قول الجمهور فإن السنن الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه تقتضي أنهم لم يخمسوا فيئاً قط, بل أموال بني النضير كانت أول الفيء ولم يخمسها النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك الخلفاء بعده لم يكونوا يخمسون الجزية والخراج ) ا.هـ.
65- { القول في عثمان وعلي وطلحة والزبير }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأهل السنة يتولون علياً وعثمان جميعاً ويتبرؤون من التشيع والتفرق في الدين الذي يوجب موالاة أحدهما ومعاداة الآخر وقد استقر أمر أهل السنة على أن هؤلاء مشهود لهم بالجنة ولطلحة والزبير وغيرهما ممن شهد له الرسول بالجنة كما قد بسط في موضعه وكان طائفة من السلف يقولون:- لا نشهد بالجنة إلا للرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصة وهذا قول محمد بن الحنفية والأوزاعي, وطائفة أخرى من أهل الحديث كعلي بن المديني وغيره يقولون:- هم في الجنة ولا يقولون:- نشهد لهم بالجنة والصواب أنا نشهد لهم بالجنة كما استقر على ذلك مذهب أهل السنة ) ا.هـ.
66- { هل الحزن من أسماء المحبة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما الحزن فقد عد من أسمائها والصواب أنه ليس من أسمائها ) ا.هـ.
67- { المراد من قوله { وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا } }(1/31)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقال تعالى { وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا } قال طاووس ومقاتل وغيرهما:- أي لا يصبر على النساء, وقال الحسن:- هو خلقه من ماء مهين, وقال الزجاج:- ضعيف عزمه عن قهر الهوى, والصواب أن ضعفه يعم هذا كله, وضعفه أعظم من هذا وأكثر فإنه ضعيف البنية, ضعيف القوة ضعيف الإرادة, ضعيف العلم, ضعيف الصبر, والآفات إليه مع هذا الضعف أسرع من السيل في صيب الحدور, فبالاضطرار لابد له من حافظ معين يقويه ويعينه وينصره ويساعده فإن تخلى عنه هذا المساعد المعين فالهلاك أقرب إليه من نفسه ) ا.هـ.
68-{ المراد بكون حمده يملأ السماوات والأرض }(1/32)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد اختلف الناس في معنى كون حمده يملأ السماوات والأرض وما بينهما فقالت طائفة:- هذا على جهة التمثيل, أي لو كان أجساماً لملأ السماوات والأرض وما بينهما, قالوا:- فإن الحمد من قبيل المعاني والأعراض التي لا تملأ بها الأجسام, ولا تملأ الأجسام إلا بالأجسام والصواب:- أنه لا يحتاج إلى هذا التكلف البارد فإن ملئ كل شيء يكون المالئ والمملوء, فإذا قيل امتلأت الإناء ماءً وامتلأت الجفنة طعاماً, فهذا الامتلاء نوع وإذ قيل امتلأت الدار رجالاً وامتلأت المدينة خيلاً ورجالاً, فهذا نوع آخر وإذا قيل امتلأ الكتاب سطوراً فهذا نوع آخر, وإذا قيل امتلأت مسامع الناس حمداً أو ذماً لفلان فهذا نوع آخر, كما في أثر معروف (( أهل الجنة من امتلأت مسامعه من ثناء الناس عليه, وأهل النار من امتلأت مسامعه من ذم الناس له )) وقال عمر ابن الخطاب في عبدالله بن مسعود, كنيف مليء علماً, ويقال:- فلان علمه قد ملأ الدنيا, وكان يقال:- ملأ ابن أبي الدنيا, الدنيا علماً ويقال:- صيت فلان قد ملأ الدنيا وضيق الآفاق, وحبه قد ملأ القلوب وبغض فلان قد ملأ القلوب وامتلأ قلبه رعباً وهذا أكثر من أن تستوعب شواهده, وهو حقيقة في بابه وجعل الملء والامتلاء حقيقة للأجسام خاصة تحكم باطل ودعوى لا دليل عليها البتة والأصل الحقيقة الواحدة, والاشتراك المعنوي هو الغالب على اللغة و الأفهام والاستعمال, فالمصير إليه أولى من المجاز والاشتراك ) ا.هـ.
69- { هل يطلق في حق الله لفظ الشوق والعشق }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف في هذا ( والصواب:- أن يقال:- إن إطلاقه متوقف على السمع و لم يرد به فلا ينبغي إطلاقه و هذا كلفظ
العشق أيضاً فإنه لما لم يرد به سمع فإنه لا ينبغي إطلاقه عليه سبحانه ) ا.هـ.
70- { هل الأفضل للعبد تذكر جنايته أم نسيانها }(1/33)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف في هذا ( والصواب التفصيل في هذه المسألة وهو أن يقال:- إذا أحس العبد من نفسه حال الصفاء غيماً من الدعوى, ورقيقة من العجب, ونسيان المنة وخطفته نفسه عن حقيقة فقره ونقصه فذكر الذنب أنفع للعبد, وإن كان في حال مشاهدته منة الله عليه وكمال افتقاره إليه وفنائه به وعدم استغنائه عنه في ذرةٍ من ذراته وقد خالط قلبه حال المحبة والفرح بالله والإنس به والشوق إلى لقائه وشهود سعة رحمته وحلمه وعفوه وقد أشرقت على قلبه أنوار الأسماء والصفات فنسيان الجناية والإعراض عن الذنب أولى به وأنفع فإنه متى ما رجع إلى ذكر الجناية توارى عنه ذلك, ونزل من علوٍ إلى أسفل ومن حال إلى حال بينهما تفاوت أبعد مما بين السماء والأرض وهذا من حسد الشيطان له, فإنه أراد أن يحطه عن مقامه وسير قلبه في ميادين المعرفة والمحبة والشوق إلى وحشة الإساءة وحصر الجناية ) ا.هـ.
71- { لو تاب الزاني حال الزنا ونزع ذكره أو تاب غاصب الأرض وخرج يخطو فيها للخلاص منها فهل نزع هذا وخروج هذا يكون إثماً أم ماذا يكون؟ }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( و الصواب:- أن هذا النزع و الخروج من الأرض(1/34)
توبة, وليس بحرام إذ هو مأمور به, ومحال أن يؤمر بالحرام وإنما كان النزع الذي هو جزء الوطء حراماً بقصد التلذذ به وتكميل الوطء وأما النزع الذي يقصد به مفارقة الحرام وقطع لذة المعصية فلا دليل على تحريمه لا من نص ولا من إجماع ولا قياس صحيح يستوي فيه الأصل والفرع في علة الحكم ومحال خلو هذه الحادثة عن حكم لله فيها وحكمه فيها:- الأمر بالنزع قطعاً و إلا كانت الاستدامة مباحة وذلك عين المحال وكذلك الخروج من الأرض المغصوبة مأمور به وإنما تكون الحركة والتصرف في ملك الغير حراماً إذا كان على وجه الانتفاع بها المتضمن لإضرار مالكها, أما إذا كان القصد ترك الانتفاع وإزالة الضرر عن المالك فلم يحرم الله ولا رسوله ذلك ولا دل على تحريمه نظر صحيح ولا قياس صحيح ) ا.هـ. قلت:- والقاعدة تقول:- مباشرة الحرام للتخلص منه جائزة .
72- { المراد بقوله { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد فسرت أيام الله بنعمه, وفسرت بنقمه من أهل الكفر والمعاصي, فالأول تفسير ابن عباس وأبي بن كعبٍ ومجاهد, والثاني تفسير مقاتل والصواب:- أن أيامه تعم النوعين وهي وقائعه التي أوقعها بأعدائه ونعمه التي سقاها إلى أوليائه وسميت هذه النعم والنقم الكبار المتحدث بها أياماً لأنها ظرف لها تقول العرب:- فلان عالم بأيام العرب وأيام الناس أي بالوقائع التي كانت في تلك الأيام ) ا.هـ.
73- { المراد بقوله { الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وليس السهو عنها تركها, و إلا لم يكونوا مصلين وإنما هو السهو عن واجبها, إما عن الوقت كما قاله ابن مسعود وغيره وإما عن الحضور والخشوع, والصواب:- أنه يعم النوعين فإنه سبحانه أثبت لهم صلاة ووصفهم بالسهو عنها فهو السهو عن وقتها الواجب أو عن إخلاصها و حضورها الواجب و لذلك وصفهم بالرياء و لو كان السهو سهو ترك لما كان
هناك رياء ) ا.هـ.(1/35)
74- { ما المراد بالحج الأكبر }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد صرح القرآن بأن الأذان يوم الحج الأكبر ولا خلاف أن النداء بذلك إنما وقع يوم النحر بمنى فهذا دليل قاطعٌ على أن يوم الحج الأكبر يوم النحر, وذهب عمر بن الخطاب وابنه عبدالله والشافعي إلى أنه يوم عرفة وقيل أيام الحج كلها, فعبر عن الأيام باليوم كما قالوا:- يوم الجمل ويوم صفين, قاله الثوري والصواب القول الأول ) ا.هـ.
75- { ما القول الصحيح بالفطر بالحجامة والفصد والتشريط }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف في ذلك ( والصواب الفطر بالحجامة والفصاد والتشريط وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية واختيار صاحب الإفصاح لأن المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصاد طبعاً وشرعاً وكذلك في التشريط وقد بينا أن الفطر بالحجامة هو مقتضى القياس ولا فرق في ذلك بين الفصاد والتشريط, فبأي وجهٍ أخرج الدم أفطر به ) ا.هـ.
76- { ما حكم القدوم على الأرض التي وقع فيها البلاء }
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله ( والصواب في ذلك ما دلَّ عليه النص أنه لا ينبغي القدوم على الأرض التي هو بها - أي الطاعون - فإن ذلك تعرض للبلاء وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تمني لقاء العدو وإذا وقع - أي الطاعون - في أرضٍ هو فيها فإنه لا ينبغي له أن يفر منه بالخروج منها, وإن ظن في ذلك نجاته بل ينبغي له أن يصبر كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في العدو (( إذا لقيتموه فاصبروا )) لاسيما والطاعون قد جاء أنه وخز أعدائنا من الجن فالطاعون كالطعان فلا ينبغي الفرار منهما ولا تمني لقائهما )
77- { هل يصلى على الشهداء }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف في ذلك ( والصواب في المسألة أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجيء الآثار بكل واحدٍ من الأمرين وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد وهي الأليق بأصوله ومذهبه ) ا.هـ.(1/36)
78- { الوسطية في إكرام الشعر }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب أنه لا تعارض بينهما بحال فإن العبد مأمور بإكرام شعره, ومنهي عن المبالغة والزيادة في الرفاهية والتنعم, فيكرم شعره ولا يتخذ الرفاهية والتنعم ديدنه, بل يترجل غباً ) ا.هـ.
79- { بأي الأيمان يبدأ بها في القسامة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب رواية الجماعة الذين هم أئمة أثبات أنه بدأ بأيمان المدعين, فلما لم يحلفوا ثنى بأيمان اليهود وهذا هو المحفوظ في هذه القصة وما سواه وهم ) ا.هـ.
80- { اختيار عجيب }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وثبت في الصحيحين عنه أنه قال (( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )) وإن كان مركباً فإنه مركب من خبز ولحم فالخبز أفضل القوت واللحم سيد الإدام فإذا اجتمعا لم يكن بعدهما غاية, وتنازع الناس أيهما أفضل والصواب أن الحاجة إلى الخبز أكثر وأعم واللحم أجلَّ وأفضل ) ا.هـ.
81- { ما المراد بالحبة السوداء }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف في ذلك ( والصواب أنها الشونيز ) ا.هـ.
82- { ما الحكم في من مات ولم يوجد له كفن }
قال ابن القيم رحمه الله ( فائدة ذكر أحمد بن مروان المالكي عن ابن عباس أنه
سئل عن ميتٍ مات ولم يوجد له كفن فقال:- يكب على وجهه ولا يستقبل بوجهه القبلة فقلت:- هذا بعيد الصحة من عبدالله ابن عباس بل هو باطل والصواب أنه يستر بحاجز من تراب ويوضع في لحده على جنبه مستقبل القبلة كما ينام العريان الذي نشر عليه ملاءةً أو غيرها، وإذا كان عليه حاجز من تراب وهو مستقبل القبلة كان منزلة من عليه ثيابه ) ا.هـ.
83- { من ولد مختوناً فهل نمر الموسى على محل القطع؟ }(1/37)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف في ذلك ( والصواب أن هذا مكروه لا يتقرب إلى الله به ولا يتعبد بمثله وتنزه عنه الشريعة فإنه عبث لا فائدة فيه، وإمرار الموسى غير مقصود، بل هو وسيلة إلى فعل المقصود فإذا سقط المقصود لم يبقى للوسيلة فائدة ) ا.هـ.
84- { أيهما أفضل يوم الجمعة أم يوم النحر }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف في هذا ( والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم عرفه ويوم النحر أفضل أيام العام ) ا.هـ.
85- { حكم تغميض العينين في الصلاة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب أن يقال:- إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه فهنالك لا يكره التغميض قطعاً والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة والله أعلم ) ا.هـ.
86- { حكم الركعتين بعد الوتر }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب أن يقال إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر عبادة مستقلة ولاسيما إن قيل بوجوبه فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب من المغرب ، فإنها وتر النهار والركعتان
بعدها تكميل لها فكذلك الركعتان بعد وتر الليل والله أعلم ) ا.هـ.
87- { هل الأفضل الترتيل والتدبر مع قلة الآيات أم الإسراع مع الإخلال بالتدبر }(1/38)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب في المسألة أن يقال:- إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدراً وثواب كثرة القراءة أكثر عدداً فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبداً قيمته نفيسة جداً والثاني كمن تصدق بعددٍ كثير من الدراهم أو أعتق عدداً من العبيد قيمتهم رخيصة وفي صحيح البخاري عن قتادة قال:- سألت أنساً عن قراءة النبي فقال (( كان يمد مداً )) وقال شعبة حدثنا أبو جمرة قال:- قلت لابن عباس إني سريع القراءة وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين فقال ابن عباس:- لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلى من أفعل ذلك الذي تفعل فإن كنت فاعلاً ولابد فقرأ قراءة تسمع أذنيك ويعيها قلبك ) ا.هـ.
88- { المراد بالتهجير إلى الجمعة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب فيه ما روى أبو داود المصاحفي عن النضر بن شميل أنه قال:- التهجير إلى الجمعة وغيرها هو التبكير والمبادرة إلى كل شيء, قال:- سمعت الخليل يقول ذلك, قاله في تفسير هذا الحديث, قال الأزهري وهذا صحيح وهي لغة أهل الحجاز ومن جاورها من قيس ) ا.هـ.
89- { أين يصلى على الجنازة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب ما ذكرناه أولاً وأن سنته وهديه الصلاة على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر وكلا الأمرين جائز والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد والله أعلم ) ا.هـ.
90- { الجمع بين الروايات في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( و رأيت لشيخ الإسلام فصلاً حسناً في اتفاق(1/39)
أحاديثهم نسوقه بلفظه، قال:- والصواب أن الأحاديث في هذا الباب متفقة ليست بمختلفة إلا اختلافاً يسيراً يقع مثله في غير ذلك, فإن الصحابة ثبت عنهم أنه تمتع والتمتع عندهم يتناول القران والذي روى عنهم أنه أفرد روي عنهم أنه تمتع أما الأول ففي الصحيحين عن سعيد بن المسيب قال اجتمع علي وعثمان بعسفان وكان عثمان ينهى عن المتعة, فقال علي - رضي الله عنه - ما تريد إلى أمرٍ فعله رسول الله فتنهى عنه, فقال عثمان:- دعنا منك فقال:- إني لا أستطيع أن أدعك فلما رأى - رضي الله عنه - ذلك, أهل بهما جميعاً, فهذا يبين أن من جمع بينهما كان متمتعاً عندهم وأن هذا هو الذي فعله النبي ووافقه عثمان على أن النبي فعل ذلك لكن كان النزاع بينهما, هل ذلك أفضل في حقنا أم لا, وهل شرع فسخ الحج إلى العمرة في حقنا كما تنازع فيه الفقهاء فقد اتفق علي وعثمان على أنه تمتع, والمراد بالتمتع عندهم القران وفي الصححين عن مطرف قال:- قال عمران ابن حصين:- إن رسول الله جمع بين حجٍ وعمرة, ثم إنه لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه, وفي رواية عنه:- تمتع رسول الله وتمتعنا معه, فهذا عمران وهو من أجل السابقين الأولين, أخبر أنه تمتع وأنه جمع بين الحج والعمرة والقران عند الصحابة تمتع, ولهذا أوجبوا عليه الهدي ودخل في قوله تعالى { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } وذكر حديث عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (( أتاني آتٍ من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة )) قال فهؤلاء الخلفاء الراشدون, عمر وعثمان وعلي وعمران بن حصين روى عنهم بأصح الأسانيد أن رسول الله قرن بين العمرة والحج وكانوا يسمون ذلك تمتعاً وهذا أنس يذكر أنه سمع النبي يلبي بالحج والعمرة جميعاًَ, وما ذكره بكر ابن عبدالله المزني عن ابن عمر أنه لبى بالحج وحده فجوابه أن الثقات الذين هم أثبت في ابن عمر من بكر مثل سالم(1/40)
ابنه ونافع رووا عنه أنه قال:- تمتع رسول الله بالعمرة إلى الحج وهؤلاء أثبت في ابن عمر من بكر فتغليط بكر عن ابن عمر أولى من تغليط سالم ونافع عنه، وأولى من تغليطه هو على النبي، ويشبه أن ابن عمر قال له، أفرد الحج، فظن أنه قال:- لبى بالحج، فإن إفراد الحج كانوا يطلقونه ويريد به إفراد أعمال الحج وذلك رد منهم على من قال إنه قرن قران طاف فيه طوافين وسعى فيه سعيين وعلى من يقول إنه حل من إحرامه فرواية من روى عن الصحابة أنه أفرد الحج ترد على هؤلاء يبين هذا ما رواه مسلم في صحيحه عن نافع عن ابن عمر قال أهللنا مع رسول الله بالحج مفردا وفي رواية أهل بالحج مفردا، فهذه الرواية إذا قيل إن مقصودها أن النبي أهل بحج مفرداً، قيل:- فقد ثبت بإسناد أصح من ذلك عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمتع بالعمرة إلى الحج وأنه بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وهذا من رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر وما عارض هذا عن ابن عمر إما أن يكون غلظاً عليه وإما أن يكون مقصوداً موافقاً ... إلى أن قال ابن القيم رحمه الله تعالى:- ومن تأمل ألفاظ الصحابة وجمع الأحاديث بعضها إلى بعض واعتبر بعضها ببعض وفهم لغة الصحابة أسفر له صبح الصواب وانقشعت عنه ظلمة الاختلاف والاضطراب والله الهادي لسبيل الرشاد والموفق لطريق السداد، فمن قال إنه أفرد الحج وأراد به أنه أتي بالحج مفرداً ثم فرغ منه وأتي بالعمرة بعده من التنعيم أو غيره كما يظن كثير من الناس فهذا غلط لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة ولا أحد من أئمة الحديث وإن أراد به أنه حج حجاً مفرداً لم يعتمر معه كما قاله طائفة من السلف والخلف فوهم أيضاً والأحاديث الصحيحة الصريحة ترده كما تبين, وإن أراد به أنه اقتصر على أعمال الحج وحده ولم يفرد للعمرة أعمالاً فقد أصاب وعلى قوله تدل جميع الأحاديث, ومن قال إنه قرن فإن أراد به أنه طاف للحج طوافاً على حدة وللعمرة طوافاً على(1/41)
حدة وسعى للحج سعياً وللعمرة سعياً, فالأحاديث الثابتة ترد قوله, وإن أراد أنه قرن بين النسكين وطاف لهما طوافاً واحداً وسعى لهما سعياً واحداً فالأحاديث الصحيحة تشهد لقوله وقوله هو الصواب, ومن قال إنه تمتع فإن أراد تمتع تمتعاً حل منه, ثم أحرم بالحج إحراماً مستأنفاً فالأحاديث ترد قوله وهو غلط وإن أراد أنه تمتع تمتعاً لم يحل منه بل بقي على إحرامه لأجل سوق الهدي فالأحاديث الكثيرة ترد قوله أيضاً وهو أقل غلطاً, وإن أراد تمتع القران فهو الصواب الذي تدل عليه جميع الأحاديث الثابتة ويأتلف به شملها ويزول عنها الإشكال والاختلاف ) ا.هـ.
91- { نوع الإحرام الذي أهل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب أنه أحرم بالحج والعمرة معاً من حين أنشأ الإحرام ولم يحل حتى حل منهما جميعاً فطاف لهما طوافاً واحداً وسعى لهما سعياً واحداً وساق الهدي كما دلت عليه النصوص المستفيضة التي تواترت تواتراً يعلمه أهل الحديث والله أعلم ) ا.هـ.
وقال أيضاً ( والصواب بهذا الإسناد وأن النبي قرن بين الحج والعمرة ) ا.هـ.
92- {حكم السدر والخطمي للمحرم }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب جوازه للنص ولم يحرم الله ورسوله على المحرم إزالة الشعث بالاغتسال ولا قتل القمل وليس السدر من الطيب في شيء ) ا.هـ.
93 { هل ينكر على من طاف للقدوم بعد
الإفاضة من عرفات }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب في إنكاره فإن أحداً لم يقل إن الصحابة لما رجعوا من عرفة طافوا للقدوم وسعوا ثم طافوا للإفاضة بعده ولا النبي, هذا لم يقع قطعاً ) ا.هـ.
94- { هل القارن يحتاج إلى سعيين }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسع إلا سعيه الأول كما قالته عائشة وجابر ولم يصح عنه في السعيين حرف واحد
بل كلها باطلة كما تقدم فعليك مراجعته ) ا.هـ.(1/42)
95- { حكم التسمي باسمه - صلى الله عليه وسلم - والتكني بكنيته }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب أن التسمي باسمه جائز والتكني بكنيته ممنوع, والمنع في حياته أشد والجمع بينهما ممنوع منه ) ا.هـ.
96- { حكم إطلاق العتمة على العشاء }
قال ابن القيم بعد أن ذكر الخلاف ( والصواب خلاف القولين فإن العلم بالتاريخ متعذر ولا تعارض بين الحديثين فإنه لم ينه عن إطلاق العتمة بالكلية وإنما نهى عن أن يهجر اسم العشاء وهو الاسم الذي سماها الله به في كتابه ويغلب عليها اسم العتمة, فإذا سميت العشاء وأطلق عليها أحياناً العتمة فلا بأس والله أعلم, وهذا محافظة منه على الأسماء التي سمى الله بها العبادات فلا تهجر ويؤثر عليها غيرها كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص وإيثار المصطلحات الحادثة عليها ونشأ من هذا من الجهل والفساد ما الله به عليم ) ا.هـ.
97- { هل يرد السلام على أهل الكتاب وهل يصح قياس ترك الرد عليهم على ترك الرد على أهل البدع }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( واختلفوا في وجوب الرد عليهم فالجمهور على وجوبه وهو الصواب وقالت طائفة لا يجب الرد عليهم كما لا يجب الرد على أهل البدع أولى والصواب الأول, والفرق أنا مأمورون بهجر أهل البدع تعزيراً لهم وتحذيراً منهم بخلاف أهل الذمة ) ا.هـ.
98- { كم كان الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - }(1/43)
قال ابن القيم بعد أن حكى الخلاف ( والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وياعجباً لهؤلاء الذين زعموا أنه مراراً كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير خمساً ثم يقول:- أمضيت فريضتي وخففت من عبادي ثم يعيدهما في المرة الثانية إلى خمسين ثم يحطها عشراً عشراً وقد غلط الحفاظ شريكاً في ألفاظ من حديث الإسراء, ومسلم أورد المسند منه ثم قال:- فقدم وأخر وزاد ونقص ولم يسرد الحديث فأجاد رحمه الله تعالى ) ا.هـ.
99- { هل المدينة حرمت كما حرمت مكة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب المقطوع به تحريمها إذ قد صح فيه بضعة وعشرون حديثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا مطعن فيها بوجه ) ا.هـ.
100- {هل سهم ذوي القربى مستمر أم هو خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب استمرار هذا الحكم النبوي وأن سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني المطلب ) ا.هـ.
101- { هل للمفهوم عموم أم لا }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب أنه لا عموم له ) ا.هـ.
102- { أيهما يقدم في الحضانة العم أم العمة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وفي تقديم العمة على العم وجهان والصواب تقديم الأنثى مع التساوي كما قدمت الأم على الأب لما استويا فلا وجه لتقديم الذكر على الأنثى مع مساواتها له, وامتيازها بقوة أسباب الحضانة والتربية ) ا.هـ.
103- { الصحيح في استبراء الأمة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب من هذه الأقوال أنها تستبرأ بحيضة وهو قول عثمان بن عفان وعائشة وعبدالله بن عمر والحسن والشعبي والقاسم بن محمد وأبي قلابة ومكحول ومالك والشافعي وأحمد ابن حنبل ) ا.هـ.
104- { هل الأمة المطاوعة على الفاحشة يبذل لها عوض }(1/44)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب المقطوع به أنه لا مهر لها وهي البغي التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مهرها وأخبر أنه خبيث والأمة داخلة في هذا الحكم دخولاً أولياً ) ا.هـ.
105- { هل لابد من نطق الزوجين الكافرين بشهادة الإسلام في نطق واحد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب أن هذا غير معتبر ولم يدل على ذلك كتاب ولا سنة ولا اشترط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك قط ولا اعتبره في واقعة واحدة مع كثرة من أسلم في حياته, لم يقل يوماً واحداً لرجل أسلم هو وامرأته:- تلفظا بالإسلام تلفظاً واحداً لا يسبق أحدكما الآخر وهل هذا إلا من التكلف الذي ألغته الشريعة ولم تعتبره وليس لهذا نظير في الشريعة بل إذا أسلما في المجلس الواحد فقد اجتمعا على الإسلام ولا يؤثر سبق أحدهما الآخر بالتلفظ به وهذا اختيار شيخنا ) ا.هـ.
106- { الراجح في انفساخ نكاح المسبية }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب الذي عليه القرآن وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في السبايا والقياس, أن النكاح ينفسخ بسباء المرأة مطلقاً فإنها قد صارت ملك للسابي وزالت العصمة عن ملك الزوج لها كما زالت عن ملكه لرقبتها ومنافعها وهذا اختيار أبي الخطاب ) ا.هـ.
107- { حكم النياحة والندب وخمش الوجوه وشق الجيوب }(1/45)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما الندب والنياحة فنص أحمد على تحريمها قال في رواية حنبل:- النياحة معصية, وقال أصحاب الشافعي وغيرهم:- النوح حرام وقال ابن عبدالبر:- أجمع العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء وقال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد:- يكره تنزيهاً وهذا لفظ أبي الخطاب في الهداية, قال:- ويكره الندب والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب والصواب:- القول بالتحريم لما في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (( ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية )) وفي الصحيحين أيضاً عن أبي بردة قال:- وجع أبو موسى وجعاً فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئاًَ فلما أفاق قال:- أنا بريء ممن بريء منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريء من الصالقة والحالقة والشاقة وفي الصحيحين أيضاً عن المغيرة ابن شعبة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (( إن من نيح عليه يعذب بما نيح عليه )) وفي الصحيحين أيضاً عن أم عطية قالت:- أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيعة أن لا ننوح فما وفت منا امرأة إلا خمس نسوة ) ا.هـ.
108- { قوله تعالى { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً...الآية } هل هي محكمة أم منسوخة؟ }
قال فيها ابن القيم ( والصواب القول بأن هذه الآية محكمة يعمل بها لم ينسخها شيء وهي مشتملة على خبر وتحريم ولم يأت من ادعى نسخها بحجة البتة ) ا.هـ.
109- { تفسير قوله تعالى { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } }(1/46)
قال ابن القيم بعد أن حكى بعض أقوال المفسرين فيها ( والصواب أن يقال:- ليس له طريق يتسلط به عليهم لا من جهة الحجة ولا من جهة القدرة, والقدرة داخلة في مسمى السلطان وإنما سميت الحجة سلطاناً لأن صاحبها يتسلط بها تسلط صاحب القدرة بيده, وقد أخبر سبحانه أنه لا سلطان لعدوه على عباده المخلصين المتوكلين ) ا.هـ.
110- { أيهما أبلغ في التحريم قوله (( لا تفعل )) أو قوله (( نهيت )) }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب بلا ريب أن صيغة نهيت أبلغ في التحريم لأن (( لا تفعل )) يحتمل النهي وغيره بخلاف الفعل الصريح ) ا.هـ.
111- { حكم تعليق الوقف بالموت }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب طرد النص وأنه يصح تعليقه بالموت وغيره ) ا.هـ.
112- { ما حقيقة البينة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب أن كل ما يبين الحق فهو بينة ولم يعطل الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - حقاً بعد ما تبين بطريق من الطرق أصلاً, بل حكم الله ورسوله الذي لا حكم له سواه أنه متى ظهر الحق ووضح بأي طريق كان وجب تنفيذه ونصره وحرم تعطيله وإبطاله ) ا.هـ.
113- { هل البرقع يدخل في دليل تحريم النقاب على المحرمة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب النهي عما دخل في عموم لفظه وعموم معناه وعلته, فإن البرقع واللثام وإن لم يسميا نقاباً فلا فرق بينهما وبينه, بل إذا نهيت عن النقاب فالبرقع واللثام أولى ولذلك منعتها أم المؤمنين من اللثام ) ا.هـ.
114- { الفرق بين ألفاظ العبادات والمعاملات }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب اتباع ألفاظ العبادات والوقوف معها وأما العقود والمعاملات فإنما يتبع مقاصدها والمراد منها بأي لفظٍ كان إذ لم يشرع الله ورسوله لنا التعبد بألفاظٍ معينة لا نتعداها ) ا.هـ.
115- { اختيار ابن القيم في الماء متى ينجس وسائر المائعات؟ }(1/47)
قال رحمه الله تعالى ( والصواب أن مقتضى القياس أن الماء لا ينجس إلا بالتغير )
إلى أن قال ( وهذا هو القياس في المائعات كلها أن يسير النجاسة إذا استحالت في الماء ولم يظهر لها فيه لون ولا طعم ولا رائحة فهي من الطيبات لا من الخبائث ) ا.هـ.
116- { هل السلم على خلاف القياس }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب أنه على وفق القياس فإنه بيع مضمون في الذمة موصوف مقدور على تسليمه غالباً وهو كالمعاوضة على المنافع في الإجارة, وقد تقدم أنه على وفق القياس, فقياس السلم على بيع العين المعدومة التي لا يدري أيقدر على تحصيلها أم لا والبائع والمشتري منها على غرر من أفسد القياس صورة ومعنى وقد فطر الله العقلاء على الفرق بين بيع الإنسان مالا يملكه ولا هو مقدور له وبين السلم إليه في مغل مضمون في ذمته, مقدور في العادة على تسليمه فالجمع بينهما كالجمع بين الميتة والمذكى والربا والبيع ) ا.هـ.
117- { حكم استئجار الحيوان للبنه }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب الجواز وهو موجب القياس المحض فالمجوزون أسعد بالنص من المانعين وبالله التوفيق ) ا.هـ.
118- { إذا رجع المفقود وقد تزوجت امرأته واختار المهر فهل يأخذ مهره الأول أو يأخذ المهر الثاني }
قال ابن القيم ( والصواب أنه إنما يرجع بما مهرها هو فإنه الذي يستحقه, وأما المهر الذي أصدقها الثاني فلا حق له فيه ) ا.هـ.
119- { هل تثبت الشفعة للجار }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك من طريق أو ماء أو نحو ذلك ثبتت الشفعة وإن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان كل واحدٍ منهما متميز ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة وهذا هو الذي نص عليه أحمد في رواية أبي طالب ) ا.هـ.(1/48)
120- { هل يحتاج الرجل إذا أسلم بعد زوجته بزمن ولم تتزوج وانقضت عدتها إلى تجديد العقد أم ترد له بالنكاح الأول }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد بالنكاح الأول ) ا.هـ. أي رد ابنته زينب لزوجها أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول وهو اختيار شيخه أبي العباس رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
121- { الضابط في الحرير لبساً وافتراشاً }
وقد وضح ابن القيم رحمه الله تعالى هذا الضابط بقوله ( والصواب التفضيل و أن من أبيح له لبسه أبيح له افتراشه ومن حرم عليه لبسه حرم عليه افتراشه وهذا قول الأكثرين وهي طريقة العراقيين من الشافعية ) ا.هـ. فالمرأة يجوز لها افتراش الحرير لأنه يجوز لها لبسه .
122- { وجه الجمع بين أحاديث النهي عن الكلام في الصلاة وبين أحاديث التسبيح للرجال والتصفيق للنساء }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب أنه لا تعارض بين سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجه وكل منها له وجه, والذي حرم الكلام في الصلاة ومنع منه, هو الذي شرع التسبيح المذكور وتحريم الكلام كان قبل الهجرة وأحاديث التسبيح بعد ذلك, فدعوى نسخها بأحاديث تحريم الكلام محال ولا تعارض بينهما بوجه فإن ( سبحان الله ) ليس من الكلام الذي منع منه المصلي بل هو مما أمر به أمر إيجاب أو استحباب فكيف يسوي بين المأمور والمحظور وهل هذا إلا من أفسد قياس ) ا.هـ.
123- { حكم شراء الصدقة }(1/49)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من المنع من شرائها مطلقاً ولا ريب أن في تجويز ذلك ذريعة إلى التحايل على الفقير بأن يدفع إليه صدقة ماله ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها ويرى المسكين أنه قد حصل له شيء مع حاجته فتسمح نفسه بالبيع, والله عالم بالأسرار فمن محاسن هذه الشريعة الكاملة سد الذريعة ومنع المتصدق من شراء صدقته وبالله التوفيق ) ا.هـ.
124- { هل يعطي الزاني مهراً للمزني بها }
قال ابن القيم بعد أن حكى الخلاف ( والصواب أنه لا مهر لبغي كما دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكما فطر الله عقول الناس على استقباحه ) ا.هـ.
125- { كلمة حول قولهم لا إنكار في مسائل الخلاف }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب ما عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد مالم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً, مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ فيها الخلاف إذا عدم فيها الدليل الظاهر الذي يجب العمل به وليس في قول العالم إن هذه المسألة قطعية أو يقينية ولا يسوغ فيها الاجتهاد الطعن على من خالفها ولا نسبة له إلى تعمد خلاف الصواب ) ا.هـ.
126- { هل يسوغ تقليد واستفتاء الفقيه القاصر }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب فيه التفصيل وهو أنه إذا كان السائل يمكنه التوصل إلى عالم يهديه السبيل لم يحل له استفتاء مثل هذا ولا يحل له أن ينسب نفسه للفتوى مع وجود هذا العالم وإن لم يكن في بلده أو ناحيته غيره بحيث لا يجد المستفتي من يسأله سواه فلا ريب أن رجوعه إليه أولى من أن يقدم على العمل بلا علمٍ أو يبقى مرتبكاً في حيرته متردداً في عماه وجهالته بل هذا هو المستطاع من تقواه المأمور بها ) ا.هـ.(1/50)
127- { ما الفرق بين وجوب الرجوع عن الوليمة إذا رأى فيها منكراً لا يقدر على تغييره وبين عدم الرجوع في الجنازة إذا رأى فيها منكراً لا يقدر على تغييره }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد نص الإمام على أن الرجل إذا شهد الجنازة فرأى منكراً لا يقدر على إزالته أنه لا يرجع ونص على أنه إذا دعي إلى وليمة عرس فرأى فيها منكراً لا يقدر على إزالته أنه يرجع فسألت شيخنا عن الفرق فقال:- لأن الحق في الجنازة للميت فلا يترك حقه لما فعله الحي من المنكر، والحق في الوليمة لصاحب البيت فإذا أتى فيها بالمنكر فقد أسقط حقه من الإجابة ) ا.هـ. قلت:- سبحان من وفق أبا العباس وتلميذه ابن القيم إلى هذه التحقيقات العجيبة التي هي على القلب ألذ من الماء البارد السلسبيل في حر الظهيرة .
128- { حكم العامي إذا لم يجد مفتياً }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( إذا نزلت بالعامي نازلة وهو في مكانٍ لا يجد من يسأله عن حكمها ففيه طريقان للناس:- أحدهما:- أن له حكم ما قبل الشرع على الخلاف في الخطر والإباحة والوقف لأن عدم المرشد في حقه بمنزلة عدم المرشد بالنسبة إلى الأمة، والطريقة الثانية:- أنه يخرج عن الخلاف في مسألة تعارض الأدلة عند المجتهد, هل يعمل بالأخف أو بالأشد أو يتخير, والصواب أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله, وقد نصب الله تعالى على الحق أمارات كثيرة, ولم يسو الله سبحانه بين ما يحبه وبين ما يسخطه من كل وجه, بحيث لا يتميز هذا من هذا ولابد أن تكون الفطر السليمة مائلة إلى الحق مؤثرة له, ولابد أن يقوم لها عليه بعض الأمارات المرجحة ولو بمنامٍ أو بإلهام, فإن قدر ارتفاع ذلك كله وعدمت في حقه جميع الأمارات فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة ويصير بالنسبة إليها كمن لم تبلغه الدعوة وإن كان مكلفاً بالنسبة إلى غيرها , فأحكام التكليف تتفاوت بحسب التمكن من العلم والقدرة والله أعلم ) ا.هـ.(1/51)
129- { من يجوز استفتاؤه ومن لا يجوز }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( الفتيا أوسع من الحكم والشهادة فيجوز فتيا العبد والحر والمرأة والرجل والقريب والبعيد, والأجنبي والأمي والقارئ والأخرس بكتابته والناطق والعدو والصديق, وفيه وجه أنه لا تقبل فتيا العدو ومن لا تقبل شهادته له, كالشهادة, والوجهان في الفتيا كالوجهين في الحكم وإن كان الخلاف في الحكم أشهر, وأما فتيا الفاسق فإن أفتى غيره لم تقبل فتواه, وليس للمستفتي أن يستفتيه وله أن يعمل بفتوى نفسه ولا يجب عليه أن يفتي غيره, وفي جواز استفتاء مستور الحال وجهان والصواب جواز استفتائه وإفتائه, وكذلك الفاسق إلا أن يكون معلناً بفسقه داعياً إلى بدعته فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز فالواجب شيء والواقع شيء, والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب بحسب استطاعته, فلكل زمان حكم, والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم وإذا عم الفسوق وغلب على أهل الأرض فلو منعت إمامة الفساق وشهاداتهم وأحكامهم وفتاويهم وولاياتهم لعطلت الأحكام وفسد نظام الخلق وبطلت أكثر الحقوق ومع هذا فالواجب اعتبار الأصلح فالأصلح وهذا عند القدرة والاختيار, وأما عند الضرورة والغلبة بالباطل فليس إلا الاصطبار والقيام بأضعف مراتب الإنكار ) ا.هـ.
130- { لو أفتى أحد بفتوى ثم تغير اجتهاده فهل يلزمه إعلام المستفتي بالاجتهاد الجديد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب التفصيل فإن كان المفتي ظهر له الخطأ قطعاً لكونه خالف نص الكتاب أو السنة التي لا معارض لها، أو خالف إجماع الأمة فعليه إعلام المستفتي وإن كان إنما ظهر له أنه خالف مجرد مذهبه أو نص إمامه لم يجب عليه إعلام المستفتي ) ا.هـ.
131- { هل لابد من كل مسألة أن يكون لك إمام فيها }(1/52)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب في هذه المسألة التفصيل فإن كانت دلالة الحديث ظاهرة بينة لكل من سمعه لا يحتمل غير المراد, فله أن يعمل به ويفتي به, ولا يطلب له التزكية من قول فقيه أو إمام, بل الحجة قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن خالفه من خالفه, وإن كانت دلالته خفية لا يتبين المراد منها, لم يجز أن يعمل ولا يفتي بما يتوهمه مراداً حتى يسأل ويطلب بيان الحديث ) ا.هـ.
132- { حكم الماء باعتبار طهارته ونجاسته }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فصل:- وأما الماء المتغير بالنجاسات فإنه ينجس بالاتفاق وأما ما لم يتغير ففيه أقوال معروفة, أحدهما:- لا ينجس ) ثم قال ( والثاني:- ينجس قليل الماء بقليل النجاسة ) ثم قال ( والثالث:- وهو مذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى واختارها طائفة من أصحابه الفرق بين القلتين وغيرهما ) ثم قال ( والرابع:- الفرق بين البول و العذرة المائعة وغيرهما فالأول ينجس منه ما أمكن نزحه دون ما لم يمكن نزحه بخلاف الثاني ) ثم قال ( والخامس:- أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة سواءً كان قليلاً أو كثيراً وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه ) ثم قال ( والسادس:- قول أهل الظاهر الذين ينجسون ما بال فيه البائل دون ما ألقى فيه البول ولا ينجسوا ما سوى ذلك إلا بالتغير ) ثم قال رحمه الله تعالى ( والصواب هو القول الأول وأنه متاع علم أن النجاسة قد استحالت فالماء طاهر سواءً كان قليلاً أو كثيراً وكذلك في المائعات كلها وذلك لأن الله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث والخبيث متميز عن الطيب بصفاته فإذا كانت صفات الماء وغيره صفات الطيب دون الخبيث وجب دخوله في الحلال دون الحرام ) ا.هـ.
133- {حكم الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة وهل يفرق بينه وبين الدائم }(1/53)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد تنازع العلماء في الماء الجاري على قولين:- أحدهما:- لا ينجس إلا بالتغير وهذا مذهب أبي حنيفة مع تشديده في الماء الدائم، وهو أيضاً مذهب مالك والقول القديم للشافعي وهو أنص الروايتين عن أحمد واختيار محققي أصحابه، والقول الآخر للشافعي وهي الرواية الأخرى عن أحمد أنه كالدائم فتعتبر الجرية والصواب الأول فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بين الدائم والجاري في نهيه عن الاغتسال فيه والبول فيه وذلك يدل على الفرق بينهما ولأن الجاري إذا لم تغيره النجاسة فلا وجه لنجاسته، فإذا كان طاهراً بيقين وليس في نجاسته نص ولا قياس وجب البقاء على طهارته مع بقاء صفاته ) ا.هـ.
134- { هل يمسح على اللفائف }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والصواب أنه يمسح على
اللفائف وهي بالمسح أولى من الخف والجورب فإن تلك اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة وفي نوعها ضرر، إما إصابة البرد وإما التأذي بالحفاء وإما التأذي بالجرح فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللفائف بطريق الأولى ومن ادعى في شيء من ذلك إجماعاً فليس معه إلا عدم العلم ) ا.هـ.
135- { هل تطهر النجاسة بالشمس والريح والاستحالة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما استحالة النجاسة كرماد السرجين النجس والزبل النجس يستحيل تراباً فقد تقدمت هذه المسألة وقد ذكرنا فيها قولين في مذهب مالك وأحمد أحدهما:- أن ذلك طاهر وهو قول أبي حنيفة وأهل الظاهر وغيرهم وذكرنا أن هذا القول هو الراجح فأما الأرض إذا أصابتها نجاسة، فمن أصحاب الشافعي وأحمد من يقول:- إنها تطهر وإن لم يقل بالاستحالة، ففي هذه المسألة مع مسألة الاستحالة ثلاثة أقوال ، و الصواب الطهارة في الجميع كما
تقدم ) ا.هـ.
136- { إذا وقعت النجاسة في شيء واستحالت }(1/54)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وتنازعوا فيما إذا صارت النجاسة ملحاً في الملاحة أو صارت رماداً أو صارت الميتة والدم والصديد تراباً كتراب المقبرة فهذا فيه قولان في مذهب مالك وأحمد أحدهما:- أن ذلك طاهر كمذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر والثاني أنه نجس كمذهب الشافعي والصواب أن ذلك كله طاهر إذا لم يبق شيء من أثر النجاسة لا طعمها ولا لونها ولا ريحها لأن الله أباح الطيبات وحرم الخبائث وذلك يتبع صفات الأعيان وحقائقها ) ا.هـ.
137- { قسم ابن تيمية دماء المرأة إلى خمسة أقسام }(1/55)
فقال رحمه الله تعالى ( وأصل هذا أن الدم باعتبار حكمه لا يخرج عن خمسة أقسام:- دم مقطوع بأنه حيض كدم المعتادة الذي لا استحاضة معه، ودم مقطوع بأنه استحاضة كدم الصغيرة ودم يحتمل الأمرين لكن الأظهر أنه حيض وهو دم المعتادة والمميزة ونحوهما من المستحاضات الذي يحكم بأنه حيض ودم يحتمل الأمرين والأظهر أنه دم فساد وهو الدم الذي يحكم بأنه استحاضة من دماء هؤلاء ودم مشكوك فيه لا يترجح فيه أحد الأمرين، فهذا يقول به طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، فيوجبون على من أصابها أن تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم والصواب أن هذا القول باطل لوجوه، أحدها:- أن الله تعالى يقول { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } فالله تعالى قد بين للمسلمين في المستحاضة وغيرها ما تتقيه من الصلاة والصيام في زمن الحيض فكيف يقال إن الشريعة فيها شك مستمر يحكم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمته نعم قد يكون شك خاص ببعض الناس كالذي يشك هل أحدث أم لا وكالشبهات التي لا يعلمها كثير من الناس فأما شك وشبهة تكون في نفس الشريعة فهذا باطل والذين يجعلون هذا دم شك يجعلون ذلك حكم الشرع لا يقولون نحن شككنا فإن الشاك لا علم عنده فلا يجزم وهؤلاء يجزمون بوجوب الصيام وإعادته لشكهم الثاني:- أن الشريعة ليس فيها إيجاب الصلاة مرتين ولا الصيام مرتين إلا بتفريط من العبد فأما مع عدم تفريطه فلم يوجب الله صوم شهرين في السنة ولا صلاة ظهرين في اليوم هذا مما يعرف به ضعف قول من يوجب الصلاة ويوجب إعادتها فإن هذا أصل ضعيف كما بسط القول عليه في غير هذا الموضع ويدخل في هذا من يأمر بالصلاة خلف الفاسق وإعادتها وبالصلاة مع الأعذار النادرة التي لا تتصل وإعادتها ومن يأمر المستحاضة بالصيام مرتين ونحو ذلك مما يوجد في مذهب الشافعي وأحمد في أحد القولين فإن الصواب ما عليه جمهور المسلمين أن من فعل(1/56)
العبادة كما أمر بحسب وسعه فلا إعادة عليه كما قال تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ولم يعرف قط أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر العبد أن يصلي الصلاة مرتين لكن يأمر بإعادة من لم يفعل ما أمر به مع القدرة على ذلك ) ا.هـ.
138- { هل التلفظ بالنية سراً مستحب }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى بعد حكاية الخلاف ( والصواب أنه لا يستحب التلفظ بها فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يكونوا يتلفظون بها لا سراً ولا جهراً والعبادات التي شرعها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته ليس لأحد تغييرها و لا إحداث بدعة فيها ) ا.هـ.
139- { كلام ابن تيمية في القنوت }(1/57)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وطائفة من أهل العراق اعتقدت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقنت إلا شهراً ثم تركه على وجه النسخ له فاعتقدوا أن القنوت في المكتوبات منسوخ وطائفة من أهل الحجاز اعتقدوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما زال يقنت حتى فارق الدنيا ثم منهم من اعتقد أنه كان يقنت قبل الركوع ومنهم من كان يعتقد أنه كان يقنت بعد الركوع والصواب هو القول الثالث الذي عليه جمهور أهل الحديث وكثير من أئمة أهل الحجاز وهو الذي ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه قنت شهراً يدعو على رعلٍ وذكوان وعصية ثم ترك هذا القنوت ثم إنه بعد ذلك بمدةٍ بعد خيبر وبعد إسلام أبي هريرة قنت فكان يقول في قنوته اللهم أنج الوليد ابن الوليد وسلمه بن هشام والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف فلو كان قد نسخ القنوت لم يقنت هذه المرة الثانية وقد ثبت عنه في الصحيح إنه قنت في المغرب وفي العشاء الآخرة وفي السنن أنه كان يقنت في الصلوات الخمس وأكثر قنوته كان في الفجر ولم يكن يداوم على القنوت لا في الفجر ولا غيرها بل قد ثبت في الصحيحين عن أنس أنه قال:- لم يقنت بعد الركوع إلا شهراً, فالحديث الذي رواه الحاكم وغيره من حديث الربيع بن أنس عن أنس أنه قال (( ما زال يقنت حتى فارق الدنيا )) إنما قاله في سياقه القنوت قبل الركوع وهذا الحديث لو عارض الحديث الصحيح لم يلتفت إليه فإن الربيع بن أنس ليس من رجال الصحيح فكيف وهو لم يعارضه وإنما معناه أنه كان يطيل القيام في الفجر دائماً قبل الركوع وأما أنه كان يدعو في الفجر دائماً قبل الركوع أو بعده دعاء يسمع منه أو لا يسمع فهذا باطل قطعاً فكل من تأمل الأحاديث الصحيحة علم هذا بالضرورة وعلم أن هذا لو كان واقعاً لنقله الصحابة والتابعون ولما أهملوا قنوته الراتب المشروع لنا, مع أنهم نقلوا قنوته الذي لا يشرع بعينه وإنما يشرع نظيره فإن دعاءه لأولئك(1/58)
المعينين وعلى أولئك المعينين ليس بمشروع باتفاق المسلمين, بل إنما يشرع نظيره, فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وفي غيرها من الصلوات ) ا.هـ.
140- { هل الترجيع في أذان أبي محذورة كان تشريعاً عاماً أم لأمرٍ عارض }
قال أبو العباس بعد أن حكى الخلاف ( والصواب أنه جعله - أي الترجيع - من الأذان وهذا هو الذي فهمه أبو محذورة وقد عمل بذلك هو وولده والمسلمون يقرونهم على ذلك بمكة وغيرها ) ا.هـ.
141- { لو كان على الإنسان سجود سهو, وسلم من الصلاة ولم يسجد وتكلم أو خرج من المسجد فهل يسجد بعد ذلك }
اختلف العلماء في ذلك, وذهب الجمهور إلى أنه يسجد وذهب بعض العلماء إلى
أنه لا يسجد, قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب قول الجمهور كما نطقت به السنة فإنه سجد بعد إنصرافه وانفتاله وإقباله عليهم وبعد تحدثهم وبعد سؤاله لهم وإجابتهم إياه ) ا.هـ.
142- { أيهما أفضل تطويل الصلاة قياماً وركوعاً وسجوداً أو تكثير ذلك مع تخفيفها }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر أن فيها ثلاث روايات ( والصواب في ذلك الصورة الأولى, تقليل الصلاة مع كثرة الركوع والسجود وتخفيف القيام أفضل من تطويل القيام وحده مع تخفيف الركوع والسجود ) ا.هـ.
143- { هل صفات الوتر كلها سنة وهل يتابعه الإمام على ذلك }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب أن الإمام إذا فعل شيئاً مما جاءت به السنة وأوتر على وجه من الوجوه المذكورة يتبعه المأموم في ذلك والله أعلم ) ا.هـ.
144- { هل يتوقت في قيام رمضان عدد معين }(1/59)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( واضطرب قوم في هذا الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح ولما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين والصواب أن ذلك جميعه حسن كما قد نص على ذلك الإمام أحمد - رضي الله عنه - وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد, فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقت فيها عدداً وحينئذٍ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره ) ا.هـ.
145- { هل يصلي السنة من سمع الإقامة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب أنه إذا سمع الإقامة فلا يصلي السنة لا في بيته ولا في غير بيته, بل يقضيها إن شاء بعد الفرض ) ا.هـ.
146- { متى تشرع الاستعاذة في الصلاة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب أن الاستعاذة لا تشرع إلا لمن قرأ فإن اتسع الزمان للقراءة استعاذ وقرأ وإلا أنصت ) ا.هـ.
147- { هل أهل مكة يقصرون ويجمعون إذا حجوا }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب المقطوع به أن أهل مكة يقصرون ويجمعون هناك, كما كانوا يفعلون هناك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه, ولم ينقل عن أحد من المسلمين أنه قال لهم هناك (( أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر )) ولكن نقل أنه قال ذلك في غزوة الفتح لما صلى بهم داخل مكة وكذلك كان عمر يأمر أهل مكة بالإتمام إذا صلى بهم في البلد وأما بمنى فلم يكن يأمرهم بذلك ) ا.هـ.
148- { هل قصر أهل مكة هناك من أجل النسك أم من أجل السفر }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والقول الثاني هو الصواب وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وكانوا محرمين والقصر معلق بالسفر وجوداً وعدماً فلا يصلي ركعتين إلا مسافر وكل مسافرٍ يصلي ركعتين ) ا.هـ.
149- { هل الجمع من خصائص السفر }(1/60)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب أن الجمع لا يختص بالسفر الطويل بل يجمع للمطر ويجمع للمرض كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالجمع في حديثين, وأيضاً فكون الجمع يختص بالطويل فيه قولان للعلماء وهما وجهان في مذهب أحمد, أحدهما يجمع في القصير وهو المشهور ومذهب الشافعي ( لا ) والأول أصح ) ا.هـ.
150- { هل الجمعة والعيدين يشترط لهما الإقامة }
حكى ابن تيمية رحمه الله تعالى في ذلك ثلاثة أقوال, الأول:- أن الإقامة شرط في إقامة الجمعة والعيدين, ثم حكى القولين الآخرين ثم قال ( والصواب بلا ريب هو القول الأول وهو أن ذلك ليس بمشروع للمسافر فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسافر أسفاراً كثيرة قد اعتمر ثلاث عمر سوى عمرة حجته, وحج حجة الوداع ومعه ألوف مؤلفة وغزا أكثر من عشرين غزاة ولم ينقل عنه أحد قط أنه صلى في السفر لا جمعة ولا عيداً بل كان يصلي ركعتين ركعتين في جميع أسفاره, ويوم الجمعة كان يصلي فيه ركعتين كسائر أيام سفره ولم ينقل عنه أحد قط أنه خطب يوم الجمعة وهو مسافر قبل الصلاة, لا وهو قائم على قدميه ولا على راحلته ولا على منبر ) ا.هـ.
151- { هل قبل صلاة الجمعة سنة راتبة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب أن يقال:- ليس قبل الجمعة سنة راتبة مقدرة ) ا.هـ.
152-{ إذا وردت السنة على وجوه متنوعة فما العمل }(1/61)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( لكن هنا مسألة تابعة, وهو أنه مع التساوي أو الفضل أيما أفضل للإنسان المداومة على نوعٍ واحد من ذلك أو أن يفعل هذا تارة وهذا تارة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل, فمن الناس من يداوم على نوع من ذلك مختاراً له أو معتقداً أنه أفضل ويرى أن مداومته على ذلك النوع أفضل, وأما أكثرهم فمداومته عادة, ومراعاة لعادة أصحابه وأهل طريقته لا لاعتقاد الفضل والصواب أن يقال:- التنوع في ذلك متابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإن في هذا اتباعاً للسنة والجماعة وإحياءً لسنته, وجمعاً بين قلوب الأمة بما في كل واحدٍ من الخاصة وهذا أفضل من المداومة على نوع معين لم يداوم عليه - صلى الله عليه وسلم - لوجوه:- أحدها:- أن هذا هو اتباع السنة والشريعة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان قد فعل هذا تارة وهذا تارة ولم يداوم على أحدهما كان موافقته في ذلك هو التأسي والاتباع المشروع وهو أن يفعل ما فعل على الوجه الذي فعل لأنه فعله, الثاني:- أن ذلك يوجب اجتماع قلوب الأمة وائتلافها, وزوال كثرة التفرق والاختلاف والأهواء بين الأمة وهذه مصلحة عظيمة ودفع مفسدة عظيمة وقد ندب الكتاب والسنة إلى جلب هذه ودرء هذه قال تعالى { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } وقال تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ } وقال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } الثالث:- أن يخرج الجائز المسنون عن أن يشبه بالواجب فإن المداومة على المستحب أو الجائز مشبهة بالواجب ولهذا أكثر هؤلاء المداومين على بعض الأنواع الجائزة أو المستحبة لو انتقل عنها لنفر عنه قلبه وقلب غيره أكثر مما ينفر عن ترك كثير من الواجبات لأجل العادة التي جعلت الجائز كالواجب, الرابع:- أن في ذلك(1/62)
تحصيل مصلحة كل واحدٍ من تلك الأنواع فإن كل نوعٍ لابد له من خاصية وإن كان مرجوحاً فكيف إذا كان مساوياً, وقد قدمنا أن المرجوح يكون راجحاً في مواضع الخامس:- أن في ذلك وضعاً لكثير من الآصار والأغلال التي وضعها الشيطان على الأمة بلا كتابٍ من الله ولا أثارة من علمٍ فإن مداومة الإنسان على أمرٍ جائز مرجحاً له على غيره ترجيحاً يحب من يوافقه عليه ولا يحب من لم يوافقه عليه, بل ربما أبغضه بحيث ينكر عليه تركه له, ويكون ذلك سبب لترك حقوق له وعليه, وهذا يوجب أن يكون ذلك إصراً عليه لا يمكنه تركه وغلاً في عنقه يمنعه أن يفعل بعض ما أمر به, وقد يوقعه في بعض ما نهي عنه - ثم قال - السادس:- أن في المداومة على نوعٍ دون غيره هجران لبعض المشروع وذلك سبب لنسيانه والإعراض عنه حتى يعتقد أنه ليس من الدين بحيث يصير في نفوس كثير من العامة أنه ليس من الدين, وهجران بعض المشروع سبب لوقوع العداوة والبغضاء بين الأمة - ثم قال - السابع:- أن الله يأمر بالعدل والإحسان, والعدل التسوية بين المتماثلين وحرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده ومن أعظم العدل, العدل في الأمور الدينية, فإن العدل في أمر الدنيا من الدماء والأموال كالقصاص والمواريث وإن كان واجباً وتركه ظلم, فالعدل في أمر الدين أعظم منه, وهو العدل بين شرائع الدين وبين أهله فإذا كان الشارع قد سوى بين عملين أو عاملين كان تفضيل أحدهما على الآخر من الظلم العظيم, وإذا فضل بينهما كانت التسوية كذلك, والتفضيل أو التسوية بالظن وهوى النفوس من جنس دين الكفار ) ا.هـ. قلت:- وخلاصته أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوعة تفعل على جميع وجوهها في أوقاتٍ مختلفة .
153- { ما يصل إلى الميت من أعمال الحي }(1/63)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما القراءة والصدقة وغيرهما من أعمال البر فلا نزاع بين علماء أهل السنة والجماعة في وصول ثواب العبادات المالية كالصدقة والعتق كما يصل إليه أيضاً الدعاء والاستغفار والصلاة عليه صلاة الجنازة والدعاء عند قبره وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية كالصوم والصلاة والقراءة والصواب أن الجميع يصل إليه ) ا.هـ. قلت:- وقد أطنب أبو العباس في ذكر الأدلة على ذلك كعادته رحمه الله تعالى .
154- { هل الميت يتأذى بالبكاء عليه }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( فصل:- و أما قول السائل هل يؤذيه البكاء عليه
فهذه مسألة فيها نزاع بين السلف والخلف والعلماء والصواب أنه يتأذى بالبكاء عليه كما نطقت به الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه )) وفي لفظٍ (( من ينح عليه يعذب بما نيح عليه )) وفي الحديث الصحيح أن عبدالله بن رواحة لما أغمي عليه جعلت أخته تندب وتقول واعضداه واناصراه فلما أفاق قال (( ما قلت لي شيئاً إلا قيل لي أكذلك أنت )) وقد أنكر طوائف من السلف والخلف, واعتقدوا أن ذلك من باب تعذيب الإنسان بذنب غيره فهو مخالف لقوله تعالى { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ثم تنوعت طرقهم في تلك الأحاديث الصحيحة ) ا.هـ. قلت:- ولا كلام لأحد مع قوله - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد أثبت أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فنقول كما قال المعصوم و أما كيفية
ذلك فإنه من الغيب الذي هو من خصائص الله تعالى والله أعلم .
155- { حكم أطفال المشركين }
قال أبو العباس ( والصواب أن يقال فيهم الله أعلم بما كانوا عاملين ولا يحكم بمعين منهم بجنةٍ ولا نار وقد جاء في عدة أحاديث أنهم يوم القيامة في عرصات القيامة يؤمرون وينهون فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة ) ا.هـ.(1/64)
156- { هل زيادة العمر والنقصان فيه الواردة في بعض النصوص يراد بها الحقيقة أم هي كناية من البركة فقط }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما نقص العمر وزيادته فمن الناس من يقول :-
إنه لا يجوز بحال و يحمل ما ورد , على زيادة البركة و الصواب أنه يحصل نقص
وزيادة عما كتب في صحف الملائكة وأما علم الله القديم فلا يتغير ) ا.هـ.
157- { أيهما أقرب إلى الحل والعدل المزارعة أم إجارة الأرض }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والصواب أن يقال:- إن المزارعة أحل من الإجارة بثمن مسمى لأنها أقرب إلى العدل وأبعد عن الخطر ) ا.هـ.
158- { هل الخضر حي أم ميت }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت وأنه لم يدرك الإسلام ) ا.هـ.
159- { حد المسكر عند ابن تيمية }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب أن كل مسكرٍ من طعام أو شراب فهو حرام ويدخل في ذلك البتع والمزر والحشيشة القنبية وغير ذلك ) ا.هـ. قلت:- فالقاعدة عنده تقول ( كل ما أسكر فهو حرام ) وقال في موضع ( والصواب ما عليه جماهير المسلمين أن كل مسكر خمر يجلد شاربه ولو شرب منه قطرة لتداوٍ أو غيره ) ا.هـ.
160- { حكم وطء الزوجة }
قال أبو العباس ( ووطؤها واجب عليه - أي الزوج - عند أكثر العلماء وقد قيل:- إنه لا يجب اكتفاءً بالباعث الطبيعي والصواب أنه واجب ) ا.هـ.
161- { هل الذين قاتلوا الصحابة يوم صفين والجمل بغاة, أم خوارج }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد روي أنه يوم الجمل وصفين كان أمرهم بخلاف ذلك فمن جعلهم بمنزلة البغاة المتأولين جعل فيهم هذين القولين والصواب أن هؤلاء ليسوا من البغاة المتأولين فإن هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلاً, وإنما هم من جنس الخوارج المارقين وما نعي الزكاة وأهل الطائفة الخرمية ونحوهم ممن قوتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام ) ا.هـ.(1/65)
162- { المزارعة عند ابن تيمية تصح سواءً كان البذر من العامل أو من رب الأرض أو من رجل آخر }
قال رحمه الله تعالى ( وأما المزارعة فإذا كان البذر من العامل أو من رب الأرض أو كان من شخصٍ آخر ففي ذلك روايتان عن أحمد والصواب أنها تصح في ذلك كله ) ا.هـ.
163- { ما المعتبر في العقود المعاني أم الألفاظ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب هو الطريقة الأولى فإن الاعتبار في العقود بالمعاني والمقاصد لا بمجرد اللفظ هذا أصل أحمد وجمهور العلماء وأحد الوجهين في مذهب الشافعي ) ا.هـ.
164- { ذهب الصديق - رضي الله عنه - إلى أن الجد بمنزلة الأب يحجب الإخوة وذهب
زيد إلى أنه لا يحجبهم فأي المذهبين أرجح عند ابن تيمية }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وكذلك إتباعهم لزيد في الجد مع أن جمهور الصحابة على خلافه فجمهور الصحابة موافقون للصديق في أن الجد كالأب يحجب الإخوة وهو مروي عن بضعة عشر من الصحابة ومذهب أبي حنيفة وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وأحمد اختاره أبو حفص البرمكي من أصحابه وحكاه بعضهم رواية عن أحمد، وأما المورثون للإخوة مع الجد فهم علي وابن مسعود وزيد ولكل واحدٍ قول انفرد به، وعمر بن الخطاب كان متوقفاً في أمره والصواب بلا ريب قول الصديق لأدلة متعددة ذكرناها في غير هذا الموضع ) ا.هـ.
165- { لو أن إنساناً له زوجة وأولاد ثم تزوج زوجة أخرى فقال لها:- إن طلاق زوجتي الأولى في يدك، ومع مرور الوقت طلق هذا الرجل الزوجة الثانية فهل الوكالة تبطل أم لا تزال قائمة بحالها }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب في هذه الصورة المسئول عنها أنها - أي
الوكالة - تبطل بالتطليق ) ا.هـ.
166- { المرجع في تحديد نفقة الزوجة }(1/66)
قال ابن تيمية بعد أن حكى الخلاف ( والصواب المقطوع به عند جمهور العلماء أن نفقة الزوجة مرجعها إلى العرف وليست مقدرة بالشرع بل تختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة وحال الزوجين وعادتهما ) ا.هـ.
167- { هل مريم وآسية امرأة فرعون من الأنبياء }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب الذي عليه عامة المسلمين وحكي الإجماع عليه أنهما ليستا بنبيتين ) ا.هـ.
168- { الكلام على أنكحة الكفار }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والصواب أن أنكحتهم المحرمة في دين الإسلام حراماً مطلقاً إذا لم يسلموا عوقبوا عليها وإن أسلموا عفي لهم ذلك لعدم اعتقادهم تحريمه واختلف في الصحة والفساد والصواب أنها صحيحة ) ا.هـ.
169- { الصواب في امرأة المفقود }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصواب في امرأة المفقود مذهب عمر ابن الخطاب وغيره من الصحابة وهو أنها تتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة ويجوز لها أن تتزوج بعد ذلك، وهي زوجة الثاني ظاهراً وباطناً ثم إن قدم زوجها الأول بعد تزوجها خير بين امرأته وبين مهرها ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده ) ا.هـ.
170- { تعريف الصلاة عند ابن القيم }
قال رحمه الله تعالى ( وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم )) هو فصل الخطاب في هذه المسائل وغيرها طرداً وعكساً فكل ما كان تحريمه التكبير وتحليله التسليم فلا بد من افتتاحه بالطهارة ) ا.هـ.
171- { هل الأمر بالأمر بالشيء أمراً به }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى( وقد اختلف الناس في ذلك وفصل النزاع أن المأمور(1/67)
الأول إن كان مبلغاً محضاً كأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - آحاد الصحابة أن يأمر الغائب عنه بأمره, فهذا أمر به من جهة الشارع قطعاً ولا يقبل ذلك نزاعاً أصلاً ومنه قوله ((مرها فلتصبر ولتحتسب)) وقوله ((مروهم بصلاة كذا في حين كذا)) ونظائره كثيرة, فهذا الثاني مأمور به من جهة الرسول, فإذا عصاه المبلغ إليه فقد عصى أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه, والمأمور الأول مبلغ محض, وإن كان الأمر متوجهاً إلى المأمور الأول توجه التكليف والثاني غير مكلفٍ لم يكن أمراًَ للثاني من جهة الشارع كقوله ((مروهم بالصلاة لسبع)) فهذا الأمر خطاب للأولياء بأمر الصبيان بالصلاة فهذا فصل الخطاب في هذا الباب والله أعلم بالصواب ) ا.هـ.
172- { ما الحكم لو طلق الكافر وهو لا يعتقد وقوعه }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فصل:- في طلاق الكفار الذين لا يعتقدون وقوعه وأما إن كان الكافر لا يعتقد وقوع الطلاق ولا نفوذه فطلق فهل يصح طلاقه؟ ففيه روايتان منصوصتان عن أحمد, أصحهما أنه لا يصح طلاقه وهذا هو مقتضى أصوله فإننا نقرهم على ما يعتقدون صحته من العقود فإذا لم يعتقدوا نفوذ الطلاق فهو يعتقد بقاء نكاحه, فيقر عليه وإن أسلم, وأيضاً فإن وجود هذا الطلاق وعدمه في حقه واحد فإنه لم يلتزم حكم الطلاق ولا اعتقد نفوذه فلم يلزمه حكمه وهذا التفصيل في طلاقه هو فصل الخطاب ) ا.هـ.
173- { الصحيح في حساب الكفار }(1/68)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وفصل الخطاب هو إثبات الحساب بمعنى عد الأعمال وإحصائها وعرضها عليهم لا بمعنى إثبات حسنات نافعة لهم في ثواب يوم القيامة تقابل سيئاتهم ) ا.هـ. وقال في موضع آخر ( وفصل الخطاب أن الحساب يراد به عرض الأعمال عليهم وتوبيخهم عليها ويراد بالحساب موازنة الحسنات بالسيئات, فإن أريد بالحساب المعنى الأول فلا ريب أنهم يحاسبون بهذا الاعتبار وإن أريد المعنى الثاني فإن قصد بذلك أن الكفار تبقى لهم حسنات يستحقون بها دخول الجنة فهو خطأ قطعاً وإن أريد أنهم يتفاوتون في العقاب فعقاب من كثرت سيئاته أعظم من عقاب من قلَّت سيئاته ومن كان له حسنات خفف عنه العذاب كما أن أبا طالب أخف عذاباً من أبي لهب وقال تعالى { الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ } وقال تعالى { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } والنار دركات فإذا كان بعض الكفار عذابه أشد عذاباً من بعض لكثرت سيئاته وقلَّت حسناته كان الحساب لبيان مراتب العذاب لا لأجل دخول الجنة ) ا.هـ.
174- { هل الصوم شرط في الاعتكاف }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فالقول الراجح بالدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ) ا.هـ.
175- { الراجح في خيار الشرط }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وفي القصة دليل على أن المتعاقدين إذا جعلا بينهما أجلاً غير محدود جاز إذا اتفقا عليه ورضيا به وقد نص أحمد على جوازه في رواية عنه, في الخيار مدة غير معلومة أنه يكون جائزاً حتى يقطعاه وهذا هو الراجح إذ لا محذور فيه ولا عذر وكل منهما قد دخل على بصيرة ورضي بموجب العقد فكلاهما في العلم به سواء فليس لأحدهما مزية على الآخر فلا يكون ظلماً ) ا.هـ.
176- { حكم بيع المسك في الفأرة }(1/69)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والمسك الذي في الفأرة عند الناس خير من المنفوض وجرت عادة التجار ببيعه فيها ويعرفون قدره وجنسه, معرفةً لا تكاد تختلف فليس من الغرر في شيء, ومن حرم بيع شيء على أنه غرر طولب بدخوله في مسمى الغرر لغة وشرعاً وجواز بيع المسك في الفأرة أحد الأقوال لأصحاب الشافعي وهو الراجح دليلاً ) ا.هـ.
177- { مسألة الثياب الطاهرة إذا اشتبهت بثياب نجسة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فهذه مسألة نزاع, فذهب مالك في رواية عنه وأحمد إلى أنه يصلي في ثوبٍ بعد ثوبٍ حتى يتيقن أنه صلى في ثوبٍ طاهر وقال الجمهور ومنهم أبو حنيفة والشافعي ومالك في الرواية الأخرى إنه يتحرى فيصلي في واحدٍ منها صلاة واحدة كما يتحرى في القبلة, وقال المزني وأبو ثور:- بل يصلي عرياناً ولا يصلي في شيء منها لأن الثوب النجس في الشرع كالمعدوم والصلاة فيه حرام وقد عجز عن السترة بثوبٍ طاهر فسقط عنه فرض السترة وهذا أضعف الأقوال, والقول بالتحري هو الراجح الظاهر سواءً كثر عدد الثياب الطاهرة أو قل وهو اختيار شيخنا ) ا.هـ.
178- { هل الزنا يثبت حرمة المصاهرة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولهذا كان الراجح أن الزنا لا يثبت حرمة المصاهرة كما لا يثبت التوارث والنفقة وحقوق الزوجية ولا يثبت به النسب ولا العدة على الصحيح وإنما تستبرأ بحيضة ليعلم براءة رحمها, ولا يقع فيه طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا يثبت المحرمية بينه وبين أمها وابنتها, فلا يثبت حرمة المصاهرة ولا تحريمها ) ا.هـ.
179- { لو حل الدين فصالحه على تأجيله فهل الدين الحال يتأجل بالتأجيل }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصحيح أنه يتأجل, كما يتأجل بدل القرض وإن كان النزاع في الصورتين, فمذهب أهل المدينة في ذلك هو الراجح ) ا.هـ. قلت:- واختاره أيضاً شيخه أبو العباس .
180- { ما العمل إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الدين }(1/70)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( المثال السادس والسبعون:- إذا رهنه داراً أو سلعة
على دين وليس عنده من يشهد على قدر الدين ويكتبه فالقول قول المرتهن في قدره ما لم يدع أكثر من قيمته - أي قيمة الرهن - هذا قول مالك, وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد, القول قول الراهن, وقول مالك هو الراجح وهو اختيار شيخنا ) ا.هـ.
181- { لو مات الأبوان الكافران وخلفا طفلاً صغيراً فهل يحكم بإسلام هذا الطفل لانقطاع سبب التهويد والتنصير بموت أبويه }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف في ذلك ( ولكن الراجح في الدليل قول الجمهور وأنه لا يحكم بإسلامه بذلك وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد واختارها شيخ الإسلام ) ا.هـ.
182- { كم عدة المختلعة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد اختلف الناس في عدة المختلعة فذهب إسحاق وأحمد في أصح الروايتين عنه دليلاً أنها تعتد بحيضة واحدة وهو مذهب عثمان ابن عفان وعبدالله بن عباس وقد حكي إجماع الصحابة ولا يعلم لهما مخالف وقد دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة دلالة صريحة وعذر من خالفها أنها لم تبلغه أو لم تصح عنده أو ظن الإجماع على خلاف موجبها, وهذا القول هو الراجح في الأثر والنظر ) ا.هـ.
183- { الموطوءة بشبهة كم تعتد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما الزانية والموطوءة بشبهة فموجب الدليل أنها تستبرأ بحيضة فقط ونص عليه أحمد في الزانية واختاره شيخنا في الموطوءة بشبهة وهو الراجح وقياسهما على المطلقة الرجعية من أبعد القياس وأفسده ) ا.هـ.
184- { حكم المضاربة بالدين }(1/71)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قيل:- هذا مما اختلف فيه وفي صورة المضاربة بالدين قولان في مذهب الإمام أحمد, أحدهما:- أنه لا يجوز ذلك وهو المشهور لأنه يتضمن قبض الإنسان من نفسه وإبرائه لنفسه من دين الغريم بفعل نفسه لأنه متى أخرج الدين وضارب به فقد صار المال أمانة وبرئ منه وكذلك إذا اشترى به شيئاً أو تصدق به, والقول الثاني:- أنه يجوز وهو الراجح في الدليل وليس في الأدلة الشرعية ما يمنع من جواز ذلك ولا يقتضي تجويزه مخالفة قاعدة من قواعد الشرع ولا وقوعاً في محظور من ربا ولا قمار ولا بيع غرر ولا مفسدة في ذلك بوجه من الوجوه فلا يليق بمحاسن الشريعة المنع, بل تجويزه من محاسنها ومقتضاها ) ا.هـ.
185- { إذا لاعن الزوج ونكلت المرأة عن الملاعنة فهل يقام عليها الحد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فإذا حلف الزوج ونكلت عن اليمين حكم عليها إما بالحبس حتى تقر أو تلاعن كما يقول أحمد وأبو حنيفة وإما بالحد كما يقوله الشافعي ومالك وهو الراجح ) ا.هـ.
186- { حلي المرأة الملبوس لابد فيه من أمرين إما أن تعيره وإما أن تزكيه }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد قال جماعة من الصحابة والتابعين إن زكاة الحلي عاريته فإذا لم تعره فلابد من زكاته وهذا وجه في مذهب أحمد، قلت:- وهو الراجح وأنه لا يخلو الحلي من زكاة أو عارية ) ا.هـ.
187- { المراد بقوله تعالى { وَالْعَصْرِ } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والعصر المقسم به قيل هو أول الوقت الذي يلي المغرب من النهار وقيل هو آخر ساعة من ساعاته وقيل:- المراد صلاة العصر وأكثر المفسرين على أنه الدهر وهذا هو الراجح وتسمية الدهر عصراً معروف في لغتهم ) ا.هـ.
188- { حكم عظم الميتة }(1/72)
قال ابن القيم في ذلك خلافاً طويلاً وذكر عدة أقوال, ومن هذه الأقوال أنها طاهرة وقال عن هذا القول ( وهو الراجح في الدليل لعدم علة التنجيس فيها وإن الموت ليس بعلة النجاسة وإنما هو دليل العلة وسببها, والعلة هي احتقان الفضلات في اللحم, والعظم بريء من ذلك والدليل على هذا أن الشارع لم يحكم بنجاسة الحيوان النامي الذي لا نفس له سائلة لعدم احتقان الفضلات فيه فلأن لا يحكم بنجاسة العظم أولى وأحرى فإن الرطوبات التي في الذباب والعقرب والخنفساء أكثر من الرطوبات التي في العظم ) ا.هـ. قلت:- وهو اختيار شيخه أبي العباس .
189- { حكم المراهنة في مسائل العلم }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( المسألة الحادية عشرة:- المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه وغيره من العلوم النافعة والإصابة في المسائل هل تجوز بعوض منعه أصحاب مالك وأحمد, والشافعي, وجوزه أصحاب أبي حنيفة وشيخنا - أي ابن تيمية - وحكاه ابن عبدالبر عن الشافعي وهو أولى من السباق والصراع والسباحة فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز وهي صورة مراهنة الصديق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وبثبوته, وقد تقدم أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد فهي في العلم أولى بالجواز وهذا القول هو الراجح ) ا.هـ.
190- { قول أبي العباس في الأمرد والنظر إليه وإلى المرأة بلا مقتضى الحاجة }(1/73)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وكذلك المردان الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة إلا بقدر الحاجة فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب ولا من رقصه بين الرجال ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس والنظر إليه كذلك وإنما وقع النزاع بين العلماء في القسم الثالث من النظر, وهو النظر إليه بغير شهوة لكن مع خوف ثورانها ففيه وجهان في مذهب أحمد, أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي وغيره أنه لا يجوز والثاني:- يجوز لأن الأصل عدم ثورانها فلا يحرم بالشك بل قد يكره, والأول هو الراجح, كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز وإن كانت الشهوة منتفية لكن لأنه يخاف ثورانها ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية لأنه مظنة الفتنة ) ا.هـ.
191- { الخف إذا كان فيه خرق يسير فهل يمسح عليه }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما الخف إذا كان فيه خرق يسير ففيه نزاع مشهور فأكثر الفقهاء على أنه يجوز المسح عليه كقول أبي حنيفة ومالك, والقول الثاني لا يجوز كما هو المعروف من مذهب الشافعي وأحمد, قالوا:- لأن ما ظهر من القدم فرضه الغسل وما استتر فرضه المسح ولا يمكن الجمع بين البدل والمبدل منه, والقول الأول هو الراجح فإن الرخصة عامة ولفظ الخف يتناول ما فيه من الخرق وما لا خرق فيه لاسيما والصحابة كان فيهم فقراء كثيرون وكانوا يسافرون وإذا كان كذلك فلابد أن يكون في بعض خفافهم خروق والمسافرون قد يتخرق خف أحدهم ولا يمكنه إصلاحه في سفره فإن لم يجز المسح عليه لم يحصل مقصود الرخصة ) ا.هـ.
192- { النجاسة هل تطهر بالاستحالة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ذكرنا أن فيها قولين في مذهب مالك وأحمد أحدهما:- أن ذلك طاهر وهو قول أبي حنفية وأهل الظاهر وغيرهم وذكرنا أن هذا هو الراجح ) ا.هـ. قلت:- وقد تقدم هذا النقل فيما أظن .
193- { القول في الشعور }(1/74)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والقول الراجح هو طهارة الشعور كلها, شعر الكلب والخنزير وغيرهما ) ا.هـ.
194- { حكم فعل ذوات الأسباب في وقت النهي }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( و الرواية الثانية جواز جميع ذوات الأسباب و هي
اختيار أبي الخطاب وهذا مذهب الشافعي وهو الراجح في هذا الباب ) ا.هـ.
195- { ما الطعام الذي يخرج في الكفارة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والراجح في هذا كله أن يرجع فيه إلى العرف فيطعم كل قومٍ مما يطعمون أهليهم, ولما كان كعب بن عجرة ونحوه يقتاتون التمر أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطعم فرقاً من التمر بين ستة مساكين ) ا.هـ. قلت:- فمرد تحديد ذلك إلى عرف كل بلد .
196- { ما الحكم لو حلف بالحرام أي قال:- إن فعلت كذا فالحلال علي حرام؟ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( في هذه المسألة نزاع مشهور بين السلف والخلف ولكن القول الراجح أن هذا يمين من الأيمان لا يلزمه بها طلاق ولو قصد بذلك الحلف بالطلاق وهذا مذهب الإمام أحمد المشهور عنه ) ا.هـ.
197- { من مات وعليه صوم من رمضان وصوم نذر فما العمل }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( القول الثالث:- أنه يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي وهذا مذهب أحمد المنصوص عنه وقول أبي عبيد والليث بن سعد وهو المنصوص عن ابن عباس, روى الأثرم عنه أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر وعليه صوم رمضان فقال:- أما رمضان فليطعم عنه وأما النذر فيصام وهذا أعدل الأقوال وعليه يدل كلام الصحابة وبهذا يزول الإشكال ) ا.هـ.
198- { القول في ولدان الكفار إذا ماتوا صغاراً }(1/75)
حكى ابن القيم فيها ثمانية أقوال وقال ( القول الثامن أنهم يمتحنون في الآخرة فمن أطاع منهم أدخله الله الجنة ومن عصى عذبه وقد روي في هذا من حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة وغيرهما وهي أحاديث يشد بعضها بعضاً وهذا أعدل الأقوال وبه يجتمع شمل الأدلة وتتفق الأحاديث في هذا الباب وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة كما في حديث سمرة وبعضهم في النار كما دل عليه حديث عائشة ) ا.هـ.
199- { التفضيل بين المسح والغسل }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه بل إن كانتا في خف مسح عليهما ولم ينزعهما وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليه وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل قاله شيخنا والله أعلم ) ا.هـ.
200- { هل يجوز الوصال وإلى كم يجوز }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( والقول الثالث وهو أعدل الأقوال أن الوصال يجوز من سحر إلى سحر وهذا هو المحفوظ عن أحمد وإسحاق لحديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (( لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر ))"رواه البخاري" وهو أعدل الوصال وأسهله على الصائم ) ا.هـ.
201- { حكم صيام يوم الغيم }(1/76)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فأما صيام يوم الغيم احتياطاً على أنه إن كان من رمضان فهو فرضه وإلا فهو تطوع فالمنقول عن الصحابة يقتضي جوازه وهو الذي كان يفعله ابن عمر وعائشة, هذا مع رواية عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غم هلال شعبان عد ثلاثين يوماً ثم صام وقد رد حديثها هذا بأنه لو كان صحيحاً لما خالفته وجعل صيامها علة في الحديث, وليس الأمر كذلك, فإنها لم توجب صيامه وإنما صامته احتياطاً وفهمت من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن الصيام لا يجب حتى تكمل العدة ولم تفهم هي ولا ابن عمر أنه لا يجوز وهذا أعدل الأقوال في المسألة وبه تجتمع الأحاديث والآثار ) قلت: وهو اختيار أبي العباس في قولٍ عنه .
202- { الحكم فيمن غير مال غيره }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( إن من غير مال غيره بحيث فوت مقصوده عليه فله أن يضمنه بمثله، وهذا كما لو تصرف في المغصوب بما أزال اسمه ففيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:- أحدهما:- أنه باق على ملك صاحبه وعلى الغاصب ضمان النقص ولا شيء عليه في الزيادة كقول الشافعي والثاني:- يملكه الغاصب بذلك ويضمنه لصاحبه كقول أبي حنيفة, والثالث:- يخير المالك بين أخذه وتضمين النقص وبين المطالبة بالبدل وهذا أعدل الأقوال وأقواها ) ا.هـ.
203- { شفعة الجار }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فأهل الكوفة يثبتون شفعة الجوار مع تميز الطرق والحقوق وأهل المدينة يسقطونها مع الاشتراك في الطريق والحقوق, وأهل البصرة يوافقون أهل المدينة إذا صرفت الطرق ولم يكن هناك اشتراك في حق من حقوق الأملاك ويوافقون أهل الكوفة إذا اشترك الجاران في حق من حقوق الأملاك كالطريق وغيرها وهذا هو الصواب وهو أعدل الأقوال وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ) ا.هـ.
204- { أقوال الناس في الاستثناء في الإيمان والراجح منها }(1/77)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والناس لهم في الاستثناء ثلاثة أقوال منهم من يحرمه كطائفة من الحنفية يقولون:- من يستثني فهو شكاك ومنهم من يوجبه كطائفة من أهل الحديث ومنهم من يجوزه أو يستحبه وهذا أعدل الأقوال فإن الاستثناء له وجه صحيح فمن قال أنا مؤمن إن شاء الله وهو يعتقد أن الإيمان فعل جميع الواجبات ويخاف أن لا يكون قائماً بها فقد أحسن, ولهذا كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم, ومن اعتقد أن المؤمن المطلق هو الذي يستحق الجنة فاستثنى خوفاً من سوء الخاتمة فقد أصاب, ومن استثنى خوفاً من تزكية نفسه أو مدحها أو تعليق بمشيئة الله فقد أحسن, و من جزم بما يعلمه أيضاً
في نفسه من التصديق فهو مصيب ) ا.هـ.
205- { هل يقرأ المأموم حال سماعه لقراءة إمامه }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( ولهذا كان أعدل الأقوال في القراءة خلف الإمام أن المأموم إذا سمع قراءة الإمام يستمع لها وينصت لا يقرأ بالفاتحة ولا غيرها وإذا لم يسمع قراءته, فيقرأ الفاتحة وما زاد وهذا قول جمهور السلف والخلف وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وجمهور أصحابه وهو أحد القولين عن الشافعي واختاره طائفة من محققي أصحابه وهو قول محمد ابن الحسن وغيره من أصحاب أبي حنيفة ) ا.هـ.
206- { متى يجوز للمجتهد أن يقلد غيره }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما القادر على الاستدلال فقيل يحرم عليه التقليد مطلقاً وقيل يجوز مطلقاً وقيل يجوز عند الحاجة كما إذا ضاق الوقت عن الاستدلال وهذا القول أعدل الأقوال ) ا.هـ. قلت:- وهو اختيار تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى .
207- { مسألة قتل المسلم بالكافر والذمي والحر بالعبد }(1/78)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ومن ذلك مسألة قتل المسلم بالكافر والذمي والحر بالعبد للناس فيه ثلاثة أقوال:- أحدها يقتل به بكل حال كقول أبي حنيفة وأصحابه, والثاني:- لا يقتل به بحال كقول الشافعي وأحمد في أحد القولين والثالث:- لا يقتل به إلا في المحاربة فإن القتل فيها حد لعموم المصلحة فلا تتعين فيه المكافأة, بل يقتل فيه الحر وإن كان المقتول عبداً, والمسلم وإن كان المقتول ذمياً وهذا قول أهل المدينة والقول الآخر لأحمد وهو أعدل الأقوال وفيه جمع بين الآثار المنقولة في هذا الباب أيضاً ) ا.هـ.
208- { من قتل الصيد جاهلاً أو ناسياً هل يضمنه }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( و القياس أن من فعل شيئاً من محظورات الإحرام
ناسياً لا فدية عليه, وقيل:- الصيد هو من باب ضمان المتلفات كدية المقتول بخلاف الطيب واللباس فإنه من باب الترفه وكذلك الحلق والتقصير والتقليم هو في الحقيقة من باب الترفه لا من باب متلف له قيمة فإنه لا قيمة لذلك, فلهذا كان أعدل الأقوال أن لا كفارة فيه شيء من ذلك إلا في جزاء الصيد ) ا.هـ.
209- { هل خلع الخف يبطل الطهارة أم لا }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ومن الناس من يقول خلع الخف لا يبطل الطهارة وهو أعدل الأقوال وأوسطها ) ا.هـ.
210- { هل يرخص في السجود على شيء عند الحاجة كالعمامة ونحوها من شدة الحر }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فالأحاديث والآثار تدل على أنهم كانوا في حال الاختيار يباشرون الأرض بالجباه وعند الحاجة كالحر ونحوه يتقون بما يتصل بهم من طرف ثوبٍ وعمامة وقلنسوةٍ ولهذا كان أعدل الأقوال في هذه المسألة أنه يرخص في ذلك عند الحاجة ويكره السجود على العمامة ونحوها عند عدم الحاجة وفي المسألة نزاع وتفصيل ليس هذا موضعه ) ا.هـ.
211- { خلاف العلماء في البسملة والراجح فيه }(1/79)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وتنازعوا فيها في أوائل السور حيث كتبت على ثلاثة أقوال, أحدها:- أنها ليست من القرآن وإنما كتبت تبركاً بها وهذا مذهب مالك وطائفة من الحنفية ويحكى هذا رواية عن أحمد ولا يصح عنه, وإن كان قولاً في مذهبه, والثاني:- أنها من كل سورة, إما آية وإما بعض آية وهذا مذهب الشافعي - رضي الله عنه -, والثالث:- أنها من القرآن حيث كتبت آية من كتاب الله من أول كل سورة, وليست من السور وهذا مذهب ابن المبارك وأحمد بن حنبل - رضي الله عنه - وغيرهما وذكر الرازي أنه مقتضى مذهب أبي حنيفة عنده وهذا أعدل الأقوال فإن كتابتها في المصحف بقلم القرآن تدل على أنها من القرآن و كتابتها مفردة
مفصولة عما قبلها وما بعدها تدل على أنها ليست من السورة ) ا.هـ.
212- { قراءة المأموم خلف الإمام }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والذي عليه جمهور العلماء هو الفرق بين حال الجهر و حال المخافتة فيقرأ في حال السر و لا يقرأ في حال الجهر و هذا أعدل
الأقوال ) ا.هـ.
213- { هل يمكن للمأموم أحياناً أن يصلي قدام الإمام }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( أما صلاة المأموم قدام الإمام ففيها ثلاثة أقوال للعلماء, أحدها:- أنها تصح مطلقاً, وإن قيل إنها تكره وهذا هو المشهور من مذهب مالك والقول القديم للشافعي والثاني:- أنها لا تصح مطلقاً كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما, والثالث:- أنها تصح مع العذر دون غيره مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة وهذا قول طائفة من العلماء وهو قول في مذهب أحمد وغيره وهو أعدل الأقوال وأرجحها ) ا.هـ.
214- { حكم إتمام المسافر }
حكى ابن تيمية في ذلك أقوالاً, ومنها القول بكراهة الإتمام وقال ( وهذا القول هو القول بكراهة التربيع وهو أعدل الأقوال ) ا.هـ.(1/80)
215- { هل قوله - صلى الله عليه وسلم - (( بين كل أذانين صلاة )) يتحقق فيما بين الأذان الأول والثاني في يوم الجمعة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد احتج بعض الناس على الصلاة قبل الجمعة بقوله (( بين كل أذانين صلاة )) وعارضه غيره فقال:- الأذان الذي على المنائر لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن عثمان أمر به لما كثر الناس على عهده ولم يكن يبلغهم الأذان الأول حين خروجه وقعوده على المنبر ويتوجه أن يقال:- إن هذا الأذان لما سنه عثمان واتفق المسلمون عليه صار أذاناً شرعياً وحينئذٍ فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة وليست سنة راتبة كالصلاة قبل صلاة المغرب وحينئذٍ فمن فعل ذلك لم ينكر عليه ومن ترك ذلك لم ينكر عليه وهذا أعدل الأقوال وكلام الإمام أحمد يدل عليه ) ا.هـ.
216- { حكم تلقين الميت بعد دفنه }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( تلقينه بعد موته ليس واجباً بالإجماع ولا كان من عمل المسلمين المشهور بينهم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه, بل ذلك مأثور عن طائفة من الصحابة كأبي أمامة وواثلة بن الأسقع, فمن الأئمة من رخص فيه وقد استحبه طائفة من أصحابه وأصحاب الشافعي ومن العلماء من يكرهه لاعتقاده أنه بدعة فالأقوال فيه ثلاثة:- الاستحباب والكراهة والإباحة وهذا أعدل الأقوال ) ا.هـ.
217- { إعطاء القيمة عن زكاة العين }(1/81)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما إذا أعطاه القيمة في الزكاة عن زكاة العين ففيه نزاع, هل يجوز مطلقاً أو لا يجوز مطلقاً, أو يجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره, وهذا القول أعدل الأقوال ) ا.هـ. فابن تيمية رحمه الله تعالى يرى جواز إخراج القيمة عن زكاة العين وإذا كان ذلك هو الأصلح أو كان ذلك هو مقتضى الحاجة, وأما إذا لم يكن فيه كشف لحاجةٍ ولا تحقيق لمصلحة فالأصل هو إخراج الزكاة عن العين من نفس المال الزكوي والله أعلم .
218- { هل يتقدر التعزير أم لا ؟ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما أكثر التعزير ففيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره, أحدها:- عشر جلدات, والثاني:- دون أقل الحدود إما تسعة وثلاثون سوطاً وإما تسعة وسبعون سوطاً وهذا قول كثير من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد, والثالث:- أنه لا يتقدر بذلك وهو قول أصحاب مالك وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه لكن إن كان التعزير فيما فيه مقدر, لم يبلغ به ذلك المقدر, مثل التعزير على سرقة دون النصاب لا يبلغ به القطع والتعزير على المضمضة بالخمر لا يبلغ حد الشرب, والتعزير على القذف بغير الزنا لا يبلغ به الحد وهذا القول أعدل الأقوال وعليه دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه الراشدين ) ا.هـ.
219- { القول في نكاح اليتيمة وإذنها فيه }(1/82)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فهذا يبين أن الله تعالى أذن لهم أن يزوجوا اليتامى من النساء إذا فرضوا لهن صداق مثلهن، ولم يأذن لهم في تزويجهن بدون صداق المثل لأنها ليست من أهل التبرع ودلائل ذلك متعددة ثم الجمهور الذين جوزوا إنكاحها لهم قولان، أحدهما:- وهو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين أنها تزوج بدون إذنها ولها الخيار إذا بلغت والثاني:- وهو المشهور في مذهب أحمد وغيره أنها لا تزوج إلا بإذنها ولا خيار لها إذا بلغت وهذا هو الصحيح الذي عليه السنة كما روى أبو هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( تستأذن اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها ))"رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي" وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (( تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت وإن أبت فلا جواز عليها )) فهذه هي السنة نص في القول الثاني الذي هو أعدل الأقوال أنها تزوج خلافاً لمن قال:- لا تزوج حتى تبلغ ) ا.هـ.
220- { ما الحكم لو شرطت المرأة على الزوج أن لا يتزوج عليها وأن لا يتسرى وخالف الزوج ففعل ذلك }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد أن حكى الخلاف ( فالأقوال في هذه المسألة ثلاثة, أحدها:- يقع به الطلاق, والثاني:- لا يقع به, ولا تملك امرأته فراقه والثالث:- وهو أعدل الأقوال أنه لا يقع به طلاق لكن لامرأته ما شرط لها فإن شاءت أن تقيم معه وإن شاءت أن تفارقه فلها ذلك وهذا أوسط الأقوال ) ا.هـ.
221- { إذا وجب حق على إنسان فأبى تسليمه فهل لصاحب الحق أن يأخذ منه بقدر حقه أم لا }(1/83)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ومن كان له عند إنسان حق ومنعه إياه جاز له الأخذ من ماله بغير إذنه إذا كان سبب الحق ظاهراً لا يحتاج إلى إثبات مثل استحقاق المرأة على زوجها واستحقاق الأقارب النفقة على أقاربهم واستحقاق الضيف الضيافة على من نزل به, وإن كان سبب الحق خفياً يحتاج إلى إثبات لم يجز, وهذه الطريقة المنصوصة عن الإمام أحمد وهي أعدل الأقوال ) ا.هـ.
222- { العلاقة بين كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والقول الثاني وهو القول الصحيح أن آيات الأولياء هي من جملة آيات الأنبياء فإنها مستلزمة لنبوتهم ولصدق الخبر بنبوتهم فإنه لولا ذلك لما كان هؤلاء أولياء ولم تكن لهم كرامات لكن يحتاج أن يفرق بين كرامات الأولياء وبين خوارق السحرة والكهان وما يكون للكفار والفساق وأهل الضلال والغي بإعانة الشياطين لهم كما يفرق بين ذلك وبين آيات الأنبياء والفرق بين ذلك كثيرة كما قد بسط في غير هذا الموضع ) ا.هـ.
223- { الطهارة للطواف }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد اختلف السلف والخلف في اشتراط الطهارة للطواف على قولين أحدهما أنها شرط كقول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد والثاني:- ليست بشرط, نص عليه في رواية ابنه عبدالله وغيره, بل نصه في رواية عبدالله تدل على أنها ليست بواجبة فإنه قال:- أحب إلي أن يتوضأ وهذا مذهب أبي حنيفة, قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية:- وهذا قول أكثر السلف قال:- وهو الصحيح فإنه لم ينقل أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر المسلمين بالطهارة لا في عمرة ولا في حجته مع كثرة من حج معه واعتمر ويمتنع أن يكون ذلك واجباً ولا يبينه للأمة وتأخير البيان عن وقته ممتنع ) ا.هـ.
224- { ما العلة في وجوب غسل اليدين ثلاثاً بعد القيام من نوم الليل }(1/84)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقيل وهو الصحيح إنه معلل بخشية مبيت الشيطان على يده أو مبيتها عليه وهذه العلة نظير تعليل صاحب الشرع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم فإنه قال (( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه )) "متفق عليه" ) ا.هـ.
225- { الحائض هل تنقض شعرها لغسلها من الحيض }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قال مهنا:- سألت أحمد عن المرأة هل تنقض شعرها من الحيض؟ قال:- نعم, قلت له:- كيف تنقضه من الحيض ولا تنقضه من الجنابة؟ فقال:- حديث أسماء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:- تنقضه, فاختلف أصحابه في نصه هذا, فحملته طائفة منهم على الاستحباب وهو قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة, وأجرته طائفة على ظاهره وهو قول الحسن وطاووس وهو الصحيح, لما احتج به أحمد من حديث أسماء أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض فقال (( تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها الماء فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها...الحديث )) "رواه مسلم" وهذا دليل على أنه لا يكتفى فيه بمجرد إضافة الماء كغسل الجنابة ولاسيما فإن في الحديث نفسه وسألته عن غسل الجنابة فقال (( تأخذ ماءً فتطهر به فتحسن الطهور - أو تبلغ الطهور - ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تفيض عليها الماء )) ففرق بين غسل الحيض وغسل الجنابة في هذا الحديث ) ا.هـ. قلت:- وخلاصته اختياره رحمه الله تعالى أن المرأة تنقضه في غسل الحيض ولا تنقضه في غسل الجنابة , و هذا مذهب وسط بين من قال تنقضه مطلقاً وبين
من قال لا تنقضه مطلقاً والله أعلم .
226- { إذا انفسخ عقد السلم بإقالة أو غيرها فهل يجوز أن يأخذ عن دين السلم عوضاً من غير جنسه }(1/85)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما المسألة الثانية وهي إذا انفسخ العقد بإقالةٍ أو غيرها فهل يجوز أن يأخذ عن دين السلم عوضاً من غير جنسه؟ فيه وجهان:- أحدهما لا يجوز ذلك حتى يقبضه ثم يصرفه فيما شاء وهذا اختيار الشريف أبو جعفر, والثاني:- يجوز أخذ العوض عنه وهو اختيار أبي يعلى وشيخ الإسلام ابن تيمية وهو مذهب الشافعي وهو الصحيح فإن هذا عوض مستقر في الذمة فجازت المعاوضة عليه كسائر الديون من القرض وغيره ) ا.هـ.
227- { من اشترى ثمراً على الشجر فهل يجوز له أن يبيع وهو لا يزال على الأشجار }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فإن في جواز بيع المشتري ما اشتراه من الثمار على الأشجار كذلك روايتان منصوصتان عن أحمد, فإن منعنا البيع يظل النقض وإن جوزنا البيع وهو الصحيح فلأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإن الثمار قد لا يمكن بيعها إلا كذلك فلو منعناه من بيعها أضررنا به, ولو جعلناها من ضمانه إذا تلفت بجائحةٍ أضررنا به أيضاً فجوزنا له بيعها لأنها في حكم المقبوض بالتخلية بينه وبينها ) ا.هـ.
228- { القضاء باليمين مع الشاهد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وحديث عمرو بن شعيب رواه مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد منقطعاً وهو الصحيح ) ا.هـ.
229- { قوله - صلى الله عليه وسلم - عن الحمى (( فأبردوها بالماء )) هل يراد به ماءً معيناً أم يدخل فيه كل ماء }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( و قوله (( بالماء )) فيه وجهان:- أحدهما:- أنه كل(1/86)
ماء وهو الصحيح والثاني:- أنه ماء زمزم واحتج أصحاب هذا القول بما رواه البخاري في صحيحه عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي قال:- كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال:- أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (( إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء - أو قال - بماء زمزم )) وراوي هذا الحديث قد شك فيه, ولو جزم به لكان أمراً لأهل مكة بماء زمزم إذ هو متيسر عندهم, ولغيرهم بما عندهم من الماء ) ا.هـ.
230- { قوله (( فأبردوها بالماء )) هل يراد به الصدقة بالماء أم استعمال الماء }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ثم اختلف من قال إنه على عمومه هل المراد به الصدقة بالماء أو استعماله على قولين والصحيح أنه استعمال ) ا.هـ.
231- { لو أسقط المتعاقدان الخيار فهل يسقط }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( السابعة:- إذا أسقطا الخيار قبل التبايع ففيه خلاف, فمن منعه نظر إلى تقدمه على السبب ومن أجازه وهو الصحيح قال:- الفرق بينهما أنهما قد عقدا العقد على هذا الوجه فلم يتقدم هنا الحكم على سببه أصلاً وهو حق لهما رضيا بإسقاطه وعدم انعقاده ) ا.هـ.
232- { العلة في تسمية يوم الجمعة بذلك }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولذلك جعلوا أسماء أيام الأسبوع مأخوذة من العدد نحو الإثنين والثلاثاء والأربعاء, أو بالأحداث الواقعة فيها كيوم بعاث ويوم بدر ويوم الفتح ومنه يوم الجمعة وفيه قولان, أحدهما:- لاجتماع الناس فيه للصلاة, والثاني:- وهو الصحيح لأنه اليوم الذي جمع فيه الخلق وكمل وهو اليوم
الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين لفصل القضاء ) ا.هـ.
233- { المراد بقوله { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فيها قولان مشهوران ونحن إذا قلنا إن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب و أن له أن يعفو عن صداق ابنته قبل الدخول و هو(1/87)
الصحيح لبضعة عشر دليلاً قد ذكرتها في موضعٍ آخر ) ا.هـ.
234- { ما الحكم لو كان لرجل عدة نسوة وقال إحداكن طالق؟ فما العمل }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( إذا قال لنسائه إحداكن طالق فإما أن ينفذ الطلاق على واحدةٍ منهن عقب إيقاعه أو لا يقع إلا بتعيينه والثاني باطل لأن التعيين ليس بسبب صالح للتطليق فلا يصح إضافة الطلاق إليه فيتعين أن الطلاق استند إلى واحدة في إيقاعه أولاً, فقد وقع بواحدة منهن ولابد, والأقوال هنا ثلاثة أحدها:- أنه يملك تعيين المطلقة فيمن شاء وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة القول الثاني:- أنه يطلق الجميع وهذا قول مالك ومن وافقه, القول الثالث:- أنه يخرج المطلقة بالقرعة وهذا مذهب أحمد وهو قول علي وابن عباس ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة وبه قال الحسن البصري, وأبو ثور وغيرهما وهو الصحيح من الأقوال ) ا.هـ.
235- { هل يصلى على الطفل إذا مات }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( الثامن عشر:- الصلاة على الطفل قال أبو عمر:- وصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبر عليه أربعاً - أي على ابنه إبراهيم لما مات -وهذا قول جمهور أهل العلم وهو الصحيح وكذلك قال الشعبي:- مات إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ستة عشر شهراً فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ) ا.هـ.
236- { حكم الأكل بالشمال }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( و كان يأمر بالأكل باليمين و ينهى عن الأكل
بالشمال ويقول (( إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله )) ومقتضى هذا تحريم الأكل بها وهو الصحيح فإن الآكل بها إما شيطان وإما مشبه به, وصح عنه أنه قال لرجل أكل عنده فأكل بشماله (( كل بيمينك )) فقال:- لا أستطيع فقال له (( لا استطعت )) فما رفع يده إلى فيه بعدها, فلو كان ذلك جائزاً لما دعا عليه بفعله ) ا.هـ.
237- { متى يذبح المحصر هديه إذا كان قارناً أو مفرداً }(1/88)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فصل, وفي نحره لما أحصر بالحديبية دليل على أن المحصر ينحر هديه وقت حصره وهذا لا خلاف فيه إذا كان محرماً بعمرة, وإن كان مفرداً أو قارناً ففيه قولان, أحدهما:- أن الأمر كذلك وهو الصحيح لأنه أحد النسكين فجاز الحل منه ونحر هديه وقت حصره كالعمرة لأن العمرة لا تفوت وجميع الزمان وقت لها فإذا جاز الحل منها ونحر هديها من غير خشية فواتها فالحج الذي يخشى فواته أولى ) ا.هـ.
238- { العلة في منع الصلاة في الحمام }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فصل, وفي القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت وصلى فيه, ولم يدخله حتى محيت الصور منه ففيه دليل على كراهة الصلاة في المكان المصور وهذا أحق بالكراهة من الصلاة في الحمام لأن كراهة الصلاة في الحمام إما لكونه مظنة النجاسة وإما لكونه بيت الشيطان وهو الصحيح وأما محل الصور فمظنة الشرك وغالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور ) ا.هـ.
239- { الكلام في وطء المسبية }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقالت فرقة أخرى:- الآية خاصة بالمسبيات فإن المسبية إذا سبيت حل وطؤها لسابيها بعد وإن كانت مزوجة وهذا قول الشافعي وأحد الوجهين لأصحاب أحمد وهو الصحيح ) ا.هـ.
240- { هل يثبت للمرأة الفسخ بسبب إعسارالزوج في دفع صداقها }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد قال جمهور الفقهاء لا يثبت لها الفسخ بالإعسار بالصداق وهذا قول أبي حنيفة وهو الصحيح من مذهب أحمد رحمه الله واختاره عامة أصحابه وهو قول كثير من الشافعية ) ا.هـ.
241- { لو أسلمت الزوجة بعد موت زوجها وقبل قسمة التركة فهل ترث }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قال القاضي :- و ظاهر كلام أحمد و الخرقي أنها
ترث, وهو الصحيح عندي لأن المانع من الميراث إذا كان لاختلاف الدين فإذا زال قبل القسمة لم يمنع الإرث كالنسب ) ا.هـ.(1/89)
242- { ما الحكم في رجل حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت هذه التمرة في تمرٍ فأكل ذلك الرجل من التمر واحدة, فما الحكم حينئذٍ }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما من حلف بالطلاق لا يأكل تمرةً فوقعت في تمرٍ فأكل منه واحدة فقد قال الخرقي:- إنه يمنع من وطء زوجته حتى يتيقن وهذا يحتمل الكراهة والتحريم, ومذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يحنث ولا يحرم عليه وطء زوجته وهو اختيار أبي الخطاب وهو الصحيح ) ا.هـ.
243- { لو أفلس المستأجر ولم يستطع السداد فهل يملك المؤجر فسخ العقد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( المثال الخامس:- أن يخاف فلس المستأجر ولم يجد من يضمنه الأجرة فالحيلة في فسخه أن يشهد عليه في العقد أنه متى تعذر عليه القيام بأجره شهر أو سنة فله الفسخ ويصح هذا الشرط, ولو لم يشرط ذلك فإنه يملك الفسخ عند تعذر قبض أجرة ذلك الشهر أو السنة ويكون حدوث الفلس عيباً في الذمة يتمكن به من الفسخ كما يكون حدوث العيب في العين المستأجرة
مسوغاً للفسخ وهذا ظاهر إذا سمى لكل شهرٍ أو سنة قسطاً معلوماً ولا يعين مقدار المدة, بل يقول:- آجرتك كل سنة بكذا أو كل شهر بكذا, تقوم لي بالأجرة في الشهر أو السنة فإن أفلس قبل مضي شيء من المدة ملك المؤجر الفسخ وإن أفلس بعد مضي شيء منها فهل يملك الفسخ؟ على وجهين أحدهما:- لا يملكه لأن مضي بعضها كتلف بعض المبيع وهو يمنع الرجوع والثاني:- يملكه وهو قول القاضي وهو الصحيح لأن المنافع إنما تملك شيئاً فشيئاً بخلاف الأعيان فإنها تملك في آنٍ واحد فيتعذر تجدد العقد عن تجدد المنافع ) ا.هـ.
244- { ما المراد بالخوف في قوله تعالى { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا } }(1/90)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ثم علقوا دخولها بشرط خروج الجبارين منها فقال لهم رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما بطاعته والانقياد إلى أمره من الذين يخافون الله, هذا قول الأكثرين وهو الصحيح ) ا.هـ.
245- { هل تجب الكفارة في وطء الحائض }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وما كان من المعاصي محرم الجنس كالظلم والفواحش فإن الشارع لم يشرع له كفارة ولهذا لا كفارة في الزنا وشرب الخمر وقذف المحصنات والسرقة, وطرد هذا أنه لا كفارة في قتل العمد ولا في اليمين الغموس كما يقوله أحمد وأبو حنيفة ومن وافقهما وليس ذلك تخفيفاً عن مرتكبهما, بل لأن الكفارة لا تعمل في هذا الجنس من المعاصي وإنما عملها فيما كان مباحاً في الأصل ثم حرم لعارضٍ كالوطء في الصيام والإحرام, وطرد هذا وهو الصحيح وجوب الكفارة في وطء الحائض وهو موجب القياس ) ا.هـ.
246- { المراد من قوله { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وهنا للناس في الآية قولان:- أحدهما:- أن المعنى فهلا نفر من كل فرقة طائفة تتفقه, وتنذر القاعدة, فيكون المعنى في طلب العلم وهذا قول الشافعي وجماعة من المفسرين واحتجوا به على قبول خبر الواحد لأن الطائفة لا يجب أن تكون بعدد التواتر والثاني:- أن المعنى فلولا نفر من كل قرية طائفة تجاهد, لتتفقه الطائفة القاعدة, وتنذر النافرة للجهاد إذا رجعوا إليهم ويخبرونهم بما نزل بعدهم من الوحي وهذا قول الأكثرين وهو الصحيح لأن النفير إنما هو الخروج للجهاد كما قال - صلى الله عليه وسلم - (( وإذا استنفرتم فانفروا )) ) ا.هـ.
247- { حكم الصلح مع الإنكار }(1/91)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فإن الشافعي لا يصحح الصلح إلا على الإقرار والخرقي ومن وافقه من أصحاب أحمد لا يصححه إلا على الإنكار, وابن أبي موسى وغيره يصححونه على الإقرار والإنكار وهو ظاهر النص وهو الصحيح ) ا.هـ.
248- {ما الحكم لو باعه جارية واشترط عليه أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن}
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( المثال الثامن والسبعون:- إذا أراد أن يبيع الجارية من رجل بعينه ولم تطب نفسه بأن تكون عند غيره فله في ذلك أنواع من الحيل:- إحداها:- أن يشترط عليه أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن كما اشترطت ذلك امرأة عبدالله بن مسعود عليه, ونص الإمام أحمد على جواز البيع والشرط في رواية علي بن سعيد وهو الصحيح ) ا.هـ.
249- { إذا احتاج الحاكم إلى ترجمة فهل يكفي مترجم واحد أم لابد من اثنين ليتأكد الحكم }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقال أبو جمرة كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين الناس, فقال بعض الناس لابد للحاكم من مترجمين قلت:- هذا قول مالكٍ والشافعي واختيار الخرقي, والاكتفاء بواحد هو قول أبي حنيفة وهو الصحيح لما تقدم وهو اختيار أبي بكر ) ا.هـ.
250- { قوله تعالى { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } هل هو محصور في أهل الكتاب أم عام في كل الكفار }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وفي اشتراط كونهم من أهل الكتاب روايتان وظاهر القرآن لا يشترط وهو الصحيح لأنه سبحانه قال للمؤمنين { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } وغير المؤمنين هم الكفار كلهم فتقييده بأهل الكتاب لا دليل عليه ) ا.هـ.
251- { لو اختلفت امرأتان فادعت كل واحدة منهما أن هذا ابنها فهل نعمل بالقافة هنا كما لو ادعاه رجلان }(1/92)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قد اختلف القائلون بالقافة هل يعتبر في تداعي المرأتين كما يعتبر في تداعي الرجلين, وفي ذلك وجهان لأصحاب الشافعي أحدهما:- لا يعتبرها هنا وإن اعتبر تداعي الرجلين قالوا:- والفرق بينهما أنَّا يمكننا التوصل إلى معرفة الأم يقيناً بخلاف الأب, فإنه لا سبيل لنا إلى ذلك فاحتجنا إلى القافة وعلى هذا فلا إشكال, والوجه الثاني:- وهو الصحيح أن القافة تجري هاهنا كما تجري بين الرجلين قاله أحمد في رواية ابن الحكم والأحاديث التي دلت على أن الولد يأخذ الشبه من الأم تارة ومن الأب تارة تدل على صحة هذا القول ) ا.هـ.
252- { ما طرق العلم )
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد ذكر الآمدي ثلاثة أقوال في طرق العلم قيل بالعقل فقط والسمع لا يحصل به كقول الرازي, وقيل بالسمع فقط وهو الكتاب والسنة, وقيل يحصل بكل منهما, ورجح هذا وهو الصحيح ) ا.هـ.
253- { قوله (( إن أول ما خلق الله القلم قال له اكتب ))
هل هو جملة أو جملتين }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولا يخلو قوله (( إن أول ما خلق الله القلم...الخ )) إما أن يكون جملة, أو جملتين فإن كان جملة وهو الصحيح كان معناه:- إنه عند أول خلقه للقلم قال له:- اكتب ) ا.هـ.
254- { أيهما خلق أولاً القلم أو العرش }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( واختلف العلماء هل القلم أول المخلوقات أم العرش على قولين ذكرهما الحافظ أبو يعلى الهمداني, أصحهما أن العرش قبل القلم لما ثبت في الصحيح من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة, وعرشه على الماء )) ) ا.هـ.
255- { معنى النهي عن تقليد الأوتار في أعناق الخيل والإبل }(1/93)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( النهي عن تقليد الخيل الأوتار, ومعناه وفي هذا قولان:- أحدهما:- أنه لا يركب عليها ويقلدها في الأخذ بالأوتار الجاهلية وهي الزحول والعداوات التي بين القبائل, والثاني:- وهو الصحيح أن لا يقلدها وتراً من أجل العين كما كان أهل الجاهلية تفعله وكذلك لا يعلق عليها خرزة ) ا.هـ.
256- { هل زيادة التغريب في حد الزاني البكر تعتبر نسخاً أم زيادة بيان }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( مثل ما قال الله تعالى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام )) وقال لآخر (( على ابنك جلد مئة وتغريب عام )) فهنا اختلف العلماء هل هذه الزيادة نسخ لقوله { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا } مع أن الجمهور على أنها ليست بنسخ وهو الصحيح كما هو مقرر في موضعه ) ا.هـ.
257- { حكم الصبر والرضا عند حلول المصائب }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصبر واجب باتفاق العلماء وأعلى من ذلك الرضا بحكم الله تعالى, والرضا قد قيل إنه واجب وقيل هو مستحب وهو الصحيح ) ا.هـ.
258- { قوله تعالى { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } هل يراد به التشابه العام أو التشابه النسبي }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن قوله { مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } في المتشابهات قولان أحدهما:- أنها آيات بعينها تتشابه على كل الناس, والثاني:- وهو الصحيح أن التشابه أمر نسبي فقد يتشابه عند هذا ما لا يتشابه عند غيره ) ا.هـ.
259- { حكم الأرض إذا فتحت عنوة }(1/94)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد تنازع العلماء في الأرض إذا فتحت عنوة هل يجب قسمها كخيبر, لأنها مغنم, أو تصير فيئاً كما دلت عليه سورة الحشر وليست الأرض من المغنم أو يخير الإمام فيما بين هذا وهذا على ثلاثة أقوال وأكثر العلماء على التخيير وهو الصحيح وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه ) ا.هـ.
260- { المراد بقوله { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ونذكر هذا على قوله تعالى { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } أن المراد به الجماع كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من العرب وهو يروى عن علي - رضي الله عنه - وهو الصحيح في معنى الآية وليس في نقض الوضوء من مس النساء لا كتاب ولا سنة ) ا.هـ.
261- { إذا ذهبت النجاسة عن الأرض بالشمس أو بالريح فهل تطهر }
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى ( فإن العلماء اختلفوا في النجاسة إذا أصابت الأرض وذهبت بالشمس أو بالريح أو الاستحالة هل تطهر؟ على قولين أحدهما:- تطهر وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وهو الصحيح ) ا.هـ.
262- { حكم من ترك فرضاً حتى خرج وقتها هل يقتل؟ ومتى يقتل؟ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وكل فرض من فرائض الصلاة المجمع عليها إذا تركه عمداً فإنه يقتل بتركه كما أنه يقتل بترك الصلاة, فإن قلنا يقتل بضيق الثانية والرابعة فالأمر كذلك, وكذلك إن قلنا يقتل بضيق الأولى وهو الصحيح أو الثالثة فإن ذلك مبني على أنه هل يقتل بترك صلاةٍ أو بثلاث على روايتين ) ا.هـ.
263- { ما المقصود بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الأمراء (( يؤخرون الصلاة عن وقتها ))}(1/95)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما الأمراء الذين كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها, ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن قتالهم فإن قيل إنهم كانوا يؤخرون الصلاة إلى آخر الوقت فلا كلام, وإن قيل وهو الصحيح إنهم كانوا يفوتونها فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمة بالصلاة في وقتها وقال (( اجعلوا صلاتكم معهم نافلة )) ونهى عن قتالهم كما نهى عن قتال الأئمة إذا استأثروا وظلموا الناس حقوقهم واعتدوا عليهم ) ا.هـ.
264- { هل وجه المحرمة كرأس المحرم لا يجوز تغطيته أم هو كيدي المحرم }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وقد تنازع الفقهاء هل وجهها - أي المحرمة - كرأس الرجل أو كيديه على قولين في مذهب أحمد وغيره فمن جعل وجهها كرأسه أمرها إذا سدلت الثوب من فوق رأسها أن تجافيه عن الوجه كما يجافي عن الرأس ما يظلل به, ومن جعله كاليدين وهو الصحيح قال:- هي لم تنه عن ستر الوجه وإنما نهيت عن الانتقاب كما نهيت عن القفازين وذلك كما نهي الرجل عن القميص والسراويل ونحو ذلك, ففي معناه البرقع وما صنع يستر الوجه فأما تغطية الوجه بما يسدل من فوق الرأس فهو مثل تغطيته عند النوم بالملحفة ونحوها, ومثل تغطية اليدين بالكمين وهي لم تنه عن ذلك ) ا.هـ. قلت:- أي أن المحرمة عليها ستر وجهها بهذه اللبسة المخصوصة فقط والله أعلم .
265- { حكم الصلاة في الكنيسة }(1/96)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( البيع والكنائس ليست بيوت الله, وإنما بيوت الله هي المساجد, بل هي بيوت يكفر فيها بالله وإن كان قد يذكر فيها, فالبيوت بمنزلة أهلها وأهلها كفار فهي بيوت عبادة الكفار وأما الصلاة فيها ففيها ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد وغيره المنع مطلقاً وهو قول مالك, والإذن مطلقاً وهو قول بعض أصحاب أحمد, والثالث:- وهو الصحيح المأثور عن عمر ابن الخطاب وغيره وهو منصوص عن أحمد وغيره أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيها صورة, ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل الكعبة حتى محي ما فيها من الصور وكذلك قال عمر:- إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها ) ا.هـ.
266- { من جاء إلى المسجد مبكراً ووجد سجادة مفروشة لشخص آخر فهل يجوز له رفعها والصلاة في موضعها }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ثم إذا فرش هذا فهل يجوز لمن سبق إلى المسجد أن يرفع ذلك ويصلي موضعه فيه قولان, أحدهما:- ليس له ذلك لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه, والثاني:- وهو الصحيح أن لغيره رفعه والصلاة مكانه لأن هذا السابق يستحق الصلاة في ذلك الصف المقدم وهو مأمور بذلك أيضاً وهو لا يتمكن من فعل هذا المأمور واستيفاء هذا الحق إلا برفع ذلك المفروش وما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به وأيضاً فذلك المفروش وضعه هناك على وجه الغصب وذلك منكر وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) لكن ينبغي في ذلك أن لا يؤول إلى منكر أعظم منه والله تعالى أعلم والحمد لله وحده ) ا.هـ.
267- { حكم شعر الإنسان الذي ينفصل منه }(1/97)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما التسريح - أي في المسجد - فإنما كرهه بعض الناس بناءً على أن شعر الإنسان المنفصل نجس, ويمنع أن يكون في المسجد شيء نجس أو بناءً على أنه كالقذاة وجمهور العلماء على أن شعر الإنسان المنفصل عنه طاهر كمذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وهو الصحيح فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلق رأسه وأعطى نصفه لأبي طلحة, ونصفه قسمه بين الناس ) ا.هـ.
268- { أقوال العلماء في الوتر والراجح منها }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن مثال ذلك الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال, أحدها:- أنه لا يكون إلا بثلاثٍ متصلة كالمغرب كقول من قاله من أهل العراق, والثاني:- أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز, والثالث:- أن الأمرين جائزان كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما وهو الصحيح, وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله, فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفاً لقلوبهم كان قد أحسن ) ا.هـ.
269- { قول ابن تيمية في السكتات في الصلاة }(1/98)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأيضاً فللناس في الصلاة أقوال أحدها:- أنه لا سكوت فيها كقول مالك, ولا يستحب عنده استفتاح ولا استعاذة ولا سكوت لقراءة الإمام, والثاني:- أنه ليس فيها إلا سكوت واحد للاستفتاح كقول أبي حنيفة لأن هذا الحديث يدل على هذه السكتة, والثالث:- أن فيها سكتتين كما في حديث السنن, لكن روي أنه يسكت إذا فرغ من القراءة وهو الصحيح وروي إذا فرغ من الفاتحة فقال طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد:- يسكت ثلاث سكتات, وسكتة الفاتحة جعلها أصحاب الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد ليقرأ المأموم الفاتحة, والصحيح أنه لا يستحب إلا سكتتان, فليس في الحديث إلا ذلك ) ا.هـ. قلت:- وهما سكتة دعاء الاستفتاح, وسكتة إذا فرغ من القراءة كلها وقبل الركوع بقدر ما يتراد إليه نفسه والله أعلم .
270- { ورد في بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد للسهو بعد السلام, وورد أنه سجد له قبل السلام فهل ذلك للوجوب أم للاستحباب }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( و ما شرع قبل السلام أو بعده - أي في سجود
السهو - فهل ذلك على وجه الوجوب أو الاستحباب؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره, ذهب كثير من أتباع الأئمة الأربعة إلى أن النزاع إنما هو في الاستحباب وأنه لو سجد للجميع قبل السلام أو بعده جاز, والقول الثاني:- أن ما شرعه قبل السلام يجب فعله قبله وما شرعه بعده لا يفعل إلا بعده وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره من الأئمة وهو الصحيح, قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث طرح الشك (( وليسجد سجدتين قبل أن يسلم )) وفي الرواية الأخرى (( قبل أن يسلم ثم يسلم )) وفي حديث التحري قال (( فليتحر الصواب فليبن عليه, ثم ليسجد سجدتين )) وفي رواية للبخاري (( فليتم عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين )) فهذا أمر فيه بالسلام ثم بالسجود, وذلك أمر فيه بالسجود قبل السلام وكلاهما أمر منه يقتضي الإيجاب ) ا.هـ.
271- { متى يشرع القنوت في الفرض }(1/99)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى في هذه المسألة ( وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده كانوا يقنتون نحو هذا القنوت, فما كان يداوم عليه وما كان يدعه بالكلية وللعلماء فيه ثلاثة أقوال:- قيل:- إن المداومة عليه سنة, وقيل:- القنوت منسوخ وأنه كله بدعة, والقول الثالث:- وهو الصحيح أنه يسن عند الحاجة إليه كما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون ) ا.هـ.
272- { هل تعاد صلاة الجنازة إذا توفر سبب الإعادة وهل يؤم فيهما }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما إذا صلى هو على الجنازة ثم صلى عليها غيره فهل له أن يعيدها مع الطائفة الثانية، فيه وجهان في مذهب أحمد، قيل:- لا يعيدها، لأن الثانية نفل وصلاة الجنازة لا يتنفل بها، وقيل:- بل له أن يعيدها وهو الصحيح فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر منبوذ، وصلى معه من كان قد صلى عليها أولاً، وإعادة صلاة الجنازة من جنس إعادة الفريضة, فتشرع حيث شرعها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -, وعلى هذا فهل يؤم على الجنازة مرتين؟ على روايتين والصحيح أن له ذلك والله أعلم ) ا.هـ.
273- { هل تسقط الجمعة عمن شهد العيد }
قال أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى ( الحمد لله, إذا اجتمع العيد والجمعة في يومٍ واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:- أحدها:- أنه تجب الجمعة على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع, للعمومات الدالة على وجوب الجمعة, والثاني:- تسقط الجمعة عن أهل البر, مثل أهل العوالي والشواذ, لأن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد, والقول الثالث:- وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد, وهذا هو المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف ) ا.هـ.(1/100)
274- { هل الكدرة والصفرة تعتبر حيضاً }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصفرة والكدرة للفقهاء فيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره, هل هي حيض مطلقاً, أو ليست حيضاً مطلقاًَ, والقول الثالث وهو الصحيح أنها إن كانت في العادة مع الدم الأسود والأحمر فهي حيض وإلا فلا, لأن النساء كن يرسلن إلى عائشة رضي الله عنها بالدرجة فيها الكرسف فتقول لهن:- لا تجعلن حتى ترين القصة البيضاء, وكذلك غيرها, فكن يجعلن ما قبل القصة البيضاء حيضاً, وكذلك قالت أم عطية (( كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً )) ) ا.هـ.
275- { أقوال العلماء في الحلف بالطلاق والراجح منها }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فللعلماء في الحلف بالطلاق أكثر من أربعة أقوال
قيل:- يلزمه مطلقاً, وقيل:- لا يلزمه مطلقاً, وقيل:- إن قصد به اليمين لم يلزمه وهو أصح الأقوال ) ا.هـ.
276- {متى تلزم الكفارة في اليمين }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ففي لزوم الكفارة قولان:- أصحهما أنه يلزمه إذا كانت اليمين على مستقبل, فإن كانت اليمين على ماض أو حاضر قصده به الخبر لا الحض والمنع كقوله:- والله لقد فعلت كذا, أو لم أفعله وقوله:- الطلاق يلزمني لقد فعلت كذا أو لم أفعل كذا, أو الحل عليه حرام لقد فعلت كذا, فهذا إما أن يكون معتقداً صدق نفسه أو يعلم أنه كاذب فإن كان يعتقد صدق نفسه ففيه ثلاثة أقوال, أحدها:- أنه لا يلزمه شيء في جميع هذه الأيمان وهذا أظهر قولي الشافعي والرواية الثانية عن أحمد, فمن حلف بالطلاق والعتاق أو غيرهما على شيء يعتقده كما لو حلف عليه, فتبين بخلافه فلا شيء عليه على هذا القول وهذا أصح الأقوال ) ا.هـ.
277- { وجه وجوب النفقة على الحامل المطلقة }(1/101)
ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى في ذلك ثلاثة أقوال, الأول:- أن هذه النفقة واجبة عليه لأنها زوجة معتدة, والثاني:- أنه ينفق عليها نفقة زوجة لأجل الحمل وقال عن هذا القول ( وهذا قول متناقض ) ثم قال رحمه الله تعالى ( والقول الثالث وهو الصحيح أن النفقة تجب للحمل, ولها من أجل الحمل لكونها حاملاً بولده فهي نفقة عليه لكونه أباه لا عليها لكونها زوجة وهذا قول مالك وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد والقرآن يدل عليه ) ا.هـ.
278- { حكم الحشيشة }
قال ابن تيمية بعد كلام طويل ( وتنازع الفقهاء في نجاستها على ثلاثة أقوال:- أحدها:- أنها ليست نجسة, والثاني:- أن مائعها نجس وأن جامدها طاهر والثالث:- وهو الصحيح أنها نجسة كالخمر فهذه - أي الحشيشة - تشبه العذرة وذلك - أي الخمر - يشبه البول وكلاهما من الخبائث التي حرمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ا.هـ.
279- { هل يجوز التعليل بالعلة القاصرة إذا كانت مستنبطة }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وهذا كما يقول الفقهاء:- إن الحكم يعلل تارة بعلةٍ متعدية وتارة بعلة قاصرة والتعليل بالقاصرة إذا كانت منصوصة جائز باتفاق الفقهاء و إنما تنازعوا فيما إذا كانت مستنبطة و الأكثرون على جواز ذلك وهو الصحيح وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل في المنصوص عنه ) ا.هـ.
280- { المراد بالغنى في قوله { وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وفي الآية ثلاثة أقوال:- أحدها:- أنه أغناه من المال بعد فقره, وهذا قول أكثر المفسرين لأنه قابله بقوله { عَائِلًا } والعائل هو المحتاج, ليس ذا العيلة, فأغناه الله من المال, والثاني:- أنه أرضاه بما أعطاه وأغناه به عن سواه فهو غنى قلب ونفس لا غنى مال, وهو حقيقة الغنى, والثالث:- وهو الصحيح أنه يعم النوعين , نوعي الغنى, فأغنى قلبه به و أغناه من المال ) ا.هـ.(1/102)
281- { من طلع عليه الفجر وهو يجامع ثم نزع فهل عليه قضاء أو كفارة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما من طلع عليه الفجر وهو مجامع فالواجب عليه النزع عيناً ويحرم عليه استدامة الجماع واللبث, وإنما اختلف في وجوب القضاء والكفارة عليه على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره, أحدها:- عليه القضاء والكفارة وهذا اختيار القاضي أبي يعلى, والثاني:- لا شيء عليه, وهذا اختيار شيخنا, وهو الصحيح, والثالث:- عليه القضاء دون الكفارة ) ا.هـ.
282- { إذا تعددت الأيمان فهل تتعدد الكفارات }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ومن كرر أيماناً قبل التكفير فروايتان, ثالثها:- وهو الصحيح إن كانت على فعل فكفارة وإلا فكفارتان ) ا.هـ.
283- { إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع }
قل ابن القيم رحمه الله تعالى ( وطائفة قالت:- قرن ابتداء من حين أحرم, وهو أصح الأقوال لحديث عمر وأنس وغيرهما وقد تقدما والذين قالوا:- أفرد طائفتان طائفة ظنت أنه أفرد إفراداً اعتمر عقبه من التنعيم وهذا غلط بلا ريب, لم ينقل قط بإسنادٍ صحيح ولا ضعيف و لا قاله أحد من الصحابة وهو خلاف المتواتر
المعلوم من فعله - صلى الله عليه وسلم - ) ا.هـ.
284- { من لم يجد نعلين وهو محرم ولبس الخفين هل يقطعهما؟ }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والقول الثاني:- أن القطع ليس بواجب وهو أصح الروايتين عن أحمد ويروى عن علي بن أبي طالب وهو قول أصحاب ابن عباس وعطاء وعكرمة وهذه الرواية أصح ) ا.هـ.
285- { حكم ما صاده الكلب وأكل منه }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فاختلف في إباحة ما أكل منه الكلب من الصيد فمنعه ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وطاوس والشعبي والنخعي وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير وأبو بردة وسويد بن غفلة وقتادة وغيرهم وهو قول إسحاق وأبو حنيفة وأصحابه , و هو أصح الروايتين عن أحمد و أشهرهما في قول الشافعي ) ا.هـ.(1/103)
286- { الترجيح بين حكم سليمان وحكم داود عليهما السلام في الغنم التي نفشت في الحرث }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأصل هذا كله هو الحكومة التي حكم فيها داود وسليمان عليهما السلام وقصها الله علينا في كتابه وكانت في الحرث وهو البستان وقيل إنها كانت أشجار عنب فنفشت فيها الغنم, والنفش إنما يكون ليلاً فقضى داود لأصحاب البستان بالغنم لأنه اعتبر قيمة ما أفسدته, فوحده يساوي الغنم فأعطاهم إياها وأما سليمان فقضى على أصحاب الغنم بالمثل وهو أن يعمروا البستان كما كان, ثم رأى أن مغله إلى حين عوده يفوت عليهم, ورأى أن مغل الغنم يساويه فأعطاهم الغنم يستغلونها حتى يعود بستانهم كما كان فإذا عاد ردوا إليهم غنمهم, فاختلف العلماء في مثل هذه القضية على أربعة أقوال أحدها:- القول بالحكم السليماني في أصل الضمان وكيفيته وهو أصح الأقوال وأشدها مطابقة لأصول الشرع والقياس كما قد بينا ذلك في كتابٍ مفرد في الاجتهاد وهذا أحد القولين في مذهب أحمد, نص عليه في غير موضع ويذكر وجهاً في مذهب مالكٍ والشافعي ) ا.هـ.
287- { التعليل في عدم وقوف النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رمى جمرة العقبة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فلما أكمل الرمي رجع من فوره ولم يقف عندها فقيل:- لضيق المكان بالجبل, وقيل:- وهو أصح إن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها, فلما رمى جمرة العقبة فرغ الرمي, والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها وهذا أكمل ) ا.هـ.
288- { الحكم في امرأة الكافر إذا أسلمت }(1/104)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقال حماد بن سلمة عن أيوب السختياني وقتادة كلاهما عن محمد بن سيرين عن عبدالله بن يزيد الخطمي أن نصرانياً أسلمت امرأته فخيرها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إن شاءت فارقته وإن شاءت أقامت عليه وعبدالله بن يزيد الخطمي هذا له صحبة وليس معناه أنها تقيم تحته وهو نصراني بل تنتظر وتتربص فمتى أسلم فهي امرأته ولو مكثت سنين فهذا قول سادس وهو أصح المذاهب في هذه المسألة وعليه تدل السنة كما سيأتي بيانه وهو اختيار شيخ الإسلام ) ا.هـ.
289- { إذا أسلم الرجل وزوجته جميعاً فهل يحتاج إلى تجديد النكاح أم يكفيهما النكاح الأول }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فإن قيل :- فإن أسلموا على ذلك فهل يحتاج إلى
تجديد النكاح أم يستمرون عليه؟ قيل يحتمل أن يقال لابد من تجديد النكاح لأن الأول لم يكن نكاحاً يعتقدون صحته ويحتمل أن يقال:- وهو أصح لا يحتاج إلى تجديد نكاح والإسلام صحح ذلك النكاح كما يصحح الأنكحة الفاسدة في حال الكفر إذا لم يكن المفسد قائماً ) ا.هـ.
290- { متى يجوز للمجتهد أن يقلد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن حكى قولين ( والقول الثالث أنه يجوز ذلك عند الحاجة وعدم العالم المجتهد وهو أصح الأقوال وعليه العمل ) ا.هـ.
291- { ما الحكم في السنور إذا أكلت الطيور وأكفأت القدور وهل تقتل لذلك }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فإن قيل:- فما تقولون في السنور إذا أكلت الطيور وأكفأت القدور؟ قيل:- على مقتنيها ضمان ما تتلفه من ذلك ليلاً ونهاراً ذكره أصحاب أحمد وهو أصح الوجهين للشافعية لأنها في معنى الكلب العقور فوجب إلحاقها به ولأن من شأنها أن تضبط وتربط, فإرسالها تفريط وإن لم يكن ذلك من عادتها بل فعلته نادراً فلا ضمان, ذكره في المغني وهو أصح الوجهين للشافعية, فإن قيل:- هل تسوغون قتلها لذلك قلنا:- نعم إذا كان ذلك عادةً لها ) ا.هـ.(1/105)
292- { المقارنة بين تفسير مجاهد وتفسير غيره من التابعين }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ذكر البخاري في صحيحه تفسير مجاهد, وهو أصح تفسير التابعين , قال { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } هو المؤمن ) ا.هـ.
293- { من قاتل علياً هل هو مصيب أو مخطئ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ورواه مسلم عن أبي سعيد أيضاً قال أخبرني من هو خير مني أبو قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار حين جعل يحفر الخندق, جعل يمسح رأسه ويقول (( بؤس ابن سمية تقتله فئة باغية )) ورواه مسلم أيضاً عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( تقتل عماراً الفئة الباغية )) وهذا أيضاً يدل صحة إمامة علي ووجوب طاعته وأن الداعي إلى طاعته داعٍ إلى الجنة والداعي إلى مقاتلته داعٍ إلى النار وإن كان متأولاً وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي وعلى هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأولاً أو باغٍ بلا تأويل وهو أصح القولين لأصحابنا وهو الحكم بتخطئة من قاتل علياً وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين ) ا.هـ.
294- { هل العلم والعقل يقبلان الزيادة والنقصان }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولهذا كان الصواب عند جماهير أهل السنة وهو ظاهر مذهب أحمد وهو أصح الروايتين عنه وقول أكثر أصحابه أن العلم والعقل ونحوهما يقبل الزيادة والنقصان ) ا.هـ.
295- { الذكر المأمور به في قوله { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً } هل هو ذكر قلبي فقط أم لساني وقلبي }(1/106)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( قال الله تعالى { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } فقد يقال:- هو ذكر في قلبه بلا لسانه, لقوله بعد ذلك { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } وقد يقال:- وهو أصح بل ذكر الله في نفسه باللسان مع القلب, وقوله { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } كقوله { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } ) ا.هـ.
296- { الصحيح في مقدار دية الذمي }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فمن ذلك دية الذمي فمن الناس من قال ديته كدية المسلم كقول أبي حنيفة, ومنهم من قال ديته ثلث دية المسلم لأنه أقل ما قيل كما قاله الشافعي, والقول الثالث أن ديته نصف دية المسلم وهذا مذهب مالك, وهو أصح الأقوال لأن هذا هو المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه أهل السنن وأبو داود وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) ا.هـ.
297- { إذا صلى الإنسان بالنجاسة في حالٍ لا يجد إلا هذا الثوب فهل يعيد }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولو لم يجد إلا ثوباً نجساً فقيل يصلي عرياناً و قيل
يصلي ويعيد وقيل يصلي في الثوب النجس ولا يعيد وهو أصح أقوال العلماء ) ا.هـ.
298- { إذا صلى عادم الماء بالتيمم حضراً أو سفراً فهل يعيد }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وكذلك المسافر إذا لم يقدر على استعمال الماء صلى بالتيمم وقيل يعيد في الحضر, وقيل يعيد في السفر وقيل لا إعادة عليه لا في الحضر ولا في السفر وهو أصح أقوال العلماء, فالصحيح من أقوالهم أنه لا إعادة على أحد فعل ما أمر به بحسب الاستطاعة و إنما يعيد من ترك واجباً يقدر عليه ) ا.هـ.
299- { من سمع قراءة إمامه فهل السنة له أن يستفتح ويستعيذ }(1/107)
قال أحمد بن عبدالحليم الحراني رحمه الله تعالى ( ولو لم يسكت الإمام سكوتاً يتسع لذلك أو لم يدرك سكوته فهل يستفتح ويستعيذ مع جهر الإمام, فيه ثلاث روايات, إحداها:- يستفتح ويستعيذ مع جهر الإمام, وإن لم يقرأ لأن مقصود القراءة حصل بالاستماع وهو لا يسمع استفتاحه واستعاذته, لأن الإمام يفعل ذلك سراً, والثانية:- يستفتح ولا يستعيذ لأن الاستعاذة تراد للقراءة وهو لا يقرأ وأما الاستفتاح فهو تابع لتكبيرة الافتتاح, والثالثة:- لا يستفتح ولا يستعيذ وهو أصح, وهو قول أكثر العلماء كمالك والشافعي وكذا أبو حنيفة فيما أظن لأنه مأمور بالإنصات والاستماع فلا يتكلم بغير ذلك, ولأنه ممنوع من القراءة فكذا يمنع من ذلك ) ا.هـ.
300- { هل النحنحة والتأفف والتأوه والأنين والسعال والعطاس والنفخ ونحوها تبطل الصلاة }(1/108)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما السعال والعطاس والتثاؤب والبكاء الذي يمكن دفعه والتأوه والأنين فهذه الأشياء هي كالنفخ فإنها تدل على المعنى طبعاً وهي أولى بأن لا تبطل الصلاة فإن النفخ أشبه بالكلام من هذه, إذ النفخ يشبه التأفيف كما قال { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } لكن الذين ذكروا هذه الأمور من أصحاب أحمد كأبي الخطاب ومتبعيه ذكروا أنها تبطل إذا بان حرفان ولم يذكروا خلافاً, ثم منهم من ذكر نصه في النحنحة ومنهم من ذكر الرواية الأخرى عنه في النفخ فصار ذلك موهماً أن النزاع في ذلك فقط, وليس كذلك بل لا يجوز أن يقال:- إن هذه تبطل والنفخ لا يبطل, وأبو يوسف يقول في التأوه والأنين لا يبطل مطلقاً على أصله, وهو أصح الأقوال في هذه المسألة ) إلى أن قال ( ومن المعلوم الضروري أن هذه الأشياء لا تدخل في مسمى الكلام وإن كان بالقياس لم يصح ذلك فإن في الكلام يقصد المتكلم معاني يعبر عنها بلفظه وذلك يشغل المصلي كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( إن في الصلاة لشغلاً )) وأما هذه الأصوات فهي طبيعية كالتنفس ومعلوم أنه لو زاد في التنفس على قدر الحاجة لم تبطل صلاته وإنما تفارق التنفس بأن فيها صوتاً, وإبطال الصلاة بمجرد الصوت إثبات حكم بلا أصلٍ ولا نظير وأيضاً فقد جاءت أحاديث بالنحنحة والنفخ كما تقدم وأيضاً فالصلاة صحيحة بيقين فلا يجوز إبطالها بالشك ونحن لا نعلم أن العلة في تحريم الكلام وهو ما يدعى من القدر المشترك, بل هذا إثبات حكم بالشك الذي لا دليل معه وهذا النزاع إذا فعل ذلك لغير خشية الله, فإن فعل ذلك لخشية الله تعالى فمذهب أحمد وأبي حنيفة أن صلاته لا تبطل ومذهب الشافعي أنها تبطل والأول أصح فإن هذا إذا كان من جنس ذكر الله ودعائه فإنه كلام ) ا.هـ.
301- { ما الوقت الذي إذا طهرت فيه الحائض تجب عليها صلاته }(1/109)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وينبني عليه أيضاً أن المرأة الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس بقدر ركعة لزمها العصر وإن طهرت قبل الفجر بقدر ركعة لزمها العشاء وإن حصل ذلك بأقل من مقدار ركعة لم يلزمها شيء وأما الظهر والمغرب فهل يلزمها بذلك, فيه خلاف مشهور, فقيل لا يلزمها وهو قول أبي حنيفة وقيل يلزمها وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد ورواه الإمام أحمد عن ابن عباس وعبدالرحمن بن عوف, ثم اختلف هؤلاء فيما تلزم به الصلاة الأولى على قولين, أحدهما:- تجب بما تجب به الثانية وهل هو ركعة أو تكبيره على قولين, والثاني:- لا تجب إلا بأن تدرك زمناً يتسع لفعلها وهو أصح ) ا.هـ.
302- { حكم التبليغ وراء الإمام }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ولا خلاف بين العلماء أن هذا التبليغ لغير الحاجة ليس بمستحبٍ, بل صرح كثير منهم أنه مكروه ومنهم من قال تبطل صلاة فاعله وهذا موجود في مذهب مالك وأحمد وغيرهما وأما الحاجة لبعد المأموم أو لضعف الإمام وغير ذلك فقد اختلفوا فيه والمعروف عند أصحاب أحمد أنه جائز في هذا الحال وهو أصح ) ا.هـ.
303- { هل يقصر المسافر في السفر الطويل والقصير على حدٍ سواء أم أنه لا يقصر إلا في الطويل فقط }
ذكر أبو العباس قصر أهل مكة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرفات وفرع على ذلك قوله ( ولهذا قال طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم إنه يقصر في السفر الطويل والقصير لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقت للقصر مسافة ولا وقتاً, وقد قصر خلفه أهل مكة بعرفة ومزدلفة وهذا قول كثير من السلف والخلف وهو أصح الأقوال في الدليل ولكن لابد أن يكون ذلك مما يعد في العرف سفراً ) ا.هـ.
304- { ما يخرجه الإنسان في صدقة الفطر هل هو معين أم مرده إلى العرف }(1/110)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( إذا كان أهل البلد يقتاتون أحد هذه الأصناف جاز الإخراج من قوتهم بلا ريب وهل لهم أن يخرجوا ما يقتاتون بها من غيرها مثل أن يكونوا يقتاتون الرز والدخن فهل عليهم أن يخرجوا حنطة أو شعير أو يجزئهم الأرز والدخن والذرة فيه نزاع مشهور وهما روايتان عن أحمد, والأخرى يخرج ما يقتاته, وإن لم يكن من هذه الأصناف وهو قول أكثر العلماء كالشافعي وغيره وهو أصح الأقوال ) ا.هـ.
305- { من حلف بالكفر يميناً غموساً فما الحكم فيه }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وكذلك قال محمد بن مقاتل الرازي من حلف بالكفر يميناً غموساً كفر, والقول الثاني:- أن هذه كاليمين الغموس بالله هي من الكبائر ولا يلزمه ما التزمه من النذر والطلاق والحرام وهو أصح القولين وعلى هذا القول فكل من لم يقصده لم يلزمه نذر ولا طلاق ولا عتاق ولا حرام سواءً كانت اليمين منعقدة أو كانت غموساً أو كانت لغواً ) ا.هـ.
306- { حكم الاستمناء باليد }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما الاستمناء باليد فهو حرام عند جماهير العلماء وهو أصح القولين في مذهب أحمد وكذلك يعزر من فعله ) ا.هـ.
307- { خلاف العلماء في الخمس من الغنيمة }(1/111)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما الخمس فقد اختلف العلماء فيه فقالت طائفة:- سقط بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يستحق أحد من بني هاشم شيئاً بالخمس إلا أن يكون فيهم يتيم أو مسكين فيعطى لكونه يتيماً أو مسكيناً وهذا مذهب أبي حنيفة وغيره, وقالت طائفة بل هو لذي قربى ولي الأمر من بعده, فكل ولي أمر فإنه يعطى أقاربه وهذا قول طائفة منهم الحسن وأبو ثور فيما أظن, وقد نقل هذا القول عن عثمان وقالت طائفة بل الخمس يقسم خمسة أقسام بالسوية وهذا قول الشافعي وأحمد في المشهور عنه, وقالت طائفة بل الخمس إلى اجتهاد الإمام يقسمه بنفسه في طاعة الله ورسوله كما يقسم الفيء وهذا قول أكثر السلف وهو قول عمر بن عبدالعزيز ومذهب أهل المدينة مالك وغيره وهو الرواية الأخرى عن أحمد, وهو أصح الأقوال وعليه يدل الكتاب والسنة كما قد بسطناه في موضعه ) ا.هـ.
308- { ما هو اللمم }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فأما اللمم فقد روي عن جماعة من السلف أنه
الإلمام بالذنب مرة ثم لا يعود إليه وإن كان كبيراً، قال البغوي:- هذا قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عطاء عن ابن عباس قال:- وقال عبدالله بن عمرو ابن العاص:- اللمم ما دون الشرك قال السدي:- قال أبو صالح:- سئلت عن قول الله عز وجل { إِلَّا اللَّمَمَ } فقلت:- هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده فذكرت ذلك لابن عباس فقال:- لقد أعانك عليها ملك كريم، والجمهور على اللمم ما دون الكبائر، وهو أصح الروايتين عن ابن عباس ) ا.هـ.
309- { حكم الأسرى }(1/112)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ثبت عنه في الأسرى أنه قتل بعضهم ومَنَّ على بعضهم وفادى بعضهم بمالٍ وبعضهم بأسرى المسلمين واسترق بعضهم، ولكن المعروف أنه لم يسترق رجلاً بالغاً، فقتل يوم بدر من الأسرى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث، وقتل من يهود جماعة كثيرين من الأسرى وفادى أسرى بدر بالمال بأربعة آلاف وفادى بعضهم على تعليم جماعة من المسلمين الكتابة, ومَنَّ على أبي عزة الشاعر, وقال في أسارى بدر (( لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له )) وفدى رجالاً من المسلمين بامرأة من السبي استوهبها من سلمة بن الأكوع, ومَنَّ على ثمامة بن أثال, وأطلق يوم فتح مكة جماعة من قريش فكان يقال لهم الطلقاء, وهذه أحكام لم ينسخ منها شيء بل يخير الإمام فيها بحسب المصلحة, واسترق الصحابة من سبي بني حنيفة ولم يكونوا كتابيين, قال ابن عباس رضي الله عنهما (( خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسرى بين الفداء والمن والقتل والاستعباد ما شاء )) وهذا هو الحق الذي لا قول سواه ) ا.هـ.
310- { انقطاع نسب الابن من أبيه باللعان }
ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى فوائد كثيرة من قصة اللعان التي وقعت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -, وقال في معرض ذلك ( فصل, الحكم السادس انقطاع نسب الولد من جهة الأب لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى ألاَّ يدعى ولدها وهذا هو الحق وهو قول الجمهور ) ا.هـ.
311- { هل لبن الفحل يحرم }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( الحكم الثاني المستفاد من هذه السنة أن لبن الفحل يحرم وأن التحريم ينتشر منه كما من المرأة وهذا هو الحق الذي لا يجوز أن يقال بغيره وإن خالف فيه من خالف فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع ويترك ما خالفها لأجلها ولا تترك لأجل قول أحدٍ كائناً من كان ) ا.هـ.
312- { ما الحكم في الإقرار إذا ظهرت أمارات كذبه }(1/113)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وتأمل حكم سليمان به للصغرى وقد أقرت به للكبرى تجد تحته:- أن الإقرار إذا ظهرت أمارات كذبه وبطلانه لم يلتفت إليه ولم يحكم به على المقر وكان وجوده كعدمه وهذا هو الحق الذي لا يجوز الحكم بغيره ) ا.هـ.
313- { ترتيب الأدلة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة, والسنة على الإجماع, وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة, قال الشافعي:- الحجة كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - واتفاق الأئمة, وقال في كتاب اختلافه مع مالك:- والعلم طبقات الأولى:- الكتاب والسنة الثابتة ثم الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة الثالثة:- أن يقول الصحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة الرابعة:- اختلاف الصحابة, والخامسة:- القياس, ا.هـ. فقدم النظر في الكتاب والسنة على الإجماع ثم أخبر أنه إنما يصار إلى الإجماع فيما لم يعلم فيه كتاباً ولا سنة وهذا هو الحق ) ا.هـ.
314- { الحكم فيمن تزوج امرأة أبيه }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( المثال الثالث والثلاثون: رد السنة الثابتة الصحيحة
الصريحة المحكمة في رجم الزانيين الكتابيين بأنها خلاف الأصول وسقوط الحد عمن عقد على أمه ووطئها وأن هذا هو مقتضى الأصول, فواعجباً لهذه الأصول التي منعت إقامة الحد على من أقامه عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسقطته عمن لم يسقطه عنه, فإنه قد ثبت عنه أنه أرسل البراء بن عازب رضي الله عنهما إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن يضرب عنقه ويأخذ ماله, فوالله ما رضي له بحد الزاني حتى حكم عليه بضرب العنق وأخذ المال وهذا هو الحق المحض فإن جريمته أعظم من جريمة من زنى بامرأة أبيه من غير عقد فإن هذا قد ارتكب محظوراً واحداً والعاقد عليها ضم إلى جريمة الوطء جريمة العقد الذي حرمه الله فانتهك حرمة شرعه بالعقد وحرمة أمه بالوطء ) ا.هـ.(1/114)
315- { الفائدة من حكم سليمان - عليه السلام - بين المرأتين }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولا تنس في هذا الموضع قول سليمان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - للمرأتين اللتين ادعتا الولد, فحكم به داود - صلى الله عليه وسلم - للكبرى فقال سليمان:- إيتوني بالسكين أشقه بينكما فسمحت الكبرى بذلك فقالت الصغرى:- لا تفعل يرحمك الله هو ابنها, فقضى به للصغرى, فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة فاستدل برضى الكبرى بذلك وأنها قصدت الاسترواح إلى التأسي بمساواة الصغرى في فقد ولدها وبشفقة الصغرى عليه وامتناعها من الرضا بذلك على إنها هي أمه وأن الحامل لها على الامتناع هو ما قام بقلبها من الرحمة والشفقة التي وضعها الله تعالى في قلب الأم وقويت هذه القرينة حتى قدمها على إقرارها فإنه حكم به لها مع قولها:- هو ابنها وهذا هو الحق ) ا.هـ.
316- { دعوى المرأة أن زوجها لا ينفق عليها مع تطاول الزمان عنده }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ومن ذلك قول أهل المدينة وهو الصواب أنه لا يقبل قول المرأة إن زوجها لم يكن ينفق عليها ولا يكسوها فيما مضى من الزمان لتكذيب القرائن الظاهرة لها وقولهم في ذلك هو الحق الذي ندين الله به ولا نعتقد سواه والعلم الحاصل بإنفاق الزوج وكسوته في الزمن الماضي اعتماداً على الأمارات الظاهرة أقوى من الظن الحاصل باستصحاب الأصل وبقاء ذلك في ذمته بأضعافٍ مضاعفة ) ا.هـ.
317- { قوله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } هل يستفاد منه نفي الرؤية }(1/115)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وكذلك قوله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء ولم ينف مجرد الرؤية لأن المعدوم لا يرى وليس في كونه لا يرى مدح, إذ لو كان كذلك لكان المعدوم الذي لا يرى ممدوحاً وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن روئي, كما أنه لا يحاط به وإن علم, فكما أنه إذا علم لا يحاط به علماً فكذلك إذا روئي لا يحاط به رؤية فكان نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحاً وصفة كمال وكان ذلك دليلاً على إثبات الرؤية لا على نفيها, لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة, وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها ) ا.هـ.
318- { إثبات علو الله تعالى بالعقل }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وهو - أي العلو - واجب بالعقل الصريح والفطرة الإنسانية الصحيحة وهو أن يقال:- كان الله ولا شيء معه, ثم خلق العالم فلا يخلو:- إما أن يكون خلقه في نفسه وانفصل عنه وهذا محال, تعالى الله عن مماسة الأقذار وغيرها وإما أن يكون خلقه خارجاً عنه ثم دخل فيه وهذا محال أيضاً, تعالى الله أن يحل في خلقه وهاتان لا نزاع فيهما بين أحد من المسلمين وإما أن يكون خلقه خارجاً عن نفسه الكريمة ولم يحل فيه فهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره ولا يليق بالله إلا هو ) ا.هـ.
319- { الحكمة من ذهاب النبي - صلى الله عليه وسلم - للعيد من طريق وعوده من طريق آخر }(1/116)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قيل:- ليسلم على أهل الطريقين وقيل:- لينال بركته الفريقان وقيل:- ليقضي حاجة من له حاجة منهما وقيل:- ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق وقيل:- ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام شعائره وقيل:- لتكثير شهادة البقاع فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله وقيل:- وهو الأصح إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها ) ا.هـ.
320- { من كان له أربع زوجات فأرضعن طفلاً كل واحدة منهن رضعتان فهل يكن أماً للطفلة وهل زوجهن يكون أباً له }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وعليه مسألة من له أربع زوجات فأرضعن طفلة كل واحدةٍ منهن رضعتان فإنهن لا يصرن أماً لها لأن كلاً منهم لم ترضعها خمس رضعات, وهل يصير الزوج أباً للطفلة فيه وجهان, أحدهما:- لا يكون أباً لها كما لم تصر المرضعات أمهات والثاني وهو الأصح أنه يصير أباً لكون الولد ارتضع من لبنه خمس رضعات ولبن الفحل أصل بنفسه غير متفرع على أمومة المرضعة ) ا.هـ.
321- { هل للإمام أن يلغي العشر عن أهل الذمة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قالوا:- وإذا رأى الإمام أن يحط من العشر في صنف تدعو الحاجة إليه جاز, وإن رأى حط العشر بالكلية لتتسع المكاسب فهل له ذلك؟ على وجهين أحدهما:- يجوز مراعاة للمصلحة, والثاني وهو الأصح لا يجوز بل لابد من أخذ شيءٍ وإن قل ) ا.هـ.
322- { من اضطر إلى منفعة مال غيره فهل للغير أن يبذلها مجاناً؟ }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وكذلك إذا اضطر إلى منافع ماله كالحيوان والقدر والفأس ونحوها وجوب عليه بذلها له مجاناً في الوجهين وهو الأصح ) ا.هـ.
323- { هل يجوز أخذ السبق في مسابقة الفيلة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قالت الشافعية المغالبات التي تستعمل في الفروسية(1/117)
والشجاعة ثلاثة أقسام:- أحدها:- ما يوجد فيه لفظ الحديث ومعناه فيجوز أخذ السبق عليه كالخيل والإبل والفيل في الأصح ) ا.هـ.
324- { إذا شك الإنسان في روثة هل هي نجسة أم طاهرة فما العمل؟ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما أرواث مالا يؤكل لحمه كالبغال والحمير فهذه نجسة عند جمهور العلماء وقد ذهب طائفة إلى طهارتها وأنه لا ينجس من الأرواث والأبوال إلا بول الآدمي وعذرته, ولكن على القول المشهور, قول الجمهور إذا شك في الروثة هل هي من روث ما يؤكل لحمه أو من روث ما لا يؤكل لحمه ففيها قولان للعلماء هما وجهان في مذهب أحمد, أحدهما:- يحكم بنجاستها لأن الأصل في الأرواث النجاسة والثاني وهو الأصح يحكم بطهارتها لأن الأصل في الأعيان الطهارة ودعوى أن الأصل في الأرواث النجاسة ممنوع فلم يدل على ذلك لا نص ولا إجماع ومن ادعى أصلاً بلا نص ولا إجماع فقد أبطل ) ا.هـ.
325- { لو أن إنساناً حج عن غيره بمال وكانت نيته وفاء دينه بهذا المال فهل الأفضل له الحج عن الغير بهذه النية أو الترك؟ }(1/118)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( أما الحاج عن الغير لأن يوفي دينه فقد اختلف فيها العلماء أيهما أفضل والأصح أن الأفضل الترك فإن كون الإنسان يحج لأجل أن يستفضل شيئاً من النفقة ليس من أعمال السلف حتى قال الإمام أحمد:- ما أعلم أحداً كان يحج عن أحد بشيء, ولو كان هذا عملاً صالحاً لكانوا إليه مبادرين والارتزاق بأعمال البر ليس من أعمال الصالحين - أعني إذا كان مقصوده بالعمل اكتساب المال - وهذا المدين يأخذ من الزكاة ما يوفي به دينه خير له من أن يقصد أن يحج ليأخذ دراهم يوفي بها دينه ولا يستحب للرجل أن يأخذ مالاً يحج به عن غيره إلا لأحد رجلين:- إما رجل يحب الحج ورؤية المشاعر وهو عاجز فيأخذ ما يقضي به وطره الصالح ويؤدي به عن أخيه فريضة الحج أو رجل يحب أن يبرئ ذمة الميت عن الحج إما لصلة بينهما أو لرحمة عامة بالمؤمنين ونحو ذلك فيأخذ ما يأخذ ليؤدي به ذلك وجماع هذا أن المستحب هو أن يأخذ ليحج لا أن يحج ليأخذ وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عملٍ صالح ) ا.هـ.
326- { الماء الذي تغير بطاهر }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد حكاية الخلاف ( والقول الثاني:- أنه لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ولا بما يشق الاحتراز عنه ولا بما لا يشق الاحتراز عنه, فما دام يسمى ماءً ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهوراً كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه وهي التي عليها أكثر أجوبته وهذا القول هو الصواب ) ا.هـ.
327- { الماء المستعمل في طهارة الحدث }(1/119)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فالصواب أن مقتضى القياس أن الماء لا ينجس إلا بالتغير, والنجاسة لا تزول به حتى يكون غير متغير وأما في حالة تغيره فهو نجس لكن تخفف به النجاسة وأما الإزالة فإنها تحصل بالماء الذي ليس بمتغير وهذا القياس في الماء هو القياس في سائر المائعات كلها أنها لا تنجس إذا استحالت النجاسة فيها ولم يبقى لها فيها أثر فإنها حينئذٍ من الطيبات لا من الخبائث وهذا القياس هو القياس في قليل الماء وكثيره وقليل المائع وكثيره فإن قام دليل شرعي على نجاسة شيء من ذلك فلا نقول:- إنه خلاف القياس, بل نقول:- دل ذلك على أن النجاسة ما استحالت, ولهذا كان أظهر القولين في المياه مذهب أهل المدينة والبصرة أنه - أي الماء - لا ينجس إلا بالتغير وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد, نصرها طائفة من أصحابه كالإمام أبي الوفاء بن عقيل وأبي محمد ابن المني, وكذلك الماء المستعمل في طهارة الحدث باقٍ على طهوريته وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( الماء لا ينجسه شيء )) فلا يصير الماء جنباً ولا يتعدى إليه حكم الجنابة, ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن البول في الماء الدائم أو عن الاغتسال فيه لا يدل على أنه يصير نجساً بذلك بل قد نهي عنه لما يفضي إليه البول بعد البول من إفساده أو لما يؤدي إليه الوسواس كما نهى عن بول الرجل في مستحمه وقال (( عامة الوسواس منه )) ونهيه عن الاغتسال قد جاء فيه أنه نهى عن الاغتسال فيه بعد البول ) ا.هـ.
328- { طهارة النجاسات بالاستحالة }(1/120)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( هذا مبني على مسألة الاستحالة وفيها نزاع مشهور ففي مذهب مالك وأحمد قولان, ومذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر أنها تطهر بالاستحالة ومذهب الشافعي لا تطهر - أي النجاسات - بالاستحالة وقول القائل:- إنها تطهر بالاستحالة أصح فإن النجاسة إذا صارت ملحاً أو رماداً فقد تبدلت الحقيقة وتبدل الاسم والصفة فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير لا تتناول الملح والرماد والتراب لا لفظاً ولا معنىً, والمعنى الذي لأجله كانت تلك الأعيان خبيثة معدوم في هذه الأعيان فلا وجه للقول بأنها خبيثة نجسة, والذين فرقوا بين ذلك وبين الخمر قالوا:- الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة, فيقال لهم:- وكذلك البول والدم والعذرة إنما نجست بالاستحالة فينبغي أن تطهر بالاستحالة ) وقال أيضاً ( وأما استحالة النجاسة كرماد السرجين والزبل النجس يستحيل تراباً فقد تقدمت هذه المسألة وقد ذكرنا أن فيها قولين في مذهب مالك وأحمد, أحدها:- أن ذلك طاهر وهو قول أبي حنيفة وأهل الظاهر وغيرهم وذكرنا أن هذا هو القول الراجح فأما الأرض إذا أصابتها نجاسة فمن أصحاب الشافعي وأحمد من يقول:- إنها تطهر وإن لم يقل بالاستحالة ففي هذه المسألة مع مسألة الاستحالة ثلاثة أقوال والصواب الطهارة في الجميع كما تقدم ) ا.هـ.
329- { هل تزال النجاسة بغير الماء }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( و أما إزالة النجاسة بغير الماء ففيها ثلاثة أقوال في(1/121)
مذهب أحمد, أحدها:- المنع كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالكٍ وأحمد, والثاني:- الجواز كقول أبي حنيفة وهو القول الثاني في مذهب مالك وأحمد, والقول الثالث:- في مذهب أحمد أن ذلك يجوز للحاجة كما في طهارة فم الهرة بريقها وطهارة أفواه الصبيان بأرياقهم ونحو ذلك, والسنة قد جاءت بالأمر بالماء في قوله لأسماء (( حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء )) وقوله في آنية المجوس (( ارحضوها ثم اغسلوها بالماء )) وقوله في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد (( صبوا على بوله ذنوباً من ماءٍ )) فأمر بالإزالة بالماء في قضايا معينة ولم يأمر أمراً عاماً بأن تزال كل نجاسة بالماء, وقد أذن في إزالتها بغير الماء في مواضع منها:- الاستجمار بالحجارة, ومنها:- قوله في النعلين (( ثم ليدلكها بالتراب فإن التراب لهما طهور )) ومنها:- قوله في الذيل (( يطهره ما بعده )) ومنها:- أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لم يكونوا يغسلون ذلك, ومنها:- قوله في الهر (( إنها من الطوافين عليكم والطوافات )) مع أن الهر في العادة يأكل الفأر, ولم يكن هناك قناة ترد عليها تطهر بها أفواهها بالماء, بل طهورها ريقها, ومنها:- أن الخمر المنقلبة بنفسها تطهر باتفاق المسلمين وإذا كان كذلك فالراجح في هذه المسألة أن النجاسة متى زالت بأي وجه كان زال حكمها فإن الحكم إذا ثبت بعلةٍ زال بزوالها لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة لما في ذلك من فساد الأموال كما لا يجوز الاستنجاء بها ) ا.هـ.
330- { إذا صلى بالنجاسة جاهلاً أو ناسياً }(1/122)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولهذا كان أصح قولي العلماء أنه إذا صلى بالنجاسة جاهلاً أو ناسياً فلا إعادة عليه كما هو مذهب مالكٍ وأحمد في أظهر الروايتين عنه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلع نعليه في الصلاة للأذى الذي كان فيها ولم يستأنف الصلاة, وكذلك في الحديث الآخر لما وجد في ثوبه نجاسة, أمرهم بغسله ولم يعد الصلاة وذلك لأن ما كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد ناسياً أو مخطئاً فلا إثم عليه ) ا.هـ.
331- { من فعل محظوراً من محظورات الصلاة أو الصيام أو الحج جاهلاً أو ناسياً فهل يؤثر أم لا؟ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولهذا كان أقوى الأقوال أن ما فعله العبد ناسياً أو مخطئاً من محظورات الصلاة والصيام والحج لا يبطل العبادة كالكلام ناسياً والأكل ناسياً والطيب ناسياً وكذلك إذا فعل المحلوف عليه ناسياً ) ا.هـ.
332- { الأرض إذا أصابتها نجاسة ثم زالت بالشمس أو بالريح فهل تطهر؟ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما طين الشوارع فمبني على أصل وهو أن الأرض إذا أصابتها نجاسة ثم ذهبت بالريح أو الشمس أو نحو ذلك هل تطهر الأرض؟ على قولين للفقهاء وهما قولان في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما أحدها:- أنها تطهر وهذا مذهب أبي حنيفة وغيره, ولكن عند أبي حنيفة يصلي عليها ولا يتيمم بها والصحيح أنه يصلي عليها ويتيمم بها وهذا الصواب ) ا.هـ.
333- { ما الجلد الذي يطهره الدباغ }(1/123)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وعلى هذا فللناس فيما يطهره الدباغ أقوال:- قيل:- إنه يطهر كل شيء حتى الحمير كما هو قول أبي يوسف وداود, وقيل:- يطهر كل شيء سوى الحمير كما هو قول أبي حنيفة, وقيل:- يطهر كل شيء إلا الكلب والحمير كما هو قول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب أحمد على القول بتطهير الدباغ والقول الآخر في مذهبه وهو قول طائفة من فقهاء الحديث أنه إنما يطهر ما يباح بالذكاة, فلا يطهر جلود السباع, ومأخذ التردد أن الدباغ هل هو كالحياة فيطهر ما كان طاهراً في الحياة أو هو كالذكاة فيطهر ما طهر بالذكاة؟ والثاني أرجح ودليل ذلك نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جلود السباع, كما روى أسامة بن عمير الذهلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (( نهى عن جلود السباع )) "رواه أحمد وأبو داود والنسائي" وزاد الترمذي (( أن تفرش )) وعن خالد بن معدان قال:- وفد المقدام بن معدي كرب على معاوية فقال:- أنشدك بالله, هل تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن جلود السباع والركوب عليها؟ قال (( نعم )) "رواه أبو داود والنسائي وهذا لفظه" وعن أبي ريحانة (( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ركوب النمور )) "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه" وروى أبو داود والنسائي عن معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر )) "رواه أبو داود" وفي هذا القول جمع بين الأحاديث كلها والله أعلم ) ا.هـ.
334- { عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها }(1/124)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( أما عظم الميتة وقرنها وظفرها وما هو من جنس ذلك كالحافر ونحوه وشعرها وريشها ووبرها ففي هذين النوعين للعلماء فيه ثلاثة أقوال, أحدها:- نجاسة الجميع كقول الشافعي في المشهور عنه وذلك رواية عن أحمد, والثاني:- أن العظام ونحوها نجسة والشعور ونحوها طاهرة وهذا هو المشهور من مذهب مالك وأحمد والثالث:- أن الجميع طاهر كقول أبي حنيفة وهو قول في مذهب مالكٍ وأحمد وهذا القول هو الصواب وذلك لأن الأصل فيها الطهارة ولا دليل على النجاسة وأيضاً فإن هذه الأعيان هي من الطيبات وليست من الخبائث فتدخل في آية التحليل وذلك لأنها لم تدخل فيما حرمه الله تعالى من الخبائث لا لفظاً ولا معنى ) ا.هـ.
335- { لبن الميتة وأنفحتها }(1/125)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما لبن الميتة وأنفحتها ففيه قولان مشهوران للعلماء:- أحدهما:- أن ذلك طاهر كقول أبي حنيفة وغيره وهو إحدى الروايتين عن أحمد, والثاني:- أنه نجس كقول مالك والشافعي والرواية الأخرى عن أحمد وعلى هذا النزاع انبنى نزاعهم في جبن المجوس فإن ذبائح المجوس حرام عند جماهير السلف والخلف وقد قيل:- إن ذلك مجمع عليه بين الصحابة فإن صنعوا جبناً والجبن يصنع بالأنفحة كان فيه هذان القولان والأظهر أن جبنهم حلال وأن أنفحة الميتة ولبنها طاهر وذلك لأن الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا جبن المجوس وكان هذا ظاهر شائعاً بينهم وما ينقل عن بعضهم من كراهة ذلك ففيه نظر فإنه من نقل بعض الحجازيين وفيه نظر وأهل العراق كانوا أعلم بهذا فإن المجوس كانوا ببلادهم ولم يكونوا بأرض الحجاز ويدل على ذلك أن سلمان الفارسي كان هو نائب عمر بن الخطاب على المدائن وكان يدعو الفرس إلى الإسلام وقد ثبت عنه أنه سئل عن شيء من السمن والجبن والفراء؟ فقال (( الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه )) وقد رواه أبو داود مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعلوم أنه لم يكن السؤال عن جبن المسلمين وأهل الكتاب فإن هذا أمر بين وإنما كان السؤال عن جبن المجوس فدل ذلك على أن سلمان كان يفتي بحلها وأيضاً فاللبن والأنفحة لم يموتا وإنما نجسهما من نجسهما لكونهما في وعاء نجس فيكون مائعاً في وعاء نجس فالتنجيس مبني على مقدمتين, على أن المائع لاقى وعاءً نجساً, وعلى أنه إذا كان كذلك صار نجساً, فيقال أولاً:- لا نسلم أن المائع ينجس بملاقاة النجاسة وقد تقدم أن السنة دلت على طهارته لا على نجاسته ويقال ثانياً:- إن الملاقاة في الباطن لاحكم لها كما قال تعالى في اللبن { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ } ولهذا يجوز حمل الصبي في الصلاة مع ما(1/126)
في بطنه والله أعلم ) ا.هـ.
336- { الرأس في الوضوء هل يعمم بالمسح أم لا؟ }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( اتفق الأئمة كلهم على أن السنة مسح جميع الرأس كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة والحسنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن الذين نقلوا وضوءه لم ينقل عنه أحد منهم أنه اقتصر على مسح بعض الرأس وما يذكره بعض الفقهاء كالقدوري في أول مختصره وغيره أنه توضأ ومسح على ناصيته إنما هو بعض الحديث الذي في الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ عام تبوك ومسح على ناصيته, ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى جواز مسح بعض الرأس وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقول في مذهب مالك وأحمد وذهب آخرون إلى وجوب مسح جميعه وهو المشهور من مذهب مالك وأحمد وهذا القول هو الصحيح ) ا.هـ.
337- { ما الراجح في عدد مسحات الرأس }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وتنازعوا في مسحه ثلاثاً هل يستحب فمذهب الجمهور أنه لا يستحب كمالك وأبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه, وقال الشافعي وأحمد في رواية عنه:- يستحب لما في الصحيح أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً وهذا عام, وفي سنن أبي داود:- أنه مسح برأسه ثلاثاً ولأنه عضو من أعضاء الوضوء فسن فيه الثلاث كسائر الأعضاء, والأول أصح ) ا.هـ. قلت:- أي بأنه يمسح واحدة فقط, والقاعدة عند الشيخ أنه لا تكرار في ممسوح إلا بدليل والله أعلم .
338- { هل يختن الكبير }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( إذا لم يخف عليه ضرر الختان فعليه أن يختتن فإن ذلك مشروع مؤكد باتفاق الأئمة وهو واجب عند الشافعي وأحمد في المشهور عنه وقد اختتن إبراهيم الخليل - عليه السلام - بعد الثمانين من عمره ويرجع في الضرر إلى الأطباء الثقات وإذا كان يضره في الصيف أخره إلى زمان الخريف والله أعلم ) ا.هـ.
339- { بأي يدٍ يستاك }(1/127)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( الأفضل أن يستاك باليسرى نص عليه الإمام أحمد في رواية ابن منصور بن الكوسج ذكره عنه في مسائله وما علمنا أحداً من الأئمة خالف في ذلك وذلك لأن الاستياك من باب إماطة الأذى فهو كالاستنثار والامتخاط ونحو ذلك مما فيه إزالة الأذى وذلك باليسرى ) ا.هـ. قلت:- والقاعدة عند الشيخ أن اليمين تقدم في كل ما كان من باب التكريم والتزيين واليسرى فيما عداه والله أعلم .
340- { نتر الذكر وسلت البول ونحو ذلك وما يروى في ذلك من الحديث }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( التنحنح بعد البول والمشي والطفر إلى فوق والصعود في السلم والتعلق بالحبل وتفتيش الذكر بإسالته وغير ذلك كل ذلك بدعة ليس بواجب ولا مستحب عند أئمة المسلمين بل وكذلك نتر الذكر بدعة على الصحيح لم يشرع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك سلت البول بدعة لم يشرع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحديث المروي في ذلك ضعيف لا أصل له, والبول يخرج بطبعه وإذا فرغ انقطع بطبعه وهو كما قيل:- كالضرع إن تركته قر, وإن حلبته در ) ا.هـ.
341- { الحكم على حديث (( غربوا ولا تشرقوا )) وحديث (( شرقوا ولا تغربوا )) }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( الحديثان كذب ولكن في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - (( لا تستقبلوا القبلة بغائطٍ ولا بول ولكن شرقوا أو غربوا )) وفي السنن عنه أنه قال (( ما بين المشرق والمغرب قبلة )) وهذا خطاب منه لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والجزيرة والعراق وأما مصر فقبلتهم بين المشرق والجنوب من مطلع الشمس في الشتاء والله أعلم ) ا.هـ.
342- { حكم الموالاة في الوضوء }(1/128)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( الموالاة في الوضوء فيها ثلاثة أقوال أحدها:- الوجوب مطلقاً كما يذكره أصحاب الإمام أحمد, وأنه ظاهر مذهبه وهو القول القديم للشافعي, والثاني:- عدم الوجوب مطلقاً كما هو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد والقول الجديد للشافعي, والثالث:- الوجوب إلا إذا تركها لعذر, مثل عدم تمام الماء كما هو المشهور في مذهب مالك, وهذا القول الثالث هو الأظهر والأشبه بأصول الشريعة وبأصول مذهب أحمد وغيره وذلك لأن أدلة الوجوب لا تتناول إلا المفرط, لا تتناول العاجز عن الموالاة ) ا.هـ.
343- { هل خروج النجاسات من غير السبيلين ينقض الوضوء }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد تنازع العلماء في خروج النجاسة من غير السبيلين كالجرح والفصاد والحجامة والرعاف والقيء فمذهب مالك والشافعي لا ينقض ومذهب أبي حنيفة وأحمد ينقض لكن أحمد يقول:- إذا كان كثيراً وتنازعوا في مس النساء ومس الذكر هل ينقض؟ فمذهب أبي حنيفة لا ينقض ومذهب الشافعي ينقض, ومذهب مالك:- الفرق بين المس لشهوةٍ وغيرها وقد اختلفت الرواية عنه هل يعتبر ذلك في مس الذكر واختلف في ذلك عن أحمد وعنه كقول أبي حنيفة أنه لا ينقض شيء من ذلك, وروايتان كقول مالك والشافعي واختلف السلف في الوضوء مما مست النار هل يجب أم لا؟ واختلفوا في القهقهة في الصلاة فمذهب أبي حنيفة تنقض ومن قال إن هذه الأمور لا تنقض فهل يستحب الوضوء منها؟ على قولين وهما قولان في مذهب أحمد وغيره والأظهر في جميع هذه الأنواع أنها لا تنقض, ولكن يستحب الوضوء منها, فمن صلى ولم يتوضأ منها صحت صلاته ومن توضأ منها فهو أفضل ) ا.هـ.
344- { هل مس المرأة ينقض الوضوء }(1/129)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( مثل أن يتنازع حاكم أو غير حاكم في قوله { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } هل المراد به الجماع؟ كما فسره ابن عباس وغيره وقالوا:- إن مس المرأة لا ينقض الوضوء لا لشهوةٍ ولا لغير شهوة أو المراد به اللمس بجميع البشرة إما لشهوة وإما مطلقاً, كما نقل الأول عن ابن عمر والثالث قاله بعض العلماء, وللعلماء في هذه ثلاثة أقوال والأظهر هو القول الأول وأن الوضوء لا ينتقض بمس النساء مطلقاً وما زال المسلمون يمسون نساءهم ولم ينقل أحد قط عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر المسلمين بالوضوء من ذلك ولا نقل عن الصحابة على حياته أنه توضأ من ذلك, ولا نقل عنه قط أنه توضأ من ذلك, بل قد نقل عنه في السنن أنه كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ, وقد اختلف في صحة هذا الحديث لكن لا خلاف أنه لم ينقل عنه أنه توضأ من المس ) ا.هـ. وقال في موضع آخر ( والأظهر أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر ولا النساء ولا خروج النجاسات من غير السبيلين ولا القهقهة ولا غسل الميت فإنه ليس مع الموجبين دليل صحيح بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب لكن الاستحباب متوجه ظاهر فيستحب أن يتوضأ من مس النساء لشهوة ويستحب أيضاً أن يتوضأ من الحجامة والقيء ونحوهما ) ا.هـ.
345- { مس الذكر هل ينقض الوضوء }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولهذا قال طائفة من أصحاب أبي حنيفة إنما يتوضأ إذا انتشر انتشاراً شديداً, وكذلك قال طائفة من أصحاب مالك, يتوضأ إذا انتشر لكن هذا الوضوء من اللمس, هل هو واجب أو مستحب؟ فيه نزاع بين الفقهاء ليس هذا موضع ذكره فإن مسألة الذكر لها موضع آخر والأظهر أن الوضوء من مس الذكر مستحب لا واجب وهكذا صرح به الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه وبهذا تجتمع الأحاديث و الآثار بحمل الأمر على الاستحباب
ليس فيه نسخ قوله (( وهل هو إلا بضعةٍ منك )) وحمل الأمر على الاستحباب أولى من النسخ ) ا.هـ.(1/130)
346- { هل النوم ينقض الوضوء }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد ذكره للخلاف ( والأظهر في هذا الباب أنه إذا شك المتوضئ هل نومه مما ينقض أو ليس مما ينقض فإنه لا يحكم بنقض الوضوء لأن الطهارة ثابتة بيقين فلا تزول بالشك ) ا.هـ. وهذا واضح في أنه يختار عدم الانتقاض بالنوم لذاته .
347- { هل يمسح على الخف المخرق }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( هذه المسألة فيها قولان مشهوران للعلماء فمذهب مالك وأبي حنيفة وابن المبارك وغيرهم أنه يجوز المسح على ما فيه خرق يسير مع اختلافهم في حد ذلك واختار هذا بعض أصحاب أحمد, ومذهب الشافعي وأحمد وغيرهما أنه لا يجوز المسح إلا على ما يستر جميع محل الغسل قالوا:- لأنه إذا ظهر بعض القدم كان فرض ما ظهر الغسل وفرض ما بطن المسح فيلزم أن يجمع بين الغسل والمسح أي بين الأصل والبدل وهذا لا يجوز لأنه إما أن يغسل القدمين وإما أن يمسح على الخفين والقول الأول أصح ) ا.هـ.
348- { المسح على الجوربين واللفائف والقلانس والعمائم للرجال }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فإن قيل:- فهذا يلزم منه جواز المسح على اللفائف وهو أن يلف على الرجل من البرد أو خوف الحفاء أو من جراحٍ بها ونحو ذلك, قيل:- في هذا وجهان ذكرهما الحلواني والصواب أنه يمسح على اللفائف وهي بالمسح أولى من الخف والجورب فإن تلك اللفائف تستعمل للحاجة في العادة وفي نوعها ضرر, إما إصابة البرد وإما التأذي بالحفاء, وإما التأذي بالجرح, فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللفائف بطريق الأولى ) ا.هـ.
349- {هل تتوقت مدة المسح في حق المسافر الذي يشق عليه النزع والوضوء}(1/131)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( لما ذهبت على البريد وجد بنا السير وقد انقضت مدة المسح فلم يمكن النزع والوضوء إلا بالانقطاع عن الرفقة أو حبسهم على وجه يتضررون بالوقوف فغلب على ظني عدم التوقيت عند الحاجة كما قلنا في الجبيرة, ونزلت حديث عمر وقوله لعقبة بن عامر (( أصبت السنة )) على هذا توفيقاً بين الآثار, ثم رأيته مصرحاً به في مغازي ابن عائد, أنه كان قد ذهب على البريد كما ذهبت لما فتحت دمشق ذهب بشيراً بالفتح من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة فقال له عمر:- منذ كم لم تنزع خفيك؟ فقال:- منذ يوم الجمعة, قال:- أصبت فحمدت الله على الموافقة وهذا أظنه أحد القولين لأصحابنا وهو أنه إذا كان يتضرر بنزع الخف صار بمنزلة الجبيرة, والقول الآخر أنه إذا خاف الضرر بالنزع تيمم ولم يمسح وهذا كالروايتين لنا إذا كان جرحه بارزاً يمكنه مسحه بالماء دون غسله فهل يمسحه أو يتيمم له على قولين والصحيح المسح فالخف الذي يتضرر بنزعه كالجبيرة ) ا.هـ. مختصراً منه .
350- { هل يشترط لجواز المسح إكمال الطهارة }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وكذلك اتفق الفقهاء على أن من توضأ وضوءاً كاملاً ثم لبس الخفين جاز له المسح بلا نزاع ولو غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم فعل بالأخرى مثل ذلك فهل يمسح؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد:- إحداهما :- يجوز المسح و هو مذهب أبي حنيفة و الثانية :- لا يجوز وهو مذهب
مالك والشافعي ) ثم قال ( والقول الأول هو الصواب بلا شك ) ا.هـ.
351- { هل على الجنب عند اغتساله أن ينوي رفع الحدث الأصغر أم لا؟ }(1/132)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والقرآن يدل على أنه لا يجب على الجنب إلا الاغتسال وأنه إذا اغتسل جاز له أن يقرب الصلاة والمغتسل من الجنابة ليس عليه نية رفع الحدث الأصغر كما قال جمهور العلماء, والقرآن يقتضي أن الاغتسال كاف وأنه ليس عليه بعد الغسل من الجنابة حدث آخر, بل صار الأصغر جزءاً من الأكبر كما أن الواجب في الأصغر جزء من الواجب في الأكبر فإن الأكبر يتضمن غسل الأعضاء الأربعة ) ا.هـ.
352- { هل في الغسل ترتيب وموالاة }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والموالاة في غسل الجنابة لا تجب للحديث الذي فيه (( أنه رأى في بدنه موضعاً لم يصبه الماء فعصر عليه شعره )) ) ثم قال ( وأما في الغسل في البدن كعضو واحد والعضو لا ترتيب فيه بالاتفاق ) ا.هـ.
353- { هل التيمم يقوم مقام الماء مطلقاً }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقيل:- بل التيمم يقوم مقام الماء مطلقاً يستبيح به كما يستباح بالماء, ويتيمم قبل الوقت كما يتوضأ قبل الوقت, ويبقى بعد الوقت كما تبقى طهارة الماء بعده وإذا تيمم لنافلة صلى به الفريضة كما أنه إذا توضأ لنافلة صلى به الفريضة وهذا قول كثير من أهل العلم وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الثانية وقال أحمد:- هذا هو القياس وهذا القول هو الصحيح وعليه يدل الكتاب والسنة والاعتبار ) ا.هـ.
354- { هل التيمم مبيح أم رافع }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( فمن قال إن التراب لا يطهر من الحدث فقد خالف الكتاب والسنة وإذا كان مطهراً من الحدث امتنع أن يكون الحدث باقياً مع أن الله طهر المسلمين بالتيمم من الحدث فالتيمم رافع للحدث, مطهر لصاحبه
لكن رفع موقت إلى أن يقدر على استعمال الماء فإنه بدل عن الماء فهو مطهر ما دام الماء متعذراً ) ا.هـ.
355- { هل التيمم ضربة أم ضربتان وهل فيه ترتيب }(1/133)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ولهذا كان الصواب أنه يجوز التيمم بضربةٍ واحدة للوجه والكفين, ولا يجب فيه ترتيب بل إذا مسح وجهه بباطن راحتيه أجزأ ذلك عن الوجه والراحتين ثم يمسح ظهور الكفين بعد ذلك فلا يحتاج أن يمسح راحتيه مرتين وعلى هذا دلت السنة ) ا.هـ.
356- { القاعدة في التيمم }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( يقوم التيمم مقام الطهارة بالماء فما يبيحه الاغتسال من الممنوعات يبيحه التيمم ) ا.هـ.
357- { الأشياء التي يخاف فوتها هل يتيمم لها }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأصح أقوال العلماء أنه يتيمم لكل ما يخاف فوته كالجنازة وصلاة العيد وغيرهما مما يخاف فوته فإن الصلاة بالتيمم خير من تفويت الصلاة ) ا.هـ.
358- { حال من عدم الماء والتراب وهل يعيد }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( إذا لم يقدر على استعمال الماء ولا على المسح بالصعيد فإنه يصلي بلا ماءٍ ولا تيمم عند الجمهور وهذا أصح القولين وهل عليه الإعادة؟ على قولين أظهرهما أنه لا إعادة عليه ) ا.هـ.
359- { المحتقن إذا كان متوضأً هل الأفضل أن يصلي بطهارة الماء مع كونه محتقناً أم يحدث ويتيمم إن كان عادماً }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( صلاته بالتيمم بلا احتقانٍ أفضل من صلاته بالوضوء مع الاحتقان فإن هذه الصلاة مع الاحتقان مكروهة منهي عنها وفي صحتها روايتان و أما صلاته بالتيمم فصحيحة لا كراهة فيها بالاتفاق و الله
أعلم ) ا.هـ.
360- { التيمم هل يصلي به السنن الراتبة و الفريضة و يقتصر عليه إلى
أن يحدث }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( نعم يجوز له في أظهر قولي العلماء كما يصلي بالوضوء, فيصلي به الفرض والنفل ويتيمم قبل الوقت وهذا مذهب أبي حنيفة ولا ينقض التيمم إلا ما ينقض الوضوء والقدرة على استعمال الماء والله أعلم ) ا.هـ.
361- { كيف وضوء من به جرح }(1/134)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( هذه المسألة فيها نزاع هما قولان في مذهب أحمد وغيره والصحيح أن له أن يؤخر التيمم حتى يفرغ من وضوئه, بل هذا الذي ينبغي أن يفعله ) ا.هـ.
362- { حكم الخمرة إذا قصد تخليلها }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( أما التخليل ففيه نزاع قيل يجوز تخليلها كما يحكى عن أبي حنيفة وقيل:- لا يجوز لكن إذا خللت طهرت كما يحكى عن مالك وقيل يجوز بنقلها من الشمس إلى الظل وكشف الغطاء عنها ونحو ذلك دون أن يلقي فيها شيئاً كما هو وجه في مذهب الشافعي وأحمد وقيل لا يجوز بحال كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد وهذا هو الصحيح } ا.هـ.
363- { هل المائعات كالماء في أنها لا تنجس إلا بالتغير }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وهذا القول الذي ذكرنا من أن المائعات كالماء أولى بعدم التنجيس من الماء هو الأظهر في الأدلة الشرعية ) وقال بعد صفحات ( فإذا كان الصحيح في الماء أنه لا ينجس إلا بالتغير إما مطلقاً وإما مع الكثرة فكذلك الصواب في المائعات, ومن تدبر الأصول المنصوصة المجمع عليها والمعاني الشرعية المعتبرة في الأحكام الشرعية تبين له أن هذا هو أصوب الأقوال فإن
نجاسة الماء و المائعات بدون التغير بعيد عن ظواهر النصوص و الأقيسة ) ا.هـ.
364- { حكم شعر الحمار }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( أما مقاود الخيل ورباطها فطاهر باتفاق الأئمة لأن الخيل طاهرة بالاتفاق ولكن الحمير فيها خلاف هل هي طاهرة أو نجسة؟ أو مشكوك فيها؟ والصحيح الذي لا ريب فيه أن شعرها طاهر إذ قد بينا أن شعر الكلب طاهر فشعر الحمار أولى } ا.هـ.
365- { الصفرة والكدرة وحكمها }(1/135)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والصفرة والكدرة للفقهاء فيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره, هل هي حيض مطلقاً أو ليست حيضاً مطلقاً, والقول الثالث وهو الصحيح أنها إن كانت في العادة مع الدم الأسود والأحمر فهي حيض وإلا فلا لأن النساء كن يرسلن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فتقول لهن:- لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء, وكذلك غيرها فكن يجعلن ما قبل القصة البيضاء حيضاً و قالت أم عطية :- كنا لا نعد الصفرة و الكدرة بعد الطهر شيئاً ) ا.هـ.
366- { أقل الحيض وأكثره }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ومن ذلك اسم الحيض علق الله أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة ولم يقدر لا أقله ولا أكثره ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم البلوى بذلك واحتياجهم إليه واللغة لا تفرق بين قدر وقدر, فمن قدر في ذلك حداً فقد خالف الكتاب والسنة, والعلماء منهم من يحد أكثره وأقله, ثم يختلفون في التحديد ومنهم من يحد أكثره دون أقله والقول الثالث أصح وهو أنه لا حد لأقله ولا لأكثره بل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض وإن قدر أنه أقل من يوم واستمر بها على ذلك فهو حيض وإن قدر أكثره سبعة عشر واستمر بها على ذلك فهو حيض ) ا.هـ.
367- { القاعدة فيما يخرج من المرأة من الدم }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخيه الرحم, ودم الفساد دم عرق ينفجر وذلك كالمرض والأصل الصحة لا المرض , فمتى رأت المرأة الدم جارٍ من رحمها فهو حيض تترك لأجله الصلاة ) ا.هـ.
368- { هل تحيض الحامل وهل للنفاس حد لأكثره أو لأقله وهل للمرأة سن لا تحيض إلا فيه }(1/136)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والحامل إذا رأت الدم على الوجه المعروف لها فهو دم حيض بناءً على الأصل والنفاس لا حد لأقله ولا لأكثره فلو قدر أن امرأة رأت الدم أكثر من أربعين أو ستين أو سبعين وانقطع فهو نفاس لكن إن اتصل فهو دم فساد وحينئذٍ فالحد أربعون فإنه منتهى الغالب, هكذا جاءت به الآثار ولا حد لسن تحيض فيه المرأة بل لو قدر أنها رأت دماً بعد الستين أو السبعين لكان حيضاً واليأس المذكور في قوله { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ } ليس هو بلوغ سن, لو كان بلوغ سن لبينه الله ورسوله وإنما هو أن تيأس المرأة نفسها من أن تحيض فإذا انقطع دمها ويئست من أن يعود فقد يئست من المحيض ولو كانت بعد الأربعين ثم إذا تربصت وعاد الدم تبين أنها لم تكن آيسة ) ا.هـ.
369- { حكم وطء الحائض قبل الاغتسال }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( أما مذهب الفقهاء كمالك والشافعي وأحمد فإنه لا يجوز وطؤها حتى تغتسل كما قال تعالى { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } وأما أبو حنيفة فيجوز وطأها إذا انقطع لأكثر الحيض أو مر عليها وقت الصلاة فاغتسلت, وقول الجمهور هو الذي يدل عليه ظاهر القرآن والآثار ) ا.هـ. وقال أيضاً ( أما المرأة الحائض إذا انقطع دمها فلا يطؤها زوجها حتى تغتسل إذا كانت قادرة على الاغتسال وإلا تيممت كما هو مذهب جمهور العلماء كمالك وأحمد والشافعي ) ثم ساق خلاف الظاهرية والحنفية ثم قال ( وقول الجمهور هو الصواب كما تقدم والله أعلم ) ا.هـ.
370- {حكم قراءة القرآن للحائض }(1/137)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما الحائض فحدثها دائم لا يمكنها طهارة تمنعها عن الدوام فهي معذورة في مكثها ونومها وأكلها وغير ذلك, فلا تمنع مما يمنع منه الجنب مع حاجتها إليه ولهذا كان أظهر قولي العلماء أنها لا تمنع من قراءة القرآن إذا احتاجت إليه كما هو مذهب مالك وأحد القولين في مذهب الشافعي ويذكر رواية عن أحمد فإنها محتاجة إليها ولا يمكنها الطهارة كما يمكن الجنب وإن كان حدثها أغلظ من حدث الجنب ) ا.هـ.
371- { حكم شعر الكلب }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( أما الكلب فللعلماء فيه ثلاثة أقوال معروفة أحدها:- أنه نجس كله حتى شعره كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه والثاني:- أنه طاهر حتى ريقه كقول مالك في المشهور عنه, والثالث:- أن ريقه نجس وأما شعره فطاهر وهذا مذهب أبي حنيفة المشهور عنه وهذه هي الرواية المنصورة عند أكثر أصحابه وهو الرواية الأخرى عن أحمد وهذا أرجح الأقوال فإذا أصاب الثوب أو البدن رطوبة شعره لم ينجس بذلك و إذا ولغ في الماء أريق ) ا.هـ.
372- { حكم الشعور كلها }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وله في الشعور النابتة على محلٍ نجس ثلاثة روايات:- إحداها:- أن جميعها طاهر حتى شعر الكلب والخنزير وهو اختيار أبي بكر عبدالعزيز, والثانية:- أن جميعها نجس كقول الشافعي, والثالثة:- أن شعر الميتة إن كانت طاهرة في الحياة كان طاهراً كالشاة والفأرة, وشعر ما هو نجس في حال الحياة نجس كالكلب والخنزير وهذه هي المنصوصة عند أكثر أصحابه و القول الراجح هو طهارة الشعور كلها شعر الكلب والخنزير وغيرهما ) ا.هـ.
373- { حكم اللبن إذا ولغ فيه الكلب }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وإذا ولغ - أي الكلب - في اللبن ونحوه فمن العلماء من يقول يؤكل ذلك الطعام كقول مالكٍ وغيره ومنهم من يقول:- يراق كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد, فأما إن كان اللبن كثيراً فالصحيح أنه لا ينجس ) ا.هـ.(1/138)
374- { قاعدة ابن تيمية في الأشياء }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأيضاً:- فإن الأصل في الأعيان الطهارة فلا يجوز التنجيس إلا بدليل ) ا.هـ.
375- { بول ما يؤكل لحمه }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( أما بول ما يؤكل لحمه وروث ذلك فإن أكثر السلف على أن ذلك ليس بنجس وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما ويقال:- إنه لم يذهب أحد من الصحابة إلى تنجيس ذلك, بل القول بنجاسة ذلك قول محدث لا سلف له من الصحابة وقد بسطنا القول في هذه المسألة في كتاب مفرد وبينا فيه بضعة عشر دليلاً شرعياً وأن ذلك ليس بنجس ) ا.هـ.
376- { هل قلع الجبيرة ينقض الوضوء }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( هذا فيه نزاع والأظهر أنه لا ينقض الوضوء كما أنه لا يعيد الغسل لأن الجبيرة كالجزء من العضو والله أعلم ) ا.هـ.
377- { من قال لعبده هو حر ويعني أنه ليس بفاجر فهل يعتق العبد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وعلى هذا فإذا قال لعبده هو حر يعني أنه ليس بفاجر لم يعتق وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي أن يفتى بخلافه, فإن السيد إذا قيل له:- عبدك فاجر زان, فقال:- ما هو إلا حر, قطع سامعه أنه إنما أراد الصفة لا العين, وكذلك إذا قيل له:- جاريتك تبغي, فقال:- إنما هي حرة ) ا.هـ.
378- { حكم العائن الذي كثر الضرر بعينه }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد يعين الرجل نفسه, وقد يعين غيره بغير إرادته بل بطبعه وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني وقد قال أصحابنا من الفقهاء وغيرهم:- إن من عرف بذلك حبسه الإمام وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت وهذا هو الصواب قطعاً ) ا.هـ.
379- { الترتيب في الوضوء }(1/139)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فتأمل بداءته بالصفا معللاً ذلك بكون الله تعالى بدأ به فلا ينبغي تأخيره وهكذا يقول المرتبون للوضوء سواء, نحن نبدأ بما بدأ الله به, ولا يجوز تأخير ما قدمه الله تعالى ويتعين البداءة بما بدأ الله به وهذا هو الصواب لمواظبة المبين عن الله تعالى مراده على الوضوء المرتب, فاتفق جميع من نقل عنه وضوءه كله على إيقاعه مرتباً ولم ينقل عنه أحد قط أنه أخل بالترتيب مرة واحدة فلو كان الوضوء المنكوس مشروعاً لفعله ولو في عمره مرة واحدة لتبيين جوازه لأمته وهذا بحمد الله واضح ) ا.هـ.
380- { ما الحكم لو قالت امرأة لزوجها:- طلقني فقال إن الله قد طلقك }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وسئل عن رجل قالت له زوجته:- طلقني فقال:- إن الله قد طلقك فقال:- يقع الطلاق لأنه كناية استندت إلى دلالة الحال وهي ذكر الطلاق وسؤالها إياه, وأجاب بعض الشافعية بأنه إن نوى وقع الطلاق وإلا لم يقع, قلت:- وهذا هو الصواب أن قوله:- إن الله قد طلقك إن أراد به شرع طلاقك وأباحه لم يقع وإن أراد أن الله قد أوقع عليك الطلاق وأراده فهذا يكون طلاقاً لأن ضرورة صدقه أن يكون الطلاق واقعاً وإذا احتمل الأمرين فلا يقع إلا بالنية ) ا.هـ.
381- { حكم الجرح إذا كان بارزاً }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( و سألوه - أي سألوا الإمام أحمد - عن الجرح(1/140)
يكون بالإنسان يخاف عليه كيف يمسح عليه؟ قال:- ينزع الخرقة ثم يمسح على الجرح نفسه، قلت - أي ابن القيم - هذا النص خلاف المشهور عند الأصحاب فإنهم يقولون إذا كان مكشوفاً لم يمسح عليه حتى يستره فإن لم يكن مستوراً تيمم له، ونص أحمد صريح في أنه يكشف الخرقة ثم يباشر الجرح بالمسح وهذا يدل على أن مسح الجرح البارز أولى من مسح الجبيرة وأنه خير من التيمم وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي العدول عنه وهو المحفوظ عن السلف من الصحابة والتابعين ولا ريب أنه بمقتضى القياس فإن مباشرة العضو بالمسح الذي هو بعض الغسل المأمور به أولى من مباشرة غير ذلك العضو بالتراب، ولم أزل استبعد هذا حتى رأيت نص أحمد هذا بخلافه ومعلوم أن المسح على الحائل إنما جاء لضرورة المشقة بكشفه فكيف أولى من المسح على الجرح نفسه بغير حائل فالقياس والآثار تشهد بصحة هذا النص والله أعلم، وقد ذكرت في الكتاب الكبير الجامع بين السنن والآثار من قال بذلك من السلف وذكرت الآثار عنهم بذلك وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى يذهب إلى هذا ويضعف القول بالتيمم بدل المسح ) ا.هـ.
382- { الفرق بين بول الغلام والجارية }(1/141)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والسنة قد فرقت بين البولين صريحاً فلا يجوز التسوية بين ما صرحت به السنة بالفرق بينهما وقالت طائفة منهم الأوزاعي ومالك في رواية الوليد بن مسلم عنه:- ينضح بول الغلام والجارية دفعاً للمشقة لعموم الابتلاء بالتربية والحمل لهما وهذا القول يقابل من قال يغسلان, والتفريق هو الصواب الذي دلت السنة الصحيحة الصريحة, قال أبو البركات ابن تيمية:- والتفريق بين البولين إجماع الصحابة رواه أبو داود عن علي بن أبي طالب ورواه سعيد بن منصور عن أم سلمة, وقال إسحاق بن راهويه:- مضت السنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يرش بول الصبي الذي لم يطعم الطعام ويغسل بول الجارية طعمت أو لم تطعم, قال:- وعلى ذلك كان أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم قال:- ولم يسمع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عمن بعده إلى زمان التابعين أن أحداً سوى بين الغلام و الجارية ا.هـ. قال ابن القيم :- و القياس في مقابلة السنة مردود ) ا.هـ.
383- { متى يلزم حكم الأقوال وتترتب عليها آثارها }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ثم منهم من اشترط مع ذلك أن يكون عالماً بمعناه فإن تكلم به اختياراً غير عارفٍ بمعناه لم يلزمه حكمه وهذا قول من يقول:- لا يلزم المكلف أحكام الأقوال حتى يكون عارفاً بمدلولها وهذا هو الصواب )ا.هـ.
384- { حكم الركعتين قبل صلاة المغرب }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما الركعتان قبل المغرب فإنه لم ينقل عنه أنه كان يصليهما, وصح عنه أنه أقر أصحابه عليهما وكان يراهم يصلونها فلم يأمرهم ولم ينههم وفي الصحيحين عن عبدالله المزني أنه قال (( صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب, قال في الثالثة:- لمن شاء كراهة أن يتخذها الناس سنة )) وهذا هو الصواب في هاتين الركعتين أنهما مستحبتان مندوب إليهما وليستا بسنةٍ راتبة كسائر السنن الرواتب ) ا.هـ.
385- { هل في سجود القرآن تشهد أو تسليم }(1/142)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولم يذكر عنه أنه كان يكبر للرفع من هذا السجود - أي سجود التلاوة - ولم يذكره الخرقي ومتقدموا الأصحاب ولا نقل فيه عنه تشهد ولا سلام البتة, وأنكر أحمد والشافعي السلام فيه, فالمنصوص عن الشافعي أنه لا تشهد فيه ولا تسليم وقال أحمد:- أما التسليم فلا أدري ما هو وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي غيره ) ا.هـ.
386- { ما الحكم لو أخر صدقة الفطر عن صلاة العيد, وما الحكم لو ذبح أضحيته قبل صلاة العيد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وكان من هديه:- إخراج هذه الصدقة قبل صلاة العيد وفي السنن عنه أنه قال (( من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات )) وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (( أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )) ومقتضى هذين الحديثين أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة وهذا هو الصواب فإنه لا معارض لهذين الحديثين ولا ناسخ ولا إجماع يدفع القول بهما, وكان شيخنا يقوي ذلك وينصه ونظير ترتيب الأضحية على صلاة الإمام لا على وقتها وأن من ذبح قبل صلاة الإمام لم تكن ذبيحته أضحية بل شاة لحم وهذا أيضاً هو الصواب في المسألة الأخرى وهذا هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الموضعين ) ا.هـ.
387- { حكم الأذان }(1/143)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( الصحيح أن الأذان فرض كفاية فليس لأهل مدينة ولا قرية أن يدعوا الأذان والإقامة وهذا هو المشهور من مذهب أحمد وغيره, وقد أطلق طوائف من العلماء أنه سنة ثم من هؤلاء من يقول:- إنه إذا اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا, والنزاع مع هؤلاء قريب من النزاع اللفظي فإن كثيراً من العلماء يطلق القول بالسنة على ما يذم تاركه شرعاً, ويعاقب تاركه شرعاً فالنزاع بين هذا وبين من يقول:- إنه واجب, نزاع لفظي ولهذا نظائر متعددة وأما من زعم أنه سنة لا إثم على تاركيه ولا عقوبة فهذا القول خطأ فإن الأذان هو شعار دار الإسلام ) ا.هـ.
388- { هل الصلاة كانت على من قبلنا }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( كانت لهم صلاة في هذه الأوقات لكن ليست مماثلة لصلاتنا في الأوقات والهيئات وغيرهما ) ا.هـ.
389- { لو أخذت الزكاة قهراً من الممتنع فهل تجزئه فيما بينه وبين الله }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وقد اختلف أصحابنا في الإمام إذا أخذ الزكاة قهراً هل تجزئه في الباطن؟ على وجهين مع أنها لا تستعاد منه, أحدهما:- لا تجزئه لعدم النية مع القدرة عليها والثاني:- أن نية الإمام تقوم مقام نية الممتنع لأن الإمام نائب المسلمين في أداء الحقوق الواجبة عليهم, والأول أصح, فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذها منهم بإعطائهم إياها وقد صرح القرآن بنفي قبولها لأنهم ينفقون وهم كارهون فعلم أنه إن أنفق مع كراهة الإنفاق لم تقبل منه كمن صلى رياءً ) ا.هـ.
390- { لو تاب المنافق والمرائي فهل يجب عليه في الباطن إعادة ما فات من الصلوات؟ }(1/144)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( لكن لو تاب المنافق والمرائي فهل تجب عليه في الباطن الإعادة؟ أو تنعطف توبته على ما عمله قبل ذلك فيثاب عليه أو لا يعيد ولا يثاب؟ أما الإعادة فلا تجب على المنافق قطعاً لأنه قد تاب من المنافقين جماعة عن النفاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يأمر أحداً منهم بالإعادة ) ا.هـ.
391- { تأخير الصلاة عن وقتها }
قال أبو العباس أحمد بن عبدالحليم رحمه الله تعالى ( لا يجوز لأحدٍ أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل ولا يؤخر صلاة الليل إلى النهار لشغلٍ من الأشغال لا لحصد ولا لحرث ولا لصناعة ولا لجنابة ولا نجاسة ولا صيد ولا لهوٍ ولا لعبٍ ولا لخدمة أستاذ ولا غير ذلك بل المسلمون كلهم متفقون على أن عليه أن يصلي الظهر والعصر بالنهار ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس, ولا يترك ذلك لصناعة من الصناعات ولا للهو ولا لغير ذلك من الأشغال وليس للمالك أن يمنع مملوكه ولا للمستأجر أن يمنع الأجير من الصلاة في وقتها ومن أخرها لصناعة أو صيدٍ أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته, بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب فإن تاب والتزم أن يصلي في الوقت ألزم بذلك وإن قال:- لا أصلي إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة والصيد أو غير ذلك فإنه يقتل ) ا.هـ.
392- { المرتد إذا أسلم هل يقضي ما فاته زمن ردته }(1/145)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( فالمرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الردة عند جمهور العلماء كما لا يقضي الكافر إذا أسلم ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء, ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين عنه, والأخرى يقضي المرتد كقول الشافعي والأول أظهر فإن الذين ارتدوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالحارث بن قيس وطائفة معه أنزل الله فيهم { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } الآية والتي بعدها, وكعبدالله ابن أبي سرح والذين خرجوا مع الكفار يوم بدر, وأنزل فيهم { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } فهؤلاء عادوا إلى الإسلام وعبدالله بن أبي سرح عاد إلى الإسلام عام الفتح وبايعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يأمر أحداً منهم بإعادة ما ترك حال كفره في الردة كما لم يكن يأمر سائر الكفار إذا أسلموا وقد ارتد في حياته خلق كثير اتبعوا الأسود العنسي الذي تنبأ بصنعاء اليمن ثم قتله الله وعاد أولئك إلى الإسلام ولم يؤمروا بالإعادة وتنبأ مسيلمة الكذاب واتبعه خلق كثير, قاتلهم الصديق والصحابة بعد موته حتى عادوا من بقي منهم إلى الإسلام ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء وكذلك سائر المرتدين بعد موته, وكان أكثر البوادي قد ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام ولم يأمر أحداً منهم بقضاء ما ترك من الصلاة, وقوله تعالى { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } يتناول كل كافر ) ا.هـ.
393- { القول في صفات الأذان }(1/146)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما الترجيع وتركه, وتثنية التكبير وتربيعه وتثنية الإقامة وإفرادها فقد ثبت في صحيح مسلم والسنن حديث أبي محذورة الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان عام فتح مكة وكان الأذان فيه وفي ولده بمكة ثبت أنه علمه الأذان والإقامة, وفيه ( الترجيع ) وروى في حديثه (( التكبير مرتين )) كما في صحيح مسلم وروي (( أربعاً )) كما في سنن أبي داود وغيره وفي حديثه أنه علمه الإقامة شفعاً وثبت في الصحيح عن أنس بن مالك أنه قال لما كثر الناس قال (( تذاكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا يوروا ناراً أو يضربوا ناقوساً فأمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة )) وفي رواية للبخاري (( إلا الإقامة )) وفي سنن أبي داود وغيره أن عبدالله بن زيد لما أري الأذان وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يلقيه على بلال فألقاه عليه وفيه التكبير أربعاً بلا ترجيع, وإذا كان كذلك فالصواب مذهب أهل الحديث ومن وافقهم وهو تسويغ كل ما ثبت في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكرهون شيئاً من ذلك إذ تنوع صفة الأذان والإقامة كتنوع صفة القراءات والتشهدات ونحو ذلك, وليس لأحدٍ أن يكره ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته, وأما من بلغ به الحال إلى الاختلاف والتغرق حتى يوالي ويعادي ويقاتل على مثل هذا ونحوه مما سوغه الله تعالى كما يفعله أهل المشرق فهؤلاء من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ) ا.هـ.
394- { الزمان الذي اعتمر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وما اعتمر في رجب قط, وكذلك قال أنس وابن عباس إن عمره كلها كانت في ذي القعدة وهذا هو الصواب ) ا.هـ.
395- { هل عمرة القارن تكفي عن عمرة الإسلام }(1/147)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما عمرة عائشة رضي الله عنها فكانت زيارة محضة, وإلا فعمرة قرانها قد أجزأت عنها بنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا دليل على أن عمرة القارن تجزئ عن عمرة الإسلام وهذا هو الصواب المقطوع به فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة رضي الله عنها (( طوافك لحجك وعمرتك )) وفي لفظ (( يجزئك )) وفي لفظ (( يكفيك )) وقال (( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة )) وأمر كل من ساق الهدي أن يقرن بين الحج والعمرة ولم يأمر أحداً ممن قرن معه وساق الهدي بعمرة أخرى غير عمرة القِران فصح إجزاء عمرة القارن عن عمرة الإسلام قطعاً وبالله التوفيق ) ا.هـ.
396- { سلام الرجل على النساء }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وفي صحيح البخاري أن الصحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز في طريقهم فيسلمون عليها فتقدم لهم طعاماً من أصول السلق والشعير, وهذا هو الصواب في مسألة السلام على النساء أنه يسلم على العجوز وذوات المحارم دون غيرهم ) ا.هـ.
397- { العاطس إذا حمد الله فسمعه بعض القوم دون بعض فهل يسن لمن لم يسمعه أن يشمته }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد اختلف الناس في مسألتين:- إحداهما:- أن العاطس إذا حمد الله فسمعه بعض الحاضرين دون بعض هل يسن لمن لم يسمعه تشميته؟ فيه قولان والأظهر أنه يشمته إذا تحقق أنه حمد الله وليس المقصود سماع المشمت للحمد وإنما المقصود نفس حمده فمتى تحقق ترتب عليه التشميت كما لو كان المشمت أخرس ورأى حركة شفتيه بالحمد, والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال (( فإن حمد الله فشمتوه )) هذا هو الصواب ) ا.هـ.
398- { إذا عطس ونسي الحمد فهل يسن تذكيره }(1/148)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( الثانية:- إذا ترك الحمد فهل يستحب لمن حضره أن يذكره الحمد؟ قال ابن العربي:- لا يذكره, قال:- وهذا جهل من فاعله وقال النووي:- أخطأ من زعم ذلك بل يذكره وهو مروي عن إبراهيم النخعي, قال وهذا من الباب النصيحة والأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى وظاهر السنة يقوي قول ابن العربي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشمت الذي عطس ولم يحمد الله ولم يذكره وهذا تعزير له وحرمان لبركة الدعاء لما حرم نفسه بركة الحمد فنسي الله فصرف قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته والدعاء له ولو كان تذكيره سنة لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بفعلها وتعليمها والإعانة عليه ) ا.هـ.
399- { متى حرمت المتعة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولم تحرم المتعة يوم خيبر وإنما كان تحريمها عام الفتح هذا هو الصواب ) ا.هـ.
400- { أهل العهد إذا نقضه بعضهم دون بعض وأهل الذمة إذا نقض بعضهم دون بعض وكان من لم ينقض راضٍ بهذا النقض }(1/149)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وفيها انتقاض عهد جميعهم بذلك ردئهم ومباشريهم إذا رضوا بذلك وأقروا عليه ولم ينكروه فإن الذين أعانوا بني بكرٍ من قريش بعضهم لم يقاتلوا كلهم معهم ومع هذا فغزاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم وهذا كما أنهم دخلوا في عهد الصلح تبعاً ولم ينفرد كل واحدٍ منهم بصلح, إذ قد رضوا به وأقروا عليه فكذلك حكم نقضهم للعهد هذا هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا شك فيه كما ترى, وطرد هذا جريان هذا الحكم على ناقضي العهد من أهل الذمة إذا رضي جماعتهم به وإن لم يباشر كل واحدٍ منهم ما ينقض عهده كما أجلى عمر يهود خيبر لما عدا بعضهم على ابنه ورموه من ظهر دارٍ, ففدعوا يده, بل قد قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميع مقاتلة بني قريظة ولم يسأل عن كل رجلٍ منهم هل نقض العهد أم لا؟ وكذلك أجلى بني النظير كلهم وإنما كان الذي هم بالقتل منهم رجلان وكذلك فعل ببني قينقاع حتى استوهبهم منه عبدالله بن أبي فهذه سيرته وهديه الذي لا شك فيه وقد أجمع المسلمون على أن حكم الردء حكم المباشر في الجهاد ولا يشترط في قسمة الغنيمة ولا في الثواب مباشرة كل واحد للقتال, وهذا حكم قطاع الطريق حكم ردئهم حكم مباشرهم لأن المباشر إنما باشر الإفساد بقوة الباقين ولولاهم ما وصل إلى ما وصل إليه وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه وهو مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة وغيرهم )ا.هـ.
401- { قول الرجل لزوجته:- الحقي بأهلك هل يقع به الطلاق }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقول كعبٍ لامرأته الحقي بأهلك دليل على أنه لم يقع بهذه اللفظة وأمثالها طلاق ما لم ينوه والصحيح أن لفظ الطلاق والعتاق والحرية كذلك, إذا أراد بها غير تسييب الزوجة وإخراج الرقيق عن ملكه لا يقع به طلاق و لا عتاق هذا هو الصواب الذي ندين الله به و لا نرتاب فيه البتة ) ا.هـ.(1/150)
402- { مشروعية معاقبة الجاني بمثل فعله ما لم يكن فعله محرماً لحق الله تعالى }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت لددنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار أن لا تلدوني فقلنا:- كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال (( ألم أنهكم أن تلدوني لا يبقى منكم أحد إلا لد غير عمي العباس فإنه لم يشهدكم )) قال أبو عبيد عن الأصمعي:- اللدود ما يسقى الإنسان في أحد شقي الفم, أخذاً من لديدي الوادي وهما جانباه وأما الوجور فهي في وسط الفم قلت:- واللدود بالفتح هو الدواء الذي يلد به, والسعوط ما أدخل في أنفه, وفي هذا الحديث من الفقه وهو معاقبة الجاني بمثل ما فعل سواء, إذا لم يكن فعله محرماً لحق الله تعالى وهذا هو الصواب المقطوع به لبضعة عشر دليلاً قد ذكرناها في موضعٍ آخر وهو منصوص عن أحمد وهو ثابت عن الخلفاء الراشدين ) ا.هـ.
403- { حكم وطء المسبية التي لها زوج من الكفار }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقالت فرقة أخرى:- الآية خاصة بالمسبيات فإن المسبية إذا سبيت حل وطؤها لسابيها بعد, وإن كانت مزوجة وهذا قول الشافعي وأحد الوجهين لأصحاب أحمد وهو الصحيح, روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشاً إلى أوطاس فلقي عدواً فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا سبايا وكأن ناساً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله - عز وجل - في ذلك { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أي فهن لكم حلال إذا انقضت العدة فتضمن هذا الحكم إباحة وطء المسبية وإن كان لها زوج من الكفار وهذا يدل على بطلان نكاحه وزوال عصمة بضع امرأته وهذا هو الصواب ) ا.هـ.
404- { علاقة الولد الملاعن عليه بأمه التي ولدته }(1/151)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقالت طائفة ثانية:- بل أفادنا هذا الإلحاق فائدة زائدة وهي تحويل النسب الذي كان لأبيه إلى أمه وجعل أمه قائمة مقام أبيه في ذلك فهي عصبته, وعصباتها أيضاً عصبته, فإن مات حازت ميراثه وهذا قول ابن مسعود ويروى عن علي وهذا القول هو الصواب لما روى أهل السنن الأربعة من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه )) ورواه الإمام أحمد وذهب إليه, وروى أبو داود في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جعل ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعده, وفي السنن أيضاً مرسلاً من حديث مكحول قال (( جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميراث ابن الملاعنة لأمه من بعدها )) وهذه الآثار موافقة لمحض القياس فإن النسب في الأصل للأب فلما انقطع من جهته صار للأم ) ا.هـ.
405- { تعريف الروح }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( هي جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نوراني, علوي, خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكاً لهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل عنه إلى عالم الأرواح وهذا القول هو الصواب في المسألة وهو الذي لا يصح غيره, وكل الأقوال سواه باطلة وعليه دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة ) ا.هـ.
406- { هل ترد الشهادة لمجرد القرابة }(1/152)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقوله (( أو ظنيناً في ولاءٍ أو قرابة )) الظنين المتهم والشهادة ترد بالتهمة ودل هذا على أنها لا ترد بالقرابة كما لا ترد بالولاء وإنما ترد بتهمتها وهذا هو الصواب كما تقدم ) ا.هـ.
407- { حكم صلاة الجماعة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما الجماعة فقد قيل:- إنها سنة وقيل إنها واجبة على الكفاية, وقيل:- إنها واجبة على الأعيان وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة فإن الله تعالى أمر بها في حال الخوف ففي حال الأمن أولى وآكد وأيضاً فقد قال تعالى { وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } وهذا أمر بها, وأيضاً فقد ثبت في الصحيح أن ابن أم مكتوم سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له أن يصلي في بيته فقال (( هل تسمع النداء؟ )) قال نعم قال (( فأجب )) وفي رواية (( ما أجد لك رخصة )) وابن أم مكتوم كان رجلاً صالحاً نزل فيه قوله تعالى { عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى } وكان من المهاجرين, ولم يكن من المهاجرين من يتخلف عنها إلا منافق فعلم أنه لا رخصة لمؤمن في تركها وأيضاً فقد ثبت في الصحاح أنه قال (( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )) وفي رواية (( لو لا ما في البيوت من النساء والذرية )) فبين أنه إنما يمنعه من تحريق المتخلفين عن الجماعة من في البيوت من النساء والأطفال فإن تعذيب أولئك لا يجوز لأنه لا جماعة عليهم ) ثم قال ( وأيضاً فإن الجماعة يترك لها أكثر واجبات الصلاة في صلاة الخوف وغيرها فلولا وجوبها لم يؤمر بترك بعض الواجبات لها لأنه لا يؤمر بترك الواجبات لما ليس بواجب ) ا.هـ.
وقال أيضاً ( فأما صلاة الجماعة فأتبع ما دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة من وجوبها مع عدم العذر وسقوطها بالعذر ) ا.هـ.
408- { حكم صلاة العيد }(1/153)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان كقول أبي حنيفة وغيره وهو أحد أقوال الشافعي وأحد القولين في مذهب أحمد وقول من قال لا تجب في غاية البعد فإنها من أعظم شعائر الإسلام والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة ) ا.هـ.
409- { قول أبي العباس في تارك الصلاة }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( من يمتنع عن الصلاة المفروضة فإنه يستحق العقوبة الغليظة باتفاق أئمة المسلمين, بل يجب عند جمهور الأمة كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل, بل تارك الصلاة شر من الزاني والسارق وشارب الخمر وآكل الحشيشة ) ا.هـ.
وقال أيضاً ( أما تارك الصلاة فهذا إن لم يكن معتقداً لوجوبها فهو كافر بالنص والإجماع ) ا.هـ.(1/154)
وقال أيضاً ( وأما من اعتقد وجوبها مع إصراره على الترك فقد ذكر عليه المفرعون من الفقهاء فروعاً:- أحدها:- هذا فقيل عند جمهورهم مالك والشافعي وأحمد وإذا صبر حتى يقتل فهل يقتل كافراً مرتداً أو فاسقاً كفساق المسلمين؟ على قولين مشهورين حكيا روايتين عن أحمد وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة وهي فروع فاسدة فإن كان مقراً بالصلاة في الباطن معتقداً لوجوبها فإنه يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل وهو لا يصلي هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام, ولا يعرف أن أحداً يعتقد وجوبها ويقال له:- إن لم تصل وإلا قتلناك وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب فهذا لم يقع قط في الإسلام ومتى امتنع الرجل عن أداء الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها ولا ملتزماً بفعلها, وهذا كافر باتفاق المسلمين كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا ودلت عليه النصوص الصحيحة كقوله - صلى الله عليه وسلم - (( ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة )) "رواه مسلم" وقوله (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) وقول عبدالله بن شقيق: كان أصحاب محمد لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة, فمن كان مصراً على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط, فهذا لا يكون قط مسلماً مقراً بوجوبها فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل هذا داع تام إلى فعلها والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور فإذا كان قادراً ولم يفعل قط علم أن الداعي في حقه لم يوجد والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل لكن هذا قد يعارضه أحياناً أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها وتفويتها أحياناً, فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً, لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها وهؤلاء تحت الوعيد وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة(1/155)
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له )) فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى, والذي يؤخرها أحياناً عن وقتها أو يترك واجباتها فهذا تحت مشيئة الله تعالى وقد يكون لهذا نوافل يكمل بها فرائضه كما جاء في الحديث ) ا.هـ. قلت:- وخلاصة هذا الكلام أن تارك الصلاة لا يخلو من حالتين:- إن كان منكراً وجاحداً لوجوبها فهذا كافر بالاتفاق وإن كان مقراً فلا يخلو من حالتين:- إما أن يترك الصلاة الترك المطلق فهذا يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً لأنه يمتنع أن يكون قلبه مقراً بوجوبها ويمتنع عن أدائها ولو فراراً من السيف وهذا هو الذي أنكره ابن تيمية على بعض الفقهاء, وإما أن يكون عند مطلق الترك, أي يصلي أحياناً ويترك أحياناً فهذا لا يكفر ولكنه فاسق ويكون يوم القيامة تحت المشيئة, لكن عليه العقوبة الغليظة والتعزير الذي يراه الإمام مناسباً , والله أعلم .
410- { ذهب أبو بكر الصديق إلى أن الجد يسقط الإخوة وذهب زيد إلى أن الإخوة يقاسمون الجد الميراث فأي القولين أرجح }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( يوضحه الوجه السادس عشر وهو أن الناس اليوم قائلان , قائل بقول أبي بكرٍ و قائل بقول زيد و لكن قول الصديق هو الصواب ) ا.هـ.
411- { قول ابن القيم في الماء طهارة ونجاسة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد تنازع الفقهاء هل القياس يقتضي نجاسة الماء بملاقاة النجاسة إلا ما استثناه الدليل أو القياس يقتضي أنه لا ينجس إذا لم يتغير على قولين, الأول قول أهل العراق والثاني قول أهل الحجاز, وفقهاء الحديث منهم من يختار هذا ومنهم من يختار هذا وقول أهل الحجاز هو الصواب الذي تدل عليه الأصول والنصوص والمعقول ) ا.هـ.(1/156)
412- { إذا عجزت المرأة عن بذل مال الخلع فهل للزوج ارتجاعها }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وطرد هذا القياس عجز الزوج عن الصداق أو عجزه عن الوطء وعجزه عن النفقة والكسوة, وطرده عجز المرأة عن العوض في الخلع أن للزوج الرجعة وهذا هو الصواب بلا ريب فإنه لم يخرج البضع عن ملكه إلا بشرط سلامة العوض ) ا.هـ.
413- { متى تثبت الشفعة للجار }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك من طريق أو ماءٍ أو نحو ذلك ثبتت الشفعة وإن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان كل واحدٍ منهما متميز ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة وهذا الذي نص عليه أحمد في رواية أبي طالب فإنه سأله عن الشفعة لمن هي فقال:- إذا كان طريقهما واحداً, فإذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة وهو قول عمر بن عبدالعزيز وقول القاضيين سوار ابن عبيد الله, وعبيد الله بن الحسن العنبري وقال أحمد في رواية ابن مشيش:- أهل البصرة يقولون:- إذا كان الطريق واحداً كان بينهم الشفعة مثل دارنا هذه على معنى حديث جابر الذي يحدثه عبدالملك ا.هـ. فأهل الكوفة يثبتون شفعة الجوار مع تميز الطرق والحقوق وأهل المدينة يسقطونها مع الاشتراك في الطريق والحقوق وأهل البصرة يوافقون أهل المدينة إذا صرفت الطرق ولم يكن هناك اشتراك في حق من حقوق الأملاك ويوافقون أهل الكوفة إذا اشترك الجاران في حق من حقوق الأملاك كالطريق وغيرها وهذا هو الصواب وهو أعدل الأقوال وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ) ا.هـ.
414- { من ارتد ليحرم ورثته من ماله فإن المسلم لا يرث من الكافر فهل تكون ردته مانعه من ميراث وارثه له }(1/157)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وكذلك التحيل بالردة على حرمان الوارث كفر والإفتاء بها كفر, ولا تتم إلا على قول من يرى أن مال المرتد لبيت المال فأما على القول الراجح أنه لورثته من المسلمين فلا تتم الحيلة وهذا القول هو الصواب فإن ارتداده أعظم من مرض الموت المخوف وهو في هذه الحالة قد تعلق حق الورثة بالمال فليس له أن يسقط هذا التعلق بتبرع فهكذا المرتد بردته تعلق حق الورثة بماله إذا صار مستحقاً للقتل ) ا.هـ.
415- { هل ينفع الاستثناء ولو بعد انقطاع الكلام }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وإن قال بلسانه لا أوري, ولا أكني والتورية والكناية في قلبه كما لو قال لا استثني بلسانه ومن نيته الاستثناء ثم استثنى فإنه ينفعه حتى لو لم ينو الاستثناء ثم عزم عليه واستثنى نفعه ذلك بالسنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بوجه في غير حديث كقول الملك لسليمان (( قل إن شاء الله )) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( إلا الإذخر )) بعد أن ذكره به العباس وقوله (( إن شاء الله )) بعد أن قال (( لأغزون قريشاً )) ثلاث مرات ثم قال بعد الثالثة وسكوته (( إن شاء الله )) والقرآن صريح في نفع الاستثناء إذا نسيه ولم ينوه في أول كلامه ولا أثناءه في قوله تعالى { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } وهذا إما أن يختص بالاستثناء إذا نسيه كما فسره به جمهور المفسرين أو يعمه ويعم غيره وهو الصواب فإما أن يخرج منه الاستثناء الذي سيق الكلام لأجله ويرد إلى غيره فلا يجوز ولأن الكلام الواحد لا يعتبر في صحته نية كل جملة من جمله, وبعض من أبعاضه فالنص والقياس يقتضي نفع الاستثناء وإن خطر له بعد الكلام وهذا هو الصواب المقطوع به ) ا.هـ.
416- { إن قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فهل يقع الطلاق }(1/158)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فالتحقيق في المسألة أن المستثني إما أن يقصد بقوله ( إن شاء الله ) التحقيق أو التعليق فإن قصد به التحقيق والتأكيد وقع الطلاق وإن قصد به التعليق وعدم الوقوع في الحال لم تطلق هذا هو الصواب في المسألة وهو اختيار شيخنا وغيره من الأصحاب ) ا.هـ.
417- { من يظن طلاق امرأته }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والذي يظن أن امرأته طلقت فيفعل المحلوف عليه بناءً على أنه لا يؤثر في الحنث كما إذا قال :- إن كلمتِ فلاناً فأنت طالق ثلاثاً ثم قال:- إن فعلت كذا فامرأتي طالق, فقيل له:- إن امرأتك قد كلمت فلاناً فاعتقد صدق القائل وأنها بانت منه ففعل المحلوف عليه بناءً على أن العصمة قد انقطعت ثم بان له أن المخبر كاذب, وكذلك لو قيل له:- قد كلمت فلاناً فقال: طلقت مني ثلاثاً ثم بان له أنها لم تكلمه, ومثل ذلك لو قيل له:- إن امرأتك قد مسكت تشرب الخمر مع فلان فقال:- هي طالق ثلاثاً ثم ظهر كذب المخبر وأن ذلك لم يكن منه شيء فاختلف الفقهاء في ذلك اختلافاً لا ينضبط فنذكر أقوال من أفتى بعدم الحنث في ذلك إذ هو الصواب بلا ريب وعليه تدل الأدلة الشرعية ألفاظها وأقيستها واعتبارها وهو مقتضى قواعد الشريعة فإن البر والحنث في اليمين نظير الطاعة والمعصية في الأمر والنهي وإن فعل المكلف ذلك في أمر الشارع ونهيه لم يكن عاصياً فأولى في باب اليمين أن لا يكون حانثاً, ويوضحه أنه إنما عقد يمينه على فعل ما يملكه والنسيان والجهل والخطأ والإكراه غير داخل تحت قدرته فما فعله في تلك الأحوال لم يتناوله يمينه ولم يقصد منع نفسه منه ويوضحه أن الله تعالى قد رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي والمكره فإلزامه بالحنث أعظم مؤاخذة لما تجاوز عن المؤاخذة به, ويوضحه أن فعل الناسي والمخطئ بمنزلة فعل النائم في عدم التكليف به ولهذا هو عفو لا يكون به مطيعاً ولا عاصياً ) ا.هـ.
418- { مسألة تعذر فعل المحلوف عليه }(1/159)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قال أصحاب مالك:- من حلف على شيء ليفعلنه فحيل بينه وبين فعله فإن أجل أجلاً فامتنع الفعل لعدم المحل وذهابه كموت العبد المحلوف على ضربه أو الحمامة المحلوف على ذبحها فلا حنث عليه بلا خلاف منصوص, وإن امتنع الفعل لسبب منع الشرع كمن حلف ليطأن زوجته أو أمته فوجدها حائضاً فقيل:- لا شيء عليه, قلت:- وهذا هو الصواب لأنه إنما حلف على وطء يملكه ولم يقصد الوطء الذي لم يملكه الشارع إياه فإن قصده حنث, وهكذا في صورة العجز, والصواب أنه لا يحنث فإنه إنما حلف على شيء يدخل تحت قدرته ولم يلتزم فعل ما لا يقدر عليه فلا تدخل حالة العجز تحت يمينه والذي يليق بقواعد أحمد وأصوله أنه لا يحنث في صورة العجز سواءً العجز لمنع شرعي أو منع كوني, وحرف المسألة أن يمينه لما تتناول المعجوز عنه لا شرعاً ولا قدراً فلا يحنث بتركه, وإن كان الامتناع بمنع ظالم كالغاصب والسارق فهل يحنث أم لا؟ قال أشهب:- لا يحنث وهو الصواب ) ا.هـ.
419- { من استأجر أرضاً للزرع فمنع الله الزرع بآفةٍ سماوية فهل يثبت هنا حكم الجائحة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ومن ذلك قوله في الثمرة تصيبها الجائحة (( أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأكل أحدكم مال أخيه بغير حق )) وهذا التعليل بعينه ينطبق على من استأجر أرضاً للزراعة فأصاب الزرع آفة سماوية لفظاً ومعنىً فيقال للمؤجر:- أرأيت إن منع الله الزرع فبم تأكل مال أخيك بغير حق وهذا هو الصواب الذي ندين الله به في هذه المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ) ا.هـ.
420- { ما يجب على المفتي }(1/160)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله سبحانه أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلاً فتحمله الرياسة على أن يقتحم الفتوى بما يغلب على ظنه أن الصواب في خلافه فيكون خائناً لله ورسوله وللسائل وغاشاً له, والله لا يهد كيد الخائنين وحرم الجنة على من لقيه وهو غاش للإسلام وأهله والدين النصيحة والغش مضاد للدين كمضادة الكذب للصدق والباطل للحق وكثيراً ما ترد المسألة نعتقد فيها خلاف المذهب فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده فنحكي المذهب الراجح و نرجحه ونقول هذا هو الصواب و هو أولى أن يؤخذ به وبالله التوفيق ) ا.هـ.
421- { الشهادة لإثبات الحقوق الواجبة تثبت لمن تحملها ويقبل قوله وإن كان فيه جانب قصور حتى لا تضيع الحقوق }(1/161)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ونظير هذا لو شهد بعض النساء على بعض بحقٍ في بدنٍ أو عرض أو مال وهن منفردات بحيث لا رجل معهم كالحمامات والأعراس قبلت شهادة الأمثل فالأمثل منهن قطعاً ولا يضيع الله ورسوله حق المظلوم ولا يعطل إقامة دينه في مثل هذه الصورة أبداً, بل قد نبه الله تعالى على القبول في مثل هذه الصورة بقبول شهادة الكافر على المسلمين في السفر في الوصية في آخر سورة أنزلت في القرآن ولم ينسخها شيء البتة ولا نسخ هذا الحكم كتاب ولا سنة ولا أجمعت الأمة على خلافه ولا يليق بالشريعة سواه فالشريعة شرعت لتحصيل مصالح العباد بحسب الإمكان وأي مصلحة لهم في تعطيل حقوقهم إذا لم يحضر أسباب تلك الحقوق شاهدان حران ذكران عدلان بل إذا قلتم تقبل شهادة الفاسق حيث لا عدل وينفذ حكم الجاهل الفاسق إذا خلا الزمان عن قاضٍ عالم عادل فكيف لا تقبل شهادة النساء إذا خلا جمعهن عن رجل أو شهادة العبيد إذا خلا جمعهم عن حر, وشهادة الكفار بعضهم على بعض إذا خلا جمعهم عن مسلم, وقد قبل ابن الزبير - رضي الله عنه - شهادة الصبيان بعضهم على بعضٍ في تجارحهم ولم ينكره عليه أحد من الصحابة وقد قال به مالك والإمام أحمد رحمهما الله تعالى في إحدى الروايتين عنه حيث يغلب على الظن صدقهم بأن يجتنبوا أو يتفرقوا إلى بيوتهم وهذا هو الصواب وبالله التوفيق ) ا.هـ.
422- { القول في تجزئ الاجتهاد }(1/162)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام فيكون الرجل مجتهداً في نوعٍ من العلم ومقلداً في غيره أو في باب من أبوابه كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم أو في باب الجهاد أو الحج أو غير ذلك فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم غيره وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه, أصحها الجواز, بل هو الصواب المقطوع به ) ا.هـ.
423- { من ارتكب ما يوجب حداً ثم تاب فما حاله؟ }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وجاءه - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال:- يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه علي, ولم يسأله عنه وحضرت الصلاة وصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه الرجل, وقال يا رسول الله إني أصبت حداً فأقم فيَّ كتاب الله, قال:- (( أليس قد صليت معنا؟ )) قال: نعم, قال (( فإن الله قد غفر لك ذنبك )) أو قال (( حدك )) "متفق عليه" وقد اختلف في وجه هذا الحديث فقالت طائفة:- أقر بحد لم يسمه فلم يجب على الإمام استفساره ولو سماه لحده كما حد ماعزاً وقالت طائفة:- بل غفر الله له بتوبته والتائب من الذنب كمن لا ذنب له, وعلى هذا فمن تاب من الذنب قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق الله تعالى كما تسقط عن المحارب وهذا هو الصواب ) ا.هـ.
424- { هل يقام حد الخمر بمجرد القيء والرائحة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولقد حد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزنا بمجرد الحبل وفي الخمر بالرائحة والقيء وهذا هو الصواب فإن دليل القيء والرائحة والحبل على الشرب والزنا أولى من البينة قطعاً فكيف يظن بالشريعة إلغاء أقوى الدليلين ) ا.هـ.
425- { المراد بالغلاف في قوله تعالى { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } }(1/163)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد اختلف في معنى قولهم { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } فقالت طائفة:- المعنى قلوبنا في أوعية للحكمة والعلم فما بالها لا تفهم عنك ما أتيت به, أو لا تحتاج إليك وعلى هذا فيكون غلف جمع غلاف, والصحيح قول أكثر المفسرين أن المعنى قلوبنا لا تفقه ولا تفهم ما تقول, وعلى هذا فهو جمع أغلف كأحمر وحمر, وقال أبو عبيدة كل شيء في غلاف فهو أغلف كما يقال:- سيف أغلف ورجل أغلف غير مختون قال ابن عباس وقتادة ومجاهد:- على قلوبنا غشاوة فهي في أوعية فلا تعي ولا تفقه ما تقول وهذا هو الصواب في معنى الآية ) ا.هـ.
426- { المراد بقوله { إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( { إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } أي على رجع الإنسان حياً بعد موته هذا هو الصواب في معنى الآية ) ا.هـ.
427- { حكم الطفل إذا مات أبواه الكافران فهل يحكم بإسلامه بموتهما }(1/164)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( لكن تنازعوا في الطفل إذا مات أبواه أو أحدهما هل يحكم بإسلامه؟ وعن أحمد في ذلك ثلاث روايات, إحداهن:- يحكم بإسلامه بموت الأبوين أو أحدهما لقوله (( فأبواه يهودانه أو ينصرانه )) وهذا ليس معه أبواه وهو على الفطرة وهي الإسلام لما تقدم, فيكون مسلماً, والثانية:- لا يحكم بإسلامه بذلك وهو قول الجمهور, قال شيخنا:- وهذا القول هو الصواب, بل هو إجماع قديم من السلف والخلف بل هو ثابت بالسنة التي لا ريب فيها فقد علم أن أهل الذمة كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ووادي القرى وخيبر ونجران واليمن وغير ذلك وكان فيهم من يموت وله ولد صغير ولم يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام أهل الذمة ولا خلفاؤه, وأهل الذمة كانوا في زمانهم طبق الأرض بالشام ومصر والعراق وخراسان وفيهم من يتاماهم عدد كثير ولم يحكموا بإسلام واحدٍ منهم فإن عقد الذمة اقتضى أن يتولى بعضهم بعضاً فهم يتولون حضانة يتاماهم كما كان الأبوان يتولون تربيتهم ) ا.هـ.
428- { لو وجدنا المسروق عند رجل ولم يقر بالسرقة فألزمناه بالعقوبة فأقر فهل يقام عليه الحد بهذا الإقرار }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وفي ذلك دليل على صحة إقرار المكره إذا ظهر معه المال وأنه إذا عوقب على أن يقر بالمال المسروق فأقر به وظهر عنده, قطعت يده وهذا هو الصواب بلا ريب وليس هذا إقامة للحد بالإقرار الذي أكره عليه ولكن بوجود المال المسروق معه الذي توصل إليه بالإقرار ) ا.هـ.
429- { متى تطالب الزوجة بالصداق المؤخر }(1/165)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وكثير من الناس يسمي صداقاً تتجمل به المرأة وأهلها ويعدونه بل يحلفون له أنهم لا يطالبون به, فهذا لا تسمع دعوى المرأة به قبل الطلاق أو الموت ولا يطالب به الزوج ولا يحبس به أصلاً وقد نص أحمد على ذلك وأنها إنما تطالب به عند الفرقة أو الموت وهذا هو الصواب الذي لا تقوم مصلحة الناس إلا به ) ا.هـ.
430- { هل تقبل شهادة الفساق بعضهم على بعض }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وعلى هذا فإذا كان الناس فساقاً كلهم إلا القليل النادر قبلت شهادة بعضهم على بعض ويحكم بشهادة الأمثل من الفساق فالأمثل هذا هو الصواب الذي عليه العمل ) ا.هـ.
431- { الذمي إذا زنى بمسلمة فما حاله؟ }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قال شيخنا في الذمي إذا زنى بالمسلمة قتل ولا يرفع عنه القتل الإسلام ولا يشترط فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره هذا نص كلامه وهذا هو الصواب لأن الاستفاضة من أظهر البينات ) ا.هـ.
432- { المراد بقوله تعالى { لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقوله { غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي غير مقطوع ولا منقوص ولا مكدر عليهم وهذا هو الصواب ) ا.هـ.
433- { من أي المائين يتكون جسم الجنين }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ونازعهم الجمهور وقالوا:- إنه يتكون من مني الرجل والأنثى, ثم لهم قولان, أحدهما:- أن يكون من مني الذكر أعضاؤه وأجزاؤه ومن مني الأنثى صورته, الثاني:- أن الأعضاء والأجزاء والصورة تكونت من مجموع المائين وأنهما امتزجا واختلطا وصارا ماءً واحداً هذا هو الصواب لأنا نجد الصورة و التشكيل تارة إلى الأب و تارة إلى الأم و الله أعلم ) ا.هـ.
434- { هل يوصف من يقطع السبيل في البلد محارباً أم الحرابة لا تكون إلا خارج البلد }(1/166)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولو شهروا السلاح في البنيان لا في الصحراء لأخذ المال فقد قيل إنهم ليسوا محاربين بل هم بمنزلة المختلس والمنتهب لأن المطلوب يدركه الغوث إذا استغاث بالناس, وقال أكثرهم إن حكمهم في البنيان والصحراء واحد وهذا قول مالك المشهور عنه والشافعي وأكثر أصحاب أحمد وبعض أصحاب أبي حنيفة بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء لأن البنيان محل الأمن والطمأنينة ولأنه محل تناصر الناس وتعاونهم فإقدامهم عليه يقتضي شدة المحاربة والمغالبة ولأنهم يسلبون الرجل في داره جميع ماله والمسافر لا يكون معه غالباً إلا بعض ماله وهذا هو الصواب لاسيما هؤلاء المحترفون الذين تسميهم العامة بالشام ومصر المنسر وكانوا يسمون ببغداد العيارين, ولو حاربوا بالعصي والحجارة المقذوفة بالأيدي أو المقاليع ونحوها فهم محاربون أيضاً )ا.هـ.
435- { ما حال النساء والصبيان والراهب في الحرب }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فموت الشهيد أيسر من كل ميتة وهي أفضل الميتات وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزَّمِنْ ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين والأول هو الصواب ) ا.هـ.
436- { هل تنعقد اليمين بمخلوق }(1/167)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولم يتنازع العلماء إلا في الحلف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة فإن فيه قولين في مذهب أحمد وبعض أصحابه كابن عقيل طرد الخلاف في سائر الأنبياء لكن القول الذي عليه جمهور الأئمة كمالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم أنه لا ينعقد اليمين بمخلوق البتة ولا يقسم بمخلوق البتة وهذا هو الصواب ) ا.هـ.
437- { المراد بقوله تعالى { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ } }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والعبد مفتقر دائماً إلى التوكل على الله والاستعانة به كما هو مفتقر إلى عبادته فلابد أن يشهد دائماً فقره إلى الله وحاجته في أن يكون معبوداً له وأن يكون معيناً له فلا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ من الله إلا إليه قال تعالى { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ } أي يخوفكم بأوليائه هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور كابن عباسٍ وغيره وأهل اللغة كالفراء وغيره ) ا.هـ.
438- { هل يخلو العرش من الله وقت التنزل الإلهي }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد ذكرنا في غير هذا الموضع ما قاله السلف في مثل ذلك مثل حماد بن زيد وإسحاق بن راهوية وغيرهما من أنه ينزل إلى سماء دنيا ولا يخلو منه العرش وبينا أن هذا هو الصواب وإن كان طائفة من أهل السنة يظن خلو العرش منه ) ا.هـ.
439- { زيادة الثقة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما إذا أخبر في أحد الحديثين بشيء وأخبر الآخر بزيادة أخرى لا تنافيها كانت تلك الزيادة بمنزلة مستقل فهذا هو الصواب ) ا.هـ.
440- { هل حقيقة النهي تدخل في حقيقة الأمر }(1/168)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد تنازع الفقهاء في قول الرجل لامرأته إذا عصيت أمري فأنت طالق إذا نهاها فعصته هل يكون ذلك داخلاً في أمره على قولين, قيل:- لا يدخل لأن حقيقة النهي غير حقيقة الأمر, وقيل:- يدخل لأن ذلك يفهم منه في العرف معصية الأمر والنهي وهذا هو الصواب ) ا.هـ.
441- { المراد بقوله { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ } }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( قال الله تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ } فوصف الذين آمنوا بأنهم أشد حباً لله من المشركين لأندادهم وفي الآية قولان, قيل:- يحبونهم كحب المؤمنين لله والذين آمنوا أشد حباً لله منهم لأوثانهم, وقيل:- يحبونهم كما يحبون الله والذين آمنوا أشد حباً لله منهم وهذا هو الصواب والأول قول متناقض وهو باطل فإن المشركين لا يحبون الأنداد مثل محبة المؤمنين لله ) ا.هـ.
442- { هل يطلق قول:- لفظي بالقرآن مخلوق أو قول:- لفظي بالقرآن غير مخلوق }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والذي استقرت عليه نصوص الإمام أحمد وطبقته من أهل العلم:- أن من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع, هذا هو الصواب عند جماهير أهل السنة أن لا يطلق واحد منهما كما عليه الإمام أحمد وجمهور السلف ) ا.هـ.
443- { المراد بقوله { فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } }(1/169)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( قال تعالى { فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } قيل أنسى يوسف ذكر ربه لما قال { اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } وقيل بل الشيطان أنسى الذي نجا منهما ذكر ربه وهذا هو الصواب فإنهم مطابق لقوله { اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } قال تعالى { فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } والضمير يعود القريب إذا لم يكن هناك دليل على ذلك و لأن يوسف لم ينس ذكر ربه بل كان ذاكراً لربه ) ا.هـ.
444- { المراد بقوله { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا } }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقوله تعالى { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } عند أكثر العلماء هو إذا قام الرجل بعد نومٍ، ليس هو أول الليل وهذا هو الصواب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا كان يصلي والأحاديث بذلك متواترة عنه ) ا.هـ.
445- { هل على المسافر جمعة أو عيد }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فعلم أن الصواب ما عليه سلف الأمة وجماهيرها من الأئمة الأربعة وغيرهم من أن المسافر لا يصلي جمعة ولا غيرها، وجمهورهم أيضاً على أنه لا يصلي عيداً وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وهذا هو الصواب أيضاً فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه لم يكونوا يصلون العيد إلا في المقام لا في السفر ) ا.هـ.
446- { هل التوبة تغفر كل الذنوب }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وهذا القول الجامع بالمغفرة لكل ذنب للتائب منه كما دل عليه القرآن والحديث هو الصواب عند جماهير أهل العلم وإن كان من الناس من يستثني بعض الذنوب كقول بعضهم:- إن توبة الداعية إلى البدع لا تقبل باطناً للحديث الاسرائيلي (( فكيف بمن أضللت )) وهذا غلط فإن الله تعالى قد بين في كتابه وسنة رسوله أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع ) ا.هـ.
447- { حكم التلفظ بالنية }(1/170)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ونظائر هذا كثيرة، منها:- أن طائفة من الكوفيين وغيرهم استحبوا للمتوضئ والمغتسل والمصلي ونحوهم أن يتلفظوا بالنية في هذه العبادات وقالوا:- إن التلفظ بها أقوى من مجرد قصدها بالقصد وإن كان التلفظ بها لم يوجبه أحد من الأئمة وأهل المدينة لم يستحبوا شيئاً من ذلك وهذا هو الصواب ولأصحاب أحمد وجهان، وذلك أن هذه بدعة لم يفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بل كان يفتتح الصلاة بالتكبير ولا يقول قبل التكبير شيئاً من هذه الألفاظ وكذلك في تعليمه للصحابة إنما علمهم الافتتاح بالتكبير فهذه بدعة في الشرع وهي أيضاً غلط في القصد فإن القصد إلى الفعل أمر ضروري في النفس فالتلفظ به من باب العبث كتلفظ الآكل بنية الأكل، والشارب بنية الشرب والناكح بنية النكاح والمسافر بنية السفر وأمثال ذلك ) ا.هـ.
448- { حكم الصيد إذا جرح وغاب فوجد ميتاً }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( إذ الحكم يضاف إلى السبب المعلوم لا إلى المقدر المظنون، بل قد ثبت بالنص فيما أصله الحظر كالصيد إذا جرح وغاب فإنه ثبت بالنص إباحته وإن جاز أن يكون قد زهق بسبب آخر أصابه فزهوقه بالسبب المعلوم وهو جرح الصائد أو كلبه، وإن كان في المسألة أقوال متعددة فهذا هو الصواب الذي ثبت بالنص الصحيح الصريح ) ا.هـ.
449- { حكم المني }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( أما المني فالصحيح أنه طاهر كما هو مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه، وقد قيل:- إنه نجس يجزئ فركه كقوله أبي حنيفة وأحمد في رواية أخرى وهل يعفى عن يسيره كالدم أو لا يعفى عنه كالبول على قولين هما روايتان عن أحمد و قيل:- إنه يجب غسله كقول مالك والأول هو الصواب ) ا.هـ.
450- { قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة }(1/171)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وتنازع العلماء في القراءة على الجنازة على ثلاثة أقوال, قيل:- لا تستحب بحال كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك, وقيل:- بل يجب فيها القراءة بالفاتحة كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد وقيل:- بل قراءة الفاتحة فيها سنة وإن لم يقرأ بل دعا بلا قراءةٍ جاز وهذا هو الصواب ) ا.هـ.
451- {ما ورد في صفات الأذان والإقامة وصلاة الخوف والاستفتاح كيف العمل فيها }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والمقصود هنا أن ما جاءت به السنة على وجوه كالأذان والإقامة وصلاة الخوف والاستفتاح فالكلام فيه من مقامين, أحدهما:- في جواز تلك الوجوه كلها بلا كراهة وهذا هو الصواب وهو مذهب أحمد وغيره في هذا كله ) ا.هـ.
452- { ما الحكم فيما تيقن المأموم أن الإمام قد فعل ما لا يسوغ عنده }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( الصورة الثانية:- أن يتيقن المأموم أن الإمام فعل ما لا يسوغ عنده مثل أن يمس ذكره أو النساء لشهوة أو يحتجم أو يفتصد أو يتقيأ ثم يصلي بلا وضوءٍ فهذه الصورة فيها نزاع مشهور فأحد القولين لا تصح صلاة المأموم لأنه يعتقد بطلان صلاة إمامه كما قال ذلك من قاله من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد والقول الثاني:- تصح صلاة المأموم وهو قول جمهور السلف وهو مذهب مالك وهو القول الآخر في مذهب الشافعي وأحمد بل وأبي حنيفة وأكثر نصوص أحمد على هذا, وهذا هو الصواب لما ثبت في الصحيح وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم )) ) ا.هـ.(1/172)
وقال أيضاً ( وأما صلاة الرجل خلف من يخالف مذهبه فهذه تصح باتفاق الصحابة والتابعين لهم بإحسان والأئمة ولكن النزاع في صورتين, إحداهما:- خلافها شاذ وهو ما إذا أتى الإمام بالواجبات كما يعتقده المأموم لكن لا يعتقد وجوبها مثل التشهد الأخير إذا فعله من لا يعتقد وجوبه والمأموم يعتقد وجوبه فهذا فيه خلاف شاذ والصواب الذي عليه السلف وجمهور الصحابة صحة الصلاة, والمسألة الثانية:- فيها نزاع مشهور إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه مثل أن يترك قراءة البسملة سراً وجهراً والمأموم يعتقد وجوبها أو مثل أن يترك الوضوء من مس الذكر أو لمس النساء أو أكل لحم الإبل أو القهقهة أو خروج النجاسات أو النجاسة النادرة والمأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك فهذا فيه قولان, أصحهما صحة صلاة المأموم وهو مذهب مالك وأصرح الروايتين عن أحمد في مثل هذه المسائل ) ا.هـ.
453- { المراد بقوله { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما الآية فأكثر المفسرين قالوا:- المراد بالباغي الذي يبغي المحرم من الطعام مع قدرته على الحلال والعادي هو الذي يتعدى القدر الذي يحتاج إليه وهذا التفسير هو الصواب دون الأول ) ا.هـ.
454- { صفة الحجة التي حجها النبي - صلى الله عليه وسلم - }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والمنصوص عن الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً بين العمرة والحج حتى قال:- لا أشك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارناً وهذا قول أئمة الحديث كإسحاق بن راهويه وغيره و هذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ) ا.هـ.(1/173)
وقال ( الحمد لله رب العالمين, أما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - فالصحيح أنه كان قارناً, قرن بين الحج والعمرة وساق الهدي ولم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً حين قدم لكنه طاف طواف الإفاضة مع هذين الطوافين وهذا الذي ذكرناه هو الصواب المحقق عند أهل المعرفة بالأحاديث الذين جمعوا طرقها وعرفوا مقصدها ) ا.هـ.
455- { هل بعد السعي صلاة }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ولا صلاة عقيب الطواف بالصفا والمروة وإنما الصلاة عقيب الطواف بالبيت بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و اتفاق السلف والأئمة ) ا.هـ.
456- { أين يحرم المتمتع يوم التروية }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( فصل:- فإذا كان يوم التروية أحرم وأهلَّ بالحج فيفعل كما فعل عند الميقات وإن شاء أحرم من مكة وإن شاء من خارج مكة هذا هو الصواب وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أحرموا كما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من البطحاء, والسنة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه, وكذلك المكي يحرم من أهله ) ا.هـ.
457- { حكم المبيت بمنى يوم الثامن }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والسنة أن يبيت الحاج بمنى فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ) ا.هـ.
458- { حكم الإيقاد بمنى تلك الليلة }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما الإيقاد فهو بدعة مكروهة باتفاق العلماء وإنما الإيقاد بمزدلفة خاصة بعد الرجوع من عرفة وأما الإيقاد بمنى أو عرفة فبدعة أيضاً ) ا.هـ.
459- { هل يشترط للطواف شروط الصلاة }(1/174)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وبالجملة هل يشترط للطواف شروط الصلاة؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره, أحدهما:- يشترط كقول مالك والشافعي وغيرهما, والثاني:- لا يشترط وهذا قول أكثر السلف وهو مذهب أبي حنيفة وغيره وهذا القول هو الصواب فإن المشترطين في الطواف كشروط الصلاة ليس معهم حجة إلا قوله (( الطواف بالبيت صلاة )) وهذا لو ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فيه حجة كما تقدم والأدلة الشرعية تدل على خلاف ذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب على الطائفين طهارة, ولا اجتناب نجاسة ) ا.هـ.
وقال أيضاً ( والطواف لا يجب فيه ما يجب في الصلاة ولا يحرم فيه ما يحرم في الصلاة فبطل أن يكون مثلها ) ا.هـ.
460- { المراد بقوله { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وقال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أي يكفيك الله, ويكفي من اتبعك من المؤمنين وهذا هو الصواب المقطوع به في الآية ) ا.هـ.
461- { حكم النكاح مع اشتراط نفي المهر }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما صحته - أي عقد النكاح - بدون فرض المهر فهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع, لكن إذا اعتقد عدم وجوب المهر فإن المهر المطلق مهر المثل وأما مع نفيه ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره والقول بالبطلان قول أكثر السلف كما في مذهب مالك وغيره وهو الصواب لدلالة الكتاب والسنة عليه, وكذلك حديث الشغار ) ا.هـ.
462- { الذهب المخيش إذا علم مقدار ما فيه من الفضة والذهب فهل يجوز بيعه بأحدهما إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره }(1/175)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( الحمد لله, هذا على ثلاثة أنواع, أحدها:- أن يكون المقصود بيع فضة بفضةٍ متفاضلاً أو بيع ذهب بذهب متفاضلاً ويضم إلى الأنقص من غير جنسه حيلة فهذا لا يجوز أصلاً, والثاني:- أن يكون المقصود بيع أحدهما أو بيع عرضٍ بأحدهما وفي العرض ما ليس مقصوداً مثل بيع السلاح بأحدهما وفيه حيلة يسيرة, أو بيع عقار بأحدهما وفي سقفه وحيطانه كذلك مثل بيع غنم ذات صوف بصوفٍ, وذات لبن بلبن فهذا يجوز عند أكثر العلماء وهو الصواب, وبيع الفضة المخيشة بذهب يذهب عند السبك بفضة مثله هو من هذا الباب فإذا بيعت الفضة المصنوعة المخيشة بذهب أو بيعت بذهب مقبوضٍ جاز ذلك وإذا بيعت الفضة المصنوعة بفضة أكثر منها لأجل الصناعة لم يجز والثالث:- أن يكون كلا الأمرين مقصوداً مثل أن يكون على السلاح ذهب أو فضة كثيرة فهذا إذا كان معلوم المقدار, أو بيع بأكثر من ذلك ففيه نزاع مشهور والأظهر أنه جائز, وإذا بيعت الفضة المصنوعة المخيشة بذهب أو بيعت بذهب مغشوش جاز ذلك وإذا بيعت الفضة المصنوعة بفضةٍ أكثر منها لم يجز والله أعلم ) ا.هـ.
463- { حكم بيع ما في الأرض من اللفت والجزر والقلقاس ونحوه هل يجوز أم لا }(1/176)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( أما بيع المغروس في الأرض الذي يظهر ورقه كاللفت والجزر والقلقاس والفجل والثوم والبصل وشبه ذلك ففيه قولان للعلماء أحدهما:- أنه لا يجوز كما هو المشهور عن أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما قالوا:- لأن هذه الأعيان غائبة لم تر ولم توصف فلا يجوز بيعها كغيرها من الأعيان الغائبة وذلك داخل في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر, والثاني:- أن بيع ذلك جائز كما يقوله من يقوله من أصحاب مالك وغيره وهو قول في مذهب أحمد وغيره وهذا القول هو الصواب لوجوه, منها:- أن هذا ليس من الغرر, بل أهل الخبرة يستدلون بما يظهر من الورق على المغيب في الأرض كما يستدلون بما يظهر من العقار من ظواهره على بواطنه وكما يستدلون بما يظهر من الحيوان على بواطنه ومن سأل أهل الخبرة أخبروه بذلك والمرجع في ذلك إليهم, ومنها:- أن العلم بجميع المبيع يشترط في كل شيء بحسبه فما ظهر بعضه وخفي بعضه وكان في إظهار باطنه مشقة وحرج اكتفي بظاهره كالعقار فإنه لا يشترط رؤية أساسه وداخل الحيطان وكذلك الحيوان وكذلك أمثال ذلك, ومنها:- أن ما احتيج إلى بيعه فإنه يوسع فيه ما لا يوسع في غيره فيبيحه الشارع للحاجة مع قيام السبب الخاص كما أرخص في بيع العرايا بخرصها وأقام الخرص مقام الكيل عند الحاجة ولم يجعل ذلك من المزابنة التي نهى عنها فإن المزابنة بيع المال بجنسه مجازفة إذا كان ربوياً بالاتفاق وإن كان غير ربوي فعلى قولين ) ا.هـ.
464- { حكم بيع المقاشي كمقاشي البطيخ والخيار والقثاء }(1/177)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وما يشبه ذلك بيع المقاشي كمقاشي البطيخ والخيار والقثاء وغير ذلك فمن أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما من يقول لا يجوز بيعها إلا لقطة, لقطة, وكثير من العلماء من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما قالوا إنه يجوز بيعها مطلقاً على الوجه المعتاد وهذا هو الصواب فإن بيعها لا يمكن في العادة إلا على هذا الوجه وبيعها لقطة, لقطة, إما متعذر وإما متعسر ) ا.هـ.
465- { ما الحكم لو بدا بعض صلاح الثمر في البستان }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ولهذا إذا بدا صلاح بعض الشجر كان صلاحاً لباقيها باتفاق العلماء, فيكون صلاحها صلاحاً لسائر ما في البستان من ذلك النوع في أظهر قولي العلماء ) ا.هـ.
466- { هل يشترط في المزارعة أن يكون البذر من أحدهما }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( المزارعة على الأرض بشطر ما يخرج منها جائزة سواءً كان البذر من رب الأرض أو من العامل وهذا هو الصواب الذي دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه الراشدين ) ا.هـ.
وقال أيضاً ( وقد تضمن هذا الجواب أن المزارعة يجوز أن يكون البذر فيها من العامل وهذا هو الصواب المقطوع به ) ا.هـ.
467- { حكم إجبار البنت البكر البالغ على النكاح }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وأما إجبار الأب لابنته البكر البالغة على النكاح ففيه قولان مشهوران هما روايتان عن أحمد أحدهما:- أنه يجبر البكر البالغ كما هو مذهب مالك والشافعي وهو اختيار الخرقي والقاضي وأصحابه, والثاني:- لا يجبرها كمذهب أبي حنيفة وغيره وهو اختيار أبي بكر عبدالعزيز بن جعفر وهذا القول هو الصواب والناس متنازعون في مناط الإجبار هل هو البكارة أو الصغر أو مجموعها أو كل منهما, على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره والصحيح أن مناط الإجبار هو الصغر وأن البكر البالغ لا يجبرها أحد على النكاح ) ا.هـ.
468- { حكم نكاح الزانية }(1/178)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( نكاح الزانية حرام حتى تتوب سواءً كان زنى بها هو أو غيره هذا هو الصواب بلا ريب وهو مذهب طائفة من السلف والخلف منهم أحمد بن حنبل وغيره ) ا.هـ.
469- { كيف تستبرأ الزانية }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ومالك وأحمد يشترطان الاستبراء وهو الصواب ولكن مالك وأحمد في رواية يشترطان الاستبراء بحيضة والرواية الأخرى عن أحمد هي التي عليها كثير من أصحابه كالقاضي أبي يعلى وأتباعه أنه لابد من ثلاث حيض والصحيح أنه لا يجب إلا الاستبراء فقط فإن هذه ليست زوجة يجب عليها عدة ) ا.هـ.
470- { حكم طلاق السكران }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( هذه المسألة فيها قولان للعلماء أصحهما أنه لا يقع طلاقه فلا تنعقد يمين السكران ولا يقع به طلاق إذا طلق وهذا ثابت عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ولم يثبت عن الصحابة خلافه فيما أعلم وهو قول كثير من السلف والخلف كعمر بن عبدالعزيز وغيره وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختارها طائفة من أصحابه وهو القول القديم للشافعي واختاره طائفة من أصحابه وهو قول طائفة من أصحاب أبي حنيفة كالطحاوي وهو مذهب غير هؤلاء وهذا القول هو الصواب ) ا.هـ.(1/179)
وقال أيضاً ( وهذا القول - أي عدم وقوع طلاق السكران - هو الصواب فإنه قد ثبت في الصحيح عن ماعز بن مالك لما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقر أنه زنى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستنكهوه ليعملوا هل هو سكران أم لا, فإن كان سكران لم يصح إقراره وإذا لم يصح إقراره علم أن أقواله باطلة كأقوال المجنون ولأن السكران وإن كان عاصياً في الشرب فهو لا يعلم ما يقول وإذا لم يعلم ما يقول لم يكن له قصد صحيح وإنما الأعمال بالنيات وصار هذا كما لو تناول شيئاً محرماً ما, جعله مجنوناً فإن جنونه وإن حصل بمعصية فلا يصح طلاقه ولا غير ذلك من أقواله ومن تأمل أصول الشريعة ومقاصدها تبين له أن هذا القول هو الصواب وأن إيقاع طلاق السكران قول ليس له حجة صحيحة يعتمد عليه ) ا.هـ.
471- { إذا ادعت المرأة على زوجها أنه لا ينفق عليها ولا يكسوها }(1/180)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وإذا كانت المرأة مقيمة في بيت زوجها مدة تأكل وتشرب وتكتسي كما جرت به العادة ثم تنازع الزوجان في ذلك فقالت هي:- أنت ما أنفقت علي ولا كسوتني بل حصل ذلك من غيرك وقال هو:- بل النفقة والكسوة كانت مني, ففيها قولان للعلماء, أحدهما:- القول قوله وهذا هو الصحيح الذي عليه الأكثرون ونظير هذا أن يصدقها تعلم صناعة وتتعلمها ثم يتنازعان فيمن علمها فيقول هو:- أنا علمتها وتقول هي:- أنا تعلمتها من غيره ففيها وجهان في مذهب الشافعي وأحمد والصحيح من هذا كله أن القول قول من يشهد له العرف والعادة وهو مذهب مالك, وأبو حنيفة يوافق على أنها لا تستحق عليه شيئاً لأن النفقة تسقط بمضي الزمان عنده كنفقة الأقارب وهو قول في مذهب أحمد, وأصحاب هذا القول يقولون:- وجبت على طريقة الصلة فتسقط بمضي الزمان والجمهور ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه يقولون:- وجبت بطريق المعاوضة فلا تسقط بمضي الزمان ولكن إذا تنازعا في قبضها, فقال بعض أصحاب الشافعي وأحمد:- القول قول المرأة لأن الأصل عدم المقبوض كما لو تنازعا في قبض الصداق, والصواب أنه يرجع في ذلك إلى العرف والعادة فإذا كانت العادة أن الرجل ينفق على المرأة في بيته ويكسوها وادعت أنه لم يفعل ذلك فالقول قوله مع يمينه وهذا القول هو الصواب الذي لا يسوغ غيره ) ا.هـ.
472- { هل على المرأة أن تخدم زوجها }(1/181)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( فصل:- وتنازع العلماء هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل ومناولة الطعام والشراب والخبز والطحن والطعام لمماليكه وبهائمه, مثل علف دابته ونحو ذلك فمنهم من قال:- لا تجب الخدمة, وهذا القول ضعيف كضعف قول من قال:- لا تجب عليه العشرة والوطء فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف, بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحة لم يكن قد عاشره بالمعروف وقيل وهو الصواب وجوب الخدمة فإن الزوج سيدها في كتاب الله وهي عانية عنده بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى العاني والعبد الخدمة لأن ذلك هو المعروف ثم من هؤلاء من قال:- تجب الخدمة اليسيرة, ومنهم من قال:- تجب الخدمة بالمعروف وهذا هو الصواب فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال, فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة ) ا.هـ.
473- { ما يجب على متعاطي الحشيش }(1/182)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( أكل هذه الحشيشة الصلبة حرام وهي من أخبث الخبائث المحرمة وسواءً أكل قليلاً أو كثيراً لكن الكثير المسكر منها حرام باتفاق المسلمين ومن استحل ذلك فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين وحكم المرتد شر من حكم اليهودي والنصراني سواءً اعتقد أن ذلك يحل للعامة أو للخاصة الذي يزعمون أنها لقمة الفكر والذكر وأنها تحرك العزم الساكن إلى أشرف الأماكن وأنهم لذلك يستعملونها وقد كان بعض السلف ظن أن الخمر تباح للخاصة متأولاً قوله تعالى { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ } فلما رفع أمرهم إلى عمر ابن الخطاب وتشاور الصحابة فيهم اتفق عمر وعلي وغيرهما من علماء الصحابة - رضي الله عنهم - على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا وإن أصروا على الاستحلال قتلوا, وهكذا حشيشة العشب من اعتقد تحريمها وتناولها فإنه يجلد الحد ثمانين سوطاً أو أربعين هذا هو الصواب وقد توقف بعض الفقهاء في الجلد لأنه ظن أنها مزيلة للعقل غير مسكرة كالبنج ونحوه مما يغطي العقل من غير سكر فإن جميع ذلك حرام باتفاق المسلمين وإن كان مسكراً ففيه جلد الخمر وإن لم يكن مسكراً ففيه التعزير بما دون ذلك ومن اعتقد حل ذلك كفر وقتل, والصحيح أن الحشيشة مسكرة كالشراب فإن آكليها ينشون بها ويكثرون تناولها بخلاف البنج وغيره فإنه لا ينشي ولا يشتهى وقاعدة الشريعة أن ما تشتهيه النفوس من المحرمات كالخمر والزنا ففيه الحد وما لا تشتهيه كالميتة ففيه التعزير والحشيشة مما يشتهيها آكلوها ويمتنعون عن تركها ) ا.هـ.
474- { من سب الله كفر سواءً كان ما زاحاً أو جاداً }(1/183)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وكذلك قال أصحابنا وغيرهم:- من سب الله كفر سواءً كان مازحاً أو جاداً لهذه الآية وهذا هو الصواب المقطوع به ) ا.هـ.
475- { المراد بالنهي في قوله (( لا تغلبكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء...الحديث )) }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقالت طائفة:- النهي هنا إنما هو عن غلبة الأعراب على اسم العشاء بحيث يهجر بالكلية كما دل عليه قوله (( لا تغلبكم )) فإما إذا سميت بالعشاء تسمية غالبة على العتمة لم يمتنع أن يسمى بالعتمة أحياناً وهذا أظهر الأقوال ) ا.هـ.
476- { المراد بحديث (( كان أحب الشراب إليه الحلو البارد )) }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قالت عائشة رضي الله عنها (( كان أحب الشراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحلو البارد )) وهذا يحتمل أن يريد به الماء العذب كمياه العيون والآبار الحلوة فإنه كان يستعذب له الماء ويحتمل أن يريد به الماء الممزوج بالعسل أو الذي نقع فيه التمر أو الزبيب وقد يقال وهو الأظهر يعمها جميعاً ) ا.هـ.
477- { هل للذمي شفعة على المسلم }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( حقوق المالك شيء وحقوق الملك شيء آخر فحقوق المالك تجب لمن له على أخيه حق, وحقوق الملك تتبع الملك ولا يراعى بها المالك وعلى هذا حق الشفعة للذمي على المسلم من أوجبه جعله من حقوق الأملاك ومن أسقطه جعله من حقوق المالكين, والنظر الثاني هو الأظهر والأصح لأن الشارع لم يجعل للذمي حقاً في الطريق المشترك عند المزاحمة فقال (( إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه )) فكيف يجعل له حقاً في انتزاع الملك المختص به عند التزاحم وهذه حجة الإمام أحمد نفسه ) ا.هـ.
478- { المراد بقوله (( همزات الشياطين )) }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وظاهر الحديث أن الهمز نوع غير النفخ والنفث و قد يقال و هو الأظهر إن همزات الشياطين إذا أفردت دخل فيها جميع إصاباتهم(1/184)
لابن آدم و إذا قرنت بالنفخ و النفث كانت نوعاً خاصاً كنظائر ذلك ) ا.هـ.
479- { المراد بلفظ ( المرة ) }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولا ريب أن المرة في الحديث هو القوة لا المنظر الحسن فإما أن يقال:- المرة تقال على هذا وعلى هذا, وإما أن يقال وهو الأظهر:- إن المرة هي الصحة والسلامة من الآفات والعاهات الظاهرة والباطنة وذلك يستلزم كمال الخلقة وحسنها وجمالها فإن العاهة والآفة إنما تكون من ضعف الخلقة والتركيب, فهي قوة وصحة تتضمن جمالاً و حسناً و الله تعالى أعلم ) ا.هـ.
480- { حكم وقف العقود }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فحكم أمير المؤمنين في المفقود ينبني على هذا الأصل، والقول بوقف العقود عند الحاجة متفق عليه بين الصحابة، ثبت ذلك عنهم في قضايا متعددة ولم يعلم أن أحداً منهم أنكر ذلك مثل قضية ابن مسعود في تصدقه عن سيد الجارية التي ابتاعها بالثمن الذي كان له عليه في الذمة لما تعذرت عليه معرفته وكتصدق الغال بالمال المغلول من الغنيمة لما تعذر قسمه بين الجيش وإقرار معاوية له على ذلك وتصويبه له وغير ذلك من القضايا مع أن القول بوقف العقود مطلقاً هو الأظهر في الحجة وهو قول الجمهور وليس في ذلك ضرر أصلاً بل هو إصلاح بلا إفساد فإن الرجل قد يرى أن يشتري لغيره أو يبيع لغيره أو يؤجر له أو يستأجر له، ثم يشاوره فإن رضي وإلا لم يحصل له ما يضره ) ا.هـ.
481- { من عجز عن الصلاة بالإيماء راكعاً وساجداً فهل يصلي بتحريك طرفه ويستحضر الأفعال بقلبه }(1/185)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولهذا كانت الصلاة كالإيمان لا تدخلها النيابة بحال، فلا يصلي أحد عن أحد الفرض إلا لعذر كما لا يؤمن أحد عنه، ولا تسقط عنه بحال كما لا يسقط الإيمان بل عليه الصلاة ما دام عقله باقياً حاضراً وهو متمكن من فعل بعض أفعالها فإذا عجز عن جميع الأفعال ولم يقدر على الأقوال فهل يصلي بتحريك طرفه ويستحضر الأفعال بقلبه، فيه قولان للعلماء وإن كان الأظهر أن هذا غير مشروع ) ا.هـ.
482- { الموالاة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( الموالاة في الوضوء فيها ثلاثة أقوال، أحدها:- الوجوب مطلقاً كما يذكره أصحاب الإمام أحمد، وهو القول القديم للشافعي الثاني:- عدم الوجوب مطلقاً كما هو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد والقول الجديد للشافعي، والثالث:- الوجوب إلا إذا تركها لعذر مثل عدم الماء كما هو المشهور في مذهب مالك، قلت:- وهذا القول الثالث هو الأظهر والأشبه بأصول الشريعة ) ا.هـ.
483- { لو صلى بعد ما أكل لحم الإبل جاهلاً بالحكم أو صلى في مباركها جاهلاً }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما الجاهل فلو صلى غير عالمٍ بوجوب الوضوء من لحم الإبل أو صلى في مباركها غير عالمٍ بالنهي ثم بلغه ففي الإعادة روايتان لكن الأظهر في الحجة أنه لا يعيد كما قد بسطناه في غير هذا الموضع ) ا.هـ.
484- { الكلام على الصلاة داخل حمام الاغتسال }(1/186)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما إذا كانت المرأة أو الرجل يمكنه الذهاب إلى الحمام لكن إن دخل لا يمكنه الخروج حتى يفوت الوقت إما لكونه مقهوراً مثل الغلام الذي لا يخليه سيده يخرج حتى يصلي ومثل المرأة التي معها أولادها فلا يمكنها الخروج حتى تغسلهم ونحو ذلك فهؤلاء لابد لهم من أحد أمور:- إما أن يغتسلوا ويصلوا في الحمام في الوقت وإما أن يصلوا خارج الحمام بعد خروج الوقت وإما أن يصلوا بالتيمم خارج الحمام وبكل قول من هذه الأقوال يفتي طائفة لكن الأظهر أنهم يصلون بالتيمم خارج الحمام لأن الصلاة في الحمام منهي عنها وتفويت الصلاة حتى يخرج الوقت أعظم من ذلك ولا يمكنه الخروج من هذين النهيين إلا بالصلاة بالتيمم في الوقت خارج الحمام ) ا.هـ.
485- { لو ترك سجود السهو ومحله بعد السلام وطال الفصل فهل يسجد }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد اختلف في السجود والبناء بعد طول الفصل فقيل:- إذا طال الفصل لم يسجد ولم يبن ولم يحد هؤلاء طول الفصل بغير قولهم وهذا قول كثير من أصحاب الشافعي وأحمد كالقاضي أبي يعلى وغيره وهؤلاء يقولون قد تقصر المدة وإن خرج وقد تطول وإن قعد وقيل:- يسجد ما دام في المسجد فإن خرج انقطع وهذا هو الذي ذكره الخرقي وغيره وهو منصوص عن أحمد وهو قول الحكم وابن شبرمة وهذا حد بالمكان لا بالزمان لكنه حد بمكان العبادة وقيل:- كل منهما مانع من السجود، طول الفصل والخروج من المسجد وعن أحمد رواية أخرى أنه يسجد وإن خرج من المسجد وتباعد وهو قول للشافعي وهذا هو الأظهر فإن تحديد ذلك بزمان أو مكان لا أصل له في الشرع لا سيما إذا كان الزمان غير مضبوط فطول الفصل وقصره ليس له حد معروف في عادات الناس ليرجع إليه ولم يدل على ذلك دليل شرعي ولم يفرق الدليل الشرعي في السجود والبناء بين طول الفصل وقصره ولا بين الخروج من المسجد والمكث فيه ) ا.هـ.(1/187)
486- { الإنصات الذي أمر به المأموم في قوله (( وإذا قرأ فأنصتوا )) }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( لكن الأظهر ما احتج به البخاري فإن الأمر بالإنصات يقتضي الإنصات عن كل ما يمنعه من استماع القراءة من ثناءٍ وقراءةٍ ودعاءٍ كما ينصت للخطبة ) ا.هـ.
487- { القول في ذوات الأسباب }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( و أما سائر ذوات الأسباب مثل تحية المسجد وسجود التلاوة وصلاة الكسوف ومثل ركعتي الطواف في الأوقات الثلاثة ومثل الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة فاختلف كلامه فيها والمشهور عنه النهي وهو اختيار كثير من أصحابه كالخرقي والقاضي وغيرهما وهو مذهب مالك وأبي حنيفة لكن عند أبي حنيفة يجوز السجود بعد الفجر والعصر، وليس بواجب عنده والرواية الثانية:- جواز جميع ذوات الأسباب وهي اختيار أبي الخطاب وهذا مذهب الشافعي وهو الراجح في هذا الباب لوجوه .
منها:- أن تحية المسجد قد ثبت الأمر بها في الصحيحين، عن أبي قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس )) وعنه قال:- دخلت المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس بين ظهراني الناس قال:- فجلست، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ )) فقلت:- يا رسول الله رأيتك جالسا والناس جلوس قال (( فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين )) فهذا فيه الأمر بركعتين، وهو عام في كل وقت عموماً محفوظاً لم يخص منه صورة بنص، ولا إجماع وحديث النهي قد عرف أنه ليس بعام، والعام المحفوظ مقدم على العام المخصوص فإن هذا قد علم أنه ليس بعام بخلاف ذلك فإن المقتضى لعمومه قائم لم يعلم أنه خرج منه شيء .(1/188)
الوجه الثاني :- ما أخرجا في الصحيحين عن جابر قال:- جاء رجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس فقال (( صليت يا فلان؟ )) قال:- لا، قال (( قم فاركع )) وفي رواية (( فصل ركعتين )) ولمسلم قال:- ثم قال (( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما )) وأحمد أخذ بهذا الحديث بلا خلاف عنه هو وسائر فقهاء الحديث كالشافعي، وإسحاق وأبي ثور، وابن المنذر كما روى عن غير واحد من السلف مثل الحسن ومكحول وغيرهما، وكثير من العلماء لم يعرفوا هذا الحديث فنهوا عن الصلاة وقت الخطبة، لأنه وقت نهي كما نقل عن شريح والنخعي وابن سيرين وهو قول أبي حنيفة والليث ومالك والثوري، وهو قياس من منع تحية المسجد وقت النهي، فإن الصلاة والخطيب على المنبر أشد نهيا بل هو منهي عن كل ما يشغله عن الاستماع وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا فإذا كان قد أمر بتحية المسجد في وقت الخطبة، فهو في سائر الأوقات أولى بالأمر، وقد احتج بعض أصحابنا أنه إذا دخل المسجد في غير وقت النهي عن الصلاة يسن له الركوع، لقوله (( إذا دخل أحدكم المسجد والإمام يخطب فلا يجلس، حتى يصلي ركعتين )) وقالوا تنقطع الصلاة بجلوس الإمام على المنبر، فلا يصلي أحد غير الداخل يصلي تحية المسجد ويوجز، وهذا تناقض بين، بل إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتحية في هذا الموضع وهو وقت نهي عن الصلاة وغيرهما مما يشغل عن الاستماع، فأوقات النهي الباقية أولى بالجواز يبين ذلك أنه في هذه الحال لا يصلي على جنازة، ولا يطاف بالبيت ولا يصلي ركعتا الطواف والإمام يخطب فدل على أن النهي هنا أوكد وأضيق منه بعد الفجر والعصر فإذا أمر هنا بتحية المسجد فالأمر بها هناك أولى وأحرى وهذا بين واضح ولا حول ولا قوة إلا بالله .(1/189)
الوجه الثالث :- أن يقال قد ثبت استثناء بعض الصلوات من النهي كالعصر الحاضرة وركعتي الفجر والفائتة وركعتي الطواف والمعادة في المسجد, فقد ثبت انقسام الصلاة أوقات النهي إلى المنهي عنه ومشروع غير منهي عنه فلابد من فرق بينهما إذا كان الشارع لا يفرق بين المتماثلين فيجعل هذا مأموراً وهذا محظوراً والفرق بينهما إما أن يكون المأذون فيه له سبب فالمصلي صلاة السبب صلاها لأجل السبب لم يتطوع تطوعاً مطلقاً ولو لم يصلها لفاته مصلحة الصلاة كما يفوته إذا دخل المسجد ما في صلاة التحية من الأجر وكذلك يفوته ما في صلاة الكسوف وكذلك يفوته ما في سجود التلاوة وسائر ذوات الأسباب, وإما أن يكون الفرق شيئاً آخر فإن كان الأول حصل المقصود من الفرق بين ذوات الأسباب وغيرها, وإن كان الثاني قيل لهم:- فأنتم لا تعلمون الفرق, بل قد علمتم أنه نهى عن بعض ورخص في بعض ولا تعلمون الفرق فلا يجوز لكم أن تتكلموا في سائر موارد النزاع لا بنهي ولا بإذن لأنه لا يجوز أن يكون الفرق الذي فرق به الشارع في صورة النص فأباح بعضاً وحرم بعضاً متناولاً لموارد النزاع إما نهياً عنه وإما إذناً فيه, أنتم لا تعلمون واحد من النوعين, فلا يجوز لكم أن تنهوا إلا عما علمتم أنه نهى عنه لانتفاء الوصف المبيح عنه, ولا تأذنوا إلا فيما علمتم أنه أذن فيه لشمول الوصف المبيح له, وأما التحليل والتحريم بغير أصل مفرق عن صاحب الشرع فلا يجوز, فإن قيل:- أحاديث النهي عامة فنحن نحملها على عمومها إلا ما خصه الدليل فما علمنا أنه مخصوص لمجيء نص خاص فيه خصصناها به, وإلا أبقيناها على العموم . قيل:- هذا إنما يستقيم أن لو كان هذا العام المخصوص لم يعارضه عمومات محفوظة أقوى منه وأنه لما خص منه صور علم اختصاصها بما يوجب الفرق, فلو ثبت أنه عام خص منه صور لمعنى منتفٍ من غيرها بقي ما سوى ذلك على العموم فكيف وعمومه منتفٍ وقد عارضه أحاديث خاصة وعامة عموماً محفوظاً وما خص منه(1/190)
لم يختص بوصف يوجب استثناءه دون غيره, بل غير مشارك له في الوصف الموجب لتخصيصه أولى منه بالتخصيص وحاجة المسلمين العامة إلى تحية المسجد أعظم منها إلى ركعتي الطواف فإنه يمكن تأخير الطواف بخلاف تحية المسجد فإنها لا تمكن ثم الرجل إذا دخل وقت نهي إن جلس ولم يصل كان مخالفاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مفوتاً هذه المصلحة إن لم يكن آثماً بالمعصية وإن بقى قائماً أو امتنع من دخول المسجد فهذا شر عظيم, ومن الناس من يصلي سنة الفجر في بيته ثم يأتي إلى المسجد فالذين يكرهون التحية منهم من يقف على باب المسجد حتى يقيم فيدخل يصلي معهم ويحرم نفسه دخول بيت الله في ذلك الوقت الشريف وذكر الله فيه ومنهم من يدخل ويجلس ولا يصلي فيخالف الأمر وهذا أو نحوه مما يبين قطعاً أن المسلمين مأمورون بالتحية في كل وقت وما زال المسلمون يدخلون المسجد طرفي النهار ولو كانوا منهيين عن تحية المسجد حينئذٍ لكان هذا فيما يظهر نهي الرسول عنه فكيف وهو قد أمرهم إذا دخل أحدهم المسجد والخطيب على المنبر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين, أليس في أمرهم بها في هذا الوقت تنبيهاً على غيره من الأوقات ؟
الوجه الرابع :- ما قدمناه من أن النهي كان لسد ذريعة الشرك وذوات الأسباب منها مصلحة راجحة والفاعل يفعلها لأجل السبب لا يفعلها مطلقاً فتمتنع فيه المشابهة .(1/191)
الوجه الخامس :- أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى ركعتي الظهر بعد العصر وهو قضاء النافلة في وقت النهي مع إمكان قضائها في غير ذلك الوقت فالنوافل التي إذا لم تفعل في أوقات النهي تفوت هي أولى بالجواز من قضاء نافلة في هذا الوقت مع إمكان فعلها في غيره ولاسيما إذا كانت مما أمر به كتحية المسجد وصلاة الكسوف وقد اختار طائفة من أصحاب أحمد منهم أبو محمد المقدسي أن السنن الراتبة تقضى بعد العصر ولا تقضى في سائر أوقات النهي كالأوقات الثلاثة, وذكر أن مذهب أحمد أن قضاء سنة الفجر جائز بعدها إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى, وقال الإمام أحمد إن صلاهما بعد الفجر أجزأه وأما أنا فأختار ذلك , وذكر في قضاء الوتر بعد طلوع الفجر أن المنصوص عن أحمد أنه يفعله, قال الأثرم:- سمعت أبا عبدالله يسأل:- أيوتر الرجل بعد ما يطلع الفجر؟ قال:- نعم، قال:- وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وحذيفة وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وفضالة بن عبيد وعائشة، وعبدالله بن عامر بن ربيعة وهو أيضاً مروي عن علي بن أبي طالب وأنه لما ذكر له عن أبي موسى أنه قال:- من أوتر بعد المؤذن لا وتر له، وسألوا علياً قال:- أعرف يوتر ما بينه وبين الصلاة، وأنكر ذلك ولم يذكر نزاعاً إلا عن أبي موسى مع أنه لا ينبغي بعد الفجر قال:- وأحاديث النهي الصحيحة ليست أحمد بحديث أبي نضرة الغفاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء وإلى صلاة الصبح الوتر )) وهذا مذهب مالك والشافعي والجمهور قال مالك:- من فاتته صلاة الليل فله أن يصلي بعد الفجر مثل أن يصلي الصبح قال:- وحكاه ابن أبي موسى الخرقي في ( الإرشاد ) مذهباً لأحمد، قياساً على الوتر قلت:- وهذا الذي اختاره لا يناقض ما ذكره الخرقي وغيره من قدماء الأصحاب، فإنه ذكر إباحة الأنواع الأربعة في جميع أوقات النهي:- قضاء الفوائت،(1/192)
وركعتي الطواف، وإذا أقيمت الصلاة وهو في المسجد وصلاة الجنازة ولكن ذكر النهي عن الكسوف وسجود التلاوة في بابهما فلم ينه عن قضاء السنن في أوقات النهي فاختار الشيخ أبو أحمد وطائفة من أصحاب أحمد:- إن السنن الراتبة تقضى بعد العصر، ولا تقضى في سائر أوقات النهي ولا يفعل غيرها من ذوات الأسباب كالتحية وصلاة الكسوف وصلاة الاستخارة وصلاة التوبة وسنة الوضوء وسجود التلاوة، لا في هذا الوقت ولا في غيره، لأنهم وجدوا القضاء فيها قد ثبت بالأحاديث الصحيحة قالوا:- والنهي في هذا الوقت أخف من غيره لاختلاف الصحابة فيه فلا يلحق بسائر الأوقات، والرواتب لها مزية وهذا الفرق ضعيف فإن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحية المسجد وأمره بصلاة الكسوف وسجود التلاوة، أقوى من قضاء سنة فائتة فإذا جاز هذا فذاك أجوز فإن قضاء السنن ليس فيه أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ولا أمر بنفس السنة:- سنة الظهر، ولكنه فعلها وداوم عليها وقضاها لما فاتته، وما أمر به أمته، لاسيما وكان هو أيضاً يفعله، فهو أوكد مما فعله، ولم يأمرهم به، فإذا جاز لهم فعل هذا في أوقات النهي ففعل ذاك أولى وإذا جاز قضاء سنة الظهر بعد العصر، فقضاء سنة الفجر بعد الفجر أولى فإن ذاك وقتها وإذا أمكن تأخيرها إلى طلوع الشمس أمكن تأخير تلك إلى غروب الشمس، وقد كانوا يصلون بين أذان المغرب وإقامتها وهو - صلى الله عليه وسلم - يراهم ويقرهم على ذلك، وقال (( بين كل أذانين صلاة )) ثم قال في الثالثة (( لمن شاء )) كراهية أن يتخذها الناس سنة ) ا.هـ.
488- { ما تدرك به الجمعة والجماعة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( اختلف الفقهاء فيما تدرك به الجمعة والجماعة على ثلاثة أقوال :-
أحدهما :- أنهما لا يدركان إلا بركعة، وهو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه اختارها جماعة من أصحابه وهو وجه في مذهب الشافعي، واختاره بعض أصحابه أيضاً كأبي المحاسن الرياني، وغيره .(1/193)
والقول الثاني :- أنهما يدركان بتكبيرة، وهو مذهب أبي حنيفة .
والقول الثالث :- أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة، والجماعة تدرك بتكبيرة وهذا القول هو المشهور من مذهب الشافعي، وأحمد والصحيح هو القول الأول لوجوه:-
أحدها :- أن قدر التكبيرة لم يعلق به الشارع شيئاً من الأحكام لا في الوقت ولا في الجمعة ولا الجماعة ولا غيرها فهو وصف ملغى في نظر الشارع، فلا يجوز اعتباره .
الثاني :- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما علق الأحكام بإدراك الركعة، فتعليقها بالتكبيرة إلغاء لما اعتبره، واعتبار لما ألغاه وكل ذلك فاسد فيما اعتبر فيه الركعة، وعلق الإدراك بها في الوقت، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال:- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( إذا أدرك أحدكم ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته )) وأما ما في بعض طرقه (( إذا أدرك أحدكم سجدة )) فالمراد بها الركعة التامة، كما في اللفظ الآخر ولأن الركعة التامة تسمى باسم الركوع، فيقال:- ركعة، وباسم السجود فيقال سجدة وهذا كثير في ألفاظ الحديث مثل هذا الحديث وغيره .
الثالث :- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق الإدراك مع الإمام بركعة , وهو نص في المسألة ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (( من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة )) وهذا نص رافع للنزاع .
الرابع :- أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة, كما أفتى به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ابن عمر, وابن مسعود, وأنس وغيرهم ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف وقد حكى غير واحد أن ذلك إجماع الصحابة والتفريق بين الجمعة والجماعة غير صحيح, ولهذا أبو حنيفة طرد أصله وسوى بينهما ولكن الأحاديث الثابتة وآثار الصحابة تبطل ما ذهب إليه .(1/194)
الخامس:- أن دون الركعة لا يعتد به من الصلاة, فإنه يستقبلها جميعها منفرداً فلا يكون قد أدرك مع الإمام شيئاً يحتسب له به فلا يكون قد اجتمع هو والإمام في جزء من أجزاء الصلاة يعتد له به فتكون صلاته جميعها صلاة منفرد, ويوضح هذا أنه لا يكون مدركاً للركعة إلا إذا أدرك الإمام في الركوع, وإذا أدركه بعد الركوع لم يعتد له بما فعله معه, مع أنه قد أدرك معه القيام من الركوع والسجود وجلسة الفصل, ولكن لما فاته معظم الركعة وهو القيام والركوع فاتته الركعة فكيف يقال مع هذا أنه قد أدرك الصلاة مع الجماعة, وهو لم يدرك معهم ما يحتسب له به, فإدراك الصلاة بإدراك الركعة, نظير إدراك الركعة بإدراك الركوع لأنه في الموضعين قد أدرك ما يعتد له به, وإذا لم يدرك من الصلاة ركعة كان كمن لم يدرك الركوع مع الإمام في فوات الركعة لأنه في الموضعين لم يدرك ما يحتسب له به وهذا من أصح القياس .
السادس :- أنه ينبني على هذا أن المسافر إذا ائتم بمقيم وأدرك معه ركعة فما فوقها فإنه يتم الصلاة وإن أدرك معه أقل من ركعة صلاها مقصورة, نص عليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه فلزمه الإتمام, وإذا لم يدرك معه ركعة فصلاته صلاة منفرد فيصليها مقصورة, وينبني عليه أيضاً أن المرأة الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس بقد ركعة لزمها العصر وإن طهرت قبل الفجر بقدر ركعة لزمها العشاء وإن حصل ذلك بأقل من مقدار ركعة لم يلزمها شيء, وأما الظهر والمغرب فهل يلزمها بذلك؟ فيه خلاف مشهور فقيل:- لا يلزمها وهو قول أبي حنيفة, وقيل:- يلزمها وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد ورواه الإمام أحمد عن ابن عباس, وعبدالرحمن بن عوف ) ا.هـ.
489- { حكم العمرة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولهذا قال أكثر العلماء إن العمرة لا تجب كما هو مذهب مالكٍ وأبي حنيفة وهو أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وهو الأظهر في الدليل ) ا.هـ.
490- { حكم الشفعة في الوقف المشاع }(1/195)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى شراء بئر رومة من مالكها اليهودي فاشترى عثمان بن عفان نصفها وحبسه على المسلمين وكان دلوه منها كدلو واحدٍ من المسلمين ثم لما رأى اليهودي ذلك باعه النصف الآخر فاشتراه عثمان وجعل البئر كلها حبساً على المسلمين وهذا الحديث مما احتج به الفقهاء على عدة مسائل مثل وقف المشاع وتكلم الفقهاء في مثل ذلك هل فيه شفعة فأكثر الفقهاء على أن فيه الشفعة كأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهو أحد القولين في مذهب مالك واختاره ابن سريج من أصحاب الشافعي ولكن المشهور عن الشافعي أنه لا شفعة فيه وهو الرواية الأخرى عن أحمد واختارها كثير من أصحابه والأظهر وجوب الشفعة في ذلك ) ا.هـ.
491- { العلة في تحريم الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلاً }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( والمقصود هنا الكلام في علة تحريم الربا في الدنانير والدراهم والأظهر أن العلة في ذلك هو الثمنية لا الوزن كما قاله جمهور العلماء فلا يحرم التفاضل في سائر الموزونات كالرصاص والحديد والحرير والقطن والكتان ) ا.هـ.
492- { الحكم فيمن استأجر أرضاً فلم يأتها المطر }
وسئل أبو العباس رحمه الله تعالى عمن استأجر أرضاً فلم يأتها المطر المعتاد فتلف الزرع هل توضع الجائحة فأجاب أبو العباس بقوله ( أما إذا استأجر أرضاً للزرع فلم يأت المطر المعتاد فله الفسخ باتفاق العلماء بل إن تعطلت بطلت الإجارة بلا فسخ في الأظهر ) ا.هـ.
493- { حكم إجبار البكر البالغة على الزواج بمن لا تريد }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( أما إذا كان الزوج ليس كفؤاً لها فلا تجبر على نكاحه بلا ريب وأما إن كان كفؤاً فللعلماء فيه قولان مشهوران, لكن الأظهر في الكتاب والسنة والاعتبار أنها لا تجبر كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( لا تنكح البكر حتى يستأذنها أبوها وإذنها صمتها )) والله أعلم ) ا.هـ.(1/196)
494- { قول أبي بكر وعمر هل هو حجة, وكذلك اتفاق الخلفاء الراشدين الأربعة هل هو حجة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وفي السنن عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكرٍ وعمر )) ولهذا كان أحد قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد أن قولهما إذا اتفقا حجة لا يجوز العدول عنه, وهذا أظهر القولين, كما أن الأظهر أن اتفاق الخلفاء الأربعة أيضاً حجة لا يجوز خلافه لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باتباع سنتهم ) ا.هـ.
495- { الراجح في سن علي - رضي الله عنه - حين نزول سورة النجم }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( أن نزول سورة النجم كان في أول الإسلام وعلي - رضي الله عنه - إذ ذاك كان صغيراً والأظهر أنه لم يكن احتلم ولا تزوج بفاطمة ولا شرع بعد فرائض الصلاة أربعاً وثلاثاً واثنتين ولا فرائض الزكاة ولا حج البيت ولا صوم رمضان ولا عامة قواعد الإسلام ) ا.هـ.
496- { الصحيح في نوعية سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن العاص في قوله (( أصليت بأصحابك وأنت جنب )) }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وقد تنازع الفقهاء هل قوله (( أصليت بأصحابك وأنت جنب )) هل هو استفهام, أي هل صليت مع الجنابة فلما أخبره أنه تطهر بالتيمم ولم يكن جنباً أقره أو هو إخبار بأنه جنب, والتيمم يبيح الصلاة وكان يرفع الجنابة, على قولين والأول هو الأظهر ) ا.هـ.
497- { المراد بقوله تعالى { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } }(1/197)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } قال:- كتب الله أعمال بني آدم وما هم عاملون إلى يوم القيامة, قال:- والملائكة تستنسخ ما يعمل بنو آدم يوماً بيومٍ فذلك قوله { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وفي الآية قول آخر:- أن استنساخ الملائكة هو كتابتهم لما يعمل بنو آدم بعد أن يعملوه, وقد يقال وهو الأظهر إن الآية تعم الأمرين فيأمر الله ملائكته فتستنسخ من أم الكتاب أعمال بني آدم ثم يكتبونها عليهم إذا عملوها فلا تزيد على ما نسخوه من أم الكتاب ذرة ولا تنقصها ) ا.هـ.
498- { كيف سمى الشارع قول إبراهيم - عليه السلام - (( إنها أختي )) كذبة مع أنها كانت تورية }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وقد أشكل على الناس تسميتها كذبة لكون المتكلم إنما أراد باللفظ المعنى الذي قصده فكيف يكون كذباً, والتحقيق في ذلك:- أنها كذب بالنسبة إلى إفهام المخاطب لا بالنسبة إلى غاية المتكلم فإن الكلام له نسبتان نسبة إلى المتكلم ونسبة إلى المخاطب فلما أراد الموري أن يفهم المخاطب خلاف ما قصده بلفظه أطلق الكذب عليه بهذا الاعتبار وإن كان المتكلم صادقاً باعتبار قصده ومراده ) ا.هـ.
499- { هل ابن عباس يحرم الحمر الأهلية }(1/198)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( وأما حديث ابن عباس فقال الدارمي:- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عبيد الله بن موسى عن سنان عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما (( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية )) وهذا الإسناد على شرط الشيخين, وفي الصحيحين عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (( لا أدري أنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل أنها كانت حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم )) والتحقيق:- أن ابن عباس أباحها أولاً, حيث لم يبلغه النهي, فسمع ذلك منه جماعة منهم أبو الشعثاء وغيره فردوا ما سمعوه, ثم بلغه النهي عنها فتوقف, هل هو للتحريم أو لأجل كونها حمولة فروى ذلك عنه الشعبي وغيره, ثم لما ناظره علي بن أبي طالب جزم بالتحريم كما رواه مجاهد ) ا.هـ.
500- { العلاقة بين الطاعون والوباء }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولما كان الطاعون يكثر في الوباء وفي البلاد الحربية عبر عنه بالوباء كما قال الخليل:- الوباء الطاعون, وقيل:- هو كل مرضٍ يعم والتحقيق:- أن بين الوباء والطاعون عموماً وخصوصاً مطلقاً فكل طاعون وباء وليس كل وباءٍ طاعوناً ) ا.هـ.
501- { الترجيح بين الحجامة والفصاد }(1/199)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( فصل، وأما منافع الحجامة فإنها تنقي سطح البدن أكثر من الفصد، والفصد لأعماق البدن أفضل، والحجامة تستخرج الدم من نواحي الجلد، قلت:- والتحقيق في أمرها وأمر الفصد أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والإنسان والأمزجة والبلاد الحارة والأزمنة الحارة والأمزجة الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج فالحجامة فيها أنفع من الفصد بكثير فإن الدم ينضج ويروق ويخرج إلى سطح الجسد الداخل فتخرج الحجامة ما لا يخرجه الفصد ولذلك كانت أنفع للصبيان من الفصد ولمن لا يقوى على الفصد وقد نص الأطباء على أن البلاد الحارة الحجامة فيها أنفع وأفضل من الفصد وتستحب في وسط الشهر وبعد وسطه ) ا.هـ.
502- { بيان معنى حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكرٍ وعمر (( هذان السمع والبصر )) }(1/200)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( صحيح على الراجح وهذا يحتمل أربعة أمور أحدها:- أن يكون المراد أنهما مني بمنزلة السمع والبصر، والثاني:- يريد أنهما من دين الإسلام بمنزلة السمع والبصر من الإنسان فيكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة القلب والروح وهما بمنزلة السمع والبصر من الدين وعلى هذا فيحتمل وجهين أحدهما:- التوزيع فيكون أحدهما بمنزلة السمع والآخر بمنزلة البصر، والثاني:- الشركة فيكون هذا التنزيل والتشبيه بالحاستين ثابتاً لكل واحدٍ منهما فكل واحدٍ منهما بمنزلة السمع والبصر، فعلى احتمال التوزيع والتقسيم تكلم الناس أيهما هو السمع وأيهما هو البصر وبنوا ذلك على أي الصغتين أفضل فهي صفة الصديق والتحقيق:- أن صفة البصر للصديق وصفة السمع للفاروق ويظهر لك هذا من كون عمر محدثاً كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي محدث فعمر )) "رواه مسلم" والتحديث المذكور هو ما يلقى في القلب من الصواب والحق وهذا طريقه السمع الباطن، وهو بمنزلة التحديث والإخبار في الأذن وأما الصديق فهو الذي كمل مقام الصديقية لكمال بصيرته حتى كأنه قد باشر بصره مما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما باشر قلبه فلم يبق بينه وبين إدراك البصر إلا حجاب الغيب فهو كأنه ينظر إلى ما أخبر به من الغيب من وراء ستوره وهذا لكمال البصيرة وهذا أفضل مواهب العبد وأعظم كراماته التي يكرم بها، وليس بعد درجة النبوة إلا هي ولهذا جعلها سبحانه بعدها ) ا.هـ.
503- { متى يجوز نقل المسجد عن مكانه }(1/201)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( حادثة:- مسجد عليه وقف خرب وليس في وقفه ما يفي بعمارته، هل يجوز نقل ذلك إلى عمارة الجامع الذي لا غنى للقرية عنه قال جماعة يجوز وخالفهم ابن عقيل فقال:- يحبب صرف دخل المسجد إلى عمارته بحسبها والتحقيق في المسألة أن المسجد إن تعطل بحيث انتقل أهله عنه وبقي في مكان لا يصلى فيه فالصواب ما قاله الجماعة وإن كان جيرانه بحالهم وهو بصدد أن يصلى فيه فالصواب ما قاله ابن عقيل والله أعلم ) ا.هـ.
504- { أيهما أفضل السمع أم البصر }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قال شيخنا:- والتحقيق أن السمع له مزية والبصر له مزية, فمزية السمع العموم والشمول ومزية البصر كمال الإدراك وتمامه فالسمع أعم وأشمل والبصر أتم وأكمل فهذا أفضل من جهة شموله وإدراكه وهذا أفضل من جهة كمال إدراكه وتمامه ) ا.هـ.
505- { المكروه في اسم العتمة والعقيقة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق في الموضعين كراهة هجر الاسم المشروع من العشاء والنسيكة والاستبدال به اسم العقيقة والعتمة فأما إذا كان المستعمل هو الاسم الشرعي ولم يهجر وأطلق الاسم الآخر أحياناً فلا بأس بذلك وعلى هذا تتفق الأحاديث وبالله التوفيق ) ا.هـ.
506- { حكم الجهاد }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب وإما باللسان وإما بالمال وإما باليد فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوعٍ من هذه الأنواع, أما الجهاد بالنفس ففرض كفاية وأما الجهاد بالمال ففي وجوبه قولان والصحيح وجوبه )
507- { العبرة في العقود }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق أنه لا فرق بين لفظٍ ولفظ فالاعتبار في العقود بحقائقها ومقاصدها لا بألفاظها ) ا.هـ.
508- { هل أسماء الله تعالى مترادفة أم متباينة }(1/202)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق أن يقال:- هي مترادفة بالنظر إلى الذات ومتباينة بالنظر إلى الصفات وكل اسم منها يدل على الذات الموصوفة بتلك الصفة بالمطابقة و على أحدهما وحده بالتضمن و على الصفة الأخرى بالالتزام ) ا.هـ.
509- { أيهما أفضل الغني الشاكر أم الفقير الصابر }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق أن يقال:- أفضلهما أتقاهما لله تعالى فإن فرض استواؤهما في التقوى استويا في الفضل فإن الله تعالى لم يفضل بالفقر ولا بالغنى كما لم يفضل بالعافية ولا بالبلاء وإنما فضل بالتقوى كما قال تعالى { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وقد قال (( لا فضل لعربي على عجمي ولا فضل لعجمي على عربي إلا بالتقوى, الناس من آدم, وآدم من تراب )) ) ا.هـ.
510- { أفضل ما في الدنيا وأفضل ما في الآخرة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق أنه لا يصح التفضيل بين أمرين في دارين مختلفين ولو أمكن اجتماعهما في دارٍ واحدة لأمكن طلب التفضيل, والإيمان والطاعة في هذه الدار أفضل ما فيها, ودخول الجنة والنظر إلى وجه الله جل جلاله وسماع كلامه والفوز برضاه أفضل ما في الآخرة فهذا أفضل ما في هذه الدار, وهذا أفضل ما في الدار الأخرى ) ا.هـ.
511- { أيهما أفضل مسمى الفقير أم مسمى الصوفي }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق في هذا الباب أنه لا ينظر إلى الألفاظ المحدثة بل ينظر إلى ما جاء به الكتاب والسنة من الأسماء والمعاني والله تعالى قد جعل وصف أوليائه الإيمان و التقوى فمن كان نصيبه من ذلك أعظم كان أفضل ) ا.هـ.
512- { التفصيل في شأن أنين المريض }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق أن الأنين على قسمين أنين شكوى فيكره, وأنين استراحة وتفريج فلا يكره والله أعلم ) ا.هـ.
513- { التحقيق في مرجع الضمير في قوله { عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } }(1/203)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قال الله تعالى { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } فمن اتبعني إن كان عطفاً على الضمير في أدعو إلى الله فهو دليل أن أتباعه هم الدعاة إلى الله, وإن كان عطفاً على الضمير المنفصل فهو صريح أن أتباعه هم أهل البصيرة فيما جاء به دون من عداهم والتحقيق:- أن العطف يتضمن المعنيين فأتباعه هم أهل البصيرة الذين يدعون إلى الله تعالى وقد شهد سبحانه لمن يرى أن ما جاء به من عنده هو الحق لا آراء الرجال بالعلم ) ا.هـ.
514- { التحقيق فيما ورد للنفس من صفات }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق أنه لا نزاع بين الفريقين فإنها واحدة باعتبار ذاتها وثلاث باعتبار صفاتها, فإذا اعتبرت بنفسها فهي واحدة وإن اعتبرت بصفاتها فهي متعددة ) ا.هـ.
515- { معنى قوله تعالى { لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قال مقاتل:- يقول تعالى { أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } لكي يسأل الله الصادقين يعني النبيين عن تبليغ الرسالة, وقال مجاهد:- يسأل المبلغين المؤدين عن الرسل يعني هل بلغوا عنهم كما يسأل الرسل هل بلغوا عن الله تعالى والتحقيق أن الآية تتناول هذا وهذا فالصادقون هم الرسل والمبلغون عنهم, فيسأل الرسل عن التبليغ ويسأل المبلغين عنهم عن تبليغ ما بلغهم الرسل به ثم يسأل الذين بلغتهم الرسالة ماذا أجابوا المرسلين كما قال تعالى { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } ) ا.هـ.
516- { المراد بولاة الأمر في آية سورة النساء }(1/204)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه وجابر بن عبدالله والحسن البصري وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح والضحاك ومجاهد في إحدى الروايتين عنه { أُوْلِي الأَمْرِ } هم العلماء, وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وقال أبو هريرة وابن عباس في الرواية الأخرى وزيد بن أسلم والسدي ومقاتل:- هم الأمراء, وهو الرواية الثانية عن أحمد, والتحقيق أن الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم فطاعتهم تبع لطاعة العلماء, إنما تكون في المعروف, وما أوجبه العلم فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء وكان الناس كلهم لهم تبعاً كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين وفساده بفسادهما ) ا.هـ.
517- { بم تنعقد الإجارة }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( ولهذا تنازع الفقهاء في الإجارة هل تنعقد بلفظ البيع, على وجهين والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت بأي لفظٍ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما وهذا حكم شامل لجميع العقود فإن الشارع لم يحد لألفاظ العقود حداً, بل ذكرها مطلقة فكما تنعقد العقود بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية والرومية والتركية فانعقادها بما يدل عليها من الألفاظ العربية أولى و أحرى و لا فرق بين النكاح و غيره و هذا قول جمهور العلماء ) ا.هـ.
518- { صلاة المنفرد خلف الصف }(1/205)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( المثال الخامس والأربعون:- رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في وجوب الإعادة على من صلى خلف الصف وحده كما في المسند بإسنادٍ صحيح وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة عن علي بن شيبان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له (( استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفردٍ خلف الصف )) وفي السنن وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة عن وابصة بن معبدٍ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة )) وفي مسند الإمام أحمد, سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل صلى خلف الصف فقال (( يعيد صلاته )) فردت هذه السنن المحكمة بأنها خلاف الأصول, ولعمر الله إنها هي محض الأصول وما خالفها فهو خلاف الأصول وردت بالمتشابه من حديث ابن عباس حيث أحرم عن يسار النبي - صلى الله عليه وسلم - فأداره إلى يمينه ولم يأمر باستقبال الصلاة, وهذا من أفسد الرد فإنه لا يشترط أن تكون تكبيرة الإحرام من المأمومين في حال واحد, بل لو كبر أحدهم وحده ثم كبر الآخر بعده صحت القدرة ولم يكن السابق فذاً فذاً وإن أحرم وحده فالاعتبار بالمصافة فيما تدرك به الركعة وهو الركوع, وأفسد من هذا الرد رد الحديث بأن الإمام يقف فذاً, وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجل وأعظم في صدور أهلها أن تعارض بهذا وأمثاله, وأقبح من هذه المعارضة معارضتها بأن المرأة تقف خلف الصف وحدها, فإن هذا هو موقفها المشروع بل الواجب, كما أن موقف الإمام المشروع أن يكون وحده أمام الصف, وأما موقف الفذ خلف الصف فلم يشرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البتة, بل شرع الأمر بإعادة الصلاة لمن وقف فيه وأخبر أنه لا صلاة له, فإن قيل:- فهب أن هذه المعارضات لم يسلم منها شيء فما تصنعون بحديث أبي بكرة حين ركع دون الصف ثم مشى راكعاً حتى دخل في الصف فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم(1/206)
- (( زادك الله حرصاً ولا تعد )) ولم يأمره بإعادة الصلاة وقد وقعت منه تلك الركعة فذاً, قيل:- بل نقبله على الرأس والعينين ونمسك قوله - صلى الله عليه وسلم - (( لا تعد )) فلو فعل أحد ذلك غير عالم بالنهي لقلنا له كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواءً فإن عاد بعد علمه بالنهي فإما أن يجتمع مع الإمام في الركوع وهو في الصف أولاً, فإن جامعه في الركوع وهو في الصف صحت صلاته لأنه أدرك الركعة وهو غير فذٍ, كما لو أدركها قائماً، وإن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يدخل في الصف فقد قيل:- تصح صلاته, وقيل:- لا تصح له تلك الركعة ويكون فيها فذاً, والطائفتان احتجوا بحديث أبي بكرة والتحقيق أنه قضية عين يحتمل دخوله في الصف قبل رفع الإمام ويحتمل أنه لم يدخل فيه رفع الإمام وحكاية الأفعال لا عموم لها فلا يمكن أن يحتج بها على الصورتين فهي إذاً مجملة متشابه فلا يترك لها النص المحكم الصريح فهذا مقتضى الأصول نصاً وقياساً وبالله التوفيق ) ا.هـ.
519- { صيغ العقود هل هي إخبارات أم إنشاءات }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( يوضح ذلك أن صيغ العقود قد قيل هي إنشاءات وقيل إخبارات والتحقيق أنها متضمنة للأمرين فهي إخبار عن المعاني التي في القلب وقصد تلك المعاني إنشاء فاللفظ خبر والمعنى إنشاء ) ا.هـ.
520- { التحقيق في معنى الغلق }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق أن الغلق يتناول كل من انغلق عليه طريق قصده وتصوره كالسكران والمجنون والمبرسم والمكره والغضبان, فحال هؤلاء كلهم حال إغلاق ) ا.هـ. قلت:- وفرع عليه أن الصحيح عدم وقوع طلاق السكران لأنه مغلق عليه طريق قصده, وعدم وقوع طلاق الغضبان لأنه مغلق عليه طريق قصده و هو الصحيح عندنا و اختاره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى .
521- { هل يجوز للمفتي المقلد لمذهبٍ معين أن يفتي السائل بهذا المذهب }(1/207)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق أن هذا فيه تفصيل فإن قال له السائل:- أريد حكم الله تعالى في هذه المسألة وأريد الحق فيما يخلصني ونحو ذلك لم يسعه إلا أن يجتهد له في الحق ولا يسعه أن يفتيه بمجرد تقليد غيره من غير معرفة بأنه حق أو باطل وإن قال له أريد أن أعرف في هذه النازلة قول الإمام ومذهبه ساغ له الإخبار به ويكون ناقلاً له ويبقى الدرك على السائل, فالدرك الأول على المفتي وفي الثاني على المستفتي ) ا.هـ. قلت:- ما أعذب هذا التفصيل وما أحلاه وأجمله .
522- { الحقوق المتعلقة بالقتل }
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والتحقيق في المسألة أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق حق لله وحق للمظلوم المقتول وحق للولي, فإذا سلم القاتل نفسه طوعاً واختياراً إلى الولي ندماً على ما فعل وخوفاً من الله تعالى وتوبة نصوحاً يسقط حق الله بالتوبة, وحق الولي بالاستيفاء أو الصلح أو العفو وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن ويصلح بينه وبينه فلا يبطل حق هذا ولا تبطل توبة هذا ) ا.هـ.
523- { قول أبي العباس في صلاة الرغائب }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها بل هي محدثة فلا تستحب لا جماعة ولا فرادى ) ا.هـ.
وقال أيضاً ( صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين لم يسنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من خلفائه ولا استحبها أحد من أئمة الدين كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم والحديث المروي فيها كذب بإجماع أهل المعرفة بالحديث ) ا.هـ.
524- { حكم سجود التلاوة }(1/208)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( قد تنازع الناس في وجوب سجود التلاوة قيل:- يجب وقيل:- لا يجب وقيل:- يجب إذا قرئت السجدة في الصلاة وهو رواية عن أحمد والذي يتبين لي أنه واجب فإن الآيات التي فيها مدح لا تدل بمجردها على الوجوب لكن آيات الأمر والذم والمطلق منها قد يقال:- إنه محمول على الصلاة كالثانية من الحج , والفرقان , واقرأ , وهذا ضعيف , فكيف وفيها مقرون بالتلاوة ) ا.هـ.
وقال أيضاً ( وعن أحمد في وجوب هذا السجود في الصلاة روايتان والأظهر الوجوب كما قدمناه لوجوه متعددة ) ا.هـ.
525- { حكم صلاة العيد }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان كقول أبي حنيفة و غيره و هو أحد أقوال الشافعي و أحد القولين في مذهب أحمد ) ا.هـ.
526- { حكم الأضحية }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما الأضحية فالأظهر وجوبها أيضاً فإنها من أعظم شعائر الإسلام وهي النسك العام في جميع الأمصار ) ا.هـ.
527- { جواز التخلف عن صلاة الجماعة أحياناً لمصلحة راجحة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ولو أن ولي الأمر كالمحتسب وغيره تخلف بعض الأيام عن الجمعة لينظر من لا يصليها فيعاقبه جاز ذلك وكان هذا من الأعذار المبيحة لترك الجمعة فإن عقوبة أولئك واجب متعين ولا يمكن إلا بهذا الطريق والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين أنه لولا النساء والصبيان لحرق البيوت على من فيها ) ا.هـ.
528- { هل في سجود القرآن تحريم وتحليل }
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( و سجود القرآن لا يشرع فيه تحليل و لا تحريم هذا هو السنة المعروفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه عامة السلف وهو المنصوص عن الأئمة المشهورين ) ا.هـ.
529- { هل سجود القرآن صلاة فيشترط له ما يشترط للصلاة }(1/209)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وعلى هذا فليست - أي سجدة القرآن - صلاة فلا تشترط لها شروط الصلاة بل تجوز على غير طهارة كما كان ابن عمر يسجد على غير طهارة لكن هي بشروط الصلاة أفضل و لا ينبغي أن يخل بذلك إلا لعذر ) ا.هـ.
وقال أيضاً في سجدة التلاوة ( وأكثر العلماء لا يجوزون فعلها إلا مع الطهارة ولكن الراجح أنه يجوز فعلها للحديث ) ا.هـ.
530- { هل سجود التلاوة أفضل قائماً أو قاعداً }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( بل سجود التلاوة قائماً أفضل كما ذكر ذلك من ذكره من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما, بل وكذلك سجود الشكر ) ا.هـ.
531- { أين يكون دعاء الاستخارة في صلاتها }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها قبل السلام وبعده والدعاء قبل السلام أفضل فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر دعائه كان قبل السلام والمصلي قبل السلام لم ينصرف فهذا أحسن والله أعلم ) ا.هـ.
532- { تحية المسجد هل تفعل في وقت النهي }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( هذه المسألة فيها قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد, أحدهما:- وهو قول أبي حنيفة ومالك أنه لا يصليها, والثاني:- وهو قول الشافعي أنه يصليها وهذا أظهر ) ا.هـ.
533- { إذا توضأ الإنسان في وقت النهي فهل يصلي سنة الطهارة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى وقد سئل عن ذلك ( هذا فيه نزاع والأشبه أن يفعل لحديث بلال والله أعلم ) ا.هـ.
534- { نتفٌ من كلام ابن تيمية في صلاة الجماعة }
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( وأما الجماعة فقد قيل إنها سنة, وقيل إنها واجبة على الكفاية, وقيل إنها واجبة على الأعيان وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة ) ا.هـ.
وقال أيضاً ( فأما صلاة الجماعة فأتبع ما دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة من وجوبها مع عدم العذر وسقوطها بالعذر ) ا.هـ.(1/210)
وقال أيضاً ( والمصر على ترك الصلاة في الجماعة رجل سوءٍ ينكر عليه ويزجر على ذلك, بل يعاقب عليه وترد شهادته ) ا.هـ.
وقال أيضاً ( من اعتقد أن الصلاة في بيته أفضل من صلاة الجماعة في مساجد المسلمين فهو ضال مبتدع باتفاق المسلمين فإن صلاة الجماعة إما فرض على الأعيان وإما فرض على الكفاية, والأدلة من الكتاب والسنة على أنها واجبة على الأعيان ) ا.هـ.
انتهى القسم الأول وهو يتضمن { 534 } اختياراً
ونعقبه بالقسم الثاني إن شاء الله تعالى(1/211)