أحكام العبادات في التشريع الإسلامي
فايق سليمان دلول
2006م – 1427هـ
مركز الاصدقاء للطباعة
غزة – فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}
(سورة البينة: 5)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً كما أمر، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وسار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد...(1/1)
الحمد لله القائل في كتابه العزيز وهو أصدق القائلين: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} وقال أيضاً: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} خلق الله تعالى الإنس والجن لعبادته وحده لا شريك له، والعبادة هنا يجب أن تكون بالقول الصادق والعمل الخالص لوجهه الكريم، ومن هذه العبادات – كما ورد في هذا الكتاب – ( أحكام العبادات في التشريع الإسلامي ) وهي الطهارة بأنواعها وحكمها ومشروعيتها وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى { مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} والطهارة نعمة أنعمها الله تعالى على عبده فهي نظافة للبدن واستعداداً لأداء الفرائض الأخرى ولا تصح الصلاة بدونها، ومن العبادات أيضاً الصلاة وهي عمود الدين فمن أقامها فإنما أقام الدين كله وتاركها كافر، وقد أمرنا الله تعالى بإقامة الصلاة في آيات كثيرة من القرآن الكريم منها قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً " وكذلك من العبادات التي أمرنا الله بها وهي عبادة فرضها الله تعالى على كل مسلم قادر صحيح الجسم والعقل وقد جاء ذكره في القرآن الكريم في قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي من العبادات الواجبة على المؤمنين والذي يعتبر تاركه كافراً مرتداً عن الإسلام كما وجاء في هذا الكتاب(1/2)
عبادة من العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده وهي الزكاة التي تدل على صدق إيمان من يؤديها فهي حق معلوم على كل مسلم وقد بينها القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى { وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} والآيات التي تحدثت عن الزكاة تدل على مدى قيمة هذه العبادة ومكانتها في الإسلام، وفد جاء ذكرها في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة وقد قرر القرآن الكريم مصارف الزكاة الثمانية وقد فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم كما حدد أنصبتها ومقدار إخراجها ووقف أداءها وهناك عبادة أخرى من العبادات التي فرضها الله تعالى على كل مسلم قادر على أداءها مع إمكانية السفر وتوفر الزاد والراحلة ألا وهي فريضة الحج، وقد ورد ذكرها في آيات عدة من القرآن الكريم منها قوله تعالى { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } والحج دين على المسلم القادر على أداءه فلا يسقط هذا الدين عنه حتى يؤدي هذه الفريضة إذا استطاع ذلك، ويعتبر جاحدها كافر ومرتد عن الإسلام وهي فريضة واجبة على كل مسلم على وجه السرعة أم التراخي، ومن الأفضل أن يؤديها المسلم عند استطاعته لذلك وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فوائد هذه الفريضة في أحاديث كثيرة شرح من خلالها كيفية أداء مناسك الحج والعمرة وبين أيضاً أنواع الحج الثلاثة ليتمكن الحاج أداء أي نوع منها حسب مقدرته وهناك الكثير من العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده ليؤدوها بصدق وإخلاص وإيماناً بالله وتصديقاً لما جاء في كتابه العزيز.(1/3)
جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه: اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت السميع العليم، واشرح صدورنا وثبت قلوبنا عل الإيمان وتوفنا وأنت راضٍ عنا ببركة دعاء رسولك الكريم واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرون وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أ. فايق سليمان دلول
الفصل الأول:أحكام الطهارة في الشريعة الإسلامية
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين حمداًَ كثيراً كما أمر والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد؛ فالطهارة ركن من أركان العبادات والتي لا تصح الصلاة بدونها فالطهارة هنا تعني نظافة الجسم من الأوساخ والنجاسات وتتضمن الطهارة الوضوء والتيمم والمسح على الخفين والمسح على الجبيرة ، والاغتسال من الحيض والنجاسات والاستنجاء ، وقد وردت في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وقد بينها الفقهاء المجتهدون والعلماء لرفع الحرج عن الناس ببيان أحكامها وأهميتها وأنواعها ومجالاتها، وأحكام الوضوء من حيث معناه وحكمه وفرائضه وسننه ومستحباته ونواقضه ، وكذلك أحكام التيمم من حيث تعريفه وحكمه وأسبابه وشروطه ونواقضه وكذلك المسح على الخفين من حيث معناه وحكمه وشروطه ومدته وكيفيته ونواقضه، وكذلك المسح على الجبيرة من حيث حكمها ومعناها ونواقضها وأقسام الاغتسال وأقسامه وموجباته وفرائض الاغتسال وسننه وكذلك أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة وما يتعلق بهذه الأمور، وكذلك عن أحكام النجاسة من حيث نوعها وكيفية التطهير منها وعن الاستنجاء من حيث حكمه ومعناه وآدابه.
الطهارة :
أولا : تعريف الطهارة :
الطهارة معناها النظافة والنزاهة من الأدناس، كما جاء في (مختار الصحاح) قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) " رواه أبو داود في السنن" ، أما الطهارة في اصطلاح الفقهاء : رفع حدث أو إزالة نجس، أو ما في معناها وعلى صورتهما .(1/4)
ثانيا: أهمية الطهارة:
لا تصح الصلاة إلا بطهارة الثوب والبدن والمكان، ولا تصح العبادة إلا بطهارة النفس ، فللنفس نجاسة لا تدرك إلا بالبصيرة ، قال تعالى: ( إنما المشركون نجس) " سورة التوبة ، آية 28" ، وللبدن نجاسة قد تدرك بالبصر، قال تعالى: ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) " البقرة، آية 222 " والذي يطهر به البدن هو الماء الذي هو سبب الحياة الدنيوية.
أنواع الطهارة ومجالاتها:
طهارة حكمية: هي الطهارة عن الحدث، أو الطهارة عن النجاسة حكما وهي ثلاثة أنواع: الوضوء، والغسل، والتيمم.
طهارة حقيقية: وهي الطهارة عن النجاسة حقيقة، وهي ثلاثة أنواع: طهارة البدن، وطهارة المكان، وطهارة الثياب (بدائع الصنائع للكاساني)
أما الطهارة الحقيقية، وهي الطهارة عن النجس فمجالاتها في ثلاثة مواضيع :
في بيان أنواع الأنجاس .
في بيان المقدار الذي يصير المحل به نجساً شرعاً .
في بيان ما يقع به تطهير النفس .
أما أنواع الأنجاس:
فهي في كل ما يخرج من بدن الإنسان : مما يجب بخروجه الوضوء أو الغسل فهو نجس من البول والغائط والمني ودم الحيض والنفاس، والدم السائل من الجرح، والصديد والقيء ملء الفم والأدلة على ذلك قوله تعالى: ( ولكن يريد ليطهركم) " المائدة ، 6 " وقوله في الغسل من الجنابة: ( وان كنتم جنباً فاطهروا) " المائدة ، 6 " وقوله في الغسل من الحيض (ولا تقربوهن حتى يطهرن) " البقرة ، 222 ".
في الميتة وهي نوعان:
ما ليس له دم سائل كالذباب والعقرب ونحوه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه، ثم انقلوه فان في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء " رواه ابن ماجة " .
الميتة التي لها دم سائل ويقع في الأجزاء التي فيها دم من اللحم والشحم والجلد ونحوها ، أنها نجاسة لاحتباس الدم النجس فيها أما الأجزاء التي لا دم فيها وكانت صلبة كالعظم والقرن والحافر والشعر والصوف فليست نجسة كما قال الحنفية .(1/5)
سؤر الكلب والخنزير: والسؤر هو ما بقي في الإناء بعد المشرب ، والأسار أربعة أنواع:
سؤر طاهر: وهو سؤر الآدمي سواء كان مسلما أو غيره
سؤر الكلب والخنزير والسباع : وهو نجس باتفاق العلماء
سؤر مكروه : وهو سؤر الطيور كالنسر والصقر والحدأة وأنها تشرب بمنقارها وهو عظم جاف، وكذلك سؤر القط.
سؤر مشكوك فيه: وهو سؤر الحمار والحصان لورود النص في طهارته ونجاسته.
الخمر والسكر: أما الخمر فان الله تعالى سماه رجساً، فقال: " إنما الخمر والميسر والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه" (المائدة، آية90)
غسالة النجاسة وهي نوعان :
غسالة النجاسة الحكمية، وهي الحدث وهي الماء المستعمل ولا يجوز التوضؤ به.
غسالة النجاسة الحقيقية، وهي الماء التي اغتسل بها النجاسة الحقيقية فانتقلت النجاسة للماء.
وفي بيان المقدار الذي يصير المحمل به نجساً شرعاً، فالنجس لا يخلو إما أن يقع النجس في السوائل كالماء أو الخل أو نحوهما، وإما أن يصيب الثوب والبدن ومكان الصلاة.
أما حكم مكان الصلاة ، فالمصلي لا يخلو إلا إن يصلي على الأرض أو على غيرها من البساط ونحوه، فان كان على الأرض والنجاسة قريبة من مكان الصلاة، جازت صلاته لان شرط الجواز طهارة مكان الصلاة والمستحب إن يبعد عن مكان النجاسة، وإذا كانت النجاسة على طرف البساط، فان كان كبيرا جازت الصلاة وان كان صغيرا لا تصح الصلاة لعدم التمكن من الابتعاد عن موضع النجاسة .
الوضوء:
معنى الوضوء: معناه في اللغة الوضاءة وهي النظافة والنضارة والحسن، يقال: هو وضئ الوجه، أي حسن الوجه (المصباح المنير).
أما معنى الوضوء شرعاً: استعمال الماء في أعضاء مخصوصة.
* حكمه: انه فرض لا تصح الصلاة بدونه.
* شروط الوضوء : خمسة وهي كالآتي :
الماء المطلق ، وهو ما يقع عليه اسم الماء بلا قيد، غير مستعمل في رفع الحدث وإزالة نجس، ولا لون له ولا رائحة ولا طعم، وإلا فلا يصح الوضوء منه.(1/6)
جري الماء على عضو مغسول ، كالوجه، واليدين، والرجلين، بحيث يجري عليه الماء، وإلا فيسمى مسحاً وهذا لا يجوز.
ألا يوضع على الماء ما يغير لونه تغييراً صاراً كالصبغة وغيرها.
ألا يكون على موضع الوضوء ما يمنع وصول الماء للجسم كالشمع وغيره.
هـ دخول وقت لأصحاب الأعذار، كمن به ساس البول ونحوه، أو لا يصح وضوؤه قبل دخول الوقت .
دليل مشروعية الوضوء: مشروعية الوضوء ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. والدليل من الكتاب قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى الكعبين ) " المائدة، آية 6"، والدليل من السنة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" (رواه مسلم وأبو داود).
والدليل من قول الإجماع: أن الوضوء شرع من لدن رسول الله الى يومنا هذا ، فصار معلوماً من الدين بالضرورة.
فرائض الوضوء: أن للوضوء فرائض، وأركاناً افترضها الله تعالى ذكرها في كتابه الكريم بقوله: ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى الكعبين ) " المائدة، آية 6" . وإذا اختلف فرض منها لا يتحقق الوضوء، ولا يتعمد بع شرعاً، والفرض والركن بمعنى واحد والى بيان فرائض الوضوء:
الفرض الأول: النية، ومعناها لغة القصد والعزم، وشرعاً قصد الشيء مترنا بفعله.
حكم النية: الوجوب
ومحملها: القلب، لأن النية عمل قلبي محض لا دخل للسان فيه، والتلفظ بها غير مشروع، والمقصود بها تميز العبادة عن العادة.
شروط النية: أن يكون الناوي مسلماً عاقلاً عالماً بما ينوي.
دليل فرضيتها: حديث عمر - رضي الله عنه - ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) "رواه الجماعة في صحيح البخاري" .(1/7)
وقت النية: أول غسل الفروض ، وهو الوجه، ولذا تكون النية في أول غسل جزء من الوجه من الوضوء الى أن يفرغ منه وليكون مستديماً للنية.
كيفية النية: أن ينوي رفع الحدث، أو الطهارة من الحدث، أو نوى فرض الوضوء.
الفرض الثاني: غسل الوجه مرة واحدة، أي إسالة الماء عليه، لأن معنى الغسل الإسالة لقوله تعالى : فاغسلوا وجوهكم، وبالإجماع .
حد الوجه : من أعلى تسطيح الجبهة إلى أسفل اللحيين طولاً، ويجب غسل شعر شحمة الأذن إلى شحمة الأذن الأخرى عرضاً، ويجب غسل شعر الوجه من هدف، وحاجب، وشارب، ولحية.
الفرض الثالث: غسل اليدين مع المرفقين: لما روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في صفة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد. ولقوله تعالى: " وأيديكم الى المرافق " ، والمعنى: اغسلوا أيديكم من رؤوس أصابعها الى المرافق، ولا بد من غسل جزء من العضد حتى يتحلق غسل اليد، وعن جابر - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدير الماء على المرافق .
ويجب غسل جميع محمل الفرض من شعر وأظافر وان طال ، فإن قطع بعضه وجب غسل ما بقي منه .
الفرض الرابع : مسح الرأس، والمسح معناه الإصابة بالبلل، والغسل معناه الإسالة، ولا يتحقق المسح بحركة العضو الماسح، ملصقاً بالممسوح، لذا فوضع اليد أو الأصبع على الرأس لا يسمى مسحاً. والدليل على المسح قوله تعالى: ( وامسحوا برؤوسكم ) ، والظاهر من الآية وامسحوا برؤوسكم لا يقتضي وجوب تعميم الرأس بالمسح ، بل يفهم منه أنه يكفي مسح بعض الرأس ، والمفروض : مسح بعض الرأس ولو شعرة واحدة يكفي للآية ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح ناصيته وهذا هو بعض الرأس.(1/8)
الفرض الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين، لقوله تعالى: ( وأرجلكم الى الكعبين )، والكعبان : هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم ، ففي كل رجل كعبان ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أقيموا صفوفكم ، فكان الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعبه ) "رواه النعمان ".
الفرض السادس : الترتيب، لأن الله تعالى قد ذكر في الآية فرائض الوضوء مرتبة مع فصل الرجلين عن اليدين، وفريضة كل منها الغسل- بالرأس الذي فريضته المسح - وفي الحديث: ابدأ بما بدأ الله به ( الموطأ ) . وكان الرسول يتوضأ بالترتيب .
سنن الوضوء ومستحباته: وهو ما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قول ، أو فعل أو تقرير في الوضوء ولكنها ليست كالفرائض ما يأتي :
التسمية في أول الوضوء: لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (توضئوا بسم الله ) أي قائلين ذلك، وأقل التسمية بسم الله ، وأكملها: بسم الله الرحمن الرحيم. ويسن قبلها التسمية وبعدها الشهادتان.
السواك: وهو لغة: الدلك، وشرعاً: استعمال عود أو نحوه تنظف به الأسنان. لقوله عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) ولا يكره السواك إلا في حالة واحدة وهي في حق الصائم بعد الزوال .
غسل الكفين ثلاثاً : في أول الوضوء، وذلك إذا كان المتوضئ على شك من نجاستهما.
المضمضة ثلاثا : وأقله إيصال الماء إلى الفم ثم مجه ، قال صلى الله عليه وسلم:( إذا توضأت فمضمض ) "رواه أبو داود".
الاستنشاق والإستنثار ثلاثاً: لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر ) " البخاري ومسلم وأبو داود " .
تخليل اللحية: إذا كانت اللحية كثيفة غسل ظاهرها بالأصابع من أسفلها، روى الترمذي أن رسول الله كان يخلل لحيته .(1/9)
تخليل الأصابع: أي أصابع يديه ورجليه والتخليل يكون بالتشبيك بين أصابع اليدين في أصابع الرجلين، قال الرسول يخلل أصابعه .
تثليث الغسل: وهي السنة التي جرى عليها العمل ، كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يغسل في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً .
التيامن: أي البدء بغسل اليمين قبل غسل اليسار من اليدين والرجلين وفي جميع أعضاء وضوئه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب التيامن في تنعله وفي لبسه، روى أبو هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بأيمانكم ) " رواه الترمذي وأبو داود وأحمد" .
الموالاة: أي التتابع بين الأعضاء في التطهير بحيث لا يجف الأول قبل الشروع في الثاني.
مسح الأذنين: والسنة مسح باطنهما وظاهرهما بماء جديد ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - مسح في وضوئه برأسه أذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل إصبعيه في صمامي أذنيه " أبو داود " .
إطالة الغرة والتحجيل : وغايتهما غسل صفحة العنق من مقدمات الرأس والتحجيل : غايته استيعاب العضدين، والساقين، روى مسلم : انتم الغر المحجلون يوم القيامة بإسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله " صحيح مسلم ".
الاقتصاد في الماء: وإن كان الاغتراف من البحر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناهيا عن السرف في الماء: وإن كنت على نهر جار.
صلاة ركعتين بعده : عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة) " أبو داود ".
ترك الاستعانة والنفض والتنشيف : بأن يصب عليها الماء بغير عذر، وذلك لا يليق بالمتعبد.(1/10)
التلفظ بالشهادتين وغيرهما بعد الفراغ من الوضوء: إذا فرغ من الوضوء وهو مستقبل القبلة رافعا يديه إلى السماء قائلاً: أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا رسول الله فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك " صحيح الترمذي ".
نواقض الوضوء : نواقض الوضوء أربعة وهي :
كل ما خرج من السبيلين (القبل والدبر) ويشتمل على ما يلي:
البول: يكون ذلك من القبل للرجل والمرأة.
الغائط: وهو كناية عن قضاء الحاجة من بول وغائط .
ريح الدبر: إذا خرج على اليقين أما إذا شك فلا ينقض .
النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك مع عدم تمكن المقعدة من الأرض .
اللمس: وهو التقاء بشرتي الرجل والمرأة لقوله تعال: ( أو لامستم النساء) "سورة المائدة " أي لمستم النساء .
مسح فرج الآدمي ببطن كف، وينقض الوضوء إذا مس الإنسان قبله أو قبل غيره ، جاء في الحديث : ( من مس فرجه فليتوضأ ) " رواه الترمذي " .
التيمم:
تعريف التيمم: التيمم لغة: مطلق القصد " سيد الجرجاني" .
والتيمم شرعاً: قصد الصعيد الطاهر، واستعماله بصفة مخصوصة لإزالة الحدث .
حكم التيمم: حكمه كحكم الوضوء، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن الصعيد طهور المسلم وان لم يجد الماء عشرين سنة " أبو داود " .
دليله: الأصل فيه قوله تعالى: ( وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدكم من الغائط، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيداً طيباً ) " المائدة، آية6 ".
أركان التيمم:
النية: فلابد منها، فان نوى رفع الحث، أو نوى الجنب لرفع الجنابة، لم يصح تيممه على الصحيح، وان نوى استباحة الصلاة فله أربعة أحوال:
أن ينوي استباحة الفرض والنفل معاً.
إن ينوي الفريضة، فتباح الفريضة، وكذلك النافلة قبلها وبعدها.
أن ينوي النفل ، فلا يستبيح به الفرض.(1/11)
أن ينوي الصلاة فحسب فله حكم التيمم للنفل على الأصح.
نقل التراب: أي تحويله من نحو أرض وهواء الى العضو المسموح بذلك العضو نفسه أو بغيره.
قصد التراب : فلو وقف في مهب ريح ، فسفت عليه تراباً، فأمر يده عليه بنية التيمم.
نقل التراب المسموح به الى العضو.
مسح الوجه ويجب استيعابه الى ظاهر اللحية كما في الوضوء.
مسح اليدين، ويجب استيعابهما الى المرفقين.
الترتيب، فيجب تقديم الوجه على اليدين ، ولا يشترط الترتيب في أخذ التراب.
أسباب التيمم:
فقد الماء حساً أو شرعاً، لقوله تعالى : فلم يجدوا ماء فليتيمموا صعيدا طيبا، فمن الفقد الشرعي : خوف انتهاء الماء منه أو بعده عن الماء أو ارتفاع ثمنه، والفقد الحسي: عدم وجود الماء أو عدم كفايته للوضوء أو الشرب.
إذا كان به جراحة أو مرض وخاف من استعمال الماء زيادة المرض أو تأخر الشفاء.
إذا كان الماء قريبا منه، إلا انه يخاف على نفسه أو ماله أو عرضه أو عدو.
إذا كان الماء شديد البرودة، وغلب على ظنه لو توضأ حصول ضرر باستعماله، ولا تستطيع تسخين الماء.
الحاجة الى الماء بعطش أو نحوه : إذا وجد ماء واحتاج إليه لعطشه أو عطش رفيقه أو حيوانه أو احتاج الماء لطبخ أو عجين أو غيره.
كيفية التيمم: ويستحب أن يبدأ بأعلى الوجه، وأما اليدان فيضع أصابع اليسرى سوى الإبهام على ظهور أصابع اليمنى سوى الإبهام، بحيث لا يخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى، ويمررها على ظهر كفه اليمنى، فإذا بلغت الكوع، ضم أطراف أصابعه الى طرف الذراع ويمررها الى المرفق، ثم يدير كفه الى بطن الذراع فيمررها عليه وإبهامه مرفوعة، فإذا بلغ الكوع مسح ببطن إبهام اليسرى ظهر إبهام اليمنى، ثم يضع أصابع اليمنى على اليسرى فيسمها كذلك (إعانة الطالبين).
7. نواقض التيمم : تتلخص نواقض التيمم في أربعة أمور:
أ- ينقض التيمم كل ما ينقض الوضوء لأنه بدل منه .
ب- ينقض التيمم وجود الماء لمن فقده .(1/12)
ج- ينقض التيمم خروج الوقت عند الشافعية .
د- إذا وجد الماء وقدر على استعماله بعد الدخول في الصلاة.
المسح على الخفين:
معناه: المسح على الخفين لغة: إمرار اليدين على الخفين، واصطلاحاً: عبارة عن رخصة مقدرة جعلت للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها.
حكم المسح على الخفين: أجمع العلماء على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر، سواء كان لحاجة أو لغير ذلك لجميع المسلمين رجالاً ونساء، وهو يسد مسد غسل الرجلين في الوضوء.
دليل مشروعية: ثبت المسح على الخفين في السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، روى المغير بن شعبة أن النبي عليه الصلاة والسلام: (مسح على الخفين فقلت يا رسول الله نسيت ؟ قال بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي) " رواه أبو داود ".
شروط المسح على الخفين:
يشترط جواز المسح على الخفين أو ما شابههما، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح عليهما.
أن يكون الخف صالحاً للمسح ، ويعرف ذلك بالأمور التالية:
أن يستر محل فرض غسل الرجلين وهو القدم بكعبيه .
أن يكون الخف طاهراً .
أن يكون الخف قوياً يمكن للمسافر متابعة المشي فيه .
أن يمنه تسرب الماء إلى الرجل إذا صب الماء عليه .
أن يسمى خفاً، فلو لف قطعة قماش على قدمه لم يصح المسح .
مدة المسح على الخفين: للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها، والدليل على ذلك أن عوف بن مالك الأشجعي قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر في غزوة تبوك بالمسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر وللمقيم يوم وليلة.
كيفية المسح: المحل المشروع في المسح ظهر الخف، أي الساتر لمشط الرجل وأسفله وعقبه وحرفه، بأن يضع يده اليمنى الى ساقه واليسرى الى أطراف الأصابع ممن تحت مفرجاً بين أصابع يديه، ولا يضمها لئلا يصير مستوعباً له، ولا يسن استيعابه بالمسح ويكره تكراره .
نواقض المسح على الخفين: ينقض المسح أحد الأمور التالية:(1/13)
مضي المدة ، مضي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر.
نزع أحد الخفين أو كلاهما.
أن يحتاج الماسح الى غسل جنابة أو حيض أو نفاس .
إذا أصابت رجله نجاسة أثناء لبسه للخف.
المسح على الجبيرة:
الجبيرة عبارة عن عيدان أو غيرها كالجبس مثلاً تربط على الجرح ويجبر بها العظام، والدليل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر علي رضي الله عنه بأن يمسح على جبيرته.
حكم المسح على الجبيرة : واجب عند أبي حنيفة وليس بفرض حتى يجوز بدونه الصلاة، لأن الفريضة لا تثبت إلا بدليل مقطوع به.
كيفية المسح على الجبيرة : يمسح على كل الجبيرة سواء أكان تحتها جراحة أم لا، ويمسح على أكثر الجبيرة وعليه الفتوى لكي لا يؤدي إلى إفساد الجراحة.
نواقض المسح على الجبيرة: إذا زالت الجبيرة بسبب الشفاء سقط المسح، وإذا سقطت دون شفاء الجرح لم يبطل المسح سواء كان في الصلاة أو خارجها وعليه إتمام صلاته إن كان فيها.
الاغتسال:
معنى الاغتسال : غسل الشيء أي غمره بالماء وتنظيفه أو بمعنى آخر هو سيلان الماء على الشيء مطلقاً .
والاغتسال شرعا: سيلانه على جميع البدن مع النية (مغني المحتاج).
حكم الاغتسال:
1. الغسل واجب في الأمور التالية:
خروج الماء بشهوة في النوم، أو اليقظة.
التقاء الختانين .
الكافر إذا أسلم .
انقطاع دم الحيض والنفاس .
هـ الموت .
الغسل مستحب في الأمور التالية :
غسل الجمعة.
غسل العيدين .
غسل الإحرام .
غسل دخول مكة .
هـ غسل الوقوف بعرفة .
وـ غسل من غسل ميتاً .
مشروعية الغسل:
يستدل على مشروعية الغسل بقوله تعالى:
( وان كنتم جنباً فاطهروا ) " سورة المائدة ، آية 6 " .
(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين وحب المتطهرين ) "سورة البقرة ، آية 255" .(1/14)
( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) " سورة النساء ، آية 43 "
الغسل الواجب: يجب الغسل في خمسة أمور:
التقاء الختانين
انقطاع دم الحيض والنفاس
موت مسلم غير شهيد
إذا أسلم الكافر
فرائض الغسل: فرائض الغسل اثنتان هما :
النية: أي نية رفع الجنابة للجنب ، أو حدث الحيض للحائض ، أو نية أداء فرض الغسل، ويجب أن تكون النية مقرونة بأول فرض، وهو اول ما يغسل من البدن سواء كان من أعلاه أو من أسفله ، إذ لا ترتيب فيه.
غسل جميع الأعضاء لقوله تعالي: ( وإن كنتم جنباً فاطهروا ) أي اغتسلوا ، والدليل على أن المراد بالتطهر الغسل ، ما جاء في قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) " سورة النساء، آية 43 " ، ويجب على المغتسل تعميم شعره وبشره ظاهره وباطناً وإن كثف ، ويجب نقض الضفائر إن لم يصل الماء الى باطنها إلا بالنقض " مغني المحتاج "
سنن الغسل وكيفيته : يسن للمغتسل مراعاة فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في غسله فيبدأ :
التسمية في أوله ويقصد بها الذكر وحده كما لا يقرأ القرآن.
إزالة نجس وتنظيف قذر كمني ومخاط وغيره، والنجاسة العينية أن زوال النجاسة بغسله .
غسل اليدين ثلاثاً .
يتوضأ وضوءاً كاملاً كالوضوء للصلاة .
يفيض الماء على رأسه ثلاثاُ مع تخليل الشعر ليصل الماء إلى أصوله .
ثم يفيض الماء على سائر البدن بدأً باليمين ثم اليسار .
تثليث الغسل بجميع البدن، والذكر عقبه .
استقبال القبلة الموالاة .
وتسن الشهادتان وهما : أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأن يقول : اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا اله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، وأن يصلي ويسلم على سيدنا محمد .(1/15)
الاغتسال المستحب: وهو الذي يمدح المكلف على فعله ويثاب، وإذا تركه لا يعاقب عليه ولا يلام ، وهو ستة أنواع فيما يلي ذكرها:
غسل الجمعة: فيوم الجمعة يوم اجتماع الناس للعبادة والصلاة فأكد غسله ليكون المسلمون في اجتماعهم على أحسن حال من النظافة والتطهير، روى البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل) ، ووقت الغسل يمتد من طلوع الفجر الى صلاة الجمعة، وان كان المستحب أن يتصل الغسل بالذهاب، وإذا أحدث بعد الغسل يكفيه الوضوء.
غسل العيدين: لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى"
غسل الإحرام: يستحب الغسل لمن أراد أن يحرم بحج وعمرة عند الجمهور، لحديث زيد بن ثابت: ( أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام) تجرد لإهلاله واغتسل ( رواه الترمذي)
غسل دخول مكة: يستحب لمن أراد دخول مكة المكرمة أن يغتسل، والدليل على ذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: انه كان يغتسل لدخول مكة ( صحيح الترمذي)
غسل الوقوف بعرفة: يستحب لمن أراد الوقوف بعرفة يوم الحج أن يغتسل، لما رواه مالك بن نافع: ( أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ، ولدخول مكة، ولوقوفه عشية عرفة)
غسل من غسل ميتاً: يستحب لمن غسل ميتاً أن يغتسل عند كثير من أهل العلم لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ " (سنن ابن ماجه) والأمر في الحديث محمول على الندب، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال : " كنا نغسل الميت ، فمنا من يغتسل ومنا لا يغتسل".
الحيض والنفاس والاستحاضة :
أولا: الحيض :
معنى الحيض: لغة : السيلان، وفي الشرع عبارة عن الدم الذي ينفضه رحم بالغة سلمية عن الدار والصغر " السيد الجرجاني " .
مدة الحيض: وأقل سن الحيض تسع سنين قمرية.(1/16)
وأٌقله زمناً: يوم وليلة على الاتصال.
وأكثره زمناً: خمسة عشر يوماً بلياليها.
وأقل الطهر بين الحيضتين زمناً خمسة عشر يوماً ، لأن الشهر غالباً لا يخلو عن حيض وطهر، وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، لزم أن يكون أقل الطهر لذلك ولا حد لأكثر الطهر بلا إجماع ، فقد لا تحيض المرأة في عمرها إلا مرة ، وقد لا تحيض أصلا (مغني المحتاج) .
ما يجوز للحائض والنفساء فعله، وما لا يجوز:
يحرم على الحائض الصلاة، كما يحرم على الجنب، ولأن الحيض أغلظ ويدل على أنه أغلظ منها ، أنه يحرم به ما يحرم بها ويحرم عليها أيضا ما يلي :
يحرم عليها دخول المسجد إن كان الدخول يلوث المسجد .
يحرم عليها الصوم بالإجماع على تحريمه وعدم صحته، فان صامت فلا يصح صيامها ووقع باطلاً ويجب قضاؤه ، بخلاف الصلاة، لقول عائشة رضي الله تعالي عنها : " كان يصيبنا ذلك " أي الحيض ، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ، وفيه من المعنى: أن الصلاة تكثر فيشق قضاؤها، بخلاف الصوم .
يحرم الدخول بها ولو بمانع بإجماع علماء المسلمين بنص الكتاب والسنة، لحديث أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لا يأكلوا معها ولا يجامعوها ، ولقد سأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأنزل الله تعالى: ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) " صحيح مسلم " ، ويحرم على الحائض الطواف، ومس المصحف، وحمله، وقراءة القرآن والمكث في المسجد.
ثانياً النفاس :
معنى النفاس : النفاس لغة : الولادة ، والنفاس هو الدم الخارج بعد فراغ الحمل من الود "مختار الصحاح ".
وسمي بذلك لأنه يخرج عقب النفس، أو من قولهم: تنفس الصبح إذا ظهر "مغني المحتاج"(1/17)
مدة النفاس: لا حد لأقل النفاس، فيتحقق بلحظة ، فإذا ولدت وانقطع دمها عقب الولادة أو ولدت بلا دم ، وانقضى نفاسها لزمها ما يلزم الطاهرات من الصلاة والصوم وغيرها.
وأكثر مدة النفاس ستون يوما، وغالبه أربعون يوماً، أخبر أبي داود عن أم سلمه رضي الله عنها أنها قالت: " كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين يوماً. فلا دلالة فيه على نفي الزيادة ، أو محمول على الغالب أو على نساء مخصوصات. قال الترمذي بعد هذا الحديث: قد أجمع أهل العلم من أصحاب رسول اله والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تترك الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي ، فان رأت الدم بعد الأربعين فإن أهل العلم قالوا : لا تدع الصلاة بعد الأربعين ، وهذا رأي الحنفية .
ثالثاً: الإستحاضة:
معنى الاستحاضة: دم عليه يسيل من عرق أدنى الرحم يقال له العاذل، وسواء أخرج الدم أثر الحيض أو لا . (مغني المحتاج).
أحكام المرأة المستحاضة: وحكمها حكم المرأة الطاهرة، فلا تمنع من الصلاة، والصوم، وإذا كانت مدة حيضها معروفة للمرأة قبل الاستحاضة فالمدة المعروفة هي مدة الحيض، والباقي استحاضة، لحديث أم سلمه أنها استفتت النبي عليه الصلاة والسلام في امرأة تهراق الدم فقال : لننتظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر، فتدع الصلاة، ثم لتغتسل ولتستثفر، ثم تصلي " رواه مالك والشافعي " .
أما إذا لم تكن لها عادة ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض عن غيره، ففي هذه الحالة تعمل بالتمييز ، والدليل على ذلك حديث فاطمة بنت أبي حبيش: أنها كانت تستحاض فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة ، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق " رواه النسائي وابن ماجه " .
أحكام المستحاضة بشكل عام:(1/18)
أنه يجب عليها الوضوء لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ثم توضئي لكل صلاة "
انه لا يفرض عليها الغسل بشيء من الصلاة ، ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة حينما ينقطع حيضها وبهذا قال الجمهور من السلف والخلف .
أن لا تتوضأ قبل دخول وقت الصلاة : لأن طهارتها ضرورية، فليس قبل وقت الحاجة.
أن تغسل فرجها قبل الوضوء، وتحشوه بخرقة أو قطنه دفعاً للنجاسة وتقليلاً لها " مغني المحتاج " .
النجاسة :
معنى النجاسة: مأخوذة من الفعل نجس والنجس ما كان قذراً غير نظيف. ومعنى النجاسة شرعاً: مستقذر يمنع من صحة الصلاة حيث لا مرخص " مغني المحتاج " .
وقد أوجد الله سبحانه وتعالى على المسلم أن يتنزه من النجاسات، ويغسل ما أصابه منها، سواء كان على البدن، أم على الثياب، أما الثياب فمن قوله تعالى: ( وثيابك فطهر ) "البقرة ، آية 222 " ، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الطهور شطر الإيمان " صحيح مسلم "
أنواع النجاسة: تنقسم النجاسة الى قسمين هما:
نجاسة حسية مثل البول والدم
نجاسة حكمية مثل الجنابة
أولاً – النجاسات الحسية:
الميتة: وهي حتف أنفه، أو ذبح ذبحاً غير شرعي، وكذلك الموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكلتها السباع ولم يلحق بها حياة ولم يذكيها مسلم أو ذمي .
حكم الميتة: هي نجسة، ويحرم أكلها، قال الله تعالى: ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة والموقوذة والمتردية على النصب) " سورة المائدة، آية 3 " ، ويلحق بالميتة ما قطع من الحي ، ولو كان مأكول اللحم، لحديث أبي واقد الليثي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما قط من البهيمة وهي حية فهو ميتة) " رواه أبو داود والترمذي " .
ومما يستثنى من الميتة ما يلي:(1/19)
الآدمي: لا ينجس بالموت على الأظهر لقوله تعالى: (وقد كرمنا بني آدم) " سورة الإسراء، آية70 " ، وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسته بالموت، سواء المسلم وغيره، وأما المشرك فنجاسته نجاسة الاعتقاد لا نجاسة الأبدان، روى البخاري في صحيحه: (لا تنجسوا موتاكم فإن المسلم لا ينجس حياُ ولا ميتاً) " رواه البخاري " .
ميتة السمك والجراد : فالإجماع على طهارتها، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أحلت لنا ميتتان ودمان ، السمك والجراد، والكبد والطحال) ( رواه أحمد والشافعي ) .
ميتة لا دم سائل لها : كالنحل والنمل ونحوها، فهي طاهرة إذا وقعت في شيء وماتت فيه لا تنجسه.
الجنين : فان زكاته بزكاة أمه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (زكاة الجنين زكاة أمه) " أبو داود وابن ماجة " .
الصيد الذي لم تدرك زكاته والبعير المتردي إذا مات بالسهم، فان هذا يحل أكله لأنها زكاة اضطرارية تحل شرعاً.
دود الخل والجبن والتفاح فإنها نجسة: ولكن لا تنجس الطعام لصعوبة الاحتراز منها، ويجوز أكله معه لصعوبة تمييزه " مغني المحتاج " .
عظم الميتة وقرنها وظفرها وشعرها وريشها طاهر: لأن الأصل في كل ذلك الطهارة، ولا دليل على النجاسة ومن المعلوم إن جلد الميتة نجس وإذا دبغ فقد طهر أما ما ذكر فهو لا يدبغ لذلك فانه يبقى على الطهارة.
الدم: وهو نجس لقوله تعالى: ( حرم عليكم الميتة والدم..) " سورة المائدة، الآية3 " والمراد بالدم هنا الدم المسفوح لقوله تعالى (أو دماً مسفوحاً ..) " سورة الأنعام ، آية 145 " .
ودم النجس أنواع : وهي الدماء التي تخرج من المرأة سواء كان دم حيض، أو دم نفاس، أو دم استحاضة. قال تعالى: ( قل لا أجد فيها أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس " سورة الأنعام،آية 145 " .
ما يستثنى من الدم:(1/20)
الدم الباقي على اللحم وعظامه: قيل إنه طاهر، ويدل له من السنة قول عائشة رضي الله عنها : كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا ينكره، والظاهر أنه نجس معفو عنه لأنه دم مسفوح وإن لم يسل لقلته " مغني المحتاج "
دم جراحات المجاهدين : طاهر لما روي عن الحسن انه قال : مازال المسلمون يصلون في جراحاتهم " رواه البخاري " ، وقد صح أن عمر - رضي الله عنه - صلى وجرحه يسيل دما ً.
دم الدمامل : فإنه يعفي عن اليسير لمشقة الاحتراز منه.
ثانياً: النجاسة الحكمية:
في الآدمي وبوله وقيحه وصديده : ونجاسة هذه الأشياء متفق عليها ، إلا انه يعفى عن اليسير من القيء ، ويخفف في بول الصبي الذي لم يأكل الطعام، فيكتفي بالرش في تطهيره، إما القيء ، والقيح ، والصديد، والماء السائل من فم النائم فنجسه.
أما البول فنجس : لما روى البخاري أنه صلى الله وسلم قال : قام أعرابي فبال في المسجد ، فقام إليه الناس ليقعوا به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : دعه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء ، أو ذنوباً من ماء ، فغنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين . " رواه البخاري "
وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتحدث عن صاحبي القبرين : ( أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول ) . " صحيح مسلم"
المني : ذهب بعض العلماء إلى أنه نجس ، وبعضهم إلى أنه طاهر ، ولكن يستحب غسله إذا كان رطباً ، وفركه إن كان جافاً ، قالت عائشة رضي الله عنها : (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله إذا كان يابساً واغسله إذا كان رطبا ً) . " رواه البخاري والدارقطني "
الخمر : وهي نجسه عند جمهور العلماء لقوله تعالى : " إنما الخمر والميسر وأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " " المائدة ، آية 90 " والرجس هنا يعني النجس .(1/21)
الكلب والخنزير : نجسان ولو كان الكلب معلماً ، روى مسلم في حديثه : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أنه يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) . والخنزير نجس لأنه أسوأ من الكلب ، فهو لا يقتنى بحال ، قال تعالى : أو لحم خنزير ، فإنه رجس . يعنى النجس .
أقسام النجاسة : النجاسة حصرها العلماء في ثلاثة أقسام وهي كالتالي :
نجاسة مغلظة : كنجاسة الكلب سواء كان لعابه أو بوله ، أو سائر أجزائه إذا لاقت رطباً فإنها نجسة وتطهيرها بأن يغسل سبعاً إحداهن بتراب بالماء ، والأصل في ذلك قول الرسول الكريم : ( إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات أولهن بالتراب . " رواه مسلم "
نجاسة مخففة : وذلك كبول الصبي الذي لا يأكل الطعام قبل مضي حولين ، فإنه ينضح فقط بالماء وذلك بان يرش عليه الماء ويعمه ، أما الصبية فلابد من الغسل في بولها ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يغسل في بولها الجارية ، ويرش من بول الغلام ) . " رواه البخاري "
نجاسة متوسطة : وهو ما تيقن وجودها ولا يدرك لها لون ولا طعم ولا ريح فيكفي في ذلك صب الماء على المحل ، أي وصول إلى المحل بحيث يسيل عليه زائداً على النضح .
كيفية التطهر من النجاسة : النجاسة ضربان هما : نجس العين ، ونجس غير العين .
نجس العين : كالكلب والخنزير ، وهو لا يطهر بأي حاله من الحالات .
ويستثنى من نجاسة العين ما يلي :(1/22)
الخمر إذا تخللت بنفسها فإنها تطهر : لأن علة النجاسة والتحريم الإسكار وقد زالت هذه العلة ، ومن المعلوم أن العصير في الغالب لا تخلل إلا بعد الخمر فإن كانت لأجل التخلل فإنها تطهر في الأصح ، فإن خللت الخمرة يوضع شيء فيها كالبصل والخبز الحار ولو قبل التخمر فلا تطهر ، وقد استدل على تحريم التخليل بما روى عن انس - رضي الله عنه - : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر تتخذ خلاً فقال ( لا ) . " رواه مسلم والترمذي " واستدل أيضاً بما روى عن أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - : أنه لما حرمت الخمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - (عن الخمر عنده لأيتام هل يخللها ؟ ( فأمر بإراقتها ) . " رواه أبو داود "
جلد الميتة ولو من غير مأكول : فإنه ينجس بالموت إلا أنه يطهر بدبغه ظاهره وباطنه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) . " رواه مسلم " ، ويطهر الجلد بالدباغ وهو نزع فضوله ووضع قشور الرمان والشب عليه ولا يطهر بالتشميس ووضع التراب والتلميح والتجفيف لأنها لا تنزع الفضولات ، وإذا دبغ الجلد بما ذكر يطهر ويستعمل لكل شيء حتى يجوز أن يصلي عليه وان يلبسه بوصفه فرو أو غيره ، أما جلد الكلب والخنزير فلا يطهران بالدبغ لأنهما نجسان في حياتهما فلا يطهران بعد الموت .
نجس غير العين : وينقسم إلى أمرين :(1/23)
نجاسة عينية : وهي التي لها طعم أو لون أو رائحة ، فهذه لا بد من إزالة عينها ، أو إزالة ما وجد منها من طعم أو لون أو رائحة ، فإن طهرها وبقي طعم لم يظهر وكذلك إن بقي اللون وحده وهو سهل الإزالة فإنه لم يطهر كدم الحيض حين يصب الثوب فقد لا يزول بالغسل فيستعان بالحث والقرص ، أما إذا بقيت الرائحة وحدها وهي صعبة الإزالة كرائحة الخمر فإنها تطهر وإن بقى اللون والرائحة معاً لم تطهر ، ومن السنة بعد زوال العين أن يكرر الغسل مرة ثانية وثالثة ، ولا يشترط في حقول الطهارة عصر الثوب على الأصح ، بناء على طهارة الغسالة ، وإن قلت فإنه كان العصر شرط فإن الجفاف يقوم مقامه لأنه أبلغ من زوال الماء . " روضة لطالبين " .
نجاسة حكيمة :وهي التي يتيقن وجودها ولكن لا يحس بأن لا يدرك لها طعم أو رائحة ن كالبول إذا جف على المحل ولم ير له لون ولا يوجد له رائحة ، فيكفي للتطهير إجراء الماء على محلها مرة وليس ثانية وثالثة . " روضة الطالبين "
كيف نطهر بعض الأشياء :
طهارة الأرض : تطهر الأرض إذا أصابتها نجاسة بصب الماء عليها ، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : ( قام أعرابي فبال في المسجد ، فقام إليه الناس ليقعوا به فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء ، أو ذنوباً من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) . " رواه الترمذي " ، ويطهر الأرض أيضاً جفافها لقول عائشة رضي الله عنها " ( زكاة الأرض يبسها ) " رواه ابن أبي شيبة " ، هذا إذا كانت النجاسة مائعة ، أما إذا كانت النجاسة لها جرم ، فلا تطهر إلا بزوال عينها أو بتحويلها .
تطهير السمن ونحوه : عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال : ( ألقوها وما حولها ، فاطرحوها وكلوا سمنكم ) " رواه البخاري " ، هذا إذا كان جامداً ، أما إذا كان مائعاً فينجس كله بملاقاته النجاسة .(1/24)
تطهير الزجاج ونحوها : تطهير الزجاج والسكين بالمسح الذي يزول به اثر النجاسة ، ويستدل على ذلك بأن صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يصلون وسيوفهم على جوانبهم وقد أصابها الدم ، فكانوا يمسحونا ويكتفون بذلك .
طهارة النعال : يطهر النعل المتنجس بالدلك بالأرض حتى يذهب اثر النجاسة ، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى ، فإن التراب له طهور ) " رواه أبو دواد " ، وعن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما ، فإذا رأى خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصلي فيهما ) " رواه أحمد وأبو داود " ، لأنه محل تتكرر ملاقاته للنجاسة غالباً ، فأجز أمسحه بالجامد كحل الاستنجاء ،بل هو أولى ، فإن محل الاستنجاء يلاقي النجاسة مرتين أو ثلاثاً " فقه السنة .
اٌستنجاء :
معنى الاستنجاء : معناه لغة غسل أو مسح موضع النجو لتزول منه النجاسة ، ومعناه شرعاً : إزالة ما على السبيل من النجاسة " البحر الرائق " .
حكم الاستنجاء : والاستنجاء واجب من البول والغائط ، والدليل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إذا ذهب أحدكم إلى الغائط ، فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن ، فإنها تجزئ عنه ) ، وعن أنس - رضي الله عنه - قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل الخلاء فيستنجي بالماء ) .
آداب الاستنجاء : للاستنجاء آداب كثيرة منها ما يلي :
البعد والاستتار عن الناس ولا سيما عند الغائط ، لحديث جابر - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر ، فكان لا يأتي الخلاء حتى يغيب فلا يرى " رواه ابن ماجة " .
أن يكف عن الكلام مطلقاً ، فلا يرد سلاماً ولا يجيب مؤذناً .(1/25)
ألا يستقبل القبلة ولا يستدبرها تعظيماً لها ، روى أبو هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا جلس أحدكم فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ) " أبو داود " ، هذا إذا كان في الفضاء أما إذا كان داخل البنيان فلا .
أن يتجنب ظل الناس وطريقهم ومتحدثهم ، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( اتقوا اللاعنين ، قالوا ما اللاعنان ، يا رسول الله ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلتهم .
أن لا يبول قائماً لمن فاته الوقار ومحاسن العادات ، لأنه قد يتطاير عليه رشاشه ، روى أن النبي- صلى الله عليه وسلم - ما كان يبول إلا جالساً .
أن يتوجه إلى مكان منخفضاً ليناً : ليتحرز فيه من إصابة النجاسة ، لحدث أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : ( إذا بال أحدكم فليرتد لبوله موضعاً ) " رواه أبو داود وأحمد " .
أن يستنجي بيساره لا بيمينه تنزيلاً لها عن لمس الأقذار ، والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الاستنجاء باليمين ، وعن حفصة رضي الله عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل يمينه لأكله وشربه ولبسه ثيابه وأخذه وعطائه وبجعل شماله لما سوى ذلك : " رواه البيهقي وابن ماجة " .
أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة وجوباً بالحجر ، أو من كل جامد طاهر من النجاسة ليس له حرية ، أو يزيلها بالماء فقط أو بهما معاً ، لحديث عائشة رضي الله عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا ذهب أحدكم الى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار ، فإنها تجزئ عنه) " رواه احمد والنسائي وأبو داود " ، وعن أنس - رضي الله عنه - : ( تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ) " رواه مسلم وأحمد وابن ماجة " .
الفصل الثاني:أحكام الصلاة ومشروعيتها
المقدمة:
الحمد لله ر العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد:(1/26)
الصلاة أحد أركان الإسلام الخمسة بل تعتبر أهم ركن فيها فهي واجبة على كل مسلم ومسلمة ولا تسقط عنه بأي عذر من الأعذار ويمكن للمسلم أداؤها بأي حال من الأحوال قائماً أو قاعداً أو جالساً أو نائماً حسب مقدرته وبما لا شك فيه أن كل مسلم يجب عليه أن يتقرب إلى خالقه سبحانه وتعالى وهذا التقرب يتطلب من المسلم معرفة الطريق السليم الذي يوصله إلى خالقه ولا يتم ذلك إلا عن طريق العبادات والصلاة هي أعظم العبادات عند الله لأنها صلة مباشرة بين العبد وربه لذلك فإن على الإنسان المسلم الاهتمام بمعرفة أحكام الصلاة لأنها الحد الفاصل بين الإسلام والكفر ولا تعد الصلاة صحيحة إلا باستكمال شروطها وأن تؤدي الصلاة في مواقيتها المحددة لتتم على أكمل وجه إتباعاً لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وأداء أركان الصلاة حتى تكون العبادة مقبولة وعلى وجهها المشروع وأداء سنن الصلاة التي كان يواظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج وكانت خمسين صلاة فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من جبريل عليه السلام أن يذهب إلى ربه ليخفف من عددها حتى فرضت خمس صلوات بالعدد وخمسين بالأجر. وقد جاء في القرآن الكريم على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام وهو يبني البيت الحرام قائلاً: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} (إبراهيم: 40) وقد فرضت الصلاة على جميع الأمم السابقة وقد حث الأنبياء على أدائها وقد جاء ذكر الصلاة في العديد من سور القرآن ومنه قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالصلاة وعلمهم إياها حيث قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد حث الصحابة رضوان الله عليهم على أدائها(1/27)
ومعاقبة تاركها، وقد امتلأت المساجد في عصرنا هذا بالمصلين الذين يؤدون الصلوات الخمس في جماعة واهتم المسلمون بإنشاء المساجد وعمارتها لأداء الصلوات فيها مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ} (التوبة: 18) جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أولاً: تعريف الصلاة وحكمها:
تعريف الصلاة: الصلاة في اللغة الدعاء، لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (التوبة: 103) أي ادع لهم وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56) فصلاة الله هي الرحمة بالعباد وصلاة الملائكة دعاء واستغفار وصلاة الإنسان تضرع ودعاء لذلك سميت الصلاة لما فيها بعد الدعاء والاستغفار الذي يغلب فيها أما معنى الصلاة في الاصطلاح فهي أقوالاً مخصوصة مبتدأة بالتكبير ومنتهية بالتسليم بشروط مخصوصة.
حكم الصلاة: الصلاة واجبة والأصل في وجوبها القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع.
أما القرآن فآيات كثيرة تأمر بالصلاة منها قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5) وقال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (البقرة: 238)(1/28)
أما السنة الشريفة: فالأحاديث على وجوب الصلاة كثيرة منها: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) "رواه البخاري" وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة، فلم أزل أراجعها وأسأله التخفيف حتى جعلها خمساً في كل يوم وليلة) "رواه البخاري"
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة.
ثانياً: تاريخ مشروعيتها:
فرضت الصلاة على المسلمين ليلة الإسراء والمعراج في مكة المكرمة قبل الهجرة بنحو سنة ونصف السنة، وهي العبادة الوحيدة التي فرضت في السماء ليلة الإسراء والمعراج بمخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم بفريضة الصلاة وهذا دليل واضح على عناية الله بها، لحديث أنس رضي الله عنه قال: (فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسري به خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمساً ثم نودي يا محمد أن لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين) "رواه الترمذي وأحمد والنسائي" وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تفرض الصلاة يصلي كل صباح ركعتين وكل مساء ركعتين أيضاً.
ثالثاً: الحكمة من تشريع الصلاة:
الصلاة هي صلة مباشرة بين العبد وربه، فهي تطهير للنفوس من الصفات القبيحة، قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ} (المعارج: 19- 22)
تعود الصلاة المسلمين على النظافة والمحافظة على المواعيد وعلى التعاون فيما بينهم وكذلك تعلم السكنية والوقار والخشوع.
تبعد الصلاة المؤمن عن الفواحش والمنكرات، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} (العنكبوت: 45)(1/29)
تكسب المسلم راحة نفسية وطمأنينة، لأنها تنسي هموم الدنيا ومتاعب الحياة، قال صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) "رواه النسائي" وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: (أرحنا بها يا بلال) "رواه أبو داود"
تعد الصلاة أفضل علاجاً لما يصيب المسلم من وسوسة الشيطان، فهي شفاء للقلوب ومكفرة للذنوب ودواء للنفوس تكسب المسلم قوة الإرادة قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (هود: 114) وقال صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن مالم تغش الكبائر) "رواه مسلم والترمذي"
رابعاً: حكم تارك الصلاة: قد يكون تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً أو تركها جحوداً لها وبيان ذلك:
من ترك الصلاة جحوداً أو إنكاراً فهو كافر بإجماع المسلمين ويعد مرتداً عن الإسلام ويجب أن يؤمر بالتوبة فإن تاب وأدى الصلاة عفي عنه وإن لم يتب ويقيم الصلاة قتل على انه مرتد عن الإسلام لأن الصلاة من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة والدليل على ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) "رواه مسلم وأبو داود" وهذا الأمر محمول على ترك الصلاة جحوداً وإنكاراً لفرضيتها أو استهزاءاً واستخفافاً بها وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) "رواه النسائي" وأجمع صحابة رسول الله على تكفير تارك الصلاة.(1/30)
ومن ترك الصلاة مع إيمانه بها فإنه يستتاب، فإن لم يتب وجب قتله حداً واعتبر من عصاة المسلمين لكنه يعامل بعد قتله معاملة المسلمين لأنه منهم والدليل في قتله ما روي عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله) "رواه مسلم"
خامساً: شروط الصلاة:
لا تعد الصلاة صحيحة إلا باستكمال شروطها وهذه الشروط هي:
شروط وجوب الصلاة:
الإسلام: فهي تجب على كل مسلم ومسلمة، أما الكافر فإن كان كفره أصلياً لم تجب عله الصلاة الفائته في الدنيا لعدم صحتها منه، ولا يجب على الكافر قضاء الصلاة الفائتة إذا أسلم وذلك ترغيباً له في الدين لقوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} (الأنفال: 38) أما المرتد فيجب عليه الصلاة ويلزمه القضاء بعد إسلامه فهي لا تسقط عنه بالردة التزم بها بإسلامه.
البلوغ: لا تجب الصلاة على الصغير لعدم تكليفه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل) "رواه أبو داود" هذا ويجب على الولي أن يأمر الصغير بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ويضربه على تركها إذا بلغ عشر سنين وتعويده على الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع) "السيوطي: الجامع الصغير"(1/31)
العقل: لا تجب الصلاة على من ذهب عقله بسبب غير محرم كمن جن أو أغمي عليه، أو زال عقله بمرض لعدم إدراكه لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث... الحديث) ولأن العقل مناط بالتكليف فينعدم التكليف بدونه، ولا يجب القضاء على المجنون والمغمى عليه وإذا أفاقا من الجنون والإغماء فإنه يسن لهما القضاء (الشافعي والنووي).
شروط صحة الصلاة:
الطهارة من الحدث: يعني طهارة الجسم عن الحدثين الأصغر والأكبر وتكون بالوضوء إذا كان الحدث لفقد الوضوء، وتكون بالغسل إذا كان الحدث بسبب كالجنابة والدليل على اشتراط الطهارة القرآن الكريم والسنة الشريفة، أما القرآن الكريم فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} (المائدة: 6)
وأما السنة الشريفة: فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) "رواه مسلم والترمذي" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ "رواه البخاري ومسلم"، شرط الطهارة عن الحدث لكل صلاة سواء كانت مفروضة أو غير مفروضة أو كاملة أو غير كاملة.
الطهارة من النجاسة: في البدن والثوب والمكان: أما طهارة البدن من النجاسة فالدليل على ذلك قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر: 5) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) "رواه البخاري ومسلم"(1/32)
وإزالة النجاسة عن الجسم شرط في صحة كل صلاة وإن علم المسلم بوجود النجاسة على جسمه لم تصح الصلاة.
وأما طهارة الثوب فالدليل على اشتراطها قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدثر:4) وما روى عن ابي هريرة رضي الله عنه أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، قال: (إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه، فقالت فإن لم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم/ ولا يضرك أثره) "رواه أحمد وأبو داود"
وأما طهارة المكان فالمقصود به الحيز الذي يشغله المصلى في أثناء صلاته، ما بين موطئ قدمه إلى مكان سجوده، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: لما بال الأعرابي في المسجد (صبوا عليه ذنوباً من ماء) "رواه البخاري وأبو داود" قياساً للمكان على الثوب لأن المكان كالثوب في ملامسة البدن.
ج.ستر العورة بلباس طاهر:
معنى العورة في اللغة: الخلل والنقص، ومعناها في الشرع: كل ما يجب ستره أو يحرم النظر إليه وستر العورة واجب مطلقاً حتى خارج الصلاة، وفي الخلوة إلا لحاجة كالاغتسال أو قضاء حاجة لأن الله تعالى أحق أن يستحيا منه سواء كان في الصلاة أو في غيرها، والدليل على وجوب ستر العورة، وأنها شرط من شروط صحة الصلاة القرآن والسنة النبوية الشريفة والإجماع.
أما القرآن الكريم: فقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف: 31) والمراد بالزينة الثياب وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه.
وأما السنة الشريفة: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار) "رواه الترمذي"
أما الإجماع: فقد أجمع العلماء على وجوب ستر العورة مطلقاً في الصلاة وخارجها عند القدرة.
حد العورة: حد العورة بالنسبة للرجل والمرأة كما يلي:(1/33)
عورة الرجل: أجمع جمهور الفقهاء على القول الراجح أن حد عورة الرجل ما دون سرته إلى ركبته وليست السرة ولا الركبتان من العورة ولكن يجب ستر الجزء الملاصق منهما والدليل على ذلك أن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت) "رواه أبو داود" والأحاديث الدالة على ستر العورة كثيرة وكلها تدل على أن الفخذين من العورة.
عورة المرأة: أجمع علماء المسلمين على أن ما عدا الوجه والكفين من جسد المراة يجب ستره لأنه عورة واختلفوا في الوجه والظاهر أن الوجه والكفين ليسا بعورة لأنهما مما جرت العادة بكشفه وهو المقصود بقوله تعالي: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 31) واشترط العلماء لجواز كشفهما عدم إثارة الفتنة واستدلوا بقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} (النور: 31)(1/34)
في هذه الآية دلالة على ستر العورة والعنق والصدر وفي النص إباحة كشف الوجه وهو المقصود بقوله (إلا ما ظهر منها) ولما جاء في السنة الشريفة: ما روي ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) "رواه الترمذي" وفي هذا الحديث دلالة على أن الوجه والكفين ليسا بعورة لأنهما لو كانا من العورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والى إبراز الكف للأخذ والعطاء.
عورة الصغير: يرى الشافعية أن حد عورة الصغير كالرجل ما بين السرة والركبة والصغيرة كالكبيرة في الصلاة وخارجها اما رأي الحنفية في هذا المجال فقد جاء وسطاً بين آراء العلماء استناداً للحديث الذي يأمر بالصلاة لسبع والضرب عليها لعشر وخلاصته: أن الصغير الذي يقل عمره عن أربع سنين لا عورة له غير القبل والدبر وما حولهما أما بعد العاشرة فعورته كعورة البالغ سواء أكان ذكراً أم أنثى.
العلم بدخول الوقت:
دخول الوقت شرط في صحة الصلاة لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (النساء:103) أي فرضاً مؤقتاً محدداً بأوقات لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها، ولا بد للمصلي أن يعلم ذلك قبل البدء بالصلاة ويكون ذلك بما يلي:
العلم اليقيني: ويكون بالاعتماد على الدليل المحسوس كرؤية الشمس.
الاجتهاد: ويكون بالاعتماد على دليل ظني كالظل.
التقليد: إذا جهل المصلي الوقت فلم يعلم ولم يتمكن من ذلك فعليه أن يقلد عالماً أو مجتهداً أما إذا صلى المسلم قبل دخول الوقت فلا تصح صلاته ووجب عليه أن يعيدها مهما كانت الوسيلة التي اعتمد عليها.
هـ.استقبال القبلة:(1/35)
وهي الكعبة وسميت بهذا الاسم لأن المصلي يقابلها، وسميت الكعبة لارتفاعها واستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة في حق القادر لقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (البقرة: 150) والمراد من المسجد الحرام: الكعبة المشرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة وكبر) "رواه البخاري" ولو خفيت أدلة القبلة على المجتهد بسبب الغيم أو الظلمة أو تعارضت الأدلة فلا يقلد غيره أما إذا كان عاجزاً عن أدلة القبلة كالأعمى والبصير الذي لا يعرف الأدلة وجب عليه تقليد مسلم عدل وإذا أخطأ المجتهد في الجهة قبل الشروع في الصلاة توجه الجهة التي يظنها، وإذا تيقن الخطأ بعد فراغه من الصلاة وجب عليه الإعادة لفوات الاستقبال.
سادساً: مواقيت الصلاة:(1/36)
والمواقيت جمع ميقات وهو القدر المحدد للفعل من الزمان والمكان وقد جعل الشارع الكريم أوقاتاً محددة ومخصوصة للصلاة فلا يجوز تقديمها أو تأخيرها عن وقتها وقد أجمع العلماء عن أن الصلوات الخمسة مؤقتة بمواقيت معلومة ومحددة وقد جاء في قوله تعالي: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (النساء:103) أي فريضة محددة بأوقات مخصوصة وأما السنة الشريفة فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين مواقيت الصلوات الخمس بالقول والعمل بعد أن جاءه جبريل عليه السلام وعرفه أوقاتها وضبط له وقت كل صلاة منها ابتداء وانتهاء روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى أنه قال: (أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى الظهر في الأول منها حين كان الفيء مثل الشراك ثم صلى العصر حين ظل كل شيء مثله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية: الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض ثم ألتفت إلى جبريل فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذه الوقتين) "رواه الترمذي والنسائي وأبو داود"
وقت صلاة الفجر: يبدأ وقت الفجر من طلوع الفجر الصادق وهو البياض المنتشر ضوءه معترضاً بالأفق ونواحي السماء ولا تعقبه ظلمة، والفجر الصادق هو مبدأ صلاة الصبح وبه تتعلق الأحكام الشرعية كلها، ففيه يخرج وقت العشاء ويدخل وقت الصبح وينتهي الليل ويبدأ النهار ثم يبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك من الصبح زلفة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) "رواه مسلم"(1/37)
وقت صلاة الظهر: يبدأ وقته من زوال الشمس أي ميلها عند كبد السماء ويمتد حتى يبلغ ظل كل شيء مثله روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر) "رواه مسلم" وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام فقال له: (قم فصل، فصلى الظهر حين زالت الشمس ثم جاءه من الغد للظهر فقال قم فصل فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله) "رواه الشوكاني).
وقت صلاة العصر: إذا صار ظل كل شيء مثليه خرج وقت الاختيار ويمتد وقت العصر إلى قبيل غروب الشمس وهو وقت الجواز، والدليل على ذلك ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته) "رواه البخاري".
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وقت العصر ما لم تغرب الشمس) "رواه الشوكاني" وقد أوصى الله تعالي بإقامة الصلوات الخمس في أوقاتها خاصة صلاة العصر، قال تعالي {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (البقرة :238) والصلاة الوسطي هي صلاة العصر.
وقت صلاة المغرب: يبدأ وقت صلاة المغرب حيث تغرب الشمس، والدليل على ذلك حديث جبريل عليه السلام، لأنه أم النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت واحد في اليومين، ولما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي المغرب إذا غربت ا لشمس وتوارت في الحجاب (رواه مسلم) ويمتد وقت المغرب حتى يغيب الشفق الأحمر لما رواه عبد الله بن عمرو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (وقت المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق) "رواه مسلم".(1/38)
وقت صلاة العشاء: يبدأ وقت صلاة العشاء من غياب الشفق الأحمر، ويستمر إلى ظهور الفجر، وقد دل على وقت صلاة العشاء ابتداء أو انتهاء واختيار ما جاء في حديث المواقيت: عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى) "رواه مسلم" دل الحديث على أن وقت الصلاة لا يخرج إلا بدخول غيرها، إلا صلاة الفجر فإنها مخصوصة من هذا العموم بالإجماع، ويكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها إلا في خير لقول أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها" والمعني في كراهية النوم قبلها مخافة استمراره إلى خروج الوقت، وأما الحديث بعدها فلأنه يخاف أن تفوته صلاة الصبح عن وقتها.
سابعاً: أركان الصلاة:
الركن في اللغة: ما كان جزءً أساسياً من الشيء وهو الجانب القوي قال تعالي { أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ( سورة هود 80)
والركن في الاصطلاح: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويدخل في ماهيته كالركوع والسجود، ولا تكتمل الصلاة إلا بتكامل جميع أجزائها بالشكل والترتيب الواردين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عليه السلام.
أركان الصلاة ثلاثة عشر ركناً، وتفصيلها كالتالي:
الركن الأول: النية
معني النية في اللغة: مطلق القصد.
في الاصطلاح: قصد الشيء مقترناً بفعله تقرباً إلى الله تعالي، ومحلها القلب في جميع العبادات، والدليل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى). "رواه البخاري ومسلم".
وقد شرعت النية لتحقيق أمرين هما:
تميز العبادات عن بعضها.
تميز بعض العبادات عن العادات.(1/39)
وشرط النية الجزم والدوام، ولا بد لصحتها أن تقترن بتكبيرة الإحرام، فلو شك في النية هل أتي بها أم لا بطلت الصلاة، ولو نوى في أثناء الصلاة الخروج منها بطلت.
الركن الثاني: القيام مع القدرة: القيام ركن في صلاة الفرض ودليل ذلك ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة.
أما القرآن الكريم: فقوله تعالي: { وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} ( البقرة:238).
تبين لنا أن الأمر الوارد في الآية للوجوب، ولما كان القيام خارج الصلاة ليس بواجب تعين أن يكون واجباً في الصلاة.
وأما السنة الشريفة: ما رواه عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فقال: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) "رواه البخاري" ، ويشترط في القيام الانتصاب، ولا يشترط الاستقلال في القيام، وإذا كان قادراً على القيام دون الركوع والسجود لمرض بظهره لزمه القيام وعلى قدر استطاعته لقدرته عليه، هذا في الصلوات المفروضة، أما صلاة النافلة فيندب القيام لها، ودليل ذلك ما رواه البخاري أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلي قاعداً فله نصف أجر القائم ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد) "رواه البخاري".
الركن الثالث: تكبيرة الإحرام:
وهي أن يقول المصلي إذا كان مأموماً أو منفرداً "الله أكبر" مسمعاً نفسه وإن كان إماماً يستحب له أن يجهر بها ليسمع من في الخلف، وهي علامة دخول المسلم في الصلاة وسميت تكبيرة الإحرام بهذا الاسم لأنه يحرم على الداخل في الصلاة ما كان حلالاً له قبلها والمقصود بها الذكر الخالص لله تعالي الذي يحرم به المصلي على نفسه الانشغال بما سوى الله تعالي، والدليل على أنها ركن من أركان الصلاة السنة الشريفة، قوله - صلى الله عليه وسلم -: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) "رواه الترمذي".(1/40)
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة وكبر) "رواه البخاري".
وقوله أيضا: (إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) "رواه مسلم وأحمد".
ويشترط لصحة تكبيرة الإحرام ما يلي:
أن يكون اللفظ باللغة العربية وإن لم يستطع بأي لغة تدل عليها.
أن يسمع المصلى نفسه التكبير.
أن ينوى تكبيرة الإحرام، وهو قائم حال استقبال القبلة، وإن جاء المأموم وكبر وهو هاوٍ للركوع ليلحق ركعة مع الإمام لم تجز صلاته.
4.الركن الرابع: قراءة الفاتحة:
قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في كل ركعة للإمام والمأموم والمنفرد، ودليل ذلك من السنة الشريفة: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) "رواه البخاري" وقوله عليه الصلاة والسلام: (تكبر ثم اقرأ بأم الكتاب) وهذا ظاهر في دلالة الوجوب، وفي حديث آخر (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، خداج، خداج) أي ناقصة، وقال الشافعية: إن البسملة آية كاملة من أول سورة الفاتحة، ومن أول كل سورة إلا سورة براءة، ودليل ذلك ما رواه البخاري في تاريخه أنه - صلى الله عليه وسلم - : (عد الفاتحة سبع آيات، وعد البسملة آية منها) ولأن الصحابة رضي الله عنهم أثبتوها فيما جمعوا من القرآن، فدل على أنها آية منها، وإلا لما أثبتوها.
والسنة الجهر بها في الصلاة الجهرية، ويتعين على القادر قراءة الفاتحة في حال القيام، وأن يقرأها باللغة العربية، فلا يصح ترجمتها لأن الترجمة لا تعد قرآناً وإن عجز عن قراءتها قرأ بدلها سبع أيام من القرآن الكريم.
الركن الخامس: الركوع والطمأنينة فيه:(1/41)
الركوع في اللغة: يعني مطلق الانحناء ويعني في الاصطلاح الانحناء بالجذع والرأس معا حتى تبلغ يداه ركبتيه وأقله أن ينحني القادر المعتدل الخلقة حتى تبلغ راحتاه ركبتيه، وأكمله أن ينحني بحيث تحاذى جبهته موضع سجوده، وأن يستوي ظهره وعنقه وينصب ساقيه ويأخذ ركبتيه بكفيه ويفرق أصابعه ويوجهها نحو القبله، ويجافي مرفقيه عن جنبيه بالنسبة للرجل، أما المرأة فتضم بعضها إلى بعض ودليل فرضية الركوع:
القرآن الكريم: قال تعالي : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } (الحج: 77)
السنة الشريفة قوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته (ثم أركع حتى تطمئن راكعاً) "رواه البخاري ومسلم".
وقد أجمع العلماء على فريضة الركوع.
* وحتى يصح الركوع لا بد أن يلتزم المصلي بما يلي:
الانحناء حتى تنال راحتاه ركبتيه، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: (إذا ركع أركن يديه من ركبتيه)
أن يقصد بركوعه الركوع، فلو هوى خائفاً من شيء ثم استمر منحياً، وقصد أن يجعله ركوعاً لم يكفه.
الاطمئنان في الركوع وهو فرض وأقل الطمأنينة أن يلبث في هيئة الركوع حتى تستقر أعضاءه قدر تسبيحه، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ثم اركع حتى تطمئن راكعا) "رواه البخاري".
والسنة في الركوع أن يقول: سبحان ربي العظيم ثلاثاً، وهذا أدني مراتب الكمال، روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا ركع أحدكم، فقال في ركوعه، سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه، وذلك أدناه) "رواه الترمذي وابن ماجة".
الركن السادس: الاعتدال بعد الركوع والطمأنينة فيه، وهو ركن من أركان الصلاة ودليل ذلك:
قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ثم ارفع حتى تعتدل قائماً) "رواه البخاري ومسلم".(1/42)
في وصف عائشة رضي الله عنها في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (فكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً والاعتدال الواجب أن يعود يصلي بعد ركوعه إلى الهيئة التي كان عليها قبل الركوع سواء صلى قائماً أو قاعداً، فلو ركع ولم يعتدل قائماً بل هوى إلى السجود لم تصح صلاته، ويجب أن لا يقصد برفعه غير الاعتدال، ويجب أن لا يطيل الاعتدال، لأنه ركن قصير لا يجوز تطويله) "رواه مسلم"
الركن السابع: السجود والطمأنينة فيه:
السجود في اللغة: يعني الخضوع والتذلل
في الاصطلاح: وضع الجبهة على الأرض.
دليل ركنه:
القرآن الكريم: قوله تعالي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا} (77) سورة الحج
السنة الشريفة: قال- صلى الله عليه وسلم - : (صلوا كما رأيتموني أصلي) "أخرجه البخاري".
أجمع العلماء على فرضية السجود والاطمئنان ركن لقوله- صلى الله عليه وسلم - : (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ومن منع عن السجود فله السجود على أي شيء أمامه من إنسان أو متاع لقول عمر رضي الله عنه (إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه) "رواه البيهقي"
ويشترط لصحة السجود ما يلي:
التحامل على الجبهة بحيث لو سجد على قطن أو حشيش يظهر أثر السجود فيه، ودليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقراً) "رواه ابن حيان".
ارتفاع أسافله على أعاليه روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل هكذا ".
أن يكون السجود على سبعة أعضاء: الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين، والدليل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة- وأشار بيده إلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين" (رواه البخاري ومسلم)(1/43)
أن لا يسجد على ثوب متصل به يتحرك بحركته، ولو عجز عن السجود لعله أومأ برأسه، فإن عجز فبطرفه ولا إعادة عليه.
الركن الثامن: الجلوس بين السجدتين:
بعد أن يسجد المصلي السجدة الأولي يرفع رأسه ويكبر، ويطمئن جالساً بين السجدتين ولو في صلاة نفل وأقله أن يستوي جالساً مع الطمأنينة وذلك في كل ركعة، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ثم أرفع رأسك حتى تستوي وتطمئن جالساً) "رواه أبو داود" وفي حديث آخر " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالساً" ويشترط لصحة الجلوس بين السجدتين، كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (عن قعود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يفترش رجله اليسرى، ويجلس عليها وينصب اليمين ويوجه أصابعه نحو القبلة) "رواه البخاري".
الركن التاسع: الجلوس الأخير:
وهو الجلوس الذي يكون في آخر ركعة من الصلاة، بحيث يأتي بعده السلام، ودليله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إذا قلت هذا أي التشهد أو فعل هذا أي القعود فقد تمت الصلاة) "رواه البخاري ومسلم" يدل الحديث على أن النبي عليه الصلاة والسلام علم تمام الصلاة بالفعل وهو القعود سواء أقرأ، أم لم يقرأ، والقراءة لم تشرع بدون القعود حيث لم يفعلها رسول الله إلا فيه، فكان القعود هو المعلق به تمام الصلاة في الحقيقة، والمفروض من القعود هو مقدار قراءة التشهد والصلاة على النبي، والسنة أن يجلس المصلي متوركاً يخرج يسراه من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض، ويضع آليته على الأرض، والمستحب أن يبسط أصابع يده اليسرى على فخذه، وأن يضع أصابع يده اليمنى على فخذه مقبوضة إلا المسبحة.
الركن العاشر: التشهد في الجلوس الأخير:(1/44)
التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة كما قال الشافعية ودليل ذلك ما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا – وعند البيهقي والدار قطني- كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله، السلام على فلان السلام على جبريل السلام على ميكائيل فقال رسول الله: لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله....) "رواه البخاري ومسلم". وأقل التشهد: (التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله). وأكمل التشهد: ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول:( التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) "رواه مسلم".
الركن الحادي عشر: الصلاة على النبي في التشهد الأخير: الصلاة على النبي كما يرى الشافعية مفروضة في الصلاة، واستدلوا على ذلك بالقرآن الكريم والسنة الشريفة.
أما القرآن الكريم فقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56) وقد أجمع العلماء على أنها لا تجب في غير الصلاة، لأن الأمر وارد للوجوب.(1/45)
وأما السنة الشريفة فقد روى كعب بن عجرة قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا الله كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا:( اللهم صل على محمد على محمد – كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد) "رواه البخاري ومسلم" ولا يجوز لمن يتقن الكلام بالعربية أن يعدل عنها في التشهد والصلاة على النبي إلى ترجمتها، فإن كان عاجزاً عن النطق تلا باللغة التي يتقنها (رواه مسلم).
الركن الثاني عشر: التسليمة الأولى:
يجب إيقاع التسليمة الأولى في حال القعود، وأقله: السلام عليكم مرة واحدة، وأكمله السلام عليكم ورحمة الله مرتين يميناً وشمالاً، لقوله صلى الله عليه وسلم:( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) رواه مسلم. وروى عن سعد رضي الله عنه أنه قال:(كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده) رواه مسلم، وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله، حتى يرى بياض خده:( السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله) رواه أبو داود.
الركن الثالث عشر: الترتيب:
وهو جعل كل ركن في محله، فلو قدم المصلي ركن عن ركن آخر كأن يسجد قبل ركوعه، أو ركع قبل قراءته، فإن كان فعل ذلك عمداً بطلت صلاته، وإن فعل ذلك غير متعمداً بطلت صلاته أيضاً فيجب عليه أن يعيد ذلك كله، ودليل ذلك أن السنة العملية لصلاة النبي مرتبة، وتعليم النبي الصلاة لأصحابه كانت مرتبة.
ثامناً: سنن الصلاة:
السنة في اللغة معناها: الطريق، وفي الاصطلاح: ما طلب الشارع فعله طلباً غير جازم، بحيث يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
* أقسام السنن التي تؤدي في أثناء الصلاة قسمان هما:(1/46)
1- القسم الأول: أبعاض، بحيث إذا تركت تجبر المصلي بسجود السهو في آخر الصلاة ولا تبطل الصلاة بتركها، وهي على النحو التالي:
التشهد الأول والقعود له، ويكون في الجلوس بعد الانتهاء من الركعة الثانية وهو سنة، ودليل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين) ولو كان واجباً لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم. "رواه أبو داود"
الصلاة على النبي والقعود لها.
الصلاة على آل محمد بعد التشهد الأخير والقعود لها، يسن الصلاة على آل النبي عليه الصلاة والسلام عند أداء ركن التشهد في الجلسة الأخيرة أو ركن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
القنوت في صلاة الصبح عند الاعتدال من الركعة الثانية، ووتر النصف الثاني من رمضان والقيام للقنوت، والصلاة على النبي وعلى آله بعد القنوت، ودليل ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه قال:( ما زال رسول الله يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا) رواه الإمام أحمد.
ويستحب القنوت في آخر الوتر في النصف الثاني من رمضان لما رواه أبو داود عن أبي بن كعب رضي الله عنه عندما أم في رمضان وكان يقنت في النصف الأخير من رمضان (رواه أبو داود) أما لفظ القنوت في الوتر (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ) وزاد العلماء فيه ( فلك الحمد على ما قضيت نستغفرك اللهم ربنا ونتوب إليك، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم) رواه الترمذي.
2- القسم الثاني: الهيئات: وهي كثيرة إن تركها المصلى لا يسجد للسهو وتتلخص فيما يلي:(1/47)
رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند كل ركوع واعتدال وعند القيام من التشهد الأول رفع اليدين سنة لأنه صح ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام على اختلاف الأوضاع التي يصلي فيها المسلم، وسواء في الفرض أو النفل، وسواء الرجل أو المرأة وسواء في ذلك الإمام أو المأموم.
وضع بطن كف اليد اليمنى على ظهر كف اليسرى تحت صدره وفوق سرته.
النظر إلى موضع السجود في جميع الصلاة إلا في حال رفع مسبحته عند قوله في التشهد ( إلا الله ) فينظر إليها إلى أن يقوم ويسلم.
دعاء الافتتاح بعد تكبيرة الإحرام، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين) رواه مسلم.
التعوذ قبل قراءة الفاتحة لقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (النحل:98).
الجهر في القراءة في الركعتين الأوليتين المغرب والعشاء والصبح والجمعة والعيدين والتراويح ووتر رمضان وخسوف القمر والاستسقاء ولو نهاراً وركعتي الطواف ليلاً، والإسرار بالقراءة في صلاة الظهر والعصر والركعة الثالثة للمغرب والأخيرتين من العشاء، ووتر غير رمضان، دل على ذلك الأحاديث النبوية الشريفة ونقل الخلف من السلف.
قول آمين بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة في كل ركعة لقوله صلى الله عليه وسلم:( إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين ، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) "رواه البخاري" ويجهر بالتأمين في الصلاة الجهرية ويسر به في الصلاة السرية.(1/48)
قراءة شيء من القرآن الكريم بعد قراءة الفاتحة وتسن القراءة للإمام والمنفرد في صلاة الصبح وفي الأوليين من سائر الصلوات، والأصل في مشروعيته ذلك ما رواه أبو قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليتين بأم القرآن وشيء من القرآن، وفي الركعتين الأخيرتين بالفاتحة، ويسمعنا الآية أحياناً ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية وكذا في صلاة العصر) رواه البخاري. ويسن تطويل الركعة الأولى على الثانية في جميع الصلوات.
التكبير للهوي لكل ركوع أو سجود، وأن يقول: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) والأصل في ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ويكبر حين يركع ثم يقول: (سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ويقول وهو قائم: ربنا لك الحمد ثم يكبر حين يهوي للسجود ثم يكبر حين يرفع رأسه يفعل ذلك في الصلاة كلها، وكان يكبر حين يقوم لاثنتين من الجلوس) "رواه البخاري ومسلم".
التسبيح عند الركوع والسجود كما رواه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام لما نزل قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال:( اجعلوها في سجودكم) ويستحب أن يقول ذلك ثلاثاً وهذا أدنى درجات الكمال، فإن زاد كان أفضل. رواه أبو داود.
وضع اليدين على الفخذين في الجلوس في جلستي التشهد. يستحب للمصلي أن يضع يديه على فخذيه ويبسط اليسرى مع ضم الأصابع إلى بعضها، ويقبض من يده اليمنى الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام ويرسل المسبحة، روى ابن عمر عن النبي في صفة جلوسه قال :( كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) …رواه الشوكاني.(1/49)
الإفتراش في جميع الجلسات، والتورك في الجلسة الأخيرة، وكيف قعد المصلي جاز، وهذا إجماع العلماء لكن يسن في جلسة التشهد الأولى الإفتراش وهو أن يجلس على كعب رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، ويجعل أطراف أصابعها للقبلة، روى عبد الله بن الزبير أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى. "رواه مسلم".
التسليمة الثانية: تستحب التسليمة الثانية لما روى سعد رضي الله عنه قال :( كنت أرى رسول الله يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض فخذه) "رواه مسلم".
التزام الخشوع في الصلاة كلها: وهو سكون الجوارح من حضور القلب وإذا فقد الخشوع يفقد ثواب الصلاة، دليله قول عثمان رضي الله عنه : سمعت رسول الله يقول :( ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كاتنت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله).
تاسعاً: كيفية الصلاة:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين باتباعه في كيفية أداء الصلاة فقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وذلك على النحو التالي:
يقف المصلى القادر متطهراً مستور العورة مولياً وجهه جهة القبلة ويرفع يديه إلى محاذاة أذنيه، وينوي بالقلب الصلاة التي يصليها، وتجوز النية بالتلفظ ويقول الله أكبر، وهذه هي تكبيرة الإحرام.
يضع كفه الأيمن على الأيسر تحت السرة أو فوقها.
يقرأ في الركعة الأولى دعاء الاستفتاح ثم يتعوذ من الشيطان الرجيم ويقرأ البسملة ثم سورة الفاتحة، ويجهر الإمام بالقراءة في مواطن الجهر، وكذلك المنفرد، أما المأموم فيسر في القراءة ولا يجهر، ومن السنة أن يقول المصلي آمين سواء أكان إماماً أو مأموماً أو منفرداً.(1/50)
ثم يكبر ويركع حتى تصل يديه إلى ركبتيه، ومن السنة تسوية الرأس بالعجز وتفريج الأصابع على الركبة والساق وبسط الظهر، وفي الركوع يقول: (سبحان ربي العظيم) ثلاث مرات، ثم يرفع رأسه من الركوع حتى يستوي قائلاً (سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد) ويجهر بها في الصلاة الجهرية ويستحب أن يرفع يديه فيه محاذاة أذنيه.
ثم يسجد قائلاً (الله أكبر) وفي سجوده يضع ركبتيه قبل يديه، ثم كفيه بعدها، ثم جبهته وأنفه، ولا يفرج أصابعه، بل يجعلها مضمومة وينصب رجليه، وهو ساجد، ويلاصق أطراف أصابع الرجلين على الأرض، ويخشع في سجوده فيقول: (سبحان ربي الأعلى) ثلاث مرات، وبعد الاطمئنان من السجود يرفع المصلي رأسه مكبراً (الله أكبر) ويجلس على رجله اليسرى بعد أن يفرشها على الأرض، ثم يوقف رجله اليمنى جاعلاً أطراف أصابعه على الأرض مستقبلاً بأصابعه القبلة، واضعاً يديه على فخذيه والأصابع مضمومة، ويطمئن في جلوسه، ويدعو ما شاء الله له من الدعاء. ثم يسجد للمرة الثانية مكبراً (الله أكبر) كالسجدة الأولى، وبهذا تنتهي الركعة الأولى.
ثم يقف ليصلي الركعة الثانية، كما صلى الركعة الأولى، بعد أن يسجد السجدتين في الركعة الثانية يقعد، ويضع يديه على فخذيه ليقرأ التشهد الأخير، إذا كانت الصلاة ركعتين كصلاة الصبح، ويشير بالسبابة اليمنى عند (أشهد أن لا إله إلا الله) فإذا كانت الصلاة أكثر من ركعتين يقعد المصلي، ويضع يديه من أسفل فخذيه بعد الانتهاء من الركعة الثانية والقعود الأول، ويقرأ التشهد حتى (اشهد أن محمداً عبده ورسوله).(1/51)
ثم يقف المصلي ليصلي الركعة الثالثة، ويفعل ما فعله في الركعتين الأولى والثانية إلى أن يقرأ الفاتحة سراً، ولا يقرأ بعدها من القرآن الكريم وفي نهاية الركعة الثالثة يقرأ التشهد كله، إذا كانت الصلاة ثلاث ركعات كصلاة المغرب، أما إذا كانت أربع ركعات، صلى الركعة الرابعة كما صلى الثالثة وبعد أن ينتهي من الركعة الرابعة يقعد القعود الأخير، ليقرأ التشهد كله ويدعو الله ما شاء له من الدعاء.
عاشراً: سجود السهو:
معنى السهو لغة: النسيان والغفلة عن الشيء والمقصود بالسهو عند العلماء: الخلل الذي يقع في صلاة المسلم ويكون السجود جبراً للنقص تفادياً عن إعادة الصلاة سواء في صلاة الفرض أو في صلاة النفل.
حكم سجود السهو: سجود السهو سنة للإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يسجد إذا سها خلف إمامه، ويتحمل الإمام سهوه في حال إقتدائه، ودليل مشروعية سجود السهو ما روى أبو هريرة قال: صلى بنا النبي الظهر والعصر، فسلم فقال له ذو اليدين الصلاة يا رسول الله أنقصت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحق ما يقول) قالوا: نعم، فصلى ركعتين أخرتين، ثم سجد سجدتين. رواه البخاري.
أسباب سجود السهو:
ترك المصلي بعضاً من أبعاض الصلاة، وهي ستة: التشهد الأول وقعوده، والقنوت في الصبح وفي آخر الوتر النصف الثاني من رمضان، والقيام للقنوت والصلاة على النبي في التشهد الأول والصلاة على الآل في التشهد الأخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستقم قائماً فليجلس، وإذا استتم قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو). "رواه أبو داود"
إذا شك في أثناء الصلاة هل صلى ثلاثاًً أو أربعاً, فإنه في هذه الحالة يأخذ باليقين ويبني على الأقل ويأتي بركعة, أما إذا سلم من الصلاة, وشك هل ترك ركناً أو ركعة فلا يلزمه شيء وصلاته صحيحة.(1/52)
أن يفعل المصلي شيئاً سهواً, يبطل عمده الصلاة, كأن يطيل الاعتدال إطالة خارجة عن المألوف, أو يتكلم بكلمات قليلة, أو أن يصلي ركعة زائدة, بدليل أن النبي ( سلم من اثنين وكلم ذا اليدين, وأتم صلاته وسجد سجدتين. ( رواه مسلم).
أن ينقل المصلي ركناً من الأركان أو بعضاً، أو أن ينقل سورة إلى غير محلها، كأنه يقرأ الفاتحة في جلسة التشهد، أو يدعو القنوت في الركوع.
صفة سجود السهو ومحله:
سجود السهو سجدتان كسجود الصلاة، ولا بد فيه من النية ومحلها القلب. أما محله ففي آخر الصلاة بين التشهد والسلام، ودليل ذلك قول النبي: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، فليطرح الشك، وليبين على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانت ترغيماً للشيطان) "رواه مسلم وأحمد".
إحدى عشر: قضاء الصلاة:
معنى القضاء: إيقاع الصلاة بعد خروج وقتها، أو إذا لم يبق يتسع لصلاة ركعة.(1/53)
وحكم قضاء الصلاة: واجب وهذا ما اتفق عليه جمهور العلماء سواء تركها عمداً، أو نسياناً. ويأثم المسلم إن أخر الصلاة عن وقتها بغير عذر لقوله تعالى {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (سورة النساء: 103) ويجب عليه المبادرة إلى قضائها فوراً لقوله عليه الصلاة والسلام :( إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول {َأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} "رواه مسلم". ومن أخر الصلاة عن وقتها لعذر مشروع فلا إثم عليه، ويكون العذر في بعض الأحيان مسقطاً للصلاة كلياً لا يطالب المعذور بقضائها كعذر الحيض والنفاس والإغماء. ويسن ترتيب الصلوات الفائتة وتقديمها على الصلوات الحاضرة بشرط ألا يخشى فوات الصلاة الحاضرة، وأن يتذكر الصلاة الفائتة قبل البدء بالصلاة الحاضرة، ومن فاتته صلاة في السفر فلم يصلها وأراد قضاءها في الحضر فلا بد أن يصليها كاملة تامة، ويجوز أن يقضي المسلم ما فاته من صلوات حتى في أوقات النهي.
حكم صلاة الجماعة ومشروعيتها وفضلها وحكمتها
أولاً: حكم صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة فرض كفاية عند الشافعية، ولا بد من إظهار شعارها حتى تتأكد لنا إقامتها في كل بلد، فإن لم تؤد وجب على الإمام فقال أهل البلد ويأثم الجميع.
ثانياً: الأصل في مشروعيتها:
الأصل في مشروعيتها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والإجماع.
أما القرآن الكريم فقوله تعالى {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ} (سورة النساء: 102) وهذا يدل على أن إقامة الجماعة في الخوف والأمن.(1/54)
وأما السنة النبوية فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة) "رواه البخاري ومسلم". وحديث آخر: (ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية). وقد أجمع الصحابة على مشروعية صلاة الجماعة بعد الهجرة.
ثالثاً: فضل صلاة الجماعة:
لصلاة الجماعة فضائل كثيرة تحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه الشريفة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ (المنفرد) بسبع وعشرين درجة ) "رواه البخاري ومسلم".
الصلاة نور المسلم يوم القيامة :(كما في قوله صلى الله عليه وسلم: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) "رواه أبو داود والترمذي".
قول النبي صلى الله علين وسلم :(من صلى أربعين يوماً الصلوات في جماعة لا تفوته فيها تكبيرة الإحرام كتب الله له براءتين براءة من النفاق وبراءة من النار). ويتأكد من صلاة الجماعة في صلاتي العشاء، ثم الصبح، ثم العصر، لقول النبي: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً) "رواه البخاري ومسلم".
رابعاً: حكمة صلاة الجماعة:
فيها العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي شعار المسلمين، لأنها تحقق التآلف والتعاون بين المسلمين.
تعود الناس على النظام والانضباط وحب الطاعة في البر والمعروف والانقياد إلى قائد واحد، فلا يفضل بعضهم بعضا إلا بالتقوى، وبذلك تتحقق المساواة بينهم.
تربي الناس على أفضل أصول التربية وتربطهم بأقوى الروابط لأن ربهم واحد، وإمامهم واحد، وغايتهم واحدة.
صلاة الجماعة مدرسة للتعليم المستمر على الصدق والإخلاص وحب الخير.
خامساً: صلاة المسبوق:(1/55)
المسبوق هو من لم يدرك مع الإمام من قيام الركعة الأولى أو غيرها زمناً يسع قراءة الفاتحة. يركع المأموم فإن وجد المأموم الإمام راكعاً، أو ركع الإمام عقب تحرمه، فإنه في هذه الحالة معه وجوباً، لأجل تحصيل الركعة، وتسقط عنه الفاتحة لتحمل الإمام لها عنه، فإن لم يركع وتخلف لقراءة الفاتحة حتى رفع الإمام من ركوعه فقد فاتته الركعة، وعليه أن يمضي في متابعة الإمام في الهوى للسجود أما إذا كان قريباً من الركوع يشرع المأموم في قراءة الفاتحة، وإذا ركع الإمام قبل إتمام قرءاتها ركع معه وسقط عنه باقيها لتحمل الإمام له عنه، فإن لم يركع معه فاتته الركعة ووجب عليه أن يوافقه في الهوى للسجود، فإن لم يوافقه فيه أبطلت صلاته إن لم ينو المفارقة، ويحصل المأموم على فضيلة الجماعة ما لم يسلم الإمام.
وحتى يكون المأموم مدركاً لفضيلة الجماعة لا بد من توافر شرطين:
أن يكون ركوع الإمام معتداً به وإلا فلا يدرك الركعة.
أن يطمئن المأموم قبل أن يعتدل الإمام عن أقل الركوع، لأن الركوع إذا فقد الطمأنينة لا قيمة له. ولو علم المأموم في ركوعه أنه ترك الفاتحة أوشك، ليس له أن يعود إليها، بل يصلي ركعة بعد سلام الإمام. وتبطل صلاة المسبوق إذا تخلف عن الإمام بركنين فعليين بلا عذر إذا كان عامداً عالماً بالتحريم لفحش المخالفة.
* قصر الصلاة وجمعها:
رخص الله تعالى للمسافر في صلاته رخصتين:
قصر الصلاة الرباعية.
الجمع بين الصلاتين.
أولاً: قصر الصلاة الرباعية:
معنى القصر: وهو أن تؤدي الصلاة الرباعية كالظهر والعصر والعشاء ركعتين بدلاً من أربع.
الأصل في مشروعية القصر: والأصل في مشروعية القصر: القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع.(1/56)
أما القرآن الكريم فقوله تعالى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (سورة النساء: 101) ومعنى ضربتم أي سافرتم، والقصر جائز في حالتي الخوف والأمن.
أما السنة الشريفة: عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: صلينا مع رسول الله ركعتين ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين "رواه مسلم".
وقد اجمع أهل العلم على أن من سافر سفراً في غير معصية قصر الصلاة الرباعية سواء كان السفر واجباً كسفر الحج، أم مكروهاً كسفر المنفرد وحده دون صحبه، روى عن عائشة رضى الله عنها: (فرضت الصلاة ركعتين إلا المغرب فإنه وتر النهار، ثم زيدت في الحضر، وأقرت في السفر على ما كانت عليه) "رواه البخاري ومسلم".
حكم القصر: حكم القصر رخصة، والمسافر مخير بين الإتمام أو القصر، إلا أن القصر أفضل، واحتج من قال برخصة القصر بما يلي:
بقوله تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ } (سورة النساء: 101) أكدت الآية الكريمة رفع الإثم عمن قصر صلاته.
ما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصر فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته . رواه البخاري ومسلم.
شروط القصر:
أن يكون السفر طويلاً يبلغ ثمانية وأربعون ميلاً ويشترط أن تكون المسافة غير الإياب.
أن يكون السفر مباحاً، فلا يجوز قصر صلاة من أراد فعل معصيته كقطع الطريق وشراء الخمر والمخدرات وأخذ الرشوى، وكذلك سفر المرأة بغير إذن زوجها.
العلم بجواز قصر الصلاة فمن صلى جاهلاً قصر الصلاة يلزمه إعادة الصلاة كاملة.
أن يقصد المسافر المكان الذي يذهب إليه.
أن يكون مسافراً من أول الصلاة إلى أخرها، فلو انتهت الرحلة لزمه إتمام الصلاة.(1/57)
أن يكون مؤدياً للصلاة الرباعية فلا يجوز القصر في صلاة الصبح والمغرب.
أن لا يقتدي بمقيم، فإن اقتدى لزمه الإتمام، أما لو اقتدى المقيم بالمسافر فلا مانع.
أن تكون نية القصر مقترنة بنية الإحرام، فإذا لم ينو انعقد احرامه على الأصل وهو أن يصلي الصلاة تامة.
كيفية القصر:
لا يجوز للمسافر القصر في الصلاة الرباعية إلا إذا خرج من البلد التي سافر منها، وينتهي القصر لحظة وصوله ثانية إلى ذلك البلد، دليله ما روى عن أنس رضي الله عنه قال: (صليت الظهر مع النبي بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين) "رواه البخاري ومسلم" وذو الخليفة خارج عمران المدينة المنورة. والمسافر الذي يريد قصر الصلاة الرباعية عليه أن يكون عالماً بشروط القصر حتى تصح صلاته.
الجمع بين الصلاتين:
معنى الجمع: ضم صلاتين إلى بعضهما في الأداء، كأن يجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً، وبين المغرب والعشاء كذلك، والجمعة كالظهر في جمع التقديم في السفر الطويل، ولا تجمع صلاة الصبح إلى غيرها، ولا العصر إلى المغرب.
ومعنى جمع التقديم: أداء الصلاتين في وقت الأولى منهما.
ومعنى جمع التأخير: أداء الصلاتين في وقت الثانية منهما.
الأصل في الجمع بين الصلاتين:
الأحاديث التي وردت في السنة الشريفة في الجمع ما يلي:
ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول اله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء) "رواه البخاري".
وعن أنس رضى الله عنه قال :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل يجمع بينهما، فإذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب) رواه البخاري ومسلم.(1/58)
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :( خرجنا مع رسول الله في غزوة تبوك فكان يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً) رواه أبو داود والترمذي.
أسباب الجمع بين الصلاتين:
الجمع في السفر: يشترط في السفر الذي يجوز فيه الجمع أن يكون طويلاً، وأن تكون الجهة المسافر إليها مقصودة ومعلومة، وأن يكون السفر في طاعة لا في معصية.
الجمع بعرفة والمزدلفة: اتفق العلماء على أن الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر بعرفة، وبين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء بمزدلفة سنة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الجمع بسبب الحاجة أو المرض: يجوز الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً بعذر المرض لمعاناة المريض من مرضه.
الجمع بين الصلاتين في المطر: يجوز للمقيم الجمع بين الصلاتين تقديماً بالمطر وقت الأولى بشرط وجود المطر عند الإحرام بالأولى والفراغ منها، ولا يجوز الجمع بالمطر جمع تأخير وقت الثانية، لأنه ربما ينقطع قبل الجمع.
شروط جمع التقديم:
النية: وهي أن ينوي جمع التقديم عندما يكبر للإحرام في الصلاة الأولى، أو في أثنائها، ليتميز التقديم المشروع عن التقديم سهواً.
أن يبدأ بالصلاة الأولى، بأن يصلي الظهر قبل العصر والمغرب قبل العشاء لأن الوقف للأولى، والثانية تبع لها.
الموالاة: بأن لا يطول بينهما، لأن الجمع يجعلهما كصلاة فوجب الموالاة كركعات الصلاة، ولأن الثانية تابعة، والتابع لا يفصل عن متبوعه، ودليله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جمع بنمرة أقام الصلاة بينهما) "رواه الشوكاني".
دوام سفره إلى الإحرام بالصلاة الثانية، ولو انقطع سفره قبل الإحرام بالثانية، فلا يصح الجمع لزوال السبب.
شروط جمع التأخير:(1/59)
أن ينوي التأخير في وقت الأولى بنية الجمع إلى وقت الصلاة الثانية، وتشترط النية في وقت الأولى، بحيث يبقى من الوقت ما يسعها.
دوام السفر إلى الفراغ من الصلاتين معاً، فلو أقام ولو في أثناء الثانية صارت الصلاة الأولى الظهر أو المغرب قضاء لأنها تابعة للثانية في الأداء لعذر وقد زال، هذا إذا لم ينو الجمع، ولكنه إذا نوى الجمع لا يعد قضاء لأنه لم يفرط. ولا يشترط الترتيب بين الصلاتين، ولا الموالاة هنا سنة وليست شرطاً لصحة الجمع.
صلاة الجمعة:
معنى صلاة الجمعة وفضل يومها:
سميت الجمعة بهذا الاسم لأنها تجمع الناس في مكان واحد، وكان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية العروبة، وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم فضل يوم الجمعة ليحرص المسلمون على الإكثار من الصلاة على النبي والدعاء وقراءة القرآن فيه، حيث قال فيه: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة). "رواه مسلم".
حكم صلاة الجمعة ومشروعيتها:
صلاة الجمعة فرض عين على كل مسلم مكلف من غير أصحاب الأعذار، لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } (سورة الجمعة: 9) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (رواح الجمعة واجب على كل مسلم) "رواه النسائي". وقد أجمع علماء المسلمين على وجوب صلاة الجمعة.
ولما كانت صلاة الجمعة فرض عين فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تركها بغير عذر حيث قال: (من ترك الجمعة ثلاثاً من غير ضرورة طبع على فلبه) رواه ابن ماجة وقال أيضاً: (من ترك ثلاث جمع بها ونابها طبع على قلبه) "رواه النسائي".
وقت صلاة الجمعة:(1/60)
وقت صلاة الجمعة هو قوت صلاة الظهر، وذلك لما روى عن أنس أن النبي (كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس) "رواه البخاري".
شروط وجوب صلاة الجمعة:
التكليف: فلا تجب الجمعة على غير المسلم كما لا تجب على الصبي والمجنون لأنهما غير مكلفين بالأحكام الشرعية، ولا تجب على المغمى عليه وكل من زال عقله بسبب غير محرم لأن مناط التكليف العقل.
الذكورة: فلا تجب الجمعة على المرآة، ولكنها تصح منها، فقد ثبت أن النساء كن يصلين خلف النبي في مسجده خلف الرجال. قال صلى الله عليه وسلم :( الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة أو صبي أو مريض ) رواه أبو داود.
الصحة: فلا تجب على المريض الذي تلحقه مشقة ظاهرة غير محتملة بذهابه لأداء صلاة الجمعة، ولا تجب الصلاة على الأعمى إلا أن يكون له قائد يقوده إلى الجمعة.
الإقامة: فلا تجب الجمعة على المسافر ويستحب له أن يصلي الجمعة إذا أمكن.
أمن الطريق: فلا تجب الجمعة على من خاف الطريق، ولا تجب على من ألحقته مشقة بالذهاب إلى الجمعة.
شروط صحة صلاة الجمعة:
دخول الوقت، إن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر.
أن تقام الجمعة في أبنية يسكن حولها من تنعقد بهم الجمعة صيفاً وشتاءً من بلد أو قرية.
أن يكون عدد من حضروا لأداء صلاة الجمعة أربعين نفساً ممن تنعقد بهم الصلاة.
كيفية صلاة الجمعة:
يصلي الإمام ركعتين، ويسن أن يجهر فيهما بالقراءة، ويقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة الجمعة أو سورة الأعلى وفي الركعة الثانية سورة المنافقين أو سورة الغاشية.
وصلاة الجمعة ركعتان لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.(1/61)
حكم المسبوق: من دخل المسجد والإمام يصلي الجمعة أحم بها وكبر، فإن أدرك مع الإمام الركوع من الركعة الثانية فقد أدرك الركعة الثانية وبذلك يكون قد أدرك صلاة الجمعة، فإذا سلم الإمام لم يسلم المسبوق معه ويقوم ويأتي بركعة أخرى ويسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) "رواه البخاري". وإن لم يدرك المسبوق الركوع من الركعة الثانية مع الإمام فقد فاتته الجمعة، فإذا سلم الإمام قام وصلى أربع ركعات وحسبت له ظهراً، وقال أبو حنيفة : إذا أدرك المسبوق التشهد مع الإمام فقد أدرك جمعته، فإذا سلم الإمام قام وصلى ركعتين وتمت الجمعة.
آداب صلاة الجمعة:
لصلاة الجمعة آداب يحسن بالمسلم أن يمتثل بها لينال الرضا والثواب من الله عز وجل، ومن هذه الآداب:
الاغتسال، يسن لكل من أراد حضور الجمعة سواء الرجل والمرأة والصبي والمسافر وغيرهم، أن يغتسل لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي قال: (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغسل) رواه البخاري. ووقت الاغتسال ما بين طلوع الفجر إلى أن يدخل في الصلاة.
التنظف بسواك وأخذ الظفر والشعر ومش الطيب ولبس الثياب النظيفة ويستحب ذلك للإمام أكثر مما يستحب لغيره.
التبكير إلى الجمعة: يستحب أن يبكر إلى الجمعة لحديث أبي هريرة أن رسول الله قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً اقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيض، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه البخاري. والمراد بقوله غسل الجنابة أي كغسل الجنابة.(1/62)
السكينة في المشي إلى صلاة الجمعة، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم وبالسكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري.
الاقتراب من الإمام: فيستحب الدنو من الإمام، والإقبال بالوجه عليه لتحصيل فضيلة التقدم في الصفوف واستماع الخطبة، ولا يجوز تخطي الرقاب من غير ضرورة، وإن كان إماماً ولم يجد طريقاً إلى المنبر إلا بالتخطي فله ذلك.
استقبال القبلة في الجلوس والاشتغال بذكر الله تعالى، والصلاة والدعاء وقراءة القرآن، ويجوز أن يصلي ما شاء من النوافل إلى أن يجلس الإمام على المنبر، وإن دخل الإمام على المنبر صلى تحية المسجد وجلس، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليوجز فيهما) رواه مسلم.
7.خطبة الجمعة:
من شروط صحة صلاة الجمعة أن يتقدمها خطبتان، وهذا مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري. وقد صلاها النبي والخلفاء الراشدون من بعده بخطبتين قبل الصلاة وقال الحنفية: الخطبة شرط، ولكن تجزي خطبة واحدة.
أركان خطبة الجمعة:
أن يحمد الله تعالى، ويتعين لفظ الحمد، ولا يقوم معناه مكانه، واقله الحمد لله.
أن يصلي على النبي ويتعين لفظ الصلاة.
الوصية بتقوى الله تعالى ولا يتعين لفظ له.
أن يقرأ آية من القرآن الكريم.
الدعاء للمؤمنين عند بعض الفقهاء، والأصح أن الدعاء مستحب، وليس ركناً وأما الدعاء للسلطان فليس واجباً ولا مستحباً، ولكن يدعو لأئمة المسلمين بالصلاح والإعانة على الحق والقيام به، وهذه الأركان يجب توافرها في الخطبتين.
شروط صحة الخطبة:
أن يكون في وقت الظهر.
أن تكون مقدمة على الصلاة.(1/63)
القيام مع القدرة، فإن عجز عن القيام استحب له أن يستخلف، فإن خطب قاعداً للعجز جاز، أما إن خطب جالساً مع القدرة على القيام لم تصح الصلاة.
الجلوس بين الخطبتين، ينبغي أن يكون خفيفاً جداً قدر سورة الإخلاص تقريباً، والواجب منه قدر الطمأنينة في الركوع.
الطهارة عند الحدث، فإذا خطب وهو جنب لم تصح، وتستحب الطهارة في البدن والثوب والمكان.
ستر العورة.
رفع الصوت بحيث يسمعه المصلون ليتحقق المقصود من الخطبة.
سنن الخطبة:
أن تكون الخطبة على المنبر.
يقبل الخطيب بوجهه على الناس بعد صعوده المنبر.
يقرأ السلام على المصلين قبل جلوسه على المنبر.
يجلس بعد السلام حتى يؤذن المؤذن.
يقف على الدرجة التي تلي المستراح.
يعتمد على عصا أو قوس.
يرفع صوته في الخطبة.
أن يكون كلامه مترسلاً مبيناً واضحاً وأن يخاطب الناس على قدر أفهامهم.
يقصر الخطبة حتى لا يملها المصلون.
تكون باللغة العربية الفصيحة.
يحضر للجمعة بعد دخول الوقت بحيث يشرع في الخطبة أول وصوله المنبر.
يختم خطبته بقوله (أستغفر الله لي ولكم).
صلاة العيدين:
حكم صلاة العيدين ومشروعيتها:
صلاة العيدين سنة مؤكدة عند الشافعية والمالكية والحنابلة والأصح عند الحنفية أنها واجبة.
وقت صلاة العيدين:
يبدأ وقت صلاة العيدين من طلوع الشمس، والأفضل تأخيرها حتى ترتفع الشمس قدر رمح وقد بين التقويم المعتمد من الجهات المختصة بتحديد أوقات الصلاة وقت الأفضلية لصلاة العيدين.
ويستحب تعجيل صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر، ليتسع الوقت لإخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد، ولأن السنة أن يضحي بعد صلاة الإمام فإذا عجل صلاة عيد الأضحى بادر المسلمون إلى ذبح الأضاحي.
كيفية صلاة العيدين:(1/64)
صلاة العيد ركعتان لقول عمر رضى الله عنه: (صلاة الجمعة ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم). وأما صفتها فهي كصفة سائر الصلوات في الأركان والسنن والهيئات، وينوي بها صلاة العيد، وهذا أقلها، وأما الأكمل: فيقرأ دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام، ثم يكبر رافعاً يديه حذو منكبيه، ثم يضع يده اليمنى على اليسرى ويقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم يكبر ثانية ويفعل ما فعل بعد التكبيرة الأولى ويكبر هكذا في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، ولا يقول بعد التكبيرة السابعة ما قاله بين التكبيرات، وإنما يتعوذ عقب التكبيرة السابعة، ثم يقرا الفاتح ثم سورة الأعلى أو سورة ق ثم يتم الركعة الأولى كما يفعل في سائر الصلوات، فإذا قام للركعة الثانية كبر ورفع يديه حذو منكبيه ثم يضع يده اليمنى على اليسرى ويقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم يكبر ثانية ويفعل ما فعل بعد التكبيرة الأولى ويكبر هكذا في الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام من السجود، وتكبيرة الهوى إلى الركوع، ولا يقول بعد التكبيرة الخامسة ما قاله بين التكبيرات، وإنما يتعوذ عقب الخامسة، ثم يقرأ الفاتحة وسورة الغاشية أو سورة الانشقاق، وذلك لما روى عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كبر في العيدين الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الثانية خمساً قبل القراءة) "رواه الترمذي". وإذا شك في عدد التكبيرات الزائدة في ركعة فتذكرهن في الركوع أو بعده مضى في صلاته ولا يقضيهن، وإذا أدرك المسبوق الإمام في أثناء الفاتحة أو أدركه وقد كبر بعض التكبيرات الزائدة لم يأت ما فاته من التكبيرات.
آداب صلاة العيد:
لكل صلاة آداباً يجب على المصلي مراعاتها، وكذلك يسن لها الاجتماع، ومن هذه الآداب:(1/65)
الاغتسال: لأنه يوم عيد يجتمع فيه الكافة للصلاة فيسن فيه الغسل كالجمعة.
التنظيف والتطيب، بإزالة الشعر وتقليم الأظافر وإزالة الروائح الكريهة من ثوبه وبدنه، وأن يلبس أحسن الثياب لأنه يوم زينة.
حضور النساء غير متبرجات صلاة العيد دون أن يتطيبن أو يلبسن ثياب الشهرة، جاء في الحديث:( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) رواه البخاري.
التكبير بالذهاب إلى الصلاة، هذا في المأمومين، أما الإمام فيستحب له أن يتأخر في الخروج إلى الوقت الذي يصلي بهم فيه، وفي الحديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة) رواه البخاري.
أن يأكل يوم الفطر قبل الصلاة ويمسك يوم النحر حتى يفرغ من الصلاة، ولأن ما قبل الفطر يحرم الأكل فيجب الأكل قبل الصلاة ليتميز عن ما قبله بوجوب الإفطار في هذا اليوم، وفي الأضحى لا يحرم الأكل قبله فأرخه ليتميز عما قبله.
أحكام صلاة العيد:
مكان صلاة العيد: تجوز صلاة العيد في الصحراء أو خارج العمران وتجوز في المسجد، والأفضل أن تصلى خارج العمران في الأصح إلا المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فالصلاة فيهما أفضل، وإن كانت الصلاة خارج العمران تلحق المشقة والتعب أو المطر أو الخوف فهي في المسجد أفضل.
لا يؤذن لصلاة العيد ولا يقام لها الصلاة.
يجوز التنقل قبل صلاة العيد إلى أن يخرج الإمام، ولكن لا يقصد بالتنقل أداء السنة، لأنه ليس لصلاة العيد سنة.
من فاتته صلاة العيد مع الإمام صلاها وحده، وكانت أداء ما لم تزل الشمس يوم العيد، وأما من لم يصل حتى زالت الشمس فقد فاتته، ويستحب قضاؤها.(1/66)
التكبير للعيدين: التكبير في العيدين سنة وهو نوعان مرسل ومقيد، فالمرسل: هو الذي لا يتقيد بحال، بل يؤتى به في المنازل والمساجد والأسواق والطرق ليلاً ونهاراً، وهو مشروع في العيدين. والمقيد: هو الذي يقصد به الإتيان في أدبار الصلوات المفروضة وهو مشروع في عيد الأضحى بلا خلاف، لإجماع الأمة، وأما في عيد الفطر فالأصح عدم مشروعيته.
خطبة العيد:
إذا فرغ الإمام من صلاة العيد، فالسنة أن يخطب خطبتين لما روى ابن عمر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة. رواه البخاري.
وخطبتا العيد كخطبتي الجمعة في الأركان والصفات إلا أنه لا يشترط القيام فيهما، ويستحب أن يكبر في أول الخطبة الأولى تسع تكبيرات متتالية، وفي أول الثانية سبعاً، ويستحب إن كانت الخطبة في عيد الفطر، وفي الأضحى أحكام الأضحية ويستحب للناس استماع الخطبة.
صلاة الكسوف:
حكم صلاة الكسوف ومشروعيتها: الكسوف والخسوف من الظواهر الكونية وقد شرع الإسلام صلاة تسمى صلاة الكسوف يؤديها المسلم إذا كسفت الشمس أو خسف القمر، وهي سنة مؤكدة، لما روى عن النبي أنه قال: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموها فصلوا).
وقت صلاة الكسوف: تسن صلاة الكسوف إذا كسفت الشمس أو خسف القمر، وفي الحديث: (كسفت الشمس في عهد رسول الله فجعل يصلي ركعتين ويسأل عنها حتى إذا انجلت) "رواه أبو داود".(1/67)
كيفية صلاة الكسوف: صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجدتان، فإذا قام للصلاة كبر تكبيرة الإحرام ناوياً صلاة الكسوف ركعتين، ثم يقرأ الفاتحة، وسورة بعدها، ويستحب أن يطيل في القراءة، ثم يركع، ويطيل في الركوع، ثم يرفع من الركوع فيقرأ الفاتحة وسورة بعدها، ويستحب أن يطيل في القراءة، وأن تكون قراءة أقل من القراءة في الأولى، ثم يركع، ويطيل في الركوع، ثم يرفع من الركوع، ثم يسجد، ويطيل السجود، ثم يرفع رأسه من السجود، ثم يسجد ثانية ويطيل السجود، ثم يقوم للركعة الثانية فيصليها كما صلى الركعة الأولى، ثم يجلس للتشهد ويسلم، والسنة أن يسر بالقراءة في كسوف الشمس وأن يجهر في خسوف القمر لأن الأولى صلاة نهار والثانية صلاة ليل، والأصل أن يسر في صلاة النهار ويجهر في صلاة الليل.
أحكام صلاة الكسوف:
لا يشترط لصحة صلاة الكسوف أن تصلى في جماعة، وصلاتها في جماعة سنة، ويدعى لها بقوله: الصلاة جامعة.
تصلى صلاة الكسوف في المسجد.
يسن الاغتسال لمن يريد صلاتها في جماعة.
المسبوق في صلاة الكسوف إن أدرك الإمام في الركوع الأول من الركعة الأولى فقد أدرك الركعة الأولى فيسلم مع الإمام، وإن أدركه في الركوع الثاني من الركعة الأولى، فإنه لم يدرك الركعة الأولى وعليه أن يأتي بركعة بركوعبن بعد تسليم الإمام.
إذا اجتمعت صلاة الكسوف مع غيرها قدمت الصلاة التي يخاف فواتها. وإذا اجتمع العيد مع الكسوف صلاهما، ثم خطب بهما بعد الصلاتين خطبتين يذكر فيها بالعيد والكسوف.
لا تسن الصلاة جماعة لآية غير الكسوف كالزلازل وغيرها، لأنها آيات كانت موجودة زمن النبي ولم يصل لها جماعة.
خطبة صلاة الكسوف: السنة أن يخطب لصلاة الكسوف خطبتان بعد الصلاة، والخطبة سنة وليست شرطاً لصحة الصلاة، وصفتها كصفة صلاة الجمعة.
صلاة الاستسقاء:(1/68)
حكمها ومشروعيتها: شرع الله تعالى للناس صلاة الاستسقاء إذا حبس عنهم الماء طالبين أن ينزل عليهم من بركات السماء، وأدناه الدعاء بلا صلاة، أو الدعاء في خطبة الجمعة أو بعد الصلاة، أو الاستسقاء بصلاة ركعتين وخطبتين وهو الأفضل. والاختلاف في مشروعية صلاة الاستسقاء والدعاء، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (استسقى يوم الجمعة على المنبر بالدعاء من غير صلاة) "رواه البخاري".
وقت صلاة الاستسقاء: يرى الشافعية أن لصلاة الاستسقاء ثلاثة أوقات على الوجه التالي:
لا تختص بوقت، بل تصح في كل وقت من ليل أو نهار إلا أوقات الكراهية وهذا أصحها.
أول وقتها وقت صلاة العيد، ويمتد إلى أن يصلي العصر.
وقتها وقت صلاة العيد، وهذا اضعف الأقوال.
كيفية صلاة الاستسقاء: صلاة الاستسقاء ركعتين كصلاة العيدين، يأتي بعد تكبيرة الإحرام بدعاء الاستفتاح، ثم يكبر سبع تكبيرات يذكر الله تعالى بعد كل تكبيرتين من الخمس الزوائد، ثم يقرأ الفاتحة سورة بعدها مثلاً سورة القمر أو سورة نوح، ثم يتم الركعة الثانية ويسلم، والأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعتين ما يقرأ في صلاة العيد، وإذا زاد أو نقص في التكبيرات الزوائد صحت صلاته، ولا يسجد للسهو وإذا أدركه المسبوق في أثناء التكبيرات الزوائد، أو بعد الفراغ منها، فالصحيح أنه لا يقضي ما فاته كما في صلاة العيد.
مستحبات صلاة الاستسقاء: يستحب أن يأتي المسلمون بما يلي:
صيام ثلاثة أيام قبل الخروج للصلاة، ثم يخرج بهم الإمام في اليوم الرابع وهي صيام، فإن دعوة الصائم لا ترد.
التصدق على الفقراء والمساكين، لأنه أرجى للإجابة.
التنظف بغسل وسواك لأنها صلاة يسن لها الاجتماع والخطبة.
الخروج في تواضع وتضرع وخشوع.
أحكام صلاة الاستسقاء:
لا يؤذن لصلاة الاستسقاء، ولا تقام لها الصلاة، وينادى عليها الصلاة جامعة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.(1/69)
السنة أن تصلى في الصحراء أو خارج العمران، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في الصحراء.
لا بأس أن يشهد هذه الصلاة الكبار والنساء، ولا يشهدها غير المسلمين فإن حضروا لا يمنعوا، لأنهم جاءوا في طلب الرزق.
لا تخرج البهائم إلى الصحراء.
يجوز الاستسقاء بالخيار من أقرباء رسول الله، ويجوز الاستسقاء بأهل الصلاح.
يستحب لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب.
إذا لم يخرج الإمام ليصلي صلاة الاستسقاء عند الجدب خرج الناس وقدموا أحدهم يؤمهم.
إذا صلوا الاستسقاء فلم يسقوا، فإنه يستحب لهم أن يستسقوا مرة أخرى حتى يسقوا.
إذا كثر المطر وتضرر الناس، فالسنة الدعاء، ولا صلاة لذلك، ويقول اللهم حوالينا ولا علينا.
إذا سقى الناس بعد أداء صلاة الاستسقاء استحب لهم ان يصلوا صلاة الشكر.
خطبة صلاة الاستسقاء: لصلاة الاستسقاء خطبتان بعد الصلاة، ولو خطب قبل الصلاة صحت الخطبة، وكان تاركاً الأكل، ويستحب أن يرفع يديه بالدعاء، وأن يكثر من الاستغفار، قال تعالى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} (سورة نوح: 10)، ويستحب أن يدعو في الخطبة الأولى جهراً، وفي الثانية سراً، قال تعالى { إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا } (سورة نوح: 9)، ويستحب أن يستقبل الإمام القبلة في أثناء الخطبة الثانية، ويستحب للناس أن يفعلوا مثل ذلك، ويستحب أن يبدأ الخطبة بالاستغفار فيستغفر الله تعالى تسع مرات وفي الخطبة الثانية سبع مرات ولا يكبر، ويختم خطبته بالاستغفار.
صلاة الخوف:
حكمها ومشروعيتها:(1/70)
أما الخوف فلا تقتضي صلاة خاصة به، وإنما هي متعلقة بكيفية أداء الصلوات المفروضة في حال الخوف. ويدل على مشروعية صلاة الخوف الكتاب والسنة وفعل الصحابة: أما الكتاب فقوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (سورة النساء :102).
وأما السنة فقد صلاها النبي بأصحابه في غزوة ذات الرقاع وقد صلاها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأصحابه ليلة القدر، ويجوز لأهل العدل الذين يقاتلون أهل البغي الترخيص فيصلون صلاة الخوف عند عدم الأمن.
هيئة صلاة الخوف:
لصلاة الخوف حالتان هما:
أن يشتد الخوف بحيث لا يتمكن أحد من ترك القتال.
أن لا يبلغ الخوف الحد من الأولى، وللصلاة في هذه الحالة صورتان يجوز أن يصلي بأي واحدة منهما، وهي صلاة النبي في بطن نجل، وصلاته في غزوة ذات الرقاع.
الصور الأربعة لصلاة الخوف:
شدة الخوف أو التحام الفريقين في المعركة.
أن يكون العدة من جهة القبلة (صلاة النبي بعسفان).
أن يكون العدو في جهة غير القبلة (صلاة النبي بذات الرقاع).
أن يكون العدو في غير جهة القبلة (صلاة النبي ببطن نخل).
أحكام صلاة الخوف:(1/71)
يغتفر في صلاة الخوف ما لا يغتفر في غيرها. لأنه يعسر الاحتراز منها، وإن كان يصلي صلاة الخوف راكباً فزال سبب الخوف في أثناء الصلاة نزل وبنى على صلاته، لأن العمل في النزول أشق منه في الركوب، وللشافعي في وجوب قضاء الصلاة قولان:
يجب القضاء لأنه ترك في صلاته فروضاً بسبب هو مخطئ فيه.
لا يجب القضاء لوجود الخوف عند الصلاة.
صلاة الجنازة:
مشروعيتها وحكمها:
ويدل على مشروعيتها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بالصلاة على من مات من المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من ميت تصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه) "رواه مسلم"، وقد نهى الله تعالى نبيه عن الصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول وهو رأس من رؤوس المنافقين قال تعالى { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ } (سورة التوبة:84) وهذا يدل على مشروعية الصلاة على الميت.
والصلاة على الميت فرض كفاية، يجب على المسلمين القيام به، ويسقط الإثم عنهم بصلاة فرد أو أكثر عليه، ذكراً كان الذي قام بالصلاة عليه أم أنثى، بالغاً أم صبياً مميزاً.
شروط صحة صلاة الجنازة:
يشترط لصحة صلاة الجنازة ما يشترط لصحة صلاة الفرائض كالطهارة من الحدث والنجس في البدن والثوب والمكان وستر العورة واستقبال القبلة، لأن الله تعالى سماها صلاة، قال تعالى {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا} (سورة التوبة :84) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور) "رواه مسلم"، ولا يصح التيمم لها مع إمكان وجود الماء، والقدرة على استعماله. ويشترط لصحتها أيضاً تقديم غسل الميت، فإذا أنهدم حائط على إنسان فمات وتعذر إخراجه فلا يصلي عليه حتى يخرج ويغسل وكذلك من غرق في بئر فلا يصلي عليه حتى يخرج ويغسل.
كيفية صلاة الجنازة:(1/72)
يوضع الميت في جهة القبلة أمام المصلي بحيث يكون رأسه إلى جهة يمين المصلي، ويقف الإمام عند رأس الرجل، وعند عجيزة المرأة لحديث أنس رضي الله عنه أنه: (صلى على رجل فقام عند رأسه، وصلى على امرأة فقام عند عجيزتها) رواه أبو داود وإذا تعددت الجنائز وكان رجالاً ونساءً وصبياناً. قدم الرجال إلى الأمام، ثم الصبيان ثم النساء، ثم يكبر أربعاً، والتكبيرات الأربعة واجبة، ويرفع يديه في كل تكبيرة فيها حذو منكبيه، ثم يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة سراً، وقراءة الفاتحة فرض، والأولى أن تكون بعد التكبيرة الأولى، ولا يقرأ قبل الفاتحة دعاء الاستفتاح أو التعوذ، ثم يكبر التكبيرة الثانية ويصلي على النبي بعدها، والصلاة على النبي فرض، وأقلها، اللهم صل على محمد، وأكملها قراءة الصلاة الإبراهيمية، ثم يكبر التكبيرة الثالثة، ويدعو للميت، والدعاء للميت فرض، وأقله: ما يقع عليه اسم الدعاء، وأفضله ما جاء في الحديث: (اللهم اغفر له وارحمه، وعافيه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعزه من عذاب القبر وعذاب النار) رواه مسلم . ثم يكبر الرابعة ويقول بعدها: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، ثم يسلم عن اليمين واليسار، والتسليم فرض من فرائض صلاة الجنازة، وإذا سهى فكبر خامسة فالصلاة صحيحة ولا يسجد للسهو.
أحكام صلاة الجنازة:(1/73)
الصلاة على الشهيد: من مات من المسلمين أثناء مجاهدة الكفار قبل انقضاء الحرب فهو شهيد لا يغسل ولا يصلى عليه، لما روى عن النبي أنه (أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلهم) رواه البخاري، ومن جرح في الحرب ومات بعد الحرب غسل وصلى عليه، ومن كان من أهل العدل فقتل زمن أهل البغي فإنه يغسل ويصلى عليه في الأصح، وأما من مات بمرض زمن الحرب فليس بشهيد.
الصلاة على السقط: اتفق الفقهاء في وجوب الصلاة على الطفل، أما السقط فإن استهل صارخاً أو تحرك ثم مات غسل وصلى عليه، و إلا فلا يغسل ولا يصلى عليه، لما روى في الحديث عن النبي أنه قال: (الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل) "رواه الترمذي".
الصلاة على الغائب: تجوز الصلاة على الميت الغائب، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، هذا إذا لم يكن الميت بالبلد أما إذا كان بالبلد، فلا يجوز أن يصلى عليه حتى يحضر عنده، لأن النبي لم يصل على حاضر في البلد إلا بحضرته، ولأنه لا مشقة فيه، بخلاف الغائب عن البلد.
الصلاة على القبر بعد الدفن: إذا دفن الميت من غير صلاة فقد أثم الدافنون، وكل من توجه عليه فرض هذه الصلاة، ولا ينبش القبر من أجل الصلاة عليه، والصلاة على القبر تسقط الفرض إلا أنهم يؤمون لعدم صلاتهم عليه قبل الدفن، وإن حضر من لم يصل على الميت بعد دفنه جاز أن يصلي على القبر لما روى أن مسكينة ماتت ليلاً فدفنوها ولم يوقظوا رسول الله، فصلى الرسول على قبرها في اليوم التالي. ولا يستحب لمن صلى على الجنازة أن يعيد الصلاة عليها مرة أخرى.(1/74)
الأولى بالصلاة على الميت: الأولى بالصلاة على الميت الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ، ثم ابن الأخ، ثم ابن العم على ترتيب العصيات، لأن دعاؤهم أرجى بالإجابة، وإن اجتمع وليان في درجة قدم أكبرهم سناً، ولأن دعاءه أرجى للإجابة، فإن استووا قدم الأقرأ الأفقه، لأنه أفضل، وصلاته أكمل، ويقدم الولي المناسب على الوالي وعلى إمام المسجد.
الصلاة على الجنازة في المسجد: يستحب أن يكون الصلاة على الجنازة جماعة وأن تكون صفوفهم ثلاثة وأكثر، للحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا وجب ) رواه أبو داود، ولا تكره الصلاة على الميت في المسجد فقد ورد عن النبي أنه صلى على الميت في المسجد.
صلاة المسبوق: إذا أدرك المسبوق الإمام في صلاة الجنازة وهو في التكبيرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فإنه يدخل معه في الصلاة، ويقرأ ما يقتضيه ترتيب الصلاة ما لا يقرأ الإمام، فإذا أسلم الإمام أتى بما بقي من التكبيرات متتابعات من غير دعاء بينها، لأن الميت يرفع غالباً بعد السلام، ولا معنى للدعاء بعد رفعه، ثم يسلم وإذا كبر الإمام التكبيرة الثانية والمسبوق في أثناء قراءة الفاتحة فإنه يقطع القراءة ويتابع الإمام في الأصح.
صلاة التراويح:
حكمها ومشروعيتها: صلاة التراويح سنة بإجماع العلماء، وهي من السنن الراتبة المؤكدة، للحديث: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) "رواه مسلم". وقد واظب الخلفاء الراشدون على أدائها، روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جمع الناس على قيام شهر رمضان، ويدخل وقت صلاة التراويح بعد الانتهاء من صلاة العشاء، ويبقى إلى طلوع الفجر.(1/75)
كيفية صلاة التراويح: صلاة التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات وهذا ما ذهب إليه الجمهور، بدليل ما روى أن عمر بن الخطاب كان يصلي بالناس عشرين ركعة. وهي عند مالك ست وثلاثون ركعة، وتجوز أن تصلى أقل من ذلك فتصلى ثماني ركعات بأربع تسليمات، والأفضل أن تصلى في جماعة وأن تكون في المسجد كما يفعل عمر بن الخطاب، ويجوز أن يصليها منفرداً في بيته، ويحوز أن يؤديها المسلم قاعداً مع القدرة على القيام، لأنها صلاة تطوع، ولكنه غير مستحب لأنه خلاف السنة المتوارثة.
فإذا أراد المسلم أداء صلاة التراويح نوى صلاة ركعتين من سنة التراويح، أو قيام رمضان، ويصليها كما يصلي سائر السنن الرواتب، ويجهر فيهما بالقراءة، ويستحب أن يطيل القراءة ما لم يمل القوم، وقيل: يقرأ ثلاث آيات قصار أو آية طويلة حتى لا يمل القوم، وكان أبو حنيفة يقول إذا قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ، فإذا كان هذا في المكتوبة ففي النافلة كالتراويح كان كذلك، ويستحب ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح مرة واحدة، ويتم ذلك إذا قرأ في الركعة مقدار عشر آيات، فإن عدد ركعات التراويح في الشهر ستمائة ركعة وعدد آيات القرآن الكريم ستة آلاف آية وشيء وبذلك يتم ختم القرآن الكريم مرة واحدة، ويستحب أن يجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة، وله أن يسبح الله تعالى فيها أو يصلي منفرداً أو يدعو أو يقرا القرآن أو يجلس في سكينة ووقار.
الفصل الثالث:تشريع أحكام الصوم
مقدمة :(1/76)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان الى يوم الدين ، أما بعد: فان الصوم من الأعمال التي تصلح النفوس وتسمو بها، وتدفعها الى أعمال الخير وتبعدها عن الشرور والمفاسد وبه تقوى العزائم، وتصلح الأبدان وتشفى من الأمراض فهو طاعة تقرب العبد من الله، وبها تغفر الذنوب وتكفر السيئات، وبه تزداد الحسنات وترتفع الدرجات، ويكون الصائم يوم القيامة من المقربين الأخيار، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وقد ثبت وجوب صوم رمضان بما جاء في كتاب الله قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) " البقرة 183 " وثبت وجوبه في السنة والإجماع على أن الصوم واجب على كل مسلم ومسلمة فلا يمنع منه إلا بعذر شرعي.
الصوم:
أولاً: تعريف الصوم:
الصوم معناه الإمساك مطلقا عن الطعام والشراب، أم عن الكلام، كما جاء في (لسان العرب) فقد جاء الإمساك عن الكلام قوله تعالى على لسان مريم: (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً) " سورة مريم 26 " أي إني نذرت للرحمن صوماً عن الكلام وصمتاً بدليل قوله تعالى: ( فلن أكلم اليوم إنسياً).
وأما الصوم في الاصطلاح فيطلق على الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الى غروب الشمس مع النية بشروط خاصة.
ثانياً: حكم الصوم ودليله:
صوم رمضان فرض عين على كل مسلم ومسلمة، فرض في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، وأصبح معلوماً من الدين بالضرورة، يكفر جاحده ومنكره، ويفسق تاركه .(1/77)
والدليل على فرضيته ما جاء في الكتاب والسنة والإجماع: فأما ما جاء في الكتاب فقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) " البقرة 183 " فكلمة كتب في الآية بمعنى فرض فالصيام فرض على المؤمنين المكلفين، وقال تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه) " البقرة 185 " فاللام في (فليصمه) لام الأمر، والأمر للوجوب والمعنى أن من علم أول الشهر وآخره فليصمه مادام مقيما غير مريضاً أو مسافراً .
وأما ما جاء في السنة فالأحاديث كثيرة تدل على فرضية الصوم في رمضان ومن هذه الأحاديث، ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، واقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ، فمن ه1ا الحديث يتبين أن هذه الأشياء من فروض الأعيان فلا تسقط عن المكلفين.
وأما الإجماع، فقد أجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان (إن قدامه في المغني).
ثالثاً: حكمة مشروعية الصوم:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل للصوم فوائد كثيرة منها:
التقوى: فعندما يؤدي المسلم هذه العبادة طاعة لله تعالى ومرضاته يشعر في قلبه بتقوى الله والخوف والفزع، فيحذر من الوقوع في المعاصي ويسارع الى فعل الخير والطاعات لذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وقاية من الوقوع في المعاصي، لقوله عليه الصلاة والسلام: ( الصيام جنة) " رواه مسلم " .
الإخلاص لله تعالى: فالصوم لله تعالى يترك الصائم طعامه وشرابه من أجل الله إخلاصاًَ لله تعالى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) " رواه مسلم " .(1/78)
الصبر: فالصوم يعود الصائم على الصر باحتماله للجوع والعطش ويستمر معه ذلك كل يوم لمدة شهر مما يحقق له الصبر، لأن الصبر يحتاج الى التعود، وفي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الصيام نصف الصبر) " رواه الترمذي " .
المساواة : فالصوم يحقق المساواة بين الأغنياء والفقراء في وقت الإفطار والسحور حيث يجد الغني أنه من الواجب العطف على الفقراء الذين يتحملون الجوع ، ويحتاجون الى الطعام في أي وقت سواء في رمضان أو غيره ، وقتها يحس الغني الصائم بجوع هذا الفقير المحتاج فيواسيه بماله وينظر إليه بعين العطف والشفقة ويمد له يد العون.
إراحة أجهزة الهضم في الجسم : وبالصوم يتجدد نشاط هذه الأجهزة وتعود لعملها بنشاط وتعوض ما تلف من أنسجتها نتيجة كثرة الطعام.
التخلص من الشحوم المتراكمة في الجسم : فالصوم يقلل من الشحوم التي تعمل على زيادة الوزن والسمنة التي تعرض الجسم للأمراض.
رابعاً: فضل الصوم :
ورد الكثير من الأحاديث النبوية بشأن فضل الصوم على العبد وثوابه العظيم الذي يتحقق بالصوم ومن هذه الأحاديث :
روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فيدخلون ، فإذا دخلوا أغلق عليهم، فلم يدخل منه أحد) " رواه مسلم " .(1/79)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان : فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك، والصيام جنة ، وإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) " رواه مسلم " .
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد فيقول الصيام : أي رب إني منعته عن الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان ) " رواه أحمد في مسنده " .
شروط الصوم وسبب وجوبه:
أولاً: شروط الصوم: يشترط في الصوم عدة شروط وهي:
الإسلام: فلا يفرض الصوم على غير المسلم، لأن الصوم عبادة إسلامية تجب على المسلم لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) " البقرة 183 " أما غير المسلم سواء أكان كافرا أصلياً كالمشرك والوثني، أم مرتداً كمن أعتنق الإسلام ثم تركه وفارق جماعة المسلمين، فلا صيام عليه إلا أن المرتد يطلب بقضاء ما فاته من الصيام أثناء ردته إذا تاب ورجع إلا الإسلام .(1/80)
البلوغ : يفرض الصوم على الصغير الذي لم يبلغ سن الحلم، لأن الإنسان لا يكلف إلا بعد البلوغ ، وهو يتحقق بإنبات شعر اللحية وخشونة الصوت وغير ذلك، وعند الأنثى بالحيض، ويدل على اشتراط البلوغ ما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق) " رواه البخاري "، وإذا كان الصوم غير واجب على الصبي، فلا يعني ذلك عدم تعويده عليه، بل يطالبه وليه إذا بلغ سبع سنين وكان قادراً عليه، ويضربه على تركه إذا بلغ عشر سنين، فالمطالبة بالصوم واجبة على الولي، وإن كان الصوم غير واجب على الصغر بدليل أنه لا قضاء عليه فيما مات قبل البلوغ .
العقل : فلا يفرض الصوم على المجنون، للحديث : ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ) ، فإذا جن الشهر كله ثم أفاق بعده فلا قضاء عليه، لأنه لم يشهد الشهر وهو عاقل ، وأجمع العلماء على أن المجنون لا يلزمه الصوم ، ويختلف المغمي عليه عن المجنون، فالمغمي عليه يعامل معامل المريض ويقضي ما فاته بسبب الإغماء ، وهو يختلف أيضاً عن النائم، فصومه صحيح ، ولو نام النهار كله.
الطهارة من الحيض والنفاس: وهذا الشرط خاص بالمرأة ، فلا يصح أن تصوم وهي حائض أو نفساء، وتأثم إذا أمسكت عن الطعام بنية الصوم.
ثانياً: سبب وجوب الصوم:
سبب الصوم شهر رمضان لقوله تعالى: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) " البقرة 185 " ولأن الصوم يضاف إلى رمضان وهذا دليل السببية، ويتعلق بهذا السبب أمران هما : شهر رمضان وفضله: رمضان اسم لشهر من أشهر السنة القمرية ، وأصل الكلمة من الرمض وهو شدة الحر.(1/81)
والأحاديث في فضل شهر رمضان كثيرة علاوة على ورد فيه من آيات من القرآن الكريم . فقد اختصه الله تعالى بنزول القرآن الكريم، فأنزله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك ليلة القدر، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع ، قال تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) " البقرة 185 " ، وقال تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر ) .
وفي هذا الشهر تفتح أبوب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتقيد فيه الشياطين، روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب جهنم وصفدت الشياطين) " رواه البخاري ومسلم " .
وشهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار فأول الشهر رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ورمضان تضاعف فيه الحسنات، وتنمو فيه الأجور على الأعمال الصالحة، والعمرة فيه تعدل حجة، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال لامرأة من الأنصار: ( إذا كان رمضان فاعتمري، فان عمرة فيه تعدل حجة) " رواه البخاري ومسلم " .
طرق معرفة دخول شهر رمضان:
يعلم دخول شهر رمضان بإحدى طريقتين:(1/82)
رؤية هلال رمضان: إن معرفة بداية الشهور القمرية معروفة لدى جميع الناس ولا تختص به جماعة دون أخرى لأنه يعتمد على رؤية الهلال الذي يظهر ليلة أول الشهر القمري ، لذا يستحب لجميع المسلمين مراقبة هلال رمضان بعد غروب اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان فإذا رآه أحد المسلمين أخبر أولي الأمر بذلك فيتحقق من رؤيته فإذا ثبت ذلك وجب صيام هذا الشهر لقوله تعالى: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) "البقرة 185 " ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ) " رواه مسلم " ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( الشهر تسع وعشرين ليلة فلا تصوموا حتى تروه) " رواه مسلم " . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه " رواه أبو داود " . ومن هنا نعلم أن شهادة الواحد برؤية هلال رمضان تكفي إذا كان عدلا سواء أكان السماء صافية أم مغيمة. أما إذا تباعدت البلدان وكانت على خطين مختلفين فحكمها حكم البلاد المختلفة لاختلاف المطالع، ولا يلزم أهل البلد الذين لم يروا الهلال الصوم بناء على رؤية البلد الآخر.
الطريق الثاني لمعرفة دخول شهر رمضان : هو إكمال شهر شعبان ثلاثين يوما ، فان لم يشاهد الهلال في اليوم التاسع والعشرين ليلة الثلاثين من شعبان وكان الجو صحواً يكمل شعبان ثلاثين يوماً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( فان غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً) "رواه الشوكاني " .
ثالثاً: فرائض الصوم وسننه:
فرائض الصوم: للصوم فرائض لا يصح بدونها كالنية والإمساك عن المفطرات.(1/83)
النية : النية تعني في اللغة: القصد ، وتعني في الاصطلاح: اعتقاد القلب فعل الشيء وعزمه عليه من غير تردد وهي فرض في الصوم لا يصح الصوم بدونها، لقوله تعالى: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) " البينة 5 " ، ولما روى البخاري في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى). ولأن النية تميز بين العادة والعبادة لذلك تجب في الصوم لأنها عبادة تتوقف على النية.
شروط النية:
يشترط لصحة نية الصوم عدة شروط:
تثبيت النية : فلابد للصائم أن ينوي الصيام من الليل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) هذا في الصوم الواجب كصوم رمضان وصوم القضاء، وأما صوم التطوع ، فلا يشترط له تثبيت النية .
تعيين النية : بان يحدد نوع الصيام الذي يريد أن يصومه وهو أن يعتقد أنه يصوم غداً من رمضان، أو من قضائه، أو كفارته، أو نذره .
جزم النية : لا بد أن تكون النية جازمة لا شك فيها ولا تردد فلو نوى ليلة الثلاثين من شعبان أن كان غداً من رمضان فأنا صائم عنه، وان لم يكن منه فأنا صائم قضاء لا يجزيه.
الاستمرار في النية وعدم قطعها بنية الإفطار: فلو نوى في يوم رمضان بالإفطار بطل صومه عند الشافعية والحنابلة لأن النية شرط في جميع النهار، وذهب الكثير من الأئمة على أن صيامه لا يبطل وهو قول النووي.
تكرار النية لكل يوم من أيام رمضان: فلا تكفي نية واحدة لجميع شهر رمضان، بل لابد من نية لكل يوم، لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة بذاتها بدليل أنه لا يفسد صوم شهر رمضان بفساد صوم يوم منه.
الفرض الثاني للصوم : الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويعد هذا الفرض ركناً حقيقة في الصوم، لأنه ثبت بدليل قطعي، وهو داخل في حقيقة الصوم.
والمفطرات التي يجب الإمساك عنها ما يلي:(1/84)
الأكل والشرب عمداً سواء أكان على سبيل الغذاء ام على سبيل الدواء : لقوله تعالى: ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل) " البقرة 187 " ، أما إذا أكل الصائم أو شرب لم يفسد صومه مهما كانت كمية الطعام التي تناولها، لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) " رواه مسلم " .
الجماع : فإذا جامع الرجل زوجته عمداً بطل صومه لقوله تعالى : (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) " الفجر 187 " أما إذا جامع ناسياً فلا يبطل صومه قياسا على الأكل والشرب ناسياً .
الاستمناء : فإذا استمنى الرجل بيده بطل صومه، وكذلك إذا باشر الرجل زوجته أو قبلها فأنزل بطل صومه إما إذا أنزل بلا شهوة كمرض فلا يفسد صومه .
سنن الصوم:
السحور وتأخره : ويسن للصائم تناول وجبة السحور لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( تسحروا فان في السحور بركة) " رواه البخاري " ، ولأن السحور يعين الصائم على الصوم ويقويه، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( استعينوا بطعام السحر على صيام النهار) " رواه الحاكم " ويتحقق السحور ولو بجرعة ماء، كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (تسحروا ولو بجرعة ماء) " رواه احمد " ويسن تأخير وجبة السحور حتى قبل طلوع الفجر، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور) " رواه أحمد " ، ويفترق صيامنا عن صيام أهل الكتاب بالسحور، حيث قال - صلى الله عليه وسلم - : ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) " رواه مسلم " .(1/85)
تعجيل الإفطار: ويسن للصائم تعجيل الإفطار ، لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور) ، ويتحقق تعجيل الإفطار بتناول الصائم بعض من التمر، فان لم يجد فجرعة ماء لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فان لم يكن فعلى تمرات ، فان لم يكن حسا حسوات من ماء فانه طهور) " رواه الترمذي " .
الاجتهاد في العبادة والإكثار من تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان: لما لهذا الشهر من فضائل وفوائد حسنة كثيرة .
الدعاء المأثور عند الإفطار: فان للصائم دعوة لا ترد، فيقول عند الإفطار: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) " رواه أبو داود ".
الإكثار من الصدقات : والصدقة في هذا الشهر تضاعف، وهي أفضل من الصدقة في غير رمضان، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قيل يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: (صدقة في رمضان) " رواه الترمذي " ويفضل للمسلم إخراج زكاة ماله في هذا الشهر، وقد ورد عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - انه كان يقول إذا دخل رمضان: ( هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه ، وليخرج الزكاة ).
رابعاً: مبطلات الصوم:
إدخال شيء الى الجوف عن طريق الفم عمداً : سواء كان هذا الشيء طعاما أو غير طعام وكذلك الشراب والدواء والدخان والحصاة وقطعة النقود وغير ذلك. والحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إنما الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل، وإنما الفطر مما يدخل وليس مما يخرج) " رواه الهتيمي " . أما الناسي فلا يفطر بإدخال شيء الى الجوف ، ولا فرق بين القليل والكثير فلو ابتلع شيئا يسراً عامداً أفطر عند جمهور الفقهاء أما إذا ابتلع الريق إذا كان على العادة فلا يفطر.
الشهوة (بالجماع والاستمناء والمباشرة).(1/86)
أجمعت الأمة على تحريم الجماع على الصائم: وعلى أن الجماع يبطل صومه، للآيات والأحاديث، ولأنه منافٍ للصوم فيبطله كالأكل والشرب وسواء أنزل أم لا فيبطل صومه في كل الأحوال، ولا يبطل صوم الناسي.
الاستمناء: وهي إخراج المني بيده فهو يفطر الصائم لأنه إنزال بشهوة، إما إذا كان ناتجاً عن مرض فلا يفطر.
المباشرة: إذا باشر الرجل زوجته بشهوة فأنزل يفطر لأنه إنزال بشهوة، وكذلك إذا قبل زوجته فأنزل وإن لم ينزل لم يفطر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم. " رواه مسلم".
الاحتلام في نهار رمضان لا يفسد الصوم : لأن الإنسان لا يقصده، ويجب عليه الغسل لأداء الصلاة.
النظر الى المرأة الأجنبية وتكراره حرام على الصائم : وأما أثر النظر في الصوم فيختلف باختلاف أثر النظر في الرجل فان لم يترتب عليه إنزال فلا يفطر، كما أن الفكر في المرأة لا يفسد الصوم.
الاستقاءة (تعمد القيء) : فإذا وضع الصائم أصبعه في حلقه وتقيأ بطل صومه ولو لم يرجع شيء من القيء إلى الجوف، وسواء أكان التقيؤ لعذر أم لغير عذر، وقد أهل العلم على أن من تقيأ عمداً أفطر (قول ابن المنذر). أما من غلبه القيء فلا يبطل صومه، كما قال جماهير العلماء بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض) " رواه الترمذي " .
الردة: إذا ارتد الصائم عن الإسلام في نهار رمضان بطل صومه، فإذا تاب ورجع إلى الإسلام وجب عليه القضاء سواء رجع في ذلك اليوم الذي ارتد فيه أم بعد انتهائه ، لأن الردة تحبط أعماله وتبطلها، قال تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) " الزمر 65 " .(1/87)
الجنون والإغماء: والجنون يعني اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل إلا نادراً (الجرجاني) فإذا أصاب الصائم جنوناً في نهار رمضان بطل صومه ولو كانت مدة الجنون أقل من نهار لأن الجنون ينافي الصوم مطلقاً، ولو زال عقل الصائم بشرب الخمر ليلاً وبقي أثر السكر في الصائم جميع نهار رمضان، وهذا بخلاف زوال العقل بمباح كشرب الدواء ليلاً وبقي أثر هذا الدواء طيلة اليوم فلا يفسد صومه . وأما الإغماء فهو فقدان الحركة والحس فلا يفسد صومه، وأما الإغماء فهو فقدان الحركة والحس لعارض، فإذا أغمي على صائم جميع النهار، فلم يفق في أي وقت منه بطل صومه لأن الصوم هو الإمساك مع النية فلم يتحقق الصوم، أما إذا أفاق الصائم في جزء من النهار صح صومه سواء أكان في أوله أم في آخره لأن النية حصلت في جزء من النهار فأجزأ كما لو كانت في أوله. وأما النوم فهو حالة طبيعية فلا يزيل الإحساس عند الإنسان فلا يبطل صومه ولو نام جميع النهار.
إدخال شيء إلى الجوف عن طرق الأنف : كإنزال الماء بالاستنشاق، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) " رواه الترمذي " فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المبالغة في الاستنشاق حفظاً للصوم، فدل ذلك على أنه يفطر به فأشبه التعمد وكذلك استنشاق البخور لأن له دخان يصل الى المعدة، أما ما ليس له جرم كرائحة العطور والزهور فلا تبطل الصوم.(1/88)
إدخال عين إلى الجوف عن طريق العين والأذن: فكل ما دخل من هذه المنافذ الى باطن الجسم يفسد الصوم عند كثير من العلماء، بدليل الحديث: ( إنما الفطر مما دخل) فقد عد بعض العلماء أن التقطير في الأذن والإحليل والحقن وغيرها من المفطرات (البيضاوي). والحقيقة أن الصوم الإمساك عن المفطرات من أكل وشرب وجماع وقيء فلو كانت تلك الأمور من حقن وقطرة مما يفطر الصائم لبينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلمها منه الصحابة رضوان الله عليهم وبلغوها الأمة، فمادام الأمر كذلك فإنها لا تفسد الصوم فيجوز للصائم التداوي بالحقن بجميع أنواعها، كما يجوز التقطير في العين والأذن وغير ذلك .
الحيض والنفاس: إذا حدث للمرأة الصائمة دم حيض أو دم نفاس بطل صومها ولو كان قليلاً، وحرم عليها الإمساك بنية الصوم لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في امرأة وقد سئل عن نقصان دينها: ( أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) " رواه البخاري " . ويجوز للمرأة أن تستعمل دواء لمنع الحيض في رمضان إن لم يترتب عليه ضرر، والأفضل أن تجعل المرأة الأمور تسير على طبيعتها التي أرادها الله فالحيض من طبيعة المرأة ، فإذا جاءها الحيض تركت الصيام والى ما بعد رمضان وكذلك تترك الصلاة الى ما بعد .
خامساً: مكروهات الصوم:
وهنا يعني التصرفات التي يكره للصائم فعلها، وهي لا تبطل الصوم لكن الأولى تركها وعدم فعلها لما قد ينشأ عنها محذورات شرعية تتعلق بالصوم، ومن هذه المكروهات ما يلي :(1/89)
الغيبة والنميمة والكذب والكلام الفاحش: قال الاوزاعي يبطل الصوم بالغيبة والنميمة ويجب قضاؤه ، واستدل لذلك بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) " رواه أحمد " ، وحديث (خمس يفطرن الصائم: الغيبة والنميمة والكذب والقبلة واليمين الفاجرة). ولكن جمهور العلماء ذهبوا الى عدم بطلان الصوم بهذه التصرفات ولا تأثير لها في الصوم، لأنه إمساك شهوتي البطن والفرج وهذه التصرفات لا تأثير لها في الصوم ، وأما حديث: من لم يدع الزور.. فالمراد به أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو وقول الزور والكلام الفاحش، وإما حديث : خمس يفطرن.. فقال النووي فيه: ( حديث باطل لا يحتج به وأجاب عنه الماوردي والمتولي بأن المراد بطلان الثواب لا الصوم نفسه) .
ذوق الطعام بدون حاجة: يكره ذوق الطعام لغير حاجة، لئلا ينزل الطعام الى الجوف فيبطل صومه، أما إذا كان ذوق الطعام لحاجة فلا يكره كمن يعمل طاهياً في مطعم ويحتاج الى ذوق الطعام لتحسينه وإصلاحه، فلا يكره له ذلك ولو كان عنده مفطر لأنه الوحيد الذي يتمكن من إصلاح الطعام .
المضمضة والاستنشاق: يكره للصائم المضمضة والاستنشاق لغير وضوء، وإذا أراد الوضوء فلا يبالغ فيهما، وتكره المبالغة فيهما عن الوضوء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً) " رواه الترمذي " .
السواك ومعجون الأسنان: يستحب السواك قبل الظهر، ويكره بعد الظهر عند الشافعية، لأنه يزيل رائحة فم الصائم التي تعد عند الله أطيب من ريح المسك كما ورد في الحديث، ويرى غيرهم أنه لا يكره السواك للصائم لما روي عامر بن ربيعة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتسوك وهو صائم " رواه البخاري ". أما معجون الأسنان فيجب الإحاطة عند استعماله لألا يدخل الجوف فيفطر الصائم .(1/90)
مضغ العلك: يكره مضغ العلك إذا كان مما لا يتفتت وكان خاليا من طعم السكر ونحوه لأنه يعمل على تجميع الريق في الفم فان بلعه الصائم أفطر عند بعض الفقهاء وان ألقاه عطش، أما ما يتفتت من العلم والمختلط بالسكريات فيفطر.
سادساً: أنواع الصوم :
يقسم الصوم من حيث النوع الى أربعة أقسام وهي: الصوم الواجب، والصوم الحرام، والصوم المكروه، والصوم المستحب أو التطوع: وبيان هذه الأنواع:
الصوم الواجب: وهو ما يثاب على فعله، ويأثم على تركه، ويندرج تحت هذا النوع ما يلي:
صوم رمضان : لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) " البقرة 183 "
صوم النذر: فمن نذر أن يصوم ثلاثة أيام لله تعالى أصبح هذا الصوم واجباً لقوله تعالى: (وليوفوا نذورهم) " الحج 92 " .
صوم الكفارة : مثل كفارة الإفطار في رمضان بسبب الجماع، وكفارة الحنث في اليمين إذا لم يقدر على الإطعام والكسوة لقلوه تعالى: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة إيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم) " المائدة 89 ".
صوم القضاء : فمن أفطر في رمضان لمرض أو سفر وجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها، لقوله تعالى: (فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر).
الصوم المحرم: وهو ما يأثم بفعله، ويثاب على تركه وبيانه كما يلي :
صوم يومي العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى) : لما روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر " رواه مسلم " وأجمع العلماء على أن صوم العيدين منهي عنه محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة " ابن قدامه " والحكمة من النهي عن صوم رمضان وعيد الأضحى يوم الأكل من الأضحية .(1/91)
صوم أيام التشريق : وهي الأيام الثلاثة بعد يوم عيد الأضحى وسميت بذلك لأن الناس كانوا يشرقون فيها لحوم الهدي لتجف وتحفظ مدة أطول ، ودليله الحديث: ( أيام منى أيام أكل وشرب) " رواه مسلم " فلا يحل في هذه الأيام صيام التطوع والنذر والقضاء وغير ذلك .
الصوم المكروه : وهو الذي يترتب على تركه ثواب، ولا يترتب على فعله عقاب أو ثواب ، ويندرج تحت هذا النوع من الصيام ما يلي:
إفراد يوم الجمعة بالصوم إذا كان يوافق صومه يوم الجمعة : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده) " رواه مسلم " والمكروه إفراده بالصوم أما إن صام قبله أو بعده فلا يكره، والحكمة من كراهية صيام يوم الجمعة أنه يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير الى صلاة الجمعة، وانتظارها والاستماع الى الخطبة وإكثار الذكر فاستحب الفطر في ذلك اليوم، ليكون أعون للمسلم على القيام بتلك العبادات وأدائها من غير ملل، أما إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة أو عاشوراء يصوم المسلم ذلك اليوم.
إفراد يوم السبت بالصوم : يكره صيام يوم السبت لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) " رواه الترمذي " ، فالمكروه إفراد يوم السبت بالصوم، أما إن صام قبله أو بعده فلا يكره، وكذلك إذا وافق يوم السبت بالصوم أن اليهود تعظم هذا اليوم ، فيكون إفراده بالصيام موافقة لهم فكره ، ويقاس على ذلك كل يوم يفرده الكفار بالتعظيم.
صيام الدهر: مكره لما روى أبو قتادة قال : قيل يا رسول الله فكيف بمن صام الدهر؟ قال: (لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر) " رواه الترمذي " . والحكمة من كراهية صوم الدهر إن فيه مشقة وتعب للجسم.(1/92)
صوم الوصال : وهو مكروه لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إياكم والوصال وإياكم والوصال ، قالوا: انك تواصل يا رسول الله قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) " رواه مسلم " . وحقيقة الوصال في الصوم أن يصوم يومين فصاعدا بدون أن يتناول طعاماً أو شراباً في الليل فيواصل صوم الليل بصوم النهار قصداً ، والحكمة من كراهية الوصال في الصوم أن لا يضعف عن الصيام وعن الصلاة وعن سائر العبادات أو إن يصاب بالتعب الشديد والملل .
الصوم المستحب : وهو الذي يترتب على فعله الثواب ولا يترتب على تركه الإثم والعقاب، وقد شرع هذا النوع من الصيام لفتح المجال لمن أراد أن يزداد في التعبد والتقرب الى الله تعالى ويندرج تحته كثير من الأنواع منها:
صوم يوم عرفة : وهو اليوم التاسع من ذي الحجة حيث يستحب لغير الحاج أن يصوم ذلك اليوم، لما روي عن أبي قتادة قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم عرفة فقال: ( يكفر السنة الماضية والباقية) " رواه مسلم " ، ويوم عرفة أفضل الأيام يغفر الله تعالى لكثير من عباده في ذلك اليوم ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة)، أما الحاج ، فلا يسن له صوم هذا اليوم، لانشغاله بالذكر والدعاء والعبادة، فيسن له الفطر ليقوي تلك العبادات.(1/93)
صوم عاشوراء وتاسوعاء : وهو اليوم التاسع من محرم وعاشوراء اليوم العاشر منه ، فيستحب صوم هذين اليومين لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : انه - صلى الله عليه وسلم - صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه " رواه مسلم " ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لئن بقيت الى قابل لأصومن من التاسع) " رواه مسلم " ، والحكمة من استحباب صوم اليوم التاسع مع العاشر مخالفة اليهود ، فإنهم يصومون اليوم العاشر، ويقولون أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى من الغرق ، فمن لم يصم اليوم التاسع صام العاشر والحادي عشر.
صوم يومي الاثنين والخميس : يستحب صوم هذين اليومين، لما روي عن أبي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) " رواه الترمذي " .
صوم أيام الليالي البيض من كل شهر قمري (عربي): وهي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، ويطلق عليها الأيام البيض، لأن لياليها بيض، فيستحب صيام هذه الأيام ما عدا الثالث عشر من ذي الحجة، لأنه ضمن أيام التشريق، ومما يدل على استحباب صيام الأيام البيض ما روى أبو قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله?- صلى الله عليه وسلم - : (صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان الى رمضان صوم الدهر) " رواه مسلم " وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا صمت من الشهر ثلاثاً فصم ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة) " رواه الترمذي " .
صوم ستة أيام من شوال : ويستحب صومها لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستة من شوال كان كصيام الدهر) " رواه مسلم " .
سابعاً: قضاء الصوم وكفارته وفديته:
قضاء الصوم :
معنى القضاء : أداء مثل الصوم الواجب بعد وقته بدلاً مما سبق إفطاره كمن فاته صوم يوم من رمضان فقضاه بعد رمضان .(1/94)
حكم القضاء : قضاء الأيام التي أفطرها من رمضان واجب بعد الانتهاء من ذلك الشهر، لقوله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ) " البقرة : 185 " .
موجبات القضاء : يجب القضاء على من أفطر من رمضان بعذر أو بدون عذر، وفيما يلي تفصيل ذلك:
المرض : يعد المرض عذراً للإفطار في رمضان لقوله تعالى: ( ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) " البقرة : 185 " . فإذا أفطر المريض في رمضان وجب عليه القضاء ، والمرض الذي يعتبر عذراً للإفطار في رمضان هو المرض المهلك أو الذي يزداد بالصيام .
السفر: يعد السفر عذراً للإفطار في رمضان كما جاء في الآية: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) " البقرة : 185 " فإذا أفطر المسافر في رمضان وجب عليه القضاء بعد رمضان، والسفر الذي يعد عذراً للإفطار في رمضان هو ما كان طويلاً يصل الى مسافة (81 كيلومتر) وهي مسافة القصر، وان كان السفر قصيراً أو لفعل فاحشة أو معصية فلا يباح فيه الإفطار .
الحيض والنفاس: وهما من أعذار الإفطار في رمضان ويوجبان القضاء، لقول عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بقضاء الصوم بعد رمضان للحائض ، وعلى النفساء كذلك .
الحمل والرضاعة : وهما من أعذار الإفطار في رمضان، ويوجبان به القضاء، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم ) أي رخص لهما في الفطر مع القضاء .
الإخلال بشرط من شروط الصوم: كترك نية الصيام عمداً يوجب القضاء.(1/95)
كيفية قضاء الصوم: ليس لقضاء صوم رمضان وقت معين بدليل قوله تعالى: (فعدة من أيام أخر) " البقرة 185 " فلا يفرض على من افطر في رمضان أن يقضي فوراً، وإنما يجوز له تأخير القضاء حتى قبل أن يدخل رمضان الأخر ، فقد روي عن السيدة عائشة أنها كانت تؤخر القضاء حتى يجيء شعبان " رواه الترمذي " ، والحديث يدل على جواز تأخير القضاء ، ولكن الإسراع في القضاء أفضل لإبراء الذمة، أما تأخير القضاء الى ما بعد رمضان الآخر فيجوز إن كان لعذر باتفاق الفقهاء ولا يجوز عندهم لمن لا عذر له وعليه القضاء والفدية، لإطلاق قوله تعالى: ( فعدة من أيام أخر) . ولا يشترط التتابع في قضاء رمضان، فيجوز صيامه متفرقاً عند جمهور العلماء .
كفارة الصوم:
معني الكفارة : تصرف أوجبه الشرع لتغطية إثم الاعتداء على الصوم في رمضان.
والكفارة بالنسبة للصوم : عتق رقبة من الرق، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يقدر على الصيام أطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مداً من قمح، فان لم يجد بقيت الكفارة في ذمته الى أن يجد ولا تسقط عنه.
موجبات الكفارة : تجب الكفارة على من اعتدى على حرمة شهر رمضان بالأكل والشرب والجماع عمداً في نهار رمضان وإلى التفصيل:
الأكل والشرب: إذا أكل الصائم في نهار رمضان أو شرب متعمداً عالماً بالتحريم وجبت عليه الكفارة بالإضافة الى القضاء عند الحنفية والمالكية، وذهب الشافعية والحنابلة الى عدم وجوب الكفارة بالأكل والشرب.(1/96)
الجماع : اتفق الفقهاء على أن من جامع زوجته في نهار رمضان عامداً عالماً بالتحريم وجبت عليه كفارة الصيام إضافة إلى القضاء ، ويؤيد ذلك ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ( جاء رجل الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هلكت يا رسول الله ، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. فقال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ، قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا ، قال: ثم جلس فأتى النبي بعرق فيه تمر، فقال: تصدق بهذا، قال: على أفقر منا فما بين لأبيتها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك) " رواه مسلم " . أما المرأة التي جامعها زوجها فتجب عليها الكفارة أيضاً عند جمهور الفقهاء إذا كان الزوجة راضية بالمعاشرة، لأنها اعتدت على حرمة رمضان فوجبت عليها الكفارة كالرجل، وذهب الشافعية الى عدم وجوب الكفارة على المرأة التي جامعها زوجها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الرجل الذي واقع أهله في نهار رمضان بالكفارة ، ولم يطلب منه أن يخبر زوجته بأن عليها كفارة.
تداخل الكفارات : فإذا تكررت موجبات الكفارة من الصائم قبل التكفير عن فعله فلا تتكرر عليه الكفارات وتجب عليه كفارة واحدة عند جمهور الفقهاء، لأن الكفارات تتداخل، ولأن الكفارة شرعت للزجر عن انتهاك حرمة شهر رمضان وهذا المقصد يتحقق بالكفارة الواحدة. وإذا تكرر موجب الكفارة من الصائم بعد التكفير عن الأولى فان كان بينهما مدة طويلة كيوم كامل فعليه كفارة ثانية باتفاق الفقهاء، وان كانت المدة اقل من يوم بحيث فعل ما يوجب الكفارة مرتين أو ثلاث مرات في يوم واحد فتكرر الكفارة في الرأي الراجح.
الفدية:
معنى فدية الصوم: ما يبذل من مال الله تعالى جزاء التقصير في أداء الصوم في وقته المحدد .(1/97)
مقدار الفدية : ذهب المالكية والشافعية الى أنها مداً من غالب قوت البلد، فإذا كان غالب قوت البلد القمح كانت مداً من قمح، وان كان من الأرز كان مداً من أرز، والمد بالأوزان الحالية يعادل (812.9) جراماً .
موجبات الفدية : تجب الفدية على من أفطر في شهر رمضان في الحالات التالية:
العجز بسبب كبر السن : فاذ1 اضطر الشيخ المسن الى الفطر في رمضان، ولم يقدر على الصيام بحال من الأحوال فيجب عليه الفداء بأن يتصدق كل يوم بمد من غالب قوت البلد.
العجز بسبب المرض المزمن الذي لا يرجى شفاؤه : فإذا عجز عن الصيام بسبب هذا المرض وجبت عليه الفدية.
الحامل والمرضع إذا خافتا على طفليهما : كأن تخاف الحامل من الإسقاط إذا صامت، أو تخاف المرضع من أن يقل لبنها، فيؤثر ذلك على الطفل، وجبت عليهما الفدية إضافة الى القضاء عند جمهور الفقهاء، وذهب الحنفية على انه لا فدية عليهما فيجب عليهما القضاء فقط، لأنه فطر أبيح لعذر فلم يجب فيه فدية كالفطر بسبب المرض.
تأخير الحائض القضاء إلى ما بعد رمضان الآخر : فإذا أخرت الحائض القضاء إلى ما بعد رمضان الآخر بدون عذر أطعمت عن كل يوم مسكيناً مع القضاء عند جمهور الفقهاء، وقال أبو حنيفة: لا فدية عليها لأنه صوم واجب فلم يجب عليها في تأخيره كفارة أو فدية.
*****************
الفصل الثالث:تشريع أحكام الصوم
مقدمة :(1/98)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان الى يوم الدين ، أما بعد: فان الصوم من الأعمال التي تصلح النفوس وتسمو بها، وتدفعها الى أعمال الخير وتبعدها عن الشرور والمفاسد وبه تقوى العزائم، وتصلح الأبدان وتشفى من الأمراض فهو طاعة تقرب العبد من الله، وبها تغفر الذنوب وتكفر السيئات، وبه تزداد الحسنات وترتفع الدرجات، ويكون الصائم يوم القيامة من المقربين الأخيار، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وقد ثبت وجوب صوم رمضان بما جاء في كتاب الله قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) " البقرة 183 " وثبت وجوبه في السنة والإجماع على أن الصوم واجب على كل مسلم ومسلمة فلا يمنع منه إلا بعذر شرعي.
الصوم:
أولاً: تعريف الصوم:
الصوم معناه الإمساك مطلقا عن الطعام والشراب، أم عن الكلام، كما جاء في (لسان العرب) فقد جاء الإمساك عن الكلام قوله تعالى على لسان مريم: (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً) " سورة مريم 26 " أي إني نذرت للرحمن صوماً عن الكلام وصمتاً بدليل قوله تعالى: ( فلن أكلم اليوم إنسياً).
وأما الصوم في الاصطلاح فيطلق على الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الى غروب الشمس مع النية بشروط خاصة.
ثانياً: حكم الصوم ودليله:
صوم رمضان فرض عين على كل مسلم ومسلمة، فرض في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة، وأصبح معلوماً من الدين بالضرورة، يكفر جاحده ومنكره، ويفسق تاركه .(1/99)
والدليل على فرضيته ما جاء في الكتاب والسنة والإجماع: فأما ما جاء في الكتاب فقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) " البقرة 183 " فكلمة كتب في الآية بمعنى فرض فالصيام فرض على المؤمنين المكلفين، وقال تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه) " البقرة 185 " فاللام في (فليصمه) لام الأمر، والأمر للوجوب والمعنى أن من علم أول الشهر وآخره فليصمه مادام مقيما غير مريضاً أو مسافراً .
وأما ما جاء في السنة فالأحاديث كثيرة تدل على فرضية الصوم في رمضان ومن هذه الأحاديث، ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، واقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ، فمن ه1ا الحديث يتبين أن هذه الأشياء من فروض الأعيان فلا تسقط عن المكلفين.
وأما الإجماع، فقد أجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان (إن قدامه في المغني).
ثالثاً: حكمة مشروعية الصوم:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل للصوم فوائد كثيرة منها:
التقوى: فعندما يؤدي المسلم هذه العبادة طاعة لله تعالى ومرضاته يشعر في قلبه بتقوى الله والخوف والفزع، فيحذر من الوقوع في المعاصي ويسارع الى فعل الخير والطاعات لذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وقاية من الوقوع في المعاصي، لقوله عليه الصلاة والسلام: ( الصيام جنة) " رواه مسلم " .
الإخلاص لله تعالى: فالصوم لله تعالى يترك الصائم طعامه وشرابه من أجل الله إخلاصاًَ لله تعالى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) " رواه مسلم " .(1/100)
الصبر: فالصوم يعود الصائم على الصر باحتماله للجوع والعطش ويستمر معه ذلك كل يوم لمدة شهر مما يحقق له الصبر، لأن الصبر يحتاج الى التعود، وفي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الصيام نصف الصبر) " رواه الترمذي " .
المساواة : فالصوم يحقق المساواة بين الأغنياء والفقراء في وقت الإفطار والسحور حيث يجد الغني أنه من الواجب العطف على الفقراء الذين يتحملون الجوع ، ويحتاجون الى الطعام في أي وقت سواء في رمضان أو غيره ، وقتها يحس الغني الصائم بجوع هذا الفقير المحتاج فيواسيه بماله وينظر إليه بعين العطف والشفقة ويمد له يد العون.
إراحة أجهزة الهضم في الجسم : وبالصوم يتجدد نشاط هذه الأجهزة وتعود لعملها بنشاط وتعوض ما تلف من أنسجتها نتيجة كثرة الطعام.
التخلص من الشحوم المتراكمة في الجسم : فالصوم يقلل من الشحوم التي تعمل على زيادة الوزن والسمنة التي تعرض الجسم للأمراض.
رابعاً: فضل الصوم :
ورد الكثير من الأحاديث النبوية بشأن فضل الصوم على العبد وثوابه العظيم الذي يتحقق بالصوم ومن هذه الأحاديث :
روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فيدخلون ، فإذا دخلوا أغلق عليهم، فلم يدخل منه أحد) " رواه مسلم " .(1/101)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشرة أمثالها الى سبعمائة ضعف قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان : فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك، والصيام جنة ، وإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) " رواه مسلم " .
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد فيقول الصيام : أي رب إني منعته عن الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان ) " رواه أحمد في مسنده " .
شروط الصوم وسبب وجوبه:
أولاً: شروط الصوم: يشترط في الصوم عدة شروط وهي:
الإسلام: فلا يفرض الصوم على غير المسلم، لأن الصوم عبادة إسلامية تجب على المسلم لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) " البقرة 183 " أما غير المسلم سواء أكان كافرا أصلياً كالمشرك والوثني، أم مرتداً كمن أعتنق الإسلام ثم تركه وفارق جماعة المسلمين، فلا صيام عليه إلا أن المرتد يطلب بقضاء ما فاته من الصيام أثناء ردته إذا تاب ورجع إلا الإسلام .(1/102)
البلوغ : يفرض الصوم على الصغير الذي لم يبلغ سن الحلم، لأن الإنسان لا يكلف إلا بعد البلوغ ، وهو يتحقق بإنبات شعر اللحية وخشونة الصوت وغير ذلك، وعند الأنثى بالحيض، ويدل على اشتراط البلوغ ما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق) " رواه البخاري "، وإذا كان الصوم غير واجب على الصبي، فلا يعني ذلك عدم تعويده عليه، بل يطالبه وليه إذا بلغ سبع سنين وكان قادراً عليه، ويضربه على تركه إذا بلغ عشر سنين، فالمطالبة بالصوم واجبة على الولي، وإن كان الصوم غير واجب على الصغر بدليل أنه لا قضاء عليه فيما مات قبل البلوغ .
العقل : فلا يفرض الصوم على المجنون، للحديث : ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ) ، فإذا جن الشهر كله ثم أفاق بعده فلا قضاء عليه، لأنه لم يشهد الشهر وهو عاقل ، وأجمع العلماء على أن المجنون لا يلزمه الصوم ، ويختلف المغمي عليه عن المجنون، فالمغمي عليه يعامل معامل المريض ويقضي ما فاته بسبب الإغماء ، وهو يختلف أيضاً عن النائم، فصومه صحيح ، ولو نام النهار كله.
الطهارة من الحيض والنفاس: وهذا الشرط خاص بالمرأة ، فلا يصح أن تصوم وهي حائض أو نفساء، وتأثم إذا أمسكت عن الطعام بنية الصوم.
ثانياً: سبب وجوب الصوم:
سبب الصوم شهر رمضان لقوله تعالى: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) " البقرة 185 " ولأن الصوم يضاف إلى رمضان وهذا دليل السببية، ويتعلق بهذا السبب أمران هما : شهر رمضان وفضله: رمضان اسم لشهر من أشهر السنة القمرية ، وأصل الكلمة من الرمض وهو شدة الحر.(1/103)
والأحاديث في فضل شهر رمضان كثيرة علاوة على ورد فيه من آيات من القرآن الكريم . فقد اختصه الله تعالى بنزول القرآن الكريم، فأنزله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك ليلة القدر، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع ، قال تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) " البقرة 185 " ، وقال تعالى: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر ) .
وفي هذا الشهر تفتح أبوب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتقيد فيه الشياطين، روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب جهنم وصفدت الشياطين) " رواه البخاري ومسلم " .
وشهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار فأول الشهر رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ورمضان تضاعف فيه الحسنات، وتنمو فيه الأجور على الأعمال الصالحة، والعمرة فيه تعدل حجة، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال لامرأة من الأنصار: ( إذا كان رمضان فاعتمري، فان عمرة فيه تعدل حجة) " رواه البخاري ومسلم " .
طرق معرفة دخول شهر رمضان:
يعلم دخول شهر رمضان بإحدى طريقتين:(1/104)
رؤية هلال رمضان: إن معرفة بداية الشهور القمرية معروفة لدى جميع الناس ولا تختص به جماعة دون أخرى لأنه يعتمد على رؤية الهلال الذي يظهر ليلة أول الشهر القمري ، لذا يستحب لجميع المسلمين مراقبة هلال رمضان بعد غروب اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان فإذا رآه أحد المسلمين أخبر أولي الأمر بذلك فيتحقق من رؤيته فإذا ثبت ذلك وجب صيام هذا الشهر لقوله تعالى: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) "البقرة 185 " ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ) " رواه مسلم " ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( الشهر تسع وعشرين ليلة فلا تصوموا حتى تروه) " رواه مسلم " . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه " رواه أبو داود " . ومن هنا نعلم أن شهادة الواحد برؤية هلال رمضان تكفي إذا كان عدلا سواء أكان السماء صافية أم مغيمة. أما إذا تباعدت البلدان وكانت على خطين مختلفين فحكمها حكم البلاد المختلفة لاختلاف المطالع، ولا يلزم أهل البلد الذين لم يروا الهلال الصوم بناء على رؤية البلد الآخر.
الطريق الثاني لمعرفة دخول شهر رمضان : هو إكمال شهر شعبان ثلاثين يوما ، فان لم يشاهد الهلال في اليوم التاسع والعشرين ليلة الثلاثين من شعبان وكان الجو صحواً يكمل شعبان ثلاثين يوماً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( فان غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً) "رواه الشوكاني " .
ثالثاً: فرائض الصوم وسننه:
فرائض الصوم: للصوم فرائض لا يصح بدونها كالنية والإمساك عن المفطرات.(1/105)
النية : النية تعني في اللغة: القصد ، وتعني في الاصطلاح: اعتقاد القلب فعل الشيء وعزمه عليه من غير تردد وهي فرض في الصوم لا يصح الصوم بدونها، لقوله تعالى: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) " البينة 5 " ، ولما روى البخاري في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى). ولأن النية تميز بين العادة والعبادة لذلك تجب في الصوم لأنها عبادة تتوقف على النية.
شروط النية: يشترط لصحة نية الصوم عدة شروط:
تثبيت النية : فلابد للصائم أن ينوي الصيام من الليل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) هذا في الصوم الواجب كصوم رمضان وصوم القضاء، وأما صوم التطوع ، فلا يشترط له تثبيت النية .
تعيين النية : بان يحدد نوع الصيام الذي يريد أن يصومه وهو أن يعتقد أنه يصوم غداً من رمضان، أو من قضائه، أو كفارته، أو نذره .
جزم النية : لا بد أن تكون النية جازمة لا شك فيها ولا تردد فلو نوى ليلة الثلاثين من شعبان أن كان غداً من رمضان فأنا صائم عنه، وان لم يكن منه فأنا صائم قضاء لا يجزيه.
الاستمرار في النية وعدم قطعها بنية الإفطار: فلو نوى في يوم رمضان بالإفطار بطل صومه عند الشافعية والحنابلة لأن النية شرط في جميع النهار، وذهب الكثير من الأئمة على أن صيامه لا يبطل وهو قول النووي.
تكرار النية لكل يوم من أيام رمضان: فلا تكفي نية واحدة لجميع شهر رمضان، بل لابد من نية لكل يوم، لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة بذاتها بدليل أنه لا يفسد صوم شهر رمضان بفساد صوم يوم منه.
الفرض الثاني للصوم : الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويعد هذا الفرض ركناً حقيقة في الصوم، لأنه ثبت بدليل قطعي، وهو داخل في حقيقة الصوم.
والمفطرات التي يجب الإمساك عنها ما يلي:(1/106)
الأكل والشرب عمداً سواء أكان على سبيل الغذاء ام على سبيل الدواء : لقوله تعالى: ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل) " البقرة 187 " ، أما إذا أكل الصائم أو شرب لم يفسد صومه مهما كانت كمية الطعام التي تناولها، لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) " رواه مسلم " .
الجماع : فإذا جامع الرجل زوجته عمداً بطل صومه لقوله تعالى : (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) " الفجر 187 " أما إذا جامع ناسياً فلا يبطل صومه قياسا على الأكل والشرب ناسياً .
الاستمناء : فإذا استمنى الرجل بيده بطل صومه، وكذلك إذا باشر الرجل زوجته أو قبلها فأنزل بطل صومه إما إذا أنزل بلا شهوة كمرض فلا يفسد صومه .
سنن الصوم:
السحور وتأخره : ويسن للصائم تناول وجبة السحور لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( تسحروا فان في السحور بركة) " رواه البخاري " ، ولأن السحور يعين الصائم على الصوم ويقويه، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( استعينوا بطعام السحر على صيام النهار) " رواه الحاكم " ويتحقق السحور ولو بجرعة ماء، كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (تسحروا ولو بجرعة ماء) " رواه احمد " ويسن تأخير وجبة السحور حتى قبل طلوع الفجر، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور) " رواه أحمد " ، ويفترق صيامنا عن صيام أهل الكتاب بالسحور، حيث قال - صلى الله عليه وسلم - : ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) " رواه مسلم " .(1/107)
تعجيل الإفطار: ويسن للصائم تعجيل الإفطار ، لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور) ، ويتحقق تعجيل الإفطار بتناول الصائم بعض من التمر، فان لم يجد فجرعة ماء لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فان لم يكن فعلى تمرات ، فان لم يكن حسا حسوات من ماء فانه طهور) " رواه الترمذي " .
الاجتهاد في العبادة والإكثار من تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان: لما لهذا الشهر من فضائل وفوائد حسنة كثيرة .
الدعاء المأثور عند الإفطار: فان للصائم دعوة لا ترد، فيقول عند الإفطار: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) " رواه أبو داود ".
الإكثار من الصدقات : والصدقة في هذا الشهر تضاعف، وهي أفضل من الصدقة في غير رمضان، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قيل يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: (صدقة في رمضان) " رواه الترمذي " ويفضل للمسلم إخراج زكاة ماله في هذا الشهر، وقد ورد عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - انه كان يقول إذا دخل رمضان: ( هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه ، وليخرج الزكاة ).
رابعاً: مبطلات الصوم:
إدخال شيء الى الجوف عن طريق الفم عمداً : سواء كان هذا الشيء طعاما أو غير طعام وكذلك الشراب والدواء والدخان والحصاة وقطعة النقود وغير ذلك. والحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إنما الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل، وإنما الفطر مما يدخل وليس مما يخرج) " رواه الهتيمي " . أما الناسي فلا يفطر بإدخال شيء الى الجوف ، ولا فرق بين القليل والكثير فلو ابتلع شيئا يسراً عامداً أفطر عند جمهور الفقهاء أما إذا ابتلع الريق إذا كان على العادة فلا يفطر.
الشهوة (بالجماع والاستمناء والمباشرة).(1/108)
أجمعت الأمة على تحريم الجماع على الصائم: وعلى أن الجماع يبطل صومه، للآيات والأحاديث، ولأنه منافٍ للصوم فيبطله كالأكل والشرب وسواء أنزل أم لا فيبطل صومه في كل الأحوال، ولا يبطل صوم الناسي.
الاستمناء: وهي إخراج المني بيده فهو يفطر الصائم لأنه إنزال بشهوة، إما إذا كان ناتجاً عن مرض فلا يفطر.
المباشرة: إذا باشر الرجل زوجته بشهوة فأنزل يفطر لأنه إنزال بشهوة، وكذلك إذا قبل زوجته فأنزل وإن لم ينزل لم يفطر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم. " رواه مسلم".
الاحتلام في نهار رمضان لا يفسد الصوم : لأن الإنسان لا يقصده، ويجب عليه الغسل لأداء الصلاة.
النظر الى المرأة الأجنبية وتكراره حرام على الصائم : وأما أثر النظر في الصوم فيختلف باختلاف أثر النظر في الرجل فان لم يترتب عليه إنزال فلا يفطر، كما أن الفكر في المرأة لا يفسد الصوم.
الاستقاءة (تعمد القيء) : فإذا وضع الصائم أصبعه في حلقه وتقيأ بطل صومه ولو لم يرجع شيء من القيء إلى الجوف، وسواء أكان التقيؤ لعذر أم لغير عذر، وقد أهل العلم على أن من تقيأ عمداً أفطر (قول ابن المنذر). أما من غلبه القيء فلا يبطل صومه، كما قال جماهير العلماء بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض) " رواه الترمذي " .
الردة: إذا ارتد الصائم عن الإسلام في نهار رمضان بطل صومه، فإذا تاب ورجع إلى الإسلام وجب عليه القضاء سواء رجع في ذلك اليوم الذي ارتد فيه أم بعد انتهائه ، لأن الردة تحبط أعماله وتبطلها، قال تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) " الزمر 65 " .(1/109)
الجنون والإغماء: والجنون يعني اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل إلا نادراً (الجرجاني) فإذا أصاب الصائم جنوناً في نهار رمضان بطل صومه ولو كانت مدة الجنون أقل من نهار لأن الجنون ينافي الصوم مطلقاً، ولو زال عقل الصائم بشرب الخمر ليلاً وبقي أثر السكر في الصائم جميع نهار رمضان، وهذا بخلاف زوال العقل بمباح كشرب الدواء ليلاً وبقي أثر هذا الدواء طيلة اليوم فلا يفسد صومه . وأما الإغماء فهو فقدان الحركة والحس فلا يفسد صومه، وأما الإغماء فهو فقدان الحركة والحس لعارض، فإذا أغمي على صائم جميع النهار، فلم يفق في أي وقت منه بطل صومه لأن الصوم هو الإمساك مع النية فلم يتحقق الصوم، أما إذا أفاق الصائم في جزء من النهار صح صومه سواء أكان في أوله أم في آخره لأن النية حصلت في جزء من النهار فأجزأ كما لو كانت في أوله. وأما النوم فهو حالة طبيعية فلا يزيل الإحساس عند الإنسان فلا يبطل صومه ولو نام جميع النهار.
إدخال شيء إلى الجوف عن طرق الأنف : كإنزال الماء بالاستنشاق، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) " رواه الترمذي " فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المبالغة في الاستنشاق حفظاً للصوم، فدل ذلك على أنه يفطر به فأشبه التعمد وكذلك استنشاق البخور لأن له دخان يصل الى المعدة، أما ما ليس له جرم كرائحة العطور والزهور فلا تبطل الصوم.(1/110)
إدخال عين إلى الجوف عن طريق العين والأذن: فكل ما دخل من هذه المنافذ الى باطن الجسم يفسد الصوم عند كثير من العلماء، بدليل الحديث: ( إنما الفطر مما دخل) فقد عد بعض العلماء أن التقطير في الأذن والإحليل والحقن وغيرها من المفطرات (البيضاوي). والحقيقة أن الصوم الإمساك عن المفطرات من أكل وشرب وجماع وقيء فلو كانت تلك الأمور من حقن وقطرة مما يفطر الصائم لبينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلمها منه الصحابة رضوان الله عليهم وبلغوها الأمة، فمادام الأمر كذلك فإنها لا تفسد الصوم فيجوز للصائم التداوي بالحقن بجميع أنواعها، كما يجوز التقطير في العين والأذن وغير ذلك .
الحيض والنفاس: إذا حدث للمرأة الصائمة دم حيض أو دم نفاس بطل صومها ولو كان قليلاً، وحرم عليها الإمساك بنية الصوم لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في امرأة وقد سئل عن نقصان دينها: ( أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) " رواه البخاري " . ويجوز للمرأة أن تستعمل دواء لمنع الحيض في رمضان إن لم يترتب عليه ضرر، والأفضل أن تجعل المرأة الأمور تسير على طبيعتها التي أرادها الله فالحيض من طبيعة المرأة ، فإذا جاءها الحيض تركت الصيام والى ما بعد رمضان وكذلك تترك الصلاة الى ما بعد .
خامساً: مكروهات الصوم:
وهنا يعني التصرفات التي يكره للصائم فعلها، وهي لا تبطل الصوم لكن الأولى تركها وعدم فعلها لما قد ينشأ عنها محذورات شرعية تتعلق بالصوم، ومن هذه المكروهات ما يلي :(1/111)
الغيبة والنميمة والكذب والكلام الفاحش: قال الاوزاعي يبطل الصوم بالغيبة والنميمة ويجب قضاؤه ، واستدل لذلك بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) " رواه أحمد " ، وحديث (خمس يفطرن الصائم: الغيبة والنميمة والكذب والقبلة واليمين الفاجرة). ولكن جمهور العلماء ذهبوا الى عدم بطلان الصوم بهذه التصرفات ولا تأثير لها في الصوم، لأنه إمساك شهوتي البطن والفرج وهذه التصرفات لا تأثير لها في الصوم ، وأما حديث: من لم يدع الزور.. فالمراد به أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو وقول الزور والكلام الفاحش، وإما حديث : خمس يفطرن.. فقال النووي فيه: ( حديث باطل لا يحتج به وأجاب عنه الماوردي والمتولي بأن المراد بطلان الثواب لا الصوم نفسه) .
ذوق الطعام بدون حاجة: يكره ذوق الطعام لغير حاجة، لئلا ينزل الطعام الى الجوف فيبطل صومه، أما إذا كان ذوق الطعام لحاجة فلا يكره كمن يعمل طاهياً في مطعم ويحتاج الى ذوق الطعام لتحسينه وإصلاحه، فلا يكره له ذلك ولو كان عنده مفطر لأنه الوحيد الذي يتمكن من إصلاح الطعام .
المضمضة والاستنشاق: يكره للصائم المضمضة والاستنشاق لغير وضوء، وإذا أراد الوضوء فلا يبالغ فيهما، وتكره المبالغة فيهما عن الوضوء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً) " رواه الترمذي " .
السواك ومعجون الأسنان: يستحب السواك قبل الظهر، ويكره بعد الظهر عند الشافعية، لأنه يزيل رائحة فم الصائم التي تعد عند الله أطيب من ريح المسك كما ورد في الحديث، ويرى غيرهم أنه لا يكره السواك للصائم لما روي عامر بن ربيعة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتسوك وهو صائم " رواه البخاري ". أما معجون الأسنان فيجب الإحاطة عند استعماله لألا يدخل الجوف فيفطر الصائم .(1/112)
مضغ العلك: يكره مضغ العلك إذا كان مما لا يتفتت وكان خاليا من طعم السكر ونحوه لأنه يعمل على تجميع الريق في الفم فان بلعه الصائم أفطر عند بعض الفقهاء وان ألقاه عطش، أما ما يتفتت من العلم والمختلط بالسكريات فيفطر.
سادساً: أنواع الصوم :
يقسم الصوم من حيث النوع الى أربعة أقسام وهي: الصوم الواجب، والصوم الحرام، والصوم المكروه، والصوم المستحب أو التطوع: وبيان هذه الأنواع:
الصوم الواجب: وهو ما يثاب على فعله، ويأثم على تركه، ويندرج تحت هذا النوع ما يلي:
صوم رمضان : لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) " البقرة 183 "
صوم النذر: فمن نذر أن يصوم ثلاثة أيام لله تعالى أصبح هذا الصوم واجباً لقوله تعالى: (وليوفوا نذورهم) " الحج 92 " .
صوم الكفارة : مثل كفارة الإفطار في رمضان بسبب الجماع، وكفارة الحنث في اليمين إذا لم يقدر على الإطعام والكسوة لقلوه تعالى: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة إيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم) " المائدة 89 ".
صوم القضاء : فمن أفطر في رمضان لمرض أو سفر وجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها، لقوله تعالى: (فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر).
الصوم المحرم: وهو ما يأثم بفعله، ويثاب على تركه وبيانه كما يلي :
صوم يومي العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى) : لما روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر " رواه مسلم " وأجمع العلماء على أن صوم العيدين منهي عنه محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة " ابن قدامه " والحكمة من النهي عن صوم رمضان وعيد الأضحى يوم الأكل من الأضحية .(1/113)
صوم أيام التشريق : وهي الأيام الثلاثة بعد يوم عيد الأضحى وسميت بذلك لأن الناس كانوا يشرقون فيها لحوم الهدي لتجف وتحفظ مدة أطول ، ودليله الحديث: ( أيام منى أيام أكل وشرب) " رواه مسلم " فلا يحل في هذه الأيام صيام التطوع والنذر والقضاء وغير ذلك .
الصوم المكروه : وهو الذي يترتب على تركه ثواب، ولا يترتب على فعله عقاب أو ثواب ، ويندرج تحت هذا النوع من الصيام ما يلي:
إفراد يوم الجمعة بالصوم إذا كان يوافق صومه يوم الجمعة : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده) " رواه مسلم " والمكروه إفراده بالصوم أما إن صام قبله أو بعده فلا يكره، والحكمة من كراهية صيام يوم الجمعة أنه يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير الى صلاة الجمعة، وانتظارها والاستماع الى الخطبة وإكثار الذكر فاستحب الفطر في ذلك اليوم، ليكون أعون للمسلم على القيام بتلك العبادات وأدائها من غير ملل، أما إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة أو عاشوراء يصوم المسلم ذلك اليوم.
إفراد يوم السبت بالصوم : يكره صيام يوم السبت لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) " رواه الترمذي " ، فالمكروه إفراد يوم السبت بالصوم، أما إن صام قبله أو بعده فلا يكره، وكذلك إذا وافق يوم السبت بالصوم أن اليهود تعظم هذا اليوم ، فيكون إفراده بالصيام موافقة لهم فكره ، ويقاس على ذلك كل يوم يفرده الكفار بالتعظيم.
صيام الدهر: مكره لما روى أبو قتادة قال : قيل يا رسول الله فكيف بمن صام الدهر؟ قال: (لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر) " رواه الترمذي " . والحكمة من كراهية صوم الدهر إن فيه مشقة وتعب للجسم.(1/114)
صوم الوصال : وهو مكروه لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إياكم والوصال وإياكم والوصال ، قالوا: انك تواصل يا رسول الله قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) " رواه مسلم " . وحقيقة الوصال في الصوم أن يصوم يومين فصاعدا بدون أن يتناول طعاماً أو شراباً في الليل فيواصل صوم الليل بصوم النهار قصداً ، والحكمة من كراهية الوصال في الصوم أن لا يضعف عن الصيام وعن الصلاة وعن سائر العبادات أو إن يصاب بالتعب الشديد والملل .
الصوم المستحب : وهو الذي يترتب على فعله الثواب ولا يترتب على تركه الإثم والعقاب، وقد شرع هذا النوع من الصيام لفتح المجال لمن أراد أن يزداد في التعبد والتقرب الى الله تعالى ويندرج تحته كثير من الأنواع منها:
صوم يوم عرفة : وهو اليوم التاسع من ذي الحجة حيث يستحب لغير الحاج أن يصوم ذلك اليوم، لما روي عن أبي قتادة قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم عرفة فقال: ( يكفر السنة الماضية والباقية) " رواه مسلم " ، ويوم عرفة أفضل الأيام يغفر الله تعالى لكثير من عباده في ذلك اليوم ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة)، أما الحاج ، فلا يسن له صوم هذا اليوم، لانشغاله بالذكر والدعاء والعبادة، فيسن له الفطر ليقوي تلك العبادات.(1/115)
صوم عاشوراء وتاسوعاء : وهو اليوم التاسع من محرم وعاشوراء اليوم العاشر منه ، فيستحب صوم هذين اليومين لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : انه - صلى الله عليه وسلم - صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه " رواه مسلم " ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لئن بقيت الى قابل لأصومن من التاسع) " رواه مسلم " ، والحكمة من استحباب صوم اليوم التاسع مع العاشر مخالفة اليهود ، فإنهم يصومون اليوم العاشر، ويقولون أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى من الغرق ، فمن لم يصم اليوم التاسع صام العاشر والحادي عشر.
صوم يومي الاثنين والخميس : يستحب صوم هذين اليومين، لما روي عن أبي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) " رواه الترمذي " .
صوم أيام الليالي البيض من كل شهر قمري (عربي): وهي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، ويطلق عليها الأيام البيض، لأن لياليها بيض، فيستحب صيام هذه الأيام ما عدا الثالث عشر من ذي الحجة، لأنه ضمن أيام التشريق، ومما يدل على استحباب صيام الأيام البيض ما روى أبو قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله?- صلى الله عليه وسلم - : (صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان الى رمضان صوم الدهر) " رواه مسلم " وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا صمت من الشهر ثلاثاً فصم ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة) " رواه الترمذي " .
صوم ستة أيام من شوال : ويستحب صومها لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستة من شوال كان كصيام الدهر) " رواه مسلم " .
سابعاً: قضاء الصوم وكفارته وفديته:
قضاء الصوم :
معنى القضاء : أداء مثل الصوم الواجب بعد وقته بدلاً مما سبق إفطاره كمن فاته صوم يوم من رمضان فقضاه بعد رمضان .(1/116)
حكم القضاء : قضاء الأيام التي أفطرها من رمضان واجب بعد الانتهاء من ذلك الشهر، لقوله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ) " البقرة : 185 " .
موجبات القضاء : يجب القضاء على من أفطر من رمضان بعذر أو بدون عذر، وفيما يلي تفصيل ذلك:
المرض : يعد المرض عذراً للإفطار في رمضان لقوله تعالى: ( ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) " البقرة : 185 " . فإذا أفطر المريض في رمضان وجب عليه القضاء ، والمرض الذي يعتبر عذراً للإفطار في رمضان هو المرض المهلك أو الذي يزداد بالصيام .
السفر: يعد السفر عذراً للإفطار في رمضان كما جاء في الآية: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) " البقرة : 185 " فإذا أفطر المسافر في رمضان وجب عليه القضاء بعد رمضان، والسفر الذي يعد عذراً للإفطار في رمضان هو ما كان طويلاً يصل الى مسافة (81 كيلومتر) وهي مسافة القصر، وان كان السفر قصيراً أو لفعل فاحشة أو معصية فلا يباح فيه الإفطار .
الحيض والنفاس: وهما من أعذار الإفطار في رمضان ويوجبان القضاء، لقول عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بقضاء الصوم بعد رمضان للحائض ، وعلى النفساء كذلك .
الحمل والرضاعة : وهما من أعذار الإفطار في رمضان، ويوجبان به القضاء، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم ) أي رخص لهما في الفطر مع القضاء .
الإخلال بشرط من شروط الصوم: كترك نية الصيام عمداً يوجب القضاء.(1/117)
كيفية قضاء الصوم: ليس لقضاء صوم رمضان وقت معين بدليل قوله تعالى: (فعدة من أيام أخر) " البقرة 185 " فلا يفرض على من افطر في رمضان أن يقضي فوراً، وإنما يجوز له تأخير القضاء حتى قبل أن يدخل رمضان الأخر ، فقد روي عن السيدة عائشة أنها كانت تؤخر القضاء حتى يجيء شعبان " رواه الترمذي " ، والحديث يدل على جواز تأخير القضاء ، ولكن الإسراع في القضاء أفضل لإبراء الذمة، أما تأخير القضاء الى ما بعد رمضان الآخر فيجوز إن كان لعذر باتفاق الفقهاء ولا يجوز عندهم لمن لا عذر له وعليه القضاء والفدية، لإطلاق قوله تعالى: ( فعدة من أيام أخر) . ولا يشترط التتابع في قضاء رمضان، فيجوز صيامه متفرقاً عند جمهور العلماء .
كفارة الصوم:
معني الكفارة : تصرف أوجبه الشرع لتغطية إثم الاعتداء على الصوم في رمضان.
والكفارة بالنسبة للصوم : عتق رقبة من الرق، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يقدر على الصيام أطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مداً من قمح، فان لم يجد بقيت الكفارة في ذمته الى أن يجد ولا تسقط عنه.
موجبات الكفارة : تجب الكفارة على من اعتدى على حرمة شهر رمضان بالأكل والشرب والجماع عمداً في نهار رمضان وإلى التفصيل:
الأكل والشرب: إذا أكل الصائم في نهار رمضان أو شرب متعمداً عالماً بالتحريم وجبت عليه الكفارة بالإضافة الى القضاء عند الحنفية والمالكية، وذهب الشافعية والحنابلة الى عدم وجوب الكفارة بالأكل والشرب.(1/118)
الجماع : اتفق الفقهاء على أن من جامع زوجته في نهار رمضان عامداً عالماً بالتحريم وجبت عليه كفارة الصيام إضافة إلى القضاء ، ويؤيد ذلك ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ( جاء رجل الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هلكت يا رسول الله ، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. فقال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ، قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا ، قال: ثم جلس فأتى النبي بعرق فيه تمر، فقال: تصدق بهذا، قال: على أفقر منا فما بين لأبيتها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك) " رواه مسلم " . أما المرأة التي جامعها زوجها فتجب عليها الكفارة أيضاً عند جمهور الفقهاء إذا كان الزوجة راضية بالمعاشرة، لأنها اعتدت على حرمة رمضان فوجبت عليها الكفارة كالرجل، وذهب الشافعية الى عدم وجوب الكفارة على المرأة التي جامعها زوجها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الرجل الذي واقع أهله في نهار رمضان بالكفارة ، ولم يطلب منه أن يخبر زوجته بأن عليها كفارة.
تداخل الكفارات : فإذا تكررت موجبات الكفارة من الصائم قبل التكفير عن فعله فلا تتكرر عليه الكفارات وتجب عليه كفارة واحدة عند جمهور الفقهاء، لأن الكفارات تتداخل، ولأن الكفارة شرعت للزجر عن انتهاك حرمة شهر رمضان وهذا المقصد يتحقق بالكفارة الواحدة. وإذا تكرر موجب الكفارة من الصائم بعد التكفير عن الأولى فان كان بينهما مدة طويلة كيوم كامل فعليه كفارة ثانية باتفاق الفقهاء، وان كانت المدة اقل من يوم بحيث فعل ما يوجب الكفارة مرتين أو ثلاث مرات في يوم واحد فتكرر الكفارة في الرأي الراجح.
الفدية:
معنى فدية الصوم: ما يبذل من مال الله تعالى جزاء التقصير في أداء الصوم في وقته المحدد .(1/119)
مقدار الفدية : ذهب المالكية والشافعية الى أنها مداً من غالب قوت البلد، فإذا كان غالب قوت البلد القمح كانت مداً من قمح، وان كان من الأرز كان مداً من أرز، والمد بالأوزان الحالية يعادل (812.9) جراماً .
موجبات الفدية : تجب الفدية على من أفطر في شهر رمضان في الحالات التالية:
العجز بسبب كبر السن : فاذ1 اضطر الشيخ المسن الى الفطر في رمضان، ولم يقدر على الصيام بحال من الأحوال فيجب عليه الفداء بأن يتصدق كل يوم بمد من غالب قوت البلد.
العجز بسبب المرض المزمن الذي لا يرجى شفاؤه : فإذا عجز عن الصيام بسبب هذا المرض وجبت عليه الفدية.
الحامل والمرضع إذا خافتا على طفليهما : كأن تخاف الحامل من الإسقاط إذا صامت، أو تخاف المرضع من أن يقل لبنها، فيؤثر ذلك على الطفل، وجبت عليهما الفدية إضافة الى القضاء عند جمهور الفقهاء، وذهب الحنفية على انه لا فدية عليهما فيجب عليهما القضاء فقط، لأنه فطر أبيح لعذر فلم يجب فيه فدية كالفطر بسبب المرض.
تأخير الحائض القضاء إلى ما بعد رمضان الآخر : فإذا أخرت الحائض القضاء إلى ما بعد رمضان الآخر بدون عذر أطعمت عن كل يوم مسكيناً مع القضاء عند جمهور الفقهاء، وقال أبو حنيفة: لا فدية عليها لأنه صوم واجب فلم يجب عليها في تأخيره كفارة أو فدية.
الفصل الرابع:حقيقة الزكاة وأنواعها
المقدمة:(1/120)
الزكاة واجب مالي أوجبه الله تعالى من مال الغني لسد حاجة الفقراء في المجتمع الإسلامي، وهي عبادة وتقرباً إلى الله، وأن إخراجها دليل على صدق إيمان المزكي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة برهان)، إن الزكاة سبب في تنمية مال المسلم وتثميره في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فالمال الذي تخرج زكاته ينمو عند الله تعالى كما جاء في الحديث: (ما تصدق أحد بعدل تمرة من كسب طيب إلا أخذها الرحمن بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه، أو فصيلة، حتى تصير التمرة أعظم من أحد) رواه البخاري، كما أن الزكاة تعود المسلم على الكرم والجود، وتطهر النفس المزكي من البخل والشح، وتطهر نفس الفقير من الغل والحقد والاعتداء على الأغنياء. وقد حدد الشارع مقدار إخراج الزكاة والمصارف التي تؤدى فيها فلا يجوز لأحد أن يغير مكانها أو زمانها أو الأشخاص التي تؤدي إليهم، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر الزكاة في مواطن كثيرة ومنها قول الله تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } (سورة النور: 56). وقد حث الإسلام على تأدية الزكاة لأن فرض وركن من أركان الإسلام الخمس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً).
أولاً: حقيقة الزكاة:
الزكاة في اللغة: تعني النماء والزيادة، كما جاء في لسان العرب ومعنى آخر: الطهارة، فيقال: زكي نفسه أي طهرها، كما جاء في قوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} (الشمس: 9)
والزكاة في الاصطلاح: أخذ شئ مخصوص من مال على أوصاف مخصوصة لفئة مخصوصة، وهي تطلق على ما أخرج من مال بلغ النصاب.
الفرق بين الزكاة وصدقة التطوع:(1/121)
الزكاة واجبة على كل مسلم بلغ ماله النصاب وهي محددة الأنصبة والمقادير والمصارف، أما صدقة التطوع فيبذلها المتصدق من دون اشتراط نصاب معين، ولا تحديد مقدار، وتعطى للغني والفقير، وهي ما يبتغى بغطائها المسلم الثواب من الله دون أن تفرض عليه.
حكم الزكاة وأدلة مشروعيتها:
الزكاة فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركان الدين والأدلة على مشروعيتها من الكتاب والسنة والإجماع، وهذه الأدلة هي:
من القرآن قوله تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } (النور: 56) والآية جاءت بصيغة الأمر الذي يقتضي الوجوب، كما أن الزكاة اقترنت بالصلاة في الآية الكريمة وهذا يقتضي وجوبها كما تجب الصلاة.
ومن السنة الشريفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت).
وقد أجمع العلماء على وجوبها في كل زمان حتى أصبح وجوبها معلوماً من الدين بالضرورة.
حكم مانع الزكاة:
لا يحل لمسلم أن يمتنع من أدائها، وقد يكون الممتنع عن أداء الزكاة منكراً لوجوبها أو مقراً وجاهلاً لحكمها.
أما من منع الزكاة جهلاً بحكمها أو بعيداً عن أهل العلم أو بلاد المسلمين فيجب على أهل العلم تعريفه بوجوبها وعقوبة تاركها, أما من امتنع عن أدائها جحوداً ونكراناً لوجوبها فهو كافر يجب أن تجري عليه أحكام المرتدين بأن يستتاب ثلاثاً وإلا قتل، لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة.(1/122)
ومن امتنع عن أداء الزكاة بخلاً فلا يحكم بكفره، وإنما يعد مرتكباً لكبيرة من الكبائر التي توجب العذاب الشديد يوم القيامة. وقد توعد الله تعالى الممتنعين عن أداء الزكاة بالعذاب الشديد يوم القيامة والآيات الدالة على ذلك كثيرة ومنها قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (التوبة: 34) وعلى الحاكم المسلم معاقبة الممتنع عن أداء الزكاة بخلاً بما يتناسب معه من حبس أو أخذ الزكاة منه بالقوة، أو مصادرة نصف ماله بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى) (سنن أبي داود). وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز مصادرة نصف ماله، لأن الزكاة عبادة كبقية العبادات، ولأن أبو بكر الصديق رضى الله عنه لم يأخذ شيئاً ممن امتنع عن أداء الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
05الحكمة من مشروعية الزكاة:
الزكاة تطهر الفقير من الغل والحقد على الأغنياء الذين يتمتعون بالأموال.
الزكاة تطهر نفس المزكي من البخل وسيطرة حب المال وتعوده على البذل والكرم والعطاء.
الزكاة تنمي المال بوضع البركة فيه نتيجة دعاء الفقير الذي يأخذ المال، ونتيجة رضي الله تعالى على المزكي.
الزكاة تحقق التكافل الاجتماعي بين الأفراد وتعمل على حل مشاكل الفقر والبطالة والحاجة إلى الأموال.
الزكاة تطهر المال من الشبهات المتعلقة بالمعاملات المالية التي تنشأ بين الأفراد أثناء عمليات البيع والشراء التي يتم فيها كثرة الحلف لترويج السلع.
الزكاة تنمي المال باستثماره في المشاريع الضرورية وتوزيع الأرباح المستفادة من التجارة والصناعة وإخراج الزكاة من رأس المال.
الزكاة تحقق للدولة الإسلامية سيادتها على شعبها بعد دفع الزكاة للمحتاجين من الناس.
ثانياً: شروط الزكاة:
شروط وجوب الزكاة:(1/123)
تجب الزكاة على من توفرت فيه الشروط التالية:
الإسلام: فلا تفرض الزكاة على غير المسلم، لأنها عبادة إسلامية، هذا بالنسبة للكافر الأصلي الذي لم يعتنق الإسلام مطلقاً، أما المرتد الذي اعتنق الإسلام ثم خرج منه: فتؤخذ الزكاة من ماله الذي تركه بعد قتله بالردة حداً، لأنه اكتسب المال ونماه في أثناء إسلامه، فلا تسقط الزكاة عنه.
أن يكون المزكي غنياً، فلا تؤخذ الزكاة من الفقير، دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم) والزكاة شرعت لمواساة المحتاج والفقير ليس أهلاً لذلك.
* موجبات الزكاة: لا يتحقق وجوب الزكاة إلا إذا توافرت شروط معينة وهي ملك النصاب ملكاً تاماً، وأن يكون زائداً عن الحاجات الأصلية وأن يكون المال نامياً وإلى تفاصيل هذه الشروط:
بلوغ النصاب:
النصاب اسم لقدر معلوم من المال إذا بلغه وجبت فيه الزكاة، وإذا لم يبلغه لم تجب فيه الزكاة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق من ورق فضة صدقة) رواه البخاري. وقد يختلف مقدار النصاب باختلاف نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، فنصاب الذهب عشرون ديناراً من الذهب الخالص، ونصاب الفضة مئتا درهم من الفضة الخالصة، ونصاب الغنم من الأنعام أربعون رأساً.
الملك التام:
الملك التام: أن يكون المال مملوكاً لصاحبه بكامل التصرف به أما إذا كان ملك الشخص لما في يده ناقصاً غير تام فلا تجب فيه الزكاة، أو من كان معه مال ثم سرق فلا تجب فيه الزكاة حتى يرجع له ماله المسروق، وأما المال الموقوف للمجاهدين أو طلبة العلم فلا تجب الزكاة فيه.
النماء، فلا تجب الزكاة في المال غير النامي، والنماء نوعان: حقيقي وهو ما كانت الزيادة فيه بالفعل أي عن طريق التوالد في الحيوانات، أو التجارة، والنوع الثاني من النماء: التقديري وهو ما كان بالاستثمار بيد صاحبه.(1/124)
أن يكون النصاب فائضاً عن الحاجات الأصلية: والحاجات الأصلية هي: الطعام والشراب واللباس وسائر ما يحتاجه الإنسان، وكذلك الدواء للمريض، وكتب العلم والتعليم وتكاليف الزواج، ويشترط في الحاجة أن تكون مؤقتة لا مستقبلية، وكذلك الأموال المراد بها سداد الدين.
العقل والبلوغ:
يرى أبو حنيفة أن الزكاة لا تجب في أموال الصغار والمجانين إذا كانت من غير الزروع والثمار، ويجب الزكاة في الزروع والثمار لأنها تنمو بنفسها ولا تحتاج إلى من ينميها، والدليل على عدم وجوب الزكاة على الصغير والمجنون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يحتلم).
وذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون سواء أكان ذكراً أم أنثى، واستدلوا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا من ولى يتيماً له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى لا تأكله الصدقة) رواه الترمذي، فالمراد بالصدقة في هذا الحديث الصدقة الواجبة، وإذ ليس للولي أن يتبرع من مال اليتيم بشئ. والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من وجوب الزكاة في مال الصغير أو المجنون لعموم قوله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } (سورة التوبة: 103) فإذا كان قول الجمهور هو الراجح وجب على ولي الصغير أو المجنون أن يخرج الزكاة من أموالهما.
02شروط أداء الزكاة:
يشترط لأداء الزكاة شرطان هما: مرور حول قمري على النصاب، والنية.
الشرط الأول: مرور حول قمري على النصاب: لا تجب الزكاة في المال إلا بعد مرور حول قمري وهو ما يعرف بالسنة الهجرية، ومما يؤيد اشتراط مرور الحول، قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) رواه أبو داود.(1/125)
والحكمة من اشتراط الحول أن يتمكن المالك من تنمية أمواله في مدة كافية، ومرور الحول القمري شرط لجميع الأموال التي تطلب للنماء والزيادة كالذهب والفضة، أما الزروع والثمار والمعادن فلا يشترط مرور الحول لوجوب الزكاة، لذلك أوجب الله فيها الزكاة بمجرد حصادها وجمعها وخروجها، قال تعالى { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } (الأنعام: 141)
الشرط الثاني: النية:
النية في اللغة: القصد، وفي الاصطلاح: اعتقاد القلب فعل الشئ وعزمه عليه من غير تردد.
والنية شرط لأداء الزكاة، فلا يصح أداء الزكاة بدون نية لقوله تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (البينة: 5)، وقوله صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) رواه البخاري. والمقصود بالنية في الزكاة: أن يقصد المزكي بقلبه أن ما يخرجه من مال هو الزكاة المفروضة في ماله، فإذا دفع صاحب النصاب جزءاً من ماله إلى الفقراء والمساكين بنية صدقة التطوع لم تسقط الزكاة عن المتبرع وتبقى ديناً في ذمته، ولا تسقط عنه إلا بأدائها. والأصل في النية أن تكون مقارنة لأداء الزكاة، وتسقط النية عند المزكي إذا كان ممتنعاً عن أدائها وأجبره الإمام على دفعها أو إعطائها لمن يستحقها من الفقراء والمساكين وغير ذلك.
الأموال التي تجب فيها الزكاة:
زكاة الذهب والفضة والنقود:
أدلة وجوب الزكاة فيها: الأصل في وجوب الزكاة في الذهب والفضة: القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع.(1/126)
أما القرآن الكريم فقوله تعالى {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُون َ} (سورة التوبة: 35) روي عن عمر رضى الله عنه في تفسيرها قال:(من كنزهما فلم يؤد زكاتها فويل له) رواه البخاري.
وأما السنة الشريفة، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار) رواه مسلم. هذا الحديث يدل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، ومعنى حقها أي زكاتها.
وأما الإجماع: فقد انعقد إجماع المسلمين في كل العصور على وجوب الزكاة في الذهب والفضة.
شروط وجوب الزكاة في النقدين:
بلوغ النصاب: تجب الزكاة في النقود عند بلوغ النصاب، ولا زكاة في الذهب حتى تبلغ قدره عشرين مثقالاً أي خمسة وثمانين غراماً من الذهب، ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم أي ستمائة واثنين وسبعين غراماً من الفضة، ودليل ذلك: حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليهما الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شئ، يعني من الذهب، حتى يكون لك عشرون ديناراً فإذا كان لك عشرون ديناراًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً، وحال عليهما الحول، ففيهما نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) رواه أبو داود.
مرور الحول: يشترط لوجوب الزكاة في النقود أن يمر على من معه المال حول قمري كامل من دون أن يقل عن الحد الأدنى منه، ولا تجب الزكاة في النقود إلا مرة واحدة في السنة. وفي الحديث: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) رواه أبو داود.(1/127)
غير مشغول بالدين: يشترط أن يكون النصاب غير مشغول بالدين الذي يستغرق النصاب أو ينقصه.
الزيادة عن الحاجات الضرورية للملك: والتي لا غنى للمرء عنها كالثياب، وكتب العلم، وأثاث المنزل، والسيارة الخاصة وغيرها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) رواه أبو هريرة.
ج- مقدار الحق الواجب في النقدين:
نصاب الذهب: أول نصاب الذهب عشرون مثقالاً أو ديناراً، وفيه ربع العشر، وفيما زاد فبحساب ولو قلت الزيادة.
نصاب الفضة: أول نصاب الفضة مائتا درهم وفيها ربع العشر والمائتا درهم تساوي ستمائة واثنين وسبعين غراماً من الفضة.
زكاة الأوراق النقدية: وهي الأوراق التي يتم التبادل بها بدلاً عن الذهب والفضة.
زكاة الحلي: يرى علماء الشافعية أنه لا زكاة في حلي المرأة، إن كان لها حلي من الذهب أو الفضة لأنه معد لاستعمال مباح، ودليله في الحديث (لا زكاة في الحلي) رواه الترمذي.
زكاة عروض التجارة:
معنى العروض: العروض جمع عَرْض بفتح العين وسكون الراء وهي ما خالف النقدين من متاع الدنيا وأثاثها، وبفتح العين والراء: متاع الدنيا وحطامها. ويشمل أيضا كل ما عدا النقدين مما يعد للتجارة من المال أياً كان نوعه، فيشمل الثياب، والجواهر والحلي، والعقارات، والمواد الغذائية، أو بمعنى آخر: هي كل ما يعد للبيع والشراء من الأشياء بقصد الربح كائناً ما كان، مما يعد للبيع والتجارة.
أدلة وجوب الزكاة في عروض التجارة:
أولاً: من القرآن الكريم: قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ } (سورة البقرة: 267) يدل ظاهر الآية على وجوب الزكاة في كل مال يكتسبه الإنسان.
ثانياً: أما السنة: ما رواه أبو داود بإسناد عن سمرة بن جندب قال: أما بعد، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأمرنا أن نخرج الصدقة بما نعده للبيع) رواه أبو داود.(1/128)
ثالثاً: إجماع الصحابة والتابعين: أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول.
رابعاً: القياس: أما القياس: فلوجود علة مشتركة بينهما وبين الزرع والماشية والأثمان، وكل هذه الأنواع معدة للتنمية، والتنمية زيادة المال.
شروط وجوب زكاة العروض التجارية:
أن تبلغ أموال التجارة نصاباً من الذهب والفضة المضروبين ولا يدخل في ذلك الأثاث والأجهزة الموجودة في المحل لاستعمالها في التجارة.
أن يمر عليها الحول من وقت شراء العروض، فيزكي التاجر على كل ما عنده من عروض آخر الحول فقط.
أن ينوي التجارة بالعروض: عند تملكه، وأن تستمر هذه النية، فإن لم ينو عند تملكه المتاجرة لا يصب عرضاً تجارياً، ويشترط تجديد نية التجارة عند كل معارضة.
ملك العروض بمعارضه: أي أن يملك العروض بعقد فيه عوض كالبيع والإجارة، فإن ملكت بغير معارضة كإرث أو وصية أو هبة فلا زكاة فيها حتى يتصرفوا فيها بنية التجارة.
ألا يصير مال التجارة في أثناء الحول نقداً، وهو أقل من النصاب والمقصود به: إذا باع العرض في أثناء الحول بنقد وهو أقل من النصاب ثم اشترى به سلعة فإنه يبدأ حول التجارة من حين اشتراها وينقطع النصاب.
مقدار الحق الواجب:
يجب على التاجر أن يقوم بجرد تام لكل ما لديه من الأموال التجارية، ويقدر قيمتها بالنقد المتعارف عليه وقت الجرد، في الوقت الذي اعتاد فيه إخراج الزكاة فإذا بلغت قيمتها نصاب الذهب أو نصاب الفضة وجبت فيها الزكاة بنسبة اثنين ونصف بالمائة، وتضم السلع التجارية بعضها إلى بعض عند الجرد والتقويم لو اختلفت أجناسها.
زكاة الثروة الحيوانية:(1/129)
أنعم الله تعالى على الإنسان بالثروة الحيوانية، يأكل لحمها، وينتفع بأصوافها وأوبارها، ويبيعها ويركب ظهورها، وخير ما عرفه العرب منها الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، وقد ذكر القرآن الكريم الكثير من منافعها في آيات عديدة منها قوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ } (سورة يس: 71-73).
أدلة وجوب الزكاة في الأنعام: لقد تقررت فرضية زكاة الحيوان في السنة النبوية.
شروط وجوب الزكاة في الأنعام:
ملك النصاب: أن تبلغ الأنعام النصاب الشرعي.
أن تكون سائحة: أي ترعى العشب المباح أكثر أيام السنة.
أن تتخذ للدر أو النسل أو التسمين ولا تكون عاملة وهي التي يستخدمها صاحبها في الحرث والنضح والحمل.
أن يحول عليها حول قمري لدى صاحبها.
أن تكون الأنعام إنسية لا وحشية.
الأنصبة ومقدار الحق الواجب:
أولاً: نصاب الإبل: أول نصاب الإبل أن يمتلك الرجل خمسة منها فما زكاة فيما أقل من ذلك، ثم تزداد الزكاة بازدياد عددها.
ثانياً: نصاب البقر: أول نصاب البقر ثلاثون، فلا زكاة فيما أقل من ذلك، فكلما زاد ما يملك الرجل زادت نسبة الزكاة، ودليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين بقرة مسنة) تبيعة تتبع أمها في الحقل.
ثالثاً: نصاب الغنم: أول نصاب الغنم أربعون، فلا تجب الزكاة فيما أقل من ذلك، وكلما زدات الأغنام زاد القدر الواجب فيها.
زكاة الخليط من الأغنام:
المقصود بالخلطة: الخلط بين نوعين أو أكثر وذلك بمزجها بحيث لا يتميز فيها نصيب كل منهما عن الآخر بقصد الشركة، وتكون الخلطة في الذهب والفضة، وعروض التجارة، والأنعام، والزروع والثمار.
أقسام الخلطة. وتنقسم الخلطة إلى قسمين:(1/130)
خلطة شيوع: ويقصد بها أن يكون بين شخصين من أهل الزكاة نصاب ملكاه سنة كاملة وكان من جنس واحد.
خلطة الجوار: أن يكون مال كل واحد من الشريكين متعيناً متميزاً عن مال غيره، ولكن يجاوره مجاورة المال الواحد.
كيف تؤدى زكاة الخليطين: يعد الخليطان مالاً واحداً لرجل واحد في إخراج الزكاة، فإذا بلغ مجموع الخليطين نصاباً، ومضى عليه الحول بدون أن ينقص وجبت الزكاة فيهما, ودليل ذلك ما رواه أنس رضى الله عنه وفيه: ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) رواه البخاري.
4-زكاة الثروة الزراعية:
الزروع والثمار التي تجب فيها الزكاة: للعلماء آراء في زكاة الزروع والثمار ومن هذه الآراء ما يلي:
مذهب أبي حنيفة: ذهب أبو حنيفة إلى القول بأن الزكاة تجب في كل ما أخرج الله من الأرض مما يقصد بزراعته نماء الأرض ويسعى أصحابها لاستغلالها عادة، ودليل ذلك الحديث: (في كل ما أخرجت الأرض زكاة)، ويجب إخراج الزكاة ومقدارها العشر من الفواكه والزيتون والعسل ومن الخضراوات، وقد احتج أبو حنيفة لمذهبه بما يلي: قوله تعالى { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ } (سورة البقرة: 267) دل ظاهر الآية على وجوب الزكاة في كل ما تنبت الأرض، ولم يفرق بين مخرج ومخرج.
مذهب الإمام الشافعي: (الزكاة في كل ما يقتات ويدخر). تجب الزكاة في الزروع والثمار التي تختص بالقوت والادخار من الضروريات التي لا حياة بدونها وهي من الثمار والعنب والنخيل والحنطة والشعير والأرز والذرة وغيرها.
أدلة وجوب الزكاة في الزروع والثمار: والأصل في وجوب الزكاة في الزروع والثمار، القرآن الكريم والسنة والإجماع.(1/131)
أولاً: القرآن الكريم: قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } (سورة البقرة: 267) والأمر الوارد بالإنفاق للوجوب، والقرآن يعبر عن الزكاة بالإنفاق والمراد به الصدقة.
ثانياً: من السنة الشريفة: عن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيباً، كما تؤخذ صدقة النخل تمراً) رواه أبو داود، والخرص: تقدير ما يكون من العنب زبيباً، ومن الرطب تمراً. وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه أبو داود. وفي الحديث: (لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر).
ثالثاً: الإجماع: أجمع علماء الأمة الإسلامية على وجوب العشر أو نصفه فيما خرج من الأرض.
شروط وجوب زكاة الزروع والثمار:
اشترط العلماء لزكاة الزروع والثمار ما يلي:
أن يبلغ الناتج نصاباً، ويبلغ النصاب خمسة أوسق مما روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة) رواه مسلم، والوسق ستون صاعاً.
أن تكون الزكاة في كل ما تخرجه الأرض من الزروع والثمار عدا الحطب والعشب، وكل ما لا يقصد به استغلال الأرض.
أن يكون مالكاً لما يخرج من الأرض ملكاً تاماً، أخذ بعموم قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ } (سورة البقرة: 267).
لا يشترط مرور الحول على الزروع والثمار، لأن نماءه يكمل خلال أوقات السنة.
النصاب الذي يبدأ به زكاة الزروع والثمار:(1/132)
يرى أبو حنيفة بأن الزكاة واجبة في كل ما أخرجته الأرض بغض النظر عن نوع الثمار أو الزروع باستثناء العشب والحطب فهو يقول: النصاب ليس بشرط لوجوب العشر، لعموم الآيات والأحاديث الواردة من غير تفصيل بين القليل والكثير، والراجح ما يراه جمهور الفقهاء من أن النصاب شرط، فلا تجب الزكاة في شئ من الزروع والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) رواه مسلم.
مقدار الحق الواجب:
يرى جمهور الفقهاء: أن كل زرع أو ثمر يسقى بماء المطر، أو بماء الأنهار أو يشرب بعروقه كالأشجار البعلية، إذا بلغ النصاب وجب فيه العشر.
إذا سقى بالنواضح والدواليب وكلف صاحب الزرع أو الثمر نفقة كبيرة فيه نصف العشر. الناضح الحمار أو البعير أو الثور الذي يستقي عليه الماء.
إذا كان يسقي نصفه بالناضح ونصفه بالماء الجاري فيه ثلاثة أرباع العشر.
إذا سقى بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر الأكثر، وسقط حكم الآخر، والأصل في ذلك الحديث: (فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) رواه البخاري. وتجب الزكاة عندما يبدو صلاح الزرع أو التمر ويكتمل نموه.
زكاة الثروة المعدنية:
معنى المعادن والركاز: سمى المعدن بهذا الاسم لعدونه أي إقامته والمعدن ما استخرج من الأرض، وعند الشافعية مقتصر على الذهب والفضة، أما الركاز فهو دفين الجاهلية ولو كان عليه علامات إسلامية من آيات قرآنية أو اسم ملك من ملوك الإسلام.
أدلة وجوب الزكاة في المعادن: الأصل في وجوب زكاتها القرآن الكريم، والسنة الشريفة والإجماع.
أما القرآن الكريم: فعموم قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ } (سورة البقرة: 267) ومما لا شك فيه أن المعادن والركاز مما أخرجه الله تعالى لنا في الأرض.(1/133)
وأما السنة الشريفة: ما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام (قطع لهلال بن الحارث المزني معادن القبلية وأخذ منه الزكاة) رواه مالك. وأما دليل وجوب الزكاة في الركاز، ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وفي الركاز الخمس) رواه البخاري.
الإجماع: أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعادن، و لا زكاة فيما يستخرج من المعدن إلا في الذهب والفضة، وهو المشهور في مذهب علماء الشافعية، كما أجمعت الأمة على وجوب زكاة الركاز.
شروط وجوب الزكاة في المعادن والركاز:-
لا يشترط مرور حول قمري عليهما وتجب زكاتها عند استخراجها والحصول عليها بعد تنقيتها وتخليصها.
يشترط النصاب في زكاة كل من المعدن والركاز، ونصاب المعدن ونصاب الذهب والفضة، ويجب إخراج زكاته فوراً.
أجمع الفقهاء على أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً.
مقدار الحق الواجب:
مقدار الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر ويؤدى على الفور، سواء وجد في أرض مملوكة أو مباحة.
أما الركاز فهو دفين الجاهلية، وتجب فيه الخمس حالاً بشروط الزكاة، ولا بد فيه من بلوغ نصاب النقدين لأنه المستفاد من الأرض ولا يشترط مرور الحول عليه.
زكاة المستغلات:
معناها وأنواعها وأمثلة عليها:
وهي الأموال التي لا تجب الزكاة في عينها، ولم تتخذ للتجارة، ولكنها تتخذ للنماء والاستغلال والتي يربح صاحبها ربحاً، كثيراً بواسطة تأجير، عينها، أو بيع ما يحصل من إنتاجها.
ومثال ذلك: ما يؤجر من البيوت والسيارات التي تؤجر بثمن عال وكذلك الفنادق والكراجات والسفن التي تنقل البضائع والأمتعة والركاب.
حجة من قال بوجوب الزكاة في المستغلات:
قرر العلماء وجوب الزكاة في المستغلات المذكورة ومنهج المالكية والحنابلة وبعض العلماء المعاصرين وكانت حجتهم في ذلك كما يلي:(1/134)
أوجب الله في كل مال حقاً معلوماً لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } (103) سورة التوبة، وقوله - صلى الله عليه وسلم - " أدوا زكاة أموالكم" من غير تفريق بين مال وبال ومال.
إن علة وجوب الزكاة في المال هي النماء، رأي الفقهاء الذين يعملون بالقياس أنه حيثما وجد النماء في مال وجبت فيه الزكاة.
تتخلص حكمة تشريع الزكاة في التطهير لأصحاب الأموال، والتعاطف مع ذوي الحاجات وحماية دين الإسلام ونشر دعوته، وهذا يؤكد حتمية الزكاة لتطهير النفس من الشح ومن الذنوب.
أولاً: مصارف الزكاة:
تعني مصارف الزكاة هنا: هي الجهات التي أمر الشرع بصرف الزكاة فيها، وهي محدودة في ثمانية مصارف ورد ذكرها في القرآن الكريم لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (60) سورة التوبة.
ويجب أن تصرف الزكاة في تلك الجهات فإذا صرفت في غيرها فلا تصح، لأنها لم تقع في موقعها الذي حدده الشرع.
وبيان مصارف الزكاة الثمانية على النحو التالي:
الفقراء والمساكين:
تعريف الفقراء والمساكين والفرق بينهم:
الفقراء جمع فقير، وهو الذي لا يملك مالاً ولا كسباً، أو يملك مالأ لا يسد حاجته من مطعم ومشرب ومسكن، والمساكين جمع مسكين، وهو الذي له مال أو كسب لا يسد إلا جزءاً من حاجاته وليس كلها.
وبهذا يكون الفقير أسوأ حالاً من المسكين، ويؤيد ذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وفتنة القبر" (رواه أحمد) هذا في الفقر.
وقال عليه الصلاة والسلام في المسكنة: " اللهم أحيني مسكناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" (رواه الترمذي).
وبالرغم من وجود فرق بين هذين النوعين إلا أن كليهما يعطى من الزكاة.(1/135)
فئات الفقراء والمساكين:
العاجزون عن الكسب بسبب المرض أو كبر السن.
الأيتام الذين ليس لهم عائل شرعي ولا يوجد لديهم مال يكفيهم.
النساء اللواتي ليس لهن عائل شرعي وليس لديهن مال يكفي لسد حاجاتهن.
العمال الذين لم يجدوا عملاً مناسباً لهم.
العمال الذين لا تكفيهم أجورهم.
طلبة العلم الذين يحققون بتعليمهم مصلحة للمجتمع وليس لديهم مال.
شروط إعطاء الفقراء والمساكين من الزكاة:
الإسلام، فلا يعطى الفقير غير المسلم من الزكاة، وفي حديث معاذ بن جبل أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قال: أعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" (رواه مسلم) أي تؤخذ الصدقة من أغنياء المسلمين، وتعطي لفقراء المسلمين.
أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي كالزوجة فلا يجوز لها أن تأخذ من زكاة مال زوجها، وكذلك الابن لا يأخذ من زكاة مال أبيه، والأب لا يأخذ من زكاة مال ابنه.
ألا يكون هاشمي، أي تربطه صلة قرابة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مثل آل عباس، وآل علي، وآل جعفر وغيرهم، لقوله عليه الصلاة والسلام للحسين وهو طفل صغير وفي فمه تمرة من تمر الصدقة: (كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة) (رواه مسلم).
إثبات الفقر، إذا دعى رجل الفقر، وأن يكون مستور الحال، وإما أن يكون معروفاً بالغنى واليسار فإن كان مستور الحال وادعى الفقر يقبل قوله بلا بينة ولا يمين، أما إذا كان معروفاً بالغني فلا يعطي من الزكاة.
مقدار ما يعطي الفقير من الزكاة:(1/136)
يعطي الفقير ما يكفيه لمدة سنة، وهذا رأي المالكية والحنابلة، لأن الزكاة تجمع في كل سنة مرة، وذهب الشافعية إلى أنه يعطى ما يكفيه طول العمر، واستدلوا لذلك بما روي عن عمر رضي الله عنه قال: " إذا أعطيتم فأغنوا" وجاء عمر رجل أصيب في ماله فأعطاه ناقة وجملين ليؤسس مالاً يستطيع أن يعيش من ورائه، وليس المراد بإعطائه ما يكفيه طول العمر أن المراد أن يعطيه نفقات خمسين سنة أو ستين، وإنما المراد أن يعطى من الزكاة بحيث يستطيع أن يباشر عملاً من الأعمال التي يتقنها.
والحقيقة أن الزكاة شرعت لمحاربة الفقر والقضاء عليه، وتحويل المحتاجين، من حالة الفقر إلى حد الكفاية في المطعم والمشرب والمسكن وسائر ما يحتاج إليه من الضروريات.
العاملون على الزكاة:
المراد بالعاملين على الزكاة: الذين يتولون القيام بجمع الزكاة، أو توزيعها أو تدوينها في سجلات أو حفظها وغير ذلك.
شروط العاملين على الزكاة:
الإسلام: فلا يتولى أعمال الزكاة غير المسلم، لأن ولايتها من الولايات الدينية الإسلامية، دليله قوله تعالى: { ِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (141) سورة النساء
العدالة، فلا يتولى أعمال الزكاة خائن للأمانة أو لص ليسرق أموال الزكاة.
التكليف: فلا يتولى أعمال الزكاة الصغار أو المجانين، لأن هؤلاء لا يستطيعون المحافظة على الأموال فلا يستلموا أموال الفقراء والمساكين والتصرف فيها.
العلم بأحكام الشريعة خاصة الأحكام التي تتعلق بالزكاة كمعرفة أنصبتها ومقاديرها وكيفية حساب الزكاة، ومصارفها وشروط وجوبها، وإعطائها لمستحقيها.
ألا تتولي المرأة أعمال الزكاة، لأنه لم ينقل في تاريخ الإسلام أن امرأة تولت هذه الأعمال، وهذا شرط فقهاء المالكية والحنابلة بتولية الرجال لهذه الأعمال.
مقدار ما يعطي العامل من الزكاة:(1/137)
هؤلاء العاملون يعطون من الزكاة أجرة مثلهم لأنهم يقدمون بأعمال كسائر العمال، فإذا كان العامل محاسباً أعطي ما يعطى غيره من المحاسبين الذين يعملون في مؤسسات أخري، وإذا كان جابياً أعطي مثل ما أعطي ما يعطي غيره من الجباة، الذين يعملون في مؤسسات أخرى، ولا يزاد لهم على ذلك، ولا يجوز أن يعطوا نسبة معينة مما يجبون.
المؤلفة قلوبهم:
المراد بالمؤلفة قلوبهم: هم السادة والوجهاء والمطاعون في عشائرهم ممن يرجون بإعطائهم من الزكاة دخولهم في الإسلام أو دفع شرهم أو قوة إسلامهم أو إسلام أتباعهم.
أنواع المؤلفة قلوبهم: المؤلفة قلوبهم نوعان: مسلمون وكافرون.
أما المسلمون منهم أربعة أصناف:
من دخل في الإسلام حديثاً، يعطى من الزكاة لتقوية الإيمان في قلبه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي بعض المسلمين.
الوجهاء من المسلمين ممن لهم نظراء من الكفار ليحثوهم على الدخول في الإسلام.
مسلمون يسكنون على أطراف الدولة الإسلامية فيعطوا من الزكاة للدفاع عن أنفسهم.
الوجهاء الذين يؤثرون في أقوالهم لحث أقوامهم على دفع الزكاة وجمعها منهم.
أما الكافرون فهم صنفان:
من كان متردداً في الدخول في الإسلام، وله رغبة في ذلك، فإذا أعطي من الزكاة دخل في الإسلام، وحسن إسلامه فيعطي من الزكاة.
من يعطى له من الزكاة لمنع إيذاء المسلمين ودفع شره عنهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطي الكافرين من الزكاة، فكلما أعطاهم مدحوا الإسلام، وإذا منع عنهم الزكاة ذموا وعابوا.(1/138)
حكم إعطاء المؤلفة قلوبهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب بعض الفقهاء من الشافعية والحنابلة أن هذا المصرف قد نسخ وألغي بعد وفاة الرسول، لأن المعنى الذي شرع هذا المصرف قد زال بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قوي الإسلام، وأصبح لا حاجة لتأليف القلوب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمؤلفة قلوبهم : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم فقد أعز الله دينه، فإن ثبتم على الإسلام وإلا فليس بيننا وبينكم إلا السيف".
ولكن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أن هذا المصرف باقٍ ولم ينسخ، لعدم ورود نص في القرآن أو السنة يفيد إلغاء هذا المصرف أو نسخه، ولا يملك أحد أن ينسخ ما ثبت في القرآن، وإنما كان قول عمر في المؤلفة قلوبهم اجتهادا ولا يعتبر نسخاً أو إلغاء.
في الرقاب (تحرير الرقيق):
تعريف الرقاب: جمع رقبة، وهي العضو المعروف في الإنسان، وجعلت إسماً للمملوك من الناس ويطلق عليهم الرقيق، والمراد بهذا المصرف تحرير الرقيق وعتقهم، أي بشراء العبيد من أموال الزكاة وتحريرهم.
شروط العتق من الزكاة: يشترط لعتق الرقيق من الزكاة شرطين هما:
أن يكون العبد المراد عتقه من الزكاة مسلماً، لأن الزكاة لا تصرف لغير المسلمين.
أن لا يكون العبد المراد عتقه من الزكاة ممن يعتق على المزكي بالملك كأن يكون أباً للمزكي أو أماً.
ما يدخل تحت هذا المصرف في العصر الحاضر:
يلحق بهذا المصرف الأسرى والمخطوفين، فيجوز فداؤهم من الزكاة لأن تحرير رقبة الأسير من الآسر يشبه تحرير الأرقاء، ولأن الرق لا وجود له في العصر الحاضر فيحل محله ما يشبهه من الأسر والخطف.
06الغارمون:(1/139)
تعريف الغارمون: الغارمون جمع غارم وهو المثقل بالدين سواء أكان الدين لمصلحة عامة كالإصلاح بين المتخاصمين، أم لمصلحة خاصة كالإنفاق على نفسه وعلى من يعول، ويدخل في الغارمين جميع المدينين الذين استدانوا لمصلحة عامة أو خاصة، والضامن المعسر الذي ضمن مديناً معسراً.
شرود إعطاء الغارمين من الزكاة:
الإسلام، فلا يعطى الغارم الكافر من الزكاة.
الفقر، فلا يعطى الغني من الزكاة سواء استدان لمصلحة عامة أم لمصلحة خاصة
أن لا يكون الدين لعمل محرم كشرب الخمر أو القمار أو الاعتداء على أرواح وممتلكات الناس لكن إذا تاب عن ذلك يعطى من الزكاة
لا يعطي من الزكاة من كان عليه دين مؤجل لأنه غير محتاج إلى قضائه في الوقت الحاضر، بل يجب أن يكون دين الغارم حالاً.
يطالب الغارم بإثبات الدين ولا يعطى من الزكاة إلا بالبنية، لأن الأصل عدم الغرم وبراءة الذمة.
مقدار ما يعطى الغارم من الزكاة:
يعطى الغارم قدر دينه الذي ثبت عليه دون زيادة على ذلك، وقد يعفو الدائن الغارم من الدين ويعتبره زكاة، وقد اعتبر جمهور الفقهاء أن هذا لا يعد من الزكاة لعدم تحقيق الإخراج من الزكاة، وقال الشافعي والبصري وعطاء أنه يجوز ذلك ويعد من الزكاة، لأن المقصد الأساسي من الزكاة قد تحقق وهو قضاء الدين عن المدين.
القرض الحسن من الزكاة:
يجوز لمن لا يقبل أخذ الصدقات أن يقترض من مال الزكاة على أن يرد هذا المال بعد تحقيق اليسار له، وهذا من باب أولى الدفع إلى الغارم لسد حاجاته أو ديونه ولأن هذا من المقاصد العامة التي يحض عليها الإسلام.
07في سبيل الله:
المراد بسبيل الله: الجهاد في سبيل الله، لأن الشرع استعمل هذا اللفظ في الجهاد كما ورد في القرآن والسنة، قال تعالي {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} (190) سورة البقرة(1/140)
وقال - صلى الله عليه وسلم - "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو العامل عليها أو الغارم، أو.....) رواه أبو داود.
ولا يقتصر الجهاد في سبيل الله على القتال والغزو، ولكن يشمل القتال والدعوة إلى الإسلام، فالدعوة باللسان جهاد في سبيل الله، والدعوة بالعلم جهاد في سبيل الله والدعاة الذين يتفرغون للدعوة في سبيل الله في بلد تحتاج إلى الدعوة.
شروط إعطاء المجاهدين والدعاة من الزكاة:
الإسلام: فلا يعطي الزكاة لغير المسلم، لأنه لا يدافع عن الأمة الإسلامية، ولا يقصد بقتاله رفع راية الإسلام.
التطوع: أن يكون المجاهد متطوعاً ليس له راتب يأخذه من الدولة الإسلامية على جهاده.
الفقر: فلا يعطى الغني من الزكاة بسبب الجهاد أو الدعوة ودليل من السنة : ( لا تحل الصدقة لغني).
كيفية صرف الزكاة من هذا المصرف:
تصرف الزكاة للمستحقين من الفقراء والمساكين والمحتاجين والعاملين عليها والمجاهدين في سبيل الله على سبيل التملك ولكن في هذا المصرف يجوز صرفها بدون تمليك فردين وتتحقق في بناء الحصون والقلاع والمنشآت لحماية حدود الدولة الإسلامية، وبناء مراكز لنشر الدعوة الإسلامية وبناء المساجد ودور الفتوى وإنشاء المكتبات الإسلامية وطباعة الكتب الدينية ولا يجوز صرف الزكاة في إنشاء المرافق العامة كالحدائق وتعبيد الطرق وبناء المدارس لأن هذا من واجب الدولة الإسلامية الإنفاق عليه وتوفير الأموال اللازمة من الخزينة العامة للدولة لهذه الأغراض وليس من مال الزكاة.
08ابن السبيل:
المراد بابن السبيل: المسافر الذي انقطع عن ماله، فلم يبق معه شيء من المال يستعين به على قضاء حوائجه والرجوع إلى بلده وكذلك المسافر الذي سرق ماله أثناء سفره، واللاجئ الذي أجبر على مغادرة بلده إلى بلد آخر، ولا يملك مالا يستعين به على قضاء حوائجه.
شروط استحقاق ابن السبيل من الزكاة:(1/141)
أن يكون محتاجاً إلى المال في ذلك الموضع الذي هو فيه، فلا يعطى من المال من كان معه مال يكفيه للرجوع إلى بلده.
أن يكون سبب سفره مباح فلا يعطى من الزكاة من سافر لارتكاب المعاصي كشرب الخمر أو لعب القمار أو غير ذلك.
أن لا يجد المسافر من يقرضه أثناء سفره إذا انقطع فيه عن ماله، وهذا شرط المالكية، ولكن جمهور الفقهاء أجازوا إعطاء ابن السبيل ولو وجد من يقرضه لأن الآية جاءت مطلقة فينبغي أن تبقى على إطلاقها.
مقدار ما يعطي ابن السبيل:
يعطي ابن السبيل من الزكاة ما يسد به حاجته من طعام وشراب وكساء وأجرة نقل حتى يعود إلى بلده ولا يزاد على ذلك.
ثانياً: زكاة الفطر:
معني زكاة الفطر وحكمها ودليل مشروعيتها:
معني زكاة الفطر: هي صدقة تجب بالفطر من شهر رمضان وقد عرفت زكاة الفطر بالصدقة الواجبة بسبب الفطر من شهر رمضان، لأن الصدقة الواجبة بمعني الزكاة، ولهذا يطلق على زكاة الفطر ( صدقة الفطر).
حكم زكاة الفطر ودليل مشروعيتها:
اتفق الفقهاء على أن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم قادر.ويدل على مشروعيتها ما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: " فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعاً من شعير، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثي من المسلمين"(رواه البخاري) والأمر هنا يقتضي الوجوب.
حكمة مشروعية زكاة الفطر:
شرع الإسلام زكاة الفطر لحكمتين هما:
الحكمة الأولي: تطهير صوم الصائم: شرعت زكاة الفطر لتجبز الخلل البسيط الذي تخلل صوم الصائم أثناء صومه الذي لا بد له من تطهير صيامه من اللغو والرفث وكبائر الأمور وصغائرها وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في الحديث حيث قال ابن عباس (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) رواه أبو داود.(1/142)
الحكمة الثانية: مواساة الفقراء والمساكين: شرعت زكاة الفطر للرفق بالمساكين وإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور في يوم يسر الناس فيه ويفرحون، فبإعطائهم الزكاة تخفف عنهم المعاناة وألم الفقر والبؤس.
شروط وجوب زكاة الفطر ووقتها:
يشترط لوجوب زكاة الفطر ما يلي:
الإسلام: فلا تجب على الكافر ولو كان له أقارب مسلمون تجب نفقتهم عليه فلا تجب عليه زكاة فطرهم لأن الزكاة عبادة إسلامية لا تجب على غير المسلم.
الحرية: فلا تجب زكاة الفطر على العبد في الأصل، لأنه لا يملك مالأ، أما إذا كان العبد تابعاً لسيده فتجب الزكاة على سيده عن عبده لوجود السبب وهو النفقة لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( أدوا عن كل حر وعبد ممن تمونون).
القدرة المالية: على إخراجها، وتتحقق هذه القدرة بملك مال زائد عن كفايته من ليلة العيد ويومه، فهي تجب إذا ملك هذا القدر من المال، ولو كان مستحقا للزكاة.
دخول وقتها: تجب زكاة الفطر بالفطر من رمضان، ويكون ذلك بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان لأن وجوبها الفطر من شهر رمضان في آخر يوم، لأنه لا صيام بعده وينتهي وقتها لصلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد، فإذا لم يخرجها يوم العيد وأخرجها بعده كان إخراجها صدقة، وليس زكاة فطر.
وإذا كان الشخص قادراً على الإنفاق عن نفسه أخرجها عن نفسه، وعن كل من وجبت نفقته عليه كالزوجة والابن ولو كان صغيراً لا يقدر على الصيام، والأم والعبد والخادمة، ويؤيد ذلك (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) وقال - صلى الله عليه وسلم - ( أدوا عن كل حر وعبد وممن تمونون).
أما الجنين الذي لم يولد قبل يوم العيد فلا تجب على والده زكاة فطره، وإذا تطوع بإخراجها فلا بأس وله أجر صدقة التطوع.
مقدار زكاة الفطر:(1/143)
مقدار زكاة الفطر صاع من قمح أو شعير أو زبيب، أو غير ذلك من غالب قوت البلد، وهذا رأي المالكية والشافعية والحنابلة، والصاع بالأوزان الحديثة يعادل (2.176) كيلو غراماً، روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض صدقة الفطر صاعاً من بر.
وقال الحنفية: يجزي نصف الصاع من القمح أما ما عداه فيجب فيها إخراج صاع.
كما أجاز فقهاء الحنفية إخراج القيمة من النقود أو العروض في زكاة الفطر، لأن المقصود منها سد حاجة المحتاجين يوم العيد، وهذا يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالأجناس الواردة في الحديث، ولكن جمهور الفقهاء، ذهبوا إلى عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، لأن الأحاديث نصت على أجناس بعينها من القمح والشعير والزبيب.
وقد راعى معاذ مصلحة الفقراء التي تتحقق بإخراج القيمة أكثر من إخراج الأجناس المنصوص عليها، وقال ابن تيمية ( أما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به).
مصارف زكاة الفطر:
ذهب علماء الحنفية والشافعية إلى أن زكاة الفطر كغيرها من الزكوات الواجبة تصرف في المصارف الثمانية التي نص عليها القرآن الكريم " {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (60) سورة التوبة.
ويرى الحنابلة والمالكية أن يقتصر صرفها على الفقراء والمساكين، لأن المقصود منها مواساة الفقراء والمساكين يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في ذلك اليوم بتوفير ما يحتاجون إليه، وقد رجح ابن تيمية هذا القول لأن زكاة الفطر شرعت لمواساة الفقراء والمساكين في يوم العيد فيقتصر في صرفها عليهم.
الفصل الخامس:مشروعية الحج والعمرة
أولا: حقيقة الحج
المقدمة(1/144)
الحج فرض من فرائض الإسلام الخمس وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب على كل مسلم قادر على نفقات الحج، مرة في العمر وهو استجابة إلى دعوة إبراهيم عليه السلام، كما وردت في القرآن الكريم {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (37) سورة إبراهيم.
وأوجب الله الحج على المسلمين لما فيه من الفضل العظيم والثواب الجزيل، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" أي عاد إلى بلده وقد غفر الله ذنوبه، والحج فرض على المسلم البالغ العاقل، فلا يسقط عن الصبي ويجب أدائه على الفور عند الاستطاعة.
تعريف الحج: الحج في اللغة: القصد إلى معظم، والحج في الاصطلاح: قصد زيادة البيت الحرام على وجه التعظيم، لأداء الأعمال المفروضة من الطواف بالكعبة والوقوف بعرفة وغيرها.
حكمه ودليل مشروعيته: الحج فرض عين على كل مسلم قادر على أدائه ببدنه وماله، وأما الدليل على مشروعيته وفرضيته من الكتاب والسنة والإجماع ما يلي:
الدليل من الكتاب: قوله تعالي{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (سورة آل عمران: 97)
والدليل من السنة: ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس, قد فرض الله عليكم الحج فحجوا, فقان رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاث, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم) (رواه مسلم).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة الإسلامية على فريضة الحج, وأن جاحده كافر.(1/145)
يجب الحج على الفور عند جمهور الفقهاء فلا يجوز لمن وجب عليه الحج أن يؤخره للعام الذي يليه, وقال الشافعي وأحمد يجب الحج على التراخي شريطة أن يؤديه المسلم قبل الموت, ويجوز تأخير الحج من غير عذر موجب للتأخير. واستدل جمهور الفقهاء بقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } (97) سورة آل عمران , {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } (196) سورة البقرة, ولفظ الأمر يقتضي الفورية, وقال صلى الله عليه وسلم: (من أراد الحج فليتعجل, فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة) "رواه أحمد". واستدل الشافعية بأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة سنة ثمان للهجرة وبعث أبا بكر ليحج الناس سنة تسع ولم يحج إلا في السنة العاشرة للهجرة, ولم يكن يشغله عن الحج شاغل, فدل على أنه وجب على التراخي.
فضل الحج:
للحج فضل عظيم لمن أداه وجزاء الحج المبرور الجنة, والتخلص من الذنوب, والأجر العظيم من الله تعالى, روى أبو هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) "رواه البخاري" أي عاد من ذنوبه, وعن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (أي الأعمال أفضل؟ قال: إيماناً بالله ورسوله, قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله, قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) "رواه البخاري.
حكمة مشروعية الحج: للحج أحكام كثيرة منها ما يلي:
يقوي صلة العبد بربه, فهو طاعة لله واستجابة لأمره, قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (27) سورة الحج.
التأسي بإبراهيم عليه السلام وزوجته وولدهما إسماعيل في الامتثال لأمر الله والثبات على الحق والإصرار على محاربة الشيطان وأعوانه والصبر على الشدائد.(1/146)
يعمل على توحيد مشاعر المسلمين, فالمسلمون يأتون للحج ملبين نداء ربهم على اختلاف بلادهم ولغاتهم وألوانهم على عبادة الله وحده.
تتحقق في الحج وحدة المسلمين فيتعاونون على الخير ويتدارسون قضاياهم في الحج، فهو مؤتمراً سنوياً عاماً يبحث فيه قضايا المسلمين.
تتحقق للمسلمين في الحج منافع اقتصادية, ويكثر البذل والعطاء من الأغنياء إلى الفقراء, ويتبادلون السلع والمواد المختلفة فيكون سوقا اقتصادية تعود بالنفع والخير على البلاد الإسلامية.
05شروط الحج: الحج فرض عين على المسلم ومن شروطه:
أ- شروط وجوب الحج:
أولا: التكليف: الحج واجب على المسلم البالغ العاقل, ولا يفرض على الصبي, روى ابن عباس رضي الله عنهما (أن امرأة رفعت صبياً فقالت يا رسول الله: ألهذا حج؟ قال نعم, ولك أجراً) "رواه أبوداود" , وأما الصبي المميز فيصح الحج منه إن باشره بنفسه كسائر العبادات من صلاة وصوم.
ثانيا: الاستطاعة: لقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (97) سورة آل عمران, والاستطاعة نوعان: استطاعة بالمباشرة, واستطاعة بالنيابة.
الإستطاعة بالمباشرة: وتتحقق بالشروط التالية:
صحة البدن: يشترط لوجوب الحج بالنفس أن يكون صحيحاً فلا يفرض الحج بالنفس على المريض ولا على الشيخ الفاني, الذي لا يستقر على الراحلة, لأن الله تعالى فرض الحج على المستطيع, أما المشقة المحملة في الحج فلا تضر, وأما المريض الذي يرجى شفاؤه فلا يسقط عنه الحج بالنفس لأنه يستطيع الحج بنفسه بعد الشفاء, والأعمى لا يفرض عليه الحج بنفسه إلا إذا وجد من يقوده في السفر وأثناء الحج, ويمكنه أن ينيب من يحج عنه إن كان مستطيعاً بمال.(1/147)
القدرة على الزاد والراحلة: أجمع العلماء على أن الزاد شرط لوجوب الحج, وأن يكون حاله زائدا ن حاجاته الأصلية وعن ديونه, وعن نفقة أهله وعياله الذين تجب نفقتهم عليه مدة السفر, ومن أعطى هبة من المال ليحج بها فلا يلزمه قبولها, وشرط الراحلة فيمن كان بينه وبين مكة مساحة القصر, وإن كانت المسافة فقيرة وكان قادرا على المشي فلا تشترط الراحلة.
أمن الطريق: لا يلزم الحج إن لم تكن الطريق آمنة ويخشى على نفسه أو ماله من التلف أو الهلاك.
المحرمية بالنسبة للمرأة: يشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرماً يسافر معها للحج أو زوجها, وقال الشافعية والمالكية يجوز أن تخرج المرأة للحج مع نسوة ثقات أو رفقة مأمونة من النساء, واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا معها ذو محرم) "رواه أبوداوود", ولا تخرج المرأة إلى الحج بدون إذن زوجها, ولا تؤثم المرأة بتاخير الحج.
الاستطاعة بالنيابة: وهي في حق المريض الذي لا يرجى شفاؤه أو الشيخ الهرم, حيث يجب عليه أن ينيب من يحج عنه إن كان قادراً على ذلك بماله وكان الطريق آمنا, ودليل ذلك ما روى عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي أدركه الإسلام, وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل, والحج مكتوب عليه, أأحج عنه؟ قال: أنت أكبر ولده, قال: نعم, قال: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه, أكان ذلك يجزي عنه, قال نعم, قال: فاحجج عنه) "رواه البيهقي".
شروط صحة الاستنابة في الحج:
أن يكون المستنيب عاجزاً عن الحج بنفسه.
أن يكون العجز مستمراً من وقت الحج إلى الموت.
لا يجوز الحج عن أحد بغير إذن المستنيب.
أن ينوي النائب عند الإحرام الحج عن المستنيب فيقول: لبيك حجاً عن فلان.
أن يكون النائب حج عن نفسه الحجة الواجبة.
الحج عن الميت:(1/148)
يجوز الحج عن الميت لما روى عن بريدة أنه قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله, إن أمي ماتت ولم تحج, قال: حجي عن امك) "رواه البهقي". فمن مات وعيه حج جاز أن يحج عنه أحد المسلمين ويبرأ بذلك.
مواقيت الحج الزمانية والمكانية:
المواقيت الزمانية: للحج مواقيت زمانية خاصة لا يجوز للمسلم أن يشرع في أداء أعمال الحج إلا فيها, ودليله قوله تعالى: "الحج أشهر معلومات", وورد في السنة النبوية بيان هذه الأشهر, وهي: شوال وذو القعدة وعشر ليالٍ من ذي الحجة, ولذا فإنه لا يصح الإحرام بالحج في غير أشهر الحج.
المواقيت المكانية: للحج أمكنة محددة لا يجوز لمن يريد الحج أن يتجاوزها بدون أن يحرم منها, ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت المكانية لكل بلد, فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة (ذا الحليفة) ولأهل الشام (الجحفة), ولأهل نجد (قرن المنازل), ولأهل اليمن (يلملم), هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ, حتى أهل مكة من مكة) "رواه البخاري". ومن أراد الحج قسلك طريقاً ليس فيه ميقاته, فميقاته أقرب المواقيت إليه, ويجوز للحاج أن يحرم قبل أن يصل الميقات, ولا يجوز له أن يتجاوز الميقات من غير إحرام. ويعرف ميقات أهل المدينة اليوم (بآبار علي) فمن حج من غير الأردن وفلسطين وسوريا عن طريق البر قاصداً المدينة المنورة فميقاته (آبار علي) ومن حج عن طريق البحر إلى جدة فميقاته(رابغ), وأما من كان يسكن خارج الحرم ودون المواقيت كأهل جدة فعليه أن يحرم من المكان الذي يسكن فيه.
حكم مجاوزة الميقات المكاني:(1/149)
لا يجوز للحاج أن يتجاوز لميقات المكاني من غير إحرام, فإن جاوزه أثم, ووجب عليه دم, ومن جاوز الميقات وأحرم بعد ذلك, ثم عاد إلى الميقات وأحرم منه فلا يلزمه دم, واشترط أبو حنيفة أن يعود إلى الميقات ملبياً, وإلا وجب عليه دم, ومن أراد دخول مكة لتجارة أو غيرها يجوز له أن يدخلها بغير إحرام وهذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة بدليل رواية مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام, وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لا يجوز له أن يدخلها بغير إحرام بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الفتح: (إن مكة حرام, حرمها الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض, ولم تحل لأحد قبلي, ولا تحل لأحد بعدي, وإنما أحلت لي ساعة من نهار, ثم هي حرام إلى يوم القيامة) "رواه البيهقي".
أعمال الحج:
الإحرام بالحج:
حقيقته وحكمه وسننه:
أولا: حقيقة الإحرام: لا تصح إلا بالنية بإجماع المسلمين, وتحقق النية بالقلب سواء لبى الحج أم لم يلب, وقال الحنفية: لا ينعقد الإحرام إلا بالنية مع التلبية أو سوق الهدى.
ثانيا: حكم الإحرام بالحج: الإحرام ركن من أركان الحج عند الشافعية والمالكية وقال الحنابلة: الإحرام من واجبات الحج, وقال الحنفية: الإحرام شرط جواز أداء أفعال الحج.
ثالثا: سنن الإحرام بالحج: يسن لمن يريد الإحرام الأفعال التالية:
أن يستعد للإحرام بالتنظيف وإزالة الشعر وتقليم الأظافر.
أن يغتسل سواء كان رجلاً أو امرأة أو صبياً بدليل النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه.
أن يتطيب في بدنه, إقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام فكان يتطيب لإحرامه قبل أن يحرم, وأما الطيب في الثوب فلا يستجيب للمحرم ولكنه جائز.(1/150)
أن يلبس الرجل إزاراً ورداءً ونعلين حيث يحرم على المحرم أن يلبس المخيط من الثياب, ولا بد له أن يلبس ما يستر عورته ويتقي به الحر والبرد, وذلك بأن يلبس إزارا ورداء, ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين.
أن يصلي ركعتين قبل الإحرام لما روي عن جابر رضي الله عنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم) "رواه مسلم". ولا تجزي صلاة الفريضة أو السنن عن صلاة ركعتي الإحرام, فإذا فرغ من الصلاة أحرم, ويستحب له أن يقول: اللهم إني أريد نسك كذا, فيسره لي وتقبله مني.
أنواع الإحرام بالحج.
أنواع الإحرام بالحج ثلاثة: إفراد وقران وتمتع, وقد اتفق الفقهاء على جواز هذه الأنواع الثلاثة لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة, ومنا من أهل بحج وعمرة, ومنا من أهل بالحج) "رواه البخاري", وفي رواية أخرى: (منا من أهل بالحج مفرداً, ومنا من قرن, ومنا من تمتع) "رواه مسلم" واختلف الفقهاء في الأفضل منها: ذهب الشافعية والمالكية إلى أن الإفراد بالحج أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفرداً) "رواه أبو داود" وذهب الحنفية إلى أن القران أفضل لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعاً لبيك عمرة وحجاً) "رواه البخاري" وذهب الشافعية والحنابلة في قول إلى أن التمتع بالحج أفضل, وذلك لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي من الصحابة أن يحلوا بعد طوافهم بالبيت, وأن يجعلوها عمرة, وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولحللت مع الذين حلوا) "رواه أبو داوود" فقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتمتع, ولولا أنه ساق الهدى لتمتع مثلهم, ولا ينقلهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إلى الأفضل.
ما يلزم المحرم من أنواع الإحرام:(1/151)
اتفق الفقهاء إن المفرد بالحج لا يلزمه دم, لأنه لم يترخص بشيء مما ترخص به المتمتع والقارن.
اتفق الفقهاء على أن من تمتع بالعمرة إلى الحج يجب عليه دم, إن كان أدى العمرة في أشهر الحج ناويا التمتع بالعمرة إلى الحج ثم أحرم بالحج في نفس السنة ولم يفصل بينهما بسفر طويل كمسافة القصر, ولم يخرج إلى الميقات ودليل التمتع قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } (196) سورة البقرة, ولا يجب دم التمتع على ساكني المسجد الحرام فمن أتى بالعمرة من أهل مكة في أشهى الحج ثم أحرم بالحج في نفس السنة فلا يجب عليه دم التمتع, ومن لم يجد الهدى فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع إلى بلده, ولا يلزم من يصوم التتابع في الصوم, ولكنه يستحب.
التلبية:
أولا: حكم التلبية: ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن التلبية سنة, وذهب بعض الفقهاء إلى وجوبها, والراجح أنها سنة لأنها ذكر من الأذكار والأدعية, وقد أهل النبي صلى الله عليه وسلم ملبياً فكانت سنة إقتداءاً به.
ثانيا: صفة التلبية: روي عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في التلبية: (لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) "رواه البخاري", ولا تكره الزيادة على هذه الصيغة.(1/152)
ثالثا: مستحبات التلبية: يستحب أن يكثر المحرم من التلبية خاصة عندما ينزل وادياً, أو يصعد جبلاً, وكذلك عند الركوب وعند النزول, وفي أعقاب الصلوات المكتوبة, ويستحب أن يرفع صوته بها, وألا ترفع المرأة صوتها بالتلبية, وأن تسمع نفسها صوتها فقط, ويستحب الصلاة على النبي بعدها, والدعاء بالمغفرة وقبول التوبة من الله عز وجل وسؤال الجنة والاستعاذة من النار.
رابعا: إنهاء التلبية: تنتهي التلبية برمي أول جمرة من جمرات العقبة, حيث يكبر مع رمي كل حجر, وذلك في صبيحة يوم عيد الأضحى كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم, هذا إذا لم يكن متمتعاً, أما المتمتع فيقطع التلبية عند وصول البيت الحرام وبدء الطواف به, ثم يعود فيلبي إذا أحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة, ويقطع التلبية برمي أول جمرة من جمرات العقبة.
آداب دخول مكة المكرمة والمسجد الحرام:
عند دخول مكة المكرمة يجب على الحاج والمعتمر مراعاة الآداب التالية:
أولاً: أن يغتسل ويتنظف لقطع الروائح التي علقت به بعد السفر.
ثانياً: أن يدخل مكة بخشوع وسكينة داعياً الله تعالى الرحمة والمغفرة.
وأن يدخل المسجد الحرام من باب السلام إذا أمكن.
رابعاً: أن يقول إذا رأى البيت الحرام: (اللهم أنت السلام, ومنك السلام, حينا ربنا بالسلام, اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة, وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبراً) إتباعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
الطواف بالبيت:
حقيقة الطواف ومشروعيته:
أولاً: حقيقة الطواف: الطواف هو الدوران حول الكعبة سبعة أشواط تعظيماً لبيت الله الحرام وامتثالاً لأمره سبحانه, قال تعالى: { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (29) سورة الحج, يبدأ كل شوط من الحجر الأسود أو من محاذاته, ويجعل الكعبة عن يساره, وينتهي عند الحجر الأسود.(1/153)
ثانياً: مشروعية الطواف: الطواف بالبيت مشروع, يدل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (29) سورة الحج, وقد أمر النبي أبا بكر أن ينادي في الناس يوم النحر أن لا يحج بعد العام مشرك, ولا يطوف بالبيت عريان) "رواه أبو داوود", وكان أول عمل قام به النبي عند قدومه مكة أن توضأ, ثم طاف بالبيت سبع أشواط, وقد أجمع العلماء أن الطواف بالبيت نسك من مناسك الحج والعمرة.
شروط وسنن وآداب الطواف:
أولا: شروط صحة الطواف:
الطهارة من الحدث والنجس في الثوب والبدن, حث النبي صلى الله عليه وسلم على الطهارة في الطواف.
ستر العورة, ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أن لا يحج بعد العام مشرك, ولا يطوف بالبيت عريان).
أن يكون الطواف خارج البيت, فلو طاف داخل البيت لم يصح طوافه, وأن يطوف خارج حجر إسماعيل, لأن الحجر من البيت.
أن يطوف بالبيت سبعة أشواط, يبدأ كل شوط منها من الحجر الأسود وينتهي الشوط إليه, وإذا شك في عدد الأشواط بني على اليقين.
أن يبدأ الطواف من الحجر الأسود, فإن ابتدأ الطواف من غيره لم يعتد بهذا الشوط حتى يصل الحجر الأسود ويطوف من محاذاته.
أن يجعل البيت يساره, فإن جعل البيت عن يمينه لم يصح طوافه.
ثانيا: سنن الطواف:
أن يستقبل الحجر الأسود مهللاً مكبراً رافعاً يديه, وأن يستلم الحجر الأسود, وأن يقبله إذا تمكن دون أن يؤذي أحدا من المسلمين فإن لم يتمكن أشار إليه بيده وكبر, هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
استلام الركن اليماني: وهو الركن الواقع قبل الركن الذي فيه الحجر الأسود, أما الركنان الآخران فلا يسن استلامها.
الإضطباع: وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن ويطرح طرفيه على عاتقه الأيسر, وهو سنة في طواف القدوم.
الرمل: وهو أن يسرع المشي مع تقارب الخطأ مع هز الكتفين ويسن الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف.(1/154)
الموالاة بين أشوط الطواف, فلا يفصل بين الأشواط فصلاً طويلاً, وإذا أقيمت الصلاة المكتوبة وهو يطوف صلى المكتوبة مع الجماعة ثم أتى بما بقى عليه من أشواط.
الدعاء المأثور في أثناء الطواف, فيسن أن يقول في بداية الطواف (بسم الله والله أكبر, اللهم إيماناً بك, وتصديقاً بكتابك, ووفاءً بعهدك, وإتباعاً لسنة نبيك, وأن يقول عند الركن العراقي: (اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر في الأهل والمال والولد), وأن يقول بين الركن الشامي واليماني: (اللهم اجعله حجاً مبروراً, وذنباً مغفوراً, وسعياً مشكوراً, وعملاً مقبولاً, وتجارة لا تبور, يا عزيز يا غفور).
أن يصلي ركعتين بعد الفراغ من الطواف, لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الطواف أتى المقام وصلى ركعتين عند المقام, فإن لم يتيسر له الصلاة عند مقام إبراهيم صلى في أي مكان آخر.
ثالثا: آداب الطواف: من بدأ الطواف تجنب أوقات الازدحام, وعدم المزاحمة وأن لا يقرأ الدعاء من كتاب وإنما يدعو بالمأثور عن ظهر قلب.
أنواع الطواف وأحكامها: الطواف ثلاثة أنواع وهي كما يلي:
أولا: طواف القدوم أو التحية: إذا وصل الحاج مكة المكرمة ودخل المسجد الحرام فإن أول شيء يفعله هو الطواف بالبيت, ويسمى هذا الطواف طواف القدوم أو التحية, كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم, وهو سنة للقادم إلى مكة, أما أهل مكة فليس عليهم هذا الطواف ويطلب من المفرد بالحج والقارن, أما المتمتع فإن طوافه يعد ركناً من أركان العمرة, وإذا لم يؤد الحاج طواف القدوم فإن حجه صحيح, ولا يلزمه شيء.(1/155)
ثانيا: طواف الزيارة: ويسمى طواف الإفاضة, وطواف الركن وطواف الصدر, فإذا كان يوم العاشر من ذي الحجة رمى الحاج جمرة العقبة بسبع حصيات, وذبح هديه, وحلق شعر رأسه, ثم طاف بالبيت, وهذا الطواف ركن من أركان الحج, وهذا أول وقته, ولا وقت لآخره, فللحاج أن يأتي به في أيام التشريق أو بعدها, ولا يلزمه بتأخير شيء, ومن سافر إلى بلده قبل أن يطوف طواف الزيارة, وجب عليه أن يرجع وأن يأتي بالطواف وعلى المرأة الحائض تأخيره حتى تطهر.
ثالثا: طواف الوداع: إذا أراد الحاج أن يسافر إلى بلده عليه أن يودع البيت الحرام بطواف يسمى طواف الوداع, وهو واجب يجب على من تركه دم, ويستثني من ذلك المرأة إذا حاضت فإنه يسقط عنها.
السعي بين الصفا والمروة:
حقيقة السعي ومشروعيته: المراد بالسعي: المشي بين جبلي الصفا والمروة سبعة أشواط, بحيث يعد الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً واحداً وهكذا إلى أن يتم سبعة أشواط يبدأ الحاج بالصفا وينتهي بالمروة.(1/156)
والأصل في مشروعيته ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبراهيم عليه السلام بهاجر وابنها إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهي ترضعه عند البيت وعند دوحة فوق زمزم, فوضعهما تحتها, وليس بمكة يومئذ من أحد, وليس بها ماء ووضع عندها جراباً فيه تمر, وسقاءً فيه ماء, ثم قضى إبراهيم منطلقاً, فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم, أين تذهب, وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً, فجعل لا يلتفت إليها, فقالت: آالله أمرك بهذا؟ قال: نعم, قالت: إذن لا يضيعنا, فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه, استقبل بوجهه البيت, ثم دعا بهؤلاء الدعوات, رفع يديه وقال: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة, فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون, وقعدت أم إسماعيل تحت الدوحة, ووضعت ابنها إلى جنبها, وعلقت شنها تشرب منها, وترضع ابنها حتى فني ما في شنها, فانقطع درها, واشتد جوع ابنها حتى نظرت إليه يتشحط, فانطلقت كراهية أن تنظر إليه, فقامت على الصفا وهو أقرب جبل إليها, ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً؟ فلم تر أحدا, فهبطت من الصفا, حتى إذا بلغت الوادي, رفعت طرف درعها, ثم سعت سعي إنسان مجهود, حتى جاوزت الوادي, ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت, هل ترى أحداً, فلم تر أحداً, ففعلت ذلك سبع مرات, قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلذلك سعي الناس بينهما.
والسعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به, ولا يجبر تركه بدم وبهذا قال الشافعية والمالكية وأحمد, وقال الحنفية: السعي واجب وليس ركناً, يجبر تركه بدم.
شروط السعي بين الصفا والمروة:
أن يكون السعي بعد طواف صحيح كطوافى القدوم أو الزيارة.
أن يكون سبعة أشواط.(1/157)
أن يبدأ من الصفا, وينتهي في المروة, فلو بدا بالمروة لم يعتد بالشرط الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ابدأوا بما بدا الله به" وقال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شعائر اللّهِ } (158) سورة البقرة.
سنن السعي بين الصفا والمروة.
أن يأتي السعي بعد الطواف مباشرة.
أن يسعى وهو على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر.
أن يصعد إلى الصفا في بداية سعيه, ويتوجه نحو البيت, فيحمد الله ويهلل ويكبر ويصلي على النبي ويدعو بما شاء.
أن يسعى ماشياً فلا يركب إلا لعذر.
أن يهرول بين الميلين في كل شوط, وهذا خاص بالرجال فقط.
أن يوالي بين الأشواط, فلا يفصل بينهما بفاصل زمني طويل.
أن يدعو في سعيه بما شاء من الأدعية.
أفعال يوم التروية: يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة حيث يخرج الحجاج إلى منى محرمين, ويصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء, وفي صباح اليوم التاسع من ذي الحجة يتوجه الحجاج إلى جبل عرفات.
الوقوف بعرفة:
حقيقته وشروطه وواجباته:
أولا: حقيقته: وهو أن يحضر الحاج وهو محرم بالحج فيقف على جبل عرفة بعد زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة ولو لحظة والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج, قال صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) "رواه أبو داوود" , ولا يتم الحج إلا به, وقد أجمع المسلمون على ذلك, وعرفة كلها موقف إلا بطن عرفة قال صلى الله عليه وسلم: (كل عرفة موقف, وارفعوا عن طريق بطن عرفة, وتوجد علامات ظاهرة تبين للحجاج حدود عرفة.
ثانيا: شروط الوقوف بعرفة:
أن يكون الوقوف على أي جزء من جبل عرفة.
أن يقف الحاج في عرفة بعد زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة ولو لحظة.(1/158)
ثالثاً: واجبات الوقوف بعرفة: يجب على الحاج أن يقف على جبل عرفة جزءاً من النهار وجزءاً من الليل، فمن وقف بعد الزوال ثم نزل قبل غروب الشمس فقد ترك واجباً، وهو حضور جزء من الليل بعرفة، ويجبر على ترك هذا الواجب بدم، وذهب الشافعية إلى حضور جزء من الليل مستحب وليس بواجب.
وقت وسنن الوقوف بعرفة:
أولاً: وقت الوقف بعرفة يبدأ بعرفة بعد زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة، ووقت الزوال هو وقت الظهر وينتهي بطلوع فجر يوم العاشر من ذي الحجة فيجوز الوقوف في أي وقت بين هذين الوقتين، قال صلى الله عليه وسلم: (من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك).
ثانياً: سنن الوقوف بعرفة: يسن لمن وقف بعرفة أن يأتي بالأمور التالية:
أن يغتسل لأن الوقوف فيه اجتماع المسلمين في مكان واحد.
أن يكون على طهارة أي متوضئاً.
أن يقف حيث وقف رسول الله أن كان قادراً على ذلك.
أن يحضر خطبة يوم عرفة أن أمكنه ذلك.
أن يفطر يوم عرفة ليقوى على الدعاء.
أن يكثر من الدعاء وقراءة القرآن والصلاة على النبي والتلبية والاستغفار وأن يتوجه في دعائه نحو القبلة.
ج. الجمع بين صلاتي الظهر والعصر يوم عرفة:
يسن للحاج أن يصلي الظهر والعصر يوم عرفة جمع تقديم وأن يقصر الصلاة وأن يتقدم الصلاة خطبتان كخطبتي صلاة الجمعة يجلس الإمام بينهما يعظ الناس فيهما ويعلمهم مناسك الحج والوقوف بعرفة وسائر شعائر الحج والخطبة سنة فلو صلى الظهر جمعاً من غير خطبة جاز ولا يجهر في صلاتي الظهر والعصر.
المبيت بمزدلفة:
شرع المبيت بمزدلفة للتأهب للوقوف بالمشعر الحرام ويحصل المبيت بالحضور إلى مزدلفة في أي وقت من النصف الثاني من الليل فمن كان بمزدلفة بعد منتصف الليل ولو لحظة فقد أجزأه ذلك و لا يقصد بالمبيت النوم وإنما الحضور ويسن أن يصلي المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير كما يسن له أن يصلي الصبح في مزدلفة قبل الذهاب إلى منى فإذا صلى الحجاج الصبح وقفوا عند المشعر الحرام.(1/159)
الوقوف بالمشعر الحرام:
المشعر الحرام هو مزدلفة وقال الشافعية هو جبل صغير يقع في آخر المزدلفة يسمى (قزح) ومزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر قال صلى الله عليه وسلم: (المزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر) ذهب جمهور الفقهاء على أن الوقوف بالمشعر الحرام واجب فمن تركه وجب عليه دم، وعند الشافعية الوقوف بالمشعر الحرام مندوب فلا يجب بتركه دم، والدليل عند جمهور الفقهاء قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة البقرة:198-199) فإذا صلى الحجاج صلاة الصبح من يوم العاشر من ذي الحجة وقفوا عند المشعر الحرام وأكثروا من التلبية وذكر الله والتكبير والتهليل والاستغفار ويتحقق الواجب بالوقوف ولو لحظة بعد أداء صلاة الصبح ثم يتوجه الحجاج بعد ذلك إلى منى ويسن أن يكون ذلك قبل طلوع الشمس
ويستحب أن يلتقط الحاج الحصى من مزدلفة ولا بأس أن يلتقط سائر الحصى الذي سيرمي به الجمرات الثلاثة أيام التشريق من أي مكان شاء، السنة أن تكون الحصاة بمقدار حبة الحمص، فإن رمى بأصغر منها أو أكبر جاز مع الكراهية.
أعمال يوم النحر:
إذا وصل الحاج في صبيحة يوم العاشر من ذي الحجة وإلى منى فعليه أن يأتي بالأعمال التالية:
رمى جمرة العقبة، ذبح الهدي إن كان قارناً أو متمتعاً، الحلق، أو التقصير، طواف الإفاضة ولا يشترط أن يأتي بهذه الأعمال مرتبة، فلو فعل أحدها قبل الآخر جاز ولكن الترتيب أفضل لأنه سنة.(1/160)
رمي جمر العقبة: إذا وصل الحاج إلى منى استحب له أن يبدأ أول أعماله برمي جمرة العقبة وهي واجب عند الجمهور من تركه وجب عليه دم ووقت الرمي من منتصف ليلية يوم النحر ويمتد إلى غروب شمس ذلك اليوم عند الشافعية فمن رمى بين هذين الوقتين قد أجزأه ولا يجب عليه شيء والسنة أن يقطع التلبية برمي أول حصاة ويقول مع كل حصاة من الحصيات السبع الله أكبر ثم يدعو فيقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وإن ترك حصاة أو حصاتين دون الرمي فعليه أن يتصدق بشيء فإن ترك ثلاث حصيات فعليه دم ولا يتحقق الرمي المجزئ إلا إذا رمى الحصاة رمياً فإن وضعها في المرمى لم يجزئ لأنه لا يسمى رمياً وينبغي أن يقع الحصى في المرمى وأن يرميها واحدة واحدة فلو رمى الحصيات دفعة واحدة لم يجزأه، ويجوز للمرأة والمريض والكبير أن ينيبوا عنهم في الرمي.
ذبح النسك: إذا فرغ الحاج من رمي جمرة العقبة استحب له أن ينحر إن كان عليه هدي واجب كهدي التمتع أو القران أو الهدي الواجب بسبب فعل محظور من المحظورات فيجوز أن يتم الذبح في أي مكان من الحرم ولا يشترط أن يكون بمنى فقط.
الحلق أو التقصير: إذا فرغ الحاج من ذبح النسك وجب عليه دم والحلق أفضل من التقصير والمقدار الواجب في التقصير عند الحنفية أن يأخذ مقدار ربع الرأس وعند الشافعية ثلاث شعرات، ثم الحلق أو التقصير ورمي العقبة يحلل للحاج التحلل الأول وبهذا التحلل تحل له سائر محظورات الإحرام إلا النساء، فإذا طاف طواف الإفاضة تحلل التحلل الأكبر أي أحل له كل شيء كان محرماً عليه في حالة إحرامه.(1/161)
طواف الإفاضة: إذا رمى الحاج جمرة العقبة وذبح هديه وحلق رأسه استحب له أن يطوف طواف الإفاضة وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (سورة الحج: 29) وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم بأداء طواف الإفاضة ويبدأ وقت طواف الإفاضة من منتصف ليلة العاشر من ذي الحجة عند الجمهور وقال الحنفية يبدأ وقته بعد الفجر، وأما آخر وقت الطواف، فقد ذهب الفقهاء إلى انه لا آخر لوقته ويمكن للحاج أن يأتي به أي وقت من أوقات العام، وصفه طواف الإفاضة كصفة طواف القدوم.
رمي الجمرات: رمي الجمرات من أعمال الحج وهي الجمرة الأولى والوسطى وجمرة العقبة في أيام التشريق، يبدأ الحاج برمي الجمرة الصغرى فالوسطى فالكبرى، فيرمي في اليوم الأول الجمرات الثلاث كل واحدة منها بسبع حصيات وكذلك يفعل في اليوم الثاني واليوم الثالث من أيام التشريق، ورمي الجمرات واجب من واجبات الحج فمن تركه وجب عليه دم والسنة أن يرمي الجمرات مرتباً، كما أن من السنة المولاة بين رمي الجمرات ومن السنة أن يكبر مع كل حصاة، ويشترط أن يقع الحصى في المرمى، وتجوز الإستنابة في الرمي فالمريض والكبير والمرأة يجوز لهم أن ينيبوا عنهم في الرمي، أما وقت الرمي فيبدأ بعد الزوال من كل يوم من أيام الشريق ويمتد وقته إلى طلوع الفجر من تلك الليلة ما عدا اليوم الأخير من الرمي حيث ينتهي رميه بغروب الشمس (ابن قدامة).
المبيت بمنى أيام التشريق: المبيت بمنى واجب من واجبات الحج يجبر بتركه دم لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أفاض من آخر يومه حيث صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث فيها ليالي أيام التشريق) وقال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) ويحصل المبيت بالمكث معظم الليل في منى ومن ترك المبيت بمنى ثلاث ليالي لزمه دم ومن تركه ليلة واحدة مد من طعام.(1/162)
التعجيل في اليوم الثالث: للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني من أيام التشريق فيخرج من منى قبل غروب ذلك اليوم فإن غربت الشمس قبل خروجه منها وجب عليه المبيت بمنى تلك الليلة وأن يرمي الجمرات في اليوم الثالث من أيام التشريق إلا إذا كان قد تهيأ للخروج قبل غروب الشمس أي غابت عليه الشمس لسبب أن جمع متاعه ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه)
طواف الوداع: إذا أراد الحاج السفر إلى بلده وجب عليه أن يطوف طواف الوداع قبل السفر، وطواف الوداع واجب يجبر تركه بدم وذلك لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض) فالنساء تمكث حتى تطهرن من أجل طواف الوداع وقال جمهور الفقهاء أن طواف الوداع سنة لأنه بمنزلة طواف القدوم وليس لطواف الوداع وقت معين لأنه متعلق بعزم الحاج على السفر والخروج من مكة أما من أراد الإقامة بها فلا يجب عليه أن يطوف طواف الوداع فإذا طاف بالبيت صلى ركعتين ودعا بما أحب.
حقيقة العمرة وأعمالها:
تعريف العمرة وحكمها ومشروعبتها:
أولاً: تعريف العمرة: العمرة في اللغة: الزيادة، والعمرة عند الفقهاء قصد زيادة البيت الحرام وتعظيمه بأداء أفعال مخصوصة.
ثانياً: حكم العمرة: ذهب الشافعي وأحمد أن العمرة فرض واستدلوا على ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حج عن أبيك واعتمر) ومنهم من قال أن العمرة سنة واجبة واستدلوا على ذلك بما روى عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أهي واجبة؟ قال: (لا، وأن تعتمر خير لك)
وتجب العمرة مرة واحدة كالحج، وشروط وجوب العمرة هي شروط وجوب الحج.
ثالثاً: مشروعية العمرة: العمرة مشروعة، ويدل على مشروعيتها الكتاب، والسنة، والاجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} (سورة البقرة: 196)(1/163)
أما الأحاديث التي تدل على مشروعيتها منها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) "رواه البخاري"
وأما الإجماع فقد أجمع علماء المسلمين على مشروعية العمرة، وإن أختلفوا في حكمها.
فضل العمرة: ورد في فضل العمرة أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) وحديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإن متابعة بينهما ينفي الفقر كما ينفي الكير حيث الحديد)
وقت العمرة: تجوز العمرة في أي وقت من أوقات السنة ولا تكره في شيء منها، ويجوز أن يعتمر في السنة أكثر من عمرة ويستحب الإكثار منها، والعمرة في رمضان أفضل منها في باقي أيام السنة لحديث: (عمرة في رمضان تعدل حجة) "رواه البخاري"، يعني تعدل ثواب حجة، ولا تسقط عنه فريضة الحج.
أركانها وواجباتها وسننها وكيفية أدائها: إذا أراد المسلم أداء العمرة فبلغ الميقات المكاني لأهل بلده كما في الحج لم يجزله أن يتجاوزه من غير إحرام فالإحرام من الميقات واجب من واجبات العمرة، وعلى المسلم أن ينوي الإحرام بالعمرة، والنية ركن من أركان العمرة، والسنة أن يقول: (لبيك اللهم عمرة، اللهم تقبلها منى ويسرها لي) وذلك بعد صلاة ركعتين ولبس ملابس الإحرام.(1/164)
وإذا أحرم بالعمرة حرم عليه جميع محظورات الإحرام من حلق شعر الرأس وتقليم الأظافر ولبس المخيط من الثياب وستر الرأس ومس الطيب ولبس الخف ولا تستر المرأة وجهها وتستر رأسها وتلبس المخيط من الثياب والخف فإذا دخل المسجد الحرام بدأ بالطواف بالبيت فإن كان وقت الصلاة المكتوبة أداها أولاً ثم طاف، والعمرة ليس فيها طواف قدوم كالحج، وإنما طواف واحد هو طواف الركن أو الفرض كما يجري الفرض عن تحية المسجد وطواف العمرة كطواف الحج من حيث عدد الأشواط والبدء من الحجر الأسود ويشترط له الطهارة ويجوز الكلام في الطواف لقوله عليه الصلاة والسلام: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى أباح فيها الكلام) ولا بأس بشرب الماء وهو يطوف ويجوز قطع الطواف لأداء الصلاة فإذا فرغت الصلاة أتم طوافه، وإذا فرغ من الطواف صلى ركعتين بعد الطواف خلف مقام إبراهيم عليه السلام لقوله تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (سورة البقرة 125) ويجوز أن يصليها في مكان آخر من المسجد ويستحب له أن يدعو بعد الفراغ من صلاته بما أحب من أمر الدنيا والآخرة، فإذا انتهى المعتمر من صلاة ركعتي الطواف سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ويستحب أن يدعوا بين الصفا والمروة في مشيه وسعيه ويستحب أن يقرأ فيها القرآن الكريم، والسعي ركن من أركان العمرة.(1/165)
وذلك لحديث النبي: (أيها الناس أسعوا فإن السعي قد كتب عليكم) فإذا انتهى من السعي حلق شعر رأسه أو قصر، والمرأة تقصر ولا تحلق ويجزئ حلق ثلاث شعرات والحلق واجب من واجبات العمرة وليس ركناً من أركانها فمن تركه كانت عمرته صحيحة ويجبر تركه بدم، وبهذا يكون المعتمر قد أدى العمرة وتحلل من الإحرام فيحل له كل شيء كان محظوراً عليه فإذا أراد المعتمر العودة إلى بلده والخروج من مكة، طاف طواف الوداع إذا أراد مفارقة مكة ويستحب أن يدعو بالدعاء المأثور ويقول: (اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى يسرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن كنت رضيت عني رضى وإلا فمن الآن قبل أن تناءى عن بيتك داري هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا أرغب عنك ولا عن بيتك، اللهم أصحبني العافية في بدني، والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني أعيدك ما أبقيتني.
محظورات الإحرام
معنى محظورات الإحرام وحكمتها:
محظورات الإحرام: هي الأعمال التي منع الشرع الحاج أو المعتمر من ممارستها أثناء فترة الإحرام وكانت محرمة عليه وقد شرعت هذه المحظورات ليفرغ الحاج والمعتمر نفسه لعبادة الله تعالى ويعودها على الصبر وترك المتع الجسدية التي اعتادها في حياته العادية.
أنواع المحظورات:
لبس المخيط، حرم الإسلام على المحرم لبس القمصان، والعمائم والسراويل، والخفاف، فإذا لم يجد النعالين فله لبس الخفين بشرط قطعهما أسفل من الكعبين ومن لبس المخيط من غير عذر لزمته الفدية.
الطيب، إذا أحرم الحاج أو المعتمر عليه التطيب فإذا تطيب غسل الطيب لأنه فعل محظوراً فيلزمه إزالته كسائر المحظورات ولو علم المحرم تحريم الطيب وجهل وجوب الفدية وجبت الفدية لأنه مقصر.(1/166)
ستر الرأس، يحرم على المحرم أن يستر رأسه ويجب على من يأتي هذا المحظور الفدية لأنه أمراً محرماً في الإحرام، أما إذا ستر المحرم بعض رأسه أو كله لحاجة من حر أو برد أو مداواة جرح في رأسه فيجوز له ستره.
ستر المرأة وجهها ولبس القفازين يحرم على المرأة المحرمة ستر وجهها بأي ستر ولها ستر رأسها وسائر بدنها بالمخيط ولها ستر القدر اليسير من وجهها الذي يلي الرأس لأن ستر الرأس واجب لكونه عورة ويحرم عليها لبس القفازين، فإذا وقعت في شيء من ذلك تجب عليها الفدية.
حلق شعر الرأس أو اليدين، إذا أحرم الرجل حرم عليه حلق الرأس لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (سورة البقرة: 196) وقد أجمع المسلمون على تحريم حلق الرأس للمحرم سواء كان في حق الرجل أو المرأة أو الصبي وإذا حلق فالواجب فدية وإذا حلق مرة أخرى وجب عليه كفارة.
تقليم الأظافر، أجمع أهل العلم أن المحرم ممنوع من أخذ أظافره وعليه فدية إذا قلمها وقد وجبت الفدية كحلق الشعر.
الفسق والجدال، على المحرم أن يتجنب الشتم والكلام القبيح والجدال والخصومة ويستحب أن يكون كلامه خيراً فيه ذكر الله تعالى وتعليم الناس أحكام دينهم إن كان من اهل العلم والدليل على ذلك قوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (سورة البقرة: 197) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) "رواه البخاري"
الجماع ومقدماته: يحرم على المحرم مباشرة زوجته بشهوة قبل التحللين أي قبل رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة فمن باشر زوجته عمداً بشهوة لزمته الفدية وهي شاة أو بدلها من الطعام أو الصيام ويحرم على المرأة تمكين زوجها من الجماع لأنه إعانة على معصية كما يحرم على الرجل جماع زوجته وهي محرمة.(1/167)
الخطبة والزواج والتزويج، يحرم على المحرم أن يتزوج أو يزوج غيره بالوكالة كأن يكون وكيلاً في الزواج أو ولياً فيه كالأب فإن تزوج أو زوج فالزواج باطل.
قتل الصيد أو التعرض له يحرم على المحرم صيد ما يؤكل من صيد البر قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (سورة المائدة: 96) أما ما ليس بصيد كالغنم والإبل والبقر فلا يحرم ذبحها ولا أكل لحومها، لأن الشرع حرم الصيد وهذه الأنعام ليست صيداً.
كما يحرم على المحرم أن يشتري الصيد أو يأخذه هبة وللمحرم أن يقتل الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور وكل ما يؤذي المحرم.
قطع شجر الحرم أو نباته يحرم على المحرم قطع نبات الحرم بمكة المكرمة الذي ينبت دون زراعة الإنسان وعلى قطعه الفدية ففي الشجرة الكبيرة وفي الصغيرة شاة فإن كانت صغيرة جداً ففيها القيمة ويجوز تسريح البهائم في كلا الحرم لترعى.
مكروهات الإحرام
هناك أموراً مكروهة في الإحرام والأفضل تركها ومن هذه الأمور:
حك الشعر: يجب أن يحك المحرم رأسه برفق لئلا يسقط شعره وقال الشافعي: لو مشط المحرم لحيته فسقطت شعرات لزمته الفدية لذلك يكره حك الشعر إحتياطاً حتى لا يسقط الشعر.
الكحل، يحرم على المحرم رجلاً كان أو امرأة الاكتحال فإن احتاج إليه جاز له ذلك وعليه الفدية وله الاكتحال بما لم يكن فيه زينة ولا يرد أن في الاكتحال فدية أم لا.
لبس الثياب المصبوغة لا يجوز للمحرم لبس الملابس الملونة أو المصبوغة بالطيب
ما يباح للمحرم استثناءاً: يجوز للمحرم ما يلي:
لبس الحزام، أجاز الشرع للمحرم أن يشد حزاماً على وسطه ليثبت إزاره وللمحرم أن يلف شيئاً على وسطه دون أن يعقده أو يخيطه.(1/168)
الحجامة: أجاز الشرع للمحرم الاحتجام وفي الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم) "رواه مسلم" وقد أجمع العلماء على جواز الحجامة في الرأس وغيره إذا كان في ذلك عذر فإن قطع الشعر فعليه فدية فإن لم يقطع فلا فدية عليه.
تقلد السلاح نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل أحد السلاح بمكة كما روى في الحديث وهذا النهي إن لم تكن حاجة لحمل السلاح.
التجارة، للمحرم أن يتجر ويبيع ودليل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (سورة البقرة: 198)
فأجازت الآية الكريمة للمحرمين العمل التجاري في موسم الحج من غير حرج في ذلك.
الاغتسال، يجوز للحاج أن يغتسل لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل رأسه وهو محرم.
الاستظلال، يجوز للمحرم أن يستظل تحت شجرة أو تحت سقف ونحوه سواء كان راكباً دابته أو نازلاً وسواء أكان رجلاً أم امرأة.
قتل الغراب والحدادة والعقرب والكلب العقور فقد أباح الإسلام للمحرم قتل بعض الحيوانات والطيور والمؤذية.
الاحصار بالحج:
تعريفه: الإحصار في اللغة من الحصر وهو المنع ومنه قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} يقال حصره العدو، وأحصره المرض أي منعه، ومعناه في الشرع المنع بعدو من الوقوف بعرفه أو الطواف أو السعي.(1/169)
دليل الإحصار وحكمه: والأصل في حكم الإحصار حادثة منع المشركين النبي صلى الله عليه وسلم من العمرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وفيها نزل قول الله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (البقرة: 196) وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنة وحلق رأسه) هذا إذا لم يتمكن الحاج أو المعتمر من الوصول إلى الحرم، أما إذا تمكن من الوصول إليه وحال عدو بينه وبين مناسك الحج فإن عليه العمرة ويتحلل بعدها ثم ينوي الحج في العام المقبل.
الهدي:
معنى الهدي: هو ما يهدى إلى الحرم من حيوان وغيره كالإبل والبقر والماعز والضأن بشروط خاصة.
مشروعية الهدي، يستحب لمن قصد مكة حاجاً أو معتمراً أن يهدي إليها من بهيمة الأنعام وينحره ويوزعه على الفقراء والمساكين الموجودين في الحرم، ودليل قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحج: 33) والهدي أدناه شاة وأعلاه الإبل والبقر لأنه يهدى إلى الحرم ليتقرب به ولا يجوز في الهدايا إلا ما جاء في الضحايا.
أحكام الهدي:
يستحب أن يكون الهدي كاملاً سميناً نفيساً لقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (الحج: 32)
يستحب أن يسوق المحرم الهدي معه من بلده، وأن يعلمها بعلامة مميزة كذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
يجوز في الهدي الذكر والأنثى من الحيوان لأن المقصود هو لحومها.
يتصدق الحاج أو المعتمر بحليب الهدي، وبلحمها، وبجلودها، ولا يعطي الجزار منها، ويعطيه الأجرة على ذبحها.
أنواع الهدي:(1/170)
هدي التطوع: وهو ما يسوقه المحرم معه من بلده أو يشتريه من الطريق أو من مكة بدون أن يكون واجباً عليه.
هدي النذر: وهو الهدي الذي ألزم المحرم نفسه به ولا يجوز له بيعه ولا التصرف فيه ولا إبداله بغيره ولا هبته بغيره ولا الوصية به للآخرين ويصير من حق المساكين ويزول ملكه عنه.
هدي التمتع والقران: وهو هدي واجب وقال الشافعية فيه: لا يأكل المحرم من هذا الهدي لأنه وجب بالإحرام فلم يجز الأكل منه كدم الكفارة.
هدي ارتكاب محظور من محظورات الإحرام: كالحلق بسبب أذى في الرأس أو مس الطيب عامداً أو ستر الرأس من غير عذر فهو حق للمساكين فهو من قبيل الكفارات فلا يأكل المحرم منه شيئاً.
الأضحية:
معنى الأضحية: هي ما يذبح من الأنعام كالإبل والبقر والغنم تقرباً إلى الله تعالى أيام عيد الأَضحى بعد صلاة العيد.
مشروعية الأضحية وحكمها: شرع الإسلام الأضحية أسوة بإبراهيم عليه السلام عندما أراد أن يذبح ابنه اسماعيل تنفيذاً لأمر ربه ففداه الله تعالى بذبح عظيم، قال تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ(106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصافات: 104- 107) وهي سنة مؤكدة في حق الموسر وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم.
حكمة الأضحية: شرع الإسلام الأضحية لما لها من فضل عظيم عن الله تعالى، فهو أحب أعمال العباد إلى الله تعالى يوم النحر كما روى في الحديث.
ومن حكم الأضحية:
التقرب إلى الله تعالى بها إذ قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر: 2)
إحياء سنة إبراهيم عليه السلام، إذ أوحى الله تعالى إليه أن يذبح ولده اسماعيل ثم فداه بكبش فذبحه بدلاً عنه.
التوسعة على العيال يوم العيد، ونشر الرحمة بين الفقراء والمساكين.(1/171)
شكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام وتربية النفوس على تقوى الله تعالى قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} (الحج: 36- 37)
وقت الأضحية: يدخل وقت الأضحية بعد دخول وقت صلاة الأَضحى فإذا ذبح المضحي قبل ذلك لم يجزه، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (من صلى صلاتنا ونسك نسكاً فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة، فتلك شاة لحم)
ويدخل وقتها إذا طلعت الشمس يوم النحر، ومضى بعد طلوعها قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين وآخر وقتها يكون بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق ويجوز ذبحها في هذه الأيام ليلاً ونهاراً لكن يكره الذبح ليلاً.
صفات الأضحية: الأحكام التي تتعلق بصفات الأضحية هي:
لا يجزئ في الأَضحية إلا الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم لقوله تعالى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (الحج: 34)
لا يجزئ من الأنعام إلا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والإبل والبقر والجذع ما استكمل السنة أما الثني من الإبل ما استكمل خمس سنين ومن البقر ما استكمل سنتين ودخل في الثالثة ومن المعز ما استكمل السنة أو السنتين والبدنة أفضل من البقر لأنها أعظم والبقر أفضل من الشاة لأنها بسبع من الغنم.
لا يجزئ من الأنعام ما فيه عيب كالضعف وقلة اللحم والعرج والعمى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع لا تجزئ في الأضاحي العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البيع ضلعها والكسير التي تنقى) "رواه أبو داود".(1/172)
يكره أن يضحي بالجلحاء التي لم يخلق لها قرن، وبالعصماء التي انكسرت غلاف قرنها، وبالعضباء التي انكسر قرنها، وبالشرقاء المشقوقة الأذن والخرقاء التي في أذنها ثقب مستدير ولكنها تجزئ.
لا تجزئ المريضة مرضاً بيناً يظهر بسبب الهزل وقلة اللحم وفساده، ومقطوعة الذيل، أو جدعت أذنها.
كيفية تقسيم الأضحية: يستحب أن تقسم الأضحية ثلاثاً يأكل أهل البيت ثلثاً ويتصدقون بثلث، ويهدون لأصدقائهم الثلث الآخر، قال صلى الله عليه وسلم: (كلوا لحوم الأضاحي وادخروا) "رواه أحمد" ويجوز أن يتصدقوا بكل الأَضحية كما يجوز أن لا يهدوا منها شيئاً ولا يجوز بيع شيء من الأضحية أو الهدي سواء أكان نذراً أو تطوعاً لما روى على رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها قال نحن نعطيه من عندنا) "رواه مسلم"
المراجع:
القرآن الكريم
ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي، المغني، مكتبة الرياض، 1981.
البخاري، محمد بن إسماعيل، مختصر صحيح البخاري، دار مكتبة الهلال، بيروت، 1987م.
السرخس، شمس الدين، المبسوط، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت 1980.
الشافعي، أبو عبد الله محمد بن إدريس، الأم، كتاب الشعب، القاهرة/ 1968م
مالك بن أنس، الموطأ، شرح محمد زكريا الكاندهلوي، مطبعة السعادة القاهرة 1973م.
ابن رشد محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مطبعة عيسي الحلبي القاهرة.
الترمذي، أبو عيسي محمد بن عيسي، الجامع الصغير (سنن الترمذي)، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.
الفيومي، أحمد بن محمد بن علي، المصباح المنير، المطبعة المنيرية، القاهرة، 1926م.
مسلم، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، طبعة إدارة البحوث العلمية، الرياض، 1980م.
النووي، المجموع شرح المهذب، مكتبة المدني، القاهرة.(1/173)
الموصلي، عبد الله بن محمود بن مودود، الاختيار لتعليل المختار، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1975م.
الشربيني، محمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، مطبعة مصطفي الحلبي، القاهرة، 1958م.
الموضوع ... الصفحة
المقدمة : ... 1
الفصل الأول :أحكام الطهارة في الشريعة الإسلامية ... 3
الفصل الثاني :أحكام الصلاة و مشروعيتها ... 23
الفصل الثالث :تشريع أحكام الصوم ... 62
الفصل الرابع : مشروعية الزكاة و أحكامها ... 95
الفصل الخامس : مشروعية الحج والعمرة ... 117
المراجع : ... 140
الفهرس(1/174)