الاعتداء في الدعاء
هيثم حيدر
قال تعالى : ? وَإذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ?
( 186 ـ البقرة )
قال تعالى : ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ?
( 60 ـ غافر )
قال تعالى : ? ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ?
( 55 ـ الأعراف )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصَّلاَةُ والسَّلاَمُ على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد ،
فيقول الله عزَّ وجلَّ : ? وَإذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ? ( 186ـ البقرة )، وهي دَعْوَةٌ كَرِيمَةٌ مِنْ ربٍّ قَرِيبٍ مُجِيب الدُّعَاء لأن ندعوه ونستجيب له ونؤمن به سبحانه 0
ولا شك أن الدُّعاء عبادة من أكْرَمِ العبادات وأجلِّها ، إذ فيها تتجلى مظاهر التَّعَبُدُ ومعاني التَّألُهِ ، فهي إقرار بربوبية الله سبحانه يدفع المؤمن للإقرار بافتقاره إلى ربِّه وعبوديته له ، وبهذا نفهم قوله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة "(1)، فإذا كان الدعاء على هذه المنزلة الرفيعة الكريمة فحري بمن يدعوا ربَّه أن ينزه دعائه عن الشوائب التي تَخِلُّ بأدب الدعاء ، وتكون سببا في منع إجابته 0
ومن بين هذه الشوائب الاعتداء في الدعاء ، ولقد أحسن كاتب هذه الرسالة في الكتابة حول هذا الموضوع ، فرسالته هذه تسهم في تثقيف قارئها فيما ينبغي عليه من صيانة دعائه عمّا يبطله ، وهو أمر يقبح الجهل به ويحسن بالمسلم العلم به 0
__________
(1) أنظر صحيح الجامع رقم : 3407 0(1/1)
ولقد قرأت رسالة أخي الكريم الأستاذ هيثم حيدر ، ووجدتها مفيدة في موضوعها ، نافعة في بابها ، زينها كاتبها بنصوص جليلة نقلها عن العلماء مستدلا بالآيات القرآنية الكريمة وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الشريفة ، كما أنه أحسن تقسيم الرسالة وتبويبها بما يقرب الفائدة من القارئ ويسهل عليه الاستفادة منها 0
وأحتفظ للكاتب ـ وفقه الله ـ بحقه فيما أبداه من رأي حول مسائل هذا الموضوع 0
سائلاً الله عزَّ وجلَّ أن يجعل ما كتب في ميزان حسناته وأن ينفع بما كتب المسلمين ، وأن يوفقنا سبحانه إلى التزام الأدب في الدعاء ، وأن يستجيب دعائنا، إنه سبحانه قريب مجيب الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين ، وصل الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه المستشار الشرعي
د. عيسى زكي عيسى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ،
فقد قرأت هذه الرسالة القيمة العظيمة الفائدة التي أعدها الأخ الفاضل هيثم حيدر حفظه الله ، والتي جمع فيها الكثير من الآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم من السلف والخلف حول موضوع الدعاء والنهي عن الاعتداء فيه ، وهو كعادنه إذا بحث في مسألة استقصى جميع وقائعها ، وجمع كل ما يتعلق بها ، واعتنى بإخراجها في أبهى صورة وأجملها ، وهذا ما عرفته عنه عن قرب عندما كان موظفا معنا في مكتب الشئون الشرعية في بيت الزكاة 0(1/2)
والذي دفعه إلى إعداد هذه الرسالة القيمة غِيِرَتُهُ على السُّنَّة وما رآه من الناس عامة ومن بعض الأئمة خاصة من اعتداء في الدعاء ومجاوزة الحدِّ المشروع فيه ، فنجد بعض الأئمة خاصة في رمضان عندما يدعوا في القنوت يمكث ما يقرب من نصف ساعة أو أقل منها بقليل وأنت تقف خلفه ولا تعرف هل هذه خطبة أم موعظة أو ذكر ؟ أم أنه دعاء ؟!! ناهيك عن الترنم في الصوت والإعادة والتكرار لاستدرار صياح وصراخ ودموع المصلين 0
وهذه الإطالة تفقد الخشوع وتصيب الإنسان بالملل ، والأسف في وقت واحد لما يرى من حال هؤلاء وهم يخالفون كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم وهدي سلف الأمة في الدعاء 0
فأتمنى لو عُممت هذه الرسالة على جميع الأئمة بصفة خاصة ، ولعموم المسلمين لما فيها من فوائد كثيرة يستفيد منها كل من قرأها 0
فجزى الله صاحب هذه الرسالة خير الجزاء ، وجعلها في ميزان حسناته يوم العرض عليه ، إنه نِعم المولى ونِعم المجيب ، والحمد لله رب العالمين 0
كتبه الشيخ / على سعود الكليب
مدير مكتب الشئون الشرعية ـ بيت الزكاة
إمام وخطيب ـ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يَدَيِّ الرسالة
الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدِّيِنِ 0
إنَّ من علامات العبودية أن يُظهر العبد ضَعْفَهُ وعَجْزَهُ ويُعْلِنَ حَاجَتَهُ وافتقاره إلى خَالِقِهِ جَلَّ وعَلاَ ، وهذا أقوى مظاهر العبودية أن يقف المخلوق خاضعاً ذليلاً بين يدي رَبِّه سبحانه يدعوه وهو يرجو رحمته ويخاف عذابه 0(1/3)
والدُّعَاءُ تلك العبادة العظيمة مَظْهَرٌ جَلِيٌّ من مظاهر العبودية وصِدْقِ التَّوَجُهِ إلى الله تعالى، والشَّيْطَانُ الرَّجِيمِ الذي طرده الله عَزَّ وجَلَّ من رحمته وأخرجه من جَنَّتِهِ صاغراً ذليلاً تَوَعَّدَ بالقُعُودِ لِلْمُسْلِمِ في طريق اَلْحَقِّ حتى يُضِلَّهُ ويجعله يَحِيدُ عنه، قال سبحانه وتعالى على لسان إبليس بعد أن طَرَدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ وحَلَّتْ عليه لعنته ? قَالَ فَبِمَا أغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ? ( 16ـ الأعراف ) والمعنى أن الشيطان يواظب على الإفساد مواظبة لا يَفْتُر عنها أبدا ، وتأمل في تعبير ? لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ? تَعْلَمَ أن الشيطان لا ييأس من إغواء بني آدم حتى لو كان على الصراط المستقيم ، حتى لو كان بني آدم على طريق اَلْحَقِّ ، الطريق المؤدية إلى اَلْجَنَّةِ واَلْمُوصِلَةِ إلى مَرْضَاةِ الله تعالى؛ يَقْعُدُ له الشيطان فيها ويُوَسْوُسُ له، لا بِتَرْكِ العِبَادَةِ، بَلْ بالعمل على إفسادها إما بالنقص منها أو الزيادة عليها، مما يُوجِبُ إفسادها أو التَّقْلِيلِ من أجْرِهَا وثَوَابِهَا ، والشيطان لا يَفْتَر يَغْوِي المسلم ويوسوس له حنى يُضَّيِعَ منه ولو حَسَنَةً واحدة ، فهذا العهد الذي أخذه على نفسه 0
ومن مصائد الشيطان التي يَنْصِبُهَا للمسلم مَصْيَدَةُ الاِعْتِدَاءُ في الدُّعَاء ، الذي هو تَجَاوُزٌ وغُلُوٌ نُهِينَا عنه بِنَصِ القرآن الكريم والسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ المُطَهَرَةِ كما سيأتي 0(1/4)
فالخُرُوجُ عَنْ الوَسَطِ ومُجَاوَزَةُ حَدِّ الاِعْتِدَالِ خَطْوُ إبْلِيسِ، ومَسْلَكٌ شَيْطَانِيٌّ ، يقول بعض السَّلَفِ: مَا أمَرَ الله تَعَالَى بِأمْرٍ إلاَّ وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ: إمَّا إلى تَفْرِيطٍ أو تَقْصِيرٍ، وإمَّا إلى مُجَاوَزَةٍ وغُلُوِ، ولا يُبَالِي إبْلِيسُ بأيِّهِمَا ظَفِرَ(1) 0
وسنحاول في هذه الرسالة بيان النَّهْيِ عن الاِعْتِدَاء في الدُّعَاء من خلال الأدلة الشرعية ، وضرورة الالتزام بالدُّعَاءِ المأثور لما فيه من الجمع بين فضيلتين: فَضِيلَةُ الدُّعَاءِ، وفَضِيلَةُ اِتْبَاعِ السُّنَّةِ المُطَهَرَةِ، مِمَّا يَجْعَلُ الدُّعَاءَ أقْرَبُ مِنِ القَبُولِ وأدُعَى للإجَابَةِ 0
مَعْنَى اَلْدُّعَاءِ وَحَقِيقَتِهِ :
قال ابن منظور الدُّعَاءُ: هو الرَّغْبَةُ إلى الله عَزَّ وجَلَّ(2) 0
وقال ابن القيم الدُّعَاءُ هو: طَلَبُ ما يَنْفَعُ الدَّاعِي، وطَلَبُ كَشْفِ ما يَضْرُّه أو دَفْعِهِ(3) 0
وقال الخطَّابي: معنى الدُّعَاء اِسْتشدْعَاءُ العبدِ ربَّهُ عَزَّ وجَلَّ العِنَايَةَ، واِسْتِمْدَادُهُ منه المَعُونَةَ 0
وحقيقته: إظْهَارُ الافْتِقَارِ إلى الله تعالى، والتَّبرُؤ من الحول والقوة، وهو سِمَةُ العبودية، واسْتِشْعَارُ الذِّلْةِ البَشَرِيَّةِ، وفيه معنى الثَّنَاءُ على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجُودِ والكَرَمِ إليه(4) 0
__________
(1) الفقرة من خطبة الجمعة للشيخ صالح بن حميد من المسجد الحرام ، يمكن قراءتها أو الاستماع إليها عبر موقع: www.alminbar.net 0
(2) لسان العرب ج 1 ، ص 986 ، مادة دعا 0
(3) أنظر بدائع الفوائد ، ج 3 ، ص 2 0
(4) أنظر شأن الدعاء ، ص 4 0(1/5)
وقال الشيخ علي الحذيفي: حقيقة الدعاءِ تَعْظِيمُ الرَّغْبَةِ إلى الله في قضاءِ الحاجاتِ الدُنْيِوِيَةِ والأخْرَوِيَةِ ، وكَشْفِ الكُرُبَاتِ ودَفْعِِ الشُّرُورِ والمَكْرُوهَاتِ الدُّنيوية والأخْرَوِيَةِ(1).
فَضْلُ اَلْدُّعَاء وَبَيَانُ أنَّ اَلْدُّعَاء مِنْ أعْظَمِ أنْوَاعِ اَلْعِبَادَاتِ
فَضْلُ اَلْدُّعَاء:
قال تعالى: ? وَإذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ? ( 186ـ البقرة )
قال ابن كثير في تفسيره على الآية: المراد أنَّه تعالى لا يُخَيِّبُ دُعَاءَ دَاعٍ ولا يُشْغَلُهُ عنه شيء، بل هو سَمِيعُ الدُّعَاءِ، ففيه تَرْغِيبٌ في الدُّعَاءِ وأنه لا يَضِيعُ لَدَيْهِ سُبْحَانَهُ0
__________
(1) من خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية لفضيلة الشيخ : علي الحذيفي بتاريخ : 13- 4-1424هـ وهي بعنوان : فضل الدعاء وآدابه، يمكن قراءتَها أو الاستماع إليها عبر موقع: www.alminbar.net 0(1/6)
وبَيَّنَ تعالى أنَّه يُنْعِمُ على من تَوَجَهَ إليه بالدُّعَاء، يُنْعِمُ عليه بِنِعْمَةِ الإجابة ولايَرُدُّهُ خائباً فقال ? وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ? ( 75 ـ الصافات ) قال ابن الجوزي في تفسيره زَادُ اَلْمَسِيرِ على الآية الكريمة ? نَادَانَا ? أي دَعَانَا، وقال الرازي: هذه اللفظة العظيمة ? فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ? تدل على أن الإجابة من النِّعَمِ العظيمة، فسبحانه عبَّر عن ذاته بصيغة اَلْجَمْعِ فقال ? نَادَانَا ? والقَادِرُ العَظِيمُ لا يَلِيقُ به إلا الإحْسَانُ العظيم، وسبحانه أعَادَ صيغة الجَمْعِ في قوله ? فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ? ليدل على تَعْظِيمِ تلك النِّعْمَةِ، لا سيما وقد وُصِفَتُ تلك الإجابة بأنَّها نِعْمَتُ الإجابة، والفَاءُ في قوله تعالى ? فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ? يدل على أنَّ حُصُولَ هذه الإجابة مُتَرَتِبٌ على ذلك الدُّعَاءِ ، وهذا يدل على أن الدُّعَاءَ بالإخْلاَصِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الإجَابَةِ(1) 0
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إلَيْهِ يَدَيْهِ أنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ" 0 ( رواه الترمذي )(2)
قال العلماء: لا يَخْفَى أنَّ الكَرَمَ والحَيَاءَ إذا اجْتمَعَا يَكْونُ صَاحِبْهُمَا كَمَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ أنَّ يَتْرُكَ العَطَاءَ مِنَ السَّائِلِينَ والضُّعَفَاءِ(3) 0
__________
(1) بتصرف يسير عن تفسير الرازي على الآية ( 75 ـ الصافات ) 0
(2) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 2819 0
(3) أنظر شرح سنن ابن ماجه للسندي ، حديث رقم : 3855 0(1/7)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدْرٍ، و الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ و ِمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، و إنَّ البَلاَء َلَيَنْزِل، فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ ، فَيَعْتَلِجَانِ(1) إلى يَوْمِ القِيَامَةِ "(2) 0
قال ابن القيم: الدُّعَاءُ من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يُدَافِعُهُ ويُعَالِجُهُ ويَمْنَعَ نُزُولُهُ ويَرْفَعُهُ أو يُخَفِفُهُ إذا نَزَلَ، وهو سِلاَحُ المؤمن0
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ شَيْءٌ أكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ "0 ( رواه الترمذي)(3)
قال في تُحْفَةُ الأحوذي بشرح جامع الترمذي: لأنَّ فِيهِ إظْهَارَ الفَقْرِ والعَجْزِ والتَّذلُّلِِ والاعْتَرَافِ بِقِوَةِ الله وقُدْرَتِهِ 0
وقال العلماء: اِحْتَلَّ الدعاء تلك المنزلة العظيمة والمكانة الكريمة لِدَلاَلَتِهِ على قُدْرَةِ الله تعالى الغَنِيِّ الجَوَادِ الكَرِيمِ وعَجْزِ الدَّاعِي الفَقِيرِ إلى الله تَعَالَى(4) 0
اَلْدُّعَاء مِنْ أعْظَمِ أنْوَاعِ اَلْعِبَادَاتِ:
قال ابن رَجَبٍ: اعلم أن سُؤالَ الله عَزَّ وجَلَّ دُونَ خَلْقِهِ هو اِلْمُتَعَيِنُ، لأن السؤال فيه إظهار الذُلِّ من السائل والمَسْكَنَةِ والحَاجَةِ والافْتِقَارِ، وفيه الاعتراف بِقُدْرَةِ المَسْؤولِ على رَفْعِ هذا الضُّرِّ ونَيْلِ المطلوب، وجَلْبِ المَنَافِعِ ودَرْءِ المَضَارِ، ولا يَصْلُحُ الذُلُّ والافْتِقَارُ إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة(5) 0
__________
(1) يَعْتَلِجَانِ أي : يتصارعان ويتدافعان 0
(2) رواه الحاكم عن السيدة عائشة رضي الله عنها ، أنظر صحيح الجامع رقم : 7739 0
(3) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 3370 0
(4) أنظر فيض القدير الحديث رقم 7602 ، ج 5 ، ص 443 0
(5) أنظر جامع العلوم والحكم (ص180، 181).(1/8)
وعن النُّعْمَانُ بن بَشِيرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةِ " ثُمَّ قَرَأ: ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ? ( رواه الترمذي )(1)
قال في تُحْفَةِ الأحْوَذِي بشرح جامع الترمذي(2): إنَّ الدُّعَاءَ هو الْعِبَادَةُ سَوَاءٌ اُسْتُجِيبَ أوْ لَمْ يُسْتَجَبْ لأنَّهُ إِظْهَارُ الْعَبْدِ الْعَجْزَ وَالاحْتِيَاجَ مِنْ نَفْسِهِ وَالاعْتِرَافَ بِأنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إجَابَتِهِ كَرِيمٌ لا بُخْلَ لَهُ ولا فَقْرَ ولا اِحْتِيَاجَ لَهُ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى يَدَّخِرَ لِنَفْسِهِ وَيَمْنَعَهُ مِن عِبَادِهِ، ثُمَّ قال: اِسْتُدِلَّ بِالآيةِ عَلَى أنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ لأنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ عِبَادَةٌ، ثُمَّ نَقَلَ عن الطِّيبِيُّ أنَّه قال: الدُّعَاءُ هو إِظْهَارُ غَايَةِ التَّذَلُّلِ وَالافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ وَالاسْتِكَانَةِ لَهُ وَمَا شُرِعَتْ الْعِبَادَاتُ إِلاَّ لِلْخُضُوعِ لِلْبَارِي سُبْحَانَهُ وَإِظْهَارِ الافْتِقَارِ إليهِ تَعَالىَ0
وقال الفَخْرُ الرَّازي(3): لا مَقْصُودَ من جميع التَّكَالِيفِ إلا مَعْرِفَةُ ذُلِّ العُبُودِيَةِ وعِزَّ الرُّبوبِيَةِ، فإذا كان الدُّعَاءُ مُسْتَجْمِعاً لهذين المَقَامَيْنِ، لا جَرَمَ كان الدُّعَاءُ أعْظَمَ أنواع العبادات 0
__________
(1) انظر صحيح الترمذي رقم : 2590 0
(2) أنظر باب: الدعوات عن رسول الله، حديث رقم: 3294 0
(3) أنظر تفسير الرازي على الآية ( 55 ـ الأعراف ) 0(1/9)
وقال الشوكاني(1): الآية الكريمة دَلَّتْ على أن الدُّعَاءَ من العبادة، فإنه سبحانه وتعالى أمَرَ عباده أن يَدْعُوهُ ثم قال: ? إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ? فأفاد ذلك أن الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ، وأنَّ تَرْكَ دُعَاءُ الرَّبِّ سبحانه اسْتِكْبَارٌ ، ولا أقْبَحَ من هذا الاسْتِكْبَار 0
وقال الفَخْرُ الرَّازي(2): من المعلوم بالضرورة أن الإنسان لا يَنْتَفِعُ في يوم القيامة إلا بطاعة الله تعالى، فلا جَرَمَ كان الاشتغال بالطَّاعَةِ مِنْ أهَمِّ اَلْمُهِمَاتِ، ولَمَّا كان أشرف أنواع الطَّاعات الدُّعَاءُ والتَّضَرُعُ، لا جَرَمَ أمَرَ الله سبحانه وتعالى به في هذه الآية فقال: ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ ?0
وقال الفَخْرُ الرَّازي أيضاً على قوله سبحانه وتعالى: ? وَإذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ? ( 186 ـ البقرة ) قال: إن الدُّعَاءَ مِنْ أهِمِّ مَقَامَاتِ اَلْعُبُودِيَّةِ 00 فَثَبَتَ أنَّ الدُّعَاءَ يُفِيدُ القُرْبَ من الله تعالى، فَكَانَ الدُّعَاءُ أفْضَلَ العبادات 0
وقال السِنْدِيُّ في شرحه لِسُنَنِ ابن مَاجَه : الدُّعَاءُ من وظائف العبودية بل أعلاها00 ومن يعلم أن حقيقة العبادة إظُهَارُ التَّذَلُلِ والاِفْتِقَارِ والاِسْتِكَانَةِ، والدُّعَاءُ في ذلك في الغاية القصوى، يَظْهَرُ له سِرُّ كَوْنَ الدُّعَاءِ مُخُّ العِبَادَةِ(3)0
__________
(1) أنظر تحفة الذاكرين ، ص 28 0
(2) أنظر تفسيره على الآية ( 60 ـ الأعراف ) 0
(3) أنظر شرح السندي لسنن ابن ماجه على الحديث رقم : 3817 ، وحديث " الدعاء مخ العبادة " رواه الترمذي وضعفه الألباني 0(1/10)
وقال الشيخ علي الحُذَيْفِيُّ : الدُّعَاءُ تتحقق به عبادة ربِّ العالمين؛ لأنه يتضمَّن تَعَلُّقَ القلبِ بالله تعالى، والإخلاص له، وعدم الاِلْتِفَاتِ إلى غير الله عزّ وجلّ في جَلْبِِ النَّفْعِ ودَفْعِ الضُّرِ، ويتضمَّن الدُّعَاءُ اليقين بأن الله قدير لا يُعجزه شيء00 ويتضمَّن الدّعاءُ اِفْتِقَارَ العبدِ وشِدَّةَ اضطرارِه إلى ربّه، وهذه المعَاني العظيمةُ هي حقيقةُ العِبادة(1)0
فإذا علمت أن الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ، فالأصل فيها: الاِتِّباَعُ وَعَدَمِ الاِعْتِدَاءِ، والاِتِّباَعُ في عِبَادَةِ الدُّعَاء يَجْمَعُ لك أجْرَيْنِ: أجْرُ الدُّعَاءِ، وأجْرُ الاِتِّباَعِ 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المَشْرُوعُ للإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة؛ فإن الدُّعَاءَ من أفضل العبادات، وقد نَهَانَا الله عن الاِعْتِدَاءِ فيه، فينبغي لنا أن نَتَبِعَ ما شُرِّعَ وسُنَّ، كما أنه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات، والذي يَعْدِلُ عن الدُّعَاءِ المُشْرُوعِ إلى غيره، الأحْسَنُ له أن لا يَفُوتَهُ الأكْمَلُ والأفْضَلُ، وهي الأدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ، فإنَّها أفْضَلُ وأكْمَلُ باتفاق المسلمين من الأدعية التي ليست كذلك وإن قالها بعض الشيوخ، فكيف وقد يكون في عَيْنِ الأدعية ما هو خطأ أو إثم أو غير ذلك ؟!
ومن أشَدِّ الناس عَيْباً من يَتَّخِذُ حِزْباَ ليس بمأثور عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَدَعُ الأحزاب النَّبَوِيَّة التي كان يقولها سَيُّدُ بَنِي آدَمَ وإمَامُ الخَلْقِ وحُجَّةُ الله على عباده(2) 0
تَعْرِيَفُ الاِعْتِدَاءِ:
__________
(1) من خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة المنورة لفضيلة الشيخ : علي الحذيفي بتاريخ : 13- 4-1424هـ وهي بعنوان : فضل الدعاء وآدابه ، يمكن قراءتها أو الاستماع إليها عبر موقع : www.alminbar.net على الشبكة العنكبوتية 0
(2) أنظر مجموع الفتاوى ، ج 22 ، ص 308 0(1/11)
قال القرطبي: اَلْمُعْتَدِيِ هو اَلْمُجَاوِزُ لِلْحَدِّ ومُرْتَكِبُ اَلْحَظْرِ 0
وقال الفخر الرازي ? اَلْمُعْتَدِينَ ? أي: اَلْمُجَاوِزِينَ ما أمِرُوا بِهِ0
وقال ابن منظور(1): يُقَالُ: تَعَدَّيْتُ الحَقَّ، واِعْتَدَيْتُهُ، وعَدَوْتهُ، أي: جَاوُزْتهُ، وفي الحديث: " سيكون قوم يعتدون في الدُّعَاءِ "، هو الخُرُوجُ فيه عن الوضع الشَّرْعِيِّ والسُّنَّةُ المأثورة 000وقال : أصل هذا كلِّه: مُجَاوَزَةُ اَلْحَدِّ، وَاَلْقَدْرِ، وَاَلْحَقِّ 0
اَلْقُرْآنُ اَلْكَرِيم يَنْهَى عَنْ اَلاِعْتِدَاءِ فِيِ اَلْدُّعَاءِ:
قال عَزَّ وَجَلَّ: ? ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتدِينَ ? ( 55 ـ الأعراف )
عَنْ اِبْن عَبَّاس رضي الله عنهما قال: ? إِنَّهُ لا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ ? فِي الدُّعَاء وَلا فِي غَيْره(2) 0
وعن قتادة قال: تَعَلَّمُوا أنَّ في بَعْضِ الدُّعَاءِ اِعْتِدَاءٌ فَاجْتَنِبُوا العُدْوَانَ وَالاِعْتِدَاءَ إنْ اسْطَعَتْمُ ولا قُوَّةَ إلاَّ بالله (3) 0
وقال الطبري: وأمَّا قوله عَزَّ وَجَلَّ ? إِنَّهُ لا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ ? مَعْنَاهُ: إِنَّ رَبّكُمْ لا يُحِبّ مَنْ اِعْتَدَى فَتَجَاوَزَ حَدّه الَّذِي حَدَّهُ لِعِبَادِهِ فِي دُعَائِهِ وَمَسْألَته رَبّه(4) 0
اَلْسُّنَّةُ اَلْمُطَّهَرَةُ تَنْهَى عَنْ اَلاِعْتِدَاءِ فِيِ اَلْدُّعَاءِ:
__________
(1) أنظر لسان العرب مادة : عدا ، ج 2 ، ص 711 0
(2) أنظر تفسير ابن كثير على الآية ( 55 ـ الأعراف ) 0
(3) أنظر الدُّرِّ المَنْثُورِ في التفسير بالمأثور على الآية ( 55 ـ الأعراف ) 0
(4) أنظر تفسير الطبري على الآية ( 55 ـ الأعراف ) 0(1/12)
نَهَتْ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ المُطَهَرِّةُ وحَذَرَتْ مِنَ الاِعْتِدَاءِ في الدُّعَاءِ، ففي الحديث عن أبي نَعَامَةَ(1) أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الْقَصْرَ الأبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أيْ بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ(2) وَالدُّعَاءِ"0 ( رواه أبو داود)(3)
__________
(1) أَبِو نَعَامَة اسْمه: قَيْس بْن عَبَايَة الْحَنَفِيّ الْبَصْرِيّ0
(2) فائدة: قال في عون المعبود: الاعتداء في الطهور بالزيادة على الثلاث ، وإسراف الماء ، وبالمبالغة في الغسل إلى حد الوسواس ، أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو في شاطئ البحر، لما أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بسعد وهو يتوضأ ، فقال : " ما هذا السَّرَفُ يا سعد؟ " قال: أفي الوضوء سَرَفٌ ؟! قال: " نعم، وإن كُنْتَ على نهر جَارٍ "، ثم قال: وحديث ابن مغفل هذا يتناول الغسل والوضوء وإزالة النجاسة0
(3) أنظر صحيح سنن أبو داود رقم : 87 0(1/13)
وعن مَوْلًى لِسَعْدٍ أنَّ سَعْدًا سَمِعَ ابْنًا لَهُ يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَإسْتَبْرَقَهَا وَنَحْوًا مِنْ هَذَا، وأعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَسَلاسِلِهَا وَأغْلالِهَا، فَقَال:َ لَقَدْ سَألْتَ اللَّهَ خَيْرًا كَثِيرًا وَتَعَوَّذْتَ بِاللَّهِ مِنْ شَرٍّ كَثِيرٍ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّهُ سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ" وَقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ ? ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ? وَإِنَّ حَسْبَكَ أنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ وَأعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ0 ( رواه أحمد )
وعن أبِي نَعَامَةَ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أسْألُكَ الْقَصْرَ الأبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أيْ بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَعُذْ بِهِ مِنْ النَّارِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ"0 (رواه ابن ماجه )(1)
__________
(1) أنظر صحيح سنن ابن ماجه رقم : 3116 0(1/14)
وعن أبي نَعَامَةَ عن ابن لسعد(1) أنه قال: سَمِعَنِي أبِي وَأنَا أقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا وَكَذَا وَكَذَا وَأعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَسَلاسِلِهَا وَأغْلالِهَا وَكَذَا وَكَذَا فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ " فَإِيَّاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، إنَّكَ إِنْ أعْطِيتَ الْجَنَّةَ أعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ، وَإنْ أعِذْتَ مِنْ النَّارِ أعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الشَّرِّ0 ( رواه أبو داود )(2)
اَلاِعْتِدَاءِ فِيِ اَلْدُّعَاءِ يَمْنَعُ مِنَ اَلإجَابَةِ وَاَلْقَبُولِ:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاث:ٍ إِمَّا أنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أنْ يَصْرِف عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا" قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ :" اللَّهُ أكْثَرُ "0 ( رواه أحمد )(3)
قال القرطبي تعليقاُ على الحديث: وحديث أبي سعيد الخدري وإنْ كان إذناً بالإجابة في إحدى ثلاث، فقد دَلَّكَ على صِحَةِ اِجْتِنَابِ الاعْتِدَاء الْمَانِع مِنْ الإجَابَة حيث قال فيه: " لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ "(4)0
__________
(1) هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه 0
(2) أنظر صحيح سنن أبي داود رقم : 1313 0
(3) رمز له الألباني بعلامة الصحة في شرح الطحاوية رقم : 656 0
(4) أنظر تفسير القرطبي على الآية ( 186 ـ البقرة ) 0(1/15)
وقال القُرْطِبِيُّ في موضع آخر عن الاعتداء في الدعاء هو: أن يَدْعُو بما ليس في الكِتَابِ والسُّنَّةِ؛ فَيَتَخَيْرَ ألفاظا مُفْقِرَةٍ وكلمات مُسَّجَعَةٍ قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا مُعَوَلٍ عليها، فيجعلها شعاره ويترك ما دَعَا به رسوله عليه السلام، وكُلُّ هذا يَمْنَعُ مِنْ اِسْتَجَابَةِ الدُّعَاءِ(1).
وقال البغوي: إن للدعاء آدابا وشرائط، وهي أسباب الإجابة، فمن استكملها كان من أهل الإجابة، ومن أخَلَّ بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الإجابة(2)0
مِنْ صُوَرِ الاِعْتِدَاءِ اَلْمَنْهِيُّ عَنْهَا :
أولاُ: النَّهْيُ عَنْ اِسْتِبْدَالِ لَفْظٍ وَارِدٍ ( مَأثُور ) بِغَيْرِهِ:
جاء في الحديث عن الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قَال: قال لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأ وَضُوءَكَ لِلصَّلاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ وَألْجَأتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إلَيْكَ لا مَلْجَأ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ" فَقُلْتُ أسْتَذْكِرُهُنَّ: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، قال: " لا وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ "0 ( رواه البخاري ) وفي رواية للترمذي(3): فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فقال: " قُلْ: قُلْ آمَنْتُ بِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ " 0
__________
(1) أنظر تفسير القرطبي على الآية ( 55 ـ الأعراف ) 0
(2) أنظر تفسير البغوي على الآية ( 186 ـ البقرة ) 0
(3) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 2828 0(1/16)
قال في فتح الباري بشرح صحيح البخاري: الْحِكْمَة فِي رَدِّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى من قال ( الرَّسُول ) بَدَل ( النَّبِيِّ ) أنَّ ألْفَاظ الأذْكَار تَوْقِيفِيَّة، وَلَهَا خَصَائِص وَأسْرَار لا يَدْخُلهَا الْقِيَاس فَتَجِب الْمُحَافَظَة عَلَى اللَّفْظ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ(1) 0
ونقل الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم(2) عن مجموعة من العلماء أنَّ سَبَب الإِنْكَار(3) أنَّ هَذَا ذِكْر وَدُعَاء، فَيَنْبَغِي فِيهِ الاقْتِصَار عَلَى اللَّفْظ الْوَارِد بِحُرُوفِهِ، وَقَدْ يَتَعَلَّق الْجَزَاء بِتِلْكَ الْحُرُوف، وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَات، فَيَتَعَيَّن أدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا، ثم قال: وهذا القول حَسَن 0
__________
(1) أنظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري حديث رقم : 5836 0
(2) أنظر صحيح مسلم بشرح الإمام النووي حديث رقم : 4884 0
(3) أي إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابي رضي الله عنه عندما استبدل لفظة " نبيك " بلفظة رسولك 0(1/17)
وعليه نعلم جَلِيًّا خطأ من يَزَيِدُ أو يُنْقِصَ في الأدعية المأثورة، مع الاحتفاظ بصحة المعنى، فهو مَنْهِيٌّ عنه، وأقَلُّ ما فيه أنه يُفَوِّتَ على الدَّاعِي تَحْصِيلُ أجْرِ وثواب الاِتباع في الدُّعَاءِ، فمثلاً دُعَاءُ القُنُوتِ في صلاة الوتر الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما هو: " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ"(1)، فعندما يدعوا إمام في صلاة الوتر قائلاً: اللهم اهدني يا مولاي فيمن هديت، ويأتي آخر فيقول: اللهم اهدني يا مولاي بفضلك فيمن هديت، وثالث فيقول: اللهم اهدني يا مولاي بفضلك ومنّك وكرمك فيمن هديت و000، نقول له قف! لقد اِعْتَدَيْتَ وتَجَاوَزْتَ الدُّعَاءَ المأثور بإضافتك لألفاظ من عندك حَتْمًا هي ليست بأفضل وأكمل مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم الذي علّم أمته في شخص الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما دعاء كاملاً لا ينقصه شيء، لذا شَدَّدَ الإمام أحمد على من يزيد في ألفاظ القنوت ولو حرفاً واحداً فقال: وقد كان المسلمون يُصَلُّونَ خلف من يَقْنُتُ وخلف من لا يَقْنُتُ ، فإذا زَادَ في القُنُوتُ حَرْفاً 00 فإن كنت في الصلاة فاقطعها(2) 0
__________
(1) الحديث رواه أبو داود ( أنظر صحيح أبو داود : 1263 ) ونصه : عن أبي الحوراء قال : قال الحسن بن علي رضي الله عنهما : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"، وقال الترمذي: لانعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئاً أحسن من هذا 0
(2) أنظر رسالة الصلاة لابن القيم ص 171 0 (نقلا عن كتاب الدعاء لجيلان العروسي ص 584 ) ، وتصفح موقع: arabic.islamicweb.com/Books على الشبكة العنكبوتية 0(1/18)
وكذلك في الدُّعَاءِ المشهور الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها لكي تدعو به إذا وافقت ليلة القدر " اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي "(1) ، فيأتي أحدهم ويدعوا قائلاً : اللهم إنك عَفُوٌ غَفُورٌ تحب العفو فاعف عني، وثاني فيقول : اللهم إنك عفو غفور شكور تحب العفو فاعف عني، وثالث يدعوا فيقول: اللهم إنك عفو غفور شكور جواد رحيم تحب العفو فاعف عني و000، لا شك أن هذا تَعَدِّي مَنْهِيٌ عنه، والتَّعَدِّي يعني: تَجَاوُزُ مَا يَنْبَغِي أنْ يُقْتَصَرَ عَلَيْهِ(2) ، فهذا التَّعْدِي يمنع أجر وفضيلة الاتباع عند الدُّعَاءِ المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل وربما يمنع قَبُوَل الدُّعَاءِ كما أسلفنا 0
فجاهد نفسك أن تتعلم وتحفظ الأدعية المأثورة بِنَصِّهَا، حتى تَدْعُوا بها كاملة كما وردت دون نقص فيها ولا زيادة ، فتنال فضيلة الدُّعَاءِ والاِتِّباَعِ 0
ثانياً: اَلتَّغَنِي وَاَلتَّمْطِيطِ ( تَحْرِيرُ النَّغَمِ ) :
__________
(1) أنظر صحيح ابن ماجه رقم : 3105 ، وورد في سنن الترمذي : " اللَّهُمَّ إنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي " بزيادة لفظة " كريم " 0
(2) أنظر معجم مقاييس اللغة ج 4 ، ص 349 ( نقلا عن كتاب الدعاء لجيلان العروسي ص 173 ) 0(1/19)
قال المناوي(1): قال الكمال ابن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التَّمْطِيطِ، والمبالغة في الصِّيَاحِ، والاشتغال بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظهاراً للصناعة النَّغَمِيَةِ، لا إقَامَةً لِلْعُبُودِيَّةِ، فإنه لا يَقْتَضِي الإجابة، بل هو من مُقْتَضَيَاتِ اَلْرَدِّ، وهذا معلوم إن كان قَصْدُهُ إعْجَابُ الناس به، فكأنه قال إعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وتَحْرِيرِي، ولا أرى تَحْرِيرَ النَّغَمِ في الدُّعَاءِ كما يفعله القرّاء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدُّعَاء والسؤال إذ مقام طلب الحاجة: التَّضَرُّع، لا التَّغَنِي، فاستبان أن ذاك ـ أي التَّغَنِي والتَّمْطِيطُ ـ من مقتضيات اَلْخَيْبَةِ واَلْحِرْمَانِ0أ0هـ
وللأسف احترف بعض الأئمة اَلتَّغَنِي وَاَلتَّمْطِيطِ في الدُّعَاءِ، حتى أنه يَهْتَمُّ بالدُّعَاءِ أكثر من اهتمامه بقراءة القرآن في الصلاة، فتراه يُفْرِغَ جُهْدَهُ في اَلتَّغَنِي بالدُّعَاءِ وتحسين صوته وتَمْطِيطِ الكلام، وربما أجرى على الدُّعَاءِ أحكام تلاوة القرآن الكريم من مَدٍّ وإخْفَاءٍ وإدْغَامٍ، كل هذا لِيَسْتَدِرَّ دموع المصلين ويُرْضِي نفسه بأنه استطاع أن يَصِلَ بهم إلى مرحلة الخشوع وذرف الدموع0
فالتَّغَنِي وتَحُسِينِ الصَّوْتِ هو من خصائص القرآن الكريم، أمَّا الدَّعَاء فالمشروع فيه أن يكون على السَّجِيِةِ بلا تَكَلُّفٍ ولا تَغَنِي0
ثالثاً: اَلتَّفْصِيلُ في اَلْدُّعَاءِ ( كَثْرَةُ اَلألْفَاظِ ) :
__________
(1) أنظر فيض القدير حديث رقم : 316 ، ج1 ، ص 291 0(1/20)
مَرَّ معنا الحديث عن أبي نَعَامَةَ عن ابن لِسَعْدٍ أنه قال: سَمِعَنِي أبِي وَأنَا أقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا وَكَذَا وَكَذَا وَأعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَسَلاسِلِهَا وَأغْلالِهَا وَكَذَا وَكَذَا فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ " فَإِيَّاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ، إنَّكَ إِنْ أعْطِيتَ الْجَنَّةَ أعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ ،وَإنْ أعِذْتَ مِنْ النَّارِ أعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الشَّرِّ 0 ( رواه أبو داود )(1)
قال ابن تيمية(2): الدُّعَاءُ ليس كُلُّهُ جائزاً، بل فيه عُدْوَانٌ مُحَرَّم، والمَشْرُوعُ(3) لا عُدْوَانَ فيه، وأن العُدْوَانَ يَكُونُ تَارَة ًبِكَثْرَةِ الألْفَاظِ، وتَارَةً في المَعَانِي، كما فَسَّرَ الصحابة ذلك 000 ثم أورد الأحاديث المذكورة سابقاً 0
وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنْ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ 0 ( رواه أبو داود )(4)
__________
(1) أنظر صحيح سنن أبي داود رقم : 1313 0
(2) الفتاوى ، ج 22 ، ص 277 0
(3) أي الوارد في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبوية المطهرة 0
(4) أنظر صحيح سنن أبي داود رقم : 1315 0(1/21)
قال في عون المعبود بشرح سنن أبي داود: الْجَامِعَة لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَهِيَ مَا كَانَ لَفْظه قَلِيلاً وَمَعْنَاهُ كَثِيرًا، كما في قوله تعالى ? رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار ? ومِثل الدُّعَاء بِالْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة (1)0
فمن صور الاعتداء تَكْثِيرُ الكلام الذي لا دَاعِيَّ له ولا حاجة إليه، والتَّكَلِِّفِ في ذِكْرِ التَّفَاصِيلِ، كأن يدعو ربَّهُ أن يرحمه إذا وُضِعَ في اللحد تحت التراب والثرى ، وكذلك أن يرحمه إذا سالت العيون وبليت اللحوم، وأن يرحمه إذا تركه الأصحاب وتولى عنه الأهل والأحباب(2)، أو يدعو على عدوه أن يُخْرِسَ الله لسانه ويُشِلَّ يده، ويُجَمِدَ الدَّمَ في عُرُوقِه000 0
ومما لا شك فيه أن النتيجة الطبيعية لهذا الاعتداء هو إصابة اَلْمُصَلِينَ بِاَلْمَلَلِ، والملل يُذْهِِبُ التَّدَبُرَ والخُشُوعِ ويُوِديِ بِاَلْمُصَلِي إلى الغَفْلَةِ، وهي حالة مَنْهِيٌّ عنها إذ لا تتناسب ومقام التَّذَلُّلِ والطَّلَبِ من الله تعالى اَلْمُطَّّلِعِ على أحوال النُّفُوسِ وما تُكِنُّهُ الصُّدُورِ 0
فَاَلإطَالَةِ اَلْمُمِلَّةِ تُرْهِقُ اَلْمُصَلِي وَتُصِيبُهُ بَاَلْمَلَلِ وَاَلْغَفْلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ نَهْيُ اَلْغَافِلَةُ قُلُوبُهُمُ عَنْ اَلْدُّعَاءِ :
__________
(1) يشير إلى الحديث الشريف : " اسألوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يُعْطَ بعد اليقين خيرا من العافية ..."0 ( رواه الترمذي، أنظر صحيح الترمذي رقم 2821 ) والعفو معناه التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، والعافية: أن تسلم من الأسقام والبلايا وهو ضد المرض0
(2) ويكفيه أن يدعوا بالرَّحمة عند الممات 0(1/22)
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعُوا اللَّهَ وَأنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ" ( رواه الترمذي )(1)
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الْقُلُوبُ أوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أوْعَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا سَألْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أيُّهَا النَّاسُ فَاسْألُوهُ وَأنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ"0 ( رواه أحمد )(2)
قال الإمام المناوي(3): أي لا يَعْبَأ ـ سبحانه ـ بسؤال سائلٍ غَافِلٍٍ عن الحضور مع مولاه، مَشْغُوفٌ بما أهَمَّهُ من دُنْيَاهُ 000والتَّيَقُظُ والجَدُّ في الدُّعَاءِ من أعظم آدابه، ثم نقل عن الفخر الرازي أنه قال: أجمعت الأمَّةُ على أن الدُّعَاءَ اَلْلِسَانِيّ الخَالِي عَنْ الطَّلَبِ النَّفْسَانِي قَلِيلُ النَّفْعِ عَدِيمُ الأثَرِ 0
وقال النووي(4): اعلم أن مقصود الدُّعَاء هو حضور القلب، والدلائل عليه أكثر من أن تُحْصَرَ والعلم به أوضح من أن يُذْكَرَ0
وقال البيهقي في شُعَبِ الإيمان أنَّ الدُّعَاءَ له أركان منها: أن يَسْألَ مَا يَسْألَ بِجِدٍ وحَقِيَقةٍ، ولا يأخذ دُعَاءً مُؤلَفاً يَسْرُدُهُ سَرْداً وهو عن حَقَائِقِهِ غَافِلٌ(5) 0
__________
(1) أنظر صحيح الترمذي رقم : 2766 0
(2) أنظر صحيح الترغيب رقم : 1652 0
(3) أنظر فيض القدير حديث رقم : 316 ، ج1 ، ص 291 0
(4) أنظر الأذكار ص 561 ، طبعة دار الفكر 1403هـ 0
(5) أنظر شعب الإيمان ، ج 2 ، ص 44 0(1/23)
وأورد في الشُّعَبِ عن أبي بكر الشَّلَبي أنه قال في قوله عَزَّ وَجَلَّ ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ ? ( 60 ـ غافر ) قال: اُدْعُونِي بِلاَ غَفْلَةٍ أسْتَجِبْ لَكُمُ بِلاَ مُهْلَةٍ(1) 0
وقال ابن رجب الحنلي(2) : الدُّعَاءُ سَبَبٌ مُقْتَضٍٍ للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه، وقد تَتَخَلَّف إجابته لانتفاء بعض شروطه أو وجود بعض موانعه، ومن أعظم شرائطه حضور القلب، ورجاء الإجابة من الله تعالى 0 أ 0 هـ 0
ولا شك أن الإطْنَابَ والاسْتِرْسَالَ في الدُّعَاءِ يُصِيبَانِ المُصَلِّي بالمَلَلِ ويُذْهِبَانِ اَلْخُشُوعَ ويجعلان هَمَّ المُصَلِي وجُلَّ تفكيره لا التَّدَبُرِ والتَّفَكُرِ في معاني الدُّعَاء بل متى سينتهي الإمام من الدُّعَاء0
ولطالما أوصى العلماء والفقهاء بعدم الإطالة المملة في دُعَاءِ القنوت حتى لا يُصَابَ المُصَلِي بالسَّأمِ والمَلَلِ، جاء عن الإمام مالك أنه قال: لَعْنُ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ إذَا أوْتَرَ النَّاسُ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ بِهِ الثَّالِثَةَ فَرَكَعَ فَإذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَقَفَ يَدْعُو عَلَى الْكَفَرَةِ وَيَلْعَنُهُمْ وَيَسْتَنْصِرُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَدْعُو، قَالَ وَكُلُّ ذَلِكَ شَيْءٌ خَفِيفٌ غَيْرُ كَثِيرٍ(3) 0
ومن وصايا الشيخ عبد العزيز بن باز قال: الأفضل للإمام في دُعَاءِ القُنُوتِ تحري الكلمات الجامعة وعدم التَّطْوِيلِ على النَّاس، ويقرأ: اللهم اهدنا فيمن هديت الذي ورد في حديث الحسن في القنوت ويزيد معه ما يتيسر من الدَّعَوَاتِ الطَّيِبَةِ كما زاد عُمر، ولا يَتَكَلَّفُ ولا يُطَوِّلُ عَلَى النَّاسِ ولا يَشُقَ عليهم(4) 0
__________
(1) المصدر السابق ص 54 0
(2) جامع العلوم والحكم ، ج 2 ، ص 402 0
(3) أنظر المنتقى شرح موطأ مالك رقم: 234 0
(4) المرجع : فتاوى التراويح عبر موقع www.al-islam.com على الشبكة العنكبوتية 0(1/24)
والمُتَأمِلُ في هَدْيِهِ وسُنَّتِهِ صلى الله عليه وسلم حال الدُّعَاءِ يعلم جلياً أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يُطِيلُ ويُكْثِرُ من الألفاظ والكلام في الدُّعَاءِ، فعندما سألته أحَبُّ الناس إليه السيدة عائشة رضي الله عنها أن يُعَلِّمَهَا دُعَاءً تدعوا به إذا وافَقَتْ ليلة القدر فعلمها دُعَاءً خفيفا قليلاً في ألفاظه كثيرا عظيما في معانيه "اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي "، فَلْنَتَعَلَّمَ هَدْيَهُ صلى الله عليه وسلم حال الدُّعَاءِ، فكلمات مأثورة قليلة خير من جُمَلٍ وعِبَارَاتٍ مُخْتَرَعَةٍ طَوِيلَةٍ مُمِلَّةٍ0
قال ابن قُدَامَة اَلْمَقْدِسِيُّ: في اِتْبَاعِ السُّنَّةِ بَرَكَةُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ، وَرِضَى الرَّبِّ سبحانه، وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ، وَرَاحَةُ القَلْبِ، ودَعَةُ البَدَنِ، وتَرْغِيمُ الشَّيْطَانِ، وسُلُوكُ الصِّراطُ المُسْتَقِيمِ(1) 0
اِنْتَبه: لَيْسَ مَنَ الاِعْتِدَاء:
قال الخطَّابي(2): ليس معنى الاعتداء الإكثار فقد رُوِىَّ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذَا سَألَ أحَدَكَمُ فَلْيُكْثِر، فَإنَّمَا يَسْألُ رَبَّهُ"(3) 0
رابعاً: تَكَلُّفُ اَلْسَّجْعِ وَاَلإعْرَابِ :
__________
(1) أنظر كتاب ذمّ الموسوسين ص 41 0
(2) أنظر كتاب: سلاح المؤمن في الدعاء ج1، ص 148 0
(3) رواه ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها، أنظر صحيح الجامع رقم: 591، وفي رواية للطبراني: " إذا تَمَنَى أحدكم فليكثر ، فَإنَّمَا يَسْألَ رَبَّهُ " (صحيح الجامع رقم: 437 ) 0(1/25)
السَّجْعُ هو: الكلام اَلْمُسْتَوِي على نَسَقٍ وَاحِدٍ(1)، وهو مَكْرُوهٌ في الدُّعَاءِ إنْ تَعَمَّدَهُ وتَكَلَّفَهُ الدَّاعِي لأنه يُشْغِلُ عَقْلَهُ ويُشَتِّتُ قَلْبَهُ عن التَّدَبُرِ والتَّفَكُرِ، وقد عَنْوَنَ البخاري في صحيحه(2) فقال: ما يُكْرَهُ من السَّجْعِ في الدُّعَاءِ، ثم أورد الخبر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: 000 فانظر السَّجْعَ من الدُّعَاءِ فَاجُتَنِبْهُ فإني عَهِدُتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك، يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجُتَنَاب 0
وعن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: إيَّاكَ والسَّجْعَ فَإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يَسْجَعُونَ0 ( رواه أحمد )
قال في فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ( وانظر السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ ) أي: لا تَقْصِدَ إليه ولا تُشْغل فِكْرَكَ به لما فيه من التَّكَلُّفِ المانع للخشوع المطلوب في الدُّعَاءِ ، و قوله ( لا يفعلون إلا ذلك ) : أي تَرْكُ السَّجْعِ0
ثم نقل عن الإمام الغزالي أنه قال : المكروه من السَّجْعِ هو اَلْمُتَكَلَّف لأنه لا يلائم الضَّراعة والذِلَّة، وإلاَّ ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنها غير مُتَكَلَّفَة 0
ونقل في عون المعبود شرح سنن أبي داود : عن الغزالي في الإحياء أنه قال : إن المراد بالاعتداء أن يَتَكَلَّفَ السَّجْعَ في الدُّعَاءِ 0
وقال الإمام النووي في كتابه الأذكار في باب آداب الدعاء: أن لا يَتَكلَّفَ السَّجْعَ وقد فُسِّر به الاعتداء في الدُّعَاءِ، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة، فما كل أحد يُحْسِنُ الدُّعَاء فيُخَافُ عليه الاعتداء ، ثم قال: وقال بعضهم : اُدْعُ بِلَسَانِ الذِلَّةِ والافْتِقَارِ، لا بلسان الفصاحة والانطلاق0
__________
(1) انظر لسان العرب ج 2 ، ص 101 ، مادة : سجع 0
(2) انظر حديث رقم : 5862 0(1/26)
وأورد الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: أن السَّجْعَ المذموم في الدُّعَاءِ هو اَلْمُتَكَلَّفُ، فإنه يُذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويُلْهِي عن الضَّراعة والافْتِقَارِ وفراغ القلب، فأمَّا ما حصل بلا تَكَلِّف ولا إعْمَالِ فِكْرٍ لِكَمَالِ الفَصَاحَةِ ونحو ذلك، أو كان محفوظا فلا بأس به، بل هو حَسَنٌ(1) 0
اَلنَّهْيُ عَنْ تَكَلِّفِ الإعْرَابِ:
ومثل النهي عن تَكَلُّفِ السَّجْعِ ، مَنْهِيٌ عن تَكَلِّفِ الإعراب في الدُّعَاءِ لأنَّهما يَصْرِفَانِ القلب عن الخشوع، قال ابن تيمية: ينبغي للدَّاعِي إذا لم تكن عادته الإعراب ألاَّ يِتِكِلَّفَ الإعراب، قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع، وهذا كما يُكره تَكَلُّف السَّجْعِ في الدُّعَاءِ، فإذا وقع بغير تَكَلُّفٍ فلا بأس به، فإن أصل الدُّعَاء من القلب، واللسان تابع للقلب، ومن جعل هِمَتُهُ في الدُّعَاءِ تَقْوِيمَ لِسَانِهِ، أضْعَفَ تَوَجُهَ قَلْبِهِ، ثم قال: والله ـ سبحانه ـ يَعْلَمُ قَصْدَ الدَّاعِيَ ومُرَادَهُ، وإن لم يُقوِّم لسانه، فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تنوع الحاجات(2) 0
خامساً: رَفْعُ اَلْصَّوْتِ فَوْقَ اَلْحَاجَةِ وَاَلْنَّوْحُ وَاَلبُكَاءُ :
قال اِبْنُ حَجَرَ العَسْقَلاَنِيُّ (3): الاِعْتِدَاءُ في الدُّعَاءِ يَقَعُ بزيادة الرَّفْعِ فَوْقَ الحَاجَةِ أو بِطَلَبِ ما يَسْتَحِيلُ حُصُولُهُ شَرْعاً أو بِطَلَبِ مَعْصِيَةٍ أو يدعو بما لم يَؤْثَرْ خصوصا ما وَرَدَتْ كَرَاهَتُهُ كالسَّجْعِ اَلْمُتَكَلَّفِ0
__________
(1) أنظر صحيح مسلم بشرح النووي ، حديث رقم : 4899 0
(2) أنظر مجموع الفتاوى ، ج 22 ، ص 287 0
(3) أنظر فتح الباري ، ج 8 ، ص 198 0(1/27)
وقال قَتَادَة (1): إنَّ الله إنَّمَا يُتَقَرَّبُ إليه بطاعته، فما كان من دُعَائِكُمُ الله فَلْيَكُنْ في سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَحُسْنِ سَمْتٍ وَهُدَيً وَحُسْنِ دَعَةٍ 0
وعن الحسن(2) قال : لقد كان المسلمون يَجْتَهِدُونَ في الدُّعَاءِ وما يُسْمَعُ لهم صَوْتٌ، إنْ كان إلا هَمْسًا بينهم وبين ربِّهِمُ، وذلك أن الله تعالى يقول: ? ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ? وذلك أن الله تعالى ذَكَرَ عَبْداً صَالِحاً فَرَضِيَّ له قَوْلُهُ، فقال: ? إذْ نَادَىَ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًا ? ( 2 ـ مريم ) 0
وعن ابن جريج(3) قال : إن من الدُّعَاءِ اِعْتِدَاء ، يُكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء ، ويؤمر بالتضرع والاستكانة 0
وعن زيد بن أسلم : كان يَرَىَ أن الجَهْرَ بالدُّعَاءِ اِعْتِدَاءٌ (4)0
وعن سعيد بن جبير في قوله عَزَّ وَجَلَّ ? ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا ? يعني: مُسْتَكِينًا ، ? وَخُفْيَةً ? يعني: في خَفْضٍ وَسُكُونٍ في حاجاتكم من أمْرِ الدُّنيا والآخرة(5)0
وعن الأوزاعي قال: ليس في القنوت رَفْعٌ ، ويُكره رَفْعُ الأصوات في الدُّعَاءِ(6) 0
وقيل للحسن البصري: إنَّهم يَضُجُونُ في القنوت، فقال: أخطأوا السُّنَّة، كان عُمر يَقْنُتُ ويُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ(7)0
وفي عون المعبود بشرح سنن أبي داود، قال: المراد بالاعتداء فيه ـ أي الدُّعَاءُ ـ مُجَاوَزَةُ الحَدِّ، وقيل: الدُّعَاءُ بما لا يجوز ورفع الصوت به والصِّيَاحُ، وقيل: سؤال مَنَازِلَ الأنبياء عليهم السلام 0
__________
(1) أنظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور ( 54 ـ 55 ـ الأعراف ) 0
(2) أنظر تفسير ابن كثير على الآية ( 55 ـ الأعراف ) 0
(3) أنظر تفسير الطبري على الآية ( 55 ـ الأعراف ) 0
(4) المرجع السابق 0
(5) المرجع السابق 0
(6) نقلا عن كتاب رهبان الليل د0 سيد العفّاني ، ج 3 ، ص 239 0
(7) المرجع السابق ، ج 3 ، ص 239 0(1/28)
وقال النووي(1): يُستحب أن يَخْفِضَ صوته بالدُّعَاءِ، ويُكْرَهُ الإفْرَاطُ في رَفْعِ الصَّوْتِ 0
ومثل رفع الصوت فوق الحاجة، البُّكَاءُ والصُّرِاخُ والعَوِيلُ كلُّ ذلك مِنْهِيٌّ عنه، فهو فضلاً عن أنه إزعاج وتشويش على الآخرين، فإنه يُنَافِي آداب التَّضَرُّعِ والسُّؤَالِ، فالأدب أن يَمْتَثِلَ الدَّاعِي لأمْرِ الله عِزَّ وَجِلَّ ? ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ? ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فعَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أبِيهِ قَالَ أتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أزِيزٌ كَأزِيزِ الْمِرْجَلِ يَعْنِي يَبْكِي0 ( رواه النسائي )(2)
وأزيز المرجل أي: صوت الماء عندما يَغْلِيِ في الإناء0
فَنبينا محمد صَلَى الله عليه وسلم مع تدبره وخشوعه وبكاءه لم يَكُنْ يَرْفَعُ صوته ويُزْعِجُ أو يُشَوُشُ على أحد0
قال في تفسير البحر المحيط(3): قال العلماء: الاعتداء في الدعاء على وجوه منها الجَهْرُ الكثير والصِّياحُ 0
وقال الشوكاني(4) : ومن الاعتداء في الدعاء أن يرفع صوته بالدعاء صارخاً به .
اَلْغَفْلَةُ عِنْدَ تِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ وَاَلتَّأثُّرِ عِنْدَ سَمِاعِ اَلْدُّعَاءِ :
قال تعالى : ? لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ? ( 21ـ الحشر ) قال الفخر الرازي: المعنى أنه لو جُعِلَ في الجبل عَقْلٌ كما جُعِلَ فيكم، ثم أنزل عليه القرآن لَخَشَعَ وَخَضَعَ وَتَشَقَقَ مِنْ خَشْيَةِ الله(5) 0
__________
(1) أنظر المجموع للنووي ، وهو يتحدث عن دُعَاءِ الحَاجِّ بعرفة، ج 8، ص 126 0
(2) أنظر صحيح سنن النسائي رقم : 1156 0
(3) أنظر تفسير البحر المحيط على الآية ( 55 ـ الأعراف ) 0
(4) أنظر تفسير فتح القدير على الآية ( 55 ـ الأعراف ) 0
(5) تفسير الرازي على الآية ( 21 ـ الحشر ) 0(1/29)
وقال القرطبي في تفسيره: حَثَّ تعالى على تأمل مواعظ القرآن وبين أنه لا عُذْرَ في ترك التَّدَبُر؛ فإنه لو خُوطِبَ بِهَذَا القرآن الجبال مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه، ولرأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعة متصدعة؛ أي: مُتَشِقِقَة من خشية الله ، والخاشع: الذليل ، والمُتَّصَدِعِ: المُتَّشَقِقِ(1) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يقول تعالى: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله ، فأمر الله عز وجل الناس إذا أنزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع(2)0
فالعَجَبُ كل العَجَبِ من مُصَلٍّ عظمة غفلته أثناء قراءة الإمام للقرآن الكريم ، ومن فَلْتَتِهِ ويَقَظَتِهِ عندما يشرع الإمام في الدُّعَاء ، فهل كلام البشر أشَّدُ أثراَ في نفسه من كلام الله تعالى ؟!
ومن فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز عندما سُئِلَ : من يبكي في الدُّعَاءِ ولا يبكي عند سماع كلام الله تعالى ؟
أجاب: هذا ليس باختياره فقد تتحرك نفسه في الدعاء ولا تتحرك في بعض الآيات، لكن ينبغي له أن يعالج نفسه ويخشع في قراءته أعظم مما يخشع في دعائه، لأن الخشوع في القراءة أهم، وإذا خشع في القراءة وفي الدعاء كان ذلك كله طيبا لأن الخشوع في الدعاء أيضا من أسباب الإجابة، لكن ينبغي أن تكون عنايته بالقراءة أكثر لأنه كلام الله فيه الهدى والنور(3) 0
دعوة العلماء الكرام إلى الالتزام بالدعاء المأثور من الكِتَابِ والسُّنَّةِ :
__________
(1) تفسير القرطبي على الآية ( 21 ـ الحشر ) 0
(2) تفسير الطبري على الآية ( 21 ـ الحشر )
(3) المرجع : فتاوى التراويح عبر موقع www.al-islam.com على الشبكة العنكبوتية 0(1/30)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ينبغي للخَلْقِ أن يَدْعُوا بالأدعية المشروعة التي جاء بِهَا الكتاب والسُّنَّة، فإنَّ ذلك لاريب في فضله وحُسْنه، وأنَّه الصراط المستقيم، صراط الذين أنْعَمَ الله عليهم من النَّبِيينَ والصِّدِيِقينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِيَن، وحَسُنَ أولئك رفيقا(1) 0
وقال القاضي عياض: أذِن الله في دعائه، وعَلَّمَ الدُّعَاءَ في كتابه لِخَلِيقَتِهِ، وعَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الدُّعَاءَ لأمَّتِهِ، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العِلْمُ بالتَّوْحِيدِ، والعِلْمُ باللُّغَةِ، والنَّصِيحَةُ للأمَّةِ، فلا ينبغي لأحد أن يَعْدِلَ عن دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم، وقد احتال الشَّيطَانُ للناس من هذا المقام فَقَيَّضَ لهم قَوْمَ سُوءٍ يَخْتَرِعُونَ لهم أدْعِيَةً يشتغلون بِهَا عن الاقتداء بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وأشَدُّ ما في الإحالة أنَّهم يَنْسِبُونَهَا إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون: دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر، فاتقوا الله في أنفسكم، لا تَشْتَغِلُوا من الحديث إلا بالصحيح(2) 0
وقال الإمام الغزالي: والأولى أن لا يُجَاوُزُ الدَّعَوَاتُ المأثورة(3)، فإنه قد يَعْتَدِي في دُعَائِهِ، فيسأل ما لا تَقْتَضِيهِ مصلحته، فما كُلُّ أحَدِ يُحْسِنُ الدُّعَاءَ (4) 0
__________
(1) أنظر : مجموع الفتاوى (1/336) - القاعدة الجليلة -.نقلا عن موقع : www.alminbar.net من الشبكة العنكبوتية 0
(2) انظر: الفتوحات الربانية (1/ 17) نقلا عن موقع : www.alminbar.net من الشبكة العنكبوتية 0
(3) المأثورة أي الواردة في القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة 0
(4) إحياء علوم الدين (1/554) نقلا عن موقع : www.alminbar.net .(1/31)
وقال صاحب كتاب قواعد الأحكام: الاِقْتِصَارُ على الدَّعَوَاتِ الصَّحِيحَةِ المَشْرُوعَةِ أوِلَى من الدَّعَوَاتِ المَجْمُوعَاتِ(1) 0
ومن لطيف ما قاله القرطبي في تفسيره على قوله تعالى ? وَكَأيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي أمْرِنَا وَثَبِّتْ أقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ? ( 146 ـ 147 ـ آل عمران ) قال: فَعَلَى الإِنْسَان أن يَسْتَعْمِل ما في كِتَاب اللَّه وَصَحِيح السُّنَّة من الدُّعَاء وَيَدَع ما سِوَاهُ، وَلا يَقُول أخْتَار كَذَا، فَإنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ اِخْتَارَ لِنَبِيِّهِ وَأوْلِيَائِهِ وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يَدْعُونَ 0
وقال في مطالب أولي النهى : الْمُخْتَارُ : الدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورِ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَلَمْ يَدْعُ حَاجَةً إلَى غَيْرِهِ 0
وقال الشيخ علي الحذيفي: لِيَحْرِِصَِ المسلم على حِِفْظِ دُعَاءِِ رَسُولِ الله بِقَدَرِ اِسْتِطَاعَتِهِ، فقد شَرَعَ عليه الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لِكُلِّ حَالٍٍ دُعَاءً وذِكْراً(2) 0
__________
(1) قواعد الأحكام: 2 / 171 ( نقلاً عن كتاب الدعاء لأبي عبد الرحمن جيلان العروسي ، ص 570 ) 0
(2) من خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية لفضيلة الشيخ : علي الحذيفي بتاريخ : 13- 4-1424هـ وهي بعنوان : فضل الدعاء وآدابه ، يمكن قراءتها أو الاستماع إليها عبر موقع : www.alminbar.net على الإنترنت 0(1/32)
وقال الشيخ يوسف القرضاوي: الأدعية التي يَضَعَهَا البشر ويَخْتَرِعُونَهَا كثيرًا ما تكون قَاصِرةً عن أداء المعنى، بل قد تكون مُحَرَّفَةً ومَغْلُوطَةً ومُتَنَاقِضَةً، إنه ليس أفٍضَلُ من الأدْعَيَةِ المأثُورَةِ، ففيها الرَّوْعَةُ والبَّلاَغَةُ وحُسْنُ الأدَاءِ والمَعَانِي الجَامِعَةِ في ألفاظ قليلة، فليس هناك أفضل مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أدعية مأثورة، لأنه يترتب عليها أجران: أجْرُ الاِتِّباَعِ، وأجْرُ الذِّكْرِ، فعلينا دَائِمًا أن نَحْفَظَ هذه الأدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ وأن نَدْعُو بِهَا(1)0
وقال ابن تيمية: لا رَيْبَ أن الأذْكَارَ والدَّعَواتَ من أفضل العبادات، والعبادات مَبْنَاهَا على التَّوقِيفِ والاِتِّباَعِ لا على الهَوَىَ والاِبْتِدَاعِ، فالأدعية والأذْكَارُ النَّبَوِيَّةِ هي أفضل ما يَتَحَرَّاهُ المُتَحَرْيِ من الذِّكْرِ والدُّعَاءِ، وسَالِكُهَا على سَبِيلِ أمَانٍ وسَلاَمَةٍ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يُعَبِرُ عنه لِسَانٌ، ولا يُحِيطُ بِهِ إنْسَانٌ000 ففي الأدعية الشَّرْعِيَةِ والأذْكَارِ الشَّرْعِيَةِ غَايَةُ المَطَالِب الصحيحة ونِهَايَةُ المَقَاصِدِ العَلِيَّةِ، ولا يَعْدِلُ عنها إلى غيرها من الأذْكَارِ المُحْدَثَةِ المُبْتَدَعَةِ إلا جَاهِلٌ أو مُفَرِّطٌ أو مٌتَعَدٍّ(2) 0
اَلْصَحَابَةِ رِضْوَانُ الله تَعَالَىَ عَلَيْهِم أجْمَعِينَ يِطْلُبُونَ مِنَ اَلْنَّبِيِّ صَلَىَ الله عَلَيْهِ وَسَلَمَ أنْ يُعَلِمَهُمُ اَلْدُّعَاءَ:
__________
(1) نقلاً عن موقع : www.islamonline.net 0
(2) مجموع الفتاوى ، ج 22 ، ص 299 وما بعدها 0(1/33)
عن أبي بَكْرٍ الصِّديق رضي الله عنه قال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي، قَالَ: " قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً إنَّكَ أنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "0 ( رواه البخاري ) ، نقل في الفتح عن ابن أبي حمزة قال: في الحدِيث مَشْرُوعِيَّة الدُّعَاء في الصَّلاة، وَفَضْلُ الدُّعَاء الْمَذْكُور عَلَى غَيْره، وَطَلَب التَّعْلِيم من الأعْلَى وإِن كَانَ الطَّالِب يَعْرِف ذَلِكَ النَّوْع، وَخَصَّ الدُّعَاء بِالصَّلاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أقْرَب مَا يَكُون الْعَبْد مِنْ رَبّه وَهُوَ سَاجِد" وفيه أنَّ الْمَرْءَ يَنْظُر فِي عِبَادَته إلى الأرْفَع فَيَتَسَبَّب فِي تَحْصِيله، وَفِي تَعْلِيم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْر هذا الدُّعَاء إشَارَة إِلَى إِيثَار أمْر الآخِرَة على أمْر الدُّنْيَا (1) 0
__________
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، حديث رقم : 5851 ، ونقل فيه كلام جميل وتعليق لطيف عن الْكَرْمَانِيُّ قال: هذا الدُّعَاء من الْجَوَامِع، لأَنَّ فِيهِ الاعْتِرَاف بِغَايَةِ التَّقْصِير وَطَلَب غَايَة الإِنْعَام، فَالْمَغْفِرَة سَتْر الذُّنُوب وَمَحَوْهَا، وَالرَّحْمَة إِيصَال الْخَيْرَات، فَفِي الأوَّل طَلَب الزَّحْزَحَة عَنْ النَّار وَفِي الثَّانِي طَلَب إدْخَال الْجَنَّة، وَهَذَا هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم0(1/34)
فَهُمُ رضي الله تعالى عنهم أجمعين رغم أنَّهم أهْلُ اللغة وأرْبَابُ الفصاحة والبيان إلا أنَّهم طلبوا من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن يُعَلِّمَهُم الدُّعَاء لِيَقِينِهِم أن دُعَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أقْرَبُ لِلْقَبُولِ وأدْعَىَ لِلإجَابَةِ ، فما بَالُ أقْوَاماً لا فَصَاحَةَ ولا بَيَانٍ لَدَيْهِمُ يَعْدِلُونَ عَنْ دُعَاءِ خَيْرِ البشر صلى الله عليه وسلم إلى أدعية مُخْتَرَعَةٍ فَيَحْرِمُونَ أنفسهم بَرَكَةَ وثَوَابَ الدُّعَاء بالمأثور، فضلاً عن وقوعهم بالاعتداء المحظور 0
اَلإتْبَاعِ في اَلْدُّعَاءِ أيْسَرُ فِيِ اَلْذِّكُرِ وِأفْضَلُ فِيِ اَلأجْر :(1/35)
عن جُوَيْرِيَةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أنْ أضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: " مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ " قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ " ( رواه مسلم والنسائي والترمذي(1) )
__________
(1) رواية الترمذي : " قد قُلْتُ بَعْدَكِ أرْبَعُ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَاتٍ لو وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ لَوَزَنَتَهُنَّ: سُبْحَانَ الله وبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ورِضَا نَفْسِهِ وزِنَةَ عَرْشِهِ ومِدَادَ كَلِمَاتِهِ " ، ورواية النسائي : " قال : ألا أعلمك – يعني كلمات – تقولينهن : سُبْحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ ، سُبْحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ الله رِضَا نَفْسِهِ ، سُبْحَانَ الله رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ الله رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرْشِه،ِ ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ". ( انظر صحيح سنن الترمذي رقم : 1574 ، وصحيح سنن النسائي رقم : 1281 )(1/36)
نقل الإمام السيوطي في شرحه لسنن النسائي على الحديث عِزّ الدِّين بْن عَبْد السَّلَام فِي فَتَاوَاهُ قال: قَدْ يَكُون بَعْض الأذْكَار أفْضَل مِنْ بَعْض لِعُمُومِهَا وَشُمُولهَا وَاشْتِمَالهَا عَلَى جَمِيع الأوْصَاف السَّلْبِيَّة وَالذَّاتِيَّة وَالْفِعْلِيَّة فَيَكُون الْقَلِيل مِنْ هَذَا النَّوْع أَفْضَل مِنْ الْكَثِير مِنْ غَيْره(1) 0
وقال في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: والحديث دَلِيلٌ على فَضْلِ هذِه الكلِمات وأنَّ قَائِلَهَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ تَكْرَارِ الْقَوْلِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُور،ِ وَلا يُتَّجَهُ أنَّ يُقَالَ إنَّ مَشَقَّةَ مَنْ قال هكذا أخَفُّ مِنْ مَشَقَّةِ مَنْ كَرَّرَ لَفْظَ الذِّكْرِ حَتَّى يَبْلُغَ إلى مِثْلِ ذَلِكَ العَدَدِ فَإِنَّ هَذَا بَابٌ مَنَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِبَادِ اللَّهِ وَأرْشَدَهُمْ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ تَخْفِيفًا لَهُمْ وَتَكْثِيرًا لأجُورِهِمْ مِنْ دُونِ تَعَبٍ ولا نَصَبٍ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ (2) 0
__________
(1) أنظر شرح سنن النسائي بشرح السيوطي ، حديث رقم : 1335 0
(2) انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي حديث رقم : 3478 0(1/37)
فالإتباع في قليل من ألفاظ الذِّكْرِ والدُّعَاءِ أثْوَبُ عند الله تعالى من الكثير من الأدعية والأذْكَارِ المُخْتَرَعَةِ، والإتِّباَعُ في الذِّكْرِ والدُّعَاءِ وإن كان أيْسَرُ وأخَفُّ إلا أنه أفْضَلُ في الأجْرِ والثَّوابِ كما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ألاَّ أخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أو أفْضَلُ "(1)، أي أيْسَرُ في الذِّكْرِ وأفْضَلُ في الأجْرِ، وأيضاُ هو أدْعَىَ للإجَابَةِ وأقْرَبُ لِلْقَبُول 0
فائدة هامة : اَلْدُّعَاءُ بِاَلْمَأثُورِ أفْضَلُ :
لا خلاف بين العلماء في جواز أن يدعوا الإنسان في بعض أحيانه بما ألَمَّ به من تقلبات الدَّهْرِ وحوائج الدنيا دون التقييد بالمأثور، إنما النَّهْيُ عن أن يَهْجُرَ المأثور إلى أدْعِيَةٍ أخرى يَجْعَلْهَا دَيْدَنَهُ وشِعَارَهُ، وإليك أقوال علماء الدين وأئمة المسلمين في هذا:
قال الإمام المناوي في فيض القدير : ويُسَنُّ لهم الدعاء له بحضرته وفي غَيْبَتِهِ ( يعني المسافر ) بالمأثور وبغيره، والمأثور أفْضَل (2) 0
__________
(1) الحديث بتمامه عن عَائِشَةَ بنت سَعْدِ بِن أبِي وَقَّاصٍ عن أبِيها أنَّه دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أوْ قَالَ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: " ألا أخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الأرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ " 0 ( رواه الترمذي )
(2) حديث رقم : 572 ، ج 1 ، ص 420 0(1/38)
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في الدعاء: الوَارِدُ هو الذي يَنْبَغِي، والدُّعَاءُ بغيرها جائز، إلا أنه لا يَجُوزُ الاِعْتِدَاءُ، أما الذي ليس فيه اِعْتِدَاءٌ فَبَابُ اَلْرَّبِّ مفتوح لعباده يسألونه حوائجهم، إلا أنه ينبغي أن تكون له رَغْبَةٌ لِصَلاَحِ القَلْبِ والنِّيَّةِ والدُّعَاءِ لِنَصْرَةِ المسلمين وأئمة الدِّيِنِ(1) 0
وقال الشيخ عبد الله ابن باز: والاعْتِنَاء بالدُّعَاءِ المأثور أفضل، لكن الحاجات الأخرى التي تَعْرِضُ له يَدْعُو فيها بما يُنَاسِبُهَا(2).
وقال الشيخ محمد ابن عثيمين وقد سُئِلَ هل تجوز الزيادة على ما عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما أوْ لاَ تَجُوزُ؟ فأجاب فضيلته: إن الزيادة على ذلك لا بأس بِهَا لأنه إذا ثَبَتَ أن هذا موضع دُعَاءٍ ولم يُحَدَدُ هذا الدُّعَاء بِحَدٍ يُنْهَى عَنْ الزِيَادَةِ عنه، فالأصل أن الإنسان يَدْعُوا بما شَاءَ، ولكن المحافظة على ما ورد هو الأوْلَى فَنُقَدُمَ الوارد، وإن شئنا أن نَزَيِدَ فلا حَرَج(3) 0
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز كل دُعَاءٍ دُنْيَوِيٍ وأخْرَوِيٍ، ولكن الدُّعَاءُ بالمأثور أفْضَلُ من غيره(4) 0
فَائِدَةٌ هَامَّةٌ: اَلْدُّعَاءُ اَلْنَّبَوِيِّ اَلْشَرِيِفِ يُغَطِي كَافَةِ تَقَلُّبَاتِكَ اَلْنَّفْسِيَة وأحْوَالَكَ وَظُروفِكَ المَعِيشِيَّةِ:
__________
(1) أنظر فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، فتوى رقم : 1290 بعنوان : الذكر الوارد هنا وغير الوارد ، ص 244 ، ج 5 0
(2) المرجع : فتاوى التراويح عبر موقع www.al-islam.com على الشبكة العنكبوتية 0
(3) أنظر فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ج 1 ، ص 383 وما بعده 0
(4) الموسوعة الفقهية ـ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية / الكويت ـ ج20 ، ص 265.(1/39)
المتأمل في دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذي عَلَّمَهُ لأمَّتِهِ يَجِدُ أنَّهُ يُغَطِي كَافَةِ التَّقَلُّبَاتِ النَّفْسِيَةِ وتغيرات الأحوال التي تَعْتَرِي كل مسلم، وقد قَدَّمْناَ مَقُولَة الشيخ علي الحذيفي: لِيَحْرِِصَِ المُسْلِمُ على حِِْفظِ دُعَاءِِ رسول الله بِقَدَرِ اِسْتِطَاعَتِهِ، فقد شَرَع عليه الصلاة والسلام لِكُلِّ حَالٍٍ دُعَاءً وذِكْراً(1) 0
فَجَاهِد نفسك وأرْغِمِ الشَّيْطَان واحفظ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال ابن أبي جَمْرَةَ مُعَلِّقاً على حديث عن جابر رضي الله عنه: كان النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ في الأمور كُلِّهَا كالسَّوُرَةِ من القرآن، قال: ِالتَّشْبِيه(2) فِي تَحَفُّظ حُرُوفه وَتَرَتُّب كَلِمَاته وَمَنْع الزِّيَادَة وَالنَّقْص مِنْهُ وَالدَّرْس لَهُ(3) وَالْمُحَافَظَة عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ جِهَة الاهْتِمَام بِهِ وَالتَّحَقُّق لِبَرَكَتِهِ، وَالاحْتِرَام لَهُ، وَيَحْتَمِل أنْ يَكُون مِنْ جِهَة كَوْن كُلّ مِنْهُمَا عَلِمَ بِالْوَحْيِ(4) 0
مسألة: اَلْدُّعَاءُ فِيِ اَلْسُّجُودِ أفْضَلُ مِنَ اَلْدُّعَاءِ حَالَ اَلْقِيَامِ فِيِ اَلْصَّلاَةِ :
عن أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأكْثِرُوا الدُّعَاءَ " 0 ( رواه مسلم )
__________
(1) من خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية لفضيلة الشيخ : علي الحذيفي وهي بعنوان : فضل الدعاء وآدابه ، يمكن قراءتها أو الاستماع إليها عبر موقع : www.alminbar.net 0
(2) يعني تشبيه جابر الدعاء بالقرآن في الحفظ والتعليم 0
(3) وَالدَّرْس لَهُ أي: النَّقص أو الحذف منه 0
(4) أنظر فتح الباري ، حديث رقم 5903 الدعاء عند الاستخارة 0(1/40)
عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أبِي بَكْرٍ فَقَالَ أيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أوْ تُرَى لَهُ ألا وَإنِّي نُهِيتُ أنْ أقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أوْ سَاجِدًا فَأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " 0 ( رواه مسلم ) ومعنى فَقَمِنٌ أي: جَدَيِرٌ وحَقِيقٌ 0
قال ابن تيمية في الفتاوى : والدُّعَاءُ في السُّجُودِ أفْضَلُ من غيره، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ( أورد الحديثين المذكورين )، ثم قال: وقد ثَبَتَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الدُّعَاءٌ في السُّجُودِ في عدة أحاديث ، وفي غير حديث تُبَيِّنُ أن ذلك في صلاته بالليل، فعُلِمَ أن قوله تعالى ? تَتَجَافَى جُنُوبُهُمُ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَهُمُ خَوْفاً وطَمَعًا ? وإن كان يتناول الدُّعَاءَ في جميع أحوال الصَّلاَةِ ، فَاَلْسُّجُودُ له مَزِيَةٌ على غيره(1) 0
وقال مُعَلِّقاً على حديث: " يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا " ( رواه البخاري ) ، قال : أمِرُوا بالسُّجُودِ في عُرُصَاتِ القيامة دون غيره من أجزاء الصلاة، فَعُلِمَ أنه أفضل من غيره(2) 0
__________
(1) أنظر مجموع الفتاوى ، ج 23 ، ص 48 0
(2) المرجع السابق ص 46 0(1/41)
وقال الإمام المنَّاوي في فيض القدير(1): للعبد حالتين في العبادة، حالة كونه ساجداً وحالة كونه مُتَلَبِّسًا بغير السُّجُودِ، فهو في حالة سُجُودِهِ أقْرَبُ إلى ربِّه ... " فأكثروا الدُّعَاء " أي في السُّجُودِ لأنَّها حَالَةُ غَايَةِ التَّذَلُلِ، وإذا عَرَفَ العبد أن ربَّه هو اَلْعَلِيُّ اَلْكَبِيرُ، اَلْمُتَكَبُّرُ اَلْجَبَارُ، فالسُّجُودُ لذلك مَظَنَّةُ الإجابة0
فالسجود ووضع أشْرَفَ ما في الإنسان وهي جَبْهَتُهُ مَكَانَ الأقْدَامِ خُضُوعًا وتَذَلُّلاًً لله اَلْوَاحِدِ اَلْقَهَّار، يَرْتَقِي بالمسلم إلى مَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ عَالِيَةٍ لا يَصِلُهَا إلاَّ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ(2)
__________
(1) أنظر فيض القدير حديث رقم: 1348 0
(2) جاء في الحديث عن مَعْدَانُ بن أبي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ قال: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ قُلْتُ بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ فَسَكَتَ، ثُمَّ سألتُه فَسَكَتَ، ثُمَّ سَألتُهُ الثَّالِثَةَ فقال: سَألْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً " 0 ( رواه مسلم )
قال الإمام النَّووي معلقا على الحديث: فِيهِ الْحَثّ عَلَى كَثْرَة السُّجُود، وَالتَّرْغِيب، وَالْمُرَاد بِهِ السُّجُود فِي الصَّلاة، وَفِيهِ دَلِيل لِمَنْ يَقُول تَكْثِير السُّجُود أَفْضَل مِنْ إِطَالَة الْقِيَام، وَسَبَب الْحَثّ عَلَيْهِ الْحَدِيث " أقْرَب مَا يَكُون الْعَبْد مِنْ رَبّه وَهُوَ سَاجِد" وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى ?وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ? وَلأنَّ السُّجُود غَايَة التَّوَاضُع وَالْعُبُودِيَّة لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ تَمْكِين أَعَزِّ أعْضَاء الإِنْسَان وَأعْلَاهَا وَهُوَ وَجْهه مِنْ التُّرَاب الَّذِي يُدَاس وَيُمْتَهَن0
رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأسْلَمِيُّ رضي الله عنه قال:كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: "سَلْ" فَقُلْتُ أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَال: " أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ" قُلْتُ هُوَ ذَاكَ، قال: " فَأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ "0 ( رواه مسلم )
وعَنْوِنَ الإمام مسلم للباب الذي أورد فيه الحديثين فقال: بَاب فَضْلِ السُّجُودِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ0(1/42)
، وهذه المَرْتَبة سَبَباَ في أن تكون دَعْوَتُهُ مُسْتَجَابَةٌ0
وفي هذا رَدّاً بَلِيغاً على من أهْمَلَ دُعَاءَ السُّجُودِ، وفَضَّلَ عليه دُعَاءَ القيام، فَتَرَاهُ يختصر من وقت السُّجُودِ لصالح دُعَاءِ القيام، وهذا خلاف الأولى والأفضل والأكمل وهو إطالة السُّجُودِ وكثرة الدُّعَاءِ فيه 0
كما أن هناك أدعية مأثورة مخصوصة لا تُقَالُ إلا في موضع السُّجُودِ فَعَلَى الإمام أن يُمْهِلَ المُصَلِّينَ في سُجُودِهِمُ حتى يَدْعُوا بِهَا، ولا يَعْجَلَ فَيَجْرِمَهُم أجْرَهَا وبِرِكَتَهَا بِدَعْوَى أنَّهُ سَيَدْعُوا لهم في القُنُوتِ، فَلَيْسَ الدُّعَاءُ حَالَ القِيَامِ كالدُّعَاءِ حَالَ السُّجُودِ0
يُسْتَحَبُ اَلْدُّعَاءُ وَاَلْسُّؤَالُ عِنْدَ قِرَاءَةِ اَلْقُرْآنِ سَوَاءٌ أكَانَ إمَاماً أمْ مَأمُوماً أوْ مُنْفَرِداً :
عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فَكَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ سَألَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ اسْتَجَارَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَنْزِيهٌ لِلَّهِ سَبَّحَ 0 ( رواه ابن ماجه(1) ، وفي رواية للنسائي(2) ): أَنَّهُ صَلَّى إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَرَأ فَكَانَ إذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ وَقَفَ وَتَعَوَّذَ وَإذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ وَقَفَ فَدَعَا 0
قال الإمام الشافعي: أحِبُّ لِلإمَامِ إذَا قَرَأ آيَة الرَّحْمَة أنْ يَقِف فَيَسْأل اللَّه وَيَسْأل النَّاس، وَإذَا قَرَأ آيَة الْعَذَاب أنْ يَقِف فَيَسْتَعِيذ وَيَسْتَعِيذ النَّاس، بَلَغَنَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلاته (3)0
__________
(1) أنظر صحيح سنن ابن ماجه رقم : 1111 0
(2) أنظر صحيح سنن النسائي رقم : 965 0
(3) أنظر عون المعبود شرح سنن أبي داود ، حديث رقم : 750 0(1/43)
وقال العلماء: وَلا ( مَرَّ ) بِآيَةِ تَسْبِيح إِلاَّ سَبَّحَ، وَلا بِآيَةِ دُعَاء وَاسْتِغْفَار إِلاَّ دَعَا وَاسْتَغْفَرَ، وَإِنْ مَرَّ بِمَرْجُوٍّ سَألَ يَفْعَل ذَلِكَ بِلِسَانِهِ أوْ بِقَلْبِهِ (1) 0
ومما وَرَدَ عنه صلى الله عليه وسلم من الثَّنَاءِ والتَّنْزِيهِ عند قراءة القرآن سواء في الصَّلاةِ أو خارجها ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ ? سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ? قال: " سُبْحَانَ رَبِيَّ الأعْلَىَ " 0 ( رواه أبو داود )(2)
وعن مُوسَى بن أبي عَائِشَةَ قال:كان رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ وكان إِذَا قَرَأ ? ألَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ? قال: سُبْحَانَكَ فَبَلَى، فَسَألُوهُ عَنْ ذَلِكَ فقال: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ0 ( رواه أبو داود )(3)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا قَرَأتَ ? سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ? فَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِيَّ الأعْلَى، وإذا قَرَأتَ ? ألَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ? فَقُلْ: سُبْحَانَكَ وبَلَى(4) 0
وهذا يتطلب من المُصَلِّيِ التَّدَبُرَ والخُشُوعَ حَالَ قِرَاءَةِ القرآن في الصَّلاَةِ، فيطلب الرَّحُمَةِ عند آيات الرَّحُمَةِ، ويَسْتَعِيذَ من النَّارِ والعذاب عند آيات الوَعِيدِ، ويُسَبِّحُ ويُنَزِّه الله تعالى عند آيات التَّسْبِيحِ والتَّنْزِيهِ، أما الغافل فَتَفُوتُهُ هذه الفضائل ويُحْرَمُ بَرَكَةِ وثَوابِ الدُّعَاءِ عند قِرَاءَةِ القرآن 0
فَوَائِدُ مَجْمُوعَةُ:
__________
(1) أنظر عون المعبود شرح سنن أبي داود ، حديث رقم : 737 0
(2) أنظر صحيح سنن أبي داود رقم : 785 0
(3) أنظر صحيح سنن أبي داود رقم: 884 0
(4) أورده ابن حَجَر في نتائج الأفكار (2/ 48) وقال: موقوف صحيح0(1/44)
فائدة : إذا سَمِعْتَ أو رَأيْتَ رجلا صالحا دَعَا فَاُسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، فعليك أن تتبع سيرته، فَسِرُّ استجابة دعوته في سيرته الصالحة، لا في ألفاظه وكلماته، أما الدُّعَاءُ المأثور عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ففي ألفاظه وجُمَلِهِ وكلماته سِِرُّ الإجَابَةِ والقَبُولِ 0
فائدة : معنى الصَّلاَة في اللغة: الدُّعَاءُ، والصَّلاَةُ كُلُّهَا دُعَاءٌ من مُبْتَدَأهَا إلى مُنْتَهَهَا، فَبَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإحْرَامِ يُسَنُّ لك أن تدعوا بأدعية اِسْتِفْتَاحُ الصَّلاَةِ، ثم قراءة الفاتحة التي هي دُعَاءٌ وسورة بعدها، فالرَّكُوعُ والرَّفْعِ منه وأدْعِيَتِهِمَا المأثورة، ثم السُّجُودُ والجلوس بين السَّجْدَتَيْنِ وأدْعِيَتِهِمَا المأثورة، فالجلوس الأخير والأدعية المأثورة التي تُقَالُ بعد التَّشَهُدِ والصَّلاَةِ الإبراهيمية وقبل السَّلاَمِ، فالأدْعِيَةُ والأذْكَارُ التي تُقَالُ عَقِبَ الانْتِهَاءِ من الصَّلاَةِ 0
فعليك أن تُبَادِرَ إلى حِفْظِ أدْعِيَةِ وأذْكَارِ الصَّلاَةِ فَفْيهَا كُلُّ الخَيْرِ، فهي أذْكَارٌ ودَعَوَاتٌ ألْفَاظُهَا قَلْيلَةٌ ولَكِنَّ مَعَانِيهَا عَظِيمَةٌ جَامِعَةٌ لِخَيْرَيِّ الدُّنْيَا والآخِرَةِ 0
فائدة: من الخَطَأ التَّأمَينُ على عبارات الثَّنَاءِ، كعبارات " فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ" ، ففي هذا مُخَالَفَةٌ من المأمومين لِعَدَمِ تَدَّبرِهِمُ لكلمات الدُّعَاءِ، فهذا التَّأمِينُ لا وَجْهَ له هنا؛ لأن هذه العبارات للإخبار لا من باب الدُّعَاء 0
وكذا قول: حَقًّا، نَشْهَد، يا الله، وذلك عند ثَنَاءِ الإمام على الله تعالى فى دُعَاءِ القُنُوتِ، والصحيح أنه ينبغي على المأموم أن يَنْصِتَ عند سماع عبارات الثَّنَاء على الله عَزَّ وَجَلَّ ويتدبر معانيها ولا يزيد كلامًا من عنده 0(1/45)
مِنَ الاِعْتِدَاءِ: اَلْدُّعَاءُ بِتَعْجِيلِ اَلْعُقُوبَةِ في اَلْدُّنيَا :
عن أنَسٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ(1) فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أوْ تَسْألُهُ إِيَّاهُ ؟!" قال: نَعَمْ، كُنْتُ أقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ لا تُطِيقُهُ أوْ لا تَسْتَطِيعُهُ، أفَلا قُلْتَ اللَّهُمَّ ? آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? "، قَالَ فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ 0 ( رواه مسلم )
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: في هذا الحدِيث: النَّهْي عَنْ الدُّعَاء بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَة، وَفِيهِ: فَضْل الدُّعَاء بِاَللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار، وَفِيهِ: جَوَاز التَّعَجُّب بِقَوْلِ: سُبْحَان اللَّه، وَفِيهِ: اِسْتِحْبَاب عِيَادَة الْمَرِيض وَالدُّعَاء لَهُ، وَفِيهِ: كَرَاهَة تَمَنِّي الْبَلاء لِئَلاَّ يَتَضَجَّر مِنْهُ وَيَسْخَطهُ، وَرُبَّمَا شَكَا(2)، وَأظْهَرُ الأقْوَال فِي تَفْسِير الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا أنَّهَا الْعِبَادَة وَالْعَافِيَة، وَفِي الآخِرَة الْجَنَّة وَالْمَغْفِرَة (3) 0
__________
(1) خفت أي : ضَعُفَ 0
(2) يعني شكَا الخالق عزَّ وجَلَّ إلى المخلوقين 0
(3) أنظر صحيح مسلم بشرح الإمام النووي حديث رقم : 4853 0(1/46)
فالأصل الدعاء بالعافية في الدين والدنيا كما كان صلى الله عليه وسلم يدعوا ويعلم أمته أن تدعو ، جاء في الحديث ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يقول: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أسْألُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أغْتَالَ مِنْ تَحْتِي" ( رواه أبو داود )(1)
و عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أرَأيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أدْعُو؟ قال: " تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي " 0 ( رواه ابن ماجه )(2) 0
وفي الأحَادِيثِ أيْضًا فَائِدَةٌ هَامَةٍ وَجَلِيلَةٌ، وَهِيَ: أنَّ اَلْدُّعَاءَ اَلْمَشْرُوعَ إنَّمَا يَكُونُ فِيِ طَلَبِ اَلآخِرَةِ وَاَلْدُّنْيَا:
قال تعالى : ? فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? ( 200 ، 201 ـ البقرة )
__________
(1) أنظر صحيح سنن أبو داود رقم : 4239 0
(2) أنظر صحيح سنن ابن ماجه رقم : 3105 0(1/47)
قال الفَخْرُ الرَّازِي في تفسيره على الآية الكريمة: بَيَّنَ الله تعالى أن الذين يَدْعُونَ الله فريقان، أحدهما: يكون دُعَاؤهُمُ مَقْصُوراً على طَلَبِ الدُّنْيَا، والثاني: الذين يَجْمَعُونَ في الدُّعَاءِ بين طَلَبِ الدُّنْيَا وطَلَبِ الآخِرَةِ، وقد كان في التَّقْسِيمِ قِسْمٌ ثالث، وهو من يكون دُعَاؤهُ مَقْصُوراً على طَلَبِ الآخِرَةِ، واختلفوا في هذا القسم هل مَشْرُوعٌ أمْ لاَ؟ والأكثرون على أنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ 0
وتحدث د. مراد هوفمان عن التوازن الكامل والدقيق بين الجسد والروح في الإسلام فقال: ما الآخرة إلا جزاء العمل في الدُّنْياَ، ومن هنا جاء الاهتمام في الدُّنْياَ، فالقرآن يُلْهِمُ المسلم الدُّعَاءُ لِلْدُّنْياَ، وليس الآخرة فقط ? رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? (1) 0
سُؤَالٌ وَفَتْوَىَ: هَلْ مِنَ اَلْسُّنَّةِ أنْ يَبْدَأ اَلإمَامُ دُعَاءَ اَلْقُنُوتِ بِاَلْحَمِدِ لله وَاَلْصَّلاَةُ عَلَىَ اَلْنَّبِيِّ عَلَيْهِ اَلْصَّلاَةُ وَاَلْسَّلاَمُ ؟
__________
(1) أنظر كتاب الإسلام كبديل لمراد هوفمان ، ص 55 وما بعدها 0(1/48)
لم يبلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم كانوا يبدءون في دعاء القنوت بالحمد والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ، والذي جاء في حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه أن يقول في قنوت الوتر " اللهم اهدني فيمن هديت " إلى آخره ، ولم يذكر فيه أنه علَّمه أن يحمد الله وأن يصلي على النبي ثم يقول اللهم اهدني . . ، لكن من حيث الأصل قد ثبت عنه أنه بدأ في الدعاء بالحمد لله والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام كحديث دعاء الحاجة : " إن الحمد لله نحمده ونستعينه.." الحديث ، وكحديث فضالة بن عبيد أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع رجلا يدعو في صلاته فلم يحمد الله ولم يُصَلِ على النبي عليه الصلاة والسلام فقال: "عجَّل هذا " ثم قال: "إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربِّه والثناء عليه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بما شاء " ، فهذا الحديث وما جاء في معناه يدل على شرعية البدء بالحمد والثناء على الله والصلاة والسلام على النبي أمام الدعاء ، ولكن يُرَدُّ على هذا أن العبادات توقيفية وأنه لا يُشرع فيها إلا ما شرعه الله ، فالقول بأنه يشرع للداعي في القنوت أن يبدأ بالحمد والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى دليل واضح خاص ، لأنه يوجد أدعية دعا بها النبي عليه الصلاة والسلام لم يذكر فيها الحمد والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام مثل الدعاء في السجود 000 فيظهر من هذا أن استحباب الحمد والثناء والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في أول الدعاء هذا هو الأصل في الدعاء الذي يدعو به الإنسان ، لكن الدعوات المشروعة التي لم ينقل فيها الحمد والثناء أمامها الأظهر أنه يؤتى بها على ما نقلت وأن لا تبدأ بالحمد والثناء والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لأن ذلك لم يرد في النص ، ولو بدأ الإنسان بحمد الله والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام فيها لم نعلم في هذا(1/49)
بأسا عملا بالأصل ، لكن لا أعلم أن أحدا نقله عن النبي ولا عن الصحابة في دعاء القنوت ، فالأفضل عندي والأقرب للأدلة أنه يبدأ فيه بالدعاء " اللهم اهدنا فيمن هديت " كما نُقِل ، وقد أدركنا مشايخنا رحمهم الله هكذا يبدءون في القنوت بهذا الدعاء " اللهم اهدنا فيمن هديت " في رمضان ولم أعلم إلى يومي هذا عن أحد من أهل العلم أو من الصحابة وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء لا أعلم أن أحداً بدأ القنوت في الوتر أو النوازل بالحمد والصلاة والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن عَلِمَ شيئا يدل على ذلك شُرِعَ له المصير إليه ، لأن من علم حجة على من لم يعلم ، والله ولي التوفيق 0 ( من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز )(1)
اَلْدُّعَاءُ اَلْمَأثُورِ مِنَ
اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ
وَاَلْسُّنَّةُ اَلْمُطَهَرَةِ
الدُّعَاءُ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ
دَعَوَاتِ الأنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ
دعاء سيدنا نوح عليه السلام
? رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا (2) ? (28 ـ نوح )
فائدة: قال العلماء: يُسْتَفَادُ من دُعَاءِ سيدنا نُوحٌ عليه السلام أن المسلم يَدْعُوا لنفسه أولاً، ثم المُتَصِلِينَ به من وَالِدٍ وَوَلَدٍ وِأرْحَامٍ وَأقْرِبَاءٍ لأنهم أوْلَى وَأحَقُ بِدْعَائِهِ، ثُمَّ يَعُمَّ المسلمين والمسلمات 0
وقال ابن كثير في تفسيره على الآية الكريمة: وقوله تعالى ? وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ? دُعَاءٌ لجميع المؤمنين والمؤمنات، وذلك يَعُمُّ الأحْيَاءَ منهم والأمْوَات، ولهذا يُسْتَحَبُ مثل هذا الدُّعَاءِ إقْتِدَاءً بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ 0
__________
(1) نقلا عن موقع www.al-islam.com ( فتاوى التروايح ) على الشبكة العنكبوتية0
(2) تباراً أي : هلاكاً ودماراً 0(1/50)
وفي الآية الكريمة جَوَازُ الدُّعَاءِ على الظَّالِمِينَ اَلْمُعْتَدِينَ بِاَلْدَّمَارِ وَاَلْهَلاَكِ 0
دُعَاءُ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ اَلْسَّلاَمُ
? فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ? ( 21 ـ القصص )
دعوة سيدنا يونس عليه السلام
قال تعالى : ? وَذَا النُّونِ(1) إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا(2) فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ(3) عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ? ( 87 ـ 88 ـ الأنبياء )
عن سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ" 0 ( رواه الترمذي )(4) 0
__________
(1) النَّوُنُ تعني: الحوت، وذَا النَّوِنِ أي: صاحب الحوت، وهو سيدنا يونس عليه السلام0
(2) نقل القرطبي في تفسيره عن جَمْعٍ من المفسرين قالوا: مٌغَاضِبًا لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ 0
(3) نقل ابن كثير في تفسيره عن جَمْعٍ من المفسرين قالوا: ? فظن أن لن نقدر عليه ? أي: نُضَيِّقَ عليه، واستشهد عليه بقوله تعالى ? وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ? أي: وَمَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ رِزْقه فَلَمْ يُوَسَّع عَلَيْهِ أ0هـ0 قال العلماء: وهذا من حُسْنِ الظَّن بالله تعالى0
(4) أنظر صحيح الترمذي رقم : 2785 0(1/51)
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخْبِرُكُمُ بِشَيْءٍ إذَا نَزَلَ بِرَجُلِ مِنْكُمُ كَرْبٌ أو بَلاَءٌ مِنْ أمْرِ الدُّنْياَ دَعَا بِهِ فَفُرِّجَ عنه؟ دُعَاءُ ذِي النُّوُنِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"(1).
وفي حديث: 000فقال رجل يا رسول الله: هل كانت لِيُونُسَ خَاصَةً أمْ لِلْمُؤمِنِينَ عَاِمَةً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألاَ تَسْمَع قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ? وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ? " 0 ( رواه الحاكم)(2)
قال ابن كثير? وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ? أي: إذَا كَانُوا فِي الشَّدَائِد وَدَعَوْنَا مُنِيبِينَ إلَيْنَا ولا سِيَّمَا إذَا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاء فِي حَال الْبَلاء 0
وقال الطبري المعنى: كما أنْجَيْنَا يُونُس مِنْ كَرْب الْحَبْس فِي بَطْن الْحُوت فِي الْبَحْر إذْ دَعَانَا، كَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كَرْبهمْ إِذَا اِسْتَغَاثُوا بِنَا وَدَعَوْنَا0
دُعَاءُ سَيِّدُنَا أيِّوُبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قال تعالى: ? وَأيُّوبَ إذْ نَادَى رَبَّهُ أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? ( 83 ـ الأنبياء )
قال القرطبي: قال العلماء : ولم يكن قوله ? مَسَّنِيَ الضُّرُّ ? جَزَعًا؛ لأن الله تعالى قال: ? إنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ? ( 44 ـ ص ) بَلْ كَانَ ذلك دُعَاءٌ منه، والجَزَعُ في الشَّكْوَى إلى الخَلْقِ، لا إلى الله تعالى، والدُّعَاءُ لا يُنَافِي الرِّضَا 0
__________
(1) الحديث رواه الحاكم، أنظر صحيح الجامع رقم: 2605 0
(2) رواه الحاكم في المستدرك عن سعد بن مالك رضي الله عنه، كتاب الدُّعَاءَ والتَّكْبِيرِ والتَّهْلِيلُ والتَّسْبِيحُ، رقم : 1865 0(1/52)
وقال ابن القيم في الفوائد: جُمِعَ في هذا الدُّعَاء بين حقيقة التَّوْحِيدِ، وإظهار الفَقْرِ والفَاقَةِ إلى ربَّهِ، وَوَجُودِ طَعْمُ المَحَبَّةِ في التَّمَلُّقِ لَهُ سُبْحَانَه، والإقْرَارِ لَهُ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وأنَّه أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، والتَّوْسُلُ إليه بصفاته سبحانه، وشِدَّةِ حَاجَتِهِ هُوَ وَفَقْرِهِ، وَمَتَى وَجَدَ اَلْمُبْتَلَى هذا كُشِفَتْ بَلْوَاهُ 0
دعاء سيدنا لوط عليه السلام
? قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ? ( 30ـ العنكبوت)
دعاء سيدنا سليمان عليه السلام
? رَبِّ أوْزِعْنِي(1) أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأنْ أعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ? ( 19ـ النمل )
دعاء سيدنا يوسف عليه السلام
? رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا(2) وَألْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ? ( 101ـ يوسف )
أدَبٌ وَفَائِدَةٌ: قال الفَخْرُ الرَّازي: من أراد الدُّعَاءَ فلا بد أن يُقَدِّمَ عليه ذِكْرُ الثَّنَاءِ على الله تعالى، فَهَهُنَا يوسف عليه السلام لما أراد أن يَذْكُرَ الدُّعَاء قَدَّمَ عليه الثَّنَاء وهو قوله ? رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ? ثم ذَكَرَ عَقِبَهُ الدُّعَاء وهو قوله ? تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَألْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ? 0
دعاء سيدنا زكريا عليه السلام
__________
(1) أوزعني أي : ألهمني 0
(2) قال القرطبي في تفسيره : إن يوسف لم يَتَمَنَ الموت ، وإنما تمنى الوفاة على الإسلام ؛ أي إذا جاء أجلي توفني مسلما ؛ وهذا قول الجمهور 0(1/53)
? هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً(1) إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ? ( 38 ـ آل عمران )
قال القرطبي: دَلَّتْ هذِهِ الآيَة على طَلَب الْوَلَد، وهي سُنَّة الْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ .. الْوَاجِب عَلَى الإنسان أنْ يَتَضَرَّع إلى خَالِقه في هِدَايَة وَلَده وَزَوْجه بِالتَّوْفِيقِ لَهُمَا وَالْهِدَايَة وَالصَّلاح وَالْعَفَاف وَالرِّعَايَة، وأنْ يَكُونَا مُعِينِينَ لَهُ عَلَى دِينه وَدُنْيَاهُ حَتَّى تَعْظُم مَنْفَعَته بِهِمَا فِي أولاهُ وَأخْرَاهُ 0
وعَنَّوَنَ الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الدَّعَوَاتِ فقال: باب الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ الوَلَدِ مع البَّرَكَةِ0
وفي الحديث عن أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَتْ أمِّي يَارَسُولَ اللَّهِ خَادِمُكَ أنَسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ قال: " اللَّهُمَّ أكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أعْطَيْتَهُ"0(رواه البخاري)
تنبيه: الدُّعاء بالكثرة مع البَرَكَة، ذلك أن الكثرة دون بَرَكَةٍ لا فائدة منها0
من دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام
? رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إنَّكَ أنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? ( 5 ـ الممتحنة )
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ? لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ? أي: لاَ تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا (2) 0
من دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام
? رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ? ( 40 ، 41ـ إبراهيم ) 0
دعاء المؤمنين من قوم موسى عليه السلام
__________
(1) ذرية طيبة أي : نسلاُ صالحاً مباركاً 0
(2) نقلا عن تفسير الطبري وابن كثير على الآية ( 5 ـ الممتحنة ) 0(1/54)
? فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ? ( 85 ـ 86 ـ يونس )
دعاء عِباَدُ الرحمن
? وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ? ( 74 ـ الفرقان )
ومعنى ? وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ? : أي قُدْوَةً يُقْتَدَى بِنَا في الخَيْرِ(1) 0
دعاء أصحاب الكهف
? إذْ أوَى الْفِتْيَةُ إلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أمْرِنَا رَشَدًا ? ( 10 ـ الكهف )
دعاء المجاهدين في سبيل الله تعالى
? وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي أمْرِنَا وَثَبِّتْ أقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ? ( 147 ـ آل عمران )
فائدة : نقل الفخر الرازي في تفسيره عن القاضي عياض قال: يَجْبُ تقديم التَّوْبَةِ والاِسْتِغْفَارِ على طَلَبِ النُّصْرَةِ، فَبَيَّنَ تعالى أنَّهم بَدَأو بالتَّوْبَةِ عن كل المعاصي، ثم سألوا ربَّهُمُ أن يُثَبِتَ أقدامهم، ثم سألوا بعد ذلك أن يَنْصُرَهُم على القوم الكافرين، ثم قال: وهذا تأديب من الله تعالى في كيفية الطَّلَبِ بالأدعية عند النَّوَائِبِ واَلْمِحَنِ سواء كان في الجهاد وغيره(2) 0
الدعاء للمؤمنين بالمغفرة وللنفس بسلامة الصدر
__________
(1) أنظر تفسير القرطبي على الآية ( 74 ـ الفرقان ) 0
(2) نقلا عن تفسير الرازي على الآية ( 147 ـ آل عمران ) بتصرف يسير 0(1/55)
? وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ? ( 10 ـ الحشر )
وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ اِسْتَغْفَرَ لِلْمُؤمِنِينَ وَلِلْمُؤمِنَاتِ، كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ حَسَنَةً "0 ( رواه الطبراني عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه )(1)
النبي صلى الله عليه وسلم يَسْتَغْفُرُ لأمَّتِهِ في كُلِّ صَلاِةٍ
عن عائشة رضي الله عنها قالت : لَمَّا رَأيْتُ من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طِيبَ نَفْسٍ قُلْتُ: يا رسول الله اُدْعُ الله لِيِ، قال : " اللهم اِغْفِرْ لعائشة مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَا ومَا تَأخْرَ ومَا أسَرَّتْ ومَا أعْلَنَتْ " ، فَضَحِكَتْ عائشة حتى سَقَطَ رأسها في حِجْرِهَا من الضَّحِكِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيَسُرُّكِ دُعَائِي ؟ " ، فقالت : وَمَا لِيِ لاَ يَسُرُّنِي دُعَاؤكَ ؟ ! فقال : " والله إنَّهَا لَدَعْوَتِي لأمَّتِي في كُلِّ صَلاةٍ " . (رواه البزار )(2)
اَلْدُّعَاءُ مِنَ اَلْسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ اَلْمُطَََهَرةِ
أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( 1 )
__________
(1) أنظر صحيح الجامع رقم : 6026 0
(2) أنظر السلسلة الصحيحة رقم : 2254 0(1/56)
عن شَهْرُ بن حَوْشَبٍ قال: قُلْتُ لأمِّ سَلَمَةَ: يَا أمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ ؟ قَالَتْ: كَانَ أكْثَرُ دُعَائِهِ " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " قالت: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ؟ قال: " يَا أمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أقَامَ وَمَنْ شَاءَ أزَاغَ ، فَتَلا مُعَاذٌ(1) ? رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أنْتَ الْوَهَّابُ ? ( 8 ـ آل عمران ) 0 ( رواه الترمذي )(2)
وعن أنَسٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أنْ يقول: " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ "0 ( رواه الترمذي والحاكم)(3)
أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( 2 )
عن أنَسٍ رضي الله عنه قال: كان أكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "0 (رواه البخاري)
نقل المنَّاوي في فَيْضِ القَدِيرِ عن الطِيِبِي أنه قال: إنَّمَا كان يُكْثُرْ صلى الله عليه وسلم من هذا الدُّعَاء لأنه من الجَوَامِعِ التي تَحُوزُ جميع الخَيْرَاتِ الدُّنيوية والأخْرَوِيَةِ(4) 0
__________
(1) أحد رواة الحديث 0
(2) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 2729 0
(3) أنظر صحيح الجامع رقم : 7987 0
(4) أنظر فيض القدير حديث رقم : 6826 0(1/57)
ونقل ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: ? رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? ( 201ـ البقرة ) عن أبي طالوت(1) قال : كنت عند أنَس بْن مالك فقال لَهُ ثابت إنَّ إخْوَانك يُحِبُّونَ أنْ تَدْعُو لَهُمْ فَقَالَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار، وَتَحَدَّثُوا سَاعَة حَتَّى إذَا أرَادُوا الْقِيَام قال أبَا حَمْزَة: إنَّ إخْوَانك يُرِيدُونَ الْقِيَام فَادْعُ اللَّه لَهُمْ، فقال: أتُرِيدُونَ أنْ أشْقُقَ لَكُمْ الأمُور إذَا آتَاكُمْ اللَّه فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَة حَسَنَة وَوَقَاكُمْ عَذَاب النَّار فَقَدْ آتَاكُمْ الْخَيْر كُلّه (2)0
دعاء القنوت في الوتر
عن أبي الْحَوْرَاءِ قال: قال الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ: " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ "0 ( رواه أبو داود(3) والترمذي ) وقال : لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئاً أحسن من هذا 0
سؤال العمل النافع
__________
(1) اسمه: عَبْد السَّلام بْن شَدَّاد 0
(2) انظر تفسير ابن كثير على الآية ( 201 ـ البقرة )، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري رقم: 5910 0
(3) أنظر صحيح أبو داود رقم : 1263 0(1/58)
عن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ " 0 ( رواه ابن ماجه )(1)
الاستعاذة من المنكرات
عن قطبة بن مالك رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء " 0 ( رواه الترمذي )(2)
الاستعاذة من الأمراض والأسقام
عن أنَسٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَام وَمِنْ سَيِّئْ الأسْقَامِ "0(رواه أبو داود)(3)
دعاء جامع
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أسْألُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى " 0 ( رواه مسلم )
ادخر هذه الكلمات فهي خير لك من الذهب والفضة
__________
(1) أنظر صحيح سنن ابن ماجه رقم : 3091 0
(2) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 2840 0
(3) أنظر صحيح سنن أبو داود رقم : 1375 0(1/59)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة ؛ فأكثر هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسْألُكَ الثَّباتَ في الأمْرِ ، والعَزِيمَةَ على الرُّشْدِ ، وأسْألُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ ، وعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ ، وأسْألُكَ شُكْرِ نِعْمَتِكَ ، وحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وأسْألُكَ قَلْبًا سَلِيمًا ، ولِسَانًا صَادِقًا، وأسْألُكَ مِنْ خَيْرِ ما تَعْلَم ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَم ، وأسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَم ؛ إنَّكَ أنْتَ عَلاَمُ الغُيُوبِ " 0 ( رواه الطبراني )(1)
سؤال المغفرة والبركة
عن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَجُلاً قَالَ يَارَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ دُعَاءَكَ اللَّيْلَةَ فَكَانَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ مِنْهُ أنَّكَ تَقُولُ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي " قال: " فَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا "0 ( رواه الترمذي )(2)، ومعنى " فَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا " أي: من خَيْرَيِ الدُّنيا والآخِرَة0
الاستعاذة من العجز والكسل
عن أنَسَ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " 0 ( رواه البخاري )
قال في فتح الباري: الْفَرْق بَيْن الْعَجْز وَالْكَسَل أنَّ الْكَسَل تَرْك الشَّيْء مَعَ الْقُدْرَة عَلَى الأخْذ فِي عَمَله، وَالْعَجْز عَدَم الْقُدْرَة (3)0
الاستعاذة من سخط الله تعالى
__________
(1) أنظر السلسلة الصحيحة رقم : 3228 0
(2) أنظر صحيح الجامع رقم : 1265 0
(3) أنظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، حديث رقم : 2611 0(1/60)
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال: كان مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ "0 ( رواه مسلم ) والفُجَاءَةُ أي: الْبَغْتَةُ0
دعاء جامع
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ لأصْحَابِهِ: " اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ،وَمَتِّعْنَا بِأسْمَاعِنَا وَأبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، ولا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أكْبَرَ هَمِّنَا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا " 0 ( رواه الترمذي )(1)
الاستعاذة من الجوع والخيانة
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُوعِ فَإنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِِ الْبِطَانَةُ " 0 ( رواه أبو داود )(2)
طلب المغفرة والرحمة والهداية والرزق
__________
(1) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 2783 0
(2) أنظر صحيح سنن أبو داود رقم : 1368 0(1/61)
عن أبي مَالِكٍ الأشْجَعِيُّ عن أبِيهِ قال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ مَنْ أسْلَمَ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي"0 (رواه مسلم)
الجوامع من الدعاء
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ: "اللَّهُمَّ إِني أسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أعْلَمْ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَألَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ وَأعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ، وَأسْأَلُكَ أنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا "0 ( رواه ابن ماجه )(1)
عَنْوَنَ ابن ماجه للباب الذي أورد فيه الحديث بعنوان: اَلْجَوَامِعُ مِنَ اَلْدُّعَاءِ 0
الاستعاذة من الفقر والقِلَة
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ أظْلِمَ أوْ أُظْلَمَ "0 ( رواه أبو داود )(2)
قال العلماء: المقصود بالفقر أي فَقْرُ النَّفْسِ الذي يُقَابِلُ غِنَى النَّفْسِ وهو: القَنَاعَة، والقِلَةُ أي: في أبواب البِّرِّ وخِصَالِ الخَيْرِ 0
الاستعاذة من التَّخَبُطِ عند الموت
__________
(1) أنظر صحيح سنن ابن ماجه رقم : 3102 0
(2) أنظر صحيح سنن أبو داود رقم : 1366 0(1/62)
عن أبي الْيَسَرِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَرَمِ وَالتَّرَدِّي وَالْهَدْمِ وَالْغَمِّ وَالْحَرِيقِ وَالْغَرَقِ، وَأعُوذُ بِكَ أنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأنْ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأعُوذُ بِكَ أنْ أمُوتَ لَدِيغًا " 0 ( رواه النسائي )(1)
" وَأعُوذُ بِكَ أنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ " فَسَّرَهُ الْخَطَّابِيّ بِأنْ يُسْتَوْلَى عَلَيْهِ عِنْد مُفَارَقَة الدُّنيا فَيُضِلّهُ ويَحْولُ بَيْنه وَبَيْن التَّوْبَة أوْ يُعَوِّقهُ عن إصلاح شأنه والخروج من مَظْلِمَة تَكُون قَبْله أوْ يُؤَيِّسهُ من رَحْمَة اللَّه أوْ يُكَرِّه لَهُ الْمَوْت وَيُؤْسِفهُ على حَيَاة الدُّنيا فلا يَرْضَى بِمَا قَضَاهُ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الْفَنَاء وَالنَّقْلَة إِلَى دَار الآخِرَة فَيُخِْتَمُ لَهُ وَيَلْقَى اللَّه وَهُوَ سَاخِط عَلَيْهِ (2) 0
الدُّعاءُ بِتَزْكِيَّةِ النَّفْسِ
عن زَيْدِ بن أرْقَمَ قال: لا أقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كما كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَانَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ من الْعَجْزِ والْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ والْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ من عِلْمٍ لا يَنْفَعُ ومن قَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا " 0 ( رواه مسلم )
الدُّعَاءُ بِاَلْعَافِيَةِ
__________
(1) أنظر صحيح سنن النسائي رقم : 5105 0
(2) أنظر شرح سنن النسائي للسندي والسيوطي ، حديث رقم : 5436(1/63)
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قال لعمه: أكْثِرْ اَلْدُّعَاءَ بِاَلْعَافِيَةِ " 0 ( رواه الحاكم )(1)
الدُّعَاءُ عِنْدَ اَلْكَرْبِ
عن أنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ(2) أمْرٌ قال: " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ " 0 ( رواه الترمذي )(3)
الاستعاذة من أربع مهلكات
عن عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ أرْبَعٍ : مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَدُعَاءٍ لا يُسْمَعُ، وَنَفْسٍ لا تَشْبَعُ 0 ( رواه النسائي )(4)
استعاذة
عن فَرْوَةَ بن نَوْفَلٍ الأشْجَعِيِّ قال سَألْتُ عَائِشَةَ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ اللَّهَ، قالت كان يقول: " اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أعْمَلْ "0( رواه مسلم )
سؤال ستر العورة وتأمين الروعة
عن خباب الخزاعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم اسْتُرُ عَوْرَتي، وآمِنْ رَوْعَتِي، واقْضِ عَنِي دَيْنِي"0 (رواه الطبراني)(5)
دعاء جامع عظيم
__________
(1) أنظر صحيح الجامع رقم : 1198 0
(2) الكَرْب أي: الضيق والشِّدة 0
(3) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 2796 0
(4) أنظر صحيح سنن النسائي رقم : 5030 0
(5) أنظر صحيح الجامع رقم : 1262 0(1/64)
عن عطاءُ بن السَّائِبِ عن أبِيه قال: صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلاةً فَأوْجَزَ فِيهَا فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ لَقَدْ خَفَّفْتَ أو أوْجَزْتَ الصَّلاةَ فقال أمَّا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَسَألَهُ عن الدُّعَاءِ ثُمَّ جَاءَ فَأخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ: " اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأسْألُكَ نَعِيمًا لا يَنْفَدُ، وَأسْألُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لا تَنْقَطِعُ وَأسْألُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأسْألُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأسْألُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ ِإِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ" 0 ( رواه النسائي )(1)
الاستعاذة من الضلال
عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: "اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِعِزَّتِكَ لا إِلَهَ إِلاَّ أنْتَ أنْ تُضِلَّنِي، أنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإنْسُ يَمُوتُونَ " 0 ( رواه مسلم )
اسم الله الأعظم ( 1 )
__________
(1) أنظر صحيح سنن النسائي رقم : 1237 0(1/65)
عن أنس بن مالك قال: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِأنَّ لَكَ الْحَمْدَ لا إِلَهَ إِلاَّ أنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ " فقال: " لَقَدْ سَألَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأعْظَمِ الَّذِي إذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى وَإذَا دُعِيَ بِهِ أجَابَ " 0 ( رواه ابن ماجه )(1)
اسم الله الأعظم ( 2 )
عن عَبْدِ اللَّهِ بن بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيِّ عن أبِيهِ قال: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ بِأنِّي أشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أنْتَ الأحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ " ، فقال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَألَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأعْظَمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أجَابَ وَإذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى " 0 ( رواه الترمذي )(2)
التَّعَوُذ ُمِنْ شَرِّ مَا عَمِلَ وَمِنْ شَرِّ مَالَمْ يَعْمَل
عن أبِي موسى الأشْعَرِيِّ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أمْرِي وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "0 ( رواه مسلم )
__________
(1) أنظر صحيح سنن ابن ماجه رقم : 3112 0
(2) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 2763 0(1/66)
دعاء واستعاذة(1)
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ من: جَهْد الْبَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأعْدَاءِ " 0 ( رواه البخاري )
والجَهْد أي: الضَّيِقِ والمَشَّقَةِ، ودَرَكِ الشَّقَاءِ أي: الوُقُوعُ في المَصَائِبِ والمُهْلِكَاتِ0
الاستعاذة من جار السوء
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَارِ السَّوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ"0 (رواه النسائي)(2)
دعاء يُفرَّج همَّ الدَّيْن
عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ مُكَاتَبًا(3) جَاءَهُ فقال: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأعِنِّي، قال ألا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كان عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ(4) دَيْنًا أدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟ قال: قُلْ: " اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عن حَرَامِكَ وَأغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ " 0 ( رواه الترمذي )(5)
__________
(1) قال الإمام ابن الجوزي: وفائدة الاستعاذة والدُّعَاء إظهار العبد فَاقَتَهُ لِرَبِّهِ وتضرعه إليه 0 ( نقلا عن فتح الباري ، حديث رقم : 5871 )
(2) أنظر صحيح سنن النسائي رقم : 5076 0
(3) المُكاتب هو العبد يُكاتب سيده أي يتفق معه على مبلغ من المال متى ما أداه إليه أصبح حرا 0
(4) صِيْر : اسم جبل لقبيلة طئ 0
(5) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 2822 0(1/67)
قال العلماء: طلب المُكَاتِبُ المَالَ، فَعَلَّمَهُ الدُّعَاء إمَّا لأنه لم يَكُنْ عنده من المَالِ لِيُعِينَهُ فَرَدَّه أحْسَنَ رَدٍّ عملا بقوله تعالى ? قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ ? أو أرْشَدَهُ إلى أنَّ الأوْلَىَ والأصْلَحَ له أن يَسْتَعيِنَ بالله لأدَائِهَا ولا يَتَكِلَ على اَلْغَيْرِ(1) 0
الاستعاذة من غلبة الدَّيْن وغلبة الرجال
عن أنسِ بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبِي طَلْحَةَ الْتَمِسْ غُلامًا من غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أخْرُجَ إلى خَيْبَرَ فَخَرَجَ بِيِ أبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي وَأنَا غُلامٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ فَكُنْتُ أخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ فَكُنْتُ أسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَع الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ " 0 ( رواه البخاري )
استغاثة الزمها وأكثر منها
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلالِ وَالإكْرَام "0 ( رواه الترمذي )(2) و" أَلِظُّوا " أي: الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها0
اللهم احفطني بالإسلام
عن ابن مسعود رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان يدعو : " اللهم احفظني بالإسلام قائماً، واحفظني بالإسلام قاعداً، واحفظني بالإسلام راقداً، ولا تُشَمِت بي عدواً حاسداً، اللهم إني أسألك مِنْ كُلِّ خَيْرٍ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ، وأعُوُذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرِّ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ " ( رواه الحاكم )(3)
سؤال صلاح الدين والدنيا
__________
(1) أنظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي حديث رقم : 3486 0
(2) أنظر صحيح سنن الترمذي رقم : 2797 0
(3) أنظر صحيح الجامع رقم : 1260 0(1/68)
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللَّهُمَّ أصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي، وَأصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ " 0 ( رواه مسلم )
اَلْدُّعَاءُ عَلَى اَلْكَافِرِينَ وَاَلْمُنَافِقِينَ
قال تعالى : ? فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ? ( 10 ـ البقرة )
قال القرطبي في تفسيره على الآية الكريمة : قوله تعالى ? فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ? قيل: هو دُعَاء عليهم، ويكون معنى الكلام: زَادَهُمْ اللَّه شَكًّا وَنِفَاقًا جَزَاء على كُفْرهمْ وَضَعْفًا عَنْ الانْتِصَار وَعَجْزًا عَنْ الْقُدْرَة، وعلى هذا يكون فِي الآيَة دَلِيل على جَوَاز الدُّعَاء على الْمُنَافِقِينَ وَالطَّرْد لَهُمْ، لأنَّهُمْ شَرّ خَلْق اللَّه0أ0هـ0
وكان معاذ بن الحارث الأنصاري إذا انتصف رمضان لَعَنَ الكَفَرَةَ(1) 0
وقال الأعرج: ما أدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ0 ( رواه مالك في الموطأ )
قال في المنتقى شرح الموطأ: قوله: ( ما أدْرَكْت النَّاسَ إِلاَّ وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ ) يُرِيدُ بِالنَّاسِ الصَّحَابَةَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أنَّهُمْ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي رَمَضَانَ بِلَعْنِ الْكَفَرَةِ، وَمَحَلُّ قُنُوتِهِمْ الْوِتْرُ 0
__________
(1) نقلا عن عون المعبود شرح سنن أبي داود ، حديث رقم : 1217 0(1/69)
وقال الحافظ ابْنُ عَبْدِ البَّرِّ في شرحه لحديث الأعرج: فيه إبَاحَةُ لَعْنُ الكَفَرَةِ، كانت لهم ذِمَّةٌ أوْلَمْ تَكُنْ، وليس ذلك بِوَاجِبٍ، ولكنه مُبَاحٌ لِمَنْ فَعَلَهُ غَضًَبا لله في جَحْدِهِمُ الحَقَّ وعَدَاوَتِهِم لِلْدِّيِنِ وأهله(1) 0
وقال تعالى: ? لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ? ( 78 ـ المائدة ) قال القرطبي في تفسيره على الآية الكريمة: فيه مسألة واحدة وهي: جَوَاز لَعْن الْكَافِرِينَ 0
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدُّعَاءُ على جِنْسِ الظَّالِمِينَ الكُفَّار مَشْرُوعٌ مَأمُورٌ بِهِ، وشُرِعَ القُنُوتُ والدُّعَاءُ للمؤمنين، والدُّعَاءُ على الكَافِرِين(2) 0
__________
(1) الاستذكار ، ج2 ، ص 73 وما بعدها 0
(2) نقلا عن فتوى لفضيلة الشيخ / د0 علي بن بخيت الزهراني ، اطلع عليها عبر موقع : www.almokhtsar.com على الشبكة المعلوماتية 0(1/70)
فائدة: قال ابن العربي : دَعَا نُوحٌ على الكافرين أجمعين، ودَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم على من تَحَزَّبَ على المؤمنين وألَّبَ عليهم ، وكان هذا أصلا في الدُّعَاءِ على الكافرين في الجملة، فأمَّا كافر مُعَيَّنٌ لَمْ تُعْلَمُ خَاتِمَتُهُ فلا يُدْعَى عليه؛ لأنَّ مَآلُهُ عندنا مجهول، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسَّعادة ، وإنما خَصَّ الَّنِبيُّ صلى الله عليه وسلم بالدُّعَاءِ عُتَّبَةٌ وشَيَّبَةٌ وأصْحَابِهِمَا(1) لِعِلْمِهِ بِمَآلِهِم وما كُشِفَ له من الغِطَاءِ عن حَالِهِم ، والله أعلم(2)0
الحمد لله ربِّ العالمين
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أفْضَلُ الذِّكْرِ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ " 0 ( رواه ابن ماجه )(3)
قال القرطبي في تفسيره: يُستحب للداعي أن يقول في آخر دعائه كما قال أهل الجنَّة ? وآخر دعواهم أن الحمد لله ربِّ العالمين ? ( 10 ـ يونس ) 0
الحمد لله ربِّ العالمين
فهرس المحتويات
تقديم بقلم المستشار د0 عيسى زكي عيسى ... 3
تقديم بقلم الشيخ علي سعود الكليب ... 5
بين يدي الرسالة ... 7
معنى الدعاء وحقيقته ... 9
فضل الدعاء وبيان أن الدعاء من أعظم أنواع العبادات ... 10
النهي عن الاعتداء في الدعاء وأنه يمنع من الإجابة ... 18
__________
(1) يعني دعاؤه صلى الله عليه وسلم : " اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي مُعيط حتى عد سبعة من قريش " قال عبد الله ـ راوي الحديث ـ فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قَلِيبٍ واحد 0 ( رواه النسائي ـ أنظر صحيح سنن النسائي رقم : 296 ) 0
(2) أنظر أحكام القرآن لابن العربي ، سورة نوح الآية رقم : 26 0
(3) أنظر صحيح سنن ابن ماجه رقم : 3065 0(1/71)
من صور الاعتداء المنهي عنها
النهي عن استبدال لفظ وارد بغيره ... 23
التغني والتمطيط ( تحرير النغم ) ... 27
التفصيل في الدعاء ( كثرة الألفاظ ) ... 28
نهي الغافلة قلوبهم عن الدعاء ... 30
تكلف السجع والإعراب ... 34
رفع الصوت فوق الحاجة والنوح والبكاء ... 37
الغفلة عند تلاوة القرآن والتأثر عند سماع الدعاء ... 40
دعوة العلماء الكرام إلى الالتزام بالدعاء المأثور من الكتاب والسنة ... 42
الصحابة يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم الدعاء ... 46
الإتباع في الدعاء أيسر في الذكر وأفضل في الأجر ... 47
فائدة هامة ... 50
الدعاء في السجود أفضل من الدعاء حال القيام ... 53
يستحب الدعاء والسؤال عند قراءة القرآن سواء أكان إماماً أم مأموماً أو منفرداً ... 56
فوائد ... 58
من الاعتداء : الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا ... 60
أن الدعاء المشروع إنما يكون في طلب الآخرة والدنيا ... 62
سؤال وفتوى ... 63
الدعاء من القرآن الكريم ... 67
الدعاء من السنة النبوية المُطَهرة ... 76(1/72)