البشائر المأمولة
فى آداب
العمرة المقبولة
…
الشيخ
أبو محمد أحمد شحاته الألفى
السكندرى
البشائرالمأمولة
فى آداب العمرة المقبولة
الشيخ أبو محمد أحمد شحاته الألفى
(( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة ))
بسم الله الرحمن الرحيم
عونَك اللهمَّ وتأييدك
وإرشادَك إيَّانا سبلَ الخير وتسديدَك
الحمد لله خالق الإنسان من ماء يجرى بين الصلب والترائب ، المرتجى فرجه عند حلول الشدائد والنوائب ، والمأمول كرمه إذا قصرت عن بلوغ الأمانى الفرائض والرغائب ، والباسط يده بالليل والنهار ليتوب إليه عباده وينتهوا عن الأوزار والمعائب .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة ترجى للنجاة من العذاب ، وتدخر ليوم البعث والحساب ، وتولج قائلها الجنة إذا حالت دونها الوسائل والأسباب .
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، الذى لبى وسعى وطاف بالبيت العتيق ، وأبان لأمته عن فضائل الحج والعمرة إبانة الناصح الشفيق ، صلى عليه الله أزكى صلاة ، ما أقيمت الصلاة وأنحنت الجباه ، وعلى آله وأزواجه وذريته ذوى المناقب العلية ، وأصحابه الهداة أولى الفضائل الجلية ما طاف الكعبة طائف بكرة وعشية .
أما بعد ! .
فهذا كتاب جامع لأداب العمرة وشرائعها وفضلها ، أملاه باعث الشوق لزيارة البيت المعظم العتيق ، بالغت فى اختصاره وتهذيبه ، مع بلوغ الغاية فى التدقيق والتحقيق وجمعته ابتغاء وجه الله ، وأهديته إلى عمار بيت الله ، وسميته حين أتممته :
(( البشائر المأمولة فى آداب العمرة المقبولة ))
وبنيته على عشرة أبواب كبار ، استبشاراً بمضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها ، وهاك بيانها :
(الأول) أبواب فضل العمرة .
(الثانى) أبواب فضل العمرة فى رمضان .
(الثالث) أبواب الاعتمارعن الغير .
(الرابع) أبواب آداب السفر .
(الخامس) أبواب مواقيت العمرة المكانية .
(السادس) أبواب الإحرام والتلبية .(1/1)
(السابع) أبواب دخول مكة والبيت المعظم .
(الثامن) أبواب محظورات الإحرام .
(التاسع) أبواب زيارة طيبة - طيب الله ثراها - والمسجد النبوى .
(العاشر) أبواب التوديع ومغادرة مكة المكرمة .
وجعلت ختامه بالمسك معطرا ، وبكلام الإمام الشافعى المطلبى منورا ، فذكرت مختصره عن المناسك ، مكتفيا به عما عداه ،ومبينا ما يمكن أن يخالف عليه من الأحكام ، وإن كانت مخالفته مغمورة فى جملة موافقته لمذهب أهل الحديث .
وقسمت الكتاب قسمين :
(أصل) يكتفى به الأغلب من طالبى معرفة الأحكام ، مع إعلامهم بابتناء الكتاب على الأحاديث الصحاح .
(حاشية) هى كالدليل والبرهان لصحة ما ورد بالأصل من الأحاديث والآثار ، مخرجة على المصنفات الكبار . ولم آلو جهدا فى إيداع الكتاب أصح الأحاديث ، مع بيان مرتبتها فى الحاشية ، وربما اعتمدت فى التخريج طريقا واحدة هى أصح الطرق فى ظنى واعتقادى ، سيما إذا كان مخرج الحديث الرفعاء الكبراء : سفيان الثورى ، والزهرى ، ومالك ، وشعبة ، والأعمش ، وابن عيينة ، وأضرابهم ممن هم الغاية فى الضبط والاتقان لطرق الروايات .
ولربما أهملت ذكرالمتابعات والشواهد ، سيما إذا اكتفت الأحاديث بذواتها فى مقام الصحة ، ولم تفتقر إلى العاضد ، إذ المقام يقتضى الاختصار والإيجاز ، وما أصعبه على من يريد تخريج الأحاديث المستفيضة أو المشتهرة ، وقد فصلت القول ، وأطلت البيان فى تخريج هذه الأحاديث فى كتاب :
(( السعى المحمود بتخريج وإيضاح مناسك ابن الجارود ))
*********
والله المأمول قبوله صالح العمل ، والمنة علينا وسائر أحبابنا وإخواننا والمسلمين بنيل الأمل ، والتفضل بالرحمة والمغفرة والجزاء المبرور .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
*********
***
( إيقاظ )(1/2)
ليعلم الناظر فى هذا الكتاب أن وسم أحاديثه بالصحة إنما هو بالنظر إلى عموم مصطلح (( الصحيح )) وهو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه وسلم من الشذوذ والعلة . فكل حديث جمع هذه الشروط فهو ثابت محتج به . ولربما خولفت فى الحكم على بعض أحاديث هذا الكتاب ، فما حكمت له بالصحة قد يقال هو حسن ، فإن يكن ذا فليعلم المخالف أن أكثر أصحاب الصحاح ، لم يكونوا يفرقون بين الصحيح والحسن ، ويخرَّجون كلاًّ منهما فى(( صحاحهم ))، ورأس هذه الطبقة إمام المحدثين أبو عبد اللَّه البخارى .(1)
ولنكتفى فى هذه العجالة البالغة الاختصار بذكر مثالٍ بما أخرجه البخارى فى (( الصحيح )) باب : إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (2/214. سندى )
حدَّثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن صفوان بن يعلي عن أبيه قال : سمعت النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقرأ على المنبر (( ونادوا يا مالك )) ؛ قال سفيان في قراءة عبد الله (( ونادوا يا مال )) .
وأخرجه كذلك فى باب : صفة النار وأنها مخلوقة (2/219. سندى ) .
حدَّثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو سمع عطاء يخبر عن صفوان بن يعلى عن أبيه أنه : سمع النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقرأ على المنبر (( ونادوا يا مالك )) .
وأخرجه ثالثاً فى باب : قوله (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ))(3/185. سندى ) .
حدَّثنا حجاج بن منهال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال : سمعت النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقرأ على المنبر (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك )) .
قلت : فهذا حديث صحيح خرَّجه البخارى فى ثلاثة مواضع من (( صحيحه )) ، كلها من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبى رباح عن صفوان بن يعلى عن أبيه به .(1/3)
وقد قال أبو عبد اللَّه البخارى فى غير (( صحيحه )) : هو حديث حسن .
ففى (( علل الترمذى )) للقاضى أبى طالب (1/88/143) : (( قال أبو عيسى : حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال : سمعت النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقرأ على المنبر (( ونادوا يا مالك )) . قال : سألت محمداً ـ يعنى البخارى ـ عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن وهو حديث ابن عيينة الذي ينفرد به )) اهـ .
وقد أخرجه الترمذى (508) قال : حدثنا قتيبة ثنا سفيان بن عيبينة بإسناد البخارى ومتنه . وقال : (( حديث حسن صحيح غريب )) .
ــــــــــــــ
(1) بينت ذلك بياناً شافياً فى كتابى (( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول )) ، وذكرت عشرات الأمثلة مما أخرجه البخارى فى (( صحيحه )) ، وحكم لها بالحسن فى غيره .
فإذا بان لك ذلك ، فلنضرب مثالاً بما ذكرناه فى كتابنا هذا ، وهو ما أخرجه ابن خزيمة (2731) ، والحاكم (1/456) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/75) و(( شعب الإيمان ))(3/449/4030) جميعاً عن أيوب بن سويد الرملى ثنا يونس بن يزيد عن الزهرى عن مسافع بن شيبة الحجبى عن عبد اللَّه بن عمرو قال قال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : (( الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ، طمس اللَّه نورهما ، ولولا ذلك لأضاءا ما بين المشرق والمغرب )) .
فهذا الحديث صحيح على شرط ابن خزيمة ، وقد أخرجه فى (( صحيحه )) ، وإسناده حسن ، لا يرتقى إلى الصحيح عند من يُفرد الحسن من الصحيح ، وعند من لا يفرده ، ومنهم ابن خزيمة وابن حبان والضياء المقدسى ، فهو صحيح من الدرجة الثانية إذا توبع ؛ وهو كذلك ، وصحيح من الدرجة الثالثة إذا لم يتابع .(1/4)
وبيان ذلك أن رواته إلى يونس بن يزيد الأيلى ثقات مشاهير احتج بهم الشيخان فى (( صحيحهما )) سوى مسافع بن شيبة ، فإنما تفرد مسلم بالتخريج له ، ولم يخرِّج له إلا حديثاً واحداً ، وهو حديثه عن عروة بن الزبير عن عائشة : أن امرأة قالت لرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلّم : هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء ؟ ، فقال : نعم ، فقالت لها عائشة : تربت يداك وأُلَّت ، فقال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : (( دعيها ! وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ، إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه )) . أخرجه مسلم فى (( الحيض ))(3/225. نووى ) قال : حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وسهل بن عثمان وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قال سهل حدثنا وقال الآخران أخبرنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن مصعب بن شيبة عن مسافع بن عبد اللَّه به .
وإنما تطرق القصور إلى هذا الإسناد من قِبَل أيوب بن سويد الرملى . وقد ترجمه ابن أبى حاتم فى(( الجرح والتعديل ))(2/249/891) فقال : (( أيوب بن سويد الرملي السيباني أبو مسعود . روى عن يحيى ابن أبى عمرو السيباني ، ويونس بن يزيد ، وأسامة بن زيد . روى عنه : دحيم ، والحسن بن واقع الرملى ، وإبراهيم بن زياد سبلان . وسمعت أبى يقول : سئل يحيى بن معين عن أيوب بن سويد فقال : كان يقلب حديث ابن المبارك والذي حدث به عن مشايخه الذين أدركهم فيقلبه على نفسه . أخبرنا يعقوب بن إسحاق الهروي فيما كتب إلى ثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال : سألت يحيى بن معين عن أيوب ابن سويد فقال : ليس بشيء . سمعت أبى يقول : أيوب بن سويد هو لين الحديث )) .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(8/125/12549) : (( وكان رديء الحفظ يتقى حديثه من رواية ابنه محمد بن أيوب عنه ، لأن أخباره إذا سبرت من غير رواية ابنه عنه وجد أكثرها مستقيمة )) .(1/5)
وقال ابن عدى (( الكامل ))(1/359) : (( ولأيوب بن سويد حديث صالح عن شيوخ معروفين منهم يونس بن يزيد الأيلي نسخة الزهري ، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وابن جريج ، والأوزاعي ، والثوري وغيرهم . ويقع في حديثه ما يوافقه الثقات عليه ، ويقع فيه ما لا يوافقوه عليه ، ويكتب حديثه في جملة الضعفاء )) .
وذكره العقيلى فى (( الضعفاء الكبير ))(1/113) ونقل قول ابن المبارك عنه : ارم به ، وقول البخارى : يتكلمون فيه ، وقول النسائى : ليس بثقة . ولخص الحافظ ابن حجر حاله فى (( التقريب )) ((1/118/615) بقوله : (( صدوق يخطئ )) اهـ .
قلت : والذى يترجح فى حق أيوب بن سويد أنه صدوق يخطئ ، وأمثل أحاديثه مطلقاً ما رواه منها عن يونس بن يزيد الأيلى نسخة الزهرى ، وفى (( الكتب الستة )) منها حديثان :
أولهما : أخرجه الترمذى (2852) قال : حدثنا أبو بكر محمد بن أبان حدثنا أيوب بن سويد الرملي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس : أن النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر- وأراه قال وعثمان - كانوا يقرءون (( مالك يوم الدين )) .
قال أبو عيسى : (( هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث الزهري عن أنس بن مالك إلا من حديث أيوب ابن سويد الرملي )) .
ثانيهما : أخرجه ابن ماجه (2872) قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا أيوب بن سويد عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره : أنه جاء هو وعثمان بن عفان إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يكلمانه فيما قسم من خمس خيبر لبني هاشم وبني المطلب فقالا : قسمت لإخواننا بني هاشم وبني المطلب وقرابتنا واحدة ، فقال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : (( إنما أرى بني هاشم وبني المطلب شيئا واحدا )) .
قلت : هذا حديث صحيح ، وقد أخرجه البخارى (3/53. سندى ) قال : حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث ـ يعنى ابن سعد ـ عن يونس بن يزيد بإسناده مثله .(1/6)
وجملة المقال : أن أيوب بن سويد الرملى ممن يكتب حديثه وينظر فيه ، فإن توبع فحديثه يُحتج به ويُصحَّح ، وعلى هذا يُحمل هذا الحديث ؛ سيما وهو من أمثل أحاديثه ومروياته عن يونس بن يزيد الأيلى ، ولم يتفرد به ، فقد تابعه شبيب بن سعيد الحبطى عن يونس عند البيهقى (( السنن الكبرى )) (5/75) ، ورواه رجاء بن صبيح عن مسافع عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعا به .
فقد أخرجه أحمد (2/213،214) ، والترمذى (878) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(960) ، وابن خزيمة (2732) ، وابن حبان (3702) ، والحاكم (1/456) ، وابن الجوزى (( مثير الغرام الساكن )) (137) جميعاً من طريق رجاء بن صبيح الحرشى عن مسافع بن شيبة عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعاً .
قلت : ورجاء بن صبيح ليس بالقوى ولا ممن يحتج به إذا انفرد ، ولكنه يقوى أمر الحديث ، ويؤكد أن له أصلاً ، وأما شبيب بن سعيد الحبطى فهو ممن يحتج به فى المتابعات ، فقد احتج به البخارى من رواية ابنه أحمد عنه . قال علي بن المديني : ثقة كان من أصحاب يونس بن يزيد كان يختلف في تجارة الى مصر وكتابه كتاب صحيح وقد كتبتها عن ابنه أحمد . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : كان عنده كتب يونس بن يزيد وهو صالح الحديث لا بأس به . وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) .
********
أبواب فضل العمرة
باب ذكر البيان بأن الحجاج والعمَّار وفد الله جلَّ وعلا
(1)عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلََّى الله عليه وسلَّم : (( وفد الله ثلاثة : الحاجُّ ، والغازى ، والمعتمر )) .(1/7)
( بيان ) قوله (( وفد الله )) قال المناوى (( فيض القدير ))(3/402) : (( والوفد القوم يجتمعون ، ويردون البلاد ، ويقصدون الكبراء للاسترفاد . إن دعوا ربهم أجابهم أي أعطاهم سؤلهم ، وإن استغفروه أي طلبوا منه غفر ذنوبهم غفر لهم حتى الكبائر في الحج . وهذا إذا راعوا ما عليهم من الشروط والآداب التي منها كما قال الحرالي : استطابة الزاد ، والاعتماد على رب العباد ، والرفق بالرفيق والظهير ، وتحسين الأخلاق والإنفاق في الهدي ، والإعلان بالتلبية ، وتتبع الأركان على ما تقتضيه الأحكام ، وإقامة الشعائر على معلوم السنة لا على معهود العادة وغير ذلك )) .
وقال أبو الحسن السندى (( حاشيته على المجتبى ))(5/113) : (( وفد الله ثلاثة . في (( القاموس )) : وفد إليه وعليه يفد وفدا :ً ورد . وفي (( الصحاح )) : وفد فلان على الأمير أي ورد رسولاً ، فهو وافد ، والجمع وفد ، مثل صاحب وصحب . فالمعنى : السائرون الى الله ؛ القادمون عليه من المسافرين ؛ ثلاثة أصناف . فتخصيص هؤلاء من بين العابدين لاختصاص السفر بهم عادة . والحديث أما بعد انقطاع الهجرة أو قبلها ، لكن ترك ذكرها لعدم دوامها ، والسفر للعلم لا يطول غالبا ، فلم يذكر السفر الى المساجد الثلاثة المذكورة في حديث (( تشد الرحال إلا الى ثلاثة مساجد )) لإنَّه ليس بمثابة السفر الى الحج ونحوه ، فترك ويحتمل أن لا يراد بالعدد الحصر والله تعالى أعلم )) .
ــــــــ
(1) صحيح . أخرجه النسائى (( الكبرى ))(2/321/3604 و3/12/4329) و(( المجتبى ))(5/113) ، وابن خزيمة (2511) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان بترتيب ابن حبان ))(3684) ، وأبو عوانة (( المسند )) (4/515/7548) ، وابن منده (( كتاب الإيمان ))(231) ، والحاكم (1/441) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/262) و(( شعب الإيمان ))(3/475/4103) جميعا من طريق مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبي هريرة به .(1/8)
وقال أبو عبد اللَّه الحاكم : (( صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه )) .
قلت : وهو كما قال ، لكن يرد عليه أن مخرمة بن بكير قد خولف على إسناده . فقد رواه وهيب بن خالد البصرى (( عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن مرداس عن كعب قوله )) ، ومن طريقه أخرجه البيهقى (( الكبرى )) (5/262) و(( شعب الإيمان ))(3/474/4102) ، وقال : (( حديث وهيب أصح )) .
باب ذكر تكفير العمرة الذنوب التى يرتكبها المعتمر بين العمرتين
(2)عن أبى هريرة أن رسول الله صلََّى الله عليه وسلَّم قال : (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة )) .
( بيان ) قوله (( العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما )) قال أبو زكريا النووى (( شرح مسلم ))(9/118) : (( هذا ظاهر في فضيلة العمرة ، وأنها مكفرة للخطايا التى بين العمرتين ، والمراد بالخطايا الصغائر ، لأن الكبائر كما قال القاضي : إنما تكفر بالتوبة أو رحمة الله وفضله ، وهو مذهب أهل السنة . واحتج به بعضهم في نصرة مذهب الشافعي والجمهور في استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مرارا . و قال مالك وأكثر أصحابه : يكره أن يعتمر في السنة أكثر من عمرة . قال القاضي : وقال أخرون : لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة )) اهـ .(1/9)
قلت : لا يبعد تكفير العمرتين لما بينهما من عموم الخطايا : صغارها وكبارها ، فإن لفظة (( ما )) فى قوله (( ما بينهما )) من ألفاظ العموم ، فتقتضي من جهة الظاهر تكفير جميع ما يقع بينهما إلا ما خصه الدليل ، وإنما ورد الدليل بالتخصيص فى الصلوات الخمس المكتوبات والجمعات ورمضان إلى رمضان بقوله (( إذا اجتنبت الكبائر )) ، فلا يُحمل عليه ما هاهنا لاختلاف العمرة عن جميعها ، ومشابهتها بالحجِّ ، مع النص على الحج بأنَّه (( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه )) ؛ لا سيما والعمرة فى بعض معانيها كحجة تامَّة لقوله (( عمرة فى رمضان كحجة معى )) ، وسيأتى تفصيل ذلك فى الأبواب التالية إن شاء الله .
ـــــــــ
(2) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1/319. تنوير الحوالك ) ، والطيالسى (2423) ، وعبد الرزاق (5/4/8799) ، وابن أبى شيبة (3/120/12639) ، وأحمد (2/462،461،246) ، والدارمى (1795) ، والبخارى (1/305. سندى ) ، ومسلم (9/118،117. نووى ) ، والترمذى (933) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/322/3608) و(( المجتبى ))(5/115،113،112) ، وابن ماجه (2888) ، وابن الجارود (503،502) ، وأبو يعلى (12/11/6657) وابن خزيمة (3073،3072،2513) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان ))(3688،3687) ، والطبرانى (( الأوسط )) (1/278/905 و5/329/5456 و7/93/6955) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/28:27/3140،3139) والبيهقى (( الكبرى ))(4/343 و5/261) و(( شعب الإيمان ))(3/472:471/4093،4092،4091) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(22/38) جميعا من طريق سمىٍّ عن أبى صالح عن أبى هريرة به .(1/10)
قال أبو عمر بن عبد البر : (( هذا حديث انفرد به سميّ ، ليس يرويه غيره واحتاج الناس إليه فيه ، وهو ثقة ثبت حجة )) . وفى (( علل الترمذى )) للقاضى أبى طالب (1/137/237) : (( قال أبو عيسى : حدثنا نصر بن علي ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ثنا أيوب عن أبي صالح عن أبى هريرة عن النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )) . سألت محمداًً ـ يعنى البخارى ـ عن هذا الحديث ، فقال : ما أرى أيوب سمع من أبي صالح . قال أبو عيسى : والمشهور عند النَّاس (( عن سميٍّ عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النَّبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم )) ، رواه سهيل والثوري ومالك وغير واحد عن سميٍّ )) اهـ
( بيان ثان ) وقت العمرة السنة كلها إلا يوم عرفة لإنَّه يوم الحج الأكبر . قال أبو زكريا النووى (( شرح مسلم ))(9/118) : (( واعلم أن جميع السنة وقت للعمرة ، فتصحُّ في كلِّ وقتٍ منها إلا في حق من هو متلبس بالحج فلا يصح اعتماره حتى يفرغ من الحج ، ولا تكره عندنا لغير الحاج في يوم عرفة والأضحى والتشريق وسائر السنة . وبهذا قال مالك وأحمد وجماهير العلماء . وقال أبو حنيفة : تكره في خمسة أيام : يوم عرفة ، والنحر ، وأيام التشريق . وقال أبو يوسف : تكره في أربعة أيام وهي : عرفة ، والتشريق )) .
باب ذكر نفى الحج والعمرة الذنوب والفقر عمن تابع بينهما
(3) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلا الْجَنَّةُ )) .(1/11)
(4) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ )) .
( بيان ) قوله (( تابعوا بين الحج والعمرة )) قال المناوى (( فيض القدير ))(3/225) : (( أي إذا حججتم فاعتمروا وإذا اعتمرتم فحجوا ، ونظمها في سلك واحد ليفيد وجوب العمرة كالحج . وقال المحب الطبري : يجوز أن يراد بالتتابع المشار إليه بقوله تعالى (( فصيام شهرين متتابعين )) ، فيأتي بكل منهما عقب الآخر بلا فصل ، وهذا ظاهر لفظ المتابعة ، وأن يراد اتباع أحدهما الآخر ، ولو تخلل بينهما زمن بحيث يظهر مع ذلك الاهتمام بهما ، ويطلق عليه عرفا أنه اتبعه .
ــــــــــــ
(3) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (3/120/12638) ، وأحمد (1/387) ، والترمذى (810) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/322/3610) و(( المجتبى ))(5/115) ، وأبو يعلى (8/389/4976 و9/153/5236) ، والبزار (5/134/1722) ، وابن خزيمة (2512) ، والطبرى (( التفسير ))(9/153) ، والهيثم بن كليب (( المسند ))(587) ، والعقيلى (( الضعفاء الكبير ))(2/124) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان ))(3685) ، والطبرانى (( الكبير )) (10/230/10406) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(4/110) جميعا من طريق عمرو بن قيس عن عاصم بن بهدلة عن شقيق أبى وائل عن ابن مسعود به .
قال أبو عيسى : (( حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب )) .
(4) صحيح . أخرجه النسائى (( الكبرى ))(2/322/3609) و(( المجتبى ))(5/115) ، والطبرانى (( الكبير )) (11/107/11196) ، والصيداوى (( معجم الشيوخ ))( ص372) ، والذهبى (( سير الأعلام ))(13/147) جميعا من طريق سهل بن حماد أبى عتاب عن عزرة بن ثابت البصرى عن عمرو بن دينار عن ابن عباس به .(1/12)
قلت : هذا حديث صحيح غريب ، لا نعرفه من حديث عمرو بن دينار عن ابن عباس إلا من حديث عزرة بن ثابت ، تفرد به عنه سهل بن حماد الدلال . وسهل بن حماد صالح الحديث احتج به مسلم فى المتابعات من روايته عن شعبة . قال العجلى (( معرفة الثقات ))(1/439/691) : (( ثقة )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(8/290/13500) .
وقوله (( ينفيان الفقر والذنوب )) : إزالته للفقر كزيادة الصدقة للمال ؛ كذا قال الطيبي . وقال في (( المطامح )) : يحتمل كون ذلك لخصوصية علمها المصطفى ، وكونه إشارة إلى أن الغنى الأعظم هو الغنى بطاعة الله ، ولا عطاء أعظم من مباهاة الله بالحاج الملائكة . وقوله (( كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة )) : مثَّل متابعتهما في إزالة الذنوب بإزالة النار الخبث ، لأن الإنسان مركوز في جبلته القوة الشهوية والغضبية ؛ محتاج لرياضة تزيلها ، والحج جامع لأنواع الرياضات من إنفاق المال والجوع والظمأ واقتحام المهالك ومفارقة الوطن والإخوان وغير ذلك )) اهـ .
( بيان ثان ) الحديث فيه دليل على استحباب الاستكثار من العمرة ، وهو قول الشافعى والجمهور ، خلافا لقول من قال : يُكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة ، وبه قال ابن سيرين والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعى ومالك بن أنس ، وهذا القول لا يصح ، والصحيح الجواز وعدم الكراهة . وقد خالف مالكا من أصحابه : مطرف ، وابن المواز . قال مطرف : لا بأس بالعمرة في السنة مراراً . وقال ابن المواز : أرجو أن لا يكون به بأس .
قال أبو عبد الله الشافعى (( الأم ))(2/135) و(( المسند ))( ص113) : أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال : كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر .
أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن علي بن أبي طالب قال : في كل شهر عمرة .(1/13)
أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب : أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين مرة من ذي الحليفة ، ومرة من الجحفة .
أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة زوج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم اعتمرت في سنة مرتين ، قال صدقة : فقلت : هل عاب ذلك عليها أحد ؟ ، قال : سبحان الله أم المؤمنين ، فاستحييت .
أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع قال : اعتمر عبد الله بن عمر أعواما في عهد بن الزبير عمرتين في كل عام .
أخبرنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد عن حبيب المعلم : سئل عطاء عن العمرة في كل شهر ؟ ، قال : نعم .
قال الشافعي : (( وفيما وصفت من عمرة عائشة بأمر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وغيرها في ذي الحجة ، وفي أنه اعتمر في أشهر الحج بيان أن العمرة تجوز في زمان الحج وغيره . وإذا جازت في شهر مرتين بأمر النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم زايلت معنى الحج الذي لا يكون في السنة إلا مرة واحدة ، وصلحت في كل شهر ، وحين أرادها صاحبها إلا أن يكون محرما بغيرها من حجٍ أو عمرةٍ فلا يدخل إحراما بغيره عليه قبل أن يكمله )) .
وقال : (( والعمرة في السنة كلها ، فلا بأس بأن يعتمر الرجل في السنة مرارا . وهذا قول العامة من المكيين وأهل البلدان غير أن قائلاً من الحجازيين كره العمرة في السنة إلا مرة واحدة )) .
قلت : ومن حجة من ذهب مذهب مالك أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يعتمر عمرتين في عام واحد ، واعتمر ثلاث عمر أو أربعا كل عمرة منها في سنة . ومن حجته أيضا أن عائشة كانت في آخر أمرها إذا حجت بقيت بمكة حتى يهل شهر المحرَّم ثم تخرج من مكة إلى الميقات فتهلّ منه بعمرة ، فكان يقع حجها في عامٍ وعمرتها في عامٍ آخر .(1/14)
والجواب عما به احتجوا وإليه ذهبوا ، ما رواه مالك عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت : (( إن كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليدع العمل ، وهو يحب أن يعمل به ، خشية أن يعمل به النَّاس ، فيفرض عليهم )) . أخرجاه فى (( الصحيحين )) .
قال ابن حزم (( المحلى ))(7/68) : (( فإن احتجوا بأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لم يعتمر في عام إلا مرة واحدة . قلنا : لا حجة في هذا ، لأنَّه إنما يُكره ما حضَّ على تركه ، وهو صلَّى الله عليه وسلم لم يحج مذ هاجر إلا حجة واحدة ، ولا اعتمر مذ هاجر إلا ثلاث عمر ؛ فيلزمكم أن تكرهوا الحج إلا مرة في العمر ، وأن تكرهوا العمرة إلا ثلاث مرات في الدهر وهذا خلاف قولكم !! . وقد صح أنه صلَّى الله عليه وسلَّم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمل به مخافة أن يشقَّ على أمته أو أن يفرض عليهم .
والعجب أنهم يستحبون أن يصوم المرء أكثر من نصف الدهر ، وأن يقوم أكثر من ثلث الليل . وقد صحَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم قط شهرا كاملا ، ولا أكثر من نصف الدهر ، ولا قام بأكثر من ثلاث عشرة ركعة (1) ، ولا أكثر من ثلث الليل . فلم يروا فعله صلَّى الله عليه وسلَّم ههنا حجة في كراهة ما زاد على صحة نهيه عن الزيادة في الصوم ، ومقدار ما يقام من الليل على أكثر من ذلك ، وجعلوا فعله صلَّى الله عليه وسلَّم في أنه لم يعتمر في العام إلا مرة ؛ مع حضه على العمرة والإكثار منها ؛ حجة في كراهة الزيادة على عمرةٍ من العام وهذا عجب جدا !! )) اهـ .
قلت : وقال أحمد بن حنبل : إذا اعتمر فلا بد من أن يحلق أو يقصر ، وفي عشرة أيام يمكن حلق . فظاهر هذا أنَّه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام . وقال في رواية الأثرم : إن شاء اعتمر في كل شهر .
قلت : ولولا خشية الإطالة لذكرت كلَّ ما يتعلق بهذه المسالة ، وقد أطلت البحث فيها فى كتابى (( السعى المحمود بتخريج وإيضاح مناسك ابن الجارود )) .
ــــــــــــ(1/15)
(1) قال البخارى فى أبواب التهجد بالليل ؛ باب : ما يقرأ في ركعتي الفجر (1/203. سندى ) . حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين .
وتابع مالكا : عبد اللَّه بن نمير ، غير أنه قال (( يوتر بخمس )) . أخرجه أحمد (6/230) ، ومسلم (6/16. نووى ) ، والترمذى (459) كلهم عن عبد الله بن نمير ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كانت صلاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمسٍ ، لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن ، فإذا أذن المؤذن قام فصلى ركعتين خفيفتين .
باب ذكر البيان بأن جهاد الكبير والصغير والمرأة الحج والعمرة
(5) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ )) .
(6) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ ! أَفَلَا نُجَاهِدُ ؟ ، قَالَ : (( لا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ )) .
( بيان ) دلَّ الحديثان على أن الحج والعمرة أفضل للكبير والصغير والمرأة من الجهاد ، على أنه لا يمتنع أن يتطوع الكبار والضعفاء والنساء بالجهاد ، ويستعان بهم فيما يستطيعون .
قال ابن بطال المراكبى : (( لكن ليس في الحديث ما يدل على أنَّه ليس لهن ـ أى النساء ـ أن يتطوعن بالجهاد ، وإنما لم يكن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهم من الستر ومجانبة الرجال ، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد )) .(1/16)
قلت : وقد ذكر البخارى فى (( كتاب الجهاد والسير )) من (( صحيحه ))(2/150،149. سندى ) أبواباً كثيرة فى خروج المرأة فى الجهاد والغزو ، منها :
باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال
حدثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز عن أنس قال : لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال : ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم ، وإنهما لمشمرتان ، أرى خدم سوقهما تنقزان القرب ـ وقال غيره تنقلان القرب على متونهما ـ ثم تفرغانه في أفواه القوم ، ثم ترجعان فتملأنها ، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم .
ــــــــ
(5) صحيح . أخرجه أحمد (2/421) ، وسعيد بن منصور (( السنن ))(2/167/2344) ، والنسائى (( الكبرى )) (2/321/3605) و(( المجتبى ))(5/113) ، والطبرانى (( الأوسط ))(8/319/8751) ، والبيهقى (( الكبرى )) (4/350 و9/23) من طرق عن يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى عن أبى سلمة عن أبى هريرة به .
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم على رسم الصحيحين .
(6) صحيح . أخرجه أحمد (6/165) ، وابن ماجه (2901) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(1/376/792) ، وابن خزيمة (3074) ، والدارقطنى (2/284/215) وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(2/123/1225) جميعا من طريق محمد بن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين به .
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم على رسم الصحيحين .
وقد أخرجه البخارى بغير ذكر العمرة . قال (1/265. سندى ) : حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ثنا خالد أخبرنا حبيب ابن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت : يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ ، قال : (( لا ؛ لكُنَّ أفضل الجهاد حج مبرور ))
باب : مداواة النساء الجرحى في الغزو(1/17)
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا بشر بن المفضل حدثنا خالد بن ذكوان عن الربيَّع بنت معوِّذ قالت : كنا مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نسقي ، ونداوي الجرحى ، ونرد القتلى إلى المدينة .
باب : رد النساء الجرحى والقتلى
حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان عن الربيِّع بنت معوِّذ قالت : كنا نغزو مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنسقي القوم ، ونخدمهم ، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة .
باب : غزو المرأة في البحر
حدثنا عبد الله بن محمد ثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري قال سمعت أنسا يقول : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنة ملحان ، فاتكأ عندها ثم ضحك ، فقالت : لم تضحك يا رسول الله ؟ ، فقال : (( ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله ، مثلهم مثل الملوك على الأسرة )) ، فقالت : يا رسول الله ! ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : (( اللهم اجعلها منهم )) ، ثم عاد فضحك ، فقالت له مثل أو ممَّ ذلك ، فقال لها مثل ذلك ، فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم ؟ ، قال : (( أنت من الأولين ولست من الآخرين )) ، قال أنس : فتزوجت عبادة بن الصامت ، فركبت البحر مع بنت قرظة ، فلما قفلت ركبت دابتها ، فوقصت بها فسقطت عنها فماتت .
( لطيفة ) قال المناوى (( فيض القدير ))(3/352) : (( لما فقدت المرأة أهلية الجهاد ألحقت بكرم الله بمن بذل نفسه وماله وجاهد ، فنظر إلى صدق نيتها لجهادها لنفسها في أداء حقوق زوجها ، وتبعيتها له ، وأداء أمانتها له في نفسها وبيته وماله )) .
باب ذكر إثبات الحرمان لمن وسَّع الله عليه
ثمَّ لم يزر البيت العتيق فى كلِّ خمسة أعوام مرة
(7)عن أبى سعيد الخدرى أنَّ رسول الله صلََّى الله عليه وسلَّم قال : (( يقولُ الله عزَّ وجلَّ : إنَّ عبداً أصححتُ جسمَه ، وأوسعتُ عليه في المعيشةِ ، فأتى عليه خمسةُ أعوامٍ لم يفدْ إليَّ لمحرومٌ )) .
ــــــــ(1/18)
= قال الحافظ ابن حجر (( فتح البارى ))(3/382) : (( اختلف في ضبط (( لكن )) ، فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة ، قال القابسي : وهو الذي تميل إليه نفسي . وفي رواية الحموي (( لكِن )) بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك . والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج ، وعلى وجوب سؤالها عن الجهاد )) اهـ .
(7) صحيح . أخرجه أبو يعلى(1031) ، وابن حبان (3695) ، وابن عدى (( الكامل ))(3/63) ، والبيهقى (( الكبرى )) (5/262) و(( شعب الإيمان ))(3/483/4133) ، والخطيب(( تاريخ بغداد ))(8/318) ، وابن الجوزى(( العلل المتناهية )) (2/565/929،928) من طرق عن خلف بن خليفة الأشجعى عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد مرفوعاً به . ( بيان ) قال المناوى (( فيض القدير ))(2/310) : (( وعادة الأنجاب زيارة معاهد الأحباب ، وأطلالهم وأماكنهم وخلالهم . وأخذ بقضية هذا الحديث بعض المجتهدين ، فأوجب الحج على المستطيع في كل خمسة أعوام ، وعزا ذلك إلى الحسن . قال ابن المنذر : كان الحسن يعجبه هذا الحديث ، وبه يأخذ ، فيقول : يجب على الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين اهـ . وقد اتفقوا على أن هذا القول من الشذوذ بحيث لا يعبأ به . قال ابن العربي : قلنا رواية هذا الحديث حرام فكيف بإثبات الحكم به )) اهـ .
قلت : الحسن الذى قال بهذا ليس البصرى ، كما قد يُتوهم ، وإنما هو الحسن بن صالح بن حى الفقيه الكوفى (1) ، كما بيّنه أبو بكر البيهقى (( شعب الإيمان ))(3/483) قال :(( وقال على بن المنذر : أخبرنى بعض أصحابنا قال : كان حسن بن حي يعجبه هذا الحديث ، وبه يأخذ ، ويُحبّ للرجل الموسر الصحيح أن لا يترك الحج إلى خمس سنين . قال علي بن المنذر : وقيل له كم حججت ؟ ، قال : ما بين ست وخمسين إلى ثمان وخمسين )) اهـ .
ــــــــ
= ولم يتفرد خلف بن خليفة به ، فقد رواه سفيان الثورى عن العلاء بن المسيب كرواية خلف .(1/19)
أخرجه الطبرانى (( الأوسط ))(1/155/486) قال : حدثنا أحمد بن عمرو الخلال ثنا محمد بن أبي عمر العدني ثنا عبد الرزاق عن الثوري عن العلاء بن المسيب بإسناده ومتنه نحوه ، إلا أنه قال (( أربعة سنوات )) .
وأخرجه الفاكهى (( تاريخ مكة ))(1/436/951) قال : حدثنا محمد بن أبى عمر العدنى ثنا عبد الرزاق به مثله .
قلت : والحديث بهذين الإسنادين صحيح ، رجاله ثقات على رسم مسلم فى أولهما ، وعلى رسم الشيخين فى ثانيهما ، المسيب بن رافع الكاهلى أبو العلاء ، وابنه العلاء ثقتان محتج بهما فى (( الصحيحين )) ، وخلف بن خليفة صدوق ربما وهم واختلط بآخرة ، لكنه لم يتفرد ، فقد تابعه ميزان الضبط والتيقظ : سفيان الثورى برواية عبد الرزاق عنه.
وخالفهما محمد بن فضيل بن غزوان ، فرواه عن العلاء بن المسيب عن يونس بن خباب عن أبى سعيد .
أخرجه البيهقى (( شعب الإيمان ))(3/482/4132) ، والخطيب (( تاريخ بغداد ))(8/318) كلاهما من طريق ابن فضيل عن العلاء بهذا الإسناد .
قلت : وهذا الإسناد ضعيف جداً ، آفته يونس بن خباب الأسيدى أبو حمزة الكوفى . قال ابن الجوزى (( الضعفاء والمجروحين ))(3/224/3865) : (( يونس بن خباب . كان شديد الرفض ، قال يحيى بن سعيد : كان كذابا . قال يحيى بن معين : ليس بشيء رجل سوء , وقال مرة : ضعيف . وكذلك قال النسائي . وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه . وقال الدراقطني : كان رجل سوء فيه شيعية مفرطة كان يسب عثمان . وذكر الدارقطني عن عباد بن العوام أنه سمع يونس بن خباب حدث بحديث القبر وزاد فيه (( يسئل عن علي )) ، قال فقلت له : لم نسمع بهذا ! ، فقال : أنت من هؤلاء الذين يحبون عثمان الذي قتل ابنتي رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، قلت له : قتل واحدة فلم زوجه الأخرى ؟! )) اهـ .(1/20)
وذكر الذهبى فى ترجمته من (( الميزان ))(7/314) نحوه . وقال فى (( الكاشف ))(2/403) : (( قال البخارى : منكر الحديث )) . وقال ابن حجر(( التقريب ))(1/613) : (( صدوق يخطىء ورمي بالرفض )) .
قلت : الراجح فى حق من يغلو فى بدعته ويسب السلف عدم توثيقه فى حديث رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .
(1) قال ابن أبى حاتم فى ترجمته من (( الجرح والتعديل ))(3/18/68) : (( أخبرنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إليَّ قال سمعت يحيى بن معين يقول : الحسن بن صالح بن حي الهمداني ثقة . سمعت أبي يقول : الحسن بن صالح ثقة متقن حافظ وسئل أبو زرعة عن الحسن بن صالح قال : اجتمع فيه إتقان وفقه وعبادة وزهد )) .
فإذا كان اللفظ (( ويحبُّ )) بالحاء المهملة ، بمعنى المحبة للفعل والندب إليه ، ويتأكد ذلك بكون الفعل (( يُحبّ )) معطوفا على (( به يأخذ )) ، فلا يتوجه القول بأن الحسن بن حى قائل بالوجوب ، ولا يُحكم عليه بالشذوذ ، ولا أدرى كيف وقعت الرواية هكذا للمناوى (( يجب على )) ، وقد جعلها مسبوقةً بجملة (( فيقول )) ، مما يُشعر أنها من مقال الإمام الورع الثبت الحجة الحسن بن صالح بن حى ، وليست هى هكذا عند البيهقى !! .
وأعجب منه تحريم أبى بكر بن العربى لرواية هذا الحديث القدسى الجليل ، وقد رواه من هو أعرف بالروايات منه !! ، وصحَّحه أبو زرعة الرازى وابن حبان فى جمعٍ من جهابذة المحدثين والفقهاء .
فعياذا بك اللهمَّ من الإفتيات على أحكام الشريعة ، والتقول علي الله بلا علم !! .
باب ذكر الأمر بالاستمتاع بالبيت الحرام قبل رفعه
(8)عَنْ ابنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رسَولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذا البَيْتِ ، فإنَّه هُدِمَ مرتين ، ويُرفعُ فى الثالثِ )) .(1/21)
( بيان ) البيت اسم غالب على الكعبة المكرمة ؛ كالنجم للثريا . والمراد بالاستمتاع بالبيت : الإكثار من الطواف والاعتكاف ودوام النظر إليه ، وقد يراد كذلك الإكثار من الحج والعمرة ، بدلالة قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( تابعوا بين الحج والعمرة )) .
وقد ذكروا الاختلاف فى عدد مرات بناء الكعبة ، فاقتصر أبو زكريا النووى فى (( تهذيب الأسماء واللغات ))(3/301) على الخمس ، فقال : (( وقد بنيت الكعبة الكريمة خمس مرات :
إحداها : بناء الملائكة قبل آدم . والثانية : بناء إبراهيم عليه السلام . والثالثة : بناء قريش في الجاهلية ، وقد حضر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هذا البناء كما ثبت في (( الصحيح )) . والرابعة : بناء ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما . والخامسة : بناء الحجاج بن يوسف الثقفي ، وهذا هو البناء الموجود اليوم ، وهكذا كانت الكعبة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم )) اهـ .
ــــــــ
(8) صحيح . أخرجه ابن خزيمة (2506) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان ))(6718) ، وأبو الشيخ بن حيان (( طبقات المحدثين بأصبهان ))(3/557) ، والحاكم (1/441) جميعاً من طريق سفيان بن حبيب عن حميد الطويل عن بكر بن عبد اللَّه المزنى عن ابن عمر به .
وعزاه كذلك الهيثمى (( مجمع الزوائد ))(3/206) للبزار(( مسنده )) والطبرانى (( الكبير )) وقال :(( رجاله ثقات )) .
قلت : هو كما قال ، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيحين ؛ خلا سفيان بن حبيب البصرى البزاز وهو ثقة ثبت .
قال الحافظ المزى (( تهذيب الكمال ))(11/137/2398) : (( قال عمرو بن علي حدثنا سفيان بن حبيب وكان ثقة . وقال أبو حاتم : صدوق ثقة ، وكان أعلم الناس بحديث ابن أبي عروبة . وقال يعقوب بن شيبة والنسائي : ثقة ثبت . قال أبو بشر الدولابي : مات سنة اثنتين وثمانين ومئة ، وهو ابن ثمان وخمسين . روى له البخاري في (( الأدب المفرد )) وأصحاب السنن )) اهـ .(1/22)
وأوصل الحافظ ابن حجر العدد فى (( النبأ الأنبه فى بناء الكعبة )) إلى عشر مرات ، وذكرها بالتفصيل .
( بيان ثان ) قوله (( يرفع فى الثالثة )) يعنى بعد أن يخربها ذو السويقتين الحبشى فى آخر الزمان .
وفى (( صحيح البخارى ))(1/278. سندى ) :
باب : هدم الكعبة
حدَّثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبيد الله بن الأخنس حدثني ابن أبي مليكة عن ابن عباس عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( كأنَّي به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً )) .
حدَّثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة )) .
قلت : وبيان ذلك على ما رواه الإمام أحمد (2/291) قال : حدَّثنا يزيد أنا ابن أبي ذئب عن سعيد ابن سمعان سمعت أبا هريرة يخبر أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يبايع لرجل ما بين الركن والمقام ، ولن يستحل البيت إلا أهله ، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب ، ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبداً ، وهم الذين يستخرجون كنزه )) .(1)
قال المناوى (( فيض القدير ))(3/375) : (( وهذا التخريب لا ينافيه قوله تعالى (( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا )) ، ولا خبر الصحيح (( إني أحلت لي مكة ساعة من نهار ، ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة )) لأن تخريبه مقدمة لخراب الدنيا ؛ بدليل الحديث القدسي (( قال الله تعالى : إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته )) . فكونه آمنا محترما إنما هو قبل ذلك ، على أن الحكم بالحرمة والأمن باق إلى يوم القيامة بالفعل ، لكن باعتبار أغلب أوقاته ، وإلا فكم وقع فيه من قتال وإخافة لأهله جاهلية وإسلاما في زمن ابن الزبير وبعده إلى زمننا !! ، ولو لم يكن إلا وقعة القرامطة لكفى )) اهـ .(1/23)
وفى (( كشف الخفاء ))(1/81) للعجلونى : (( حديث : (( إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته ثم أخرب الدنيا )) . ذكره ـ يعنى أبا حامد الغزالى ـ في (( الإحياء )) . قال العراقي في تخريجه : لا أصل له )) .
( إيقاظ ) وأما ما يروى عن أبى هريرة قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (( حجوا قبل أن لا تحجوا )) ، قالوا : وما شأن الحج يا رسول الله ؟ ، قال : (( تقعد أعرابها على أذناب شعابها ، فلا يصل الى الحج أحد )) .
ـــــــ
(1) صحيح . أخرجه الطيالسى (2373) ، وابن أبى شيبة (7/462/37244) ، وأحمد (2/351،328،312،291) وابن الجعد (( المسند ))(2810) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(1/365/763) ، وابن حبان ، والحاكم (4/452) ، والذهبى (( سير أعلام النبلاء ))(7/146) من طرق عن ابن أبى ذئب عن سعيد بن سمعان سمعت أبا هريرة يخبر أبا قتادة به .
قلت : هذا إسناد متصل رجاله ثقات كلهم .
قلت : هذا حديث باطل . أخرجه الفاكهى (( أخبار مكة ))(1/383/809) ، والعقيلى (( الضعفاء الكبير ))(2/286 و4/135) ، والدارقطنى (2/302/294) ، والبيهقى (4/341) ، وابن الجوزى (( العلل المتناهية ))(2/564/926) جميعا من طريق محمد بن أبى محمد عن أبيه عن أبى هريرة مرفوعا به .
قال أبو جعفر العقيلى : (( محمد بن أبي محمد مجهول النقل ، ولا يعرف هذا الحديث إلا به ، ولا يتابع عليه ، ولا يصح في هذا شيء )) .
وقال الذهبى (( الميزان ))(4/159) : (( هذا إسناد مظلم وخبر منكر )) .
*** *** ***
***
أبواب فضل العمرة
فى رمضان
باب ذكر البيان أن عمرة رمضان تعدل حجَّةً(1/24)
(9) قال الإمام البخارى : حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَالَ : لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ ، قَالَ لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ : مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ ؟ ، قَالَتْ : أَبُو فُلَانٍ ـ تَعْنِي زَوْجَهَا ـ كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا ، قَالَ : (( فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي )) .
(10) قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عَطَاءٌ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ ـ سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا ـ : (( مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا الْعَامَ ؟ )) ، قَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ لَنَا نَاضِحَانِ ، فَرَكِبَ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ ـ لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا ـ نَاضِحًا ، وَتَرَكَ نَاضِحًا ، نَنْضَحُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً )) .(1/25)
( بيان ) أم سنان الأنصارية أحدى الأنصاريات المبايعات بعد الهجرة ، ذكرها ابن سعد فى (( الطبقات الكبرى ))(8/292) ونسبها أسلمية ، فقال : (( أم سنان الأسلمية . أسلمت وبايعت بعد الهجرة . أخبرنا محمد ابن عمر ـ يعنى الواقدى ـ حدثنا عبد الله بن أبي يحيى عن ثبيتة ابنة حنظلة الأسلمية عن أمها أم سنان الأسلمية قالت : لما أراد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الخروج إلى خيبر جئته ، فقلت : يا رسول الله أخرج معك في وجهك هذا ؛ أخرز السقاء ؛ وأداوي المريض والجريح إن كانت جراح ولا تكون ، وأبصر الرحل ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( اخرجي على بركة الله ، فإن لك صواحب قد كلمنني ، وأذنت لهن من قومك ومن غيرهم ، فإن شئت فمع قومك ، وإن شئت فمعنا )) ، قلت : معك ، قال : (( فكوني مع أم سلمة زوجتي )) ، قالت : فكنت معها .
ــــــــ
(9) صحيح . أخرجه البخارى (1/320. سندى ) ، ومسلم (9/2. نووى ) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (3/349/2901) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(22/58:57) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة ))(1/132) من طرق عن يزيد بن زريع نا حبيب المعلم عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عبَّاسٍ به .
(10) صحيح . أخرجه أحمد (1/229) ، والدارمى (1859) ، والبخارى (1/306) ، ومسلم (9/2) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/471/4223) ، وابن الجارود (504) ، وابن حبان (3692) ، وأبو نعيم (( المستخرج )) (3/349/2900) والبيهقى (( الكبرى ))(4/346) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(22/57) من طرق عن ابن جريج أخبرنى عطاء سمعت ابن عبَّاسٍ به .(1/26)
أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عمر بن صالح الحوطي عن حريث بن زيد الأسلمي حدثتنا ثبيتة بنت حنظلة عن أمها أم سنان الأسلمية ـ وكانت من المبايعات وشهدت مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فتح خيبر ـ قالت : ما كنا نخرج إلى الجمعة والعيدين حتى نؤيس من البعولة ، قالت : وجئت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فبايعته ، فنظر إلى يدي ، فقال : (( ما على إحداكن أن تغير أظفارها وتعضد يدها ولو بسير )) اهـ .
وذكرها كذلك فى ثنايا ترجمة صفية بن حيى زوج النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقال (( الطبقات )) (8/121) : (( أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عبد الله بن أبي يحيى عن ثبيتة بنت حنظلة عن أمها أم سنان الأسلمية قالت : (( لما غزا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خيبر ، وغنمه الله أموالهم ، سبى صفية بنت حيي وبنت عم لها من القموص ، فأمر بلالاً يذهب بهما إلى رحله ، فكان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صفي من كل غنيمةٍ فكانت صفية مما اصطفى يوم خيبر ، وعرض عليها النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يعتقها إن اختارت الله ورسوله ، فقالت : أختار الله ورسوله ، وأسلمت فأعتقها وتزوجها ، وجعل عتقها مهرها )) وذكرت الحديث إلى أن قالت : (( وكنت فيمن حضرعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية مشطناها وعطرناها ، وكانت جارية تأخذ الزينة من أوضؤ ما يكون من النساء ، وما وجدت رائحة طيب كان أطيب من ليلتئذ ، وما شعرنا حتى قيل : رسول الله يدخل على أهله ، وقد نمصناها ونحن تحت دومة ، وأقبل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يمشي إليها ، فقامت إليه وبذلك أمرناها ، فخرجنا من عندهما ، وأعرس بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هناك ، وبات عندها ، وغدونا عليها وهي تريد أن تغتسل ، فذهبنا بها حتى توارينا من العسكر ، فقضت حاجتها واغتسلت ، فسألتها عما رأت من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، فذكرت أنه سر بها ، ولم ينم تلك الليلة ، ولم يزل يتحدث(1/27)
معها ، وقال لها : ما حملك على الذي صنعت حين أردت أن أنزل المنزل الأول ، فأدخل بك ، فقالت : خشيت عليك قرب يهود ، فزادها ذلك عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وأصبح رسول الله فأولم عليها هناك ، وما كانت وليمته إلا الحيس ، وما كانت قصاعتهم إلا الأنطاع ، فتغدى القوم يومئذ ، ثم راح رسول الله فنزل بالقبيصة وهي على ستة عشر ميلاً )) اهـ .
وقال (( الطبقات ))(8/126) : (( أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن أبي يحيى عن ثبيتة بنت حنظلة عن أمها أم سنان الأسلمية قالت : لما نزلنا المدينة ؛ لم ندخل منازلنا حتى دخلنا مع صفية منزلها ، وسمع بها نساء المهاجرين والأنصار، فدخلن عليها متنكرات ، فرأيت أربعا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم متنقبات : زينب بنت جحش وحفصة وعائشة وجويرية ، فأسمع زينب : تقول لجويرية : يا بنت الحارث ما أرى هذه الجارية إلا ستغلبنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! ، فقالت جويرية : كلا إنها من نساء قل ما يحظين عند الأزواج )) اهـ .
قلت : وفرَّق الحافظ ابن حجر فى (( الإصابة ))(8/232،231) بين الأنصارية والأسلمية ، فجعلهما اثنتين ، ولا وجه لهذا التفريق عند التحقيق والله أعلم .
( بيان ثان ) قوله (( عمرة في رمضان تعدل حجة )) ، قال المناوى (( فيض القدير ))(4/361) : (( أي تقابلها وتماثلها في الثواب ، لأن الثواب يفضل بفضيلة الوقت . قال الطيبي : وهذا من باب المبالغة ، وإلحاق الناقص بالكامل ، ترغيباً وبعثاً عليه ، وإلا كيف يعدل ثواب العمرة ثواب الحج ؟! ، فعلم أنها لا تقوم مقامها في إسقاط الفرض ؛ للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن فرض الحج . وفيه أن الشيء يشبه الشيء ، ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا كلها ، وأن ثواب العمل يزداد بزيادة شرف الوقت ، كما يزيد بحضور القلب وخلوص النية ، وأن أفضل أوقات العمرة رمضان )) اهـ .(1/28)
وقال الحافظ ابن حجر (( الفتح ))(3/604) : (( قال أبو بكر بن خزيمة : في هذا الحديث أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها ، لأن العمرة لا يقضي فيها فرض الحج ولا النذر وقال ابن بطال : فيه دليل على أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوعاً ، لإجماع الأمة على أن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة . وتعقبه ابن المنير : بأن الحجة المذكورة هي حجة الوداع . قال : وكانت أول حجة أقيمت في الإسلام فرضا ، لأن حج أبي بكر كان إنذارا ، فعلى هذا يستحيل أن تكون تلك المرأة كانت قامت بوظيفة الحج . قلت : وما قاله غير مسلم ، إذ لا مانع أن تكون حجت مع أبي بكر ، وسقط عنها الفرض بذلك ، لكنه بني على أن الحج إنما فرض في السنة العاشرة ، حتى يسلم مما يرد على مذهبه من القول بأن الحج على الفور . وعلى ما قاله ابن خزيمة فلا يحتاج إلى شيء مما بحثه ابن بطال .
فالحاصل : أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب ؛ لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الإعتمار لا يجزئ عن حج الفرض . ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه : أن معنى الحديث نظير ما جاء أن (( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن )) . وقال ابن العربي : حديث العمرة هذا صحيح ، وهو فضل من الله ونعمة ، فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها )) اهـ .
(11)عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لرجلٍ من الأنصار وامرأته : (( اعتمرا فى رمضان ، فإنَّ عُمْرَةً فى رمضانَ لكما كحجَّةٍ )) .
ـــــــ
(11) صحيح .أخرجه الحميدى (870) ، وابن أبى شيبة (3/158/13027) ، وأحمد(4/35) ، والنسائى (( الكبرى )) (2/472/4224) ، والطبرانى (( الكبير ))(22/286/735) جميعا من طريق ابن عيينة عن محمد بن المنكدر عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام به .
باب ذكر الخبر المصرح بإنَّ عمرةً فى رمضان(1/29)
تعدل حجَّةً مع النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
(12) قال الإمام أبو بكر بن خزيمة : حدَّثنا بشر بن هلال ثنا عبد الوارث بن سعيدٍ العنبري عن عامرٍ الأحول عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس قال : أراد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحج ، فقالت امرأة لزوجها : حجني مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقال : ما عندي ما أحجك عليه !، قالت : فحجني على ناضحك ، قال : ذاك يعتقبه أنا وولدك، قالت : حجني على جملك فلان ، قال : ذلك حبيس فى سبيل الله ، قالت : فبع تمرتك ، قال : ذاك قوتي وقوتك ، فلما رجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من مكة ، أرسلت إليه زوجها ، فقالت : اقرأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منِّي السلامَ ورحمةَ الله ، وسله ما تعدل حجة معك ؟ ، فأتى زوجُها النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقال : يا رسول الله ! إن امرأتي تقرئك السلامَ ورحمةَ الله ، وإنها كانت سألتني أن أحج بها معك ، فقلت : لها ليس عندي ما أحجك عليه ، فقالت : حجني على جملك فلان ، فقلت لها : ذلك حبيس في سبيل الله ، فقال : أما إنك لو كنت حججتها فكان في سبيل الله ، فقالت : حجني على ناضحك ، فقلت : ذاك يعتقبه أنا وولدك ، قالت : فبع تمرتك ، فقلت : ذاك قوتي وقوتك ، فضحك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تعجبا من حرصها على الحج ، قال : وإنَّها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك ؟ ، قال : (( أقرأها مني السلامَ ورحمةَ الله ، وأخبرها أنها تعدل حجَّةً معي عمرةٌ في رمضان )).
ــــــــ
(12) صحيح . أخرجه أبو داود (1990) ، وابن خزيمة (3077) ، والطبرانى (( الكبير ))(12/207/12911) ، والحاكم (1/483) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/164) ، والضياء (( الأحاديث المختارة ))(9/513/498) جميعا من طريق عبد الوارث بن سعيد العنبرى عن عامر الأحول عن بكر بن عبد اللَّه المزنى عن ابن عبَّاسٍ به .(1/30)
وقال أبو عبد اللَّه الحاكم : (( صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه )) .
قلت : هذا حديث صحيح غريب ، لا نعرفه من حديث بكر المزنى عن ابن عبَّاس إلا من هذا الوجه ، تفرد به عنه عامر الأحول . ورجال إسناده كلهم ثقات على رسم الشيخين ، خلا عامر بن عبد الواحد الأحول البصرى ، فهو صدوق ربما أخطأ وتفرد مسلم بالتخريج له ، ولم يخرِّج له إلا حديثه عن مكحول عن عبد اللَّه بن محيريز عن أبي محذورة : (( أن نبيَّ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم علمه هذا الأذان )) الحديث .
وإنما صحَّ حديثه هذا فى المتابعات ، فهو يروى عن ابن عبَّاس من غير وجهٍ نحوه ، وأصحّ ما فيه حديث عطاء بن أبى رباح السالف بيان تخريجه .
(13) قال أبو داود الطيالسى : حدثنا شعبة عن إبراهيم بن المهاجر قال سمعت أبا بكر بن الحارث بن هشام القرشي يقول : أرسل مروان بن الحكم إلى أم معقل امرأة من أشجع ، فقالت المرأة : كانت عليَّ عمرةٌ ، وإن زوجي جعل بكرا له في سبيل الله ، فطلبت إليه أن يعطينيه اعتمر عليه ، فقال : إنى جعلته في سبيل الله ، فأتيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال : (( إنَّ الحجَ والعمرةَ من سبيلِ الله )) ، فأمره أن يعطيها تعتمر عليه .
وقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : (( عمرة في رمضان كحجة )) أو قال : (( تجزى بحجة )) قال شعبة : فحدثني أبو بشر عن سعيد بن جبير قال : إنما قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لتلك المرأة خاصة .
ــــــــ
(13) صحيح . أخرجه الطيالسى (1662) ، وأحمد (6/405) ، وإسحاق بن راهويه (( المسند ))(1/260/6) ، وابن خزيمة (3075) ، والحاكم (1/482) جميعا من طريق شعبة عن إبراهيم بن مهاجر عن أبى بكر بن الحارث بن هشام عن أم معقل به .(1/31)
وأخرجه أحمد (6/375) ، وأبو داود (1988) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(6/45/3243) ، والطبرانى (( الكبير ))(25/152/364) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(2/63/1050) جميعا من طريق أبى عوانة عن إبراهيم بن مهاجر عن أبى بكر بن الحارث قال أخبرنى رسول مروان الذى أرسله إلى أم معقل عن أم معقل به .
قلت : وحديث شعبة أصحَّ ، فقد تابعه : معمر عن الزهرى ، ومالك عن سمىٍّ ، ويحيى بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير عن الحارث بن أبى بكر بن الحارث بن هشام ، كلهم عن أبى بكر بن الحارث عن أم معقل به ، بغير واسطة بينهما ، وفى حديث يحيى بن عباد أن أبا بكر بن الحارث قال : كنت فيمن ركب إلي أم معقل .
قال أحمد (6/406) : ثنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن امرأة من بني أسد بن خزيمة يقال لها أم معقل قالت : أردت الحج فضلَّ بعيري ، فسألت رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم ، فقال : (( اعتمري في شهر رمضان ، فإن عمرة في شهر رمضان تعدل حجة )) .
وقال ابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(6/45/3239) : حدثنا يعقوب ثنا عبد اللَّه بن نافع عن مالك بن أنس عن سميٍّ مولى أبي بكر أنَّه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يحدث عن أم معقل الأسدية أنها سألت النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقالت : تجهزت للحج فعرض لي ، فقال لها النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : (( اعتمري في رمضان ، فإن عمرة في رمضان كحجة )) .
وقال أحمد (6/405) : ثنا يعقوب قال ثنا أبي عن ابن إسحاق قال ثنا يحيى بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير عن الحارث بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبيه قال : كنت فيمن ركب مع مروان حين ركب إلى أم معقل قال : وكنت فيمن دخل عليها من الناس معه ، وسمعتها حين حدثت هذا الحديث .(1/32)
قلت : وبسط تخريج هذا الحديث بالمطولات أليق ، وقد أطلت فى بيانه مع أحاديث هذا الباب فى رسالة سميتها :
(( إيضاحُ الحُجَّة بأنَّ عمرةَ رمضان تعدل حَجَّة ))
( إيقاظ ) ينتقض قول سعيد بن جبير بخصوصية أم معقل الأسدية بهذه الفضيلة ، بأن النَّبىَّ صلََّى الله عليه وسلَّم قاله كذلك لأم سنان الأنصارية ، وليس هناك أدنى تردد أنَّ المرأتين مختلفتان ، وأن قضيتهما متباينتان فليتأمل ذلك وليتدبر ! ، لئلا يُتوهم قصر الفضل على المخصوصين وحرمان سائر الأمة منه ، إذ الفضيلة باقية وحاصلة لجمهور الأمة ، والله واسع الفضل عظيم العطاء .(1/33)
(14) قال الإمام أبو داود السجستانى : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَقَ عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْقَلِ بْنِ أُمِّ مَعْقَلٍ الْأَسَدِيِّ أَسَدِ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ مَعْقَلٍ قَالَتْ : لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ ، فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَصَابَنَا مَرَضٌ ، وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ جِئْتُهُ ، فَقَالَ : (( يَا أُمَّ مَعْقِلٍ مَا مَنَعَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَعَنَا )) ، قَالَتْ : لَقَدْ تَهَيَّأْنَا ، فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ ، فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : (( فَهَلَّا خَرَجْتِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَأَمَّا إِذْ فَاتَتْكِ هَذِهِ الْحَجَّةُ مَعَنَا ، فَاعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ ، فَإِنَّهَا كَحَجَّةٍ )) ، فَكَانَتْ تَقُولُ : الْحَجُّ حَجَّةٌ ، وَالْعُمْرَةُ عُمْرَةٌ ، وَقَدْ قَالَ هَذَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا أَدْرِي أَلِيَ خَاصَّةً !! .
ــــــــ(1/34)
(14) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (3/158/13026) ، والدارمى (1860) كلاهما مختصراً ، وأبو داود (1989) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(6/45/3245) ، وابن خزيمة (2376) ، والطبرانى (( الكبير )) (25/152/366) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/274) ، وابن حزم (( حجة الوداع ))(ص129،128) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(22/56) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(2/63/1051) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (23/32) من طرق عن محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل بن أم معقل حدثنى يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن جدته أم معقل به .
قلت : هذا إسناد صالح فى الشواهد والمتابعات ، وقد صرَّح ابن إسحاق بسماعه كما فى رواية ابن حزم .
وعيسى بن معقل بن أم معقل الأسدى ، ذكره البخارى (( التاريخ الكبير ))(6/385/2720) ، وابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(6/290/1608) ، فلم يذكراه بجرح ولا تعديل ، وقالا : (( سمع منه : موسى بن عقبة ، ومحمد بن إسحاق )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(5/214/4575) .
وقال الذهبى (( الكاشف ))(2/112/4398) : (( وثق )) . وقال ابن حجر(( التقريب ))(1/440/5326) : (( مقبول )) .
قلت : وليس هذا المصطلح من ألفاظ الجرح ولا التليين عند الحافظ ابن حجر ، سيما وقد أطلقه فى حقِّ جماعة من الرواة ممن أخرج لهم الشيخان فى (( الصحيحين )) ، وعدتهم مائة وخمسة من الرواة ، وقد فصلت القول فيهم فى كتابى :
(( المنهج المأمول فى معنى قول ابن حجر مقبول ))
( بيان ) أم معقل الأسدية ، ويقال : الأشجعية ، ويقال : الأنصارية . والأول أشهر وأصحَّ .
ذكرها محمد بن سعد فى (( الطبقات الكبرى ))(8/295) ، وقال : (( أم معقل الأسدية . أسلمت وبايعت رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وروت عنه )) .(1/35)
وذكرها أبو عمر بن عبد البر فى (( الاستيعاب ))(4/1962/4216) ، إلا أنه قال : (( أم معقل الأنصارية ويقال الأسدية . روت عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : (( عمرة في رمضان تعدل حجة )) . في إسناد حديثها اضطراب كثير . وهي أم طليق ، وعند بعض لها كنيتان ))
قلت : هكذا أطلق ابن عبد البر القول بأن حديثها مضطرب ؛ مع إمكان نفى الاضطراب بترجيح أحدى رواياته ، وهو الحاصل عند التدقيق فى طرق الحديث .
قال الحافظ ابن حجر (( مقدمة فتح البارى ))(1/348) : (( الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطربا إلا بشرطين :
( أحدهما ) استواء وجوه الاختلاف ، فمتى رجح أحد الأقوال قدم ولا يعلُّ الصحيح بالمرجوح .
( ثانيهما ) مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين ، ويغلب على الظن أن أحداً من الحفاظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه ، فحينئذ يحكم عليه بالاضطراب ، ويتوقف عن الحكم بصحته )) اهـ .
وقد ترجحت عدة من روايات حديث أم معقل ، كما ترجح الأشهر من نسبها وهو الأسدية ، كما بينته فى كتابى : (( إيضاحُ الحُجَّة بأنَّ عمرةَ رمضان تعدل حَجَّة ))
وذكر أم معقل كذلك عز الدين بن الأثير فى (( أسد الغابة فى معرفة الصحابة ))(5/621) ، وابن حجر فى (( الإصابة ))(8/309) .
*********
***
أبواب الاعتمار عن الغير
باب ذكر الأمر بالعمرة عن الحى العاجز عنها
بكبر سنٍ أو مرضٍ أو نحوه
(15) قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلا الْعُمْرَةَ وَلا الظَّعْنَ ، قَالَ : (( حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ )) .(1/36)
( بيان ) قال أبو بكر البيهقى (4/350) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاذ ثنا أحمد بن سلمة قال سألت مسلم بن الحجاج عن هذا الحديث ـ يعني حديث أبي رزين هذا ـ فقال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : (( لا أعلم في إيجاب العمرة حديثاً أجود من هذا ولا أصح منه ، ولم يجوده أحد كما جوده شعبة )) .
( بيان ثان ) قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد ))(20/15) : (( وأما اختلاف الفقهاء في وجوب العمرة . فذهب مالك إلى أن العمرة سنة مؤكدة ، وقال في ((موطئه)) : ولا أعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها وهذا اللفظ يوجبها إلا أن أصحابه وتحصيل مذهبه على ما ذكرت لك . وقال أبو حنيفة وأصحابه : العمرة تطوع . وقال الشافعي والثوري والأوزاعي : العمرة فريضة واجبة ، وهو قول ابن عباس وابن عمر وزيد ابن ثابت ومسروق وعلي بن حسين وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير وغيرهم واختلف فيها عن ابن مسعود . وقد رُوي عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه : قال لسائلٍ سأله عن العمرة : أواجبة هي ؟ ، قال : (( لا ، ولأن تعتمر خير لك )) . وهذا الحديث انفرد به الحجاج بن أرطاة عن محمد ابن المنكدر عن جابر قال: قال خباب : يا رسول الله العمرة واجبة ؟ ، قال : (( لا ، ولأن تعتمر خير لك )) وما انفرد به الحجاج بن أرطاة فلا حجة فيه. ورُوي عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال : (( العمرة تطوع )) بأسانيد لا تصح ولا تقوم بمثلها حجة . ورُوي عنه صلَّى الله عليه وسلَّم في إيجابها أيضا ما لا تقوم به حجة من جهة الإسناد . وأما الصحابة ، فروي عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت إيجاب العمرة ، ولا مخالف لهم من الصحابة إلا ما روي عن ابن مسعود على اختلاف عنه . واختلف التابعون في هذا ، فأوجبها بعضهم وهم الأكثر ولم يوجبها بعضهم ، وأكثر أهل الحجاز على إيجابها ، وأهل الكوفة لا يوجبونها )) اهـ
ـــــــ(1/37)
(15) صحيح . أخرجه الطيالسى (980) ، وابن أبى شيبة (3/368/15007) ، وأحمد (4/12،11،10) ، وابن الجعد (( المسند ))(1701) ، وابن سعد (( الطبقات ))(5/518) ، وأبو داود (1810) ، والترمذى (930) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/324،320/3617،3600) و(( المجتبى ))(5/117،111) ، وابن ماجه (290) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(1/388/822) ، وابن الجارود (500) ، وابن خزيمة (3040) ، وابن حبان (3980) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/8) ، والطبرانى (( الكبير ))(19/203/458،457) ، والدارقطنى (2/283/29) ، والحاكم (1/481) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/350،329) ، وابن حزم (( المحلى ))(7/39) ، وابن عبد البر(( التمهيد )) (1/389) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة ))(2/523) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف )) (2/114/1199) جميعا من طريق شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبى رزين العقيلى به .
قلت : والصحيح من أقوال الفقهاء أن العمرة واجبة إيجاب الحج .(1/38)
ففى (( الأم ))(2/132) : (( باب هل تجب العمرة وجوب الحج . قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ قال الله تبارك وتعالى (( وأتموا الحج والعمرة لله )) ، فاختلف الناس في العمرة ، فقال بعض المشرقيين : العمرة تطوع ؛ وقاله سعيد بن سالم ، واحتج بأن سفيان الثوري أخبره عن معاوية بن إسحق عن أبي صالح الحنفي أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( الحج جهاد والعمرة تطوع )) . فقلت له : أثبتَ مثل هذا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقال : هو منقطع ، وهو وإن لم تثبت به الحجة ، فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عز وجل يقول (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) ، ولم يذكر في الموضع الذي بيَّن فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة ، وأنا لم نعلم أحدا من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت . فقلت له : قد يحتمل قول الله عز وجل (( وأتمو الحج والعمرة لله )) أن يكون فرضها معه ، وفرضه إذا كان في موضعٍ واحدٍ يثبت ثبوته في مواضع كثيرة ؛ كقوله تعالى (( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة )) ، ثم قال (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )) ، فذكرها مرة مع الصلاة ، وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها ؛ فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت ، وليس لك حجة في قولك : لا نعلم أحدا أمر بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول : ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه قال : لا تقضى عمرة عن ميت ولا هي تطوع كما قلت ، فإن كان لا نعلم لك حجة كان قول من أوجب العمرة : لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال : هي تطوع ، وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك .(1/39)
قال الإمام الشافعى : ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية (( وأتموا الحج والعمرة لله )) ؛ إذا دخلتم فيهما . وقال بعض أصحابنا : العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها . وهذا قول يحتمل إيجابها ، إن كان يريد أن الآية تحتمل إيجابها . وقد ذهب ابن عباس إلى إيجابها ، ولم يخالفه غيره من الأئمة .
قال الإمام الشافعي : والذي هو أشبه بظاهر القرآن ، وأولى بأهل العلم عندي ، وأسأل الله التوفيق ، أن تكون العمرة واجبة ، فإن الله عز وجل قرنها مع الحج ، فقال (( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى )) ، وأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اعتمر قبل أن يحج ، وأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سنَّ إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات ، وفي الحج زيادة عمل على العمرة ، فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر ، ومع ذلك قول ابن عباس وغيره .
أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال : (( والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله (( وأتموا الحج والعمرة لله )) .
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان .
قال الإمام الشافعي : وقاله غيرُه من مكيينا ، وهو قول الأكثر منهم )) اهـ .
( بيان ثالث ) قال أبو محمد بن قدامة المقدسى فى (( المغنى ))(3/92) : (( مسألة : ومن كان مريضا لا يرجى برؤه أو شيخا لا يستمسك على الراحلة ؛ أقام من يحج عنه ويعتمر ، وقد أجزأ عنه وإن عوفي . وجملة ذلك أن من وجدت فيه شرائط وجوب الحج ، وكان عاجزا عنه ؛ لمانع مأيوس من زواله كزمانة أو مرض لا يرجى زواله ، أو كان نضو الخلق لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة ، والشيخ الفاني ومن كان مثله ، متى وجد من ينوب عنه في الحج وما لا يستنيبه به لزمه ذلك .(1/40)
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي . وقال مالك : لا حج عليه إلا أن يستطيع بنفسه ، ولا أرى له ذلك لأن الله تعالى قال (( من استطاع إليه سبيلا )) ، وهذا غير مستطيع ، ولأن هذه عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة فلا تدخلها مع العجز كالصوم والصلاة .
ولنا ـ يعنى دليلاً على الجواز ـ حديث أبي رزين ، وحديث ابن عباس : أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله ! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ ، قال : (( نعم )) ، وذلك في حجة الوداع . متفق عليه . وسئل علي عن شيخ لا يجد الاستطاعة قال : يجهز عنه . ولأن هذه عبادة تجب بإفسادها الكفارة ، فجاز أن يقوم غير فعله فيها مقام فعله كالصوم إذا عجز عنه افتدى بخلاف الصلاة )) اهـ .
والجواب عما احتج به المالكية بقولهم : لا حجَّ على من لم يستطعه بنفسه ، ولا يؤديه عنه غيره ، لأن العبادات البدنية ومنها الحج والعمرة ، لا يجوز النيابة فيها ، ما قاله الإمام الشافعى (( الأم ))(2/114) : (( الاستطاعة وجهان : أحدهما أن يكون الرجل مستطيعا ببدنه واجدا من ماله ما يبلغه الحج ، فتكون استطاعته تامة ، ويكون عليه فرض الحج ؛ لا يجزيه ما كان بهذا الحال إلا أن يؤديه عن نفسه .(1/41)
والثانية أن يكون مضنواً في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركبٍ بحال ، وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بطاعته له ، أو قادر على مال يجد من يستأجره ببعضه فيحج عنه ، فيكون هذا ممن لزمته فريضة الحج كما قدر. ومعروف في لسان العرب أن الاستطاعة تكون بالبدن ، وبمن يقوم مقام البدن ، وذلك أن الرجل يقول : أنا مستطيع لأن أبني داري ؛ يعني بيده ، ويعنى بأن يأمر من يبنيها بإجارة أو يتطوع ببنائها له ، وكذلك مستطيع لأن أخيط ثوبي ، وغير ذلك مما يعمله هو بنفسه ويعمله له غيره . فإن قال قائل : الحج على البدن ، وأنت تقول في الأعمال على الأبدان إنما يؤديها عاملها بنفسه ؛ مثل الصلاة والصيام ، فيصلى المرء قائماً ، فإن لم يقدر صلى جالسا أو مضطجعا ، ولا يصلى عنه غيره ، وإن لم يقدر على الصوم قضاه إذا قدر أو كفر ولم يصم عنه غيره ، وأجزأ عنه ؟ . قيل له : إن شاء الله تعالى الشرائع تجتمع في معنى ، وتفترق في غيره ، بما فرق الله به عز وجل بينها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو بما اجتمعت عليه عوام المسلمين الذين لم يكن فيهم أن يجهلوا أحكام الله تعالى . فإن قال : فادللني على ما وصفت من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ . قيل له : أخبرنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن سليمان بن يسار عن ابن عباس : أن امرأة من خثعم سألت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت : إن فريضه الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته ،(1/42)
فهل ترى أن أحج عنه ؟ ، فقال لها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : (( نعم )) ، قال سفيان : هكذا حفظته عن الزهري ، وأخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وزاد فقالت : يا رسول الله فهل ينفعه ذلك ؟ ، فقال : (( نعم ، كما لو كان عليه دين فقضيته نفعه )) . فكان فيما حفظ سفيان عن الزهري ما بيَّن أن أباها إذا أدركته فريضة الحج ولا يستطيع أن يستمسك على راحلته أن جائزا لغيره أن يحج عنه ولد أو غيره ، وأن لغيره أن يؤدي عنه فرضا إن كان عليه في الحج إذا كان غير مطيق لتأديته ببدنه ، فالفرض ألزم له ، ولو لم يلزمه لقال لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : لا فريضة على أبيك ؛ إذا كان إنما أسلم ولا يستطيع أن يستمسك على الراحلة إن شاء الله تعالى ، ولقال : لا يحج أحد عن أحد ، إنما يعمل المرء عن نفسه . ثم بيَّن سفيان عن عمرو عن الزهري في الحديث ما لم يدع بعده في قلب من ليس بالفهم شيئا ، فقال في الحديث : فقالت له : أينفعه ذلك يا رسول الله ؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه )) ، وتأدية الدين عمن عليه حيا وميتا فرض من الله عز وجل في كتابه ، وعلى لسان نبيه صلَّى الله عليه وسلم وفي إجماع المسلمين ، فأخبر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم المرأة أن تأديتها عنه فريضة الحج نافعة له ، كما ينفعه تأديتها عنه دينا لو كان عليه ، ومنفعته إخراجه من المأثم وإيجاب أجر تأديته الفرض له كما يكون ذلك في الدين ، ولا شيء أولى أن يجمع بينهما مما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه ، ونحن نجمع بالقياس بين ما أشبه في وجه ؛ وإن خالفه في وجه غيره ، إذا لم يكن شيئا أشد مجامعة له منه ، فيرى أن الحجة تلزم به العلماء . فإذا جمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين شيئين ، فالفرض أن يجمع بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه(1/43)
وسلم بينه . وفيه فرق آخر : الفرض على الأبدان يختلف بما خالف الله عز وجل بينه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم يفرق بينه بما يفرق به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض من هو دونهم ، فالذي يخالفنا ولا يجيز أن يحج أحد عن أحد يزعم أن من نسى فتكلم في صلاة لم تفسد عليه صلاته ، ومن نسى فأكل في شهر رمضان فسد صومه ، ويزعم أن من جامع في الحج أهدى ، ومن جامع في شهر رمضان تصدق ، ومن جامع في الصلاة فلا شيء عليه ، ويفرق بين الفرائض فيما لا يحصى كثرة ، وعلته في الفرق بينها خبر وإجماع ، فإذا كانت هذه علته فلم رد مثل الذى أخذ به )) اهـ .
( بيان رابع ) من الواضح الجلى ، أن الخلاف بين المالكية والجمهور فى الحج والعمرة عن الغير يرجع إلى مسألة أصولية ، وهى : هل يجوز دخول النيابة فى التكاليف البدنية ، فيفعلها الغير عمن كُلف بها ؟ . فعلى مذهب المالكية أن القياس يقتضي أن العبادات لا ينوب فيها أحد عن أحد ، فلا يصلي أحد عن أحد ، ولا يصوم أحد عن أحد ، ولا يحج أو يعتمر أحد عن أحد . وليس يشك أحد ممن يستقرؤ الأخبار النبوية والآثار المصطفوية ، أن هذا القياس معارضٌ بما صحَّ منها وجرى عليه العمل خلفاً عن سلفٍ .
وقد أطال العلامة أبو إسحاق الشاطبى المالكى فى (( موافقاته ))( ج2ص240:227) فى تحرير دعاواهم ، وذكر أدلة الجمهور ، إلا أنه نقضها بما لا ينتهض دليلاً على إبطالها ورفع حجيتها .
واستدل للجمهور أبو الحسن الآمدى (( الإحكام فى أصول الأحكام ))(1/197) فقال : (( اختلف أصحابنا والمعتزلة في جواز دخول النيابة فيما كلف به العبد من الأفعال البدنية ، فأثبته أصحابنا ونفاه المعتزلة .(1/44)
حجة أصحابنا : أنًَّه لو قال القائل لغيره : أوجبت عليك خياطة هذا الثوب ، فإن خطته أو استنبت في خياطته أثبتك ، وإن تركت الأمرين عاقبتك كان معقولا غير مردود . وما كان كذلك فوروده من الشارع لا يكون ممتنعاً . ويدل على وقوعه ما روي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : أنه رأى شخصا يحرم بالحج عن شبرمة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( أحججت عن نفسك ؟ )) ، فقال : لا ، فقال له : (( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) ، وهو صريح فيما نحن فيه . فإن قيل : وجوب العبادات البدنية إنما كان ابتلاء وامتحانا من الله تعالى للعبد ، فإنه مطلوب للشارع ؛ لما فيه من كسر النفس الأمارة بالسوء وقهرها تحصيلا للثواب على ذلك ، وذلك مما لا مدخل للنيابة فيه ؛ كما لا مدخل لها في باقي الصفات من الآلام واللذات ونحوها . قلنا : أما الابتلاء والامتحان بالتكليف لما ذكروه ، وإن كان مع تعيين المكلف لأداء ما كُلف به أشق مما كلف به مع تسويغ النيابة فيه ، فليس في ذلك ما يرفع أصل الكلفة والامتحان فيما سوغ له فيه الاستنابة ، فإن المشقة لازمة له بتقدير الإتيان به بنفسه ، وهو الغالب ، وبما يبذله من العوض للنائب بتقدير النيابة ، ويلتزمه من المنة بتقديرعدم العوض . وليس المراعى في باب التكاليف أشقها وأعلاها رتبة ، ولذلك كانت متفاوتة . وأما الثواب والعقاب ، فليس مما يجب على الله تعالى في مقابلة الفعل ، بل إن أثاب فبفضله وإن عاقب فبعدله ؛ كما عرف من أصلنا ، بل له أن يثيب العاصي ويعاقب الطائع )) اهـ .
باب قضاء الحج والعمرة عن الميت الذى نذرهما
فمات قبل الوفاء بالنذر(1/45)
(16) قال الإمام البخارى : حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ ؟! )) ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : (( فَاقْضِ اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ )) .
ـــــــــ
(16) صحيح . أخرجه الطيالسى (2621) ، وأحمد (2/345،240:239) ، والبخارى (4/159. سندى ) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/322/3612) و(( المجتبى ))(5/116) ، وابن الجارود (501،944) ، وابن خزيمة (3041) ، والطبرانى (( الكبير ))(12/50/12443) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/335 و5/179 و6/277) ، وابن حزم (( المحلى )) (7/63) ، وابن الجوزى (( التحفقيق فى أحاديث الخلاف ))(2/98/1125) جميعا عن شعبة عن أبى بشر جعفر بن أبى وحشية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به .
(17)عَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ ؛ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ، قَالَ : (( نَعَمْ )) ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ .(1/46)
( بيان ) قال الإمام الشافعي (( الأم ))(2/133) : (( فإن قال قائل : فقد أمر النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم امرأة أن تقضي الحج عن أبيها ، ولم يحفظ عنه أن تقضى العمرة عنه ؟! ، قيل له : إن شاء الله قد يكون في الحديث فيحفظ بعضه دون بعض ، ويحفظ كله فيؤدي بعضه دون بعض ، ويجيب عما يسأل عنه ، ويستغنى أيضا بأن يعلم أن الحجَّ إذا قضى عنه فسبيل العمرة سبيله . فإن قال قائل : وما يشبه ما قلت ؟ ، قيل : روى عنه طلحة بن عبيد الله أنه : سئل عن الإسلام ؟ ، فقال : (( خمس صلوات في اليوم والليلة )) ، وذكر الصيام ولم يذكر حجا ولا عمرة من الإسلام ، وغير هذا ما يشبه هذا والله أعلم . فإن قال قائل : ما وجه هذا ؟ ، قيل له : ما وصفت من أن يكون في الخبر فيؤدي بعضه دون بعض ، أو يحفظ بعضه دون بعض ، أو يكتفي بعلم السائل ، أو يكتفي بالجواب عن المسألة ثم يعلم السائل بعد ولا يؤدي ذلك في مسألة السائل ويؤدي في غيره )) اهـ .
( بيان ثان ) قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد ))(9/124) : (( واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث ومعناه : فذهب جماعة منهم إلى أن هذا الحديث مخصوص به أبو الخثعمية ؛ لا يجوز أن يتعدى به إلى غيره ، بدليل قول الله عز وجل (( من استطاع إليه سبيلا )) ، وكان أبو الخثعمية ممن لا يستطيع ؛ فلم يكن عليه الحج ، فلما لم يكن ذلك عليه لعدم استطاعته كانت ابنته مخصوصة بذلك الجواب . وممن قال ذلك : مالك بن أنس وأصحابه ، وجعلوا أبا الخثعمية مخصوصا بالحج عنه ؛ كما كان سالم مولى أبي حذيفة عندهم وعند من خالفهم في هذه المسألة مخصوصا برضاعه في حال الكبر ؛ مع اشتراط الله عز وجل تمام الرضاعة في الحولين ، فكذلك أبو الخثعمية مع شرط الله في وجوب الحج الاستطاعة وهي القدرة .
ـــــــ(1/47)
(17) صحيح . أخرجه الشافعى (( الأم ))(2/114 و7/211) و(( المسند ))(ص108) ، ويحيى بن يحيى (( الموطأ )) (1/329. تنوير الحوالك ) ، وأحمد (1/359،346) ، والبخارى (1/318،264. سندى ) ، ومسلم (9/97) وأبو داود (1809) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/325/3621 و3/471/5955) و(( المجتبى ))(5/118 و8/228) ، وابن خزيمة (3031،3036) ، وابن حبان (3989) ، وأبو نعيم (( المستخرج ))(4/10/3104) ، والبيهقى (( الكبرى )) (4/328) ، وابن حزم (( حجة الوداع ))(ص189) جميعا من طريق مالك عن الزهرى عن سليمان بن يسار عن عبد اللَّه بن عباس به.
قلت : وهذا الحديث مستفيض عن الزهرى وعليه مداره ، يرويه عنه : مالك ، وابن عيينة ، وعبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون ، والأوزاعى ، وصالح بن كيسان ، ومعمر ، وشعيب بن أبى حمزة ، والليث بن سعد ، وأيوب بن موسى .
وذهب آخرون إلى أن الاستطاعة تكون بالبدن والقدرة ، وتكون أيضا في المال لمن لم يستطع ببدنه ، واستدلوا بهذا الحديث ومثله وممن قال ذلك الشافعي )) اهـ .
باب ذكر نفى جواز العمرة عن الغير ما لم يعتمر عن نفسه
(18) قال الإمام أبو داود : حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالَقَانِيُّ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ قَالَ إِسْحَقُ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ : لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ ، قَالَ : (( مَنْ شُبْرُمَةُ ؟ )) ، قَال : أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي ، قَالَ : (( حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ )) ، قَالَ : لا قَالَ : (( حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ )) .
ـــــــ(1/48)
(18) صحيح . أخرجه أبو داود (1811) ، وابن ماجه (2903) ، وابن الجارود (499) ، وابن خزيمة (3039) ، وأبو يعلى (4/329/2440) ، وابن حبان (3977) ، والطبرانى (( الكبير ))(12/42/12418) ، والدارقطنى (2/270/159،158،157،162،161،160) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/336) ، وابن عبد البر (( التمهيد )) (9/137) والضياء (( الأحاديث المختارة ))(10/248:245/262،261،260) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(2/116/1204) من طرق عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً به .
قلت : وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات على رسم مسلم ؛ إذا كان عزرة هو ابن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعى الأعور ، فإنَّه لم ينسب فى رواية أحدٍ ، وربما اشتبه بغيره من شيوخ قتادة ممن اسمه عزرة ، وقد قال أبو على النيسابورى الحافظ : هو عزرة بن يحيى ، أسنده أبو بكر البيهقى عن أبى عبد اللَّه الحاكم عنه ، فإن يكنه ففى الإسناد لين ، لأن عزرة بن يحيى ليس بالمشهور ، وليس له كبير حديثٍ .
والذى يترجح لى أنه عزرة بن عبد الرحمن الثقة ، فإنه كثير الرواية عن سعيد بن جبير ، وقد تحصل لى منها ستة أحاديث : ثلاثة فى الكتب الستة منها حديث واحد فى (( صحيح مسلم )) ، والثلاثة الأخرى عند أحمد والدارمى .
قال أبو بكر البيهقى : (( هذا إسناد صحيح ، ليس في هذا الباب أصحَّ منه . أخرجه أبو داود في (( السنن )) عن إسحاق ابن إسماعيل وهناد بن السري عن عبدة . وقال يحيى بن معين : أثبت الناس سماعا من سعيد عبدة بن سليمان )) .(1/49)
قلت : قد رواه عن سعيد بن أبى عروبة فرفعه أربعة من الثقات : عبدة بن سليمان الضبى ، ومحمد بن عبد اللَّه الأنصارى ، ومحمد بن بشر العبدى ، وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضى . وهؤلاء حفاظ أثبات كلهم ، وأثبتهم فى ابن أبى عروبة : عبدة ، فلا يضرهم خلاف من أوقفه ، ولا من أعضله !! . فقد رواه غندر عن سعيد بن أبى عروبة ؛ فأوقفه على ابن عباس ، ورواه عمرو بن الحارث عن قتادة عن سعيد بن جبير ؛ فأسقط من إسناده عزرة .
قلت : فأما غندر ، فقد خالفه أربعة من الحفاظ الأثبات ، فالقول قولهم ، ورواياتهم أشبه بالصواب . وأما عمرو بن الحارث المصرى ، فقد وهم وأخطأ ، فإن قتادة لم يلق سعيد بن جبير كما قاله يحيى بن معين وغيره .
قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد )) : (( وليست هذه عللا يجب بها التوقف عن القول بالحديث ، لأن زيادة الحافظ مقبولة ، وحكمها حكم الحديث نفسه لو لم يجيء به غيره )) .
وقد أطلت البحث فى بيان صحته فى : (( السعى المحمود بتخريج وإيضاح مناسك ابن الجارود )) .
وفى رواية لعبدة : قَالَ : (( هَلْ حَجَجْتَ قَطُّ )) ، قَالَ : لا ، قَالَ : (( فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ )) .
( بيان ) قال أبو الوليد بن رشد القرطبى (( بداية المجتهد ونهاية المقتصد ))(1/234) : (( واختلفوا في الذي يحج عن غيره ؛ سواء كان حيا أو ميتا ، هل من شرطه أن يكون قد حج عن نفسه أم لا ؟ . فذهب بعضهم إلى أن ذلك ليس من شرطه ، وإن كان قد أدى الفرض عن نفسه فذلك أفضل ، وبه قال مالك فيمن يحج عن الميت لأن الحج عنده عن الحي لا يقع .(1/50)
وذهب آخرون إلى أن من شرطه أن يكون قد قضى فريضة نفسه ، وبه قال الشافعي وغيره : أنه إن حجَّ عن غيره من لم يقض فرضَ نفسِه انقلب إلى فرضِ نفسِه . وعمدة هؤلاء حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، قال :(( ومن شبرمة ؟ )) ، فقال : أخ لي ، قال : (( أفحججت عن نفسك ؟ )) ، قال : لا ، قال : (( فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) .
والطائفة الأولى عللت هذا الحديث بأنه قد روي موقوفا على ابن عباس )) اهـ .
******
***
أبواب آداب السفر
باب الاستخارة قبل العزم على السفر
(19)عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْد اللَّه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ ؛ إِذَا هَمَّ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ . اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ ـ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ـ فَاقْدُرْهُ لِي ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ ـ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ـ فَاصْرِفْهُ عَنِّي ، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ ـ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ـ )) .
باب توديع المسلم أخاه ودعائه له عند إرادة السفر(1/51)
(20)عَنْ ابْنِ عُمَرَ وجَاءَه رَجُلٌ ، فَقَالَ : تَعَالَ حَتَّى أُوَدِّعَكَ كَمَا وَدَّعَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْسَلَنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ ، فَقَالَ : (( أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ )) .
( بيان ) قوله (( أستودع الله )) : أي استحفظه دينك ؛ من الوَّداع ـ بفتح الواو ـ وهو الاستحفاظ ، وذلك لأن السفر محل الاشتغال عن الطاعات التي يزيد الدين بزيادتها ، وينقص بنقصانها .
ــــــــ
(19) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (6/52/29403) ، وأحمد (3/344) ، والبخارى (1/202 و4/276،110) وعبد بن حميد (( المسند ))(1089) ، وعبد اللَّه بن أحمد (( زوائد المسند ))(3/344) ، وأبو داود (1538) ، والترمذى (480) ، والنسائى (( الكبرى )) (3/337/5581 و4/412/7729 و6/128/10332) و(( المجتبى ))(6/81:80) ، وابن ماجه (1383) ، وابن السنى (( عمل اليوم والليلة ))(596) ، وابن أبى عاصم (( السنة ))(421) ، وأبو يعلى (4/67/2086) ، وابن حبان (884) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/52 و5/249) ، والخطيب (( موضح الأوهام )) (1/404) و(( الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع ))(2/236) من طرق عن عبد الرحمن بن أبى الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر به .
(20) صحيح . أخرجه النسائى (( الكبرى ))(5/250/8805) ، وأبو يعلى (9/471/5624 و10/42/5674) ، وابن خزيمة (2431) ، والحاكم (1/442 و2/97) ، والبيهقى (5/251) من طرق عن حنظلة بن أبى سفيان عن القاسم ابن محمد قال : كنت عند ابن عمر به .(1/52)
وأخرجه أحمد (2/136) ، وعبد بن حميد (( المسند ))(834) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(8/260/2922) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/133،131/10356،10346) و(( اليوم والليلة ))(512) ، والهيثم بن كليب (( المسند )) (626) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/251) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(31/204) جميعا عن أبى نعيم حدثنا عبد العزيز ابن عمر بن عبد العزيز عن يحيى بن إسماعيل بن جرير عن قزعة قال أرسلني ابن عمر في حاجة فقال : تعال حتى أودعك كما ودَّعني النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأرسلني في حاجةٍ فقال : (( أستودع اللَّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك )) .
قوله (( وأمانتك )) : أي أهلك ، ومن تخلف بعدك منهم ، ومالك الذي تودعه وتستحفظه أمينك . وقدَّم الدين لأن حفظه أهمُّ . قوله (( وخواتيم عملك )) : أي عملك الصالح الذي جعلته آخر عملك في الإقامة ، فإنه يُسنُّ للمسافر أن يختم إقامته بعملٍ صالحٍ ؛ كتوبةٍ وقربةٍ وخروجٍ عن المظالم وصلاةٍ وصدقةٍ وصلةٍ رحم وقراءةِ آية الكرسي ووصيةٍٍ واستبراءِ ذمةٍ ونحوها . فيُندب لكلِّ من يودِّع أحداً من المؤمنين أن يفارقه على هذه الكلمات ، وأن يكررها بإخلاصٍ وتوجهٍ تامٍ )) . قاله المناوى (( فيض القدير ))(1/502) .
(21)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي ، قَالَ : (( عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ )) ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ : (( اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ الْأَرْضَ ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ )) .
ـــــــــ(1/53)
= وأخرجه النسائى (( الكبرى ))(6/131/10343) و(( اليوم والليلة ))(509) ، والطبرانى (( الكبير )) (12/427/13571) و(( الأوسط ))(5/60/4667) و(( مسند الشاميين ))(2/52/906) ، والبيهقى (( الكبرى )) (9/173) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(28/76) جميعا من طريق الهيثم بن حميد ثنا المطعم بن المقدام عن مجاهد قال خرجت إلى الغزو فشيعنا عبد اللَّه بن عمر ، فلما أراد فراقنا قال : إنه ليس معي ما أعطيكماه ، ولكني سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : (( إن الله إذا استودع شيئا حفظه )) ، وأنا أستودع الله دينكما وأماناتكما وخواتيم أعمالكما .
قلت : والحديث يروى من غير وجهٍ غير هذه عن ابن عمر ، يصحِّح بعضها بعضاً ، وله شاهد من حديث عبد اللَّه بن يزيد الخطمى الأنصارى . أخرجه أبو داود (2601) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/130/10341) و(( اليوم والليلة ))(507) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/114) ، والحاكم (2/97) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/272) جميعا من طريق حماد بن سلمة ثنا أبو جعفرٍ الخطمى عن محمد بن كعب القرظى عن عبد اللَّه بن يزيد الخطمى قال : كان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذا ودَّع جيشا قال : (( أستودع اللَّه دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم )) .
قلت : وبسط روايات هذا الحديث بالمطولات أليق ، وهو من حيث المجموع صحيح .
(21) حسن . أخرجه ابن أبى شيبة (6/78،534/29608،33623) ، وأحمد (2/443،331،325) ، والترمذى (3445) ، وابن ماجه (2771) ، وابن خزيمة (2561) ، وابن حبان (2691،2681) ، والحاكم (2/98) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/251) و(( شعب الإيمان ))(1/404/547) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(24/157) من طرق عن أسامة ابن زيد الليثى عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة به .(1/54)
قلت : هذا إسناد رجاله على رسم مسلم فى المتابعات . أسامة بن زيد الليثى ، قال الحافظ الذهبى (( من تكلم فيه )) (1/41/26) : (( صدوق قوي الحديث أكثر مسلم إخراج حديث ابن وهب عنه ، ولكن أكثرها شواهد ومتابعات . والظاهر أنه ثقة ، وقال النسائي وغيره : ليس بالقوي )) .
لكنه خولف على لفظه . فقد أخرجه أحمد (2/433) ، وأبو داود (2598) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/128/10334) ، وابن عبد البر(( التمهيد ))(24/356) ، والذهبى(( تذكرة الحفاظ ))(2/507) جميعَا عن يَحْيَى القَطَانِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ قَالَ : (( اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ ، اللَّهُمَّ اطْوِ لَنَا الْأَرْضَ ، وَهَوِّنْ عَلَينَا السَّفَرَ )) .
(22)عَنْ أَنَسٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي ، قَالَ : (( زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى )) ، قَالَ : زِدْنِي ، قَالَ : (( وَغَفَرَ ذَنْبَكَ )) ، قَالَ : زِدْنِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، قَالَ : (( وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ )) .
باب حسن الصحبة فى السفر
إذ خير الأصحاب خيرهم لصاحبه(1/55)
(23) قال الإمام أبو عيسى الترمذى : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ )) .
ـــــــ
(22) صحيح . أخرجه الترمذى (3444) ، وعبد اللَّه بن أحمد (( زوائد الزهد ))(ص25) ، وابن خزيمة (2532) ، والرويانى (2/393/1387) ، والحاكم (2/97) ، والضياء (( الأحاديث المختارة ))(4/421/1597) جميعا من طريق سيَّار بن حاتمٍ العنزى نا جعفر بن سليمان الضبعى عن ثابت البنانى عن أنس به .
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم ثقات على رسم مسلم ، خلا سيَّار بن حاتمٍ العنزى فإنه صدوق اتهمه الأزدى بلا حجة ، وكان جماعاً للرقائق ، وهو راوية جعفر بن سليمان .
وقد تابعه يزيد بن عمر بن جنزة المدائنى عن جعفر . فقد أخرجه الضياء (( المختارة ))(4/422/1598) عن هيذام بن قتيبة عن يزيد بن عمر بن جنزة المدائنى عن جعفر بن سليمان بإسناده نحوه .
وقد ترجم الخطيب (( تاريخ بغداد ))(14/347/7663) قال : (( يزيد بن عمر بن جنزة المدائني . حدَّث عن : أبي عوانة والربيع بن بدر وعمر بن علي المقدمي . روى عنه : عباس بن محمد الدوري ، وعيسى بن عبد الله الطيالسي ، وهيذام ابن قتيبة المروزي . وما علمت من حاله إلا خيراً )) اهـ .(1/56)
(23) صحيح . أخرجه عبد اللَّه بن المبارك (( الجهاد ))(2161) ، وسعيد بن منصور(( السنن ))(2/184/2388) ، وأحمد (1/168) ، وعبد بن حميد (( المسند ))(342) ، والدارمى (2437) ، والبخارى (( الأدب المفرد ))(115) ، والترمذى (1944) ، وابن أبى الدنيا (( مكارم الأخلاق ))(281) ، وابن خزيمة (2539) ، وابن حبان (520،519) ، والحاكم (1/443) ، والبيهقى (( شعب الإيمان )) (7/77/9541) ، والقضاعى (( مسند الشهاب ))(2/224/1235) ، والخطيب (( الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع ))(2/241) من طرق عن شرحبيل بن شريك عن أبى عبد الرحمن الحبلى عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص به .
قلت : هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات على رسم مسلم ، ولا نعرفه من هذا الوجه إلا من حديث أبى عبد الرحمن الحبلى عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص ، تفرد به شرحبيل بن شريك المعافرى المصرى .
باب ذكر كراهية السفر وحده
(24) قال الإمام البخارى : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ )) .
(25) قال الإمام يحيى بن يحيى الليثى : حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ عَمْرِو ابْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ )) .
ــــــــ(1/57)
(24) صحيح . أخرجه الحميدى (661) ، وابن أبى شيبة (6/536/33639) ، وأحمد (2/91،86،60،24) ، والدارمى (2679) ، والبخارى (2/169) ، والترمذى (1673) ، والنسائى (( الكبرى ))(5/266/8851) ، وابن ماجه (3768) ، وابن خزيمة (2569) ، وابن حبان (2693) ، والطبرانى (( الكبير ))(12/359/13339) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/257) و(( شعب الإيمان ))(4/180/4730) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(20/9) جميعا من طريق عاصم بن محمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمر به .
قال أبو عيسى : (( حديث حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عاصم وهو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر . قال محمد ـ يعنى البخارى ـ هو ثقة صدوق )) اهـ .
قلت : ولم يتفرد عاصم بن محمد عن أبيه ، فقد رواه كذلك عمر بن محمد عن أبيه . أخرجه أحمد (2/111) عن مؤمل ، ومن طريقه الطبرانى (( الكبير ))(12/359/1339) ، والنسائى (( الكبرى )) (5/266/8850) عن محمد بن ربيعة ، كلاهما عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده .
(25) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ )) ، وأحمد (2/186) ، وأبو داود (2607) ، والترمذى (1674) والنسائى (( الكبرى ))(5/266/8849) ، وابن خزيمة (2570) ، والحاكم (2/102) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/257) والخطيب (( تاريخ بغداد ))(5/383) من طرق عن عبد الرحمن بن حرملة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .
قلت : هذا حديث صحيح احتج به مالك فى (( موطئه )) ، وليس عنده غيره . وإنما وقع الخلاف فى توثيق عمرو بن شعيب واعتماد روايته عن أبيه عن جده ، والراجح الاحتجاج بها ، وأغلبها فقهيات صحاح .(1/58)
قال فى (( ميزان الاعتدال )) : (( وثقه ابن معين وإسحاق بن راهويه وصالح جزرة . وقال الأوزاعي : ما رأيت قرشيا أكمل من عمرو بن شعيب . وقال ابن راهويه : عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كأيوب عن نافع عن ابن عمر . وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل : يقول أهل الحديث إذا شاءوا احتجوا بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وإذا شاءوا تركوه يعني لترددهم في شأنه . وقال أبو عبيد الآجري : قيل لأبي داود عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة ؟ قال : لا ولا نصف حجة . وقال أبو حاتم : عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أحب إلي من بهز بن حكيم عن أبيه عن جده . وقال أبو حاتم : سألت يحيى بن معين عن عمرو بن شعيب ، فقال : ما شأنه وغضب ، وقال : ما أقول فيه قد روى عنه الأئمة . وروى عباس ومعاوية بن صالح عن يحيى قال : ثقة . وروى الترمذي عن البخاري قال : رأيت أحمد وعليا وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث عمرو بن شعيب ، فمن الناس بعدهم ! )) اهـ .
باب استحباب تأمير المسافرين أحدهم على أنفسهم
وبيان أن أحقهم بذلك أكثرهم قرآناً
(26) قال الإمام أبو داود : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِذَا خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ )) .
(27)عن عمر بن الخطاب قال : إذا كانَ نَفَرٌ ثلاثةٌ فليؤمروا أَحَدَهُمْ ، ذاكَ أميرٌ أمَّره رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ــــــــــ(1/59)
= قلت : ومع هذا القول فما احتج به البخاري في جامعه . وقال أبو زرعة : إنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده ، وقالوا : إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها . وقال عبد الملك الميموني سمعت أحمد بن حنبل يقول : عمرو بن شعيب له أشياء مناكير ، وإنما نكتب حديثه لنعتبر به ، فأما أن يكون حجة فلا . وقال الأثرم : سئل أحمد عن عمرو بن شعيب فقال : ربما احتججنا بحديثه ، وربما وجس في القلب منه . وقال الكوسج عن ابن معين : يكتب حديثه وقال عباس عن ابن معين : إذا حدث عن أبيه عن جده فهو كتاب فمن ههنا جاء ضعفه ، وإذا حدث عن سعيد أو سليمان بن يسار أو عروة فهو ثقة . وقال أبو زرعة : عامة المناكير التي تروى عنه إنما هي عن المثنى بن الصباح وابن لهيعة وهو في نفسه ثقة )) اهـ .
(26) صحيح . أخرجه أبو داود (2608) ، وأبو يعلى (1054،1359) ، وأبو عوانة (( المسند ))(4/514/7538 ) ، والطبرانى (( الأوسط ))(8/99/8094،8093) ، والبيهقى (5/257) ، وابن عبد البر(( التمهيد ))(20/7) جميعا عن حاتم ابن إسماعيل عن ابن عجلان عن نافع عن أبى سلمة عن أبى سعيد الخدرى به .
وأخرجه كذلك أبو داود (2609) ، وأبو عوانة (( المسند ))(4/514/7539 ) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/257) جميعا بإسناد السابق إلا أنه قال (( عن أبى هريرة )) .
قلت : هذا حديث صحيح من كلا الإسنادين ، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن واسع الرواية عن أبى سعيد وأبى هريرة .
(27) صحيح . أخرجه ابن خزيمة (2541) ، وبحشل (( تاريخ واسط ))( ص207) ، والحاكم (1/444:443) ، وأبو نعيم (( حلية الأولياء ))(4/172) من طريق القاسم بن مالك المزنى عن الأعمش عن زيد بن وهبٍ عن عمر : فذكره .
قال أبو نعيم : (( غريب من حديث الأعمش ، تفرد به القاسم بن مالك )) .(1/60)
قلت : والقاسم بن مالك المزنى كوفى ثقة مشهور ضعفه زكريا بن يحيى الساجى بلا حجة ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث ليس بالمتين . وقد احتج به الشيخان فى (( الصحيحين )) . أخرج له البخارى فى (( الاعتصام بالكتاب والسنة )) (4/266) قال : حَدَّثنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ حَدَّثنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ الْجُعَيْدِ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ : (( كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ ، وَقَدْ زِيدَ فِيهِ )) . قال أبو عبد اللَّه : سَمِعَ الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْجُعَيْدَ .
وأخرج له مسلم فى (( صلاة المسافرين وقصرها ))(5/197. نووى ) قال : حَدَّثنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ جَمِيعًا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثنَا أَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ الطَّائِيُّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : (( إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً )) .
باب ما يدعو به فى السفر(1/61)
(28) قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سَرْجِسَ أَنَّهُ كَانَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ قَالَ : (( اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا ، وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ ، وَمِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ )) .
(29) قال الإمام أبو عيسى الترمذى : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ ؛ قَالَ بِإِصْبَعِهِ ـ وَمَدَّ شُعْبَةُ إِصْبَعَهُ ـ قَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا بِنُصْحِكَ وَاقْلِبْنَا بِذِمَّةٍ ، اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ ، وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ )) .
ـــــــ(1/62)
(28) صحيح . أخرجه الطيالسى (1180) ، وعبد الرزاق (9231) ، وابن أبى شيبة (6/78/29607) ، وأحمد (5/83،82) ، وعبد بن حميد (511،510) ، والدارمى (2672) ، ومسلم (9/112،111) ، والترمذى (3439) ، والنسائى (( الكبرى ))(4/459/7937،7936،7935 و5/248/8801 و6/128/10333) و(( المجتبى )) (8/273،272) و(( اليوم والليلة ))(499) ، وابن ماجه (3888) ، وابن خزيمة (2533) ، وأبو أحمد العسكرى (( تصحيفات المحدثين ))(1/186) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/17،16/3127،3128) و(( الحلية )) (3/122) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/250) ، والخطيب (( الكفاية فى علم الرواية ))(ص218) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(24/354،353) ، والذهبى (( معجم المحدثين ))(ص275) من طرق عن عاصم بن سليمان الأحول عن عبد اللَّه بن سرجس به .
(29) صحيح . أخرجه الترمذى (3438) ، والنسائى (( الكبرى ))(4/460/7938 و5/249/8802 و6/129/10337) و(( المجتبى ))(8/273) و(( اليوم والليلة ))(503) ، وحمزة الكنانى (( جزء البطاقة ))(3) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(24/354) ، والرافعى القزوينى (( التدوين فى أخبار قزوين ))(3/215) جميعا عن شعبة عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبي زرعة عن أبي هريرة .
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم ثقات ، وعبد اللَّه بن بشر الخثعمى شيخ لشعبة صالح الحديث . ذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات ))(7/17/8808) . وقال الذهبى (( الكاشف ))(1/541/2648) : (( عبد الله بن بشر الخثعمي الكاتب . عن : أبي زرعة البجلي ، وعروة البارقي . وعنه : شعبة ، والسفيانان . ثقة )) .(1/63)
(30) قال الإمام مسلم : حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّ عَلِيًّا الْأَزْدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُمْ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ ؛ كَبَّرَ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : (( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ )) ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى ، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى ، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا ، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ . قال : وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ ، وَزَادَ فِيهِنَّ : آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ .
(31) قال الإمام أبو داود : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ شَهِدْتُ عَلِيًّا رَضِي اللَّهُ عَنْه ، وَأُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي ــــــــ(1/64)
(30) صحيح . أخرجه الطيالسى (1931) ، وعبد الرزاق (9232) ، وأحمد (2/150،144) ، وعبد بن حميد (833) ، والدارمى(2673) ، ومسلم (9/111:110.نووى ) ، وأبو داود (2599) ، والترمذى (3447) ، والنسائى (( الكبرى )) (6/141،451/10382،11466) و(( اليوم والليلة ))(548) ، وابن خزيمة (2542) ، وابن حبان (2685،2684) ، وابن عدى (( الكامل ))(5/180) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(4/16/3126) ، والبيهقى (( الكبرى ))(2/251) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(24/355) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(21/43) جميعا عن أبى الزبير المكى نا على بن عبد اللَّه الأزدى أن ابن عمر به .
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم ، وعلى الأزدى هو ابن عبد اللَّه البارقى ، ثقة غير مكثرٍ ، جملة ما له فى (( الكتب الستة )) خمسة أحاديث : ثلاثة عن ابن عمر ، واثنان عن عبيد بن عمير المكى .
قال البخارى (( التاريخ الكبير ))(6/283/2410) : (( علي بن عبد اللَّه البارقي الأزدي . وبارق : جبل نزله سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد ، فسموا به . سمع : ابن عمر . روى عنه : يعلى بن عطاء ، وقتادة ، وأبو الزبير ، وأبو بشر . قال إسحاق : هو من قوم محمد بن واسع ، يكنى أبا عبد الله . وقال أيوب عن غيلان بن جرير عن علي العماني )) .
وذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات )) و(( مشاهير علماء الأمصار ))(ص94) وقال : (( على البارقي هو على بن عبد الله بن سعد الأزدي أبو عبد الله ، من رهط محمد بن واسع . كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلة )) .
وأورده ابن عدى فى (( الكامل ))(5/180) ولم يتكلم فيه أحد ، وقال : لا بأس به عندى .(1/65)
(31) صحيح . أخرجه الطيالسى (132) ، وأحمد (1/128،115،97) ، وأبو داود (2602) ، والترمذى (3446) والنسائى (( الكبرى ))(5/248،247/8800،8779 و6/129/10336) ، والبزار (3/24/773) ، وابن حبان (2687،2686) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/252) ، والضياء (( المختارة ))(2/295/677،676) من طرق عن أبى إسحاق السبيعى ثنى على بن ربيعة الوالبى قال : شهدت علياً به .
الرِّكَابِ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ )) ، ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ : سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، ثُمَّ ضَحِكَ ، فَقِيلَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ ؟ ، قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ ، ثُمَّ ضَحِكَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ ؟ ، قَالَ : (( إِنَّ رَبَّكَ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي )) .
(32)عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رسُولُ اللَّهِ : (( أقلوا الخروج إذا هدأت الرجل ، إن الله يبث في ليله من خلقه ما شاء )) .(1/66)
(33) قال الإمام مسلم : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِعَنْ جَابِرٍ ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ ؛ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ )) .
( بيان ) قال أبو أحمد العسكرى (( تصحيفات المحدثين )) : (( ومما يشكل ويصحف في موضعين من هذا ـــــــ
(32) صحيح . أخرجه أحمد (3/306) ، وعبد بن حميد (( المسند ))(1157) ، وأبو يعلى (2327،2221) ، وابن خزيمة (2599) ، وابن حبان (5493) ، والحاكم (1/445) من طرق عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمى عن عطاء بن يسار عن جابر به .
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم ثقات مشهورون ، وقد صرَّح ابن إسحاق بالسماع فى رواية يزيد بن زريع عنه عند أبى يعلى ، وزاد (( وأجيفوا الأبواب ، واذكروا اسم الله عليها ، فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم اللَّه عليه ، وغطوا الجرار ، واكفؤوا الآنية ، وأوكوا القرب )) .(1/67)
وقد أخرجه البخارى (( الأدب المفرد ))(1233) ، وأبو داود (5104) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/233/10778) و(( اليوم والليلة ))(942) جميعا عن الليث بن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن زياد عن جابر بن عبد الله قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَقِلُّوا الْخُرُوجَ بَعْدَ هَدْأَةِ الرِّجْلِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى دَوَابَّ يَبُثهُنَّ فِي الْأَرْضِ ، وإِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلَابِ وَنَهِيقَ الْحُمُرِ بِاللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ ، فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لَا تَرَوْنَ )) .
(33) صحيح . أخرجه أحمد (3/395،386،312) ، ومسلم (13/186. نووى ) ، وأبو داود (2604) ، وابن خزيمة (2560) ، وأبو عوانة (( المسند ))(5/144/8163،8162) ، وابن حبان(1272) ، والطبرانى (( الأوسط )) (2/90/1345) ، والعسكرى (( تصحيفات المحدثين ))(1/194) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/256) من طرق عن أبى الزبير المكى عن جابر به .
الحديث قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( ضموا فواشيكم اذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء )) يصحفون فواشيكم بمواشيكم ، وفحمة بقحمة ، وإنما الرواية عند أهل الثبت والضبط (( ضموا فواشيكم )) بالفاء ، والواحدة فاشية : وهي ما ينتشر ويفشو من الابل والغنم وغيرها ، ومن لا يضبط يقول ضموا مواشيكم على أنها جمع ماشية ، وأكثر العرب ليسوا أصحاب مواشي . وأما قوله (( فحمة العشاء )) ، فمنهم من يرويه بضم الفاء ومنهم من يرويه بفتحها ، والروايتان صحيحتان ، يقال فحمة وفحمة العشاء : يعنى به سواد الليل وظلمته ، وإنما يكون ذلك في أول الليل ، وأما من رواه قحمة بالقاف فهو خطأ وتصحيف )) .
باب استحباب الدلجة ـ يعنى السير بالليل ـ
إذ اللَّه عزَّ وجلَّ يطوى الأرض بالليل ، ليكون أقطع للسفر(1/68)
(34)عن أنس قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ )) .
( بيان ) قال فى (( فيض القدير ))(4/340) : (( قوله ((عليكم بالدلجة )) بالضم والفتح : سير الليل ، وهو اسم من الإدلاج ـ بتخفيف الدال ـ وهي السير أول الليل ، وقيل الإدلاج : سير الليل كله ، ولعله المراد هنا لتعقيبه بقوله (( فإن الأرض تطوى بالليل )) ؛ أي ينزوي بعضها لبعض ويتداخل ، فيقطع المسافر من المسافة فيه ما لا يقطعه نهارا ؛ سيما آخر الليل ؛ الذي ما فعل فيه شيء إلا كانت البركة فيه أكثر ، لأنه الوقت الذي ينزل الله فيه إلى سماء الدنيا ، وعند الصباح يحمد القوم السري )) اهـ .
ـــــــــ
(34) صحيح . أخرجه أبو يعلى (3618) ، والبزار كما فى (( كشف الأستار ))(1696) ، وابن خزيمة (2555) ، والحاكم (1/445) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(9/250) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/256) ، والخطيب (( تاريخ بغداد )) (8/429) ، والضياء (( المختارة )) (7/195/2630،2629) من طريقى رويم بن يزيد المقرئ وقبيصة بن عقبة كلاهما عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن أنس مرفوعا به .(1/69)
قال ابن أبى حاتم (( علل الحديث ))(2/254/2256) : (( سمعت أحمد بن سلمة النيسابورى يقول : ذاكرت أبا زرعة بحديث رواه قبيصة بن عقبة عن الليث عن عقيل عن الزهري عن أنس قال قال النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فذكره . فقال : أعرفه من حديث رويم بن يزيد عن الليث هكذا ، فقال : من رواه عن قبيصة ؟ ، فقلت : حدثنى محمد بن أسلم الطوسى عن قبيصة هكذا ، فقال محمد بن أسلم ثقة . فذاكرت به مسلم بن الحجاج فقال : أخرج الى عبد الملك بن شعيب ابن الليث كتاب جده ، فرأيت في كتاب الليث على ما رواه قتيبة ، قال أبو الفضل حدثنا قتيبة عن الليث عن عقيل عن الزهري قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( عليكم بالدلجة )) الحديث مرسلا )) اهـ .
قلت : والرفع زيادة من الثقة ينبغى قبولها ، فكيف إذا رواها ثقتان . قال الخطيب : (( رويم بن يزيد أبو الحسن المقرىء مولى العوام بن حوشب الشيباني . كان يسكن نهر القلايين ، وله هناك مسجد معروف به ينسب إليه ، كان يقرىء فيه . يحدث عن : الليث بن سعد ، وسلام بن المنذر ، وإسماعيل بن يحيى التيمي ، وهارون بن أبي عيسى الشامي روى عنه : أبو عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي ، وأبو يحيى صاعقة ، وأحمد بن يوسف التغلبي ، وجعفر بن محمد بن شاكر الصائغ . وكان ثقة )) .
باب ذكر دعاء المسافر إذا بدا له الفجر فى السفر
(35) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَسْحَرَ يَقُولُ : (( سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ ، وَحُسْنِ بَلَائِهِ عَلَيْنَا ، رَبَّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا ، عَائِذًا بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ )) .(1/70)
باب ذكر دعاء الليل فى الأسفار إذا نزل منزلاً
(36) قال الإمام أبو داود : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ ، فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قَالَ : (( يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ ، وَشَرِّ مَا فِيكِ ، وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ ، وَمِنَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ ، وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ ، وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ )) .
ـــــــــ
(35) صحيح . أخرجه مسلم (17/39. نووى ) ، وأبو داود (5086) ، والنسائى (( الكبرى ))(5/257/8828 و6/137/10370) و(( عمل اليوم والليلة ))(536) ، وابن خزيمة (2571) ، وابن حبان (2690) ، والحاكم (1/446) جميعا من طريق سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به .
وقال أبو عبد اللَّه الحاكم : (( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه )) ، وأقره الذهبى !! .
قلت : قد علمت أن مسلما أخرجه فى (( صحيحه )) ! .
(36) صحيح . أخرجه أحمد (2/124) ، وأبو داود (2603) ، والنسائى (( اليوم والليلة ))(563) و(( الكبرى )) (4/443/7862 و6/144/10398) ، وابن خزيمة (2572) ، والطبرانى (( مسند الشاميين ))(2/58/962) ، والحاكم (2/110) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/253) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(24/187) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (933) جميعا من طريق شريح بن عبيد عن الزبير بن الوليد عن عبد اللَّه بن عمر به .
وقال أبو عبد اللَّه الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، وأقره الذهبى .(1/71)
قلت : وهو كما قالا ، فهذا إسناد شامى رجاله كلهم ثقات ، خلا الزبير بن الوليد وقد وثق ، وتفرد بالرواية عنه شريح بن عبيد الحمصى ، وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(4/261) . وقال الذهبى (( الكاشف ))(1/402/1628) : (( ثقة )) . وأما قول ابن حجر (( التقريب ))(1/214/2006) : (( مقبول . من الرابعة )) ؛ فهذا يعنى أنه من أوساط التابعين ، أمثال : إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة ، وعامر بن عبد اللَّه بن الزبير ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد اللَّه بن دينار العدوى ، ومحمد بن إبراهيم التيمى فى المدنيين ، وثابت بن أسلم البنانى ، وسليمان بن طرخان التيمى ، وصفوان بن محرز المازنى ، وعاصم بن سليمان الأحول ، وقتادة بن دعامة السدوسى فى البصريين ، وإسماعيل بن أبى خالد الأحمسى ، وسلمة بن كهيل ، وعدى بن ثابت الأنصارى ، ومحارب بن دثار القاضى فى الكوفيين .
(37)عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ قالتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ )) .
باب فضل الصلاة بالليل فى السفر عند نوم الرفقة(1/72)
(38) قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ظَبْيَانَ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ ، وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ ، أَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ ، فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا لَا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلَّا اللَّهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ نَزَلُوا ، فَوَضَعُوا رُءُوسَهُمْ ، فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي ، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقَوُا الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا ، فَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ ، وَالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ : الشَّيْخُ الزَّانِي ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ )) .
ـــــــــ
= ورجال هذه الطبقة ومن فوقها ولو كانوا مجاهيل ـ يعنى لم يرو عنهم إلا واحد ـ فحديثهم متلقى بالقبول ؛ ما لم يذكرهم أحد بجرحٍ ، كما قرره الحافظ الذهبى .
وأما قول ابن حجر (( مقبول )) فعلى خلاف ما يتوهمه المتأخرون أنه من ألفاظ التجريح ، سيما وقد قاله فى جماعة من الثقات الذين احتج بهم الشيخان فى (( الصحيحين )) ، وعدتهم على اختلاف طبقاتهم عنده مائة وخمسة من الرواة ، وقد فصلت القول فيهم فى كتابى : (( المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول )) .
وراجع تحقيق صحة هذا الحديث فى كتابى : (( التعقب المتوانى على السلسلة الضعيفة للألبانى )) .(1/73)
(37) صحيح . أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ )) ، أحمد(6/377) ، والدارمى (2680) ، والدورقى (( مسند سعد )) (109) ، ومسلم (26/31. نووى ) ، والترمذى (3437) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/144/10394) و(( اليوم والليلة )) (560) ، وابن خزيمة (2566) ، وابن حبان (2689) ، والطبرانى (( الكبير ))(24/237/604،603) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/253) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(24/184) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(32/343) جميعا من طريق يعقوب بن عبد اللَّه الأشج سمع بسر بن سعيد سمعت سعد بن أبى وقاص سمعت خولة بنت حكيم السلمية به .
(38) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (4/203/19318) ، وأحمد (5/153) ، والترمذى (2568) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/414/1314 و2/44/2351) و(( المجتبى ))(3/207 و5/84) ، والبزار (( المسند ))(9/421/4027) وابن خزيمة (2456، 2564) ، وابن حبان (4751،3339،3338) ، والحاكم (2/113) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (10/82) شعبة عن منصور بن المعتمر سمعت ربعي بن خراش يحدث عن زيد بن ظبيان يرفعه إلى أبي ذر به .
قلت : هذا إسناد رجاله ثقات كلهم رجال (( الصحيحين )) ، غير زيد بن ظبيان وهو من أكابر التابعين ، ذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(4/249/2757) ، وصحَّح هو وابن خزيمة حديثه ، وأودعاه فى (( صحيحيهما )) .
(39) قال الإمام يحيى بن يحيى : عَنْ مَالِك عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ ، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ))
ـــــــــ(1/74)
= وذكره البخارى فى (( التاريخ ))(3/398/1329) ، وابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل ))(3/566/2563) ، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً . وقال الحافظ (( التقريب ))(1/224) : (( مقبول من الثانية )) .
قلت : وأتقنه شعبة فأقام متنه وجوَّد سياقته ، وجعله (( عن ربعى عن زيد بن ظبيان عن أبى ذر )) ، وهو المحفوظ ، وخالفه أبو بكر بن عيَّاش فجعله (( عن ربعى بن حراش عن ابن مسعود )) .
أخرجه الترمذى (2567) ، والطبرانى (( الكبير ))(10/256/10486) كلاهما من طريق أبى بكر بن عياش عن الأعمش عن منصور عن ربعى بن حراش عن ابن مسعود يرفعه قال : (( ثلاثة يحبهم اللَّه : رجل قام من الليل يتلو كتاب الله ، ورجل تصدق بيمينه يخفيها ـ قال : من شماله ـ ، ورجل كان في سرية فانهزم أصحابه فاستقبل العدو )) .
قال أبو عيسى : (( هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وهو غير محفوظ . والصحيح ما روى شعبة وغيره عن منصور عن ربعي بن خراش عن زيد بن ظبيان عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر بن عياش كثير الغلط )) .
قلت : وهو كما قال ، أبو بكر بن عياش صحيح الكتاب لكنه إذا حدَّث من حفظه أخطأ وخالف الأثبات من أصحاب الأعمش ، وقد وهم فى هذا الحديث فى موضعين :
( الأول ) أنه جعله (( عن ربعى عن عبد اللَّه بن مسعود )) .
( الثانى ) أنه اختصر متنه ولم يضبط سياقته .(1/75)
(39) صحيح .أخرجه يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1/215) ، وأحمد (2/487) ، والبخارى (1/200 و4/101) ، ومسلم (6/36) ، وأبو داود (4733،1315) ، والترمذى (3498) ، وابن أبى عاصم (( السنة ))(492) ، وعثمان بن سعيد الدارمى (( الرد على الجهمية ))(49. بترقيمى ) ، وعبد اللَّه بن أحمد (( كتاب السنة ))(1102) ، وابن خزيمة (( كتاب التوحيد ))(ص84) ، وابن حبان (916) ، والدارقطنى (( كتاب النزول ))(26) ، واللألكائى (( اعتقاد أهل السنة )) (744،743) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(2/352/1723،1722) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/2) و(( الاعتقاد )) (ص116) ، وابن حزم (( المحلى ))(1/31) جميعا من طريق مالك بن أنس عن الزهرى عن أبى عبد اللَّه الأغر وأبى سلمة عن أبى هريرة .
قلت : هذه اللفظة (( حين يبقى ثلث الليل الآخر )) هى التى تظاهرت الأدلة على لفظها ومعناها فى تحديد وقت النزول الألهى ، وذلك لثلاث مرجحات :
( الأول ) أنها من رواية جبل التثبت والاتقان : مالك بن أنس من طريق أثبات أصحابه .
( الثانى ) أنه قد تابع مالكا عليها أثبات أصحاب الزهرى .
( الثالث ) أنها الرواية المتفق عليها عند شيخى الصناعة الحديثية : البخارى ومسلم .
طالع كتابنا (( التعليق المأمول على كتاب النزول )) للإمام الدارقطنى ، ففيه مزيد بيان وتفصيل .
باب استحباب قبول رخصة الله بقصر الصلاة فى السفر
إذ الله جلَّ وعلا يحب قبول رخصه
(40) قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ حَرْبِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ )) .(1/76)
(41) عن ابن عباسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ عز وجل يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عزائِمُهُ )) .
ــــــــــ
(40) صحيح . أخرجه أحمد (2/108) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(3/403/3890) ، والخطيب (( التاريخ )) (10/347) ثلاثتهم عن على بن المدينى ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/140) عن أبى مصعب الزهرى ، والقضاعى (( مسند الشهاب ))(2/151/1078) عن سعيد بن منصور ، وابن حبان (2731) عن قتيبة ، أربعتهم ـ يعنى على وسعيد وقتيبة وهارون ـ عن عبد العزيز الداروردى عن عمارة بن غزية عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر به .
وأخرجه أحمد (2/108) عن قتيبة بإسناده إلا أنه أسقط (( حرب بن قيس )) ، ولم يتابع عليه .
وللداروردى فيه شيخ آخر . فقد أخرجه البيهقى (( الكبرى ))(3/140) و(( شعب الإيمان ))(3/403/3889) عن هارون ابن معروف عن عبد العزيز الدراوردى عن موسى بن عقبة عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر به .
وأخرجه الطبرانى (( الأوسط ))(5/275/5302) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/140) عن إبراهيم بن حمزة الزبيرى عن الداروردى بإسناده إلا أنه قال (( يحب أن تؤتى عزائمه )) بدلا من (( رخصه )) .
قلت : ولا يبعد أن يكون الداروردى قد سمع الحديث منهما جميعاً ، لا سيما وقد توبع عليه عن عمارة بن غزية .
فقد أخرج ابن الأعرابى (( معجمه ))( ق223/1) قال : قرأت على على : نا ابن أبى مريم نا يحيى بن أيوب ثنى عمارة بن غزية عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر به نحوه .
وأخرجه كذلك ابن خزيمة (951) من طريق ابن أبى مريم إلا أنه قال (( عن يحيى بن زياد )) .
قلت : فلعله هو يحيى بن أيوب الغافقى المصرى نسبه لأعلى ، إذ ليس فى شيوخ ابن أبى مريم : يحيى بن زياد !! .(1/77)
والحديث صحيح ورجال إسناديه كلهم ثقات مشاهير ، خلا حرب بن قيس المدنى مولى طلحة . ذكره البخارى فى (( التاريخ الكبير))(3/61/222) فقال :(( قال سعيد بن أبي مريم عن بكر بن مضر قال : زعم عمارة بن غزية أن حرباً كان رضا )) . وذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات ))(6/230/7493) .
(41) صحيح . أخرجه ابن حبان (355) ، والطبرانى (( الكبير ))(11/323/11880) ، وأبو نعيم (( الحلية )) (6/276) من طرق عن حصين بن نميرٍ أبى محصن الضرير حدثنا هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس به .
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم ثقات على لينٍ فى حصين بن نمير الواسطى ، وقد احتج به البخارى فى غير روايته عن هشام بن حسان ، ولم يتفرد عنه ، فقد تابعه عباد بن زكريا الصريمى عند الطبرانى (( الكبير ))(11/323/11881) .
وللحديث شواهد عن : عائشة ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وأنس ، وأبى الدرداء ، وأبى أمامة ، وواثلة بن الأسقع .
( بيان ) قال فى (( فيض القدير ))(2/296) : (( قوله (( يحب أن تؤتى رخصه )) : جمع رخصة ، وهي تسهيل الحكم على المكلف لعذرٍ حصل ، وقيل غير ذلك ، لما فيه من دفع التكبر والترفع من استباحة ما أباحته الشريعة ، ومن أنف ما أباحه الشرع وترفع عنه فسد دينه . فأمر بفعل الرخصة ليدفع عن نفسه تكبرها ، ويقتل بذلك كبرها ويقهر النفس الأمارة بالسوء على قبول ما جاء به الشرع .
ومفهوم محبته لإتيان الرخص أنه يكره تركها فأكد قبول رخصته تأكيدا يكاد يلحق بالوجوب بقوله كما يكره أن تؤتى معصيته وقال الغزالي رحمه الله هذا قاله تطييبا لقلوب الضعفاء حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركوا الميسور من الخير عليهم لعجزهم عن منتهى الدرجات فما أرسل إلا رحمة للعالمين كلهم على اختلاف درجاتهم وأصنافهم )) اهـ .(1/78)
(42) قال الإمام الشافعى : أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن باباه عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : (( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمِ الَّذِينَ كَفَرُوا )) ، فَقَدْ أَمِنَ النَّاس ! ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : (( صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ )) .
( بيان ) قوله (( صدقة تصدق الله بها عليكم )) فيه دليل أن القصر رخصة لا عزيمة ؛ فإن الواجب لا يسمى صدقة ، ويدل له قوله تعالى (( ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )) . وذهب الحنفية والظاهرية إلى أنه عزيمة وواجب ، لقول عائشة رضى اللَّه عنها : (( فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر ، فأقرت صلاة السفر ، وزيد في صلاة الحضر )) ، وفى رواية (( ثم أتمها في الحضر ، فأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى )) أخرجه الشيخان .
قال أبو حنيفة : قصر الصلاة في كل سفرٍ طاعةً أو معصيةً فرض ، فمن أتمَّها فإن لم يقعد بعد الاثنين مقدار التشهد بطلت صلاته وأعاد أبداً . وقال مالك : من أتم في السفر فعليه الإعادة في الوقت .
ــــــــــ…(1/79)
(42) صحيح . أخرجه الشافعى (( الأم ))(1/179) و(( المسند ))( ص24) ، وعبد الرزاق (2/517/4275) ، وابن أبى شيبة (2/203/8159) ، وأحمد (1/36،25) ، والدارمى (1505) ، ومسلم (5/196) ، وأبو داود (1199) ، والترمذى (3034) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/583/1891 و6/327/11120) و(( المجتبى ))(3/116) ، وابن ماجه (1065) ، وابن الجارود (146) ، وابن جرير (( التفسير ))(5/243) ، وأبو يعلى (1/163/181) ، وابن خزيمة (945) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(1/415) ، وأبو عوانة (( المسند ))(1/369/1332) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان ))(2730،2729،2728) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/141،140،134) ، وابن عبد البر (( التمهيد )) (11/174،166) من طرق عن ابن جريج أخبرنى عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى عمار عن عبد اللَّه بن بابيه عن يعلى ابن أمية به .
وقال الشافعي : القصر مباح وليس بحتمٍ ، ومن شاء أتمَّ ، وأكره ترك القصر وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه .(1/80)
قال الإمام الشافعي ـ طيَّب اللَّه ثراه ـ (( الأم ))(1/179) : (( قال الله عز وجل (( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )) ، فكان بيِّناً في كتاب الله تعالى أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف تخفيف من الله عز وجل عن خلقه ، لا أن فرضا عليهم أن يقصروا كما كان قوله (( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة )) رخصة لا أن حتما عليهم أن يطلقوهن في هذه الحال ، وكما كان قوله (( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم )) يريد والله تعالى أعلم أن تتجروا في الحج لا أن حتما عليهم أن يتجروا ، وكما كان قوله (( فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن )) ، وكما كان قوله (( ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم )) الآية لا أن حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا بيوت غيرهم . والقصر في الخوف والسفر بالكتاب ثم بالسنة ، والقصر في السفر بلا خوف سنة . والكتاب يدل على أن القصر في السفر بلا خوف رخصة من الله عز وجل لا أن حتما عليهم أن يقصروا ، كما كان ذلك في الخوف والسفر. أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى رواد عن ابن جريج قال أخبرني عبدالرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن باباه عن يعلي بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب : إنما قال الله عز وجل (( أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا )) فقد أمن الناس !! ، فقال عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )) .(1/81)
فالاختيار والذي أفعل مسافراً ، وأحب أن يُفعل قصر الصلاة في الخوف والسفر ، وفي السفر بلا خوف ومن أتم الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته ، وأكره ترك القصر وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه ، وأكره ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة فيه ، ومن ترك المسح على الخفين غير رغبة عن السنة لم أكره له ذلك . ولا اختلاف أن القصر إنما هو في ثلاث صلوات الظهر والعصر والعشاء ، وذلك أنهن أربع فيصليهن ركعتين ركعتين ، ولا قصر في المغرب ولا الصبح ، ومن سعة لسان العرب أن يكون أريد ــــــ
= قلت : هكذا رواه الحفاظ من أصحاب ابن جريج قالوا (( عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى عمَّار )) ، وقال عبد اللَّه بن إدريس ، وأبو إسحاق الفزارى كلاهما (( ابن أبى عمار )) فلم يقولا عبد الرحمن ولا عبد اللَّه ، وقال أبو عاصم النبيل وحماد بن مسعدة ومحمد بن بكر البرسانى (( عبد اللَّه بن عمَّار )) . واختلف فيه على عبد الرزاق ؛ فرواه خشيش بن أصرم وعبد بن حميد وإسحاق بن إبراهيم الدبرى ثلاثتهم عنه كرواية الحفاظ ، وقيل عنه فيه (( عبد اللَّه بن أبى عمار )) .
قال فى (( تهذيب الكمال ))(17/229/3874) : (( عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار القرشي المكي ، وكان يلقب بالقس لعبادته . روى عن : جابر بن عبد الله ، وشداد بن الهاد ، وعبد الله بن بأبيه ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة . روى عنه : عبد الله بن عبيد بن عمير ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وعكرمة ابن خالد المخزومي ، وعمرو بن دينار ، ويوسف بن ماهك . قال محمد بن سعد وأبو زرعة والنسائي : ثقة ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث . وذكره بن حبان في (( كتاب الثقات )) اهـ .
بالقصر بعض الصلاة دون بعض ، وإن كان مخرج الكلام فيها عاماً .(1/82)
فإن قال قائل : قد كره بعض الناس أن أتمَّ بعض أمرائهم بمنى ! ، قلنا : لا يجوز أن يكون أحد ممن مضى والله تعالى أعلم كره ذلك إلا على أن يترك رغبة عنه لأنه السنة ، فكذلك نقول ونختار السنة في القصر ، فإن قيل : فما دل على ذلك ؟ ، قيل : صلاتهم مع من أتم أربعاً ، وإذا صلوا وحدانا صلوا ركعتين ، وأن ابن مسعود ذكر إتمام الصلاة بمنى في منزله وعابه ثم قام فصلى أربعاً مع عثمان ، فقيل له في ذلك فقال : الخلاف شر ، ولو كان فرض الصلاة في السفر ركعتين لم يتمها إن شاء الله تعالى منهم أحد ، ولم يتمها ابن مسعود في منزله ! ، ولكنه كما وصفت ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم . فإن قال قائل : فقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها (( فرضت الصلاة ركعتين )) ، قيل له : قد أتمَّت عائشة في السفر بعد ما كانت تقصر فإن قال : فما وجه قولها ، قيل له : تقول فرضت لمن أراد من المسافرين ، وقد ذهب بعضهم غير هذا المعنى ، فقال : إذا فرضت ركعتين في السفر وأذن الله تعالى بالقصر في الخوف فصلاة الخوف ركعة ، فإن قال : فما الحجة عليهم وعلى أحدٍ إن تأول قولها على غير ما قلت ؟ ، قلنا : ما لا حجة في شيء معه بما ذكرنا من الكتاب ثم السنة ثم إجماع العامة على أن صلاة المسافرين أربع مع الإمام المقيم ، ولو كان فرض صلاتهم ركعتين ما جاز لهم أن يصلوها أربعا مع مقيم ولا غيره )) اهـ .
(43) قال الإمام مسلم : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ : كَيْفَ أُصَلِّي إِذَا كُنْتُ بِمَكَّةَ إِذَا لَمْ أُصَلِّ مَعَ الإِمَامِ ؟ ، فَقَالَ : رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1/83)
وقال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : كُنَّا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ ، فَقُلْتُ : إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا ، وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ! ، قَالَ : تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ــــــــــ
(43) صحيح . أخرجه الطيالسى (2742) ، وأحمد (1/369،290،226) ، ومسلم (5/197) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/585/1902،1901) و(( المجتبى ))(3/119) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(1/422) ، وابن خزيمة (951) ، وأبو عوانة (( المسند ))(2/340) ، والطبرانى (( الكبير ))(12/202/12895،12894) و(( الأوسط )) (4/311/4294 و6/255/6334) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان ))(2744) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (2/283/1548،1547) و(( الحلية ))(7/188) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/154:153) ، وابن عبد البر (( التمهيد )) من طرق عن قتادة سمعت موسى بن سلمة الهذلى قال سألت ابن عباس به .
(44)عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ ـ شُعْبَةُ الشَّاكُّ ـ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ .(1/84)
( بيان ) قال الحافظ ابن حجر (( فتح البارى ))(2/576) : (( حديث أنس أصح حديث ورد في بيان أقل مسافة القصر وأصرحه ، وبه احتج الظاهرية . وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر ، ولا يخفى بعد هذا الحمل ، مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال : سألت أنسا عن قصر الصلاة ، وكنت أخرج إلى الكوفة ـ يعني من البصرة ـ فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع ، فقال أنس : فذكر الحديث . فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه ، ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة ، بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها ، ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به ، فإن أراد لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطا ، وقد روى بن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال قلت لسعيد بن المسيب : أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة ؟ قال : نعم والله أعلم )) اهـ .
قلت : اختلف العلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة على نحو عشرين قولاً ، حكاها أبو بكر بن المنذر فى (( الأوسط )) . وقد ذهب الظاهرية إلى العمل بهذا الحديث وقالوا : مسافة القصر ثلاثة أميال . واحتج منهم أبو محمد بن حزم بأقل ما قيل في مسافة القصر ، فقال : يجوز القصر إذا جاوز ميلا أو بلغه أو إزاءه لا قبل هذا ، وقد يستدل له بما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر موقوفا أنه كان يقول : إذا خرجت ميلا قصرت الصلاة . وإسناده غاية فى الصحة .(1/85)
(45) قال الإمام البخارى : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ ــــــــــ
(44) صحيح . أخرجه ابن أبى شيبة (2/201/8123) ، وأحمد (3/129) ، ومسلم (5/200) ، وأبو داود (1201) ، وأبو يعلى (7/206/4198) ، وأبو عوانة (2/346) ، وابن حبان (2734) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/146) وابن حزم (( المحلى ))(5/8) جميعا من طريق شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائى سألت أنس بن مالك به .
(45) صحيح . أخرجه الشافعى (( المسند ))( ص20) ، والحميدى (1192) ، وأحمد (3/268،186،111) ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى ))(2/175) ، والبخارى (1/296،269) ، ومسلم (5/199) ، وأبو داود (1796) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/148/342) و(( المجتبى ))(1/237) ، وأبو يعلى (2812،2811،2794) ، وأبو عوانة (2/347) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(1/418) و(( السنن المأثورة ))(14) ، وابن حبان (2736،2733،2732) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/237،40،10) ، والخطيب (( الفصل للوصل المدرج ))(1/516) ، وابن عبد البر (( التمهيد )) (16/301) من طرق عن أيوب عن أبى قلابة عن أنس به بنحوه .
أَرْبَعًا ، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا ـ يعنى الحج والعمرة ـ .
باب إباحة الجمع بين صلاتى الظهر والعصر
وصلاتى المغرب والعشاء فى وقت أيتهما فى السفر(1/86)
(46) قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ عَنْ مُعَاذٍ : (( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ ؛ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ ، وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ )) .
ــــــــــ
(46) صحيح . أخرجه أحمد (5/242:241) ، وأبو داود (1220) ، والترمذى (533) ، وابن حبان (1591) ، والطبرانى (( الأوسط ))(5/12/4533) و(( الصغير ))(656) ، والدارقطنى (1/392/15) ، والحاكم (( معرفة علوم الحديث ))( ص119) ، والبيهقى (( الكبرى ))(3/163) ، والخطيب (( التاريخ ))(12/466،465) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(12/206) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف )) (1/498/779) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (23/533:531) ، والذهبى (( سير أعلام النبلاء ))(11/22،21) جميعا عن قتيبة بن سعيد ثنا ليث بن سعد عن يزيد ابن أبى حبيب عن أبى الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل به .
وقال أبو عيسى : (( حديث حسن غريب ، تفرد به قتيبة لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره . والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ : أن النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، رواه قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد عن أبي الزبير المكي )) .(1/87)
وأعلَّه أبوعبد اللَّه الحاكم فى (( معرفة علوم الحديث )) بما أسنده عن البخارى قال : قلت لقتيبة بن سعيد : مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل ؟ ، فقال : كتبته مع خالد المدائني ، قال محمد بن إسماعيل : وكان خالد المدائني هذا يدخل الأحاديث على الشيوخ . قال الحاكم : فإذا الحديث موضوع .
قلت : قتيبة بن سعيد إمام ثبت متقن حافظ روى نحواً من مئة ألف حديث ، وهو من أوثق الناس فى الليث بن سعد ، وهذه الحكاية تنبأ بأنه كان يقبل التلقين ويروى ما لم يسمع ، ولم يكن قتيبة بهذه المثابة وحاشاه أن يفعل ذلك !! .
وقد قال الحاكم : وقد حدثونا عن أبي العباس الثقفي قال : كان قتيبة بن سعيد يقول لنا : على هذا الحديث علامة أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى ين معين وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي خيثمة حتى عد قتيبة أسامي سبعة من أئمة الحديث ؛ كتبوا عنه هذا الحديث . قال : ولم يبلغنا عن أحدٍ منهم انه ذكر للحديث علة ، وقد قرأ علينا أبو علي الحافظ هذا الباب وحدثنا به عن أبي عبد الرحمن النسائي وهو إمام عصره عن قتيبة بن سعيد ، ولم يذكر أبو عبد الرحمن ولا أبو علي للحديث علة !! .
باب الدعاء عند رؤية القرى التى يريد المسافر دخولها
(47)عن صهيب أن النبي صلََّى الله عليه وسلَّم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها : (( اللهم ربَّ السماوات السبع وما أظللن ، وربَّ الأرضين وما أقللن ، وربَّ الشياطين وما أضللن ، وربَّ الرياح وما ذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها ، وشر ما فيها )) .
ــــــــــ
= قلت : وليس للحديث علة معتبرة ، بل له شواهد تعضده من حديث ابن عباس وابن عمر عند الدارقطنى والبيهقى ، وبسط الكلام عليها بالمطولات أليق .(1/88)
(47) صحيح . أخرجه البخارى (( التاريخ الكبير ))(6/471/3020) ، والنسائى (( الكبرى ))(5/256/8827 و6/140/10378) و(( عمل اليوم والليلة ))(544) ، وابن خزيمة (2565) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان ))(2698) وبحشل (( تاريخ واسط ))(1/191) ، والطبرانى (( الكبير ))(8/39/7299) ، والحاكم (1/466) ، وأبو نعيم (( الحلية )) (6/46) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/252) ، والضياء (( المختارة ))(8/72:71/67،68،69) جميعا من طريق حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن كعب عن صهيب مرفوعا به .
قلت : هذا إسناد متصل رجاله ثقات كلهم خلافاً لمن زعم أن أبا مروان والد عطاء بن أبى مروان ليس بالمعروف . وهو أبو مروان الأسلمى ، وإن اختلف على اسمه وصحبته ، فقد وثقه العجلى فى (( معرفة الثقات ))(2/424/2248) وجزم بتابعيته فقال : (( أبو مروان والد عطاء بن أبي مروان . مدني تابعي ثقة )) . وذكره ابن حبان فى التابعين من (( الثقات ))(7/89/9140) وأسماه عبد الرحمن بن مصعب .(1/89)
وقال الحافظ المزى (( تهذيب الكمال ))(34/277) : (( مختلف في صحبته . قيل : اسمه سعد ، وقيل : مغيث بن عمرو وقال ابن حبان : اسمه عبد الرحمن بن مصعب . روى عن : عبد الرحمن بن مغيث الأسلمي ، وعلي بن أبي طالب ، وكعب الأحبار ، وأبي ذر الغفاري ، وأبي مغيث بن عمرو على خلاف فيه ، وأم المطاع الأسلمية . روى عنه : عبد الرحمن بن مهران المدني ، وابنه عطاء بن أبي مروان . قال العجلي : مدني تابعي ثقة . وذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) . وقال محمد بن جرير الطبري في (( أسماء من روى عن النَّبيِّ )) : وأبو مروان الأسلمي ، واسمه مغيث بن عمرو ، روى عنه ابنه عطاء بن أبي مروان . ذكر محمد بن عمر أن سعيد بن عطاء بن أبي مروان حدثه عن أبيه عن جده مغيث الأسلمي قال كنت جالسا عند النَّبيِّ فجاءه ماعز بن مالك فذكر الحديث . وقال محمد بن عمر الواقدي في موضع آخر عن صدقة بن عتبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن جده أبي مغيث قال : كنت فيمن حضر أهل النجير فصالح الأشعث بن قيس زيادا يعني بن لبيد على أن يؤمن من أهل النجير سبعين رجلا ففعل . روى له النسائي )) اهـ .
وقال الذهبى فى (( الكاشف ))(2/459/6826) : (( أبو مروان الأسلمي مختلف في صحبته واسمه . روى عن : علي وأبي ذر . وعنه : ابنه عطاء ، وعبد الرحمن بن مهران . مدني ثقة . روى له النسائى )) .
قلت : ومجمل القول أن الإسناد متصل صحيح رجاله ثقات كلهم ، وقد أقامه حفص بن ميسرة الصنعانى . وخولف حفص بن ميسرة على إسناده ، فرواه عبد الرحمن بن أبى الزناد (( عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبى مروان عن أبيه عن عبد الرحمن بن مغيث عن كعب عن صهيب )) ؛ فأدخل بين كعب وأبى مروان : عبد الرحمن بن مغيث وليس بالمشهور .
باب استحباب المواساة بفضول المال والقوت
والاجتماع على الطعام فى السفر(1/90)
(48) قال الإمام مسلم : حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ ، قَالَ : فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ )) ، قَالَ : فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ .
(49) وقال : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ح وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي أُرِيدُ الْغَزْوَ وَلَيْسَ مَعِي ــــــــــ
= وخالفهما محمد بن إسحق فرواه (( عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن أبي مغيث بن عمرو ـ وقيل أبى معتب بن عمرو ـ أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم )) ؛ فجعله مرسلاً . وكلاهما وهمٌ وخطأ .(1/91)
الطريق الأولى : أخرجها النسائى (( الكبرى ))(6/140/10379) و(( اليوم والليلة ))(545) البزار (6/23/2093) والهيثم بن كليب (( المسند ))(997) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(24/187) جميعا من طريق سعد بن عبد الحميد بن جعفر نا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن عبد الرحمن بن مغيث الأسلمى حدثه قال قال كعب : ما أتى محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قرية يريد دخولها إلا قال : فذكره وقال كعب إن صهيباً حدثه بهذا الحديث عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .
قلت : عبد الرحمن بن أبى الزناد صدوق وفى حديثه ضعف . وفى (( تهذيب الكمال ))(17/422) : (( قال محمد بن أحمد بن البراء عن علي بن المديني : عبد الرحمن بن مغيث لا يعرف إلا في هذا الحديث )) .
الطريق الثانية : أخرجها النسائي (( الكبرى ))(6/140/10380) و(( اليوم والليلة ))(546) من طريق ابن اسحق عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن أبي مغيث بن عمرو : أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه وأنا فيهم قفوا ثم قال : (( اللهم رب السماوات وما أظللن )) نحوه .
وأخرجها الطبرانى (( الكبير ))(22/359/902) بهذه الطريق إلا أنه قال (( أبى معتب بن عمرو )) .
قلت : وقد دلَّسه ابن إسحاق عن أحد الضعفاء ، ففى رواية عند النسائى قال (( حدثنى من لا أتهم )) .
وجملة المقال أن الحديث صحيح محفوظ من رواية حفص بن ميسرة .
(48) صحيح . أخرجه أحمد (3/34) ، ومسلم (12/33) ، وأبو داود (1663) ، وأبو يعلى (1064) ، وأبو عوانة (( المسند ))(4/199/6490) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان ))(5395) جميعاً من طريق أبى الأشهب جعفر بن حيان العطاردي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري به .(1/92)
مَا أَتَجَهَّزُ ، قَالَ : ائْتِ فُلَانًا ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَيَقُولُ : أَعْطِنِي الَّذِي تَجَهَّزْتَ بِهِ ، قَالَ : يَا فُلانَةُ أَعْطِيهِ الَّذِي تَجَهَّزْتُ بِهِ ، وَلَا تَحْبِسِي عَنْهُ شَيْئًا ، فَوَاللَّهِ لَا تَحْبِسِي مِنْهُ شَيْئًا فَيُبَارَكَ لَكِ فِيهِ .
(50) وقال : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنَ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيَّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ ، فَأَصَابَنَا جَهْدٌ ، حَتَّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا ، فَأَمَرَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعْنَا مَزَاوِدَنَا ، فَبَسَطْنَا لَهُ نِطَعًا ، فَاجْتَمَعَ زَادُ الْقَوْمِ عَلَى النِّطَعِ ، قَالَ : فَتَطَاوَلْتُ لأَحْزِرَهُ كَمْ هُوَ ؟ ، فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةِ الْعَنْزِ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً ، قَالَ : فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا جَمِيعًا ، ثُمَّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا .
(51)عن أبى موسى الأشعرى قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم : (( إن الأشعريين إذا أرملوا فى الغزو ، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة ، جمعوا ما كان عندهم فى ثوبٍ واحد ، ثمَّ اقتسموه بينهم فى إناءٍ واحدٍ بالسويَّة ، فهم منى وأنا منهم )) .
(52)عن وحشى بن حرب أن رجلاً قالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ ، قَالَ : (( فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ )) قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : (( فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ )) .
ــــــــــ(1/93)
(49) صحيح . أخرجه أحمد (3/207) ، ومسلم (13/39) ، وأبو داود (2780 ) ، وعبد بن حميد (1330) ، وابن أبى عاصم (( الجهاد ))(1/324/109) ، وأبو عوانة (4/199/6489) ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/28) جميعا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البنانى عن أنس .
(50) صحيح . أخرجه مسلم (12/34:33. نووى ) ، وأبو عوانة (( المسند ))(4/200/6491) ، والطبرانى (7/18/6244) ، والبيهقى (( الاعتقاد ))( ص277) جميعا من طريق عكرمة بن عمار اليمامى عن إياس بن سلمة عن أبيه به . وأخرجه بنحوه البخارى (2/74 ،167. سندى ) عن حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبى عبيد عن سلمة .
(51) صحيح . أخرجه البخارى (2/74. سندى ) ، ومسلم (16/62:61. نووى ) ، والنسائى (( الكبرى )) (5/247/8798) ، وأبو يعلى (13/293/7309) ، وأبو عوانة (4/479/7407) ، والبيهقى (( الكبرى ))(10/132) جميعاً من طريق حماد بن أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبى بردة عن أبى موسى الأشعرى .
(52) صحيح . أخرجه أحمد (3/501) ، وأبو داود (3764) ، وابن ماجه (3286) ، وابن حبان (5201) ، والطبرانى (22/139/368) ، والحاكم (2/103) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/258) جميعاً من طريق وحشى بن حرب بن وحشى عن أبيه عن جده به .
أبواب مواقيت الحج
والعمرة المكانية
باب ذكر ميقات أهل المدينة والشام ونجد واليمن
(53) قَالَ الإِمَامُ يَحْيَى بَنُ يَحْيَى (( الْمُوطَأ )) : عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ )) ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ )) .(1/94)
(54) قَالَ الإِمَامُ مسلم : حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أََنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ مَهْيَعَةُ وَهِيَ الْجُحْفَةُ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ )) ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : وَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ : (( وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ )) .
ـــــــــ
(53) صحيح . أخرجه محمد بن الحسن (( الموطأ ))(380) ، ويحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1/306) ، وأحمد (2/48) ، والدارمى (1790) ، والبخارى (1/266. سندى ) ، ومسلم (8/84 . نووى ) ، وأبو داود (1737) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/328/3632) و(( المجتبى ))(5/122) ، وابن ماجه (2914) ، وأبو يعلى (10/180/5803) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(2/118) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(3/268/2699) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/26) من طرق عن مالك عن نافع عن ابن عمر به .
قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد ))(15/137) : (( هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ عن مالك فيما علمت . وكذلك رواه أصحاب نافع كلهم عن نافع عن ابن عمر ، وكذلك رواه عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر ، وكذلك رواه ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النَّبيِّ عليه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله سواء ، اتفقوا كلهم على أن ابن عمر لم يسمع من النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله (( ويهل أهل اليمن من يلملم )) . ولا خلاف بين العلماء أن مرسل الصاحب عن الصاحب أو عن الصحابة وإن لم يسمهم صحيح حجة )) اهـ .(1/95)
قلت : والحديث مستفيض مشهور يروى عن ابن عمر من طرق كثيرة ، وفيه زيادات مستحسنة ، كرواية جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر : (( وقَّتَ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل اليمن يلملم ، ولأهل الشام الجحفة ، ولاهل الطائف قرن . قال ابن عمر : وحدثني أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّتَ لأهل العراق ذات عرق )) . أخرجها الطحاوى (( شرح المعانى ))(2/119) ، والطبرانى (( الأوسط )) (5/165/4958) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(4/93) من طرقٍ عن جعفر بن برقان به .
وقال أبو نعيم : (( هذا حديث صحيح ثابت من حديث ميمون لم نكتبه إلا من حديث جعفر عنه )) .
(54) صحيح . أخرجه الشافعى (( المسند ))(ص114) و(( الأم ))(2/117) ، والحميدى (623) ، وأحمد (2/151،9) ، ومسلم (8/85) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/329/3635) و(( المجتبى ))(5/125) ، وابن الجارود (412) ، وأبو يعلى (9/364/5475) ، وابن خزيمة (2589) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج )) (3/269/2701،2700) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/26) جميعا عن الزهرى عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر به .
( بيان ) المُهَلُّ ـ بضم الميم ـ : موضعُ الإِهْلال ، وهو الميقات الذي يحرم الحاجُّ والمعتمرُ منه .
قال العلامة ابن منظور (( لسان العرب ))(11/702) : (( والإِهْلالُ بالحج : رفعُ الصوت بالتَّلْبية . وكلُّ متكلمٍ رفعَ صوتَه أَو خفضَه فقدْ أَهَلَّ واستهلَّ . وفي الحديثِ : (( الصبيُّ إِذا وُلِد لم يُورَث ولم يَرِثْ حتى يَسْتَهِلَّ صارخاً )) .
وفي حديثِ الجَنِينِ : (( كيْفَ نَدِي مَنْ لا أَكَلَ ولا شَرِبَ ولا اسْتَهَلَّ ؟! )) . وقالَ الراجزُ:
يُهِلُّ بالفَرْقَدِ رُكْبانُها كما يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ(1/96)
وأَصله رَفْعُ الصَّوت . وأَهَلَّ الرجل واستهلَّ : إِذا رفع صوتَه . وأَهَلَّ المُعْتَمِرُ : إِذا رفع صوتَه بالتَّلْبِية ، وأَهَلَّ المحرِمُ بالحج يُهِلُّ إِهْلالاً : إِذا لَبَّى ورفَع صوتَه . والمُهَلُّ ـ بضم الميم ـ : موضعُ الإِهْلال ، وهو الميقات الذي يُحْرِمون منه ، ويقع على الزمان والمصدر. الليث : المُحرِمُ يُهِلُّ بالإِحْرام إِذا أَوجب الحُرْم على نفسه ؛ تقول : أَهَلَّ بحجَّةٍ أَو بعُمْرَةٍ في معنى أَحْرَم بها ، وإِنما قيل للإِحرام إِهْلال لرفع الْمُحْرِمِ صوتَه بالتَّلْبية . والإِهْلال : التلبية ، وأَصل الإِهْلال رفعُ الصوتِ . وكل رافِعٍ صوتَه فهو مُهِلّ ، وكذلك قوله عزَّ وجلَّ (( وما أُهِلَّ لغير الله به )) ؛ هو ما ذُبِحَ للآلهة ، وذلك لأَن الذابح كان يسمِّيها عند الذبح ، فذلك هو الإِهْلال ؛ قال النابغة يذكر دُرَّةً أَخرجها غَوَّاصُها من البحر:
أَو دُرَّة صَدَفِيَّة غَوَّاصُها بِهَجٌ متَّى يَرها يُهِلَّ ويَسْجُدِ
يعني بإِهْلالِه رفعَه صوتَه بالدعاء والحمد إِذا رآها . قال أَبو عبيد : وكذلك الحديث في اسْتِهْلال الصبيِّ أَنه (( إِذا وُلد لم يَرِثْ ولم يُورَثْ حتى يَسْتَهِلَّ صارخاً )) ؛ وذلك أَنه يُستدَل على أَنه وُلد حيَّاً بصوته . وقال أَبو الخطاب : كلُّ متكلمٍ رافعِ الصوتِ أَو خافضِه فهو مُهلّ و مُسْتِهلْ ؛ وأَنشد : وأَلْفَيْتَ الخُصومَ وهُمْ لَدَيْهِ مُبَرْسمَة أَهلُّوا ينظُرونا
وقال : غيرَ يَعفور أَهَلَّ به جاب دَفَّيْه عن القلب(1/97)
قيل في الإِهْلال : إِنه شيء يعتريه في ذلك الوقت ، يخرج من جوفه شبيه بالعُواء الخفيف ، وهو بين العُواء والأَنين ، وذلك من حاقِّ الحِرْص وشدّة الطلب وخوف الفَوْت . قال الأَزهري : ومما يدل على صحة ما قاله أَبو عبيد وحكاه عن أَصحابه ؛ قول الساجع عند سيدنا رسولِ الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قَضى في الجَنين إِذا سقط ميتاً بغُرَّة فقال : (( أَرأَيت مَن لا شرب ولا أَكَلْ ، ولا صاح فاسْتَهَلَّ ، ومثل دَمِه يُطَلّ )) ، فجعله مُسْتَهِلاَ برفعِه صوته عند الوِلادة )) اهـ بنصه .
( بيان ثان ) ذو الحُلَيْفَة ـ بضم الحاء المهملة وفتح اللام بعدها مثناة تحتية ساكنة ـ : قرية بين المدينة ومكَّة ، بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة ، وهى ميقات أهل المدينة الذى يحرمون منه .
قال العلامة أبو عبيد البكرى (( معجم ما استعجم ))(1/464) : (( ذو الحليفة : تصغير حلفة ، وهي ماءة بين بني جشم بن بكر بن هوازن وبين بني خفاجة العقيليين . بينه وبين المدينة ستة أميال ، وقيل : سبعة وهو كان منزل رسولِ الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من المدينة لحج أو عمرة ، فكان ينزل تحت شجرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة اليوم ، فإذا قدم راجعا هبط بطن الوادي ، فإذا ظهر من بطن الوادي أناخ بالبطحاء التي على شفير الدار الشرقية فعرَّسَ حتى يصبح فيصلَّي الصبحَ . فدخل السيلُ بالبطحاءِ حتى دفن ذلك المكان الذي كان يعرِّسُ فيه رسولُ الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فالمسجد الأكبر الذي يحرم الناس منه هو مسجد الشجرة والآخر يسرة مسجد المعرَّس )) اهـ .(1/98)
قلت : ربما اشتبهت هذه بما ورد ذكرها فى حديث رافع بن خديج قَالَ : (( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلاً ، فَعَجِلَ الْقَوْمُ ، فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ ، ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ ، ثُمَّ إِنَّ بَعِيرًا نَدَّ ، وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ إِلا خَيْلٌ يَسِيرَةٌ ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بِسَهْمٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا )) .
قال العلامة ياقوت الحموى (( معجم البلدان ))(2/296) : (( وذو الحليفة الذي في حديث رافع بن خديج قال : (( كُنَّا مع رسولِ الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلاً )) ؛ فهو موضع بين حاذة وذات عرق من أرض تهامة ، وليس بالمُهَل الذي قرب المدينة )) اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر (( فتح البارى ))(9/625) : (( وذو الحليفة هذا مكان غير ميقات المدينة ، لأن الميقات في طريق الذاهب من المدينة ومن الشام إلى مكة ، وهذه بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة كذا جزم به أبو بكر الحازمي وياقوت ، ووقع للقابسي والنووى : أنها الميقات المشهور ، قالوا : وكان ذلك عند رجوعهم من الطائف سنة ثمان )) اهـ .
( بيان ثالث ) يَلَمْلَمَ ، ويقال : ألَمْلَمَ ـ بهمزةٍ مفتوحةٍ ، وهى الأصل والياء تسهيل ـ : جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكَّة بينهما ثلاثون ميلاً ، وهى ميقات أهل اليمن .(1/99)
قال العلامة أبو عبيد البكرى (( معجم ما استعجم ))(4/1398) : (( يَلَمْلَمَ ـ بفتح أوله وثانيه ـ : جبل على ليلتين من مكة من جبال تهامة ، وأهله كنانة ، تنحدر أوديته إلى البحر ، وهو في طريق اليمن إلى مكة ، وهو ميقات من حج من هناك . ويقال : ألَمْلَمَ ـ بالهمز وهو الأصل والياء بدل من الهمزة ـ . وقال طفيل :
وسَلْهَبَة تنضو الجيادَ كأنَّها رَدَاةٌ تدلَّتْ مِنْ فُروعِ يَلَمْلَمَ
وقال ابن مقبل :
تراعي عنودا في الرياد كأنَّها سهيلٌ بدا في عارضٍ من يَلَمْلَمَا )) اهـ .
قلت : قوله : سَلْهَبَة هى الفرس الطويل المنسرح ، والسَّلْهَبةُ من النساءِ الجَسِيمةُ وليست بِمدْحَةٍ ، ويقال : فَرَسٌ سَلْهَبٌ سَلْهَبةٌ للذَّكَر إِذا عَظُم وطالَ وطالَتْ عِظامُه ، وفَرَسٌ مُسْلَهِبٌّ ماضٍ ، ومنه قولُ الأَعرابيِّ في صِفَةِ الفَرَس (( وإِذا عَدا اسْلَهَبَّ ، وإِذا قُيِّدَ اجْلَعَبَّ ، وإِذا انْتَصَبَ اتْلأَبَّ )) .
وقوله : رَدَاةٌ هى الصَّخْرة ، وجمعها رَدَياتٌ ؛ قال ابن مقبل :
وقَافِية مثلُ حَدِّ الرَّدَاةِ لَمْ تَتْرُكْ لِمُجِيبٍ مقالاً
وقرئ : رَدَاةٌ تَدَلَّتْ من صُخُورِ يَلَمْلَمِ .
( بيان رابع ) قَرْنُ ـ بإسكان الراء ـ : جبل على مرحلتين من مكة من جهة المشرق ، وهو ميقات أهل نجد تهامة واليمن .
قال أبو زكريا النووى (( تهذيب الأسماء واللغات ))(3/288) : (( قرن : ميقات أهل نجد ، ويقال له : قرن المنازل ـ بفتح الميم ـ ، وقرن الثعالب كذا قاله صاحب المطالع والقاضي عياض وآخرون .(1/100)
قال القاضى : وأصل القَرْن أنَّه كان جبلاً صغيراً انقطع من جبل كبير ، هو بفتح القاف وإسكان الراء ، لا خلاف في هذا بين رواة الحديث وأهل اللغة والفقهاء وأصحاب الأخبار وغيرهم ، وغلَّطوا الجوهري (( صاحب الصحاح )) في قوله : إنه بفتح الراء ، وفي قوله إن أويسا القرني منسوب إليه ، فإن الصواب المشهور لكل أحدٍ : أن هذا ساكن الراء ، وأن أويسا القرني منسوب إلى قَرَن ـ بالفتح ـ بطن من مرادٍ القبيلة المعروفة . وأما قرن المنازل ، فذكرأبو القاسم الرافعي أن بعض شارحي المختصر قال : قَرْن اثنان : أحدهما في هبوط يقال له قرن المنازل ، والآخر على ارتفاع بالقرب منه وهي القرية ، وكلاهما ميقات )) .
وفى (( فتح البارى ))(3/385) : (( وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أن المكان الذي يقال له قرن موضعان : أحدهما في هبوط وهو الذي يقال له قرن المنازل ، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب ، والمعروف الأول . وفي (( أخبار مكة )) للفاكهي : أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى ، بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع ، وقيل له قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب . فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت ، وقد وقع ذكره في حديث عائشة في إتيان النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الطائف يدعوهم إلى الإسلام ، وردهم عليه قال : (( فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب )) الحديث . ذكره ابن إسحاق في (( السيرة النبوية )) ، ووقع في مرسل عطاء عند الشافعي : ولأهل نجد قرن ولمن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل )) اهـ .
باب ذكر ميقات أهل مصر
(55)عَنْ عَائِشَةَ : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ، وَلأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ ، وَلأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ )) .(1/101)
( بيان ) الجُحْفَةُ ـ بضم الجيم وسكون المهملة ـ : هي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة ، وهى (( مَهْيَعة )) بوزن علقمة ، وقيل بوزن معيشة ذكره القاضى عياض ، والأول أشهر وأكثر . وسميت الجحفة لأن السيول أجحفتها .
قال العلامة ابن منظور (( لسان العرب )) : (( جَحَفَ الشيءَ يَجْحَفُه جَحْفاً : قَشَرَه . و الجَحْفُ والمُجاحَفَةُ : أَخْذُ الشيء واجْتِرافُه . والجَحْفُ : شِدَّةُ الجَرْفِ إِلاَّ أَن الجَرْفَ للشيء الكثير والجَحْفَ للماء والكُرَةِ ونحوهما . تقول : اجْتَحَفْنا ماء البئرِ إِلا جَحْفَةً واحدةً بالكَفّ أَو بالإِناء .
يقال: جَحَفْتُ الكُرةَ من وجْهِ الأَرض و اجْتَحَفْتُها . وسَيْلٌ جُرافٌ و جُحافٌ : يَجْرُفُ كلَّ شيء ويَذْهَبُ به . وأَنشد الأَزهري لامرِىء القيس :
لَهَا كَفَلٌ كصَفاةِ المسيـ ـلِ أَبْرَزَ عنها جُحافٌ مُضِرُّ
و أَجْحَفَ به أَي ذَهَبَ به ، و أَجْحَفَ به أَي قاربه ودَنا منه ، و جَاحَفَ به أَي زاحَمه وداناه . وفي حديث عَمَّار: أَنه دخل على أُمّ سَلَمَةَ ، وكان أَخاها من الرَّضاعةِ ، فاجْتَحَفَ ابْنَتَها زَيْنَبَ من حِجْرِها أَي اسْتَلَبَها .
ـــــــــ
(55) صحيح . أخرجه أبو داود (1739) ، والنسائى (( المجتبى ))(5/125،123) ، وأبو يعلى (( معجم شيوخه )) (1/106/103) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(2/118) ، وابن عدى (( الكامل ))(1/417) ، والدارقطنى (2/236/5) والبيهقى (( الكبرى ))(5/28) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(15/142) ، وابن حزم (( المحلى ))(7/71) جميعا من طريق المعافى بن عمران عن أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد عن عائشة به .(1/102)
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيحين ، وإنما أنكروا تفرد أفلح بن حميد بقوله (( ولأهل العراق ذات عرق )) ، وهو ثقة من ثقات المدنيين لا ينكر حديثه لتفرده به ، فكم للزهرى وشعبة ومالك وأضرابهم من ثقات المحدثين من أفراد لم تنكر !! ، وإنما يُنكر من حديث الثقة ما خالف فيه غيره من الثقات .
قال أبو أحمد بن عدى (( الكامل ))(1/417) : (( قال لنا يحيى بن صاعد : كان أحمد بن حنبل ينكر هذا الحديث مع غيره علي أفلح بن حميد ، فقيل له : يرويه عنه غير المعافى ؟ ، فقال : المعافى بن عمران ثقة .
قال الشيخ : وأفلح بن حميد أشهر من ذلك ، وقد حدث عنه ثقات الناس مثل ابن أبي زائدة ، ووكيع ، وابن وهب وآخرهم القعنبي ، وهو عندي صالح ، وأحاديثه أرجو ان تكون مستقيمة كلها ، وهذا الحديث يتفرد به معافى عنه ، وإنكار أحمد على أفلح في هذا الحديث قوله (( ولأهل العراق ذات عرق )) ، ولم ينكر الباقي من إسناده ومتنه )) .
وقال الحافظ الذهبى (( ميزان الاعتدال ))(1/440) : (( أفلح بن حميد المدني أبو عبد الرحمن . وثقه ابن معين وأبو حاتم . وقال ابن صاعد : كان أحمد ينكر على أفلح بن حميد قوله (( ولأهل العراق ذات عرق )) . وقال ابن عدي : هو عندي صالح . وهذا الحديث يتفرد به المعافى بن عمران عن أفلح عن القاسم عن عائشة . قلت : هو صحيح غريب )) اهـ(1/103)
والجُحْفَةُ : موضع بالحجاز بين مكة والمدينة ، وفي الصحاح : جُحْفَةُ بغير أَلف ولام ، وهي مِيقاتُ أَهلِ الشامِ ؛ زعم ابن الكلبي النسابة : أَن العَمالِيقَ أَخرجوا بني عَبِيلٍ ، وهم إِخْوة عادٍ ، من يَثْرِبَ فنزلوا الجُحْفة ، وكان اسمها مَهْيَعَةَ ـ بوزن علقمة ـ ، فجاءَهم سَيْلٌ فاجْتَحَفَهم ، فسميت جُحْفَةَ . وقيل : الجحفة قرية تقرُب من سيفِ البحر أَجْحَفَ السيلُ بأَهْلِها فسميت جُحْفَة . واجْتَحَفْنا ماء البئر: نَزَفْناه بالكفّ أَو بالإِناء . والجُحْفَةُ : ما اجْتُحِفَ منها أَو بقي فيها بعد الاجْتِحاف .
والجَحْفَةُ والجُحْفَةُ : بقيَّةُ الماء في جوانب الحَوْض . والجَحْفُ: أَكل الثَّرِيدِ والضرْبُ بالسيف ؛ وأَنشد : ولا يَسْتَوِي الجَحْفانِ جَحْفُ ثَرِيدَةٍ وجَحْفُ حَرُورِيٍّ بِأَبْيضَ صَارِمِ
يعني أَكَلَ الزُّبْدِ بالتمر والضَّرْبَ بالسيف . والجُحْفَةُ : اليَسيرُ من الثريد يكون في الإِناء ليس يملؤُه
والجَحُوفُ : الثَّرِيدُ يَبْقَى في وَسَطِ الجَفْنَةِ . قال ابن سيده : و الجُحْفَةُ أَيضاً مِلءُ اليَد ِ، وجَمعها جُحَفٌ . وجَحَفَ لهم : غَرَفَ . وتَجَاحَفُوا الكُرَةَ بينهم : دَحْرَجُوها بالصَّوالجة . و تَجَاحُفُ القوم في القِتال : تناوُلُ بعضهم بعضاً بالعِصِيّ والسُّيُوفِ . قال العجاج :
وكانَ ما اهْتَضَّ الجِحَافُ بَهْرَجَا(1/104)
يعني ما كسره التَّجاحُفُ بينهم ، يريد به القتل . وفي الحديث : (( خُذوا العطاء ما كان عَطاء ً، فإِذا تجاحَفَتْ قُرَيْشٌ المُلْكَ بينهم فارْفُضُوه ))(1) ، أَي تَنَاوَلَ بعضهم بعضاً بالسيوف ، يريد إِذا تَقَاتَلُوا على الملك . و الجحافُ : مُزاحمةُ الحَرْبِ . و الجَحُوفُ : الدَّلْوُ التي تَجْحَفُ الماء أَي تأْخذه وتذهَب به . و الجِحافُ بالكسر : أَن يَسْتَقِيَ الرجلُ فَتُصِيبَ الدَّلْوُ فَمَ البئر فَتَنْخَرِقَ ويَنْصَبّ ماؤها ؛ قال : قد عَلِمَتْ دَلْوُ بني مَنَافِ تَقْوِيمَ فَرْغَيْها عن الجِحافِ
و الجِحافُ : المُزاولة في الأَمر. و جاحَفَ عنه كجاحَشَ ، ومَوْتٌ جُحافٌ : شديد يذهب بكل شيء ؛ قال ذو الرمة : وكائِنْ تَخَطَّتْ ناقَتِي من مَفازةٍ وَكَمْ زَلَّ عنها من جُحافِ المَقَادِرِ
وقيل : الجُحَافُ الموتُ فجعلوه اسماً له . و المُجاحَفَةُ : الدُّنوُّ ؛ ومنه قول الأَحْنف : (( إِنما أَنا لبني تَمِيمٍ كعُلْبَةِ الرّاعي يُجَاحِفُون بها يومَ الوِرْد ))ِ . و أَجْحَف بالطريق : دَنا منه ولم يُخالِطْه . و أَجْحَفَ بالأَمْرِ: قَارَبَ الإِخْلالَ به . وسنةٌ مُجْحِفةٌ : مُضِرَّةٌ بالمال . وأَجْحَفَ بهم الدهرُ : اسْتَأْصَلَهم . والسنة المُجْحِفَة : التي تُجْحِفُ بالقوم قَتْلاً وإِفساداً للأَمْوالِ . وفي حديث عمر أَنه قال لعديّ : (( إِنما فَرَضْتُ لقوم أَجْحَفَتْ بهم الفاقةُ أَي أَذْهَبَت أَموالَهم وأَفْقَرَتْهم الحاجةُ )) .
ــــــــ(1/105)
(1) أخرجه أبو داود (2959،2958) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(5/104) ، والطبرانى (( الكبير )) (4/238) واللفظ له ، وأبو نعيم (( الحلية ))(10/27) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/359) ، والمزى (( تهذيب الكمال )) (8/528) من طرق عن سليم بن مطير عن أبيه سمعت ذا الزوائد يقول : سمعت رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلم عام حجة الوداع أمر الناس ونهاهم ثم قال : (( هل بلغت )) ، قالوا : اللهم نعم ، قال : (( اللهم اشهد )) ، ثم قال : (( خذوا العطاء ما دام عطاءً ، فإذا تجاحفت قريش بينها الملك ، وصار العطاء رشاء عن دينكم فدعوه )) .
وقال بعض الحكماء : مَنْ آثَرَ الدُّنيا أَجْحَفَتْ بِآخِرته . ويقال : أَجْحَفَ العَدُوُّ بهم أَو السماء أَو الغيث أَو السيلُ ؛ دَنا منهم وأَخْطَأَهُم . والجُحْفَةُ : النُّقْطةُ من المَرْتَعِ في قَرْنِ الفَلاةِ ، وقَرْنُها رَأْسُها وقُلَّتُها التي تَشْتَبِهُ المياهُ من جوانبها جَمْعاء ، فلا يَدْرِي القارِبُ أَيُّ المياه منه أَقْرَبُ بطَرَفِها . وجَحَفَ الشيءَ بِرِجْلِهِ يَجْحَفُه جَحْفاً إِذا رَفَسَه حتى يرمي به . والجُحافُ : وَجَعٌ في البَطْنِ يأْخذ من أَكلِ اللحم بَحتاً كالحُجاف وقد جُحِفَ ، والرجل مَجْحُوفٌ )) اهـ .
( بيان ثان ) مهلُّ أهل مصر الآن (( رابغ )) ، وهى قرية عامرة بها آبار ورياض ومسجد وحمامات للاغتسال ، وتبعد عن مكة 204 كيلومتراً تقريباً .
وورد ذكر (( رابغ )) فى شعر كثيِّر عزَّة :
عفا رابغٌ من أهله فالظواهرُ فأكنافُ هرشى قد عَفَتْ فالأصافرُ
مغانٍ يهيِّجن الحليمَ إلى الصبا وهُنَّ قديماتُ العهود دوائرُ
لليلى وجاراتٍ لليلى كأنَّها نعاجُ الملا تحدى بهِنَّ الأباعرُ
وقال دريد بن الصمة :
غشيتُ برابغٍ طللاً محيلا أبتْ آياته ألا تحولا(1/106)
قال العلامة ياقوت الحموى (( معجم البلدان ))(3/11) : (( رابغ ـ بعد الألف باء موحدة وآخره غين معجمة ـ : وادٍ يقطعه الحاج بين البزواء والجحفة دون عزور . قال كثيِّرُ عزَّة :
أَقْولُ وقدْ جاوَزْنِ مِنْ صَدْرِ رابغٍ مَهامِةَ غُبْراً يَرْفَعُ الأَكْمَ آلهَا
أألحي أم صيران دوم تناوحت بتِريَم قصرا واستحثت شمالها
أرى حين زالت عير سلمى برابغ وهاج القلوب الساكنات زوالها
كأن دموع العين لما تخللت مخارم بيضا من تمنى جمالها
وقال ابن السكيت : رابغ ؛ بين الحجفة وودان . وقال في موضع آخر : رابغ ؛ وادٍ من دون الجحفة يقطعه طريق الحاج من دون عزور. وقال الحازمي : بطن رابغ ؛ وادٍ من الجحفة له ذكر في (( المغازي )) ، وفي (( أيام العرب )) . وقال الواقدي : هو على عشرة أميال من الجحفة ، فيما بين الأبواء والجحفة .
قال كثير عزَّة : ونحن منعنا يوم مر ورابغ من الناس أن يغزى وأن يتكنفا
يقال : أربغ فلان إبله ؛ إذا تركها ترد أي وقت شاءت من غير أن يجعل لها ظمأ معلوما ، وهي إبل مربغة أي هاملة ، والرابغ : الذي يقيم على أمرٍ ممكنٍ له ، والرابغ : العيش الناعم )) اهـ .
قلت : قوله : بطن رابغ له ذكر فى (( المغازى )) ، يعنى ما ذكره ابن جرير الطبرى (( تاريخ الأمم والملوك ))(2/11) : (( عقد رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على رأس ثمانية أشهر من مهاجره في شوال لعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف لواءً أبيضَ ، وأمره بالمسير إلى بطن رابغ ، وكان لواءُه مع مسطح بن أثاثة ، فبلغ ثنية المرة ، وهي بناحية الجحفة ، في ستين من المهاجرين ليس فيهم أنصاري ، فالتقوا هم والمشركون على ماء ؛ يقال له أحياء ، فكان بينهم الرمي دون المسايفة )) .(1/107)
وقال العلامة ابن منظور (( لسان العرب ))(8/426) : (( الرّبْغُ : التُّرابُ المدَقَّق كالرَّفْعِ . و الأَرْبَغُ : الكثير من كل شيء ، وهي الرّباغةُ . ابن الأَعرابي : الرَّبْغُ الرَّيُّ ، والإِرْباغُ إِرْسال الإِبل على الماء كلما شاءت ورَدَتْ بلا وقت ، هكذا رواه أَبو عبيد ، والصحيح الإِرْباع ، بالعين المهملة . وتقول منه : أَرْبَغَها فهي مُرْبَغَةٌ ، وقد رَبَغَتْ هي . ويقال : تُرِكَتْ إِبلُهم هَمَلاً مُرْبَغة ، وفي التهذيب : هَمَلاً مُرْبَغاً . وفي حديث عمر : (( هَلْ لك في ناقتين مُرْبَغَتَيْنِ سمينتين )) أَي مُخصِبتَين ؛ الإِرْباغُ : إِرسال الإِبل على الماء تَرِدُه أَيَّ وقت شاءت ، أَراد ناقتين قد أَرْبَغَتا حتى أَخصبَت أَبْدانُهما وسَمنتا .
وعَيشٌ رابِغٌ رافِغٌ : أَي ناعِم . ورَبَغَ القومُ في النعيم : إِذا أَقاموا فيه . وقال أَبو سعيد : (( إِنَّ الشيطان قد أَرْبَغَ في قلوبكم وعَشَّشَ )) ؛ أَي أَقام على فساد اتَّسع له المُقامُ معه . قال : و الرَّابغُ الذي يُقيم على أَمْر ممْكِن له . ابن بري : ورابغٌ وادٍ يَقْطَعُه الحاجُّ بين البَزْواء والجُحْفَةِ دُون عَزْوَر؛ قال كُثَيِّر: أَقْولُ وقدْ جاوَزْنِ مِنْ عَيْنِ رابغٍ مَهامِةَ غُبْراً يَرْفَعُ الأَكْمَ آلهَا
وفي الحديث ذكر رابغ ، بكسر الباء ، بطن وادٍ عند الجحفة . و يَرْبَغُ و أَرباغ : موضعان . قال الشَّنْفَرَى : وأَصْبِحُ بالعَضْداءِ أَبْغي سَراتَهم وأُسْلِكُ خِلاًّ بَيْنَ أَرْباغَ والسَّرْدِ )) اهـ .
باب ذكر ميقات أهل العراق والمشرق(1/108)
(56)عَنْ أَبُى الزُّبَيْرِ الْمَكِّىِّ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُسْئَلُ عَنِ الْمُهَلِّ فَقَالَ : سَمِعْتُ ـ أَحْسَبُهُ رَفَعَه إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : (( مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ الْجُحْفَةُ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ )) .
ـــــــــ
(56) صحيح . أخرجه الشافعى (( الأم ))(2/137) و(( المسند ))(ص114) ، وأحمد (3/333) ، ومسلم (8/86 . نووى ) ، وابن خزيمة (2592) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(2/118) ، والدارقطنى (2/237/7) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(3/270/2703) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/27) من طرق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله يسئل عن المهل فقال سمعت ـ أحسبه رفع إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ـ فقال : فذكره .
قلت : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات كلهم ، ولكنه وقع الشك فى رفعه ، ولم يجزم أبو الزبير بذلك .
قال الإمام الشافعي : (( ولم يسم جابر بن عبد اللَّه النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، وقد يجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب . قال ابن سيرين يروي عن عمر بن الخطاب مرسلا : أنه وقت لأهل المشرق ذات عرق ، ويجوز أن يكون سمع غير عمر بن الخطاب من أصحاب النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم )) .
قلت : ولكن أخرجه أحمد (3/336) قال : ثنا حسن ـ يعنى ابن موسى ـ ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الزبير قال سألت جابرا عن المهل ، قال : سمعت رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : فذكره بنحو رواية ابن جريج .(1/109)
وأخرجه البيهقى (5/27) قال : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ وأبو بكر القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد اللَّه قال سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : (( ومهل العراق من ذات عرق )) .
(57) قال الإمام أبو بكر بن أبى عاصم : حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَلِي ـ يعنى الحُلُوانِى ـ أخَبَرَنَا عبدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ نَا عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّهْمِيُّ حَدَّثَنِي زُرَارَةُ بْنُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو السَّهْمِيَّ حَدَّثَهُ قال : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى أَوْ بِعَرَفَاتٍ ، وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاسُ ، قَالَ : فَتَجِيءُ الْأَعْرَابُ ، فَإِذَا رَأَوْا وَجْهَهُ قَالُوا : هَذَا وَجْهٌ مُبَارَكٌ ، فقلت : يا رسُولَ اللَّه ! اسْتَغْفِرْ لِي ، فقالَ : (( اللهمَّ اغفرْ لنَا )) ، ثمَّ درتُ ، فقلتُ : ـــــــ
= قلت : وهذا حديث صحيح من صحاح أحاديث ابن لهيعة ، فإنه من رواية ابن وهب عنه ، وروايته عنه أصح الروايات مطلقاً ، فقد سمع منه قبل احتراق كتبه واختلاطه . فهذه الطريق شاهد لثبوت رفعه إلى النَّبىِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، وإذا انضافت إلى حديث عائشة السابق ، وحديث الحارث بن عمرو السهمى الآتى تقوَّى الحديث وثبتت صحته .
(57) صحيح . أخرجه ابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(2/456/1257) بهذا الإسناد والسياق بتمامه .
وأخرجه كذلك الطبرانى (( الكبير ))(3/261/3351) ، ومن طريقه المزى (( تهذيب الكمال ))(5/263) عن عبد الوارث بن سعيد البصرى عن عتبة بن عبد الملك السهمى عن زرارة بن الحارث عن أبيه بنحوه مطولاً .(1/110)
وأخرجه البخارى (( الأدب المفرد ))(1148) و(( التاريخ الكبير ))(3/438/1459) ، وأبو داود (1742) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(1/181) ، والدارقطنى (2/236/6) ، والحاكم (4/232) ، والبيهقى (( الكبرى )) (5/28 و9/312) خمستهم عن عبد الوارث بن سعيد به مختصراً .
قلت : هذا إسناد رجاله موثقون كلهم . فأما زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو السهمى ، فقد ذكره البخارى فى (( التاريخ الكبير ))(3/438/1459) ، وابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل ))(3/604/2729) ، فلم يذكراه بجرحٍ ولا تعديل . وذكره ابن حبان فى التابعين من (( الثقات ))(4/267/2854) .
وردَّ الحافظ الذهبى على عبد الحق الإشبيلى وابن القطان اللذان زعما جهالته وأنه : لا يحتج بحديثه ، فقال (( ميزان الاعتدال ))( 8/106/386) : (( قلت : روى عنه جماعة . وذكره ابن حبان فى (( ثقات التابعين )) وقال : من زعم أن له صحبة فقد وهم )) . وقال فى (( الكاشف ))(1/403/1632) : (( وثق )) .
وذكر الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(9/342/1978) ما تندفع به جهالة عينه وحاله ، فقال : (( روى عنه : سهل بن حصين الباهلي ، وعتبة بن عبد الملك السهمي ، وابنه يحيى بن زرارة بن كريم . ذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات )) . روى له البخارى (( الأدب )) ، وأبو داود ، والنسائى )) اهـ .
وأما عتبة بن عبد الملك السهمى ، فقد ذكره كذلك البخارى فى (( التاريخ الكبير ))(6/527/3209) ، وابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(6/373/2057) ، فلم يذكراه بجرحٍ ولا تعديل ، وقالا : (( روى عنه : عبد الوارث بن سعيد ، وابنه عبد الصمد بن عبد الوارث )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(8/507/14716) .(1/111)
وذكر الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(19/313/3779) ما تندفع به جهالة عينه وحاله ، فقال : (( روى عنه : عبد الصمد بن عبد الوارث ، وأبوه عبد الوارث بن سعيد ، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي . ذكره ابن حبان في (( كتاب الثقات )) . روى له البخاري في (( الأدب المفرد )) وفي (( أفعال العباد )) ، وأبو داود حديثاً واحداً )) اهـ .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(1/697/3667) : (( وثق )) .
قلت : والخلاصة ، زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو ، وعتبة بن عبد الملك السهميان معروفان موثقان ، خلافاً لمن زعم جهالتهما ، وقد صحح حديثهما الحاكم ، والذهبى ، والعسقلانى .
ولم يتفرد به عتبة بن عبد الملك عن زرارة ، فقد تابعه : يحيى بن زرارة بن كريم .
يا رسُولَ اللَّه ! اسْتَغْفِرْ لِي، فقالَ : (( اللهمَّ اغفرْ لنَا )) ، ثمَّ قالَ : (( أيُّها النَّاس ! أيَّ يومٍ هذا ، وأيَّ شهرٍ هّذا ! ، فإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا وبَلَدِكُمْ هَذَا وشَهْرِكُمْ هَذَا ، اللهمَّ هَلْ بَلَّغتُ ، وليبلِّغْ الشَّاهِدُ الغَائِبَ )) ، وأمر بالصدقة فقال : (( تصدقوا ، فإنِّي لا أدري لعلكم لا تروني بعد يومكم هذا )) ، ووقَّت لأهل اليمن يلملم أن يهلوا منها ، وذاتَ عرقٍ لأهل العراق أو لأهل الشرق ، فسأله رجل عن العتيرة ، فقال : (( مَنْ شَاءَ عَتَرَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ، ومَنْ شَاءَ فَرَّعَ ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ ، وفِي الْغَنَمِ أُضْحِيَّتها )) ، وقال بأصبع كفِه اليمنى فقبضها ، كأنه يعقد عشرة ، ثم عطف الإبهام على المفصل الإصبع الوسطى ، ومدَّ أصبعه السبابة ، وعطف طرفها يسرا يسرا .(1/112)
(58) قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت صدقة بن يسار سمعت ابن عمر يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَنَّهُ وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا ، وَلأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ )) .
ـــــــــــ
= أخرجه أحمد (3/485) ، وابن سعد (( الطبقات الكبرى ))(7/64) ، والنسائى (( الكبرى ))(3/79/4553،4552) و(( المجتبى ))(7/169) ، والطبرانى (( الكبير ))(3/261/3350) و(( الأوسط ))(6/102/5928) ، والحاكم (4/236) والمزى (( تهذيب الكمال ))(31/304) من طرق عن يحيى بن زرارة بن كريم السهمى عن أبيه عن جده الحارث بن عمرو به ، من غير ذكر المواقيت .
(58) صحيح . أخرجه أحمد (2/78) بهذا الإسناد والسياق بتمامه .
وأخرجه (2/140،11) قال : حدثنا سفيان وجريرـ فرقهما ، واللفظ لجريرـ عن صدقة بن يسار سمعت ابن عمر يقول : (( وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ )) ، قِيلَ لَهُ : فَالْعِرَاقُ ؟ ، قَالَ : لا عِرَاقَ يَوْمَئِذٍ .(1/113)
قلت : وهذه كلها أسانيد متصلة صحاح رجاله ثقات كلهم ، وروايتا ابن عيينة وجرير متفقتان على أن ابن عمر لم يعلم ميقات العراق ، ويعلِّله بأنها لم تكن مفتوحة يومئذٍ ، وأما رواية شعبة ففيها ذكر ذاك الميقات ، وأنه مما يؤثر عن النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وليس بين الروايات الثلاث تعارض ، إذ يحتمل أن ابن عمر كان فى أول أمره لم يسمع من النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توقيته ذات عرق لأهل العراق ، وكان غيره من الصحابة والتابعين يؤثره عن النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلما سئل أجاب بقوله : (( لا عِرَاقَ يَوْمَئِذٍ )) ، فأخبره أحدهم بما بلغه فى ذلك عن النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فكان بعد يحدِّث به ويؤثره عن النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقد صحَّ عند علماء الأصول أن مرسل الصحابى عن الصحابة صحيح حجة ، وإن لم يسمهم . ويدل على صحة هذا التأويل :
أنَّه أخرجه الطحاوى (( شرح المعانى ))(2/119) ، والطبرانى (( الأوسط ))(4958) ، وأبو نعيم (( الحلية ))(4/93) جميعاً عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر : (( وقَّتَ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ، ولأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ ، ولأَهْلِ الطائف قرن . قال ابن عمر : وحدثني أصحابنا أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَّتَ لأهل العراق ذات عرق )) .
وقال أبو نعيم : (( هذا حديث صحيح ثابت من حديث ميمون لم نكتبه إلا من حديث جعفر عنه )) .
( بيان ) ذات عِرْقٍ ـ بكسر العين وإسكان الراء بعدها قاف ـ : هي ميقات أهل العراق ، وهي موضع من شرقي مكة بينهما مرحلتان ، يوازي قرن نجد ، وسمى بذلك لأن هناك عرقا ؛ وهو الجبل الصغير . وهي والعقيق متقاربان لكن العقيق قبيل ذات عرق .(1/114)
قال العلامة الحموى (( معجم البلدان ))(4/107) : (( وذات عرق مهل أهل العراق ، وهو الحد بين نجد وتهامة ، وقيل عرق جبل بطريق مكة ، ومنه ذات عرق . وقال الأصمعي : ما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق ، وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق ، وإياه عنى ساعدة بن جؤية بقوله والله أعلم يصف سحابا : لما رأَى عِرْقاً ورَجَّعَ عُرْضُهُ هَدْراً كما هَدَرَ الفَنِيقُ المُصْعب (1)
وقال آخر: ونحن بسهب مشرفٍ غيرِ منجدِ ولا متهم فالعين بالدمع تذرفُ
وقال ابن عيينة : إني سألت أهل ذات عرق أمتهمون أنتم أم منجدون ؟ ، فقالوا : ما نحن بمتهمين ولا منجدين . وقال ابن شبيب : ذات عرق من الغور ، والغور من ذات عرق إلى أوطاس ، وأوطاس على نفس الطريق ، ونجد من أوطاس إلى القريتين . وقال قوم : أول تهامة من قبل نجد مدارج ذات عرق )) اهـ .
( بيان ثان ) احتج قائلون بأن عمر بن الخطاب هو الذى وقَّت لأهل العراق (( ذات عرق )) ؛ بما أخرجه البخارى (1/267. سندى ) قال : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن عمر عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : (( لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ ، فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا ، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا ، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا ، قَالَ : فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ )) .(1/115)
قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد ))(15/141) : (( هذه غفلة من قائلي هذا القول بل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق والعقيق ، كما وقت لأهل الشام الجحفة ، والشام كلها يومئذ دار كفر؛ كما كانت العراق يومئذ دار كفر ، فوقت المواقيت لأهل النواحي لأنه علم أنه سيفتح الله على أمته الشام والعراق وغيرهما من البلدان ، ولم تفتح الشام ولا العراق جميعا إلا على عهد عمر ، وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل السير ، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( منعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها )) ؛ بمعنى ستمنع عند أهل العلم وقال صلَّى الله عليه وسلَّم : (( ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار )) ، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم : (( زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها )) اهـ .
ـــــــ
(1) الفنيق : هو الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان لكرامته عليهم ، وجمعه فنق وأفناق ، ومنه حديث الحجاج لما حاصر ابن الزبير بمكة ونصب المنجنيق عليه :
خطاَّرةٌ كالجملِ الفنيقِ أعددتُها للمسجدِ العتيقِ
شبه رميها بخطران الجمل المكرم ، الذى يخطر في مشيته ؛ أي يتمايل ويمشي مشية المعجب بنفسه .(1/116)
وقال أبو جعفر الطحاوى (( شرح معانى الآثار ))(2/119) : (( فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يكون النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقَّت لأهل العراق يومئذ ما وقت ، والعراق إنما كانت بعده ؟ ، قيل له : كما وقَّت لأهل الشام ما وقَّت ، والشام إنما فتحت بعده ، فإن كان يريد بما وقَّت لأهل الشام من كان في الناحية التي افتتحت حينئذ من قبل الشام ، فكذلك يريد بما وقت لأهل العراق من كان في الناحية التي افتتحت حينئذ من قبل العراق ؛ مثل جبل طي ونواحيها ، وإن كان ما وقَّت لأهل الشام إنما هو لما علم بالوحى أن الشام ستكون دار إسلام ، فكذلك ما وقَّت لأهل العراق إنما هو لما علم بالوحى أن العراق ستكون دار إسلام ، فإنه قد كان صلَّى الله عليه وسلَّم ذكر ما سيفعله أهل العراق في زكواتهم ، وما سيفعله أهل الشام في زكواتهم ما حدثنا على بن عبد العزيز البغدادي قال ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير بن معاوية عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( منعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر أردبها ودينارها ، وعدتم كما بدأتم ، وعدتم كما بدأتم ، وعدتم كما بدأتم )) ، يشهد على ذلك لحم أبى هريرة ودمه . فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر ما سيفعله أهل العراق من منع الزكاة قبل أن يكون عراق ، وذكر مثل ذلك في أهل الشام وأهل مصر ؛ قبل أن يكون الشام ومصر لما أعلمه الله تعالى من كونهما من بعده ، فكذلك ما ذكره من التوقيت لأهل العراق مع ذكره التوقيت لغيرهم المذكورين هو لما أخبره الله تعالى أنه سيكون من بعده )) اهـ .(1/117)
وفى (( المغنى ))(3/110) لابن قدامة : (( ويجوز أن يكون عمر ومن سأله لم يعلموا توقيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات عرق ، فقال ذلك برأيه فأصاب ، ووافق قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم ، فقد كان كثير الإصابة رضي الله عنه ، وإذا ثبت توقيتها عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم وعن عمر فالإحرام منه أولى إن شاء الله تعالى )) اهـ .
باب ذكر البيان أن هذه المواقيت لأهلها ولمن مرَّ بها من غير أهلها فإذا حادَّ المديني عن ذي الحليفة ومرَّ على طريق الشام بالجحفة كان ميقاته الجحفة
إذ هو مارٌ بها ، وكذلك اليماني إذا أخذ طريق المدينة فمرَّ بذي الحليفة
كان ذو الحليفة ميقاته ، ومن كان منزله الحرم كان ميقاته منزله
ولم يجب عليه أن يخرج إلى بعض هذه المواقيت التي وراء منزله
(59)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ )) ، وَقَالَ : (( هُنَّ لَهُمْ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ ــــــــ
(59) صحيح . وأخرجه الطيالسى (944) ، وأحمد (1/138) ، والبخارى (1/266) ، ومسلم (8/81) ، وأبو داود (1738) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/330/3638) و(( المجتبى ))(5/126) ، وابن نصر المروزى (( السنة )) (132،131) ، وابن الجارود (413) ، وابن خزيمة ( 2590) ، والدارقطنى (2/237/8) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(3/268/2697) ، وابن حزم (( المحلى ))(7/72) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/29) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(15/140،139) من طرق عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس به .(1/118)
قلت : هكذا رواه عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار جماعة من أثبات أصحابه ، لا يختلفون على روايته عن ابن عباس مسنداً موصولاً . وإنما اختلفوا على روايته عنه عن ابن طاوس عن أبيه ، فأرسله سليمان بن حرب وخلف بن هشام ، وأسنده عن ابن عباس : يحيى بن حسان .
فقد أخرجه أبو داود (1737) ، وابن الجارود (413) ، وأبو نعيم (( المستخرج ))(3/268/2697) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(15/139) جميعاً من طريق سليمان بن حرب ثنا حماد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ، وعن ابن طاوس عن أبيه قالا : (( وَقَّتَ رسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) بنحوه .
وأخرجه الدارقطنى (2/237/8) قال : نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز نا خلف بن هشام نا حماد بن زيد عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس ، وعبد الله بن طاوس عن أبيه رفعاه إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوه .
وأخرجه النسائى (( الكبرى ))(2/329/3634) و(( المجتبى ))(5/124) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(2/117) ، والدارقطنى (2/238/9) جميعاً من طريق يحيى بن حسان عن وهيب وحماد بن زيد معاً عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباسٍ مرفوعاً به .
قلت : والحديث رواه معمر ، ووهيب كلاهما عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس مسنداً مرفوعاً ، وهو المحفوظ . وقال معمر : كان ابن طاوس لا يجاوز به طاوساً غالباً ، ويقول فى الأحايين (( عن ابن عباسٍ )) .(1/119)
فقد أخرجه كذلك الشافعى (( الأم ))(2/118) و(( المسند ))(ص116) ، وأحمد (1/249) ، والنسائى (( الكبرى )) (2/330/3637) و(( المجتبى ))(5/125) ، وابن خزيمة (2591) من طرق عن معمر ، وابن أبى شيبة (3/265/14068) ، وأحمد (1/252) ، والدارمى (1792) ، والبخارى (1/265،266 . سندى ) ، ومسلم (8/84) ، والطبرانى (( الكبير ))(11/21/10911) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(3/268/2698) ، والبيهقى (( الكبرى )) (5/29) من طرق عن وهيب ، كلاهما قال : ثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس مرفوعاً به .
أَنْشَأَ ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ )) .
( بيان ) قوله (( هنَّ لهم ولكلِّ آتٍ أتى عليهن من غيرهنَّ )) فيه دلالة بيِّنة على أنَّ هذه المواقيت لأهلها ولمن مرَّ عليها من غير أهلها ممن أراد حجاً أو عمرة ، من شاء أهَّل من ورائها ، ومن شاء أهَّل منها ، ولا يجاوزها إلا محرماً . وليس بين أهل العلم خلاف أنَّه لا يجوز مجاوزتها إلا بإحرام لمن أراد حجاً أو عمرة ، فمن جاوزها مريداً للحج أو العمرة بغير إحرام فقد أساء .
قال الإمام الشافعى (( الأم ))(2/140) : (( وحديث ابن عباس في المواقيت عن النبي صلَّى الله عليه وسلم أوضحها معنى وأشدها غنىً عما دونه ، وذلك أنه أتى على المواقيت ، ثم قال عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم (( هن لأهلهن ولكل آت أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجَّاً أو عمرةً )) .(1/120)
وكان بيِّنا فيه أنَّ عراقيا أو شاميا لو مرَّ بالمدينة يريد حجَّاً أو عمرةً كان ميقاته ذا الحليفة ، وإن مدنياً لو جاء من اليمن كان ميقاته يلملم ، وأنَّ قوله (( يهل أهل المدينة من ذي الحليفة )) إنما هو لأنهم يخرجون من بلادهم ، ويكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به ، وقوله (( وأهل الشام من الجحفة )) لأنهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به ، ليست المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم ، إلا أن يعرجوا إليها ، وكذلك قوله في أهل نجد واليمن ، لأن كل واحد منهم خارج من بلده ، وكذلك أول ميقات يمرون به . وفيه معنى آخر : أن أهل نجد اليمن يمرون بقرن ، فلما كانت طريقهم لم يكلفوا أن يأتوا يلملم ، وإنما ميقات يلملم لأهل غور اليمن ممن هي طريقهم .
قال الإمام الشافعى : (( ومعقول في الحديث في قوله (( ولكل آت أتى عليها )) ما وصفت ، وقوله (( ممن أراد حجا أو عمرة )) أنهن مواقيت لمن أتى عليها يريد حجا أو عمرة . فمن أتى عليهن لا يريد حجا ولا عمرة ، فجاوز الميقات ، ثم بدا له أن يحج أو يعتمر أهلَّ بالحج من حيث يبدو له ، وكان ذلك ميقاته كما يكون ميقات أهله الذين أنشأوا منه يريدون الحج أو العمرة حين أنشأوا منه . وهذا معنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (( ممن أراد حجا أو عمرة )) ، لأن هذا جاوز الميقات لا يريد حجا ولا عمرة ، وإنما أراد الحج أو العمرة بعد ما جاوز المواقيت ، فأراد وهو ممن دون المواقيت المنصوبة ، وأراده وهو داخل في جملة المواقيت لقول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (( ومن كان أهله دون المواقيت فمن حيث ينشيء حتى يأتى ذلك على أهل مكة )) ، فهذا جملة المواقيت .
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من الفرع .(1/121)
قال الشافعي : وهذا عندنا والله أعلم أنه مر بميقاته لم يرد حجا ولا عمرة ، ثم بدا له من الفرع ، فأهلَّ منه أو جاء الفرع من مكة أو غيرها ، ثم بدا له الإهلال ، فأهلَّ منها ولم يرجع إلى ذي الحليفة ، وهو روى الحديث عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المواقيت . فلو أن بعض أهل المدينة أتى الطائف لحاجته عامدا لا يريد حجا ولا عمرة ، ثم خرج منها كذلك لا يريد حجا ولا عمرة حتى قارب الحرم ، ثم بدا له أن يهلَّ بالحج أو العمرة أهل من موضعه ذلك ولم يرجع )) اهـ .
وقال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد ))(15/151) : (( واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري وأبو ثور على أن من مرَّ بالميقات لا يريد حجا ولا عمرة ، ثم بدا له في الحج أو العمرة ، وهو قد جاوز الميقات أنه يحرم من الموضع الذي بدا له منه الحج ، ولا يرجع إلى الميقات ولا شيء عليه . وقال أحمد وإسحاق : يرجع إلى الميقات ويحرم منه )) اهـ .
( تنبيه وإيضاح ) قوله (( أهلَّ من الفرع )) ، قال العلامة الحموى (( معجم البلدان )) : (( الفُرْعُ ـ بضم أوله وسكون ثانيه وآخره عين مهملة ـ قرية من نواحي المدينة عن يسار السقيا بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة ، وقيل : أربع ليال . بها منبر ونخل ومياه كثيرة ، وهي قرية غناء كبيرة ، وهي لقريش الأنصار ومزينة ، وبين الفرع والمريسيع ساعة من نهار ، وهي كالكورة ، وفيها عدة قرى ومنابر ومساجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن الفقيه : فأما أعراض المدينة فأضخمها الفرع الوالي ، وبه مسجد صلَّى به النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلم . وقال السهيلي : هو بضمتين . قال : ويقال : هي أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة ، وهي من ناحية المدينة ، وفيها عينان يقال : لهما الربض والنجف ؛ تسقيان عشرين ألف نخلة )) اهـ .(1/122)
( بيان ثان ) إذا كان الميقات قرية ، فله أن يحرم من أحد جانبيها ، وإن أحرم من أقرب جانبيها إلى مكة جاز ، واستحب له الشافعى الإحرام من أقصى جانبيها وأبعده من مكة من غير إيجاب . قال الإمام الشافعى : (( ولو كان الميقات قرية ، فأقل ما يلزمه في الإهلال أن لا يخرج من بيوتها حتى يحرم ، وأحب إلى إن كانت بيوتها مجتمعة أو متفرقة أن يتقصى ، فيحرم من أقصى بيوتها مما يلي بلده الذي هو أبعد من مكة . وإن كان واديا فأحب إلى أن يحرم من أقصاه ، وأقربه ببلده وأبعده من مكة ، وإن كان ظهرا من الأرض ، فأقل ما يلزمه في ذلك أن يهل مما يقع عليه اسم الظهر ، أو الوادي ، أو الموضع ، أو القرية ، إلا أن يعلم موضعها ، فيهل منه . وأحب إلى أن يحرم من أقصاه إلى بلده الذي هو أبعد من مكة فإنه إذا أتى بهذا فقد أحرم من الميقات يقينا أو زاد والزيادة لا تضر )) .
وقال : (( وإن علم أن القرية نقلت ، فليحرم من القرية الأولى ، وإن جاوز ما يقع عليه الاسم رجع أو أهراق دماً . أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري قال : رأي سعيد بن جبير رجلاً يريد أن يحرم من ميقات ذات عرق ، فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت ، وقطع به الوادي ، وأتى به المقابر ، ثم قال : هذه ذات عرق الأولى )) .
( بيان ثالث ) ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم ، ومن سلك طريقاً بين ميقاتين فإنه يجتهد حتى يكون إحرامه بحذو الميقات الذي هو إلى طريقه أقرب .(1/123)
( بيان رابع ) أخرج الإمام أحمد (3/427) قال : حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج حدثني مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله عن محرش الكعبي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ مُعْتَمِرًا ، فَدَخَلَ مَكَّةَ لَيْلاً ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِ ، فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَخَذَ فِي بَطْنِ سَرِفَ حَتَّى جَامَعَ الطَّرِيقُ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ . قَالَ : فَلِذَلِكَ خَفِيَتْ عُمْرَتُهُ .
وحدثنا روح حدثنا ابن جريج قال أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله عن محرش الكعبي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَذَكَرَهُ .
وأخرجه كذلك الشافعى (( المسند ))(ص113) ، وابن أبى شيبة (3/230/13718) ، والدارمى (1861) ، وابن سعد (( الطبقات ))(2/171) ، والترمذى (935) ، والنسائى (( المجتبى ))(5/199) و(( الكبرى ))(2/474،381/4236،3846) ، والفاكهى (( أخبار مكة ))(2840) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/292/2313) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/91) ، والطبرانى (( الكبير )) (20/771،770) ، والبيهقى (( الكبرى ))(4/357) ، وابن عبد البر(( التمهيد ))(24/408) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(36/293) من طرق عن ابن جريج ثنى مزاحم بن أبى مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد عن محرش الكعبى به .
وتابعه : إسماعيل بن أمية ، وسعيد بن مزاحم كلاهما عن مزاحم بن أبى مزاحم .(1/124)
فقد أخرجه الشافعى (( المسند ))(ص112) ، والحميدى (863) ، وأحمد (3/426 و5/380) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/291/2312) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/90) ، والطبرانى (( الكبير ))(20/327/772) ، والبيهقى (( الكبرى )) (4/357) ، وابن عبد البر (( التمهيد )) (24/409) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(36/292) جميعا من طريق ابن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن مزاحم بن أبى مزاحم به نحوه ، إلا أن ابن عيينة كان لا يقيم على اسمه ، فمرة محرش أو مجرش أم محرس أو رجل من خزاعة .
وأخرجه أبو داود (1996) ، والنسائى (( الكبرى ))(2/474/4235) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/90) ، والطبرانى (( الأوسط ))(5/7/4518) جميعا عن قتيبة بن سعيد ثنا سعيد بن مزاحم ابن أبي مزاحم حدثني أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد عن محرش الكعبي به نحوه .
قلت : وهذا حديث صحيح ، رجاله كلهم ثقات ، ومزاحم بن أبي مزاحم المكي مولى عمر بن عبد العزيز ، أصله من سبي البربر . قال ميمون بن مهران : ما رأيت ثلاثة في بيت خيراً من : عمر بن عبد العزيز ، وابنه عبد الملك ، ومولاه مزاحم . وذكره ابن حبان فى (( كتاب الثقات )) .
وفى هذا الحديث من البيان ، أن اعتمار النبى من الجعرانة ، وتركه ذا الحليفة ، وهى ميقات أهل المدينة ، دليل على ما وصفناه آنفاً : أن من بدا له الحج أو العمرة ، وقد جاوز ميقاته أهلَّ من حيث بدا له .(1/125)
( بيان خامس ) ودخول مكة بلا إحرام جائز لأن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلّم إنما جعل المواقيت لمن مرَّ بهن يريد حجا أو عمرة ، ولم يجعلها لمن لم يرد حجا ولا عمرة ، فلم يأمر الله عزَّ وجلَّ ولم يأمر رسوله صلَّى الله عليه السلام بأن لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام ، ومن أوجب ذلك فقد ألزم بما لم يأت في الشرع دليل بإلزامه . قال إمام المحدثين فى (( صحيحه )) : بَاب دُخُولِ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ . وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالإِهْلالِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْحَطَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ .
قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : (( اقْتُلُوهُ )) .
باب من مرَّ بميقاته حاجاً أو معتمراً
فجاوزه غير محرم ماذا عليه ؟
(60)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أنَّه كانَ يردُّ مَنْ جاوزَ الميقاتَ غيرَ مُحْرِمٍ .
(61)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَنْ نسى من نُسُكِهِ شيئاً أو تركَه فليهرقْ دماً .
( بيان ) قال فى (( المغنى ))(3/216) : (( مسألة . قال : ومن أراد الإحرام فجاوز الميقات غير محرم رجع ، فأحرم من الميقات . فإن أحرم من مكانه فعليه دم ، وإن رجع محرما إلى الميقات .(1/126)
وجملة ذلك أن من جاوز الميقات مريداً للنسك غير محرم فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه إن أمكنه ، سواء تجاوزه عالماً به أو جاهلاً ؛ علم تحريم ذلك أو جهله ، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شيء عليه . لا نعلم في ذلك خلافا ، وبه يقول : جابر بن زيد ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، والثوري ، والشافعي وغيرهم لأنه أحرم من الميقات الذي أمر بالإحرام منه فلم يلزمه شيء كما لو لم يتجاوزه ، وإن أحرم من دون الميقات فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع . وبهذا قال : مالك ، وابن المبارك . وظاهر مذهب الشافعي أنه إن رجع إلى الميقات فلا شيء عليه ، إلا أن يكون قد تلبس بشيء من أفعال الحج : كالوقوف ، وطواف القدوم ، فيستقر الدم عليه لأنه حصل محرما في الميقات قبل التلبس بأفعال الحج فلم يلزمه دم كما لو أحرم منه . وعن أبي حنيفة : إن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم ، وإن لم يلب لم يسقط .
وعن عطاء والحسن والنخعي : لا شيء على من ترك الميقات . وعن سعيد بن جبير : لا حج لمن ترك الميقات . ولنا ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من ترك نسكا فعليه دم )) ، روى موقوفا ومرفوعاً ، ولأنه أحرم دون ميقاته فاستقر عليه الدم ، كما لو لم يرجع ، أو كما لو طاف عند الشافعي أو كما لو لم يلب عند أبي حنيفة ، ولأنه ترك الإحرام من ميقاته فلزمه الدم كما ذكرنا ، ولأن الدم وجب لتركه الإحرام من الميقات ولا يزول هذا برجوعه ولا بتلبيته . وفارق هذا ما إذا رجع قبل إحرامه فأحرم منه ، فإنه لم يترك الإحرام منه ولم يهتكه )) اهـ .
ــــــــ
(60) صحيح . أخرجه الشافعى (( الأم ))(2/118) و(( المسند ))(ص116) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/30) كلاهما من طريق عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء عن ابن عباسٍ موقوفاً .(1/127)
(61) صحيح . أخرجه محمد بن الحسن (( الموطأ ))(502) ، ويحيى بن يحيى (( الموطأ ))(1/366) ، والدارقطنى (2/220) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/30) جميعاً من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباسٍ موقوفاً .
باب فضل من أحرم بحجَّةٍ أو عمرةٍ من المسجد الأقصى
(62) قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ مَوْلَى آلِ حُنَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيِّ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ حَكِيمٍ ابْنَةِ أُمَيَّةَ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) قَالَ : فَرَكِبَتْ أُمُّ حَكِيمٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى أَهَلَّتْ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ .
ــــــــ
(62) صحيح . أخرجه أحمد (6/299) ، أبو يعلى (12/411/7009) ، وابن حبان كما فى (( الإحسان ))(3693) جميعاً من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق بإسناده ومتنه .
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم موثقون ، غير أم حكيم بنت أميَّة بن الأخنس ، واسمها حُكيمة ـ بالتصغيرـ ، لم يذكرها أحد بجرح ، ولم يروى عنها إلا ابنها يحيى بن أبى سفيان الأخنسى ، وسليمان بن سحيم ـ إن كان محفوظاً ـ ، وقد ذكرها ابن حبان فى (( الثقات ))(4/195/2459) .
وقال الحافظ الذهبى (( الكاشف ))(2/506/6979) : (( حكيمة بنت أميَّة عن أم سلمة . وعنها يحيى بن أبى سفيان ، وسليمان . وثَّقت )) .
وقال (( الميزان ))(7/465) : (( فصل فى النسوة المجهولات . وما علمت فى النساء من اتهمت ولا من تركوها )) .(1/128)
قلت : وقد جوَّد إسنادَ هذا الحديث إبراهيمُ بن سعد الزهرى أبو إسحاق المدنى عن ابن إسحاق ، وصرَّح ابن إسحاق بالسماع ، فزالت تهمة تدليسه ، وأتقن متنه .
وتابعه عن ابن إسحاق على هذا الوجه : سلمة بن الفضل ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى من رواية محمد بن يحيى القطعى ، وعياش بن الوليد عنه .
فقد أخرجه الدارقطنى (2/284/212) من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن سليمان بن سحيم عن يحيى بن أبى سفيان عن أمِّه أم حكيم به مثل حديث إبراهيم بن سعد ، إلا أنه قال (( بيت المقدس )) .
وأخرجه البيهقى (( شعب الإيمان ))(3/448/4026) عن عيَّاش بن الوليد الرقام نا عبد الأعلى نا محمد ابن إسحاق نا سليمان بن سحيم عن يحيى عن أم حكيم بنت أبي أمية عن أم سلمة أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : (( من أهلَّ بعمرةٍ أو حجةٍ من بيت المقدس غفر اللَّه له )) ، فلم يذكر(( حجة )) .
وأخرجه الطبرانى (( الكبير ))(23/416/1006) ، والمقدسى (( فضائل بيت المقدس ))(58) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(31/360) جميعاً من طريق محمد بن يحيى القطعى عن عبد الأعلى به مثله .
وخالف جماعتهم : ابن أبى شيبة فأسقط من إسناده (( يحيى بن أبى سفيان )) ، وأحمد بن خالد الوهبى فأسقط منه (( سليمان بن سحيم )) .
فقد أخرجه ابن ماجه (3001 ) ، وأبو يعلى (12/327/6900) كلاهما عن ابن أبى شيبة عن عبد الأعلى عن ابن إسحاق حدثنى سليمان بن سحيم عن أم حكيم به .
وأخرجه ابن ماجه (3002 ) عن أحمد بن خالد عن ابن إسحاق عن يحيى بن أبى سفيان عن أمه أم حكيم به .
قلت : ولم يتفرد ابن إسحاق عن يحيى بن أبى سفيان ، بل تابعه عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يحنَّس الحجازى ، وهو ممن احتج بهم مسلم فى (( صحيحه )) ؛ روى له حديثاً فى فضل المدينة (( من أراد أهل هذه البلدة بسوء أذابه الله )) .(1/129)
...........................................................................................................
ــــــــ
= فقد أخرج البخارى (( التاريخ الكبير ))(1/161) ، وأبو داود (1741) ، والفاكهى (( أخبار مكَّة ))(1/411/885) ، وأبو يعلى (12/359/6923) ، والطبرانى (( الأوسط ))(6/319/6515) ، والدارقطنى ((2/283/210) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/30) و (( شعب الإيمان ))(3/448/4027) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(15/146) ، وأبو نصر بن ماكولا (( تهذيب مستمر الأوهام ))(1/173) ، والمقدسى (( فضائل بيت المقدس ))(59) من طرق عن محمد بن إسماعيل بن أبى فديك عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يحنَّس عن يحيى بن أبى سفيان عن جدته حكيمة عن أم سلمة أنها سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : (( من أهلَّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، أو وجبت له الجنة )) شك عبد الله أيتهما قال .
وقال أبو داود : (( يرحم الله وكيعا أحرم من بيت المقدس يعني إلى مكة )) .
قلت : هكذا رواه جماعة أكثرهم ثقات أثبات : أحمد بن صالح الطبرى ، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ، وأبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصى ، وسعيد بن سليمان سعدويه ، وأبو الفضل صالح بن مسمار وعباد بن موسى الختلى ، وعلى بن محمد بن معاوية ، وهارون بن عبد اللَّه الحمال ؛ جميعاً (( عن محمد بن إسماعيل بن أبى فديك عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يحنَّس )) ، وخالف جماعتهم أبو يعلى محمد بن الصلت ، فقال (( محمد بن عبد الرحمن بن يحنَّس عن أبى سفيان الأخنسى )) ، وهو وهم .(1/130)
قال البخارى (( التاريخ الكبير ))(1/161/477) : (( محمد بن عبد الرحمن بن يحنَّس عن أبي سفيان الأخنسي عن جدته حكيمة بنت أمية عن أم سلمة سمعت النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : (( من أهل بحجة أو عمرة من مسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه )) حدثناه أبو يعلى محمد بن الصلت عن ابن أبي فديك )) .
قلت : ولم يتفرد ابن أبى فديك عن ابن يحنََّس ، بل تابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردى عنه ، إلا أنه قال (( عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان )) ، وأراه خطأً من النسَّاخ ، كما سأبينه .
فقد أخرجه الطبرانى (( الكبير ))(23/361/849) ، ومن طريقه ابن عبد الغنى (( تكملة الإكمال ))(1/171) عن يحيى بن بكير ويحيى بن عبد الحميد الحمانى ، كلاهما عن الدراوردى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان عن يحيى بن أبى سفيان عن جدته حكيمة عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من أهلَّ من بيت المقدس غفر له ما تقدم من ذنبه )) .
ولكن أخرجه المزى (( تهذيب الكمال ))(31/360) من طريق أبى بكر بن ريذة عن الطبرانى به ، فقال (( عبد الله ابن عبد الرحمن بن يحنَّس )) ، وهو الصحيح كرواية محمد بن إسماعيل بن أبى فديك .(1/131)
قلت : والخلاصة ، فالحديث ثابت صحيح ، وأمثل أسانيده (( ابن إسحاق ثنى سليمان بن سحيم عن يحيى بن أبى سفيان عن أمِّه حُكيمة عن أم سلمة )) ، كما رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان وصحَّحه ، على التفصيل الآنف ذكره . وفيه جواب عن قول الحافظ شمس الدين بن القيم : (( اضطربوا في متنه وإسناده اضطرابا شديداً )) . وبيان ذلك أن الاضطراب الذى يعلُّ الحديث ويُحكم معه على الحديث بالضعف ، هو الذى لا يمكن معه ترجيح إحدى وجوه الرواية ، أما إذا ترجحت إحدى الروايات كما هاهنا فالاضطراب منتف ، والحديث ثابت بالرواية الراجحة . فقد قال الإمام الجهبذ زين الدين العراقى فى (( الألفية )) الموسومة بـ (( التبصرة والتذكرة )) :
مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ : مَا قَدْ وَرَدَا مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحَدٍ فَأزْيَدَا
في مَتْنٍ أوْ في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ ، أَمَّا إِنْ رَجَحْ
بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا
(63) قال الشافعي فى (( المسند )) : حدثنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر : أنَّه أهلَّ من بيت المقدس .
( بيان ) يجوز للمحرم أن يحرم قبل الميقات ، ولو من مصره ودويرة أهله ، وفَعَلَه : على بن أبى طالب ، وأبو موسى الأشعرى ، ومعاذ بن جبل ، وعمران بن حصين ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعثمان بن أبى العاص ، وعتبان بن مالك ، والحارث بن سويد ، وعمرو بن ميمون ، والأسود بن يزيد النخعى ، وعلقمة بن قيس ، وعبد الرحمن بن يزيد ، وخلائق لا يحصون كثرة .
وهو قول : سفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وأبى حنيفة ، والشافعي .
وكره ذلك : عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، والحسن البصرى ، وعطاء ، ومالك بن أنس ، وإسحاق بن راهويه .(1/132)
قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد )) : (( وهذا من هؤلاء المانعين والله أعلم ؛ كراهية أن يضيق المرء على نفسه ما قد وسع الله عليه ، وأن يتعرض لما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه ، وكلهم ألزمه الإحرام إذا فعل ، لأنه زاد ولم ينقص . ويدلك على ما ذكرنا أن ابن عمر روى المواقيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أجاز الإحرام قبلها من موضع بعيد . وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي : المواقيت رخصة وتوسعة يتمتع المرء بحله حتى يبلغها ، ولا يتجاوزها إلا محرماً ، والإحرام قبلها فيه فضل لمن فعله ، وقوي عليه ، ومن أحرم من منزله فهو حسن لا بأس به .
وروي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وجماعة من السلف أنهم قالوا : في قول الله عز وجل (( وأتموا الحج والعمرة لله )) ، قالوا : إتمامها أن تحرم من دويرة أهلك . وأحرم ابن عمر وابن عباس من الشام ، وأحرم عمران بن حصين من البصرة ، وأحرم عبد الله بن مسعود من القادسية . وكان الأسود ، وعلقمة ، وعبد الرحمن بن يزيد ، وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم )) اهـ.
وشذَّ ابن حزم الظاهرى كعادته ، فأبطل حجَّ وعمرة من أحرم قبل ميقاته ، وشنَّع على من اقتدى بهؤلاء النفر من الصحابة الذين أحرموا من محالهم وبلدانهم ، فقال فى (( محلاه )) (7/70) : (( فإن أحرم قبل شئ من هذه المواقيت ، وهو يمر عليها ، فلا إحرام له ، ولا حج له ، ولا عمرة له ، إلا أن ينوي إذا صار في الميقات تجديد إحرام ، فذلك جائز ، وإحرامه حينئذ تام وحجه تام وعمرته تامة . ومن كان من أهل الشام أو مصر ، فما خلفهما ، فأخذ على طريق المدينة ، وهو يريد حجا أو عمرة ، فلا يحل له تأخير الإحرام من ذي الحليفة ليحرم من الجحفة ، فإن فعل فلا حج له ، ولا إحرام له ، ولا عمرة له ، إلا أن يرجع إلى ذي الحليفة ، فيجدد منها إحراما ، فيصح حينئذ إحرامه وحجه وعمرته )) .
ــــــــ(1/133)
(63) صحيح . أخرجه الشافعى (( المسند ))(ص364) بهذا الإسناد عاليه .
ورجاله ثقات كلهم على رسم البخارى فى (( صحيحه )) .
وأخرجه ابن أبى شيبة (3/124/12674) قال : ثنا حفص بن غياث عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : أنه أحرم من بيت المقدس .
وإنما ذكرنا قوله ذا تعجباً ، وشذوذه أوضح من أن يبرهن على خطئه ، وهو خلاف الإجماع .
قال أبو بكر بن المنذر (( الأوسط )) : (( أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم ، ولكن الأفضل الإحرام من الميقات ويكره قبله )) .
والآثار عن الصحابة والتابعين فى الإحرام من الأماكن البعيدة مبسوطة فى (( المصنف )) لابن أبى شيبة ، و(( المصنف )) لعبد الرزاق الصنعانى ، و(( شرح معانى الآثار )) لأبى جعفر الطحاوى .
( بيان ثانٍ ) وأما الإحرام من بيت المقدس خاصةً وما فيه من الفضل والثواب ، فقد فعله ابن عمر ، وعتبان ابن مالك ، وأما ابن عباس فقد أحرم من الشام من موضعٍ قريبٍ منه .
قال إمام الأئمة أبو عبد الله الشافعى (( الأم ))(7/253) : (( الإهلال من دون الميقات . قال الربيع : سألت الشافعي عن الإهلال من دون الميقات ؟ ، فقال : حسن ، قلت له : وما الحجة فيه ؟ ، قال : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من إيلياء ـ يعنى بيت المقدس ـ . وإذا كان ابن عمر روى عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم : أنه وقت المواقيت ، وأهلَّ من إيلياء ، وإنما روى عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما وقت المواقيت قال : يستمتع الرجل من أهله وثيابه حتى يأتي ميقاته . فدل هذا على أنه لم يحظر أن يحرم من ورائه ، ولكنه يؤمر أن لا يجاوزه حاجٌ ولا معتمرٌ إلا بإحرام )) اهـ .(1/134)