تيسير
فقه الاعتكاف
أحكامه ومستحباته وما يتعلق بليلة القدر علاماتها ووقتها وما يفعل فيها
وفتاوى عن ما استجد في هذا العصر حول سنة الاعتكاف
لفضيلة الشيخ :
أ . د / خالد بن علي المشيقح
حفظه الله تعالى
أستاذ الفقه المقارن بالدراسات العليا بجامعة القصيم
اختصار الفقير إلى عفو ربه
محمد بن مفتاح الفهمي
اللهم اغفر له ولوالديه وللمسلمين
مقدمة الاختصار
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، أحمده، وأستعينه، وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ژ ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ٹ ٹ ٹٹ ? ? ? ? ? ژ
ژ ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ
أما بعد:
فإن من تمام نعم الله وعظيم منته أن هدى هذه الأمة إلى هذا الدين القويم، والصراط المستقيم الذي به تصلح نفوسهم، وتهذب أخلاقهم، وتنتظم معاملاتهم، ويصح سلوكهم وتقوم حياتهم وفق توجيه قرآني وهدي نبوي تضمنا علماً هو أجل العلوم قدراً، وأعلاها فخراً، وأبلغها فضيلة وأشرفها مكانة، وهو علم الشرع الشريف وبيان أحكامه وتفصيل حلاله وحرامه.
كل ذلك ليقوم العباد بالحق الذي من أجله خلقوا؛ وهو عبادته على الوجه الذي ارتضى لهم، قال الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (1) ، وقال تعالى: ژ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ںژ وقال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ?? ہ ہ ہ ژ
ولقد شرع الله أنواعاً من العبادات وأصنافاً من الطاعات من شأنها إذا قام بها العبد أن تربطه بخالقه وتصله بربه.
__________
(1) سورة الذاريات : 56 .(1/1)
ومن أجل هذه العبادات وأعظمها: عبادة الاعتكاف؛ إذ بها يحي القلب، وتزكو النفس، ويتوجه بها العبد إلى الخير والإحسان، ويتذكر بها عقيدة الثواب والعقاب، ويكون في محاسبة لأعماله، وواجباته.
ولها تأثيرها العظيم في إصلاح الفرد والمجتمع .
وقد قام شيخنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور / خالد بن علي المشيقح حفظه الله تعالى ونفع بعلمه بتأليف كتاب فقه الاعتكاف وكان له نفعاً عظيماً و قبولاً كبيراً لما اشتمل عليه من المسائل الهامة والمباحث النفيسة والترجيحات المؤصلة المبنية على الدليل من الكتاب والسنة .
لكن لما كان أكثر المعتكفين يحتاجون فقط إلى القول الراجح بدليله في المسألة دون الحاجة إلى الأقوال الأخرى ومناقشتها رأيت أن أختصر الكتاب على القول الراجح فقط وقدحافظت فيه على نص كلام الشيخ ، دون تغيير ولاتبديل إلا ماندر ودعت إليه الحاجة إذ تابعت الأصل في اللفظ والمعنى ، ووافقته في الترتيب والمبنى ، وأبقيت مارجحه الشيخ حفظه الله ، واستخلصت لباب هذا المؤلف النافع النفيس لأقدمه إلى القارئ في ثوب جديد يستسيغ النظر فيه ، ولاتنقطع به السبيل في قراءته .
وليعلم أن التهذيب والاختصار ضرب من التيسير لمن لم تتح له قراءة الأصل ، وبحسبك أنك تستطيع أن تقرأ هذا الكتاب في دقائق معدودات فتظفر منه بالخير العاجل الكثير ، وأنت إذا قرأت الأصل اقتضاك أكثر من ذلك (1) .
فإذا قرأت مسائل هذا المختصر ألفيت مسائل فقه الاعتكاف بعضها آخذاً ببعض ، تقرؤه بكلام مترابط ، لاتشعر وأنت تقرأ فيه بحذف أو انتقال ، ولايستوقفك بإذن الله إشكال ، ولايعتريك إملال .
وقد سلكت في اختصار كتاب فقه الاعتكاف المنهج الآتي :
__________
(1) مقدمة الأستاذ عبدالسلام هارون لتهذيب سيرة ابن هشام : ص (12 ،13) بتصرف يسير .(1/2)
1- حذفت من الأصل مايمكن ـ حسب تقديري ـ الاستغناء عنه : وقد شمل الحذف الأقوال عدا القول الراجح ، والأدلة عدا دليل أو أكثر إن رأيت الحاجة داعية لذلك ، والمناقشة للأدلة الأخرى . وقد راعيت في هذا الحذف ألا يخل بمقصود المؤلف ومراده . فصار مقدار هذا الكتاب بالنظر إلى أصله مايقارب الربع حيث إن الأصل ( 360) صفحة والمختصر ( 85 ) صفحة .
2- حافظت على تقسيمات المؤلف وترتيبه للفصول ، والمباحث ، والمطالب ، وتقسيمه للمطالب إلى مسائل ، وذلك لتكون مسائل الكتاب متسلسلة ومترابطة تيسيراً لضبطها .
3- وضعت فصلاً مستقلاً عن ليلة القدرجله مأخوذ من دروس شيخنا لشرح زاد المستقنع ومن كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
4- وضعت فصلاً مستقلا ًعن الأسئلة التي تشكل وتتكرر كثيراً على الأخوة المعتكفين لاسيما ماكثر واستجد في هذا العصر .
وفي الختام نشكر كل من ساهم في إخراج هذا الكتاب المبارك من إخواني طلبة العلم الذين تفاعلوا بطرح الآراء والاقتراحات النافعة فجزاهم الله خيراً.
ونطلب كل من انتفع بهذا الكتاب من الأخوة والأخوات أن لاينسونا وشيخنا والمسلمين من دعوة صالحة بظهر الغيب في هذه الليالي المباركة فإن الله قد وكل ملكاً يقول لمن دعا لأخيه بظهر الغيب ( ولك بمثل ) .
كتبه
محمد بن مفتاح بن يعيش الفهمي
يوم السبت 1/ 8/ 1429هـ
التمهيد
ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: بيان حقيقته اللغوية والشرعية.
المطلب الثاني: بيان حكمته
المطلب الأول: بيان حقيقته اللغوية والشرعية :
الاعتكاف لغة : لزوم الشيئ ، ومنه قوله تعالى ژ ھ ھ ھ ے ے ? ? ژ ، أي:ملازمون .
ويسمى الاعتكاف جواراً (1) ؛ لحديث عائشة - رضي الله عنه - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض (2) .
__________
(1) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 5/427.
(2) أخرجه البخاري، (ح2028).(1/3)
وأما حقيقته الشرعية:فهو لزوم مسجد لعبادة الله تعالى من شخص مخصوص على صفة مخصوصة.
وقال شيخ الإسلام: ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبه ويعظمه، كما كان المشركون يعكفون على أصنامهم وتماثيلهم، ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم شرع الله لأهل الإيمان أن يعكفوا على ربهم سبحانه وتعالى.
وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك، فلذلك كان الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله (1) .
والاعتكاف من الشرائع القديمة (2) ، كما قال تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
وقال تعالى ژ ? ? ? ? ژ ، وقال تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ . قال شيخ الإسلام: ولأن مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنها جعلت محررة له، وكانت مقيمة في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً، وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه (3) .
ولحديث ابن عمر { ، في نذر عمر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أوف بنذرك (4) .
المطلب الثاني: بيان حكمته :
أما حكمة شرعية الاعتكاف فبينها ابن القيم ~ بقوله:
__________
(1) شرح العمدة 2/708.
(2) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن 5/427، وانظر: تفسير ابن كثير 1/171.
(3) شرح العمدة 2/748.
(4) أخرجه البخاري، (ح2032)، ومسلم (ح1656).(1/4)
لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى، متوقفاً على جمعيته على الله، ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام، مما يزيده شعثاً، ويشتته في كل واد، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه، أو يعوقه ويوقفه: اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسه بالله بدلاً من أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم (1) .
__________
(1) زاد المعاد 2/86-87. وانظر: الفتاوى الهندية 1/212، والشرح الصغير للدردير 1/259، وسبل السلام 2/174.(1/5)
والحكمة من تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - العشر الأواخر من رمضان، فقد بينها - صلى الله عليه وسلم - ، كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه، فقال: إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أُتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه ... (1) .
الفصل الأول :
أدلة مشروعيته، وحكمه، وقسماه، وزمنه
وفيه مباحث:
المبحث الأول : أدلة مشروعيته .
المبحث الثاني : حكم الاعتكاف
المبحث الثالث: قسما الاعتكاف
المبحث الرابع: زمن الاعتكاف المسنون .
المبحث الأول : أدلة مشروعيته
الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة وآثار الصحابة والإجماع.
فالكتاب:قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ . وقوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ .
فإضافة الاعتكاف إلى المساجد المختصة بالقربات، وترك الوطء المباح لأجله دليل على أنه قربة.
وأما السنة وآثار الصحابة فكثيرة منها: حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده (2) .
ويأتي في ثنايا البحث كثير من الأحاديث النبوية.
وأما آثار الصحابة } ، فتقدم قريباً عن ابن عمر وابن عباس } (3) ، ويأتي أيضاً في ثنايا البحث عن علي وابن مسعود وحذيفة وابن عمر، وغيرهم } .
وأما الإجماع:
فنقله غير واحد من العلماء قال ابن المنذر: « وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضاً إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذراً فيجب عليه » (4) .
(فرع)
__________
(1) أخرجه البخاري، (ح2018)، ومسلم – واللفظ له – (ح1167) (215).
(2) أخرجه البخاري (ح2026)، ومسلم (ح1172).
(3) ص (8)
(4) الإجماع ص53.(1/6)
ولم يرد في فضل الاعتكاف شيء من الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أبو داود في مسائله: « قلت لأحمد تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً؟ قال: لا، إلا شيئاً ضعيفاً » (1) .
المبحث الثاني
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكمه لغير المرأة :
حكم الاعتكاف لغير المرأة سنة، وقد حكي إجماعاً (2) .
لأدلة مشروعية الاعتكاف المتقدمة (3) .
المطلب الثاني: حكمه للمرأة (4) :
الراجح أنه يسن لها الاعتكاف كالرجل.
ويدل لذلك : عمومات أدلة مشروعية الاعتكاف (5) وهي تشمل الرجل والمرأة
وكذلك : حديث عائشة < ، وفيه إذنه - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وحفصة رضي الله عنهما أن يعتكفا معه (6) . وكانتا شابتين.
ولأن الأصل أن ما ثبت في حق الرجل ثبت في حق المرأة إلا لدليل.
المطلب الثالث : حكمه في غير رمضان والعشر الأواخر منه :
الراجح أنه مسنون.
قال ابن عبد البر: « والاعتكاف هو في العشر الأواخر من رمضان سنة، وفي غير رمضان جائز» (7) .
وقال أيضاً: « وأجمعوا أن سنة الاعتكاف المندوب إليها شهر رمضان كله أو بعضه وأنه جائز في السنة كلها إلا ما ذكرنا » (8) .
__________
(1) مسائل أبي داود ص96.
(2) انظر: الإجماع لابن المنذر ص53، وشرح العمدة لشيخ الإسلام 2/711، وأحكام القرآن للقرطبي 2/233.
(3) سبق توثيقها، ص11.
(4) بأتي حكم اعتكاف المرأة فيما يتعلق بالمكان. فالحنفية والشافعي قالوا: يكره في مسجد الجماعة، ويسن فيما عدا ذلك، وأما القاضي من الحنابلة فيكره عنده الاعتكاف للشابة، ولا يستحب في مكان آخر، لأن الاعتكاف عند الحنابلة لا يكون إلا في مساجد الجماعة. انظر: ص(25).
(5) تقدمت ص11.
(6) أخرجه البخاري (ح2041)، ومسلم (ح1173).
(7) الكافي لابن عبد البر 1/352.
(8) الاستذكار 10/273.(1/7)
قال ابن العربي المالكي: « وهو سنة وليس ببدعة، ولا يقال فيه: مباح فإنه جهل من أصحابنا الذين يقولون في كتبهم الاعتكاف جائز » (1) .
ويدل على مشروعية الاعتكاف في غير رمضان :عمومات أدلة الاعتكاف (2) .
وهذه تشمل رمضان وغيره، والعشر وغيرها.
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وترك الاعتكاف في رمضان حتى اعتكف العشر الأواخر من شوال رواه البخاري (3) ، وعند مسلم العشر الأول من شوال (4) .
فدل على أن غير رمضان والعشر محل لشرعية الاعتكاف.
وحديث ابن عمر { ، أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك (5) .
وهذا يشمل كل ليلة، فدل على أن غير رمضان والعشر محل لشرعية الاعتكاف.
المبحث الثالث: قسما الاعتكاف :
ينقسم الاعتكاف إلى قسمين:
القسم الأول: الاعتكاف المسنون:
وهذا هو الأصل في الاعتكاف قال ابن المنذر: « وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضاً إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذراً فيجب عليه » (6) .
لما تقدم من أدلة مشروعية الاعتكاف (7) .
القسم الثاني: الاعتكاف الواجب:
يجب الاعتكاف بالنذر إجماعاً (8) .
لحديث عائشة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه (9) (7).
__________
(1) عارضة الأحوذي 4/3.
(2) تقدمت ص11.
(3) أخرجه البخاري (ح2040).
(4) أخرجه مسلم (ح1173).
(5) تقدم توثيقه ص26.
(6) الإجماع لابن المنذر ص53.
(7) تقدم توثيقها، ص11.
(8) الإجماع لابن المنذر ص53، وشرح العمدة 2/713، وبداية المجتهد 1/312.
(9) أخرجه البخاري (ح6696).(1/8)
ولحديث ابن عمر { :"أن عمر - رضي الله عنه - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: أوف بنذرك (1) .
مسألة : هل يجب الاعتكاف بالشروع فيه ؟
الراجح أنه لا يجب بالشروع فيه وسيأتي بحث هذه المسألة في حكم قضاء الاعتكاف ، في الفصل السادس.
مسألة: قال شيخ الإسلام: فإن قيل: إذا كان له الخروج منه، ثم له أن يدخل فيه متى شاء فما معنى قولهم: يحرم على المعتكف كذا، ويجب عليه كذا ؟ قيل: له فوائد:
احداها: أن المحرمات في الاعتكاف من المباشرة والخروج من المسجد لغير حاجة، إنما له أن يفعلها إذا نوى ترك الاعتكاف، فيكون فعله على وجه الترك للاعتكاف، فلا يكون حين فعله معتكفاً، أما أن يستديم نية الاعتكاف ويفعل ذلك فلا يحل له ذلك، بل يكون قد اتخذ آيات الله هزواً، ويكون بمنزلة الحائض إذا أمسكت تعتقد الصوم صحيحاً وبمنزلة ما لو تكلم أو أحدث في الصلاة مع بقاء اعتقاد الصلاة، وهذا لأن العبادة التي ليست واجبة إذا أراد أن يفعلها، فإنه يجب أن يفعلها على الوجه المشروع، وليس له أن يخل بأركانها وشروطها وإن كان له تركها بالكلية.
الثانية: أنه إذا فعل ما ينافيه من خروج ومباشرة انقطع الاعتكاف، فلو أراد أن يعود إليه كان اعتكافاً ثانياً يحتاج إلى تجديد نية، ولا يكفيه استصحاب حكم النية الأولى حتى إنا إذا لم نجوز الاعتكاف أقل من يوم فاعتكف بعض يوم ثم قطعه، ثم أراد أن يتمه باقي اليوم لم يصح ذلك كما لو أصبح صائماً ثم أكل، ثم أراد أن يتم الصوم .
الثالثة: أنه إذا نذر الاعتكاف معيناً أو مطلقاً صارت هذه الأمور واجبة عليه، وحرم عليه ما ينافي الاعتكاف بكل حال، كما لو نذر صوماً معيناً، أو صلاة مؤقتة، أو مطلقة (2) .
__________
(1) سبق توثيقه ص(8).
(2) شرح العمدة 2/817.(1/9)
المبحث الرابع: زمن الاعتكاف المسنون (1)
وفيه مطالب:
المطلب الأول : أقل زمن وأكثره .
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أقله : يوم أو ليلة، ولعله يستأنس لهذا بما تقدم من إذنه - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه - أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام وفاء لنذره .
ولما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم (2) ، والسلف الصالح في اشتراط الصوم، أو عدم اشتراطه (3) ، والصوم لا يكون أقل من يوم، والله أعلم .
وأيضاً لو شرع اعتكاف أقل من يوم لورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأمر به الصحابة، واشتهر عنهم، لتكرر مجيئهم إلى المسجد .
فالصحابة } كانوا يجلسون في المسجد لانتظار الصلاة، وسماع الخطبة، أو العلم، وغير ذلك، ولم يرد عنهم قصد الاعتكاف.
ويترتب على هذا أنه لا يشرع الاعتكاف لمن قصد المساجد مدة لبثه، كما صرح به الشافعية والحنابلة (4) .
وفي الاختيارات « ولم ير أبو العباس لمن قصد المسجد للصلاة، أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه» (5) .
المسألة الثانية: أكثره:
أما أكثر الاعتكاف فلا حد له (6) ما لم يتضمن محذوراً شرعياً؛ لعموم قوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ .
ولم يرد ما يدل على التخصيص.
قال ابن الملقن: « فيه – أي حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله (7) .
__________
(1) وهذا في الاعتكاف المسنون، وسيأتي في الفصل الخامس ما يتعلق بالاعتكاف الواجب بنذر.
(2) انظر: ص(23).
(3) مصنف ابن أبي شيبة 3/87، ومصنف عبد الرزاق 4/353.
(4) روضة الطالبين 2/391، وكشاف القناع 2/248.
(5) الاختيارات ص114.
(6) انظر: بدائع الصنائع 2/15، وأحكام القرآن لابن العربي 1/95، والمجموع 6/490، وكشاف القناع 2/374، والمحلى 5/180.
(7) سبق توثيقه ص11.(1/10)
وكذلك لا يُكره الاعتكاف في وقت من الأوقات، وأجمع العلماء على أن لا حد لأكثره (1) .
وأما اقتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - على اعتكاف العشر الأواخر فلا يدل على التخصيص، وإنما ذلك لسبب آخر وهو طلب ليلة القدر، إذ هي في تلك الليالي، ولهذا في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أنه اعتكف العشر الأوسط فأخبر أنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر طلباً لها (2) .
المطلب الثاني: الزمن المتأكد للاعتكاف:
تقدم شرعية الاعتكاف كل وقت، لكن يتأكد في شهر رمضان، ويتأكد تأكداً آخر في العشر الأواخر منه (3) .
لما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل (4) وذلك طلباً لليلة القدر.
المطلب الثالث : زمن الاستحباب لدخول المعتكف وزمن الخروج منه :
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: زمن الدخول:
القول الراجح : أنه من قبل غروب شمس ليلة الحادي والعشرين.
ويدل لذلك :
أولا: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أُتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف، فاعتكف الناس معه .
وفي لفظ: فليعتكف العشر الأواخر (5) .
وجه الدلالة:
دل هذا الحديث على أن زمن دخول المعتكف من بعد غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، لقوله: فليعتكف العشر الأواخر ؛ إذ العشر بغير هاء عدد الليالي، وأول هذه الليالي ليلة إحدى وعشرين ..
__________
(1) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 5/430.
(2) أخرجه البخاري رقم (ح2018) ، ومسلم (ح1167) .
(3) البحر الرائق 2/299، والشرح الكبير للدردير 1/550، والمجموع 6/275، والمستوعب 3/483، وكشاف القناع 2/348.
(4) سبق توثيقه ص11.
(5) قريباً .(1/11)
ثانياً : أن ليلة القدر ترجى في أوتار العشر، ومنها ليلة إحدى وعشرين، ولهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - اعتكف طلباً لها العشر الأوسط ثم العشر الأواخر، فيستحب أن يدخل معتَكَفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين (1) .
المسألة الثانية : زمن الخروج :
استحب كثير من العلماء أن يكون خروجه من معتكفه عند خروجه إلى صلاة العيد (2) ، وإن خرج قبل ذلك جاز .
وهذا فعل كثير من السلف، كابن عمر { (3) ،وأبي قلابة (4) ، وأبي بكر بن عبد الرحمن (5) ، وغيرهم .
وقال الأوزاعي: يخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من أيام العشر (6) .
لأن العشر تزول بزوال الشهر، والشهر يزول بغروب الشمس من ليلة الفطر (7) .
الفصل الثاني : شروط صحة الاعتكاف وأركانه
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: شروط صحته.
المبحث الثاني: أركانه.
المبحث الأول: شروط صحته.
وفيه مطالب :
المطلب الأول : شرط الإسلام
فلا يصح الاعتكاف من كافر أصلي أو مرتد؛ لقوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ فإذا كانت النفقات – مع أن نفعها متعدٍ – لا تقبل من الكافر لكفره. فالعبادات البدنية المحضة من باب أولى (8) .
ولأن الكافر ليس من أهل المسجد .
وهذا الشرط باتفاق الأئمة (9) .
المطلب الثاني: شرط العقل
__________
(1) الفروع 3/170.
(2) الاستذكار 10/296، وشرح الزرقاني للموطأ 2/209، وأحكام القرآن للقرطبي 2/337، والمجموع 6/491، والشرح الكبير لابن قدامة 2/67.
(3) لم أقف عليه في كتب الآثار، وقد أورده شيخ الإسلام في شرح العمدة 2/845.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/92، عن أبي مجلز وأبي قلابة من فعلهما.
(5) أخرجه مالك في الموطأ 1/315، عن أبي بكر بن عبد الرحمن من فعله.
(6) الاستذكار 10/297.
(7) أحكام القرآن للقرطبي 2/337.
(8) الشرح الممتع للشيخ محمد العثيمين 2/9.
(9) المصادر السابقة .(1/12)
فلا يصح الاعتكاف من مجنون ولا سكران، ولا مغمى عليه؛ لحديث عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما الأعمال بالنيات متفق عليه (1) .
وهؤلاء لا قصد لهم معتبر، ولأنهم ليسوا من أهل العبادة.
وهذا الشرط باتفاق الأئمة (2) .
المطلب الثالث: شرط التمييز (3)
فغير المميز لا يصح منه الاعتكاف؛ لما تقدم من الدليل في الشرط الثاني.
وهذا باتفاق الأئمة (4) .
المطلب الرابع: شرط النية
لحديث عمر - رضي الله عنه - المتقدم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (5) .
ولأن اللبث في المسجد قد يقصد به الاعتكاف وقد يقصد به غيره فاحتيج إلى النية للتمييز بينهما.
وإن كان الاعتكاف واجباً فتجب نية الفرضية؛ لأن الاعتكاف منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب.
فلا بد من نية تميز بين نوعي العبادة (6) .
__________
(1) أخرجه البخاري (1)، ومسلم (ح1907).
(2) المصادر السابقة.
(3) قال النووي ~ في المجموع 7/28: "الصواب في حقيقة الصبي المميز: أنه الذي يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام ونحو ذلك، ولا ينضبط ذلك بسن مخصوص، بل يختلف باختلاف الأفهام". وهذا أيضاً مذهب المالكية، وصوبه المرداوي. (بلغة السالك 1/255، والإنصاف مع الشرح 3/19).
فقال: "وهو الصواب والاشتقاق يدل عليه".
وعند جمهور الحنابلة: أن المميز من بلغ سبعاً، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً :"مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ... ".
الحديث رواه أحمد وأبو داود وابن أبي شيبة والحاكم والدار قطني والبيهقي وغيرهم وسكت عنه أبو داود، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (ح6689).
ويمكن حمله على الغالب، والله أعلم.
(4) بدائع الصنائع 2/108، وسراج السالك 1/203، وروضة الطالبين 2/396، والمبدع 3/63، ومطالب أولي النهى 2/227.
(5) تقدم توثيقه، ص(19).
(6) انظر مطالب أولي النهى 2/232.(1/13)
وهذا باتفاق الأئمة (1) .
قال ابن هبيرة: « واتفقوا على أنه لا يصح إلا بالنية » (2) .
المطلب الخامس: شرط الطهارة من الحيض والنفاس والجنابة :
الراجح هو اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس والجنابة لصحة الاعتكاف؛ لما تقدم من الأدلة على حرمة لبثهم في المسجد.
وإن جاز للجنب اللبث في المسجد بعد الوضوء، كما هو مذهب الحنابلة لكن تقدم أن الاعتكاف لا يكون أقل من يوم أو ليلة (3) .
ويدل على عدم صحة اعتكاف الحائض والنفساء والجنب الأدلة الدالة على تحريم لبثهم في المسجد , لكن عند الحنابلة: إذا توضأ الجنب جاز لبثه في المسجد . وهي كما يلي (4) (7):
أولاً: قوله تعالى ژ ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ژ .
وجه الدلالة: أن الله نهى الجنب عن قربان مواضع الصلاة وهي المساجد ، وإذا ثبت هذا في الجنب فكذا الحائض، لأن حدثها آكد ولذلك حرم الوطء ومنع الصيام، وأسقط الصلاة، وساواها في أكثر الأحكام (5) .
ثانياً : حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق (6) وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين (7) . والمسجد من باب أولى.
ثالثا ً: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ناوليني الخمرة من المسجد فقالت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك فناولته (8) .
__________
(1) المصادر السابقة ص(69)، هامش (1).
(2) الإفصاح 1/255.
(3) انظر: ص(15).
(4) رأيت إيراد أدلة تحريم لبث الحائض والجنب في المسجد وعدم تحريمه؛ لأن المسألة اعتكافهم مبنية على ذلك، إذ الاعتكاف هو اللبث في المسجد، والله أعلم.
(5) الحاوي 1/384.
(6) العاتق: الشابة أو ما تدرك، وقيل: التي لم تبن من والديها ولم تزوج، وقد أدركت وشبت، وتجمع على العتق والعواتق (النهاية 3/179، مادة "عتق").
(7) أخرجه البخاري (ح981)، ومسلم 2/605.
(8) أخرجه مسلم (ح298).(1/14)
وجه الدلالة:
أن معناه أن النجاسة التي يصان عنها المسجد وهي دم الحيض وليست في يدك، وقد خافت إدخال يدها فيه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بإدخال يدها فقط، ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى (1) .
رابعاً : حديث عائشة - رضي الله عنه - ، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - لها وقد حاضت وهي محرمة: افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت (2) .
خامساً : حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإخراجهن من المسجد (3) .
سادساً : ما رواه جابر - رضي الله عنه - قال: كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب مجتاز (4) .
وهو دليل على أنهم كانوا يتقون الجلوس في المسجد حال الجنابة دون المرور.
(فرع)
اعتكاف المستحاضة، ونحوها ممن حدثه دائم :
يصح اعتكاف المستحاضة باتفاق الأئمة.
وقد نقل ابن جرير وغيره الإجماع على أنها تقرأ القرآن، وأن عليها جميع الفرائض التي على الطاهر (5) .
ويدل لذلك: ما روته عائشة - رضي الله عنه - قالت: اعتكفت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي (6) .
قال العيني: « ويلحق بالمستحاضة ما في معناها كمن به سلس البول، والمذي، والودي، ومن به جرح يسيل في جواز الاعتكاف » (7) .
__________
(1) شرح النووي لصحيح مسلم 3/210.
(2) أخرجه البخاري (ح294)، ومسلم (1211) (120).
(3) عزاه ابن قدامة في المغنى (4/487) لأبي حفص العكبري .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة 1/146 انظر كامل تخريج الأثر في أصل الكتاب .
(5) انظر: معالم السنن 1/217،وشرح النووي لمسلم 4/17، والحاوي 1/442، والمجموع 2/542، وعمدة القاري 3/280، وجامع المسائل الفقهية من تفسير القرطبي 1/99، وكشاف القناع 1/207.
(6) أخرجه البخاري ح (309) .
(7) عمدة القاري 3/280.(1/15)
ويشترط: عدم تلويث المسجد، ولهذا وضعت الطست تحتها لئلا يصيب المسجد، ويأتي منع المعتكف من كل ما فيه تقذير للمسجد (1) .
المطلب السادس: شرط إذن الزوج للزوجة
وفيه مسائل:
المسألة الأول:اعتبار إذن الزوج للزوجة .
لايجوز للزوجة أن تعتكف إلا بإذن زوجها، لما تقدم من حديث عائشة < ، وفيه استئذان عائشة < .
وفي رواية: وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت .
ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه (2) .
وكذا الاعتكاف .
ولأن منافعها مملوكة لغيرها، والاعتكاف يفوتها، ويمنع استيفاءها وليس بواجب عليها بالشروع، فكان له منعها منه (3) .
فإن اعتكفت بلا إذن فالظاهر الصحة مع الحرمة؛ لأن النهي لا يعود إلى ذات العبادة وإنما لأمر خارج وهو تفويت حق الزوج.
المسألة الثانية: هل للزوج تحليل الزوجة من اعتكافها ؟
وفيها أمران:
الأمر الأول : أن يكون اعتكافها بلا إذن:
إذا كان اعتكافها بلا إذن فللزوج تحليلها (4) .
الأمر الثاني: أن يكون اعتكافها بإذن:
وفيه فرعان:
الفرع الأول: أن يكون تطوعاً:
الأقرب أن الزوج يملك تحليلها .
ودليل ذلك : حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم ، وفيه: إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه بالاعتكاف ، ثم منعهن بعد ذلك (5) .
الفرع الثاني: أن يكون واجباً بنذر :
وفيه جانبان:
الجانب الأول: أن يكون معيناً:
كما لو نذرت الزوجة اعتكاف العشر الأواخر من رمضان بإذن الزوج لم يملك منعها منه (6) ؛ لأنه وجب بإذنه ؛ولأن المعين لا يجوز تأخيره .
__________
(1) انظر: ما ينهى عنه المعتكف ص254.
(2) أخرجه البخاري 9/295 فتح ، ومسلم(ح1026).
(3) المغني 4/485 .
(4) حاشية الدسوقي 1/545 .
(5) تقدم توثيقه .
(6) حاشية الدسوقي 1/545، وروضة الطالبين 2/396 ، والمغني 4/486 .(1/16)
الجانب الثاني: أن يكون غير معين : كما لو نذرت الزوجة اعتكاف عشرة أيام مطلقة .
الأقرب: أنه لا يملك تحليلها ؛ لأنه وجب التزامه بإذنه فأشبه المعين (1) .
المطلب السابع: شرط الصوم
الراجح: عدم اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف .
ويدل لذلك: أولاً : قوله تعالى ژ ژ ژ ژ .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على مشروعية الاعتكاف بلا صوم لإطلاقها.
2 - ما رواه ابن عمر { أن عمر > سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له : أوفِ بنذرك (2) .
وجه الدلالة: دل هذا الحديث على أن الاعتكاف مشروع بلا صوم ؛ لأن الليل ليس ظرفاً للصوم، ولو كان الصوم شرطاً لصحته لما أذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاعتكاف.
3 - ما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكَفه ... وفيه ترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف العشر الأول من شوال (3) .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن الصوم ليس شرطاً للاعتكاف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول ويوم العيد من العشر الأول.
المطلب الثامن: شرط المسجد :
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعتبار المسجد لصحة الاعتكاف:
يشترط المسجد لصحة الاعتكاف لقوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ .
فلم ينه - الله تعالى - عن المباشرة إلا من اعتكف في المسجد وتخصيصه بالذكر يقتضي أن ما عداه بخلافه وتبقى مباشرة العاكف في غير المسجد على الإباحة، ولما لم يكن العاكف في غير المسجد منهياً عن المباشرة علم أنه ليس باعتكاف شرعي؛ لأنا لا نعني بالاعتكاف الشرعي إلا ما تحرم معه المباشرة كما أنا لا نعني بالصوم الشرعي إلا ما حرم فيه الأكل والشرب .
__________
(1) المغني 4/486 .
(2) أخرجه البخاري ، (ح2032)، ومسلم ، (ح1656).
(3) أخرجه بهذا اللفظ مسلم(ح1173) .(1/17)
فإن قيل: فقوله تعالى ژ ژ ژ ژ دليل على أنه قد يكون عاكفاً في غير المسجد ؛ لأن التقييد بالصفة بما لولاه لدخل في المطلق .
أجيب : لا ريب أن كل مقيم في مكان ملازم له فهو عاكف ، لكن الكلام في النوع الذي شرعه الله تعالى، كما أن كل ممسك يسمى صائماً، وكل قاصد يسمى متيمماً، ثم لما أمر الله تعالى بتيمم الصعيد، وأمر بالإمساك عن المفطرات صار ذلك هو النوع المشروع، على أن الصفة قد تكون للتبيين والإيضاح كما في قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، وقوله تعالى ژ ? ? ? ? ژ ، ونحو ذلك (1) .
ولما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً متفق عليه (2) .
ولما يأتي أيضاً من الأحاديث الدالة على اعتبار المسجد لصحة الاعتكاف.
وحكي إجماعاً، قال القرطبي: « أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد» (3) .
وقال في المغني والشرح الكبير : « لا نعلم في ذلك خلافاً » (4) .
المسألة الثانية: ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف:
وفيه أمران:
الأمر الأول: ضابطه للرجل : الراجح أن الاعتكاف للرجل يصح في كل مسجد جماعة.
ويدل لذلك : قوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ .
__________
(1) شرح العمدة 2/721، وانظر أيضاً: أحكام القرآن للجصاص 1/243 .
(2) أخرجه البخاري (ح2029)، ومسلم (ح297) .
(3) أحكام القرآن للقرطبي 2/333 .
(4) المغني 4/461، والشرح الكبير مع الإنصاف 7/575 .(1/18)
وجه الدلالة : أن لفظ «المساجد» في الآية عام يشمل كل مسجد؛ لأن الله سبحانه عمَّ المساجد بالذكر، ولم يخص مسجداً دون مسجد، وهو اسم جمع معرف باللام ، والمباشرة نكرة في سياق النفي، فيكون معنى الكلام: لا تفعلوا شيئاً من المباشرة، وأنتم عاكفون في مسجد من المساجد، لكن خص بالمسجد الذي تقام فيه الجماعة للأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة؛ لأن اعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين:
إما ترك الجماعة الواجبة، وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه وذلك مناف للاعتكاف؛ إذ هو لزوم المعتَكَفِ والإقامة على طاعة الله فيه (1) .
الأمر الثاني: ضابطه للمرأة:
تقدم أن الراجح في مكان الاعتكاف للرجل هو كل مسجد تقام فيه الجماعة.
وأما المرأة فالراجح : أنه يصح اعتكافها في كل مسجد، وإن لم تقم فيه الجماعة سوى مسجد بيتها.
أولاً : يدل على عدم صحة اعتكافها في مسجد بيتها :
1- قوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ .
وجه الدلالة : أن المراد بالمساجد هنا المواضع التي بنيت للصلاة فيها ، وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد؛ لأنه لم يبن للصلاة فيه .
فلا يثبت له أحكام المسجد الحقيقية وتسميته مسجد كقوله - صلى الله عليه وسلم - : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً (2) .
2 - حديث عائشة {، وفيه استئذان أزواجه - صلى الله عليه وسلم - في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن (3) .
ولو لم يكن موضعاً لاعتكافهن لما أذن فيه ، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لنبههن عليه.
3 - ولأن الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في حق الرجل فيشترط في حق المرأة كالطواف (4) .
ثانياً: يدل على عدم اشتراط إقامة الجماعة فيه:لأن الجماعة لا تجب عليها (5) .
__________
(1) المغني 4/461، وشرح العمدة 4/721 .
(2) تقدم توثيقه . وهو في الصحيحين .
(3) تقدم توثيقه . وهو في الصحيحين .
(4) الشرح الكبير مع الإنصاف 7/581 .
(5) المغني 4/461 .(1/19)
المسألة الثالثة: ما يدخل في مسمى المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه :
وفيه أمور:
الأمر الأول : ما أعِد للصلاة: اتفق الفقهاء رحمهم الله أن ما كان معداً للصلاة من البناء أنه يصح الاعتكاف فيه (1) .
لقوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ .
وهذا داخل في المسجد قطعاً.
الأمر الثاني : سطح المسجد :
الراجح صحة الاعتكاف فيه وصعود المعتكف إليه (2) ؛ لقوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ ، وسطح المسجد منه.
الأمر الثالث: رحبة المسجد :
الرَّحْبة : بفتح الراء وسكون الحاء، أو بفتحهما: الأرض الواسعة، ورحبة المكان: ساحته ومتسعه. وجمعها: رحاب.
ورحبة المسجد : ساحته وصحنه (3) .
والراجح : إن كانت متصلة بالمسجد داخلة في سوره ، فهي من المسجد، وإن كانت غير متصلة به ولا محوطة بسياجه فليست منه.
ودليله قوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ .
وإذا كانت الرحبة محوطة متصلة بالمسجد فهي منه .
الأمر الرابع : منارة المسجد:
وفيه فروع :
الفرع الأول: أن يكون بابها في المسجد: الراجح : أنها من المسجد فيصح الاعتكاف فيها.
لقوله تعالى ژ ژ ژ ژ ، وهي داخلة في اسم المسجد، ولذا يمنع الجنب منها.
الفرع الثاني: أن يكون بابها خارج المسجد:
فالراجح: إن كان المؤذن الراتب فلا يبطل اعتكافه، وإن كان غيره بطل اعتكافه.
لأنها بنيت للمسجد لمصلحة الأذان، فكانت منه فيما بنيت له ، فلا يبطل اعتكاف المؤذن إذا خرج إليها (4) .
الفرع الثالث: أن تكون المنارة أو بابها في رحبة المسجد :
فإذا كانت محوطة متصلة به، فلا يبطل الاعتكاف بالصعود إليها؛ إذ هذه الرحبة في حكم المسجد كما تقدم (5) .
__________
(1) انظر: الفتاوى الهندية 1/212، ومواهب الجليل 2/455، والمجموع 6/505، والمبدع 3/68، ومطالب أولي النهى 2/234 .
(2) المصادر السابقة .
(3) المصباح المنير 1/222، مادة (رحب) ، وإكمال إكمال المعلم 3/288 .
(4) المصدر السابق .
(5) انظر: ص26 .(1/20)
الأمر الخامس: البيت المعد لاختزان سرج المسجد وحصره وكذا ما أعد للساقية :
فالراجح: صحة الاعتكاف فيه؛ لدخوله في اسم المسجد ،ومثل ذلك أيضاً مكتبة المسجد .
المسألة الرابعة : أفضل المساجد للاعتكاف:
أفضل المساجد للاعتكاف: المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى (1) .
لكونها أفضل المساجد؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى (2) .
وأفضلها : المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (3) .
ولحديث جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه (4) .
وعلى هذا يقال: يستحب أن يكون الاعتكاف في المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى ، ثم المسجد الجامع ، لمزيته الشرعية، وخروجاً من خلاف من اشترطه.
__________
(1) انظر: البناية على الهداية 3/410، والمبسوط 3/115، وحاشية العدوي 1/410، والأم 1/107، والمجموع 6/481، والمستوعب 3/480، ومطالب أولي النهى 2/236 .
(2) أخرجه البخاري (ح1189)، ومسلم (ح1397).
(3) أخرجه البخاري (ح1190)، ومسلم (ح1394).
(4) أخرجه الإمام أحمد 3/343، وابن ماجه (ح1406)، وابن عبدالبر في التمهيد 6/27، وصححه البوصيري ، وفي الإرواء 4/146: "وهذا سند صحيح على شرط الشيخين وصححه المنذري والبوصيري" . وله شاهد من حديث عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه - أخرجه الإمام أحمد 4/5، وابن عبدالبر في التمهيد 6/25، وقال ابن عبدالبر : "وهو حديث ثابت لا مطعن فيه لأحد" .(1/21)
ثم يتحرى من المساجد ما لا يخل بركن الاعتكاف وهو اللبث في المسجد (1) ، فيحتاج إلى الخروج أو طول زمن الخروج، ثم يتحرى من المساجد ما يحقق مقصود الاعتكاف وحكمته، وهو الإقبال على الله والاشتغال بذكره (2) ، ثم ما كان أكثر جماعة؛ لأن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، والله أعلم .
المسألة الخامسة: تغيير المعتكف لمسجد اعتكافه.
إذا خرج المعتكف من مسجد اعتكافه لأمر يبيح الخروج (3) ، فله أن يغير مسجد اعتكافه إذا كان الثاني أقرب لحاجته (4) .
أما إذا أراد الخروج ابتداء لتغيير المسجد سواء كان له مزية شرعية أم لا، فليس له ذلك إلا بالشرط ؛ لما يأتي من إباحة الخروج لسائر القرب أو أمرٍ لا ينافي الاعتكاف بالشرط (5) .
وكذا إذا كان المسجد الثاني أبعد عن حاجته من المسجد الأول فليس له ذلك إلا بالشرط ؛ لما في ذلك من تفويت زمن الاعتكاف .
فرع : وإذا خرج إلى مسجد آخر خروجاً شرعياً، فله أن يطيل مكثه فيه؛ لصلاحية المحل للاعتكاف.
المبحث الثاني: أركان الاعتكاف:
الراجح : أن ركن الاعتكاف هو اللبث في المسجد فقط ؛ إذ هو جزء العبادة وماهيتها، وما عدا ذلك شروط خارجة عن ماهية الاعتكاف ذكرت مع أدلتها في شروط صحة الاعتكاف في المبحث الأول والله أعلم .
الفصل الثالث :
الخروج من المسجد ومبطلات الاعتكاف
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الخروج من المسجد.
المبحث الثاني: مبطلات الاعتكاف.
المبحث الأول: الخروج من المسجد (6)
وفيه مطالب:
المطلب الأول: أقسامه .
__________
(1) انظر: أركان الاعتكاف ص(28) .
(2) انظر:ص(9) .
(3) انظر: ص(31) وما بعدها .
(4) الشرح الكبير 2/70 .
(5) انظر: ص(36) .
(6) لما كان ركن الاعتكاف هو اللبث في المسجد كما تقدم قريباً كان خروج المعتكف من مكان اعتكافه منافياً لركن الاعتكاف، ولهذا أطال العلماء في بيان أحكامه، فكان إفراده في مبحث مستقل.(1/22)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى: الخروج ببعض البدن :
إذا أخرج المعتكف بعض بدنه لم يبطل اعتكافه ولا يترتب عليه شيء باتفاق الأئمة (1) .
ودليل ذلك :حديث عائشة رضي الله عنها: "أنها كانت ترجل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" (2) .
المسألة الثانية: الخروج بجميع البدن بلا عذر:
فهذا يبطل اعتكافه باتفاق الأئمة (3) ، لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: وكان - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً ، ولمنافاته لركن الاعتكاف.
المسألة الثالثة: الخروج لأمر لابد له منه شرعاً أو طبعاً :
وفيها أمور:
الأمر الأول: الخروج لقضاء الحاجة ونحو ذلك كالخروج للقيء أو غسل نجاسة:
فإذا خرج لما تقدم لم يبطل اعتكافه إجماعاً.
قال ابن المنذر : « وأجمعوا على أن للمعتكف أن يخرج عن معتكفه للغائط والبول » (4) .
وقولها: لحاجة الإنسان المراد بذلك: البول والغائط ، كنى عنها بذلك ؛ لأن الإنسان يحتاج إليهما لا محالة (5) .
ولأن هذا مما لابد منه ولا يمكن فعله في المسجد فلو بطل الاعتكاف بخروجه لم يصح لأحد اعتكاف.
لكن إن طال مكثه بعد حاجته فسد اعتكافه (6) .
ولا يكلف الذي خرج لحاجته الإسراع، بل له المشي على عادته (7) .
__________
(1) فتح القدير 2/396، والدر المختار 2/447 ، والشرح الكبير وحاشيته 1/543 ، والأم 2/108، والمجموع 2/500، وروضة الطالبين 2/404، وكشاف القناع 3/362، والمحلى 5/188 .
(2) سبق توثيقه .
(3) المصادر السابقة .
(4) الإجماع لابن المنذر ص54 .
(5) شرح العمدة 2/802 .
(6) فتح القدير 2/396، والمجموع 6/502، وشرح العمدة 2/835 .
(7) حاشية ابن عابدين 2/445، وشرح العمدة 2/829 .(1/23)
ولو كثر خروجه لقضاء الحاجة لعارض يقتضيه كإسهال: فلا يضره نظراً إلى جنسه (1) .
الأمر الثاني:الخروج للطهارة الواجبة .
وفيه فروع :
الفرع الأول: أن لا يمكنه ذلك في المسجد:
إذا لم يمكنه أن يتطهر الطهارة الواجبة في المسجد فله الخروج لذلك ، وهذا لا يبطل الاعتكاف باتفاق الأئمة .
الفرع الثاني: أن يمكنه التطهر في المسجد :
فالراجح أنه لا يلزمه أن يتطهر في المسجد ؛ إذ هو داخل في حاجة الإنسان، لكن إذا كان هناك مطهرة داخل المسجد معدة للتطهر وهو لا يحتشم منها لزمه ذلك.
الفرع الثالث: تطهره في بيته مع وجود مطهرة قريبة من المسجد :
الراجح: أنه إذا كان يحتشم منها فلا يكلف التطهر منها لما في ذلك من خرم المروءة، فيكون داخلاً في حديث عائشة: "وكان لا يخرج إلا لحاجة الإنسان" . وإذا كان لا يحتشم منها فيكلف التطهر منها ، لعدم الضرر.
الأمر الثالث: الخروج للأكل والشرب :
الراجح: إن احتاج إلى الخروج للأكل لعدم من يأتيه به ، أو كان يحتشم من الأكل في المسجد لعدم حجرة أو خباء يأكل فيه فله الخروج ، وإلا فليس له ذلك. وكذا له الخروج للشرب إن لم يكن في المسجد سقاية، أو لم يكن من يأتيه به، والله أعلم .
فرع: وأجاز ابن حامد من الحنابلة: أن يأكل مع أهله يسيراً إذا خرج لأمر لابد له منه كقضاء الحاجة؛ لأن ذلك لا يمنعه المرور في طريقه.
الأمر الرابع: الخروج لصلاة الجمعة :
وفيه فروع :
الفرع الأول: أثره على الاعتكاف :
إذا تخلل الاعتكاف جمعة في مسجد غير جامع وجب على المعتكف الخروج إلى صلاة الجمعة إذا كان من أهلها ، وهذا باتفاق الأئمة (2) .
لفرضيتها عليه إجماعاً (3) ، وعدم إمكان قضائها جمعة.
مسألة : هل يبطل اعتكافه إذا خرج إلى الجمعة ؟
__________
(1) المجموع 6/502 .
(2) انظر: الهداية مع فتح القدير 2/394، والمدونة مع مقدمات ابن رشد 1/203، والأم 1/105، والمغني 4/465 .
(3) مراتب الإجماع لابن حزم ص32 .(1/24)
الراجح عدم بطلان الاعتكاف بالخروج إلى صلاة الجمعة. ويدل لذلك : ما تقدم من الأدلة الدالة على مشروعية الاعتكاف في مسجد الجماعة (1) .
وجه الدلالة: أن الشارع أذن بالاعتكاف في مسجد الجماعة مع إيجاب صلاة الجمعة ، فدل ذلك على إذنه للخروج لصلاة الجمعة ، وما ترتب على المأذون غير مضمون.
ثانيًا : أدلة وجوب صلاة الجمعة كقوله تعالى ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ژ .
وجه الدلالة: دلت هذه الأدلة على عدم بطلان الاعتكاف بالخروج إلى صلاة الجمعة؛ لأن إيجاب الشارع لها يقتضي استثناءها من عدم البطلان بالخروج.
الفرع الثاني: زمن الخروج:
تقدم أن المعتكف له الخروج إلى صلاة الجمعة ؛ لأن هذا أمر لابد له منه شرعاً فيكون داخلاً في حاجة الإنسان،] لكن هل له التبكير لصلاة الجمعة أو لا[؟
الراجح : أن له التبكير إلى صلاة الجمعة، فيستحب أن يخرج في الوقت الذي يستحب الخروج إلى صلاة الجمعة (2) ؛
__________
(1) تقدمت ص(25) .
(2) اختلف العلماء رحمهم الله في وقت السعي المستحب إلى الجمعة للمأموم على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه من بعد طلوع الشمس ، وبه قال أبو حنيفة .
والقول الثاني: أنه من بعد طلوع الفجر، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
والقول الثالث: أنه في الجزء السادس الواقع بين طلوع الشمس وزوالها.
وهذا مذهب المالكية.
(عمدة القاري 2/172 ، وروضة الطالبين 2/44 ، وأحكام القرآن لابن العربي 4/1807، والشرح الكبير وحاشيته 1/381 ، والفروع 2/104، والمبدع 2/170).
ولعل أقرب الأقوال : قول أبي حنيفة ؛ لأنه قبل طلوع الشمس مشغول بصلاة الفجر وسنية المكث في المسجد إلى طلوع الشمس، والله أعلم .(1/25)
لعموم أدلة استحباب التبكير لصلاة الجمعة؛ كحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنه، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة (1) ، وهذا يشمل المعتكف وغيره .
وأيضاً صلاحية المكان للاعتكاف، فإن اللبث حاصل سواء بالمسجد الجامع أو مسجد اعتكافه ، فلا إخلال بركن الاعتكاف.
الفرع الثالث: زمن الرجوع إلى المعتكف:
لو تأخر المعتكف في الجامع الذي خرج إليه لأداء صلاة الجمعة لم يفسد اعتكافه ؛ لصلاحية الموضع للاعتكاف.
لكن هل يكره مكثه أكثر من ذلك ؟
الراجح: أنه لا يكره ذلك، لصلاحية الموضع للاعتكاف (2) ؛ لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي ولم يرد . لكن لا يستحب أن يطيل المقام بعد الجمعة.
المسألة الرابعة: الخروج لعذر غير معتاد :
وذلك يشمل صوراً: كالخروج بسبب الخوف على نفسه، أو حرمته ، أو ماله من عدو أو لص أو حريق ، وكالخروج لانهدام المسجد، والخروج لأداء أو تحمل شهادة تعين عليه ذلك، ولإقامة حد، أو طلب سلطان، ولنفير متعين، وخروج المعتكفة لقضاء عدة الفراق ولمرض شديد يشق معه المقام في المسجد، فإن كان يسيراً لا يشق معه المقام في المسجد ونحو ذلك فخروجه مبطل.وإن كان من الصور المذكورة فالراجح عدم بطلان الاعتكاف بالأعذار الطارئة .
ويدل لذلك : أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها ، وفيه: "وكان - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" (3) .
فألحقوا الخروج لهذه الأعذار بالخروج لحاجة الإنسان .
__________
(1) أخرجه البخاري (ح881)، ومسلم (ح850).
(2) المغني 4/467 .
(3) سبق توثيقه .(1/26)
ثانيًا : حديث صفية رضي الله عنها : أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ، فتحدثت عنده ساعة ، ثم قامت تنقلب، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله وكبُر عليهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئاً (1) .
وفي رواية : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد عنده أزواجه فرحن فقال لصفية بنت حيي: لا تعجلي حتى أنصرف معك، وكان بيتها في دار أسامة بن زيد فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقيه رجلان ... (2) .
وجه الدلالة : أن قولها : فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - معها صريح في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج معها من المسجد، وأن قولها: حتى بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة تعني باباً غير الباب الذي خرج منه فإن حجر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كان شرقي المسجد وقبلته، وكان للمسجد عدة أبواب فيمر على الباب بعد الباب، والرجلان رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه المرأة خارج المسجد فإنه لو كان في المسجد لم يحتج إلى هذا الكلام.
__________
(1) أخرجه البخاري ؟ (ح2035)، ومسلم (ح2174).
(2) أخرجه البخاري (ح2038).(1/27)
وقوله: لا تعجلي حتى أنصرف معك وقيامه معها ليقلبها: دليل على أن مكانها بينه وبين المسجد مسافة يخاف فيها من سير المرأة وحدها ليلاً، وهذا قبل أن تكون حجرتها قريباً من المسجد ، ولهذا قال: وكان بيتها في دار أسامة بن زيد ، وهذا كله مبين لخروجه من المسجد فإن خروجه إلى مجرد باب المسجد لا فائدة فيه ولا خصوص لصفية فيه لو كان منزلها قريباً دون سائر أزواجه، فهذا خروج للخوف على أهله فيلحق به كل حاجة (1) .
المسألة الخامسة: الخروج لقربة من القرب :
كعيادة مريض ، وصلاة جنازة ، وغسل جمعة على القول باستحبابه دون وجوبه ، وتجديد وضوء، وحضور مجلس علم ونحو ذلك.
الراجح أنه ليس له ذلك إلا بالشرط، إلا إن تعينت عليه صلاة الجنازة أو تغسيله أو دفنه ، وستأتي أدلة ذلك قريباً في حكم الشرط في الاعتكاف .
المطلب الثاني: اشتراط الخروج في الاعتكاف :
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: حكمه:
الراجح جوازه وصحته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - المسلمون على شروطهم (2) ، وهذا عام يشمل الاعتكاف (3) .
ولحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنهما ، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - لها : حجي واشترطي قولي: اللهم محلي حيث حبستني (4) .
وجه الدلالة: أن الإحرام ألزم العبادات بالشروع، ويجوز مخالفته بالشرط ، فالاعتكاف من باب أولى.
المسألة الثانية : نوعاه :
وفيها أمران:
الأمر الأول: أن يكون الشرط عاماً ، كأن يقول : إذا عرض لي عارض، أو شغل، أو مرض ونحو ذلك خرجت .
الراجح صحة هذا الشرط سواء كان الاعتكاف واجباً أو تطوعاً .
لما تقدم من الأدلة على صحة الشرط في الاعتكاف .
الأمر الثاني: أن يكون خاصاً:
فإن كان قربة كعيادة مريض، وصلاة جنازة، وحضور مجلس علم فجائز.
__________
(1) شرح العمدة 2/803 .
(2) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في الإجارة ، أجرة السمسرة 4/451 فتح .
(3) شرح الزركشي 3/10 .
(4) أخرجه البخاري (ح5089)، ومسلم (ح1207) .(1/28)
وإن كان غير قربة فيشترط أن يحتاجه ولا ينافي الاعتكاف.
المسألة الثالثة: فائدة الاشتراط:
أما في الاعتكاف المستحب ففائدته: عدم بطلانه بالخروج لأجل الشرط .
وأما في الاعتكاف الواجب بنذر ففائدته:
سقوط التدارك أي القضاء في المدة المعينة كنذر اعتكاف شهر رمضان.
وأما في المدة المطلقة كنذر شهر متتابع ففائدة الشرط البناء على ما سبق مع سقوط الكفارة (1) .
المطلب الثالث: قضاء زمن الخروج للاعتكاف الواجب
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أن يكون خروجه لعذر معتاد طبعاً أو شرعاً، كقضاء الحاجة، أو الطهارة الواجبة ، أو الأكل، أو صلاة الجمعة :فهذا لا يلزمه قضاء زمن الخروج؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: وكان - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً (2) .
ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقضيه، ولا يقال: إن اعتكافه تطوع، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحفظ اعتكافه مما ينقصه ، ولهذا كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان ويصغي رأسه لعائشة لترجله ولا يدخل .
المسألة الثانية: أن يكون خروجه لعذر غير معتاد:
الراجح: أنه إذا لم يتطاول فهو على اعتكافه ولا يقضي الوقت الفائت لكونه يسيراً مباحاً أشبه حاجة الإنسان وغسل الجنابة .
وإن تطاول وجب عليه الرجوع إلى معتكفه لأداء ما وجب عليه، ثم لا يخلو النذر من ثلاثة أحوال:
الأول: أن يكون النذر أياماً غير متتابعة ولا معينة كنذره عشرة أيام مطلقة فيلزمه أن يتم ما بقي عليه من الأيام محتسباً بما مضى، لكنه يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله ليكون اليوم متتابعاً، ولا كفارة عليه؛ لأنه أتى بالمنذور على وجهه.
__________
(1) الشرح الكبير مع الإنصاف 7/613، والمبدع 3/76 .
(2) سبق توثيقه .(1/29)
الثاني: أن يكون النذر أياماً متتابعة غير معينة كما لو قال: لله علي أن أعتكف عشرة أيام متتابعة فيخير بين البناء على ما مضى فيأتي بما بقي عليه وعليه كفارة يمين جبراً لفوات التتابع ، وبين الاستئناف بلا كفارة .
الثالث: أن ينذر أياماً معينة كالعشر الأواخر من رمضان فعليه قضاء ما ترك، وعليه كفارة يمين لفوات المحل (1) .
لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كفارة النذر كفارة يمين (2) .
المبحث الثاني (3) : مبطلات الاعتكاف
وفيه مطالب:
المطلب الأول: الجماع
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: كونه مبطلاً:
إذا جامع المعتكف زوجته أو أمته بطل اعتكافه إجماعاً. قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن من جامع امرأته وهو معتكف عامداً لذلك في فرجها أنه يفسد اعتكافه" (4) .
قال ابن حزم: « واتفقوا أن الوطء يفسد الاعتكاف » (5) .
لقوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ .
قال قتادة في قوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ الآية : «كان الناس إذا اعتكفوا يخرج أحدهم فيباشر أهله، ثم يرجع إلى المسجد فنهاهم الله تعالى عن ذلك » (6) ، فلا يحل له في المسجد ولا خارجاً منه إذا خرج خروجاً لا يقطع الاعتكاف.
المسألة الثانية: وجوب الكفارة بالجماع :
الراجح : أنه لا يلزمه شيء من الكفارات .
إذ لا نص من قرآن أو سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح .
__________
(1) انظر: المغني 4/488، وكشاف القناع 2/460 .
(2) أخرجه مسلم في النذر، باب في كفارة النذر (ح1645).
(3) أما ما يتعلق بالخروج من المعتكف فقد تقدم بحثه في المبحث الأول، وتقدم فيه مبيناً ما يبطل من أقسام الخروج وما لا يبطل .
(4) الإجماع لابن المنذر ص54 .
(5) مراتب الإجماع ص41 .
(6) أخرجه الطبري في تفسيره 3/541، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور 1/363 ، من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة. وأخرجه عبدالرزاق في تفسيره 1/88 عن معمر عن قتادة، وسنده صحيح.(1/30)
لكن إن كان الاعتكاف واجباً بنذر ، فإن كان معيناً كما لو نذر اعتكاف العشر الأواخر ، ثم وطيء فيها فتجب كفارة يمين لفوات الزمن المعين مع القضاء (1) .
لما تقدم من حديث عقبة مرفوعاً: كفارة النذر كفارة يمين (2) .
وإن كان متتابعاً غير معين كما لو نذر اعتكاف عشرة أيام متتابعة ثم وطئ فيها خير بين كفارة اليمين مع البناء ، أو الاستئناف بلا كفارة (3) .
المطلب الثاني: مباشرة الزوجة ونحوها :
إذا باشر المعتكف زوجته أو أمته فإن كان لغير شهوة فلا يبطل اعتكافه باتفاق الأئمة (4) .
ودليل ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها: أنها كانت ترجل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه (5) .
وإن كانت المباشرة لشهوة حرم ذلك عليه ، باتفاق العلماء (6) ، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان (7) ، ولمنافاته حال الاعتكاف.
مسألة : هل يبطل اعتكافه ؟
الراجح : أنه لا يبطل اعتكافه إلا بالإنزال .
ويدل لذلك :
1 - البقاء على الأصل ، وهو صحة الاعتكاف، ولم يرد ما يدل على بطلانه (8) .
2 - قياس الاعتكاف على الصيام والحج ، فكما لا يبطل الصيام والحج بمجرد المباشرة لشهوة ، فكذا الاعتكاف.
المطلب الثالث: إنزال المني
وفيه مسائل :
المسألة الأولى: إنزاله بمباشرة:
إذا باشر المعتكف زوجته أو أمته، ثم أنزل بطل اعتكافه باتفاق الأئمة (9) .
__________
(1) الإنصاف مع الشرح الكبير 7/624 .
(2) سبق تخريجه ص(34) .
(3) انظر: ص(34) .
(4) أحكام القرآن للجصاص 1/246، والأم 2/106، والمدونة مع المقدمات 2/197، وأحكام القرآن لابن العربي 1/96 ، وأحكام القرآن للقرطبي 2/332، والكافي لابن قدامة 1/373 .
(5) تقدم توثيقه .
(6) تفسير ابن كثير 1/224 .
(7) سبق تخريجه .
(8) أحكام القرآن للقرطبي 2/332 .
(9) انظر: ص(39).(1/31)
وتقدمت الأدلة على تحريم المباشرة على المعتكف (1) .
المسألة الثانية: إنزاله باحتلام :
إذا احتلم المعتكف في منامه فأنزل منياً لم يفسد اعتكافه باتفاق الأئمة (2) .
ودليل ذلك : أن النائم مرفوع عنه القلم ؛ لحديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق (3) .
المسألة الثالثة : إنزاله بالتفكر:
إذا حدث المعتكف نفسه بأمر الجماع فأنزل منياً لم يفسد اعتكافه.
لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به (4) .
المسألة الرابعة: إنزال المني بالنظر:
إذا نظر المعتكف إلى زوجته أو أمته بشهوة فأنزل منياً، الراجح إن غلب على ظنه الإنزال بنظرة أو تكرار النظر فأنزل بطل اعتكافه، وإلا لم يبطل ؛ لحديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة (5) .
وأما ما بعد الأولى فليست له فلم يكن معفواً عنها .
المسألة الخامس: إنزاله بالاستمناء:
إذا استمنى المعتكف فأمنى فالراجح: أنه يبطل اعتكافه .
ويدل على إبطال الاعتكاف بالإنزال بالاستمناء : ما تقدم من الأدلة على إبطال الاعتكاف بالإنزال بالمباشرة فكذا الاستمناء (6) .
المطلب الرابع : طروء الحيض والنفاس :
وفي مسائل:
__________
(1) انظر: ص(39) .
(2) بدائع الصنائع 2/116 ، وجواهر الإكليل 2/456، وروضة الطالبين 2/392، ومطالب أولي النهى 2/250 .
(3) أخرجه الإمام أحمد 1/116، 118، 140، 154، 158، وأبو داود (ح4401)، والترمذي (ح1423)، وابن ماجه (ح2042).
(4) أخرجه البخاري (ح2528)، ومسلم (ح127) .
(5) أخرجه أبو داود (ح2149)، والترمذي (ح2778)، وقال الترمذي: "حسن غريب" .
(6) انظر: ص(40) .(1/32)
المسألة الأولى : كونه مبطلاً:
إذا حاضت المعتكفة أو نفست حرم عليها المقام في المسجد ، لكن إذا خرجت هل يبطل اعتكافها؟
الراجح:أنه لا يبطل اعتكافها .
ويدل لذلك :
1 - ما تقدم من الأدلة على عدم بطلان الاعتكاف بالخروج للعذر المعتاد (1) .
2 - ما روته عائشة < قالت: كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإخراجهن من المسجد وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن (2) .
فدل هذا على عدم بطلان اعتكاف المرأة إذا حاضت .
المسألة الثانية: ما يشرع للمعتكفة بعد طروء الحيض أو النفاس :
الراجح: أنها ترجع إلى منزلها فإذا طهرت رجعت إلى المسجد ويدل لذلك :
1 - أن الشارع أذن لها بالخروج فلها الرجوع إلى منزلها .
2 - أنه وجب عليها الخروج من المسجد فلم يلزمها الإقامة في رحبته كالخارجة لعدة أو خوف فتنة .
المسألة الثالثة: أثر طروء الحيض أو النفاس على الاعتكاف الواجب :
أن حكم طروء الحيض على الاعتكاف الواجب بنذر حكم طروء بقية الأعذار غير المعتادة، وقد تقدم بيان ذلك مفصلاً (3) .
المطلب الخامس : طروء الإغماء (4) والجنون
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: كونهما من المبطلات:
الراجح: عدم بطلان الاعتكاف بهما.
ويدل على أن الاعتكاف لا يبطل بالإغماء؛ لعدم منافاته له كالنوم (5) .
ويدل على أن الاعتكاف لايبطل بالجنون ؛لعدم اختياره (6) .
المسألة الثانية : أثر طروء الجنون والإغماء على الاعتكاف الواجب:
وفيها أمران :
الأمر الأول: أن لا يخرج من المسجد:
__________
(1) سبق ص
(2) سبق توثيقه .
(3) انظر: ص(34) .
(4) لغة : التغشية والتغطية. (معجم مقاييس اللغة 4/392، مادة (غمى). واصطلاحاً : آفة في القلب أو الدماغ تعطل القوى المحركة عن أفعالها مع بقاء القلب مغلوباً عليه. (حاشية رد المحتار 1/143).
(5) مطالب أولي النهى 2/250 .
(6) مطالب أولي النهى 2/250 .(1/33)
الظاهر : أن المجنون لا يقضي الاعتكاف المعين؛ لعدم تكليفه مدة التعيين، ويلزمه ما عداه؛ لعدم صحته منه وإمكانه في زمن آخر (1) .
الأمر الثاني: أن يخرج من المسجد:
إن خرج أو أُخرج المعتكف اعتكافاً واجباً بعد طروء الجنون أو الإغماء من المسجد لزمه قضاء زمنهما .
المطلب السادس: السكر
إذا شرب أو أكل المعتكف ما يسكره بلا عذر فالراجح: بطلان اعتكافه مطلقاً.
ويدل لذلك : أولاً: أن السكران خرج عن كونه من أهل المسجد ؛ لقوله تعالى ژ ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ژ ، ونهيه عن قربان الصلاة حال السكر يستلزم النهي عن قربان مواضعها (2) .
ثانيًا: أن السكر أفحش من الخروج من المسجد (3) .
المطلب السابع: فعل كبيرة من الكبائر كالغيبة والنميمة والسرقة ونحوها :
فالراجح : عدم بطلان الاعتكاف بذلك.
ويدل لذلك :
أولاً : أن الأصل بقاء صحة الاعتكاف ، فلا يبطل إلا بدليل شرعي.
ثانيًا : أنه لما لم يبطل الاعتكاف بالكلام المباح لم يبطل بالمحرم كالصوم (4) .
ثالثًا : أن النهي عن فعل كبيرة لا يعود إلى ذات المنهي عنه، وإنما لأمر خارج ، فلم يكن مبطلاً.
وكذا لا يبطل اعتكافه إن خاصم، أو ساب أو قاتل؛ لما تقدم من التعليل على عدم بطلان الاعتكاف بفعل كبيرة .
المطلب الثامن: الردة :
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: كونها مبطلة:
إذا ارتد المعتكف بطل اعتكافه باتفاق الأئمة (5) .
ودليل ذلك : قوله تعالى ژ ? ? ? ? ژ . فالردة تبطل جميع العبادات من الطهارة والصلاة والصوم والإحرام والاعتكاف ، لعموم الآية.
__________
(1) انظر: مطالب أولي النهى 6/431 .
(2) تفسير ابن جرير 4/97 .
(3) المجموع 6/516 .
(4) الكافي لابن قدامة 1/418 .
(5) بدائع الصنائع 2/116، والقوانين الفقهية ص185، والأم 2/106، والشرح الكبير 3/145، والمبدع 3/76، والإنصاف 3/383 .(1/34)
ولأن الكافر ليس من أهل العبادات (1) . وقد تقدم أن من شروط صحة الاعتكاف الإسلام (2) .
المسألة الثانية : أثرها على الاعتكاف الواجب : الراجح أن اعتكافه يبطل فلا يتمكن من البناء في الاعتكاف المتتابع ، فيلزمه أن يستأنف .
ويدل لذلك : ما تقدم من الدليل على بطلان الاعتكاف بالردة .
ولأنه غير معذور فلم يتمكن من البناء (3) .
المطلب التاسع: إفساد الصوم
]تقدم أن الراجح عدم اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف . وعلى هذا لوفسد صومه فإن اعتكافه لايبطل [ .
المطلب العاشر: قطع نية الاعتكاف
تقدم أن النية شرط من شروط صحة الاعتكاف وعلى هذا فالراجح : أنه يبطل اعتكافه بقطع نية الاعتكاف، دون العزم على الخروج منه أو التردد في القطع.
ويدل لذلك : أولاً: حديث عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (4) . دل الحديث على اعتبار النية للعبادة ، ولا تبطل إلا بالقطع دون التردد؛ إذ الأصل بقاء النية، فالتردد لا حكم له، بل العمل على ما عزم عليه.
ثانيًا : أنه لم يجزم بنية القطع .
وأما الدليل على بطلان الاعتكاف بنية قطعه : قياساً على قطع نية الصلاة والصوم (5) ، ولإبطاله شرطاً من شروط صحته.
المطلب الحادي عشر : الموت :
إذا مات المعتكف أثناء اعتكافه بطل اعتكافه (6) ، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له (7) ، ولخروج الميت عن أهلية العبادة. وسيأتي حكم قضاء الاعتكاف عن الميت (8) .
المطلب الثاني عشر: شروط المبطلات السابقة :
__________
(1) شرح العمدة 2/820 .
(2) انظر: ص19 .
(3) كشاف القناع 2/362 .
(4) سبق تخريجه ص (19) .
(5) معونة أولي النهى 3/114 .
(6) المدونة 1/201 .
(7) أخرجه مسلم (ح1631).
(8) انظر: الفصل السادس ص 67.(1/35)
الراجح: أنه يشترط لبطلان الاعتكاف بأي مبطل أن يكون عالماً ذاكراً مختاراً، فإن كان جاهلاً ، أو ناسياً ، أو مكرهاً لم يبطل اعتكافه.
ويدل لذلك:أولاً : قوله تعالى ژ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ژ ، والجاهل والناسي والمكره لم يتعمد قلبه فعل المبطل .
ثانيًا : قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ قال الله : قد فعلت (1) . فدلت الآية على رفع المؤاخذة عن الناسي والجاهل .
ثالثًا : حديث ابن عباس { ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (2) .
ولأن هذه المحظورات من باب التروك، وما كان من باب التروك يعذر فيه بالجهل والنسيان، بخلاف ما كان من باب الأوامر وأمكن تداركه .
الفصل الرابع:
ما يشرع للمعتكف ، وما يباح له ، وما ينهى عنه
وفيه مباحث:
المبحث الأول:ما يشرع للمعتكف
المبحث الثاني:ما يباح للمعتكف.
المبحث الثالث: ما ينهى عنه المعتكف.
المبحث الأول :ما يشرع للمعتكف
وفيه مطالب:
المطلب الأول : العبادات المحضة
تشرع للمعتكف العبادات المحضة كالصلاة وقراءة القرآن، والذكر ونحو ذلك؛ إذ إن حكمة الاعتكاف : جمع القلب على الله تعالى، والإقبال عليه، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال عليه محل هموم القلب وخطراته (3) .
ومما يشرع للمعتكف من العبادات إذا اعتكف في غير شهر رمضان: الصيام.
المطلب الثاني: العبادات المتعدية
__________
(1) أخرجه مسلم (ح125).
(2) أخرجه ابن حبان (ح1498) موارد، والطبراني في الصغير 1/270 ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الأحكام (ح713)، وأخرجه ابن ماجه (ح2045) بلفظ : "إن الله وضع.." ..
(3) بدائع الصنائع 2/117، والمدونة مع المقدمات 1/206، والأم 2/105، والمغني 4/480 .(1/36)
فإن وجبت عليه، أو كانت لا تستغرق إلا زمناً يسيراً فإنها تشرع له كغيره، كإخراج زكاة وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ورد سلام ، وإفتاء وإرشاد ، ونحو ذلك .
فإن لم تجب واستغرقت زمناً كثيراً كتدريس علم ومناظرة عالم، ونحو ذلك من العبادات المتعدية فالراجح مشروعية تعليم العلم وإقراء القرآن للمعتكف، ونحو ذلك من العبادات المتعدية، لكن يقيد ذلك بما لم يكثر .
ويدل لذلك (1) :
أولاً : حديث صفية رضي الله عنها: وفيه حديثه - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه (2) .
ثانيًا : حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : وفيه حديثه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه (3) .
فيلحق بذلك الحديث بإقراء القرآن، وتعليم العلم .
ثالثًا : حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: ترجيل عائشة لرأس النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو معتكف (4) .
قال الخطّابي: « وعن مالك ~ : أنه لا يشتغل بمجالس العلم ولا يكتبه وإن لم يخرج من المسجد ، والجمهور على خلافه ، وهذا الحديث يرد عليه ، فإن الاشتغال بالعلم وكتابته أهم من تسريح الشعر » (5) .
رابعًا : أن هذا يتعدى نفعه إلى الناس ، وما تعدى نفعه من الأعمال أفضل مما اقتصر نفعه على صاحبه.
المطلب الثالث:أن للمعتكف أن يأخذ ما يحتاج إليه من ثياب ونحوها :
__________
(1) ... أكثرت من ذكر الأدلة لكثرة النقاش حول هذه المسألة خصوصاً . لكن يوجد بعض الأخوة ـ وفقنا الله وإياهم للصواب ـ يقضون كثيراً من الوقت في التجمعات ويكثرون من الأحاديث التي لاتعنيهم ، وإذا قيل لهم :يوجد درس لبعض العلماء فلوحضرتم وصرفتم هذا الوقت ؛أي : وقت التجمع في هذا الدرس ! ، قالوا : الأفضل للمعتكف ألا يحضر الدروس . وأقول : وهل التجمعات وكثرة الأحاديث والقيل والقال فيما لاينفع أفضل من طلب العلم !! فليتنبه.(المختصر).
(2) سبق توثيقه ص(34) .
(3) سبق توثيقه ص(9) .
(4) سبق تخريجه ص(24) .
(5) طرح التثريب 4/175 .(1/37)
ويدل لهذا: ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: اعتكفنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا ، فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من اعتكف فليرجع إلى معتكفه... الحديث (1) .
المطلب الرابع: اتخاذ حجرة أو خباء يستتر به المعتكف :
يستحب للمعتكف رجلاً كان أو امرأة أن يستتر بشيء (2) .
وعليه بوب البخاري : باب الأخبية في المسجد (3) .
لما روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اعتكف في قبة تركية على سدتها (4) قطعة حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس.... الحديث (5) .
ولحديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهن فضربت في المسجد ... (6) .
ولأنه أخفى لعمله.
ويتأكد في حق المرأة إذا اعتكفت في مسجد الجماعة؛ لكيلا يراها الرجال، فخير لهم وللنساء أن لا يرى بعضهم بعضاً (7) .
المطلب الخامس: ترك ما لا يعنيه (8) :
يستحب للمعتكف ترك ما لا يعنيه من القول والفعل .
لحديث أبي سعيد المتقدم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اعتكف في قبة تركية على سدتها قطعة حصير... (9) .
__________
(1) أخرجه بهذا اللفظ البخاري (ح2040)، وقد تقدم .
(2) عمدة القاري 12/150، وإكمال إكمال المعلم 2/288، وفتح الباري 4/277، والشرح الكبير مع الإنصاف 7/581 .
(3) صحيح البخاري مع عمدة القاري 12/150 .
(4) السدة : باب الدار، وقيل: الظلة على الباب لتقيه المطر (النهاية مادة (سدد) 2/353).
(5) تقدم توثيقه .
(6) تقدم توثيقه .
(7) الشرح الكبير مع الإنصاف 7/582 .
(8) أي يهمه. (انظر: المصباح، مادة "عنا" 2/434).
(9) سبق تخريجه .(1/38)
ولحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان إذا صلى الفجر دخل معتكفه... (1) . وفي هذا خلو المعتكف بنفسه، وإقباله على عبادته ، وترك ما يخل بذلك ، أو يسببه.
ولما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت (2) .
وأولى من يدخل في ذلك المعتكف، لما تقدم أن حكمة الاعتكاف جمع القلب على الله تعالى، والإقبال عليه والانقطاع عن الخلق والإقبال على الله وحده... (3) .
وعن علي - رضي الله عنه - قال: من اعتكف فلا يرفث في الحديث، ولا يساب ، ويشهد الجمعة والجنازة، وليوصل أهله إذا كانت له حاجة وهو قائم لا يجلس عندهم (4) .
المطلب السادس : التبكير لصلاة الجمعة
مما يستحب للمعتكف أن يبكر إلى الجمعة إذا اعتكف في غير جامع؛ لعمومات أدلة استحباب التبكير لصلاة الجمعة .
وقد تقدم بحث هذه المسألة (5) .
المطلب السابع: المبيت في المسجد ليلة العيد:
استحب طائفة من السلف أن يبيت المعتكف في معتكفه ليلة العيد ولا يخرج منه إلا عند خروجه للعيد .
وقد تقدم بحث هذه المسألة (6) .
المبحث الثاني :ما يباح للمعتكف:
وفيه مطالب:
المطلب الأول: الأكل والشرب في المسجد
يباح للمعتكف أن يأكل ويشرب داخل المسجد باتفاق الفقهاء (7) .
ودليل ذلك : قوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) أخرجه البخاري في الأدب ، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره 10/445، ومسلم في الإيمان ، باب الحث على إكرام الجار 1/68 .
(3) انظر : زاد المعاد 2/87 .
(4) تقدم .
(5) انظر: ص(33).
(6) انظر: ص(17) .
(7) المبسوط 3/126، بدائع الصنائع 2/117، والمدونة مع المقدمات 1/206، والشرح الكبير وحاشيته 1/547، وروضة الطالبين 2/393، ومغني المحتاج 1/457، والمستوعب 3/491، والمغني 4/483، وكشف القناع 2/356.(1/39)
دلت الآية على مشروعية ملازمة المعتكف للمسجد ، فيقتضي أن يأكل ويشرب في المسجد .
وحديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: وكان - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً (1) .
فيفهم منه: أنه كان يأكل في المسجد .
وأيضاً : فإن الأكل في المسجد إذا لم يكن عادة جائز لغير المعتكف .
فالمعتكف من باب أولى ؛ إذ هو مأمور بملازمة المسجد.
المطلب الثاني: النوم في المسجد :
يباح أيضاً للمعتكف أن ينام في المسجد باتفاق الفقهاء (2) .
ودليل ذلك : قوله تعالى ژ ? ? ژ ژ ژ . دلت الآية على مشروعية ملازمة المعتكف للمسجد، فيقتضي أن ينام فيه.
ولحديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: وكان - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً (3) .
فيفهم منه أنه ينام في المسجد .
ونص الحنابلة : أنه لا ينام إلا عن غلبة، وأن لا ينام مضطجعاً بل متربعاً، مع عدم كراهة شيء من ذلك.
ولعل مأخذهم: أن لا ينام كثيراً، فيخل بمقصود الاعتكاف وهو الإقبال على الله والتبتل إليه (4) .
المطلب الثالث: لزوم بقعة بعينها
للمعتكف أن يلزم بقعة بعينها لاعتكافه وإن كره ذلك لغيره ؛ لما روى عبدالله بن عمر {: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان .
قال نافع: وقد أراني عبدالله - رضي الله عنه - المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد (5) .
__________
(1) تقدم توثيقه .
(2) المصادر السابقة .
(3) تقدم توثيقه .
(4) المصادر السابقة للحنابلة .
(5) أخرجه مسلم في الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان (ح1171).(1/40)
ولما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان إذا صلى الفجر دخل معتكفه (1) ، ولحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - المتقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : اعتكف في قبة تركية... (2) .
ولأن الاعتكاف عبادة واحدة فلزوم المكان لأجلها كلزومه لصلاة واحدة وإقراء قرآن في وقت ونحو ذلك، وقيامه منه لحاجة لا يسقط حقه منه؛ لأن من قام من مجلس ثم عاد إليه فهو أحق به .
المطلب الرابع: لبس الثياب الحسنة والطيب
الراجح : عدم استحباب ترك رفيع الثياب أو كراهة الطيب؛ لأن الاستحباب والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى الدليل الشرعي.
. ويدل لذلك :
1 - حديث عائشة رضي الله عنهاقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصغي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض (3) .
ففيه دليل على أن للمعتكف أن يتزين إلحاقاً له بالترجل.
2 - عمومات أدلة لبس الثياب الحسنة، والتطيب، كقوله تعالى ژ ? ? ? ? پ پ پ ژ ، وقوله تعالى ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ژ .
وحديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: يا رسول الله! الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً، فقال - صلى الله عليه وسلم - : إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس (4) .
وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من عرض عليه ريحان فلا يرده (5) . لكن المعتكفة ليس لها أن تمس طيباً إذا اعتكفت في مسجد الجماعة؛ لأنها ممنوعة منه.
المطلب الخامس: غسل الرأس وتسريحه ودهنه
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) سبق تخريجه .
(3) سبق توثيقه .
(4) أخرجه مسلم (ح147).
(5) أخرجه مسلم (ح2253).(1/41)
ودليله: حديث عائشة رضي الله عنها: أنها كانت ترجل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً .
وفي لفظ : كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض (1) .
لكن يشترط أن لا يلوث المسجد . ويأتي منع المعتكف من كل ما فيه تقذير للمسجد (2) .
المطلب السادس: أخذ سنن الفطرة
الأقرب جواز ذلك من قص شارب ، ونتف إبط ، وحلق عانة، وتقليم ظفر.
ويدل له : حديث عائشة المتقدم؛ إذ هي في معنى الغسل والترجيل ولأن هذا من باب النظافة والطهارة وإن كان الأولى فعل ذلك خارج المسجد ويشرتط عدم تلويث المسجد .
المطلب السابع: عيادة المريض والصلاة على الجنازة
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى : أن يكون ذلك داخل المسجد .
الراجح : عدم كراهة الصلاة على الجنازة وعيادة المريض في المسجد .ويدل لذلك:
أولاً : حديث صفية رضي الله عنها، وفيه محادثة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه (3) .
وفي هذا إباحة العمل اليسير، ويلحق بذلك صلاة الجنازة وعيادة المريض.
ثانيًا : أن هذا لا ينافي الاعتكاف أو موضعه .
والقول بالإباحة لا يمنع المشروعية للعمومات.
المسألة الثانية: أن يكون ذلك خارج المسجد:
تقدم في مبحث الخروج من المسجد أن المعتكف لا يخرج لقربة من القرب إلا بالشرط.
لكن إذا خرج من المسجد لعذر من الأعذار فهل له عيادة المريض، والصلاة على الجنازة؟
الراجح : أن له أن يعود المريض ويصلي على الجنازة في طريقه دون أن يقف لانتظارها ، لما تقدم من الدليل أن المعتكف ليس له فعل قربة من القرب خارج المسجد إلا بالشرط (4) ؛ ولأن الأصل بقاء المعتكف في معتكفه و جاز له الخروج لحاجة الإنسان وما ألحق بها ، فما عداه خلاف الأصل .
__________
(1) سبق توثيقه .
(2) انظر: ص(65) .
(3) سبق توثيقه .
(4) انظر: (35-36) .(1/42)
ويدل لذلك : أولاً: ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: عن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة (1) .
ثانيًا: أنه لا يفوت بسببه إلا زماناً يسيراً (2) .
ثالثاً : أن سؤاله عن المريض كلام فيه مصلحة وقربة ولا يحبسه عن اعتكافه فجاز كغيره من الكلام المباح (3) .
المطلب الثامن : الوضوء في المسجد
الراجح – والله أعلم - جواز الوضوء في المسجد، بشرط عد تلويثه ، إذا كان غير مبلط ولا مفروش، والأحوط أن يكون وضوؤه في إناء إذا احتاج إلى ذلك.ويدل لذلك: ما رواه رجل من الصحابة - رضي الله عنه - قال: حفظت لك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ في المسجد (4) .
]فائدة : اشترط الزركشي من الشافعية : ألا يحصل تمخط بالاستنشاق ولا بصاق بالمضمضمة ونحو ذلك من التنخع ، وإلا ينتهي إلى التحريم .[
]فائدة : اشترط الحنابلة : أن لا يحصل منه بصاق، أو مخاط .[
المطلب التاسع: زيارة المعتكف :
يباح للمعتكف أن يزوره أهله، وغيرهم ممن يريد زيارته، وأن يتحدثوا معه.
وبوب البخاري : باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه (5) .
ودليل ذلك: ما تقدم من حديث صفية، وفيه زيارة نسائه له - صلى الله عليه وسلم - ، وحديثه - صلى الله عليه وسلم - معهن (6) .
لكن لا تنبغي الإطالة في الزيارة أو الإكثار منها؛ لما تقدم أنه ينبغي للمعتكف أن يخلو بنفسه وأن يقبل على عبادة ربه (7) .
المطلب العاشر: زواجه وتزويجه وأذانه وإصلاحه بين الناس
يباح للمعتكف أن يتزوج في المسجد، وأن يشهد النكاح ، ويؤذن ويقيم ويهني ويعزي ويصلح بين القوم كل ذلك في المسجد.
__________
(1) أخرجه مسلم في الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها (ح297).
(2) المجموع 6/511 .
(3) شرح العمدة 2/827 .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة 1/37 ، وأحمد 5/364، وإسناده صحيح .
(5) صحيح البخاري مع شرح عمدة القاري 12/152 .
(6) تقدم .
(7) انظر: ص(46) .(1/43)
لما تقدم من الدليل على أن للمعتكف عيادة المريض وصلاة الجنازة (1) .
ولعموم أدلة مشروعية هذه العقود والعبادات .
ولأنها طاعة ، ومدتها لا تطول غالباً، أشبه رد السلام وتشميت العاطس (2) .
ولأنها لا تنافي الاعتكاف ولا موضعه.
المطلب الحادي عشر: أمره بحاجته
للمعتكف أن يأمر بحاجته كإحضار طعام وشراب ولباس أو شراء شيء من ذلك ونحوه.
وإن كان مما ينافي المسجد ويتعلق بأمر الدنيا كإصلاح تجارته ، وتعاهد ضياعه ونحو ذلك فإذا خرج لعذر في طريقه (3) .
ودليل ذلك: ما تقدم من الدليل على أن للمعتكف عيادة المريض وصلاة الجنازة (4) .
المبحث الثالث : ما ينهى عنه المعتكف
وفيه مطالب:
المطلب الأول: كل ما يؤدي إلى إبطال الاعتكاف بلا عذر أو يخل بمقصوده وحكمته :
ينهى المعتكف عن كل ما يؤدي إلى إبطال الاعتكاف بلا عذر؛ لقوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
فإن كان الاعتكاف واجباً بنذر حرم عليه ذلك، لوجوبه إتمامه بعد الشروع فيه، وعدم جواز قطعه .
وإن كان مسنوناً كره له ذلك إلا لحاجة ؛لما تقدم من الآية .
وكذا ينهى عن كل ما يخل بمقصود الاعتكاف وحكمته من كثرة الكلام والخلطة والنوم، وعدم اغتنام الوقت بالإقبال على الله والاشتغال بطاعته من صلاة وقراءة وذكر، ونحو ذلك.
ودليل ذلك : حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه (5) .
وهذا يدل على أن المعتكف منهي عن كثرة الكلام والخلطة وغير ذلك مما يخل بمقصود الاعتكاف، لانقطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصحابة في معتكفه الخاص، والله أعلم.
__________
(1) انظر: ص(50) .
(2) شرح الزركشي 3/17 .
(3) انظر: المبسوط 3/121، والفتاوى الهندية 2/212، والمدونة مع المقدمات 1/198، وفتح الباري 4/280، والمستوعب 3/490، ومطالب ألوي النهى 2/252 .
(4) انظر: ص(50) .
(5) سبق توثيقه .(1/44)
وقد يستدل أيضاً لذلك : بحديث عائشة رضي الله عنها وغيره (1) ، وفيه "ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للاعتكاف لما ضرب أزواجه الأخبية في المسجد" .
فتركه - صلى الله عليه وسلم - للاعتكاف يدل على أنه يمتنع من كل ما يشغله ، وقد يقال: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ترك الاعتكاف لما رأى من تنافسهن .
المطلب الثاني: عقود المعاوضات
كالبيع والشراء والإجارة والصرف والرهن وعقد الشركة ونحو ذلك.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أن يكون ذلك في المسجد:
الراجح: التحريم وعدم الصحة.ويدل لذلك :
أولاً : قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ژ .
فدلت الآية على أن المساجد محل العبادة دون البيع والتجارة، وإذا لم تكن محلاً للتجارة فإنه ينهى عن التجارة فيها، والنهي يقتضي الفساد.
ثانيًا : حديث أنس - رضي الله عنه - ، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن (2) .
والبيع من كلام الناس، وقوله : لا يصلح يدل على النهي، والنهي يقتضي الفساد .
ثالثًا : حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والشراء فيه (3) .
والنهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه اقتضى التحريم والفساد (4) .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) يأتي تخريجه ص(55)، وهو في الصحيحين .
(3) أخرجه الإمام أحمد 2/17، وأبو داود (ح1079) ا (ح722)، والنسائي 2/47، وابن ماجه ، باب ما (ح748)، والطحاوي في الشرح 4/358، وسكت عنه أبو داود ، وحسنه الترمذي، وقال الحافظ في الفتح 1/549: "وإسناده صحيح إلى عمرو فمن يصحح نسخته يصححه" وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند (ح6676، 6991).
(4) انظر: تحقيق المراد في النهي يقتضي الفساد ص120 .(1/45)
رابعًا : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : من رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك (1) .
المسألة الثانية: أن يكون خارج المسجد :
فيجوز للمعتكف أن يخرج ويشتري مالا بد له منه كقوته وقوت عياله إذا لم يكن أحد يقوم به غيره (2) .
ويستدل لهذا بحديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: "وكان - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً" (3) . وهذا داخل في حاجة الإنسان إذا لم يكن من يأتيه به ولم يكن في ملكه .
ولما تقدم من الأدلة على الخروج للأعذار الطارئة (4) .
]فائدة : لكن اشترط المالكية : أن يكون شراؤه من أقرب مكان إليه، ولا يشتغل بشيء غيره.[
]واشترط الحنابلة : أن يكون ذلك في طريقه من غير أن يقف أو يعرج (5) .[
المطلب الثالث: التكسب بالصنائع في المسجد
وذلك مثل: الخياطة ، والحدادة، والخط ونحو ذلك .
الراجح : تحريم التكسب في المسجد : لأنه مخلص لله فلا يكون محلاً لغير العبادة (6) .
ولأن التكسب بالصنائع في معنى البيع، والبيع يحرم في المسجد ؛ ولأن إباحة ذلك يؤدي إلى إخراج المسجد عن مقصوده، ويخل بحرمته .
لكن إذا لم يقصد التكسب وكان يسيراً له أو لغيره فلا بأس كما لو خصف نعله أو رقع ثوبه (7) .
__________
(1) أخرجه الترمذي (ح1321)، والنسائي في اليوم والليلة (ح176)، وابن خزيمة (1305)، وابن حبان (1650) 447 . وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.
(2) بدائع الصنائع 2/117، والمدونة مع مقدمات ابن رشد 1/199، والشرح الكبير وحاشيته 1/548، والمجموع 6/531، وشرح العمدة 2/798، وكشاف القناع 2/362، والمحلى 5/189 .
(3) سبق توثيقه ص(24) .
(4) انظر: ص(34) .
(5) انظر: المراجع السابقة .
(6) فتح القدير 1/422 .
(7) تحفة الراكع والساجد ص209 .(1/46)
وكذا استثنى بعض العلماء : ما كان مصلحته عامة للمسلمين كإصلاح آلات الجهاد فأجازه في المسجد (1) .
ويؤيد ذلك: ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم (2) .
فاللعب بالحراب في المسجد جاز لكونه مقصوداً لغيره، لا لذاته، بل هو وسيلة للتقوي على الجهاد ، فصار من القرب كإقراء القرآن والعلم (3) .
المطلب الرابع: البول في إناء في المسجد
الراجح:أنه يحرم.
ويدل لذلك : ما رواه أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما بال الأعرابي في المسجد: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن (4) .
المطلب الخامس: إخراج الريح في المسجد
] الأحوط للمسلم أن يُنَزِّه المسجد عن ذلك ، لظاهر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث تقول: اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه (5) .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن الحدث في المسجد يحرم صاحبه دعاء الملائكة واستغفارهم، ودعاؤهم مرجو الإجابة (6) .
ولأن إباحة الحدث في المسجد يلحقه بالحشوش التي هي مأوى الشياطين، والمساجد بيوت الله ومأوى ملائكته، لكن إن وجدت مشقة في الخروج من المسجد لاسيما للمعتكف فنرجو أن لايكون به بأس والله أعلم (7) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم للنووي 5/55 .
(2) أخرجه البخاري (ح454)، ومسلم (ح892).
(3) انظر: فتح الباري 1/549 .
(4) أخرجه البخاري (ح219)، ومسلم (ح284).
(5) أخرجه البخاري (ح445)، ومسلم (ح649).
(6) إعلام الساجد ص113 .
(7) تم عرض هذا القول وهو مابين المعكوفتين ] [ على الشيخ حفظه الله فأقره .(1/47)
المطلب السادس: الحجامة (1) والفصد (2) في المسجد
الراجح : القول بعدم جواز الحجامة في المسجد ؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من القذر ولا البول ... (3) .
والحجامة كالبول لنجاسة الدم .
ولما يأتي من النهي عن البصاق في المسجد وأنه خطيئة (4) ، والحجامة من باب أولى.
و لما في ذلك من تلويث المسجد وتقذيره، والأقرب أيضاً عدم الجواز حتى وإن كان في إناء لأن الهواء تابع للقرار، فإذا حرم في أرضه (5) حرم في هوائه .
المطلب السابع: البصاق في المسجد
الراجح ـ والله أعلم ـ جواز البصاق في المسجد للمصلي فقط بشرط أن يدفنها بعد ذلك ، وأن لا يكون المسجد مفروشاً أو مبلطاً؛ لظاهر أحاديث الأمر بالدفن، وأما غير المصلي فلا يجوز له البصاق فيه؛ لتمكنه من البصاق خارج المسجد .
ويدل على أنه يجوز البصق إذا أراد دفنها : ما رواه أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها (6) .
وما رواه أبو ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها ، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد فلا تدفن (7) .
واستدل من قال بجواز البصق إذا أراد دفنها:
__________
(1) شرط ظاهر الجلد المتصل قصداً ، لإخراج الدم من الجسم دون العروق.
(2) شق العرق لإخراج الدم. (حاشية ابن قاسم 3/397، 399).
(3) تقدم تخريجه .
(4) سبق تخريجه .
(5) كشاف القناع 2/370 .
(6) أخرجه مسلم (ح552).
(7) أخرجه مسلم في الموضع السابق .(1/48)
بما رواه أبو أمامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من تنخع في المسجد فلم يدفن فسيئة، وإن دفنه فحسنة (1) .
ويدل على جواز البصق عند الحاجة:
ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في المسجد في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال: ما بال أحدكم يقوم يستقبل ربه فيتنخع أمامه، أيحب أحدكم أن يستقبل فيُنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه، فإن لم يجد فليفعل هكذا ووصف القاسم فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض (2) .
فظاهر الحديث جوازه في المسجد للمحتاج حال العذر؛ لأن البصق عن اليسار أو تحت القدم إنما ورد في الصلاة؛ إذ المصلي لا يتمكن من الخروج من المسجد إلا بالحركة الكثيرة.
مسألة : مالمراد بالدفن ؟
الراجح: أن المراد بالدفن: تغييبها في تراب المسجد ورمله وحصبائه، وإن كان أرضاً صلبة فبإخراجها، أو مسحها بخرقة ونحوها .
ويدل لذلك : ما رواه أبو ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها ، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد فلا تدفن (3) .
فظاهر الحديث: دفنها في المسجد ، وكذا نحوه حديث أبي أمامة المتقدم.
المطلب الثامن: الصمت عن الكلام :
الراجح : إن طال الصمت حتى تضمن ترك الكلام الواجب صار حراماً، وكذا إن تعبد بالصمت عن الكلام المستحب، وأما الكلام المحرم فيجب الصمت عنه ، وفضول الكلام ينبغي الصمت عنها.
ويدل لذلك :
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد 4/58 (الفتح الرباني) ، وحسنه ابن حجر في الفتح 1/512 .
(2) أخرجه البخاري (ح410)، ومسلم (550).
(3) سبق تخريجه .(1/49)
أولاً : حديث ابن عباس {، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً قائماً في الشمس فقال: من هذا؟ قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه (1) .
ثانيًا : ما رواه قيس بن أبي حازم قال: دخل أبوبكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب،فرآها لاتكلم فقال : مالها لاتكلم ؟ قالوا: حجت مصمتة فقال لها: تكلمي فإن هذا لا يحل ، هذا من عمل الجاهلية فتكلمت (2) .
الفصل الخامس: نذر الاعتكاف
وفيه مباحث:
المبحث الأول: أن يقيده بوصف.
المبحث الثاني: أن يقيده بزمان .
المبحث الثالث: أن يقيده بمكان.
المبحث الأول: أن يقيده بوصف.
وفيه مطلبان :
المطلب الأول: أن يقيده بوصف الصلاة
وصورة ذلك : أن ينذر أن يعتكف مصلياً.
الراجح : أنه يلزمه الجمع بين الصلاة والاعتكاف.
ويدل لذلك : أولاً: ما تقدم من الأدلة على أنه ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه (3) ، والصلاة تقاس على الصوم .
ثانيًا : حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه... (4) .
دل الحديث على وجوب الوفاء بالنذر، وهذا يشمل الوفاء بأصله ووصفه.
المطلب الثاني: أن يقيده بوصف الصوم :
وصورة ذلك : أن ينذر أن يعتكف صائماً .
الراجح: أنه يلزمه الجمع بين الاعتكاف والصوم .
ويدل لذلك :
أولاً : ما تقدم من الأدلة على وجوب الجمع بين الاعتكاف والصلاة .
ثانيًا : ولأن هذا الوصف قربة فلزم بالنذر (5) .
المبحث الثاني : أن يقيده بزمان
وفيه مطالب:
المطلب الأول: أن ينذر اعتكافاً مطلقاً
من نذر أن يعتكف ولم يقيده بزمن لزمه أن يعتكف أقل زمن للاعتكاف.
__________
(1) أخرجه البخاري (ح6704).
(2) أخرجه البخاري (ح3834).
(3) انظر: ص(23) .
(4) سبق تخريجه .
(5) المصدر السابق .(1/50)
لما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه (1) .
دل هذا الحديث على وجوب الوفاء بالنذر المطلق، وإذا لم يقيده بزمن رجع إلى تقييد الشارع .
ولأن هذا مقتضى نذره .
المطلب الثاني: أن ينذر اعتكاف يوم :
الراجح : أنه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
ويدل لذلك :
أولاً : قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ?? ? ? ? ? ? ژ .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن اليوم يقع ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس، إذ هو وقت الصوم، وقد نذر أن يعتكف يوماً، فلزمه ذلك .
ثانيًا: من حيث اللغة أن اليوم اسم لبياض النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس (2) .
المطلب الثالث: من نذر أن يعتكف يومين :
الراجح : أنه لا يلزمه التتابع ولا الليلة المتخللة بينهما فيعتكف من طلوع فجر اليوم الأول إلى غروب شمسه ، ثم يعود ثانية من طلوع فجر اليوم الثاني إلى غروب شمسه، إلا إن شرط التتابع أو نواه ، فمن طلوع فجر اليوم الأول إلى غروب شمس اليوم الثاني.
ويدل لذلك :
أولاً : أن اليوم اسم لبياض النهار فقط ، فلا تدخل الليلة المتخللة بين اليومين في وقت اعتكافهما، إلا إذا نوى ذلك، أو اشترطه .
ثانيُا : أنه زمان لا يتناوله نذره، فلا يلزمه اعتكافه، كليلة ما قبله وما بعده (3) .
ثالثًا : لبراءة ذمته منه.
المطلب الرابع: من نذر اعتكاف أكثر من يومين
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أن تكون معينة:
وذلك كأن يقول: لله عليَّ أن أعتكف العشر الأواخر من رمضان، أو الأسبوع الأول من شهر شوال.
الراجح : أنه من غروب الشمس أول ليلة إلى غروب شمس آخر يوم.
__________
(1) سبق توثيقه .
(2) المصباح المنير، مادة (يوم) 2/682 .
(3) المهذب مع المجموع 6/496، والمغني 4/492 .(1/51)
ويدل لذلك : أن وقت اعتكافه من غروب شمس أول ليلة إلى غروب شمس آخر يوم قياساً على ما لو نذر أن يعتكف شهراً بعينه، لتعين هذه الأيام (1) .
المسألة الثانية: أن تكون مطلقة :
وذلك كأن يقول : لله عليّ أن أعتكف عشرة أيام .
الراجح : أنه لا تلزمه الليالي المتخللة بين الأيام فيعتكف من طلوع فجر اليوم الأول إلى غروب شمسه ، ثم يعود ثانية من طلوع فجر اليوم الثاني إلى غروب شمسه وهكذا .
إلا إن اشترط التتابع ، أو نواه فمن طلوع فجر اليوم الأول إلى غروب شمس آخر يوم.
ويدل على عدم لزوم الليالي المتخللة أيام الاعتكاف :
أولاً : أن الليالي زمان لا يتناوله نذره، فلا تدخل في وقت اعتكافه كليلة ما قبله ، وكليلة ما بعده (2) .
ثانيًا : أنه نذر أياماً فقط ، واليوم اسم لبياض النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فلا تدخل الليالي في وقت اعتكافه ، لعدم ما يقتضي ذلك (3) .
المطلب الخامس : من نذر اعتكاف شهر
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أن يكون معيناً:
وذلك أن يقول: لله عليّ أن أعتكف شهر رمضان، أو شوال.
الراجح: أنه من غروب شمس أول ليلة منه إلى غروب شمس آخر يوم منه سواء كان تاماً أم ناقصاً.
ويدل لذلك :
أولاً : قوله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } (4) . وشهود الشهر يكون برؤية هلاله بعد غروب الشمس، فدل ذلك على دخول الشهر.
ثانيًا : حديث ابن عمر { ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته (5) .
فدل على أن الشهر يدخل برؤية الهلال ، ويخرج برؤيته ، والهلال يرى بعد غروب الشمس.
ولدخول الشهر بذلك لغة وشرعاً .
المسألة الثانية : أن يكون مطلقاً:
وذلك كأن يقول: لله عليَّ أن أعتكف شهراً .
__________
(1) انظر: المغني 4/490 .
(2) انظر: الكافي لابن قدامة 1/370 .
(3) الشرح الكبير مع الإنصاف 7/595 .
(4) سورة البقرة: 185 .
(5) أخرجه البخاري (ح1906)، ومسلم (ح1080).(1/52)
الراجح : أنه لا يلزمه التتابع إلا بشرط أن ينوي التتابع ، أو يشترطه ولا تلزمه ،الليالي المتخللة بين الأيام ؛ لعدم ما يوجب التتابع ولأن الأصل براءة الذمة. وعلى هذا فيعتكف من طلوع الفجر الثاني من أول يوم، إلى غروب الشمس، ثم يعود مرة ثانية، وهكذا .
ويدل على عدم لزوم التتابع:
أولاً : قوله تعالى ژ ? ژ .
وجه الدلالة: أن إطلاق الشهر لو أفاد التتابع لما قيد الله تعالى ذلك بقوله ژ ژ .
ثانيًا : أن اللفظ مطلق عن التتابع فيجري على إطلاقه فلا تدخل الليالي المتخللة بين الأيام في وقت اعتكافه .
المطلب السادس: أن ينذر اعتكاف ليلة
الراجح: أنه من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني.
ويدل لذلك : أولاً : قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ?? ? ? ? ? ? ژ . دلت الآية على أن الليل يقع ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر ، وقد نذر أن يعتكف ليلة فلزمه ذلك فقط .
ثانيًا : من حيث اللغة أن الليل اسم لسواد الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر (1) .
المبحث الثالث: أن يقيده بمكان
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أن ينذر الاعتكاف بأحد المساجد الثلاثة :
الراجح : أنه إذا عين الفاضل لم يجزئ المفضول، ولا عكس . فإذا نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لم يجزئ في المسجد النبوي والمسجد الأقصى، وإذا نذر الاعتكاف في المسجد النبوي لم يجزئ المسجد الأقصى، وإذا نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى أجزأ في المساجد الثلاثة كلها.
ويدل على أنه إذا عين الفاضل لزمه ولم يجزئ المفضول، ولا عكس :
حديث عائشة <، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه (2) . وجه الدلالة: أن الحديث دل على وجوب الوفاء بنذر الطاعة، وهو عام في أصل النذر، ووصفه، والمكان من الوصف، ولا يخرج الناذر عن موجب نذره إلا بأدائه في المكان الذي عينه، فيلزمه.
__________
(1) المصباح المنير، مادة (ليل) 2/561 .
(2) تقدم توثيقه .(1/53)
وأما الدليل على أنه إذا اعتكف في الفاضل أجزأ عن المفضول :
أولاً : حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أن رجلاً قام يوم الفتح فقال : يا رسول الله ! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين. فقال له : صَلِّ ههنا، ثم أعاد عليه فقال صَلِّ ههنا ، ثم أعاد عليه، فقال: شأنك إذن (1) . وجه الدلالة : أن الحديث يدل على أن الناذر إذا أدى نذره في مكان أفضل من المكان الذي عينه فإنه يجزئه ؛ لأنه أدى أتم مما التزمه.
ثانيًا : ما رواه ابن عباس { : أن امرأة شكت شكوى، فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة تسلم عليها، وأخبرتها بذلك، فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة (2) .
المطلب الثاني: أن ينذر الاعتكاف بمسجد غير المساجد الثلاثة :
الراجح: أنه لا يتعين المسجد بتعيينه بالنذر إلا إن كان له مزية شرعية ككثرة جماعة، أو كونه جامعاً تعين، ما لم يلزم من ذلك شد رحل.
ويدل لذلك : ما تقدم من الأدلة على تعين المساجد الثلاثة إذا نذر الاعتكاف فيها (3) . وجه الدلالة : أن المساجد الثلاثة لم تتعين إلا لميزتهاالشرعية ، فيلحق بها ما كان في معناها مما له مزية شرعية.
ولأن النذريجب الوفاء بأصله ووصفه ، والمكان من وصفه إذا كان له ميزة شرعية.
الفصل السادس : قضاء الاعتكاف
وفيه مباحث :
المبحث الأول: قضاء الاعتكاف المستحب.
المبحث الثاني: قضاء الاعتكاف الواجب على الحي.
المبحث الثالث: قضاء الاعتكاف الواجب على الميت.
المبحث الأول: قضاء الاعتكاف المستحب
__________
(1) تقدم تخريجه .
(2) أخرجه مسلم في الحج ، باب فضل الصلاة بمكة (ح1396).
(3) انظر: ص(63).(1/54)
هل يلزم المعتكف قضاء اعتكافه المستحب إذا أبطله بعد الشروع فيه ؟
الراجح : عدم وجوب القضاء لمن خرج من اعتكافه المستحب بعد الشروع فيه.
ويدل لذلك: أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء، فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الأخبية فقال: ما هذا ؟ فأُخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: آلْبِرَّ تُرَوْنَ بهن؟ فترك الاعتكاف ذلك الشهر ، ثم اعتكف عشراً من شوال (1) .
وجه الدلالة: أنه لم يرد أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أزواجه بالقضاء، أو أنهن قضين الاعتكاف.
ثانيًا : حديث عائشة < قالت: دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا : لا . فقال: فإني إذاً صائم، ثم أتانا يوماً آخر فقلنا يا رسول الله أهدي لنا حيس (2) ، فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل (3) .
ولم يرد أنه - صلى الله عليه وسلم - قضى هذا اليوم ، وكذا الاعتكاف .
وكذلك : الأصل براءة الذمة.
قال شيخ الإسلام ~ : « ولو قطعه مدة لم يلزمه قضاؤه ؛ لأن من أصلنا المشهور : أنه لا يلزم بالشروع إلا الإحرام، لكن يستحب له إتمامه وأن يقضيه إذا قطعه .
__________
(1) تقدم توثيقه ص(12) .
(2) الحيس : التمر مع السمن والأقط (النهاية مادة "حيس" 1/467).
(3) أخرجه مسلم (ح1154).(1/55)
وكذلك لو كان له ورد من الاعتكاف ففاته استحب له قضاؤه ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان لما ضرب أزواجه الأخبية ثم قضاه من شوال (1) ، ولم يأمر أزواجه بالقضاء؛ لأنه لم يكن من عادتهن وإنما عز من عليه ذلك العام، ولأن قضاءه غير واجب ، ولأنهن لم يكن شرعن فيه وهو - صلى الله عليه وسلم - قد شرع فيه؛ لأن المسجد كله موضع للاعتكاف وهو قد دخل المسجد حين صلى بالناس فالظاهر أنه نوى الاعتكاف من حينئذٍ ؛ لأنه لم يكن في نيته الخروج منه بعد ذلك » .
المبحث الثاني: قضاء الاعتكاف الواجب على الحي
إذا أفسد المعتكف اعتكافه الواجب بمبطل من مبطلات الاعتكاف المتقدمة وجب عليه استئنافه بصفته ؛ لعدم براءة ذمته منه، إلا إذا كان أياماً لا يشترط فيها التتابع فما مضى منها صحيح ، ويقضي ما بقي، وإن كان أياماً متتابعة فيلزمه الاستئناف لإمكانه أن يأتي بالمنذور على صفته ، وإن كانت أياماً معينة لزمته كفارة يمين لتفويت الزمن (2) .
لحديث عقبة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كفارة النذر كفارة يمين (3) .
المبحث الثالث: قضاء الاعتكاف الواجب على الميت
إذا نذر شخص اعتكاف زمن وتمكن من ذلك، لكنه فرط حتى مات فهل يشرع لوليه أن يقضي عنه هذا الاعتكاف؟
الراجح : أنه يستحب لوليه أن يقضيه عنه، فإن لم يفعل أطعم من تركته إن خلف تركة .
ويدل لذلك : حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من مات وعليه صيام صام عنه وليه (4) .
فيلحق الاعتكاف بالصيام فإنه أشبه به من الصلاة .
الخاتمة
__________
(1) تقدم توثيقه ص(12).
(2) انظر: شرح الزركشي 3/14 .
(3) سبق تخريجه ص34 ، وهو في مسلم .
(4) أخرجه البخاري (ح1952) ومسلم (ح1147).(1/56)
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، أحمد الله أولاً وآخراً ، وأشكره تعالى على ما منَّ به من التوفيق في البدء والختام، وأصلي وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين ، وبعد:
فلا يخفى أن كل باحث لابد أن يظهر له من خلال بحثه ثمار ونتائج ، وإني خلال معايشتي لبحث الاعتكاف خرجت منه بنتائج خرجت منها بهذه الضوابط:
الضابط الأول: عناية الشارع الحكيم بأمر القلب؛ إذ مدار العمل عليه.
الضابط الثاني: أن الاعتكاف شرعاً : "لزوم مسجد لعبادة الله عز وجل" .
الضابط الثالث: أن حكمته: "صلاح القلب واستقامته" .
الضابط الرابع: مشروعية الاعتكاف مطلقاً في رمضان وغيره، وفي العشر وغيرها .
الضابط الخامس: أن أقله يوم، ولا حدّ لأكثره.
الضابط السادس: أنه يتأكد اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، وأن زمن دخول المعتكف من غروب شمس أول ليلة منها.
الضابط السابع: شرط صحة الاعتكاف أهلية المعتكف للعبادة والمسجد ، مع إذن السيد للرقيق، والزوج للزوجة .
الضابط الثامن : ما أقيمت فيه الجماعة من المساجد شرع الاعتكاف فيه لمن تجب عليه الجماعة.
الضابط التاسع : من لا تجب عليه الجماعة يشرع له في كل مسجد سوى مسجد البيت.
الضابط العاشر: كل ما اتصل بالمسجد ودخل في مسماه صح الاعتكاف فيه.
الضابط الحادي عشر : يستحب الاعتكاف في المساجد الثلاثة ، ثم ما كان أكثر جماعة ، ثم ما لا يخل بركن الاعتكاف ومقصوده.
الضابط الثاني عشر: ركن الاعتكاف: اللبث في المسجد .
الضابط الثالث عشر: الخروج من المسجد بلا عذر بجميع البدن مبطل للاعتكاف .
الضابط الرابع عشر : الخروج لعذر معتاد شرعاً أو طبعاً أو لعذر غير معتاد لا يبطل الاعتكاف .
الضابط الخامس عشر : صحة الشرط في الاعتكاف سواء كان عاماً أو خاصاً بشرط عدم منافاته لأمر المسجد ، أو الاعتكاف.
الضابط السادس عشر: فائدة الاشتراط في العذر المعتاد عدم بطلان الاعتكاف التطوع ، وسقوط القضاء في الاعتكاف الواجب .(1/57)
الضابط السابع عشر: يبطل الاعتكاف بالجماع ومقدماته، وبإنزال المني باستمناء أو تكرير نظر، وبالردة والسكر .
الضابط الثامن عشر: لا يبطل الاعتكاف بطروء الحيض ، أو النفاس، أو الجنون، والإغماء.
الضابط التاسع عشر: يشرع للمعتكف سائر العبادات، وينهى عن كل ما يخل بالاعتكاف وحكمته .
الضابط العشرون : يباح للمعتكف ما يحتاجه عادة كالأكل في المسجد ونحوه، وأخذ الزينة في البدن والثوب ، ونحو ذلك ، ما لم يلوث المسجد.
الضابط الحادي والعشرون: يباح للمعتكف من العقود ما لا ينافي المسجد.
الضابط الثاني والعشرون: للمعتكف فعل قربة خارج المسجد بلا شرط إذا كان في طريقه .
الضابط الثالث والعشرون: ينهى المعتكف عن كل ما يؤدي إلى إبطال الاعتكاف، أو يخل بمقصوده.
الضابط الرابع والعشرون: ينهى المعتكف عن كل ما ينافي المسجد من عقد معاوضة ، أو حدث ونحو ذلك .
الضابط الخامس والعشرون: يتقيد الاعتكاف المنذور بما قُيد به من صفة شرعية، أو مكان له ميزة شرعية.
الضابط السادس والعشرون: إذا قيد الناذر اعتكافه بزمن رجع إلى تحديده لغة ما لم يكن نية أو شرط .
الضابط السابع والعشرون : يستحب قضاء الاعتكاف المسنون إذا بطل .
الضابط الثامن والعشرون: يجب قضاء الاعتكاف الواجب إذا أبطله المعتكف بصفته مع وجوب كفارة إذا كان معيناً.
الضابط التاسع والعشرون: يستحب قضاء الاعتكاف الواجب عن الميت.
فصل في مستحبات الاعتكاف(1/58)
أولاً : الإكثار من نوافل الصلاة لأنها أفضل العبادات وأعظمها أجراً ولأنها صلة العبد بربه ، وهي عمود الدين وركنه المتين ، وفضلها وفضل الاشتغال بها ثابت لايخفى على أحد فيصلي قبل الفرائض وبعدها والتراويح والتهجد وسنةالضحى ، حيث إن الاعتكاف تفرغ للعبادة وأفضل العبادات الصلاة فرضها ونفلها، وأما الجمعة فيستحب أن يصلي قبلها ماتيسر له وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ماقدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من الخطبة ثم صلى معه غفرله مابينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام فدل على أنه لاحد للصلاة قبلها بل يصلي ماقدر له ولو عشر ركعات أو عشرين ؛ لأن الوقت وقت صلاة لاسيما إذا كان المعتكف في أحد الحرمين فإن المكان له فضله فتضاعف الصلاة وهي خير من القعود.
ثانياً : الإكثار من قراءة القرآن والتدبر لمعانيه ، فبتلاوته تطمئن القلوب وتصفو النفوس ويعظم بها الأجر ، ويشفع لصاحبه .
وأخرج مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاًِ لأصحابه .
ثالثاً: الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله أمرنا بها وجعلها سبباً لمزيد رحماته لنا . قال تعالى ژ ? ? ? ? ? ?? ? چ چ چ چ ? ? ژ .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : من صلى علي صلاة ، صلى الله عليه بها عشراً أخرجه مسلم .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة .
رابعاً : الإكثار من الدعاء فإن الدعاء في هذه الحال مظنة الإجابة .
خامساً:الإكثار من ذكر الله تعالى فقد أثنى الله تعالى على الذاكرين لله والذاكرات قال تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
وقال - صلى الله عليه وسلم - سبق المفردون قالوا وما المفردون يارسول الله ؟قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات رواه مسلم .
فمن الأذكار:(1/59)
قول سبحان الله والحمدلله ولاإله إلا الله والله أكبر فهي أحب الكلام إلى الله .
قول : أستغفر الله وأتوب إليه ، فطوبى لمن وجد في صحيفته استغاراً كثيراًٍ.
قول : (( سبحان الله وبحمده ، وسبحان الله العظيم )) فهما كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان وحبيبتان إلى الرحمن .
قول : (( لاإله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (( 100)) مرة . ففيها فضل عظيم ، حيث : 1- تعدل عشر رقاب .2- تكتب لك مائة حسنة . 3- تمحى عنك مائة سيئة . 4- تكون لك حرزاً من الشيطان في يومك هذا حتى تمسي . 5- لم يأت أحد أفضل مما جئت به إلا رجل زاد عليك .
قول : (( سبحان الله العظيم وبحمده)) تغرس لك نخلة في الجنة .
قول : (( لاحول ولاقوة إلا بالله )) فهي كنز من كنوز الجنة .
الإكثار من قول لاإله إلا الله ، فهي أفضل الذكر.
قول: (( سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته))فهذا الذكر مضاعف أجره عند الله .
قول سيد الاستغفار : (( اللهم أنت ربي لاإله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك مااستطعت ، أعوذ بك من شر ماصنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، و أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت )) رواه البخاري . فمن قال ذلك في الصباح موقناً به ومات دخل الجنة، ومن قاله في المساء موقناً به ومات دخل الجنة.
فصل في ليلة القدر(1/60)
هذه الليلة المباركة العظيمة سميت بهذا الاسم لورود ذلك في كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى : ژ? ? ? ? ? ژ ولورود ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه )) وهذه الليلة أعظم ليالي العام فيها يفيض الرب ـ عزوجل ـ على عباده وتنزل عليهم الرحمات في ليلة خير من ألف شهر . كما قال تعالى ژ ? ? ? ? ? ?ژ وعن أبي هريرة > عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في شهر رمضان : (( فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم )) رواه أحمد والنسائي .
وقال مالك : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله ، أو ماشاء الله من ذلك ، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر .
فهي ليلة نزول الملائكة وليلة الخيرات وليلة النفحات وليلة العتق من النار وليلة الرحمة .
ومن فاتته هذه الليلة فهو المحروم حقاً قال صلى الله عليه وسلم (( من حرمها فقد حرم الخير كله ولايحرم خيرها إلا محروم )) رواه ابن ماجه .
وفيها مسائل:
المسألة الأولى : لماذا سميت بليلة القدر ؟
قيل : لعظم قدرها عند الله . وقيل: لما يقدر فيها تلك السنة من الآجال والأرزاق وغير ذلك . وقيل: لأن للطاعة فيها قدراً عظيماً عند الله عزوجل .
المسألة الثانية : متى تكون هذه الليلة ؟
اختلف العلماء متى تكون هذه الليلة اختلافاً كثيراً حتى إن ابن حجر ~ في كتابه فتح الباري لشرح صحيح البخاري أوصل هذه الأقوال إلى أربعين قولا .
لكن مختصر الكلام حسب مادلت عليه السنة أنها :
أولاً : تتنقل في العشر الأواخر ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( تحروا ليلة القدر من العشر الأواخر من رمضان) .(1/61)
ثانياًِ: أن آكد العشر هي الأوتار لحديث عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري : ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان )
ثالثاً : أن آكد الأوتار هي السبع الأواخر ؛ لحديث ابن عمر { في صحيح مسلم : التمسوها في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم وعجز فلايغلب على السبع البواقي
رابعاً : أن آكد السبع الأواخر وأرجاها ليلة سبع وعشرين ؛ لحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : ( والله إني لأَعلم أيُّ ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لاشعاع لها )
المسألة الثالثة : ماهي علامة ليلة القدر؟
أولاً : أن الشمس تطلع في صبيحتها لاشعاع لها ؛ أي : فيها ضعف .
لحديث أُبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع في صبيحتها لاشعاع لها ))
ثانياً : أنها ليلة طلقة لاحارة ولاباردة. ومعنى ذلك : أنها ليست شديدة الحرارة في وقت الحر، وليست شديدة البرودة في وقت البرد.
ويدل لذلك : حديث ابن عباس { في صحيح ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ليلة القدر ليلة طلقة ، لاحارة ولاباردة ، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة ))
ثالثاً : أنه لايرمى فيها بنجم تلك الليلة ؛ لما ثبت عند الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ليلة القدر ليلة بلجة ، لاحارة ولاباردة ، ولايرمى فيها بنجم ))
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن ليلة القدر كما في مجموع الفتاوى (25/284): ( وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة فيرى أنوارها ، أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر ، وقد يفتح على قلبه من المشاهدة مايتبين به الأمر ، والله تعالى أعلم ) ا.هـ.(1/62)
و أما العمل في ليلة القدر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: [ من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ] و قيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها و الصلاة و قد أمر عائشة بالدعاء
قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه و سلم : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال : (( قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )) العفو من أسماء الله تعالى و هو يتجاوز عن سيئات عباده الماحي لأثارها عنهم و هو يحب العفو فيحب أن يعفو عن عباده و يحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه و عفوه أحب إليه من عقوبته . فيجمع بين الصلاة و القراءة و الدعاء و التفكر و هذا أفضل الأعمال و أكملها في ليالي العشر .(1/63)
قال الشيخ ابن عثيمين ~ : وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « تَحَرَّوْا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان » ، وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان » ، وهي في السبع الأواخر أقرب ؛ لحديث ابن عمر { « أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم قد تواطأت ( يعني اتفقت ) في السبع الأواخر ، فمن كان مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا في السبع الأواخر » ، ولمسلم عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « التمسوها في العشر الأواخر ( يعني ليلة القدر ) ، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يُغْلَبَنَّ على السبع البواقي ، وأقرب أوتار السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال : والله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين » (ولا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام ، بل تتنقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين مثلا ، وفي عام آخرليلة خمس وعشرين تبعا لمشيئة الله وحكمته , ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « التمسوها في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى » ، قال في فتح الباري : أرجح الأقوال أنها في وتر من العشر الأخير ، وأنها تنتقل ا هـ(1/64)
وقد أخفى سبحانه علمها على العباد رحمة بهم ؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزدادوا قربة من الله وثوابا ، وأخفاها اختبارا لهم أيضا ليتبين بذلك من كان جادا في طلبها حريصا عليها ممن كان كسلان متهاونا ، فإن من حرص على شيء جد في طلبه وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه والظفر به , وربما يُظْهِر الله علمها لبعض العباد بأمارات وعلامات يراها كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم علامتها أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين ، فنزل المطر في تلك الليلة فسجد في صلاة الصبح في ماء وطين .
إخواني : ليلة القدر يُفْتَح فيها الباب , ويُقَرَّب فيها الأحباب , ويُسْمَع الخطاب , ويرد الجواب ، ويكتب للعاملين فيها عظيم الأجر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، فاجتهدوا رحمكم الله في طلبها فهذا أوان الطلب ، واحذروا من الغفلة ففي الغفلة العطب .
فتاوى الاعتكاف
س1: هل يجوز استخدام حوامل المصاحف وسائد للنوم وفرش الحرم غطاء عند النوم ؟
الأصل في الوقف أنه لا يستعمل إلا فيما وقّف من أجله لأن استخدامه في غير ما وقّف من أجله مخالفة لشرط الواقف وشرط الواقف يجب إتباعه لقول الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } وإيفاء العقد يتضمن الإيقاء بأصله ووصفه ومن وصفه العقد فيه .
ولحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :«إن حق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج».(1/65)
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه «المسلمون على شروطهم))أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ، وإذا كان كذلك فاستخدام مثل هذه الأشياء استخدام في غير ما وقفت وحُبِّست من أجله لكن ذكر بعض علماء الحنفية أن الاستخدام اليسير للوقف في غير ما وقف له أن هذا جائز ولا بأس به. وعلى هذا إذا نظرنا إلى مثل هذه الاستخدامات أنها استخدامات يسيره وهي داخل المسجد فلا تضر ولو تركه واحتاط لذلك فنقول : بأن هذا أحسن لكن لو استخدمه مثل الاستخدامات اليسيرة ما دام أنه داخل المسجد فنقول : هذا جائز ولابأس به إن شاء الله .
س2 - حكم حجز الأماكن وبيعها ؟
حجز الأماكن نقول : الأصل أن المسلم يتقدم ببدنه لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة : «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ».
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام «تقدموا وأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم من خلفكم »فالأصل أن المسلم يتقدم بنفسه لكن إذا احتاج أن يحجز كما لو تقدم ثم احتاج إلى الخروج لحاجة كقضاء حاجة أو سبقه الحدث ونحو ذلك وسيعود قريباً فإن هذا جائز ولا بأس به وكذلك أيضاً لو أنه تأخر في نفس المسجد لحاجة كأن يقول : أخشع له ونحو ذلك فهذا لا بأس أن يحجز، لكن يلاحظ اتصال الصفوف بحيث يعود إلى مكانه قبل أن يجتمع الناس لئلا يؤدي ذلك إلى تخطي رقاب الناس وإيذائهم وأما بيع هذه الأماكن فهذا نقول : بأنه محرم ولا يجوز لأن مثل هذه الأشياء ما شرعت إلا لوجه الله عز وجل لم تشرع من أجل العوض المادي وعرض الدنيا فهذا محرم لحديث عثمان بن أبي العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :«واتخذ مؤذناً لا يأخذ على آذانه أجراً » .
س3 – ما حكم شد الرحال لبعض المساجد القريبة من الحرم والاعتكاف بها وذلك للبعد عن الزحام ولحسن صوت الإمام ؟(1/66)
نقول : الأصل أن الرحل لا يشد إلا للمساجد الثلاثة لحديث «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى » لكن شد الرحل لغير هذه المساجد ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يشده من أجل البقعة فنقول : إن هذا محرم ولا يجوز .
القسم الثاني : أن يشده من أجل سبب آخر كالصلاة خلف إمام أو حضور درس أو محاضرة ونحو ذلك فهذا جائز ولا بأس إن شاء الله .
وأفضل أماكن الاعتكاف هو المسجد الحرام ، ثم المسجد النبوي ، ثم المسجد الأقصى ، ثم بعد ذلك الجوامع : جوامع المدن ، ثم بقية المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة .
س4 : نحن مجموعة من الشباب المعتكفين موقعنا بالدور الأول من الحرم وإذا أقبل الإفطار أرسلنا بعضنا لشراء الفطور والبعض الآخر يصعد إلى السطح ويحجز بالسجادة أماكن للجميع لكي يتمكنوا من الجلوس عند رجوعهم ، ونواجه احراجات واعتراضات من بعض المصلين ، فهل فعلنا هذا جائز أو لا يجوز ؟
هذا السؤال سبق الإجابة عليه فيما يتعلق بحجز المكان .
س5:يوجد بعض الأطعمة ممنوع دخولها من الرئاسة ، فما حكم إدخالها دون علمهم؟
منع بعض الأطعمة من قبل رئاسة الحرمين ، إنما منعت لمصلحة ، وإذا كان كذلك ، فالواجب التقيد بهذا النظام ؛ لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ، ويستغنى المعتكف بالأطعمة التي سُمح له أن يدخلها .وخاصة أن العلماء ذكروا أن المعتكف ينبغي له أن يتقلل من الطعام ، وأن يتقلل من النوم حتى ذكروا أنه يستحب له أن ينام متربعاً ؛ لأن الحكمه من الاعتكاف : جمع القلب على الله عز وجل والإقبال عليه وترك الاشتغال بالناس وما يتعلق بأمور الدنيا ولذاتها.
س6 : هل يجوز إدخال الأطعمة التي بها رائحة الثوم والبصل للمسجد ؟(1/67)
لا يجوز ذلك ؛ وإذا كان المسلم الذي به رائحة الثوم والبصل يمنع من دخول المسجد فالطعام من باب أولى والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال :« من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم » .
س7 : هل الأفضل للمعتكف أن يلزم المكان للذكر وقراءة القرآن أم الجلوس في حلق العلم ؟
الفقهاء رحمهم الله ينصون أن الأفضل له العبادات المحضة : من الصلاة والذكر وقراءة القرآن دون العبادات المتعدية ، كإقراء القرآن وتعليم العلم ، والأمر بالمعروف والدعوة إلى الله تعالى . لكن الصواب في ذلك أن المعتكف يشتغل بالأمرين : بالعبادات المتعدية وكذلك : بالعبادات المحضة ، فيأخذ حظاً من هذا و حظاً من هذا .
س8 : ما حكم إتباع الجنائز للمعتكف ؟
نقول : هذا مما يبطل عليه الاعتكاف إلا إذا شرطه ، فإن الخروج للقرب لا يجوز إلا بالشرط وتقدمت الأدلة على ذلك .
س9 : هل يجوز الاعتكاف لمن لا يأمن على دينه خصوصاً إذا كان قد يتعرف على أصحاب فرق ضالة كالرافضة أو المبتدعة كالأشاعرة ؟
نقول : إذا كان لا يأمن على دينه فإنه لا يعتكف في هذا المكان الذي يخسى فيه على دينه ، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، والاعتكاف إنما شرع لحفظ الدين ، وإذا كان وسيلة إلى نقص الدين أو الإخلال به ، فإنه لا يصار إليه ، لأنه حينئذ يكون مخالفاً للحكمة من مشروعيته .
س10 : يوجد بعض دورات المياه القريبة لكنها تكون مزدحمة ، ويوجد غيرها أبعد منها غير مزدحمة وأستطيع الذهاب والعودة أسرع من القريبة ، هل يجوز ذلك ؟(1/68)
تقد أن ذكرنا أن الخروج من المعتكف هذا خلاف الأصل : وهو اللبث في المسجد وأن الحاجة تقدر بقدرها لكن إذا كانت القريبة لا تلائم الشخص لكثرة الزحام ونحو ذلك ، حتى ذكر العلماء أنه إذا كان يحتشم من كونه يتوضأ في المواضئ العامة ، فإن له أن يذهب إلى مواضئ خاصة . وعلى كل حال : إذا كانت مثل هذه الأشياء يحتشم منها أو يلحقه بعض الأذى ونحو ذلك ، فإذا تخطاها إلى غيرها فإن هذا جائز ، أما إذا كان لا يلحقه أذى فالأصل أن الحاجة للخروج تقدر بقدرها .
س11: هل يلزم المعتكف كلما خرج للحمام الوضوء وصلاة ركعتين عند دخوله المعتكف ؟
صلاة تحية المسجد سنة مؤكدة ، لكن الأفضل إذا توضأ ودخل المسجد أن يصلي ركعتين وهنا مسألة : وهي متى يشرع له إذا خرج من المسجد أن يعيد تحية المسجد ؟ نقول : يشرع له إذا كان لا ينوي الرجوع ثم رجع ولو عاد قريباً فإنه يصلي تحية المسجد أما إن كان ينوي الرجوع وعاد قريباً فإن التحية لا تشرع له ، وإن عاد بعيداً أو طال الفصل عرفاً فإن التحية لا تشرع له ولو كان ينوي الرجوع.
س12 : هل يجوز تناقل تفسير الأحلام بوسائل الجوال بأن ليلة القدر هي ليلة كذا وأن الرؤى قد تواطأت على ذلك ؟
نقول : إن الاشتغال بمثل هذه الأمور مما يلهي ، والأولى للمسلم أن يشتغل بالعبادة في كل العشر ؛ لأن هذه الرؤى قد تصدق وقد لا تصدق ، فالأولى ترك مثل هذا والاشتغال بالذكر والصلاة والعبادة في عموم الليالي العشر إنما هي ليال معدودة .
س 13 : ما حكم الاعتكاف في المصليات والمراكز الإسلامية والساحات غير المسورة والزيادات غير الملحقة لغير الصلاة كالمكتبة ومقر التحفيظ والتوعية ونحوها؟(1/69)
المشروع أن يعتكف في المسجد وكل ما كان تابعاً للمسجد كالمكتبة ، حتى ذكر العلماء المنارة التي بابها إلى المسجد لا بأس أن يصعدها المعتكف ، وكذلك رحبة المسجد إذا كانت محوطة فإنه لا بأس أن يخرج إليها وأما إذا كانت غير محوطة فإن المعتكف لا يخرج إليها ، وكذلك مصلى النساء الملاصقة للمسجد ومقر التوعية والتحفيظ .
س 14 : ما حكم الخروج المستغرق لأكثر وقت الاعتكاف مما لا بد منه : كالدوام والدراسة كما في الخارج ؟
الخروج للدوام هذا خروج لأمر ينافي الاعتكاف والخروج لأمر ينافي الاعتكاف من تحصيل أمور الدنيا ونحو ذلك : هذا لا يصح حتى لو كان بالشروط ويكون مبطلاً للاعتكاف .
س 15 : ما حكم الاشتغال بسماع الراديو وتتبع الأخبار بقراءة الصحف والمجلات للمعتكف عند خروجه لشراء طعام أو شراب ؟
الاشتغال بسماع الراديو هذا داخل في التحدث، والمعتكف يباح له أن يتحدث وقد زار النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه وتحدثن معه فهذا لا بأس به وليس في ذلك محظور شرعي .
س16- ما حكم شحن الجوال من كهرباء الحرم أو المسجد عموماً ؟
شحن الجوال من كهرباء الحرم أو المسجد الذي يظهر أن هذا جائز وذلك :
أولاً : أن هذه أمور يسيره .
ثانياً : أن هذه الكهرباء - وإن كانت وقفاً - فإنها استخدمت فيما وضعت له ؛ لأن المعتكف بحاجة إلى أن يتكلم في الهاتف ، وأن يكلم أهله ونحو ذلك .
فاستخدام مثل هذا كاستخدام المصباح للقراءة، والتكييف للتبريد، والفرش للجلوس عليه ونحو ذلك. لكن إن احتاط وشحن بقدر ما يحتاج إليه في أثناء الحديث في المسجد فهذا هو الورع .
س17 : ما حكم الخروج لغسل الملابس في المغسلة ؟
الخروج لغسل الملابس في المغسلة هذا خروج لأمر مباح لحاجة الإنسان ، فإذا احتاج أن يخرج لمثل هذا العمل فإن هذا جائز ولا بأس به كحاجته لشراء الطعام ، وبيت الخلاء ونحو ذلك ، وقد ذكرنا في كتابنا : فقه الاعتكاف ما يتعلق بالخروج وأقسام الخروج ، فيرجع إلى ذلك .(1/70)
س18 : إذا كان بعض المطاعم أقرب من بعض فهل المعتكف بالخيار إلى أن يذهب إلي أيها شاء أو يجب عليه أن يذهب للأقرب منها ؟
إذا كان بعض المطاعم أقرب من بعض واحتاج المعتكف إلى أن يخرج إلى المطعم فإنه يأخذ من المطعم الأقرب إليه ؛ لأن الأصل أن الخروج للمعتكف ممنوع ، إذ أن اللبث في المسجد هو ركن الاعتكاف ، فالحاجة تقدر بقدرها ، لكن إذا كان المطعم الأقرب إليه لا يلائمه طعامه ونحو ذلك ، فإنه ينتقل إلى المطعم الذي يليه بحيث يكون طعامه ملائماً .
س19 : ما حكم الخروج للاتصال من الكبائن المجاورة للحرم ، وذلك للسؤال عن أحوال الأهل والأقرباء ؟
سبق أن بينا أن اللبث في المسجد هو ركن الاعتكاف والخروج مبطل من مبطلات الاعتكاف ، فالخروج للاتصال من الكبائن لا يجوز وهو مبطل للاعتكاف لكن إذا خرج الإنسان لقضاء حاجة أو غسل أو وضوء فبإمكانه أن يتصل أثناء مروره ويسأل عن أهله ، وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها أنها لا تسأل عن المريض إلا وهي مارة .
س20 : هل يجوز التحدث بالجوال في المسجد أثناء الاعتكاف عن البيع والشراء ونحو ذلك ؟
الحديث في المسجد في الجوال أو غيره في أمور الدنيا ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الحديث في أمور الدنيا بغير عقد كالحديث عن أمور الزراعات والصناعات والتجارات ونحو ذلك ، فهذا كرهه العلماء رحمهم الله ، لأن المساجد لم تبن لهذا .
القسم الثاني : الحديث في عقود المعاوضات : البيع والشراء والإجارة والمزارعة والمساقاة ونحوها من العقود التي يقصد منها الكسب والتجارة فهذه العقود لا تجوز كما هو مذهب الإمام أحمد ~ . والعقد باطل لقوله - صلى الله عليه وسلم - :«إذا رأيتم من يبتاع في المسجد فقولوا له : لا أربح الله تجارتك » ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن المساجد « لم تُبنَ لهذا»فيما يتعلق بنشد الضالة ونحو ذلك .(1/71)
أما العقود التي لا يقصد منها الكسب والتجارة ، وإنما يقصد منها الإرفاق والإحسان أو عقد النكاح :كالصدقة ، والوقف ، والوصية ، ، والضمان ، والكفالة ، وقضاء الديون ونحوها فهذه جائز ولا بأس بذلك .
س21: ما حكم الأكل من السفر التي تفرش للإفطار؟
الأكل من السفر التي تفرش للإفطار لا بأس به ، والعلماء ذكروا أن تقديم الطعام قرينة على الأكل ، وأهلها يفرشونها ويقدمونها ، وهو من قبيل دعوة المسلم لأخيه المسلم ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال :« حق المسلم على المسلم خمس وفي رواية ست وذكر منها : وإذا دعاك فأجبه »فهذا داخل في دعوة المسلم لأخيه المسلم ، وهذا من قبيل الكرم ومحاسن الأخلاق ، وكونه يجيب هذه الدعوة هذا من قبيل إجابة دعوة أخيه المسلم وإدخال السرور عليه ، وقال - صلى الله عليه وسلم - :« أخوكم دعاكم وتكلف لكم كل وصم يوماً مكانه ».
س22 : نحن مجموعة من المعتكفين مكان نومنا ( في القبو ) الدور السفلي لكن وقت الإفطار نصعد للسطح ونصلي التراويح والتهجد هناك هل فعلنا صحيح ، أم نبقى في موضع اعتكافنا ؟
جـ : هذا الصعود لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يتضمن خروجاً من المسجد .
الأمر الثاني : أن لا يتضمن خروجاً من المسجد .
الأمر الأول : إن كان يتضمن خروجاً من المسجد فإن المعتكف عليه أن يشترط لأن خروجه إلى السطح لأجل الصلاة لفعل قربة يرى أن مكانها أهيؤ لها. وقد ذكر العلماء أن خروج المعتكف لأجل قربة هذا جائز بالشرط لحديث ضباعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فقالت : يا رسول الله إني أريد الحج وأجدني وجعة فقال : حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني .
الأمر الثاني : أن لا يتضمن ذلك خروجاً من المسجد فإن هذا جائز ولابأس به ، بل إذا كان صعودهم إلى السطح وصلاتهم فيه أخشع لهم وأصلح لقلوبهم فإن الأفضل أن يصعدوا ويصلوا في السطح .(1/72)
س23 : ما حكم الاجتماع للفطور والعشاء كل ليلة بين المعتكفين ، وهل يجب أن تلبى الدعوة في هذه الحال ؟
الاجتماع للفطور والعشاء كل ليلة بين المعتكفين : جائز لأن هذا الاجتماع من قبيل العادات والأصل في ذلك الحل .
وأما هل تلبى الدعوة في هذه الحال ؟ نقول : نعم إذا دعاك أخوك فالمشروع لك أن تلبي دعوته كما تقدم .
س24 : ما حكم البيع والشراء اللا حاجي بواسطة الأجهزة من المعتكف، وكذا إذا خرج لما لا بد منه ؟
البيع والشراء إذا كان داخل المسجد تقدم الكلام عليه ، وأما إذا كان خارج المسجد فإنه لا يجوز إلا للأمور التي يحتاجها لطعام أوشراب أو لباس ونحو ذلك .
س25 : إذا دُعي المعتكف للإفطار عند بعض الأشخاص في منزله ، هل يذهب إليه ، وإذا ذهب ثم عاد هل ينوي إكمال اعتكافه أو أنه ينوي اعتكافاً جديداً ؟
الخروج للمعتكف كما تقدم أنه لا يخرج إلا مالا بد له منه؛ فالطعام والشراب هذا لا بد منه فإذا لم يكن عنده أحد يأتيه بالطعام والشراب في مكان اعتكافه ، فإنه لا بأس أن يخرج إلى بيته ، لكن إذا كان البيت الذي دُعي إليه أقرب من بيته وليس هناك أحد يأتيه بالطعام والشراب ، فإنه إذا دعي إلى هناك فلا بأس أن يذهب .
س26 : يوجد بعض حلقات التحفيظ تجتمع في مسجد واحد للاعتكاف، ويكون ذهابهم وإيابهم وأكلهم ونومهم واحد ، فهل هذا اعتكاف صحيح ؟
نعم هذا اعتكاف صحيح وسبق أن أجبنا على شيء من ذلك .(1/73)