الإلمام بمعنى قول الفقهاء الأعلام:
من نوى الإقامة فوق أربع لزمه الإتمام
جمعه / الفقير إلى الله تعالى
عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
مشرف العلوم الشرعية بالإدارة العامة للمناهج
بوزارة التربية السعودية
…
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد(1):
فهذا مجموع ذكرت فيه كلام الأعلام من المتقدمين والمتأخرين في مسألة المسافر إذا أقام ببلد مدة بغير نية الاستيطان لكنها مدة ينقطع عنه فيها حكم السفر؛ بأنه يلتزم أحكام المقيم من أول يوم يدخل فيه البلد، فلا يقصر ولا يجمع، ولا يزيد في مسح خفيه أو جوربيه على اليوم والليلة، ولا يفطر في نهار رمضان ؛ من حين دخوله البلد ناويا الإقامة فيها فوق أربعة أيام، وأن الفقهاء رحمهم الله متفقون - في الجملة- على أنه من حكم له بانقطاع السفر لا يترخص أول أيامه ثم يترك الترخص بعدها؛ بل عليه ترك الترخص من أول يوم حل فيه موضعا نوى الإقامة فيه مدة تقطع حكم السفر.
وكان السبب في جمعه أني كنت سمعت من بعض الزملاء من الأقران ـ قبل عدة سنوات ـ أن من نوى إقامة فوق أربعة أيام ببلد لا ينوي استيطانها أنه يترخص الأيام الأربعة الأولى ثم يأخذ أحكام المقيم فيما بعدها، وكنت بينت له خطأ كلامه على ما هو المشهور عند أهل العلم، وما عليه علماؤنا وشيوخنا القائلون بالتحديد.
ثم سألني بعض تلامذتي غير مرة عن المسألة، وكان يسبق إلى أذهانهم هذا الفهم، فكنت أبين لهم غلطه، وما هو المشهور في المراد بالمسألة، ولم يكن هذا بالمستغرب على الطلبة ولا حتى على بعض الأقران؛ لأنه مما قد ينبو عنه فهم اللبيب.(1/1)
إلا إنه قد جمعني العمل في المناهج الدراسية يوما بأحد فضلاء الشيوخ، وكنا نشترك في لجنة للعمل في تعديل كتب الفقه للمرحلة المتوسطة فاعترض على عبارة في كتاب الفقه للصف الأول المتوسط ص91 هذا نصها:إذا وصل المسافر بلدا وأراد الإقامة بها أربعة أيام فأكثر؛ فإنه يجب عليه الإتمام. اهـ
وتبين لي أنه يفهم المسألة بالفهم السابق، وقال: هذا ما أَفْهَمه وأُدَرِّسه طلبتي. فيينت له ما عندي ووجهه، فلم يقنع بذلك، فرغبت إليه بحث المسألة ليتبين الصواب من الغلط في فهمها، فلم ير ذلك، وقال: تبحثها أنت. (2)
فجمعت هذا المجموع الذي بين يديك وغرضي منه بيان المراد بكلام الفقهاء والمفتين(3)، لا تَبَنِّي أصل المسألة من عدمه؛ فهذا له موضع آخر، وكما قال الشوكاني ـ عن هذه المسألة وصويحبات لها ـ(4): هي من المعارك التي تتبلد عندها الأذهان، وقد اضطربت فيها المذاهب اضطرابا شديدا وتباينت فيها الأنظار تباينا زائدا.اهـ
وليس مرادي أيضا تحرير النزاع في المسألة وتحرير أقوال الناس فيها؛ وإلا فقد خالف في ذلك ابن حزم والشوكاني -رحمهما الله تعالى-(5)، وإنما أردت بيان مراد الفقهاء بها، وأن من فهمها على غير مرادهم ونسب ذلك لهم فقد غلط، أما من تبنى رأي ابن حزم أوالشوكاني في المسألة، عالما بالخلاف، ومتحققا منه، ورادا على الفقهاء ما قالوه؛ فليس الكلام معه.
وسميت هذا المجموع بـ:الإلمام بمعنى قول الفقهاء الأَعلام: من نوى الإقامة فوق أربع لزمه الإتمام.
وإنما قلت: فوق أربع(6)؛ لأنه أصل المسألة المتكلم فيها، وهو في الجملة(7) قول الثلاثة سوى أبي حنيفة، وإلا فإني أذكر -إن شاء الله تعالى- قول القائلين بالتحديد كلهم ـ مع اختلافهم فيه ـ من أجل اتفاقهم(8) على أن من عزم على البقاء المدة التي ضربوها أجلا وحدًّا لزمه الإتمام.
وقد رتبته على تمهيد وأربعة فصول:
الفصل الأول: نصوص العلماء الناقلين للخلاف
الفصل الثاني:نصوص فقهاء المذاهب الأربعة(1/2)
الفصل الثالث:نصوص العلماء المعاصرين
الفصل الرابع: قول الظاهري والشوكاني
وختاما أتقدم بالشكر الجزيل - بعد شكر المنعم جل وعلا- لفضيلة الشيخ المشار إليه آنفا؛ لأنه كان السبب الداعي لكتابة هذا المجموع، كما أشكر تلميذنا المبارك أبا عبدالرحمن فهد بن عواض العتيبي -وفقه الله تعالى- على حرصه على إخراج هذه الرسالة، ومساعدته على مقابلة النقول على أصولها، وتسجيل المراجع آخر الرسالة.
وأسأل الله تعالى جل في علاه أن ينفع بهذه الرسالة، ويكتب للفقير أجرها، ويبارك في أعملنا وأعمارنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهذا أوان الشروع في المقصود بعد الاستعانة بالملك المعبود، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قاله بفمه وكتبه بيده الفقير إلى الله تعالى
عبد الرحمن بن فهد الودعان الدوسري
للمواصلة والمناصحة/0505240568
Awadan@gawab.com
التمهيد
عامة العلماء القائلين بتحديد مدة لانقطاع السفر ـ مع اختلافهم في تحديد المدة التي إذا نواها انقطع سفره ـ اتفقوا على أن العبرة بمجرد نية الإقامة والعزم عليها؛ لا أنه يقيم المدة التي حددوها لانقطاع السفر مترخصا ، ثم يترك الترخص بعدها.
وجعلوا الحكم بانقطاع السفر وحصول الإقامة مقيدا بوجود النية والعزم، لا بالفعل؛ وتتفق كلمة الفقهاء على ذلك، ولم أقف على خلاف فيه إلا ما سيأتي نقله عن ابن حزم والشوكاني ـ إن شاء الله تعالى ـ .
وكثير منهم قد صرحوا بأن من نوى الإقامة المدة التي ينقطع فيها عنه حكم السفر؛ فإنه يتم من أول دخوله البلد التي قدم إليها بهذه النية كما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في كلامهم.
وأنا أذكر ما تيسر من نصوصهم في المسألة على غير جهة الاستقصاء، فهذا لا يمكن حصره، إنما على جهة التمثيل، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وفيه مقنع وكفاية لطالب الحق.(1/3)
على أني أنبه على أن بعض الفقهاء رحمهم الله تعالى قد قالوا بنحو هذا القول لكن في المسافر الذي لا ينوي إقامة بل يكون مترددا في نيته، فقد قال بعضهم: يقصر حتى يبلغ أربعة أيام ثم يتم، وهذه غير مسألتنا، وهذا القول فيها ضعيف، وأكثرهم على أنه يقصر أبدا ما دام لم ينو إقامة محددة بل بقي مترددا، ولعل هذه المسالة من أسباب الاشتباه والغلط عند من فهم الفهم المذكور، والله أعلم.
الفصل الأول: نصوص العلماء الناقلين للخلاف الدالة على الاكتفاء بمجرد العزم على الإقامة
وفي ضمن ذلك نقول عن علماء السلف رحمهم الله تعالى
قال المروزي(9): قال سفيان: إذا قدمت أرضا وأنت مسافر فأزمعت أن تقيم خمس عشرة فأتم الصلاة، وكذلك قال الكوفيون.
وقال مالك وأهل المدينة: إذا أزمع على إقامة أربعة أيام أتم الصلاة، وكذلك قال الشافعي: إذا أزمع على إقامة أربعة أيام سوى اليوم الذي يدخل فيه واليوم الذي يخرج منه فإنه يتم صلاته.
قال أحمد: إذا أزمع على مقام أكثر من أربعة أيام فإنه يتم الصلاة، واحتج أحمد بحديث جابر وعائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام قدم مكة صبح رابعة من ذي الحجة، فقال أحمد: أزمع النبي على مقام أربعة أيام فقصر فما زاد على هذا فإنه يتم.
وأما إسحاق فكان يقول لا أفتي في هذه المسألة.اهـ
وفي مختصر اختلاف العلماء للطحاوي(10): فيمن قدم المصر الذي سافر إليه ولم ينو إقامة وليس بمنزله.
قال أصحابنا ومالك والثوري والأوزاعي: يصلي صلاة مسافر ما لم يعزم على الإقامة.
وقال الشافعي: إن أقام فيه بغير خوف أربعة أيام أتم
قال أبو جعفر: ولم يقل بهذا القول أحد غيره
وقد روي عن سعد وابن عمر وعبد الرحمن بن سمرة وابن عباس في رواية أنه يقصر أبدا من غير توقيت رواه أبو إسحاق السبيعي عن زائدة بن عمير الطائي عنه .
وروى عاصم عن عكرمة عن ابن عباس أنه يقصر ما بينه وبين تسعة عشر يوما فإذا أقام أكثر من ذلك صلى أربعا .(1/4)
وروى سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السلام قال إذا أقمت عشرا فأتم الصلاة
وروى ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر إذا أقمت اثني عشر يوما فأتم الصلاة، وروى عنه غيره أنه يقصر في غير توقيت.
وهذه الأقوال كلها خلاف قول الشافعي.
وقال ابن عبد البر في التمهيد(11): واختلفوا في مدة الإقامة فقال مالك والشافعي والليث والطبري وأبو ثور: إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وهو قول سعيد بن المسيب في رواية عطاء الخراساني عنه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: إذا نوى إقامة خمس عشرة يوما أتم، وإن كان أقل قصر ، وهو قول ابن عمر، وقول سعيد بن المسيب في رواية هشيم عن داود بن هند عنه.
وقال الأوزاعي: إن نوى إقامة ثلاثة عشر يوما أتم، وإن نوى أقل قصر.
وعن سعيد بن المسيب قول ثالث:إذا أقام ثلاثا أتم.
وعن السلف في هذه المسألة أقاويل متباينة، منها:
إذا أزمع المسافر على مقام اثنتي عشرة أتم الصلاة، رواه نافع عن ابن عمر ، قال نافع: وهو آخر فعل ابن عمر وقوله.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: أقام رسول الله B تسع عشرة يقصر الصلاة، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا.
وروى عن علي وابن عباس: من أقام عشر ليال أتم الصلاة، والطرق عنهما في ذلك ضعيفة، وبذلك قال محمد بن علي والحسن بن صالح.
وروى عن سعيد بن جبير وعبدالله بن عتبة: من أقام أكثر من خمس عشرة أتم، وبه قال الليث بن سعد.
وروى عن الحسن: أن المسافر يصلي ركعتين أبدا حتى يدخل مصرا من الأمصار.
وقال أحمد بن حنبل: إذا أجمع المسافر مقام إحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر وإن زاد على ذلك أتم.
قال ابن عبد البر(12): فهذه تسعة أقوال في هذه المسألة، وفيها قول عاشر أن المسافر يقصر أبدا حتى يرجع إلى وطنه أو ينزل وطنا له، وروى عن أنس أنه أقام سنتين بنيسابور يقصر الصلاة.
وقال أبو مجلز: قلت لابن عمر: آتى المدينة فأقيم بها السبعة أشهر والثمانية طالبا حاجة؟
فقال: صل ركعتين.(1/5)
وقال أبو اسحق السبيعي: أقمنا بسجستان ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود سنتين نصلي ركعتين.
وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وكان الثلج حال بينهم وبين القفول.
وأقام مسروق بالسلسلة سنتين وهو عامل عليها يصلي ركعتين ركعتين حتى انصرف يلتمس بذلك السنة.
وذكر يعقوب بن شيبة حدثنا معاوية بن عمر حدثنا زائدة عن منصور عن شقيق قال: خرجت مع مسروق الى السلسلة حين استعمل عليها فلم يزل يقصر حتى بلغ، ولم يزل يقصر في السلسلة حتى رجع، فقلت : يا أبا عائشة ما يحملك على هذا قال اتباع السنة.
وقال أبو حمزة نصر بن عمران: قلت لابن عباس: إنا نطيل المقام بالغزو بخراسان فكيف ترى؟
قال: صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين.
قال ابن عبد البر(13): محمل هذه الأحاديث عندنا على من لا نية له في الإقامة لواحد من هؤلاء المقيمين هذه المدد المتقاربة وإنما ذلك مثل أن يقول:اخرج اليوم أخرج غدا، وإذا كان هكذا فلا عزيمة ههنا على الإقامة.
وقال الأثرم(14): سئل أحمد بن حنبل عن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام عشرا يقصر الصلاة ، فقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة لصبح رابعة قال فرابعة وخامسة وسادسة وسابعة وثامنة التروية وتاسعة وعاشرة قال فإنما حسب أنس مقامه بمكة ومنى لا وجه لحديث أنس غير هذا.
قال أحمد: فإذا قدم لصبح رابعة قصر وما قبل ذلك يتم، قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح بالأبطح في اليوم الثامن فهذه إحدى وعشرون صلاة قصر فيها في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها فمن أجمع أن يقيم كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قصر، فإن أجمع على أكثر من ذلك أتم.
قلت له: فلم لا تقصر فيما زاد على ذلك؟
قال: لأنهم اختلفوا فنأخذ بالاحتياط ونتم.
قيل لأحمد بن حنبل: فإذا قال: اخرج اليوم أخرج غدا يقصر؟
قال: هذا شيء آخر ، هذا لم يعزم.(1/6)
قال ابن عبدالبر(15): أصح شيء في هذه المسألة قول مالك ومن تابعه، والحجة في ذلك حديث العلاء بن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للمهاجر أن يقيم بمكة ثلاثة أيام ثم يصدر .
ومعلوم أن الهجرة إذا كانت مفترضة قبل الفتح كان المقام بمكة لا يجوز ولا يحل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهاجر ثلاثة أيام لتقضية حوائجه وتهذيب أسبابه ولم يحكم لها بحكم المقام ولا جعلها في حيز الإقامة لأنها لم تكن دار مقام فإذا لم يكن كذلك فما زاد على الثلاثة أيام إقامة لمن نواها، وأقل ذلك أربعة أيام ومن نوى إقامة ثلاثة أيام فما دونها فليس بمقيم وإن نوى ذلك كما أنه لو نوى إقامة ساعة أو نحوها لم يكن بساعته تلك داخل في حكم المقيم ولا في أحواله.
ومن الحجة أيضا في ذلك أن عمر رضي الله عنه حين أجلى اليهود جعل لهم إقامة ثلاثة أيام في قضاء أمورهم وإنما نفاهم عمر لقول رسول الله ( :لا يبقى دينان بأرض العرب .
ألا ترى أنهم لا يجوز تركهم بأرض العرب مقيمين بها فحين نفاهم عمر وأمرهم بالخروج لم يكن عنده الثلاثة أيام إقامة وهذا بين لمن لم يعاند ويصده عن الحق هواه وعماه .
قال ابن عبدالبر(16): واحتج أبو ثور لقوله في هذه المسألة بأن قال لما أجمعوا على ما دون الأربع أنه يقصر فيها واختلفوا في الأربع فما فوقها كان عليه أن يتم وذلك أن فرض التمام لا يزول باختلاف.
قال أبو عمر ابن عبدالبر في الاستذكار(17): اختلف العلماء في المدة التي إذا نوى المسافر الإقامة فيها لزمه إتمام صلاته. فذهب مالك إلى ما ذكره في هذا الباب عن عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب( يعني قوله: من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة)، وقال في موطئه: إنه أحب ما سمع إليه في ذلك ؛ فدل ذلك على سماعه الاختلاف في ذلك
وذكر بن وهب عن مالك قال: أحسن ما سمعت والذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا؛ أن من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة .(1/7)
قال أبو عمر: وإلى هذا ذهب الشافعي وهو قوله وقول أصحابه وأبي ثور وداود.
قال: وخالفه في ذلك بعض أهل الظاهر .
قال أبو عمر ابن عبدالبر في الاستذكار(18): قال الشافعي إذا أزمع المسافر أن يقيم بموضع أربعة أيام بلياليهن أتم الصلاة ولا يحسب في ذلك يوم نزوله ولا يوم رحله. وقول أبي ثور في ذلك كقول الشافعي ومالك .
وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين وعن الحسن بن صالح بن حي مثل ذلك على اختلاف عنهما في ذلك.
وروى قتادة عن سعيد بن المسيب قال إذا أقام المسافر أربعا صلى أربعا ، وذكره وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب .
وهذا في معنى رواية عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب، وهو عندي أثبت ما روي في ذلك عن سعيد بن المسيب والله أعلم.
وقد روي عنه في ذلك ثلاثة أقوال أذكرها كلها في هذا الباب إن شاء الله، والحمد لله .
قال الشافعي وأبو ثور ومن ذلك ما روي في هذا حديث العلاء بن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للمهاجر مقام ثلاثة أيام بمكة بعد قضاء نسكه ، ومعلوم أن مكة لا يجوز لمهاجري أن يتخذها دار إقامة ، فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة أيام لمن نوى إقامتها لحاجة ليست بإقامة يخرج فيها الذي نواها عن حكم المسافر وأن حكمها حكم السفر لا حكم الإقامة ،فوجب بهذا أن يكون من نوى المقام أكثر من ثلاث فهو مقيم ومن كان مقيما لزمه الإتمام ، ومعلوم أن أول منزلة بعد الثلاث: الأربع.
ويعضد هذا أيضا أن عمر بن الخطاب ( لما بلغه أن رسول الله ( قال في مرضه الذي توفي فيه: (لا يبقين دينان بأرض العرب)، وأمر بإخراج يهود الحجاز لم يجعل لهم غير مقام ثلاثة أيام إذ أمر بإخراجهم فكانت عنده مدة الثلاثة الأيام إقامة بلا إقامة...(1/8)
قال أبو عمر ابن عبدالبر في الاستذكار(19): وقال سفيان وأبو حنيفة وأصحابه إذا نوى الرجل إقامة خمس عشرة ليلة أتم الصلاة وإن كان دون ذلك قصر ، وروي مثله عن ابن عمر وسعيد بن المسيب.
روى وكيع عن عمرو بن دينار عن مجاهد قال: كان ابن عمر إذا أجمع على إقامة خمس عشرة ليلة سرج ظهره وصلى أربعا.
وروى وكيع أيضا عن ... عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: إذا قدمت بلدا وأنت مسافر وفي نيتك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة.
قال الطحاوي(20): ولا مخالف لهما من الصحابة ، قال: ولما أقام رسول الله ( في حجته أكثر من أربع يقصر الصلاة ذكر الإتمام على اعتبار الأربع(كذا).
وروى أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: إذا نوى الرجل على إقامة خمس عشرة ليلة أتم الصلاة ، وهذا أيضا حديث صحيح الإسناد عن سعيد .
وفي المسألة قول ثالث: قال الليث بن سعد: إن نوى إقامة خمس عشرة فما دون قصر وإن نوى إقامة أكثر من خمس عشرة أتم الصلاة. واحتج بما رواه عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود عن ابن عباس قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ركعتين.
قال أبو عمر: هذا الحديث قد رواه الزهري عن عبيد الله كما رواه عراك ، وقد ذكره أبو بكر قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس؛ أن رسول الله ( أقام بمكة بعد الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة حتى سار إلى حنين.
قال أبو عمر: فكان الليث بن سعد يقول إنه لم يبلغه أن رسول الله ( قصر في سفره أكثر من هذه المدة؛ فمن زاد عليها شيئا لزمه الإتمام .
وهذا لم يختلف(كذا) في مقامه ( بمكة عام الفتح لكن الاختلاف في ذلك كثير جدا .(1/9)
وفي المسألة قول رابع(21) ذكره وكيع، قال: أخبرنا قرة بن خالد عن أبي حكيمة، قال: سألت سعيد بن المسيب، فقال: إذا أتممت ثلاثا فأتم الصلاة .
وفيها قول خامس(22)، قال الأوزاعي: إذا أقام المسافر ثلاثة عشر يوما أتم وإن نوى أقل من ذلك قصر.
وفيها قول سادس(23)، روي عن ابن عمر أنه قال: إذا أقام اثنتي عشرة ليلة أتم وإن كان دون ذلك قصر.
ومثل هذا حديث مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقول: أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثا وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة .
وقد روى عن الأوزاعي أيضا مثل ذلك.
وفيها قول سابع(24)، قاله أحمد بن حنبل وداود، قال أحمد: روت عائشة وجابر عن النبي ( أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، قال أحمد: فقد أزمع رسول الله ( على مقام أربعة أيام يقصر فمن زاد على ذلك فإنه يتم.
وقال داود: من عزم على إقامة أربعة أيام عشرين صلاة قصر ومن عزم على مقام أكثر من ذلك أتم؛ لأن النبي ( صلى في حجته صلاة أربعة أيام وهو مقيم بمكة، ثم خرج إلى منى وهو في ذلك كله يقصر ، والأصل أن كل من أقام فقد لزمه الإتمام؛ إلا أن يخص ذلك سنة أو إجماع، وقد نصت السنة على ذلك المقدار فمن زاد عليه لزمه الإتمام.
قال أبو عمر ابن عبدالبر(25): ليس مقام النبي ( بمكة إذ دخلها لحجته بإقامة لأنها ليست له بدار إقامة ولا بملاذ ولا لمهاجري أن يتخذها دار إقامة ولا وطن؛ وإنما كان مقامه بمكة إلى يوم التروية كمقام المسافر في حاجة يقضيها في سفر منصرفا إلى أهله، فهو مقام من لا نية له في الإقامة، ومن كان هكذا فلا خلاف أنه في حكم المسافر يقصر، فلم ينو النبي ( بمكة إقامة، بل نوى الخروج منها إلى منى يوم التروية، عاملا في حجة حتى ينقضي وينصرف إلى المدينة.
وفيها قول ثامن(26) روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا أقام عشرة أيام أتم ، وروي ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الحسن بن صالح.(1/10)
وفيها قول تاسع (27)ذكره البخاري عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عاصم وحصين عن عكرمة عن ابن عباس، قال: أقام رسول الله ( تسعة عشر يوما يقصر، فنحن إذا أقمنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا.
قال أبو عمر ابن عبدالبر(28): هكذا ذكر البخاري أن مقامه بمكة حيث فتحها ( كان تسعة عشر، وهو حديث مختلف فيه لا يثبت فيه شيء لكثرة اضطرابه.
وقد رواه حفص بن غياث عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي ( أقام سبع عشرة يقصر الصلاة.
قال: وقال ابن عباس من أقام سبع عشرة يقصر الصلاة ومن أقام أكثر من ذلك أتم ، هكذا ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حفص عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس ، وحفص أحفظ من أبي عوانة؛ إلا أن عباد بن منصور قد تابع أبا عوانة، فروى عن عكرمة عن ابن عباس، قال : أقام تسعة عشر وأما الزهري فروى عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي ( أقام حيث فتح مكة خمسة عشر يقصر الصلاة حتى سار إلى حنين، هكذا رواه ابن إسحاق عن ابن شهاب.
وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلي قال حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال أقام رسول الله B خمس عشرة يقصر الصلاة.
قال أبو داود رواه عبدة بن سليمان وسلمة بن الفضل وأحمد بن خالد الوهبي كلهم عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الله لم يذكروا ابن عباس.
قال أبو عمر(29): ليس فيهم من يقاس بابن إدريس، وقد تابعه محمد بن سلمة وزيادة مثلهما مقبولة.
وقد روى علي بن زيد عن أبي نضرة عن عمران بن حصين قال: قمنا مع النبي عليه الصلاة والسلام بمكة حيث فتحها ثمانية عشر يصلي ركعتين ركعتين.
قال أبو عمر(30): فكيف يثبت مع هذا الاختلاف مقدار إقامته بمكة عام الفتح، أو أي حجة في إقامته بمكة وليست له بدار إقامة بل هي في حكم دار الحرب أو حيث لا تجوز الإقامة .(1/11)
وأما مقامه في عمرة القضاء فلم يختلفوا أنه كان ثلاثة أيام .
وأما إقامته في حجته فدخل صبيحة رابعة من ذي الحجة وخرج صبيحة رابعة عشر تواترت الروايات بذلك.
وفيها قول عاشر: روي عن الحسن البصري أنه قال: يصلي المسافر ركعتين ركعتين أبدا إلا أن يقدم مصرا من الأمصار
قال أبو عمر(31): وهذا قول لا أعلم أحدا قاله أيضا غيره والله أعلم .
وفيها قول حادي عشر(32): قاله ربيعة بن أبي عبد الرحمن لا أعلم أحدا قاله أيضا غيره، قال ربيعة: من أجمع إقامة يوم وليلة أتم الصلاة وصام . هذا منه قياس على ما تقصر فيه الصلاة عنده ولم يبلغه فيه شيء عن السلف والله أعلم .
وقال القرطبي(33): واختلف العلماء من هذا الباب في مدة الإقامة التي إذا نواها المسافر أتم فقال مالك والشافعي والليث بن سعد والطبري وأبو ثور: إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتم، وروى عن سعيد بن المسيب.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري إذا نوى إقامة خمس عشرة ليلة أتم وإن كان أقل قصر وهو قول إبن عمر وإبن عباس ولا مخالف لهما من الصحابة فيما ذكر الطحاوي وروى عن سعيد أيضا. وقال أحمد: إذا جمع المسافر مقام إحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر وإن زاد على ذلك أتم، وبه قال داود، والصحيح ما قاله مالك.
وقال الموفق(34):المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة رواه الأثرم والمروذي وغيرهما.
وعنه أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور...، وقال الثوري وأصحاب الرأي إن أقام خمسة عشر يوما مع اليوم الذي يخرج فيه أتم وإن نوى ذلك قصر وروي ذلك عن ابن عمر وسعيد بن جبير والليث بن سعد .
لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا إذا قدمت وفي نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة ولا يعرف لهم مخالف.(1/12)
وروي عن سعيد بن المسيب مثل هذا القول وروى عنه قتادة قال إذا أقمت أربعا فصل أربعا وروي عن علي رضي الله عنه قال يتم الصلاة الذي يقيم عشرا ويقصر الصلاة الذي يقول أخرج اليوم أخرج غدا شهرا وهذا قول محمد بن علي وابنه والحسن بن صالح وعن ابن عباس قال إذا قدمت بلدة فلم تدر متى تخرج فأتم الصلاة وإن قلت أخرج اليوم أخرج غدا فأقمت عشرا فأتم الصلاة.
وعنه أنه قال:إن النبي ( أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين ، قال ابن عباس: فنحن إذا قمنا تسع عشرة نصلي ركعتين وإذا زدنا على ذلك أتممنا رواه البخاري.
وقال الحسن: صل ركعتين ركعتين إلى أن تقدم مصرا فأتم الصلاة وصم وقالت عائشة إذا وضعت الزاد والمزاد فأتم الصلاة وكان طاوس إذا قدم مكة صلى أربعا...
وذكر أحمد حديث جابر وابن عباس أن النبي ( قدم لصبح رابعة فأقام النبي ( اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن .
فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها قال فإذا أجمع أن يقيم كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قصر وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم.
قال الأثرم: وسمعت أبا عبد الله يذكر حديث أنس في الإجماع على الإقامة للمسافر ، فقال: هو كلام ليس يفقهه كل أحد، وقوله أقام النبي ( عشرا يقصر الصلاة، فقال: قدم النبي ( لصبح رابعة وخامسة وسادسة وسابعة ثم قال وثامنة يوم التروية وتاسعة وعاشرة؛ فإنما وجه حديث أنس أنه حسب مقام النبي ( بمكة ومنى ، وإلا فلا وجه له عندي غير هذا، فهذه أربعة أيام وصلاة الصبح بها يوم التروية تمام إحدى وعشرين صلاة يقصر، فهذا يدل على أن من أقام إحدى وعشرين صلاة يقصر وهي تزيد على أربعة أيام .
وهذا صريح في خلاف من حده أربعة أيام.
وقول أصحاب الرأي:لم نعرف لهم مخالفا في الصحابة، غير صحيح، فقد ذكرنا الخلاف فيه عنهم، وذكرنا عن ابن عباس نفسه خلاف ما حكوه عنه، رواه سعيد في سننه ولم أجد ما حكوه عنه فيه.(1/13)
وحديث ابن عباس في إقامة تسع عشرة وجهه: أن النبي ( لم يجمع الإقامة ، قال أحمد: أقام النبي ( بمكة ثماني عشرة زمن الفتح؛ لأنه أراد حنينا ولم يكن تم إجماع المقام وهذه إقامته التي رواها ابن عباس والله أعلم
قال النووي في المجموع(35): فرع في مذاهب العلماء في إقامة المسافر في بلد.
قد ذكرنا أن مذهبنا: أنه إن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج انقطع الترخص، وإن نوى دون ذلك لم ينقطع، وهو مذهب عثمان بن عفان وابن المسيب ومالك وأبي ثور.
وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: إن نوى إقامة خمسة عشر يوما مع يوم الدخول أتم وإن نوى أقل من ذلك قصر. قال ابن المنذر: وروى مثله عن ابن عمر .
قال: وقال الأوزاعي وابن عمر في رواية عنه وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة: إن نوى إقامة اثني عشر يوما أتم وإلا فلا.
وقال ابن عباس(36) وإسحاق بن راهويه:إن نوى إقامة تسعة عشر يوما أتم، وإن نوى دونها قصر.
وقال الحسن بن صالح: إن نوى إقامة عشرة أيام أتم. قال ابن المنذر : وبه قال محمد بن علي.
وقال أنس وابن عمر في رواية عنه وسعيد بن جبير والليث: إن نوى أكثر من خمسة عشر يوما أتم. وقال أحمد: إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام أتم وإن نوى أربعة قصر في أصح الروايتين، وبه قال داود.
وعن أحمد رواية: أنه إن نوى إقامة اثنتين وعشرين صلاة أتم، وإن نوى إحدى وعشرين قصر ويحسب عنده يوما الدخول والخروج.
قال ابن المنذر: وروي عن ابن المسيب قال: إن أقام ثلاثا أتم.
قال: وقال الحسن البصري: يقصر إلا أن يدخل مصرا من الأمصار وعن عائشة نحوه.
قال: وقال ربيعة: إن نوى إقامة يوم وليلة أتم.
قال العبدري: وحكى عن إسحاق بن راهويه أنه يقصر أبدا حتى يدخل وطنه أو بلدا له فيه أهل أو مال. قال القاضي أبو الطيب: وروي هذا عن ابن عمر وأنس.(1/14)
قال مالك (37):عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثا وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة.
وقال مالك أيضا(38): عن عطاء الخراساني أنه سمع سعيد بن المسيب قال: من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة، قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي.اهـ
فتأمل عباراتهم رحمهم الله تعالى في نقل الخلاف:إذا عزم، إذا أجمع، إذا أزمع ، إذا نوى، ونحوها من العبارات، وكلها تدل على أن العبرة بنية الإقامة لا بذات الإقامة؛ إلا ما قد يفهم من عبارة بعض الصحابة ( ، ولست في هذه الرسالة مريدا لتحرير مراد الصحابة ( ، إنما أردت بيان ما ذهب إليه عامة الفقهاء من أهل المذاهب المتبوعة، وأنه لا تصح نسبة القول المذكور إليهم رحمهم الله تعالى، ثم إن عامة الفقهاء لم يفهموا عن الصحابة ( ما فهمه من ذكرنا قولهم في مقدمة الرسالة.
الفصل الثاني:نصوص فقهاء المذاهب الأربعة الدالة على الاكتفاء بمجرد العزم على الإقامة
أولا:نصوص فقهاء الحنفية في المسألة
قال في تحفة الفقهاء(39): وأما بيان ما يبطل به حكم السفر فنقول يبطل بما يضاده وينافيه وهو الإقامة لكن إنما تثبت الإقامة بأربعة أشياء بصريح نية الإقامة وبوجود الإقامة بطريق التبعية وبالدخول في مصره وبالعزم على العود إلى مصره .
أما الأول إذا نوى المسافر إقامة خمسة عشر يوما في مكان يصلح للإقامة فإنه يصير مقيما ، فلا بد من ثلاثة أشياء نية الإقامة ونية مدة الإقامة والمكان الصالح للإقامة فإنه إذا أقام في مصر أو قرية أياما كثيرة لانتظار القافلة أو لحاجة أخرى ولم ينو الإقامة لا يصير مقيما عندنا.
وقال في بدائع الصنائع(40): فصل وأما بيان ما يصير المسافر به مقيما فالمسافر يصير مقيما بوجود الإقامة ، والإقامة تثبت بأربعة أشياء:(1/15)
أحدها: صريح نية الإقامة، وهو أن ينوي الإقامة خمسة عشر يوما في مكان واحد صالح للإقامة، فلا بد من أربعة أشياء: نية الإقامة، ونية مدة الإقامة، واتحاد المكان، وصلاحيته للإقامة.
أما نية الإقامة فأمر لا بد منه عندنا حتى لو دخل مصرا أو مكث فيه شهرا أو أكثر لانتظار القافلة أو لحاجة أخرى يقول: أخرج اليوم أو غدا ولم ينو الإقامة؛ لا يصير مقيما.
قال ابن الهمام في فتح القدير(41): قوله ولا يزال على حكم السفر حتى ينوى الخ ظاهر أن المراد حتى يدخل قرية أو بلدا فينوي ذلك وإلا فنية الإقامة بالقرية والبلد متحققة حال سفره إليها قبل دخولها لكن تركه لظهوره ولاستفادته من تعليل ما قبله بقوله لأن الإقامة تتعلق بدخولها.
قال: ثم بقاء حكم السفر من حين المفارقة ناويا للسفر إلى غاية نية الإقامة في بلد خمسة عشر يوما مقيد بأن يكون بعد استكمال مدة السفر وبأن لا يكون من دار الحرب وهو من العسكر قبل الفتح
وأيضا اشتراط النية مطلقا في ثبوت الإقامة ليس واقعا فإنه لو دخل مصره صار مقيما بمجرد دخوله بلا نية.
قال: والأحسن في الضابط لا يزال مسافرا حتى يعزم على الرجوع إلى بلده قبل استكمال مدة السفر ولو في المفازة ، أو يدخلها بعد الاستكمال، أو يدخل غيرها فينوي الإقامة بها وحدها خمسة عشر يوما فصاعدا ، وليست من دار الحرب وهو من العسكر الداخلين.
قال(42): قوله وهو مأثور عن ابن عباس وابن عمر أخرجه الطحاوي عنهما قالا: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فأقصرها.
وروى ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع حدثنا عمر بن ذر عن مجاهد أن ابن عمر كان إذا أجمع على إقامة خمسة عشر يوما أتم.
وقال محمد في كتاب الآثار :حدثنا أبو حنيفة حدثنا موسى بن مسلم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر يوما فأتمم الصلاة، وإن كنت لا تدري متى تظعن فأقصر.(1/16)
وفي فتاوى السغدي(43): ويصير مقيما بشيئين:
أحدهما إذا عزم علي إقامة خمسة عشر يوما اين ما كان الا في ثلاثة أماكن أحدها في السفينة في وسط البحر والثاني في وسط المفازة المهلكة والثالث في دار الحرب ، وهذا قول الفقهاء وفي قول زفر اذا كان للمسلمين في دار الحرب شوكة وقوة تصح اقامتهم، والثاني اذا قدم وطنه وبلده.
ثانيا:نصوص فقهاء المالكية في المسألة
قال مالك في الموطأ(44): باب صلاة المسافر ما لم يجمع مكثا.
قال الزرقاني في شرحه(45): ما لم يجمع مكثا بضم الياء وسكون الجيم من أجمع على الأمر عزم وصمم.
وقال مالك أيضا(46): باب صلاة الإمام إذا أجمع مكثا.
وفي المدونة(47): وقال مالك في المسافر في البر والبحر سواء إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم الصلاة وصام.
وفي المدونة أيضا(48): قال: وقال مالك لو أن عسكرا دخل دار الحرب فأقام بموضع واحد شهرا أو شهرين أو أكثر من ذلك فإنهم يقصرون الصلاة. قال: وليس دار الحرب كغيرها. قال: فإذا كانوا في غير دار الحرب فنووا إقامة أربعة أيام أتموا الصلاة.
وفي التاج والإكليل في شرح قول خليل(49): ( ونية إقامة أربعة أيام صحاح): من المدونة إذا أجمع المسافر في بر وبحر على مقام أربعة أيام بلياليهم أتم الصلاة وصام حتى يظعن من مكانه.... وقال ابن الماجشون وسحنون وابن المواز: إذا دخل في بعض النهار ونوى إقامة عشرين صلاة أتم انتهى
ونص الرسالة:وإن نوى إقامة أربعة أيام أو ما يصلي فيه عشرين صلاة أتم ولو بخلاله.
ابن الحاجب ويقطعه بنية إقامة أربعة أيام وإن كانت في خلاله على الأصح.
وقال في التلقين(50): ويستمر المسافر على القصر وإن عرضت له إقامة ما لم يبلغ بعزيمته أربعة أيام بلياليهن فإن بلغته أتم.(1/17)
وفي الثمر الداني(51): وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع أو ما يصلي فيه عشرين صلاة أتم الصلاة حتى يظعن بالظاء المعجمة أي يرتحل ويصير إذا ظعن كالظاعن من بلده؛ فيقصر إذا جاوز البلد وما في حكمها واعتمد ذلك ابن ناجي ، من مكانه ذلك تقدم أن المصنف إذا أتى بأو يكون أراد أن المسألة ذات قولين ومفاد كلامه أن القصر بشرطه يقطعه نية إقامة أربعة أيام صحاح فأكثر مع إدراك عشرين صلاة وهو الذي مشى عليه ابن القاسم، فابن القاسم يراعي في قطع حكم السفر الأربعة الأيام الصحاح والعشرين صلاة، فالإقامة القاطعة لحكم السفر عنده أن يقيم إلى عشاء الرابع فمن دخل قبل فجر يوم ونوى الخروج بعد غروب الرابع فإنه يقصر لأنه لم يقم مدة عشرين صلاة.
وقال سحنون وعبد الملك: إن نية ما يصلي فيه عشرين صلاة قاطع لحكم السفر.
وفائدة الخلاف يظهر إذا دخل وقتَ الظهر فإن قدر بالصلوات حسب ظهر يومه وعصره فيتم الظهر والعصر ، وإن قدر بالأيام ألغى اليوم الذي دخل فيه بمعنى أنه لا يحسبه من الأربعة أيام التي يقيمها، فمن نوى إقامة أربعة أيام صحاح فإنه يتم من حين دخوله في المحل الذي نوى فيه ذلك فإذا دخل وقت الظهر أتمه وأتم العصر والعشاء وإن كان يوم دخوله لا يحسب في الأيام التي يقيمها وأخذ من قوله نوى أن الإتمام يكون بالنية خاصة، بخلاف القصر فإنه لا يكون إلا بالنية والفعل وهو تعدي البساتين المسكونة.
وذلك أن الإتمام هو الأصل فلا ينتقل عنه إلا بشيئين، والقصر فرع فينتقل عنه بشيء واحد.
وأخذ منه أيضا أنه إذا أقام من غير نية إقامة أربعة أيام فإنه يقصر ما دام ناويا للسفر، واستثنوا من كون نية إقامة أربعة أيام فأكثر يبطل حكم السفر: نية العسكر الإقامة بدار الحرب، والمراد بدار الحرب :محل إقامة العسكر ولو في دار الإسلام حيث لا أمن .
ومما يقطع القصر أيضا: العلم بالإقامة عادة كعادة الحاج إذا دخل مكة أن يقيم أربعة أيام.(1/18)
وفي القوانين الفقهية(52): السادس (يعني من شروط القصر): أن لا يعزم في خلال سفره على إقامة أربعة أيام بلياليها، وقال ابن حنبل أكثر من أربعة أيام وقال أبو حنيفة خمسة عشر يوما، ولو أقام على نية السفر أكثر من ذلك لم يمتنع القصر.
قال ابن عبدالبر في الكافي(53): فإن نوى إقامة أربعة أيام فصاعدا أتم ولم يكن له القصر ، وما لم ينو المسافر إقامة أربعة أيام قصر.
وفي جامع الأمهات(54): وتقطعه نية إقامة أربعة أيام وإن كانت في خلاله على الأصح، ابن الماجشون وسحنون عشرون صلاة.
قال في مواهب الجليل في شرح قول خليل(55): ( ونية إقامة أربعة أيام صحاح): قال في التوضيح في قول ابن الحاجب ويقطعه نية إقامة أربعة أيام ابن الماجشون وسحنون عشرون صلاة:واعلم أن الأربعة الأيام تستلزم عشرين صلاة بخلاف العكس فلو دخل قبل العصر ولم يكن صلى الظهر ونوى أن يصلي الصبح في اليوم الرابع ثم يخرج فقد نوى عشرين صلاة وليس معه إلا ثلاثة أيام ، ثم قال ابن الحاجب: وعلى الأيام فلا يعتد بيوم الدخول إلا أن يدخل أوله.
وقال في التوضيح: يريد قبل الفجر. انتهى.
وقال في الإرشاد: فإن أجمع إقامة أربعة أيام أتم.
قال الشيخ زروق: وما ذكره من الأربعة الأيام هو مذهب ابن القاسم، فيلغي الداخل والخارج، وقال سحنون وعبد الملك: عشرين صلاة فيلفق يوم دخوله ليوم خروجه. انتهى .
وقد علم من هذا أنه لا يعتد باليوم الذي يدخل فيه إلا أن يكون دخوله قبل الفجر، وأما اليوم الذي يخرج فيه فإن كان نيته الخروج قبل غروب الشمس فلا إشكال في عدم الاعتداد بذلك فكما تقدم في كلام الشيخ زروق وذكره في الذخيرة.
وأما إن كان نيته الخروج بعد الغروب وقبل صلاة العشاء فالظاهر أنه لا يعتد به أيضا؛ لقول المصنف في التوضيح: إن الأربعة أيام تستلزم عشرين صلاة، وقد تبعه على ذلك ابن فرحون، وهو لم يحصل له في هذه الحالة إلا تسعة عشر صلاة.(1/19)
وأيضا فقد صرح ابن الجلاب والقاضي في تلقينه ومعونته وابن جزي والوقار والقاضي عياض في الإكمال والقرطبي في شرح مسلم : بأن الإقامة القاطعة لحكم القصر إقامة أربعة أيام يلياليها.
وانظر مختصر والواضحة فإنه أوضح من الذي تقدم فإنه قال: لا بد من إقامة أربعة أيام وأربع ليال، فإن أقام ثلاث ليال وأربعة أيام لم يتم، وإن أقام أربع ليال وثلاثة أيام لم يتم، فتأمله والله أعلم.
إذا علم ذلك فإن دخل قبل الفجر يوم الدخول فالإقامة القاطعة لحكم السفر في حقه نيته صلاة العشاء من الليلة التي تلي اليوم الرابع ليكمل له بذلك عشرون صلاة ، وليس المراد أن يقيم لطلوع الفجر فتأمله، والله أعلم.
قال القرافي في الذخيرة(56): في الكتاب: متى نوى المسافر إقامة أربعة أيام أتم وقاله ش وقال ربيعة يوما وليلة قياسا على مدة السفر وقال ح خمسة عشر يوما لقول ابن عباس ذلك .
وقال الليث:ستة عشر ، وإسحاق: تسعة عشر؛ لما في الصحيحين أقام عليه السلام عام الفتح تسعة عشر يقصر الصلاة، فنحن إذا أقمنا تسعة عشر قصرنا وإذا زدنا أتممنا.
لنا: قوله عليه السلام: يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا مع تحريم الإقامة عليهم بمكة لأنهم تركوها لله فيكون الزائد إقامة. وفي مسلم: الضيافة ثلاثة أيام، والمقيم لا يضيف، ولأن ظاهر القرآن يقتضي أنه إذا لم يكن ضاربا في الأرض لا يقصر ، خالفناه في الثلاث لأن المسافر تنعقر دابته ويقضي في بعض المناهل حوائجه فلابد من اللبث اليسير، فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل.
والجواب على ما نقلوه: أن اللبث ليس مانعا من القصر بل لابد من نية الإقامة فلا بد على وجودها من دليل، وعن القياس: الفرق بأن أكثر الإقامة أكثر من أكثر السفر عادة فيكون أقلها أكثر من أقله عملا بالمناسبة.
ثالثا:نصوص فقهاء الشافعية في المسألة
قال النووي في المجموع(57): فرع في انتهاء السفر الذي تنقطع به الرخص، قال أصحابنا يحصل ذلك بثلاثة أمور:(1/20)
الأول العود إلى الوطن قال أصحابنا وضابطه أن يعود إلى الموضع الذي شرطنا مفارقته في انشاء السفر منه فبمجرد وصوله تنقطع الرخص .
قال أصحابنا:وفي معنى الوطن الوصول إلى الموضع الذي سافر إليه إذا عزم على الإقامة فيه القدر المانع من الترخص.
فلو لم ينو الإقامة به ذلك القدر فقولان، حكاهما البغوي وغيره : أصحهما لا ينقطع ترخصه بل يترخص فيه لأن حكم السفر مستمر حتى يقطعه بإقامة أو نية وبهذا قطع البندنيجي وآخرون، وهو مقتضى كلام الباقين وصححه البغوي و الرافعي.
والثاني ينقطع كالوطن، وبه قطع الشيخ أبو حامد. ...
الأمر الثاني: نية الإقامة.
والثالث: صورة الإقامة.
قال الشيرازي في المهذب(58): إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج صار مقيما وانقطعت عنه رخص السفر؛لأن بالثلاث لا يصير مقيما لأن المهاجرين رضي الله عنهم حرم عليهم الإقامة بمكة ثم رخص لهم النبي ( أن يقيموا ثلاثة أيام فقال ( : يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وأجلى عمر ( عنه اليهود من الحجاز ثم أذن لمن قدم منهم تاجرا أن يقيم ثلاثا.
قال(59): وإن نوى إقامة أربعة أيام على حرب ؛ ففيه قولان: أحدهما: يقصر لما روى أنس أن أصحاب رسول الله ( أقاموا برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة.
والثاني: لا يقصر لأنه نوى إقامة أربعة أيام لا سفر فيها فلم يقصر كما لو نوى الإقامة في غير حرب.
وأما إذا أقام في بلد على حاجة إذا انتجزت رحل ولم ينو مدة؛ ففيه قولان: أحدهما: يقصر سبعة عشر يوما لأن الأصل التمام إلا فيما وردت فيه الرخصة، وقد روى ابن عباس قال سافرنا مع رسول الله ( فأقام سبعة عشر يوما يقصر الصلاة وبقي فيما زاد على حكم الأصل.(1/21)
والثاني: يقصر أبدا لأنه إقامة على حاجة يرحل بعدها فلم يمنع القصر ؛ كالإقامة في سبعة عشر. وخرّج أبو إسحاق قولا ثالثا: أنه يقصر إلى أربعة أيام لأن الإقامة أبلغ في(لعله من) نية الإقامة؛ لأن الإقامة لا يلحقها الفسخ والنية يلحقها الفسخ(60)، ثم ثبت أنه لو نوى الإقامة أربعة أيام لم يقصر فلأن لا يقصر إذا أقام أولى.
قال النووي في المجموع(61): قال الشافعي والأصحاب إذا نوى في أثناء طريقه الإقامة مطلقا انقطع سفره فلا يجوز الترخص بشيء بالاتفاق ، فلو جدد السير بعد ذلك فهو سفر جديد فلا يجوز القصر إلا أن يقصد مرحلتين.. .
قال(62): أما إذا نوى الإقامة في بلد ثلاثة أيام فأقل فلا ينقطع الترخص بلا خلاف.
قال(63): وإن نوى إقامة أكثر من ثلاثة أيام، قال الشافعي والأصحاب: إن نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما، وانقطعت الرخص، وهذا يقتضي أن نية دون أربعة لا تقطع السفر وإن زاد على ثلاثة، وقد صرح به كثيرون من أصحابنا....
قال(64): وأما قول إمام الحرمين والغزالي: متى نوى إقامة زيادة على ثلاثة أيام صار مقيما فموافق لما قاله الأصحاب؛ لأنه لا يمكن زيادة على الثلاث غير يومي الدخول والخروج بحيث لا يبلغ الأربعة، ثم الأيام المحتملة معدودة بلياليها.
ومتى نوى أربعة صار مقيما في الحال، ولو دخل في الليل لم يحسب بقية الليل ويحسب الغد. قال(65): هذا كله في غير المحارب ، أما المحارب وهو المقيم على القتال بحق، ففيه قولان مشهوران: أحدهما: يقصر أبدا لما ذكره المصنف، وهو اختيار المزني ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد.
وعلى هذا يقصر أبدا وإن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.
وأصحهما عند الأصحاب: أنه كغيره فلا يقصر إذا نوى إقامة أربعة أيام، وممن صححه القاضي أبوالطيب والماوردي والرافعي وآخرون.
قال الشيخ أبو حامد والمحاملي: وهو اختيار الشافعي.
وأجابوا عن حديث أنس: بأنهم لم يقيموا تسعة أشهر في مكان واحد، بل كانوا يتنقلون في تلك الناحية.(1/22)
قال النووي في المجموع(66): أما إذا أقام في بلد أو قرية لشغل فله حالان:
أحدهما: أن يتوقع انقضاء شغله قبل أربعة أيام ونوى الارتحال عند فراغه فله القصر إلى أربعة أيام بلا خلاف، وفيما زاد عليها طريقان:
الصحيح منهما وقول الجمهور: أنه على ثلاثة أقوال:
أحدها: يجوز القصر أبدا سواء فيه المقيم لقتال أو لخوف من القتال أو لتجارة وغيرها.
والثاني: لا يجوز القصر أصلا .
والثالث: وهو الأصح عند الأصحاب يجوز القصر ثمانية عشر يوما فقط، وقيل على هذا يجوز سبعة عشرة، وقيل تسعة عشر ،وقيل عشرين .
وسمى إمام الحرمين هذه: أقوالا .
والطريق الثاني: أن هذه الأقوال في المحارب، وأما غيره فلا يجوز له القصر بعد أربعة أيام قولا واحدا، وبه قال أبو إسحاق كما حكاه المصنف عنه.
وإذا جمعت هذه الأقوال والأوجه وسميت أقوالا كانت سبعة:
أحدها:لا يجوز القصر بعد أربعة أيام.
والثاني: يجوز إلى سبعة عشر يوما.
وأصحها: إلى ثمانية عشر.
والرابع: إلى تسعة عشر.
والخامس: إلى عشرين.
والسادس: أبدا.
السابع: للمحارب مجاوزة أربعة وليس لغيره .
الحال الثاني: أن يعلم أن شغله لا يفرغ قبل أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج؛ كالمتفقه والمقيم لتجارة كبيرة ولصلاة الجمعة ونحوها وبينه وبينها أربعة أيام فأكثر، فإن كان محاربا وقلنا في الحال الأول لا يقصر فهاهنا أولى؛ وإلا فقولان:
أحدهما: يترخص أبدا.
وأصحهما:لا يتجاوز ثمانية عشر.
وإن كان غير محارب فالمذهب: أنه لا يترخص أصلا وبه قطع الجمهور.
والثاني: أنه كالمحارب حكاه الرافعي وآخرون ، وقالوا هو غلط.
قال النووي في المجموع(67): فإن قيل: ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أنس قال: خرجنا مع رسول الله B فقصر حتى أتى مكة فأقمنا بها عشرا ، فلم يزل يقصر حتى رجع. فهذا كان في حجة الوداع وكان النبي B قد نوى إقامة هذه المدة.(1/23)
فالجواب: ما أجاب به البيهقي وأصحابنا في كتب المذهب قالوا: ليس مراد أنس أنهم أقاموا في نفس مكة عشرة أيام، بل طريق الأحاديث الصحيحة من روايات جماعة من الصحابة متفقة على أن النبي ( قدم مكة في حجته لأربع خلون من ذي الحجة، فأقام بها ثلاثة ولم يحسب يوم الدخول ولا الثامن لأنه خرج فيه إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر، وبات بها وسار منها يوم التاسع إلى عرفات، ورجع فبات بمزدلفة، ثم أصبح فسار إلى منى فقضى نسكه، ثم أفاض إلى مكة فطاف للإفاضة، ثم رجع إلى منى فأقام بها ثلاثا يقصر ثم نفر منها بعد الزوال في ثالث أيام التشريق، فنزل بالمحصب، وطاف في ليلته للوداع، ثم رحل من مكة قبل صلاة الصبح؛فلم يقم ( أربعا في موضع واحد والله أعلم .
وقال في روضة الطالبين(68): ولو نوى إقامة ثلاثة أيام فأقل لم يصر مقيما قطعا وإن نوى أكثر من ثلاثة قال الشافعي وجمهور الأصحاب إن نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما وذلك يقتضي أن نية دون الأربعة لا تقطع السفر وإن زاد على ثلاثة وقد صرح به كثيرون.
وقال في روضة الطالبين(69): فصل في انتهاء السفر الذي يقطع الترخص، ويحصل بأمور: الأول العود .. إنشاء السفر منه، وفي معنى الوطن الوصول إلى الموضع الذي يسافر إليه إذا عزم على الإقامة فيه القدر المانع من الترخص، فلو لم ينو الإقامة به ذلك القدر لم ينته سفره بالوصول إليه على الأظهر.(1/24)
وفي مغني المحتاج(70): وينتهي أيضا بما ذكره بقوله: ولو نوى المسافر المستقل ولو محاربا إقامة أربعة أيام تامة بلياليها، أو نوى الإقامة وأطلق بموضع عينه صالح للإقامة وكذا غير صالح كمفازة على الأصح انقطع سفره بوصوله، أي بوصول ذلك الموضع سواء أكان مقصوده أم في طريقه، أو نوى بموضع وصل إليه إقامة أربعة أيام انقطع سفره بالنية مع مكثه إن كان مستقلا ، ولو أقام أربعة أيام بلا نية انقطع سفره بتمامها لأن الله تعالى أباح القصر بشرط الضرب في الأرض والمقيم والعازم على الإقامة غير ضارب في الأرض، والسنة بينت أن ما دون الأربع لا يقطع السفر .. وفي معنى الثلاثة ما فوقها ودون الأربعة وألحق بإقامة الأربعة نية إقامتها، أما لو نوى الإقامة وهو سائر فلا يؤثر لأن سبب القصر السفر وهو موجود حقيقة.
وفي المنهج القويم(71): وينتهي أيضا بوصول موضع نوى المستقل الإقامة فيه مطلقا من غير تقيد بزمن وإن لم يصلح للإقامة، أونوى أن يقيم فيه أربعة أيام بلياليها صحيحة أي غير يومي الدخول والخروج لأن في الأول الحط وفي الثاني الرحيل وهما من أشغال السفر، أوأن يقيم فيه لحاجة لا تنقضي إلا في المدة المذكورة ...
رابعا:نصوص فقهاء الحنابلة في المسألة
قال ابن عقيل(72): فإن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام صار مقيما وخرج عن رخصة السفر، ويستبيح الرخص ولا يخرج عن حكم السفر إذا نوى ما دونها.
قال في الروض المربع(73)في سياق حالات الإتمام: أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أتم، وإن أقام أربعة أيام فقط قصر لما في المتفق عليه من حديث جابر وابن عباس أن النبي B قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى. وكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها.(1/25)
قال في الفروع(74): وإن نوى مسافر إقامة مطلقة ، وقيل بموضع يقام فيه ذكره أبو المعالي أتم، وكذا إن نوى مدة فوق أربعة أيام، أو شك في نية المدة ذكره ابن عقيل المذهب وصححه القاضي وغيره.
وعنه أو أربعة أيام...
قال في الكافي(75): وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم، وإن نوى دونها قصر.
وعنه إن نوى الإقامة أربعة أيام أتم لأن الثلاث حد القلة ... والأول المذهب.. .
قال في المبدع(76): وإذا نوى الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أي اثنين وعشرين صلاة أتم وإلا قصر. هذا هو المشهور عن أحمد وفي الكافي انه المذهب، واختاره الخرقي والأكثر.
لما احتج به أحمد ومعناه متفق عليه، من حديث جابر وابن عباس: أن النبي ( قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى. وكان يقصر الصلاة في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها..
وعنه: إن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أتم وإلا قصر ، قدمه السامري وصاحب التلخيص وجزم به في الوجيز وصححه القاضي، وذكر ابن عقيل أنه المذهب؛ لأن الذي تحقق أنه عليه السلام نواه إقامة أربعة أيام لأنه كان حاجا، والحاج لا يخرج قبل يوم التروية.
وعنه: إن نوى إقامة أربعة أيام أتم وإلا قصر، قدمه في المحرر لقول النبي ( يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا ، وبأن عمر أجلا اليهود من جزيرة العرب وضرب لهم أجلا ثلاثا.
قال الخرقي(77): وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم.
قال الموفق(78):المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة رواه الأثرم والمروذي وغيرهما.
وعنه: أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور.(1/26)
قال في الكشاف(79): العشرون(يعني من حالات الإتمام) المشار إليها بقوله: أو نوى إقامة أكثر من عشرين صلاة أتم.
قال في مطالب أولي النهى(80): أونوى المسافر إقامة مطلقة أي غير مقيدة بزمن ولو بمفازة لا تقام بها أو دار حرب لا تقام فيها الصلاة أتم لزوال السفر المبيح بنية الإقامة أو نوى إقامة أكثر من عشرين صلاة أتم.
الفصل الثالث:نصوص العلماء المعاصرين على أن العبرة بمجرد نية الإقامة
قال الشيخ محمد بن إبراهيم(81): القسم الثاني : أن تكون إقامته أكثر من أربعة أيام. فهذا قد اختلف العلماء في حكمه. فمنهم من أجاز له القصر وغيره من رخص السفر، واستدلوا بما سبق آنفا من قصر النبي ( الصلاة في مكة عام الفتح وفي تبوك،لأنه كان يقصر مدة إقامته فهي تزيد على أربعة أيام.
ومنهم من منعه مستدلاً بما تقدم من أن الأصل في صلاة المقيم الإتمام، ولكن جاز القصر لمن أزمع إقامة أربعة أيام فأقل، لما ثبت عنه ( في ذلك في حجة الوداع، وما زاد عن أربعة الأيام إذا كان مزمعا الإقامة فلم يقم به دليل صريح خال من معارض، وإذا حصل الاحتمال سقط الاستدلال، وحينئذ نرجع إلى الأصل وهو الإتمام. فالذي نراه في هذه المسألة عمل الأحوط من أن مثل من ذكرتم لا يجوز لهم الترخص برخص السفر؛ لأنهم قد عزموا على الإقامة مدة عام كامل. والله أعلم.
وقال أيضا(82): لقد فرض الله الصلاة الرباعية أربعا بيقين فلابد من فعلها أربعاً إلا فيما تحقق شرعاً قصره. ولم يتحقق القصر والجمع ويُجزم به إلا في مسألتين:
إحداهما: السفر بشروطه المعتبرة شرعاً وهو الحِل والترحال والسير، ويلحق به الإقامة التي هي أربعة أيام فما دون فإنها في حكم السفر.
والحالة الثانية: الإقامة لحاجة يأمل صاحبها أن تنقضي اليوم أو غداً،وإذا انقضت حاجته سافر.(1/27)
أما ما عدا هذا فتبقى الصلاة الرباعية على أصلها من وجوب فعلها أربعاً. ومن ذلك مسألتكم فإن فيها العزم على إقامة عشرة أيام، فيجب في حقكم الإتمام، وفعل كل صلاة في وقتها.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(83): وإذا نوى الإقامة في محل عمله شهراً فإنه لا يترخص برخص السفر في مقر عمله بل يصلي كل صلاة في وقتها كاملة. ……
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(84): وأما من قدم إليها وهو مزمع الإقامة أكثر من أربع أيام فإنه لا يترخص برخص السفر كالإفطار وغيره في أصح أقوال أهل العلم.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(85): وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر, وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(86): إذا رست السفينة بالركاب في عرض البحر لسبب يقضي بإقامتهم في المكان الذي رست به أكثر من أربعة أيام صلوا تماماً لا قصراً كل صلاة في وقتها، وإذا كان يقضي بإقامتهم به أربعة أيام فأقل أو كان الركاب لا يدرون متى تقلع عن مكانها وتسير بركابها صلوا قصراً وجمعاً جماعة.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(87): وإذا رست المدينة بميناء إحدى الدول وكانت المدة معلومة وكانت أكثر من أربعة أيام صلوا كل صلاة في وقتها جماعة تامة دون قصر , وإن علموا أن المدة أربعة أيام فأقل أو جهلت المدة صلوا جماعة مع قصر الرباعية والجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(88): وأما المقيم الذي يجوز له الجمع فإنه يفعل الأرفق به من جمع التقديم أو التأخير مع القصر, إلا إذا كانت الميناء في داخل البلد, أو كانت الميناء مقر عملهم أو ينوون الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام فإنهم لا يقصرون الصلاة إذا وصلوا الميناء.(1/28)
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(89): فكل من كان مسافراً ونوى أن يقيم مدة مثل المدة التي أقامها النبي h أو أقل منها قصر الصلاة, ومن نوى الإقامة أكثر من ذلك أتم الصلاة؛ لأنه ليس في حكم المسافر.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(90): س: هل يجوز القصر في البلاد الخارجية التي يمكث فيها الطلبة مدة طويلة كأربع سنين أو خمس ؟ و إذا كان أحد الأخوة يسافر خمسة أيامٍ إلى هذه البلاد ويمكث في بلده يومين, فما حكم ذلك ؟
ج: إذا سافر الشخص مسافة قصر وأقام ببلد أكثر من أربعة أيام بنية الإقامة فإنه لا يترخص برخص السفر, وبناءً على فلا يجوز لمن ذكر في السؤال أن يقصروا ولا أن يجمعوا ولا أن يفطروا في رمضان بل يجب أن يصلوا الصلوات كاملة كل صلاةٍ في وقتها, ويصوموا رمضان.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(91): إن كان ناوياً للإقامة أكثر من أربعة أيام فلا يجوز له الترخص برخص السفر من الجمع والقصر ونحو ذلك, وإن نوى الإقامة أربعة أيام أو أقل من أربعة أيام أو أن سفره متعلق بقضاء حاجته فمتى انقضت سافر ولم يحدد المدة الموجبة للترخص برخص السفر جاز له الترخص برخص السفر.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(92): وإن نزل بمكان على نية الإقامة أكثر من أربعة أيام صلى كل صلاة في وقتها تامة غير مقصورة.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(93):.. لأن المسافر إذا عزم الإقامة في محل أكثر من أربعة أيام لزمه الإتمام, ولم يجز له القصر ولا الجمع ، عند أكثر أهل العلم .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(94): س: يوجد شاب مسلم يدرس بمدينة تبعد عن مدينته 112 كم، هذا الشاب يذهب للدراسة أسبوعاً أو أسبوعين ويعود يوم الخميس و الجمعة (العطلة الأسبوعية) فهو يسأل هل يقصر في هذين اليومين عند الرجوع إلى بلده أم لا ؟ مع العلم أنه لما يكون في بلده لا يلاقي أي مشاكل أو تعب يدعوه إلى تقصير الصلاة ، ومع العلم أن المدة الكافية لعدم التقصير هي أربعة أيام ، أي : عشرون صلاة .(1/29)
ج: لا يقصر الصلاة في بلده سواءً أقام بها يوماً أو أقل أو أكثر؛ لأنه غير مسافر , ولا يقصر الصلاة في محل دراسته على الصحيح من قولي العلماء ؛ لأنه يقيم إقامة تقطع حكم السفر , ولكنه يقصر الصلاة الرباعية التي يصليها في سفره , فيما بين بلده ومحل دراسته.
وانظر أيضاً فتاوى اللجنة الدائمة: 8/ 117, 150.
وقال العلامة ابن باز - رحمه الله تعالى- في جوابٍ لسؤالٍ(95):لا حرج في قصركم و جمعكم و فطركم في رمضان أنتم و من معكم إذا كان الواقع ما ذكرتم أعلاه إلا في حالةٍ واحدة و هي: ما إذا أجمعتم على الإقامة في المزرعة أكثر من أربعة أيام فإنكم لا تقصرون و لا تجمعون و لا تفطرون في رمضان.
و قال في جواب سؤال آخر(96): و يرى الجمهور أيضًا أن من عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام وجب عليه الإتمام والصوم في رمضان ... ثم قال: أما إن لم يُجمِع إقامة بل لا يدري متى يرتحل فهذا له القصر و الجمع و الفطر حتى يُجمِع على إقامة أكثر من أربعة أيام، أو يرجع إلى وطنه.
و قال في جواب لسؤال آخر(97): وإذا وصل المسافر إلى البلد التي قصدها و نوى الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر و إذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر.
و قال في جواب لسؤال آخر(98): أما من أقام إقامة طويلة للدراسة, أو لغيرها من الشؤون، أو يعزم الإقامة مدة طويلة فهذا الواجب عليه الإتمام، و هذا هو الصواب، و هو الذي عليه جمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة و غيرهم؛ لأن الأصل في حق المقيم الإتمام، فإذا عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام وجب عليه الإتمام للدراسة وغيرها.
و قال في جواب لسؤال آخر(99): لكن أحسن ما قيل في هذا و أحوط ما قيل في هذا المقام، هو ما تقدم من قول الجمهور، و هو: أنه إذا نوى المسافر الإقامة في البلد أو في أي مكان أكثر من أربعة أيام أتم، وإن نوى الإقامة أقل قصر.(1/30)
و قال في جواب لسؤال آخر(100): و متى عزم المسافر على الإقامة في مكان أكثر من أربعة أيام فالواجب عليه ألا يقصر، بل يصلي الرباعية أربعًا و هو قول أكثر أهل العلم، أما إذا كانت الإقامة أربعة أيام فأقل فالقصر أفضل.
و قال في جواب لسؤال آخر(101): أما إذا نوى المسافر إقامة أكثر من أربعة أيام فإن الأحوط في هذه الحال أن يصلي كل صلاة في وقتها تمامًا من دون قصر عند أكثر أهل العلم.
و قال في جواب لسؤال آخر(102): إذا عزم المسافر على الإقامة في بلدٍ أكثر من أربعة أيام وجب عليه الإتمام عند جمهور أهل العلم، أما إن كانت الإقامة أقل من ذلك فالقصر أفضل، و إن أتم فلا حرج عليه.
و قال في جواب لسؤال آخر(103): أما إن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فإن عليه أن يُتم الصلاة الرباعية سواءً كان المسافر واحدًا أو كانوا جماعة.
وقال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى- في الشرح الممتع(104) : قوله: أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام .
فإذا نوى المسافر إقامة أكثر من أربعة أيام في أي مكانٍ كان , سواءً نوى الإقامة في البر أو نوى الإقامة في البلد فيلزمه أن يتم .
كرجل سافر إلى العمرة ونوى أن الإقامة في مكة أسبوعاً فيلزمه الإتمام ؛ لأنه نوى إقامة أكثر من أربعة أيام ومثال الإقامة في غير البلد: رجل مسافر انتهى إلى غديرٍ فأعجبه المكان فنزل , وقال : سأبقى في هذا المكان خمسة أيام فيلزمه أن يتم ؛ لأنه نوى إقامة أكثر من أربعة أيام .(1/31)
وقال الشيخ الفوزان جوابا لسؤال(105): إذا كان قضاء هذه المهمة التي أشرت إليها خرج بلدكم مسافة تبلغ ثمانين كيلو فأكثر ، وأنتم لا تعلمون متى تنتهي ، ولم تنووا الإقامة أكثر من أربعة أيام، فلا بأس أن تقصروا الصلاة الرباعية إلى ركعتين... قال: وإذا نويتم إقامة أكثر من أربعة أيام أو تعلمون أن المهمة لا تنتهي قبل أربعة أيام فإنه يجب عليكم في هذه الحالة إتمام الصلاة أربعا ، ولا يجوز لكم القصر؛ لأن الأصل في الإقامة إتمام الصلاة، وأنتم مقيمون فيجب عليكم ما على المقيمين.
وقال الفوزان أيضا جوابا لسؤال(106): أما الإقامة العارضة التي يقيمها الإنسان في أثناء السفر في بر أو في بلد إذا كانت هذه الإقامة ليس لها حد منوي ، ولم يعزم على إقامة معينة ، و'نما أقام لحاجة، ولا يدري متى تنتهي ، وإذا انتهت يسافر ، فإنه يقصر الصلاة في هذه الحالة ؛ لأنه لا يزال متلبسا بأحكام السفر ، ولم ينو إقامة محددة ، حتى ولو طالت؛ ما دام أنه لم ينو إقامة محددة ، وإنما إقامته مربوطة بحصول غرضه، أو زوال المانع الذي منعه، متى زال أو حصل على مقصوده سافر؛ فهذا يقصر ولو طالت المدة.
وكذلك إذا نوى إقامة أقل من أربعة أيام ؛ فإنه يقصر الصلاة أيضا ؛ لأن هذه الإقامة لا تخرجه عن حكم المسافر ، ولأنه ( أقام بمكة في حجة الوداع أربعة أيام قبل الحج يقصر الصلاة.
أما إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام ؛ فهذا يجب عليه إتمام الصلاة؛ لأنه صار مقيما ويأخذ أحكام المقيمين ، والأصل في المقيم أن يتم الصلاة ، وهذا صار عازما على الإقامة المحددة فيأخذ أحكام المقيمين بناء على الأصل.
وقال الفوزان أيضا جوابا لسؤال(107): .. أما مدة إقامتك في منطقة العمل وهي سبعة أيام كما ذكرت فإنه يجب عليك فيها إتمام الصلاة؛ لأنك تكون فيها ناويا للإقامة أكثر من أربعة أيام .. .
الفصل الرابع: قول الظاهري والشوكاني(1/32)
ذهب ابن حزم الظاهري في المحلى ، والشوكاني في الدرر البهية مع شرحه الدراري المضية ـ وتابعه صاحبه صديق حسن خان ـ إلى مذهب يوافق في الجملة الرأي الذي نبهنا على أنه فهم مغلوط لكلام الفقهاء؛ مع الاختلاف في قدر الأيام التي يترخص فيها المسافر حال إقامته؛ حيث حدها ابن حزم بعشرين يوما(108)؛ وأما الشوكاني فهو موافق - في العدد- لبعض الفقهاء حيث حدها في الدرر البهية وشرحه: بأنه إذا عزم على إقامة فوق أربعة أيام قصر في هذه الأربعة ثم أتم الصلاة بعدها، فهو على هذا موافق تمام للقول الذي ذكرنا في مقدمة الرسالة أنه فهم مغلوط لكلام الفقهاء، فلعل من قاله خلط بين قول الفقهاء وما قاله الشوكاني وتفرد به رحمه الله تعالى.
فمن ذهب مذهبهما مرجحا له عالما به، فهذا باب آخر ليس هو الموضع الذي لأجله جمعت الرسالة، وإنما نبهت بها على مراد الفقهاء والمفتين، لا مناقشة قول القائل بخلاف قولهم، فهذا مما لست فيه الآن.
أولا:كلام ابن حزم الظاهري
قال في المحلى وأصله(109): مسألة: فإن سافر المرء في جهاد أو حج أو عمرة أو غير ذلك من الأسفار فأقام في مكان واحد عشرين يوما بلياليها قصر، وإن أقام أكثر أتم ولو في صلاة واحدة .
ثم ثبتنا بعون الله تعالى على أن سفر الجهاد وسفر الحج وسفر العمرة وسفر الطاعة وسفر المعصية وسفر ما ليس طاعة ولا معصية كل ذلك سفر حكمه كله في القصر واحد.
وإن من أقام في شيء منها عشرين يوما بلياليها فأقل فإنه يقصر ولا بد، سواء نوى إقامتها أو لم ينو إقامتها فإن زاد على ذلك إقامة مدة صلاة واحدة فأكثر أتم ولا بد، هذا في الصلاة خاصة؛ وأما في الصيام في رمضان فبخلاف ذلك بل إن أقام يوما وليلة في خلال السفر لم يسافر فيهما ففرض عليه أن ينوي الصوم فيما يستأنف، وكذلك إن نزل ونوى إقامة ليلة والغد ففرض عليه أن ينوي الصيام ويصوم .
فإن ورد على ضيعة له أو ماشية أو دار فنزل هنالك أتم فإذا رحل ميلا فصاعدا قصر .(1/33)
قال علي: واختلف الناس في هذا .. ثم ذكر خلاف الناس في المسألة رادا عليه مقررا لمذهبه فيها.
قال(110): فبطل قولهم على كل حال وعريت الأقوال كلها عن حجة فوجب أن نبين البرهان على صحة قولنا بعون الله تعالى وقوته.
قال علي: أما الإقامة في الجهاد والحج والعمرة فإن الله تعالى لم يجعل القصر إلا مع الضرب في الأرض، ولم يجعل رسول الله ( القصر إلا مع السفر لا مع الإقامة، وبالضرورة ندري أن حال السفر غير حال الإقامة، وأن السفر إنما هو التنقل في غير دار الإقامة، وأن الإقامة هي السكون وترك النقلة والتنقل في دار الإقامة هذا حكم الشريعة والطبيعة معا.
فإذ ذلك كذلك فالمقيم في مكان واحد مقيم غير مسافر بلا شك فلا يجوز أن يخرج عن حال الإقامة وحكمها في الصيام والإتمام إلا بنص.
وقد صح بإجماع أهل النقل أن رسول الله ( نزل في حال سفره فأقام باقي نهاره وليلته ثم رحل في اليوم الثاني وأنه عليه السلام قصر في باقي يومه ذلك وفي ليلته التي بين يومي نقلته، فخرجت هذه الإقامة عن حكم الإقامة في الإتمام والصيام؛ ولولا ذلك لكان مقيم ساعة له حكم الإقامة.
وكذلك من ورد على ضيعة له أو ماشية أو عقار فنزل هنالك فهو مقيم فله حكم الإقامة كما قال ابن عباس إذ لم نجد نصا في مثل هذه الحال ينقلها عن حكم الإقامة.
وهو أيضا قول الزهري وأحمد بن حنبل ولم نجد عنه عليه السلام أنه أقام يوما وليلة لم يرحل فيهما فقصر وأفطر إلا في الحج والعمرة والجهاد فقط فوجب بذلك ما ذكرنا من أن من أقام في خلال سفره يوما وليلة لم يظعن في أحدهما فإنه يتم ويصوم.
وكذلك من مشى ليلا وينزل نهارا فإنه يقصر باقي ليلته ويومه الذي بين ليلتي حركته ، وهذا قول روى عن ربيعة ....(1/34)
قال: وأما الجهاد والحج فإن عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: أقام رسول الله ( بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة.
قال علي: محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، وباقي رواة الخبر أشهر من أن يسأل عنهم، وهذا أكثر ما روي عنه عليه السلام في إقامته بتبوك فخرج هذا المقدار من الإقامة عن سائر الأوقات بهذا الخبر.
وقال أبو حنيفة ومالك : يقصر ما دام مقيما في دار الحرب .
قال علي(111): وهذا خطأ لما ذكرنا من أن الله تعالى لم يجعل ولا رسوله عليه السلام الصلاة ركعتين إلا في السفر وأن الإقامة خلاف السفر لما ذكرنا.
وقال الشافعي وأبو سليمان كقولنا في الجهاد .
وروينا عن ابن عباس مثل قولنا نصا إلا أنه خالف في المدة .
وأما الحج والعمرة فلما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك قال خرجنا مع رسول الله ( من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع. قال كم أقام بمكة؟ قال: عشرا .
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا موسى ثنا وهيب عن أيوب السختياني عن أبي العالية البراء عن ابن عباس قال: قدم رسول الله ( وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج وذكر الحديث.
قال علي: فإذا قدم رسول الله ( صبح رابعة من ذي الحجة فبالضرورة نعلم أنه أقام بمكة ذلك اليوم الرابع من ذي الحجة والثاني وهو الخامس من ذي الحجة والثالث وهو السادس من ذي الحجة والرابع وهو السابع من ذي الحجة.(1/35)
وأنه خرج عليه السلام إلى منى قبل صلاة الظهر من اليوم الثامن من ذي الحجة، هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من الأمة، فتمت له بمكة أربعة أيام وأربع ليال كملا أقامها عليه السلام ناويا للإقامة هذه المدة بها بلا شك.
ثم خرج إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة كما ذكرنا وهذا يبطل قول من قال إن نوى إقامة أربعة أيام أتم لأنه عليه السلام نوى بلا شك إقامة هذه المدة ولم يتم.
ثم كان عليه السلام بمنى اليوم الثامن من ذي الحجة وبات بها ليلة يوم عرفة ، ثم أتى إلى عرفة بلا شك في اليوم التاسع من ذي الحجة فبقي هنالك إلى أول الليلة العاشرة ثم نهض إلى مزدلفة فبات بها الليلة العاشرة ثم نهض في صباح اليوم العاشر إلى منى فكان بها ونهض إلى مكة فطاف طواف الإفاضة إما في اليوم العاشر وإما في الليلة الحادية عشرة بلا شك في أحد الأمرين.
ثم رجع إلى منى فأقام بها ثلاثة أيام ودفع منها في آخر اليوم الرابع بعد رمي الجمار بعد زوال الشمس، وكانت إقامته عليه السلام بمنى أربعة أيام غير نصف يوم.
ثم أتى إلى مكة فبات الليلة الرابعة عشرة بالأبطح، وطاف بها طواف الوداع ثم نهض في آخر ليلته تلك إلى المدينة.
فكمل له عليه السلام بمكة ومنى وعرفة ومزدلفة عشر ليال كملا كما قال أنس فصح قولنا.
وكان معه عليه السلام متمتعون وكان هو عليه السلام قارنا ، فصح ما قلناه في الحج والعمرة ولله الحمد .
فخرجت هذه الإقامة بهذا الأثر في الحج والعمرة حيث أقام عن حكم سائر الإقامات ولله تعالى الحمد .
فإن قيل(112): أليس قد رويتم من طريق ابن عباس وعمران بن الحصين روايات مختلفة في بعضها أقام رسول الله ( بمكة تسع عشرة، وفي بعضها ثمان عشرة، وفي بعضها سبع عشرة، وفي بعضها خمس عشرة يقصر الصلاة ؟(1/36)
قلنا: نعم وقد بين ابن عباس أن هذا كان في عام الفتح، وكان عليه السلام في جهاد، وفي دار حرب؛ لأن جماعة من أهل مكة كصفوان وغيرهم لهم مدة موادعة لم تنقض بعد، ومالك بن عوف في هوازن قد جمعت له العساكر بحنين على بضعة عشر ميلا، وخالد بن سفيان الهذلي على أقل من ذلك يجمع هذيلا لحربه، والكفار محيطون به محاربون له فالقصر واجب بعد في أكثر من هذه الإقامة، وهو عليه السلام يتردد من مكة إلى حنين، ثم إلى مكة معتمرا ثم إلى الطائف. وهو عليه السلام يوجه السرايا إلى من حول مكة من قبائل العرب كبني كنانة وغيرهم.
فهذا قولنا وما دخل عليه السلام مكة قط من حين خرج عنها مهاجرا إلا في عمرة القضاء أقام بها ثلاثة أيام فقط، ثم حين فتحها كما ذكرنا محاربا، ثم في حجة الوداع أقام بها كما وصفنا ولا مزيد.
قال علي: وأما قولنا إن هذه الإقامة لا تكون إلا بعد الدخول في أول دار الحرب وبعد الإحرام؛ فلأن القاصد إلى الجهاد ما دام في دار الإسلام فليس في حال جهاد، ولكنه مريد للجهاد وقاصد إليه، وإنما هو مسافر كسائر المسافرين إلا أجر نيته فقط، وهو ما لم يحرم فليس بعد في عمل حج ولا عمل عمرة لكنه مريد لأن يحج أو لأن يعتمر فهو كسائر من يسافر ولا فرق.
قال علي(113): وكل هذا لا حجة لهم فيه لأن رسول الله ( لم يقل إذ أقام بمكة أياما: إني إنما قصرت أربعا لأني في حج، ولا لأني في مكة.
ولا قال إذ أقام بتبوك عشرين يوما يقصر: إني إنما قصرت لأني في جهاد.
فمن قال شيئا من هذا فقد قوّله عليه السلام ما لم يقل، وهذا لا يحل.
فصح يقينا أنه لولا مقام النبي عليه السلام في تبوك عشرين يوما يقصر، وبمكة دون ذلك يقصر لكان لا يجوز القصر إلا في يوم يكون فيه المرء مسافرا، ولكان مقيم يوم يلزمه الإتمام.(1/37)
لكن لما أقام عليه السلام عشرين يوما بتبوك يقصر صح بذلك أن عشرين يوما إذا أقامها المسافر فله فيها حكم السفر، فإن أقام أكثر أو نوى إقامة أكثر فلا برهان يخرج ذلك عن حكم الإقامة أصلا.
ولا فرق بين من خص الإقامة في الجهاد بعشرين يوما يقصر فيها، وبين من خص ذلك بتبوك دون سائر الأماكن.
وهذا كله باطل لا يجوز القول به إذ لم يأت به نص قرآن ولا سنة وبالله تعالى التوفيق.
ووجب أن يكون الصوم بخلاف ذلك لأنه لم يأت فيه نص أصلا، والقياس لا يجوز فمن نوى إقامة يوم في رمضان فإنه يصوم، وبالله تعالى التوفيق.
ثم قال (114): ومن العجب العجيب إسقاط أبي حنيفة النية حين افترضها الله تعالى من الوضوء للصلاة وغسل الجنابة والحيض، وبقائه في رمضان ينوي الفطر إلى قبل زوال الشمس، ويجيز كل ذلك بلا نية، ثم يوجب النية(115) فرضا في الإقامة حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله ( ولا أوجبها برهان نظري.
قال علي: وبرهان صحة قولنا أن الحكم لإقامة المدد التي ذكرنا كانت هنالك نية لإقامة أو لم تكن ؛ فهو: أن النيات إنما تجب فرضا في الأعمال التي أمر الله تعالى بها، فلا يجوز أن تؤدى بلا نية، وأما عمل لم يوجبه الله ولا رسوله ( فلا معنى للنية فيه؛ إذا لم يوجبها هنالك قرآن ولا سنة ولا نظر ولا إجماع .
والإقامة ليست عملا مأمورا به، وكذلك السفر وإنما هما حالان أوجب الله تعالى فيهما العمل الذي أمر الله تعالى به فيهما فذلك العمل هو المحتاج إلى النية لا الحال.(1/38)
وهم موافقون لنا أن السفر لا يحتاج إلى نية؛ ولو أن امرءا خرج لا يريد سفرا فدفعته ضرورات لم يقصد لها حتى صار من منزله على ثلاث ليال أو سير به مأسورا أو مكرها محمولا مجبرا فإنه يقصر ويفطر، وكذلك يقولون فيمن أقيم به كرها فطالت به مدته؛ فإنه يتم ويصوم، وكذلك يقولون فيمن اضطر للخوف إلى الصلاة راكبا أو ماشيا فذلك الخوف وتلك الضرورة لا يحتاج فيها إلى نية ، وكذلك النوم لا يحتاج إلى نية وله حكم في إسقاط الوضوء وإيجاب تجديده وغير ذلك ، وكذلك الإجناب لا يحتاج إلى نية وهو يوجب الغسل ، وكذلك الحدث لا يحتاج إلى نية وهو يوجب حكم الوضوء والاستنجاء.
فكل عمل لم يؤمر به لكن أمر فيه بأعمال موصوفة فهو لا يحتاج إلى نية ، ومن جملة هذه الأعمال هي الإقامة والسفر فلا يحتاج فيهما إلى نية أصلا ، لكن متى وجدا وجب لكل واحد منهما الحكم الذي أمر الله تعالى به فيه ولا مزيد، وبالله تعالى التوفيق، وهذا قول الشافعي وأصحابنا.
ثانيا:كلام الشوكاني
قال الشوكاني في الدرر البهية(116): يجب القصر على من خرج من بلده قاصدا للسفر وإن كان دون بريد، وإذا أقام ببلد مترددا قصر إلى عشرين يوما، وإذا عزم على إقامة أربع أتم بعدها.(1/39)
قال في شرحه الدراري المضية(117): وأما كونه إذا أقام المتردد ببلد قصر إلى عشرين يوما ثم يتم فوجهه: أن من حط رحله بدار إقامة فقد ذهب عنه حكم السفر، وفارقته المشقة، فلولا أن الشارع سمى من أقام كذلك مسافرا، وقال: أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر لما كان حكم السفر ثابتا له، فالواجب الاقتصار في القصر مع الإقامة على المقدار الذي سوغه الشارع، وما زاد عليه فللمسافر حكم المقيم، يجب عليه أن يتم صلاته؛ لأنه مقيم لا مسافر، وقد أقام النبي ( بمكة في غزوة الفتح قيل: ثماني عشرة ليلة، وقيل: أقل من ذلك وفي صحيح البخاري وغيره: تسع عشرة ليلة، وأخرج أحمد وأبو داود من حديث جابر قال: أقام النبي ( بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة، وأخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي، وصححه ابن حزم والنووى.
فوجب علينا أن نقتصر على هذا المقدار، ونتم بعد ذلك، ولله در الحبر ابن عباس ما أفقهه وأفهمه للمقاصد الشرعية؛ فأنه قال فيما رواه عنه البخاري وغيره: لما فتح النبي ( مكة أقام فيها تسع عشرة ليلة يصلي ركعتين، قال: فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا، وإن زدنا أتممنا. وأقول: هذا هو الفقه الدقيق، والنظر المبني على أبلغ تحقيق، ولو قال له جابر: أقمنا مع رسول الله ( بتبوك عشرين ليلة، نقصر الصلاة؛ لقال بموجب ذلك، وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدى.(1/40)
ثم قال(118): وأما كونه إذا عزم على إقامته أربع أتم بعدها فوجهه: ما عرفناك؛ من أن المقيم لا يعامل معاملة المسافر إلا على الحد الذي ثبت عن الشارع، ويجب الاقتصار عليه، وقد ثبت عنه مع التردد ما قدمنا ذكره، أما مع عدم التردد بل العزم على إقامة أيام معينة؛ فالواجب الاقتصار على ما اقتصر عليه ( مع عزمه على الإقامة في أيام الحج فإنه ثبت في الصحيحين: أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى، فلما أقام النبي ( بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة ـ مع كونه لا يفعل ذلك إلا عازما على الإقامة إلى أن يعمل أعمال الحج ـ كان ذلك دليلا على أن العازم على إقامة مدة معينة يقصر إلى تمام أربعة أيام، ثم يتم، وليس ذلك لأجل كونه ( لو أقام زيادة على الأربع لأتم، فإنا لا نعلم ذلك، لكن وجهه ما قدمنا من أن المقيم العازم على إقامة معينة لا يقصر إلا بإذن ، كما أن المتردد كذلك، ولم يأت الإذن بزيادة على ذلك ، ولا ثبت عن الشارع غيره.
واعلم أن هذه الثلاثة الأبحاث المذكورة في هذا الباب هي من المعارك التي تتبلد عندها الأذهان، وقد اضطربت فيها المذاهب اضطرابا شديدا وتباينت فيها الأنظار تباينا زائدا. اهـ
وتبعه صديق حسن خان في الروضة الندية -كعادته- إذ أتى بنص الشوكاني(119).
وقال الشوكاني في السيل الجرار(120): قوله: أو يتعدى في أي موضع شهرا .
أقول: الذي لم يعزم على إقامة مدة معينة لا يزال يقصر حتى يمضي له قدر المدة التي أقامها رسول الله ( في مكة عام الفتح وفي تبوك ، وقد روي أنه أقام في مكة ثماني عشرة ليلة كما في رواية، أو تسع عشرة ليلة كما في رواية أخرى، أو سبع عشرة ليلة كما في رواية ثالثة.
وروي أنه قام بتبوك عشرين ليلة، فإذا مضى للمتردد الذي لم يعزم على إقامة معينة عشرون ليلة أتم صلاته.(1/41)
فإن قلت: ومن أين لنا أن النبي ( لو أقام أكثر من هذه المدة لأتم صلاته؟
قلت: المقيم ببلد قد حط رحله وذهب عنه مشقة السفر فلولا أنه ( قصر في هذه المدة لما كان القصر في ذلك سائغا، فعلينا أن نقتصر على المدة التي قصر فيها رسول الله ( وأطلق عليه وعلى من معه فيها اسم السفر ؛ فقال: أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر .
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال: لما فتح النبي ( مكة اقام فيها تسع عشرة ليلة فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة ليلة قصرنا وإن زدنا أتممنا .
فهذا حبر الأمة يقول هكذا ، وهو الحق اقتداء برسول الله ( فيما قصر فيه مع الإقامة، ورجوعا إلى الأصل، وهو أن المقيم يتم صلاته فيما زاد على ذلك .
قوله: أو يعزم هو أو من يريد لزامه على إقامة عشر.
أقول: قد قدمنا لك أن المقيم الذي حط رحل السفر لا يقصر إلا بدليل وقد ثبت فيمن لم يعزم على إقامة معينة ما قدمناه.
وأما من عزم على إقامة معينة فلم يثبت فيه إلا أن النبي ( قصر الصلاة في عام حجه في أيام إقامته بمكة، وهو قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح في اليوم الثامن بمكة ، ثم خرج إلى منى، فقد عزم ( على إقامة هذه الأربعة الأيام بمكة وقصر الصلاة فيها، فمن عزم على إقامة أربعة أيام بمكة قصر، وإن عزم على إقامة أكثر منها أتم اقتداء برسول الله ( ، ورجوعا إلى الأصل وهو أن المقيم يتم. اهـ(1/42)
وكلامه في المسألة الأولى ليس هو من موضوعنا وقد وافق فيه الشافعية وغيرهم، وأما كلامه في المسألة الثانية فهي مسألتنا، وظاهر كلامه في السيل الجرار يوافق ما عليه الفقهاء، فإن أخذنا بظاهره فهو هذا، وإن حملناه على كلامه في الدرر وشرحها فلا غرابة ، وإن كان الرجل قد يكون إنما استقر هذا عنده فيما بعد، والدرر إنما هي خلاصة آرائه، وإخالها آخر أو من آخر ما كتب ، ولذلك لم يذكر هذا الرأي في نيل الأوطار وهو سابق على السيل الجرار، والله أعلم.
هذا ما تيسر جمعه، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
…كتبه الفقير إلى الله تعالى
…عبدالرحمن بن فهد الودعان
…الجمعة 24/ذوالقَعدة/1424هـ
ثبت المراجع
أولا:كتب التفسير
1. الجامع لأحكام القرآن لأبي عبدالله محمد الأنصاري القرطبي المشهور بـ(تفسير القرطبي)،صحح أجزاءه جماعة منهم:أحمد بن عبد العليم البردوني،وأبو إسحاق إبراهيم أطفيش،ومصطفى السقا،ط. الثانية (في عدة سنوات منها) 1373هـ - 1954م، دار الكتب المصرية.
ثانيا:كتب الحديث وشروحه
2. الاستذكار، للحافظ أبي عمر يوسف بن عبدالله بن عبدالبر القرطبي، ت/د.عبد المعطي قلعجي، دار قتيبة للطباعة والنشر,دمشق - بيروت, دار الوعي حلب - القاهرة.
3. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، للحافظ أبي عمر يوسف بن عبدالله بن عبدالبر القرطبي ت/ مولاي مصطفى بن أحمد العلوي، ط. 1406هـ -1985م.
4. شرح الزرقاني على الموطأ، لمحمد بن عبدالباقي بن يوسف الزرقاني، ت/لجنة من العلماء، ط.1401هـ- 1981م، دار المعرفة- بيروت.
5. موطأ مالك، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، ت/ محمد فواد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية- عيسى البابي الحلبي وشركاه.
ثالثا:كتب خلاف الفقهاء
6. اختلاف العلماء ، لمحمد بن نصر المروزي، ت/السيد صبحي السامرائي،عالم الكتب.(1/43)
7. مختصر اختلاف العلماء، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، اختصار أبي بكر أحمد بن علي الجصاص الرازي .ط.الثانية 1417 - 1996،ت/د.عبدالله نذير أحمد، دار البشائر.
رابعا:كتب الحنفية
8. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي الملقب بملك العلماء، ط.الثانية 1406 - 1986.دار الكتب العلمية- بيروت.
9. تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي .دار الكتب العلمية- بيروت بدون تاريخ. توزيع مكتبة عباس أحمد الباز - مكة المكرمة.
10. شرح فتح القدير على الهداية شرح بداية المبتدى للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام الحنفي, ومعه شرح العناية على الهداية للإمام أكمل الدين محمد البابرتي, ومعه حاشية سعد الله بن عيسى المفتي, الشهير بسعدي أفندي. دار الفكر الثانية. بدون تاريخ.
11. النتف في الفتاوى المشهور بفتاوى السُّغْدي، لأبي الحسن علي بن الحسين بن محمد السُّغْدي الحنفي،ت/الدكتور صلاح الدين الناهي، ط.الثانية 1404هـ - 1984م ، مؤسسة الرسالة- بيروت، ودار الفرقان-عمان.
ختمسا:كتب المالكية
12. التاج والإكليل لمختصر خليل لأبي عبدالله محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري الشهير بالمواق. بهامش مواهب الجليل للحطاب. ط. الثالثة 1412 - 1992، دار الفكر.
13. التلقين في الفقه المالكي للقاضي أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي، ت:محمد ثالث سعيد الغاني، المكتبة التجارية مصطفى الباز - مكة المكرمة, بدون تاريخ .
14. الثمر الداني شرح رسالة القيرواني ، لصالح بن عبد السميع الآبي الأزهري، ط.1424هـ - 2003، دار الفكر- بيروت- لبنان .
15. جامع الأمهات للفقيه جمال الدين بن عمر أبن الحاجب المالكي،ت/ أبي عبد الرحمن الأخضر الأخضري ط. الأولى 1419 - 1998، دار اليمامة دمشق _ بيروت.(1/44)
16. الذخيرة لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، ت/د.محمد حجي.ط. الأولى 1994،دار الغرب الإسلامي.
17. القوانين الفقهية، لمحمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي، ت/عبدالكريم الفضيلي، ط.1423هـ - 2002م ، المكتبة العصرية- صيدا - بيروت.
18. الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لحافظ المغرب أبي عمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي، ت/د.محمد محمد الموريتاني، ط. الثالثة 1406 _ 1986، مكتبة الرياض الحديثة.
19. المدونة الكبرى لسحنون بن سعيد التنوخي، دار صادر، مصورة عن الطبعة الأولى المطبوعة بمطبعة السعادة- مصر .
20. مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبي عبدالله محمد بن محمد بن عبدالرحمن المغربي المعروف بابن الحطاب. ط.الثالثة 1412 - 1992، دار الفكر.
سادسا:كتب الشافعية
21. روضة الطالبين للإمام أبي زكريا يحي بن شرف النووي, ومعه المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي ومنتقى الينبوع فيما زاد على الروضة من الفروع لجلال الدين السيوطي. ت/علي محمد عوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية- بدون تاريخ طبع .
22. المجموع شرح المهذب, للإمام أبي زكريا يحي بن شرف النووي ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي ويليه تلخيص الحبير لأبن حجر.ط. دار الفكر.
23. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لشمس الدين محمد بن مجمد الخطيب الشربيني، ت/علي محمد عوض، وعادل أحمد عبد الموجود.ط. الأولى 1415-1994 ، دار الكتب العلمية.
24. المنهج القويم شرح شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي على المقدمة الحضرمية،ت/ مجموعة من المححققين، ط.الثانية 1987، مؤسسة علوم القرآن دمشق - بيروت.
سابعا:كتب الحنابلة
25. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للإمام أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، ت/ محمد حامد الفقي، ط.1406 -1986، دار إحياء التراث العربي.
26. الروض المربع بحاشية ابن قاسم، للشيخ منصور بن يونس البهوتي، ط. الثانية 1403.(1/45)
27. الشرح الممتع على زاد المستقنع، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، اعتنى به:الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل، والدكتور خالد بن علي المشيقح، ط. الثالثة 1415هـ - 1995م، مؤسسة آسام للنشر- الرياض.
28. الفروع للإمام شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي, ويليه تصحيح الفروع للإمام علي بن سليمان المرداوي،راجعه/عبد الستار أحمد فراج، ط. الرابعة 1405_1985 ، دار عالم الكتب.
29. الكافي في فقه ابن حنبل،لموفق الدين أبي محمد عبدالله بن قدامة المقدسي. ت/ زهير الشاويش، ط. الثالثة 1402 - 1982 ،المكتب الإسلامي.
30. كشاف القناع عن متن الإقناع، للشيخ منصور بن يونس البهوتي. راجعه/ الشيخ هلال مصيلحي مصطفى هلال. ط. 1403، عالم الكتب.
31. المبدع في شرح المقنع، للإمام برهان الدين محمد بن عبدالله بن محمد بن مفلح المؤرخ الحنبلي ، المكتب الإسلامي، بدون تاريخ.
32. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، للشيخ مصطفى السيوطي الرحيباني, ومعه تجريد زوائد الغاية والشرح للشيخ حسن الشطي. الطبعة الثانية 1415 - 1994 ,بدون دار للنشر.
33. المغني شرح مختصر الخرقي،للشيخ موفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ت/د.عبدالله التركي، ود.عبد الفتاح الحلو،ط. الأولى 1406هـ- 1986م، دار هجر.
ثامنا:كتب الفتاوى
34. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدّويش ط.الأولى 1416 - 1996 ،دار العاصمة .
35. فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم.ط. الأولى 1399، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة.
36. مجموع فتاوى و مقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز, جمع وإشراف د.محمد بن سعد الشويعر، ط.الأولى 1420،دار القاسم.
37. المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان. جمع وإعداد عادل بن علي الفريدان .ط. الثانية 1417 - 1997، مكتبة الغرباء الأثرية.
تاسعا:كتب فقهية أخرى(1/46)
38. الدراري المضية شرح الدرر البهية، للإمام الفقيه المجتهد محمد بن علي الشوكاني، مكتبة التراث الإسلامي -القاهرة، بدون تاريخ.
39. الدرر البهية مع الدراري المضية، للإمام الفقيه المجتهد محمد بن علي الشوكاني.، مكتبة التراث الإسلامي -القاهرة، بدون تاريخ.
40. الروضة الندية شرح الدرر البهية، لصديق حسن خان مع التعليقات الرضية للألباني. ت/ علي بن حسن الحلبي، ط. الأولى 1420هـ- 1999م ، دار ابن عفان- القاهرة.
41. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، للإمام الفقيه المجتهد محمد بن علي الشوكاني. ت/ محمود إبراهيم زايد، ط. الأولى1405 - 1985، دار الكتب العلمية- بيروت.
42. المحلى، لأبي محمد علي بن حزم الظاهري، ت/العلامة أحمد محمد شاكر ، مكتبة دار التراث- القاهرة.
الفهرس
المقدمة…1
التمهيد…3
الفصل الأول: نصوص العلماء الناقلين للخلاف الدالة على الاكتفاء بمجرد العزم على الإقامة…4
وفي ضمن ذلك نقول عن علماء السلف رحمهم الله تعالى…4
الفصل الثاني:نصوص فقهاء المذاهب الأربعة الدالة على الاكتفاء بمجرد العزم على الإقامة…11
أولا:نصوص فقهاء الحنفية في المسألة…11
ثانيا:نصوص فقهاء المالكية في المسألة…12
ثالثا:نصوص فقهاء الشافعية في المسألة…14
رابعا:نصوص فقهاء الحنابلة في المسألة…17
الفصل الثالث:نصوص العلماء المعاصرين على أن العبرة بمجرد نية الإقامة…18
الفصل الرابع: قول الظاهري والشوكاني…22
أولا:كلام ابن حزم الظاهري…22
ثانيا:كلام الشوكاني…25
ثبت المراجع…27
الفهرس…31
(1)هكذا السنة كما هو ثابت في أحاديث كثيرة، وبعض المتقدمين وكثير من المتأخرين يقولون أو يكتبون: وبعد، والثابت في السنة أولى لمن أراد الاقتداء، والله أعلم.(1/47)
2)وقد أعلن الشيخ تراجعه عن قوله هذا في المجلس التالي بعد كتابة هذه الرسالة وقبل اطلاعه عليها، وذكر أنه راجع فيها بعض الشيوخ فتبين له صحة ما نقلته له من مراد الفقهاء؛ إلا إنه بلغني عنه من بعض الطلبة أنه رجع إلى قوله السابق فلعله نسي الموضوع وذهل عنه فالله يوفقنا وإياه للهدى.
3)هذا الرأي الفقهي هو قول المذاهب الثلاثة وبه يفتي ابن إبراهيم وابن باز والفوزان واللجنة الدائمة وغيرهم وستأتي فتاويهم بعد، على أنهم قد يختلفون اختلافا يسيرا في المسألة فيمن نوى إقامة أربع أو فوقها، والخطب فيه يسير ، وليس هو موضوع الرسالة.
(4)الدراري المضية ص171.
(5)وبعض عبارات السلف قد توافق في ظاهرها ما ذهبا إليه كما في قول ابن عباس في البخاري، ويأتي في كلامهما، ولست بصدد تحرير ذلك.
(6)دون خمس عشرة وغيرها، وإلا فقد اختلف في إقامة أربعة أيام وما فوقها، وأصل العبارة المتكلم عليها: أربعة أيام فأكثر -كما تقدم-.
(7) فإنهم اختلفوا على أقوال متقاربة ستأتي- إن شاء الله تعالى- في أثناء النقول لكل مذهب، وليس الغرض نقلها أو تحريرها، ولا بيان الخلاف والروايات داخل كل مذهب ؛ إذ الغرض بيان المراد بأصل المسألة.
(8) قد ذكرت لك خلاف ابن حزم والشوكاني.
(9)اختلاف العلماء لمحمد بن نصر المروزي ص45ـ 46 .
(10)مختصر اختلاف العلماء للطحاوي، اختصار الجصاص 1/364 ـ 365.
(11)التمهيد 11/181ـ 182.
(12)المرجع السابق 11/ 183.
(13)المرجع السابق 11/ 184.
(14)المرجع السابق 11/ 184 ـ 185 .
(15)المرجع السابق 11/ 185 .
(16)المرجع السابق 11/ 186 .
(17)الاستذكار 6/101.
(18)المرجع السابق 6/101 - 103.
(19)المرجع السابق 6/104.
(20)المرجع السابق 6/105.
(21)المرجع السابق 6/106.
(22)المرجع السابق 6/106.
(23)المرجع السابق 6/106.
(24)المرجع السابق 6/107.
(25)المرجع السابق 6/107.
(26)المرجع السابق 6/108.
(27)المرجع السابق 6/108.(1/48)
(28)المرجع السابق 6/108.
(29)المرجع السابق 6/111.
(30)المرجع السابق 6/112.
(31)المرجع السابق 6/113.
(32)المرجع السابق 6/113.
(33)تفسير القرطبي 5/357.
(34)المغني 3/147ـ 150.
(35)المجموع 4/ 364- 365.
(36)لاحظ النقل عن ابن عباس هنا، مقارنة بظاهر عبارته التي رواها البخاري، وبما فهمه ابن حزم والشوكاني منها كما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في كلامهما.
(37)موطأ مالك 1/148 ( 343).
(38)موطأ مالك 1/149 ( 345).
(39)تحفة الفقهاء 1/150.
(40)بدائع الصنائع 1/97.
(41)شرح فتح القدير 2/34.
(42)المرجع السابق 2/35.
(43)فتاوى السُّغْدي 1/76 ـ 77.
(44)موطأ مالك 1/148.
(45)شرح الزرقاني على الموطأ 1/300….
(46)موطأ مالك 1/149.
(47)المدونة الكبرى 1/119.
(48)المرجع السابق 1/122.
(49)التاج والإكليل 2/149.
(50)التلقين 1/128.
(51)الثمر الداني شرح رسالة القيرواني ص150.
(52)القوانين الفقهية ص108.
(53)الكافي في فقه أهل المدينة المالكي 1/245.
(54)جامع الأمهات ص118.
(55)مواهب الجليل 2/149ـ 150.
(56)الذخيرة 2/360 ـ 361.
(57)المجموع 4/291.
(58)المهذب مع المجموع 4/359.
(59)المرجع السابق 4/359- 360.
(60)قال النووي: هو بالفاء أي لا ترفع بعد وجودها والنية يمكن قطعها وإبطالها (المجموع 4/360).
(61)المجموع 4/361.
(62)المرجع السابق 4/361.
(63)المرجع السابق 4/361.
(64)المرجع السابق 4/361 ـ 362.
(65)المرجع السابق 4/ 362.
(66)المرجع السابق 4/ 362- 363.
(67)المرجع السابق 4/ 363.
(68)روضة الطالبين 1/486.
(69)المرجع السابق 1/486.
(70)مغني المحتاج 1/519.
(71)المنهج القويم ص 262- 263.
(72)الإنصاف 2/333.
(73)الروض المربع بحاشية ابن قاسم 2/360.
(74)الفروع 2/53.
(75)الكافي في فقه ابن حنبل للموفق 1/200.
(76)المبدع 2/113 ـ 114.
(77)مع المغني 3/147 تحقيق : التركي والحلو ـ دار هجر.
(78)المرجع السابق 3/147ـ 150.(1/49)
(79)كشاف القناع 1/512.
(80)مطالب أولي النهى 1/725.
(81)فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 2/323.
(82)المرجع السابق 2/326ـ327.
(83)فتاوى اللجنة الدائمة 8/95.
(84)المرجع السابق 8/ 98.
(85)المرجع السابق 8 / 99.
(86)المرجع السابق 8/ 100.
(87)المرجع السابق 8/100ـ101.
(88)المرجع السابق 8/102.
(89)المرجع السابق 8/110.
(90)المرجع السابق 8/111.
(91)المرجع السابق 8/ 113 ـ 114.
(92)المرجع السابق 8/ 115.
(93)المرجع السابق 8/ 154.
(94)المرجع السابق 8/ 157ـ 158.
(95)مجموع فتاوى و مقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز 12/265ـ266.
(96)المرجع السابق 12/270، 271 .
(97)المرجع السابق 12/273.
(98)المرجع السابق 12/275.
(99)المرجع السابق 12/278.
(100)المرجع السابق 12/280.
(101)المرجع السابق 12/284.
(102)المرجع السابق 12/287.
(103)المرجع السابق 12/299.
(104)الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ محمد بن صالح العثيمين: 4/526 ـ 527 ، والمراد بيان الشيخ للعبارة وإلا فهو لا يرى هذا الرأي.
(105)المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 3/59.
(106)المرجع السابق 3/60.
(107)المرجع السابق 3/61.
(108)وابن حزم- رحمه الله تعالى- يغاير بين حكم الصلاة وغيرها من الصيام ونحوه - كما سيأتي في كلامه إن شاء الله تعالى-؛ فليتنبه لذلك.
(109)المحلى 5/22.
(110)المرجع السابق 5/24 ـ 25.
(111)المرجع السابق 5/ 26ـ 27.
(112)المرجع السابق 5/ 27.
(113)المرجع السابق 5/28.
(114)المرجع السابق 5/29 ـ 30.
(115)لا يخفى أنه لا أبو حنيفة ولا غيره يوجب نية في هذا الموضع أو حتى يراها مشروعة؛ إنما هم يرتبون عليه إن نوى كذا حكما.
(116)الدرر البهية مع الدراري المضية ص166.
(117)الدراري المضية شرح الدرر البهية ص 168ـ 169.
(118)المرجع السابق ص170.
(119)الروضة الندية 1/405 مع التعليقات الرضية للألباني.(1/50)
(120)السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار 1/308 ـ 309.
??
??
??
??
9(1/51)