(البيان المشرق لسبب صيام المغرب برؤية المشرق)
بقلم
شيخنا العلامة عبد الله بن الصديق الغماري
اعتنى بها وحققها وعلق عليها وخرج أحاديثها
تلميذه الشيخ
أبو عاصم عمر بن مسعود الحدوشي
الإشراف والمراجعة
لصاحب الفضيلة شيخنا
العلامة محمد بوخبزة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله- صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظيماً). أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.(1/1)
أما بعد: فهذه الرسالة في الأصل كانت جواباً مختصراً عن رسالة شيخنا محمد الزمزمي-رحمه الله-الموسومة بـ: (الدليل الفاصل على أن الصيام مع المشرق فاسد باطل)، اقترح علي بعض الأِخوة الأفاضل أن أنظر فيها لأرى ما يحتاج إلى تعليق وتخريج وتصحيح فأجبت طلبته-وإن كنت لست من فرسان هذا الفن-وقمت بعزو الآيات إلى أماكنها من المصحف الشريف، كما قمت بتخريج ما فيها من أحاديث النبي- صلى الله عليه وسلم -. حتى يتأتى لنا تقديمها للمطبعة ليستفيد منها الجميع.
والرسالة ذكر فيها-شيخنا-حكم الإسلام فيمن لم يأخذ برؤية المسلمين في الصيام، وحكمَ من صام مع المشرق وهل يعتبر مستشرقاً؟-كما قال شيخنا محمد الزمزمي في رسالته القصيرة-حساً ومعنىً-.(1/2)
والذي ندين الله به نحن في هذه المسألة هو قول الجمهور: (توحيد المسلمين في الصوم والإفطار). مطلقاً دون النظر إلى الحدود والسدود لأن هذا التقسيم استعماري سياسي بحت، والهدف منه معروف، والإسلام لا يعترف بهذه التقاسيم والحدود(1) وحجتنا في هذا حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)(2): قال ابن تيمية-عند قوله: (صوموا لرؤيته)-: (... فمن بلغه أنه رؤي ثبت في حقه من غير تحديد بمسافة أصلاً)(3)
__________
(1) -واليوم الأمة العربية تُقْتَل على الحدود وتقاتِل من أجل الحدود ليس إلا، وهذا كله ناتج عن مخالفتنا لشرع الله فـ(تركنا الحدود وقُتِلنا على الحدود). الجزاء من جنس العمل.
(2) -قال أحمد بن الصديق في (توجيهه) (ص:15). أو: (ص:38-ط دار البيارق): (فهذه سنة النبي- صلى الله عليه وسلم - القائل: (صوموا لرؤيته) تبين أنه ليس المراد بالخطاب كل فرد فرد من الأمة بل مجموعها، لأنه قد اكتفى برؤية الرجل الواحد والرجلين والركب، وأمر الأمة بالصوم والإفطار لرؤيتهم. وأما الإجماع فهو معلوم بالضرورة لكل مسلم لأنه يعلم أن الصيام لازم لكل فرد فرد من المسلمين بما فيهم الأعمى والمحبوس ومن لم تمكنه الرؤية أصلاً، وأنهم يكتفون برؤية غيرهم... فبطل أن يكون المراد بالخطاب كل فرد فرد من الأمة، وتعين أن يكون الخطاب لمجموعها. وحيث إنه كذلك: فإذا رآه بعضهم فقد لزم جميعهم بالنص، لأنه- صلى الله عليه وسلم - قال: (فإن غم عليكم فاكملوا العدة). وهو لم يغم علينا مع رؤية بعضنا... وقال النووي في (شرح مسلم) عند قوله- صلى الله عليه وسلم -: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته): (المراد رؤية بعض المسلمين، ولا يشترط رؤية كل إنسان، بل يكفي جميع الناس رؤية عدلين، وكذا عدل على الأصح في الصوم). انظر: (الفتح الرباني)(5/2340/3000). وحكم مجهول الحال في الشهادة برؤية هلال رمضان في (الفتح الرباني)(4/1678-وما بعدها).
(3) -في (مجموع الفتاوى) (25/107).(1/3)
، ولنا من الوسائل التي تنقل الأخبار في ساعات، بل في دقائق معدودة إلى كل مكان في الأرض، قال ابن حزم: (ومن صح عنده بخبر من يصدقه، من رجل واحد أو امرأة واحدة، عبد أو حر أو أمة أو حرة، فصاعداً أن الهلال قد رُئي البارحة في آخر شعبان ففرض عليه الصوم، صام الناس أو لم يصوموا، وكذلك لو رآه هو وحده، ولو صح عنده بخبر واحد، أيضاً كما ذكرنا فصاعداً أن هلال شوال قد رئي فليفطر، أفطر الناس أو صاموا، وكذلك لو رآه هو وحده فإن خشي بذلك أذى فليستتر بذلك)(1). ويرى الأحناف في ظاهر مذهبهم أن اختلاف المطالع لا يؤثر ولا يعتبر، فإذا ثبت في مصر لزم الناس جميعاً(2) وذلك لعموم الخطاب في قوله- صلى الله عليه وسلم -: (صُومُوا) معلقاً بمطلق الرؤية في قوله: (لرؤيته) وبرؤية قوم إياه يصدق اسم الرؤية فيثبت ما تعلق به من عموم الحكم فيعم الوجوب. ويرى المالكية-وهم بتبجحون أن المذهب المالكي هو المذهب الرسمي للمغرب وكذبوا-: (أن رؤية الهلال في بلد من البلدان سبب لوجوب الصوم على جميع أقطار الأرض). فهم يرون أن الهلال إذا رؤي في بلدة قاصية وبعيدة، وجب الصيام على سائر المسلمين في الدنيا كلها).
__________
(1) -كما في (المحلى بالآثار) (4/373/374/م757). تحقيق البنداري. و(معجم فقه المحلى) (12/527).
(2) -والمالكية أيضاً يرون أن الرؤية تعم ولو باختلاف المطالع حتى أصبح من قواعدهم المشهورة: (وعمت الرؤية ولو باختلاف المطالع). و(إن رؤي الهلال في خراسان، وجب الصيام على أهل الأندلس، وإن رؤي في الأندلس وجب الصيام على أهل خراسان).(1/4)
وقال الشيخ الخليل في (مختصره) (وعَمَّ إن نُقِلَ بهما عنهما، لا بمنفرد)(1)-وافهم قوله: (وعم). أي سائر البلاد البعيدة والقريبة بدون فرق حلزوني استعماري سياسي، وهذا هو المشهور من مذهب مالك-ولهذا قال الدردير: (وعمَّ الصوم سائر البلاد قريباً أو بعيداً، ولا يراعى مسافة قصر ولا اتفاق المَطْلَع، فيجب الصوم على كل منقول إليه إن نقل ثبوته بهما أي: بالعدلين أو بالمستفيضة عنهما- أي: عن العدلين-أو عن المستفيضة، قال: فالمصنف ظاهر في أن النقل عن العدلين بشرطه يعم كل من بلغه ذلك وهو مقتضى القواعد وظاهر ابن عبد السلام). وقال الزرقاني: (وعم الخطاب بالصوم سائر البلاد إن نقل ثبوته عن بلديهما أي: العدلين، بالرؤية والرواية المستفيضة عنهما، أي: عن الحكم برؤية العدلين، أو عن رؤية مستفيضة).
__________
(1) -انظر: (ص:67) من (مختصر خليل). وانظر التوسع في شرح عبارة الخليل في (الجواب الصحيح والنصح الخالص، عن نازلة فاس) (ص:19). وفيه يقول: (ومقتضى ما ذكره خليل في (مختصره) من أنه يقتصر فيه على ما به الفتوى وكذلك نص الحطاب على أن الحكم يعم كل من نقل إليه وأنه المشهور. أن هذا القول هو المعتبر وأنه لا اعتبار باختلاف المطالع متى ثبتت الرؤية بالشهادة المستفيضة أو بالعدلين أو عند الحاكم العام أو الخاص ونقله الحطاب عن ابن عبد السلام في التوضيح). الخ. وانظر بماذا يثبت الشهر في (الموسوعة الفقهية)(3/199/ إلى 214)، لحسين بن عودة، العويشة، و(الإرواء)(3/102/وما بعدها)، و(4/15/16)، و(بدائع الفوائد)(1/5/6/8)، وللتوسع في أقوال الأئمة التي لم أذكرها (الأحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام)(2/285/إلى:294)، وانظر متى تثبت رؤية الهلال بتوسع في (مجلة البحوث الإسلامية)(13/331)، وانظر أيضاً فيها في(14/323) بحثاً جيداً بعنوان: (علم الحساب لا يعتمد عليه في إثبات الصوم).(1/5)
وقال الدسوقي في (حاشيته): (وعم الصوم-أي: وعم وجوبه-سائر البلاد القريبة والبعيدة، إن نقل بهما عنهما، وأولى إن نقل بهما عن الحكم برؤية العدلين أو الجماعة المستفيضة، خلافاً لعبد الملك القائل: إذا نقل بهما عن الحكم فإنه يقصر على من في ولايته). وقال القرطبي في (المفهم): (قال شيوخنا: إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم). وقال ابن رشد في (البداية)(1): (في المسألة خلاف، فأما مالك فإن ابن القاسم والمصريين رووا عنه أنه إذا ثبت عند أهل بلد أن أهل بلد آخر رأوا الهلال، أن عليهم قضاء ذلك اليوم الذي أفطروه وصامه غيرهم، وبه قال الشافعي وأحمد، وروى المدنيون عن مالك أن الرؤية لا تلزم بالخبر عند أهل البلد الذي وقعت فيه الرؤية إلا أن يكون الإمام يحمل الناس على ذلك، وبه قال ابن الماجشون والمغيرة من أصحاب مالك). وجاء في (شرح خطط السداد والرشد: على نظم مقدمة ابن رشد). للتتائي المالكي(ص:528):
(والعلمُ إمَّا رؤيةٌ حقِيقَهْ * أوْ بعْدها شَهَادَةٌ وثيقَهْ
الأول: الرؤية الحقيقة، أي: يراها جماعة رؤية مستفيضة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة ولو كان فيهم نساء وعبيد. قال الباجي: اتفاقاً.
__________
(1) -وقال في (المقدمات) في الكلام على ما يجب به صيام رمضان: (وكذلك إن أخبره العدل أن أهل بلد كذا صاموا يوم كذا برؤية عامة أو ثبوت رؤيته عند قاضيهم وجب عليه بذلك قضاء ذلك اليوم... قال القرافي في (الفروق): الإشكال الثاني: أن المالكية جعلوا رؤية الهلال في بلد من البلاد سبباً لوجوب الصوم على جميع أقطار الأرض، ووافقهم الحنابلة على ذلك). انظر: (توجيه الأنظار) (ص:83/84). ط دار البيارق.(1/6)
الثاني: شهادة وثيقة من عدلين يريانه وتكفي رؤيتهما ولو كان بمصر كبير ولم يره غيرهما. وسواء رأياه مع الغيم أو الصحو وهو كذلك لكن الأولى بالاتفاق، وفي الثاني على ما اقتصر عليه صاحب المختصر من الخلاف وهو المشهور). قال الباجي في (المنتقى): (مسألة: وإذا رأى أهل البصرة هلال رمضان ثم بلغ ذلك أهل الكوفة والمدينة واليمن، فالذي رواه ابن القاسم وابن وهب عن مالك في (المجموعة): لزمهم الصيام أو القضاء إن فات الأداء، وروى القاضي أبو إسحاق عن ابن الماجشون أنه: إن كان ثبت بالبصرة بأمر شائع ذائع يستغنى عن الشهرة والتعديل، فإنه يلزم غيرهم من البلاد القضاء، وإن كان إنما ثبت عندهم بشهادة شاهدين عدلين لم يلزم ذلك من البلاد إلا من كان يلزمه حكم ذلك الحاكم ممن هو في ولايته، أو يكون ذلك ثبت عند أمير المؤمنين، فيلزم القضاء جماعة المسلمين. قال: وهذا قول مالك، وجه الرواية الأولى: أنه لما ثبت عند الحاكم انتقل إلى الخبر الذي هو أصل ثبوته ليمكن أخذ ذلك عنه، فوجب أن يستوي حكم ما ينقل عن الحاكم بثبوته وما عمت رؤيته، لأنهما قد عادا إلى حكم الخبر، ووجه الرواية الثانية: أنه حكم من الحاكم، فلا يلزم إلا من تناله ولايته ويلزمه حكمه). وقال ابن العربي(1): (وقد روى ابن وهب وابن القاسم عن مالك في (المجموعة) أن أهل اليمن والمدينة يلزمهم العمل برؤية أهل البصرة، وهذا طرح للمطالع(2)
__________
(1) -في (عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي) (ج3/211/212). وهذا الاحتمال الذي نقله ابن العربي ناتج عن مجرد تخمين والتخمين فقط. وما احتمل واحتمل سقط به الاستدلال. ومن القواعد التي حفظنا أن (وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال). فائدة: العارضة:بمعنى القدوة على الكلام. والأحوذي: المشمِّر في الأمور القاهر لها الذي لا يُشذ عليه شيء في ذلك. (السير)(9/217). من كتابي: (ذاكرة سجين)(ص:30).
(2) -وفي (عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي) (ج3/211). بلفظ: (للطالع).(1/7)
وإعراض عن حديث ابن عباس فإنه يحتمل أن يكون ابن عباس ترك العمل به لأنه لم يخبر به إلا واحد(1)، ولا يلزم حتى يكون شائعاً مستفيضاً كما روى ابن الماجشون عنه في هذه النازلة، ويحتمل أن يكون لبعد المطالع، وقد كنا في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة في البحر (تطلع الشمس والقمر علينا من الماء)(2). فكنا نجلس على ظاهر المركب حتى إذا غربت، صعد ملاح إلى الصاري الأصغر فيقول : لم تغب بعد. ثم نمكث قليلاً فنقول: قد غابت، ويصعد آخر إلى الصاري الأوسط فيقول: لم تغب بعد. ثم نمكث قليلاً فنقول: قد غابت، ثم يصعد الملاح في الصاري الأطول فيقول: لم تغب بعد. ثم نمكث قليلاً أكثر من(3) ذينك الأولين، ثم يقول: قد غابت. فيفطر الناس حينئذ والبحر سطح مستوٍ لا عوج فيه ولا أمتىً). وقال المازري في (المعلم) عند قوله- صلى الله عليه وسلم -: (صومو لرؤيته): (إذا ثبت الهلال عند الخليفة لزم سائر الأمصار الرجوع إلى ما عنده، وإن كان ذلك عند أهل مدينة فهل يلزم غيرهم ما ثبت عندهم؟ فيه قولان. فأما الحديث فهو محتمل أن يريد بقوله: (صوموا لرؤيته)، أي: لرؤية من كان، أو لرؤيتكم أنتم، ويحتج من لا يوجب الصوم بما ذكره مسلم من حديث كريب-فذكر الحديث-ثم قال: والفرق بين الخليفة وغيره أن سائر البلاد لما كانت بحكمه فهي كبلد واحد، ويحتج للزوم الصوم من جهة القياس بأنه كما يلزم الرجوع إلى بعض أهل المصر فكذلك يرجع أهل المصر إلى مصر آخر، إذا العلة حصول الخبر بذلك).وقال القرافي في (الفروق):
__________
(1) -وفي (عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي) (ج3/211). بلفظ: (إلا بواحد حتى كان شائعاً مستفيضاً).
(2) -وفي (عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي) (ج3/211). بلفظ: (فطلع الشمس والقمر علينا من الماء ويغربان من الماء).
(3) -وفي (عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي) (ج3/211/212). بلفظ: (ويصعد ملاح.. أكثر من مكث ذينك).(1/8)
(الإشكال الثاني: أن المالكية جعلوا رؤية الهلال في بلد من البلاد سبباً لوجوب الصوم على جميع أقطار الأرض، ووافقهم الحنابلة على ذلك). قال محمد بن أحمد الشنقيطي(1): (صومُ رمضانَ فرضٌ ويثبت كلٌّ منهما برؤية عدلين أو مستفيضة، وعَمَّ سائرَ البلاد القريب والبعيد ولو بَعُدَ كثيراً النقلُ بهما عنهما، ويثبت بالتَّلَغْراف وبالسماع من الراديو للعلم بصدق خبرهما ولا يثبت بقول منجِّم ولا برؤية واحد، ويجب عليه الصوم هو، ومن لا اعتناءَ لهم بأمر الرؤية فإن أفطر بما يوجب الكفارةَ وجبَتْ عليه).
وأما الحنابلة فمذهبهم أن اختلاف المطالع غير معتبرة. وقال ابن قدامة: (وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم وهو قول الليث وبعض أصحاب الشافعي كالقاضي أبي الطيب... وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين ووقوع الطلاق والعتاق ووجوب النذر وغير ذلك من الأحكام فيجب صومه بالنص)(2).
__________
(1) -في (فتح الرحيم على فقه الإمام مالك بالأدلة) (1/130/131)
(2) -انظر: (المغني) (3/7/ و4/329). (هلال رمضان) (ص:7) للشيخ حسن خالد مفتي لبنان.(1/9)
وقال ابن قدامة في (المغني): (فصل؛ وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم، وهذا قول الليث وبعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم: إن كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد والبصرة(1) لزم أهلها الصوم برؤية الهلال في إحداهما... وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات، فوجب صومه على جميع المسلمين، ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدَّيْن ووقوع الطلاق والعتاق، ووجوب النذور وغير ذلك من الأحكام، فيجب صيامه بالنص والإجماع، ولأن البينة العادلة شهدت برؤية الهلال، فيجب الصوم كما لو تقاربت البلدان، فأما حديث كريب فدل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده، ونحن نقول به، وإنما محل الخلاف: وجوب قضاء اليوم الأول، وليس هو في الحديث). وقال علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي-(وإذا رأى الهلال أهلُ بلد لزم الناسَ كلهم الصومُ)-(لا خلاف في لزوم الصوم على من رآه. وأما من لم يره: فإن كانت المطالع متفقة. لزمهم الصوم أيضاً. قدمه في الفروع، والفائق، والرعاية. وهو من المفردات. وقال في الفائق: والرؤية ببلد تلزم المكلفين كافة)(2).
__________
(1) -قلت: وكوجدة والجزائر.
(2) -انظر: (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل) (3/273)(1/10)
قال أحمد بن الصديق في (توجيهه): (وقال شارح (المنتهى) للفتوحي: (وإذا ثبتت رؤية هلال رمضان ببلد لزم الصوم جميع الناس لحديث: (صوموا لرؤيته)، وهو خطاب للأمة كافة، ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام، فكذا حكم الصوم ولو قلنا باختلاف المطالع ولكل بلد حكم نفسه في طلوع الشمس وغروبها لمشقة تكررها بخلاف هلال رمضان فإنه في السنة مرة). وقال في (المنح الشافيات): (إذا ثبتت رؤية الهلال ببلد لزم الصوم جميع الناس من رآه ومن لم يره ولو اختلفت المطالع نصاً، وهو قول الليث وبعض أصحاب الشافعي)(1).
__________
(1) -انظر: (توجيه الأنظار) (ص:80/إلى:92). وهناك أقوال للأئمة تركناها اختصاراً انظرها في (توجيه الأنظار لتوحيد المسلمين في الصوم والإفطار). وفي (الجواب الصحيح والنصح الخالص، عن نازلة فاس، وما يتعلق بمبدأ الشهور الإسلامية العربية). لعلال الفاسي. كتبها بأمر من ملك المغرب الحسن الثاني. فقرر فيها التوحيد في الصيام والأعياد الدينية. يقول في الصفحة الأخيرة من هذه الرسالة: (وفي كل الأحوال فإني أنصح (أمير المؤمنين) كما أنصح ولاة المسلمين في كل الأرض بالقيام بعمل موحد لضمان توحيد المواسم والأعياد والصوم والإفطار، تحقيقاً لأعظم مظهر للأخوة الإسلامية في هذا العصر). لكنهم لم يلتفتوا لنصيحته، فبقي الأمر كما هو عليه.(1/11)
وأيضاً قال في رسالة أرسلها إلى فضيلة شيخنا محمد بوخبزة: (... إن وجوب الصيام على رؤية أي قطر من أقطار الأرض، وخطإ المغاربة من باب السماء فوقنا، والأرض تحتنا، لا يمتري فيه إلا من يمتري في كون الواحد نصف الاثنين، ومن هو مقلد أعمى لا يفرق بين السواد والبياض. وذلك أن الهلال كما هو معلوم يستمد نوره من الشمس، فإذا اجتمع معها اختفى وذهب نوره، فإذا فارقها وبعد عنها باثني عشر درجة أو بثمان درجة، على اختلاف علماء الفلك ظهر في السماء هلالاً، وتعلقت بظهوره جميع الأحكام من صيام، وفطر، وعدة، وأجل دين، وإيلاء وغير ذلك. فأي قطر إسلامي رآه، وثبت عنده، وجب على كل من بلغه ذلك أن يصوم أو يفطر. وهو معنى (صوموا لرؤيته). إذ لو كان الخطاب للأفراد لوجب أن لا يصومه جل الناس إلا بعد الرابع والخامس، حيث لا يرونه في اليوم الأول والثاني، وألا يراه إلا قليل منهم في كل بلد. أفيعقل أن الهلال بعد انفصاله عن الشمس، وظهوره للوجود في المشرق، يعود فيقارنها مرة أخرى، ثم يفارقها ليوجد هلال المغاربة وحدهم، هذا ما لا يظنه إلا مجنون مطبق. وأيضاً فدعوى اختلاف المطالع يجب على مدعيها أن يحدد المسافة التي يقع فيها هذا الاختلاف، فالمتقدمون يقولون كما بين الأندلس وخراسان، والمتأخرون جعلوه على مسافة أربعين كيلومتر، الفرق الواقع بين تلمسان ووجدة. فإذا مشينا على هذه القاعدة الجاهلة، وقلنا إن بيننا وبين الجزائر يقع اختلاف المطلع، وبيننا ألف كيلو، فالمعقول يعطي أن على كل ألف شرقاً يسبقنا أهله بيوم، فيكون اليوم الأول عندنا هو السابع والعشرين في الصين، وهو نصف شوال في اليابان مثلا، ويكون الآن عندهم سنة 1490 فأزيد.(1/12)
أما اختلاف المطالع بيننا وبينهم وحدهم فمحال عقلاً، مع أننا نراهم متفقين غير مختلفين، فيراه أهل الباكستان وأهل تونس وما بينها من الأقطار، وبعد ما بين تونس والباكستان على قدر خمس عشر مرة على ما بيننا وتونس، بل وخمس وعشرين مرة. فهل خص الله اختلاف المطلع بالمغاربة وحدهم دون سائر بقاع الأرض!؟. وأيضاً فإذا ثبت اختلاف المطلع فمحال عقلاً أن يتخلف في يوم أو شهر، كما يستحيل أن يكون وقت الغروب أو الشروق أو الزوال متحداً؛ بل لا بد من فرق ساعتين ونصف بيننا وبين مصر، وأربع ساعات بيننا وبين الهند، وهكذا مع أننا نتحد في كثير من الشهور مع مصر والهند، فشعبان هذا كان أوله الأربعاء عندنا وفي مصر والباكستان. وكم سنة يأتي الحجاج ويخبرون أن عرفة كان يوم كذا مثل ما عندنا!؟ فهل هذا المطلع يتلاعب كتلاعب التقليد بعقول أهله!؟ فيتخلف إذا شاء، ويتفق إذا شاء. أو أغرب من هذا أن في العام الماضي رآه أهل مصر، والعراق، والشام، واليمن، وتونس، والجزائر، ولم يره المغاربة، وأهل الباكستان الذين هم شرق الحجاز، والعراق، واليمن. فاعقلوا وتدبروا هذه الداهية الدهماء، والله تعالى يقول: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً)(1).
__________
(1) -سورة التوبة، الآية: (36). يقول تعالى: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ) أي: في قضاء الله وقدره. (اثْنَا عَشَرَ شَهْراً) وهي هذه الشهور المعروفة). (تيسير الكريم الرحمن) (2/272). انظر معنى الشهر في (الجامع لأحكام القرآن)(2/290/241) للقرطبي.(1/13)
والشهر هو الهلال وعلى قولة اختلاف المطالع يكون في سنة ستة عشر هلالاً والله تعالى أخبر بأنه أنزل القرآن في ليلة القدر، وأن جبريل أو الروح ينزل فيها مع الملائكة إلى الصبح، وتواتر عن رسول الله أنها في العشر الأواخر في وتر منها، وعلى اختلاف المطلع فليلة القدر في الباكستان تكون اليوم، وفي الحجاز غداً، وفي اليمن بعده، وفي مصر وهكذا. وإذا قلنا على دعوى بعض المخرفين الذين لا يعرفون ما يخرج من رأسهم لا يمكن الفرق إلا بيومين فإن ليلة القدر كانت في سائر الأقطار الإسلامية في هذا العام ليلة الثلاثاء، وفي المغرب ليلة الأربعاء فنزل الروح والملائكة إلى الأرض ليلة الثلاثاء ثم نزلوا ثانياً لأجل خاطر المغاربة وحدهم ليلة الأربعاء. وأزيدك أنه في رمضان تأخر الهلال في أول يوم عند المغاربة وهو الجمعة إلى العشاء مع أن الهلال في اليوم الأول لا يصل إلى العشاء، وأزيدك أن بعض الناس بأحواز آزمور رآه هنا وصام معنا يوم الخميس، وهم جماعة على ما بلغني، وكذلك رأوه يوم الخميس، وأفطروا. وأما حديث ابن عباس في (صحيح مسلم)(1) وقصته مع كريب مولاه فذلك فهم منه أخطأ فيه، ولهذا قال المحققون من علماء الأصول: لا يقبل من الصحابي قوله أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ونهانا، حتى يأتي بلفظ النبي- صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) - في (كتاب الصيام، باب: بيان لكل بلد رؤيتهم). (7/197-شرح مسلم للنووي).(1/14)
لأنه قد يفهم من اللفظ خلاف الأمر والنهي، ومنه حديث ابن عباس. فقوله- صلى الله عليه وسلم -: (صوموا برؤيته) أمر للأمة حتى لا يصوموا على حساب أهل الفلك والتنجيم لا أنه أمر لكل واحد، يدل عليه أنه جاء إليه أعرابي وشهد عنده أنه رأى رمضان وهو بالطريق قادم إلى المدينة، فأمر بلالاً أن ينادي في الناس بالصيام(1).
وجاء إليه رجلان في نصف النهار في تسع وعشرين من رمضان وشهدا أنهما رأيا الهلال أمس، فأفطر وأمر الناس بالفطر، وأن يغدوا غداً إلى المصلى(2). فهاهو أمر الناس بالصيام والفطر على رؤية واحد واثنين، وهو صريح في خطأ ابن عباس- رضي الله عنه - في فهمه.
__________
(1) -رواه أصحاب السنن الأربعة: كما في (سنن) أبي داود (2/1010/ رقم:2340). والترمذي في (جامعه) (3/47/رقم:691). والنسائي في (سننه) (2/589/ رقم:2111). وابن ماجة في (سنن) (2/154/ رقم:1652)
(2) -رواه أبو داود في (سننه) (2/1009/ رقم:2339). انظر: (الإرواء)(4/15/16)، و(تنبيه الهاجد) (4/10)، و(الروض الباسم)(1/74/117/197/198)، و(العواصم)(1/372/377).(1/15)
والباعث على ذلك السياسة كما لا يخفاك. وقد استشكل بعضهم ظهور الهلال كبيراً في اليوم الأول عند المغاربة، وقال: لا يدل هذا على أنه الثاني للحديث الوارد بأنه من علامة الساعة انتفاش الأهلة. فأجبته بأن ذلك لو لم يره أهل الأقطار الأخرى لكان مسلماً، أما وقد رآه خمسمائة مليون مسلم فلا، وأيضاً فالحديث فيه انتفاخ الأهلة(1)، وليس فيه تأخيرها إلى العشاء. وبالجملة فخطأ من لا يصوم مع الأقطار الأخرى ضروري كما قلنا، وأظنك لا ترتاب بعد سماع هذا في كون خطئهم ضرورياً، والعلم عند الله تعالى. في كثير من السنين كان أهل طنجة والفحص بأجمعهم يتصدون لرؤية الهلال، فلا يراه إلا مدشر مديونة، وعلى رؤيتهم يقع الصوم والإفطار، فهل هناك اختلاف مطلع على بعد عشرة كيلو!؟.
__________
(1) -ذكر عبد الله بن مسعود مرفوعاً: (من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة). انظر تخريجه في (أشراط الساعة)(193) للأستاذ يوسف الوابل، و(موسوعة الأحاديث….)(9/275/276/228/و10/119/120).(1/16)
وفي كثير من السنين أيضاً لا يأتي خبر الشهر إلا في اليوم الثاني، أو في منتصف الليل. قائلين: إنه ثبت برؤية أهل البرابر، وأحياناً برؤية أهل تازا، وأحياناً برؤية أهل الغرب إلى عرباوة. فهل هناك اختلاف مطلع بين مكناس، والبرابر، وفاس وتازاـ والرباط، وعرباوة!؟ وإن كان هناك اختلاف فالواجب ألا يصام معهم، وإن لم يكن هناك اختلاف مطلع فالواجب أن لا يراه جميع أهل المغرب، وإلا فهم كذابون؛ بل الغريب أن في سنة صام المغرب وأفطر، ولم تصم تطوان ومنطقتها. فهل هناك اختلاف مطلع!؟ وأيضاً إذا ثبت عندكم فبالضرورة سيصوم معكم غمارة، وهكذا نمشي مرحلة مرحلة إلى الصين، وإلا فمن البعيد أن يختلف الحكم على بعد عشرة كيلو. فلم تجعلون الحد الفاصل هو واد ملوية!؟ وكيف يصوم أهل وجدة على رؤية أهل طنجة!؟ ولا يصومون على رؤية جوارهم أهل بيدر الذين هم في حكم دولة أخرى، وما بينهما إلا الوادي. وفي القرون الماضية كانت تونس، والجزائر، ومراكش كلها دولة واحدة أيام اللمتونيين والموحدين. فهل ينقلب الحال إذاً ولا يبقى المطلع مختلفاً، أو يصير بعض الدولة مفطراً والآخر صائماً!؟).
وقال في رسالة أخرى أرسلها إلى فضيلة شيخنا محمد بوخبزة: (... ولا غرابة فيما قلت مما استغربه الأستاذ أخريف، لأن الوقت لا يمكن اتحاده في المشرق فمصر تسبق المغرب بساعتين ونصف. والحجاز بثلاث إلا ربعاً أو ثلثاً، فلا يمكن للمغرب أن يصلي معهم فرضاً متحد الوقت أصلاً، إلا الظهر خلف صلاتهم العصر، لأن عند صلاتهم العصر يكون وقت الظهر قد دخل بالمغرب. وخلاف ذلك غير ممكن كما هو معلوم).(1/17)
تنبيه: قال مسلم في (صحيحه): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ: أَوَ لاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - وَشَكَّ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي نَكْتَفِي أَوْ تَكْتَفِي)(1). هذا الأثر لا حجة فيه للمخالفين أبداً ولا معض لهم فيه ولا مستمسك، ولا حبل لهم فيه موصول، بل حبلهم فيه مقطوع، بالحديث الصحيح المرفوع، قال أحمد بن الصديق:
__________
(1) -وروا أيضاً الإمام أحمد في مواضع من (مسنده)(5/10/531/رقم:2789/3474).(1/18)
(المسلك الخامس: إبطال احتجاجهم بحديث كريب. أنهم يحتجون بحديث كريب عن ابن عباس... وهو احتجاج باطل محقق البطلان مقطوع الفساد من كلتا جهتي الحديث، فإنه مشتمل على مرفوع وعلى موقوف، أما المرفوع فهو: هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما الموقوف فهو فعله وعدم قبوله لخبر كريب، ونحن نوضح ذلك من وجوه. الوجه الأول: أنه لا دليل في الحديث أصلاً، ولا ذكر فيه لاختلاف المطالع، ولا لكل بلد رؤيتهم، بل كل ذلك من التقول على الحديث وتحميله ما لا يحتمل، وغاية ما فيه أن ابن عباس لم يقبل خبر كريب ولم يعمل برؤية معاوية وأهل الشام بسبب قد يكون ما ذكروه، وقد يكون غيره، فالجزم بأنه هو ما فهموه جزم باطل مع احتمال الحديث وجوهاً متعددة كما سأذكره، فهو لا يجوز القول به لأنه ترجيح لاحتمال بدون مرجح فضلاً عن جعله حجة مسلمة. الوجه الثاني: أن الحديث هو عين الدليل لوجوب الاتحاد وصيام الدنيا كلها برؤية بلد واحد، لأن قول ابن عباس: هكذا أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، أراد به قوله- صلى الله عليه وسلم -: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، لأن ابن عباس قال: فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. ثم قال: هكذا أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
فلم يبق شك في تعيين مراده، فالحديث إذاً دليل لقول الجمهور، وزعم أنه أراد لكل بلد رؤيتهم، من الكذب المقطوع به على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وابن عباس معاً. يؤيد ذلك الوجه الثالث: وهو أن ما أشار إليه ابن عباس بقوله: هكذا أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، قد ورد عنه مبيناً مفسراً من رواية كريب نفسه، وهو قاطع لكل شغب.(1/19)
قال البيهقي في (سننه) أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا عبيد ابن شريك: ثنا ابن أبي مريم، أنا محمد بن جعفر، ثني محمد بن حرملة، أخبرني كريب أنه سمع ابن عباس يقول: (أمرنا رسول الله أن نصوم لرؤية الهلال ونفطر لرؤيته فإن غم علينا أن نكمل ثلاثين)(1). فهذا هو حديث كريب نفسه اختصره بعض الرواة بقوله: هكذا أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولم يزد. والواقع أن ابن عباس قاله مفسراً كما هنا، ويدل على ذلك أن الراوي لحديث كريب الذي احتجوا به هو نفس الراوي لهذا الحديث المفسر، وهو محمد بن أبي حرملة-ثم ساق روايات كثيرة)(2).
__________
(1) - والمقرر في (مصطلح الحديث): أن غريب الحديث يفسره غريب آخر. وأن الحديث لا يؤخذ منه الحكم، إلا بعد أن نجمع طرقه وألفاظه. قال الإمام أحمد: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً). وقال ابن المديني: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تعرف علته). كما في (الجامع لأخلاق الراوي) (2/212)، و(تصحيح الحديث عند الإمام ابن الصلاح) (ص:38). انتهى من كتابي: (إعلام الخائض بجواز مس المصحف للجنب والحائض) (ص:44). و(نشر الإعلام بمروق الكرفطي من الإسلام) (ص:35). لفضيلة شيخنا محمد بوخبزة-حفظه الله-.
(2) - انظر: (توجيه الأنظار لتوحيد المسلمين، في الصوم والإفطار) (ص:111/112). ط دار البيارق. تقديم أخينا الفاضل الشيخ حسن الكتاني.(1/20)
قال العلامة محمد بن علي الشوكاني عند قوله: (وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافِقة): (وأما كونه إذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقةُ(1)، فوجهه الأحاديث المصرحة بالصيام لرؤيته، والإفطار لرؤيته؛ وهي خطاب لجميع الأمة، فمن رآه منهم في أي مكان، كان ذلك رؤية لجميعهم. وأما استدلال من استدل بحديث كريب عند مسلم وغيره... وله ألفاظ فغير صحيح، لأنه لم يصرح ابن عباس بأن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمرهم بأن لا يعملوا برؤية غيرهم من أهل الأقطار، بل أراد ابن عباس أنه أمرهم بإكمال الثلاثين أو يروه ظناً منه أن المراد بالرؤية رؤية أهل المحل. وهذا خطأ في الاستدلال أوقع الناس في الخبط والخلط حتى تفرقوا في ذلك على ثمانية مذاهب. وقد أوضحت المقام في الرسالة التي سميتها: (إطلاع أرباب الكمال، على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال)(2).
وقال أيضاً في موضع آخر-بعد أن ذكر حديث كريب-: (واعلم: أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله: هكذا أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هو قوله: (فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين)، والأمر الكائن من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ: (لا تصوموا حتى تروا الهلال... فإن غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين)(3).
__________
(1) -(الموافقةُ): فاعل لزم أي: لزمهم الموافقة لهم في الصوم. (الدرر المضية، شرح الدرر البهية)(2/193)
(2) - انظر: (الدرر المضية، شرح الدرر البهية) (2/193)
(3) - انظر:تخريجه بتوسع في هامش (المسند)(9/218/و15/546/و23/33-ط: مؤسسة الرسالة).(1/21)
وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم، لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم. ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر لكان عدم اللزوم مقيداً بدليل العقل، وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف، عمل بالاجتهاد وليس بحجة. ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك عالم أن الأدلة قاضية بأهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية من جملتها وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا؟ فلا يقبل التخصيص إلا بدليل، ولو سلم صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص فينبغي أن يقتصر فيه على محل النص إن كان النص معلوماً أو على المفهوم منه إن لم يكن معلوماً لوروده على خلاف القياس ولم يأت ابن عباس بلفظ النبي- صلى الله عليه وسلم - ولا بمعنى لفظه حتى ننظر في عمومه وخصوصه إنما جاءنا بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على تسليم أن ذلك المراد، ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصاً لذلك العموم فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الإلحاق به فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم، ويمكن أن يكون في ذلك حكمة لا نعقلها ولو نسلم صحة الإلحاق وتخصيص العموم به، فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من البعد ما بين المدينة والشام أو أكثر، وأما في أقل من ذلك فلا. وهذا ظاهر فينبغي أن ينظر ما دليل من ذهب إلى اعتبار البريد أو الناحية أو البلد في المنع من العمل بالرؤية والذي ينبغي اعتماده هو ما ذهب إليه المالكية(1/22)
وجماعة من الزيدية واختاره المهدي منهم، وحكاه القرطبي عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلها ولا يلتفت إلى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الإجماع. قال: لأنهم قد أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كخراسان والأندلس وذلك لأن الإجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة)(1).
وقال ابنه أحمد بن محمد الشوكاني-عند قول والده: (وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة): (لهم في الصوم لعدم التقيد بمحل ولا بلد، وقول ابن عباس الذي أخبره أنه رأى الهلال بالشام: (لكنا لا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين). لا حجة فيه لعدم التصريح منه بأن النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى عن موافقة أهل البلد الآخر في رؤية الهلال. وأما قوله: (هكذا أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -). فالمراد به إكمال العدة)(2).
وقال العلامة صديق حسن خان عند قول الشوكاني: (وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة): (وجهه الأحاديث المصرحة بالصيام لرؤيته والإفطار لرؤيته، وهي خطاب لجميع الأمة، فمن رآه منهم في أي مكان، كان ذلك رؤية لجميعهم... وفي (المسوى)(3): لا خلاف في أن رؤية بعض أهل البلد موجبة على الباقين، واختلفوا في لزوم رؤية أهل بلد أهل بلد آخر)(4).
__________
(1) - انظر: (نيل الأوطار) (3ج4/195)
(2) -انظر: (السموط الذهبية) (ص:117).
(3) -وفي (المسوى شرح الموطا) (1/287). للعلامة ولي الله الدهلوي. (ولا خلاف). بالواو.
(4) -انظر: (التعليقات الرضية، على الروضة الندية) (2/12/13) تحت قوله: (اختلاف مذاهب العلماء في المطلع). تحقيق العلامة الألباني.(1/23)
وقال الإمام النووي: (وقال بعض أصحابنا: تعم الرؤية موضع جميع أهل الأرض، فعلى هذا نقول: إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب لأنها شهادة فلا تثبت بواحد) . وقال السندي: (يحتمل أن المراد به أنه لا يقبل شهادة الواحد في حق الإفطار أو أمرنا أن نعتمد على رؤية أهل بلدنا ولا نعتمد على رؤية غيرهم)(1).
وكتبه عبيد ربه أبو عاصم عمر بن مسعود بن عمر بن حدوش الحدوشي في تطوان 7/ من شعبان/1423هـ وقرأه مرة ثانية 29رجب 1428هـ بالسجن المحلي بتطوان.
بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) - انظر: (شرح مسلم للنووي). (7/197). و(الرد على من قال: باختلاف الأهلة واحتج بخبر كريب). (ص:28). وهذا الاحتمال نائ عن مجرد تخمين فسقط به الاستدلال.(1/24)
الحمد لله ناصر الحق، وهازم الباطل، وخاذل أربابه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد أحبابه، والرضا عن آله الكرام، وخيار أصحابه(1)
__________
(1) -وهذا الأسلوب فيه ما فيه من رائحة التشيع المفرط، فإن شيخنا –سامحه الله- لا يتورع عن الوقوع في أعراض بعض الصحابة- رضي الله عنهم - والنيل منهم والإزراء بهم، والطعن والشتم واتهامهم بالكذب والجهل، والبراءة من خال المؤمنين، وكاتب وحي رب العالمين معاوية وأبيه، وأمه، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن الزبير، والمغيرة بن شعبة، وبسر بن أرطأة، وغيرهم- رضي الله عنهم - وله في هذا سلف، ومذاهب باطلة وأقوال شانئة، وهم المعتزلة، والرافضة، ومن على شاكلتهم من الطوائف الضالة المضلة، وله كلام باطل، وعن الحق عاطل في كتابه (القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع) (ص:9/10)، يقول بعد كلام طويل يشم منه رائحة التشيع: (وننبه هنا على خطأ وقع من جماهير المسلمين، قلد فيه بعضهم بعضاً ولم يتفطن له إلا الشيعة. ذلك أن الناس حين يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكرون معه أصحابه، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سأله الصحابة فقالوا:كيف نصلي عليك؟ أجابهم بقوله: (قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد)، وفي رواية: (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته)، ولم يأت في شيء من طرق الحديث ذكر أصحابه، مع كثرة الطرق وبلوغها حد التواتر، فذكر الصحابة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، زيادة على ما علمه الشارع، واستدراك عليه، وهو لا يجوز. وأيضاً فإن الصلاة حق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولآله، لا دخل للصحابة فيها، لكن يترضى عنهم). أما أخوه الأكبر فيقول في (بحره العميق) (1/48/49/50/51): (معاوية كان يطمع الناس بالأموال الطائلة ويأمرهم بوضع الأحاديث في ذلك وفيهم من هو منسوب إلى الصحبة ومعدود في جملة الصحابة... الطاغية معاوية قبحه الله ولعنه...ومن تعظيم جنابهم الأقدس وحماهم الأطهر تنزيههم عن إدخال المنافقين والفجرة فيهم، وعدهم من زمرتهم مثل معاوية وأبيه وابنه والحكم بن العاص وأضرابهم قبحهم الله ولعنهم فإن عد هؤلاء من جملة الصحابة بعد تكذيب خبر الله ورسوله بكفرهم ونفاقهم حط من قدر الصحابة- رضي الله عنهم - ... وعلم سيرة الفاجر اللعين معاوية، ومعاندته لله ورسوله واستخفافه بأمرهما واستهزائه بالشريعة المحمدية وسفكه الدماء البريئة). وقال في رسالة أرسلها إلى فضيلة شيخنا محمد بوخبزة: (معاوية منافق كافر). وقال في (جؤنته) (1/5): (كان يجبر الناس على وضع الحديث في فضل الشام). ويقول ابن أخيهم عبد الباري في شريط (مناقب علي) بتاريخ 11/5/1996م (معاوية من المعلوم ومن الثابت في الصحيح في (صحيح مسلم) وفي التاريخ أيضاً لما استقر له الأمر رسَّمَ في خطبة الجمعة وأمر الخطباء أن يلعنوا علي بن أبي طالب في خطبة الجمعة)، ومنع في شريط آخر الترضي عن معاوية- رضي الله عنه - وقال: (وهناك أناس من الصحابة لا يترضى عنهم)، وقال: (كانت الأمة في أمن ورخاء وأمان حتى جاء الشيطان اللعين معاوية بن أبي سفيان). ويقول التليدي-لا رحم الله فيه مغرز إبرة إن لم يتب- في (إنجيله النجس) (القول الممجد في الدفاع عن كرامة سيدنا أحمد) (ص:29/30): (كمعاوية الطاغية لعنه الله فهو يترضى ويترحم عليه مع أنه منافق...وكان معاوية عدواً لدوداً ثم ذكر عليه بهلة الله أحاديث موضوعة باطلة يرفعها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فاستحق بذلك مقعداً في جهنم-لا أخرجه الله منها إن لم يتب- فيقول: وقال عليه السلام لمعاوية وعمرو بن العاص اللهم اركسهما في الفتنة ركساً ودعهما في النار دعاً وقال عليه السلام في معاوية: إن معاوية يوم يموت يموت على غير ملتي، وهو في النار ألف سنة ينادي يا حنان يا منان). والذي قال هذا جدك اللعين عبد الله بن سبأ اليهودي الرافضي، وشيخك الغماري وسوف أتفرغ لك في كتاب مستقل أدافع فيه عن خال المؤمنين، وأعدل ملوك المسلمين، وكاتب وحي رب العالمين. وأريك- ولأمثالك من الرافضة أحفاد اليهود -من أين تؤكل الكتف؟. هذا ولفضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة كلام عجيب في الدفاع عن معاوية رضي الله عنه-بل وعن كل الصحابة-في كتابه: (نفل النديم وسلوان الكظيم في المحاضرات والنوادر). (ص:172) نصه: (فائدة: نقل الشيخ مُرتضى الزَّبيدي في شرحه للأحياء (إتحاف السادة المتقين، بشرح إحياء علوم الدين) (1/202/-2/223) عن محي الطين ابن العربي الحاتمي الصوفي قولَه: (معاوية كاتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصهره وخال المؤمنين، فالظن بهم جميل، رضي الله عنهم أجمعين، ولا سبيل إلى تجريحهم، وليس لنا الخوض فيما شجر بينهم، وهم مأجورون في كل ما صدر عنهم عن اجتهاد سواء أخطأوا أو أصابوا) قال مرتضى تعليقاً على هذا الكلام: وهو كلام نفيس يتفتح باب حسن الاعتقاد في سلفنا، ويتعين على كل طالب للحق معرفة ذلك. قال أبو أويس: هذا كلام ابن العربي صاحب (الفتوحات) و(الفصوص) الذي يغلو فيه الغماريون بطنجة حتى إن عبد العزيز يصفه في مؤلفاته بمُحي الدين والإيمان، ولا أعرف هذا لغيره ولا شك أنه يقرأ: مُحيي الدين بضم الميم اسم فاعل، وهم في هذا مقلدون لشقيقهم الأكبر وقدوتهم أبي الفيض الذي ما سمعته ينتقد بواقر ابن العربي، ويصفه بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر ويصف فتوحاته بأنها مشحونة بالمعارف الإلهية والعلوم الربانية. ولكنهم مع ذلك يلعنون معاوية وأباه وبني أمية عموماً وعمرو بن العاص وسمرة بن جندب وغيرهم وعبد الله بن الزبير، وحتى حفيدهم عبد الباري الزمزمي سار على طريقهم الخ). وفي (ص:229). يقول: (فائدة: كان الإمام أحمد- رضي الله عنه - يأمر بضرب من يجمع الأحاديث التي فيها شيء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زجراً له عن ذلك، وإذا سئل عن كتابتها قال: (لا تنظر فيها، وأي شيء في تلك من العلم، عليكم بالسنن والفقه وما ينفعكم) رواه الخلال في (السنة) (2/501). وهذا من فقه الإمام أحمد وشفوف نظره وحرصه على اتباع الإجماع لعلمه أن تلك الأحاديث معظمها وضع في الفتنة بين الصحابة وعمل فيها ووقع فيها التزيُّد، وما صح منه قليل من قليل مع احتماله للتأويل، وأين هذا المسلك السليم الناجي مما رأينا عليه شيخنا أبا الفيض من التحدث بها للكبير والصغير، وكم كان تحز في نفسي أن أرى بعض مريديه من العوام الجهلة، وقد ادخرهم للدفاع عن الزاوية إذا ذُكر معاوية بادر إلى لعنه، وسمعته يقول: بأن حريز بن عثمان كان يلعن علي بن أبي طالب في السُّبْحة (إن صحت الرواية) فأنا ألعن معاويةَ في السبحة كذلك، ويأخذها ونحن بحضرته ننظر ونسمع ويقول: (لعن الله فلاناً ويستمر)-قلت: وقد سمعنا من شيخنا محمد البقالي في حق أصحاب رسول الله ما يندى له الجبين ويتفتت له الكبد ولا سيما معاوية وأبيه وأمه وعمرو بن العاص وغيرهم. فالبقالي والتليدي سيئة صغيرة من سيئات أحمد بن الصديق-ويقول في نفس المصدر (ص:233): (فائدة: كان الشيخ أحمد الرفاعي الصوفي المشهور البطائحي شيخ الطريقة الرفاعية وهي من أوسع الطرق الصوفية انتشاراً في الشرق لما عرف عن أصحابها من العجائب والشعبذة، وهو محل إجماع عن الصوفية من القرن السادس إلى اليوم، كما في (روضة الناظرين) من كتب الرفاعية المعتمدة. كان الرفاعي يقول بل يأمر بالكف عما شجر بين الإمام علي ومعاوية ويقول: (معاوية اجتهد وأخطأ، وله ثواب اجتهاده، والحق مع علي وله ثوابان، وعلي أكبر من أن يختصم في الآخرة مع معاوية على الدنيا، ولا ريب بمسامحته له، وكلهم على الهدى). قال أبو أويس: ننقل هذا لا اعتداداً بالطرقيين ومشايخهم كائنين مَن كانوا وإنما إلزاماً لمعتقديهم المنتسبين إليهم والمنوهين بمعارفهم الإلهية وكشفهم، وتنوير بواطنهم الخ خزعبلاتهم، كأبي الفيض الغماري وإخوانه بطنجة، فقد أشاعوا بالمغرب عموماً وبطنجة خصوصاً بلاءً لا يُطاق في هذا الصدد، وقد ناظرت بعض شبابهم بمكتبة الإخوان بها، فإذا به يجهل كل شيء يتعلق بالصحابة وموقف أهل السنة من السلف الصالح، ويردد ما سَمعه من عبد العزيز بن الصديق من الأحاديث الواردة في المثالب وقضية فَدَك الخ زُبالات أذهان القِردة والخنازير من الرافضة أخزاهم الله، ومع هؤلاء وعلى سَننهم عبدُ الله الهَرَري الحبشي الموجود ببيروت وهو من رؤوس الفتَن التي بُلي بها المسلمون في هذا الوقت وقد تخطت فتنته الشرق إلى أمريكا وكَنَدا والدول الأوربية، وآراؤه وأفكاره واجتهاداته تلقى رواجاً هناك، وربما كان من ورائها مَن يسعى لتوسيع دائرة الفُرقة والتناحر بين المسلمين حتى يُقضى على البقية الباقية من الحق بأيديهم، ويتم الفشل وذهاب الريح، وإلى الله المشتكى وهو المستعان وإليه تصير الأمور). وقال أيضاً في (ص:238): (فائدة: الإمساك عما شجر بين الصحابة من مبادئ أهل السنة العَقَدية ونصوصهم في هذا معلومة. أما شعار المبتدعة كالروافض ومن ينحو نحوَهم كالأحباش ودرقاوة طنجة فشعارهم الوقيعة في الصحابة، ولن يسكتوا عما جرى بين الصحابة حتى تقوم الساعة كما قال الشيخ عبد الرحمن دمشقية. وأنا أقول إلى غاية ظهور مَهدينا محمد بن عبد الله الهاشمي الذي يملأ الأرض عدلاً كما مليئت جوراً. والذي تواترت بظهوره الأخبار، لا مهدي الشيعة الذي ما زال حياً في سرداب ... (سامراء) بالعراق والذي عند ما يخرج من المغارة سيقتل الخلفاء الراشدين والصحابة انتقاماً لعلي وأهل بيته!؟). وله كلام آخر طويل في (ص:242/243).ولشيخنا كلام أخر أطيب وأنفع في تعليقه على (جؤنة العطار). ولعلنا نقوم بجمعه في رسالة مستقلة إن شاء الله تعالى. فائدة: قال الحافظ أبو زرعة للذي قال له: (إني أبغض معاوية) فقال له الحافظ: (ولِمَ؟ قال: لأنه حارب علياً بغير حق. فقال له أبو زرعة: رب معاوية رب رحيم، وخصمه خصم كريم، فما دخولك بينهما؛ أي: أنت فضولي، أدخلت نفسك فيما لا يعنيك، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه). انظر: (تحذير العبقري من محاضرات الخضري) (1/38/39).-فائدة: العبقري: منسوب إلى عَبْقَر، وقد قيل: إنه في الأصل قرية يسكنها الجن فكلما رؤي شيء غريب يصعب عمله، أو: شيء عظيم، نُسب إليها، وقيل: هو الديباج"الذخائر/338"-و(كتب حذر منها مشهور لا العلماء) (2/9) بل كتاب مشهور يحتاج إلى تحذير. إن أخذنا بمنهجه في التحذير.(1/25)
وعمن تبع
هديه(1) وتأدب بآدابه. أما بعد: فإن شقيقنا الحافظ أبا الفيض ألف كتاباً سماه: (توجيه الأنظار إلى توحيد المسلمين في الصوم والإفطار)، دعا فيه إلى وجوب اتحاد المسلمين في صيام رمضان، وفطرهم منه، تفادياً لما يحصل في كل سنة من التفرقة والاختلاف، حيث نجد البلاد الحجازية يبتدئ رمضان فيها يوم الجمعة مثلاً، ويبتدئ في مصر يوم السبت، أما المغرب فيبتدئ يوم الأحد، ويحصل مثل هذا الاختلاف في عيد الفطر، وفي عيد الأضحى، وهذا يورث بلبلة في الأفكار، وتباعداً بين المسلمين، وربما يؤدي إلى قطيعة وتصارم(2) فإن الحجاز أو العراق حين يعلم أن مصر أو ليبيا مثلاً لم تعمل برؤيته مع ثبوتها بالطريق الشرعي يحصل له نفورٌ واشمئزازٌ، يستمر على طول الأيام، حتى ينتهي إلى جفاء، وهذا خطر كبير، يزيد في التفرقة بين المسلمين، ويساعد على تشتيت جهودهم، فكان تلافي هذا الخطر، بتوحيد المسلمين في مواسمهم الدينية، من صيام وفطر، وتضحية، أمراً بالغ الأهمية، يؤيده الدين بتعاليمه السمحة المرضية، وتقتضيه ظروفهم السياسية، ودعا إليه مؤتمر علماء المسلمين
__________
(1) -لِمَ لَمْ تتبع أنت هديه في العقيدة والسلوك؟ أما تعلم أن من صفة اليهود القول دون العمل؟
(2) -بل بعض أتباع شيخنا محمد الزمزمي-رحمه الله- المحسوبين على طلبة العلم، يكفرون من يصوم مع أول رؤية شرعية، شرقية كانت أو غربية، ومصحفهم في ذلك: (الدليل الفاصل على أن الصيام مع المشرق فاسد باطل). وهذا الرسالة ليس فيها إلا مراشقة كلامية فارغة من البرهان كفراغ قلب أم موسى. فهم ينتحلون ما تهواه نفوسهم، وما تزينه لهم شيوخهم، وبهذا يتجبرون عن الخلق، فكأنهم لم يُخلَقوا من مادة التواضع-التراب-لو استعانوا بالحق لرجعوا إلى الحق ولكن الأمر لله. ولنا أن نوضح لهم منار الحق، ونبين لهم ما نعتقده أنه حق، فقد وقد. والكمال لله الواحد الأحد. وكم ترك الأول للآخر. والعلوم مِنح إلهية وفتوحات ربانية.(1/26)
المنعقد بالقاهرة المعزية(1)، وهو مع ذلك مذهب المالكية والحنفية، لكن شخصاً يحب العناد لأجل العناد، ويهوى الخلاف لذات الخلاف. آلمه أن يسبق أبو الفيض إلى هذه الفكرة النبيلة السامية، التي تواطأ على الدعوة إليها علماء ومثقفون من مختلف البلاد الإسلامية، ولم يستطع إبطالها بدليل، أو تعليل، لأن كتاب: (توجيه الأنظار) محَّصَ الأدلة ونقحها، واستعرض الآراء وسبرها، ودلل وعلل، وحاجج ونافح، وقدم للقراء بحثاً محرراً، منقحاً مهذباً، ليس فيه ثلمة(2)
__________
(1) -بل عدة مؤتمرات عُقدت لتناقش هذه المسألة لكنها بدئت عقيمة وانتهت عقيمة، مرة في مصر، ومرة في الكويت، ومرة في الحجاز، ومرة في ليبيا، ومرة في تركيا، ومرة في مراكش، وفاس. لكن بدون جدوى، بقي الأمر على ما هو عليه!!.
(2) -هذه المبالغة لا تكون إلا لكتاب الله، أما (توجيه الأنظار)، فلو لم يكن فيه من المصائب والطامات والبواقر والقوادح إلا قوله: (بل يحتمل أنه لم يقبل رؤية معاوية وحكمه لأنه باغ لم تثبت إمامته شرعاً ولم تثبت عدالته بما سفك من الدماء، وهتك من حرمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وحرمات الشريعة، حتى أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه من أهل النار، وأنه يموت على غير ملة الإسلام، وأمر بقتله إذا رؤي فوق منبره وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الواردة فيه...لاسيما وقد ثبت عن الشوام في عصر معاوية تمالؤهم على الكذب وشهادة الزور كما وقع في قصتهم مع صاحب الجمل: حيث دخل رجل من أهل الكوفة دمشق وهو على بعير له، وذلك حين منصرفهم عن صفين فتعلق به رجل من الشام فقال: هذه ناقتي أخذت مني بصفين، فارتفع أمرهما إلى معاوية وأقام الشامي خمسين رجلاً بينة يشهدون له أنها ناقته، فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم الناقة إليه، فقال الكوفي: أصلحك الله إنه جمل وليس بناقة، فقال معاوية: هذا حكم قد مضى. ودس إلى الكوفي بعد تفرقهم فأحضره وسأله عن بعيره فدفعه إليه وقال له: أبلغ علياً أني أقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل!! وكذلك اختبر طاعتهم له فصلى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعة يوم الأربعاء فوافقوه على ذلك، وكان يأمرهم أن يقوموا في المحافل فيروون أحاديث يلقنهم إياها ويدعون أنهم سمعوها من الصحابة وهي في فضل الشام، وأنهم على الحق، وفي ذم أهل العراق وأنهم على الباطل، ولذلك كثرت الأحاديث الموضوعة في فضل الشام مع أنها مروية برجال الصحيح، لأنها مكذوبة من الأصل تحسيناً من الحفاظ للظن بمعاوية وحزبه). لكفى. انظر: (توجيه الأنظار) (ص:122/123). قال فضيلة شيخنا العلامة محمد بوخبزة معلقاً على هراء أحمد بن الصديق في (جؤنته) (1/5): و(الطريف أن المؤلف بعد هجرته من المغرب وزيارته لسوريا وإكرام أهلها له، غَيَّرَ رأيَه وكتب إلى أخيه الأستاذ حسن يخبره بذلك، كما أخبرني بذلك)، فإذاً فأحمد بن الصديق نسخ تضعيفه لأحاديث فضائل الشام بإكرام أهل الشام له، فانظروا إلى الهوى والطمع ما ذا يصنع؟ فالطمع هو الذي يصحح ويضعف عند الشيعة. وقال عنه أيضاً: (وإن الشيخ أحمد بن الصديق أستاذي وصهري. وقد خالطته مدة، وقد كان نسيجَ وحده-رحمه الله-في علمه وأخلاقه وسلوكه بالمغرب. فهو حافظ مطلع ذو باع طويل في علوم الحديث. وهو سلفي في العقيدة والاتباع ومحاربة التقليد والتمذهب، خلفي في بعض ذلك. متصوف غارق في وحدة الوجود شاذلي درقاوي شيخ طريقة متميزة بمدينة طنجة. وهو في نفس الوقت متشيع يقف على عتبة الرفض. فكان في أحواله وغرابة سلوكه يشبه الطوفي الحنبلي القائل:
حنبلي رافضي أشعري إنها والله إحدى الكُبَر).
وقد قلت-بالسجن المحلي بتطوان2صفر1428هـ-:
لا نَهْجَ إلاَّ نَهْجُ أحمدَ فالتَزِمْ * تخرج لنور من ظلام حالكِ
هذا سبيل الله فاتَّبِعَنْ وذَرْ * سُبُلاً سِوَاهُ تَقُودُ نحوِ مهالكِ
انظر: مقدمة الشيخ حمدي السلفي لكتاب (فتح الوهاب لتخريج مسند الشهاب) (ص:5). كما في مقدمة (توجيه الأنظار) (ص:17). لأخينا الفاضل الشيخ حسن الكتاني.(1/27)
ولا (لوائد) أن يزيد عليه كلمة. فماذا يفعل صاحبنا المريض بالعناد والخلاف؟ لقد جهد جهده، وأكل ذهنه، وعصر مخه واستلهم رئيه، ثم طلع بما سماه إشكالاً. طنطن(1)
__________
(1) -قال الجوهري في (الصحاح) (6/2159): (الطنين: صوت الذباب والطست والبَطَّة تَطِنُّ إذا صوت). وقال الزمخشري في (أساس البلاغة) (ص:397): (طنن-طن الذباب والبعوض والطست، وطنت أذنه طنيناً، وطنطنتْ طنطنةً، وأطننتُ الطست). ومثله في (النهاية في غريب الحديث والأثر) (3/140-باب الطاء مع النون). ومن ذلك قول شاعرنا العربي:
أو كلما طنَّ الذباب زجرته * إن الذباب إذاً عليّ كريم(1/28)
به ودندن(1) وتغنى بمدحه وافتن، واستبد به الغرور، حتى زعم أن الجواب عنه من مستحيلات الأمور(2) ودعا الذين يصومون ويفطرون برؤية المشرق مستشرقين(3) عيباً لهم ونقصاً، لتشبيههم بالكفار الذين يستشرقون(4)
__________
(1) - (الدندنة): أن يتكلم الرجل بالكلام تُسمع نغمته ولا يُفهم، وهو أرفع من الهينَمة قليلاً (النهاية في غريب الحديث والأثر) (2/137/-باب الدال مع النون). وقال الزمخشري في (الفائق في غريب الحديث) (1/440/441): (دندن: هي كلام أرفع من الهينمة، تُرَدّده في صدرك، تسمع نغَمَته ولا يُفهم. ومنه: دندن الرجل: إذا اختلف في مكان واحد مجيئاً وذهاباً).
(2) -ويقصد هنا ما قاله شيخنا الزمزمي في (الدليل الفاصل) (ص:26): (تنبيه: هذا السؤال الذي أوردته الآن كنت قد ذكرته في كتابي (الإهلال)، وطلبت من الذين يصومون مع المشرق أن يجيبوا عليه فلم يفعلوا شيئاً، من ذلك الوقت إلى الآن لهذا أعدت ذكره في هذه الرسالة. بصورة أوضح مما ذكرته في الإهلال).
(3) -يقول شيخنا عبد الله بن الصديق: (مع أن المسألة تتعلق بحكم فقهي فيه مذهبان، تمسكنا بالراجح منهما، لقوة دليله، فمن قلد المذهب المرجوح فله ذلك. ولكن ليس له أن يشنع، كأن المسألة تتعلق بالعقيدة هذا غلو قبيح). يقول أبو عاصم: (والمشهور في مذهب مالك إذا خالف الدليل صار مرجوحاً، والراجح هو ما وافق الدليل وثبت في النص. والراجح هو ما قويَّ دليله، وهو الأعلى. والمرجوح هو الذي لم يَقْوَ دليله وهو الأدنى).
(4) -والمقصود بهذا الكلام بل وبهذا الرد كله شيخنا محمد الزمزمي ورسالته الموسومة بـ(الدليل الفاصل على أن الصيام مع المشرق فاسد باطل)، حيث يقول-وغفر الله لنا وله- في (ص25/26): (ومما ذكرناه يعلم أن المستشرقين الذين يصومون مع المشرق لا يصومون رمضان كاملاً ولا يمكنهم أن يكملوه لأن هلال شوال يرى بالمشرق والوقت لا يزال بالغرب عصراً فإذا رؤي الهلال في ذلك الوقت كانوا مفطرين شرعاً وإن استمروا صائمين إلى الليل عرفاً لوقوع صيامهم في ذلك الوقت في شوال كما بينا).(1/29)
وقد كنت أجبت عنه بجوابين، ظننتهما كافيين في رجوعه إلى الصواب، وداعيين إلى اعترافه بخطئه، والاعتراف بالخطأ مكرمة لا تعاب، غير أنه لج في الخصام والعناد، وعاد إلى تفسير إشكاله(1)بما زاده بطلاناً وفساداً على فساد. فكتبت هذه الرسالة، وأصبت مقاتل إشكاله بهذه العجالة، ولم أقصد بتحريرها أن أرده إلى حظيرة الصواب، أو أضمه إلى فئة المنصفين أولي الألباب، لأنه يرى الرجوع عن رأيه منقصة وعاباً، خطأً كان الرأي أو صواباً، وإنما قصدت أن أنقذ من انخدعوا به إن كان عندهم بعض من علم، أو بقية من إنصاف، حتى يعودوا إلى جادة الطريق، ويدعوه وما اختار من الانحراف(2)
__________
(1) -يشير إلى ما جاء في رسالة شيخنا محمد الزمزمي-رحمه الله-الموسومة بـ(الدليل الفاصل) (ص:26): (الإشكال الذي لا يتم معه الصيام ولا يمكن أن يتم مع أن العلماء من أهل الفلك وغيرهم لم يدركوا ذلك ولم يتنبهوا له، فلذلك أوجبوا الصيام برؤية الأقطار البعيدة وطعنوا فيمن لا يصوموا بها). وأخرى بـ(الإهلال بدليل مراعاة اختلاف مطالع الأهلة في الأقطار وهو مقدمة كتاب رفع الستار عن أغلاط توجيه الأنظار) (ص:4/5/6): (فالسنة النبوية دالة على مراعاة اختلاف المطالع كما ترى فمن عمل بها فذاك ومن خالفها فإنه سيقع في إشكال لا يجد منه مخرجاً ولا يستطيع عنه جواباً... فهذا إشكال لا مناص منه لمن يقول بالاتحاد في الصوم والفطر ولا جواب له... وقد اشتبه الأمر في هذا الإشكال). ولهذا يسميه في هذه الرسالة غالباً بـ(صاحب الإشكال).
(2) -وفي مثل هذا يقول شيخنا عبد الله بن الصديق في كتابه (القول الجزل فيما لا يعذر فيه بالجهل) (ص:11): (الخامس عشر: جهل وزير الأوقاف المغربي الذي قدمت له إدارة نظارة طنجة شهادة خمسين مسلماً من جهات مختلفة بأنهم رأوا هلال رمضان، وهذا تواتر، ومع ذلك أهملها وتحمل إثم فطر الشعب ليوم من رمضان، بدعوى أن القاضي لم يزكها، ولو كان عنده علم وإخلاص، لعرض تلك الشهادة على أحد قضاة العاصمة فيزكيها على أن تلك الشهادة مستفيضة، وهي لا تحتاج إلى قاض أو تعديله، كما في (شرح الزرقاني على المختصر). ولكن ذلك الوزير جاهل مخذول). –وحينها صام الناس ثمانية وعشرين يوماً-وكم للرجل من أذلال وقواصم وبواقر يستعيذ منها إبليس، ففساده أخطر وأعظم من فساد الرهط التسعة من قوم صالح، أعطي مقولاً، وعدِم معقولاً، أعطى للإسلام اللفاء، وللطغاة الوفاء وصدق من قال:
ليبك على الإسلام من كان باكياً فقد مُسخ الأشياخ مسخاً يهودياً
والمغاربة دائماً يصومون شهراً ناقصاً. وغيرهم يصوم شهراً كاملاً. إذاً ماذا عن اليوم الذي أفطروه؟ الجواب عند الجصاص: (وإذا صام أهل مصر للرؤية تسعة وعشرين يوماً وأهل مصر آخر للروية ثلاثين يوماً فقد أوجب أصحابنا على الذين صاموا تسعة وعشرين يوماً قضاء يوم، لقوله تعالى: (ولتكملوا العدة)، فأوجب إكمال عدة الشهر، وقد ثبت برؤية أهل بلد أن العدة ثلاثون يوماً، فوجب على هؤلاء إكمالها لأن الله لم يخص بإكمال العدة قوماً دون قوم، فهو عام في المخاطَبين). قال الخطابي في (معالم السنن): (قال ابن المنذر: قال أكثر الفقهاء: إذا ثبت بخبر الناس أن أهل بلد من البلدان قد رأوه قبلهم فعليهم قضاء ما أفطروه، وهو قول أصحاب الرأي يعني الحنفية، ومالك، وإليه ذهب الشافعي وأحمد... إذا رؤي ببلدة لزم أهل جميع البلاد الصوم). انظر: (توجيه الأنظار) (ص:30/79). ط دار البيارق.(1/30)
والله الموفق(1) الهادي(2)
__________
(1) -والتوفيق لغة هو: التسديد والإصابة في الشيء، واصطلاحاً هو: جعل الله تعالى فعل عباده موافقاً لما يحبه ويرضاه. والتوفيق عزيز ومع عزته لم يذكر في القرآن إلا مرة واحدة. عند قوله تعالى: (وما توفيقي إلا بالله).
(2) -الهداية أنواع: منها: هداية التوفيق، وهي المقصودة هنا، وهداية الإرشاد، وهداية الحواس، وهداية الوجدان، وهداية الحسبان، وزاد بعضهم: هداية التعريف، وهداية التوصيف، وهداية التشريف، وهداية التلطيف، فالهداية والضلالة لله خلقاً وإيجاداً وللعباد كسباً وفعالاً. قال ابن عاشور في (التحرير والتنوير) (1/188/189): (وقد قيل: إن حقيقة الهداية: الدلالة على الطريق للوصول إلى المكان المقصود. فالهادي هو العارف بالطرق وفي حديث الهجرة: (إن أبا بكر استأجر رجلاً من بني الديل هادياً خِرِّيتاً)... والهداية في اصطلاح الشرع حين تسند إلى الله تعالى هي الدلالة على ما يرضي الله من فعل الخير ويقابلها الضلالة وهي التغرير... والهداية أنواع تندرج كثرتها تحت أربعة أجناس مترتبة: الأول إعطاء القوى المحركة والمدركة التي بها يكون الاهتداء إلى انتظام وجود ذات الإنسان، ويندرج تحتها أنواع تبتدئ من إلهام الصبي التقام الثدي والبكاء عند الألم إلى غاية الوجدانِيَّات التي بها يدفع عن نفسه كإدراك هول المهلكات وبشاعة المنافرات، ويجلب مصالحه الوجودية كطلب الطعام والماء وذودِ الحشرات عنه وحك الجلد واختلاج العين عند مرور ما يؤذي تجاهها، ونهايتها أحوال الفكر وهو حركة النفس في المعقولات أعني ملاحظة المعقول لتحصيل المجهول في البديهيات وهي القوة الناطقة التي انفرد بها الإنسان المنتزعة من العلوم المحسوسة. الثاني نصب الأدلة الفارقة بين الحق والباطل والصواب والخطأ، وهي هداية العلوم النظرية. الثالث الهداية إلى ما قد تقْصُر عنه الأدلة أو يفضي إعمالها في مثله إلى مشقة وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب وموازين الفسط وإليها الإشارة بقوله تعالى في شأن الرسل (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا). الرابع أقصى أجناس الهداية وهي كشف الحقائق العُليا وإظهار أسرار المعاني التي حارت فيها ألباب العقلاء إما بواسطة الوحي والإلهام الصحيح أو التجليات، وقد سمى الله تعالى هذا هدىً حين أضافه للأنبياء فقال: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده). وللعلامة ابن القيم في (مدارج السالكين) بحث طويل في الهداية وأنواعها. قلت: والمشهور منها هدايتان: هداية التوفيق وهي من خصائص الله، وهداية الإرشاد وهي للأنبياء وورثتهم والأدلة فيهما كثيرة أعرضنا عنها اختصاراً.(1/31)
، إليه فوضت أمري وعليه اعتمادي.
مقدمة
نمهد بها لموضوع بحثنا، وهي تشتمل على مسائل:
1-الحكم الشرعي ينقسم قسمين:
حكم تكليفي، وهو: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء و التخيير، فإن اقتضى الفعل اقتضاءً جازماً، فإيجاب. والفعل واجب أو فرض كالصلاة والصيام والزكاة وإن اقتضى ترك شيء اقتضاءً جازماً، فتحريم.
والفعل حرام ومعصية(1) إن اقتضى ترك شيء اقتضاء غير جازم فكراهة. فالفعل مكروه كصلاة نفل بعد العصر(2)
__________
(1) -كالزنا والربا وشرب الخمر.
(2) - قال المحدث الألباني في (السلسلة الصحيحة) (6/ق/1/150/106/رقم:254/6/ق/2/1010/ رقم:2920/7/ق1/522/523/524/525/526/ رقم:3173/ و527/528/ رقم:3174) تحت عنوان: (صلاة منسية ينبغي إحياؤها).عند قول عائشة رضي الله عنها (كان لا يدع ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر): (...قلت: فمن الخطأ الشائع في كتب الفقه: النهي عن هاتين الركعتين، بل وعدم ذكرهما في زمرة السنن الرواتب مع ثبوت مداومته- صلى الله عليه وسلم - عليهما كما كان يداوم على ركعتي الفجر، ولا دليل على نسخهما، ولا على أنهما من خصوصياته- صلى الله عليه وسلم -، كيف وأعرف الناس بهما يحافظ عليهما-وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها-ومن وافقها من الصحابة كما تقدم. يضاف إلى ذلك أن النصوص الناهية بعمومها عن الصلاة بعد العصر هي مقيدة بالأحاديث الأخرى الصريحة بإباحة الصلاة قبل اصفرار الشمس، ومنها حديث علي- رضي الله عنه -مرفوعاً بلفظ: (لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة). وهو حديث صحيح جاء من أكثر من طريق، وقد سبق تخريجه برقم: (200 و314). وقد ذهب إلى شرعية هاتين الركعتين أبو محمد بن حزم في (المحلى)، والردَّ على المخالفين في بحث واسع شيق في آخر الجزء الثالث وأول الرابع؛ فليراجعه من شاء. راجع الذي قبله؛ لتعرف سبب ضرب عمر لمن كان يصلي الركعتين).(1/32)
وإن خير(1) فإباحة والفعل مباح، كالبيع، والإجارة، وتناول الطيبات.
وحكم وضعي، أي: جعلي، وهو: خطاب الله المتعلق بجعل الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً، فالسبب هو ما يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدمه، كالزوال إذا وجد وجبت صلاة الظهر، وإذا لم يوجد لم يجب الظهر، والشرط هو ما يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولا عدمه. كالطهارة من الخبث والحدث شرط في صحة الصلاة فإذا فقدت الطهارة فقدت الصلاة شرعاً، وإذا وجدت لم توجد الصلاة، لجواز أن يتطهر في وقت لا تجوز فيه الصلاة. والمانع هو ما يلزم من وجوده عدم الحكم، ولا يلزم من عدمه وجود الحكم، ولا عدمه، كالحيض، وجوده يمنع وجوب الصلاة، والصوم. لكن عدمه يوجب الصلاة، والصيام لأن الحائض قد تطهر في وقت لا يجبان فيه(2) واللزوم المذكور في هذه التعريفات شرعي، وليس بعقلي.
__________
(1) -يعني إذا خير بين الفعل والترك.
(2) -كأنْ تطهر في الضحى، فلا تجب عليها صلاة، أو: وهي مريضة فلا يجب عليها صيام.(1/33)
2-اليوم في عرف الشرع، هو الوقت الواقع بين طلوع الفجر، وغروب الشمس والليل هو الزمان الواقع بين غروب الشمس وطلوع الفجر، ولا يخفى أن البلاد المشرقية، يبتدئ اليوم فيها قبل البلاد المغربية، بساعة وساعتين وأكثر، حسب اختلاف أطوال البلاد، وقرب بعضها من مطلع الشمس، وينشأ عن ذلك سبق بلاد على غيرها في الشروق والغروب. فالعراق يسبق الحجاز(1) بنصف ساعة، والحجاز يسبق مصر بنصف ساعة أيضاً. ومصر تسبق المغرب بساعتين. وهكذا. كلما كان بلد أقرب إلى مطلع الشمس، كان سابقاً على غيره في الشروق. ولكن هذا الاختلاف وصف طردي، أي لغو، لم يعتبره الشارع، وإنما اعتبر اليوم كله، فأوجب صيامه في رمضان، وفطره في العيدين، ثم إن اعتبر اليوم في كل بلد بحسب طوله، في بدايته ونهايته، ولم يعتبر اليوم في المشرق بالنسبة للمغرب، ولا العكس، لأن فروق الزمن تمنع من ذلك، فإذا غربت الشمس بالمشرق وجب عليهم صلاة المغرب، وأفطروا إن كانوا صائمين، لكن لا يجب على المغاربة صلاة المغرب في ذلك الوقت، ولا يفطرون إن كانوا صائمين، لأن يومهم لم ينته بعد، حتى إذا انقضت الساعات التي سبقهم بها المشرق، وغربت الشمس عندهم، حل لهم الإفطار حينئذ، ووجب عليهم صلاة المغرب، فيوم الخميس مثلاً في المشرق، هو يوم الخميس نفسه في المغرب، وإن كان تتقدم بدايته في المشرق، وتتأخر نهايته في المغرب، كما تتقدم بعض البلاد على أخرى في قطر واحد، فبين فاس وطنجة فرق في الوقت، كما بين أسوان والقاهرة أيضاً. هذا أمر واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.
__________
(1) -لماذا نبعد النجعة أكثر من اللازم فنطير من دولة إلى دولة-على التقسيم الاستعماري-بل: نقف في الحجاز الرياض تسبق مكة بنصف ساعة، والداخلة تسبق الرباط بـ....45 دقيقة. ووجدة والجزائر بينهما فرق خمس دقائق. الجزائر صائمة والمغرب مفطر!!!!!!!!!!!!!!!.(1/34)
3-وكذلك الليل يختلف بداية ونهاية، مع المشرق، كاختلاف النهار، لما سبق بيانه. غير أن الشارع اعتبره في عدة أحكام:
1-جعل الهلال الذي يظهر فيه، سبباً لوجوب الصيام والفطر في رمضان، وتعيين يوم عرفة لوقوف الحجاج به . قال النبي(: (صُومُوا(1) لرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِه)(2)
__________
(1) -والخطاب فيه لعموم الأمة لا لطائفة معينة، ولا لأهل بلد بخصوصهم فإذا رآه أهل بلد انصب حكم الرؤية على الجميع، ولم يرد عن الشارع ما يدل على اعتبار الرؤية لكل بلد حتى يخص هذا العموم. هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن أحكام الشريعة مبنية على الأمور المحققة التي يستوي في معرفتها العالم. والجاهل على السواء، فإذا علق أمر الرؤية على اختلاف المطالع أو اتفاقها-على القول بوجودها- يكون في ذلك عسر وأي عسر. لأن ذلك لا يعرف إلا بحساب أهل الفلك. وتقدير أهل الهندسة. فيتوقف الأمر في هذا الركن العظيم من أركان الإسلام. إلى الرجوع إلى أهل الفلك والهندسة ليخبروا بأن البلد الفلاني متفق مطلعه مع البلد الفلاني فيلزم العمل برؤيته. والبلد الآخر مثلاً لا يتفق معه فلا يلزم العمل برؤيته... صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته عام يشمل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كسائر الخطابات. والتكاليف الشرعية الأخرى التي تتعلق بجميع المسلمين بدون نظر إلى فارق أبداً. فتخصيص قوله عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته) برؤية دون رؤية. تحكم يأباه العقل. ويرفضه النظر الصحيح!! انظر: (التبيان لحجة عمل الإخوان في توحيد صوم رمضان) (ص:4). لحسن بن الصديق و(توجيه الأنظار لتوحيد المسلمين في الصوم والإفطار) (ص:40/ إلى 134). لأحمد بن الصديق
(2) -رواه البخاري في مواضع من (صحيحه) (29-كتاب الصوم، 10-باب: قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا-4/614-رقم:1909-الفتح). ومسلم في (صحيحه) (10-كتاب الصوم، 1-باب: فضل شهر رمضان، والصوم والفطر لرؤية الهلال-3/138/139/ رقم:952-المفهم/ وإكمال المعلم 4/7/ إلى 18). والترمذي في (جامعه) (6-كتاب الصوم، 2-باب: ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم، 2/156/157/ رقم:684/ وقال: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح). والنسائي في (سننه) (22-كتاب الصيام، 2/ج4/135/136/137/138/139/ رقم:2112/2113/2114/2115/2116/2117/2118/2119/2120/2121-وما بعدها). للتوسع في تخريجه انظر: (إرواء الغليل) (4/3/ إلى 10/ رقم:902/903). و(صحيح ابن خزيمة) (3/200/ إلى 207). والحديث رواه جمع من الصحابة، منهم: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأبو بكرة، ورافع بن خديج، وطلق بن علي، وعائشة، وحذيفة، والبراء بن عازب، وغيرهم - رضي الله عنهم -. انظر: (نظم المتناثر). للعلامة محمد بن جعفر الكتاني. و(الهداية في تخريج أحاديث البداية) (5/127/ إلى 135).(1/35)
.
2- جعله فطراً للصائم وإن لم يأكل، قال النبي: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ)(1). ولهذا لما سئل تقي الدين السبكي عن صائم حلف لا يفطر على حار ولا بارد، والطعام إما حار أو بارد.فكيف يبر في يمينه؟
فأجاب: يبر في يمينه بغروب الشمس، واستدل بهذا الحديث.
__________
(1) 1- رواه البخاري في مواضع من (صحيحه) (29-كتاب الصيام، 43-باب: متى يحل فطر الصائم؟ 4/709/713/ رقم:1954/1955/1956/1958) ومسلم في (صحيحه) (10-كتاب الصوم، 5-باب: إذا أقبل الليل وغابت الشمس أفطر الصائم، 3/158/159/ رقم:969/970-المفهم). والترمذي في (جامعه) (6-كتاب الصوم، 12-باب: ما جاء إذا أقبل الليل وأدبر النهار فقد أفطر الصائم 2/163/ رقم:698). وأحمد في (مسنده) (1/106/126/169/186/ رقم:192/231/338/383-تحقيق أحمد شاكر).(1/36)
3-جعله ظرفاً لركن من أركان الصيام، وهي النية، قال النبي: (مَنْ لَمْ يُبيِّتْ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ)(1) فأي شخص يريد الصيام يجب عليه أن ينويه، في جزء من الليل، وإضافة الليلة إلى الصيام في قول الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ-الآية)(2) لأنها تشتمل على ركن من أركانه(3). وهي النية-قال الحدوشي: والفقهاء يعنون: النية الفارقة فقط. دون النية الصادقة وهذا غلط واضح وقصور قبيح، بل: لا بد منهما معاً-.
فصل
__________
(1) 1-رواه أبو داود (2/327/ رقم:2454)، والترمذي في (جامعه) (6-كتاب الصوم، 33-باب:ما جاء لا صيام لمن لم يعزم في الليل، 2/178/179/ رقم:730)، والنسائي في (22-كتاب الصيام، 68-باب: ذكر اختلاف الناقلين خبر حفصة في ذلك، 2/ج4/201/202/203/ رقم:2327/2328/2329/2330/ 2331/2332/2333/2334/ 2335/2336/2337/2338/2339). وابن ماجة في (7-كتاب الصيام، 26-باب: ما جاء في فضل الصوم من الليل والخيار في الصوم 2/98/ رقم:1700). قال المؤلف: (هذا الحديث صح مرفوعاً وموقوفاً كما قال ابن حزم). قلت: لكن المؤلف ذكره بمعناه فقمنا بتصحيحه من (المحلى) (4/287). وأحسن من توسع في تخريجه والحكم عليه الشيخ الألباني في (إرواء الغليل) (4/25/إلى 30/ رقم:914).
(2) -(سورة البقرة، آية:187).
(3) - فإن قيل:ما هو الفرق بين الركن والشرط؟ ج: الشرط ما كان خارج الماهية، والركن ما كان داخلاً فيها. وماهية الشيء حقيقته أي: ذاته فالوضوء من شروط الصلاة لأنه خارج عن ماهيتها والركوع والسجود مثلاً من أركانها لأنه داخل في ماهيتها. فإن قلت: هذا لا يظهر في نحو استقبال القبلة فإنه شرط مع أنه داخل في الماهية لا خارج عنها. فالجواب: أن الفقهاء يريدون بالخروج عن الماهية أنه قدر زائد على الحركات والسكنات المعلومة. (حاشية الصفتي على شرح ابن تركي على العشماوية) (ص:87).(1/37)
إذا تمهدت هذه المقدمة، فنقول: مذهب المالكية والحنفية وجمهور العلماء(1) أنه إذا ثبتت رؤية هلال رمضان في بلد، وجب الصيام على بقية البلاد الإسلامية. فإذا رؤي الهلال في الحجاز مثلاً، وجب الصيام على العراق والشام واليمن ومصر وليبيا والمغرب وغيرها. لأن الهلال يولد مرة واحدة ولا يمكن أن تراه جميع البلاد دفعة لأسباب جغرافية تمنع من ذلك(2) لا يجوز أن يقال: (لكل قطر رؤية خاصة به). لأنه يلزم عليه أحد أمرين: إما أن يكون في السماء هلالان وأكثر، يظهر لكل قطر هلال، وهذا باطل، وإما أن الهلال يولد أكثر من مرة، ليظهر في عدة أقطار، وهذا أشد بطلاناً من الأول، ومعنى وجوب الصيام على الأقطار، وإذا رؤي الهلال بعد غروب الشمس يوم الخميس، في الحجاز مثلاً، وجب الصيام على الحجاز بلد الرؤية، وعلى مصر والمغرب برؤية الحجاز(3) كذا قرر الفقهاء، ونصوصهم موجودة في مظانها من كتب الفقه. فإن قيل: كيف يجب الصيام على المغرب برؤية مصر أو الحجاز وبينهما فرق كبير في الزمان؟ لأنه إذا كان الوقت في مصر السادسة مساء، يكون الوقت في المغرب الرابعة.
فالجواب: أن الاختلاف في الوقت بالتقديم والتأخير يعتبر من الناحية الخاصة باليوم نفسه، بمعنى أنه لا يجوز صلاة الظهر في المغرب بزوال الشمس في الحجاز أو مصر، ولا يفطر الصائم في المغرب بغروب الشمس فيهما أيضاً كما سبق بيانه، أما بالنسبة لأمر عام كرؤية الهلال التي يلزم عنها عموم الشهر لسائر البلاد(4)
__________
(1) - قال الشعراني في (الميزان) (2/16): (واتفقوا على أنه إذا رؤي الهلال في بلد قاصية أنه يجب الصوم على سائر أهل الدنيا).
(2) - قال المؤلف: (منها كروية الأرض، ووجود غيم أو مطر ببعض البلاد).
(3) - في يوم الجمعة
(4) - جميع البلاد لأن كلمة سائر إذا أطلقت تنصرف إلى معنيين:
1-جميع وكل كما هنا.
2-بعض أو باقي. يقال: سائر الناس سيموتون يعني كلهم وجميعهم. ويقال: سائر الناس لم يحضروا يعني باقيهم. وبالسياق يتبين لك المعنيان.(1/38)
. فهو لغو، لم يعتبره الشرع كما مر في المقدمة، لأنه نتيجة اختلاف أطوال البلاد، وقرب بعضها من مطلع الشمس، وإنما اعتبر منضبطاً ناط به الحكم، وهو الاشتراك في الليل، إن المغرب يشترك مع المشرق في الليل وهو الذي ربط بينهما وقديماً قال الشاعر:
ليس الليل يجمع أم عمرو تدانياً وقرباً بينهما(1)
__________
(1) - قال المؤلف: (والشعر ديوان العرب، وقد كان ابن عباس وغيره يفسرون غريب القرآن بأشعار العرب). قلت: (كان المسلمون في مختلف العصور يحفِّظون أولادهم الجيد من الشعر العربي، ليستفيدوا منه في لغتهم، وتنمية مداركهم). وعن عبد الله بن عباس قال: قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -: (تعلموا الشعر، فإن فيه محاسن تبتغى، ومساوئ تتقى، وحكمة للحكماء، ويدل على مكارم الأخلاق)- أورده المتقي في الكنز :(3/855 رقم:8945)-وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: (الشعر ديوان العرب، هو أول علم العرب عليكم بشعر الجاهلية شعر الحجاز).- أخرجه الطبري في (تهذيب الآثار) (2/ رقم:2702)-وكما ورد في الأثر: (إذا قرأ أحدكم شيئاً من القرآن، فلم يدر ما تفسيره، فليلتمسه في الشعر، فإنه ديوان العرب)-أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (10/241)، والخطيب في (الجامع) (2/206)، وذكره المتقي في (كنز العمال) رقم: (7992)-ولا نريد من أبنائنا أن يتنسكوا نسكاً أعجمياً وفي الوقت نفسه لا نريد منهم أيضاً أن يتميعوا تمييعاً أعجمياً، ولا أن يكرهوا الشعر العربي أو العجمي النظيف لما ورد عن ابن أبي الزناد، أنه قال: قيل لسعيد بن المسيب: (إن ناساً يكرهون الشعر، قال: نسكوا نسكاً أعجمياً)-أخرجه الطبري في (التهذيب) (2/2705)-ولا سيما إن كانت رغبة الأب تعلمَ الشعر العربي والجاهلي، ورغبة الولد تعلم القرآن فحسب، فلا نقول للولد: خالف أباك ولا تطعه فيما يقول لك بل نأمره أن يتعلم القرآن، ويأخذ من الشعر القدر الذي يرضي به أباه. وعن عباد بن راشد أنه قال:جاء رجل إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقال: (إني أتعلم القرآن، وإن أبي يأمرني أن أتعلم الشعر. فقال: (تعلم القرآن، وخذ من الشعر ما ترضي به أباك)-رواه الطبري في (التهذيب) (2/ رقم:2706)-ونذكِّره أيضاً: بما ورد عن عبد الملك بن مروان، حين قال لمؤدب أولاده: (علمهم الشعر يمجدوا)-رواه البخاري في (الأدب المفرد) (2/876 مدني)-ونذكره أيضاً: بما ورد عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير أنه قال: قال أبو بكر- رضي الله عنه -: (ربما قال الشاعر الكلمة الطيبة)-نسبه الحافظ في (الفتح) (10/442) أو (10/540). لابن أبي شيبة- انتهى من كتابنا: (أناشيد عربية لا إسلامية) (ص:100وما بعدها). وحاشية كتاب فضيلة شيخنا محمد بوخبزة الموسوم بـ(بيان للدجال القرمطي). (ص:78/79).(1/39)
فاعتبر جمع الليل بينه وبين أم عمرو، تدانياً وقرباً بينهما.
فصل
تبين لك مما حررناه: أن سبب صيام المغرب برؤية المشرق، هو الاشتراك في الليل، وسبق في المقدمة أن (السبب، ما يلزم من وجوده وجود الحكم، ومن عدمه عدم الحكم) والاشتراك في الليل كذلك، فإنه إذا وجد، وجد صيام المغرب برؤية المشرق. وإذا لم يوجد، لم يجب الصيام، هذا هو سبب الحكم وعلته، لا شيء آخر غيره. وبعد ما استمعت إلى ما بسطناه وأوضحناه، فاستمع إلى ما قاله صاحب الإشكال، واحمد الله على نعمة العقل الذي أنعم به عليك، واسأله أن يريك الحق حقاً، ويرزقك اتباعه، ويريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، فإن من الخذلان(1) أن تنعكس الأمور في عقل شخص وقلبه، فيرى الحق باطلاً والباطل حقاً،كما تلمسه في الثنايا(2) هذا الإشكال، وبين سطوره وكلماته. وإليك خلاصته: إن العمل برؤية المشرق معناه: أن يعتبر العامل نفسه في الشهر الذي رؤي هلاله بالمشرق بحيث يلتزم حكمه في الصوم وفي الكراء وفي كل شيء، فإذا رؤي هلال رمضان بالمشرق، وجب على العامل برؤيته أن يعتبر نفسه في رمضان من وقت الرؤية-الذي هو الساعة الثالثة بعد الظهر بالمغرب-فيصوم في تلك الساعة، لأنه الوقت من رمضان المشرق باتفاق العقلاء، فإن قال: لا يلزمني الصوم إلا بعد الغروب، سألناه عن ذلك الوقت الذي بين الساعة الثالثة التي رؤي فيها الهلال بالمشرق، وبين الغروب من أي شهر هو؟ فإن قال: من شعبان، كان قد ترك العمل برؤية المشرق ورجع إلى العمل برؤية المغرب، حيث لم يعتبر نفسه في رمضان المشرق ولم يلتزم حكمه من وقت ثبوت الرؤية، وإن قال: من رمضان، كان
__________
(1) - يقال: خذله إذا ترك نصرته وعونه. والشأن أن ترى الحق حقاً وتتبعه، وترى الباطل باطلاً وتجتنبه.
(2) - قال فضيلة شيخنا محمد بوخبزة: الثنايا: من أسماء الأسنان. ويعني شيخنا أن استعماله للثنايا في هذا المكان غلط، كما بينته في كتابي: (مجوع الرسائل في أهم المسائل).(1/40)
مفطراً في الوقت الذي هو من رمضان باعتبار الرؤية(1) التي يقول بها، وكان مخالفاً للشرع ولعلم الفلك، لأن الشهر في الشرع وفي الفلك، لا يكون أوله نهاراً.
انتهى الإشكال العجيب!! وهو فاسد الاعتبار، لابتنائه على شفا جرف هار، وبيان فساده من وجوه:
الأول: أن اعتبار العامل لنفسه في رمضان المشرق شيء اخترعه من مخه، ولا أصل له في كلام الفقهاء، فلا عبرة به.
__________
(1) - قال المؤلف: (هذه العبارة دلت على أنه لا يعرف في الفقه كثيراً ولا قليلاً). قال أحمد شاكر في كتابه: (أوائل الشهور العربية، هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب الفلكي) (ص:20/21): (فمن وصل إليه العلم بما كُلِّف به، بالطريق الذي جعله الشارع سبباً للعلم، وهو الرؤية، في أمة أمية، تعلق به الخطاب، وصار مطلوباً منه العملُ المؤقّت بوقته. والذين أهدروا اختلاف المطالع، وحكموا بسريان الرؤية في بلد على جميع أقطار الأرض، كانوا ناظرين إلى الحقيقة المجردة: أن أول الشهر يجب أن يكون في هذه الكرة الأرضية يوماً واحداً، وهو الحق الذي لا مرية فيه. ثم إن هذا التفصيل لا يعقل مع الأخذ بالحساب، كما اخترنا ورجحنا، لأن اليوم الأول من كل شهر هلالي يوم واحد في جميع أقطار الأرض، لا يختلف باختلاف المناطق، ولا ببعد الأقاليم بعضها عن بعض). نقول لمن يرى ما يراه شيخنا: إن جاز الاختلاف في الصوم والفطر كما تقولون، فمَنْ مِن المسلمين أحق بليلة القدر! ؟ وأيضاً فمن من المسلمين أحق بالقيام في عرفة!؟. وهل تقولون بما يقول به بعض المغاربة السذج بأن هناك عرفة صغيرة وهي وقت وقوف الحجاج في جبل عرفة، وعرفةكبيرة وهي يوم العيد! ؟ وهذا ينبغي أن يضاف إلى كتاب (أخبار الحمقى والمغفلين). إذاً فماذا ترون! ؟.(1/41)
الثاني: أن ذلك الاعتبار الذي اخترعه إما أن يجعله شرطاً للعمل برؤية المشرق، أو: سبباً له، والأول باطل، لأنهم صرحوا بأن معنى العمل برؤية المشرق: صيام اليوم التالي للرؤية. وصاحب الكلام أدرى بمعناه، فلا يجوز أن ندع شرحهم ونتمسك بشرح نسبه إليهم، متقول عليهم فلم يبق إلا أن يكون سبباً، وهو باطل أيضاً بالوجوه الآتية:
الثالث: أنهم عللوا صوم المغرب برؤية المشرق، للاشتراك في الليل، وهو يقضي على ذلك الاعتبار، ويهدمه من أساسه. لأن الساعة التي يرى فيها هلال رمضان بالمشرق، لا يحصل بها اشتراك في الليل، فلا يجب صيام على المغرب، سواء اعتبر العامل نفسه في رمضان المشرق؟ أم لم يعتبر؟!.
الرابع: ينشأ عن ذلك الاعتبار مفاسد، منها: أن يعتبر العامل نفسه في نهار المشرق فيصلي الظهر في الساعة العاشرة صباحاً بوقت المغرب، ويصلي العصر في الساعة الواحدة، إذ لا فرق في الاعتبار بين الصلاة والصوم، ولا بين الليل والنهار، ومن خذلان صاحب الإشكال أن اخترع ذلك الاعتبار ليفسد به قول الداعين إلى صيام المغرب برؤية المشرق، فوقع به في فساد، لم يخطر على باله. الخامس: أن الأحكام الفقهية لا تبنى على الاعتبارات المُخّية، لكن تبنى على الأسباب الشرعية. والعمل برؤية المشرق، حكم فقهي بني على سبب شرعي، وهو الاشتراك في الليل. السادس: قرر أهل الأصول في مبحث المناسبة: (أن الوصف الذي يبنى عليه الحكم لا بد أن يكون مناسباً له)، بمعنى أن يترتب على انبناء الحكم عليه مصلحة يقصدها الشارع. كمظنة المشقة التي علل بها الفطر وقصر الصلاة في السفر، فإنه ترتب عليها التخفيف. وهو مقصود للشارع.(1/42)
قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُم الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُالْعُسْرَ)(1). وكذلك الاشتراك في الليل، مناسبة لصيام المغرب برؤية المشرق، لأنه يترتب على اتحاد المسلمين في شعائر دينهم، والاتحاد أهم مقاصد الدين بعد الإيمان. حتى إن عمر- رضي الله عنه - (لما رأى الصحابة يصلون التراويح فرادى، ساءه منظر تفرقهم، واختلافهم في القيام والركوع والجلوس والسجود. فجمعهم على أبي بن كعب- رضي الله عنه - (يؤمهم. ولما خرج مرة أخرى ووجدهم يصلون مجتمعين، سره منظر اتحادهم، وقال: (نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ)(2)
__________
(1) -(سورة البقرة، آية:(185).
(2) - ه مالك في:(الموطأ) (1/136،137)، وعنه البخاري (4/203).والفريابي (73/2،74/1-2) ورواه ابن أبي شيبة (2/91/1) نحوه دون قوله (نعمت البدعة هذه) وله عند ابن سعد (5/42) والفريابي طريق آخر (74/2) بلفظ: (إن كانت هذه بدعة لنعمت البدعة) ورجاله ثقات غير نوفل بن إياس فقال الحافظ في (التقريب): (مقبول) يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث كما نص هو عليه في المقدمة. واعلم انه قد شاع بين المتأخرين الاستدلال بقول عمر (نعمت البدعة هذه) على أمرين اثنين: الأول: إن الاجتماع في صلاة التراويح بدعة لم تكن في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم - وهذا خطأ فاحش لا نطيل الكلام عليه لظهوره، وحسبنا دليلاً على إبطاله الأحاديث الواردة في جمعه - صلى الله عليه وسلم - الناس في ثلاث ليال من رمضان، وإن ترك الجماعة لم يكن خشية الاقتراض. الثاني: أن البدعة ما يمدح، وخصصوا به عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل بدعة ضلالة) ونحوه من الأحاديث الأخرى، وهذا باطل أيضاً، فالحديث على عمومه كما هو معلوم عند أهله. وقول عمر: (نعمت البدعة هذه) لم يقصد به البدعة بمعناها الشرعي الذي هو إحداث شيء في الدين على غير المثال السابق، لما علمت أنه- رضي الله عنه - لم يحدث شيئاً بل أحيا أكثر من سنة نبوية كريمة، وإنما قصد البدعة بمعنى من معانيها اللغوية وهو الأمر الحديث الجديد الذي لم يكن معروفاً قبيل إيجاده، ومما لا شك فيه أن صلاة التراويح جماعة وراء إمام واحد لم يكن معهوداً ولا ومعمولاً زمن خلافة أبي بكر وشطراً من خلافة عمر. فهي بهذا الاعتبار حادثة، ولكن بالنظر إلى أنها موافقة لما فعله - صلى الله عليه وسلم - فهي سنة وليست بدعة وما وصفها بالحسن إلا لذلك، وعلى هذا المعنى جرى العلماء المحققون في تفسير قول عمر هذا، فقال السبكي –عبد الوهاب- في (إشراق المصابيح في صلاة التراويح) (1/168) من (الفتاوى): (قال ابن عبد البر: لم يسن عمر من ذلك إلا ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحبه ويرضاه ولم يمنع من المواظبة إلا خشية أن تفرض على أمته، وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً - صلى الله عليه وسلم -، فلما علم عمر ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص منها بعد موته - صلى الله عليه وسلم - أقامها للناس وأحياها وأمر بها وذلك سنة أربعة عشر من الهجرة، وذلك شيء ادخره الله له وفضله به، ولم يلهمه أبا بكر، وإن كان أفضل وأشد سبقاً إلى كل خير بالجملة، ولكل واحد منهما فضائل خص بها ليست لصاحبه) قال السبكي: (ولو لم تكن مطلوبة لكانت بدعة مذمومة كما في (الرغائب) ليلة نصف شعبان، وأول جمعة من رجب، فكان يجب إنكارها وبطلانه (يعني بطلان إنكار جماعة التراويح) معلوم ما الدين بالضرورة). وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في فتواه ما نصه: (إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وقتال الترك لما كان مفعولاًَ بأمره - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بدعة، وإن لم يفعل في عهده، وقول عمر - رضي الله عنه - في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هي): أراد البدعة اللغوية، وهو ما فعل على غير مثال كما قال تعالى: (مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ) وليست بدعة شرعية، ألا ترى أن الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين لهم بإحسان أنكروا الأذان لغير الصلوات الخمس كالعيدين، وإن لم يكن فيه نهي، وكرهوا استلام الركنين الشاميين والصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة قياساً على الطواف، وكذا ما تركه - صلى الله عليه وسلم - مع قيام المقتضي فيكون تركه سنة، وفعله بدعة مذمومة، وخرج بقولنا مع قيام المقتضي في حياته إخراج اليهود وجمع المصحف، وما تركه لوجود المانع كالاجتماع للتراويح فإن المقتضي التام يدخل فيه عدم المانع).هـ من (صلاة التراويح) (ص:42/43/44/45) للشيخ الألباني-بتصرف يسير-(1/43)
وكره بعض التابعين للمصلين في جماعة، أن يتنفلوا بعض الصلاة فرادى. وقال: (بينما هم جميع، اختلفوا). واعتبار العامل نفسه في رمضان المشرق، لا مناسبة فيه بل لا وجود له. وإنما اخترعه صاحب الإشكال ليفسد به قول الداعين إلى الاتحاد، ناسياً قول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)(1).
السابع: أن السبب الذي بني عليه الحكم يجب أن يكون مطرداً، لا يختلف في صورة من صور الحكم، كالزوال لوجوب الظهر، ومغيب الشفق لوجود العشاء، والاشتراك في الليل لوجوب صيام المغرب برؤية المشرق، فهذه الأسباب قائمة مطردة، لا تتخلف على مدى الدهر. أما باعتبار العامل نفسه في رمضان المشرق فأمر عدمي لا وجود له، إلا في ذهن المعتبر، وليس كل واحد يلاحظ هذا الاعتبار أو يتفطن له، كما هو الشأن في الاعتبارات الذهنية الخيالية. فكيف يبنى حكم فقهي على أمر خيالي لا وجود له؟ وكيف ينسب القول به أو بما يلزم عنه إلى العلماء الذين يوجبون الصيام برؤية المشرق؟ وهم أعقل وأذكى من أن ينطقوا بهذا السخف؟ فإن قال: هو لازم لقولهم، قيل له: نعم، في مخك! بحسب فهمك، أما عند العلماء فلا تلازم بينهما ولا تقارب.
__________
(1) - سورة آل عمران، الآية:(103).(1/44)
الثامن: أن ذلك الاعتبار يؤدي إلى أن يكون الناس في رمضان قسمين: من لاحظ واعتبر نفسه في رمضان المشرق وجب عليه الصيام، ومن لم يلاحظ لم يجب عليه الصيام، ولم يعهد في فريضة عينية، أن تجب على شخص دون الآخر، إلا لعذر كمرض مثلاً. فإن قيل: يجب على الشخص أن يعتبر نفسه في رمضان المشرق، كما قال صاحب الإشكال فيما مرَّ عنه. فإذا رؤي هلال رمضان بالمشرق وجب على العامل برؤيته أن يعتبر نفسه في رمضان من وقت الرؤية، قلنا: يبطلهما ما يأتي، وهو: التاسع: أن الواجبات المطلقة تكون أسبابها أموراً غير مقدورة للمكلف، خذ مثلاً: الصلوات الخمس أسباب وجوبها أوقات خارجة عن قدرة المكلف، كالزوال والغروب، والصيام، سببه ظهور الهلال، والزكاة سبب وجوبها(1) حولان الحول، بل التكليف من أصله (يناط) بسبب ليس في طاقة الشخص وهو البلوغ، بخلاف الواجبات المقيدة، فإن أسبابها أفعال المكلف، لأنها إنما وجب عقوبة عليه وكفارة عنها، كالواجبات التي أوجبها الشارع على القاتل المخطئ، والمظاهر، والمفطر في رمضان عمداً، والحانث في يمينه، والناذر نذر اللجاج، وذلك الاعتبار فعل المكلف، لا يجوز أن يكون سبباً للصيام الذي هو فريضة مطلقة. وقد جعل الشارع ظهور الهلال لها سبباً، ولا يجوز أن نوجب ذلك الاعتبار، لأنه لم يأت بوجوبه آية ولا حديث، ولا اقتضاء قياس.
__________
(1) - والفرق بين شروط صحة، وشروط وجوب، أن شروط الوجوب لا يجب على المكلف تحصيلها كالعقل والبلوغ، وشروط صحة يجب على المكلف تحصيلها كالوضوء وغسل النجاسة واستقبال القبلة. فشروط الوجوب ما يتوقف عليه الوجوب، وشرط صحة ما تتوقف عليه الصحة. فإذا اجتمعت وجبت، وأخرى إذا اجتمعت صحت.(1/45)
بل لا أصل له كما قدمنا. وإنما اخترعه صاحب الإشكال في مخه، ليفسد قول الداعين إلى توحيد المسلمين في الصيام والإفطار. ولم يكن له ورع يمنعه من نسبته إليهم وإلزامهم وهم بريئون منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب. العاشر: إنه على فرض الاعتبار في الأحكام الفقهية وأسبابها، فإيراده على الوجه الصحيح هنا أن يقال: إذ رؤي هلال رمضان في المشرق، وجب على العامل برؤيته: أن يعتبر نفسه في تلك الساعة التي هي الساعة الثالثة بعد الظهر أنه رأى الهلال كما رآه أهل المشرق. وحينئذ لا يجب عليه الصيام في تلك الساعة، لأن المقرر في علم الفقه: أن رؤية الهلال نهاراً تعتبر لليلة المقبلة. قال العلامة الشيخ خليل في المختصر: (ورؤيته نهاراً للقابلة). وبناء على ذلك يصوم المغرب مع المشرق في اليوم التالي للرؤية هذا هو الاعتبار الصحيح الذي عمي على صاحب الإشكال، فلم يهتد إليه لتعصبه الشديد ولدده في الخصومة. الحادي عشر: قدمنا أن المشرق يسبق المغرب في الشروق والغروب بساعتين، وأن يوم الخميس مثلاً في المشرق هو يوم الخميس في المغرب، غير أنه يبتديء وينتهي في المشرق قبل المغرب، فإذا رؤي بعد غروب شمسه في المشرق هلال رمضان، فلا أحد من العقلاء يقول عن الساعات التي بقيت منه في المغرب تعتبر من رمضان لأسباب:(1/46)
1)-أنه لم يعهد في يوم أن يكون بعضه من شعبان وبعضه من رمضان، بالنسبة لقطر،ولا بالنسبة لقطرين.2)- أن الزمان كما عرفه الحكماء: عرض غير قار-بتشديد الراء-أي: أنه حركة الفلك إلى أمام. لم يتوقف إلا ساعة من نهار ليوشع، كما ثبت في (صحيح البخاري)(1)، ولا يعود إلى خلف. فإذا غربت الشمس بالمشرق يوم الخميس مثلاً، خلفت بعدها ثلاث ساعات منه في المغرب، فإذا اعتبرنا تلك الساعات من رمضان، فقد رجعنا بالزمان إلى خلف ثلاث ساعات، ثم قفزنا بها قفزة واحدة، فجعلناها من رمضان الذي لم تشرق شمس أول يوم منه في المشرق بعد! والرجوع بالزمان إلى خلف، ثم القفز به إلى أمام في لحظة، محال لا يقبله عقل إطلاقاً. فكيف قبله صاحب الإشكال، حيث سحب حكم رؤية الهلال بالمشرق يوم الجمعة، على بقية يوم الخميس من شعبان بالمغرب! فجعلها من رمضان مدعياً وجوب صومها!! ولم يلتفت إلى فروق الوقت بين القطرين، لاختلاف أطوال البلاد.
وقرب بعضها (بعضاً) من مطلع الشمس، مما يؤدي إلى تقدم بعضها على بعض ببضع ساعات. نعم، لم يلتفت إلى هذا، ولا إلى ما قاله الفقهاء والفلكيون: إن الساعات الباقية على غروب الشمس بالمغرب هي بقية يوم الخميس من شعبان، جغرافياً وفلكياً وفقهياً وزمنياً. وأن الصيام لا يجب على المغرب إلا يوم الجمعة، بعد اشتراكهم مع المشرق في ليلة الجمعة التي رؤي فيها الهلال. ولعله اعتبر الزمن سيارة بيده ضمانها(2) فهو يردها إلى خلف، ويقدمها إلى أمام مسابقة بين المشرق والمغرب.
__________
(1) - رواه البخاري في (صحيحه) (56-تاب فرض الخمس، 8-باب: قول- صلى الله عليه وسلم -: (أحلت لكم الغنائم). (6/345/ رقم:3124). ورواه مختصراً في (66-كتاب النكاح، 59-باب: من أحب البناء قبل الغزو. 10/280/ رقم:5157). ومسلم في (صحيحه) (كتاب الجهاد والسير، باب: تحليل الغنائم، (12/409/ رقم:1747-مع النووي). وغيرهما.
(2) - قال فضيلة شيخنا محمد بوخبزة: (يعني مقودها).(1/47)
بل هذا الاعتبار ناشئ عن اعتبار السابق، ولازم له لزوم الظل (الناعت)، لأن من يقتطع ثلاث ساعات من نهار شعبان، ويعتبرها من رمضان، لا يتم له ذلك إلا بأن يعتبر الزمان سيارة، يقدمها راكبها ويؤخرها حسب الهوى والمزاج، أما بحسب الواقع الجغرافي للبلاد، فالعقلاء جميعاً-ومنهم الفقهاء-يعرفون أن المشرق يسبق المغرب ببضع ساعات، ويدركون الضرورة العقلية، أنهم لا يستطيعون اقتطاع ساعة أو أكثر من شهر شعبان بالمغرب. وضمها إلى رمضان المشرق. 3)-أن يوم الصيام: لا بد أن يتقدم عليه ليلة يحصل في جزء منها نية الصوم. وتلك الساعات الباقية من نهار شعبان، لم يتقدم عليها ليل ينوى فيها صيامها. فلا تكون من رمضان، بل تبقى من شعبان، كما خلقها الله كذلك.(1/48)
ومن عجيب أمر صاحب الإشكال وتناقضاته المكشوفة: أن يعمد إلى الاشتراك في الليل الذي هو سبب صيام المغرب برؤية المشرق ويدعي أنه لا علاقة له بالموضوع(1) مع أنه وصف مناسب للحكم، مطرد لا يختلف كما مر بيانه مفصلاً ثم ينتزع بقية يوم من شعبان بالمغرب فيضمها إلى رمضان، باعتبار خيالي، ولا عبرة به ويبني عليه إلزامات لا تلزم إلا في عقل سقيم. وليس هذا شأن الباحث عن الحقيقة، الراغب في الوصول إلى الحق، ولكنه شأن العنيد الألد الخصم، الذي يسير في أبحاثه ومناقشاته على مبدأِ (معزة ولو طارت) وهو في الحقيقة مخلص لهذا المبدأ، متمسك به أشد التمسك لم يتخل عنه لحظة، ولا أبتعد عنه قيد أنملة، والثبات على المبدأ يمدح ولا يعاب، ينظر الثاني عشر.
فصل
__________
(1) - قال المؤلف: (وهذا يدل على جهله بالأصول، ومما يدل على ذلك أيضاً أنني ذكرت أن وجوب إتمام المسافر مع الإمام، لأنه مأموم، والمأمومية وصف لازم بخلاف السفر فإنه وصف طارئ فاعترض علي بأن العلة كونه مؤدياً فلا يجب عليه الإتمام، وهذا جهل عريض، لأن الأداء طارئ أيضاً إذ قد يكون المأموم مؤدياً أو قاضياً فرضاً أو متنفلاً كصلاة العيدين أو التراويح لكنه في جميع الأحوال مأموم). وهذه مبالغة وظلم لشيخنا الزمزمي وإن كنا نرى عكس ما رأى.(1/49)
نعيد فيه ذكر الحكم مصحوباً بسببه، لإغلا باب الهرب على صاحب الإشكال، ولقطع شغبه. فنقول: إذا رؤي هلال رمضان بعد غروب الشمس يوم الخميس في المشرق، فلا يجب على أهل المغرب صيام في تلك اللحظة التي توافق الساعة عندهم لأنهم ليسوا في رمضان بل هم لا زالوا في بقية يوم الخميس من شعبان، حتى إذا انقضى اليوم عندهم بغروب شمسه، ودخلوا في ليلة الجمعة، فحينئذ فقط يجب عليهم الصيام برؤية المشرق، لوجود سببه، وهو الاشتراك في الليل. أما قبل ذلك فلا يجب عليهم صيام، حتى ولو اعتبروا أنفسهم مقيمين بالمشرق(1) هذا معنى عمل المغرب برؤية المشرق في مذهب المالكية والحنفية وجمهور العلماء. وهو الموافق لعلم الفلك، ولفروق الوقت بين البلاد، وحسب أطوالها. وما يقال سوى ذلك مما اخترعه صاحب الإشكال وهول به كله هذر وهذيان، يجب طرحه في زوايا الإهمال والنسيان، ويلهب ظهر مفتعله بسياط الدليل والبرهان، فإن أنصف ورجع فالخير لنفسه أراد، وإن أصر على الخلاف وألحف في العناد، فنحن له بالمرصاد، والله ولي التوفيف. تمت الرسالة (البيان المشرق، لسبب صيام المغرب برؤية المشرق وهي رسالة ناصعة لامعة، جامعة مانعة، وكشفنا بها عن وجه الحق ما غشيه من ضباب، وأقفلنا في وجه المتعنت للهرب كل باب، والحمد لله في البدء والختام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام، وعلى آله الكرام، ورضي الله عن صحابته الأعلام.تم تبييضها عصر يوم السبت الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة تسعين وثلاثمائة وألف هجرية. قال أبو عاصم-عفا الله عنه-تم التعليق والتخريج بحمده ومنه وحسن توفيقه ظهر يوم الأحد 14/شعبان 1423هـ وقد طلبت من فضيلة شيخنا محمد بوخبزة قراءة هذا الكتاب –وتصحيح ما يستحق التصحيح-وإعطاء رأيه الذي له وزن كبير
__________
(1) - قال المؤلف: (ولو فرضنا جدلياً أن المغرب لا يشترك مع المشرق في جزء من الليل أصلاً، فلا يجب عليه الصيام برؤية المشرق، لاختلاف المطلع حينئذ).(1/50)
عندي فقال فضيلته: (الحمد لله... الجمعة 19/شعبان 1423هـ
الأخ الفاضل أبو عاصم.............. السلام عليكم ورحمة الله. وقد قرأته وهو جيد مع طرركم المفيدة، وقد صححت ما ند عن البصر).
قال أبو عاصم: وبعد كتابتي لهذا التعليق وقفت على رسالة لشيخنا عبد الله ابن الصديق بعنوان: (التنصل والانفصال، من فضيحة الإشكال). ولم أر فيها كثرة الأدلة مثل رسالتنا هذه وقد ختمها بقوله:
بطلت إشكال الهلال بحجة وحللت عقدته بحسن بيان
وفساده لولا اللجاجة واضح بادٍ بدو الشمس للعيان
وجميع ما يبنى عليه مهلهل متخلخل متساقط الأركان فاعجب لمن يزهي به متفاخراً متبجحاً كبلاهة الصبيان
قدمتها للمطبعة يوم الجمعة 10/ رمضان 1423هـ
فهرسة البيان المشرقمقدمة المحقق.…………………….................
سبب التحقيق...……………….................
تنبيه.........……………….….............
بداية الرسالة.…..........……………………....
السبب الباعث لتأليفه الرسالة...……………............
مقدمة المؤلف..........…………………..........
فصل في وجوب الصيام إذا ثبتت الرؤية.........……........
فصل في أن سبب صيام المغرب برؤية المشرق، هو الاشتراك في الليل ....925
فصل...........…..…………………........938(1/51)