الحمد لله، العزاء: هو التسلية والحث على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب.
قاله العلامة ابن مفلح في الفروع (2/293)
قلت: يريد أن الأصل فيه الصبر، يقال: عزيت فلاناً أي أمرته بالصبر قال الأدلبي في معجم ألفاظ الفقه الحنبلي ص120: قال الأزهري: =التعزية: التأسية لمن يصاب بمن يَعزُّ عليه، وهو أن يقال له: =تَعَزَ بعزاء الله، وعزاء الله قوله: [الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ] البقرة 156، وكقوله: [مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ] الحديد22.
ويقال: =لك أسوة بفلان، فقد مضى حميمه وأليفه، فَحَسُنَ صبره+ اهـ.
قال أبو عبدالله بن عبدالرحمن الشافعي_رحمه الله تعالى_ في رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص69:
=واتفقوا على استحباب التعزية+ اهـ.
وقال ابن هبيرة_رحمه الله تعالى_في الإفصاح (1/193):
ودليل مشروعيتها: حديث عبدالله بن مسعود ÷، قال: قال رسول الله": =من عَزَّى مصاباً فله مثل أجره+.
رواه الإمام الترمذي في الجامع (3/385) رقم1073، وابن ماجه في السنن (1/511) رقم1602، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (11/450،451) من طرق، عن علي بن عاصم الواسطي التميمي، قال: حدثنا_والله_محمد ابن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبدالله به.
هذا الحديث ضَعَّفَ رَفْعَهُ أهل العلم، إلا أن وكيع ابن الجراح كان يقويه فقد ذكر أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد (11/451) بسنده عن إبراهيم بن مسلم أنه قال:
=حضرت وكيعاً وعنده أحمد بن حنبل وخلف المخرمي، فذكروا علي بن عاصم.
فقال خلف: إنه غلط في أحاديث ؟ فقال وكيع: وما هي ؟! فقال: حديث محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبدالله قال: قال النبي": =من عزى مصاباً فله مثل أجره+.(1/1)
فقال وكيع: حدثنا قيس بن الربيع عن محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبدالله.
قال وكيع: وحدثنا إسرائيل بن يونس، عن محمد ابن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبدالله، عن النبي"قال: =من عزى مصاباً، فله مثل أجره+.
هذا آخر حديث ابن الحباب، واللفظ لعبدالغفار، وزاد: =قال وكيع: =ومن يسلم من الغلط؟ هذا شعبتكم، هات حتى أَعُد مائة حديث مما غلط فيه، وهذا سفيان عد حتى أعد عليك ثلاثين حديثاً مما غلط+ اهـ.
ثم ذكر الخطيب أن بعض أهل العلم رأى النبي"في المنام فسأله عن هذا الحديث، فأجاب بأنه قد قاله.
قلت: قد تقرر في الشرع أن رؤية النبي في المنام حق؛ لأنه لا يتمثل به الشيطان، كما ثبت ذلك عند أحمد (1/375،400) و (2/232،463) و (3/269،350) والبخاري في الصحيح (1/36) ومسلم (4/1775) رقم2266، 2267، 2268.
وعن قيس أبي عمارة الفارسي، مولى الأنصار، قال: سمعت عبدالله بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، يحدث، عن أبيه، عن جده، عن النبي"أنه قال: =ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله_سبحانه_من حلل الكرامة، يوم القيامة+.
أخرجه ابن ماجه في سننه (1/511) رقم1601، وعبد بُن حميد في مسنده (1/259) رقم287، 288، والبيهقي في الكبرى(4/59).
قال أهل العلم: هذا الحديث مرسل، فعبدالله بن أبي بكر لم يدرك جده قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/529) رقم1601 هذا إسناد فيه مقال. قيس بن عمارة ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في الكاشف: ثقة، وقال البخاري: فيه نظر.
قلت: وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم+ اهـ.
وعن أسامة بن زيد_رضي الله عنهما_قال: =أرسلت إحدى بنات النبي"إليه تدعوه، وتخبره أن صبياً لها أو ابناً لها في الموت، فقال_رسول الله": =ارجع إليها، فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر، ولتحتسب+.(1/2)
رواه البخاري في الصحيح (8/165) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: [قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ. . .] ومسلم في الصحيح (2/635) رقم923.
قال الموفق ابن قدامة في المغني (3/485): =ولا نعلم في التعزية شيئاً محدوداً، إلا أنه يروى أن النبي"عَزَّى رجلاً، فقال: =رحمك الله، وآجرك+، رواه الإمام أحمد، وعَزَّى أحمد أبا طالب، فوقف على باب المسجد فقال أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم+.
واستحب بعض أهل العلم أن يقال ما رواه جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: =لما توفي رسول الله"وجاءت التعزية، سمعوا قائلاً يقول: =إن في الله عزاءً من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا؛ فإن المصاب من حرم الثواب+، وفي رواية: =من كل فائت+.
رواه الشافعي في الأم (1/317).
إلا أن في سنده القاسم بن عبدالله بن عمر: قال الحافظ في التقريب: متروك ورماه أحمد بالكذب.
أما الجلوس في بيت المتوفى أو في غيره لتلقي العزاء، واستقبال المعزين فليس من هدي النبي".
وذلك لما ثبت في حديث جرير بن عبدالله الذي أخرجه أحمد في المسند (2/204) رقم 6905 من طريق نصر بن باب.
وأخرجه ابن ماجه في السنن (1/514) رقم1612، والطبراني في الكبير (2/307) رقم 2279 من طريق هشام بن بشير.
ورواه الطبراني أيضاً في الكبير (2/307) رقم2278، والدارقطني في العلل مخطوط في مسند جابر ص79 من طريق عباد بن العوام.
ثلاثتهم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبدالله البجلي، قال: =كنا نَعُدُّ الاجتماع عند أهل الميت، وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة+.
قال الدارقطني في المصدر السابق آنفاً عندما سئل عنه: =يرويه هشيم بن بشير/ واختلف عنه، فرواه سُريج بن يونس والحسن بن عرفة عن هشيم، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير.
ورواه خالد بن القاسم المدائني، قيل: ثقة؟ قال: لا أضمن لك. هذا خرجوه عن هيثم، عن شريك، عن إسماعيل.(1/3)
ورواه أيضاً عباد بن العوام، عن إسماعيل كذلك+ اهـ.
قلت: لم يفصح الحافظ الدارقطني عمن خرجه مع خالد ابن القاسم المدائني، عن شريك، عن إسماعيل.
وأما رواية خالد، فلا يعتد بها البتة؛ لأنه متروك الحديث.
وعليه فلا اختلاف على هشيم في ذلك.
ثم هب أن هشيماً رواه عن شريك وهو ابن عبدالله القاضي النخعي، عن إسماعيل، فلا يعل بذلك لما سيأتي قريبا_إن شاء الله تعالى_والأصل البقاء على رواية الراوي ما لم يثبت مانع يمنع تحققها، ويؤيد هذا الأصل أنه قد تابع هشيماً على روايته لهذا الحديث نصر بن باب وعباد بن العوام كما سلف.
وقال أبو داود في مسائله للإمام أحمد في زيادة نسخة الظاهرية في نقد بعض الأحاديث والرجال ص292:
=ذكرت لأحمد حديث هشيم عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير =كنا نَعُدُّ الاجتماع عند أهل البيت، وصنعة الطعام لهم من أمر الجاهلية؟ قال: =زعموا أن سمعه من شريك+ قال أحمد: =وما أرى لهذا الحديث أصلاً+.
قلت: وفي هذا الجواب نظر ظاهر وذلك من وجوه:
1_ لعل أحمد_رحمه الله تعالى_أراد أن الحديث ليس له أصل من رواية هشيم، عن شريك، بدليل أنه عبر عن ذلك بقوله: =زعموا أنه سمعه من شريك+.
2_ولأن أحمد خرجه في مسنده، ويمتنع أن يخرج حديثاً ليس له أصل، يؤيد هذا أن حنبل بن إسحاق بن حنبل ابن هلال الشيباني الإمام الحافظ ابن عم الإمام أحمد وتلميذه قال:
=جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبدالله، وقرأ علينا المسند، وما سمعه غيرنا، وقال لنا: =هذا الكتاب، جمعته، وانتقيته، من أكثر من سبعمائة ألف حديث، وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله"فارجعوا إليه، فإن وجدتموه، وإلا فليس بحجة+.
3_ويؤيده_أيضاً_قول الحافظ بن حجر_رحمه الله تعالى_:(1/4)
=ليس في المسند حديث لا أصل له، إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة، منها: حديث عبدالرحمن بن عوف، أنه يدخل الجنة زحفاً+. قال: والاعتذار عنه، أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه، فترك سهواً =نقله عنه العلامة الشوكاني في مقدمة نيل الأوطار(1/20).
4_ولأن رواية هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد مخرجة في الصحيحين: فالحديث على شرطهما.
5_وهب أن هشيماً روى هذا الحديث، عن شريك، عن إسماعيل.. الخ فلا يعلل، ولا يضعف بذلك بدليل أن شريكاً وهو ابن عبدالله القاضي مختلف في حاله، فضعفه بعضهم، ووثقه بعضهم، وتوسط فيه آخرون فقد جاء في الكامل لابن عدي (4/1323): قال أبو عبدالله معاوية بن صالح: =قال يحيى_يعني ابن معين_: شريك بن عبدالله صدوق ثقة إلا أنه إذا خالف فغيره أحب إلينا+. وانظر تاريخ بغداد (9/283)
وقال ابن شاهين في الثقات ص114 رقم 52: وشريك ثقةٌ ثقة.
وقال ابن سعد في الطبقات (6/379): وكان شريك ثقة مأمون كثير الحديث، وكان يغلط كثيراً+ اهـ.
وقال العجلي في الثقات (1/453) رقم 727: =كوفي ثقة، وكان حسن الحديث، وكان أروى الناس عنه إسحاق ابن يوسف الأزرق+ اهـ.
وقال يحيى بن معين: لم يكن شريك عند يحيى بشيء، وهو ثقة ثقة نقله عنه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (9/282).
وكان يحيى القطان لا يحدث عنه، وكان عبدالرحمن ابن مهدي يحدث عنه جاء ذلك في تاريخ بغداد (9/284) وانظر حاشية نهاية الاغتباط ص170.
7_ويؤيده_أيضاً_أن الإمام الحافظ ابن حجر_رحمه الله تعالى_قد ذَبَّ عن مسند الإمام أحمد في جزء له سماه (القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد) تتبع فيه الأحاديث التي حكم عليها بعض أهل العلم بالوضع، فقال:(1/5)
=أما بعد: فقد رأيت أن أذكر في هذه الأوراق ما حضرني من الكلام على الأحاديث التي زعم بعض أهل الحديث أنها موضوعة، وهي في المسند الشهير للإمام الكبير أبي عبدالله أحمد بن محمد إمام أهل الحديث في القديم والحديث، والمطلع على خفاياه المثير لخباياه، عصبية مني لا تخل بدين ولا مروءة، وحَمِيِّةٌ للسنة لا تعد بحمد الله من حمية الجاهلية بل ذبٌ عن هذا المصنف العظيم الذي تلقته الأمة بالقبول والتكريم، وجعله إمامُهُم حجة يرجع إليه، ويعول عليه عند الاختلاف عليه. . . ثم إنه أجاب على ما حُكِمَ عليه بالوضع جملة وتفصيلا ثم قال ص101:
=والذي أقوله: إنه لا يتأتى الحكم على شيء منها بالوضع؛ لما بينته من الأجوبة عقب كل حديث+ اهـ.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث صححه أهل الحديث ونقاده، وإليك نبذة من أقوالهم في تصحيحه:
1_قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/535) رقم 1612: صحيح، رجال الطريق الأولى على شرط البخاري، والطريق الثانية على شرط مسلم ورواه أحمد بن منيع في مسنده: =حدثنا هشيم. . . فذكره بإسناده ومتنه+.
2_وقال النووي في المجموع شرح المهذب (5/271): =إسناده صحيح+ اهـ.
3_ وقال ابن مفلح في الفروع: (2/297): =إسناده ثقات+اهـ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (4/110): =إسناده صحيح+ وقال في الدراري المضية (2/252):
=وأخرج أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح من حديث جرير، قال: =كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة+.
5_وقال الساعاتي في بلوغ الأماني (8/95):
=إسناده صحيح، رواه ابن ماجه من طريقين، أحدهما على شرط البخاري، والثاني على شرط مسلم+.
6_وقال أحمد شاكر في شرح المسند (11/125) رقم 6905:
=إسناده صحيح+.
7_وقال الألباني في أحكام الجنائز ص167: =إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه النووي (5/320) والبوصيري في الزوائد+.
8_وصححه جماعة محقيقي الموسوعة الحديثية لمسند أحمد (11/505) رقم 6905، فقالوا: حديث صحيح.(1/6)
9_وصححه الإمام ابن باز في مجموع فتاويه (13/385، 384) في أكثر من موضع فقال:
=وقد ثبت عن جرير بن عبدالله البجلي الصحابي الشهير÷قال: =كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة+ أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه بسند صحيح+. وانظر الصفحات الآتية من الجزء المذكور ص404، 396، 393، 391، 390
قلت: وهو كما قالوا إسناده صحيح، رجاله ثقات. قيس بن أبي حازم قال فيه الذهبي في الميزان (3/393) رقم 6908: ثقة حجة، كاد أن يكون صحابياً، وثقه ابن معين والناس، وقال علي بن عبدالله: عن يحيى بن سعيد: منكر الحديث، ثم سمَّى له أحاديث استنكرها، فلم يصنع شيئاً، بل هي ثابتة، لا ينكر له التفرد في سعة ما ورى، من ذلك حديث كلاب الحوأب+ إلى أن قال:
=ومنهم من جعل الحديث عنه من أصح الأسانيد، وقال إسماعيل بن أبي خالد: كان ثبتاً، قال: وقد كبر وجاوز المائة، وخرف+ اهـ.
قال الذهبي: =قلت: أجمعوا على الاحتجاج به، ومن تكلم به فقد آذى نفسه، نسأل الله العافية، وتَرْكَ الهوى، فقد قال معاوية بن صالح: عن ابن معين: =كان قيس أوثق من الزهري+ اهـ.
وأما إسماعيل بن أبي خالد، فقد قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/174) رقم 859: =عن سفيان الثوري أنه قال: =حفاظ الناس ثلاثة: إسماعيل بن أبي خالد، وعبدالملك بن أبي سليمان، ويحيى بن سعيد الأنصاري+.
وقال الحافظ الذهبي في السير (6/176): الحافظ الإمام الكبير. . . إلى أن قال: =قلت: قد أجمعوا على إتقانه، والاحتجاج به، ولم ينبذ بتشيع ولا بدعة ولله الحمد، يقع لنا من عواليه جملة، وحديثه من أعلى ما يكون في صحيح البخاري+ اهـ.
وأما هشيم بن بشير فهو أبو معاوية الحافظ الإمام المتقن الثبت الثقة شيخ الإسلام محدث بغداد وحافظها. قال الذهبي في السير (8/289):
كان رأساً في الحفظ إلا أنه صاحب تدليس كثير قد عرف به+ اهـ.(1/7)
قلت: قد قال فيه من هو أعلم الناس بالتدليس وهو شعبة بن الحجاج حين سئل عن التحديث عنه ما لفظه كما في تاريخ بغداد (14/88): =قال وهب بن جرير: قدم علينا هشيم البصرة في أيام شعبة، فسألنا شعبة: =نكتب عن هشيم؟ فقال شعبة: إن أحدثكم هشيم عن ابن عمر فصدقوه+.
وفي رواية قال: =إن حدثكم عن ابن عباس وابن عمر فصدقوه. . . إلى أن قالوا: فأتينا هشيماً فحدثنا برقاق مغيرة، فأتينا شعبة، فأخبرناه، فأعرض بوجهه، وقال: =أكثر أبو معاوية+ اهـ.
وأما المتابع لهشيم فأحدهما نصر بن باب الخراساني المروزي أبو سهل نزيل بغداد. قال عبدالله بن أحمد في المسند (3/310) من مسند جابر بن عبدالله: =قلت لأبي: سمعت أبا خثيمة يقول: نصر بن باب كذاب؟ فقال: =أستغفر الله! كذاب! إنما عابوا عليه أنه حدث عن إبراهيم الصائغ، وإبراهيم الصائغ من أهل بلده، فلا ينكر أن يكون سمع منه+اهـ.
ونقل ابن عدي في الكامل (7/2501) عن الإمام أحمد أنه قال: =ما كان به بأس+ اهـ.
وأما المتابع الثاني لهشيم فهو عباد بن العوام بن عمر الكلابي أبو سهل الواسطي الإمام المحدث الصدوق قال أبو حاتم الرازي ويحيى بن معين: ثقة، نقله عنهما ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/83) رقم 424 وقال الحافظ في التقريب: ثقة.
وألفاظ حديث جرير بن عبدالله÷كما يلي:
1_لفظ أحمد: =كنا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة+.
2_ولفظ ابن ماجه: =كنا نرى الاجتماع. . . الخ
3_ولفظ الطبراني: =كانوا يرون الاجتماع. . . الخ
الوجه الثالث: أن الحديث احتج به أصحاب الإمام أحمد وغيرهم على منع الاجتماع عند أهل الميت وصنع الطعام من أهل الميت لهم.
قال ابن قدامة في المغني (3/496):(1/8)
=فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم وشغلاً، وتشبهاً بصنيع أهل الجاهلية، وروي أن جريراً وفد على عمر، فقال: هل يناح على ميتكم؟ قال: لا، قال: فهل يجتمعون عند أهل الميت، ويجعلون الطعام؟ قال: نعم، قال: ذلك النوح+ اهـ.
هذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/291) قال:
حدثنا وكيع، عن مالك بن مِغْوَل، عن طلحة، قال: قدم جرير على عمر بن الخطاب÷فقال:
=هل يناح على ميتكم؟ قال: لا، قال: فهل تجتمع النساء عندكم على الميت، ويطعم الطعام؟ قال: نعم، فقال: تلك النياحة+.
وعزاه الساعاتي في بلوغ الأماني (8/95) لسعيد ابن منصور في سننه،ولفظه: =هل يناح على ميتكم؟ قال: لا، قال: فهل تجتمعون عند أهل الميت، وتجعلون الطعام؟ قال: نعم، قال: ذلك النوح+.
إسناده ثقات، رجال الصحيح. طلحة هو ابن مصرف ثقة قارئ، من كبار التابعين مات سنة 112هـ، وموت جرير كان في سنة 51 هـ أو بعدها.
وقال العلامة أبو عبدالله محمد بن مفلح في الفروع (2/296):
=ويكره صنيع أهل الميت الطعام وفاقاً للشافعي، زاد الشيخ وغيره إلا لحاجة. وقيل يحرم وفاقاً لأبي حنيفة، وكرهه أحمد، وقال: ما يعجبني، ونقل جعفر: لم يرخص لهم، ونقل المرَوَّذي: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره شديداً، ولأحمد وغيره_وإسناده ثقات_عن جرير÷قال:
=كنا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت، وصنع الطعام يعد دفنه من النياحة+.
وقال برهان الدين ابن مفلح في المبدع (2/282):
=ولا يصلحون هم طعاماً للناس؛ فإنه مكروه؛ لما روى أحمد عن جرير قال: =كنا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة+. وإسناده ثقات، زاد في المغني والشرح إلا لحاجة. وقيل يحرم.
قال أحمد: ما يعجبني، ونقل المرَوَّذي: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره شديداً+ اهـ.
وبنحو ذلك قال الزركشي في شرحه لمختصر الخرقي (2/358).
وقال أبو الفرج عبدالرحمن بن محمد المقدسي في الشرح الكبير (6/264):(1/9)
=فأما إصلاح أهل الميت طعاماً للناس فمكروه؛ لأنه زيادة على مصيبتهم، وشغل لهم إلى شغلهم، وتشبيه بصنيع أهل الجاهلية، وقد رُوي أن جريراً وفد على عمر، فقال: هل يناح على ميتكم؟ قال: لا، قال: فهل يجتمعون عند أهل الميت، ويجعلون الطعام؟ قال: نعم، قال: ذلك النوح+. وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز؛ فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من أهل القُرى البعيدة، ويبيت عندهم، فلا يمكنهم إلا أن يطعموه+.
إلى أن قال ص272:
=ويكره الجلوس لها، وذكره أبو الخطاب؛ لأنه محدث، وقال ابن عقيل: =يكره الاجتماع بعد خروج الروح؛ لأن فيه تهييجاً لحزن، وقال أحمد: أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعزِ، فيعزِّي إذا دفن الميت أو قبله وقال: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية، وإن شئت فلا+ اهـ.
وقال التنوخي في الممتع في شرح المقنع (2/70):
=وأما كون أهل الميت لا يصلحون طعاماً للناس فلأنهم في شغل بمصابهم، ولأنه زيادة عليهم في مصيبتهم، ولما قدم جرير على عمر قال:
=هل يناح على ميتكم؟ قال: لا، قال: فهل يجتمعون الناس عند الميت، ويجعلون الطعام؟ قال: نعم، قال: تلك النياحة+.
وقال التنوخي أيضاً في معونة أولي النهى (2/131):
=وسُنَّ أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث إليهم. . . لا لمن يجتمع عندهم =أي عند أهل الميت =فيكره+ للمساعدة على المكروه، وهو اجتماع الناس عند أهل الميت، نقل المرَوُّذِي عن أحمد: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره شديداً، ولأحمد وغيره، عن جرير، وإسناده ثقات، قال:
=كنا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة+ وبمثل ذلك قال الشيخ منصور البهوتي في شرح منتهى الإرادات (1/359).
وقال الساعاتي في بلوغ الأماني (8/95):(1/10)
=اتفق الأئمة الأربعة على كراهة صنع أهل الميت طعاماً للناس يجتمعون عليه، مستدلين بحديث جرير بن عبدالله المذكور في الباب، وظاهره التحريم؛ لأن النياحة حرام، وقد عده بعض الصحابة_رضي الله عنهم_من النياحة فهو حرام، وبذلك قال بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي، قال: وهو ظاهر في الحرمة فضلاً عن الكراهة والبدعة الصادقة بكل منهما+ اهـ.
وقال ابن الهمام الحنفي في فتح القدير (5/261):
=وأما الجلوس للتعزية، فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته، ونقله الشيخ أبو حامد في التعليق وآخرون عن نص الشافعي. قالوا: يعني بالجلوس لها: أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية. قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها صرح به المحاملي، ونقله عن نص الشافعي×وهو موجود في الأم.
قال الشافعي في الأم: =وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء؛ فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر+اهـ.
هذا لفظه في الأم، وتابعه الأصحاب عليه، واستدل له المصنف وغيره بدليل آخر، وهو أنه محدث. . . إلى أن قال ص271:
=وأما إصلاح أهل الميت طعاماً وجمع الناس عليه، فلم ينقل فيه شيء، وهو بدعة غير مستحبة. هذا كلام صاحب الشامل، ويستدل لهذا بحديث جرير بن عبدالله÷قال: =كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة+. رواه أحمد بن حنبل وابن ماجة بإسناد صحيح، وليس في رواية ابن ماجة =بعد دفنه+ اهـ.
وجاء في حاشية سنن ابن ماجه (1/514) رقم1612 تعليق على هذا الحديث هذا نصه:
=كنا نرى+ هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة_رضي الله عنهم_أو تقرير النبي"وعلى الثاني فحكمه الرفع، وعلى التقديرين فهو حجة+.
إذا تقرر هذا فتتميماً للفائدة يحسن أن نذكر مزيداً من كلام أهل العلم والفقهاء، يوضح لك قوة القول في هذه المسألة، فأقول:(1/11)
1_ قال أبو داود في مسائله للإمام أحمد ص138:
=قلت لأحمد: أولياء الميت يقعدون في المسجد يُعَزَّوْن؟ قال: أما أنا فلا يعجبني، أخشى أن يكون للتعزية. وقال ابن عقيل: يكره الاجتماع بعد خروج الروح؛ لأن فيه تهييجاً للحزن. قال أحمد: أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعز، فيعزي إذا دفن الميت أو قبل الدفن، وقال: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية، وإن شئت لم تأخذ+ اهـ.
وقال الإمام الشافعي في الأم (1/318):
=وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء؛ فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر+ اهـ.
ونقله عن الشافعي بحروفه البيهقي في معرفة السنن والآثار (5/340) وقال أبو البركات المجد ابن تيمية في المحرر (1/207):
=وتسن التعزية قبل الدفن وبعده، ولا يجلس لها+اهـ.
وقال الطرطوشي في الحوادث والبدع ص175:
=فأما المآتم فممنوعة بإجماع العلماء، قال الشافعي: =وأكره المآتم وهو الاجتماع في الصبحة، وهو بدعة منكرة. . . وكذلك ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والسابع والشهر، و السنة، فهو الطامة+اهـ.
وقال الحكيم الترمذي في المنهيات ص81:
=ونهى عن النياحة، والاستماع إلى النائحة ونهى عن الجمع عند صاحب الميت وعن إطعام الناسَ آلُ الميت، وعن الإجابة إلى طعام الكيت(1) ونهى أن يقعد الرجل في بيته للمصيبة، ثم يؤتى فيعزى =فهذا كله معدود في صفة النوح+اهـ.
وقال ابن هبيرة في الإفصاح (1 194):
=فأما الجلوس للتعزية، فقال مالك والشافعي وأحمد: هو مكروه، ولم نجد عن أبي حنيفة نصاً في هذا+اهـ.
وقال أبو عبدالرحمن الشافعي في رحمة الأمة ص70:
=والجلوس للتعزية مكروه عند مالك والشافعي وأحمد+ اهـ.
وقال شمس الدين ابن القيم _رحمه الله تعالى_ في الهدي النبوي (1/527):
__________
(1) لم يظهر لي معناها.(1/12)
=وكان من هديه"تعزية أهل الميت، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء، ويقرأ له القرآن، لا عند قبره ولا غيره، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة، وكان من هديه: السكون والرضى بقضاء الله، والحمد لله ولاسترجاع+ إلى أن قال في ص528:
=وكان من هديه": أن أهل الميت لا يتكلفون الطعام للناس، بل أمر أن يصنع الناس لهم طعاماً يرسلونه إليهم، وهذا من أعظم مكارم الأخلاق والشيم، والحمل عن أهل الميت؛ فإنهم في شغل بمصابهم عن إطعام الناس+ اهـ.
قال ابن أبي شيبة في المصنف (3/290):
حدثنا معن بن عيسى، عن ثابت بن قيس، قال: تزورون وتغرمون+.
إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وروى ابن أبي شيبة (3/290) وعبدالرزاق في المصنف (3/559) رقم 6689 من طريق سفيان، عن هلال ابن خباب، عن أبي البخْتَري، قال: =الطعام على الميت من أمر الجاهلية، والنوح من أمر الجاهلية+.
إسناده صحيح، رجاله ثقات. أبو البختري هو سعيد ابن فيروز الطائي.
قال الساعاتي في بلوغ الأماني (8/95):
=يعني أنهم كانوا يَعُدُّون الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه وأكل الطعام عندهم نوعاً من النياحة؛ لما في ذلك من التثقيل عليهم، وشغلهم مع ما هم فيه من اشتغال الخاطر بموت الميت، وما فيه من مخالفة السنة؛ لأنهم مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت طعاماً، فخالفوا ذلك وكلفوهم صنعة الطعام لغيرهم. . . إلى أن قال ص96:
=ويستفاد من حديث جرير أيضاً عدم جواز الاجتماع إلى أهل الميت كما يفعل الآن لأجل التعزية. . . ثم ساق قول النووي المتقدم في كراهة الجلوس عند أهل الميت. ثم قال:(1/13)
=فما يفعله الناس الآن من الاجتماع للتعزية وذبح الذبائح، وتهيئة الطعام ونصب الخيام والقماش المزخرف بالألوان وفرش البسط وغيرها، وصرف الأموال الطائلة في هذه الأمور المبتدعة التي لا يقصدون بها إلا التفاخر والرياء؛ ليقول الناس: فلان فعل كذا وكذا، وأنفق كذا وكذا في مأتم أبيه مثلاً كله حرام مخالف لهدي النبي"وهدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ولم يقل به أحد من أئمة الدين، نسأل الله السلامة+.
وقال قبل هذا بقليل ص95:
=وقول الصحابي: =كنا نَعُدُّ كذا من كذا هو بمنزلة إجماع الصحابة_رضي الله عنهم_أو تقرير النبي"وعلى الثاني فحكمه الرفع، وعلى التقديرين فهو حجة+ اهـ
قلت: قول جرير هذا يدل على أن مذهب السلف الصالح إنكار هذا العمل؛ لأنهم كانوا يعدونه من النياحة.
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز_رحمه الله تعالى_في مجموع فتاويه (13/384): =الاجتماع في بيت الميت للأكل والشرب، وقراءة القرآن بدعة. . . أما أن يجتمعوا لإقامة مأتم بقراءة خاصة أو أدعية خاصة أو غير ذلك، فذلك بدعة، ولو كان هذا خيراً لسبقنا إليه سلفنا الصالح، فالرسول"ما فعله، فقد قتل جعفر ابن أبي طالب وعبدالله بن رواحة وزيد ابن حارثة_رضي الله عنهم_ في معركة مؤتة، فجاءه الخبر عليه الصلاة والسلام من الوحي بذلك، فنعاهم للصحابة، وأخبرهم بموتهم، وترضى عنهم، ودعا لهم، ولم يتخذ لهم مأتماً، وكذلك الصحابة من بعده لم يفعلوا شيئاً من ذلك، فقد مات الصديق_رضي الله عنه_وما جعلوا له مأتماً، ولا جمعوا الناس ليقرأوا القرآن، وقتل عثمان بعد ذلك، وعلي_رضي الله عنهما_فما فعل الصحابة_رضي الله عنهم_لهما شيئاً من ذلك.
وإنما السنة: أن يصنع الطعام لأهل الميت من أقاربهم أو جيرانهم، فيبعث إليهم، مثلما فعل النبي"حينما جاءه نعي جعفر، فقال: =اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم+ أخرجه الخمسة إلا النسائي.(1/14)
هذا هو المشروع، أما أن يحملوا بلاءً مع بلائهم، ويكلفوا ليصنعوا طعاماً للناس، فهو خلاف السنّة، وهو بدعة؛ لما ذكرنا آنفاً، ولقول جرير بن عبدالله البجلي÷: =كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة+ أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح، والنياحة هي رفع الصلاة بالبكاء، وهي محرمة، والميت يعذب في قبره بما نيح عليه كما صحت به السنة عن النبي"فيجب الحذر من ذلك+.
وبنحو هذا أجابت اللجنة الدائمة كما في فتاويها (9/145).
وقال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين× في فتاويه (17/279): وأما الاجتماع فلا شك أنه بدعة، وأنه ينهى عنه، ولا حاجة إلى الاجتماع في البيت؛ فإن الاجتماع في البيت خلاف ما كان عليه السلف الصالح، حتى قالوا أي السلف: =كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت، وصنيعة الطعام من النياحة، والنياحة من كبائر الذنوب+اهـ.
فإن قيل: روت عائشة أم المؤمنين_رضي الله عنها_أن النبي"لما جاءه نبأ قتل عبدالله بن رواحة، وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة جلس يعرف في وجهه الحزن... الحديث.
أخرجه الإمام أحمد (6/58،276) والبخاري في الصحيح (2/83) كتاب الجنائز، باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن، وباب ما ينهى من النوح، والبكاء والزجر عن ذلك (2/85)، وفي كتاب المغازي (5/87) باب غزوة مؤتة من أرض الشام.
ومسلم في الصحيح (2/644) رقم 953، كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة وأبو داود في السنن، كتاب الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت.
وابن حبان في صحيحه (7/417) رقم 3147، مترجماً له بلفظ: =ذكر الزجر عن نياحة النساء+ وترجمه في موضع آخر (7/426) رقم 3155 بقوله: =ذكر الزجر عن البكاء للنساء عند المصائب إذا امتحن بها+.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3/392) في كتاب الجنائز، باب الجلوس عند المصيبة، وابن الجوزي في التحقيق (2/21) رقم 622، مسألة: لا يكره البكاء بعد الموت.(1/15)
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/515): =في حديث عائشة من الفوائد: بيان ما هو الأولى بالمصاب من الهيئات، ومشروعية الانتصاب للعزاء على هيئته، وملازمة الوقار والتثبت+.
قلت: وفي أخذ هذه الفائدة من الحديث نظر؛ وذلك أن عائشة_رضي الله عنها_أخبرت أنه لما جاء خبر قتل هؤلاء الصحابة_رضي الله عنهم_جلس النبي"يعرف في وجهه الحُزُن.
فهل هذا الجلوس المذكور للتعزية أم المصيبة ؟
فإذا تأملنا الحديث بجميع رواياته وتراجم أهل العلم له، لم نجد فيه ذكر للتعزية لا نصاً ولا ظاهراً. والعلم عند الله.
فإن قيل: روى الليث بن سعد، قال: ثنا عُقَيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أم المؤمنين_رضي الله عنها_ قالت:
=كانت إذا أصيب أحد من أهلها، فتفرق نساء الجماعة عنها، وبقي نساء أهل خاصتها أمرت ببرمة من تلبينة، فطبخت، ثم أمرت بثريد فيثرد، وصبت التلبينة على الثريد، ثم قالت: =كلوا منها؛ فإني سمعت رسول الله"يقول: =إن التلبية مَجَمَّةٌ لفؤاد المريض، تذهب بعض الحُزْنِ+.
رواه أحمد في المسند (6/80).
وفي لفظ لأحمد (6/155) والبخاري في الصحيح (6/205) كتاب الأطعمة، باب التلبينة، ومسلم في الصحيح، كتاب السلام، باب التلبينة، (4/1736) رقم 2216 مجمة لفوائد المريض، والنسائي في الكبرى (4/372) رقم 7572، والبيهقي في الكبرى (4/61) كتاب الجنائز، باب ما يهيأ لأهل الميت من الطعام: =أنها كانت إذا مات الميت من أهلها، فاجتمع النساء لذلك، ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة. . . الخ
ورواه يونس بن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة_رضي الله عنها_أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك، وكانت تقول: =إني سمعت رسول الله"يقول: =إن التلبينة تجم فؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن+.(1/16)
رواه البخاري في الصحيح (7/14) كتاب الطب، باب التلبينة للمريض، والطبراني في الأوسط (9/460) رقم 8996، والبيهقي في الكبرى (9/345) كتاب الضحايا، باب أدوية النبي"سوى ما مضى في الباب الذي قبله+.
والجواب: أن يقال: الاستدلال باجتماع النساء المذكور في الحديث على جواز الاجتماع للتعزية مخدوش، وذلك لما يرد عليه من الأدلة الدالة على ضعف الاستدلال به، ومنها:
أولاً: أن أهل العلم صرحوا بأن الاجتماع للتعزية محدث كما سلف.
ثانياً: أنهم نصوا على أنه ليس من هدي السلف كما مَرَّ.
ثالثاً: أني لم أر_فيما وقفت عليه_أحداً استدل به على جواز الاجتماع للتعزية.
رابعاً: أن مخرجي هذا الحديث يوردونه في كتب الطب والجنائز والأطعمة مترجمين له: بـ =باب التلبينة+.
وذلك لعلاج المحزون، والمريض.
إذا تقرر هذا فإني أنصح إخواني المسلمين بالتمسك بهدي نبيهم_عليه الصلاة والسلام_والعض عليه بالنواجذ، والحذر الحذر من محدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وعليهم بما كان عليه سلفهم الصالح من الإتباع، وترك الابتداع في الدين، فيسعهم ما وسعهم، وذلك أنه لا يقبل من الأعمال والأقوال والعقائد إلا ما كان لله خالصاً، صواباً. والله أعلم.(1/17)