بسم الله الرحمن الرحيم
…
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } أما بعد:
الزواج العرفي من المشكلات الخطيرة التي طرحت نفسها بقوة علي الساحة وخصوصاً في الآونة الأخيرة بعد أن أصبحت ظاهرة تفشت وعمَّت وطمَّت في فئات المجتمع المختلفة .
ومشكلة الزواج العرفي اقتربت من أن تكون كارثة أخلاقية وتشريعية واجتماعية لما تخلفه من آثار خطيرة علي الزوجة باعتبارها الضحية الأولى من هذا الزواج وعلى المجتمع أيضاً ، وازداد الإحساس بخطرها عندما تفشت بين طلاب وطالبات الجامعة وكأن الأمر لا شيء فيه ......
فلقد كنا نسمع عن هذه المشكلة في أوساط اجتماعية خاصة كرجال الأعمال والفنانين والفنانات ثم بدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم بين طلاب وطالبات الجامعة.
فما أسهل أن يتفق الطالب مع زميلته في الكلية على الزواج عرفياً في السر دون علم الأهل ثم يقوما بكتابة ورقة عرفية يوقع عليها شاهدان من زملائهما في الجامعة وبذلك يعتقدان ( خطأ ) أن زواجهما العرفي أصبح حلالاً شرعاً.(1/1)
ونظراً لجهل الكثير ممن قَدِموا علي هذا الزواج خاصة الشباب المراهق من طلاب وطالبات الجامعة بحقيقة هذا الزواج والحكم الشرعي الصحيح له بسبب ثقافتهم الدينية المتدنية وبسبب اعتمادهم على رأي بعيد عن الصواب مما أوجد لهم مبرراً وتكأة للإقدام على هذا الزواج .
وسنبين بمشيئة الله في هذا البحث حكم الزواج العرفي وموقف الشرع منه ...........
? الزواج العرفي في ميزان الشرع
بدايةً هناك أصول يجب الوقوف عليها : أن الزواج الشرعي له أركان وشروط :
* أولاً: أركان الزواج الشرعي
وهي صيغة العقد…
* قال ابن قدامة كما في ( المغني 7 / 428)
وإذا قال الخاطب للولي أزوجت ؟
فقال : نعم
وقال للزوج أقبلت ؟
قال : نعم
فقد أنعقد النكاح إذا حضره الشاهدان .
* قال الشافعي
لا تنعقد حتى يقول معه زَوَّجتك ابنتي ، ويقول الزوج قبلتُ هذا التزويج لأن هذين ركنا العقد ولا ينعقد بدونهما .
? وينعقد الزواج بكل لفظ دلَّ عليه لا يختص بلفظ الإنكاح والتزويج .
* قال ابن تيمية( رحمه الله) في ( مجموع الفتاوى 20 / 513)
والتحقيق : أن المتعاقدين إن عَرِفا المقصود .. فأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدين مقصودهما انعقد به العقد .
- فأصبح قولي العلماء أنه ينعقد بكل لفظ يدل عليه لا يختص بلفظ الإنكاح والتزويج وهذا مذهب جمهور العلماء .
* ثانياً : شروط صحة عقد النكاح
لصحة الزواج لبد من وجود شروط وانتفاء موانع حتى يُعتد بعقد الزواج وتترتب عليه الحقوق والأحكام .
وتكلمنا فيما سبق عن الموانع من نسب أو رضاع أو مصاهرة وهذا أوان الشروع في الكلام عن شروط صحة عقد النكاح وهي التي يتوقف عليها صحة عقد النكاح وترتب آثاره عليه ويبطل العقد بتخلف أحدهما وهذه الشروط هي :
1) موافقة الولي على الزواج
? الولي: هو الذي يلي عقد النكاح علي المرأة ولا يدعها تستبد بالعقد دونه .(1/2)
وقد ذهب الجماهير من السلف والخلف ( منهم : عمر وعليًّ وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة ( ) ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والثوري وأهل الظاهر إلي :
أن الولي شرط لصحة النكاح
فإذا زوجت المرأة نفسها فنكاحها باطل واستدلوا بما يلي :
? النصوص القرآنية التي جعلت أمر التزويج والإعضال إلي الرجال ومنها :
1. قوله تعالي : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } ( النور 32 )
فخاطب الرجال بإنكاح الأيامى ولو كان التزويج عائد إلي النساء لما وجه الخطاب للرجال .
- واستشهد البخاري بهذه الآية في صحيحه من ( كتاب النكاح 9 / 182 باب لا نكاح إلا بولي )
- واستدل البغوي ( رحمه الله) كما في ( شرح السنة 9 / 38) علي رد النكاح بغير ولي .
* قال القرطبي ( رحمه الله) في تفسيره
وفي هذا دليل على أن المرأة ليس لها أن تنكح نفسها بغير ولي وهو قول أكثر العلماء .
2. قوله تعالى : { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ }
مع قوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } ( البقرة 221 )
* قال إمام المفسرين وشيخ المحدثين ابن جرير الطبري ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية (2/379)
هذا القول من الله تعالى ذكره دلالة على أن أولياء المرأة أحق بتزويجها من المرأة .
* قال الإمام القرطبي ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية (3/72)
في هذه الآية دليل بالنص على أنه لا نكاح إلا بولي .
* قال ابن عطية ( رحمه الله) ت 541 في تفسير هذه الآية ( 2/248)
إن الولاية في النكاح نص في لفظ هذه الآية .
* قال أبو بكر بن العربي ( رحمه الله) في ( أحكام القرآن 1/158)
قال محمد بن علي بن حسين : النكاح بولي في كتاب الله تعالى ثم قرأ { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ }
وهي مسألة بدعية ودلالة صحيحة .
* قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية ( 1/ 164)(1/3)
دليل على اعتبار الولي في النكاح :
فإن قليلاً من التدبر في ورود الفعل المضارع " تنكحوا " مرتين في الآية بصورة مختلفة عن الأخرى لهو القول الفصل في هذا الشأن وليس بعد قول الله تعالى قول .
فقد جاء الفعل " تنكحوا " وماضيه " نكح " وبعده " المشركات" فكأنه يخاطب الذين يريدون الزواج ألا يتزوجوا المشركات حتى يؤمن .
وأما في المرة الثانية :
فإنه لا يخاطب الزوجات ولكنه يخاطب الأولياء ، ذلك لأن وروده في المرة الثانية جاء وقد ضُم فيه حرف المُضارعة التاء " تنكحوا " وماضيه " أنكح" فهو إلي الأولياء ألا ينكحوا مولياتهم للمشركين حتى يؤمنوا .
فهل بعد هذا البلاغ بلاغ آخر...!؟
3. قوله تعالى : { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } ( النساء 25)
فاشترط إذن ولي الأمة لصحة النكاح فدل على أن لا يكفي عقدها لنفسها .
4. وقوله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } ( النساء 34 )
والولاية من القوامة المنصوص عليها .
5. قول الشيخ الكبير لموسى ( { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } ( القصص 27 )
6. ما أخرجه البخاري من حديث عائشة ( رضي الله عنها) أنها قالت في قوله تعالى :
{ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنّ }
قالت : هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل لعلها أن تكون شريكته في ماله ( وهي أولى به) فيرغب عنها أن ينكحها فيعضلها لما لها ولا ينكحها غيره كراهية أن يشركه أحدٌ في مالها .
7) وقوله تعالى :
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ }
- وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه البخاري عن الحسن قال :(1/4)
" حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه ( هذه الآية) قال : زوجتُ أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له :
زوجتُكَ وفرشتكً وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليها أبداً وكان رجلاً لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية " فلا تعضلوهن(1) "
فقلت : الآن أفعل يا رسول الله
قال : فزوجتها إياه ".
? تنبيه
زوج أخت معقل يسمى أبي البدَاح
ففي هذه الآية نهي الأولياء عن عضل النساء عن العودة إلي أزواجهن وفي هذا أصرح دليل علي اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معني ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلي أخيها .
* لذا قال الحافظ ابن حجر في ( الفتح)
ومن أقوى الحجج هذا السبب المذكور في نزول الآية المذكورة ، وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله ( أي لمنعه) معنى ، ولأنها لو كان لها أن نزوج نفسها لم تحتج إلي أخيها
ومن كان أمره إليه لا يُقال : إن غيره منعه منه .
* وقال القرطبي في تفسيره (2 /666)
في الآية دليل علي أنه يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل كانت ثيباً ولو كان الأمر إليها لزوجت نفسها ولم تحتج إلي وليها معقل .
* قال الشافعي ( رحمه الله ) في تفسير هذه الآية ( 2/488 )
وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقا .
____________________________________________________________
(1) العضل : هو أن يمنعها وليها من الزواج وهو من معني التضييق والتعسير .
* قال الطبري ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية ( 2/ 488)
وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال : " لا نكاح إلا بولي من العصبة ".
وذلك أن الله تعالى ذكره ومنع الولي عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك .(1/5)
فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن نهي وليها عن عضلها معني مفهوم إذ كان لا سبيل له إلي عضلها ، وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله بإنكاحها فلا عضل هنالك لها من أحد فينهي عاضلها عن عضلها ، وفي فساد القول: بأن لا معني لنهي الله عما نهي عنه .
صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقاً لا يصح عقدها إلا به .
* قال القرطبي ( رحمه الله) في تفسيره هذه الآية ( 3/ 158)
ففي الآية دليل على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيباً ولو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها .
* قال ابن عطية ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية ( 2/290)
وهذه الآية تقتضي ثبوت حق الولي في إنكاح وليته وأن النكاح يفتقر إلي ولي خلاف قول أبي حنيفة " إن الولي ليس من شروط النكاح ".
* قال الحافظ ابن كثير ( رحمه الله) في تفسير الآية ( 1/267)
وفيها دلالة على أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها وأنه لابد في النكاح من ولي .
* قال ابن العربي في ( أحكام القرآن 1/201)
وهو دليل قاطع علي أن المرأة لا حق لها في مباشرة النكاح وإنما هو حق الولي خلافاً لأبي حنيفة ولولا ذلك لما نهاه الله عن منعها .
* قال السعدي ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية (1/174)
وفي هذه الآية دليل علي أنه لابد من الولي في النكاح لأنه نهي الأولياء عن العضل ولا ينهاهم إلا عن أمر هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق .
* قال ابن عاشور في ( التحرير والتنوير 2/427)
واسمه كاملاً ( تحرير المعني السديد وتنوير العقل الجديد في تفسير الكتاب المجيد )
للعلامة : محمد الطاهر بن عاشور قال:(1/6)
وفي هذه الآية إشارة إلي اعتبار الولاية للمرأة في النكاح بناءً على غالب الأحوال يومئذ لأن جانب المرأة جانب ضعيف مطموع فيه معصوم من الأمتهان فلا يليق تركها تتولى مثل هذا الأمر بنفسها لأنه ينافي نفاستها وضعفها فقد يَستخِف بحقوقها الرجال حرصاً على منافعهم وهي تضعف عن المعارضة.
* قال أبو عيسى الترمذي ( رحمه الله) في ( جامعه 8/325)
وفي هذا الحديث دلالة علي أنه لا يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيباً فلو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها ولم تحتج إلي وليها معقل بن يسار وإنما خاطب الله في هذه الآية الأولياء فقال : {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } ففي هذه الآية دلالة على أن الأمر إلي الأولياء في التزويج مع رضاهن.
- واستدل البخاري ( رحمه الله) في صحيحه بهذا الحديث علي أنه لا نكاح بغير ولي .
* قال ابن العربي في ( عارضة الأحوذي 5/ 13)
حديث معقل فإن منع أخته أن يردها زوجها بعد أن طلقها فنزلت :
{فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }
أخرجه البخاري وغيره وهذا نص لا تأويل فيه ولا غبار عليه .
* أما الأدلة النبوية وهي مصدر التسريع الثاني جاء فيها :
1) ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد عن أبي موسى الأشعري أن النبي ( قال :
" لا نكاح إلا بولي " حديث صحيح صححه الألباني في الأرواء ( 6/235)
2) وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد عن عائشة ( رضي الله عنها) أن النبي ( قال :
" أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ( ثلاثاً) ولها مهرها بما أصاب منها فإن اشتجروا فإن السلطان ولي من لا ولي له ".
* قال ابن العربي ( رحمه الله) في ( عارضة الأحوذي 5/14)
وقوله ثلاثة أقوال : (فيفسخ بعد العقد ، ويفسخ بعد الدخول ، ويفسخ الثالثة بعد الطول والولادة).(1/7)
- وهذا الحديث والذي قبله صريحان في الشرطية ، وقد ثبت هذا المعنى من قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس ( جامع أحكام النساء)
3) أخرج البخاري من حديث عائشة ( رضي الله عنها) في وصف نكاح الجاهلية قالت :
" فنكاح منها كنكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلي الرجل وليته أو ابنته فيُصدقها ثم ينكحها ".
4) وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن أبي هريرة قال :
" لا تنكح المرأة نفسها فإن الزانية تنكح نفسها ".
5) أخرج ابن ماجة الدراقطني والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( :
" لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها "(1)
* قال الحافظ في ( بلوغ المرام)
رواه ابن ماجة الدراقطني ورجالة ثقات دون ذكره الجملة الأخيرة
( والشطر الأخير من الحديث ضعيف مرفوعاً صحيح موقوفاً علي أبي هريرة )
- ومما يدل على الحديث السابق ما أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عائشة ( رضي الله عنها) :
" أنها أنكحت رجلاً من بني أخيها جارية من بني أخيها فضربت بينهما بستر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا النكاح أمرت رجلاً فأنكح ثم قالت: ( ليس إلي النساء نكاح) ".
- من هنا نعلم أن العقد لا ينعقد بعبارتها فلا يصح منها عقدها وتزويجها لنفسها ، فلا يصح تزويجها لغيرها من باب أولى .
- هذا وقد ذهب الحافظ في ( الفتح) عن ابن المنذر أنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك .
______________________________________
(1) صححه الألباني في الأرواء .
*
ثالثاً: المذاهب
بعد أن تكلمنا عن الأدلة القرآنية والسنة النبوية بقي أن نتكلم عن المذاهب الفقهية.
?أولاً: المذهب المالكي
* قال الأُبيَّ المالكي (رحمه الله) في (شرحه على مسلم 4/30)
أوجب مالك الولي مطلقاً ، والحجة لمالك قوله تعالى:
{ وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } مع قوله تعالى : {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ }}(1/8)
لأن الخِطاب للأولياء فلولا أن لهم حقاً لم يُخاطبوا .
- وقوله ( : " لا نكاح إلا بولي ".
والنفي في مثل هذا التركيب في النكاح والمعاملات إنما هو لنفي الصحة .
* قال ابن رشد المالكي (ت: 520ه) في ( البيان والتحصيل 4/379)
سُئِلَ مالك عن المرأة تزوج نفسها أو تزوجها امرأة أخرى فقال: يُفرق بينهما دخل بها أو لم يدخل .
?ثانياً: المذهب الشافعي
* قال الشافعي ( رحمه الله) في ( الأم 5/13)
فإن امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها ، وقال أيضاً في نفس المصدر (5/ 169 ) : فالنكاح لا يثبت إلا بأربعة أشياء ( الولي ، ورضا المنكوحة ، ورضا الناكح ، وشاهدي عدل ) .
* قال البيهقي ( رحمه الله) في ( معرفة السنن والآثار 10/28)
في حديث معقل الدلالة الواضحة على حاجتها إلي الولي الذي هو غيرها في تزويجها ومن حمل عضل معقل علي أنه كان يزهدها في المراجعة فمُنع من ذلك كان ظالماً لنفسه في حمل كتاب الله عزَّ وجلَّ علي غير وجهه فلا عضل في التزهيد إذا كان لها التزويج دونه ولا فائدة في يمينه لو كان لها التزويج دونه ولا حاجة إلي الحنث والتكفير .
* قال النووي ( رحمه الله) في ( شرحه علي مسلم 9/205)
قال مالك والشافعي يشترط ولا يصح نكاح إلا بولي .
* وفي كتابه ( الأخيار 2/48)
ولا يصح عقد النكاح إلا بولي ذكر وشاهديّ عدل.
?ثالثاً: المذهب الحنبلي
* سُئِل الإمام أحمد
عن المرأة أرادت التزويج فجعلت أمرها إلي الرجل الذي يتزوج بها وشاهدين:
قال: هذا ولي وخاطب لا يكون هذا والنكاح فاسد ، ولكن تجعل أمرها إلي السلطان فيزوجها .
* قال ابن قدامه في ( المغني 3/337 مسألة 1099)
( لا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين)
النكاح لا يصح إلا بولي ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ولا توكيل غير وليها في تزويج فإن فعلت لم يصح النكاح .(1/9)
روى هذا عن عمر وعليّ وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة ( وإليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري والشافعي وإسحاق وأبو عبيد.
وروى عن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبي يوسف:
( لا يجوز لها بغير إذن وليها).
* وفي ( المعتمد علي فقه الإمام أحمد 2/159)
( الجامع بين نيل المآرب للشيباني ومنار السبيل لابن ضويان)
الولي شرط من شروط صحة النكاح.
- وقالوا في قول النبي ( : " فنكاحها باطل ".
لأن المرأة غير مأمونة على البُضع لنقص عقلها وسرعة انخداعها فإن زوجت نفسها أو غيرها لم يصح.
- وقالوا في قوله تعالى : {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }
لا يدل علي صحة نكاحها نفسها بل على أن نكاحها إلي الولي ، فلو لم يكن لمعقل ولاية النكاح لما عاتبه تعالى علي ذلك.
?رابعاً: المذهب الظاهري
* قال ابن حزم في ( مسألة رقم 1821)
ولا يحل للمرأة نكاح ثيباً كانت أو بكراً إلا بإذن وليها.
* وقال أيضاً كما في المُحلى ( 9 / 453)
ولا يحل للمرأة نكاحٌ ثيباً كانت أو بكراً إلا بإذن وليها الأب أو الإخوة أو الجد أو الأعمام أو بني الأعمام وإن بعدوا الأقرب فالأقرب أولى .
?خامساً: المذهب الحنفي
ولكن الإمام أبو حنيفة كان له رأى آخر ، فذهب إلي أن المرأة الحرة العاقلة البالغة لا يشترط لصحة العقد عليها وجود الولي وإنما يُشترط في إنكاح الصغيرة وحجته في هذا ما يلي:
* قوله تعالى : {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } ( البقرة 230)
قالوا: فأضاف النكاح إليهن فدلَّ على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي.
* قوله تعالى : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } ( البقرة 232)(1/10)
وقالوا الاستدلال بأن النكاح إليهن من وجهين:
أ- أنه أضاف النكاح إليهن.
والرد على ذلك الأدلة الصحيحة التي مرت معنا ترد على ذلك .
ب- أن النهي عن العضل في الآية يحتمل أن يكون للأزواج فنهتهم عن منع أزواجهم المطلقات وبعد قضاء عدتهن بمن شِئن من الأزواج.
<=>الرد على ذلك
تقدم معنا سبب نزول الآية وأنها ترد هذا التأويل الفاسد.
ثانياً استدلوا كذلك بما أخرجه الإمام مسلم من حديث ابن عباس عن النبي ( قال:
" الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تُستأذن في نفسها وإذنها صِماتها "
وفي رواية
" الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تُستأمر وإذنها سُكوتها ".
?ولا يصفو لهم الاستدلال بهذا الحديث على عدم اشتراط الولي لأمرين:
1) أن غاية ما يدل عليه الحديث أن للولي حقاً في تزويج الثيب وللثيب حق تزويج نفسها وحقها أرجح من حقه فلم يجيز تزويجها بدون استئمارها وموافقتها أما البكر فحق الولي أعظم من حقها ولذا اكتفى بصمتها وهذا كله حاله الإجبار فلا يجوز للولي أن يجبر الأيم على ما تكره.
2) أنه لو كان معنى الحديث ما أرادوا للزم أفضلية الزواج بدون الولي وهذا مخالف ما عليه الحنفية من استحباب وجود الولي.
* وقال الترمذي ( في جامعه 4/244) في تعليقه على الحديث السابق
الذي أخرجه مسلم من حديث ابن عباس:
" الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تُستأمر وإذنها سكوتها ".
قال: واحتج بعض الناس في إجازة النكاح بغير ولي ( بهذا الحديث) وليس في هذا الحديث ما احتجوا به لأنه جاء عن ابن عباس عن النبي ( أنه قال:
" لا نكاح إلا بولي ".
وهكذا أفتى ابن عباس بعد النبي ( وإنما معنى قول النبي ( :
" الأيم أحق بنفسها من وليها".
عند أكثر أهل العلم : أن الولي لا يزوجها إلا برضاها وأمرها فإن زوجها فالنكاح مفسوخ لحديث خنساء بنت خِدَام حيث زوجها أبوها وهي ثيب فكرهت ذلك فرد النبي ( نكاحها ( والحديث عند البخاري)
* وقال النووي في ( شرح مسلم 9/203)(1/11)
أحق بنفسها يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شيء من عقد وغيره كما قاله أبو حنيفة وداود ( وهذا مرجوح)
- الاحتمال الثاني : أنها أحق بالرضا أي لا تزوج حتى تنطق بالأذن بخلاف البكر وهذا هو الراجح وذلك لما صح عنه ( أنه قال:
" لا نكاح إلا بولي ".
وغير ذلك من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي.
وقد استوفى ابن حزم ( رحمه الله) في ( المحلى 9/457) الرد على هذه الشبهة.
ثالثاً: ومما استدلوا به كذلك على عدم اشتراط الولي:
- ما أخرجه الإمام أحمد عن ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة:
" أن رسول الله ( خطب أم سلمة فقالت: يا رسول الله إنه ليس أحد من أوليائي ( تعني شاهداً)
فقال: إنه ليس أحدٌ من أوليائك شاهد أو غائب يكره ذلك
فقالت: يا عمر زَوّج النبي ( فتزوجها النبي ( " .
فاستشهد بهذا الحديث أبو جعفر الطحاوي ( رحمه الله) في ( شرح معاني الآثار) على أنه يجوز أن تزوج المرأة نفسها دون ولي.
ولكن الرد بسيط جداً وهو : أن الحديث ضعيف.
? فوائد وتنبيهات
1) مع أن أبا حنيفة أجاز للمرأة أن تزوج نفسها بدون ولي ، ولكنه جعل للولي حق فسخ العقد إذا تزوجت بغير كفء.
2) من المعروف أن أبا يوسف ومحمد هما صاحبي أبي حنيفة وأتبع الناس له وأعلمهم بقوله لكن خالفاه في هذه المسألة كما خالفاه في مسائل لا تكاد تحصى وهذه منقبة لهما لأنهما مع الدليل حيث كان.
* فقد نقل الطحاوي ( رحمه الله) في ( شرح معاني الآثار الجزء الثالث ص7) :
عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن (رحمهما الله) أنهما قالا:
على أنه يجوز تزويج المرأة نفسها إلا بإذن وليها :
وأيضاً هذا رد علي الطحاوي نفسه الذي قال في نفس الكتاب أنه يجوز أن تزوج المرأة نفسها بدون وليها كما مرَّ معنا في الشبهة الثالثة.
3) قال ابن تيمية ( رحمه الله) في ( مجموع الفتاوى 19/191)(1/12)
وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة ، إما الأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها ، وإما الرأي رأوه ، وإما في المسألة نصوص لم تبلغهم.
- ولعل الأخير هو الذي أصاب أبا حنيفة ومن وافقه من الحنفية ، لأننا نجد أن الحنفية خالفوا أحاديث صحيحة صريحة ولعلهم لم تبلغهم منها .
- ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله ( :
" نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن ".
- وعند مسلم من حديث رافع بن خديج عن رسول الله ( قال:
" ثمن الكلب خبيث ، ومهر البغي خبيث ، وكسب الحجام خبيث ".
لكننا نجد أبا حنيفة يرخص في ثمن الكلب .
* قال الشافعي ( رحمه الله)
أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ ثم يقيس الكتاب كله.
* وقال ابن أبي حاتم
لأن الأصل كان خطأ فصارت الفروع ماضية على الأصل.
? ملحوظة بالنسبة لكسب الحجام
أخرج الإمام مسلم:
" أن رسول الله ( أحتجم وأعطي الحجام أجره واستعط ".
فهذا دليل الإباحة على أخذ الحجام أجر.
4) هذا وقد رد علي الإمام أبي حنيفة علماء كثيرون في مسألة الولي منهم:
* ابن كثير حيث قال في ( تفسيره 1/491)
في قوله تعالى : {فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} ( النساء 59)
قال مجاهد وغير أحد من السلف أي إلي كتاب الله وسنة رسوله ( وهذا أمر من الله عزَّ وجلَّ بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلي الكتاب والسنة.
- كما قال تعالى : {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } ( الشورى 10)
فما حكم به الكتاب والسنة وشهد له بالصحة فهو الحق ، وما بعد الحق إلا الضلال .
- ولهذا قال تعالى : { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ( النساء 59)
أي ردوا الخصومات والجهالات إلي كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليها فيما شجر بينكم ،(1/13)
{ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}
فدل على أنه من لم يتحاكم في محل النزاع إلي الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر.
ثم قال ( رحمه الله) فتوى أبي حنيفة في إباحة الزواج دون ولي لا شأن لها في شريعتنا لمن يريد إباحة الزواج العرفي دون ولي حتى وإن أفتى بذلك أحد الصحابة فلا يصح العقد دون ولي.
*
وقال ابن العربي في ( عرضة الأحوذي 5/13)
وأي عذر لأبي حنيفة في أن يعرض عن هذه الأدلة كلها.
* وقال أيضاً كما في ( أحكام القرآن 1/201)
وهذا دليل قاطع على أن المرأة لا حق لها في مباشرة النكاح وإنما هو حق الولي خلافاً لأبي حنيفة ولولا ذلك لما نهاه الله عن منعها.
* وقال ابن حزم ( رحمه الله) في ( المحلى 9/456)
قول أبي حنيفة فظاهره التناقض والفساد لأنها أقوال لا متعلق لها بقرآن ولا سنة لا صحيحة ولا سقيمة ولا بقول صاحب ولا بمعقول ولا قياس ولا رأي سديد
وهذا لا يقبل إلا من رسول الله ( الذي لا ينطق عن الهوى إلا عن وحي من الخالق الذي لا يُسأل عما يفعل وأما من غيره ( فهو دين جديد.
?رابعاً: كلام أهل السلف والخلف في الزواج بدون ولي ( الزواج العرفي)
بعد أن تكلمنا عن الأدلة القرآنية وبعد ذلك عن السنة النبوية وبعدُ بالمذاهب الفقهية ها نحن نسرد كلام أهل العلم في هذا الأمر ولنبدأ بخير القرون:
1) فقد نقل عنهم ببطلان الزواج بدون ولي وقد ردَّ فاروق الأمة عمر بن الخطاب ( هذا الزواج وجلد عليه.
2) وقال حبر الأمة ابن عباس (
البغية هي التي تزوج نفسها.
3) وصحَّ هذا أيضاً عن أبي هريرة ( حيث قال:
" الزانية هي التي تزوج نفسها أو غيرها ".
- هذا وقد حكى بن المنذر ( رحمه الله) أنه لا يعرف عن الصحابة سوى ذلك .
4) قال الترمذي ( رحمه الله) في ( جامعه 4/232)
والعمل في هذا الباب علي حديث النبي ( :
" لا نكاح بغير ولي ".(1/14)
عند أهل العلم من أصحاب النبي ( منهم عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة وغيرهم.
وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا لا نكاح إلا بولي ومنهم:
سعيد بن المسيب ، الحسن البصري، وشريح ، وإبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.
وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي ومالك وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد.
5) وقال البخاري ( رحمه الله) في ( صحيحه 9/182)
باب لا نكاح بغير ولي.
6) قال الطبري
في حديث حفصة حين تأيمت وعقد عليها عمرُ النكاح ولم تعقده هي إبطال قول من قال :
إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها وعقد النكاح دون وليها ، ولو كان ذلك لها لم يكن رسول الله ( ليدع خِطبة حفصة لنفسها إذ كانت أولى بنفسها من أبيها وخطبها إلي من لا يملك أمرها ولا العقد عليها.
7) وقال ابن عبد البر في ( التمهيد 19/90)
في حديث معقل بن يسار هذا أصح شيء وأوضحه في أن للولي حقاً في الإنكاح ولا نكاح إلا به لأنه لولا ذلك ما نهى عن الفصل ولأستغني عنه.
- وقد صرح الكتاب والسنة بأن لا نكاح إلا بولي فلا معنى لما خالفهما.
- والأولى أن يُحمل قوله ( " لا نكاح إلا بولي " على عمومه.
وكذلك قوله ( " أيما امرأة نكحت بغير وليها فنكاحها باطل " على عمومه أيضاً.
وأما الحديث " الأيم أحق بنفسها من وليها " فإنما ورد للفرق بين الثيب والبكر في الأذن والله أعلم.
8) قال البغوي ( رحمه الله) في ( شرح السنة 9/40)
والعمل على حديث النبي ( " لا نكاح إلا بولي " عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي ( ومَن بعده.
9) وقال النووي في ( شرح مسلم 9/305)
قال مالك والشافعي يشترط ولا يصح نكاح إلا بولي للحديث المشهور " لا نكاح إلا بولي "
وهذا يقتضي نفي الصحة.
10) وقال ابن المنذر ( رحمه الله) في ( السنن الكبرى 7/113)
واجمعوا أن للسلطان أن يُزوج المرأة إذا أرادت النكاح ودعت إلي كفء وامتنع الولي أن يزوجها.(1/15)
11) قال البيهقي ( رحمه الله) في ( السنن الكبرى 7/113)
نقلاً عن الفقهاء الذين ينتهي إلي قولهم من تابعي أهل المدينة كانوا يقولون:
لا تعقد المرأة عقدة النكاح في نفسها ولا في غيرها والله أعلم.
12)
قال ابن حزم ( رحمه الله) في ( المحلى مسألة رقم 1821 " 9/ 451")
لا يحل للمرأة نكاح ثيباً كانت أو بكراً إلا بإذن وليها.
13) قال ابن حبان (رحمه الله) في ( صحيحه (6/152)(6/153)
باب: ذكر نفي إجازة عقد النكاح بغير ولي وشاهدي عدل.
باب: ذكر البيان بأن الولاية في الإنكاح إنما هي للأولياء دون النساء.
باب: نفي إجازة عقد النساء النكاح على أنفسهن بأنفسهن دون الأولياء.
14) وقال شيخ الإسلام ( رحمه الله) في ( مجموع الفتاوى 32/ 21 ، 102)
- فإن جمهور العلماء يقولون النكاح بغير ولي باطل.
- إذا تزوجها بلا ولي ولا شهود وكتم النكاح فهذا نكاح باطل باتفاق الأئمة.
بل الذي عليه العلماء أنه: " لا نكاح إلا بولي "
" أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ".
ونكاح السر هو من جنس نكاح البغايا.
* قال ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ج 32 ص131)
فإنه قد دلَّ عليه ( أي الولي) القرآن في غير موضع والسنة في غير موضع وهو عادة الصحابة إنما كان يزوج النساء الرجال لا يُعرف أن امرأة نفسها وهذا مما يفرق فيه بين النكاح ومتخذات أخدان ولهذا قالت عائشة:
" لا تزوج المرأة نفسها فإن البغي هي التي تزوج نفسها ".
لكن لا يكتفي بالولي حتى يعلن فإن من الأولياء من يكون مستحسناً على قرابته.
قال تعالى : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } ( النور 32 )
وقال تعالى: { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ } ( البقرة 221)
فخاطب الرجال بإنكاح الأيامى كما خاطبهم بتزويج الرقيق وفرق بين:(1/16)
قوله تعالى : { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ } وقوله تعالى: { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ }
? وسُئِلَ شيخ الإسلام
عن رجل له بنت وهي دون البلوغ فزوجوها في غيبة أبيها ولم يكن لها ولي وجعلوا أن أباها توفى وهو حي وشهدوا أن خالها أخوها فهل يصح العقد أو لا ؟
فأجاب شيخ الإسلام:
إن شهدوا أن خالها أخوها فهذه شهادة زور ولا يصير الخال ولياً بذلك بل هذه قد تزوجت بغير ولي فيكون نكاحها باطلاً عند أكثر العلماء والفقهاء كالشافي وأحمد وغيرهما وللأب أن يجدده ومن شهد أن خالها أخوها وأن أباها مات فهو شاهد زور يجب تعزيره ويعزر الخال.
وإن كان قد دخل بها فلها المهر ويجوز أن يزوجها الأب في عدة النكاح الفاسد عند أكثر العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه.
? وسُئِلَ شيخ الإسلام أيضاً
عن امرأة خلاها أخوها ( أي وضعها في خلوة) في مكان لتوفي عدة زوجها فلما انقضت العدة هربت إلي بلد مسيرة يوم وتزوجت بغير إذن أخيها ولم يكن لها ولي غيره فهل يصح العقد أم لا ؟
فأجاب:
إذا لم يكن أخوها عاضلاً لها وكان أهلاً للولاية لم يصح نكاحها بدون إذنه والحال هذه والله أعلم.
15) قال الكِرماني ( رحمه الله) في ( شرحه علي البخاري 9/95)
في قوله تعالى { فَلاَ تَعْضُلُوهُن } الآية تدل على أن المرأة لا تزوج نفسها ولو أن لها ذلك لم يتحقق معنى العضل.
16) وقال الحافظ ابن حجر (رحمه الله) في ( شرحه علي البخاري 9/187)
في الآية نفسها: هي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى وقال الجمهور:
لا تزوج المرأة نفسها أصلاً.
17) وقال القسطلاني ( رحمه الله) في ( إرشاد الساري شرح البخاري 11/412)
حديث معقل: من أقوى الأدلة وأصرحها على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلي أخيها ومن كان أمره إليه لا يُقال إن غيره منعه منه.
18) وقال المناوي ( رحمه الله) في ( فيض القدير 6/437)(1/17)
لا نكاح إلا بولي أي لا صحة له إلا بعقد ولي ، فلا تزوج امرأة نفسها فإن فعلت فهو باطل.
( لا نكاح: صحيح) وحمله على نفي كماله لكونه على صدد فسخ الأولياء لعدم الكفاءة عدول عن الظاهر من غير دليل.
19)
قال الصنعاني في ( سبل السلام 3/117)
والحديث ( معقل بن يسار) دلَّ على أنه لا يصح النكاح إلا بولي لأن الأصل في النفي الصحة لا الكمال
- فالجمهور على اشتراطه وأنها لا تزوج المرأة نفسها.
- وذهبت الحنفية إلي أنه لا يشترط مطلقاً محتجين بالقياس على البيع ، فإنها تستقل ببيع سلعتها وهو قياس فاسد الاعتبار ، إذ هو قياس مع نص.
- بالإضافة إلي أنه قياس مع الفارق.
* وقال أيضاً الصنعاني في ( سبل السلام ص118 المجلد الثالث)
عند قول النبي ( " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها "
في الحديث دليل على اعتبار إذن الولي في النكاح بعقده لها أو عقد وكيله وظاهره أن المرأة تستحق المهر بالدخول وإن كان النكاح باطلاً لقوله: " فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ".
وفيه دليل على أنه إذا أختل ركن من أركان النكاح فهو باطل مع العلم والجهل وأن النكاح يسمى باطلاً وصحيحاً ولا واسطة.
20) قال الشوكاني في (نيل الأوطار 6/143) وأيضاً في ( السيل الجرار 2/259)
وقد ذهب إلي اعتبار الولي جمهور السلف والخلف.
21) قال صديق حسن خان ( رحمه الله) في ( الروضة الندية 2/11)
الأدلة الدالة على اعتبار الولي وأنه لا يكون العاقد سواه وأن العقد من المرأة لنفسها بدون إذن وليها باطل قد رويت من طريق جماعة من الصحابة فيها الصحيح والحسن وما دونهما فاعتباره متحتم وعقد غيره مع عدم عضله باطل بنص الحديث لا فاسد على تسليم أن الفاسد واسطة بين الصحة والبطلان ولا يعارض هذه الأحاديث حديث :
" الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تُستأذن ".
22) قال صاحب عون المعبود 6/101 ( رحمه الله)
والحق أن النكاح بغير الولي باطل كما يدل عليه أحاديث الباب.(1/18)
23) قال المباركفوري ( رحمه الله) في ( تحفة الأحوذي 4/232)
القول القوي الراجح " لا نكاح إلا بولي" وهو قول الجمهور.
24)
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( رحمه الله) في ( مؤلفات محمد بن عبد الوهاب 10/114)
قوله " لا نكاح إلا بولي"
قال في ( المغني) : لا يصح إلا بولي ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ولا توكل غير وليها في تزويجها فإن فعلت لم يصح النكاح.
25) قال الشيخ عبد الرحمن الساعاتي في ( الفتح الرباني 6/155)
لا نكاح: نفي الصحة أقرب كما ذهب إليه الجمهور.
26) قال العلامة الأصولي محمد مختار الشنقيطي في ( أضواء البيان 1/234)
التأويل الفاسد والتأويل البعيد ومثل له الشافعية والمالكية والحنابلة بحمل الإمام أبي حنيفة ( رحمه الله) المرأة في قوله ( :
" أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل باطل ".
على المكاتبة والصغيرة ( يعني الكبيرة والثيب يجوز لها ذلك).
- وحمله أيضاً ( رحمه الله) المسكين في قوله { سِتِّينَ مِسْكِينًا } علي المُد فأجازه إعطاء ستين مُدً لمسكين واحد.
27) نقل وهبة الزجيلي ( رحمه الله) كما في ( الفقه الإسلامي 4/3179)
نقلاً عن الكسائي الحنفي في ( بدائع الصنائع 5/300)
قال: فالباطل لا يحتاج إلي فسخ لأنه معدوم لم يوجد ، والفاسد يستحق الفسخ رعاية لأحكام الشرع إما بإرادة أحد العاقدين أو بإرادة القاضي لأن إزالة الفساد واجب شرعاً وبالفسخ يرتفع الفساد
( وهذا عند الحنفية).
* لكن قال ذ الزجيلي في ( الفقه الإسلامي 96606)
الباطل والفاسد بمعنى واحد عند الجمهور غير الحنفية ثم قال:
نوع يجب فسخه أبداً وإن طال الزمان بعد الدخول وهو ما يكون الفساد فيه تحلل في الصيغة أو في العاقدين أو في محل العقد ( كالزواج بأحدي المحارم من نسب أو رضاع أو مصاهرة وزواج متعة والزواج بأكثر من أربع زوجات والزواج بغير ولي أو بغير شهود وزواج مريض الموت)
والشاهد من قوله:(1/19)
نوع يجب فسخه أبداً وإن طال الزمان بعد الدخول كالزواج بغير ولي أو بغير شهود.
*
قال صديق حسن خان
الناكح يسمى باطلاً وصحيحاً ولا واسطة .
28) قال الشيخ سيد سابق في ( فقه السنة 2/87)
" لا نكاح إلا بولي "
والنفي في الحديث يتجه إلي الصحة التي هي أقرب المجازين إلي الذات فيكون الزواج بغير ولي باطلاً.
29) وقال أبو بكر الجزائري ( حفظه الله) في ( منهاج المسلم ص416)
من الأنكحة الفاسدة التي نهي عنها النبي ( النكاح بلا ولي:
وهو أن يتزوج الرجل المرأة بدون إذن وليها فهذا النكاح باطل لنقصان ركن من الأركان وهو الولي لقوله ( : " لا نكاح إلا بولي ".
30) وقال الدكتور محمد بكر إسماعيل في ( الفقه الواضح 2/32)
والذي أميل إليه أن المرأة لا يجوز لها أن تزوج نفسها إلا بإذن وليها لما تقدم من الأدلة الذين يقومون بحمايتها والحرص علي مصالحها
وربما تزوج نفسها من غير كفء أو من فاسق يهتك حرمتها وحرمة أوليائها كما أن في تزويجها لنفسها تهمة لها ووقاحة منها.
وكثيراً ما يبوء هذا الزواج بالفشل والواقع خير شاهد على ذلك ، فكم من فتاة ألقت بنفسها في أحضان من لا يخاف الله ولا يرحمها فأحرجت نفسها وأسرتها ووقعت في مأزق لم تستطع التخلص منه.
31) وقال فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر سابقاً ( رحمه الله)
قال عن الزواج العرفي: هو غير معترف به عند التنازع أمام القضاء في شأن الزواج وآثاره فيما عدا نسب الأولاد كما لا تعترف به الجهات الرسمية كسند للزواج.
32) وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( رحمه الله) في ( فتاوى المرأة المسلمة)
النكاح بغير ولي شرعي نكاح فاسد يتعين أن يفرق بينهما وعلي الزوج أن يطلقها فإن أبي فالحاكم يفسخ النكاح.
33)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم ( رحمه الله) مفتي المملكة العربية السعودية وهو شيخ ابن باز قال كما في ( فتاوى المرأة المسلمة) عندما سُئِل :
س: هل تُنكح بالغة بغير ولي؟
فأجاب:(1/20)
فليعلم أنه لا يصح تزويج المرأة بغير ولي وهذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وعليه يدل الكتاب والسنة وآثار السلف:
- قال تعالى: { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } ( النور 32 )
- قال تعالى: { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ } ( البقرة 221 )
- قال تعالى: { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } ( النساء 25)
- قال تعالى: { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } ( البقرة 232)
- قال تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء } ( النساء 34)
34) وقال محمد بن الحسين
النكاح بولي في كتاب الله ثم قرأ:
{ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ } ( البقرة 221 )
ووجه دلالة الآيات الثلاث الأولى على ذلك ما فيهن من إسناد إلا نكاح إلي الأولياء.
- ووجه دلالة قوله تعالى: { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } علي ذلك ما ذكره البخاري حيث قال:
ولولا أن له حقاً في الإنكاح ما نهي عن العضل.
* وقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه الدراقطني والحاكم والبيهقي والبغوي عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله ( :
" أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ".
- وفي السنن عن أبي موسى الأشعري أن النبي ( قال:
" لا نكاح إلا بولي ".
- وخالف في ذلك الحنفية فقالوا بجواز نكاح المرأة بغير ولي وحجتهم في ذلك حديث:
" الأيم أحق بنفسها من وليها ".
ولا حجة لهم في ذلك لأن المراد أنه لا يجوز تزويجها بغير رضاها كما أجاب بذلك غير واحد وهذا في غاية الظهور.
35) وقال الشيخ العلامة أحمد شاكر القاضي الشرعي بمصر(رحمه الله تعالى) في (عمدة التفسير 2/124)
ثم الذي لا يشك فيه أحد من أهل العلم بالحديث أن حديث " لا نكاح إلا بولي ".(1/21)
حديث صحيح ثابت بأسانيد تكاد تبلغ مبلغ التواتر المعنوي الموجب للقطع بمعناه وهو قول الكافة من أهل العلم الذي يؤيده الفقه في القرآن ولم يخالف في ذلك ( فيما نعلم) إلا فقهاء الأحناف ومن تابعهم وقلدهم.
وقد كان لمتقدميهم بعض العذر لعله لم يصل إليهم آن ذاك بإسناد صحيح ، أما متأخروهم فقد ركبوا رؤوسهم وجرفتهم العصبية فذهبوا يذهبون كل مذهب في تضعيف الروايات أو تأويلها دون حجة أو دون إنصاف.
وها نحن أولاء ( في كثير من بلاد الإسلام التي أخذت بمذهب الحنفية في هذه المسألة) نرى آثار تدمير ما أخذوا به للأخلاق والآداب والأعراض مما جعل أكثر أنكحة النساء اللآتي يُنكحنَّ دون أوليائهنَّ أو علي الرغم منهم أنكحة باطلة شرعاً تضيع معها الأنساب الصحيحة.
وأنا أهيب بعلماء الإسلام وزعمائه في كل بلد وكل قطر أن يعيدوا النظر في هذه المسألة الخطيرة وأن يرجعوا إلي ما أمر الله به ورسوله ( من شرط الولي المرشد في النكاح حتى نتفادى كثيراً من الأخطار الخلقية والأدبية التي يتعرض لها النساء بجهلهن وتهورهن وباصطناعهن الحرية الكاذبة وبإتباعهن للأهواء وخاصة الطبقة المنهارة منهنَّ ( طبقة المتعلمات) مما يملئ القلب أسفاً وحزناً
هدانا الله لِشرعة الإسلام ووقانا سوء المنقلب.
*
يقول فضيلة الشيخ الدكتور نصر فريد واصل ( مفتي الجمهورية الأسبق)
إن الزواج العرفي لا يكون صحيحاً شرعاً في هذا الزمن الذي نحن فيه والذي قلَّ فيه الوازع الديني وكثرت فيه الفتن وإنكار الشهادات التي يشهد بها الشهود وشهادات الزور وضياع الحقوق الزوجية والنسب للحمل الذي ينشأ من هذا الزواج ولا يكون هذا الزواج صحيحاً ومشروعاً إلا إذا توافرت أركانه وشروطه الشرعية وهي:
1) الصيغة الشرعية الصحيحة بين الزوج أو وكيله وولي الزوجة أو وكيلها الشرعي من أحد أوليائها الشرعيين ( وهو ما يعرف بالإيجاب والقبول ).(1/22)
2) وجود الولي الشرعي للزوجة أثناء العقد ليتولى العقد بنفسه نيابة عنها لأن الولي الشرعي ركن من أركان الزواج عند الجمهور ، وتخلف هذا الركن يبطل العقد عند الجمهور وهذا ما نراه ملائماً لهذا الزمن منعاً للتحايل ومنعاً للفساد الذي يترتب على هذا الزواج العرفي الذي يحدث في هذه الأيام.
3) وجود الشهود العدول عند صيغة العقد (والعدالة الظاهرة شرط في صحة شهادة الشاهد علي عقد الزواج ) والعدالة تتطلب من الشخص ألا يكون قد ارتكب كبيرة من الكبائر ولم يكن مُصراً على ارتكاب الكثير من الصغائر.
4) إعلان النكاح أي الزواج عند العقد إعلاناً عاماً وذلك بالطرق المتعارف عليها بين الناس ومنها
( بل من أهمها) إقامة العرس والفرح ودعوة الناس لحضور العقد والضرب عليه بالدف وإعلانه بكل وسائل الزينة المشروعة والزفاف بين الناس وبذلك قال الإمام مالك الحديث:
" أعلنوا النكاح ولو بالدف ".
ولذلك كان الإعلان بعقد النكاح عند مالك ركن من أركان النكاح وهذا صحيح في هذا العصر ونقول بوجوب العمل به حتى نحكم علي العقد العرفي بأنه عقد شرعي صحيح .
وبناءاً علي ذلك فإن أي عقد يصدر ولم تتوفر فيه هذه الشروط والأركان لا يكون عقداً شرعياً صحيحاً ولا يعتد به شرعاً ويكون العقد بغير ذلك في حكم الزنا يوجب العقوبة التعزيرية بالنسبة للطرفين معاً والشهود.
- وبعد سرد الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال المذاهب وأهل العلم في وجوب وجود الولي وموافقته:
? نقول لكل من يقدم علي الزواج العرفي أين الولي الذي هو شرط من شروط النكاح؟
? ثم هناك سؤال آخر نقول لهم أين الشهود العدول؟
فمما لا شك فيه أن الشهود العدول مفقدون في الزواج العرفي.
- فلا يكاد الزواج العرفي يقوم علي شهادة مستوفية لشرائطها الشرعية وفقاً لحديث الرسول ( :
" لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ".
* وحول هذه المسألة يقول الدكتور نبيل غنايم ( أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم)(1/23)
لابد في النكاح من أربعة أشخاص : ( الولي - والزوج - والشاهدان )
ولأن الزواج يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبة وإذا كانت الشاهدة مطلوبة في المعاملات المالية كالبيع ونحوه فهي في النكاح أولى وأهم ومعلوم أن الشهود يجب أن يكونوا عدولاً.
والعدل هو من يقوم بالفرائض والواجبات والسنن ويجتنب المحرمات من كبائر وصغائر فأين الزواج العرفي من هذين الشاهدين؟ وأين شهود الزواج العرفي المستأجرون من شرط العدالة؟
وهل شهادة اثنين في مكتب محام أو شهادة طالبين ممن لا يعرفون أمور دينهم ويقعون في الحرام ويفرطون في الواجبات شهادة صحيحة ؟
بالطبع لا
فشهود الزواج العرفي لا تتوافر فيهما شروط الشاهد الصحيح فيكون الزواج العرفي غير صحيح شرعاً.
? ثم هناك سؤال ثالث: أين الإعلان والإشهار في الزواج العرفي؟
فإن الشارع الحكيم ندب إلي إعلان عقد الزواج بما يحقق له الذيوع والشهرة حتى يعلم عامة الناس أن المرأة المعقود عليها صارت زوجة لمن عقد عليها فلا تلومَها ألسنة الناس بالسوء.
* ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس ( أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون)
أن الإعلان والإشهار اعتبره الإمام مالك ركناً من أركان عقد الزواج في حين اعتبره بقية الأئمة والفقهاء شرطاً من شروط صحة عقد الزواج واستدلوا علي ذلك بحديث الرسول ( :
" أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدف ".
وافتقاد الزواج العرفي لشرط الإعلان والإشهار يجعله أقرب إلي نكاح السر وهو نكاح باطل عند جمهور الفقهاء ومنهم المالكية والحنابلة.
? وقد سُئِلَ فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي ( رحمه الله) عن رأيه في الزواج العرفي الذي أنتشر في المجتمع المصري خاصة بين الطلاب والطالبات بشكل ملحوظ والذي يتم في سرية تامة بعيداً عن أعين الأسرة والمجتمع ؟
فأجاب فضيلته:(1/24)
الزواج العرفي زنا لأن الزواج إذا كان في السر والخفاء فقد انتهت المسألة لعدم وجود الإعلان والإشهار
ولماذا يقبل إنسان أن يكون زواجه في السر؟
إنه يشبه نفسه ببعض البلطجية والمنحرفين الذين يلتفون حول المرأة في الخفاء فالزواج العرفي حرام حرام حرام لافتقاده شرط الإعلان والإشهار.
? ثم هناك سؤال رابع يفرض نفسه: أين المقصد من الزواج العرفي؟
فالله عزَّ وجلَّ لما شرع الزواج جعل له أهدافاً اجتماعية ومقاصد مثلي منها:
- إقامة الحياة الآمنة والمطمئنة بين الزوج وزوجته القائمة علي السكينة والمودة والرحمة ويتحقق من خلاله إشباع الغرائز بطريق مشروع انطلاقاً من قوله تعالى:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ( الروم 21)
فالزواج الذي تريده الشريعة الإسلامية هو الزواج الذي يؤتي ثماره بإنجاب الأولاد واستمرار الحياة وإعمار للأرض لقول الرسول ( :
" تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة "
فأين هذه المقاصد من الزواج العرفي ، أين السكينة والطمأنينة ؟ أين المودة والرحمة ؟
أين الأبناء والبنات ؟
*
يقول الدكتور محمد نبيل غنايم
ليس في الزواج العرفي أي من هذه المقاصد سوى إشباع الغريزة بصورة حيوانية أشبه بالزنا والسرقة والاغتصاب حيث يلتقي الرجل والمرأة أو الشاب والفتاة في خُفية وظلام ويفترقان في خُفية وظلام ويتوجسان من أي حركة ويرتعدان من أي صوت لأنهما يحسان لأنهما يرتكبان جريمة لا زواجاً " الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس ".(1/25)
فما أبعد الزواج العرفي من اطمئنان النفوس ومقاصد الزواج الشرعية وما أقربه من حيث مقاصده إلي نكاح المتعة ، فالهدف في كليهما واحد وهو المتعة بالمرأة أو الفتاة لفترة من الوقت ثم تركها والهرب منها بعد تمزيق العقد العرفي دون السعي لتكوين أسرة وإنجاب أولاد.
? وهناك سؤال خامس : أين النفقة في الزواج العرفي؟
من المعاشرة بالمعروف أن ينفق الزوج على زوجته ما تحتاج إليه من طعام وملبس ودواءٍ وإن كانت غنية موسرة وهذه النفقة واجبة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع وهي من نمام القوامة وينبغي عليه أن يطعمها وأولادها حلالاً ، قال تعالى:
{ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } وللرجل ثواب في نفقته على أهله. ( الطلاق 7 )
* فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي ( قال:
" إذا أنفق المسلم نفقة علي أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة ".
فإذا منع الزوج النفقة المستحقة الواجبة عليه جاز لزوجته أن تأخذ قدر ما يكفيها وأولادها بالمعروف.
* فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة ( رضي الله عنها) :
" أن هندً قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجلٌ شحيح وليس يُعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: خذي ما يكفيكي وولدكي بالمعروف ".
أي المتعارف عليه وبما يحقق الكفاية ويرتفع به الحرج والمشقة وتبعاً للإعسار واليسار وتقدير ذلك يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص.
والدخول بالمرأة ( وفق الضوابط الشرعية) في مقابلة النفقة والسكنى وهذا وقد يتم الإخلال ( بهذا الأمر) بأمر الإنفاق على الزوجة في الزواج العرفي .(1/26)
فعندما تزوج المرأة نفسها سراً فالوالد هو الذي ينفق عليها ومن تزوجته يقضي وطره ويحقق لذاته وشهوته ويعاشرها معاشرة الأزواج دون أن يكلف نفسه أن ينفق عليها.( نقلا من الزواج العرفي للشيخ سعيد عبد العظيم ) .
? وهناك سؤال سادس: أين المسكن الخاص بالزوجية ؟
فمن المعاشرة بالمعروف ومن معاني القوامة أن يُسكِن الرجل زوجته السكنى اللائقة بها ومن المعروف أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بأذنه.
فأين هذا من الزواج العرفي؟
* بل أنظر إلي ما قاله الشيخ سعيد عبد العظيم ( حفظه الله) في كتابه ( الزواج العرفي) قال:
لقد سمعنا عن بعض شباب الجامعة ( ممن يتزوجون زواجاً عرفياً) يستأجر أربعة منهم الشقة على أن يأخذ كل منهم حجرة مع رفيقته بحيث يذهبون إليها أثناء النهار ثم تعود كل واحدة منهنَّ إلي بيتها وكأنها راجعة من كليتها ومعهدها ،فإلي الله المُشتكى من هذا التهتك والضياع ومن غربة الإسلام وسط أهله وبنيه.
? الزواج العرفي ووجه الشبه بينه وبين نكاح السر
قال تعالى: { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ }(1) ، (2) ( النساء 25)
* قال الشيخ القرطبي في ( تفسيره 5/142)
غير مسافحات: أي غير زوانٍ معلناتٍ بالزنى.
ولا متخذات أخدان: أصدقاء على الفاحشة / وقيل المسافحة : المجاهرة بالزنا أي التي تُكري نفسها لذلك.
وذات الخدن: هي التي تزني سراً أو التي تزني بواحد.
* قال ابن كثير في ( تفسيره 1/451)
قال ابن عباس: المسافحات: هنَّ الزواني المعلنات يعني الزواني اللآتي لا يمنعهنَّ أحد أرادهنَ بالفاحشة.
وقال ابن عباس: ومتخذات أخدان: يعني أخلاء.
وكذا روى عن أبي هريرة ومجاهد والشعبي ومقاتل وابن حبان والسدي قالوا: أخلاء
وقال الحسن البصري: يعني الصديق.
* وقال ابن تيمية ( رحمه الله) في ( مجموع الفتاوى 32/102)
ونكاح السر هو من جنس نكاح البغايا ، فنكاح السر من جنس ذوات الأخدان.(1/27)
?فالزواج العرفي من جنس نكاح السر ( نكاح البغايا ) ذوات الأخدان.
_____________________________________________________________
(1) غير مسافحات : غير زانيات لأن الزواني كن في الجاهلية في العرف المعلنات بالزنى.
(2) المتخذات أخدان : اللواتي حبسن أنفسهن على الخليل والصديق للفجور بها سراً دون الإعلان بذلك .
الزواج السري وما يتعلق به من أحكام (
إن الزواج السري الذي فشا في بعض مجتمعات المسلمين بين شباب المدارس والجامعات فليس بنكاح صحيح وليس زواجاً شرعياً حقيقة وإنما زواج فاسد والأنكحة الفاسدة لا توجب بمفردها شيئاً لأنها عقوداً باطلة فهي كالبيع الباطل وهو مردود.
ولا يثبت للزواج السري ( كغيره من العقود الفاسدة) أحكام النكاح الصحيح بل له أحكام خاصة ، وأول أحكام النكاح السري هو التفريق فإن كان قبل الدخول فلا يترتب عليه أثر بمعنى أن الزوجين إذا افترقا قبل الدخول فلا عدة على الزوجة ولا مهر لها ولا يثبت حرمة المصاهرة ولا النسب ولا يتوارثان لو مات أحدهما ، فإن كان التفريق بعد الدخول في الزواج السري فإنه يترتب عليه بعض آثار الزوجية فيثبت المهر وتجب العدة ويثبت النسب وتثبت حرمة المصاهرة.
ولا يثبت بالزواج السري إحصان ولا فيه لعان إلا إذا كان بينهما ولد يريد الزوج نفيه عن نفسه لكون النسب لاحقاً به ولا يثبت التوارث ولا تحل المرأة للزوج المطلق ثلاثاً بالوطء فيه ولا يثبت الإيلاء ولا ظِهار ................................
هذا هو الموجز وإليكم بالتفاصيل
أولا: وجوب فسخ الزواج السري
الزواج السري لا طلاق فيه وإنما يجب الفسخ والتفريق بين الزوجين ، ويحكم بهذا الفسخ الحاكم طالما أن الزواج السري اختلف فيه بعض الفقهاء وليس مُجمعاً عليه في عصرنا.(1/28)
أما إن كان بطلانه مجمعاً عليه في وقت من الأوقات فللزوجين الفسخ بنفسيهما من غير حكم قاضٍ وسبب توقفه على حكم القاضي هو أنه مبني على أمور هي محل تقدير بين يدي القضاء فالسرية قد تكون مختلفة في قدرها بين الفقهاء ومن هنا احتاج الأمر إلي نظر الحاكم .
ثم إن تزويج المرأة من غير فُرقة يوقعها القاضي يجعل المرأة تعتقد أن زواجها السري انتهى على حين يعتقد زوجها السري أنها زوجته وأن نكاحها لم ينفسخ منه وهذا يُفضي إلي تسلط زوجين عليها كلٍ يعتقد حِلها له وتحريمها على الآخر وهذا لا يجوز.
وعلى هذا متي تزوجت بآخر قبل التفريق لم يصح الثاني ولم يجز تزوجها حتى يطلق الأول أو يفسخ نكاحها .
والمرأة إن تزوجت من رجلين معاً وكان أحدهما سرياً فهي للزوج الصحيح الشرعي لا السري(1)
وهذا واقع ومشاهد في الزواج السري فإننا نرى الأزواج السريين لا يُطلقون عند الانفصال ولكن يكتفون في لحظة طيش وغضب بتمزيق الورقة التي تسطر فيها العقد السري أمام الزوجة السرية أو من ورائها ، وقد يحتال بعض هؤلاء لأخذ ورقة الزوجة وتمزيقها أو هم يختفون فجأة ويظهرون فجأة أو يُنكرون أي معرفة أو علاقة لهم بالزوجة السرية وكل هذا يؤكد أنهم لم يقصدوا نكاحاً شرعياً وأنه لم يكن كذلك.
? تنبيه
الحكم بفساد الزواج السري يحل مشكلة كثير من الفتيات اللآتي اختفى أزواجهنَّ السريون أو امتنعوا عن تطليقهنَّ وتركوهنَّ مرهونات معلقات تخشى كل واحدة منهن إظهار ورقة الزواج السري المرفوضة ، فيمكن لهؤلاء الحصول على الفسخ قضاءً دون حاجة إلى طلاق زوج سري هارب أو خوفاً من جريمة الجمع بين زوجين في وقتٍ واحد.
____________________________________________
(1) المُغني لأبن قدامة 6/454 ، 511.
*
ثانياً: وجوب المهر في الزواج السري
يجب المهر على الرجل في الزواج السري بالدخول بالمرأة ووطئها على مذاهب كل العلماء لقوله ( فيما يرويه أصحاب السنن عدا النسائي وصححه الألباني:(1/29)
" أيما امرأةٍ أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها ".
فإن كانت المرأة عالمة بالتحريم فلا مهر لها كالمطاوعة على الزنا ، فأما إن جهلت المرأة التحريم فلها المهر ، ويجب للمرأة مهر المثل إن لم يُسمّ لها مهر أو الأقل من المسمى ومن مهر المثل إن سمى لها مهر في العقد.(1)
* وقد اختلف العلماء: هل يستقر المهر بالخلوة في النكاح الفاسد أم لا ؟
والراجح أنه يجب لها المهر بالخلوة الصحيحة وهي التي يجتمع فيها الزوجان في مكان يأمنان فيه من إطلاع الغير عليهما ، ولم يكن ثمة مانع يمنع الدخول الحقيقي ولو لم يحصل جماع.
ونقل إجماع الصحابة ( على من أن أغلق باباً أو أرخى ستراً فقد وجب المهر ووجبت العدة .
والظن بهذه الخلوة أن يكون فيها مقدمات الجماع إن لم يكن فيها جماع وخصوصاً في أصحاب الزواج السري .
وذهب الإمام أحمد أن مقدمات الدخول كالتقبيل أو اللمس بشهوة أو النظر بشهوة يؤكد المهر كالدخول ولو حصل في غير خلوة.
* وقد رجح الشيخ محمد أبو زهرة ذلك وقال
إنه نظر سليم لو أُخِذَ به في مصر وطبّقته المحاكم الشرعية لكان فيه احتياط للفتاة وأسرتها ولهذا حجة في قوله تعالى:
{ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } ( النساء 24 )
فالاستمتاع يدخل فيه مقدمات الجماع من تقبيل ومس بشهوة ونظر بشهوة كما يشمل الجماع أيضاً.
__________________________________
(1) بداية المجتهد 2/19
ثالثاً: وجوب العدة في الزواج السري
المقصود بالعدة التعرف على براءة الرحم.
قال بعضهم تعتد الزوجة السرية بعد التفريق بثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض وإلا فثلاثة أشهر ، فإن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع حملها.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في ( مجموع الفتاوى 32/352)(1/30)
في المنكوحة نكاحاً فاسداً: إنما تعتبر بحيضة كما مضت به السنة ، وهذا هو الراجح لأنه شبيه بالزنا وأن الزانية تعتد بحيضة واحدة.
- وقد اختلف العلماء في صحة زواج من كان وطأها في نكاح فاسد في أثناء عدتها منه:
?فمذهب الشافعي ورواية عن أحمد:
يجوز له أن ينكحها في عدتها منه لأن النسب لاحق في كليهما.
?ومذهب مالك والرواية الأخرى عن أحمد:
لا يجوز ليميز بين ماء الوطء الفاسد وماء الوطء المُباح.
* رابعاً: ثبوت النسب في الزواج السري
يثبت نسب الولد الذي تحمل به المرأة من الدخول في هذا الزواج الفاسد لحق الوليد من الضياع والدليل ما أخرجه الجماعة إلا أبو داود أن النبي ( قال:
" الولد للفراش وللعاهر الحجر ".
وفي لفظ:
" لصاحب الفراش ".
*
يقول الشيخ عبد الوهاب خلاف موضحاً ذلك في كتابه
( أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ص189)
إذا ولدت الزوجة المدخول بها بعقد زواج فاسد ولداً قبل مُفارقة زوجها لأقل من ستة أشهر من تاريخ الدخول الحقيقي بها لا يثبت نسب ولدها من زوجها لأنها حملت به قبل أن تكون فراشاً له بالدخول بها .
وإذا ولدت لتمام ستة أشهر أو أكثر من تاريخ الدخول الحقيقي بها ثبت نسب ولدها من زوجها لأنها حملت به بعد أن صارت فراشاً له بالدخول بها.
ولا يمكن أن ينفي نسب هذا الولد أصلاً لأن النفي في حال قيام الزواج الصحيح إنما كان بعد اللعان ولا لعان بين الزوجين بزواج فاسد لأن الآية واردة في الذين يرمون أزواجهم ، والزوج عند إطلاق الشارع لا ينصرف إلا إلى الزواج بعقد صحيح .
ودعاوى النسب في الزواج الفاسد غير المسجل بوثيقة رسمية تسمع في المحاكم المصرية بمقتضى قانون رقم 25 لسنة 1929م إذ منع سماع الدعاوى في الزواج غير الموثق رسمياً لا تشمل النسب لأن هذا المنع لا تأثير له شرعاً في النسب .
* خامساً: حرمة المصاهرة في الزواج السري
تثبت الحرمة في الزواج السري كما ثبت في الزواج الصحيح بإجماع الفقهاء.(1/31)
فيحرم على الزوج السري أُصول وفروع زوجته السرية وتحرم هي على أصوله وفروعه على اختلاف بين العلماء : هل تجب الحرمة بمجرد العقد أم بالدخول؟
* قال ابن المنذر
أجمع كل من نحفظ عنه أهل العلم على أن الرجل إذا وطأ امرأة بنكاح فاسد أنها تحرم على أبيه وابنه وأجداده وولد ولده.
ومع هذا لا يصير الرجل بالزواج السري محرماً لمن حرمت عليه ولا تصير المرأة به من محارم من حرمت عليه.
وذهب الطحاوي وحكى الإجماع عن السلف على أن التقبيل واللمس عن شهوة يوجب حرمة المصاهرة.
والأصل قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } ( النساء 22)
والحمل على الوطء أولى لأنه أعم فيصير معنى الآية " ولا تطأوا ما وطأ آباؤكم مطلقاً ".
فيدخل فيه النكاح والسفاح ( الأحوال الشخصية قسم الزواج لمحمد أبو زهرة ص149 ).
*
سادساً: هل يجب في الزواج السري عقوبة أو حدّ ؟
لا يجب الحد في النكاح الفاسد عموماً لأن الوطء فيه كان بشبهة والشبهة هي صورة العقد والحدود تدرأ بالشبهات لحديث النبي ( :
" ادرءوا الحدود بالشبهات " (1)
وأقوى الشبهات هي أن بعض المشايخ أفتو بصحة الزواج السري .
* سابعاً: هل تجب النفقة والسكنى في الزواج السري ؟
السبب في وجوب النفقة ( الزوجية) وهو العقد الصحيح بشرط وجوب الاحتباس أو الاستعداد له .
والعقد الفاسد لا يوجب نفقة قط.
ويعلل ابن قدامة المقدسي ذلك بأن المرأة تبين بالفسخ كما تبين بطلاق ثلاث ، ولا يستحق زوجها عليه رجعة ، فلم تجب لها سكنى ولا نفقة .
- ذلك لما أخرجه النسائي أن النبي ( قال لفاطمة بنت قيس:
" إنما السُكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليه الرجعة "(2).
_____________________________________________________
(1) والحديث له طرق كلها ضعيفة وروى معناه صحيحاً موقوفاً على عمر .(1/32)
ولا تعتبر صورة العقد شبهة ولا موجودة إذا كان أحد العاقدين فاقد الأهلية أو لا يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد.
فالدخول في هذه الحال يوجب عقوبة الزنا المقررة في الشريعة الإسلامية إذ لا شبهة قط ترفعها .
- وإذا كان الزواج السري لا حدَّ فيه إلا أن هذا لا يمنع ولي الأمر من تعزير من يتزوج سراً.
- فإن كان الزوجان السريان عالمين بفساده فإنهما يكونان زانيين يجب عليهما الحد.
- ولو فرق القاضي ثم وطئها بعد التفريق يلزم الحد.
(2) أنظر المغني 6/657 والأحوال الشخصية لأبي زهرة ص230
* قال شيخ الإسلام في ( مجموع الفتاوى ح33 ص126)
وكان عمر بن الخطاب ( يضرب على نكاح السر، فإن نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان شبيه به لاسيما إذا زوجت نفسها بلا ولي ولا شهود وكتما ذلك.
فهذا مثل الذي يتخذ صديقة ليس بينهما فرق ظاهر معروف عند الناس يتميز به عن هذا فلا يشاء من يزني بامرأة صديقة له إلا قال تزوجتها ولا يشاء أحد أن يقول لمن تزوج في السر أنه يزني بها إلا قال ذلك فلابد أن يكون بين الحلال والحرام فرق مبين.
قال تعالى:
{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } ( التوبة 115 )
إلى أن قال ( رحمه الله)
فالذي لا ريب فيه أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان ، وأما مع الكتمان والإشهاد فهذا مما يُنظر فيه.
وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان فهذا الذي لا نزاع في صحته وإن خلا من الإشهاد والإعلان فهو باطل عند العامة.
? صور الزواج العرفي وافتقاده لعنصر التوثيق
الزواج العرفي ينقسم إلى أربعة أقسام:
1) النوع الأول: الزواج بالشهود وبالولي وبموافقة الزوجين وبالإعلان ولكنه لم يتم في وثيقة رسمية للدولة
يعني كل الأركان والشروط متوفرة إلا أنه لم يتم التوثيق أمام المحكمة أو المأذون :
وفي الغالب يضطر لهذا النوع من الزواج في حالتين:(1/33)
?الحالة الأولى: الزواج من أجنبي (سعودي مثلاً)
فلو أراد رجل سعودي أن يتزوج امرأة مصرية فإنه يلزم له استخراج تصريح للزواج فإذا تعثر في استخراجها أو تعقدت الإجراءات يلجأون إلى هذا النوع من الزواج.
?الحالة الثانية: عند الخوف من قطع المعاش
وهذا غير جائز شرعاً لأنه أكل أموال الناس بالباطل.
وهذان النوعان اللذان يندرجان تحت النوع الأول من الزواج العرفي فيه ما فيه من الإثم وإن قلنا بشرعية هذا الزواج وأنه صحيح لكن صاحبه يقع في الإثم لأنه يترتب على هذا النوع عقبات منها:
1. مصير الأولاد.
2. مصير الزوجة.
فإذا أنجب الزوج أبناء من هذه الزوجة كيف يكون تسجيل الأبناء رسمياً وليس ثمَّ وثيقة زواج.
- ثم لو فرض أنه ذهب وترك هذه الزوجة كالوقف معلقة دون أن يطلق أو دون أن يرجع لها وتظل أعوام دون زواج ودون طلاق فهي لا تستطيع أن تتحكم في نفسها أو تتصرف.
- وقد تتزوج بعد ذلك ( برجل آخر عند غياب الآخر) رسمياً بوثيقة زواج حكومية وهذا غير جائز لأنها متزوجة زواج شرعي آخر غير موثق .
- وقد يحدث أن تترك الزوجة زوجها ( الذي تزوجها دون توثيق) وتذهب إلى آخر فتتزوج منه رسمياً بوثيقة زواج حكومية.
" فهذا هو النوع الأول من الزواج العرفي "
2)
النوع الثاني: الزواج تم بالولي وحضور الشهود وبموافقة الزوجين لكن دون إعلان ولا يتم في وثيقة رسمية
فهذا النوع من الزواج يشتمل على شروط الزواج إلا أنه يُخالف الإعلان وعدم التوثيق.
ويتم في الغالب عند الزواج بأخرى دون معرفة الأولى وإرادة التعمية عنها وهذا النوع أيضاً فيه ما فيه من الإثم لأنه يوقع الإنسان في شبهات ينبغي ألا يوقع نفسه فيها والرسول ( يقول:
" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ".
والدخول والخروج على امرأة لا يعرف الناسُ ما بينكما يجعلك في حرج شرعي.
- وأنظر كيف كان يعالج النبي ( مثل هذه المواقف التي يظن أن فيها ريبة:(1/34)
" فعندما كان معتكفاً في العشر الأواخر من رمضان جاءت صفية بنت حيي لتزور النبي فجلست معه ساعة ثم أرادت أن تنصرف أراد النبي أن يقبلها فرآه اثنان من الصحابة فأسرعا فقال النبي على رسلكما إنها صفية
فقالا: ما نظن بك إلا كل خير
فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم فخشيت أن يقذف في قلبكما شيئاً ".
فهذا هو الرسول ( وموقفه لإزالة الشكوك مع أنها زوجته فكيف بمن يدخل ويخرج ولا نعرف هل هي زوجته أم لا .
3) النوع الثالث: إيجاب وقبول من الزوجين ( الرجل والمرأة) مع وجود الشهود
فهذا النوع يفتقد الولي والإعلان والإشهار وبدون تسجيل وهذا النوع من الزواج باطل عند جمهور الفقهاء كما سيأتي بيانه
- وهذا النوع يكثر غالباً بين الطلبة وطالبات الجامعات والغرض منه قضاء الشهوة والوطر.
- وهذا النوع سنتناوله بالتفصيل وبيان بطلانه وأنه غير جائز شرعاً.
4)
النوع الرابع: زواج بدون تسجيل وبدون إعلان وبدون ولي وبدون شهود
وهذا النوع هو الطامَّة الكبرى والمصيبة العظمى.
? ملحوظة
?فهناك زواج عرفي حلال وهو ما يكون بين القبائل البدوية .
?وهناك زواج عرفي صحيح مع الإثم دون توثيق .
?وهناك زواج عرفي باطل فقد ركن من أركانه كالولي مثلاً أو ليس فيه إيجاب وقبول.
? فالزواج العرفي يفتقد عنصر التوثيق
أي أنه غير موثق رسمياً على يد مأذون شرعي ولم يتم تسجيله في محكمة الأحوال الشخصية ولا في الشهر العقاري .
ويترتب على افتقاد الزواج العرفي لعنصر التوثيق ضياع كافة حقوق الزوجة الشرعية والقانونية من هذا الزواج فلا حق للزوجة في المهر ولا في النفقة ولا في الإرث .
وقد نصَّ قانون الأحوال الشخصية على أهمية توثيق عقد الزواج حفاظاً وحمايةً لحقوق الزوجة الشرعية حيث نصت المادة 99 الفقرة الرابعة من اللائحة الشرعية الصادرة عام 1931 على:
أنه لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية.(1/35)
* يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في ( مجموع الفتاوى ح33 ص131)
ولم يكن الصحابة يكتبون الصداق لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر بل يعجلون المهر وإن أخروه فهو معروف ، فلما صار الناس يتزوجون على المؤخر والمدة تطول ويُنس: صاروا يكتبون المؤخر وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفي أنها زوجة له.
* قال فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور / محمد سيد طنطاوي
ومما يكثر الحديث عنه في هذه الأيام ما يُسمى بالزواج العرفي أو بالزواج غير الموثق أمام المأذون الشرعي أو أمام الجهات الرسمية التي خصصتها الدولة لهذا الغرض.
وهذا الزواج حتى ولو كان مشتملاً على الأركان والشروط الشرعية لعقد الزواج فإنه يكفي للتحذير منه وللبعد عنه عدم توثيقه لأن هذا التوثيق وضعته الدولة لصيانة حقوق الزوجين وهو أمر تدعوا إليه شريعة الإسلام ، وفي عدم توثيق عقد الزواج أمام المأذون الشرعي أو الجهات الرسمية المُخصصة لهذا الغرض أضراراً كثيرة معظمها يعود على المرأة إذ تتحمل هي أخطر أوزاره وأفدح نتائجه في عرضها وسمعتها وتوصد دونها أبواب القضاء عند الإنكار الذي يحدث دائماً فلا تسمع دعواها ولا تحظى بأي حقوق ويضيع ولدها فلا اعتراف بنسبه ولا نفقة لها ولا رعاية لشئونه من والده أو من عشيرة والدته . مجلة التوحيد - عدد ذو القعدة- 1420 هجرياً .
*
يقول الدكتور نصر فريد واصل ( مفتي الديار المصرية سابقاً )(1/36)
إن اعتماد البعض على مذهب الأحناف المعمول به حالياً في قانون الأحوال الشخصية والذي يرى أن عقد الزواج العرفي عقد زواج شرعي وإن كان غير موثق فإن ذلك كان صحيحاً في الأزمنة والأوقات التي تحققت فيها الأمانة بين الناس ولم تنكر هذه العقود وكان يتم الإشهار عليها عند طلب الشهادة إلا أن الأمر قد تغير الآن بعد أن ضعفت النفوس وقلَّ الوازع الديني لدى غالبية الناس وظهرت كثير من المفاسد فيما يتعلق بإنكار عقد الزواج وإنكار النسب وضياع حقوق الزوجة بسبب عدم توثيق عقد الزواج.
وحيث أن التشريع الإسلامي إنما جاء لصالح الناس بما يوافق الزمان والمكان فإن دار الإفتاء المصرية قد أصدرت فتوى بحرمة الزواج العرفي الذي لا تتوافر فيه أركان وشروط الزواج الشرعي:( الولي ، الشهود العدول ، الإعلان والإشهار ، والذي يفتقد لعنصر التوثيق وما يترتب عليه من ضياع حقوق الزوجة وأولادها )
وبعد أن أفتى كبار علمائنا بحرمة الزواج العرفي وعدم صحته من الناحية الشرعية وافتقاده لأركان وشروط الزواج الشرعي ، ولأن مقاصده لا تتوافق مع مقاصد الزواج الشرعي الصحيح ولافتقاده لعنصر التوثيق.
فإن توحيد الفتوى بشأن الحكم الشرعي للزواج العرفي يعتبر مسألة مهمة وضرورة مُلحة حتى لا يتخذ الشباب المراهق من طلاب وطالبات الجامعة تعدد وتضارب الفتاوى واختلاف العلماء حول أحكام الحل والحرمة في الزواج العرفي ذريعة ومبرراً شرعياً للإقدام على هذا الزواج.
وحيث أن دار الإفتاء المصرية قد أصدرت أخيراً فتوى بحرمة الزواج العرفي لافتقاده أركان وشروط الزواج الشرعي وأيدها في ذلك كبار العلماء ، فإنه يتعين علينا تعميم ونشر هذه الفتوى من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومن خلال الدعاة وخطباء المساجد حتى يعلم شبابنا في الجامعة على وجه الخصوص حقيقة هذا الزواج والحكم الشرعي الصحيح له.
* مجمع البحوث الإسلامية يرى إيقاع العقوبة على من تزوج دون توثيق أمام الجهات الرسمية(1/37)
فهذه الأضرار التي ذكرناها من قبل من كلام أهل العلم فإنه يرى مجمع البحوث الإسلامية أن على الجهات التشريعية في الدولة أن تصدر قانوناً يشتمل على عقوبة مناسبة تقع على كل من يثبت عليه أن تزوج زواجاً لم يُوثق أمام المأذون أو أمام الجهات الرسمية التي خصصتها الدولة لهذا الغرض وعلى كل من قام بالشهادة على هذا العقد أو اشترك فيه بأية صورة من الصور المخالفة للنظام الصحيح الذي وضعته الدولة لعقد الزواج والذي تقرره وتؤيده شريعة الإسلام.
* يقول فضيلة الشيخ صفوت نور الدين( رحمه الله)الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية ( سابقاً )
إن مكمن الخطورة في الزواج العرفي أو الذي يسمونه عرفياً وهو ليس عرفياً لأن العرف هو ما تعارف عليه المجتمع.
فيمكن للمرأة التي مات عنها زوجها أن تتزوج زوجاً عرفياً بمعنى: أن يأتي الأهل ويجتمعوا جميعاً ويتم الزواج ويكتبوا ورقة الزواج العرفي ويعيشوا حياة طبيعية ، ولكن عندما تأتي الطالبة الجامعية وتتزوج بعيداً عن الأهل ، ويكون ذلك من أشد المصائب إذا حملت وأتاها ولد وأبواها لا يعرفان شيئاً عما فعلت خاصة أننا نستند في قانون الأحوال الشخصية إلى رأى مرجوح بجواز عقد الزواج بدون إذن الولي فتكمن الخطورة في هذه النقطة.
ونجد شباب الجامعات ينفسون عن رغباتهم الفطرية بهذا الزواج فيجدون فرصة الزواج عن طريق ورقة يكتبونها ويؤتي شاهدين ويتواصيان على الكتمان وألا يذكر أحدٌ منهم شيئاً من ذلك.
وهذا في رأيي مكمن الخطر في الزواج العرفي.
- ثم يقول فضيلته
إن هذا ليس زواجاً أصلاً لا عرفي ولا شرعي ولا رسمي لأنهم أهملوا الولي وتواطئوا على الكتمان ولم يشهدوا ، ولم يثبت حد الاكتفاء بشاهدين.
وهذا يعني أن الإشهار أعلى من معرفة اثنين ، فالإشهار ضرب دف وغناء بين النساء واحتفال واجتماع الناس حتى يعرف الجميع أن هناك زواج فلانة بفلان ، ولكن أن يجلس اثنان في غرفة فليس هذا بإشهار .(1/38)
ومن المعروف أن هذه الصورة من الزواج العرفي تتم بدون الولي وفي غيابه وبالتالي تقع الكوارث ، وحتى عند اللجوء للمأذون الشرعي وتسجيل العقد فإن العقد بهذه الكيفية يصبح محل شك كبير لأن رب العزة سبحانه يقول:
{وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } ( المائدة 5 )
وهذا الزواج الذي يسمونه بالزواج العرفي والذي يحدث بين الشباب بدون علم أولياء الأمور فإن لم يكن هذا هو الخدن بعينه فهو أقرب منه للخدن وهو بعيد تماماً عن الزواج ومقاصده الشرعية بل ومقاصده الاجتماعية والعرفية ، ولكن هل يمكن الحكم على الزواج العرفي بكل أنواعه بالحرمة حتى إذا توافرت فيه أركان الزواج.
إن الحرمة في الزواج العرفي كامل الأركان يأتي سببها في أنها مخالفة لما حدّه ولي الأمر ، فالسلطان له أن يحد بعض المباحات ، والمباحات قسمان:
?القسم الأول:
الذي يجوز للسلطان أن يُحدّه كالسير في الطريق العام ، فعندما يُقال إن هذا الطريق يمنع الدخول فيه والسير فيه في اتجاه واحد ، إنما فعل ذلك لمقصد شرعي وهو حماية الدماء وحماية الناس فلا يجوز مخالفته ويأثم مُخالِفِه فإشارات المرور هذه وجودها شرعي وتسجيل البيوت والعقارات والمنازل في الشهر العقاري أمر مُباح ، لِما حدّه ولي الأمر أصبح مُخالفة التسجيل فيه مخالفة شرعية لأن فيه ضياعاً للأموال وكذلك حماية الأعراض عندما يُلزم ولي الأمر بتسجيل عقود الزواج في المحاكم الشرعية يأثم من تزوج بغير التسجيل مع صحة العقد.
فكل عقدٍ عرفي فيه إثم ولكن ليس معنى بطلان العقد ولكن العقد قد يكون صحيحاً إذا توافرت فيه أركانه: ( الإيجاب والقبول والإشهاد والإشهار ووجود الولي ).
- فالزواج العرفي إذا توافرت فيه الأركان يصبح العقد صحيحاً مع وجود الإثم وإذا لم تتوافر فيه الأركان صار باطلاً ويجب التفريق.(1/39)
- وفي نهاية التحقيق فإننا قد قرأنا وسمعنا عن مواد قانون الأحوال الشخصية الذي يُناقش هذه الأيام وكان من بين المواد التي تثير البلبلة هو السماح بتطليق المتزوجات عرفياً .
وما سيفتحه هذا القانون من أبواب الشر على المجتمع فإنه بذلك سيفتح باب الزواج العرفي على مصرعيه .
وما دام القانون يعترف بالطلاق لابد وأن يكون هناك اعتراف بالزواج لأن لا طلاق إلا بعد نكاحٍ شرعي.
? أسباب الزواج العرفي ?
من أراد أن يصف الدواء فعليه أن يتعرف على الداء حتى لا يفصل بين الأسباب ومسبباتها والمقدمات ونتائجها ومن جملة الأسباب الداعية لفشو وانتشار الزواج العرفي.
1) الاختلاط بين الرجال والنساء في أماكن العمل ودور العلم والرحلات
وضع الله عزَّ وجلَّ حواجز وموانع وسياج للحيلولة دون وصول الرجل إلى المرأة والعكس فمن الخطر والمفسدة أن نسعى في تكسير الحواجز الموضوعة بينهما بحيث تتولد بعد ذلك صداقة وزمالة ونزول الحشمة والحياء ويشتهي كل منهما الأخر وقد قالوا نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء .
- وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي أن النبي ( قال:
" لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ إلا كان الشيطان ثالثهما ".
والحديث يعم كل الرجال وكل النساء الأتقياء منهم والفجار والكبار والشباب.
وينشأ عن هذا الاختلاط عاطفة كاذبة أساسها شهوة حيوانية هابطة سرعان ما ينطفيء لهيب هذا الشوق ويصطدم رأس الفتاة بصخرة الواقع بمجرد أن ينطفيء لهيب الشهوة ويقضي كل منهما وطره من الآخر ويعكر عليها سعادتها المزيفة هذا الجنين الذي بدء يتحرك في أحشائها والذي يشكوها يوم القيامة إلى الله عز وجلَّ بعدما يفر ويهرب بعيداً وتتحمل هي على عاتقها جزاء جرمها وما تلاقيه بعد ذلك من لوم وسبٍ ولعنٍ وضربٍ بل ربما يصل الأمر إلى القتل بعدما يتفشى هذا الأمر بين أفراد الأسرة فتجدها منبوذة ممقوتة ليس من الأسرة فقط بل من المجتمع بأسره .(1/40)
فهذه صرخة إنذار وحبل النجاة لعل أن تتشبث به فتاة كادت أن تغرق في وحل الرذيلة .
2) تفسُخ وتفكك الأسر وانعدام الرقابة
إذا كان هناك تفكك أسري وبعدٌ عن الدين فلا يكون في هذا البيت أُسوةُ حسنة ولا قدوة طيبة بل مُلئت البيوت بأجهزة الفساد المليئة بالرقص والغناء والعري والمناظر الخليعة ويجلس الرجل رب الأسرة ومن حوله زوجته وأولاده بنين وبنات يشاهدون ما يندى له الجبين وكأن لسان حاله يقول أسكتوا عني وأسكت عنكم وصدق القائل حيث قال:
إذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة أهل البيت الرقص
- هذا الرجل قد فرط في الأمانة وضيع رعيته بعدم امتثاله لأمر الله عزَّ وجلَّ :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ( التحريم 6 )
- وفي الحديث الصحيح:
" إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ".
فحفظ الأهل يكون بمنع المنكرات وإقامة النفس والأولاد على شرع الله وإن فرط فلا يلومن إلا نفسه.
3) التبرج في المدارس والجامعات وأماكن العمل
وقد جاءت النصوص القرآنية تأمر بالصيانة والتحجب والتعفف والتستر ، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }(1) ( الأحزاب 59 )
ولا يخفى علينا ما يحدث الآن في دور العلم وأماكن العمل وشواطئ البحر في تباري وتنافس في العري والخلاعة ومتابعة الموضات لا يقل عن تبرج الجاهلية الأولى.
- والنبي ( يقول في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم:(1/41)
" صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ".
فعلينا أن نسعى في وأد الفتنة وإطفاء نيران الشهوات المحرمة وذلك عن طريق الدعوة إلى إلتزام الحجاب والتباعد عن مواطن التهم والريب والشكوك وأن يقوم أولياء الأمور بالواجب عليهم صيانة للأمانة وإبراء الذمة وتخليصاً للنفس من عذاب أليم.
4) التحلل والحرية
رُفعت الشعارات والهتافات والصيحات بالحرية ، حرية الرأي والفكر ( وإن كان ضد الدين) والحرية الشخصية ( يفعل ما يشاء) وحرية التملك وحرية المرأة ، حريات صارت أشبه بالسيارات التي تنطلق بلا فرامل حتى وجدنا في أجواء الحرية العفنة نجد من يطالب بإباحة الشذوذ الجنسي ( اللواط والسحاق) كل هذا يسمونه تحرير نعم إنه تحرر من عبودية الله إلى عبودية الهوى ، قال تعالى:
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } ( الفرقان 43)
فالإنسان إما أن يكون عبداً لله وهذه هي الحرية الحقيقية ، وإما أن يكون عبداً لهواه وهذا هو الأسر والوقوع في القيد لشهوات النفس والأوهام والأفكار التي لا تقف عند حد فلا سبيل إلا الرجوع إلى الله عزَّ وجلَّ.
_________________________
(1) والجلباب يُضرب من الرأس حتى القدم .
5)
غياب الوعي الديني والجهل بأحكام الدين
قديماً عاش المجتمع الإسلامي حياة الطهر والعفاف ، وكانت الرذيلة فيه منبوذة مستورة ، ومن أقيم عليه الحد كان يُعد على أصابع اليد الواحدة في عهد رسول الله ( ، ويأتي الواحد بنفسه لإقامة الحد عليه ( كما في قصة ماعز والغامدية ) لشعوره برقابة الله وأن عذاب الدنيا أهون من عذابِ الآخرة ومعرفة هؤلاء أن الأمر إما جنة وإما نار.(1/42)
أما الآن فنتيجة غياب الوعي الديني والبعد عن أحكام الدين صرنا إلى حالة غير مسبوقة وصار التهتك والفجور موضع مُباهاة وفخر.
وصرنا نسمع عن الذئاب البشرية وجرائم الاغتصاب في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الخلق ، وانتشر الزواج العرفي بلا رادع من دين وغياب مراقبة الأهل وصرنا كأننا قطعة من أوروبا.
6) اضطراب الفتوى
فالناس مضطربون ما بين آخذ بالرخص وزلة العالم ، ومنهم مضطرب لا يدري أين الصواب فهذا يقول قول وآخر يخالفه وآخر يبحث عن رأى يوافق هواه فلا سبيل ولا مخرج إلا بالرجوع إلي كتاب الله وسنة رسوله ( بفهم وتفسير السلف.
لكننا وجدنا من يخرج علينا ويبيح الزواج العرفي استناداً على فتوى لأبي حنيفة وهو كلام مرجوح والصحيح على خلافه.
فكما أننا نتحرى في اختيار والبحث عن الطبيب الماهر والمهندس المخضرم والمدرس الخبرة فالأمر أخطر في دين الله.
ولا يجوز هنا تتبع الرخص أو زلات العلماء ، فلكل جواد كبوة ولكل عالم زلة وما كل خلاف جاء معتبراً.
- ويجب علينا ألا نلتفت إلى من يفتي في دين الله بغير علم أو يفتي بخلاف الصواب ، قال تعالي:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ( الأعراف 33)
وقال تعالى:
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } ( النحل 116 )
? وهناك أمور أُخر ساعدت على انتشار ظاهرة الزواج العرفي منها
7) تأخير سن الزواج(1/43)
نظراً للتكاليف الباهظة التي يتكلفها الأهل لإتمام عملية الزواج فإنك تجد كثيراً من الشباب لا يقدمون على أمر الزواج في حين أن هناك طاقة مستعدة مشتعلة فمع غياب الوعي الديني تبحث عن تصريف لهذه الشهوة فيلجأون لمثل هذا الزواج إخماداً زائفاً لوخذ الضمير وإقناعاً للنفس بمشروعية الأمر ولكن الأمر لا يخفى علينا أنه زنا.
8) الفتن المحيطة بالشباب وخاصة فتنة النساء
والتي حذر منها المصطفى ( :
- أخرج البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد أن النبي ( قال:
" ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ".
- أخرج الإمام مسلم من حديث أبي سعيدٍ الخدري أن النبي ( قال:
" اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت النساء ".
9) امتناع الولي من تزويج موليته من الكُفء بدون سبب وجيه أو شرعي
فتكون النتيجة من وراء الأب ومن وراء الأم.
10) صعوبة الزواج من الثانية
فأصبح المعهود عند الناس الآن أن الزواج الثاني جريمة وسن قوانين منها أنه لابد من إعلام الزوجة الأولى فتحملها الغيرة وعدم الوعي الديني على الرفض مما يؤدي ويدفع بالزوج أن يتزوج سراً دون علانية .
11) حرمان الزوجة من المعاش بعد التزوج
12) الزواج من غير المصرية
??
??
??
??(1/44)