قال صلىَّ الله عليه وسلم
يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ
ابتِغَاءُ السَّلامَةُ
فِي بَعْضِ أَحكَامِ الإِمَامَةِ
جمع وترتيب
د . السَّيدُ الْعَرَبِيّ بْنِ كَمَال
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَسْتَعِينهُ وَنَسْتَغِفُرهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَن يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِل فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدهُ وَرَسُولهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدي السَّاعَةِ ، وَمَن يُطِع الله وَرَسُولَه فَقَد رَشَد ، و مَنْ يَعْصِ الله ورَسُولَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُر إِلَّا نَفْسَه وَلَا يَضُر الله شَيْئًا .
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ?[آل عمران: 102] .
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا? [النساء : 1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ? [الأحزاب: 70 -71].
أمَّا بَعْدُ: ...
يَكْثُر الْجَدل بين كثيرٍ مِن الْمُصَلِين على مَن يكون أحق بالْإِمَامَة ؟!(1/1)
خاصةً عندما يكون فيهم مَن يَحفظ مِن كتاب الله - عز وجل - الكثير , ولكنْ قد يكون بعض مِمَّن يَحفظ القرآن لا يَعلم مِن أحكام الدِّين إِلَّا القَلِيل , أوْ يَكُون مِمَّن لَا عَدَالَةَ لَهُ , وعِنْدئذٍ يَتَخاصم النَّاس فيما بَيْنَهُم عَلَى مَن يَتَقَدَّمهم للإمَامَةِ !!
فَمِنْهُم مَن يَقُول: نُقَدِّم الْأَعلَم وَالْأَعْدَل .
وَمِنْهُم مَن يَقُول : لَا نُقَدِّم إِلَّا مَن يَحفظ القُرآن مَهْمَا كَانَ ؛ لأنَّ النصوص النبوية الصحيحة جاءت بالأمرِ بِتَقديم الأقرء في قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أحاديث صحيحة (( فَلْيَؤُمكم أَقْرَؤكُم )) فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ ، وَمَا حَقِيقَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلة ؟!
فأقول وبالله التوفيق:(1/2)
أَخْرَجَ أَبُو دَاودَ عَن عَمرو بن سلمة - رضي الله عنه - قال (( كُنَّا بِحَاضِرٍ يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ إِذَا أَتَوْا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا مَرُّوا بِنَا فَأَخْبَرُونَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ كَذَا وَكَذَا ، وَكُنْتُ غُلَامًا حَافِظًا فَحَفِظْتُ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنًا كَثِيرًا ، فَانْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمْ الصَّلَاةَ فَقَالَ يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ ، وَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ فَقَدَّمُونِي فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ ، وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ صَفْرَاءُ ، فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّي! فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ : وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ . فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحِي بِهِ ، فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ ))(1)
وفي رِوَايَةٍ : (( أَنَّهُمْ وَفَدُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَنْصَرِفُوا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يَؤُمُّنَا ؟
قَالَ : أَكْثَرُكُمْ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ ، أَوْ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ .
قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ جَمَعَ مَا جَمَعْتُهُ قَالَ فَقَدَّمُونِي وَأَنَا غُلَامٌ وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ لِي فَمَا شَهِدْتُ مَجْمَعًا مِنْ جَرْمٍ إِلَّا كُنْتُ إِمَامَهُمْ ، وَكُنْتُ أُصَلِّي عَلَى جَنَائِزِهِمْ إِلَى يَوْمِي هَذَا ))(2) .
الشَّرح
__________
(1) صحيح] أخرجه أبو داود (585) من حديث عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - .
(2) صحيح] أخرجه أبو داود (587) من حديث عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - .(1/3)
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
وقَوْله : (( وَقَالَ يَؤُمّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْت أَقْرَأهُمْ لِمَا كُنْت أَحْفَظ )) .
وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ : (( وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَركُمْ قُرْآنًا فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَد أَكْثَر قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْت أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَان)) (1) .
( فَكُنْت أَؤُمّهُمْ وَأَنَا اِبْن سَبْع أَوْ ثَمَان سِنِينَ ) .
قُلتُ : الشَّاهِد هُوَ قوله - صلى الله عليه وسلم - (( وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَركُمْ قُرْآنًا )) وكأنَّه تفسير لقوله (( أَقْرَؤُكُمْ ...)) .
وهناك نصوص فيِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا :
مَا جَاءَ عِنْدَ مُسْلِم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ :
(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ ))(2) .
وعِنْدَ مُسْلِمٍ مِن حَدِيث أَبَى مَسْعُودٍ قَالَ :
(( قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَا تَؤُمَّنَّ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ وَلَا فِي سُلْطَانِهِ وَلَا تَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَكَ أَوْ بِإِذْنِهِ .. )) (3).
وهَذِهِ الْأَحادِيث تُشْعِر بِمَعْنَى مُعَين يَتَعَلَّق بالمسألة ، وَلَكِنْ لِنَنْظُر الْمَزِيد في ما يأتي مِن بَيَان.
__________
(1) عون المعبود (2 / 206 ) ، والحديث عند البخاري (4302) .
(2) صحيح] أخرجه مسلم (672) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .
(3) صحيح] أخرجه مسلم (673) من حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - .(1/4)
قَالَ فِي سُبُل السَّلَام :
(فِيهِ دَلِيل – أَيْ : حَدِيث عَمرو بن سلمة - لِمَا قَالَهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق مِنْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَة فِي إِمَامَة الْمُمَيِّز ، وَكَرِهَهَا مَالِك ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَعَنْ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَة رِوَايَتَانِ ... قَالَ الْإِمَام الْخَطَّابِيّ فِي الْمَعَالِم : وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي إِمَامَة الصَّبِيّ غَيْر الْبَالِغ إِذَا عَقَلَ الصَّلَاة ، فَمِمَّنْ أَجَازَهَا الْحَسَن وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَؤُمّ الصَّبِيّ غَيْر الْمُحْتَلِم إِذَا عَقَلَ الصَّلَاة إِلَّا فِي الْجُمُعَة أ . هـ (1)
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد : عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : (( لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ نَزَلُوا الْعُصْبَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا زَادَ الْهَيْثَمُ وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ )) (2)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْر عَمْرو بْن سَلَمَة .
وعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ - رضي الله عنه - : (( أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ أَوْ لِصَاحِبٍ لَهُ إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا ، - وَفِي حَدِيثِ مَسْلَمَةَ قَالَ : - وَكُنَّا يَوْمَئِذٍ مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْعِلْمِ ))(3) .
قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر- رحمه الله - :
__________
(1) سبل السلام ( 1 / 370 ) .
(2) صحيح] أخرجه أبو داود (588) من حديث عبد الله بن عمر .
(3) صحيح] أخرجه أبو داود (589) من حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - .(1/5)
الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : " ثُمَّ لِيَؤُمّكُمَا أَكْبَركُمَا " ظَاهِره تَقْدِيم الْأَكْبَر بِكَثِيرِ السِّنّ وَقَلِيله ، وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُون مُرَاده بِالْكِبَرِ مَا هُوَ أَعَمّ مِنْ السِّنّ أَوْ الْقَدْر كَالتَّقَدُّمِ فِي الْفِقْه وَالْقِرَاءَة وَالدِّين فَبَعِيد لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فَهْم رَاوِي الْخَبَر حَيْثُ قَالَ لِلتَّابِعِيِّ : فَأَيْنَ الْقِرَاءَة فَإِنَّهُ دَالّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ كَبِرَ السِّنّ ، وَكَذَا دَعْوَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْله : "وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَركُمْ" مُعَارَض بِقَوْلِهِ:" يَؤُمّ الْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ " لِأَنَّ الْأَوَّل يَقْتَضِي تَقْدِيم الْأَكْبَر عَلَى الْأَقْرَأ وَالثَّانِي عَكْسه !!...
قَالَ: فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْأَكْبَر مِنْهُمْ كَانَ يَوْمئِذٍ هُوَ الْأَفْقَه.. )(1)
وفِي الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ ))(2)
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ - رحمه الله - :
( أقُرَّاؤُكُمْ ): بِضَمِّ الْقَاف وَتَشْدِيد الرَّاء ..... وَكُلَّمَا يَكُون أَقْرَأ فَهُوَ أَفْضَل إِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَسَائِل الصَّلَاة (3) أ. هـ
** قُلْتُ : ثُمَّ إِذَا اسْتَوو فِى القِرَاءَةِ يُفَرَّق بَيْنَهُم بِأُمُورٍ أُخْرَى مِثْل السِّن وَمَا شَابَه .
__________
(1) انظر الفتح (2 / 171) .
(2) ضعيف] أخرجه أبو داود (590) ، وابن ماجه (726) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - .
قلتُ: في إسناده " حسين بن عيسى الحنفي" منكر الحديث ، قال عنه البخاري : مجهول منكر الحديث . قال أبو حاتم : ليس بالقوي ؛ روى عَن الحكم بن أبان أحاديث منكرة .
قلتُ : وروايته هنا عن الحكم . وضعفه الشيخ الألباني كما في الجامع (4866) .
(3) عون المعبود (2 / 210 ) .(1/6)
وَقَدْ بَوَّبَ البُّخَارِى قَالَ : بَاب إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ .
قَالَ ابن حَجَر- رحمه الله - فِي الفَتْحِ :
قَوْله : ( بَاب إِذَا اِسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَة فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ ) :
هَذِهِ التَّرْجَمَة مَعَ مَا سَأُبَيِّنُهُ مِنْ زِيَادَة فِي بَعْض طُرُق حَدِيث الْبَاب مُنْتَزَعَة مِنْ حَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة أَبِي مَسْعُود الْأَنْصَارِيّ مَرْفُوعًا " يَؤُمّ الْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّه ، فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتهمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرهمْ سِنًّا " الْحَدِيث ... دَالٌّ عَلَى اِسْتِوَائِهِمْ فِي الْقِرَاءَة وَالتَّفَقُّه فِي الدِّين ... وعَنْ أَبِي قِلَابَةَ فِي هَذَا الْحَدِيث قَالَ (( وَكُنَّا يَوْمَئِذٍ مُتَقَارِبِينَ فِي الْعِلْم )) (1) ا.هـ
**قُلْتُ: ثُمَّ مِن الْمُهِم أَنْ نَعْلَم أَنَّ مَعَنَى الْأَقْرَأ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ لَيْسَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِد !!:
فَقَدْ قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْحِ فِي البَّابِ نَفْسِه:
__________
(1) فتح الباري (2 / 170) .(1/7)
تنبيه !!: ( وَقَوْله فِي حَدِيث أَبِي مَسْعُود " أَقْرَؤُهُمْ " قِيلَ الْمُرَاد بِهِ الْأَفْقَه وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِره ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ اِخْتَلَفَ الْفُقَهَاء . قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ أَصْحَابنََُا - أيْ : الشافعية- : الْأَفْقَه مُقَدَّم عَلَى الْأَقْرَأِ ، فَإِنَّ الَّذِي يُحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَة مَضْبُوط وَاَلَّذِي يُحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ الْفِقْه غَيْرُ مَضْبُوط ، فَقَدْ يَعْرِض فِي الصَّلَاة أَمْر لَا يَقْدِر عَلَى مُرَاعَاة الصَّلَاة فِيهِ إِلَّا كَامِل الْفِقْه ، وَلِهَذَا قَدَّمَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْر فِي الصَّلَاة عَلَى الْبَاقِينَ مَعَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - نَصَّ عَلَى أَنَّ غَيْره أَقْرَأُ مِنْهُ ، كَأَنَّهُ عَنَى حَدِيث أَقْرَؤُكُمْ "أُبَيٌّ " – يَعْنِى : أُبَى بن كَعْب- ... )
إِلَى أَنْ قَالَ : ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيم الْأَقْرَأ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُون عَارِفًا بِمَا يَتَعَيَّن مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَحْوَال الصَّلَاة ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ فَلَا يُقَدَّمُ اِتِّفَاقًا ، وَالسَّبَب فِيهِ أَنَّ أَهْل ذَلِكَ الْعَصْر كَانُوا يَعْرِفُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآن لِكَوْنِهِمْ أَهْل اللِّسَان ، فَالْأَقْرَأ مِنْهُمْ بَلْ الْقَارِئ كَانَ أَفْقَهَ فِي الدِّين مِنْ كَثِير مِنْ الْفُقَهَاء الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَهُمْ .. (1) أ.هـ
وَبَوَّب البُّخَارِى بَابَ : " أَهْلِ العِلْمِ والفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ " .
وَأوْرَدَ فِيهِ عِدَّة أَحَادِيث مِنْهَا: حَدِيث (( مُرُوا أَبَا بَكْر فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ)) (2) .
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ - رحمه الله - فِي فَتْحِ البَّارِى لَهُ :
__________
(1) فتح الباري (2 / 171) .
(2) صحيح البخاري (1 / 239) ط . البغا.(1/8)
استَدَل البُّخَارِي بهذا الحَدِيْث عَلَى أَنَّ أَهلَ الفَضْلِ والعِلْمِ أَحَق بِالْإِمَامَةِ مِن غَيْرِهِم ؛ فَإِنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر أَبَا بَكْر مِن بين الصَّحَابَة كُلهم بِالصَّلاَةِ بِالنَّاسِ ، ورُوجِعَ فِي ذَلِكَ مراراً وَهُوَ يِأْبَى إِلَّا تَقِديمه فِِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِه مِن الصَّحَابَة ، وَإِنَّمَا قَدَّمَه لِعِلْمِه وَفَضْلِه ؛ فَأَمَّا فَضْله عَلَى سَائِر الصَّحَابَة فهو مِمَّا اجْتَمَع عَلِيهِ أَهْل السُّنة والْجَمَاعَةِ ، وَأَمَّا عَلْمه فَكَذَلِكَ .(1) لَاحِظ !! أَنَّه لَمْ يَكُنْ أَكْثَرهم قُرْأَنًا كَمَا فِي الْحَدِيث .
وقد حكى أبو بَكْر ابن السَّمْعَانِي وغَيْره إجماع أهل السُّنة عَلِيهِ - أَيْضًا .
وهذا مِمَّا يَسْتَدِل بِهِ مَن قَالَ : أَنَّ الْأَفْقَه وَاْلَأعْلَم مُقَدَّم عَلَى الْأَقْرَأ ؛ فإنَّ أَُبِي بْن كعب كَانَ أقرأ الصَّحَابَة ، كما قَالَ عُمَر : "أَبُِي أقرؤنَا" ... ورُوِي عَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِن وُجُوهٍ ، أَنَّهُ قَالَ : (( أَقْرَأ أُمَّتِي لِكَتَابِ الله أَبِي بْن كَعْب ))(2) .
فَلَمَّا قَدَّم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْر عَلَى أَبِي بْن كعب فِي الصَّلاةِ بالنَّاسِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الأعلم والأفقه والأفضل مقدم عَلَى الأقرأ......أ.هـ
وقال الشوكانِى - رحمه الله - :
__________
(1) فتح الباري لابن رجب الحنبلي (5 / 63) .
(2) صحيح] أخرجه الترمذي (3719) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - .(1/9)
قَوْلُهُ : " وَأَحَقّهمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ " وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ " فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ : يُقَدَّمُ فِي الْإِمَامَةِ الْأَقْرَأُ عَلَى الْأَفْقَهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَابْنُ سِيرِينَ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةُ ، وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِمَا , وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُمَا وَالْهَادَوِيَّةُ : الْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَقْرَأ ...
قَالَ النَّوَوِيُّ: لِأَنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَضْبُوطٌ ، وَاَلَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْفِقْهِ غَيْر مَضْبُوطٍ ، وَقَدْ يَعْرِضُ فِي الصَّلَاةِ أَمْرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُرَاعَاةِ الصَّوَابِ فِيهِ إلَّا كَامِلُ الْفِقْهِ...وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ هُوَ الْأَفْقَهَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ - فى الحديث -: الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِهِ كَانَ أَقْرَؤُهُمْ أَفْقَهُهُمْ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسْلِمُونَ كِبَارًا وَيَتَفَقَّهُونَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَءُوا فَلَا يُوجَدُ قَارِئٌ مِنْهُمْ إلَّا وَهُوَ فَقِيهٌ ، وَقَدْ يُوجَدُ الْفَقِيهُ وَهُوَ لَيْسَ بِقَارِئٍ ... ) (1) أ. هـ
**وقد اختلف العلماء: هَلْ يُقَدَّم الْأَقرأ عَلَى الأفْقَه ، أم الأفقه عَلَى الأقرأ ؟
قَالَت طَائِفَة : يُقَدَّم الْأَفْقَه ، وَهُوَ قَوْلِ عَطَاء ، والثَّوْرِي ، ومَالِك ، والأوْزَاعِي ، والشَّافِعي ، وأبِي ثَور, وَقَالَ الليْثُ : يَؤمُّهُم أفضلهم وخَيْرهم ، ثُمَّ أقرؤهم ، ثُمَّ أسنهم .
__________
(1) نيل الأوطار ( 5 / 99) .(1/10)
وقالت طائفة : يُقَدَّم الْأَقْرَأ عَلَى الْأفقَه ، وحُكِيَ عَن الْأشْعَث بْن قَيْس ، وابْنِ سِيرين والثَّوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرَّأي ، حكاه عنهم ابن المنذر واختاره ...، ومَا حَكَيْنَاهُ عَن الثَّوري ، حكاه أصحابه عَنْهُ فِي كُتُبِهِم الْمُصَنَّفة عَلَى مذهبه ...، ونَصَّ أحمد عَلَى أَنَّهُ يُقَدَّم الأقرأ إذَا كَانَ يَعْرِفُ مَا يحتاج إليه فِي الصَّلاةِ مِن الفِقْهِ ، وكذلك قَالَ كثير مِن الْمُحققين مِن أصحَابِهِ ، وحَكَوا مَذْهبه عَلَى هَذَا الوجه.
واستدل من قدم الأقرأ بما خرجه مُسْلِم فِي (صحيحه ) من حَدِيْث أَبِي مَسْعُود الأنصاري ، عَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا فِي القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا فِي السنة سواء فأقدمهم هجرة".
وفي رِوَايَة لمسلم : "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة".
وأخرجه الحَاكِم ، وعنده " يؤم القوم أكثرهم قرآناً" وخرج مُسْلِم - أَيْضاً - من حَدِيْث أَبِي نضرة ، عَن أَبِي سَعِيد الْخُدرِيَّ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كانوا ثَلاَثَة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم " . أ .هـ
وأخرج البخاري من حَدِيْث عَمْرِو بْن سَلَمَة الجرمي ، عَن أَبِيه ، أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : "إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم ، وليؤمكم أكثركم قرآناً".
وخرج - أَيْضاً - من حَدِيْث ابن عُمَر ، قَالَ : " لما قدم المهاجرون الأولون قَبْلَ مقدم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يؤمهم سَالِم مَوْلَى أَبِي حذيفة ، وكان أكثرهم قرآناً" (وقد تقدم).
وأخَرْجَ الْإِمَام أَحْمَد مِن حَدِيْث أَبِي موسى الأشعري ، عَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : "يؤمكم أقرؤكم".(1/11)
*وَيَرَى الْحَنَابِلَة أَنَّ الَّذِي يُقَدَّم بناءً عَلَى النُّصُوص هُوَ الْأَقْرَأ ، بِمَعْنَى : الْأَكْثَر قُرءانًا , فَيُقَدَّم عَلَى الْأَفْقَه .
قَالَ ابن قُدَامَة :
لَا خِلَافَ فِي التَّقْدِيمِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ عَلَى غَيْرِهِمَا . وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّهِمَا يُقَدَّمُ عَلَى صَاحِبِهِ ؟ فَمَذْهَبُ أَحْمَدَ , رحمه الله ,
تَقْدِيمُ الْقَارِئِ .
وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ , وَالثَّوْرِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
تَقْدِيمُ الْأفقه .
وبهذا قال عَطَاء , وَمَالِك , وَالْأَوْزَاعِيّ , وَالشَّافِعِيّ , وَأَبُو ثَوْر .
فَقَالَ : يَؤُمُّهُمْ أَفْقَهُهُمْ إذَا كَانَ يَقْرَأُ مَا يَكْفِي فِي الصَّلَاةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَنُوبُهُ فِي الصَّلَاةِ مَا لَا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ فِيهِ إلَّا بِالْفِقْهِ , فَيَكُونُ أَوْلَى , كَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَالْحُكْمِ .
وَلَنَا مَا رَوَى أَوْسُ بْنُ ضَمْرَةَ , عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ , فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ , فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً , فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا - أَوْ قَالَ : " سِلْمًا " )).
وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إذَا اجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ , وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ )) . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ .(1/12)
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ : (( لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ , مَوْضِعٌ بِقُبَاءَ , كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ , وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا )) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ , وَأَبُو دَاوُد . وَكَانَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ .
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا )) .
وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ الْقَادِرُ عَلَيْهَا أَوْلَى , كَالْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ مَعَ الْعَاجِزِ عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَقْدِيمِ الْقَارِئِ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ كَانَ أَقْرَؤُهُمْ أَفْقَهَهُمْ , فَإِنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ تَعَلَّمُوا مَعَهُ أَحْكَامَهُ , قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كُنَّا لَا نُجَاوِزُ عَشْرَ آيَاتٍ حَتَّى نَعْرِفَ أَمْرَهَا , وَنَهْيَهَا , وَأَحْكَامَهَا .
قُلْنَا : اللَّفْظُ عَامُّ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِعُمُومِهِ دُونَ خُصُوصِ السَّبَبِ , وَلَا يُخَصُّ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِهِ , عَلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ مَا يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ )) .
فَفَاضَلَ بَيْنَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ مَعَ تَسَاوِيهِمْ فِي الْقِرَاءَةِ , وَلَوْ قَدَّمَ الْقَارِئَ لِزِيَادَةِ عِلْمٍ لَمَا نَقَلَهُمْ عِنْدَ التَّسَاوِي فِيهِ إلَى الْأَعْلَمِ بِالسُّنَّةِ .(1/13)
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ - هو من أئمة الحنابلة-: الْأَفْقَهُ أَوْلَى ; لِتَمَيُّزِهِ بِمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ (1) .
فَإِنْ اسْتَوَوْا - فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ - فأَكْبَرُهُمْ سِنًّا - وهو اختيار الْخِرقي – لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَصَاحِبِهِ : (( لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّ الْأَسَنَّ أَحَقُّ بِالتَّوْقِيرِ وَالتَّقْدِيمِ ، لقول النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ، وظَاهِر كَلام أحمد أنَّه يُقَدِّم أقدمهما هِجرة ثُمَّ أسنهما لِحَدِيث أبِي مَسْعُود .
وصَاحِب البيت وإِمَام الْمَسْجِد أَحق بالإمامة إلَّا أنْ يَكون بعضهم ذَا سُلْطَان مَتَى أقيمت الْجَمَاعة فِي بيت فَصَاحِبه أَوْلَى بالإمامة مِن غَيْرِه إِذَا كَانَ مِمَّن تَصِح إِمَامَته لِقَول النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (( وَلَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ , وَلَا فِي سُلْطَانِهِ , وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ )) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَعن مَالِك بْن الْحُوَيْرِثِ , عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - :(( مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ )) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
__________
(1) وهذا القول رده ابن قدامة بعد ما ساقه ، وقال :" وَهَذَا يُخَالِفُ عُمُومَ الْخَبَرِ , فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ".(1/14)
وَهَذَا قَول عَطَاء والشَّافِعي ، ولَا نَعْلُم فِيهِ خِلَافًا ، فإنْ كان فِي البيتِ ذو سلطان قُدِّم عَلَى صاحب البيت ؛ لأنَّ ولايته على البيت وصاحبه ... وقد رُوِيَ عن ابن عمر أنَّه أتى أرضًا له ، وعِنْدَها مَسْجِد يُصَلِّي فِيهِ مولى له فصلَّى ابن عمر معهم فسألوه أنْ يؤمهم فأَبَى ، وقال : صَاحِب الْمَسْجِد أَحَقْ ... ، وإِذَا قَدَّم الْمُسْتَحِق مِن هؤلاء لرجل في الإمامة جاز وصار بِمنزلة مَن أُذِنَ له فِي استحقاق التقدم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( إِلَّا بِإِذْنِه )) ولأنَّه حق له فجاز نقله إِلَى مَن شاء .
قال أحمد : قول النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ( وَلَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ , وَلَا فِي سُلْطَانِهِ , وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ )) أرجو أنْ يكون الإذن فِي الكُلِّ.
وقد تأول الشَّافِعِيّ وغيره هذه الأحاديث عَلَى أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّما خَاطَب أصحابه ، وكان أكثرهم قرآنًا أكثرهم فقهًا ؛ فإن قراءتهم كَانَتْ علماً وعملاً بخلاف من بعدهم ... إِلَى أنْ قَالَ:
وهذه المسألة لأصحابنا - أي : الحنابلة - فيها وجهان :
إِذَا اجتمع قارِئَان ، أحدهما أكثر قرآنًا ، والآخر أجود قراءةً ، فهل يُقَدَّم الأكثر قرآنًا عَلَى الأجود قِرَاءَة ، أم بالعَكس ؟ ... وأكثر الأحاديث تَدُل عَلى اعتبار كثرة القرآن (1). أ . هـ
وفِى التِرْمِذِىِّ مِن حَدِيث أَبَى مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ:
__________
(1) الشرح الكبير لابن قدامة (2 / 17) ، وما بعدها .(1/15)
(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ".
قَالَ أَبُو عِيسَى : وَحَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
قَالُوا : أَحَقُّ النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ، وَقَالُوا : صَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ ، وقَالَ بَعْضُهُمْ : إِذَا أَذِنَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ لَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَالُوا : السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ صَاحِبُ الْبَيْتِ .
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِذَا أَذِنَ فَأَرْجُو أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْكُلِّ ، وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا إِذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ .
قَالَ الْمُبَارَكْفُورِى فِي تُحْفَةِ الْأَحْوَذِى :(1/16)
( أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ ): قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَفْقَهُ ، وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ اِخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ , قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَقْرَأِ فَإِنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَضْبُوطٌ وَاَلَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ الْفِقْهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ ، فَقَدْ يَعْرِضُ فِي الصَّلَاةِ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُرَاعَاةِ الصَّلَاةِ فِيهِ إِلَّا كَامِلُ الْفِقْهِ ، وَلِهَذَا قَدَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبَاقِينَ مَعَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - نَصَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَقْرَأُ مِنْهُ كَأَنَّهُ عَنَى حَدِيثَ " أَقْرَؤُكُمْ أَبِيُّ " قَالَ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ هُوَ الْأَفْقَهَ اِنْتَهَى ..........الى ان قال .... قَالَ الْحَافِظُ : وَهُوَ وَاضِحٌ لِلْمُغَايِرَةِ ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ عَارِفًا بِمَا يَتَعَيَّنُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ فَلَا يُقَدَّمُ اِتِّفَاقًا وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الْعَصْرِ كَانُوا يَعْرِفُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ اللِّسَانِ فَالْأَقْرَأُ مِنْهُمْ بَلْ الْقَارِئ كَانَ أَفْقَهَ فِي الدِّينِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَهُمْ اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ ...(قلت وهذا الكلام تقدم ايراده).(1/17)
وَالْبَاقُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ يُخَالِفُونَنَا فِي هَذِهِ الْمُسْئِلَةِ وَيَقُولُونَ إِنَّ الْأَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَالِمِ كَمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعَ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ وَفَقِيهٌ يَحْفَظُ يَسِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ يُقَدَّمُ حَافِظُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ ، وَنَحْنُ نَقُولُ يُقَدَّمُ الْفَقِيهُ ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ أَعْلَمَهُمْ.
قال المباركفورى:
قُلْتُ : الْقَوْلُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ تَقْدِيمُ الْأَقْرَأِ عَلَى الْأَفْقَهِ وَقَدْ عَرَفْت فِي كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ حَيْثُ يَكُونُ عَارِفًا بِمَا يَتَعَيَّنُ مَعْرِفَتَهُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ " فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ " قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ بِهَا الْأَحَادِيثَ , فَالْأَعْلَمُ بِهَا كَانَ هُوَ الْأَفْقَهُ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ " فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً " أَيْ اِنْتِقَالًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَمَنْ هَاجَرَ أُوَلًا فَشَرَفُهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ هَاجَرَ بَعْدَهُ . قَالَ تَعَالَى : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ } الْآيَةَ . أ . هـ
وقَالَ في العُرْفِ الشَذِي للكَشْمِيرِي - بَابُ مَا جَاءَ فِي مَن أَحَق بِالإمَامَة :(1/18)
ومذهب أبي حنيفة : أن الأعلم مقدم ، ثم الأقرأ ، وعن أبي يوسف رواية عكس هذا ... وليعلم أن "الأقرأ" فى الحديث غير" الأقرأ" فى العرف فلا يكون حديث الباب وغيره متعلقاً بما في الفقه ، والأقرء في عرف الحديث هو الحافظ المقدار الزائد للقرآن ، وفي العرف هو العالم بالتجويد........ والاستدلال بأنه عليه الصلاة والسلام أخبر " أقرؤكم أبي بن كعب " ومع ذلك جعل الصدِّيق إماماً لكونه أعلمهم ، لما روي عن أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام خطب يوماً وقال : " إن الله خير عبداً بين الدنيا والآخرة فاختار العبد الآخرة " فبكى أبو بكر الصديق فتعجبنا من بكائه ، ثم علمنا أن ذلك العبد هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعلمنا أن أعلمنا أبو بكر الصديق ، وأشار البخاري إلى هذا. أ . هـ
وقال فى حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ (على النَّسائي) :
قَوْله ( قَدْ أَمَرَ أَبَا بَكْر أَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ )
فَلْيُتَأَمَّلْ وَأَنَّ الْعِلْم مُقَدَّم عَلَى الْأَقْرَأ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ أَبَا بَكْر دُون أُبَيّ مَعَ قَوْله "أَقْرَؤُكُمْ أُبَيّ" كَذَا قَالُوا . أ . هـ
وقَالَ المَنَّاوِيُّ فِي فَيْضِ القَدِيرِ شَرح الجَامِع الصَغِير:
فى الحديث "إذا سافرتم فليؤمكم أقرؤكم"...... الحديث ....... "أقرؤكم" يعني أفقهكم والأقرأ من الصحب كان هو الأفقه فلا حجة فيه لأبي حنيفة وأحمد في تقديم الأقرأ على الأفقه. أ . هـ(1/19)
** قُلْتُ :مِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّن لَنَا أَنَّ أَكْثَر أَهل العِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّ الْأَعْلَمَ هُوَ الْأَفْقَه ، بِشَرْطٍ أَنْ يَحْفَظ مَا يَكُون بِهِ قَارِئ لِلْقُرْأنِ , وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَن هُوَ أَكْثَر حِفْظًا مِنْهُ مِمَّا لَا يَفْقَه , وكَأَنَّهم يَرَوْنَ الْحِفْظ والفِقْه فَعِنْدَ التَّسَاوِى أَوْ القِلَة فِي الْحِفْظِ مَعَ وُجُودِ الفِقْهِ يُقَدَّم الْأَفْقَه ؛ لَأنَّ الفِقْهَ هُوَ الْمُحْتَاج إِلَيْهِ أَكْثَر مِن كَثْرَةِ الْحِفْظِ وَأَسُوقُ - فِي خِتَامِ هَذِهِ النُّقْطَة الْهَامَةِ مِن البَحْثِ – فَتْوَى مِن فَتَاوَى الْأَزْهَر .
السُّؤَال :
يَتَنَافَسُ بَعض الْمُصَلِين عَلَى أَنْ يَكُونَ إِمَامًا ، فَمَنْ أَحَقهم بِذَلك ؟!
الْجَوَاب:
بَعد الشُّروط التِي لَا تَصْلُح أيُّ صَلَاة بدونها ، وبَعد الشُّروط التى يَجِب أنْ تَتَوافَر فِيمَن يكون إمامًا مِثل : السلامة مِن الأعذار، وصِحَة القِرَاءَة ، وغير ذلك مِمَّا اشترطه الفقهاء ، هُنَاك أولويَّة لِمَن يَتَقَدَّم للإمامة ، جاء في حديث مسلم وغيره عَن أَبِى سعيد الخدري مرفوعًا (( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )) (1)
والْمُرَادُ بِـ الْأَقْرَأ : الْأَكثَرُ حِفْظًا للقُرآن ؛ لِمَا جَاء فِي حديث عمرو بن سلمة (( ليؤمكم أكثركم قرآنًا )) .
وفِي روايةِ أخرى لِمُسْلِم وغيره عن أبي مسعود مَرفوعًا (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنة ، فإن كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِنا، ولا يؤمَّن الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه )) .
وفى رواية : (( لا يؤمن الرجلُ الرجلَ فى أهله ولا سلطانه )) .
__________
(1) تقدم عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .(1/20)
فالسلطان وصاحب البيت أولى بالإمامة إلا إذا أذن لغيره بها ، ففي رواية أبى داود (( لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم )) .
وهو عام فيما إذا وجد مثله أو أفضل منه ، وترتيب من لهم الأولوية فيه خلاف للفقهاء ، لكن من المتفق عليه أن المتفقه في دينه ، العالم بأحكام الصلاة بالذات وحسن السيرة والمرضى عنه من قومه - ويجمع مع ذلك قراءة القرآن والعمل به - هو أولى من غيره ممن ليس له هذه المواصفات ، روى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال (( ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا، رجل أمَّ قوما وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وأخوان متصارمان )) .
إن الذي ينافس غيره على الإمامة يدخله العجب والزهو، وذلك يقلل من ثواب الصلاة إن لم يذهب به أصلا ، مع العلم بأن صلاة الجماعة ينال ثوابها كل من الإمام والمأمومين ، فلا فضل لأحد منهم على الآخر ، إلا بمقدار إخلاصه وخشوعه ) (1)
** ومن المهم هنا أيضا أن نعلم أن أئمة الصلاة لابد أن يكونوا من الخيار (أهل العدالة) عند الاختيار ( يعنى ما لم يُفرضوا على المأمومين) ومعنى ذلك أن الأئمة يكونوا من حملة القرآن ( أقراؤكم ) لكن عند وجود الأخيَر فى دينه يقدم على الأقرأ بشرط أن يكون عنده من القرآن ما يصير به إمام للصلاة ويدل على ذلك أمور منها:
ما سبق ذكره من تقديم أبى بكر للإمامة لانه خير الأمة على الاطلاق ومنه إختلافهم فى إمامة الفاسق (فاقد العدالة)
*قال فى شرح منتهى الإرادات
__________
(1) انظر : فتاوى الأزهر (9 / 111) .(1/21)
( وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ فَاسِقٍ مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِالِاعْتِقَادِ ، أَوْ بِالْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ? أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ?... وَسَوَاءٌ أَعْلَنَ فِسْقَهُ ، أَوْ أَخْفَاهُ ، وَتَصِحُّ خَلْفَ نَائِبِهِ الْعَدْلِ وَلَا يَؤُمَّ فَاسِقٌ فَاسِقًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ مُطْلَقًا وَمَنْ صَلَّى بِأُجْرَةٍ لَمْ يُصَلَّ خَلْفَهُ قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَإِنْ أَعْطَى بِلَا شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ(1).
قال ابن قدامة فى الشرح الكبير
والفاسق ينقسم على قسمين فاسق من جهة الاعتقاد وفاسق من جهة الافعال , فاما الفاسق من جهة الاعتقاد ( كالشيعي والقدري وما شابه) فمتى كان يُعْلِن ببِدعته وَيَتَكَلَّم بِهَا وَيدْعُو إِلَيْهَا ويُنَاظِر لَمْ تَصح إمامته ، وعلى مَن صَلَّى وراءه الإعادة .
قال أحمد : لَا يُصَلَّى خَلف أحد مِن أَهلِ الأهواء إِذَا كَانَ دَاعِيَة إِلَى هَوَاهُ ، وقَالَ : لَا تُصَلِّى خَلفَ الْمُرجِئ إِذَا كَانَ دَاعِيَة ، وقَالَ القَاضِي وكذلك إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا يَعْتَقِدها بالدليل كالْمُعْتَزِلَة والقَدَرِيَّة ، وغَيرها كالرَّافِضَة ؛ لأنَّهُم يَكْفُرُون بِبِدْعَتهم ، وإِنْ لَم يَكُن يُظْهِر بِدعَته ، فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ خَلْفه رِوَايَتَانِ :
أحداهما : تَجِبُ الْإِعَادَةُ كَالْمُعْلِن بِدْعَته ، ولَأَنَّ الكَافِر لَا تَصِح الصلاة خَلفه سواء أَظْهَر كُفْره أَوْ أَخْفَاهُ ، كَذِلِكَ الْمُبْتَدِع .
قَالَ أَحْمَد فِي رِوَايَة أَبِى الْحَارِث : لَا تُصَلِّي خَلْفَ مُرْجِئ ، وَلَا رَافِضِي ، وَلَا فَاسِق إِلَّا أَنْ يَخَافَهُم فَيُصَلِّي ثُمَّ يُعِيد .
__________
(1) 2 / ص 148) ، وما بعدها .(1/22)
وَقَالَ أَبُو دَاودَ : مَتَى صَلْيَتَ خَلْفَ مَن يَقُول : القُرآنُ مَخْلُوق فَأَعِد .
وَعَن مَالِك : لَا نُصَلِّي خَلْفَ أَهْلِ الْبِدَع .
(فصل)
وأَمَّا الفَاسِق مِن جِهَة الأعمال كَالزَّانِي والَّذِي يَشْرَب مَا يُسْكِره فَرُوِيَ عَنْهُ أنَّه لَا يُصَلِّى خَلْفه ؛ فَإِنَّه قَالَ : لَا تُصَلِّ خَلْفَ فَاجِر وَلَا فَاسِق .
وَقَالَ أَبُو دَاودَ : سَمِعْتُ أَحْمَد يُسأل عَن إِمَامٍ قَالَ : أُصَلِّي بِكُم رَمضَان بِكَذا وَكَذا دِرْهَمًا !!
قال : أَسْأَلُ الله العَافِيَة ، مَن يُصَلِّي خَلْفَ هَذَا ؟!!
وَرُوِيَ : لَا يُصَلَّى خَلفَ مَن لَا يُؤَدي الزَّكَاة ، ولَا يُصَلَّى خَلفَ مَن يُشَارِط ، وَلَا بَأس أنْ يُدفع إِلَيْه مِن غَيْرِ شَرط .
(فصل)
وَأمَّا الْجُمَع والأعياد فَتُصَلَّي خَلفَ كُلّ بَر وفَاجِر ، وَقَد كَانَ أَحْمَد يَشْهَدُهَا مَع الْمُعْتَزِلَة ... فَإِنْ كَانَ مِمَّن يُخْفِى بِدعته وفِسُوقه صَحَّت صَلَاته ؛ لَأَنَّ مَن يُصَلِّي خَلْفَه مَعْذُور... ) أ . هـ(1)
** قُلتُ : لَكِنْ يَنْبَغِي هُنَا التَّفْرِيق بَيْنَ الفَاسِق ذو السُّلطَان وَمَن لَيْسَ كَذَلِكَ :
قال الشَّوكانِى :
__________
(1) 2 / 23) ، وما بعدها .(1/23)
قَدْ ثَبَتَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مِنْ بَقِيَّة الصَّحَابَةِ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ إجْمَاعًا فِعْلِيًّا ، وَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُونَ قَوْلِيًّا ، عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ الْجَائِرِينَ ؛ لِأَنَّ الْأُمَرَاءَ فِي تِلْكَ الْأَعْصَارِ كَانُوا أَئِمَّةَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، فَكَانَ النَّاسُ لَا يَؤُمُّهُمْ إلَّا أُمَرَاؤُهُمْ فِي كُلّ بَلْدَةٍ فِيهَا أَمِيرٌ ، وَكَانَتْ الدَّوْلَةُ إذْ ذَاكَ لِبَنِي أُمَيَّةَ وَحَالُهُمْ وَحَالُ أُمَرَائِهِمْ لَا يَخْفَى , وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ , وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ : أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ صَلَّى خَلْفَ مَرْوَانَ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي قِصَّةِ تَقْدِيمِهِ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ ، وَإِخْرَاجِ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنْكَارِ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ , وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ تَوَاتُرًا : أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - (( أَخْبَرَ بِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْأُمَّةِ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ مِيتَةَ الْأَبَدَانِ وَيُصَلُّونَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَ تَأْمُرُنَا ؟ فَقَالَ : صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَ الْقَوْمِ نَافِلَةً )) .(1/24)
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ أَمَاتَ الصَّلَاةَ وَفَعَلَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا غَيْرُ عَدْلٍ , وَقَدْ أَذِنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ نَافِلَةً , وَلَا فَرْق بَيْنهَا وَبَيْنَ الْفَرِيضَةِ فِي ذَلِكَ...- إلى أنْ قال - : وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الْجَمَاعَةِ خَلْفَ مَنْ لَا عَدَالَةَ لَهُ وَأَمَّا أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ أ . هـ(1)
**ملحوظة هامة:
يَنْبَغِي أنْ يُعْلَم أنَّ العَدَالَة لَيْسَت شَرط فِي صِحَةِ الصَّلاةِ ولَا الْإِمَامَة ؛ لَأنَّ الشَّرط يَقْتَضِى عَدمه العَدَم , فَمَن صَلَّى خَلفَ الفَاسِق صَحَّت صَلَاته مَع الكَرَاهَة , وَأَنَّ كُلّ مَنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ صَحَّتْ لِغَيْرِهِ وَقَدْ اعْتَضَدَ هَذَا الْأَصْلُ بِإِجْمَاعِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ ، وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ مِنْ بَعْدِهِمْ بِهِ إِلَّا مَا جَاءَ عَن مَالِك وغيره ، لَكِن مَقَام الكلام مُتَعَلِّق باختيار الأئمة الذين يَصِيرون أئمتنا فِي الصلاة على الدَّوام ، لَا الصلاة وراءهم عَرَضًا فليتنبه لذلك !!
__________
(1) نيل الأوطار (5 / 114) ، وما بعدها.(1/25)
* قُلْتُ: ومِن أَجْوَد مَا يُحْتَج بِهِ عَلى الْمَنْع مِن تَقْدِيم مَن لَا عَدَالَة لَهُ فِي الْإِمَامَة مَا أَخْرَجَهُ أبو داود عَن أَبِي سهلة السَائِب بن خَلَّاد قَالَ أحمد مِن أصحاب النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - : ((أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ فَرَغَ لَا يُصَلِّي لَكُمْ فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ فَمَنَعُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )) (1)
قال فى الشرح الكبير (الموضع السابق):
(فصل)
فأمَّا الْمُخَالِفُون فِي الفُرُوع كالْمَذاهِب الأربع ، فالصلاة خلفهم جائِزَة صَحِيحَة غَير مَكْرُوهَة نص عليه , لأنَّ الصحابة والتابعين ومَن بَعْدِهم لَم يَزل بَعْضهم يُصَلِّي خَلفَ بَعْض مَع اختلافِهِم فِي الفُرُوع ، فَكاَن ذَلِكَ إِجَماعًا، وإنْ عُلِمَ أنَّه يَتْرُك رُكْنًا يَعْتَقِده الْمَأموم دُونَ الإمام فَظَاهِر كَلَام أَحْمَد صِحة الائتمام بِهِ.
(فصل)
وإِذَا أُقِيمت الصلاة والإنسان فِي الْمَسجِد والْإِمَام لَا يَصْلُح للإِمَامَة فإِنْ شَاءَ صَلَّى خَلْفه وَأَعَاد .
(مسألة)
(لَا تَصِح الصلاة خَلف كَافِر بِحَال !!)
وَلَا تَصِح الصلاة خَلْف كَافِر ... سَوَاء علم بِكُفْرِه قَبل فَرَاغِه مِن الصلاة ، أو بَعْدَ ذَلِك، وبِهَذا قَالَ الشَّافِعي وأصْحَابِ الرَّأي.
(فصل)
__________
(1) حسن] أخرجه أبو داود (407) من حديث السائب بن خلاد - رضي الله عنه - .(1/26)
إِذَا صَلَّى خَلفَ مَن يَشُك فِي إسلامه فَصَلاته صحيحة مَا لَم يبن كُفْرِه، ولأنَّ الظَّاهِر مِن الْمُصَلِين الإسلام ، وَلَا سِيَّما إِذا كَان إِمَامًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّن يُسْلِم تارة ، ويَرْتَد أخرى لَم يُصَلَّ خَلْفه حَتَّى يُعْلَم عَن أَيِّ دِين هُوَ !!
فإِنْ صَلَّى خَلفه ولَم يعلم مَا هُوَ عَلَيْهِ نَظَرْنَا ؛ فإِنْ كَانَ قَد عُلِمَ إسلامه قَبْل الصلاة ثُمَّ شك فِي رِدَتِهِ فَهُو مُسْلِم ، وإِنْ عُلِمَ رِدَته وشك فِي إسلامه لَم تَصِح الصلاة خَلفه.
(فصل)
وَلَا تَصِح إِمَامَة الأخرس بِغَير أخْرَس ؛ لأنَّه يَترك رُكْنًا وَهُوَ القِراءة تَرْكًا ميؤوسًا مِن زَوَالِه فَلَمْ تصح إمامته بِقَادِر عَلَيهِ .
(فصل)
فأمَّا الْأَصَم فَتِصِح إِمَامته ؛ لأنَّه لَا يَخِل بِشَئ مِن أفعَالِ الصلاة وَلَا شروطها .
(مسألة)
وَلَا تَصِح إِمَامَة مَن بِهِ سَلَس البول ، وَلَا عَاجِز عَن الرُّكُوع والسُّجود والقُّعود )
وَجُمَلة ذلك أنَّه لَا تَصِح إِمَامة مَن بِهِ سَلس البول ، وَمَن فِي مَعْنَاه ، وَلَا الْمُسْتَحَاضَة بِصَحِيح ؛ لأنَّهم يُصَلُّون مَع خروج النَّجَاسَة التِي يَحْصُل بها الحدث مِن غير طَهَارَة ... فأمَّا مَن عَلَيهِ النَّجَاسَة فإِنْ كَانَت على بَدَنِهِ فَتَيَمَّم لَهَا لعدم الْمَاء جَازَ للطَّاهِر الائتمام به كَمَا يَجُوز للمتوضئ الائتمام بالمتيمم للحَدَث ... وَيَصِح ائتمام كل واحد مِن هؤلاء بمثله.
قَالَ فِي الْمُنْتَقى - شرح الموطأ - :(1/27)
( فَرْعٌ ) وَمِنْ صِفَةِ الْإِمَامِ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ خَلْفَ الْعَبْدِ وَمِنْ صِفَاتِهِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا وَمِنْ صِفَاتِهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِحَّ إمَامَةُ الْفَاسِقِ... ) (1)
وقال أيضًا :
فِي الْمُنْتَقَى - شَرْح الْمُوطَأ
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَهَاهُ قَالَ مَالِك وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ.
__________
(1) 1 / 252) ، وما بعدها.(1/28)
( ش ) :اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَلَدِ الزِّنَا هَلْ يَكُونُ إمَامًا رَاتِبًا فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ فَإِنْ أَمَّ جَازَتْ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ......وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَكَمَالٍ يُنَافَسُ صَاحِبُهُ وَيُحْسَدُ عَلَى مَوْضِعِهِ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَيَسْتَشْرِفَ الطَّعْنَ وَالسَّبَّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَتَقَدُّمٍ عَلَى النَّاسِ فِي أَهَمِّ أَمْرِ الدِّينِ وَأَجَلِّ عِبَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ مِمَّا يَلْزَمُهُ الْخُلَفَاءُ وَيَقُومُ بِهِ الْأُمَرَاءُ وَالْإِمَامَةُ مَوْضِعُ شَرَفٍ وَرِفْعَةٍ وَعُلُوِّ مَنْزِلَةٍ فَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ لِذَلِكَ مَنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ النَّقَائِصِ الْمَرْذُولَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ إمَامًا لِنَقْصِهَا.(1/29)
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الْمَانِعَةَ مِنْ رُتْبَةِ الْإِمَامَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدِهِمَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَالثَّانِي يَمْنَعُ فَضِيلَتَهَا فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدِهَا الْأُنُوثَةُ وَالثَّانِيَةِ الصِّغَرُ وَعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَالثَّالِثَةِ نَقْصُ الدِّينِ ، فَأَمَّا الْأُنُوثَةُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَؤُمُّ رِجَالًا وَلَا نِسَاءً فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَرَوَى ابْنُ أَيْمَنَ عَنْ مَالِكٍ تَؤُمُّ النِّسَاءَ , وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا جِنْسُ وَصْفٍ فِي الشَّرْعِ بِنُقْصَانِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ فَلَمْ يَصِحَّ إمَامَتُهُ كَالْكَافِرِ , وَتَعَلَّقَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَزُورُ أُمَّ وَرَقَةِ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا لَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ.
( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ صَلَّى خَلْفَ امْرَأَةٍ أَعَادَ أَبَدًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا ائْتَمَّ بِمَنْ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ لِنَقْصِ دِينِهِ وَعَقْلِهِ كَالْكَافِرِ , وَفِي النَّوَازِلِ لِسَحْنُونٍ إِنْ كَانَ الْخُنْثَى مِمَّنْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الرِّجَالِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ.(1/30)
( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا الصِّغَرُ وَعَدَمُ التَّكْلِيفِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَؤُمُّ الصَّبِيُّ رِجَالًا وَلَا نِسَاءً فِي فَرِيضَةٍ , وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَمَّا النَّوَافِلُ فَالصِّبْيَانُ يَؤُمُّونَ النَّاسَ فِيهَا وَيَقُومُونَ فِي رَمَضَانَ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ , وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ إِنْ أَمَّ الصَّبِيُّ مَضَتْ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَجُزْ الِائْتِمَامُ بِهِ كَالْمَجْنُونِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي مُصْعَبٍ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ كُنَّا بِحَاضِرٍ يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ إِذَا أَتَوْا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا مَرُّوا بِنَا وَأَخْبَرُونَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ كَذَا وَقَالَ كَذَا وَكُنْت غُلَامًا حَافِظًا فَتَحَفَّظْت مِنْ ذَلِكَ قُرْآنًا كَثِيرًا فَانْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمْ الصَّلَاةَ وَقَالَ:" يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ " فَكُنْت أَؤُمُّ بِهِمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ...... ( وقد تقدم فى أول البحث).
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا النَّقْصُ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ فِسْقٌ أوَكُفْرٌ فَأَمَّا الْفِسْقُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا نَوْعَ فِسْقٍ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الْإِمَامَةَ كَالْكُفْرِ .(1/31)
( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ صَلَّى وَرَاءَ فَاسِقٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ قَالَ لِي الشَّيْخُ رحمه الله يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ الْأَبْهَرِيَّ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَمَا كَانَ فِسْقًا بِإِجْمَاعٍ أَعَادَ أَبَدًا وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ صَلَّى وَرَاءَ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَلَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ سَكْرَانَ وَلَكِنَّهُ مِمَّنْ يَشْرَبُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَلَيْسَ مِمَّنْ تُحَبُّ إمَامَتُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي الَّذِي تَوَلَّى إِلَيْهِ الطَّاعَةَ فَلَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ سَكْرَانَ , وَكَذَلِكَ قَالَ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَدْ خَالَفَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْهُ فَقَالَ لَا يُصَلَّى خَلْفَ عَاصِرِ الْخَمْرِ فَمَنْ صَلَّى وَرَاءَهُ لَمْ يُعِدْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفِسْقَ بِإِجْمَاعٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِمَامَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَضْلِ فِي الدِّينِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَتَمُّ دِينًا مِنْ الْفَاسِقِ وَمَنْ صَلَّى وَرَاءَهَا أَعَادَ أَبَدًا فَأَنْ يُعِيدَ مَنْ صَلَّى وَرَاءَ الْفَاسِقِ أَوْلَى وَأَحْرَى...
( بَاب مَا يَمْنَعُ فَضِيلَةَ الْإِمَامَةِ وَتُكْرَهُ مَعَهَا ) :(1/32)
وَأَمَّا مَا يَمْنَعُ فَضِيلَةَ الْإِمَامَةِ وَتُكْرَهُ مَعَهَا فَالنَّقَائِصُ الَّتِي تَمْنَعُ كَمَالَ الْفُرُوضِ أَوْ مَا يَقْرَبُ مِنْ الْأُنُوثَةِ وَالنَّقَائِصُ الَّتِي تَحُطُّ الْمَنْزِلَةَ وَتُسْرِعُ إِلَى صَاحِبِهَا الْأَلْسِنَةَ فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ كَمَالَ الْفُرُوضِ فَمِنْهُ الرِّقُّ فَيُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَؤُمُّ الْعَبْدُ الْأَحْرَارَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَقْرَأُ وَهُمْ لَا يَقْرَؤُنَ فَيَؤُمُّهُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَؤُمُّ الْعَبْدُ رَاتِبًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ نَاقِصُ الْفُرُوضِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلَا جُمْعَةٌ وَلَا زَكَاةٌ وَذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْإِمَامَةِ كَالْمَرْأَةِ لَمَّا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا الْجُمْعَةُ مُنِعَتْ إمَامَتُهَا وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَةَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَشَرَفٍ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا الرِّقُّ لِأَنَّهُ مِنْ النَّقَائِصِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْعَبْدَ سَالِمٌ مِنْ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ وَالْفِسْقِ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا كَالْحُرِّ (قلت وهو الأصح فالحر والعبد فى ذلك سواء).(1/33)
( مَسْأَلَةٌ )وَلَا يَؤُمُّ الْأَعْرَابِيُّ الْحَضَرِيِّينَ وَإِنْ كَانَ أَقْرَأَهُمْ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا - مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ - وَهُوَ جَهْلُهُ بِالسُّنَّةِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَوْضَحُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْتَدِيمُ نَقْصَ الْفَرَائِضِ وَالْفَضَائِلِ فَأَمَّا نَقْصُ الْفَرَائِضِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجُمْعَةِ وَأَمَّا نَقْصُ الْفَضَائِلِ فَلِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُ الْجَمَاعَاتِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَا يَقْرَبُ مِنْ الْأُنُوثَةِ فَكَالْخَصِيِّ لَا يَكُونُ إمَامًا وَإِنَّمَا قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَنَحَا بِهِ نَحْوَ التَّأْنِيثِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الْخَصِيُّ إمَامًا رَاتِبًا فِي الْجُمْعَةِ وَغَيْرِهَا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ حَالًا ظَاهِرًا فِي الْقُرْبِ مِنْ الْأُنُوثَةِ وَالْبَعْدِ عَنْ الذُّكُورَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلْأُنُوثَةِ تَأْثِيرًا فِي مَنْعِ الْإِمَامَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْعِنِّينِ فَإِنَّ حَالَهُ لَيْسَ مِمَّا يَقْرَبُ مِنْ الْأُنُوثَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي إِنَّ قَطْعَ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الِائْتِمَامِ كَقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا النَّقَائِصُ الَّتِي تُسْرِعُ إِلَى أَصْحَابِهَا الْأَلْسِنَةَ وَتُكْثِرُ فِيهِمْ الْمَقَالَةَ فَكَوَلَدِ الزِّنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ .(1/34)
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَا كَانَ نَقْصًا فِي الْخِلْقَةِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ الْعُضْوُ النَّاقِصُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ أَوْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا وَلَا يَقْرَبُ مِنْ الْأُنُوثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ وَلَا فَضِيلَتَهَا كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا تَعَلُّقَ فَضِيلَةٍ كَالْيَدِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا فَضِيلَةُ السُّجُودِ وَغَيْرِهَا فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِائْتِمَامِ بِهِ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَا أَرَى أَنْ يَؤُمَّ الْأَقْطَعُ وَإِنْ حَسُنَتْ حَالُهُ وَلَا الْأَشَلُّ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا نَقَصَ مِنْ خَلْقِهِ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَلَا يُمْنَعُ الِائْتِمَامُ بِهِ كَالْعَمَى وَالصَّمَمِ. أ . هـ (1)
وفي البحر الرائِق شرح كنز الدقائق
__________
(1) 1 / 315) ، وما بعدها .(1/35)
( قَوْلُهُ وَالْأَعْلَمُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ ) أَيْ أَوْلَى بِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَعْلُومَ وَفَسَّرَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدُهَا ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالْفِقْهِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَيَقْرَبُ مِنْهُ الثَّانِي ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَوَّلِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْفِقْهِ غَيْرَ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ أَكْثَرِهِمْ الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ لَمْ تُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ السُّنَّةِ ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْكِتَابِ فَمُجْمَلَةٌ وَقَدَّمَ أَبُو يُوسُفَ الْأَقْرَأَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ } وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ أَقْرَأَهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَقَدَّمْنَا الْأَعْلَمَ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ يُفْتَقَرُ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَالْعِلْمَ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْمَذْهَبِ حَدِيثُ { مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ } وَكَانَ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ(1/36)
وَالسَّلَامُ { أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ } وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا وَهَذَا آخِرُ الْأَمْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَكْثَرُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَعْلَمِ فَإِنْ كَانَ مُتَبَحِّرًا فِي عِلْمِ الصَّلَاةِ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ فَهُوَ أَوْلَى ... وَقَيَّدَ فِي الْمُجْتَبَى الْأَعْلَمَ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَرِعًا وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِغَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ ، وَأَمَّا الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ وَقَيَّدَ الشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا مِنْ الْقُرْآنِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ وَالْوَاجِبِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ لَا تَأْبَاهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِالتَّرْكِ وَيُوَرِّثُ النُّقْصَانَ فِي الصَّلَاةِ .(1/37)
( قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَقْرَأُ ) مُحْتَمِلٌ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَحْفَظُهُمْ لِلْقُرْآنِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ ، الثَّانِي أَحْسَنَهُمْ تِلَاوَةً لِلْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ تَجْوِيدِ قِرَاءَتِهِ وَتَرْتِيلِهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَوْرَعُ ) أَيْ الْأَكْثَرُ اجْتِنَابًا لِلشُّبُهَاتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى أَنَّ الْوَرَعَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ وَالتَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ.......الى أن قال ( قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَسَنُّ ) لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ { أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ وَلِصَاحِبٍ لَهُ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا } وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْهِجْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةً وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَنِّ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ قَوْلِهِ { فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا } فَعَلَى هَذَا لَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي تَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ عَلَى الْأَسَنِّ وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ ، وَفِي الْمُحِيطِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ : وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ وَالْآخَرُ أَوْرَعَ فَالْأَكْبَرُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِسْقٌ ظَاهِرٌ ......وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُمَا(1/38)
لَوْ اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الْفَضَائِلِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَقْدَمُ وَرَعًا قُدِّمَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْأَرْبَعَةِ أَعْنِي الْعِلْمَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْوَرَعَ وَالسِّنَّ وَقَدْ ذَكَرُوا أَوْصَافًا أُخَرَ فَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قَالُوا أَحْسَنُهُمَا خُلُقًا أَوْلَى .ا . هـ . (1)
**بعض الفوائد والمسائل المتعلقة بالإمامة:
منها: قال ابن قدامة
(ويصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم بغير خلاف نعلمه لأنَّ عمرو بن العاص صلَّى بأصحابه متيممًا ، وبلغ ذلك النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكره، وأمَّ ابن عباس أصحابه متيممًا وفيهم عمار بن ياسر في نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكروه ولان طهارته صحيحة أشبه المتوضئ..) (2)
وقال فى شرح منتهى الإرادات (3)
( وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ مُسْتَمِرٌّ ) كَرُعَافٍ وَسَلَسٍ وَجُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ أَوْ دُودُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ فِي صَلَاتِهِ خَلَلًا غَيْرَ مَجْبُورٍ بِبَدَلٍ وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ ...
__________
(1) 3 / ص 389) ، وما بعدها .
(2) الشرح الكبير ( 1/ 41 ) ، وما بعدها.
(3) 2 / 155) .(1/39)
وقال ابن قدامة في الموضع السابق ... ولا تصح امامة العاجز عن شئ من أركان الافعال كالعاجز عن الركوع والسجود بالقادر عليه سواء كان امام الحي أو لم يكن، وبه قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي يجوز لانه فعل اجازه المرض أشبه القاعد يؤم بالقيام (قلت وهو الصحيح) , ولنا انه أخل بركن لا يسقط في النافلة فلم يجز الائتمام به للقادر عليه كالقارئ بالأمي وأما القيام فهو أخف بدليل سقوطه في النافلة ولان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المصلين خلف الجالس بالجلوس ، ولا خلاف ان المصلي خلف المضطجع لا يضطجع فأما إن أم مثله فقياس المذهب صحته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -صلى بأصحابه في المطر بالإيماء ... ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " متفق عليه، وعن عائشة قالت:" صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وهو شاك ( أى يشتكى من مرض) فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: " انما جعل الامام ليؤتم به فادا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلو جلوسا أجمعون " {أخرجه البخاري} قال ابن عبد البر روي هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق متواترة من حديث أنس وجابر وأبي هريرة وابن عمر وعائشة كلها باسانيد صحيحة......(1/40)
(مسألة) فإن ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياما لان أبا بكر حين ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتم الصلاة بهم جالسا أتموا قياما ولم يجلسوا ولان القيام هو الاصل فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر عليه ( قلت وهذا هو الراجح كما ذكره أكثر أهل العلم في مواضع كثيرة وهو أن يبدأ الإمام الصلاة قائما ثم يجلس فيصلى المأمومون خلفه قياما... (راجع كلام ابن حجر في الفتح عند شرحه لحديث إمامة أبى بكر).
قال في شرح منتهى الإرادات (1) :
( وَإِنْ اعْتَلَّ ) الْإِمَامُ ( فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( فَجَلَسَ ) بَعْدَ أَنْ ابْتَدَأَهَا قَائِمًا ( أَتَمُّوا ) خَلْفَهُ ( قِيَامًا ) لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - " صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا " "مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ" وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ابْتَدَأَ بِهِمْ الصَّلَاةَ قَائِمًا كَمَا أَجَابَ بِهِ أَحْمَدُ فَوَجَبَ أَنْ يُتِمُّوهَا كَذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ ، أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هُوَ الْإِمَامُ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ .
__________
(1) 2 / 158) ، وما بعدها .(1/41)
(مسألة) ولا تصح إمامة محدث ولا نجس يعلم ذلك فان جهل هو والمأموم حتى قضوا الصلاة صحت صلاة المأموم وحده , ومتى أخل بشرط الصلاة مع القدرة عليه لم تصح صلاته لإخلاله بالشرط فإن صلى محدثًا وجهل الحدث هو والمأموم حتى قضوا الصلاة فصلاة المأمومين صحيحة وصلاة الإمام باطلة وروي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم ، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير ، ومالك ، والاوزاعي ، والشافعي وعن علي أنهم يعيدون جميعا وبه . قال ابن نصر والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه لأنه صلى بهم محدثًا أشبه ما لو علم , ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فروي أن عمر صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء فوجد في ثوبه احتلامًا فأعاد ولم يعد النَّاس ، وعن عثمان أنه صلى بالنَّاس صلاة الفجر فلما أصبح وارتفع النهار إذا هو بأثر الجنابة فقال كبُرت والله كبُرت والله , وأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا ، وعن ابن عمر نحو ذلك ... ولأن الحدث مما يخفي ولا سبيل إلى معرفته من الإمام للمأموم فكان معذورًا في الاقتداء به , ويفارق ما إذا علم الإمام حدث نفسه لأنَّه يكون مستهزئًا بالصلاة فاعلًا ما لا يحل ، وإذا علمه المأموم لم يعذر في الاقتداء به ... فإن عَلِمَ حدث نفسه في الصلاة أو علم المأمومون لزمهم استئناف الصلاة ... وقال الأثرم سألت أبا عبد الله: رجل صلى بقوم على غير طهارة بعض الصلاة فذكر؟ قال يعجبني أن يبتدئوا الصلاة قلت يقول لهم استأنفوا الصلاة؟ قال لا ولكن ينصرف ويتكلم ويبتدئون الصلاة ... ويختص البطلان بمن علم دون من جهل لانه معنى مبطل اختص به فاختص بالبطلان كحدث نفسه.
وقال ابن حزم في المحلى:
مسألة (رقم 489) ومن صلى جنباً أو على غير وضوء عمدا أو نسيانا فصلاة من ائتم به صحيحة تامة ، إلا أن يكون قد علم ذلك يقينا فلا صلاة له...
وفي الشرح الكبير أيضا:(1/42)
فإن اختل غير ذلك من الشروط في حق الإمام كالستارة (أي : سترة المصلى للعورات) واستقبال القبلة لم يعف عنه في حق المأموم لان ذلك لا يخفى غالبا بخلاف الحدث والنجاسة ، وكذا إن فسدت صلاته لترك ركن فسدت صلاتهم نص عليه أحمد فيمن ترك القراءة ( أي : الفاتحة ) يعيد ويعيدون وكذلك لو ترك تكبيرة الإحرام .... ولا تصح إمامة الأمي وهو من لا يحسن الفاتحة أو يدغم حرفا أو يلحن لحنا يحيل المعنى إلا بمثله..... فان صلى القارئ خلف من لا يعلم حاله في صلاة الإسرار صحت صلاته لأن الظاهر أنه إنما يتقدم من يحسن القراءة ... ولو أسر في صلاة الإسرار ثم قال ما كنت قرأت الفاتحة لزمه ومن وراءه الإعادة ، لأنه روي عن عمر انه صلى بهم المغرب فلما سلم قال ما سمعتموني قرأت قالوا لا قال فما قرأت في نفسي فأعاد بهم الصلاة.....وإذا كان رجلان لا يحسنان الفاتحة أو أحدهما يحسن سبع آيات من غيرها والآخر لا يحسن شيئا فلكل واحد منهما الائتمام بالآخر لأنهما أُميان والمستحب تقديم من يحسن السبع آيات لأنه أقرأ ، وعلى هذا كل من لا يحسن الفاتحة يجوز أن يؤم من لا يحسنها سواء استويا في الجهل أو تفاوتا فيه ... وتكره إمامة اللَّحان ، والفأفاء الذي يكرر الفاء والتمتام الذي يكرر القاف ، ومن لا يفصح ببعض الحروف ... وتكره إمامة اللحان الذي لا يحيل المعنى نص عليه وتصح صلاته بمن لا يلحن لأنه أتى بفرض القراءة فان أحال المعنى في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده فيبطل صلاتهما، ومن لا يفصح ببعض الحروف كالقاف والضاد فقال القاضي تكره إمامته وتصح أعجميًا كان أو عربيًا , وقيل فمن قرأ ولا الضالين بالظاء لا تصح صلاته لأنَّه يحيل المعنى.....
وفي شرح منتهى الإرادات(1/43)
( وَ ) تَصِحُّ خَلْفَ ( كَثِيرِ لَحْنٍ لَمْ يُحِلْ الْمَعْنَى ) كَجَرِّ دَالِ الْحَمْدِ ، وَضَمِّ هَاءِ لِلَّهِ ، وَنَحْوِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُؤْتَمُّ مِثْلَهُ ، أَوْ كَانَ لَا يَلْحَنُ لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ بَاقٍ ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، كَمَا يَأْتِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَثِيرَ اللَّحْنِ لَمْ يُكْرَهْ كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ يَسِيرًا إذْ قَلَّ مَنْ يَخْلُو مِنْ ذَلِكَ وَيَحْرُمُ تَعَمُّدُه ُ... أما اللحن الذى يُغَيِّرُ ( الْمَعْنَى ، عَجْزًا عَنْ إصْلَاحِهِ ) كَكَسْرِ كَافِ " إيَّاكَ " وَضَمِّ تَاءِ " أَنْعَمْتَ " ، أَوْ كَسْرِهَا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ ( إلَّا بِمِثْلِهِ ) فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ عَاجِزٍ عَنْ نِصْفِ الْفَاتِحَةِ الْأَوَّلِ بِعَاجِزٍ عَنْ نِصْفِهَا الْأَخِيرِ وَلَا عَكْسُهُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا لَكِنْ أَحْسَنَ بِقَدْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْتَمَّ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْهُ ... وْ اللَّحْنَ الْمُحِيلَ لِلْمَعْنَى لوْ قَدَرَ أُمِّيٌّ عَلَى إصْلَاحِهِ فَتَرَكَهُ أَوْ زَادَ مَنْ يُدْغِمُ ، أَوْ يُبَدِّلُ ، أَوْ يَلْحَنُ كَذَلِكَ في الْفَاتِحَةِ ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ إصْلَاحِهِ عَمْدًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْكَلَامِ ... قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ ...
وَإِنْ أَحَالَ اللَّحْنُ الْمَعْنَى فِيمَا زَادَ عَلَى فَرْضِ قِرَاءَةٍ سَهْوًا ، أَوْ جَهْلًا ، أَوْ لِآفَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ . (1)
وقال ابن قدامة في الشرح الكبير (الموضع السابق):
__________
(1) 2 / 151) ، وما بعدها .(1/44)
ويكره أن يؤم رجل نساء أجانب لا رجل معهن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية ، ولا بأس أن يؤم ذوات محارمه ، وأنْ يؤم النساء مع الرجل فقد كنَّ النساء يشهدن مع النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وقد أمَّ أنساً واليتيم وأمه ... ويُكره أنْ يؤم قومًا أكثرهم له كارهون لِمَا روى أبو أمامة قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ )) (1) .
قال أحمد : إذا كرهه اثنان أو ثلاثة فلا بأس حَتَّى يَكرهه أكثرهم ، فإنْ كان ذَا دِين وسُنَّة فكرهه القوم لذلك لَم تُكْرَه إمامته ... فأمَّا صلاة الْمُتَنَفِّل خلف المفترض فلا نعلم في صحتها خلافًا ، وقد دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( أَلَا رَجُل يَتَصَدَّق عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَه))(2) ولأن معاذاً ((كَانَ يُصَلِّي مع النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَرْجِع فَيُصَلِّي بِقَوْمِه تِلك الصَّلاة ))(3) .
__________
(1) حسن] أخرجه الترمذي (360) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - . وحسنه الشيخ الألباني كما في صحيح الجامع ( 3057 ) .
(2) صحيح] أحمد (3 / 5 ) ، وأبو داود (487) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، وصححه الشيخ الألباني في الإرواء ( 2/316 ) .
(3) صحيح] أخرجه البخاري (711) ، ومسلم (465) من حديث معاذ - رضي الله عنه - .(1/45)
ويصح ائتمام مَن يصلي الظهر بِمَن يصلي العصر ، وكذلك صلاة العشاء خلف مَن يصلي التراويح ... ويصح ائتمام مُؤَدي الصلاة بِمن يقضيها : مثل أنْ يَكون عَلَيه ظهر أمس فأراد قضاءها فائتم به رجل عليه ظهر اليوم ... ومن صلى الفجر - أيْ : صلاها قبل وقتها- ثُمَّ شَك هل طلع الفجر أو لا لزمته الإعادة ! وله أن يؤم فيها من لَم يُصَلِّ ... ولو فاتت المأموم ركعة فصلى الإمام خمسًا ساهيًا ، فقال ابن عقيل : لا يعتد المأموم بالخامسة لأنها سهو وغلط ... ثُم إنْ كانَت نفلًا فقد ذكرنا أن الصحيح صحة الائتمام فيه قُلْتُ : يَصِحُ بناءً على ذَلِكَ صَلاة الوتر واحدةً ، أو اثنتين وواحدة ، أو ثلاثة مجتمعة خلف الإمام الذي لم يُبَين صفة ما يُصَلِّي فِي الوتر في قيام رمضان ونحوه.
(مسألة) ولا تصح أمامة المرأة والْخُنْثَى للرجال :
لا يصح أن يأتم رجل بامرأة في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء , وقال أبو ثور لا إعادة على المصلي خلفها وقال بعض أصحابنا يجوز أن تؤم الرجال في التراويح وتكون وراءهم لما روي عن أم ورقة بنت الحارث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا )) (1) .
وهذا عام ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا وَلَا يَؤُمَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا وَلَا يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ )) (2).
قلت : هذا حديث ضعيف .
__________
(1) حسن] أخرجه أبو داود (591) من حديث أم ورقة رضي الله عنها، وحسنه الشيخ الألباني كما في الإرواء (2/255 ) .
(2) ضعيف] أخرجه ابن ماجه ( 1081) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، وضعفه الألباني في الإرواء (2/303). ...(1/46)
ولأنها لا تؤذن للرجال فلم يجز أن تؤمهم كالمجنون وحديث أم ورقة إنما أذِنَ لها أن تؤم بنساء أهل الدار ، كذلك رواه الدار قطني ، وهذه زيادة يجب قبولها ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الحديث عليه ، وذلك لأنَّه أذِنَ لها أن تؤم في الفرائض بدليل أنه جعل لها مؤذنًا والأذان إنمَّا يشرع في الفرائض ، ولا خلاف في المذهب أنهَّا لا تؤمهم في الفرائض فالتخصيص بالتروايح تَحَكُّم بغير دليل، ولو ثبت ذلك لأم ورقة لكان خاصاً بها بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة فتختص بالإمامة .
فائدة: المرأة إذا قامت في صف الرجال لم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها..أ . هـ
** قلت : كما يحصل في الصلاة في الْحَرَم .
وقال ابن حزم في المحلى :
مسألة (رقم 491): وصلاة المرأة بالنساء جائزة، ولايجوز أن تؤم الرجال، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، إلا أن أبا حنيفة كَرِهَ ذلك وأجاز ذلك ، وقال الشافعي: بل هي السُّنة ، ومنع مالك مِن ذلك .
قال ابن حزم : أمَّا منعهن من إمامة الرجال فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنَّ المرأة تقطع صلاة الرجل .
** قلتُ :يريد حديث: (( إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ .
قُلْتُ : يَا أَبَا ذَرٍّ ! مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ ؟
قَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ))(1) .
__________
(1) صحيح] أخرجه مسلم (510) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - .(1/47)
وأن موقفها في الصلاة خلف الرجال ، والإمام لا بُدَّ له من التقدم أمام المؤتمين ، أو من الوقوف عن يسار المأموم إذا لم يكن معه غيره ، فلو تقدمت المرأة أمام الرجل لقطعت صلاته وصلاتها، وكذلك لو صلت إلى جنبه ، لتعديها المكان الذي أمرت به ، فقد صلت بخلاف ما أُمرت , وأما إمامتها النساء فإن المرأة لا تقطع صلاة المرأة إذا صلت أمامها أو إلى جنبها، ولم يأت بالمنع من ذلك قرآن ولا سُنَّة ، وهو فعل خير وقد قال تعالى: ? وَافْعَلُوا الْخَيْرَ?[الحج: 77] وهو تعاون على البر والتقوى , وكذلك إن أذَن وأقَمن فهو حسن لما ذكرنا .
عن ريطة الحنفية: أن عائشة أم المؤمنين أمتهن في الفريضة , وعن تميمة بنت سلمة عن عائشة أم المؤمنين: أنها أمت النساء في صلاة المغرب فقامت وسطهن وجهرت بالقراءة , وعن قتادة أن أم الحسن بن أبى الحسن حدثتهم: أن أم سلمة أم المؤمنين كانت تؤمهن في رمضان وتقوم معهن في الصف .
وعن عطاء قال: تقيم المرأةُ لنفسها , وقال طاووس:كانت عائشة أم المؤمنين تؤذن وتقيم.
وعن حجيرة بنت حصين قالت: أمتنا أم سلمة أم المؤمنين في صلاة العصر وقامت بيننا.
وعن ابن عباس: تؤم المرأة النساء وتقوم وسطهن , وعن ابن عمر: أنه كان يأمر جارية له تؤم نساءه في رمضان , وعن عطاء ومجاهد والحسن جواز إمامة المرأة للنساء في الفريضة والتطوع وتقوم وسطهن في الصف ... قال علي: ما نعلم لمنعها من التقدم حجة أصلا ، وحكمها عندنا التقدم أمام النساء وما نعلم لمن منع من إمامتها النساء حجة أصلا ، لاسيما وهو قول جماعة من الصحابة كما أوردنا، لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضى الله عنهم أصلا.أ . هـ(1/48)
وبعد فهذه بعض المسائل والفوائد في موضوع إمامة الصلاة أسأل الله أن يجعل فيها نفع لي ولجميع المسلمين , وعلى كل من وجد نفع أن يحمد الله وحده فهو صاحب الفضل أولا وأخيراً , ثم يدعوا الله بالخير والقبول لى وله ولسائر المؤمنين , ومن وجد غير ذلك فليستر ويستغفر وينصح ، ولله الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين
سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليه
وكتبه راجي عفو ربه الغفور
د . السَّيدُ الْعَرَبِيّ بْنِ كَمَال
حَرَّرَهُ فِي :
فهرس(1/49)