التجلية
لحكم الجلوس للتعزية
تقديم فضيلة الشيخ العلامة
عبدالله بن عبد العزيز بن عقيل العقيل
رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقاً
تأليف
أبو معاذ ظافر بن حسن آل جبعان
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
{ ?????????????????? ???????? ????? ??????????? ?????????? ??????????? ????? ????????????? ????????????? ???????????????? ?????????? ???????????????? ????? ??????????? ?????????????????????? ??????????? ?????????? ???????? ??????? ???????????? ????????? ?????????? ????? ???????????????? ?????????? ????????? ???? ???????????? ???????????? ?????????????????? ???? ???????????????? ????? } [ البقرة آية:155-157]
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم فضيلة الشيخ العلامة
عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل
رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقاً
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم، وصلى الله على عبده ورسوله سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.(1/1)
وبعد: فقد اطلعت على هذه الرسالة المباركة التي ألفها الابن ظافر بن حسن بن علي آل جبعان، وسماها "التعزية وأحكامها في ضوء الكتاب والسنة" فوجدتها رسالة مفيدة في بابها، جامعة لأغلب ما ورد في أحكام التعزية وآدابها، مما هو مشروع وممنوع وما بين ذلك من الفروع، وهذه المسألة مهمة وكثيرة الوقوع، والناس محتاجون إليها في أغلب أحوالهم لأن كلا منهم إما معزي أو معزى، فنصيحتي لإخواني وأبنائي الاطلاع عليها وتأمل ما تضمنته من الأحكام المتناثرة للاستفادة والإفادة، فما أخذ الله على الجهال أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" بلغوا عني ولو آية"، فهي في الحقيقة رسالة أصولية فروعية مفيدة للمبتدي والمنتهي تفيد طالب العلم وتفيد العامي ولا يستغني عنها المسلم الذي يرغب التقيد بما ورد من أحكام الشرع الشريف في هذا الصدد، لا سيما ما نبهت عليه من البدع والمنكرات وبيان جملة مما وقع فيه الناس في هذه الأزمنة وبيان حكم الندب والنعي والنياحة والبكاء على الميت والإحداد عليه وحكم الجلوس للتعزية وبيان مدتها وغير ذلك، والحقيقة أن مخْبَرهَا خير من مَنْظَرِها، فجزى الله مؤلفها خير الجزاء ووفقنا وإياه للعلم النافع والعمل الصالح، قال ذلك الفقير إلى الله عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقاً حامداً الله مصلياً مسلماً على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. كتبت بتاريخ 1/8/1425هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.(1/2)
{ ????????????????? ?????????? ?????????? ???????????? ?????? ????? ??????????? ????? ???????????? ??????? ????????? ???????????? } (1).
???????????????? { ????????? ???????????? ????????? ???????? ????????? ???? ????????? ????????? ???????? ??????? ????????? ???????? ????????? ???????? ???????? ???????????? ????????????? ?????? ???????? ??????????????? ????? ???????????????? ?????? ?????? ????? ?????????? ????????? } (2).
{ ????????????????? ?????????? ?????????? ??????????? ?????? ??????????? ????????? ???????? ????? ?????????????? ??????????????? ?????????????? ?????? ?????????????? ????? ???????? ?????? ???????????? ??????? ?????? ????????? ????????? ???? } (3).
أما بعد(4):
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
إن من الأصول العظيمة التي بُني عليها دين الإسلام أمره بالجماعة والائتلاف وذمّة للفرقة والاختلاف، يقول الله تعالى: { ???????????????? ??????????? ?????? ????????? ????? ???????????????ْ } (5).
__________
(1) سورة آل عمران آية: 102.
(2) سورة النساء آية: 1.
(3) سورة الأحزاب: آية 70-71.
(4) هذه خطبة الحاجة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمها أصحابه أخرجها الترمذي كتاب النكاح باب: ما جاء في خطبة النكاح (3/404رقم1105)، وأخرجها الإمام أحمد(5/272رقم3721)، النسائي كتاب النكاح باب: ما يستحب من الكلام عند النكاح (6/397رقم 3277)، وابن ماجه كتاب النكاح باب: خطبة النكاح (1/609رقم1892)، ولها شاهد في صحيح مسلم كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/593رقم868)، وللشيخ الألباني رسالة لطيفة اسمها خطبة الحاجة فلتنظر.
(5) سورة آل عمران الآية: 102.(1/3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة - رضي الله عنه -:(( إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)) (1).
بل إن هذا الأصل من آكد الأصول في الدّين الإسلامي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: (( وهذا الأصل العظيم: وهو الاعتصام بحبل الله جميعاً، وأن لا يتفرق هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمّه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي - صلى الله عليه وسلم -، في مواطن عامّة وخاصّة))(2).
ولذلك أمر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بكل ما يحفظ على المسلمين جماعتهم وألفتهم، ونهينا عن كل ما يعكر صفو هذا الأمر العظيم.
فكل خير يزيد في توثيق عرى هذا الأصل ويقوّيه مأمور به، وكل ذريعة لتوهينه وتضعيفه قد سدّت.
بل إن الناظر في جلّ الأحكام الشرعية يلحظ اعتبار هذا الأصل: ففي خضوع المسلمين لربّ واحد وعبادتهم له وحده، وتحقيق التوحيد والإخلاص في ذلك، مع متابعة الرّسول - صلى الله عليه وسلم -، كل هذا من أقوى الرّوابط التي تجمع المسلمين وتوحّد صفوفهم.
والقارىء لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يجد النصوص التي جاءت لحفظ جانب التّوحيد والاعتقاد أضعاف ما جاء في غيره، وكذا الأمر والشأن في متابعة السنّة والنّهي عن البدع.
__________
(1) أخرجه الإمام مالك كتاب الكلام باب: ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين (ص:858رقم20)، والإمام أحمد(1/8/26)، ومسلم كتاب الأقضية باب: النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة(3/1340 رقم1715).
(2) مجموع الفتاوى (22/359).(1/4)
ونظراً لذلك فإن الدّعوة إلى توحيد الله، وعبادته، وإلى متابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والتصدي لأهل الأهواء والبدع، وإزالة شبههم. هي من مقتضيات المحافظة على هذا الأصل، لأنه ما أوهن هذا الأصل وأضعفه مثل الذي فعله أهل الأهواء والبدع ببدعهم وتحزباتهم، فقد فرقوا الأمة فرقاً، وحزبوها شيعاً.
ومن أجل المحافظة على وحدة المجتمع المسلم وألفتهم شرعت الصلاة جماعة لأهل الحيّ في مسجد واحد، بل إنّ بعض العلماء المحققين يرى وجوب أداء الصلاة في جماعة، وكره بعضهم تكرار الجماعة في المسجد الواحد لذات الهدف، ويرى جمهورهم أداءها خلف الفاسق والفاجر، وحتى المبتدع الذي لا يدعو إلى بدعته، وجاءت النصوص بالأمر بأدائها خلف الأمراء الذين يؤخرونها عن وقتها، وذلك بعد أن يؤديها المسلم في أول وقتها، لما جاء من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها قال: قلت: فما تأمرني قال: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة"(1).
__________
(1) أخرجه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام(1/448برقم648)، والترمذي كتاب الصلاة:باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام(1/448برقم648)، وأبو داود كتاب الصلاة:باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت (1/182-184رقم431-434).(1/5)
وقد جعل الإسلام هذا الأصل من حق المسلم على المسلم، في تشييع جنازته، والصلاة عليه، والمشاركة في دفنه، وتعزية أهله من بعده، ورتب على ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل، كل ذلك لأجل التقارب والتراحم والتعاطف، وشرع أيضا مواساة أهله، والوقوف معهم، وتصبيرهم وتذكيرهم بالله - عز وجل -، حتى لا يُقَطِّع الحزن جنانهم، ولا يدخل الشيطان عليهم بالوسوسة، وبالتحزين، وحتى لا يجرهم ذلك لفعل البدع والمنكرات.
وإن من المسائل التي كثر الكلام عليها بين أهل العلم مسألة الجلوس للتعزية، وخاصة في هذا الزمن، بل قد سمعت من بعضهم من يقول بأن الجلوس للتعزية بدعة منكرة، وآخر يقول بقاء الناس في مجلس العزاء ثلاثة أيام يتقلبون في العنة الله، وغير ذلك من الكلام فأحببت أن أجلي هذه المسألة وأوضحها لكل طالب حق بالدليل، والتعليل، وفقه سلف الأمة.
وقد أسميت هذا الرسالة [التجلية لحكم الجلوس للتعزية ]، لعلَّني أوفق فيها لتجلية هذه المسألة تجلية يتضح بها الحق، ويقرب فهمها لطالب العلم، وفقني الله ـ تعالى ـ وإياكم للإخلاص والصواب إنه وليُ ذلك والقادر عليه، علماً أن هذه المسألة هي ضمن مباحث كتابي [التعزية وأحكامها في ضوء الكتاب والسنة]، وقد أفردتها هنا لأهميتها ولكثرة السؤال عنها.
ولا يفوتني في هذه المقدمة أن أتقدم بالشكر والدعاء لكل من أعانني في هذه الرسالة، وأسدى لي الملاحظات، فجزاهم الله عني كل خير، وجعل ذلك في ميزان حسناتهم.
وكتب
أبو معاذ ظافر بن حسن آل جبعان
خميس مشيط ـ تندحة. ص.ب611
E-dhaferhasan@gawab.com
مدرس العلوم الشرعية بمنطقة عسير
الجلوس للتعزية(1/6)
إن الإنسان إذا حلت بساحته رزية، وابتلي ببلية، فإن من عادة الناس أن يسلوا هذا المصاب، ويواسوه، بل قد يمكثون عنده ويجالسونه وقتاً يطول أو يقصر، ومما اعتاده الناس في هذه الأزمان الجلوس للتعزية، سواءً من أهل الميت لاستقبال من يأتي من الناس للتعزية، أو ممن يجالس أهل العزاء لمواساتهم في مصابهم وغير ذلك.
ومعلومٌ أن التعزية عبادة من العبادات، ويحتاج المسلم في أدائها إلى اعتماد دليل شرعي، وإلا صار هذا العمل غير مشروع.
ومن المسائل التي تحتاج إلى إيضاح وبيان مسألة الجلوس للتعزية، من أهل الميت أو من غيرهم، وهذه المسألة هي أهم مسألة في باب التعزية، بل هي أم الباب، ولبابه، وقد كثر الخلاف فيها بين أهل العلم وغيرهم، ولأجل هذا الخلاف سأبين في هذا المبحث ـ مستعيناً بالله وحده ـ حكم هذه المسألة، وذلك بالدليل من الكتاب والسنة، وفقه علماء الأمة، فإن أصبت فمن لطف الله وعونه، وإن أخطأت فمنبت الخطأ ومعدنه؛ فأقول وبالله التوفيق:
اختلف العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ في مسألة الجلوس للتعزية على قولين:
القول الأول:
الجلوس للتعزية مباح(1) ليس فيه بأس إذا خلا المجلس من المنكرات والبدع، ومن تجديد الحزن، ومن تكلفة المؤنة، وطول المكث عند أهل العزاء.
وإليك ما قاله العلماء في ذلك :
1ـ نُقل عن الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ الرخصة في ذلك، فقد نَقل ابن مفلح(ت 884هـ)، والمرداوي (ت885هـ) ـ رحمهما الله تعالى ـ عنه (الرخصة لأهل الميت، نقله حنبل واختاره المجد؛ وورد عنه أيضاً الرخصة لأهل الميت ولغيرهم، وقال بكراهته إذا كان فيه تهيج للحزن)(2).
__________
(1) هو ما خيَّر الشارع المكلف بين فعله وتركه.( تيسير علم أصول الفقه ص:46)
(2) الفروع(2/230)، المبدع (2/286)، والإنصاف (2/396).(1/7)
2ـ وقال ابن قدامة(ت620هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( وجملته أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت، يبعث به إليهم، إعانة لهم، وجبرا لقلوبهم؛ فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم)(1).
فقول ابن قدامة:(وبمن يأتي إليهم) فيه دليل على أن الاجتماع للعزاء هو قوله.
3ـ وقال محمد المنبجي الحنبلي (ت785هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( إن كان الاجتماع فيه موعظة للمعزي بالصبر والرضا وحصل له من الهيئة الاجتماعية تسلية بتذاكرهم آيات الصبر، وأحاديث الصبر والرضا فلا بأس بالاجتماع على هذه الصفة، فإن التعزية سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -..)(2).
4ـ ونقل ابن عابدين الحنفي( ت1252هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عن كتاب الظهيرة قوله:(ولا بأس ـ أي الجلوس للتعزية ـ لأهل الميت في البيت أو المسجد والناس يأتونه ويعزونه)(3).
5ـ وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز (ت1420هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عندما سئل عن جلوس أهل الميت لاستقبال المعزين واجتماعهم لذلك.
قال:( لا أعلم بأساً فيمن نزلت به مصيبة بموت قريب، أو زوجة، ونحو ذلك أن يستقبل المعزين في بيته في الوقت المناسب، لأن التعزية سنة، واستقبال المعزين مما يعينهم على أداء السنة؛ وإذا أكرمهم بالقهوة، أو الشاي، أو الطيب، فكل ذلك حسن)(4).
وقد سُئل الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ:من أن بعض أهل الميت يجلسون ثلاثة أيام، فما حكم ذلك؟
فأجاب بقوله:(إذا جلسوا حتى يعزيهم الناس فلا حرج إن شاء الله حتى لا يتعبوا الناس لكن من دون أن يصنعوا للناس وليمة)(5).
واستدلوا لهذا القول بالأدلة التالية:
الدليل الأول:
__________
(1) المغني (3/496رقم المسألة387).
(2) تسلية أهل المصائب (ص:167-168).
(3) رد المحتار (حاشية ابن عابدين) (3/139).
(4) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/373).
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/382).(1/8)
حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في الصحيحين: (أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن ـ إلا أهلها وخاصتها ـ أمرت ببُرْمَةٍ من تَلبينة فطبِخَت, ثمّ صنع ثريدٌ فصُبّتِ التّلْبينَةُ عليها ثم قالت: كلنَ منها, فإِنّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "التّلبينة مَجمّةٌ لفؤاد المريض, تَذهبُ ببعضِ الحُزْن"(1).
فهذا الحديث فيه الدلالة على أنهم كانوا لا يرون في الاجتماع بأساً، لا اجتماع أهل الميت، ولا اجتماع غيرهم معهم، ففي الحديث "أنها كانت إذا مات الميت " فهذا يدل على أنها كانت عادة عندهم، إذا مات الميت اجتمع لذلك أهل الميت، وفي الحديث "ثم يتفرقون" ولا يتفرقون إلا بعد اجتماع، ويبقى أهلها وخاصتها، مما يدل على أن غيرهم كان معهم ثم ذهب،كما أن أهل الميت يصنعون لأنفسهم طعاماً، فهو من صنعة الطعام.
الدليل الثاني:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة: باب التلبينة( الفتح10/690برقم5417) وهذا لفظ البخاري، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب السلام: باب التلبينة مجمة لفؤاد المريض (4/1736رقم 2216).(1/9)
استدلوا بما روته عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:( لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلُ ابن حارثة و جعفر وابن رواحة جلسَ يُعرفُ فيه الحُزنُ، وأنا أنظرُ من صائر الباب شق الباب، فأتاه رجلٌ فقال: إن نساء جعفر ـ وذكر بكاءهن ـ فأمره أن ينهاهن فذهب، ثم أتاه الثانية لم يطعنه، فقال: إنهَهُن، فأتاه الثالثة قال: والله غلبننا يا رسول الله، فزعمت أنه قال:"فاحثُ في أفواههن التراب"، فقلت: أرغم الله أنفك، لم تفعل ما أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العناء)(1).
قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:(وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار)(2).
الدليل الثالث:
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز: باب من جلس عند المصيبة يُعرف فيه الحُزن (الفتح3/516برقم1299)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب التشديد في النياحة (2/644برقم935)، وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب الجلوس عند المصيبة(3/249-250برقم3122)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب النهي عن البكاء على الميت (4/313برقم 1846).
(2) فتح الباري(3/519).(1/10)
ومما يستدل به من أن السلف كانوا يذهبون للتعزية، ويُعزَّى أهل الميت في بيتهم، وأهل الميت يستقبلون الناس، ما جاء من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: بينما نحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ بصر بامرأة لا تظن أنه عرفها، فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه فإذا فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها:" ما أخرجك من بيتك يا فاطمة، قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحمت إليهم وعزيتهم بميتهم، قال: لعلك بلغت معهم الْكُدَى، قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر، فقال لها: لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك"(1).
قال السندي(ت1138هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( والحديث يدل على مشروعية التعزية، وعلى جواز خروج النساء لها)(2).
ففي هذا الحديث أن أهل الميت يبقون في بيتهم ويأتيهم من يريد أن يعزيهم وهذا ظاهر من قول فاطمة ـ رضي الله عنها ـ:( أتيت أهل هذا الميت)، ولا يمكن أن تأتيهم إلا في بيتهم.
الدليل الرابع:
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب في التعزية(3/250برقم 3123)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب النعي(4/327-328برقم 1879)، وقال النسائي: ربيعة ضعيف، والحديث ضعفه الألباني كما في ضعيف سنن النسائي(ص:69 برقم1880)، وضعيف سنن أبي داود(ص:256برقم 3123).
(2) سنن النسائي بحاشية السيوطي والسندي(4/328).(1/11)
استدلوا بما جاء عن محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة أنه كان جالساً مع ابن عمر بالسوق، ومعه سلمة بن الأزرق إلى جنبه فمر بجنازة يتبعها بكاء فقال عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: لو ترك أهل هذا الميت البكاء لكان خيراً لميتهم، فقال سلمة بن الأزرق: تقول ذلك يا أبا عبدالرحمن، قال: نعم أقوله؛ قال: إني سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - لما مات ميت من أهل مروان فاجتمع النساء يبكين عليه؛ فقال مروان: قم يا عبدالملك فانههن أن يبكين، فقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: دعهن فإنه مات ميت من آل النبي - صلى الله عليه وسلم - فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينهاهن ويطردهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"دعهن يا ابن الخطاب فإن العين دامعة والفؤاد مصاب وإن العهد حديث"، فقال ابن عمر: أنت سمعت هذا من أبي هريرة قال: نعم؛ قال: يأثره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: نعم؛ قال: فالله ورسوله أعلم(1).
الدليل الخامس:
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد(رقم2/110)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز باب: ما جاء في البكاء على الميت(1/505-506برقم 1587)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب الرخصة في البكاء على الميت(4/318 برقم1858)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة(8/95-96رقم3603)، وضعيف سنن النسائي(ص:68برقم 1859)، وضعيف ابن ماجه(ص:123برقم1609)..(1/12)
استدلوا بما رواه الأعمش عن أبي وائل قال: اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد (ابن الوليد - رضي الله عنه -) يبكينه فقال عمر- رضي الله عنه -: ما عليهن أن يُرِقْنَ من دموعهن ما لم يكن نقعاً(1) أو لقلقة(2)(3).
قال ابن حجر (ت852هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ :(هذا الأثر وصله المصنف في التاريخ الأوسط من طريق الأعمش عن شقيق قال: لما مات خالد بن الوليد - رضي الله عنه - اجتمع نسوة بني المغيرة - أي ابن عبدالله بن عمرو بن مخزوم - وهن بنات عم خالد بن الوليد بن المغيرة يبكين عليه, فقيل لعمر: أرسل إليهن فانههن, فذكره)(4).
__________
(1) النقع التراب أي وضعه على الرأس، وقيل النقع الشق أي شق الجيب(فتح الباري3/509)، وقال ابن الأثير:( وقيل أراد وضع التراب على الرؤوس، من النَّقْع: الغبار، وهو أولى؛ لأنه قرن به اللقلقة، وهي الصوت، وحمل اللفظين على معنيين أولى من حملهما على معنى واحد(النهاية5/109 في مادة: نقع).
(2) اللّقلقة الصوت المرتفع وهذا قول الفرَّاء(فتح الباري3/509)، و(النهاية4/265 مادة: لقلق).
(3) سير أعلام النبلاء (1/382)؛ قال محققه:( أخرجه الحاكم(3/297) من طريق عبدالرزاق، عن معمر، عن الأعمش، عن أبي وائل؛ وابن عبدالبر(3/169) من طريق يحيى القطان، عن سفيان بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل؛ وعلقه البخاري(الفتح3/161) ووصله المصنف في (( التاريخ الأوسط ))، وقد ذكره البخاري في التاريخ الصغير(1/46-47) من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش، عن شقيق)= =قلت: هذا السند رواته كلهم ثقات، فهذا الأثر صحيح، وقد جزم به البخاري في صحيحه، فقد ذكره معلقاً بصيغة الجزم مما يدل على صحته عنده ـ والله تعالى أعلم ـ.
(4) فتح الباري(3/509).(1/13)
فدل هذا الأثر يدل على أن من اجتمعن هن نساء بني المغيرة، ولسن نساء خالد، أو آل الوليد، فدل ذلك على أن الاجتماع عندهم كان أمراً مباحاً، ولو كان غير ذلك لنهى عنه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
الدليل السادس:
ومما يدل على جواز الاجتماع للتعزية، أن الاجتماع للعزاء من العادات، وليس من العبادات، بناء على الأصل، والأصل في الأشياء الإباحة، وهذا ظاهر من حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ:(أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن... الحديث)(1).
فقول:(أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك ) أنه كان عادة عندهم، ولم أرَ أحداً من العلماء ـ مع بحثي القاصر ـ قال: إن الاجتماع للعزاء عبادة، ومعلوم أن البدع لا تكون في العادات المحضة، إلا إذا اعتقد بها التقرب إلى الله تعالى، وليس لها أصل في الشرع فهذه العادة تصبح بدعة.
ولذا يشير شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ بقوله:(..أن اتخاذ لبس الصوف عبادة وطريقاً إلى الله بدعة)(2)، ومعلوم أن لبس الصوف الأصل فيه الإباحة لأنه من العادات، لكن قصد به التقرب إلى الله تعالى فصار بدعة؛ ويُعلم إنما تدخل البدعة في العبادات، فكيف يقال إن الاجتماع من البدع.
وقال في موضع آخر:( ومن تَعَبَّدَ بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة، وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع، بدعة سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين، فإن الله لا يُعبد إلا بما هو واجب أو مستحب )(3).
__________
(1) سبق تخريجه(ص:14).
(2) مجموع الفتاوى (11/555).
(3) مجموع الفتاوى(1/160).(1/14)
وإذا عُلم أن التعزية سنة مشروعة، فإن البدعة لا تحيي سنة، قال إمام أهل السنة والجماعة في عصره أبو محمد البربهاري(1):( واعلم أن الناس لم يبتدعوا بدعة قط حتى تركوا من السنة مثلها، فالحذر من المحدثات من الأمور)(2).
فإذا تقرر أن الاجتماع للعزاء من العادات، فإن الأصل فيها الإباحة.
فالعادات الباب فيها مفتوح - ولله الحمد - وهي خاضعةٌ لأعراف الناس، فكل عادة انتشرت بين الناس وتعارفوا عليها من فعلٍ أو قولٍ أو أكل أو شرب أو غيرها من الملبوسات والمفروشات ونحوها، فالأصل فيها الحل والإباحة، لكن هذه الإباحة مقيدة بما إذا لم تخالف هذه العادة دليلاً شرعيًا، فإن خالفت الدليل فهي عادة محرمة يجب إنكارها، أما إذا لم تخالف دليلاً فالأصل التوسعة على الناس، فلا يجوز لأحدٍ كائنٍ من كان أن يضيق على الناس فيما اعتادوه وتعارفوا عليه إلا بدليل، وأنت ترى اختلاف الناس من قطرٍ إلى قطرٍ، بل إن من قواعد الشريعة أن العادة محكمة، أي تؤخذ الأحكام الشرعية بناءً على العادات المتقررة عندهم، فالعبادات بابها توقيفي إلا بدليل والعادات بابها مفتوح إلا بدليل ولله الحمد والمنة.
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي(ت1376هـ) في منظومته(3):
والأصل في عاداتنا الإباحة حتى يجيء صارف الإباحة
فيؤخذ منه قاعدة فقهية مهمة وهي:" أن الأصل في العادات والمعاملات الإباحة والحل".
__________
(1) أبو محمد حسن بن علي بن خلف البربهاري، إمام أهل السنة والجماعة في عصره، كان إماما مهيبا، قوَّالا للحق، داعية للسنة واتباع الأثر، قال أبو عبدالله الفقيه: ( إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار، وأبا محمد البربهاري؛ فاعلم أنه صاحب سنة)، وقال ابن الجوزي عنه:( جمع العلم والزهد... وكان شديداً على أهل البدع)، توفي ـ رحمه الله تعالى ـ في رجب سنة (329هـ).
(2) شرح السنة للبربهاري (ص: 18).
(3) رسالة في القواعد الفقهية (ص:31).(1/15)
والأصل في هذه القاعدة: ما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وعن أنس - رضي الله عنه -:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يلقحون فقال: "لولم تفعلوا لصلح" قال فخرج
شيصاً(1)، فمر بهم فقال: ما لنخلكم قالوا: قلت: كذا وكذا قال أنتم أعلم بأمر دنياكم"(2).
ووجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردَّ الأمر في التعامل في الزراعة إلى الخلق، وجعله ليس من جنس الشرع الذي يتوقف فيه حتى يأتي الأمر من الرب - عز وجل -.
وقد حكى الاتفاق على هذا الأصل غير واحد من العلماء، كالنووي في المجموع، والموفق ابن قدامة في المغني.
__________
(1) الشيص هو: التمر الذي لا يشتد نواه ويقوى، وقد لا يكون له نوى أصلاً. ( النهاية في غريب الحديث والأثر2/518)، وقال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ: وهو بكسر الشين المعجمة هو البسر الرديء الذي إذا يبس صار حشفاً. (شرح مسلم للنووي16/171).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الفضائل باب: وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - من معايش الدنيا على سبيل الرأى (4/1835رقم 2361-2363)، وأخرجه ابن ماجه كتاب الرهون باب: تلقيح النخل(2/825 رقم2470-2471).(1/16)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية(ت728هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:(والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: { ????? ?????????????? ????? ???????? ?????? ????? ???? ??????? ???????????? ???????? ???????? ?????????? ????? ???????? ??????? ??????? ????? ????? ?????? ????????????? ???? } (1)ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه)، ثم قال بعد ذلك:( وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم.." وهذه قاعد عظيمة نافعة) (2).
وليعلم أن المعاملات والعادات باقية على الأصل ما لم تخالف أصلاً شرعياً، أو يأتي الصارف الشرعي لذلك، ومن ذلك شرب الخمر، فهو من جنس العادات التي حرمها الرب سبحانه(3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( فهذا أصل عظيم تجب معرفته والاعتناء به، وهو أن المباحات إنما تكون مباحة إذا جعلت مباحات، فأما إذا اتخذت واجبات أو مستحبات كان ذلك ديناً لم يشرعه الله)(4).
ومما يعين على فقه هذه المسألة ما يلي: هل الوسيلة للمشروع مشروعة؟
نعم هذه القاعد مفهومة من القاعدة الفقهية، كل وسيلة فإن حكمها حكم مقصدها، أو الوسائل لها أحكام المقاصد، أو الوسائل تعطى أحكام المقاصد.
__________
(1) سورة يونس الآية:59.
(2) مجموع الفتاوى(29/17-18).
(3) مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية للأسمري (ص:76).
(4) مجموع الفتاوى(11/450).(1/17)
وليعلم أنه لا يخرج شيء من الأشياء يحتاجه الناس في عباداتهم أو معاملاتهم إلا وله في الشريعة حكم شرعي، ويفرق بين كونه وسيلةً أو مقصدًا، فإن كان مقصدًا من المقاصد فحكمه واضح؛ لأن الشريعة حرصت على تبيين أحكام المقاصد، وإن كان وسيلة فإنه يكون تابعًا لحكم قصده، فإن كان يقصد به حرامًا فهو حرام، وإن كان يقصد به واجبًا لا يتم إلا به فهو واجب، وإن كان يقصد به سنة فهو سنة، أو مكروهًا فهو مكروه أو مباحًا فهو مباح، ولا يخرج شيء عن هذه الأحكام الخمسة، وهذا من كمال الشريعة، فإنها إذا حرمت شيئًا حرمت جميع الوسائل المفضية إليه، وإذا أوجبت شيئًا أوجبت جميع الوسائل التي لا يتم إلا بها وهكذا، ذلك لأن من تمام تحريم الشيء تحريم وسائله وسد جميع ذرائعه، ومن تمام إيجاب الشيء إيجاب جميع الأشياء التي يتوقف حصوله عليها، فيدخل تحت هذا الأصل الكبير قواعد كثيرة.
ومعلوم أن الوسائل إذا كان لها حكم مستقل في الشريعة، بالوجوب أو بالتحريم، فإنها تأخذ حكمها الأصلي في الشريعة.
ججأما إذا لم يرد دليلٌ يخص تلك الوسيلة فننظر إلى هذه الوسيلة هل هي وسيلة مفضية إلى المقصود قطعاً، فهذه تأخذ حكم المقصود، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب(1).
فإن التعزية مقصد، لما ورد من مشروعيتها، وفضلها، ولا وسيلة لتحصيلها في مثل هذه الأزمنة إلا باستقبال المعزين، والجلوس لذلك، فإن ذلك مما يعينهم على أداء السنة.
__________
(1) قال الشيخ عبدالرحمن السعدي(ت1376هـ) في منظومته:
وسائل الأمور كالمقاصد واحكم بهذا الحكم للزوائد
قال ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح هذا البيت:( يعني أن الوسائل تعطى أحكام المقاصد، فإذا كان مأموراً بشيء كان مأموراً بما لا يتم إلا به، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون).(رسالة في القواعد الفقهية ص:32).(1/18)
وقد فهم مثل هذا التخريج على هذه القاعدة الشيخ ابن بازـ رحمه الله ـ فقال عن استقبال المعزين والجلوس للتعزية:(لا أعلم بأساً فيمن نزلت به مصيبة بموت قريب، أو زوجة، ونحو ذلك أن يستقبل المعزين في بيته في الوقت المناسب، لأن التعزية سنة، واستقبال المعزين مما يعينهم على أداء السنة)(1).
مناقشة ما استدل به أصحاب القول الأول:
مناقشة الدليل الأول:
حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في الصحيحين: (أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها...).
فهذا الحديث يدل على أن الاجتماع خاص بالنساء، وليس للرجال دخل فيه؛ فالحديث بمنطوقه يدل على أن النساء كن يجتمعن، فهو خاص بهن؛ وذلك لأن المرأة خلقها الله ضعيفة لا تتحمل ما يتحمله الرجال، فلا بأس بجلوسهن وتسلية بعضهن لبعض، بدون نياحة، ولا جزع، ولا تسخط، فهو خاص بهن دون الرجال.
مناقشة الدليل الثاني:
استدلوا بما روته عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:( لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلُ ابن حارثة و جعفر وابن رواحة جلسَ يُعرفُ فيه الحُزنُ...).
فهذا الحديث لا يدل على جواز الجلوس للتعزية، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتعمد الجلوس لها، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - جلس في المسجد يعرف في وجهه الحزن، ولم يقل الراوي جلس لاستقبال أهل العزاء.
مناقشة الدليل الثالث والرابع:
ما استدلوا به من حديث عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ، و بما جاء عن محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة.
فالحديثان ضعيفان لا تقوم بهما حجة.
مناقشة الدليل الخامس:
استدلوا بما رواه الأعمش عن أبي وائل قال: اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد (ابن الوليد - رضي الله عنه -) يبكينه فقال عمر- رضي الله عنه -: ما عليهن أن يُرِقْنَ من دموعهن ما لم يكن نقعاً أو لقلقة).
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/373).(1/19)
فهذا الأثر يقال فيه ما قيل في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ من أنه خاص بالنساء دون الرجال.
الجواب عن دعوى الخصوصية في الدليل الأول، والخامس ما يلي:
تخصيص الاجتماع للنساء دون الرجال، ليس عليه دليل، فالحديث ورد في حالهم إذا مات الميت، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كما في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً؛ قال:" يغتسل"، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً؛ قال:" لا غسل عليه" قالت أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال:" نعم إن النساء شقائق الرجال"(1).
قال ابن الأثيرـ رحمه الله تعالى ـ:( أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم، ولأن حواء ـ عليها السلام ـ خلقت من آدم - عليه السلام -، وشقيق الرجل أخوه من أبيه ولأمه، لأنه شق نسبه من نسبه)(2).
وقال الخطابي(ت388هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:(وفيه من الفقه إثبات القياس وإلحاق حكم النظير بالنظير، فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطاباً للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها)(3).
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد(6/256)، وأخرجه الدارمي في كتاب الطهارة: باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل(ص:226برقم769)، وأخرجه أبو داود في كتاب الطهارة: باب في الرجل يجد البلّة في منامه(1/109-110برقم236)، وأخرجه الترمذي في كتاب الطهارة: باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً(1/189-190برقم113)، وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود(1/71 برقم236)، وفي سنن الترمذي(ص:38برقم113).
(2) النهاية(2/492).
(3) معالم السنن(1/161-162).(1/20)
ومما يرد الخصوصية أيضاً أنه لو كان الاجتماع مباحاً للنساء فقط، لكان للرجال من باب أولى، لضعف طبيعة المرأة، ولأن النياحة والجزع وغيرها في جانب النساء أكثر؛ ثم إن اجتماع النساء يورث بعض المفاسد، كتجمعهن وخروجهن وتعرضهن للرجال وغيرها، والمرأة بيتها خير لها.
فإذا جاز الاجتماع في العزاء للنساء ففي الرجال من باب أولى.
الجواب عن الدليل الثاني ما يلي:
أن فهم الحديث الشريف لا يكون إلا بما فهمه السلف الصالح ـ رحمهم الله تعالى ـ فهذا ابن حجر يقول في شرحه لهذا الحديث:( وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار)(1)، فكيف يقال إنه لا يقصده النبي - صلى الله عليه وسلم -؟!!
القول الثاني:
القول بالمنع، وقد اختلفت عبارات العلماء في ذلك، فمنهم من قال بالكراهة(2)، ومنهم من قال بالتحريم(3)، ومنهم من قال بأن الجلوس والاجتماع للتعزية بدعة(4).
وإليك ما قاله العلماء في ذلك :
1ـ قال الإمام الشافعي (ت204هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه الأم:(وأكره المأتم، وهو الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر)(5).
__________
(1) فتح الباري(3/519).
(2) الكراهة حكم تكليفي وهي كما حدها الأصوليون: ما طلب الشارع من المكلف تركه لا على وجه الحتم والإلزام؛ وهي ما يثاب تاركه امتثالاً، ولا يعاقب فاعله.(تيسير علم أصول الفقه ص:42).
(3) المحرم هو: ما طلب الشارع من المكلف تركه على وجه الحتم والإلزام. (تيسير علم أصول الفقه ص:35).
(4) البدعة: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية.(الاعتصام1/47).
(5) 1/279).(1/21)
2ـ وممن جاء عنه المنع الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ) فقد سُئل عن أولياء الميت يقعدون في المسجد يعزون؟ فقال: (أما أنا فلا يعجبني أخشى أن يكون تعظيماً للميت أو قال للموت)(1).
3ـ قال الإمام الشيرازي(ت476هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ في المهذب في ( باب: التعزية، والبكاء على الميت): ( فصل في الجلُوس للتعزية: ويكره الجلوس للتعزية؛ لأن ذلك محدث، والمحدث بدعة)(2).
4ـ قال النووي(ت676هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ(3):( قال الشافعي: وأصحابنا ـ رحمهم الله تعالى ـ يكرهون الجلوس للتعزية، قالوا: يعني بالجلوس أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملي، ونقله عن نص الشافعي - رضي الله عنه -، وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة كما هو الغالب منها في العادة كان ذلك حراماً من قبائح المحرمات فإنه محدث، وثبت في الحديث الصحيح:" إن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"(4).
__________
(1) مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني (ص:138 ـ 139).
(2) متن المهذب من شرحه المجموع (5/275).
(3) الأذكار (ص:160).
(4) أخرجه الإمام أحمد (3/310)،(4/126)، وأخرجه مسلم في كتاب الجمعة: باب تخفيف الصلاة والخطبة(2/592برقم867)، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة: باب في لزوم السنة(4/264برقم4607)، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة: باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين(1/15-16برقم42)، وأخرجه النسائي في كتاب صلاة العيدين: باب كيف الخطبة؟(3/209-210برقم1577).(1/22)
5ـ قال الإمام ابن قدامة(ت620هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( قال أبو الخطاب: يكره الجلوس للتعزية، وقال ابن عقيل: يكره الاجتماع بعد خروج الروح لأن فيه تهييجاً للحزن، وقال أحمد: أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعزِ، فيعزى إذا دفن الميت، أو قبل أن يدفن)(1).
6ـ قال الإمام المرداوي(ت885هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( ويكره الجلوس لها، هذا المذهب وعليه أكثر أصحابنا ونص عليه، قال في الفروع: اختاره الأكثر، قال في مجمع البحرين: هذا اختيار أصحابنا)، ونقل أيضاً فقال:(قال الخلال: سهل الإمام أحمد في الجلوس إليهم في غير موضع، وعنه الرخصة لأهل الميت نقله حنبل، واختاره المجد، وعنه الرخصة لأهل الميت ولغيرهم، خوف شدة الجزع. وقال أحمد: أما والميت عندهم: فأكرهه)(2).
7ـ قال الإمام الطرطوشي(3)(ت530هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ: ( قال علماؤنَا المالكيون: التصدي للعزاء بدعةٌ ومكروه، فأَما إن قعد في بيته أَو في المسجد محزوناً من غير أن يتصدى للعزاء؛ فلا بأس به، فإنه لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - نعيُّ جعفر؛ جلس في المسجد محزوناً، وعزاه الناس)(4).
وقال الإمام الطرطوشي أيضاً: (فصل المآتم: فأَما المآتم؛ فممنوعة بإجماع العلماء: قال الشافعي:(وأَكره المآتم، وهو اجتماع الرجال والنساء، لما فيه من تجديد الحزن)(5).
__________
(1) المغني (2/342).
(2) الإنصاف(2/396).
(3) هو الإمام العلامة شيخ المالكية أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف الفهري، الأندلسي، الطرطوشي، الفقيه، عالم الإسكندرية؛ قال عنه إبراهيم بن مهدي:" كان شيخنا أبو بكر زهده وعبادته أكثر من علمه"؛ وحكى بعض العلماء أنه نجب عليه نحو من مئتي فقيه مفتي؛ له مصنفات كثيرة منها: تحريم الغناء، والزهد، وتعليقه في الخلاف، وبر الوالدين، والرد على اليهود، والعُمُدُ في الأصول، والحوادث والبدع وغيرها.
(4) الحوادث والبدع (ص:170).
(5) الحوادث والبدع (ص:175).(1/23)
8ـ قال الإمام ابن القيم (ت751هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ: (وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تعزيةُ أهلِ الميت، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء، و يقرأ له القرآن، لا عند قبره و لا غيره، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة)(1).
9ـ قال الشيخ محمد بن عثيمين(ت1421هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ في مسألة قصد التعزية، والذهاب إلى أهل الميت في بيتهم قال:( هذا ليس له أصل من السنة، ولكن إذا كان الإنسان قريبا لك وتخشى أن يكون من القطيعة ألا تذهب إليهم فلا حرج أن تذهب، ولكن بالنسبة لأهل الميت لا يشرع لهم الاجتماع في البيت، وتلقي المعزين لأن هذا عده بعض السلف من النياحة، وإنما يغلقون البيت، ومن صادفهم في السوق أو في المسجد عزاهم.
فهاهنا أمران:
الأول: الذهاب إلى أهل الميت، وهذا ليس بمشروع اللهم إلا كما قلت إذا كان من الأقارب ويخشى أن يكون ترك ذلك قطيعة.
الثاني: الجلوس لاستقبال المعزين. وهذا لا أصل له، بل عده بعض السلف مع صنع الطعام من النياحة)(2).
وقد ذُكر المنع عن بعض العلماء ولم أورد كلامهم هنا، وذلك لأنهم إما نقلوا عمن قبلهم من العلماء، وإما أنهم لم يأتوا بشيء يخالف ما سبق، فلعل فيما ذكر كفاية.
واستدلوا لهذا القول بالأدلة التالية:
الدليل الأول:
__________
(1) زاد المعاد (1/527).
(2) سبعون سؤالاً في أحكام الجنائز (ص:30).(1/24)
أثر جرير بن عبدالله البجلي(1) - رضي الله عنه - قال:"كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة"(2).
وهذا الأثر صححه الإمام النووي(3)(ت676هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ كما في المجموع.
وقال البوصيري(4) ـ رحمه الله تعالى ـ في مصباح الزجاجة:(إسناده صحيح رجال الطريق الأول على شرط البخاري، والثاني على شرط مسلم)(5).
__________
(1) جرير بن عبدالله بن جابر البجلي - رضي الله عنه - صحابي جليل، أسلم قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربعين يوماً، وتوفي - رضي الله عنه - سنة إحدى وخمسين للهجرة النبوية الشريفة (الاستيعاب في معرفة الأصحاب1/308رقم الترجمة326).
(2) أخرجه الإمام أحمد (2/204رقم 6905)، وهو في المحصل (5/355)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز:باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام( 1/514)، وأخرجه الدارقطنى في العلل(4/ق89أ)، والطبراني في المعجم الكبير(2/307 برقم2278)؛ وروي من قول عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - كما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الجنائز: باب في النياحة على الميت وما جاء فيه(3/263 برقم7)، وأسلم الواسطي في تاريخ واسط (ص:107).
(3) 5/290).
(4) هو الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري، القاهري، الشافعي، ولد بأبو صبر من الغربية بمصر سنة(762هـ)، كان محدثاً عالماً، اشتغل بجمع الزوائد فجمع (زوائد ابن ماجة)، و(زوائد السنن الكبرى للبيهقي)، و(زوائد مسند الطيالسي)، و(أحمد)، وله أيضاً( تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب)، و(إتحاف الخيرة بزوائد المسانيد العشرة)، و(مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه)، توفي ـ رحمه الله تعالى ـ في الحسينية بمصر سنة(840هـ).
(5) سنن ابن ماجه تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي بحاشية مصباح الزجاجة (1/514)، رقم الحديث (1612).(1/25)
وصححه الألباني في أحكام الجنائز(1)، وفي صحيح ابن ماجه(2).
قال السندي ـ رحمه الله تعالى ـ:( قوله " كنا نرى" هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ، أو تقرير النبي- صلى الله عليه وسلم -، وعلى الثاني فحكمه الرفع، وعلى التقدير فهو حجة)(3).
فيظهر من أثر جرير أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يرون المنع من ذلك، بل يعدونه مع صنعة الطعام من النياحة، التي هي من أفعال الجاهلية.
الدليل الثاني: واستدلوا بما رواه عبدالرحمن بن مهران: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال حين حضرهُ الموتُ:(لا تضربوا على فُسطاطاً، و لا تتبعوني بمجمر، وأسرعوا بي؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(إذا وضع الرجلُ الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضعَ الرجل السوء على سريره قال: يا ويله أين تذهبون بي؟)(4).
قال الشيخ أحمد بن عبدالرحمن البنا معلقاً على هذا الحديث:(وفيه أنه لا يجوز نصبَ فسطاط كالسرادق والخيمة ونحو ذلك لأجل اجتماع الناس فيه للتعزية، ولا اتباع الجنازة بنار فإن ذلك من عوائد الجهال ومن لا دين لهم ومما نهى الشرع عنه وذم فاعله، ومع ذلك فلا تزال هذه العادة باقية عند الناس إلى الآن فلا حول ولا قوة إلا بالله)(5).
الدليل الثالث: استقراء حال السلف، بأنهم لم يكونوا يجلسون ويجتمعون للعزاء.
الدليل الرابع: أن الاجتماع للتعزية فيه تجديد للحزن، وإدامته، وهذا لا يجوز لأنه يخالف الحكمة من التعزية، وهي المواساة والتسلية، لا التذكير بالمصيبة، وتجديد الحزن.
__________
(1) أحكام الجنائز (ص:210).
(2) صحيح ابن ماجه (2/48).
(3) سنن ابن ماجه تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي بحاشية السندي (1/514)، تحت أثر جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - رقم الحديث(1612).
(4) أخرجه الإمام أحمد (2/292رقم 7896)، وأخرجه النسائي(4/40-41)، وأخرجه البيهقي(4/21 برقم6636).
(5) الفتح الرباني(8/6).(1/26)
الدليل الخامس: أن الاجتماع للتعزية يحصل فيه بدع ومخالفات شرعية،كصنع أهل الميت الطعام للناس، والنياحة، وغيرها وكل هذا محرم ولا يجوز.
مناقشة ما استدل به أصحاب القول الثاني من أدلة على منع الجلوس للتعزية:
مناقشة الدليل الأول:
أثر جرير بن عبدالله البجلي- رضي الله عنه - قال: ( كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة).
الحديث رواه هشيم، واشتهر عنه: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير - رضي الله عنه - (فذكره).
فقد رواه عنه سعيد بن منصور(1)، وشجاع بن مخلد أبو الفضل(2)، وسريج بن يونس(3)، والحسن بن عرفة(4).
__________
(1) ابن شعبة أبو عثمان الخرساني، قال الحافظ ابن حجر في التقريب (ص: 389رقم الترجمة2412):ثقة مصنف، وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به (ت227 هـ).
(2) الفلاس أبو الفضل، قال الحافظ ابن حجر في التقريب (ص:431رقم الترجمة2763): صدوق وهم في حديث واحد رفعه وهو موقوف، فذكره العقيلي بسببه في الضعفاء ( ت 235 هـ)، وقال عنه ابن معين أعرفه ليس به بأس، نعم الشيخ ثقة، وقال أبو زرعة: ثقة، وقال أحمد: كان ثقة. ( تهذيب التهذيب 4/284رقم الترجمة2843)، وقال في تحرير التقريب:بل ثقة (2/107برقم2748).
(3) ابن إبراهيم البغدادي أبو الحارث المروذي قال الحافظ ابن حجر في التقريب(ص:367رقم الترجمة2232):ثقة عابد(ت235).
(4) ابن يزيد العبدي أبو علي البغدادي قال الحافظ ابن حجر في التقريب(ص:239رقم الترجمة1265): صدوق (ت257هـ).(1/27)
فأما رواية سعيد بن منصور، وشجاع بن مخلد، فرواها عنهما ابن ماجه(1) قال: حدثنا محمد بن يحيى(2) قال: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هُشيم ح، وحدثنا شجاع بن مخلد أبو الفضل قال: حدثنا هُشيم،به.
وأما رواية سريج بن يونس، والحسن بن عرفة، فذكرها الدارقطني كما في العلل.
أربعتهم عنه عن إسمعيل بن أبي خالد(3)، عن قيس بن أبي حازم(4)، عن جرير بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه - قال:فذكره؛ واللفظ له.
فجميع هؤلاء رووا هذا الأثر عن هشيم بن بشير، وهشيم دلسه عن شريك بن عبدالله؛ فيؤل الحديث إلى رواية شريك، وهو المدار الأصلي للحديث.
وهُشيم هو ابن بشير بن القاسم بن دينار السُلمي، أبو معاوية بن أبي خازم الواسطي.
روى الحديث عن أبيه، وخاله القاسم بن مهران، وعبد الملك بن عمير، ويعلى بن عطاء، وعبدالعزيز بن صهيب، وسليمان التيمي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس وغيرهم كثير.
وروى عنه مالك بن أنس، وشعبة، والثوري، وابن المبارك، ووكيع، ويزيد بن هارون وغيرهم(5).
ثناء العلماء على هُشيم:
قال حماد بن زيد: ما رأيت أنبل في المحدثين من هُشيم(6).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز: باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام (1/514برقم1612)
(2) وهو ابن عبدالله بن خالد بن فارس بن ذؤيب، قال الحافظ ابن حجر في التقريب (ص:907رقم الترجمة 6427): ثقة حافظ جليل (ت258هـ).
(3) الأحمسي مولاهم البجلي، قال الحافظ ابن حجر في التقريب (ص:138رقم الترجمة442): ثقة ثبت (ت146هـ).
(4) البجلي أبو عبدالله الكوفي، قال الحافظ ابن حجر في التقريب (ص:803 رقم الترجمة5601): ثقة، مخضرم ويقال له رؤية، وهو الذي يقال: إنه اجتمع له أن يروي عن العشرة ( توفي بعد التسعين أو قبله).
(5) تهذيب الكمال (7/418رقم الترجمة7190)، تهذيب التهذيب(11/53).
(6) تهذيب التهذيب (11/ 54-56).(1/28)
وقال عبدالرحمن بن مهدي: كان هُشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري(2).
وقد سئل أبو زُرعة عن هُشيم، وجرير فقال: هُشيم أحفظ(2).
قال الخليلي:حافظ متقن تغير بآخر موته(2).
وذكره ابن حبان في الثقات(2). ووثقه غيرهم.
ما قاله العلماء عن تدليس هُشيم:
وقال العجلي: هُشيم واسطي ثقة، وكان يدلس(2).
وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتاً يدلس كثيراً(2).
وقال ابن حبان: كان مدلساً(2).
وقال أبو داود قيل ليحي بن معين في تساهل هُشيم فقال: ما أدراه ما يخرج من رأسه(1).
وقال الذهبي: إمام ثقة مدلِّس(2).
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت كثير التدليس، والإرسال الخفي(3).
خلاصة القول في هُشيم بن بشير ـ رحمه الله تعالى ـ :
خلاصة القول فيه ما قاله عنه الإمام الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ قال:( لا نزاع في أنه كان من الحفاظ الثقات، إلا أنه كثير التدليس فقد روى عن جماعة لم يسمع منهم) (4).
وقال الشيخ مسفر الدميني بعد ذكره لحال هُشيم قال:( مما تقدم نعلم أن هشيماً قد وقع في أنواع التدليس منها: الإسناد، والتسوية، والعطف، والشيوخ، كما أنه دلس عن بعض الضعفاء والمجهولين) (5).
ورواية هشيم عن شريك لا تصح فقد نفاها الإمام أحمد، قال أبو داود: ذكرت لأحمد حديث هُشيم عن إسماعيل عن قيس عن جرير - رضي الله عنه -: كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت، وصنيعة الطعام من أمر الجاهلية، قال: زعموا أنه سمعه من شريك، قال أحمد: ولا أرى لهذا الحديث أصلاً(1).
فالحديث من هذا الوجه لا يصح لوجود علة التدليس من هُشيم، ولأن هُشيم لم يصرح بالتحديث في شيء من طرق الحديث، إذن هذه علة في سند هذا الحديث ـ والله تعالى أعلم ـ(3)
__________
(1) تهذيب التهذيب (11/ 54-56).
(2) الكاشف (2/ 338 رقم الترجمة 5979).
(3) تقريب التهذيب (ص:1023رقم الترجمة 7362).
(4) تذكرة الحفاظ (1/183).
(5) التدليس في الحديث(ص:364).
(3) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني (ص:388برقم1867).
(2) حكم الحديث المدلس:لما كان في حديث المدلس شبهة وجود انقطاع بين المدلس ومن عنعن عنه، بحيث قد يكون الساقط شخصاً أو أكثر، وقد يكون ثقة أو ضعيفاً. فلما توافرت هذه الشبهة اقتضى ذلك الحكم بضعفه. وقال الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع:(الحديث إذا ثبت تدليس الراوي فيه فهو منقطع ضعيف)(تحرير علوم الحديث2/979).(1/29)
.
وأعله الدارقطني ( كذلك )، فقد سئل عن حديث قيس عن جرير- رضي الله عنه -:(كانوا يرون الاجتماع إلى أهل الميت، وصنع الطعام من النياحة)، فقال: يرويه هُشيم بن بشير واختلف عنه فرواه سريج بن يونس والحسن بن عرفة عن هُشيم عن إسماعيل عن قيس عن جرير، ورواه خالد بن القاسم المدائني. قيل: ثقة؟، قال: لا أضمن لك هذا، خرجوه عن هُشيم عن شريك عن إسماعيل، ورواه أيضا عباد بن العوام عن إسماعيل كذلك)(1).
فأعلَّ رواية هشيم عن شريك بن عبدالله، وعباد عن إسماعيل، وهذا الطريق أخرجه الطبراني(2) من طريق عباد بن العوام عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم قال : قال جرير بن عبدالله - رضي الله عنه -: يعددون الميت أو قال أهل الميت بعدما يدفن؟ شك إسماعيل. قلن: نعم. قال:(كنا نعدها النياحة). فهذا الأثر أعله الدارقطني كما سبق.
وأما رواية سريج بن يونس والحسن بن عرفة فهما روياها عن هشيم وقد سبق الكلام على رواية هشيم هذه.
أما شريك بن عبدالله فهو ابن أبي شُريك النخعي، أبو عبدالله الكوفي القاضي روى عن أبي إسحاق السبيعي، وإبراهيم بن جرير العجلي، وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم، وروى عنه ابن مهدي ووكيع ويحيى بن آدم، وهُشيم وغيرهم(3).
قال عنه ابن حجر في التقريب:( صدوق يخطيء كثيراً تغير حفظه منذ تولى القضاء بالكوفة)(4).
وقال صاحب التحرير:(وخلاصة القول فيه أنه يتعين تتبع ما توبع عليه، فإنه يخاف أن يكون ضعيفاً عند التفرد لسوء حفظه وغلطه، ولم يحتج له مسلم
وإنما أخرج له في المتابعات)(5).
__________
(1) الدارقطنى في العلل(4/ق89أ).
(2) المعجم الكبير(2/307برقم2278).
(3) تهذيب الكمال(3/383رقم الترجمة2722)، وتهذيب التهذيب(4/304رقم الترجمة2883).
(4) ص:436برقم2802).
(5) تحرير تقريب التهذيب(2/113برقم2787).(1/30)
وقد أخرج الأثر أيضاً الإمام أحمد في مسنده(2/204برقم6905)(1)، فرواه عن نصر بن باب(2)، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير بن عبدالله البجلي- رضي الله عنه - بلفظ:( كنا نعد...).
فسند هذا الأثر رواته ثقات، ما عدى نصر بن باب ، فهو كذاب.
قال عنه الإمام البخاري: يرمونه بالكذب(4).
وقال عنه ابن معين: ليس حديثه بشيء(3).
وقال عنه علي بن المديني: رميتُ حديثه(4).
وقال عنه أبو حاتم الرازي: متروك الحديث(4).
وقال عنه أبو خيثمة وهب بن حرب: كذاب(4).
فهذا السند (سند واهي) لأن فيه نصر بن باب الخرساني.
ووجه رواية الإمام أحمد بن حنبل عن نصر بن باب أنه كان يحتمل حديثه، قال عبدالله بن الإمام أحمد: قلت لأبي سمعت خيثمة يعني زهير بن علية يقول: نصر بن باب كذاب، فقال: إني أستغفر الله، كذاب؟! إنما عابوا عليه أنه حدث عن إبراهيم الصائغ، وإبراهيم من أهل بلده لا ينكر أن يكون سمع منه(4)؛ وهذا يفسر روايته للحديث في مسنده.
وأخرجه ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن طلحة، قال: قدم جرير - رضي الله عنه - على عمر - رضي الله عنه -، فقال: هل يناح قِبلكم على الميت؟ قال: لا؛ قال: فهل تجتمع النساء عندكم على الميت، ويطعم الطعام؟ قال : نعم؛ فقال: تلك النياحة)(5).
__________
(1) فائدة: الأثر لا يوجد في مسند جرير بن عبدالله - رضي الله عنه -، فالأثر داخل في مسند عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ، وذلك لأن الإمام أحمد لم يتصدر لتصنيف المسند، إنما وجد مفرقاً، وجمعه ابنه عبدالله.
(2) الخراساني أبو سهل المروزي (ت193تقريباً).( تعجيل المنفعة 2/305).
(3) تعجيل المنفعة (2/305-306).
(4) تعجيل المنفعة (2/306).
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الجنائز: باب في النياحة على الميت وما جاء فيه(3/263برقم7).
(5) تاريخ واسط(ص:126).(1/31)
فرواة إسناد هذا الأثر كلهم ثقات، ولكن طلحة بن مصرف لم يسمع من عمر- رضي الله عنه -، ولم يذكر له سماعاً من جرير- رضي الله عنه -.
وقد ورد هذا الأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما أورده أسلم بن سهل الواسطي في تاريخه قال: ثنا عبدالحميد، قال: أنا يزيد بن هارون، قال: أنا عمر أبو حفص الصيرفي وكان ثقة، قال: ثنا سيار أبو الحكم، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:(كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه من النياحة)(1).
وهذا الأثر لا يصلح أن يكون متابعة صحيحة لأثر جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - لأن سيار بن أبي سيار أبو الحكم البصري، واسمه وردان وقيل دينار؛ لم يلق عمر - رضي الله عنه -، بل ولا أحداً من الصحابة(2)، فالرجل تابع تابعي(ت122هـ)، فهذا الأثر منقطع(3).
فالأثر بطريقيه لا يصح، ويمكن أن يعود هذا الأثر المشهور عن جرير- رضي الله عنه - مع ضعفه إلى أثر عمر- رضي الله عنه - لو صح عنه، فيكون هذا رأياً لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، خالف فيه حديث عائشة الصحيح خاصة أن حديث عائشة نص على ذكر النساء.
خلاصة القول في أثر جرير بن عبدالله - رضي الله عنه -:
هذا الأثر ضعيف لا تقوم به حجة، وكذلك ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لا يصح. والله ـ تعالى ـ أعلم.
وعلى فرض صحة هذا الأثر فمعناه:
__________
(2) تهذيب التهذيب(4/264رقم الترجمة2813).
(3) والمنقطع نوع من أنواع الحديث الضعيف؛ عرفه الحاكم بقوله:( أن يكون في الإسناد رواية راوٍ لم يسمع من الذي يروي عنه الحديث، قبل الوصول إلى التابعي، الذي هو موضع الإرسال) (معرفة علوم الحديث ص:176).(1/32)
أنه مُنِعَ هذا الفعل بسبب النياحة التي هي من خصال الجاهلية التي قال عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب"(1)، فالنياحة على الميت من خصال الجاهلية؛ وصورة النياحة التي في وردت في أثر جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - هي ما جمعت أمرين:
أ- أن يكون هناك اجتماع للعزاء عند أهل الميت.
ب- أن يكون هناك صنع للطعام من أهل الميت لإكرام من يأتيهم من أضياف، ومن يجتمع عندهم، والنياحة تكون بكثرة من يمكث عندهم إظهاراً لمصيبة هذا الميت.
قال الإمام الشوكاني(ت1250هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عند قول جرير ابن عبدالله - رضي الله عنه - : " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت...الخ" قال:( يعني أنهم كانوا يعدون الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه، وأكل الطعام عندهم نوعًا من النياحة، لما في ذلك من التثقيل عليهم وشغلتهم مع ما هم فيه من شغلة الخاطر بموت الميت، وما فيه من مخالفة السنة لأنهم مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت طعامًا فخالفوا ذلك، وكلفوهم صنعة الطعام لغيرهم) (2).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين (ت1421هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عند حديثه عن حكم قصد التعزية والذهاب لأهل الميت في بيتهم(3):( الجلوس لاستقبال المعزين، وهذا لا أصل له، بل عده بعض السلف مع صنع الطعام من النياحة)(4).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب التشديد في النياحة (2/644رقم 934).
(2) نيل الأوطار(4/118).
(3) سيأتي مناقشة رأي الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في (ص:62-64).
(4) سبعون سؤالاً في أحكام الجنائز( ص:30).(1/33)
وهذا فقه حديث جرير بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه -.
أما الجلوس للتعزية فقط فهذا لا يُعلم أن أحداً من السلف قال: إنه من النياحة وحده، أو أنه نهي عنه، بل حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ حديث التلبينة ـ الذي استدل به أصحاب القول الأول يرده.
وهذا الأثر ـ على فرض صحته ـ معارض لما جاء عن عائشة ـ رضي الله عنهاـ؛ فإذا كان الصحابة مختلفين في هذا، فالأمر في ذلك لا يصل إلى حد البدعة والتحريم، ثم اختلاف الصحابة يوجب الرجوع إلى الكتاب والسنة.
مناقشة دليلهم الثاني: الحديث معلول، اختلف فيه، فقد روي عن أبي هريرة، ووقف على ابن أبي ذئب، وروي عن أبي سعيد الخدري، كما ذكر ذلك المزي في تهذيب الكمال(1).
أما ما قاله الشيخ أحمد البنا عند كلام أبي هريرة - رضي الله عنه - حينما قال:( لا تضربوا عليّ فُسطاطاً، و لا تتبعوني بمجمر..) فما فسره به الشيخ أحمد البنا فغير صحيح، والصحيح في معناها، أن بعض الناس كان يضرب على قبره فسطاطاً حتى يتم دفنه ثم ينزع، وهذا الفسطاط يقي من شدة حر الشمس، وقد فعله بعض السلف وكرهه بعضهم، ولكن لم يُرِدْ أبو هريرة - رضي الله عنه - هذا الفسطاط الذي يوضع على القبر، وإن كان الأقرب جوازه للحاجة لاتقاء شدة الحر.
وقد بوب البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه: باب الجريد على القبر، ثم أورد أثراً عن عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه رأى فسطاطاً على قبر عبدالرحمن فقال:(انزعه يا غلام، فإنما يظله عمله)(2).
فذكر البخاري له في هذا الباب مما يدل عليه أنه عند القبر، وليس في أماكن التعزية، ولهذا المعنى أشار الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في الفتح(3).
مناقشة دليلهم الثالث: ما استدلوا به من استقراء حال السلف، بأنهم لم يكونوا يجتمعون للعزاء، فهذا الاستقراء فيما يظهر مردود من وجوه:
__________
(1) تهذيب الكمال(4/479رقم الترجمة3958).
(2) أخرجه البخاري معلقاً (الفتح3/587).
(3) فتح الباري(3/588).(1/34)
أ- ما استدل به أصحاب القول الأول من أدلة وآثر تدل على جواز الجلوس، ومنها حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ:(أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها ...)(1).
فدلت الأحاديث والآثار على أن السلف كانوا لا يرون بأساً في الاجتماع.
ومما يدل على اجتماع السلف ما ذكره ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في ترجمة عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة الكوفي المسعودي (ت65هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ من قول أبي النضر هاشم بن القاسم أنه قال: إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه المسعودي، كنا عنده وهو يُعزى في ابن له إذ جاءه إنسان فقال له: إن غلامك أخذ من مالك عشرة آلف وهرب، ففزع وقام فدخل في منزله ثم خرج إلينا وقد اختلط)(2).
فهذا أبو النضر يذكر أنهم كانوا عند المسعودي وهو يُعزى في ابن له، مما يدل أن السلف كانوا يجتمعون، وليس فيه بأس.
وأما قيامه ودخوله إلى منزله، فقد يقول قائل إن الاجتماع لم يكن في البيت، مما يدل على أنهم لا يجتمعون للعزاء؛ فسأبينه في النقطة التالية من وصف بيوتات السلف ـ رحمهم الله تعالى ـ.
ب- هل للسلف ـ رحمهم الله تعالى ـ أن يجتمعوا في بيوتهم ومنازلهم إذا علمنا صغرها الشديد؟! فما كان يعرف عن السلف ـ رحمهم الله تعالى ـ كبر منازلهم.
__________
(1) سبق تخريجه(ص:14).
(2) تهذيب التهذيب (6/192رقم الترجمة4059).(1/35)
وحسبك مثالاً بيت محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كان بيته حجرة واحدة - صلى الله عليه وسلم - فعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:( بِئسما عَدَلْتُمُونَا بالكلب والحمار لقد رأَيتُني ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي وأنا مضطجعة بينه وبينَ القبلة فإذا أراد أن يسجد غمزَ رجلَيَّ فقبضتُهُما)(1).
فهذا بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مثالاً لتقيس عليه ـ ولو على وجه التقرب ـ باقي منازل الناس في تلك الأزمان.
ج- أن السلف ـ رحمهم الله تعالى ـ كانوا يسكنون في قرى، ومدن صغيرة متقاربة، يمكن معها مقابلة المصاب، ولقياه سهلة متيسرة، فإن لم يوجد في بيته وجد في مسجد قريته الوحيد، وإذا لم يجده في مسجده وجده في السوق الوحيد وهكذا؛ لكن هل ينضبط هذا في زماننا هذا لمن أراد الوصول للتعزية، وللمواساة؟!
وأنت ترى ترامي أطراف الديار، وكبرها، وكثرة مساجدها وأسواقها، فإذا أردت تعزيته فليس لك إلا لقياه في بيته، أو في المكان الذي يجلس فيه عادة، فإذا لم تجده فإنه يصعب عليك بعد ذلك لقياه وتعزيته، بل كيف تعزي أهل المصاب إذا كانوا كثير، والبيوت متباعدة، والدور متباينة، والأعمال متفرقة والأسواق كثيرة، والأوقات ضيقة؟
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة: باب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد؟ (الفتح2/179برقم519)، وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة: باب من قال المرأة لا تقطع الصلاة(1/272برقم712).(1/36)
إذن فعلى قول من يقول بكراهة الجلوس، أو عدم مشروعيته، إذا أراد أن يعزي أهل المصاب، فما عليه إلا أن يفرغ من وقته أياماً، ويترك بعض أعماله، لكي يقابل هذا في عمله، وهذا في سوقه، وهذا في متجره، وهذا في مسجده. وهذا لا يمكن، ولا يتيسر، وفيه مشقة على العبد، والشريعة جاءت لنفي الحرج، ورفع المشقة، واليسر والسهولة، قال الله تعالى: { ???????? ?????? ?????? ?????????? ????? ???????? ?????? ?????????? } (1)، وقال - عز وجل -: { ????? ?????? ?????????? ? ????????? ???? ??????? } (2).
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي(ت1376هـ) في منظومته(3):
ومن قواعد الشريعة التيسيرُ في كلِّ أمرٍ نابه تعسيرُ
قال ـ رحمه الله تعالى ـ في شرحه لهذا البيت: (ومن التخفيفات أيضاً: أعذار الجمعة والجماعة، وتعجيل الزكاة، والتخفيفات في العبادات، والمعاملات، والمناكحات، والجنايات)(4).
فلا حلَّ هنا إلا أن يجتمع أهل المصاب ليعزيهم أحبابهم، والناس الراغبون في الأجر، ومواساة المصاب، ثم ينصرفون إلى شأنهم.
وقد سبق نقل الجواز في ذلك من كلام العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ.
د- عدم نقل اجتماعهم إلينا لا يدل على عدم حصوله، بل يحتمل حصوله ولم ينقل ـ هذا إذا سلمنا أنه لم يرد عن السلف مع أنه وارد ـ.
هـ- ما عُرف عن مواساة السلف لبعضهم، وتكافلهم ومواقفهم المشرفة، يلزم منه وقوفهم بجانب أهل المتوفى في أحرج المواقف لتصبيره، ومواساته، فهذا خلقهم الكريم.
ولا أدل على ذلك من تزاحمهم على بيت عمر - رضي الله عنه - بعد إصابته، وقبل موته، وبعد موته حتى دفنه - رضي الله عنه - وتعزية ابنه وأم المؤمنين حفصة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ؛ أفلا يقبلون لتسلية أخيهم المصاب؟! فهذا واقعهم ولو لم ينقل إلينا.
__________
(1) سورة البقرة آية:185.
(2) سورة الحج آية: 78.
(3) رسالة في القواعد الفقهية (ص: 24).
(4) رسالة في القواعد الفقهية (ص: 25).(1/37)
وقد يقول قائل ويحتج محتج بأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لم ينقل عنهم أنهم اجتمعوا بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فالجواب عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات كانت مصيبته على جميع المسلمين، وفي كل بيت، فكل بيت له مكان عزاء - صلى الله عليه وسلم -، وكل شخص مصاب ويستحق العزاء، ولهذا لم يجتمعوا.
وهذا ظاهر فعندما يموت عظيم من عظماء هذه الأمة، فإن مصابه في كل بيت، فهؤلاء العظماء والعلماء والمجاهدون يموتون فتكون مصيبتهم في كل بيت، ويعزي المسلمون بعضهم بعضاً على ذلك الفقيد.
أما الإنسان العادي فعزاؤه يدخل بيت أهله فقط، لأنهم من أصيب به فقط.
ولا أدل على ذلك من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:( لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، ولما نفضنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا)(1).
فهذا أنس بن مالك - رضي الله عنه - يصف حال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من شدة حزنهم وفقدهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكل البيوت لفقد النبي - صلى الله عليه وسلم - مكان للعزاء.
مناقشة دليلهم الرابع:
ما استدلوا به من أن الاجتماع للتعزية فيه تجديد للحزن، وإدامته، وهذا لا يجوز لأنه يخالف الحكمة من التعزية، وهي المواساة والتسلية، لا التذكير بالمصيبة، وتجديد الحزن.
__________
(1) أخرجه الدارمي في المقدمة: باب في وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -(ص:56برقم89)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز: باب ذكر وفاته ودفنه - صلى الله عليه وسلم - (1/522برقم1631)، وأخرجه الترمذي في كتاب المناقب: باب مناقب النبي - صلى الله عليه وسلم - واللفظ له وقال:حديث غريب صحيح(5/588برقم3618)، وصححه الألباني كما في صحيح ابن ماجه (2/54برقم1332)، وسنن الترمذي(ص:823 برقم3618).(1/38)
فالجواب عنه ما يلي: ليُعلم أن التعزية ما شرعت إلا لمواساة المصاب، وإذهاب الحزن عنه، وتسليته مما هو فيه، وقد سبق الحديث في مبحث (مشروعية التعزية وفضلها والحكمة منها) ما يكفي ويشفي، ويبين الحكمة من التعزية، فإذا كان غير ذلك فلا أحد يقول بجواز هذا الفعل، لأن الشريعة جاءت بالائتلاف والاعتصام والمحبة(1)، وهذه من أعظم ما امتن الله به على عباده قال - عز وجل -: { ?????????? ???????? ??????????????? ???? ??????????? ??? ? ??????????? ????????? ????? ??????????? ???????? ?????????????? ??????????? ?????? ???????? ????????????? ????????? ??????? ??????? ???? } (2)، ومن أعظم صفات أهل الإيمان الحب والموالاة للمؤمنين، والبغض والبراءة من الكافرين، ولا يكون الحب والموالاة إلا بالائتلاف وكون أهل الإسلام جسداً واحداً، يرأف بعضهم ببعض، ويرحم بعضهم بعضاً، قال - عز وجل -: { ??????????? ???????? ??????? ???????????? ???????? ???????????? ????? ???????????? ?????????? ????????????? } (3).
فإن من أساسات الرحمة والمحبة بين المسلمين سرور تدخله على قلب أخيك المسلم، بل هو من أعظم القرب التي يتقرب بها العبد إلى الله ـ تعالى ـ في تعامله مع المسلمين؛ لا إدخال الحزن والهم عليه، فإذا كان الجلوس لتجديد الحزن، فلا يقول أحد بجوازه، لعدم موافقته لأصول هذه الشريعة المحمدية.
قال الشيخ محمد بن محمد المنبجي الحنبلي (ت785هـ):( إن كان الاجتماع فيه موعظة للمعزي بالصبر والرضا وحصل له من الهيئة الاجتماعية تسلية بتذاكرهم آيات الصبر، وأحاديث الصبر والرضا فلا بأس بالاجتماع على هذه الصفة، فإن التعزية سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -..)(4).
__________
(1) كما بينته في المقدمة (ص:7-8).
(2) سورة الأنفال آية:63.
(3) سورة الفتح آية:29.
(4) تسلية أهل المصائب (ص:167-168).(1/39)
بل من كان يحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فعليه أن يأتي الناس بما يحب أن يأتوه به، فهم في هذا الموطن يحبون أن يأتي إليهم الناس معزين ومواسين، لا شامتين ومجددي محزنة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ يرفعه "فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ "(1).
قال الإمام النووي (ت676هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ شارحاً ومعلقاً على قوله - صلى الله عليه وسلم - " وَلْيَأْتِ إلى النَّاسِ الذي يُحِبُّ أن يُؤْتَى إليه":( هذا من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - وبديع حكمه، وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها، وأن الإنسان يلزم ألاَّ يفعل مع الناس إلا ما يحب أن يفعلوه معه)(2).
مناقشة دليلهم الخامس:
ما استدلوا به على أن الاجتماع للتعزية يحصل فيه بدع ومخالفات شرعية،كصنع الطعام من أهل الميت للناس، والنياحة، وغيرها وكل هذا محرم ولا يجوز.
فالجواب عنه: أنه إذا وجد المنكر في أي مكان كان، سواءً كان في مجلس التعزية أو غيره، فإنه لا يجوز الجلوس فيه بعد النكير على أهل المنكر، وذلك متقرر بقوله تعالى: { ??????? ???????? ?????????? ? ????????????? ????? ?????? ??????????? ?????????? ?????? ???????? ????? ???????????????? ????? ?????? ????????????? ???????? ??????? ???????????? ? ??????? ????????????? ?????????? ?????? ???????????????? ?????? ?????? ???????? ?????????????????? ????????????????? ? ????????? ????????? ????? } (3).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة: باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (3/1472-473 برقم1844).
(2) شرح مسلم للنووي (12/323).
(3) سورة النساء آية: 140.(1/40)
قال الإمام القرطبي عند قوله - عز وجل -: { ?????????? ?????? ???????????????? } :( فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم، يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية، وعملوا بها؛ فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية)(1).
وقال أيضاً: ( وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى)(2).
قال الإمام ابن الجوزي(ت597هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( وقد نبهت الآية عن التحذير من مجالسة العصاة؛ قال إبراهيم النخعي: إن الرجل ليجلس في المجلس فيتكلم بالكلمة، فيرضى الله بها، فتصيبه الرحمة، فتعم من حوله؛ وإن الرجل ليجلس في المجلس فيتكلم بالكلمة، فيسخط الله بها، فيصيبه السخط، فيعم من حوله)(3).
قال الإمام النووي(ت 676هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عند حديثه عن الجلوس للتعزية، وبعد نقله لرأي مذهب الشافعية القائلين بالكراهة:( وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة كما هو الغالب منها في العادة كان ذلك حراماً من قبائح المحرمات فإنه محدث، وثبت في الحديث الصحيح:" إن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة")(4).
فيحرم بعد هذا البيان الجلوس في أي مجلس يُعصى الله تعالى فيه، سواءً كان مجلس تعزية أو غيره، ويجب تذكير من فيه بالله - عز وجل -، وتخويفهم به، فإن أبوا فلا يجالسون، والتعامل مع أهل البدع أشد من التعامل مع أهل المعاصي، لأن أهل البدع أخطر على المسلم من أهل المعاصي.
قال الإمام أبو محمد البربهاري:(وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذره وعرفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه، فإنّه صاحب هوى)(5).
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/268).
(2) الجامع لأحكام القرآن (5/268).
(3) زاد المسير(2/228-229).
(4) الأذكار (ص:160).
(5) شرح السنة للبربهاري (ص: 44).(1/41)
وأما ما نقل عن العلماء من منع الجلوس للتعزية، فالجواب عن ذلك ما يلي(1):
1- أما ما جاء عن الإمام الشافعي (ت204هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه الأم(2):( وأكره المآتم، وهو الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر).
فالجواب عنه: أن الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ حدد المآتم لما فيها من تجديد الحزن، ولا خلاف في تحريم المآتم، واستند أيضاً على أثر جرير بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه - الذي سبق تحريره(3)، وقد رأيتَ أن الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، ولو صح فقد تم بيان فقهه.
2- وأما استدلالهم بجواب الإمام أحمد بن حنبل(ت241هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عندما سئل عن أولياء الميت يقعدون في المسجد يعزون؟ فقال:(أما أنا فلا يعجبني أخشى أن يكون تعظيماً للميت أو قال للموت)(4).
__________
(1) لعل من ينظر إلى ما سطرناه، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمناه، يلحق سيء الظن بنا، ويرى أنا عمدنا للطعن على من تقدمنا، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا، وعلماء سلفنا، وأنى يكون ذلك، وبهم ذكرنا، وبشعاع ضيائهم تبصرنا، وباقتفائنا واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا، وما مثلهم ومثلنا، إلا ما ذكر أبو عمرو ابن العلاء:( ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال).مقتبس من كلام الخطيب البغدادي ـ رحمه الله تعالى ـ في "الموضح (1/5) ".
(2) 1/248).
(3) تحرير حديث جرير بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه - (ص:35ـ 45).
(4) مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني (ص:138 ـ 139).(1/42)
فالجواب عنه: أنه يظهر من كلام الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ أنه لم يقل بتحريمه، ولا حتى منعه، وسبب خوفه منه هو ما بينه بقوله: (أخشى أن يكون تعظيماً للميت أو قال للموت) فالذي لم يعجبه في الجلوس هي العلة التي ذكرها، لا الجلوس نفسه؛ ولأنه ـ رحمه الله تعالى ـ رخص في الجلوس في غير موضع كما ذكره عنه الخلال وغيره)(1).
3- وأما قول الإمام الشيرازي ـ رحمه الله تعالى ـ في المهذب في ( باب: التعزية، والبكاء على الميت): ( فصل في الجلُوس للتعزية: ويكره الجلوس للتعزية؛ لان ذلك محدث، والمحدث بدعة)(2).
فالجواب عنه: بأن كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ مردود بحديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ في الصحيحين المتقدم وفيه: (أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء)(3)، ومعلوم أن الناس عند اجتماعهم لا يقصدون بذلك عبادة يتقربون بها إلى الله تعالى لا بد من الإتيان بها، وإذا لم يأتي بها الشخص فإنه آثم.
وأما قوله محدث، والمحدث بدعة، فكيف يكون هذا العمل بدعة وقد ورد عن السلف فعله، كما في حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنهاـ، لكن لعل الإمام الشيرازي يريد بقوله محدث إذا أضيف إليه أمر مبتدع، كما فهم ذلك الإمام النووي وذكره بقوله(4):( وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة كما هو الغالب منها في العادة كان ذلك حراماً من قبائح المحرمات فإنه محدث، وثبت في الحديث الصحيح:" إن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة").
__________
(1) الإنصاف (2/396).
(2) من المجموع شرح المهذب (5/275).
(3) سبق تخريجه (ص:14).
(4) الأذكار(ص:160).(1/43)
4- وأما قول النووي(ت676هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ(1):( قال الشافعي وأصحابنا ـ رحمهم الله تعالى ـ يكرهون الجلوس للتعزية، قالوا: يعني بالجلوس أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملي، ونقله عن نص الشافعي - رضي الله عنه -، وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة كما هو الغالب منها في العادة كان ذلك حراماً من قبائح المحرمات فإنه محدث، وثبت في الحديث الصحيح:" إن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة").
فأقول: يظهر من نقل النووي ـ رحمه الله تعالى ـ أنه يحرر قول المذهب أما رأيه هو فقد بينه بقوله:( وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر)، وقوله بالكراهة لعل سببه هو ما حصل في عصره من تجاوزات الناس في الجلوس من الإتيان بالمنكرات والبدع وهذا ظاهر جلي من قوله ـ رحمه الله ـ:(كما هو الغالب منها في العادة)، أي في عادة الناس في عصر كما يفهم من السياق.
5- وأما قول الإمام ابن قدامة(ت620هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( قال أبو الخطاب: يكره الجلوس للتعزية، وقال ابن عقيل: يكره الاجتماع بعد خروج الروح لأن فيه تهييجاً للحزن، وقال أحمد: أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعزِ، فيعزى إذا دفن الميت، أو قبل أن يدفن)(2).
فالجواب عنه: أن ما نقله ابن قدامة ـ رحمه الله تعالى ـ فهو يدور حول قضية تهييج الأحزان، وتذكيراً بالمصاب، وقد جليت ذلك عند الإجابة على الاستدلال بأن الجلوس للتعزية فيه تجدد الحزن، وإدامته(3).
__________
(1) المصدر السابق.
(2) المغني (2 /342).
(3) ص:51-53).(1/44)
6- وأما قول الإمام المرداوي(ت885هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:( ويكره الجلوس لها، هذا المذهب وعليه أكثر أصحابنا ونص عليه، قال في الفروع: اختاره الأكثر، قال في مجمع البحرين: هذا اختيار أصحابنا)، ونقل أيضاً فقال:(قال الخلال: سهل الإمام أحمد في الجلوس إليهم في غير موضع، وعنه الرخصة لأهل الميت نقله حنبل، واختاره المجد، وعنه الرخصة لأهل الميت ولغيرهم، خوف شدة الجزع. وقال أحمد: أما والميت عندهم: فأكرهه)(1).
فيظهر من هذا الكلام أن مسألة الجلوس الخالي من المنكر وتهييج الأحزان مسألة دار فيها الخلاف، فهي محل نظر، أي الأمر فيها واسع فكيف يضيق على الناس، ويحرج عليهم في مسألة خلافية، فمسألة فيها خلاف بين العلماء كيف يحكم عليها بأنها بدعة؟! والله المستعان.
7- وأما قول الإمام الطرطوشي(ت530هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:(قال علماؤنَا المالكيون: التصدي للعزاء بدعةٌ ومكروه، فأَما إن قعد في بيته أَو في المسجد محزوناً من غير أن يتصدى للعزاء؛ فلا بأس به، فإنه لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - نعيُّ جعفر؛ جلس في المسجد محزوناً، وعزاه الناس)(2).
قلت: أما قوله ـ رحمه الله تعالى ـ:( التصدي للعزاء بدعةٌ ومكروه) فيُرد على هذا القول بالأدلة والآثار الصحيحة التي استدل بها أصحاب القول الأول.
وأما قوله:( فصل المآتم: فأَما المآتم؛ فممنوعة بإجماع العلماء: قال الشافعي:(وأَكره المآتم، وهو اجتماع الرجال والنساء، لما فيه من تجديد الحزن).
والمأتمُ: هو الاجتماع في الصُّبْحَة، وهو بدعة منكرة لم يُنقل فيه شيء.
وكذلك ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والسابع و الشهر والسنة، فهو طامة(3).
قلت: أما المآتم، والاجتماع في المقبرة، وتجديد الحزن فهذا لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في الجلوس للتعزية عند أهل الميت بدون تسخط وجزع ونياحة.
__________
(1) الإنصاف (2/396).
(2) الحوادث والبدع ( ص:170).
(3) الحوادث والبدع ( ص:175).(1/45)
ومعنى الصُّبْحَة التي قال عنها الإمام الطرطوشي:( أنها بدعة منكرة لم ينقل فيها شيء).
هي:(تبكيرهم إلى قبر ميِّتهم الذي دفنوه بالأمس، هم وأقاربهم ومعارفهم، ومن فرش البسط وغيرها في التربة لمن يأتي إلى الصُّبْحَة وغيرها)(1).
8- وأما قول الإمام ابن القيم (ت 751هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ:(وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تعزيةُ أهلِ الميت، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء، و يقرأ له القرآن، لا عند قبره و لا غيره، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة)(2).
فأقول: كلام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ واضح فيمن اجتمع للتعزية وجمع مع الجلوس أمراً غير مشروع، بل هو من البدع المحدثة وهو الاجتماع لقراءة القرآن الكريم للميت، فجيء بعبادة في موضع لم يرد عن الشارع الحكيم أمراً بفعلها، ومعلوم أن الأصل في العبادات الحضر والمنع حتى يرد الدليل من الشارع(3)، ولا دليل هنا، أما من حمل كلام ابن القيم على الجلوس ذاته فلا يسلم له.
__________
(1) أحكام الجنائز للألباني (ص:322-323)، وكتاب إصلاح المساجد عن البدع والعوائد للإمام القاسمي (ص:270-271).
(2) زاد المعاد (1/527).
(3) وهذه القاعدة متقررة عند علمائنا ـ رحمهم الله تعالى ـ قال الشاطبي في الاعتصام (1/45):( وهذا أصل في أن الأصل في العبادات المنع والحظر)؛ وقد قررها الإمام السعدي في منظومته بقوله:
وليس مشروعاً من الأمور غير الذي في شرعنا مذكور
قال الشيخ السعدي:"وهذان الأصلان ذكرهما شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتبه وذكر أن الأصل الذي بنى عليه الإمام أحمد مذهبه: أن العادات الأصل فيها الإباحة، فلا يحرم منها إلا ما ورد تحريمه، وأن الأصل في العبادات أنه لا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله) رسالة في القواعد الفقهية( ص:31).(1/46)
9- وأما قول الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في مسألة قصد التعزية، والذهاب إلى أهل الميت في بيتهم قال:( هذا ليس له أصل من السنة، ولكن إذا كان الإنسان قريبا لك وتخشى أن يكون من القطيعة ألا تذهب ولكن بالنسبة لأهل الميت لا يشرع لهم الاجتماع في البيت، وتلقي المعزين لأن هذا عده بعض السلف من النياحة، وإنما يغلقون البيت، ومن صادفهم في السوق أو في المسجد عزاهم.
فهاهنا أمران:
الأول: الذهاب إلى أهل الميت، وهذا ليس بمشروع اللهم إلا كما قلت إذا كان من الأقارب ويخشى أن يكون ترك ذلك قطيعة.
الثاني: الجلوس لاستقبال المعزين. وهذا لا أصل له، بل عده بعض السلف مع صنع الطعام من النياحة )(1).
قلت: يظهر من تتبع كلام الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ أن سبب منعه للجلوس يظهر من أنه يعتمد على حديث جرير المشهور، مع الاعتماد على الاستقراء الذي ظهر له بأن السلف لم يكونوا يجتمعون.
وأما حديث جرير فقد ظهر ضعفه، وقد فقهه الشيخ ابن عثيمين ـ لأنه يرى صحته ـ ويظهر ذلك من قوله في آخر كلامه السابق بقوله:(الثاني: الجلوس لاستقبال المعزين. وهذا لا أصل له، بل عده بعض السلف مع صنع الطعام من النياحة)، فإذا كان الاجتماع لوحده فهل يقال بأنه لا يجوز؟!.
ويرد ما ذهب إليه من قوله ـ رحمه الله تعالى ـ: (وهذا لا أصل له) حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: (أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها ...)(2)، وغيره من الأدلة مما استدل به أصحاب القول الأول.
وأما استقراء حال السلف فقد وضحته فيما سبق(3).
وأما قول الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ :( وإنما يغلقون البيت، ومن صادفهم في السوق أو في المسجد عزاهم).
__________
(1) سبعون سؤالاً في أحكام الجنائز (ص:30).
(2) سبق تخريجه(ص:14).
(3) ص:46-51).(1/47)
فالسؤال هنا كيف يُعزى من لا يستطيع الخروج من المنزل من النساء، والأطفال، وكبار السن الذين لا يستطيعون الخروج من البيت، ولا يذهبون إلى مسجد أو سوق؟ بل قد يكون مواساة هؤلاء الضعفة أولى من مواسات غيرهم لشدة حاجتهم إلى التعزية والمواساة.
ويظهر أن الاجتماع المعتاد عند بعض الناس اليوم، ليس فيه محذور من الناحية الشرعية، فالأمر لا يعدو أن يكون جلوساً يسلي الأقارب فيه بعضهم بعضاً، ويتناسون فيه المصيبة، ويتسنى باجتماع الأقارب والأرحام أن يعزيهم الناس من غير كلفة ومشقة، لا على أهل المصاب، ولا المعزين، بل يظهر أن أكثر من يعزي لا يجلس ويبقى للتعزية، بل يعزي ويخرج ولا يطيل المكث.
الراجح في هذه المسألة:
الذي ترجح لي في هذه المسألة هو القول الأول، فلا بأس بالجلوس لاستقبال المعزين وذلك بشروط:
أن يخلو المجلس من المنكرات، والبدع.
ألاَّ يكون فيه تجديد للحزن، وإدامة له.
ألاَّ يكون فيه تكلفة مالية على أهل الميت، وإثقال عليهم.
د- ألاَّ يصاحب الجلوس نياحة، أو تسخط، أو جزع.
هـ- ألاَّ يطيل المعزي المكث عند أهل الميت، حتى لا يفضي ذلك إلى الإثقال عليهم.
ألا يكون في جلوسه تضييع لمصالحه الشخصية، أو لمصالح المسلمين.
فإذا كان مجلس العزاء خالياً من هذه المحاذير فالجلوس فيه مباحٌ لا بأس به. والله ـ تعالى ـ أعلم.
1- مسألة: حكم إطالة المكث من بعض المعزين عند أهل الميت(1).
بعض الناس يأتي ليعزي أهل الميت، فيحمله الشفقة عليهم، أو يدفعه حب الوقوف بجانب أهل الميت لكي يستقبل معهم من يعزي، فهذا الأمر لا يخلو من أن يكون بقاء هذا الشخص فيه تسلية لأهل الميت، فلا بأس ببقائه؛ وأما إن كان في وجوده إثقال على أهل الميت، فهذا العمل لا يجوز، لما فيه من إيذاء لهم، وإثقال عليهم.
__________
(1) قد ذكرت هذه المسألة ضمن شروط جواز الجلوس(ص:65)، وأقد أفردتها هنا لأهميتها.(1/48)
وقد يكون بقاء بعض الناس، وجلوسه فيه تضييع لمصالحه الشخصية، أو لمصالح المسلمين فهذا الجلوس لا يجوز. والله ـ تعالى ـ أعلم.
2- مسألة: حكم ما لو اتفق جماعة ممن يريدون التعزية أن يذهبوا سوياً لأهل العزاء.
الذي يظهر من استقراء النصوص أنه ليس في ذلك بأس، بل إنه أفضل للمعزِّي والمُعزَّى، فإنه مما يعين المُعزِّي، ولا يتعب المُعزَّى، وهو من التعاون على البر والتقوى.
ومما يدل على ذلك ما جاء من حديث بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعهد الأنصار، ويعودهم، ويسأل عنهم، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة من الأنصار مات ابنها فجزعت، فقام إليها ومعه أصحابه يعزيها فقال:" أما إنه بلغني أنك جزعت"، قالت: مالي لا أجزع وأنا رقوب لا يعيش لي ولد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" الرقوب الذي يبقى ولدها" ثم قال:" ما من امرئ أو امرأة مسلمة يموت لها ثلاثة أولاد إلا أدخلهم الله بهم الجنة"، فقال عمر - رضي الله عنه -: يا رسول الله بأبي أنت وأمي واثنان، قال:" وإثنان"(1).
فدل الحديث على أن الاجتماع للذهاب للتعزية لا بأس به، ولو كان فيه ما يمنع ذلك لما ذهب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - معه، ولما أذن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذهاب معه، ومتقرر عند الفقهاء أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
ومما يدل على ذلك أيضاً فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أرسلت له ابنته، فكان يكفي أن يذهب لها لوحده، لكنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ معه أسامة، ومعاذ، وأبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، مما يدل على أن ذلك الأمر واسع.
__________
(1) أخرجه الحاكم (1/483) ووافقه الذهبي وقال:(صحيح الإسناد)، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان(7/136)، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد(3/8) وقال أخرجه البزار وقال:(رجاله رجال الصحيح).(1/49)
فعن أسامة - رضي الله عنه - قال كان ابن لبعض بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي فأرسلت إليه أن يأتيها فأرسل"إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" فأرسلت إليه فأقسمت عليه فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقمت معه، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبي ونفسه تقعقع في صدره، حسبته قال: كأنها في شنة فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،فقال: سعد بن عبادة - رضي الله عنه - أتبكي فقال:" إنما يرحم الله من عباده الرحماء"(1).
وكذلك لم يرد دليل على المنع من ذلك، فتبقى المسألة على الأصل وهو جواز ذلك الفعل حتى يدل الدليل على منعه.
لأن الأصل في العادات الإباحة حتى يأتي الدليل بالمنع، كما سبق تقرير ذلك(2).
ثبت المراجع والمصادر(3)
القرآن الكريم.
أحكام الجنائز وبدعها_للإمام الألباني(ت 1420هـ)_ ط1_1412هـ _ مكتبة المعارف بالرياض _ السعودية.
الأذكار من كلام سيد الأبرار_للإمام النووي(ت676هـ)_ط3_ 1419هـ_ مؤسسة الكتب الثقافية_ببيروت_لبنان.
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل_للشيخ محمد ناصر الدين الألباني _ط2_1405هـ_ المكتب الإسلامي_بيروت_ لبنان.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد: باب قوله تعالى: { ????? ????????? ?????? ????? ????????? ??????????????? ???????????? ?????????? ??????? ??????????????? ????????????? } (الفتح15/307برقم7377)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب البكاء على الميت(2/635 برقم923)، وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب في البكاء على الميت(3/251 برقم3125)، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز: باب الأمر بالاحتساب والصبر على المصيبة(4/321-322برقم1867).
(2) ص:18-22).
(3) مرتبة على حروف المعجم.(1/50)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب _ للإمام أبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي (ت463هـ)_ تحقيق: الشيخ علي محمد معوض، والشيخ عادل عبدالموجود_ط1_1415هـ _دار الكتب العلمية _ بيروت _ لبنان، توزيع مكتبة دار الباز _ مكة المكرمة _ السعودية.
إكمال إكمال المعلم _للإمام محمد بن خليفة الوستاني الأبي(ت827-828هـ)_ضبطه: محمد سالم هاشم_ط1_1415هـ_دار الكتب العلمية_بيروت_ لبنان.
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف _ لأبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت885هـ)_ط1_ 1419هـ _دار إحياء التراث العربي _ بيروت _ لبنان.
الأم _ للإمام محمد بن إدريس الشافعي(ت204هـ)_ ط2_1393هـ_ دار المعرفة_ بيروت_ لبنان.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع_ للإمام أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي(ت587هـ)_ تحقيق:محمد عدنان ياسين_ط3_1421هـ_ دار إحياء التراث العربي _ ببيروت _ لبنان.
تاريخ واسط_ للإمام أسلم بن سهل الرزاز الواسطي المعروف ببحشل (ت292هـ)_تحقيق:كوركيس عواد_ط1_1406هـ_عالم الكتب_ بيروت_لبنان.
تحرير تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر(ت852هـ)_ د.بشار عواد، والشيخ شعيب الأرناؤوط_ط1_1417هـ_مؤسسة الرسالة_ بيروت_ لبنان.
تحرير علوم الحديث_للشيخ عبدالله الجديع_ط1_1424هـ_مؤسسة الريان_ بيروت _ لبنان.
التدليس في الحديث حقيقته وأقسامه وأحكامه ومراتبه والموصوفون به_ د.مسفر بن غرم الله الدميني_ط1_1412هـ.
تذكرة الحفاظ _ للإمام أبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي(ت748هـ)_ وضع حواشيه: زكريا عميرات_ ط1_1419هـ_ دار الكتب العلمية_ بيروت _ لبنان.
تسلية أهل المصائب _ لأبي عبدالله محمد المنبجي (ت785هـ)_تحقيق: بشير محمد عيون_ط3_1413هـ_مكتبة دار البيان_دمشق _سوريا.
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة_ للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)_تحقيق: د. إكرام الله إمداد الحق _ط1_ 1416هـ_ دار البشائر الإسلامية _ بيروت _ لبنان.(1/51)
تقريب التهذيب _ للحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)_ ط1_1418هـ_دار العاصمة_ الرياض _السعودية.
تهذيب التهذيب_للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني(ت852هـ)_ط1_ 1412هـ _ دار الكتب العلمية _ بيروت _ لبنان.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال_للحافظ جمال الدين يوسف المزي_ تحقيق: د.بشار عواد معروف_ط1_1418هـ_ مؤسسة الرسالة _ بيروت _ لبنان.
تيسير علم أصول الفقه_ للشيخ عبدالله الجديع _ط1_1418هـ_ مؤسسة الريان_ بيروت_لبنان.
الجامع لأحكام القرآن_ لأبي عبدالله بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت671هـ) _1413هـ_ دار الكتب العلمية_ بيروت _ لبنان.
حاشية على شرح الدرديري لمختصر خليل ( حاشية الدسوقي) _ لمحمد بن أحمد عرفة الدسوقي المالكي(ت1230هـ)_ تحقيق: محمد عليش_ دار الفكر_ بيروت_لبنان.
الحوادث والبدع_ لأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي(ت530هـ) _ تحقيق: علي بن حسن بن عبدالحميد_ط2_1417هـ _ دار ابن الجوزي_ الدمام _ السعودية.
رد المحتار على الدر المختار (المعروف بحاشية ابن عابدين)_ للعلامة محمد أمين بن عمر عابدين الدمشقي(ت1252هـ) _ اعتنى بها: محمد صبحي الحلاق، وعامر حسين _ ط1_1419هـ_ دار إحياء التراث العربي_ بيروت _ لبنان_ توزيع دار النفائس _ بالرياض _ السعودية.
رسالة في القواعد الفقهية_ للعلامة عبدالرحمن بن ناص السعدي (ت1376هـ)_ط1_ 1413هـ_دار الوطن _ الرياض _ السعودية.
روضة الطالبين وعمدة المفتين_ للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت676هـ)_ط3_1412هـ _الكتب الإسلامي_ بيروت_ لبنان.
زاد المعاد في هدي خير العباد _ لأبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية(ت751هـ)_تحقيق:شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط_ ط23_1409هـ_ مؤسسة الرسالة_بيروت _ لبنان.
سبعون سؤالاً في أحكام الجنائز _ لفضيلة الشيخ محمد عثيمين(ت1421هـ)_ إعداد: عثمان بن علي الهبدان _ ط1 _ 1413هـ _ دار المسلم بالرياض _ السعودية.(1/52)
سبل السلام شرح بلوغ المرام_ للأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت1182هـ)_ تحقيق:فواز أحمد زمرلي، وإبراهيم محمد الجمل_ط4_1407هـ_ دار الريان للتراث _ القاهرة_ مصر.
سلسلة الأحاديث الصحيحة_ للعلامة الألباني (ت1420هـ)_ط4_ 1405هـ_المكتب الإسلامي_ بيروت_ لبنان.
سلسلة الأحاديث الضعيفة _ للعلامة الألباني (ت1420هـ)_ط1_ 1422هـ_مكتبة المعارف_الرياض_ السعودية.
سنن أبي داود_للإمام الحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ)_ تحقيق: الشيخ خليل مأمون شيحا_ط1_1422هـ_ دار المعرفة_ بيروت_لبنان.
سنن ابن ماجه بحاشية السندي وزوائد البوصيري (مصباح الزجاجة)_ للإمام محمد بن يزيد القزويني(ت275هـ)_تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي_ ط1_1414هـ دار الحديث _ القاهرة _ مصر.
سنن الترمذي _ لأبي عيسى الترمذي(ت279هـ)_ تحقيق وشرح: أحمد بن محمد شاكر_المكتبة التجارية _ مكة المكرمة_ السعودية.
سنن الدارمي_ لأبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي(ت255هـ)_ تحقيق:د.محمود أحمد عبدالمحسن _ ط1_1421هـ_ دار المعرفة_ بيروت_ لبنان.
سنن النسائي _ للإمام المحدث أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي(ت303هـ)_بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي(ت911هـ)، وحاشية الإمام السندي(ت1138هـ)_ ط2_1412هـ_ دار المعرفة _ بيروت _ لبنان.
السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي(ت458هـ)_ تحقيق: محمد عبدالقادر عطا_ط1_1414هـ_ دار الباز_ مكة المكرمة_ السعودية.
سير أعلام النبلاء _ للإمام محمد بن أحمد الذهبي(ت748هـ) _ إشراف: شعيب الأرناؤوط _ط8_1412هـ _ مؤسسة الرسالة _ بيروت _ لبنان.
شرح السنة _ لإمام أهل السنة والجماعة في عصره أبي محمد حسن بن علي البربهاري(ت329هـ)_ط1_1422هـ_دار الآثار_القاهرة_ مصر.
الشرح الكبير لأبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي(ت682هـ)_ ط1_1398هـ_مكتبة الرياض الحديثة_السعودية.(1/53)
شرح مسلم المسمى المنهاج_للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت676هـ)_ط2_ 1414هـ _ مؤسسة قرطبة _ القاهرة _ مصر.
الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ محمد بن صالح العثيمين(ت1421هـ)_عناية: د. سليمان أباالخيل، ود.خالد المشيقح_ ط1_ 1416هـ _ مؤسسة آسام للنشر _ الرياض _ السعودية.
صحيح سنن أبي داود_ للشيخ الألباني(ت1420هـ)_ ط1_ 1419هـ _ مكتبة المعارف _ الرياض _ السعودية.
صحيح سنن ابن ماجه_ للشيخ الألباني(ت1420هـ)_ ط1_ 1417هـ _ مكتبة المعارف _ الرياض _ السعودية.
صحيح سنن الترمذي_ للشيخ الألباني(ت1420هـ)_ اعتنى به: الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان_ط1_1419هـ_مكتبة المعارف_الرياض_ السعودية.
صحيح سنن النسائي_للشيخ الألباني_ط1_ 1419هـ _ مكتبة المعارف _ الرياض _ السعودية.
صحيح مسلم _ للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت261هـ)_تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي _دار إحياء التراث العربي _بيروت_ لبنان.
صفة الصفوة_ للإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي (ت597هـ)_ ضبطه وخرج أحاديثه: عبدالرحمن وحياة اللادقي_ط3_1420هـ_ دار المعرفة _ بيروت_لبنان.
ضعيف سنن النسائي _ ضعف أحاديثه الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني(ت1420هـ)_ط1_1411هـ_المكتب الإسلامي_بيروت_ لبنان.
ضعيف سنن ابن ماجه _ ضعف أحاديثه الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني _ط1_1417هـ_ مكتبة المعارف_ الرياض _ السعودية.
ضعيف سنن أي داود _ ضعف أحاديثه الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني_ط1_1419هـ_ مكتبة المعارف_ الرياض _ السعودية.
عون المعبود شرح سنن أبي داود_ للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي(ت قبل1322هـ)_تحقيق: عبدالرحمن بن محمد بن عثمان_ ط2_1421هـ_دار إحياء التراث العربي _ بيروت _ لبنان.
فتاوى إسلامية_ جمع محمد بن عبد العزيز المسند_ط2_1414هـ_دار الوطن_ الرياض _ السعودية.(1/54)
فتاوى سماحة الشيخ عبدالله بن حميد_اعتنى بها عمر بن محمد القاسم_ ط2_1420هـ_دار القاسم _ الرياض_ السعودية.
فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين _ جمع أشرف بن عبدالمقصود_ ط2_1412هـ_ دار عالم الكتب _ الرياض – السعودية.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء_ جمع الشيخ أحمد الدويش_ ط1_1418هـ _ مكتبة المعارف _ الرياض _ السعودية.
فتاوى في أحكام الجنائز لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين(ت1421هـ)_ جمع: فهد السليمان_بإشراف مؤسسة الشيخ ط1_1423هـ_ دار الثريا_ الرياض_ السعودية.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري _ للحافظ الإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(ت852هـ) _ ط1_ 1411هـ_دار الفكر_ بيروت_ لبنان.
الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن محمد الشيباني_ للإمام أحمد بن عبدالرحمن البنا الساعاتي(ت بعد1371هـ)_دار إحياء التراث العربي_بيروت_لبنان.
الفروع_ للإمام أبي عبدالله محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي(ت762هـ)_ تحقيق:حازم القاضي_ط1_1418هـ_دار الكتب العلمية_ بيروت_لبنان.
فيض القدير شرح الجامع الصغير_لشمس الدين محمد المعروف بالمناوي الشافعي(ت1029هـ)_ط2_1424هـ_مكتبة مصر_القاهرة_مصر.
الكاشف _ للإمام أبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي(ت748هـ)_ تحقيق: محمد عوامة، وأحمد محمد الخطيب_ط1_1413هـ_دار القبلة للثقافة الإسلامية_ جده _ السعودية.
كشاف القناع عن متن الإقناع _لمنصور بن يونس البهوتي_تحقيق: هلال مصيلحي _ط1_ 1402هـ_ دار الفكر _ بيروت_ لبنان.
الكافي في فقه أهل المدينة المالكي _ للإمام أبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي_ تحقيق د. محمد محمد أحيد ماديك الموريتاني (ت463هـ)_ ط1_ 1398هـ_ مكتبة الرياض الحديثة_ السعودية.
المبدع في شرح المقنع _ لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن مفلح المؤرخ الحنبلي( ت884هـ)_ ط3_1421هـ_ المكتب الإسلامي _ بيروت _ لبنان.(1/55)
المجموع شرح المهذب للشيرازي _ للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي(ت676هـ) _ تحقيق: محمد نجيب المطيعي _ 1415هـ_ دار إحياء التراث العربي _ بيروت _ لبنان.
مجموع الفتاوى _ لشيخ الإسلام ابن تيمية(ت728هـ)_ جمع وترتيب الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم_ط1_1412هـ_ دار عالم الكتب_ الرياض _ السعودية.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة_للشيخ ابن باز(ت1420هـ)_جمع وترتيب وإشراف د. محمد بن سعد الشويعر_ ط1_1421هـ_ دار القاسم_الرياض_ السعودية.
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية _ للشيخ صالح بن محمد الأسمري_ اعتنى بها متعب بن مسعود الجعيد_ط1_1420هـ_ دار الصميعي_ الرياض _ السعودية.
المحصل من مسند الإمام أحمد_للشيخ عبدالله بن إبراهيم القرعاوي_ ط1_1412هـ_ دار العليان _ القصيم _ السعودية.
مسائل الإمام أحمد بن حنبل_رواية أبي داود السجستاني(ت275هـ) _ تحقيق: طارق عوض الله _ ط1_1420هـ_مكتبة ابن تيمية _ القاهرة_ مصر.
المسند_ للإمام أحمد بن حنبل الشيباني(ت241هـ)_شرح وتعليق: الشيخ أحمد شاكر، وأكمله حمزة أحمد الزين_ط1_1416هـ_دار الحديث_ القاهرة_مصر.
المصنف في الأحاديث والآثار_ للحافظ عبدالله بن محمد بن أبي شيبة (ت235هـ)_تحقيق: سعيد اللحام_ط1_1409هـ_ دار الفكر_ بيروت_ لبنان.
المعجم الكبير_ للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ)_ تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي_ط2_ مصورة.
معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه_ لأبي عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري(ت405هـ)_تحقيق:أحمد بن فارس السلوم_ط1_ 1424هـ_دار ابن حزم_ بيروت _ لبنان.
المغني شرح مختصر الخرقي_ لموفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي(ت620هـ)_ تحقيق د. عبدالله التركي، ود. عبدالفتاح الحلو_ ط2_1412هـ_ دار هجر_ القاهرة_ مصر.
مواهب الجليل_لأبي عبدالله محمد بن عبدالرحمن المغربي(ت954هـ)_ ط1_1416هـ_ دار الكتب العلمية _بيروت_ لبنان.(1/56)
الموطأ_ للإمام مالك بن أنس (ت179هـ)_ط3_1416هـ _دار ابن حزم_ بيروت_ لبنان.
النهاية في غريب الحديث والأثر _ للإمام أبي السعادات المبارك بن محمد ابن الأثير (ت606هـ)_ تحقيق محمود الطناحي، وطاهر أحمد الزاوي_أنصار السنة المحمدية_ لاهور _ باكستان.
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار- للإمام محمد بن علي الشوكاني(ت1250هـ)_تحقيق عصام الدين الصبابطي_ ط1_1413هـ_دار الحديث_ القاهرة_ مصر.
محتويات
التجلية لحكم الجلوس للتعزية
الموضوع رقم الصفحة
تقديم فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالعزيز العقيل................ 5
المقدمة................................................................. 6
التمهيد:................................................................. 11
الجلوس للتعزية.............................................................11
القول الأول: القول بالجواز..........................................12
ما قاله العلماء في جواز الجلوس للتعزية...............................12
أدلة القول الأول ...................................................14
مناقشة أدلة القائلين بالجواز..........................................25
القول الثاني: القائلون بالمنع..........................................28
ما قاله العلماء في منع الجلوس للتعزية................................28
أدلة القائلين بالجواز.................................................32
مناقشة أدلة القائلين بالمنع............................................35
دراسة أثر جرير بن عبدالله البجلي- رضي الله عنه -...........................35-43
الجواب عن أثر جرير - رضي الله عنه - على فرض صحته..........................43
الجواب عن أثر أبي هريرة - رضي الله عنه - " لا تضربوا علىّ فسطاطاً".............45(1/57)
الجواب عن دليل استقراء حال السلف...............................46
الجواب عن دليل أن الاجتماع للتعزية فيه تجديد للحزن...............51
الجواب عن دليل أن الاجتماع يحصل فيه بدع ومخالفات شرعية.......53
بيان المراد من كلام العلماء القائلين بالمنع.............................56
الراجح في مسألة الجلوس للتعزية.....................................65
مسألة: حكم إطالة المكث من بعض المعزين عند أهل الميت............66
مسألة: لو اتفق جماعة أن يذهبوا سوياً لأهل العزاء، فما الحكم؟........66
ثبت المراجع .....................................................69
المحتويات............................................................80(1/58)