الأسرار النديَّة في شعار التلبية
تأليف / د . سعيد جمعة
الأستاذ المساعد في كلية اللغة العربية
فرع شبين الكوم
1430هـ - 2009م
بسم الله الرحمن الرحيم
إهداء ودعاء
********
إلى شرف هذه الأمة وموطن عزتها .
إلى المجاهدين في سبيل الله تعالى .
أهدي هذه الورقات .
وأدعو الله تعالى أن يرزق كل من قرأ هذا البحث ,
أو نشره في الناس , أو دعا لصاحبه : أن يرزقه حجا مبرورا وذنبا مغفورا , وأن
يقبله في الصالحين , إنه سميع قريب.
****************
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّيًا يَقُولُ :
\" لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ
لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ
إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ \"
لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ \" ( )
المقدمة
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين , سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين , ومن سار على دربهم إلى يوم الدين ,
اللهم اهدني , وسددني , اللهم إني أسألك الهدى , والسداد ,وبعد :
فلقد شرفني الله تعالى بحج بيته الحرام هذا العام 1429 هـ , وكان القائمون على
المخيم الذي كنت فيه قد وضعوا على واجهته شعار التلبية بخط كبير يلفت أنظار
الجميع , ووقفت طويلا أمامه أتأمله بعيني , وأحاول أن أدلف خلف كلماته وحروفه
لأرى ما تخبئه من إشارات , ومع أن الحناجر قد جهدت في تكراره , ولهجت به
القلوب قبل الألسنة , إلا أن وضعه في واجهة المخيم , وبصورة واضحة جعل العيون
تغار مما تصنع الألسنة والحناجر , فقامت تنفض عن نفسها غبار السكوت , وتفننت في
التلبية كما تصنع الألسنة , وحدث التنافس البديع بين الأصوات المسموعة ,
والصورة المرئية , لترتسم في النهاية اللوحة الكبيرة لذكر الله تعالى , وليعلو(1/1)
هذا الصوت في رحاب المشاعر مسموعا , ومرئيا :
\" لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد والنعمة لك والملك , لا
شريك لك \"
وعند ذلك رأيت أن من النصيحة الواجبة عليّ أن أرفع صوت هذا الشعار في الناس ,
ولو بورقات , تظل أمام القلوب الواجفة من خشية الله , والأفئدة الراجفة من
حساب الله , عساها تسكن , وتطمئن , \" ومن يؤمن بالله يهد قلبه \" التغابن11
كما أن هذا البحث دعوة لكل مسلم كي يلبي دعوة الله تعالى في نداءاته الكثيرة
في القرآن الكريم , ويستشعر معنى \" لبيك اللهم لبيك \" لعل الله تعالى يمتن
عليه بحج بيته الحرام .
وهذا البحث بحث بلاغي , يرتسم لنفسه المنهج التحليلي , ويهدف إلى الكشف عن
مواطن التفوق البلاغي في مكوناته شكلا , ومضنونا , من خلال الحرف , والكلمة ,
والجملة , والصوت , والنغم , وكذلك الهدف والغاية , والقصد , وكل ما يمكن
اكتشافه من طاقات بلاغية لا تبعد كثيرا عن عالم الوحي , بل هي نبراس منه , كما
يحاول هذا البحث النظر في السياق والمقامه , ومدى المواءمة بين سياقه الزماني
والمكان .
وتحوي خطة هذا البحث : مقدمة , وتمهيدا , وأربعة مباحث وخاتمة :
في المقدمة أذكر موضوع هذا البحث , والدافع إليه , وخطته , ومنهجه .
وفي التمهيد أتناول تعريف الشعار , ووجه تسمية التلبية شعار الحج .
وفي المبحث الأول : أتحدث عن أثر المقام في تحديد خصائص الشعار .
وفي المبحث الثاني : أتحدث عن شرف المعنى داخل الشعار .
وفي المبحث الثالث : يأتي الحديث عن التحليل البياني للمفردات والمباني .
وفي المبحث الرابع : يكون الحديث عن النغم داخل الشعار .
ثم تأتي الخاتمة لتلخص أهم ما في البحث , ثم فهرس الموضوعات .
التمهيد:
التلبية شعار الحج , فما هو الشعار ؟
تدور هذه المادة في اللغة العربية حول ( العلامة البارزة التي تتميز بها
الأشياء , سواء كانت صوتا , أو غيره , كما يحمل معنى الخصوصية , والكثرة )(1/2)
ولذلك جاء في المقاييس : أن ( الشِّعار: ما وَلِيَ الجسدَ من الثِّياب ؛ لأنّه
يَمُسُّ الشَّعر الذي على البشَرة.وكذا هو: ما يتنادَى به القومُ في الحرب
ليَعرِف بعضُهم بعضاً والأصلُ قولُهم شَعَرتُ بالشّيء، إذا علمتَه وفطِنْتَ له
, و يضرب للمختص بك العالم بدخيلة أمرك. وفي الحديث : \" إِن شِعارَ أَصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في الغَزْوِ : يا مَنْصُورُ : أَمِتْ,
أَمِتْ ... وهو تفاؤل بالنصر بعد الأَمر بالإِماتة , واسْتَشْعَرَ القومُ إِذا
تداعَوْا بالشِّعار في الحرب..... وشِعارُ القوم علامتهم في السفر وأَشْعَرَ
القومُ في سفرهم جعلوا لأَنفسهم شِعاراً .
والإِشْعارُ الإِعلام والشّعارُ العلامة , قال الأَزهري : ولا أَدري مَشاعِرَ
الحجّ إِلاَّ من هذا لأَنها علامات له .
وشِعارُ الحج : مناسكه وعلاماته وآثاره وأَعماله , لكنه التصق بالتلبية , بحيث
إذا أطلق مصطلح شعار الحج انصرف إلى التلبية , وفي الحديث أَن جبريل أَتى النبي
- صلى الله عليه وسلم - فقال : مر أُمتك أَن يرفعوا أَصواتهم بالتلبية فإِنها
من شعائر الحج. والشِّعار: ما يتنادي به القومُ في الحروب ليعرف بعضُهم بعضا )
وتكثر في عصرنا شعارات كثيرة للدول , والهيئات, والمصانع , والشركات فالعلامة
التي تتميز بها دولة أو جماعة من قول أو نقش أو غيرهما , كل ذلك يسمى شعار ...
ولما كان لفظ الشعار يطلق غالبا على العلامة المرئية , أو المسموعة , كان
الشعار الأبرز في الحج هو التلبية , التي تبدأ من الإحرام وتنتهي برمي الجمرة
الكبرى )
المبحث الأول
أثر المقام في تحديد خصائص الشعار
تحديد المقام الذي قيل فيه هذا الشعار , وتجليته للعيون أمر بالغ الأهمية , لأن
هذا المقام هو الرحم الذي يبدأ فيه تكوينه , ويظل هذا الرحم يمده ويغذيه طيلة
أيام الحج , ولا عجب حين تستشعر النفوس دلالات التلبية في أول أيام الحج , ومع(1/3)
بداية الإحرام , ثم تجد هذه الدلالات تنموا في النفس , وتزداد تأثيرا عليها مع
مرور الوقت , حتى يصل المعنى إلى ذروته في يوم االعيد , حين ينتقل الحجيج من
شعار التلبية إلى شعار التكبير حين يرمون جمرة العقبة الكبرى , ولا شك أن هذه
الرحلة الطويلة تفرض على الشعار هيكلته , وركائزة , ولا يمكن فهم التركيب
ومكوناته الأساسية إلا بتبيان هذا المقام الحاضن له , والذي يفترض أنه مناسب له
, فلكل مقام مقال كما يعرف الجميع .
ودعني هنا أبرز لك – على عجل - هذا المقام .
1 - فهناك شعيرة دينية , هي الركن الخامس من أركان الإسلام , وتسمى شعيرة الحج
, ومعلوم أن الشعائر الدينية لها سلطانها على القلوب , بحيث تَبذُل فيها النفوس
أقصى ما لديها من طاقة , وتظل تلح عليها حتى تصل إلى درجات الرضى , من خلال
رضى المعبود – سبحانه وتعالى - .
2 - من أصول هذه الشعيرة اجتماع الجميع , وإن اختلفت أوطانهم , وتعددت لغاتهم
.
3 - من لوازم هذا الاجتماع نزع كل مظاهر التميز , أو التمييز , فاللباس واحد ,
والأفعال واحدة , والكل يدور في فلك واحد , وأية مخالفة تستوجب الكفارة .
4 - في هذا الاجتماع العظيم ترى لغات شتى , وألوان شتى .
5 – المكان , والزمان هنا يجمعهما إطار واحد وهو القداسة , والتحريم .
6 – هناك غاية واحدة للجميع وهي الاستسلام الكامل لله تعالى , وطلب مرضاته ,
ومن وراء هذه الغاية يقوم الجسد , واللسان , وجميع الأعضاء بتنفيذ كافة
المناسك طاعة لله تعالى , وإن توقف العقل في فهمها .
تلك هي أهم ملامح المقام الذي يتشكل في داخلة شعار التلبية على النحو المعروف ,
ولعلك تلحظ فيه من أول وهله عدة خصائص لا تخطئها العين , وهي على النحو التالي
.
1 – التكرار .
2 – الإيجاز .
3 – سهولة الألفاظ .
فضلا عن خصائص أخرى ستتبين من خلال التحليل , إلا أن هذه الأربعة هي أهم ما(1/4)
يميز شعار التلبية مما يجعل البحث ملزما بالنظر في علاقة هذه الخصائص بالمقام
, ودوره في تشكيل هيكل الشعار على هذا النحو .
ولنقف أولا عند التكرار :
فلقد كرر في الشعار اللفظ المفرد , كما كررت الجمل , وكذا الحال بالنسبة
للحروف .
ففي اللفظ المفرد كرر لفظ التلبية أربع مرات .
وجملة نفي الشريك كررت مرتين .
والجار والمجرو ( لك ) كرر ثلاث مرات .
كما تكررت الكاف عشر مرات , و اللام تسع مرات , والياء ست مرات , والباء أربع
مرات , والميم أربع مرات , والنون أربع مرات ( مرتين مشددتين) , والشين والراء
مرتين .
ولقد ساء رأي كثيرين في التكرار ونظروا إليه على أنه هجنة , ونقيصة يصان الكلام
البليغ عنها , وأن ما يخلو من التكرار أفضل مما فيه تكرار , كما يشيع قولهم :
قيل كذا فرارا من التكرار , أو حذرا من التكرار , والذي لا شك فيه أن ( التكرار
في الكلام ... ظاهرة فاشية في القرآن الكريم , وفي الحديث الشريف , وفي أشعار
الشعراء , ونثر الأدباء , ذلك أن الدواعي التي تدفع إليه قائمة في فطرة النفس ,
والمواقف التي تقتضيه تمتلئ بها الحياة والناس بفطرتهم يدركون متى يكون التكرار
ضرورة ومتى يكون تزيدا غير مقبول ؟ ) ( )
والذي يعنيني هنا هو النظر في الدواعي التي جعلت من التكرار في شعار الحج ضرورة
بلاغية , وحين ترجع إلى الدواعي عند العلماء تجدهم يتحدثون عن إرادة التوكيد ,
والإفهام , واشتداد العناية والاهتمام , والخوف من الغلط والنسيان , والاحتياط
للمعنى وتمكينه . ( )
وفي كتاب أستاذي إبراهيم الخولي \" التكرار بلاغة \" ذكر أن للتكرار مقامات ,
وقال إن أولها هو مقام اللجوء إلى الله تعالى , وكذا مقام الدعاء والاستغفار.(
)
ولا شك أن ركن الحج من أوله إلى آخره يمثل قمة اللجوء إلى الله تعالى ليس
بالقلب وحده , بل بالقلب والجسد معا , حيث يترك الجميع بلادهم , وأهلهم ,(1/5)
ويتوجهون إلى الله تعالى عند بيته المحرم , وهنا تجد التكرار ضرورة , حيث
الدعاء , والإلحاح على الله تعالى في طلب العفو , ولذلك \" كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعجبه أن يدعو ثلاثا , وأن يستغفر ثلاثا \" ( )
كما أنك تلحظ في تكرار الشعار ضربا من التواصل العقلى بين هذه الجموع التي
تلتقي للمرة الأولى في مكان واحد , ولم يكن بينها سابق معرفة , مما يستلزم وجود
اتصال على نحو ما , ليتم التعارف من خلالة , ليس بالأسماء والألقاب , ولكن
بكلمات تُكرر , وأصوات تُرفع , يستشعر من خلالها الجميع قوة الرابطة بينهم ,
كما يستشعرون الضراعة والخشية والافتقار إلى فضل الله وعفوه .
فهذا الجمع لا بد أن يتعارف , وأن بتصل بعضه ببعض , وأن يعرف كل منهم أسم أخيه
, وبلده , , ليتم قول الله تعالى \"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
\" الحجرات 13
فكان هذا الشعار هو التعارف الكامل , فمن أراد أن يعرف أسماء هذه الجموع ,
وهوياتها , وأوطانها , وعقائدها , وكل شيء عنها , فليسمع : \" لبيك اللهم لبيك
\" فالكل هنا واحد اسمه مسلم , وبلده الإسلام , وعقيدته الإسلام .
فكأن هذا الشعار بطاقة التعريف السريعة الواضحة , وحين يصرخ بها المسلم تستشعر
الجموع أنها بين إخوتها , وفي أوطانها .
وإذا كان قرع الباب جديرا بفتحه , فإن الإلحاح في القرع وسلوك سبيل التكرار
في النداء يخلق بين جموع الحجيج رابطة هي أقوى من رابطة الدم , لأنك حين تجد
نفسك تردد ألفاظا يرددها هذا الجمع الغفير , الآتي من كل فج عميق تستشعر قوة
الرابطة بينك وبينهم , لأنكم جميعا تتكلمون لغة واحدة .
وإذا كان مُعلِّم الناس الخير- صلى الله عليه وسلم- قد علمنا الإكثار من(1/6)
الدعاء , وتكرار الطلب من الله تعالى , فإن في تكرار الشعار إلحاحاً على القلوب
كي تترابط برباط العقيدة لتكون في الختام أمة واحدة , وجسدا واحدا إذا اشتكى
منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر , وبهذا ترى أثر المقام في تكوين
جانب من جوانب الشعار وهو التكرار .
زد على ذلك , أنك حين تسمع هذا الشعار من الجميع تصلك فكرة الاتحاد بين
المسلمين بسرعة , فالشعار يوصل الفكرة بسرعة , ويعرفك على كل الحجيج بسرعة ,
ليس تعريفا معتادا , بأن يذكر كل منهم اسمه وبلده , ولكن تعريف بالهوية
الإسلامية , فيكفي أن تعرف بأن هذا أخوك حين تسمعه يقول \"لبيك اللهم لبيك \"
حيث عبرت هذه الجملة بصورة واضحة عن غايته التي لا تختلف عن غايتك , وعن هويته
التي تتحد مع هويتك , بل عن همومه التي لا تبعد عن همومك , في زمان صارت هموم
الأمة هما واحدا , ولذلك ترى الابتسامة تتفجر من قلوب الجميع حين ينظر بعضهم
إلى بعض , لأنه بين إخوته .
وهذا كله يعني أنك حين تكرر الشعار تزيد من روابط الأخوة التي قطعت , وتمد
الأيادي بالسلام من خلال الصوت العالي , ولعلك الآن تدرك أن جملة \" لبيك اللهم
لبيك \" صارت بديلا في الحج عن تحية السلام , فأنت تسلم بها على الجميع , وتصل
بها رحم الجميع , لذا حسن تكرارها , بل أمر بهذا التكرار من رب العزة , ورفع
الصوت حتى يعم الإخاء , والحب بين الأخوة .
زد على ذلك أن الشعار اختصار للرحلة كلها , وصهر للأفعال التي تتغاير من مكان
إلى مكان , ومن وقت إلى آخر , وكأن التكرار توكيد على أن كل هذه الأفعال التي
تؤدَّى مرادها هو : \" لبيك اللهم لبيك \", فالإحرام والطواف والسعي والوقوف
بعرفة والمبيت بمنى ورمي الجمار .... إلخ كلها تصب في هذا المعنى \" لبيك اللهم
لبيك \" فهو عملية إعلامية لها أهداف محددة , إذ ليس المقصود أن يؤدي المسلمون
شعائرهم دون توجيه رسالة إلى الناس كافة , مفادها : التوحيد(1/7)
ولكي تتحقق هذه الرسالة الإعلامية لا بد من التكرار , فالتكرار يعمل على :
أ)- جذب انتباه المستقبِل للرسالة الإعلامية ليقبل بعقله وحواسه لتلقي الرسالة
وليبتعد في الوقت نفسه عن مختلف عوامل التشويش التي تؤثر على فاعلية العملية
الإعلامية .
ب)- التأكيد على أهمية الرسالة , وقيمتها , وضرورة استيعابها , وحفظها , فليس
المقصود من علو الصوت والتكرار أن يمتلئ المكان والأجواء بالشعار , بل أن يسمع
الآخرون هذه الرسالة , كل الآخرين على وجه الأرض , لتترسخ في ضميرهم معاني
التوحيد الكامنة في لفظة \" لك \" والمكررة في الشعار , ومعاني الاتصال المباشر
بخالق كل شيء الكامنة أيضا في لفظة \" لك \" فالتلبية لك , والحمد لك , والنعمة
لك والملك لك , ولا شريك لك .
تلك هي الرسالة التي لا بد من توصيلها للكون ليتحرروا من كل عبودية إلا
عبوديتهم لله , ولا فضل ولا نعمة إلا لله , إنها رسالة تحرير البشر , والتي
ينبغي أن تصل إلى كل البشر,
لذا على الحجيج أن يرفعوا أصواتهم حتى تبح .
قال ابن العربي : وذلك أنهم كانوا يوقرون المصطفى ويمتثلون ما أمروا به من خفض
الصوت في التكبير والتسبيح في السفر فاستثنى لهم التلبية من ذلك فصاروا يرفعون
أصواتهم بها جدا
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما في الفتح كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم , وأخرج أيضا بإسناد صحيح عن بكر
المزني كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين , ولذلك أيضا جاء الشعار
بشكل بالغ الدقة من حيث كونه بسيطاً , سهل الحفظ , ذا لهجة موسيقية , مما يعكس
الرغبة في وصوله إلى كافة أهل الأرض.
ولعل ذلك كان رمزا يفهم منه توصيل هذه الرسالة في عصرنا الحاضر إلى أرجاء
المعمورة , عن طريق الفضائيات المنتشرة , وبخاصة في موسم الحج
وقد ثبتت أهمية التكرار في إقناع الناس بالآراء والأفكار المختلفة , وتثبيتها
في العقول وتركيزها في الأذهان .(1/8)
****************
ثانيا : الإيجاز :
هذا الشعار مكون من ست كلمات فقط , هي على الترتيب :
( لبيك – اللهم – شريك – الحمد – النعمة – الملك )
ولا شك أن اختيار الشعار أمر بالغ الصعوبة , حيث يستوجب تمام المناسبة بينه
وبين الجمع , وبينه وبين الحدث القائم على الأرض .
كما ينبغي فيه الإيجاز الشديد حتى يسهل على الجميع ترداده , ويحسن فيه التكرار
والعموم وسهولة اللفظ , فهذه كلها مقتضيات حال تفرض على النص إطارا خاصا , فأنت
في جمع لا يوجد مثيل له على وجه الأرض , وهو جمع تتعدد أجناسه بحيث لا تعدم
جنسا , أو لغة , أو عرقا , فحيثما بحثت عن لغة أو جنس أو عرق ستجد له طائفة ,
ثم إنك في بقعة مكانية محدودة , وفترة زمانية محدودة , ثم قبل هذا وبعده لا تنس
أن هذا الجمع الغفير جاء ليتعبد لله تعالى , ومن أول أولوياته تلاحم هذه الجموع
حتى تصير في وجودها الزماني والمكاني كالجسد الواحد , وهذا يعني أن هذه
الجموع تحتاج إلى رابط لفظي تستشعر من خلاله معاني الوحدة , كما تستشعرها في
أفعال الجسد من طواف وسعي ووقوف ورمي .
إن العيون حين تنظر إلى الجموع وهي تطوف , ثم تسعى .... إلخ تستشعر معنى
الأمة الواحدة , والجسد الواحد , لكن هذا الشعور يظل غائما حتى تصرخ به الألسنة
, فينطق العربي والعجمي هذه الكلمات التي يفهمها البعض ويجهلها البعض , وتخرج
الأصوات عالية من كل لسان لتصنع مظلة تحف الجميع , فلا يسمع إلا \" لبيك اللهم
لبيك \" وعندها يكتمل بنيان التوحد , ويرتفع صرح الأخوة شامخا , يستشعر من
خلاله كل مسلم أن الذي يقف بجواره هو أخوه , وإن تباعدت أوطانهما واختلفت
لغتهما , وتباينت ألوانهما , لكنهما في النهاية جسد واحد جمعتهما عقيدة واحدة ,
وظهر هذا التوحد في حركة الجسد بالأفعال , وصوت النشيد في التلبية .
وكان مقتضى الحال أن يوجز النشيد إيجازا شديدا , حتى يسهل على الجميع إحكامه ,
ونطقه , وحفظه.(1/9)
كما أن الإيجاز اقتضاه أيضا اعتبار الشعار عنوانا ولافتته يلتف حولها
الأفراد , ومن خصائص العناوين الإيجاز الشديد , فكلما كانت اللافتة موجزة كان
النداء بها أقوى , والتفاف الجميع حولها أسرع .
والعنوان رمز ينبغي إيجازه , حتى يُحفظ , فالعنوان هو الرسالة الإعلامية التي
تنقل إلى الناس كافة , وشأن مثل هذه الرسائل الإيجاز الشديد .
*************
ثالثا : سهولة الألفاظ :
لقد سعى كثير من العلماء إلى اختراع لغة عالمية , أرادوا من خلالها تيسير
التخاطب , والاتصال على سكان العالم , أو هكذا زعموا .
ومع أن هذه المحاولات باءت بالفشل إلا أن الفكرة التي أرادوا تحقيقها مازالت
قامة , وهي اختراع لغة سهلة تسرع إلى العقول , ويسهل حفظها , وتعلمها ,
وتعليمها , لغة قائمة على السهولة في الألفاظ , والبساطة في التراكيب , والوضوح
في الأغراض ,والذي دعاهم إلى هذا التفكير هو صعوبة التواصل عند الاجتماع , وسوء
الفهم عند الالتقاء .
وعليه فينبغي أن نستحضر هذا المقام ونحن نحلل شعار التلبية , فأنت في مقام
يجمع كل أجناس الأرض , وكل لغات الأرض , وكل ثقافات الأرض , وعليه فلا بد من
لغة مشتركة , تجمع هؤلاء على أهداف ومقاصد مشتركة , مثل التراحم , والتعاطف ,
والتواصل , والأخوة , واستشعار معنى الجسد الواحد .
وعليه جاء الشعار في ألفاظ أقرب إلى اللغة العالمية التي يسهل مرورها على
اللسان – أيّ لسان - , فتجد الغلبة للحروف الشفوية واللسانية مثل اللام والباء
والميم والنون , وهي حروف مشتركة بين جميع اللغات , مما يسهل على الجميع التلفظ
بها , وتكرارها .
وفي الوقت نفسه تجد انعدام الحروف المطبقة مثل الطاء والظاء , والضاد , وكذا
الحروف التي تحتاج إلى مهارة في النطق مثل الظاء , الثاء والذال , والخاء .
وكذا تقل فيها الحروف الحلقية بصورة ملحوظة , فالهاء ذكرت مرة واحدة , والهمزة(1/10)
مرة واحدة , وكذا الحاء والعين كل منهما مرة واحدة , وليس ذلك من قبيل المصادفة
, ولكن الشعار لغة عالمية ينبغي فيه توخي التيسير, حتى يسهل على كل لسان, ويدخل
إلى كل جنان .
المبحث الثاني
شرف المعنى في شعار الحج
( الشَّرفُ فى كل شئ بلوغه ذروة صفات كماله فى النوع الذى هو جنس فيه ، وكل جنس
ذو أنواع ، ولكل جنس صفات كمال ، فما يبلغ ذروة الاتصاف بصفات الكمال منه هو
الشريف.
فالشَّرف ليس لجنس دون جنس , بل هو مقرون ببلوغ ذروة الاتصاف بنعوت الكمال.
وشرف المعنى يقصد به بلوغ المعنى ذروته في بابه ، أي ليس مما هو في الدرك
الأسفل أو الذي على طرف التمام ، وكل معنى من المعاني، منه ما هو شريف عزيز لا
يُنال من كل طامع، ومنه ما هو دانٍ قريب .
فالشرف هنا هو علو منزلة في جنسه ، وليس لأنه من جنس ما من المعاني ، وهو شرف
منزلة لا شرف جنس ونوع ، .... فالمعاني الشريفة هي ما قابل المعاني الدانية
القريبة ، وهي في باب معاني الشعر: المعاني الجمهورية التي تلامسها أنامل
العامة والدهماء . )
وعلى هذا تستطيع أن تقول إن الشرف هنا له وجهان :
الأول : بلوغه التمام في جنسه .
والآخر : بلوغه التمام في تصويره .
والتلبية في جوهرها إعلان صريح من العبد بتمام الاستجابة لنداء الله تعالى
,وهذا الإعلان ممزوج بصدق الإحساس , ويبرهن عليه تحمل لأواء السفر , وترك الوطن
, والإتيان بأفعال تنم عن الانقياد التام .
وحين تنعتق النفوس من قيود الحس الإنساني , وتنطلق إلى رحابة الملكوت الرباني ,
فإن ذلك برهان واضح على استيلاء المعني الشريف عليها , وامتزاجها به حتى رأت
طاقة النور التي تمثل لها بوابة الخلاص .
إن شرف المعنى الكامن في التلبية يربط بين مكونات الحياة , ومكونات الروح ,
ويصهر ذلك كله في شيء واحد يجعل الجسد يتحرك منقادا لهذا النداء العلوي ,
فلا يملك إلا أن يقول :\" لبيك اللهم لبيك \".(1/11)
لكن هذا المعنى الشريف حين يُردد , ويملأ الأرض يشعرك بأنه قادم من عالم آخر
غير هذا العالم المحسوس , بل إنك تستحضر عند ترداده بالجلال والبهاء , وترى ذلك
في الإحكام في صنعته , والحذق والنجابة في تركيبه , فالمبنى لا يقل شرفا وعلوا
عن المعنى , والرفعة والسمو في التركيب لا تقل بحال عن الكمال والشرف في
المقصود , فكأن المعنى والمبنى قد أحيطا بسياج من النبل والشرف , فلا يرى القلب
تركيبا أصفى , ولا معنى أوفق لهذا المقام من هذا المعنى ومن هذا التركيب ,
وحين يقول الإمام عبد القاهر – رحمه الله – ( إن لكل نوع من المعاني نوعا من
الألفاظ , هو به أخص وأولى , وضروبا من العبارة هو بتأديته أقوم وهو فيه أجلى
) فإنك واجد ذلك في ألفاظ التلبية وتراكيبها , فالمبنى والمعنى هنا من بيان
الوحي , وليس من بيان البشر .
والذي يشغل البحث ليس معنى المفردات , وإنما مقصود النص , وغايته , والمراد منه
, لأن ذلك بلا شك هو الذي يرسم صورة الكلام ويشكل إطاره , ويرسم ألوانه , ويحدد
عناصره , وحين نمسك بغاية الشعار ومراده , أو على الأقل حين نقترب منه , أو
نراه عن بعد سيبدو بجلاء روعة التعبير , وأوجه اصطفاء اللفظ , وعلة الصورة
التركيبية فيه , وسبب الاقتصار على الحمد , والنعمة , والملك , ونفي الشريك عدة
مرات , صراحة أو ضمنا . . إلخ
فما الذي يبتغيه الحاج من الجؤار بهذا الشعار ؟
وما هي الروح السارية فيه , والتي يلح عليها بالتكرار صباح مساء ؟
إن ( الْمَقْصُودُ مِنْ التَّلْبِيَةِ إنما هو إظْهَارُ الْإِجَابَةِ ,
وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ
, أَلاتَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ : يَا فُلَانُ , فَإِجَابَتُهُ تَارَةً تَكُونُ
بِلَبَّيْكَ , وَتَارَةً بِالْحُضُورِ وَالِامْتِثَالِ بَيْنَ يَدَيْهِ)
وحين تنظر إلى كلام علمائنا تجد أنهم وضَّحوا معاني الألفاظ , ولم ينظروا إلى(1/12)
الشعار كله دفعة واحدة , ونظروا في المفردات , وابتعدوا عن غاية النص , أو على
الأقل : الهدف منه , فكل نص له غاية يرمي إليه , وإذا غابت هذه الغاية عن
القارئ ضل طريقه في معرفة البلاغة من وراء اصطفاء اللفظة , وموقعها , وعلاقاتها
,مما يعني أن الوصول إلى غاية النص هو المفتاح الرئيس لفقه بلاغته.
وحج بيت الله تعالى ملحمة تعبدية يُدعى لها كلُّ مستطيع من المسلمين , فيأتون
من كل مكان ليرسموا لوحة مصغرة من مشهد الحشر الأعظم .
أعيد هذا ثانية : إنهم يرسمون لوحة مصغرة من مشهد الحشر الأعظم .
إنهم يقومون ببيان عملي للرحلة الآخرة والتي تنتهي بالبشر إما إلى الجنة ,
وإما إلى النار .
لاحظ هذا إن التلبية شعار الحج , ولكل جمع شعار ,فشعار الناس يوم القيامة :
\" لا إله إلا الله \" و طلب العفو والمغفرة ,وشعار الأنبياء : رب سلم سلم ..)
فالكل يجأر يوم القيامة بطلب العفو , وكذلك الكل يجأر في الحج بالتلبية حتى تبح
الأصوات , وغايتهم جميعا رضى الله تعالى , ومحو ما سبق من ذنوب وخطايا . إذن
الغاية من التلبية هي النجاة,كما أن الغاية من الصراخ يوم القيامة هي النجاة .
فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعَارُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصِّرَاطِ رَبِّ
سَلِّمْ سَلِّمْ .... وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ رَبِّ
سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ )
وعن عبد الله رضي الله عنه ، ( وإن منكم إلا واردها ) قال : « الصراط على جهنم
مثل حد السيف فتمر الطائفة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود
الخيل ، والرابعة كأجود الإبل والبهائم ، ثم يمرون والملائكة تقول : رب سلم سلم
»
لا حظ هنا أن الكل يقول : رب سلم سلم , الناس , والأنبياء , حتى الملائكة .
وكذلك الحال في الحج , فالكل قادم إلى الله تعالى متجردا من الدنيا , طامعا في(1/13)
العفو , مستجديا من ربه الصفح , مقرا بذنبه , حاملا له على عنقه , راجيا عفو
ربه .
ذاك هو مقصود كل حاج , وغاية كل زائر , ومطمح كل قادم , لذا يساقون سوقا إلى
مشاعر أشبه ما تكون بمواقف القيامة حين يأتي الناس إلى الله يرجون رحمته
ويخافون عذابه .
فيُعلَّمون ماذا يقولون , وكيف يقولون , وكأنما رحمة الله تعالى توجههم إلى هذا
الشعار , فهو مفتاح القبول , وبوابة الوصول , والمدخل إلى رحمة الغفور ,
لاينبغي لأحد أن يبتدع هنا كلاما , ولا يجوز لأحد أن يؤلف هنا نظاما , فما دمت
قد جئت , فدع ربك يعلمك ماذا تقول , وكيف تقول حتى يصفح عنك , ويرفع عنك ,
ويحمل عنك كل ما جئت حاملا له من خطايا .
وأول الصفح إقرار منك , وإبراز لضعفك وحاجتك , وتوكيد على الطاعة , الطاعة
التي لا تتوقف عند شيء , بل هي طاعة كاملة فابدأ بها لذا قل \" لبيك \" وكرر
فقل \" لبيك \"
والطاعة الكاملة ليست لكل أحد , بل هي لله الواحد الأحد , فأكد هذا المعنى وقل
\" لبيك لا شريك لك لبيك \" ويؤكد على هذا مارواه مكحول , قال : ( التلبية شعار
الحج فأكثروا من التلبية عند كل شرف وفي كل حين ، وأكثروا من التلبية
وأظهروها.)
إنه إظهار للضعف , وإبراز للطاعة , وصراخ بالتضرع , وإسماع للبشر والشجر والحجر
بأن هذا الإنسان مقر ومعترف بالذنب , ومقر ومعترف بوحدانية الله تعالى ,
وامتلاكه لكل شيء , فليسمع الكون هذا , وليشهد الجميع عليه .
لكن العجيب في الأمر أن شعار التلبية لا يصرح فيه بالمطلوب , فلم يقل فيه مثلا
: اللهم اعف عنا , ولم يطلب فيه مغفرة , ولم يسأل أحد فيه الجنة , إنه خضوع
وثناء فقط , خضوع كامل لله تعالى , وثناء كامل لله تعالى , والخضوع متمثل في
تتابع جملة \" لبيك لبيك لبيك \" والثناء متمثل في جملة \" لا شريك لك , وجملة
\" إن الحمد والنعمة لك والملك \"
فما هو طلبكم ؟ وماذا تريدون ؟ لم يقل أحد !!!!
إنه فقط خضوع وثناء .(1/14)
ليس لأن العباد لا يريدون شيئا , ولكن لأن رب العباد يعلم ما هو أولى لمن جاء
خاضعا لرب الكون , لذلك يباهي بهم الملائكة ويشهدهم على غفرانه لذنوبهم .
وهذا هو المراد , وتلك هي الغاية – كما أفهمها – ولعلك تلحظ معي أن الرعاية
الإلهية هي التي توجه هنا , وهي التي تأخذ بيد العبد القادم من بعيد على ربه
لتدخله عليه سبحانه حتى يقبله , فتعلمه ماذا يقول , وبم يبدأ وبم يثني , وما
طبقة الصوت التي يقول بها ؟ ومتى يبدأ بالصدع , ومتى ينتهي , ..... إلخ
ولقد ( كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ مِنْ التَّلْبِيَةِ
وَقَالَ أَنَسٌ سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهَا )
أرأيت ؟
إنهم يصرخون بها , إنها قوانين ونظم القبول , وشروط ومبادئ الوصول , ولا بد
للجميع من رفعها , والإلحاح بها , أعني :
( الإقرار بـ\" الطاعة , والتوحيد والحمد , والنعمة , والملك \" )
ولعلك تلحظ في دائرة هذا المعنى أسلوب القصر الذي ينتشر بين جنبات الشعار
ولكنه غير اصطلاحي , حيث يفهم من كل جملة معنى القصر, دون وجود الأدوات والطرق
الاصطلاحية , فالتلبية له وحده , وليست لغيره , والحمد له وحده وليس لغيره ,
والنعمة له وحده , وليست لغيره , والملك له وحده , وليس ذلك كله لأحد غيره ,
فالإفراد والتوحيد ليس مقصورا على ألوهيته سبحانه , ولكنه يشمل إفراده بالحمد
والنعمة والملك .
نخلص من كل ذلك أن مقصود الشعار , هو مقصود الحج , وكل منهما صورة مصغرة لما
يكون عليه الناس يوم القيامة , فالمقصود الأعظم للمَوقِفَين هو النجاة ,
والخلاص .
وحين تريد الخلاص فعليك بالاستجابة الكاملة , وعليك بالاعتراف الكامل , وهذا ما
يرسخه هذا الشعار , الاستجابة الكاملة , والاعتراف الكامل بالعبودية لله تعالى
, والتوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة , ومن هنا استحق هذا الشعار أن يوضع في(1/15)
أعلى مراتب الشرف دلالة وصياغة .
المبحث الثالث
التحليل البياني للمفردات والمباني
**************
لبيك
ثبت في صحيح السنة أنه ( \" لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ
بِنَاء الْبَيْت قِيلَ لَهُ أَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ ، قَالَ : رَبِّ
وَمَا يَبْلُغ صَوْتِي ؟ قَالَ : أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغ .
قَالَ فَنَادَى إِبْرَاهِيم : يَا أَيّهَا النَّاس كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ
إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق ، فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض ،
أَفَلَا تَرَوْنَ أَنَّ النَّاس يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْض يُلَبُّونَ
\"
وَ في حديث اِبْن عَبَّاسِ \" فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي أَصْلَاب
الرِّجَال ، وَأَرْحَام النِّسَاء . وَأَوَّل مَنْ أَجَابَهُ أَهْل الْيَمَن ،
فَلَيْسَ حَاجٌّ يَحُجّ مِنْ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَنْ تَقُوم السَّاعَة إِلَّا
مَنْ كَانَ أَجَابَ إِبْرَاهِيم يَوْمَئِذٍ \"
قَالَ اِبْن الْمُنَيِّرِ فِي الْحَاشِيَة : وَفِي مَشْرُوعِيَّة التَّلْبِيَة
تَنْبِيه عَلَى إِكْرَام اللَّه تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِأَنَّ وُفُودهمْ عَلَى
بَيْته إِنَّمَا كَانَ بِاسْتِدْعَاءِ مِنْهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى .)
وهذا الحديث يذكرك قبل كل شيء بأن هناك استدعاء , وهذا الاستدعاء صادر من جهة
عليا , مما يتطلب الخضوع للأمر , وسرعة الاستجابة , والحضور بالنفس حال
الاستطاعة , ثم الالتزام بمراسم اللقاء , وآدابه , وشروطه إلى آخر ما تستحضره
الذاكرة حين تسمع الاستدعاء .
وترى ذلك كله في اصطفاء هذه اللفظة \" لبيك \" , وهي من المصادر التي لا أفعال
لها , ووضعت على التثنية للمبالغة , أو للتكثير
وذلك مظهر الخضوع الكامل للاستدعاء , كما أن هذه اللفظة تحمل دلالة الآنية ,
والمباشرة في الاستجابة , وكأن (« معنى التلبية ها أنا إذ , جئتك سريعا ، ها
أنا ذا عندك )(1/16)
وفي كاف الخطاب استحضار للحضرة الربانية أثناء النطق بالتلبية , وهذا الحضور
يضفي على الأجواء قداسة ورهبة تستشعرها القلوب , فتزداد مع كل تلبية خضوعا وذلا
, كما تزداد شوقا وحبا , ورجاء في استدامة اللقاء فتظل النفس تردد \" لبيك \"
لما تستشعره من لذة القرب الكامن في كاف الخطاب .
و(اختلفوا في معنى \" لبيك \" واشتقاقها ، فقيل :
! -معناها :اتجاهي وقصدي إليك ،مأخوذ من قولهم:داري تلب دارك أي تواجهها.
2 - وقيل معناها محبتي لك مأخوذ من قولهم :امرأة لبة ، إذا كانت محبة لولدها.
3 - وقيل معناها : إخلاصي لك مأخوذ من قولهم : حب لباب ، إذا كان خالصاً
محضاً.
4 - وقيل معناها : أنا مقيم على طاعتك ، وإجابتك , مأخوذ من قولهم : لب الرجل
بالمكان.
5 - وقيل في لبيك : أي قرباً منك ، وطاعة ، والإلباب : القرب .
6 - وقيل : معناه أنا ملب بين يديك أي خاضع .)
فالكلمة تحمل في رحمها كل هذه المعاني ( القصد , والحب , والإخلاص , والدوام ,
والخضوع ) .
وكلها معان كامنة في قلب الحاج , وروحه حين يقدم على ربه سبحانه , والكلمة بنيت
على صيغة التثنية ,ولم تُسمع بالإفراد ولا بالجمع , فهي من الألفاظَ
(الْمُلْتَزَم نَصْبها عَلَى الْمَصْدَر ، كَقَوْلِهِمْ : حَمْدًا , وَشُكْرًا
, وَكَرَامَة , وَمَسَرَّة , وَالْتَزَمُوا تَثْنِيَته إِيذَانًا بِتَكْرِيرِ
مَعْنَاهُ وَاسْتِدَامَته , وَالْتَزَمُوا إِضَافَته إِلَى ضَمِير الْمُخَاطَب
لَمَّا خَصُّوهُ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي . وَقَدْ جَاءَ إِضَافَته إِلَى ضَمِير
الْغَائِب نَادِرًا ....
وَالتَّثْنِيَة فِيهِ كَالتَّثْنِيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ اِرْجِعْ
الْبَصَر كَرَّتَيْنِ } الملك 4
وَقَالَ يُونُس : هُوَ مُفْرَد ، وَالْبَاء فِيهِ مِثْل عَلَيْك وَإِلَيْك
وَلَدَيْك ......
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ النُّحَاة : أُصَلِّ الْكَلِمَة لُبًّا لُبًّا ، أَيّ(1/17)
إِجَابَة بَعْد إِجَابَة ، فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ تَكْرَار الْكَلِمَة ،
فَجَمَعُوا بَيْن اللَّفْظَيْنِ لِيَكُونَ أَخَفْ عَلَيْهِمْ ، فَجَاءَتْ
التَّثْنِيَة وَحَذَفَ التَّنْوِين لِأَجَلِ الْإِضَافَة .
( إَنَّ قَوْلك \" لَبَّيْكَ \" يَتَضَمَّن إِجَابَة دَاعٍ دَعَاك وَمُنَادٍ
نَادَاك ، وَلَا يَصِحّ فِي لُغَة وَلا عَقْل إِجَابَة مِنْ لَا يَتَكَلَّم
....
وهذا يعني أن تكرار التلبية على كل شرف , تكرار النداء , والدعوة , فكلما قال
الحاج : \" لبيك \" استحضرت النداء والدعوة , فيظل الحاج في حالة إجابة , ويظل
السياق حاملا صوت النداء من رب العالمين , وهذا بلا شك يجعل الحاج في معية
دائمة , وحضور مستمر للحضرة الإلهية , فالنداء لا ينقطع , كما أن التلبية لا
تنقطع .
وكأنك تسمع مع كل تلبية نداء الله على عباده , وكذلك تسمع مع كل نداء من الله
تعالى إجابة الدعوة \" لبيك اللهم \" ... ولايُقَال :\" لَبَّيْكَ \" إِلا
لِمِنْ تُحِبّهُ وَتُعَظِّمهُ ، وَلِهَذَا قِيلَ فِي مَعْنَاهَا : أَنَا
مُوَاجِه لَك بِمَا تُحِبّ .
كما أن الكلمة تَتَضَمَّن اِلْتِزَام دَوَام الْعُبُودِيَّة ، وَلِهَذَا قِيلَ
: هِيَ مِنْ الْإِقَامَة ، أَيّ أَنَا مُقِيم عَلَى طَاعَتك , و تَتَضَمَّن
الْخُضُوع وَالذُّلّ ، أَيّ خُضُوعًا بَعْد خُضُوع ، مِنْ قَوْلهمْ . أَنَا
مُلَبٍّ بَيْن يَدَيْك ، أَيّ خَاضِع ذَلِيل .
كما تَتَضَمَّن الْإِخْلَاص ، وَلِهَذَا قِيلَ . إِنَّهَا مِنْ اللُّبّ ،
وَهُوَ الْخَالِص .
لكن الأعلى والذي لا ينبغي أن يغيب أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْإِقْرَار بِسَمْعِ
الرَّبّ تَعَالَى ، إِذْ يَسْتَحِيل أَنَّ يَقُول الرَّجُل لَبَّيْكَ لِمِنْ لا
يَسْمَع دُعَاءَهُ مما يعني التَّقَرُّب مِنْ اللَّه ، وَلِهَذَا قِيلَ .
إِنَّهَا مِنْ الْإِلْبَاب ، وَهُوَ التَّقَرُّب ..)(1/18)
ووضع سيبويه لفظة التلبية تحت عنوان : ( باب ما يجيء من المصادر مثنى منتصبا
على إضمار الفعل المتروك إظهاره , وقال : إنهم حذفوا الفعل لأنه صار بدلاً
منه . )
ولا شك أن المصدر حين ينوب عن الفعل , فإن اللفظ يتخلص من كل شيء ليصير
المعنى خالصا دائما , محررا من جميع القيود , محررا من الزمان , ومن المكان
, بل ومن الفعل النائب عنه , لأنه من المصادر التي لا أفعال لها , فتصير
الاستجابة دائمة لا تنقطع أبدا .
أما لفظة ( اللهم ) :
( فأصلها \" يا الله \" والميم المشددة عوض عن حرف النداء , وقيل عوض عن جملة
محذوفة تقديرها : \" يا الله أمنا بخير , وقيل إن الميم زيدت للمبالغة , وقيل
إنها دالة على الجمع , والمعنى هو : يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى , فكأن من
قال : اللهم قد سأل الله تعالى بجميع أسمائه .)
يقول ابن القيم : ( إن الميم كحرف شفهي تدل على الجمع وتقتضيه , فالناطق به يضم
شفتيه , ووضعته العرب حيث أرادت الجمع , كما في \" هو , وهم , وانت , وأنتم ,
وإياك , وإياكم \"
والألفاظ التي فيها الميم في آخرها خاصة تجد الجمع معقودا بها , مثل : \" لمّ
الشئ يلمّه , وتمّ الشئ يَتم\" , تماما , وجمّ الماء , وزمّ شفتيه , وهذان
توأمان .
فمن سمات الميم آخرا الدلالة على الجمع .
وكذلك الميم المشددة في \" اللهم \" حيث ألحقت بالاسم الأعظم الذي يسأل به في
كل حال وحاجة , إيذانا بجمع أسمائه وصفاته فالداعي مندوب إلى أن يسأله تعالى
بأسمائه وصفاته على قدر علمه بها \" ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها \" سواء
كان دعاء عبادة , أو دعاء مسألة ,ومن ثم كان لفظ \" اللهم \" دالا على مجمع
الدعاء)
( فلفظة \" اللهم \" تجمع بين أمرين :
الأول : التعويض عن حرف النداء .
والآخر : الدلالة على الجمع والتعظيم .
وكأن العرب في تعويضهم عن \" يا \" اختاروا حرفا يؤدي مهمة التعويض , ومهمة
الدلالة على الجمع والتعظيم , لتتكاثر عطاءات الصيغة .)(1/19)
واصطفاء لفظ الألوهية دون أن يقال مثلا \" لبيك ربنا \" يرجع – كما أرى – إلى
أن السياق سياق تمجيد , واعتراف وإقرار بالوحدانية , وإشارة إلى جميع الأسماء
الحسنى, وهذا كله لا تجده إلا في لفظ الألوهية .
لا شريك لك :
( الشريك ثلاثي الأصل من الشين والراء والكاف ..... يدلُّ على مقارنَة
وخِلاَفِ انفراد , وهو أن يكون الشيءُ بين اثنين لا ينفردُ به أحدهما , فيقال :
شاركتُ فلاناً في الشيء ، إذا صِرْتَ شريكه , وأشركْتُ فلاناً ، إذا جعلتَه
شريكاً لك , قال الله جلَّ ثناؤهُ في قِصَّةِ موسى: {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي}
طه 32
ويقال في الدُّعاء: اللهم أشرِكْنا في دعاء المؤمنين، أي اجعلنا لهم شركاءَ في
ذلك، وشَرِكتُ الرَّجُلَ في الأمرِ أشْرَكُه.)
و أحيطت جملة نفي الشريك بأربع كلمات تلبية لاحظ هذا :
لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك
وكأنها رحم أثمر هذه الفروع , فالأصل في الشعار إثبات الوحدانية لله تعالى ,
سواء وحدانية العبودية المتمثل في لفظة لبيك , أو وحدانية الألوهية المتمثل في
جملة لا شريك لك , والذي لا شك فيه أن توحيد الربوبية أصل , وجذر يتفرع عنه
توحيد الألوهية , وكأن المعنى هو :
لأنه لاشريك لك , ولا إله غيرك , فلقد وجبت التلبية لك , والحمد لك , والنعمة
لك , والملك لك .
فجملة \" لا شريك لك \" هي الأصل , وهي النبع الذي تفرعت منه باقي الجداول ,
وهي ما يراد توصيله للناس كافة , ولذلك ختم به الشعار لأنه ملخص النشيد ,
وغايته , ومقصوده .
وكمال الاستجابة في الإقرار بالوحدانية من خلال نفي الشريك .
وهنا يثار استفهام , مفاده : لم قيل \" لا شريك لك \" ولم يُقل \" وحدك \" وما
الفرق بين أن تقول : \" لبيك وحدك \" , وأن تقول: \" لبيك لا شريك لك \" .وأن
تقول : \" لبيك وحدك لا شريك لك \" .
وأزيد ذلك وضوحا , فأقول : إن الوحدنية تنافي الشرك , ولكن متى يقال : وحده ,
ولا يصح إضافة \" لا شريك له \"(1/20)
ومتى يقال \": لا شريك له \" دون البدء بلفظة \" وحده \" ؟
ومتى يجمع هذا وذاك ؟
ولعل الوجه في ذلك أن إثبات الوحدانية دون جمعها مع نفي الشريك يفتح الباب لفهم
المبالغة , دون الاقتصار حقيقة على التفرد , و لعلك تذكر كلمة سيدنا أبي بكر في
غزوة أحد حين قال : \" هذا يوم كله لطلحة \" وسيدنا طلحة لم يقاتل وحده يوم أحد
, لكن نسب له الأجر وحده لما أبلاه في هذا اليوم , وصده الكفار عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
فالاقتصار على لفظة \" وحده \" تعني في الغالب إبراز أهمية الدور , ولا تعني
مطلقا نفي الشريك , ولذلك اقتصر على هذا اللفظ في حديث فتح مكة فلقد روى الإمام
أحمد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ نَصَرَ عَبْدَهُ
وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ .
وتلحظ هنا أنه لم يذكر \" لا شريك لك \"
فنصرته لعبده , وهزيمة الأحزاب كانت قضاء الله تعالى وقدره , ولكنها في الوقت
نفسه تمت بأسباب صنعها المسلمون , كي تتحقق أقدار الله تعالى , فقيل \" وحده
نصر عبده وهزم الأحزاب وحده \"
أما نفي الشريك فإنه يتضمن بالضرورة إثبات الوحدانية , لكن هناك أعمال قلوب ,
وأعمال جوارح , والشأن في الحج ألصق بأعمال القلوب , وأقرب إلى توجه النفوس إلى
الله تعالى , وهذا مما تتداخل فيه نوازع النفس , ووساوس الشياطين , فكان
الاقتصار على نفي الشريك لأنه لا يدعي أحد أن الحج لغير الله تعالى , وفي الوقت
نفسه لا تسلم النفوس من إشراك غير الله في الأمر , فكان الإلحاح عليه بتخليصه
لله وحده , ونفي الشريك فقيل : \" لا شريك لك \"
وفي سياقات كثيرة جمع فيها بين لفظة \" وحده \" وجملة \" لا شريك له \" وذلك
نحو : \" قول َ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُبُرِ
كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ(1/21)
لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا
يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)
وقوله \" مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ
اللَّهِ وَرَسُولُهُ ,وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ , وَرُوحٌ مِنْهُ
, وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ , أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى
مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ \"
وقوله \" مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ
مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ
حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ
الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ
مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ \"
ولعلك تبينت من خلال السياقات الواردة في كل نص أن لفظة \" وحده \" تأتي وقد
سبق إلى الوهم إمكانية اشتراك أحد من البشر مع الله تعالى في حدوث الفعل وهذا
واضح في مقام النصر على الأحزاب , فالأمر أمر قتال والمقاتلون هنا هم البشر
وحصول النصر ينسب عند العامة إلى البشر , أو على الأقل ينسب إلى الله تعالى
قضاء , وإلى البشر أسبابا , فكان الأليق هنا هو نسبة النصر على الأحزاب إلى
الله وحده , فجاءت لفظة وحده لتناسب هذا السياق , أعني سياق الأفعال الظاهرة
للعيان , الشاخصة للأبصار .
أما نفي الشريك دون ذكر لفظ \" وحده \" فجاء في سياق التوجه بالقلب , وإفراده
بالقصد , واختصاصه بالنية في الحج , فالأفعال التي في الحج لا تبدوا حكمتها –(1/22)
غالبا – للعقل , لكنها تؤدى طاعة واستجابة لله , فالسياق هنا سياق قصد ونية .
وجملة نفي الشريك جاء النفي فيها بـ\" لا \" (وهي تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير
تنوين، ونصبها لما بعدها كنصب إن لما بعدها , وترك التنوين لما تعمل فيه لازم ،
لأنها جُعلت وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد نحو خمسة عشر؛ وذلك لأنها لا تشبه
سائر ما ينصب مما ليس باسم، وهو الفعل وما أجري مجراه ، لأنها لا تعمل إلا في
نكرة ، و\" لا \" وما تعمل فيه في موضع ابتداء ، فلما خولف بها عن حال أخواتها
خولف بلفظها كما خولف بخمسة عشر.)
( والمنفي بلا قد يكون :
1 - وجود الاسم نحو : لا اله الا الله , والمعنى لا اله موجود أو معلوم إلا
الله .
2 - وقد يكون النفي بـ\" لا \" نفي الصحة ,وعليه حمل الفقهاء لا نكاح الا
بولي.
3 - وقد يكون لنفي الفائدة والانتفاع والشبة ونحوه , نحو : لا ولد لي ولا مال ,
أي : لا ولد يشبهني في خلق أو كرم , ولا مال انتفع به .
4 - وقد يكون لنفي الكمال , ومنه : لا وضوء لمن لم يسم الله ..... )
وهذه المعاني كلها لو صحت فإنها تؤول إلى نفي الوجود , فما دام الشريك غير صحيح
, أو لا ينفع , ولا يفيد , وليس له صفات الكمال , ولا يملك , بل هو مملوك , فلا
يستحق أن يكون شريكا , فكل هذه الدلالات تؤدي إلى نفي وجود الشريك , وفي هذا رد
على شعار العرب قبل الإسلام , حيث كانوا يقولون كما جاء في صحيح مسلم : (:
لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ , قَالَ : فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : \" وَيْلَكُمْ , قَدْ قَدْ \" فَيَقُولُونَ :
إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ , تَمْلِكُهُ , وَمَا مَلَكَ .
يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ .
وقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ قَدْ ) : رُوِيَ
بِإِسْكَانِ الدَّال وَكَسْرهَا مَعَ التَّنْوِين ، وَمَعْنَاهُ : كَفَاكُمْ(1/23)
هَذَا الْكَلَام فَاقْتَصِرُوا عَلَيْهِ وَلَا تَزِيدُوا ،.......أي : :
اِقْتَصِرُوا عَلَى قَوْلكُمْ : ( لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك ) . )
فكأن التلبية مظنة الإشراك , فقيل : \" لا شريك لك \" وأعيد التنصيص عليها حيث
ختم بها للرد على فعل أهل الجاهلية .
فتح همزة \"إن\" وكسرها
قال العلماء : ( فِي \" إِنَّ \" وَجْهَانِ : فَتْحهَا وَكَسْرهَا ، فَمَنْ
فَتَحَهَا تَضَمَّنَتْ مَعْنَى التَّعْلِيل ، أَيْ لَبَّيْكَ فالْحَمْد
وَالنِّعْمَة لَك ، وَمَنْ كَسَرَهَا كَانَتْ جُمْلَة مُسْتَقِلَّة
مُسْتَأْنَفَة ، تَتَضَمَّن اِبْتِدَاء الثَّنَاء عَلَى اللَّه ، وَالثَّنَاء
إِذَا كَثُرَتْ جُمَله وَتَعَدَّدَتْ كَانَ أَحْسَن مِنْ قِلَّتهَا ، وَأَمَّا
إِذَا فُتِحَتْ فَإِنَّهَا بِلَامِ التَّعْلِيل الْمَحْذُوفَة مَعَهَا قِيَاسًا
، وَالْمَعْنَى : لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْد لَك .
وَالْفَرْق بَيْن أَنْ تَكُون جُمَل الثَّنَاء عِلَّة لِغَيْرِهَا وَبَيْن أَنْ
تَكُون مُسْتَقِلَّة مُرَادَة لِنَفْسِهَا ،أن مَنْ قَالَ : \" إِنَّ \"
بِالْكَسْرِ فَقَدْ عَمَّ ، وَمَنْ قَالَ : \" أَنَّ \" بِالْفَتْحِ فَقَدْ
خَصَّ .
وَنَظِير هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَالتَّعْلِيلَيْنِ وَالتَّرْجِيح سَوَاء
قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَنْ الْمُؤْمِنِينَ { إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْل
نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرّ الرَّحِيم } كَسْر \" إِنَّ \" وَفَتْحهَا .
فَمَنْ فَتَحَ كَانَ الْمَعْنَى : \" نَدْعُوهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَرّ
الرَّحِيم \" وَمَنْ كَسَرَ كَانَ الْكَلَام جُمْلَتَيْنِ ، إِحَدهمَا قَوْله
\" نَدْعُوهُ \" ، ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ فَقَالَ \" إِنَّهُ هُوَ الْبَرّ
الرَّحِيم .
قَالَ أَبُو عُبَيْد \" : وَالْكَسْر أَحْسَن ، وَرَجَّحَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ
.)
كما أن الكسر في الشعار – كما أرى أحسن – لأن في الكسر عموم الحمد والنعمة لله(1/24)
تعالى , وليست التلبية مسببة عن الحمد .
كما أن الشعار قائم أغلبه على الفصل بين الجمل , و واو العطف في الشعار وردت
مرتين عطفت في المرة الأولى مفردا على مفرد , وذلك في \" إن الحمد والنعمة لك
\"
وفي المرة الثانية جملة على جملة وذلك في \" لك والملك \" , أي : الحمد لك ,
والملك لك .
ولا يعني هذا تعدد الجمل في الشعار , بل إن الفصل بين الجمل يجعل من الشعار
جملة واحدة , حيث يرتبط ارتباطا داخليا , لأن كل جملة فيه بيان , أو توكيد , أو
بدل من الأخرى , والوصل بين جملتي \" إن الحمد والنعمة لك \" و \" الملك \" أي
والملك لك يزيد من هذا الاتحاد لأن القضية إثبات خاص لامتلاكه سبحانه للملك ,
وهو امتلاك قدرة وجلال ,أما امتلاكه الحمد والنعمة فهو استحقاق فضل وجمال .
\" الحمد والنعمة والملك \" اصطفاءً وترتيباً
جرى الثناء على الله تعالى بهذه الأشياء الثلاثة \"إثبات الحمد , والنعمة ,
والملك \"
وتدور في الأذهان عدة استفهامات , منها :
ما وجه خلو الشعار من السؤال الصريح ؟.
ما وجه اصطفاء هذه الصفات الثلاث دون غيرها.؟
ما وجه الترتيب بينها .؟
ما وجه الجمع بين الحمد والنعمة , ثم إفراد الملك .؟
ما وجه الختام بجملة \" لا شريك لك \" ؟
أما وجه خلو الشعار من السؤال , فلأن المقام – كما يظهر – مقام قدوم على الله
تعالى , ولا يستحسن التعجيل بالسؤال أول القدوم , بل الأولى في بداية القدوم
على الملوك – ولله المثل الأعلى - تقديم فرائض الطاعة والخضوع , والثناء الحسن
الجميل , ومازال في الوقت متسع , وسؤال الحاجات له مواطنة , وأوقاته , مثل
الطواف , وبخاصة عند الملتزم , ويوم عرفه , وبعد رمي الجمار أيام التشريق ,
وغير ذلك من المواطن التي يستحب فيها السؤال , أما الشعار فالمقام فيه مختلف ,
إنه مفتاح الدخول على الله تعالى , وتقديم فرائض الخضوع والطاعة , ولا مجال
ساعتها لطلب الحاجات .(1/25)
أما اصطفاء هذه الأمور الثلاثة دون غيرها , فمن البداية نتذكر أن الحمد مرتبط
بالنعمة , فالبداية نعمة تستوجب الحمد .
كما أن الحمد يشرع عند تمام الأمور , فلما كان الحج مرة واحدة في العمر ,
وغالبا ما يكون عند استشعار قرب نهاية الحياة , كان مجيء الحمد في التلبية
إقراراً بأن ما مضى نعم تتلوها نعم , وعطاء يتبعه عطاء .
زد على ذلك أن الحمد والنعمة متلازمان , لكن قُدِّم ذكر الحمد على ذكر النعمة
إشعارا بوجوبه لذاته , سواء ذكرت النعمة أم لم تذكر , وفي ذلك من الثناء على
الله ما فيه .
كما أن من لوازم القدوم على الله تعالى بعد الإقرار بالوحدانية , وبتمام الخضوع
, الإقرار أيضا بأن العطاء في جميع صوره من الله وحده , وإذا كان الشعار رسالة
ينبغي على الكون كله أن يسمعها , فلابد أن تختزل هذه الرسالة في أقل شيء ألا
وهو توحيد الربوبية المتمثل في جملة \" لا شريك لك \" وتوحيد الألوهية المتمثل
في إثبات الطاعة , وكمال الحمد .
فجميع صور العبودية لله تعالى يعبر عنها بالحمد , أما إثبات النعمة والملك فهي
من قبيل التعليل , والبرهان على أحقيته سبحانه بالحمد , فمادامت النعمة كلها له
, والملك كله له فعلى كل عاقل أن يذل له ويخضع . ولو أنك تفكرت في جميع أسماء
الله تعالى وصفاته لوجدتها ترجع إلى واحد من هذه الثلاث ( الحمد والنعمة والملك
) لذلك اقتصر عليها .
أما ( اجتماع الملك والنعمة والحمد لله عز وجل فإنه نوع آخر من الثناء عليه –
سبحانه – غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف , فله سبحانه من العُلا نوعا ثناء :
1 - نَوْع مُتَعَلِّق بِكُلِّ صِفَة عَلَى اِنْفِرَادهَا .
2 - وَنَوْع مُتَعَلِّق بِاجْتِمَاعِهَا , وَهُوَ كَمَال مَعَ كَمَال وَهُوَ
عَامَّة الْكَمَال وَاَللَّه سُبْحَانه يُفَرَّق فِي صِفَاته بَيْن الْمُلْك
وَالْحَمْد ، وَسَوَّغَ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اِقْتِرَان أَحَدهمَا
بِالْآخَرِ مِنْ أَعْظَم الْكَمَال .(1/26)
فَالْمُلْك وَحْده كَمَال ، وَالْحَمْد كَمَال , وَاقْتِرَان أَحَدهمَا
بِالْآخَرِ كَمَال ، فَإِذَا اِجْتَمَعَ الْمُلْك الْمُتَضَمِّن لِلْقُدْرَةِ
مَعَ النِّعْمَة الْمُتَضَمِّنَة لِغَايَةِ النَّفْع وَالْإِحْسَان
وَالرَّحْمَة مَعَ الْحَمْد الْمُتَضَمِّن لِعَامَّةِ الْجَلَال وَالْإِكْرَام
الدَّاعِي إِلَى مَحَبَّته ، كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعَظَمَة وَالْكَمَال
وَالْجَلَال مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ وَهُوَ أَهْله , ....
وَنَظِير هَذَا اِقْتِرَان الْغِنَى بِالْكَرَمِ ، كَقَوْلِهِ : { فَإِنَّ
رَبِّي غَنِيّ كَرِيم } فَلَهُ كَمَال مِنْ غِنَاهُ وَكَرَمه ، وَمِنْ
اِقْتِرَان أَحَدهمَا بِالْآخَرِ .
وَنَظِيره اِقْتِرَان الْعِزَّة بِالرَّحْمَةِ : { وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ
الْعَزِيز الرَّحِيم } .
وَنَظِيره اِقْتِرَان الْعَفْو بِالْقُدْرَةِ : { وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا
قَدِيرًا } .
وَنَظِيره اِقْتِرَان الْعِلْم بِالْحِلْمِ : { وَاَللَّه عَلِيم حَلِيم } .
وَنَظِيره اِقْتِرَان الرَّحْمَة بِالْقُدْرَةِ : { وَاَللَّه قَدِير وَاَللَّه
غَفُور رَحِيم } .
وفِي عَطْف الْمُلْك عَلَى الْحَمْد وَالنِّعْمَة بَعْد كَمَالِ الْخَبَر ،
وَهُوَ قَوْله \" إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك وَالْمُلْك \" وَلَمْ يَقُلْ
إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة وَالْمُلْك - لَطِيفَة بَدِيعَة ، وَهِيَ أَنَّ
الْكَلام يَصِير بِذَلِكَ جُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ ، فَإِنَّهُ لَوْ
قَالَ إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة وَالْمُلْك لَك ، كَانَ عَطْف الْمُلْك
عَلَى مَا قَبْله عَطْف مُفْرَد ، فَلَمَّا تَمَّتْ الْجُمْلَة الْأُولَى
بِقَوْلِهِ \" لَك \" ثُمَّ عَطَفَ الْمُلْك ، كَانَ تَقْدِيره ، وَالْمُلْك
لَك , فَيَكُون مُسَاوِيًا لِقَوْلِهِ \" لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد \"
وَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُلْك وَالْحَمْد ، وَفَائِدَته تَكْرَار الْحَمْد فِي(1/27)
الثَّنَاء , و لَمَّا عَطَفَ النِّعْمَة عَلَى الْحَمْد وَلَمْ يَفْصِل
بَيْنهمَا بِالْخَبَرِ ، كَانَ فِيهِ إِشْعَار بِاقْتِرَانِهِمَا
وَتَلَازُمهمَا ، وَعَدَم مُفَارَقَة أَحَدهمَا لِلْآخَرِ ، فَالْإِنْعَام
وَالْحَمْد قَرِينَانِ .قَالَ اِبْن الْمُنِير ( قَرَنَ الْحَمْد وَالنِّعْمَة
وَأَفْرَدَ الْمُلْك لِأَنَّ الْحَمْد مُتَعَلِّق النِّعْمَة وَلِهَذَا يُقَال
الْحَمْد لِلَّهِ عَلَى نِعَمه ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا حَمْد إِلَّا لَك
لِأَنَّهُ لَا نِعْمَة إِلَّا لَك وَأَمَّا الْمُلْك فَهُوَ مُسْتَقِلّ
بِنَفْسِهِ ذُكِرَ لِتَحْقِيقِ أَنَّ النِّعْمَة كُلّهَا لِلَّهِ لِأَنَّهُ
صَاحِب الْمُلْك )
و فِي إِعَادَة الشَّهَادَة لَهُ بِأَنَّهُ لا شَرِيك لَهُ لَطِيفَة وَهِيَ
أَنَّهُ أَخْبَرَ لا شَرِيك لَهُ عَقِب إِجَابَته بِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ ، ثُمَّ
أَعَادَهَا عَقِب قَوْله \" إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك وَالْمُلْك لَا
شَرِيك لَك \" .
وَذَلِكَ يَتَضَمَّن أَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ فِي الْحَمْد وَالنِّعْمَة
وَالْمُلْك ، وَالْأَوَّل يَتَضَمَّن أَنَّهُ لَا شَرِيك لَك فِي إِجَابَة
هَذِهِ الدَّعْوَة ، وَهَذَا نَظِير قَوْله تَعَالَى : { شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ
لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وَأُولُو الْعِلْم قَائِمًا بِالْقِسْطِ
لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم } آل عمران 18 –
فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فِي أَوَّل الْآيَة ، وَذَلِكَ
دَاخِل تَحْت شَهَادَته وَشَهَادَة مَلَائِكَته وَأُولِي الْعِلْم ، وَهَذَا
هُوَ الْمَشْهُود بِهِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ قِيَامه بِالْقِسْطِ وَهُوَ
الْعَدْل ، فَأَعَادَ الشَّهَادَة بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَعَ
قِيَامه بِالْقِسْطِ .)
*************
دلالات الحروف
( إذا كان العربي قد أبدع كلماته تعبيراً عن معانيه وفقاً لقاعدته الأذكى:(1/28)
سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المراد) فإن الشعار الذي معنا
يتكون من ثلاثة عشر حرفا فقط هي على الترتيب:( اللام , والباء , والياء ,
والكاف ,والهاء , والميم , والشين , والراء , والحاء , والدال , والنون ,
والعين , والتاء )
تكررت الكاف عشر مرات .
وكررت اللام تسع مرات .
والياء ست مرات .
والباء أربع مرات .
والميم أربع مرات .
والنون أربع مرات ( مرتان مشددتان ) .
والشين والراء مرتان .
ثم الحاء والدال والعين والتاء والهاء مرة واحدة .
والملاحظ أن اللام والكاف أكثر الحروف تكرارا , وقد جمعا ثلاث مرات في هذا
الشعار في كلمة \" لك \" وهذا تلخيص شديد لقصة الحياة , والإنسان , والأرض
والسماء , وهي التي يسأل عنها الناس يوم القيامة في قوله سبحانه : \" لمن الملك
اليوم ؟ \" وكأن هذا الإنسان حين يشد الرحال إلى الله عز وجل قاصدا بيته العتيق
, إنما جاء ليعلن على الملأ وبصوت مجهور , ويردد صباح مساء أن : الملك لك ,
والنعمة لك , والحمد لك , كما أن حضوري لك , وأفعالي التي أفعلها لك , لا شريك
لك ,وهو بذلك يتمثل قول الله تعالى\" قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ
وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ\" الأنعام162- 163
وهو بهذا الإعلان في الحياة قبل الممات وقبل قيام الساعة , وقبل أن يطرح السؤال
على العالمين يجنّب نفسه هول السؤال , وكرب الموقف , فلقد أجاب من قبل على رؤوس
الأشهاد في حجِّه بأن كل شيء لله رب العالمين , وهنا يتبدى عند التأمل وجه
تكرار هذين الحرفين إفرادا وجمعا .
لكن هذا لا يمنع من الوقوف على أكثر الحروف تكرارا في الشعار وهما حرفا الكاف ,
واللام لنكشف عن بعض ما فيهما من دلالات , وعلاقة ذلك بالسياق والمقام ,
ولنبدأ بـ :
حرف الكاف
فهو الأكثر حضورا في هذا الشعار وحروف العربية كما يقول حسن عباس تنتمي لواحد(1/29)
من الحواس الخمس , فهناك حروف تنتمي إلى حاسة السمع , وأخرى تنتمي إلى حاسة
البصر , وثالثة تنتمي إلى حاسة اللمس , ومن الحروف ما هو موزع الانتماء بين بعض
الحواس , ومنها حرف الكاف :
(فحرف الكاف موزع الانتماء بين حاستي اللمس والبصر .) فالمصادر التي تنتهي
بحرف الكاف فيها معنى الاحتكاك , ولذلك يقال : ألَك الفرس اللجام (علكه
ومضغه), ويقال : حكّ ,ودعك , ودلك , وشبك شكّ وعرك الجلد ومعكه,وكلها كلمات
فيها معنى الاحتكاك , والالتصاق , ودخول الشيء في الشئ.
وحين تراجع فعل الحجيج وهم في المشاعر المقدسة تدرك أثر هذا الاحتكاك
فالحجيج لا يقولون لبيك و هم جالسون منعمون , و لكن يرددونها اثناء تأدية شعائر
الحج , فكم رأينا اناساً محمولة على الكراسى , وكم رأينا وفودا تدرك دلالة
المكان , وتتعامل مع الشجر والحجر كأنما تتعامل مع عالم آخر , وهذا حق فالأرض
حرام والشهر حرام , كما أن البلد حرام,فقضية الاحتكاك,وإدخال الجسد ,ومكثه على
هذه الأرض الحرام له دلالته وأغراضه , لذالك شاع في الشعار حرف الكاف الذي يؤذن
أول ما يؤذن بوجوب احتكاك المسلمين بهذه الأرض .
فإذا نظرت إلى أفق آخر وجدت أن الاحتكاك المدلول عليه بحرف الكاف لا يقف فقط
عند المسلمين والأرض الحرام , بل يتعدى ذلك إلى وجوب الاحتكاك بين المسلمين
بعضهم البعض , حتى يتحقق فيهم معنى الجسد الواحد , الذي يتداعى في الضراء قبل
السراء , والذي يشد بعضه بعضا , وامتداد الزمان لفريضة الحج والتي تشمل على أقل
تقدير خمسة أيام تحقق هذا الالتصاق , وهذا التوحد الأسمى لأمة مأمورة بالوحدة
والاعتصام, فصوت الكاف مخفوتاً بعض الشيء وممطوطاً أيضا ً ،كي يوحى بالاحتكاك
والحرارة.
ودفء المشاعر السارية في قلوب المسلمين , والود والمحبة المتمكنة بينهم , حتى
صار الجميع كالبنيان المرصوص , وتلك من مقاصد الحج , وغاياته .
أما حرف اللام :(1/30)
فالأصل في معنى اللام أنها للإلصاق والإلزام , لكنها تأتي لمعانٍ كثيرة ,
ومن أوفرها حضورا في لغة الضاد ( لامُ المِلْك , كقولك : هذا المالُ لزيد ,
وهذا الفرس لمحَمد , ومن النحويين من يسمِّيها لامَ الإضافة , سمّيت لامَ
المِلْك لأنك إذا قلت : إن هذا لِزيد عُلِمَ أنه مِلْكُه فإذا اتصلت هذه اللام
بالمَكْنيِّ عنه نُصِبَت , كقولك : هذا المالُ له ولنا ولَك ولها ولهما ولهم .
وفتحت اللام مع الكنايات لأنها في الأصل مفتوحة وإنما كسرت مع الأسماء
ليُفْصَل بين لام القسم وبين لام الإضافة ألا ترى أنك لو قلت : إنّ هذا المالَ
لِزيدٍ عُلِم أنه مِلكه ؟ ولو قلت : إن هذا لَزيدٌ عُلم أن المشار إليه هو زيد
؟ فكُسِرت ليُفرق بينهما , وإذا قلت : المالُ لَك , فتحت , لأن اللبس قد زال .
)
وحين تستحضر المشهد , وتراص الحجيج في المشاعر , تدرك معنى الإلصاق ,
والملامسة الموجود في حرف اللام , ( فاللام هي الّلامة , أي الجامعة ..... حتى
إنه يعبر عن جماعة الناس باللمة )
وحين تراجع مقصود الشعار , وإقرار العباد بوحدانية الله تعالى , وأنه سبحانه
المالك لكل شيء , للنعمة والملك , والحمد أيضا تدرك معنى لام الملك , فكل شيء
لله تعالى \" إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي
اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ
تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54 الأعراف)
المبحث الرابع
في رحاب النغم داخل الشعار
****************
لكل نص بياني بديع نوعان من الأثر في المتلقي , الأول يأتيه من جهة المعنى
والتركيب والصورة ,والآخر يأتيه من جهة النغم والموسيقى التي تهش لها القلوب ,
وتبش لها الأرواح .(1/31)
والعجيب أن وضع اليد على معالم الأثر الأول سهل يسير لكل من ملك أدوات البيان
, وعرف كيف تصاغ المعاني , لكن الأخر عصِيٌ أبيٌ على طالبه , يتفلت من بين
الأيدي , وكلما هممت بوصفه غامت ملامحه , لأنه أقرب إلى الانطباع النفسي , وما
يستشعره السامع من الكلام , دون أن يدري كيف وصل , ولا سبل البيان عنه , لكنك
مع ذلك تراه يهزك هزا , ويحرك فيك الجوارح قبل القلوب .
وهو أسرع إلى القلوب من المعنى , لكنه حين يصل إليها تراه يمهد للمعنى , ويفتح
له القلوب , ويفسح له الطريق بما يملك من قدرة على التأثير , فالفطرة تميل إليه
, والقلوب تحن إليه .
وفي شعار التلبية تجد الأثر السمعي يهجم عليك قبل الأثر الدلالي , وتجد النغمات
تملؤك قبل أن تدرك معاني الكلمات , ومقاصد التراكيب , ومعاني الجمل .
تلحظ ذلك أول الأمر في هذا القرع المتوازن في كلمة لبيك , ثم من الذبذبات
المتولدة من حروف المد في كلمات ( اللهم – لا – شريك ) ثم من النغم الكامن في
النون المشددة في كلمتي ( إن – النعمة ) .
ثم من الحركات المتلألئة على الحروف بداية من أول الشعار حتى آخرة , وحين تحلل
هذه الحركات تجد الآتي :
• ملأت الفتحة جنبات الشعار حتى أنها ذكرت ستة وثلاثين مرة .
• تلاها السكون حيث تكرر خمس عشرة مرة .
• تلتها الكسرة حيث كررت أربع مرات
• ثم جاءت الضمة مرتين فقط .
وفي صوت الفتحة فرحة لاتجدها في الأصوات الأخرى , وفيها صعود وارتقاء , وفيها
امتلاء تستشعره حين تتجاوب مع ألف المد , فيمتلئ المكان بدويها , وهذا ما أمر
به جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم . , أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية ,
فعلوا بها حتى بُحّت .
ولا شك أن الذي ساعدهم على ذلك حركة الفتح التي تملأ جنبات الشعار .
ولا يغيب هنا هذا البناء الموسيقي الذي بني عليه الشعار , حيث يوجد ما يسمى
بالقرار ثم الجواب .
فحين تقول: \" لبيك \" الأولى , تجيبك بعدها \" لبيك \" الثانية , وكأنها جواب(1/32)
للأولى , والمتلقي وإن لم يدرك هذه الهندسة الصوتية إلا أنه سيطرب لهذا الحوار
الموسيقي بين القرار والجواب .
كما أن في بناء كلمة التلبية على هذا النحو ما يشير إلى هذا
التجاوب,والثنائية,فهناك في الكلمة طرفان,أو عنصران,تلبية بعد تلبية,وإجابة بعد
إجابة,وحين تتحقق الأولى تتبعها الثانية,أو تجيبها,وهذا يبعث في النفس نشاطاً
أي نشاط , ثم إنك تجد هذا التدرج في حجم الجملة , حيث تبدأ صغيرة ثم تنمو شيئا
فشيئا , فيقال أولا : لبيك اللهم لبيك... ثم يزاد فيقال : لبيك لا شريك لك لبيك
. ثم يزاد فيقال : إن الحمد والنعمة لك والملك . ثم تأتي القفلة , أو الختام ,
وهو يتسم بالإيجاز في كل شيء , فيقال : لا شريك لك .
وتعال معي نرهف السمع لكلمة \" لبيك \" وكررها معي على أذنك بتؤدة , وقل :
لبيك ... لبيك .. لبيك .. لبيك.
لقد وجت دون شك ما وجدته , إن هنا صوتا يشبه الطرق على الباب , والإلحاح على
هذا الباب كي يفتح , إن هناك من يستغيث , إن هناك من يلح بالخضوع حتى يقبل .
إنه إلحاح نغمي قوي , وكأن صاحبه يقول : لن أبرح حتى تقبلني , وتلك قصة الحج
دون زيادة , ملازمة على الباب وإلحاح على رب الأرباب , وذل وخضوع حتى يستشعر
معنى : قد غفرت لك , فتتحول التلبية يوم العيد إلى نشيد آخر يشي بالفرح والسرور
, والغبطة والحبور , فيقول الحجيج : الله أكبر الله أكبر الله أكبر , لا إله
إلا الله , والله أكبر , الله أكبر ولله الحمد .
ثم عاود إرهاف السمع للشعار كله , وحاول أن تمسك معي هذا الخيط الرابط بين
اللام المفتوحة في كلمة \" لبيك \" , واللام المفتوحة في كلمة \" اللهم \" ,
واللام المفتوحة في كلمة \" لا \" , مع اللام المفتوحة في كلمة \" لك \" لتعلم
أن كل واحدة منها تسلمك إلى الأخرى , وكأنها هاديات على الطريق .
وانتقل من اللام البادئة إلى الكاف الخاتمة في الكلمات : ( لبيك – لبيك – لبيك(1/33)
– شريك – لك – لبيك – لك – الملك – شريك – لك )
تلحظ أن كلاً من اللام والكاف آخذتان بذمام الشعار , يوجهان إيقاعه إلى المعنى
الذي يلخص – ليس قصة الحج وحدها – بل قصة الوجود كله والتي يعرضها الشعار في
هذين الحرفين \" لك \" فالأمر لك , والخلق لك , والحمد والنعمة لك , والملك لك
, لا شريك لك .
ثم عاود الإنصات إلى مد الألف في كلمات ( اللهم – لا – لا ) وما يحمله من دفع
الهواء إلى خارج الجسم , وكأنما يُخرج مع الهواء الهموم التي لازمت هذا الجسد ,
والآلام التي جثمت عليه طوال حياته , ففي الألف الممدودة زفرة يخرجها الإنسان
حين النطق , تتجاوب مع رغبته في الخلاص , ولهفته إلى النجاة .
كما أن في اللام ما يسمى في اللغة بالنبر وهو الضغط على اللام بحيث تكتسب سمة
الوضوح السمعي عن المقاطع الأخرى , وهذا الضغط أو العلو لمقطع من بين مقاطع
الشعار يشبع مراد النفس في الجؤار إلى الله تعالى حتى يقبلها .
المهم أن النغم في هذا الشعار يعلو حتى يكاد يطغى على الهدوء اللازم للخضوع ,
لأن من مقاصد هذا الشعار الجؤار إلى الله تعالى , والإلحاح عليه حتى يتم العفو
, فينتقل المسلم إلى التكبير لفوزه , ونجاته , وحصوله على العفو ,وتلك جائزة لا
تعادلها جائزة
الخاتمة
*******
الحمد لله الهادي , والصلاة والسلام على خير العباد , وعلى آله وصحبه , وبعد :
فلقد كانت هذه الورقات استجابة لمشهد الشعار حين ملأ العيون , ورأيت من وراء
الكلمات أصواتا ودلالات تستحثني على فتح الباب لها حتى تعبر عن حالها , فظهر من
تكرار الكلمات الإلحاح على العفو , ومن وراء الإيجاز وسهولة الألفاظ رغبة في
إيصال مضمون الرسالة إلى الحجيج جمبعا , بل وإلى الكون كله , لتعلو كلمة الله
تعالى , فوق كل كلام , وليكون هذا الشعار وسيلة التعارف الأسرع , بين الحجيج .
كما تضمن الشعار أشرف المعاني , فهو توحيد خالص , واستجابة خالصة لله تعالى ,(1/34)
وثناء خالص , وحين يحمل الشعار هذه الأمور فمكانه الوحيد هو القلوب قبل الألسنة
,لذلك ترى القلوب ترفرف به قبل أن تلهج الألسنة .
كما أنه تضمن من البلاغة في كلماته وجمله ما يجعله من أعلى النصوص البلاغية
العالية , ولا عجب في ذلك , فهو مستمد من مشكاة الوحي , حيث بدأه رسول الله –
صلى الله عليه وسلم – وتبعه المسلمون إلى يوم القيامة في ترداده .
ولقد أحيط هذا الشعار بإطار من النغم الداخلى والخارجي تجاوبت معه النفوس فهشت
له وبشت , وطارت إلى المشاعر كلما سمعته , وتمنى الجميع أن يشارك هذا الجمع
الذي جاء من كل فج عميق في وقوفه وطوافه وصلاته ونسكه .
فاللهم ارزق كل مسلم حجا مبرورا , وزنبا مغفورا , ولا تحرمني أجر من تقبلتهم في
الصالحين , وصلى الله على سيدنا محمد , وعلى آله وصحبه وسلم
د . سعيد جمعة
8 من ذي القعدة 1430هـ
فهرس المراجع والمصادر
= تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو
= تأويل مشكل القرآن، تحقيق أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة،
1954 م
= التكرار بلاغة للدكتور إبراهيم الخولي -إصدار الشركة العربية للطباعة والنشر
إبريل 1993م
= تيسير الوصول إلى جامع الاصول من حديث الرسول لابن الأثير الجزري طبعة الهند
– كلكته 1252هـ
= جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام لابن القيم – دار الكتب
العلمية بيروت ط الثانية 1989م
= الخصائص لأبي الفتح بن جني عالم الكتب – بيروت – لبنان – ت محمد النجار
= الرسالة الشافية لعبد القاهر- ملحقة بالدلائل الخانجي القاهرة ت/محمود شاكر
= مختصر شعب الإيمان للبيهقي لعمر بن عبد الرحمن القزويني أبو المعالي دار ابن
كثير – دمشق الطبعة الثانية ، 1405 تحقيق : عبد القادر الأرناؤوط
= صحيح البخاري – أو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله(1/35)
عليه وسلم وسننه وأيامه لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخار ت/ محمد
زهير بن ناصر الناصر- دار طوق النجاة - الطبعة : الأولى 1422هـ
= صحيح مسلم لمسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري دار إحياء التراث
العربي – بيروت تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي
= فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني دار الشروق القاهرة 1987 م
= فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف المناوي المكتبة التجارية الكبرى –
مصر - الطبعة الأولى ، 1356
= الكتاب لسيبويه أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر- موقع الوراق . على النت
= المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لأبي الفتح ضياء الدين نصرالله بن محمد
بن محمد بن عبدالكريم الموصلي المكتبة العصرية - بيروت ، 1995 تحقيق : محمد
محيي الدين عبدالحميد
= معجم لغة الفقهاء : موقع يعسوب على الانترنت
= مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لجمال الدين أبو محمد عبدالله بن يوسف بن هشام
الأنصاري دار الفكر - بيروت الطبعة السادسة ، 1985تحقيق :مازن المبارك ومحمد
علي حمدالله
= مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ت /عبد السلام محمد هارون
نشر : دار الفكر الطبعة : 1399هـ - 1979م
= المقتضب للمبرد موقع الوراق على النت
= من ميراث النبوة لمحمود وفيق وإبراهيم داوود – مطبعة الأمانة القاهرة ط
الأولى
= نظرية النظم وقراءة الشعر عند عبد القاهر الجرجاني لمحمود توفيق على موقع
المكتبة الشاملة – مشكاة على النت
فهرس الموضوعات
العنوان الصفحة
اهداء ودعاء 2
المقدمة 3
التمهيد 5
المبحث الأول : أثر المقام في تحديد خصائص الشعار 6
التكرار 7
الإيجاز 11
سهولة الألفاظ 12
المبحث الثاني : شرف المعنى في شعار الحج 14
المبحث الثالث : التحليل البياني للمفردات والمباني 19
لبيك 19
اللهم 22
لا شريك لك 23
فتح همزة إن وكسرها 26
الحمد والنعمة والملك اصطفاءً وترتيباً 27
دلالات الحروف 31
حرف الكاف 32(1/36)
حرف اللام 33
المبحث الرابع : في رحاب النغم داخل الشعار 34
الخاتمة 37
فهرس المراجع
فهرس الموضوعات
38
40(1/37)