سلسلة "من أخطاء النساء"
"أخطاء عامة تقع فيها النساء"
للشيخ / ندا أبو أحمد
أخطاء عامة تقع فيها النساء
تمهيد:
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..........
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران : 102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء : 1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( سورة الأحزاب : 70 )
أما بعد .... ،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالي وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار..
أما بعد...فإن أعداء الإسلام بل أعداء الإنسانية اليوم من الكفار والمنافقين والذين في قلوبهم مرض أغاظهم ما نالته المرأة المسلمة من كرامة وعزة وصيانة في الإسلام وعلموا أنه بصلاح المرأة ينصلح حال المجتمع ، وأن بفسادها تدمير وفساد المجتمع ، فجعلوا همهم إفساد المرأة والعمل على إخراجها من بيتها لتشارك الرجال في أعمالهم جنباً إلى جنب , وجعلوا من المرأة أداة تدمير وحبل يصطادون بها ضعاف الإيمان وأصحاب الغرائز الجانحة .(1/1)
فخرجت المرأة علينا في صورة مُمرضة في المستشفي أو مُضيفة في طائرة أو مُدرسة في المدارس المختلطة أو مُمثلة في المسرح أو مُغنية أو مذيعة ، خرجت علينا سافرة فاتنة متبرجة .
وجعلوها سلعة لترويج منتجاتهم ، فجعلوا صورها العارية على معروضاتهم ومنتجاتهم وصدق ربنا حيث قال : { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } (النساء:27 )
كل هذا جعل المرأة تتخلى عن وظيفتها الحقيقية في البيت من التفرغ للزوج أو تربية النشأ .
ـ وجعلوها كذلك بعيدة عن تعاليم دينها الحنيف فوقعت فيما وقعت من بدع وخرافات ومخالفات نذكرها في هذا المقام حتى تكون الأخت المسلمة على بينة من هذه المخالفات فتتجنبها وهذا حال المؤمنات الصادقات اللاتي يمتثلن لقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } (الأحزاب:36)
ولتعلم كل مسلمة أن الله لم يخلقها عبثاً بلا منهج تسير عليه ، بل وضح لها الطريق وذكر لها الغاية وجزاء الإتباع وعاقبة الابتداع فقال تعالى :
{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى{123} وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً{125} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى{126} }(1).
فإلي من تريد النجاة احذري هذه الأخطاء بارك الله فيك:
1) الإعراض عن تعلُّم الدين والعِلم الشرعي :
__________
(1) سورة طه .(1/2)
- أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" طلب العلم فريضة على كل مسلم " .. قال الألباني : وأما زيادة " أو مسلمة "
التي اشتهرت علي الألسنة فلا أصل لها البتة ، وأما الزيادة التي وقعت في أوله في بعض الطرق
" اطلبوا العلم ولو بالصين " فباطلة كما بينت في الأحاديث الضعيفة .
? يقول ابن القيم - رحمه الله- :
إن الإيمان فرض علي كلِّ واحدٍ وهو ماهيةٌ مُركبة من علمٍ وعمل ، فلا يُتصور وجود الإيمان إلا بالعلم والعمل .ثم شرائع الإسلام واجبة على كل مسلم ولا يمكن أداؤها إلا بعد معرفتها والعلم بها .
والله تعالى أخرج عباده من بطون أُمهاتِهِم لا يعلمون شيئاً ، فطلب العلم فريضة علي كل مسلم ,, ولا يُنال العلمُ إلا بطلبِهِ .
فعلى كل مسلمة أن تسعى لطلبه والعمل على تحصيله , ومن أعرض عن تعلم العلم الشرعي وقع في أخطاء جسيمة عظيمة ، كالتي ذكرناها في هذا المبحث ، وكم سمعنا عن نساءٍ يعصين ويخالفن أشياء معلومة من الدين وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، فهذه امرأة ظلت سنوات عديدة لا تغتسل من الجنابة ؛ لأنه لم يحدث إنزال وهذا من الجهل , وغيرها التي لا تحسن الوضوء أو الصلاة أو لا تعلم شيئاً عن أحكام الحيض والنفاس ، ولو علمت المرأة ما في طلب العلم ما تكاسلت عنه .
- أخرج الإمام أحمد وأبو داوود وغيرهما عن أبى الدرداء قال :
" سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من سَلَكَ طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلي الجنة ، وإن الملائكةَ لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع , وإن العالِم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء , وفضل العالِم على العابد كفضل القمرِ على سائر الكواكب , وإن العلماء ورثة الأنبياء , وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما وَرَثوا العلم , فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر " .(1/3)
2) ترك الدعوة إلي الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(1).
- وأخرج الإمام مسلم عن أبي سعيدٍ الخُدري قال :" سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان " .
- وأخرج البخاري عن عُبادة بن الصامِت - رضي الله عنه - أنه قال : " بايعنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة فى العُسر واليُسر والمنشط والمكره وعلى أثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول الحق أينما كنا ولا نخاف فى الله لومة لائم "
- وأخرج الإمام أحمد وأبو داوود وهو فى صحيح الجامع حديث رقم 1974 عن أبى بكر - رضي الله عنه - قال :
" يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }(2)فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ".
- وعند النسائي بلفظ :
" إن الناس – أو القوم – إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقاب ".
__________
(1) التوبة71 .
(2) المائدة 105 .(1/4)
فالواجب على المرأة أن تكون داعية إلى الله في بيتها وفى مجتمعها تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الأوساط النسائية . فكم من امرأة وفتاه كانت سبباً في هداية بنات جنسها من كن لا يلتزمن بأوامر الله من ارتداء الحجاب وإقامة الصلاة وغيرها من الفروض والواجبات ؛ لأنها مأمورة بأن تقوم بواجب الدعوة إلى الله لقول الحق سبحانه وتعالى حكاية عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - :
{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }(1).
فإتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل فيهن النساء ، ولكن ينبغي عليهن أن تكون الدعوة إلي الله على علمٍ وبصيرة ، و المرأة تستجيب للمرأة لأن كلاً منهما تفهم أحاسيس ومشاعر الأخرى فالاستعداد للقبول فيها يكون أكبر .
3) استصغار الذنب والتجرأ على فعله :
إن الذنوب الصغيرة في نظر المرأة والتي لا تلتفت إليها ولا تزال تكررها قد تكون سبباً فى هلاكها وذلك لما يأتي :
1 – الإصرار على الصغيرة كبيرة ، فإنه لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار فمن أصر على معصية صغيرة في نظره قد تكون كبيرة عند الله تعالى لأن فيها تجرأ على حدود الله وكذلك هذا يدل على قلة الحياء من الله وعدم الخوف منه .
2 – قد يكون الذنب الصغير استدراجاً يؤدى إلي الوقوع في الكبائر بعد ذلك ، كمن أطلق بصره لا يأمن أن يقع في الزنا بعد ذلك لما تفعله النظرة من إثارة للشهوات .
3 – إن الذنب مهما صغر يجعل الإنسان يألف المعصية ويتعود عليها ولا ينفر منها ، فتضعف مقاومته ولا يقوى على إغرائها .
فلهذا ولغيره حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من صغائر الذنوب .
- فقد أخرج الإمام أحمد من حديث سهل بن سعد الساعدى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
__________
(1) يوسف 108 .(1/5)
" إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قومٍ نزلوا ببطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ وجاء ذا بعودٍ حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم ، وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه ."
- وكان أنس - رضي الله عنه - يقول كما عند البخاري : " إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق فى أعينكم من الشعر إنا كنا لنعُدها على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات ، يعنى : المهلكات "
? قال الحافظ بن حجر فى فتح الباري (11/329) قال بن بطال :
المحقرات إذا كثرت صارت كباراً مع الإصرار .
- وقد أخرج أسد بن موسى فى الزهد عن أبى أيوب الأنصاري قال:
" إن الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها وينسى المحقرات فيلقى الله وقد أحاطت به ".
إن المرأة إذا استصغرت بعض الذنوب فإن ذلك يضر بها أكبر الضرر فى دينها , ونحن نرى فى حياة الناس أن الكثيرات اعتدن على استصغار ذنوب كثيرة مثل النظرة والاختلاط بالرجال والمصافحة والغيبة والنميمة ، وعلى العاقلة أن تحذر ذلك وتعود نفسها على الطاعة واجتناب المعاصي صغيرها وكبيرها , فالخير عادة والشر لجاجة .
4) إضاعة الوقت فيما لا ينفع :
لبيان أهمية الوقت والزمان نجد أن الله تعالى يقسم به وذلك لبيان فضله وشرفه
فقال تعالى : { وَالْفَجْرِ{1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ{2} } ( الفجر:1-2)
وقال تعالى : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى{1} وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى{2} } ( الليل:1-2)
وقال تعالى : { وَالضُّحَى{1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى{2} } ( الضحى1-2)
وقال تعالى : { وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} } ( العصر:1-2)
والوقت يتميز بأمور لا تكون فى غيره وهى : -
1- أنه أغلى ما فى الوجود :
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما -عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
" نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة والفراغ "
ويقول ابن قدامة – رحمه الله- :
وكل نفسٌ جوهرةٌ نفيسة لا عدلٌ لها ولا خلف لها .(1/6)
2- كل لحظة تمر تدنيك من أجلك وتبعدك عن أملك :
يقول الحسن البصري : " يا ابن آدم اعلم أنك أيام معدودة ، فإذا مر يومٌ مر جزءٌ منك ، وإذا مر الجزء فسيمرُ الكل وأنت تعلم فاعمل .
ويقول ابن قدامة- رحمه الله ـ :
" واعلم أن مدة حياتك محدودة وأنفاسك معدودة ، فكل نفسٍ ينقص به جزءٌ منك "
وصدق القائل:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضي يدني من الأجل
3- ما مر من الوقت فلن يعود :
فما من يوم يمر على ابن آدم إلا قال له : يا ابن آدم إني يوم جديد وعلى ما تعمل فيَّ شهيد ، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك ، فقدم ما شئت تجده بين يديك وأخر ما شئت فلن يعود أبداً إليك .
نعم فلو خرج منك نفساً واحداً ما استطاع أهل الأرض أن يرجعوه إليك مرةً أخرى .
4- الوقت مطية إلى جنة نعيمها مقيم أو نار عذابها أليم :
فقد أخرج بن عدى فى الكامل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
" الليل والنهار مطيتان فأحسنوا السير عليهما إلي الآخرة واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة .ولا يغترن أحدكم بعلم الله فإن الجنة والنار أقرب إلي أحدكم من شراك نعله "
?وفى الأثر: إن هذا الليل والنهار خزانتان فانظروا ما تضعون فيهما .
- وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة أنه قال:
" يا عبادي إنما أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " .
وصدق القائل حيث قال :
إنما الدنيا إلي الجنة والنار طريق ... والليالي متجرٌ والإنسان والأيام سوق
فلما علم السلف قيمة الوقت كانوا أحرص ما يكونوا عليه فلا تمر ثانية إلا في طاعة وكانوا يعدوا ذلك مغنماً ، وعلموا أن ضياع الوقت بلا فائدة مغرماً
كما قال قائلهم :
إذا مر بي يومٌ ولم أقتبس هدى ... ولم أستفد علماً فما ذاك من عمري
وقال الحسن البصري : أدركت أخواناً كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه .(1/7)
لكننا في هذا الزمان نجد من لا يقدر قيمة الوقت وقدره ويجهل بأهميته ؛ لذا تجد أن الهمم قد ماتت وأصبح هناك دعة وراحة وتكاسل تمر الساعات والأيام والشهور والسنين ولا يحسب لها حساب ، بل هناك من تنادى على الأخرى وتقول : تعالى نُضيِّع الوقت وهناك من النساء من تقف الساعات الطوال أمام المرآة ، وهناك من تتكلم في الهاتف بالساعات الطوال ،أو تجلس مع صديقتها طوال النهار ، وهناك من وهبت حياتها للتلفاز فلا تتحرك من أمامه إلا لقضاء حاجتها فقط .
وغير ذلك من صور ضياع الوقت الممقوتة .
واعلمي أختاه
إن المسلم ينبغي عليه أن يغتنم وقت فراغه في طاعة الله قبل أن يحول بينه وبين الأعمال الصالحة ما ينشغل به من أمور الدنيا ، فوقت الفراغ رأس مال العبد لا ينبغي عليه أن يفرط فيه ويضيعه فيما لا فائدة منه من لغو أو باطل ، أو مما لا يعود عليه بالنفع وعلى كل عبد أو أمةأن يعمل للغد ،
فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل ، فكل ساعة تمر لا تقربك إلى الله ،فهي عليك حسرة يوم القيامة ، فعليك باغتنام الأوقات والشباب والصحة والغنى والفراغ قبل يوم الحسرات عند طلب الرجوع عند الممات فيقال لك : فات .
أخرج الحاكم من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك , وصحتك قبل سقمك , وغناك قبل فقرك , وفراغك قبل شغلك , وحياتك قبل موتك . " ( صحيح الجامع: 1077)
5) الكلام في التليفون لساعات طوال :
وهذا فيه مفاسد منها :
- ضياع للمال - ضياع للأوقات - قد يتجه الكلام المباح إلى محظور ( وهذا ما يحدث فى الغالب )
فأما ضياع المال :
مما لا شك فيه أن الإنسان سيسأل يوم القيامة عن ماله : من أين أخذه وفيما أنفقه ، وهل أخذه من حِل ووضعه فى حقه .
- قال بعض العلماء:
مصيبتان لم يسمع بهما الأولون والآخرون ، فى مال العبد يُأخذ منه كله ويُسأل عنه كله .(1/8)
والخطر يكون عظيماً عندما تدفع هذا المال بسبب أحاديث الغيبة والنميمة أو كلام لا ينفع ولا يضر أى ليس لله فيها نصيب . وهذا فى الدنيا ثم " ولعذاب الآخرة أشد "
– كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل – رضي الله عنه – فقال له :
"وهل يكب الناس على وجوههم فى النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ "
ولذلك كان بعضهم يقول : يا لسان قل خيراً تغنم أو أمسك عن شر تسلم من قبل أن تندم .
فعندما نتكلم لا بد أن نضع نُصب أعيننا قوله تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }(1).
وأما ضياع الأوقات :
فلو اعتبرنا دفع المال فى المكالمات التي فيها شر أو ليس فيها خير ، ولا شر من السفه فأشد من ذلك إتلاف الأوقات والأنفاس ثرثرة لا تجدي ولا تعود بالنفع . قال تعالى: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }(2).
وكان عطاء بن أبي رباح يقول :
" إن من كان قبلكم كان يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو تنطق بحاجتك فى معيشتك التي لابد منها. أتنكرون أن عليكم حافظين كراماً كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد . و أما يستحى أحدكم إذا نُشرت صحيفته التي ملأها صدر نهاره كان أكثر ما فيها ليس فى أمر دينه ولا دنياه ؟ "
وقال الحسن البصري :
"يا بن آدم بُسِطت لك صحيفة وَوُكِلَ بك ملكان كريمان يكتبان أعمالك فأعمل ما شئت، أقلل أو أكثر".
وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - :
"الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع وإن أكثرت منه قتل" .
ومن الحِكم المأثورة :
·?دليل عقل المرء قوله ، ودليل أصله فعله .
__________
(1) ق18
(2) النساء114 .(1/9)
·?إذا تم العقل نقص الكلام .
·?من كَثُرَ كلامه كُثُرَ مَلامَهُ .
·?بكثرة الصمت تكون الهيبة .
·?سلامة الإنسان فى حفظ اللسان .
نصيحة
فليتق الله هؤلاء الثرثارون من الرجال والنساء الذين يقضون الساعات فى أحاديث تليفونية لا طائل تحتها ولا فائدة من ورائها ، فإن الله كَرِهَ لنا قِيل َ وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال .
وتتمة للفائدة فإننا نذكر هنا مخالفة خاصة أيضاً بالتليفون ألا وهى : كلمة " آلو "
فهي تشتمل على عدة مخالفات :
( المخالفة الأولى أصبحت بديلة عن تحية الإسلام :
فإن كلمة ( آلو )هي اختصار لكلمة ( هالو ) الأجنبية وهذه الكلمة لا تصلح بديلاً عن التحية الإسلامية . فالسلام هو تحية أهل الإسلام وهو من أسماء الله تعالى وقد ورد فى قوله تعالى:
{ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } (سورة النور:61) .
وابتداء السلام : سنة ، ورده : واجب , وذهب البعض إلى وجوبه ابتداءً
وهو أحد القولين: فى مذهب أحمد وغيره .فالسلام هو تحية الإسلام
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" لما خلق الله آدم قال : اذهب فسلم على أولئك- نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوا ورحمة الله " .
فالسلام هو حق المسلم علي المسلم
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" حق المسلم علي المسلم ست ، وذكر منها السلام فقال : إذا لقيته فسلم عليه " .
وورد في إفشاء السلام وفضائله أحاديث كثيرة منها : ـ
- ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- :
" أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي السلام خير ؟! قال تُطعِم الطعام وتقرأ السلام علي من عرفت ومن لم تعرف "(1/10)
- و أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال :
" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا , ألا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم ! أفشوا السلام بينكم "
- وأخرج ابن حبان عن البراء – رضي الله عنه- عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:
" أفشوا السلام تسلموا "
- وأخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام – رضي الله عنه- قال :
" سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام "
?قال مجاهد : كان عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يأخذ بيدي فيخرج إلى السوق يقول :
إني لأخرج ومالي حاجة إلا لأُسلم ويُسَلَم علىَّ فأعطي واحدة واحدة وآخذ عشراً .
يا مجاهد : إن السلام من أسماء الله تعالي ، فمن أكثر السلام أكثر ذكر الله تعالي .
ومن فوائد السلام :
امتثال السُنة والخروج من الحُرمة على القول بوجوبه , وإن بذله من موجبات المغفرة وإنه يوجب المحبة بين المسلم وإخوانه , ومنها حصول الحسنات وإدراك الفضيلة في إفشاء اسم الله السلام , ومنها موافقة تحية أهل الجنة وإحياء سنة نبينا آدم عليه السلام , وتصفية وُد أخيك المسلم .
(المخالفة الثانية : إشاعة ونشر كلمة أجنبية بلا حاجة ولا ضرورة :
فلقد نهى عمر عن رطانة العجم وقال : " إنها خبُّ "
وقال أيضاً : " ما تعلم الرجل الفارسية إلا خب ولا خب رجل إلا نقصت مروءته .
وقال أيضاً : " من كان يُحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالفارسية فإنه يورث النفاق " .
وورد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع قوماً يتكلمون بالفارسية فقال :
ما بال المجوسية بعد الحنفية ؟!
وعن عطاء قال :
" لا تعلموا ركانة الأعاجم ، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم فإن السخط ينزل عليهم " .
وورد مثله عن عمر ـ رضي الله عنه ـ
وقال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم :(1/11)
وأما الخطاب بها ( أي بلفة الأعاجم ) من غير حاجة فى أسماء الناس والشهور كالتواريخ ونحو ذلك فهو منهيٌّ عنه مع الجهل بالمعني بلا ريب ،
وأما مع العلم به فكلام أحمد ّ بين في كراهيته أيضاً
( يعني لو عُلِمَ المعني وكان المعني غير حرام فهو مكروه أيضاً النطق به ) .
وقد كرِهَ الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمى بغيرها وأن يتكلم بها خالطًا له بالعجمية .
فالحمد لله الذي أكرمنا بأشرف اللغات ولا داعي لأن نستبدل الذي هو أدني بالذي هو خير أو نستسلم لمعاني الغزو الفكري ونُصاب بالهزيمة النفسية ونترك تحية المسلمين وننبهر بكلمات أجنبية .
(وأما المخالفة الثالثة : أن فى هذه الكلمة ( آلو ) خضوعٍ بالقول لا يليق بالمسلمات :
فقد قال تعالى : { يا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }(1).
فلا تخضعن بالقول : أي لا تلِّنَ بالقول . فالمرأة إذا خاطبت الأجانب وكذا المحرمون عليها بالمصاهرة إلي عدم اللين فى الكلام ، وهي مأمورة بخفض الصوت ، وأن تقل قولاً معروفاً .
قال القرطبى :
فالقول المعروف هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس .
فكلمة ( آلو ) قبيحة وخصوصاً للنساء فهي أقرب إلي الخضوع بالقول ، فالكلمة غالباً ما تنبعث مع تمطيط وترقيق للصوت ، و المرأة مأمورة بالصيانة والتحفظ والتحجب والتستر والكل مدعو للتباعد عن مواطن التُهَم والريب والشكوك ما وسعه الأمر .
ملحوظة :
__________
(1) الأحزاب32(1/12)
هناك كلمة قريبة من كلمة ( ألو ) فيها ما فيها من الخضوع والتمطيط المنهي عنه ألا وهي كلمة ( مين ) عندما تسأل مثلاً عن الطارق أو المُتصل فهي كلمة فيها خضوع بالقول وتمطيط ويشتد الأمر فتنة إذا نطقتها المرأة بميوعة ، أو أن تكون هذه هي طبيعة صوتها ، والأرفق بها إذا أجابت المتكلم أن تقول ( مَن ) وتغير طبيعة صوتها إذا كان به ليونة كما بيَّن العلماء .
وانظري إلي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- أنه قال:
" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : التسبيح للرجال والتصفيق للنساء "
وهذا لأخذ الحيطة وسد باب الشهوة علي ضِعاف القلوب فعلي المرأة إذا دعتها الحاجة أو الضرورة للكلام أو إجابة المتحدث أن تحذر الخضوع بالقول وإن حسُنت النوايا "(1)
6) مُشاهدة التِلفاز :
إن التلفاز فتنة دخلت كل بيت وعكف الناس عليه ، فاستشرى الفساد في جسد الأمة حتى وصل إلي النخاع ، وما نراه الآن من اغتصاب وخروج النساء عاريات وعلاقات مُحرمة وانتشار الرشوة والغناء والخنا والفجور وغير ذلك كان سببه ( المُفسديون ) الذي أفسد علي الناس دينهم لما يشاهدونه من مناظر داعرة لنساء خليعات عارية ، ورجال يتكلمون بكلام العشق والمجون ، وكذا مزامير الشيطان وغير ذلك من ألوان المعاصي .
لكن ما حُكم هذا الجهاز ؟؟
- جاء في فتاوى اللجنة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية : ... أن الجلوس أمام التليفزيون جائز إن كان المسموع غير مُحرم ، كتلاوة القرآن والمحاضرات الدينية والنشرات التجارية والأخبار السياسية ، ويكون ممنوعاً إن كان المسموع محرماً كالأغنيات الخليعة والكلمات الماجنة وأصوات المغنيات ولو بأغنيات غير ماجنة ,
وأغاني الرجال الذين يتكسرون في غنائهم أو يتخنثون فيها ,
__________
(1) خطورة التليفون ..بتصرف(1/13)
وبالجملة فالجلوس للاستماع تابعان لحكم المسموع حلاًلا كان أو حراماً ، وقد يمنع ما كان جائزاً من السماع والجلوس من أجل الإفراط فيه وتضييعه الوقت ، فقد يكون الإنسان فى أمس الحاجة إلى شغله بما يعود عليه بالنفع وعلى أسرته وعلى الأمة بالنفع العميم والخير الكثير
والأحوط فى ذلك تركه لأنه قد يكون وسيلة إلى سماع ورؤية ما يحرم سماعه ورؤيته .
ويقول الشيخ عبد الله علوان ـ رحمه الله ـ فى رسالته (حكم الإسلام فى وسائل الإعلام)
ما دام التليفزيون اليوم يرمى فى أكثر برامجه إلى إهدار الشرف ، ويوجه نحو الفساد والإباحية ويشجع على السفور والاختلاط ، فان اقتنائه والاستماع إلى برامجه والنظر إلى مشاهده يعد من أكبر الحرام وأعظم الإثم
وإليكم الدليل على ذلك : ـ
1- أجمع الفقهاء والأئمة المجتهدون في كل زمان ومكان أن مقاصد التشريع الاسلامى خمسة هم: حفظ الدين ، وحفظ العقل ، وحفظ النسل ، وحفظ النفس ، وحفظ المال
وقالوا : إن كل ما جاء فى الشريعة من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وقواعد أصولية تهدف إلى حفظ هذه الكليات الخمس ، وباعتبار أن أكثر برامج التليفزيون الحالية من أغاني ماجنة وتمثيليات خليعة ودعايات مثيرة وأفلام فاسدة تستهدف إهدار الشرف وضياع العرض وشيوع الزنا والفاحشة ، فإنه يحرم النظر إليها والاستماع لها للحفاظ على النسب والعرض .
2- أخرج الإمام مالك والدارقطني عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"لا ضرر ولا ضرار".(1/14)
فهذا الحديث الشريف يعد قاعدة شرعية من أهم القواعد التي قعدها الفقهاء واستنبطها علماء الأصول؛ لأن عليها مدار الإسلام فى أوامره ونواهيه ؛ ولأنها تهدف إلي تحريم كل ما يضر بالفرد والمجتمع والأخلاق بلفظ بليغ موجز وباعتبار أن التليفزيون فى برامجه الحالية يوجه إلي ميوعة وانحلال ، ويثير فى المجتمع الكوامن الغريزية والشهوة ، فإنه يحرم على المسلم أن يشتريه ويدخله بيته حفاظاً على عقيدة الأسرة وأخلاقها وقطعاً لدابر الأضرار التي تنجم عنه وتطبيقاً لقاعدة
" لا ضرر ولا ضرار " .
3- من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية
قاعدة : سد الذرائع ، ومعناها : تحريم المباح لكونه يؤدى إلي حرام .
فباعتبار أن النظر إلي برامجه الحالية يؤدى إلي الفساد والتحلل ، صار اقتناؤه أو استعماله محرماً لكونه يؤول إلي أسوأ المفاسد وأحط الأخلاق .
4- إن أكثر البرامج الترفيهية التي تعرض علي شاشة التليفزيون مصحوبة بالمعازف والغناء الخليع والرقص والمجون . وباعتبار أن الاستماع إلي الموسيقى والمعازف محرم , وباعتبار أن النظر إلي الراقصات والنساء المتبرجات بصفة خاصة يترتب عليه إثارة الغرائز وهياج الشهوات ، كان اقتناؤه حراماً ، وبالتالي كان النظر إلي هذه البرامج محرم أيضاً , لما لها من خطر فى تقويض دعائم التربية والأخلاق . هذه عدا ما للتليفزيون من
- أضرار صحية : كإضعاف البصر , وتعويد من هو مُغرم به على السهر .,,,
- وأضرار نفسية : كتعلق القلب بممثلة حسناء شغلت لُبه وتفكيره .
- وأضرار تعليمية : كإشغال الطلاب عن واجباتهم المدرسية وتكوينهم الثقافي .
- و أضرار فكرية : كإضعاف الذاكرة وملكة التفكير والفهم والاستيعاب .
- وأضرار مالية : كإتلاف المال فى شرائه ، والأسرة فى أمس الحاجة إلي تأمين حاجياتها الضرورية .(1/15)
- وأضرار اجتماعية : ما يترتب من الاجتماع عليه من علاقات مشبوهة وحوادث خُلُقِية ومفاسد عائلية يعاني منها من يقضى أكثر وقته فى النظر إليه والسهر عليه .
7) خلع جلباب الحياء :
إن هذا الدين يقوم علي أمور وهى : العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب والعقوبات .
وبهذه الأمور أتم الله علينا نعمته وأكمل علينا دينه ، وبها نتحلى بكل فضيلة ونتخلى عن كل رذيلة , والحياء هو رأس الأخلاق والآداب , ولشرف الحياء وقدرهُ وعظيم أثره تصدر طليعة الخصائص الأخلاقية لهذه الملة الحنيفة .
- فقد أخرج ابن ماجة وصححه الألباني من حديث زيد بن طلحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إن لكلِ دينٍ خُلُق وخُلُق الإسلام الحياء ".
فالإسلام أشرف الرسالات ولهذا أعطاه الله – تعالي- الناس أشرف الأخلاق ألا وهو الحياء والأمة بلا أخلاق هي أضل من الأنعام
وصدق القائل حيث يقول :
فلا والله ما فى العيشِ خيرٌ ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيشُ المرءُ ما استحيا بخيرٍ ... ويبقى العودُ ما بقىَ اللحاءُ
ويقول ابن القيم – رحمه الله - كما فى الداء والدواء :
والحياء مشتقٌ من الحياة , والغيث يسمى حياً– بالقصر– لأنه به حياة الأرض والنبات والدواب ، وكذلك سُميت بالحياء حياة الدنيا والآخرة ، فمن لا حياء لهُ فهو ميتٌ فى الدنيا وشقيٌ فى الآخرة .
- وانظري أيتها الأخت الفاضلة لهذا الحديث الذي أخرجه الحاكم وصححه الألباني عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الحياء والإيمان قُرِنا جميعاً فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر "
- وفي صحيح مسلم عن عمران بن حُصين - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" الحياءُ خيرٌ كُله "(1/16)
وبهذا نعلم أن حرص المرأة على الحياء والاستمساك به هو الحرص على الفضيلة والعفة والخُلُق القويم الذي يجبر كل تقصير ويمنع كل قبيح ويأمر بكل مليح ، فما كان الحياءُ فى شيءٍ إلا زانهُ وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانهُ , فلو ضاع الحياء ضاعت المرأة معه ، إذ أنه لا يمكن الوصول إلي المرأة والإيقاع بها قبل القضاء علي هذا الخُلُق العظيم خُلُق الحياء .
وأعداء الإسلام يكيدون للمرأة المسلمة ليل نهار حتى تنخلع عن حيائها فعمدوا على خروج المرأة للعمل والاحتكاك بالرجال فى شتى المجالات ، وكذلك عرض المشاهد المُخزية والأغاني الهابطة والتي تدعوا إلي الفُحش والفجور وتحرك داعي الشهوة , وكلمات الغزل التي تُهيج العواطف وتُثير كوامن الإثارة وغير ذلك من الأمور التي ألفها النساء قبل الرجال فمات الحياء معها .
وتجرأت المرأة فخرجت عارية فى الشوارع والطرقات ، ووضعت على جسدها العطور والبرفانات وخرجت وحدها للرحلات وغير ذلك من الأمور التي تُغضب ربُ الأرضِ والسماوات .
يقول الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود :
" إذا أردت أن تعرف خسارة فقد الحياء فانظر إلي بعض البلدان التي هجر نساؤها الحياء , تري فيهم العجب من فساد الأخلاق والآداب وتكوين الطباع وفساد الأوضاع ، فلا تُبالي المرأة بما فعلت أو فُعِلَ بها , فلا تستحي من الله ولا من الخلق ، ولا ترغب فى أن يبقي لها شرف أو ذكر جميل تُذكر به . وهذا معني قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت فى سنن الترمذي :
" إذا لم تستح فاصنع ما شئت "
8) التحلل من الفضيلة باسم التحضر والتقدم :
- فنجد بعض النساء يخلعن الحجاب ويلبسن البنطال والملابس القصيرة العارية
وهذا كله باسم التحضر .
- أو الكلام مع الصديق أو الخليل عبر المحمول (الجوال) وذلك باسم التحضر.
- أو خروج بلا إذن الأهل ، وسهر إلي أوقات متأخرة وذلك باسم التحضر .(1/17)
- أو شراء المجلات الخليعة التي تنشر الخلاعة والبذاءة وتدعوإلى التحلل من الفضيلة ، وتنشر العُرى وتشجع على السفور والتبرج وذلك باسم التحضر .
- أو خروج الشاب والفتاة معا فى نزهة خلوية وذلك باسم التحضر ، ثم يحدث بعد ذلك ما لا يحمد عقباه .
- أو النظر إلي ما حرم الله عن طريق الفضائيات أوالفيديو أو التلفاز، وكل ما فيها يدعو إلي التبرج والسفور والخلاعة والتحلل من القيم والأخلاق الفاضلة ، وذلك عن طريق الأفلام والمسلسلات الهابطة والأغاني الماجنة ، وهذه الأجهزة فيها ما فيها من الشر المستطير وهدم الأخلاق والدين ومحاربة القيم والأخلاق وذلك باسم التحضر .
- وكذلك مصافحة النساء للرجال والعكس وذلك باسم التحضر .
- أو عطاء الزوجة للصديق حتى يرقص معها وذلك باسم التحضر .
وغير ذلك من المعاصي التي خرجت علينا باسم التحضر والتي من شأنها أنها تميت القلب وتبعد عن الرب وجنته وتقرب من النار وعذابها .
أيها الأحبة :
الشرع لا يقف عقبة أمام التحضر لكن هل لا يكون تحضر إلا بارتكاب الفواحش والتجرأ على المعاصي ؟؟ ألا يستقيم أن يكون للأمة الإسلامية التي يحكمها شرع ربنا وسنة نبينا أن تتحضر بلا محاربة لمن بيده ملكوت السماوات والأرض ، فأي حضارة أختاه التي تدعوا إلي أن تكوني طعمه للجحيم وحطب للنار؟؟
فلا سبيل للسعادة والتقدم والتحضر إلا بالرجوع إلي شرع الله وطاعته فيما أمر والنهي عما زجر حتى نسود ونقود وتعود لنا الريادة ، ولا يظن أحد أن هذه دعوة إلي التخلف والرجعية وألا نعمل ونترك الدنيا لغيرنا يعملون فيتفوقون علينا .
لا بل نعمل ونتحضر ونتقدم لكن بلا معاصي ونجعل الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا .
9) التقليد الأعمى لنساء الغرب :(1/18)
أمرنا الله ـ عز وجل ـ أن نتبع سنة المرسلين وعباده المتقين الطيبين ولا نحيد عن هذا الطريق حتى لا نذل ونقع فى درك المعصية والشقاء فقال تعالى: { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } ( لقمان: 15)
لكننا نجد من حاد عن الجادة وأخذ يحاكى الغرب فى اللباس والزينة والطعام والشرب والكلام والعادات والتقاليد ، وكثير من أمور الحياة ، وأخذت نساء المسلمين تقلد من لا خلاق لهم .
فخلعت المرأة حجابها حاسرة عن رأسها وجسدها متلطخة بالعطر وتضرب بكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض الحائط وكأنه لا دين لها يأمرها وشرع لها يحكمها
ولكن الأمر كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري:
" لتَتَبِعُن سُنَن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى ولو دخلوا جُحر ضبٍ لاتبعتموهم .. قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟؟ قال فمن !! ".
10) ترك الختان :
الختان لغةً : هو التطهير والقطع .
الختان اصطلاحاً : هو قطع الجلدة التي تغطى حشفة الذكر وتسمى : قلفة ، وقطع جزء من البظر وهو الجلدة التي فى أعلى فرج الأنثى ، ويسمى ختان المرأة : خفاضاً .
وختان البنات مشروع من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن كلام أهل العلم ، وهناك من الأدلة العامة التي تشير من بعيد على مشروعية الختان للبنات وهناك أدلة خاصة جاءت صريحة على مشروعية الختان للبنات أيضا .
فمن الأدلة العامة : ـ
- ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال"
" خمسٌ من الفِطرة الختان والإستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر "
فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من سنن الفطرة الختان وهذا لا يخص به الرجال فقط دون النساء(1).
قال البيضاوي – رحمه الله - : إن حديث خمسٌ من الفطرة عام في ختان الذكر والأنثى .
__________
(1) انظر كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف صفحة 264 .(1/19)
- وقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا التقى الختانان وجب الغُسل " أى إذا التقى ختان الرجل وختان المرأة وجب الغسل . وهذا ما يستدل به الحنابلة على مشروعية الختان للبنات .
ومن الأدلة الخاصة التي تدل على ختان البنات :
- ما أخرجه البخاري فى قصة قتل حمزة وذكر فى الحديث : " خرج سباع فقال هل من مبارز ؟ فخرج إليه حمزة وقال له : يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور .
- ما أخرجه البخاري فى الأدب المفرد عن أم علقمة : أن بنات أختي عائشة خُتِنّ فقيل لعائشة ألا تدعو لهن من يليهن ؟ قالت بلي ، فأرسلت إلي عدى ....
قال الألباني – رحمه الله - : محتمل التحسين ( السلسلة الصحيحة حديث رقم 358) .
- وأورد الألباني فى السلسلة الصحيحة أحاديث كثيرة في إثبات الختان ، وأنه كان يُعرف عند العرب وهذه الآثار يشُد بعضها بعضاً حتى يرقى الحديث إلي مرتبة الصحيح إن شاء الله .
و أخرج الطبراني من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأم عطية :
" إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي ، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج "
- وأخرج أبو داوود عن أم عطية الأنصارية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر خاتنة تختن فقال :
" إذا ختنت فلا تنهكي فإن ذلك أحظي للمرأة وأحب للبعل " .
?وقال الحافظ بن حجر- رحمه الله – في هذا الحديث :
وله شاهدان : من حديث أنس ، وحديث أم أيمن عند أبي الشيخ فى كتاب العقيقة
وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي .
(رأى الأئمة في ختان الإناث :
اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على أن الختان : محمدة ومكرمة وأنه من الفطرة ومن شعائر الإسلام , ولم يقل أحد منهم بمنعه أو عدم جوازه ، فهذا القدر متفق عليه من جميع الفقهاء .
ولكنهم اختلفوا فى حكمه للإناث ما بين الوجوب والاستحباب :
·?مذهب الشافعي : أن الختان : واجب للذكر والأنثى .(1/20)
·?مذهب الإمام أحمد بن حنبل : واجب فى حق الذكر والأنثى
وله رواية أخرى يقول فيها : إن الختان واجب للرجل وسنة للأنثى .
·?مذهب مالك وأبو حنيفة : أنه سنة فى حق الجميع :
قال القاضي عياض وابن القيم – رحمهما الله- :
إن السنة عند مالك يأثم تاركها ، وهى درجة بين الواجب والمندوب
وعلى هذا تعدل الواجب عند الجمهور لاشتراك الجميع فى أن التارك لها يأثم .
وقد جاء فى فقه الإمام أبى حنيفة كما فى كتاب ( الاختيار شرح المختار ) للموصلي (2/221) أنه لو اجتمع أهل مصر – بلد – على ترك الختان قاتلهم الإمام ؛ لأنه من خصائص الإسلام .
·?وقد ذهب لوجوب ختان الإناث أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن الجوزي حيث قال : ومن الدليل على الوجوب أنه إيلام وكشف عورة فلولا أنه واجب ما فسح فيه .
وأفتى فضيلة المفتى / علام نصار مفتى الديار المصرية سابقاً فى مجلة لواء الإسلام بتاريخ 23 يونية عام 1951 الموافق 19 رمضان لعام 1370:
بأنه مشروع فى حق البنات .
كما أفتى فضيلة المفتى/ جاد الحق على جاد الحق مفتى الديار المصرية سابقاً
على مشروعيته للبنات والفتوى بتاريخ 23 من ربيع الأول لعام 1401 الموافق 29 يناير 1981 . كما أفتى أيضا بذلك فضيلة المفتى / محمد سيد طنطاوى مفتى الديار المصرية سابقاً وشيخ الأزهر حالياً فتوى بتاريخ 9 جماد الآخر لسنة 1407 هـ الموافق 27 ديسمبر 1987 م على مشروعيته للبنات أيضا .
فوائد الختان للبنات كما ذكرها ابن القيم :
1. الختان علماً لمن يضاف إلى ملة إبراهيم ودينه ـ عليه السلام ـ .
2. الختان طهارة ونظافة وتزيين وتحسين للخلق .
3. الختان تعديل للشهوة وتنظيم لها وجعلها متوسطة بين الحيوانية والجمادية .
4. الختان زينة ، وأي زينة أحسن من أخذ ما طال وجاوز الحد من جلدة القلفة وشعر العانة والإبط والشارب و ما طال من الظفر .
5. الختان بهاء للوجه وضياء يظهر عليه وتخلص من الكسفة التي ترى عليه .(1/21)
6. الختان أحب للبعل – أى للزوج – ويكون أئدم للحب بين الزوجين
7. الختان يساعد على الحد من السحاق – وهو مباشرة المرأة للمرأة – .
8. ومن فوائد الختان ما ذكره الدكتور أبو بكر عبد الرزاق فى كتاب رأى العلم والدين فى ختان الأولاد والبنات : أن الافرازات الدهنية المنفرزة من الشفرين الصغيرين إن لم يقطعها مع جزء من البظر فى الختان ، تتجمع وتترنخ ويكون لها رائحة غير مقبولة ، وتحدث التهابات قد تمتد إلى المهبل بل إلى قناة مجرى البول .
9. هذا القطع كما أشرنا يقلل الحساسية للبنات حيث لا شيء لديها ينشأ عند احتكا ك جالب للاشتهاء ، وحينئذ لا تصير البنت عصبية . وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال :
" فإنه أحسن للوجه وأرضى للزوج " .
11) مصاحبة صديقات السوء :
فكم من امرأة شقيت وكانت شقوتها بسبب جليسة السوء وكم من نساء قد شقيت فى الآخرة بالجحيم التي لا تموت فيها ولا تحيا بسبب جليسة السوء .
فالصاحب ساحب فإما يأخذ بيد الإنسان إلى مرضاة الله ، وإما أن يأخذ بيده إلي النار وغضب الجبار فلتنظر المرأة من تخالل ولتنظر من تصاحب .
- أخرج أبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المرء علي دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل "
?قال المباركفورى ـ رحمه الله ـ فى تحفة الأحوذى (7/49) :
فمن رضيت دينه وخلقه خالله ، ومن لا تجنبهُ فإن الطباع سراقة والصحبة مؤثرة في إصلاح الحال أو إفساده وصدق القائل حيث قال :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينهُ ... فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ... ولا تصحب الأردي فتردى مع الردى
ومما لا شك فيه أن الجلساء والأصدقاء يؤثر بعضهم في بعض وهذا ما يؤكده النبي - صلى الله عليه وسلم -
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي موسي الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(1/22)
" إنما مثلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما يُحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة , ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة . "
قال النووي ـ رحمه الله ـ تعليقاً علي هذا الحديث :
إن هذا الحديث فيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب . والنهى عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يُكثر فُجره .
12) الاستماع إلي الأغاني والألحان :
إن الاستماع إلي الأغاني والموسيقي من الأمور التي عمت بها البلوى وانتشرت فى مجتمعنا انتشار النار في الهشيم ,
فلنعلم جميعاً أن الغناء حرام بنص القرآن وصحيح السنة وإجماع من يعتد به من السلف .
(أدلة تحريم الغناء من القرآن الكريم :
(الدليل الأول : قوله تعالي : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ{6} وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{7} }(1)
- وقد اخرج الحاكم وصححه البيهقي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال :
" والله الذي لا إله إلا غيره هو الغناء وظل يرددها ثلاثاً "
?قال ابن كثير :
كذا قال ابن عباس وعلى بن أبي طالب وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد
ثم قال ابن كثير فى هذه الآية : لما ذكر الله تعالي السعداء ، وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه ، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا علي سماع المزامير والغناء والألحان وآلات الطرب .
(
__________
(1) لقمان 6, 7(1/23)
الدليل الثاني : قوله تعالي: { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }(1)قال ابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة:
إن المكاء : هو الصفير والتصدية : هي التصفيق .
والمقصود : أن الذين يصفقون ويصفرون في مزمار ونحوه فيهم شبه من هؤلاء الذين كانوا يصفقون حول البيت ويتخذون ذلك عبادة .
(الدليل الثالث :قوله تعالى : { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }(2).
ومعني الآية : أن الله تعالي يقول للشيطان استفزز الساهين واللاهين بصوتك الذي هو الطرب والغناء وما صاحبه من موسيقي وغيرها من المعازف وازهم أزاً وحركهم إلي المعصية ومرنهم على الفاحشة والفجور .
فكل من سمع الغناء فليعلم : أن الشيطان قد استحوذ عليه فصار من حزبه ، وقد دعاه الشيطان فقال: لبيك .
?وقال القرطبى فى تفسير هذه الآية :
إن هذه الآية دليل على تحريم الغناء والمزامير واللهو ، فما كان من صوت الشيطان أو فعله فيجب التنزه عنه .
ثم أيد ما استنبطه بالحديث الذي رواه الإمام أحمد عن نافع مولي ابن عمر قال :
" كنت أسير مع ابن عمر فلما سمع زمارة راع فوضع إصبعيه في أذنيه وعدل راحلته الي الطريق وهو يقول يا نافع أتسمع ؟ فأقول : نعم . فيمضى ... حتى قلت لا . فرفع يده وعدل راحلته الى الطريق وقال : رأيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - سمع زمارة راع فوضع أصبعيه فى أذنيه كما فعلت .
وفى رواية : فصنع مثل هذا . "
?قال القرطبى:
وهذا فى غناء هذا الزمان عندما كان يخرج عن حد الاعتدال فكيف بغناء زماننا ؟؟
__________
(1) الأنفال35
(2) الإسراء64(1/24)
يا الله القرطبى يقول ذلك وهو فى القرن السادس من الهجرة ، فكيف لو رأيت زماننا يا قرطبى ؟!!
(الدليل الرابع : قوله تعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً }(1)
قال محمد بن الحنفية : الزور هنا هو الغناء ... والمعني هنا : أنهم لا يحضرون مجالس الباطل وإذا مروا بكل ما يلهي من قول وعمل أكرموا أنفسهم أن يقفوا عليه أو يميلوا له .
وقال الكلبي : " لا يشهدون الزور يعني : لا يحضرون مجالس الباطل "
وأما الأدلة من السنة فكثيرة ونكتفي بحديث واحد منها لعدم الإطالة :
- حديث أخرجه البخاري عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" ليكونن من أُمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف "
- ومعني الحديث : أنه سوف يأتي قوم يستحلون المحرمات ، منها فروج النساء ولبس الحرير أي : للرجال ، وشرب الخمر ويستمعون المعازف والغناء ، ويقولون : هذا مباح فيعزفون ويطبلون ويرقصون ويغنون ، وإذا جابهتهم وأنكرت عليهم ، قالوا : هذا مباح وقد صحت نبوءته - صلى الله عليه وسلم - بذلك .
- ويستفاد من الحديث تحريم الغناء وذلك من وجوه :
الأول : قوله : يستحلون إذ الأصل هو الحرمة ، ولكنهم يستحلون ما حرم الله.
الثاني : اقترانه بالزنا والخمر ولبس الحرير ، وكل هذه الأمور محرمة .
?قال ابن القيم – رحمه الله - :
ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم الغناء وآلات الملاهي فأقل ما يقال أنها شعار الفساق وشاربي الخمور .
- وكان ابن عباس وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- يقولا :
" إن الغناء يُنبت النفاق في القلب كما يُنبت الماء البقل "
- وكان مالك يقول عن الغناء : " إنما يفعله عندنا الفُساق "
ولذا كان القانون المصري سنة 1938 ميلادية يرد شهادة المغني والممثل .
- وكان الضحاك يقول : " الغناء مفسدة للقلب ومسخطة للرب "
__________
(1) الفرقان72 .(1/25)
- وكان الفضيل بن عياض-رحمه الله – يقول: " الغناء رقية الزنا "
13) الوقوع في الزنا :
إن جريمة الزنا من أعظم الكبائر والمصائب التي تنكد علي الشخص حياته وتفسد عليه دنياه وأُخراه وتجعله فى نكد دائم وهمٍ لا يُفارق . , فكم من نفسٍ قد أزهقت بسبب الزنا , وكم من رحمٍ قد قطعت بسبب الزنا , وكم من امرأة قد طلقت بسبب الزنا , وكم من صدقات قد مُزقت بسبب الزنا , وكم من مولود قد أُلحِق بغير أبيه بسبب الزنا , وكم من وجه قد سُلِبَ بهاؤه وعينٍ سلبت ضياؤها وقلب اضطرب وانقلب بسبب الزنا !!! ...
- ولقد حذرنا الله سبحانه وتعالي من مجرد الاقتراب من الزنا ودواعيه فكيف بالوقع فيه
فقال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }(1)
ولقد أمر الله – تعالي- النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ البيعة على النساء ومن جملة ما في البيعة عدم الزنا ,
فقال تعالى : " { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (الممتحنة:12)
فإياكِ أيتها الأخت الفاضلة والزنا
فإنه فيه ضياع للأحساب وخلط للأنساب وتمليك الأموال لغير مستحقيها .
- فقد أخرج أبو داود بسند حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - :
" أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لما نزلت آية الملاعنة : أيما امرأة أدخلت علي قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الجنة ".
فإلي كل مسلمة وقعت في الزنا ، أو كانت سبباً لفتنة الشباب ، نقول لها :
__________
(1) الإسراء32 .(1/26)
أيتها المسلمة يا من رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولا.
تذكري لحظة وقوفك بين يدي الله ـ عز وجل ـ عندما يسألك أَمَتي حجابك لما خلعتيه ؟؟؟
وجسدك لما عريتيه ؟؟؟ والشباب لما فتنتيه ؟؟؟ فماذا ستقولين لربك ؟
أيتها الأخت المسلمة !! لا تعرضي نفسك للنار وغضب الجبار ولا تبارزينه بالمعصية
واحذرى الوقوع في هذه الفاحشة التي تجلب العار لأبويك وأخوتك بل لأقاربك وعشيرتك .
إنها لحظة عصيان يعقبها الفضيحة والعار وغضب الجبار .
- فاتقي الله في نفسك واتقي الله فى عرضك ووالديك ، وليكن لكي أسوة فى مريم ابنة عمران
التي أثني الله عليها فقال :
{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ }(1)
وانظرى إلي سارة عندما يحدثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها كما عند البخاري :
" لما أدخلت على الجبار قامت تتوضأ وتصلي فقالت : اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط على هذا الكافر .. ففرج الله همها وأزال كربها .
تنبيه : ويحرم كذلك علي النساء السحاق ، وهو إتيان المرأة للمرأة.
14) الزواج العرفي :
الزواج العرفي من المشكلات الخطيرة التي طرحت نفسها بقوة علي الساحة وخصوصاً في الآونة الأخيرة بعد أن أصبحت ظاهرة تفشت وعمّت وطمّت في فئات المجتمع المختلفة .
ومشكلة الزواج العرفي اقتربت من أن تكون كارثة أخلاقية وتشريعية واجتماعية ؛ لما تخلفه من أثار خطيرة على الزوجة باعتبارها الضحية الأولى من هذا الزواج وعلي المجتمع أيضاً .
__________
(1) التحريم12 .(1/27)
ـ وازداد الإحساس بخطرها عندما تفشت بين طلاب وطالبات الجامعات ، وكأن الأمر لا شيء فيه فلقد كنا نسمع عن هذه المشكلة فى أوساط اجتماعية خاصة كرجال الأعمال والفنانين والفنانات ، ثم بدأت تنتشر انتشار النار فى الهشيم بين طلاب وطالبات الجامعة .
- فما أسهل أن يتفق الطالب مع زميلته فى الكلية على الزواج عرفياً فى السر دون علم الأهل ، ثم يقوم بكتابة ورقة عرفية يوقع عليها شاهدان من زملائهما فى الجامعة وبذلك يعتقدان ( خطأ ) أن زواجاهما العرفي أصبح حلالاً شرعاً .
ـ ونظراً للجهل الكثير ممن قدموا على هذا الزواج خاصة الشباب المراهق من طلاب وطالبات الجامعة بحقيقة هذا الزواج والحكم الشرعي الصحيح له بسبب ثقافتهم الدينية المتدنية وبسبب اعتمادهم على رأى بعيد عن الصواب مما أوجد لهم مبرراً وتكأة للإقدام على هذا الزواج .
ـ فليعلم الجميع أن الزواج العرفي والذي يتم بلا ولى ، وبصورة غير شرعية من إعلان وتوثيق، ما هو إلا نوع من أنواع الزنا ونوع من أنواع التحايل على الفاحشة بطريق يظن أنه شرعي فيتم الزواج عن طريق هذه الورقة التي تكتب بين الشاب والفتاة ثم يستمتع بها وتستمتع به حتى إذا قضى شهوته ونال منها مراده وحصل مبتغاة تركها وقطع الورقة ليبحث عن غيرها فيخدعها بكلمات زائفة كما خدع الأولى وتتكرر المأساة .
ـ إن هذا الزواج ما هو إلا شهوة حيوانية هابطة سرعان ما ينطفئ لهيب هذا الشوق ويصطدم رأس الفتاة بصخرة الواقع بمجرد أن ينطفئ لهيب الشهوة ويقضى كل منهما وطره من الآخر.
ويعكر عليها سعادتها الزائفة هذا الجنين الذي بدأ يتحرك فى أحشائها والذي يشكوها يوم القيامة عند الله ـ عز وجل ـ بعد ما يفر الأب ويهرب بعيدا ، وتتحمل هي على عاتقها جزاء جرمها .
ولتتقى الله كل فتاة مؤمنة أن تقع فى شراك شاب مخادع فيخدعها بتلك الورقة ؛ لتفقد عفتها وشرفها ثم تواجه المصير وحدها ولن يرحمها أحد
((1/28)
انظري أسباب الزواج العرفي وموقف الشرع منه على نفس الموقع ).
15 ) أن تصف المرأة ُ المرأة َ لزوجها أو لغيره :
وهذا الأمر لا يجوز شرعاً
- فقد أخرج البخاري من حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لا تباشر المرأةُ المرأةَ حتى تصفها لزوجها كأنه ينظر إليها "
( المباشرة هي المخالطة والملامسة )
?قال القابسى كما في فتح الباري ( 11/252 ) :
وهذا أصل لمالك ـ رحمه الله ـ فى سد الذرائع ، فإن الحكمة فى هذا النهى خشية أن يعجب الرجل الوصف المذكور ، فيفضى ذلك إلى تطليق الواصفة والافتتان بالموصوفة .
" والزوج فى الحديث لا مفهوم له ، بل وصفها ممنوع حتى لأخى الزوجة أو ابنها و نحوهما " .
ـ فانظر أخى الحبيب رحمك الله بعين الحكمة إلى هذا الحديث وما فيه ، فإذا كان وصف امرأة لرجل أجنبى عنها لا يراها يؤدى إلى المفاسد ، فكيف حال من تخرج كالعروس تعرض جمالها وزينتها ما خفي منها وما ظهر فى كل محفل وشارع وناد ؟! .
إن حال المرأة المعاصرة بلغ من السقوط والانتكاس والرذيلة الغاية التي ليس بعدها شيء ، وهذا كله ينذر بالهلاك ـ نعوذ بالله من الخذلان ـ ونسأل الله تعالى لنا ولهن الستر فى الدنيا والآخرة .
16) دخول المرأة الحمام – موضع الاستحمام – لغير ضرورة وخلعها ثيابها في غير بيتها لغير حاجة مُلِجئة :
وهذا الأمر غير جائز شرعاً ، وهو من المخالفات التى تقع فيها المرأة .
- فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود عن أبي الميلح قال:
" دخل نسوة من أهل الشام علي عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقالت من أنتن ؟ فقلن من أهل الشام . فقالت لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام ؟ فقلن نعم .
فقالت أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت بينها وبين الله تعالي " .
وفي رواية : " إلا هتكت الستر بينها وبين الله تعالي ".(1/29)
- وفي رواية أخرى عند أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجة وصححه الألباني فى صحيح الجامع 2710 عن عائشة ـ رضى الله عنها – قالت :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى" .
?قال المناوى – رحمه الله – كما فى فتح القدير ( 3/136 ) :
أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيتها ـ كناية عن تكشفها للأجانب وعدم سترها منهم ـ فقد هتكت سترما بينها وبين الله ـ عز وجل ـ ؛ لأنه تعالى أنزل لباساً ليوارى به سوءاتهن وهو لباس التقوى وإذا لم يتقين الله وكشفن سوءاتهم ، هتكن الستر الذي بينهن وبين الله تعالي , وكما هتكت ستر نفسها ولم تصن وجهها وخانت زوجها ، يهتك الله سترها والجزاء من جنس العمل . أ هـ .
والهتك : هو خرق الستر عما وراءه . والهتيكة : هي الفضيحة
- وعند الإمام أحمد عن أم الدرداء ـ رضي الله عنها ـ قالت :
" خرجت من الحمام فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال من أين يا أم الدرداء ؟ فقالت من الحمام . فقال : والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهى هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن ."
- والحمام هو موضع الاستحمام ودخوله للرجال : مباح شرط التستر وغض البصر عن العورات , وأما للنساء : فممنوع إلا بعذر من نفاس أو مرض ، وإنما مُنع النساء من الحمام لأن أمرهن مبنى على المبالغة فى التستر ، ولما فى وضع ثيابهن في غير بيوتهن من الهتك ولما في خروجهن من الفتنة والشر .
ـ وانظروا أحبتى فى الله كيف أن الشرع منع أن تنكشف المرأة أمام المرأة فى الحمامات الخاصة بالنساء ، فكيف بها الآن وقد خرجت عارية على الشواطىء وحمامات السباحة العمومية ؟؟!!!
والتي اختلط فيها الرجال بالنساء ونشكو إلى ربنا فى رفع هذا الأمر الذي لا نعرف له مثيلاً فى التاريخ .
17) سفر المرأة وحدها من غير مِحرِم :(1/30)
سفر المرأة وحدها بلا محرم يعرضها لعبث العابثين ، وقد تقع فى حبائل الذئاب الجائعة ، لا سيما فى وقتنا الذي انتشرت فيه الرذائل وعم الفساد وكثر الانحلال فى الأخلاق وذهب الحياء والمروءة . فما يذهب إليه البعض : فى جواز سفرها بلا محرم هو من رقة الدين وتهور فى الإفتاء .
فالنهى عن السفر وحدها جاء صريحا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يعارض بنصوص محتملة .
- فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو مِحرِم "
وفى لفظ البخاري : " لا تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذي محرم ."
ملحوظة :
اختلف الفقهاء فى تحديد مدة السفر الذي يلزم فيه المحرم لاختلاف الروايات ( يوم – ليلة – يومين – ثلاث ليال - ) فذهب الأكثرية منهم إلى أن المراد مطلق السفر ولا عبرة للمفهوم العددي .
?قال النووي ـ رحمه الله ـ : ليس المراد من التحديد ظاهرة بل كل ما يسمى سفراً
فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم ، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه .
وقال أيضا كما فى شرح صحيح مسلم ( 9/104 ) :
كل ما يسمى سفراً تنهى المرأة عنه بغير محرم .
وقال البيهقي ـ رحمه الله ـ : إن كل ما يسمى سفراً فالمرأة تنهى عنه بغير زوج أو محرم سواء كان ( ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك )
لرواية ابن عباس المطلقة وهى عند مسلم : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " .
18) إطلاق البصر فيما نهي الله عنه :
قال تعالي : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ... الآية }(1).
__________
(1) سورة النور 30/31 .(1/31)
وغض البصر معناه الخفض وإطباق الجفن على العين بحيث يمنع الرؤيا ، وقد يكون بمجرد صرف البصر عن المنهي عنه .
وقال ابن بازـ رحمه الله ـ فى تفسير هذه الآية :
" فأمر الله عز وجل فى هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا ، وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين ؛ ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك .
ـ وانظرى أيتها الأخت الكريمة كيف أن الله ختم الآية بقوله : { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }
وذلك ليعلم كل إنسان أن الله خبير بما يصنعه الناس ، وأنه لا تخفى عليه خافية ، وفى ذلك تحذير للمؤمنين والمؤمنات من ركوب ما حرم الله عليهم والإعراض عما شرعه لهم . وتذكير لهم بان الله سبحانه يراهم ويعلم أفعالهم وأحوالهم
كما قال تعالى : {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } (غافر19)
فإذا عرفوا ذلك فيجب أن يكونوا على تقوى وحذر منه فى كل حركة وسكون .
وينبغي على العبد أن يستحي من الله أن يراه على معصية .
سٌئل الجنيد بما يُستعان على غض البصر ؟
قال : بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظر إليه .
?قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ :
إنما بصرك يا أخي نعمة فلا تعص الله بنعمة .
ولتعلم الأخت أن النظر إلى ما حرم الله هو من زنا العين .
- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة . فالعينان زناهما البصر , والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام , واليد تزني وزناها البطش , والرجل تزني وزناها الخطا , والقلب يهوى ويتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ."
إن حظ القلب من الزنا التمني والرغبة ، فلتحذر الأخت المؤمنة ذلك ولا تترك للقلب فرصة(1/32)
فقد يدفعها إلى معصية ، ولتستزيد دائماً من الحذر لأن حياتنا اليوم وظروف عصرنا جعلت الشهوات والمثيرات محيطة بنا متربصة محدقة بها , فلتغلق المؤمنة أبواب الشر وذرائع التهلكة ولا تترك لقلبها العنان , فإن القلب متقلب كاسمه وإن النفس مهلكة من اتبعها .
{ وما أُبرِىُْ نفسي إن النفسَ لأمارةٌ بالسوءِ }(1).
ـ ولتعلم الأخت المسلمة أنها ستسأل عن هذا النظر ، هل كانت تصرفه فيما يرضى الله ؟ظ
أم كانت تنظر إلى ما يغضب الله ...
قال تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }(2)
بل ستشهد عليك هذه العين يوم القيامة ..
فقال تعالى : { حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(3).
- وفى صحيح مسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال :
" كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فضحك , فقال أتدرون مما أضحك ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ,
فقال : من مخاصمة العبد ربه .. فيقول يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول رب العزة: بلى . فيقول العبد : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدٌ منى . فيقول رب العزة : كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا . قال :فيُختَمُ على فيهِ ، فيقال لأركانه : انطقي فتنطق بأعماله . قال : ثم يُخلَى بينه وبين الكلام فيقول – يعنى لأعضائه – بعداً وسحقاً لكُّن فعنكن كنت أجادل . " .
وأخيراً ننقل إليكى أختى المسلمة كلام أبو الأعلى المرودي ـ رحمه الله ـ حيث قال :
من الذي يكابر في أن كل ما قد حصل في الدنيا إلى هذا اليوم ولا يزال يحدث فيها من الفحشاء والفجور باعثه الأول والأعظم هو فتنة النظر . أ هـ
واعلمي أن غض البصر فيه فوائد عظيمة جليلة منها : ـ
1. إن غض البصر امتثال لأمر الله .
__________
(1) يوسف 53 .
(2) الإسراء36 .
(3) فصلت20 .(1/33)
2. إن غض البصر يورِث القلب نوراً وإشراقا يظهر فى العين والوجه .
3. إن غض البصر يورث القلب سروراً وفرحة وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر
4. إن غض البصر تخليص القلب من ألم الحسرة .
5. إن غض البصر يعمل على تخليص القلب من سُكر الشهوة .
6. إن غض البصر يورث صحة الفراسة .
7. إن غض البصر يفتح طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه .
8. إن غض البصر يجعل القلب مشغولاً بما يصلحه معرضاً عما يفسده .
9. إن غض البصر يسد على الشيطان مدخله إلى القلب .
10. إن غض البصر يمنع وصول أثر السهم المسموم الذي يكون فيه هلاك القلب .
19) مصافحة الرجال الأجانب :
كانت السنة النبوية عندما بايع الرجال النبي - صلى الله عليه وسلم - يصافحهم ويصافحونه ,
وعندما جاء عمرو بن العاص ـ رضى الله عنه ـ إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال له :
" ابسط يدك لأبايعك فبسط يمينه ."
وهكذا كانت تتم البيعة بالنسبة للرجال بالمصافحة .
- فلما جاءت النساء ليُبايِعن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظننّ أن نفس الأمر سيكون فى حقهن فقلن يا رسول الله :
ألا تصافحنا ؟! فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - :
كما في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي من حديث أميمة بنت رُقيقة :
" إنى لا أصافح النساء ، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ."
- وأخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – :
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع النساء بالكلام بهذه الآية : { لا يُشركنّ باللهِ شيئا }(1)
قالت : وما مَست يدُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة لا يملكها .
وإذا لم يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة فى حقه ، فغيره أولى بذلك لأن مصافحة المرأة للرجل أو العكس من أسباب الفتنة إذ إن نظر كلا من الجنسين إلى الأخر محرم بنص القران :
{
__________
(1) الممتحنة .(1/34)
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ .... وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ... } الآية ( النور 30،31 )
فاللمس من باب أولى ولقد عمدت الشريعة إلى سد الذريعة المفضية للوقوع فى الحرام ؛ لأن هذا كله من خطوات الشيطان ووسائل الفاحشة ومحركات الشهوة .
ولقد جاء الوعيد الشديد لكل من يمس يد امرأة لا تحل له والوعيد يشمل المرأة أيضا
فقد أخرج الطبراني بسند حسن حسنه الألباني فى السلسلة الصحيحة من حديث معقل بن يسار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لأن يُطعن أحدكم بمخيطٍ من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ."
قال الشيخ ابن جبرين – حفظه الله – :
لا يجوز للمرأة أن تصافح الأجانب عنها غير المحارم ، ولو كانت قد لبست القفاز وصافحت من وراء الكُم أو العباءة ، فكله مصافحة ولو من وراء حائل .
20) إلقاء السلام على الرجال :
?قال النووي – رحمه الله - :
قال أصحابنا : والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل ، وأما المرأة مع الرجل
فقال الإمام أبو سعد المتولي :
إذا كانت زوجته أو جاريته أو محرماً من محارمه فهي معه كالرجل ، فيستحب لكل واحد منها ابتداء الآخر بالسلام ويجب على الآخر رد السلام عليه .
وإن كانت أجنبية ، فإن كانت جميلة : يُخاف الافتتان بها لم يُسلم الرجل عليها ، ولو سلم لم يجز لها رد الجواب .
ولم تسلم هي عليه ابتداءً ، فإن سلمت لم تستحق جواباً فإن أجابها كُره له ،
وإن كانت عجوزاً : لا يُفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل ، وعلى الرجل رد السلام عليها ،
وإن كانت النساء جمعاً فيسلم عليهن الرجل ، أو كان الرجال جمعاً كثيراً فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة .
- وسئل الإمام أحمد عن التسليم على النساء فقال :
إذا كانت عجوزاً فلا بأس أما الشابة فلا تستنطق .(1/35)
وقال الكوفيون : لا يشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة ، قالوا ويستثنى المحرم فيجوز لها السلام على مَحرمها .
21) التلطف واللين والترقيق في الكلام عند مخاطبة الرجال الأجانب :
فالإسلام حرم على المرأة كل ما يلفت نظر الرجال إليها ، فحرم عليها أن تتعطر لكون الرائحة الطيبة تلفت الأنظار إليها ، وحرم عليها لفت الأسماع بصوت يصدر من حليها وخلخالها ..
قال تعالى :{ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(1)
?قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :
ومعنى هذا : أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم ،
أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها ... اهـ
فمن المصائب التي حلت بالنساء أن كثيراً منهن يبالغن في ترقيق الكلمات عند الحديث مع الرجال فيتكلمن برقة وميوعة ، وهذا مما يحرك الشهوة في قلوب الرجال ويثير الرغبة في قلوبهم نحوهن .
- فلا يظن أحد أن الميل بين الجنسين يأتي من النظر فقط ، بل الشم والسمع من أقوى الحواس التي تستثير الحاسة الجنسية عند الرجل والمرأة على حد سواء ، والرجل أشد .
يقول العلامة أبو الأعلى المودودي ( الحجاب ص91 ) :
بل الرجل والمرأة يميل أحدهما إلى الآخر ميلاناً دائماً أبداً ، وقد ركب فيهما ما لا يعد ولا يُحصى من أسباب الجذب والانجذاب الصنفي ، وأشربا في قلوبهما حب الجنس الآخر مع الولع به ، ووضعت في تركيب أجسامهما وفي تناسبها وألوانها وهيئتها وملمسها ، وفي كل جزء من أجزائها جاذبية الجنسين بعضهما لبعض ، وأودعت رنة صوتها ومشيتها وحركتها ولفتاتها قوة أخاذة ثم بث القدر فيما حولهما ما لا يحد من الأسباب التي تحرك فيها النزعات الجنسية وتميل أحدهما للآخر." اهـ
22) الخلوة :
__________
(1) سورة النور 31 .(1/36)
- والمقصود بالخلوة المحرمة : هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية ( من غير المحرمات ) عنه في غيبة عن أعين الناس ، والخلوة من أفعال الجاهلية وكبائر الذنوب .
- والحكمة من تحريم الخلوة هي : سد الذريعة إلى الفاحشة أو الاقتراب منها حتى يظل المرء واقفا على مسافة بعيدة قبل أن يفضي إلى حدود الجريمة الأصلية .
{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا }(1)
(أدلة تحريم الخلوة:
(أولاً من القرآن :
1- قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }(2)
?قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :
أي كما نهيتكم عن الدخول عليهن ، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب { : ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } .
2- وقال تعالى : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ }(3)
قال مجاهد : لا تخلو المرأة بالرجال .
وقال عبد الرحمن بن زيد : لا تخلو برجل غير ذي محرم ولا تسافر إلا مع ذي محرم .
(ثانياً من السنة :
ما أخرجه الإمام أحمد من حديث جابر ـ رضى الله عنه ـ أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال :
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخرفلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم ، فإن ثالثهما الشيطان " أى أن الشيطان يتسلط عليهما بالوسوسة ويهيج شهوتهما .
قال الأُبى : لا تعرض المرأة نفسها بالخلوة مع أحد وإن قل الزمن لعدم الأمن ، لاسيما مع فساد الزمن ، والمرأة فتنة إلا فيما جبلت عليه من النُفرة من محارم النسب .
نصيحة للأخت المسلمة : لا تتجرأى على هذا الأمر وأن تعطى الرجل الفرصة أن يخلو بك بحجة أنك واثقة من نفسك أو أن القلب أبيض والنية سليمة .
فقد كان بعض السلف يقول :
__________
(1) سورة البقرة 187 .
(2) سورة الأحزاب 53 .
(3) سورة الممتحنة 12 .(1/37)
من أعطي من نفسه أسباب الفتنة أولاً لم ينج آخراً وإن كان جاهداً ، فالشيطان يأخذ الرجل أو المرأة خطوة خطوة .
- فالخلوة في ذاتها حرام حتى ولو لم يخطر ببال الرجل أو المرأة بفعل الفاحشة ، وذلك سداً لباب الذريعة .
- ولنعلم جميعاً أن الشريعة جاءت رحمة بنا وصيانة لنا ولأعراضنا .
وصدق ربنا حيث يقول : { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(1)
فهو سبحانه خلق الرجل والمرأة وجعل فيهما الشهوة ، وأن كلا من الجنسين فيهما ميل للآخر .
وخلق الشيطان ، وهو سبحانه يعلم أنه عدوٌ مبين .
- فقال الحبيب - صلى الله عليه وسلم - كما مرَّ في مسند الإمام أحمد :
" ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان " .
فالشرع سد هذا الباب حتى لا يلج الإنسان منه إلى الزنا ، ويسلم الفرد ويسلم المجتمع من شبح الرذيلة والتي تهدد كيان الأسرة والمجتمع وحتى نعيش في أمن وسلام وتحيا القلوب بشرع علام الغيوب .
ومن صور الخلوة المحرمة : ـ
1ـ خلوة المدرس بتلميذته تحت دعوى الدروس الخصوصية .
2ـ خلوة الرجل بالخادمة فى البيت أو العكس ، وخلوة السائق بسيدته .
3ـ خلوة الخطيب بمخطوبته بدعوى أنهما مخطوبان .
قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ :
ليس له الخلوة بها لأن الخبر إنما ورد بالنظر ، فبقيت الخلوة على أصل التحريم .
4ـ خلوة الطبيب بالمريضة أو الممرضة .
23) الاختلاط :
تعريف الاختلاط : هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد يمكنهم فيه الإتصال فيما بينهم بالنظر أو الإشارة أو الكلام أو البدن من غير حائل أو مانعاً يدفع الريبة والفساد .
- والاختلاط باب من أبواب الزنا يلج الإنسان من خلاله إلى هذه الفاحشة والعفة حجاب يمزقه الاختلاط والذي هو بمثابة غدة سرطانية تسري في كيان المجتمع فتوهنه وتضعفه .
__________
(1) سورة الملك 14 .(1/38)
- والعجب أن ظاهرة الاختلاط أصبح ظاهرة اجتماعية مألوفة ، والأعجب أن الذي يدعو إلى عدم الاختلاط يعد هذا تخلف ورجعية .
وهذه بعض صور الاختلاط المحرمة والتي انتشرت في المجتمع المسلم :
1- اختلاط الأولاد الذكور والإناث – ولو كانوا أخوة – بعد سن التميز في المضاجع فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتفريق بينهم في المضاجع .
- فقد أخرج أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ".
2- اتخاذ الخدم الرجال واختلاطهم بالنساء والعكس
3- الاختلاط في دور التعليم كالمدارس والجامعات والمعاهد والدروس الخصوصية .
4- الاختلاط في وسائل المواصلات .
5- الاختلاط في الوظائف والأندية والأسواق والمستشفيات .
6- الاختلاط بين الجيران وفي الزيارات العائلية .
7- الاختلاط في الأعراس ( الأفراح ) والحفلات .
فلا ينبغي للمرأة أن تخالط الرجال فهذا مما حرمه الشرع وهذا مما يدل عليه القرآن وسنة الحبيب العدنان
(الأدلة من القرآن على تحريم الاختلاط :
1- قوله تعالى : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}(1)
ووجه الدلالة من الآية : أن الله تعالى أمر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطاهرات والمطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن ، وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين لما هو متقرر أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلا إذا اقتضت الضرورة خروجهن فكيف يقال بجواز الاختلاط الذي نراه الآن مع قلة الوازع الديني عند كثير من النساء وخلعهن جلباب الحياء وخروجهن متبرجات سافرات مع قلة الغيرة عند محارمهن .
__________
(1) سورة الأحزاب 33 .(1/39)
فالآية تدل على أن الأصل ألا تخرج المرأة في بيتها ولا تقال للمرأة متبرجة إلا إذا خرجت في بيتها ولذلك قرن الله التبرج بالخروج لأنها لو تبرجت في بيتها لم تكن متبرجة .
ويقول ابن باز – رحمه الله – :
وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قراراً وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ، ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها ، فخروجها من هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما لا تحمد عقباه .
2- قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }(1)
قال ابن جريرـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية :
وإذا سألتم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعاً فسألوهن من وراء حجاب أي من وراء ستر بينكم وبينهن .
3- قوله تعالى : { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ }(2)
?وجه الدلالة من الآية : أنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل ـ وإن كان جائزاً في نفسه ـ لئلا يكون سبباً إلى فتنة الرجال وذلك بسماع صوت الخلخال فتثير دواعي الشهوة عندهم ، وإذا كان الأمر هكذا فكيف برؤية وسماع المرأة .
وغير ذلك من الأدلة القرآنية لكن في هذا قدر الكفاية .
(أما الأدلة من السنة على عدم مشروعية الاختلاط :
- فقد أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد ، وبيوتهن خير لهن "
وفي رواية : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وبيوتهن خير لهن ".
- وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) سورة الأحزاب 53 .
(2) سورة النور 31 .(1/40)
" النساء عورة وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان فيقول : إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه ، وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال : أين تريدين ؟
فتقول أعود مريضاً وأشهد جنازة وأصلي في المسجد وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها ".
قال الحافظ في الفتح ( 2 / 495 ) :
ووجه كون صلاتها في الأخفى أفضل ، تحقق الأمن فيه من الفتنة
ويتأكد ذلك بعدما أحدث النساء من التبرج والزينة .
والخلاصة :
أن البيت بالنسبة للمرأة هو حصنها الحصين ومحل استقرارها وراحتها وطمأنينتها وهو خيرُ حجاب لها فلتلزمه ولا تغادره إلا لحاجة وضرورة ، وإذا خرجت فبالشروط المشروعة ، وبذلك تحافظ على كرامتها وكرامة المجتمع .
فإذا خرجت لضرورة أو خرجت إلى المسجد ،
فهناك من الشروط والقيود التي وضعها الشارع لمنع الفتنة والاختلاط :
1- ألا تخرج متعطرة .
2- جعل باب خاص بالنساء للدخول والخروج منه .
3- تكون في منأى عن الرجال حيث لا تُرى .
4- تتصرف النساء قبل الرجال حتى لا يقع الاختلاط .
5- تمشي في حافة الطريق ولا تمشي في وسطه حتى لا يقع الاختلاط أيضاً .
24) مباشرة المرأة للمرأة في الثوب الواحد :
إن الإسلام يغلق أبواب الفتن ويسد الذرائع ويبعد المرأة عن كل ما لا يليق بها ، فيجعلها كريمة عزيزة حيية ، وإن بعد الكثيرات عن الإسلام ومنهجه القويم يجعلهن يقعن في كثير من المخالفات ومن هذه المخالفات : نوم المرأة بجوار المرأة على سرير واحد وتحت غطاء واحد فتتلاصق الأجساد ما ترى في هذا بأس بزعم أنها امرأة مثلها ، ويحدث بعد ذلك ما لا يحمد عقباه من سحاق وغيره .
وإن لم يكن هذا في مخيلة المرأة وهو بعيد عنها إلا أنها ينبغي أن تستجيب لكلام الحبيب - صلى الله عليه وسلم - .
- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :(1/41)
" لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد ".
25) التناجي مع أخرى في حضور الثالثة :
... إذا كانت المرأة معها امرأتان فلا تتحدث مع إحداهن وتترك الأخرى لأن ذلك بالتأكيد يؤلمها ويضايقها وهذا ما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه ..
- فقد أخرج الإمام البخاري ومسلم فى كتاب السلام باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث ".
26) الهجر والخصام فوق ثلاثة أيام دون سبب شرعي :
من خطوات الشيطان إحداث القطيعة بين المسلمين وكثيرون أولئك الذين يتبعون خطوات الشيطان فيهجرون إخوانهم المسلمين لأسباب غير شرعية ، إما لخلاف مادي أو موقف سخيف وتستمر القطيعة دهراً ، وقد يحلف أن لا يكلمه وينذر أن لا يدخل بيته وإذا رآه في طريق أعرض عنه وإذا لقيه في مجلس صافح من قبله ومن بعده وتخطاه ، وهذا من أسباب الوهن في المجتمع الإسلامي ، ولذلك كان الحكم الشرعي حاسماً والوعيد شديداً .
- فقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار ".
- وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن أبي خراش الأسلمى ـ رضى الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ".
ويكفي من سيئات القطيعة بين المسلمين الحرمان من مغفرة الله عز وجل ،
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين ، يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : اتركوا هذين حتى يفيئا ".(1/42)
ومن تاب إلى الله من المتخاصمين فعليه أن يعود إلى صاحبه ويلقاه بالسلام ، فإن فعل وأبى صاحبه فقد برئت ذمة العائد وبقيت التبعة على من أبى .
- فقد أخرج البخاري عن أبي أيوب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ".
أما إن وجد سبب شرعي للهجر كترك الصلاة أو إصرار على فاحشة ، فإن كان الهجر يفيد المخطئ ويعيده إلى صوابه أو يشعره بخطئه صار الهجر واجباً ، وأما إن كان لا يزيد المذنب إلا إعراضا ولا ينتج إلا عتوا ونفوراً وعناداً وازدياداً في الإثم فعند ذلك لا يسوغ الهجر لأنه لا تتحقق به المصلحة الشرعية بل تزيد المفسدة ، فيكون من الصواب الاستمرار في الإحسان والنصح والتذكير .
ومثال ذلك : هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - كعب بن مالك وصاحبيه لما رأى من المصلحة ، وعدم هجر عبد الله بن أبي سلول والمنافقين لأن عدم الهجر في حقهم أصح (1) .
27) الوقوف في الشرفات كاشفة عن محاسنها :
فبعض النساء إذا وقفت في شرفتها تقف وقد كشفت عن شعرها ولبست خفيف ثيابها فيراها المارة ، بل نجد أن بعض المنتقبات إذا خرجن ونظرن من الشرفات فإنها تخرج كاشفة عن وجهها أو حاسرة عن يديها ، فكل هذا من المخالفات التي ينبغي أن تتنبه إليها الأخت الفاضلة .
28) استقبال الأضياف :
فإذا ما قرع الضيف الباب فإن المرأة سرعان ما تستشرف الباب وتفتح ، وتكون هي في استقبال الضيف وهذا يتطلب منها ابتسامة جميلة وكذلك من حسن استقباله أن تصافحه ، وغير ذلك من المخالفات التي نهانا عنها الشرع .
29) الأكل أو الشرب في آنية الذهب والفضة :
__________
(1) محرمات استهان بها الناس يجب الحذر منها .(1/43)
لا يكاد يخلو محل من محلات الأدوات المنزلية اليوم من الأواني الذهبية والفضة أو المطلية بالذهب والفضة ، وكذلك بيوت الأثرياء وعدد من الفنادق ، بل صار هذا النوع من الأواني من جملة الهدايا النفسية التي يقدمها الناس بعضهم لبعض في المناسبات ، وكل هذا من الأمور المحرمة فى الشريعة ، وقد جاء الوعيد الشديد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في استعمال هذه الأواني .
- فقد أخرج البخاري ومسلم عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ".
- وعند مسلم عن أم سلمة ـ رضى الله عنها ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إن الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر – أي يصوت – في بطنه نار جهنم ".
- زاد الطبراني : " إلا أن يتوب ".
- وأخرج النسائي وهو في صحيح الجامع ( 6866 ) عن أنس – رضي الله عنه - :
" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الأكل والشرب في إناء الذهب والفضة "
- وفي صحيح مسلم عن أم سلمة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" من يشرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه ناراً من جهنم ".
وهذا الوعيد الشديد من النبي - صلى الله عليه وسلم - يشمل كل ما هو من الآنية وأدوات الطعام كالصحون والشوك والملاعق والسكاكين وأواني تقديم الضيافة .
30) تعليق صور ذات الأرواح على الجدران أو في الثياب :
1- أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :
" دخل علىَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت قرام(1) فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه وقال : من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يصورون هذه الصورة "
2- أخرج البخاري ومسلم أيضاً عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ :
__________
(1) القرام : بكسر القاف هو الستر الرقيق ، وقيل الصفيق من صوف ذي ألوان ، وقيل هو الستر الرقيق وراء الستر الغليظ .(1/44)
" أنها اشترت نمرقة - أي مُخَدة – فيها تصاوير فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهة فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ، ماذا أذنبت ؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما بال هذه النمرقة ؟
فقلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيُقال لهم أحيوا ما خلقتم ، وقال : إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ".
3) وعند البخاري بلفظ آخر عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :
" دخل علىَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سترتُ سهوة ً(1) لي بقِرامٍ فيه تماثيل – وفي رواية – فيه الخيل ذوات الأجنحة ، فلما رآه هتكه وتلون وجهه ، وقال : يا عائشة أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ،
وفي رواية : " إن أصحاب هذه الصور يعذبون ويُقال لهم أحيوا ما خلقتم ، ثم قال :
إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة.
قالت عائشة : فقطعناه فجعلنا فيه وسادة أو وسادتين فقد رأيته متكئًا على أحدهما وفيها صورة (3)
قال الألباني ـ رحمه الله ـ في آداب الزفاف ص114 في هذا الحديث فائدتان :
الأولى : تحريم تعليق الصور أو ما فيه صورة .
والثانية : تحريم تصويرها سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة
وبعبارة أخرى : لها ظل أو لا ظل لها ، وهذا مذهب الجمهور .
قال النووي : وذهب بعض السلف إلى أن الممنوع ما كان له ظل وما لا ظل له فلا بأس باتخاذه مطلقًا وهو مذهب باطل .
فإن الستر الذي أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت الصورة فيه بلا ظل ومع ذلك فأمر بنزعه . أهـ
__________
(1) سهوة : هو بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة " النهاية " .
3 وفيها صورة : أى جزء من صورة(1/45)
- وأجاب بعض من كتب في هذه المسألة من المعاصرين عن حديث عائشة هذا بأن هذه الصورة تخالف الواقع وتصف الكذب إذ ليس في الوجود خيل ذات أجنحة ، ومن أجل ذلك كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الرسم .
?فقال الألباني ـ رحمه الله ـ :
وهذا الجواب باطل من وجوه :
أولاً : أنه ليس في الحديث ما يشير أدنى إشارة إلى أن سبب الإنكار إنما هو مخالفة الصورة للواقع بل فيه ما هو كالصريح على أن العلة في ذلك وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - :
" إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة " فأطلق الصور ولم يخصها بنوع معين ، فلهذا هتك - صلى الله عليه وسلم - الستر وأمر بنزعه منعًا للسبب المانع من دخول الملائكة إلى البيت وهذا واضح جدًا .
ثانيًا : لو كان سبب الإنكار هو المخافة التي ذكرها حضرة الكاتب المشار إليه لما أقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة على اتخاذها في جملة لعبها فرسًا له جناحان ،
والحديث في سنن أبي داود وعند النسائي في عشرة النساء بسند صحيح .
- أما حديث أبي طلحة : " إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة إلا رقمًا في ثوب "
فمعناه في ثوب ممتهن غير معلق كما أفاده حديث عائشة السابق ، فإنه صريح في أن الملائكة لا تدخل البيت ما دام فيه صورة معلقة ، بخلاف ما إذا كانت ممتهنة كما أفاده قولها : " فقد رأيته متكئًا على إحداهما وفيها صورة " فهذه الصورة هي التي لا تمنع من دخول الملائكة فحديث عائشة مفصل فهو يخصص حديث أبي طلحة ، فلا يجوز الأخذ بعمومه كما فعل حضرة الكاتب .
على أنه قد أخطأ فيه مرة أخرى فإنه استدل به على جواز تصوير الرقم في الثوب وبني عليه جواز التصوير على الورق .(1/46)
وهذه مغالطة فالحديث لا يجيز إلا الاستعمال على ما فصلنا ، وأما تصوير الصورة نفسها فهذا مما لم يتعرض الحديث لبيانه ، وإنما تعرض له حديث عائشة وهو صريح في تحريم التصوير على الثوب بقوله فيه : " إن أصحاب هذه الصور يعذبون ...." الحديث
فلا يجوز ترك هذا النص لحديث أبي طلحة الذي لم يتعرض لهذه المسألة ، وهذا بيّن لكل منصف إن شاء الله .
ويتفرع مما ذكرنا : أنه لا يجوز لمسلم عارف بحكم التصوير أن يشتري ثوبًا مصورًا – ولو بلا امتهان – لما فيه من التعاون على المنكر فمن اشتراه ولا علم له بالمنع ، جاز له استعماله ممتهنًا كما يدل عليه حديث عائشة هذا ، والله الموفق .
هذا ولعل الصورة المذكورة في آخر الحديث: " فقد رأيته متكئًا على إحداهما وفيها صورة "كان وقع القطع في وسطها بحيث إنها خرجت عن هيئتها وبهذا جمع الحافظ بين الحديثين وبين حديث النمرقة وهو حديث عند البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ :
" أنها اشترت نُمرقة(1) فيها تصاوير فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : ما بال هذه النمرقة ؟ ، فقلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : إن أصحاب هذه الصور ،
وفي رواية : " إن الذين يعملون هذه التصاوير" : يعذبون يوم القيامة (2) ويقال لهم أحيوا ما خلقتم ، وإن البيت الذي فيه مثل هذه الصور لا تدخله الملائكة ، قالت : فما دخل حتى أخرجتها ".
?قال الألباني :
ثم وجدت ما يؤيده من رواية أبي هريرة من حديث جبريل :
" أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن في البيت سترًا في الحائط فيه تماثيل فاقطعوا رءوسها فاجعلوها بسائط أو وسائد فأوطئوه فإنا لا ندخل بيتًا فيه تماثيل ".
__________
(1) نُمرقة : هي الوسادة كما في " النهاية " و " لسان العرب " .(1/47)
4) أخرج الإمام مسلم عن عمران بن حصين قال :
" قال لي عليٌّ - رضي الله عنه - ألا أبعثك علي ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبر مشرفًا إلا سويته " .
فهده الأحاديث دالة علي تحريم صور ذوات الأرواح من الآدميين وسائر الحيوانات مما له ظل أو ليس له ظل ، سواء كانت مطبوعة أو مرسومة أو محفورة أو منقوشة أو منحوتة أو مصبوبة بقوالب ... ونحو ذلك ، والأحاديث في تحريم الصور تشمل ذلك كله .
5) فقد أخرج الإمام مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ وذكره الألباني بزيادات هي عند أبي داود والنسائي والترمذي والطحاوي وغيرهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" أتاني جبريل - عليه السلام - فقال لي : أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تمثال(1) ( الرجال ) وكان في البيت قِرام سترٍ فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومُر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتين توطآن ، ومُر بالكلب فليخرج ( فإنا لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا كلب ، وإذا الكلب ( جِرَو) لحسن أو حسين كان تحت نَضَد ((2)لهم – وفي رواية – تحت سريره ، فقال : يا عائشة متى دخل هذا الكلب ؟ ، فقالت : والله ما دريت فأمر به فأخرج
( ثم أخذ بيده ماءً فنضح مكانه ) .
__________
(1) تمثال : بكسر التاء وهي الصورة كما في القاموس وغيره ، فالتمثال يطلق على الصورة المجسمة وغير المجسمة خلافًا لما يتوهم البعض ، وقد استعمل في الحديثين بالمعنييين ، فهنا أراد المعنى الأول : بدليل الأمر بقطع الرأس وفي المحل الآتي أراد المعنى الثاني .
(2) نضد :بفتح النون والضاد المعجمة : هو السرير الذي تنضد عليه الثياب أي يجعل بعضها فوق بعض كما في غريب الحديث لابن قتيبة والنهاية لابن الأثير .(1/48)
?قال الألباني : هذا نص صريح في أن التغير الذي يحل به استعمال الصورة إنما هو الذي يأتي على معالم الصورة فيغيرها بحيث أنه يجعلها في هيئة أخرى ،
وقد عبر بعض الفقهاء عن هذا التغيير بقولهم : إذا كانت بحيث لا تعيش جاز استعمالها .
وهذا تعبير قاصر كما لا يخفى ، ولهذا كان عمدة لبعض المحتالين على النصوص الذين يحاولون الخلاص منها بتأويلها أو بتحكيم آراء الرجال فيها ، وأصدق مثال على ذلك مقال طويل لبعضهم كنت قرأته منذ سنين في مجلة نور الإسلام التي سميت فيما بعد مجلة الأزهر خلاصته أنه يجوز للمسلم الفنان أن ينحت صنمًا كاملاً على أن يحفر حفرة في الرأس تصل إلى الدماغ بحيث إنه لا يعيش لو كان حيًا ! ثم تفنن حضرة الشيخ فذكر أنه لكي لا يظهر عيب الصنم من الناحية الفنية للناظرين فإنه بإمكان الفنان أن يضع الشعر المستعار على الرأس المحفور ، وبذلك تنستر الفجوة ويبدو تمثالاً كاملاً لا عيب فيه يرضي الفنانين، وفي الوقت نفسه يكون قد أرضى الشارع بزعمه فهل رأيت أيها المسلم تلاعبًا بالشريعة ونصوصها بما يشبه هذا التحريف المنشور في مجلة محترمة ! .
تالله إن هذا لأشبه شىء بعمل من ضربت عليهم الذلة والمسكنة الذين قال الله فيهم :
{ وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } ( الأعراف 163)
وقال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري ومسلم :
" قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ( أي أذابوه) ثم باعوه وأكلوا ثمنه ".
- ولهذا حذرنا - صلى الله عليه وسلم - من اتباع سنتهم فقال :
" لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل "(1).
__________
(1) رواه ابن بطة بسند جيد .(1/49)
- وقريب من هذا تفريق بعضهم بين الرسم باليد وبين التصوير الشمسي بزعم أنه ليس من عمل الإنسان وليس من عمله فيه إلا إمساك الظل فقط ! كذا زعموا ، أما ذلك الجهد الجبار الذي صرفه المخترع لهذه الآلة حتى استطاع أن يصور في لحظة ما لا يستطيعه دونها في ساعات فليس من عمل الإنسان عند هؤلاء .
- وكذلك توجيه المصور للآلة وتسديدها نحو الهدف المراد تصويره وقبيل ذلك تركيب ما يسمونه بالفيلم ثم بعد ذلك تحميضه وغير ذلك مما لا أعرفه ، فهذا أيضًا ليس من عمل الإنسان عند أولئك أيضًا ؟
- بل يقول بعضهم دون أي تردد : إن هذه الصورة ليست من عمل الإنسان وثمرة هذا التفريق عندهم أنه يجوز تعليق صورة رجل مثلاً في البيت إذا كانت مصورة بالتصوير الشمسي ، ولا يجوز ذلك إذا كانت مصورة باليد ، وهذا جمود على ظواهر النصوص .
وهذا كقول أحدهم في الحديث :
" نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البول في الماء الراكد "
فقال : فالنهي عنه هو البول في الماء مباشرة أما لو بال في إناءٍ ثم أراقه في الماء فهذا ليس منهيًا عنه .
يقول هذا مع أن تلويث الماء حاصل بالطريقتين ، ولكن جموده على النص منعه من فهم الغاية من النص .
- وكذلك هؤلاء المبيحون للتصوير الشمسي جمدوا على طريقة التصوير التي كانت معروفة في عهد النهي عنه ، ولم يلحقوا بها هذه الطريقة الجديدة من التصوير الشمسي مع أنها تصوير: لغةً وشرعًا وأثرًا وضررًا كما يتبين ذلك بالتأمل في ثمرة التفريق المذكور آنفًا .
- ولقد قلت لأحدهم منذ سنين يلزمكم على هذا أن تبيحوا الأصنام التي لا تنحت نحتًا ، وإنما بالضغط على الزر الكهربائي الموصول بآلة خاصة تصدر عشرات الأصنام في دقائق كما هو معروف بالنسبة للعب الأطفال ونحوها من تماثيل الحيوانات فما تقول في هذا ؟؟!! فبُهت .
ثم قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ :(1/50)
وقبل أن أنهي هذه الكلمة لا يفوتني أن ألفت النظر إلى أننا وإن كنا نذهب إلى تحريم التصوير بنوعيه جازمين بذلك ، فإننا لا نرى مانعًا من تصوير ما فيه فائدة متحققة دون أن يقترن بها ضرر ما ولا تتيسر هذه الفائدة بطريق أصله مباح ، مثل التصوير الذي يحتاج إليه في الطب وفي الجغرافيا وفي الاستعانة على اصطياد المجرمين والتحذير منهم . أهـ
أو صور الهوية أو سفر الجواز أو البطاقة الشخصية ...وغير ذلك
?وقال ابن باز ـ رحمه الله ـ في رسالة حكم الإسلام في التصوير وبعد ما ساق أحاديث النهي عن التصوير :
وهي عامة لأنواع التصوير سواء كان للصورة ظل أم لا ، وسواء كان التصوير في حائط أو ستر أو قميص أو مرآة أو قرطاس أو غير ذلك لأن النبي لم يفرق بين ما له ظل وغيره ولا بين ما جعل في ستر أو غيره ، بل لعن الصور وأخبر أن المصور في النار وأطلق ذلك ولم يستثن شيئًا .
ملحوظة ( 1) : ـ
يستثنى من التماثيل لعب الأطفال التي تُمتَهن لما يأتي :
1ـ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ :
" أنها كانت تلعب بالبنات فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي لي بصواحبي يلعبن معي "
وفي رواية عنها: " أنه كان لها بنات – يعني لعب – فكان إذا دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - استتر بثوبه منها "
قال أبو عوانة : لكي لا تمتنع (1) .
- وأخرج أبو داود والنسائي في عشرة النساء عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :
" قدِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها سِتر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة – لُعَب – فقال : ما هذا يا عائشة ؟
قالت : بناتي ، ورأى بينهن فرسًا له جنحان في رقاع .
فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرسي ، قال : ما هذا الذي عليه ؟
قالت : جنحان ، قال : فرس له جنحان .
قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟
قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه ".
__________
(1) أخرجه ابن سعد بسند صحيح .(1/51)
?قال الحافظ : واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللُّعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور ، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن .
2- وأخرج البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ ـ رضي الله عنها ـ قالت :
" أرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ : فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ "
- وفي رواية : " فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ "
ملحوظة ( 2) :ـ
أما إذا كان لابد منها ( أى من الصور) فلتكن صور لا روح فيها كالأشجار والأنهار والجبال والسماء وغير ذلك .
- فقد أخرج الإمام مسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،فَقَالَ إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا فَقَالَ لَهُ ادْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ ادْنُ مِنِّي فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :
" كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ "
و قَالَ ابن عباس : إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ "(1/52)
- وفي رواية البخاري :" إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا "
- والمسلم يستسلم لنصوص الشرع ولا يجادل ، فيقول : أنا لا أعبدها ولا أسجد لها ولو نظر العاقل بعين البصيرة والتأمل في مفسدة واحدة فقط لشيوع التصوير في عصرنا لعرف شيئًا من الحكمة في هذه الشريعة عندما جاءت بتحريم التصوير
وهو ما حصل من الفساد العظيم من إثارة الغرائز وفوران الشهوات ، بل الوصول إلى الوقوع في الفواحش بسبب الصور .
- وينبغي على المسلم أن لا يحتفظ في بيته بصور لذوات الأرواح حتى لا يكون سببًا في امتناع الملائكة عن دخول بيته .
- فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة " ، وفي رواية : ولا تصاوير .
وتوجد في بعض البيوت تماثيل بعضها لمعبودات الكفار توضع على أنها تحف ومن الزينة ، فهذه حرمتها أشد من غيرها .
- وكذلك الصور المعلقة أشد من غير المعلقة ، فكم أفضت إلى تعظيم ، وكم جددت من أحزان ، وكم أدت إلى تفاخر ولا يقال الصور للذكرى ، فإن الذكرى الحقيقية في القلب من عزيز أو قريب من المسلمين يدعو لهم بالمغفرة والرحمة .(1/53)
- فينبغي إخراج كل صورة أو طمسها اللهم إلا ما كان عسيرا وفيه مشقة بالغة ، كالصور التي عمت بها البلوى على المعلبات والصور في القواميس والمراجع والكتب التي يستفاد منها مع السعي لإزالتها ما أمكن ، والحذر مما في بعضها من الصور السيئة ، وكذلك عليك الاحتفاظ بالصور التي تدعو الحاجة لها كما في إثباتات الشخصية ورخص القيادة ...وغير ذلك .
- ورخص بعض أهل العلم في الصور الممتهنة كالموطوءة بالأقدام (1).
31) ستر الجدران بالستائر :
وهذا لا يجوز لأن فيه سرف وزينة غير مشروعة .
- فقد أخرج الإمام مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :
" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غائبًا في غزاة غزاها ، فلما تحيَّنتُ قفوله أخذت نمطًا (2)
( فيه صورة ) كانت لي فسترت به على العُرض (3) فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقيته في الحجرة ، فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، الحمد لله الذي أعزك فنصرك وأقر عينيك وأكرمك ، قالت : فلم يكلمني وعرفت في وجهه الغضب ودخل البيت مسرعًا وأخذ النمط بيده فجبذه (4) حتى هتكه ، ثم قال : أتسترين الجدار ؟!
( بستر فيه تصاوير ) إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة ( والطين ) ،
قالت : فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفًا ،فلم يعب ذلك علىّ قالت : فكان يرتفق عليهما ".
قال البيهقي :
وهذه اللفظة تدل على كراهة كسوة الجدران وإن كان سبب اللفظ فيما روينا من طرق الحديث يدل على أن الكراهية كانت لما فيه من التماثيل .
قال الألباني :
بل الكراهية للأمرين معًا ، لأنه جاءت في طريق الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الأولى:"فيه صورة "
والأخرى : " أتسترين الجدار ".
__________
(1) ـ محرمات استهان بها الناس ، محمد صالح المنجد .
(2) ـ النمط محركة ، ظهارة فراش ما أو ضرب من البسط .
(3) ـ العرض : بالضم الجانب والناحية من كل شئ .
(4) ـ جبذه : أي جذبه " النهاية .(1/54)
وقد ذهب إلى القول بما أفاده الحديث من كراهية ستر الجدار،( الشافعية ومنهم البغوي في شرح السنة )
وصرح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم ، واحتج بهذا الحديث كما في الفتح ( 9 / 25 ).
- وهذا الخلاف إنما هو إذا لم تكن الستائر حريراً أو ذهبًا .
قال شيخ الإسلام في الاختيارات ( 144 ) :
فأما الحرير والذهب فيحرم كما تحرم سيور الحرير والذهب على الرجال ، والحيطان والأثواب التي تختص بالمرأة ، ففي كون ستورها وكسوتها كفرشها نظر إذ ليس هو من اللباس .
قال : ويكره تعليق الستور على الأبواب من غير حاجة لوجود أغلاقٍ غيرها من أبواب ونحوها
وكذلك الستور في الدهاليز لغير حاجة ، فإن ما زاد على الحاجة فهو سرف ، وهل يرتقي إلى التحريم ؟ فيه نظر .
ولهذا كان بعض السلف يمتنع من دخول البيوت المستورة جُدرها .
- فقد أخرج الطبراني بسندٍ جيد عن سالم بن عبد الله :
" قَالَ : أَعْرَسْتُ فِي عَهْدِ أَبِي فَأَذِنَ أَبِي النَّاسَ ، وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ فِيمَنْ آذَنَّا وَقَدْ سَتَرُوا بَيْتِي بِنجَادٍ أَخْضَرَ ، فَأَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ فَدَخَلَ فَرَآنِي قَائِمًا ، فَاطَّلَعَ فرأى البيت مستترًا بنجاد(1)أخضر
فقال : يا عبد الله أتسترون الجدر ؟ قال أبي : وأستحي – غلبنا النساء أبا أيوب .
فقال : من كنتُ أخشى عليه أن تغلبه النساء فلم أكن أخشى عليك أن تغلبك
ثم قال : لا أطعم لكم طعامًا ولا أدخل لكم بيتًا ثم خرج ـ رحمه الله ـ ".
ملحوظة:
إذا كانت الستائر مما تحفظ بها حرمات البيوت ، كالستائر التي توضع على الشباك وبعض الأبواب لمصلحة من في البيوت ونحو ذلك فلا بأس به .
32) عقوق الوالدين برفع الصوت عليهما أو نهرهما أو التذمر من أمرهما :
__________
(1) ـ نِجاد :بكسر النون ، جمع النجد : وهو ما يزين به البيت من البسط والوسائد والفرش " اللسان ".(1/55)
قال تعالى : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } (1)
فكلمة أفٍ : منونة وهذا التنوين يُعرف بتنوين التنكير ،
ومعناه : أن أي نوع من التأفف غير مسموح به ، وهذا لإجلال وتعظيم لشأن الأبوين .
وقوله سبحانه : { وَلَا تَنْهَرْهُمَا } والنهر هو الزجر والغلظة .
وقوله سبحانه : { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } أي لينا لطيفًا مثل :يا أبتاه ، ويا أماه من غير أن تسميهما أو تكنيهما .
قال ابن الهداج التحبيبي : قلت لسعيد بن المسيب :
كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفت إلا قوله تعالى : { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } ما هذا القول الكريم ؟
قال سعيد بن المسيب : هو قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ .
- فينبغي على العبد أن يكون مع أبويه في خير ذلة في أقواله وسكناته ونظراته ، وأن يحسن إليهما امتثالاً لقوله تعالى : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }(2)
وقال تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }(3)
فكما أمرنا الله في هذه الآية بعبادته وعدم شركه ، أمرنا كذلك ببر الوالدين والإحسان إليهما وعدم عقوقهما ، وهناك ترابط بين العبادة والإحسان إذ لا تكفي العبادة مع العقوق ولا يغني الإحسان مع الشرك ، لأن من طبيعة العبادة الامتثال والطاعة ولا تتم إلا بهما ، والعقوق عصيان واستكبار فهو خارج عن طبيعة العبادة ومعناها ، ومما يؤكد هذا المعنى
ما أخرجه الإمام أحمد والطبراني بسند حسن عن عمرو بن مرة الجهني قال :
__________
(1) الإسراء 23
(2) الأنعام : 151 .
(3) النساء : 36 .(1/56)
" أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وصليت الخمس وأديت زكاة مالي ، وصمت رمضان ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة – ونصب أصبعيه – ما لم يعق والديه ".
ولقد عد الرسول العقوق من الكبائر
فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنهما ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس " .
- بل العقوق من أكبر الكبائر
ـ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي بكرة نفيع بن الحارث مرفوعًا :
" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ( ثلاثًا ) ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متكئًا فجلس فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلت ليته سكت ".
33) تأديب الأولاد بالنار:
وهذا الفعل لا يجوز
فقد أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لا تعذبوا بعذاب الله ، لا يعذب بالنار إلا رب النار "
34) الدعاء على النفس أو الأولاد أو الأهل :
وهذه من الأمور المنهى عنها
فقد أخرج الإمام مسلم عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعو على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ".
35) التفريق بين الأولاد في المعاملة :
وهذا الأمر لا يجوز شرعًا لأنه يوغر صدور بعضهم على بعض ويزرع بينهم العداوة والبغضاء ، فقد أخرج البخاري عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أنه قال :
" إن أباه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني نحلتُ ابني هذا – أي أعطيته – غلامًا لي ،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟(1/57)
قال : لا ، قال عليه الصلاة والسلام : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم .
فرجع أبي فردّ تلك الصدقة ".
وفي رواية : قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ ، قال : نعم .
قال : أكلهم وهبتَ له مثل هذا ؟ قال : لا
قال - صلى الله عليه وسلم - : فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور – أي ظلم –
قال - صلى الله عليه وسلم - : أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ، قال : بلى
قال - صلى الله عليه وسلم - : فلا إذن ".
-وفي رواية أخرى عند أهل السنن والإمام أحمد عن النعمان بن بشير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم "
- وعند الطبراني بلفظ :" ساووا بين أولادكم في العطية ".
36) عدم التحرز من نجاسة الولدان :
من المعلوم أن طهارة الجسم والثوب من شروط الصلاة ، وطهارة البدن تكون من الحدث الأكبر والحدث الأصغر ، وكذلك من النجاسات .
وطهارة الثوب تكون من تعلق النجاسات به ، ومن أنواع النجاسات التي قد تتعلق بثوب الأم وتغفل عنها الأم بول الصبي أو بول البنت .
وقد قال العلماء : أن بول الصبي ينضح بالماء ( يرش بالماء ) ، وبول الفتاة ( البنت ) يغسل ، وهذا في حالة الرضاعة قبل أن يُطعم الصبي ..
- فقد أخرج أبو داود والنسائي عن أبي السمح خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" يُغسل من بول الجارية ويُرش من بول الغلام ". لكن إذا طعم فيغسل بوله مثل البنت ،
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أم قيس رضي الله عنها :
" أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام ، وأن ابنها بال في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله غسلا "
- قال قتادة كما في مسند الإمام أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي :(1/58)
" وهذا ما لم يطعما فإن طعِما غسل بولهما ".
قال الشيخ سيد سابق ـ رحمه الله ـ في فقه السنة ( 1 / 29 ) :
ولعل سبب الرخصة في الإكتفاء بنضحه : ولوع الناس بحمله المفضي إلى كثرة بوله عليهم فخخف فيه لذلك .
37) التساهل في إرضاع أولاد الغير:
إرضاع المرأة طفلاً من ثديها خمس رضعات مشبعات متفرقات يجعل هذا الطفل ابنًا لها من الرضاعة ،ويصبح أبناؤها إخوة له من الرضاعة ، فيحرم عليه بنات هذه المرأة جميعًا باعتبارهن أخوات له من الرضاعة ، كما يحرم عليه أخوات هذه المرضعة لأنهن أصبحن خالاته من الرضاعة ، كما يحرم عليه أخوات زوج هذه المرضعة باعتبارهن عماته من الرضاعة وهكذا بالنسبة لباقي المحرمات .
هذا إذا كان الطفل ذكرًا فإن كانت أنثى فيحرم عليها أبناء هذه المرضعة لأنهن إخوة لها ، ويحرم عليها إخوة المرضعة لأنهم أصبحوا أخوالها من الرضاعة .
ويحرم عليها إخوة زوج المرضعة لأنهم أصبحوا جميعًا أعمامها من الرضاعة وهكذا بقية المحارم .
ـ إذن يترتب على إرضاع أولاد الغير أحكام شرعية مهمة وخطيرة وبعض النساء يتساهلن في إرضاع أولاد الغير .
وربما لا يعلم أولادها أو بقية الأقارب ، وربما مع مرور الوقت ينسى الموضوع ، ويتزوج هذا الطفل الرضيع سواء كان ذكرًا أم أنثى بأحد محارمه ، وهذا أمر خطير وجرم عظيم ومن المحرمات التي قد يستهين بها بعض النساء وهي عند الله أمر عظيم ، فهل يصح أن يتزوج الرجل أخته أو عمته أو خالته ، فهذا أمر خطير لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
- فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ".
- وفي رواية عند الطبراني وعند الشافعي في الأم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ".
لكن يبقى سؤال : ما هي الرضاعة التي يقع بها التحريم كالنسب ؟
الرضاعة التي يقع التحريم بها كالنسب ، لابد أن يتوافر فيها الشروط الآتية :(1/59)
1- أن يكون الطفل الرضيع في سن الرضاعة – يعني عامين فأقل – :
وهذا مذهب جماهير العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وصاحبا أبي حنيفة والأوزاعي وبه قال عمر وابنه عبد الله وابن مسعود وابن عباس وأبو موسى وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى عائشة رضي الله عنها وحجة هذا القول :
- قوله تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } (1)
فهو إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة سنتان ، فدل على أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب هي ما كان في الحولين فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك(2).
- وأخرج الترمذي وابن حبان عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام ".
2- أن تكون خمس رضعات مشبعات متفرقات :
... وهذا مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد وابن حزم وبه قال عطاء وطاووس ، وهذا منقول عن عائشة وابن مسعود وابن الزبير ، وهذا هو الراجح والذي يأخذ به علماء العصر وقد أفتى به غير واحد منهم ؛ لأن خمس رضعات متفرقات يكفي الطفل وبه ينبت اللحم ويصبح الطفل الرضيع جزء من الأم المرضعة وابنًا لها من الرضاعة ، وهو ما يحقق العلة من التحريم بسبب الرضاع .
- أخرج أبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم ".
38) أخطاء تقع في يوم السبوع للمولود ( اليوم السابع لولادته ) :
ومن هذه الأخطاء الزغاريد ، فهي قد تدخل في الصوت الأحمق الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - .
- فقد أخرج الترمذي بسندٍ صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
__________
(1) البقرة 233.
(2) تفسير القرطبي وابن كثير .(1/60)
" لم أنه عن البكاء ، إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين ، صوت عند نغمة مزمار: شيطان ولعب ، وصوت عند مصيبة : خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان ".
وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة (19/116) رقم (3627):
أن الزغاريد فى حكم الغناء ، يعنى : أنها لا تجوز
ومن هذه الأخطاء ( رش الملح ) :
فهذا فيه إسراف وتبذير وفعل سفيه وقد يدخل في حد الشرك أو يؤدي إليه لأنهم يقصدون برش الملح سبع مرات أن يقع في عين الحسود فيرد ضرره ، فهم يظنون أن الملح سبب لرد الحسد
( وهذا سبب غير شرعي ) .
بل هناك بعض الأخطاء تفعل منها :
إيقاد الشموع والدف بالهون ووضع المولود في غربال وهزِه ، بل مخاطبته وحثه على العقوق حيث يقولون : اسمع كلام أمك ولا تسمع كلام أبيك ، فهل يصح أن أول ما يقرع أذان الولد هذا الكلام الفارغ ، أين هؤلاء من السنة .
فالسنة في اليوم السابع أن يعقَّ عنه ويحلق رأسه والتصدق بوزن شعره فضة وتسميته .
- فقد أخرج أصحاب السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" كل غلام رهينة بعقيقته ، يذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى ".
- وفي سنن الترمذي بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة ".
39) الإساءة إلى الجار:
أوصانا الله سبحانه في كتابه بالجار ، فقال تعالى :
{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) }
وكذلك أوصى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجار خيراً
فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".(1/61)
- وإيذاء الجار من المحرمات وذلك لعظم حقه ،
فقد أخرج البخاري عن أبي شريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه(1) ".
- وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت ".
- وأخرج الإمام أحمد والبزار وابن حبان والبخاري في الأدب المفرد :
" أن رجلاً قال لرسول الله إن فلان تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ، فقال: هي في النار ".
- ولقد استهانت كثير من المسلمات بالإساءة إلى الجار وهذا سلوك لا ينبغي أن تتصف به امرأة مسلمة حتى ولو كان الجار سيئاً ، فينبغي أن نقابل الإساءة بالإحسان إتباعاً لقول الله تعالى :
{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) }
فقال ابن حجر كما في الزواجر صـ 35:
واعلم أن الجيران ثلاثة : قريب مسلم فله ثلاثة حقوق : حق الجوار ، وحق الإسلام ، وحق القرابة ومسلم فقط : فله الحقان الأولان ، وذمي : فله الحق الأول
فيتعين صونه عن إيذائه ، وينبغي الإحسان إليه فإن ذلك ينتج خيراً كثيراً ، كما فعل سهل التستري بجاره المجوسي.
فإنه انفتح من خلائه محل لدار سهل يتساقط منه القذر، فأقام سهل مدة ينحي ليلاً ما يجتمع منه في بيته نهاراً. فلما مرض سهل أحضر المجوسي وأخبره واعتذر بأنه خشى من ورثته أنه لا يحتملون ذلك فيخاصمونه ، فعجب المجوسي من صبره على هذا الإيذاء العظيم ،
__________
(1) بوائقه: شروره.(1/62)
ثم قال له تعاملني بذلك منذ هذا الزمان الطويل وأنا مقيم على كفري مد يدك لأسلم ـ فبايعه على الإسلام ـ ثم مات سهل ـ رحمه الله ـ فتأمل نتيجة الصبر ـ على أذى الجار ـ وعاقبته
وفقنا الله لذلك.
وينبغي السؤال عن الجار، فنعوده إذا مرض ونبارك له في المناسبات السارة ، ونعينه إذا احتاج المعونة وننصحه لله تعالى ، قال تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }
ونساعده في تفريج كَربه وهمه إذا ألمت بهم صيبة أو كارثة .
- أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ".
تنبيهان : ـ
1ـ ينبغي على الزوج أن يعين الزوجة في هذا الأمر حيث يختار الجار قبل الدار، فيختار الجار الصالح ويبتعد عن جار السوء ، كي لا يعرض زوجته إلى الإيذاء والنساء قليلة الصبر، فقد تخرج عن شعورها دون وعي فينبغي أن يختار الجار قبل الدار؛ لأن جار السوء يعود ضرره على من حوله ويجعلهم ـ أي من حوله ـ يكرهون جيرته والسكنى معه لذلك فقد أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن نتعوذ من جار السوء .
فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وهو في صحيح الجامع (2967) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام فإن جار البادي يرتحل "
ومعنى الجار البادي : يعني الجار في البادية ، فإنه ليس مقيماً ولكنه يقعد فترة ويرتحل إلى مكان آخر فلا يضر كثيراً ، أما في الحضر وفي المدن كما هذه الأيام فإنه من الصعوبة بمكان التحول أو نقل مكان السكن من آن لآخر.
لذلك فالبحث عن الجار الصالح قبل البحث عن الدار يريح الإنسان كثيراً.
2ـ هناك علامة تدل على حسن ومعاملة الجار أو سوء معاملة الجار ، وهذه العلامة هي ثناء الجار أو ذمه فهذا دليل على الإحسان أو الإساءة .(1/63)
- فقد أخرج الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع (623) عن ابن مسعود قال :
قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو إذا أسأت ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" إذا سمعت جيرانك يقولون : قد أحسنت فقد أحسنت ، وإذا سمعتهم يقولون : قد أسأت فقد أسأت ".
40) الاستهزاء والسخرية بالمتدينين والمتدينات :
فإن أعداء الإسلام يعمدون إلى تشويه صورة الملتزمين بشرع الله ، ويصفونهم بالإرهابين أو المتعصبين أو الرجعيين أو المتخلفين ، ووجدت هذه الأباطيل أذان صاغية من بعض المسلمين
كما قال ربنا عز وجل : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } - وأخذوا يرددون ورائهم ويقولون على الملتحي: بالإرهابي أو الرجعي وعلى من تلبس النقاب عفريتة أو خيمة متحركة .....وغير ذلك.
فلتعلم كل من وقعت في هذا الخطأ أنها على خطر عظيم
- جاء فى فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية فتوى رقم( 4117 ) وفيه :
ما حكم من يستهزئ بمن ترتدي الحجاب الشرعي ويصفها بأنها عفريته وأنها خيمة متحركة وغير ذلك من ألفاظ الاستهزاء ؟
فجاء الرد التالي :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد.. ،
من يستهزئ بالمسلم أو المسلمة من أجل تمسكه بالشريعة الإسلامية ، فهو كافر سواء ذلك في احتجاب المسلمة احتجابا شرعيا أو فى غيره
لما رواه عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال :
" قال رجل فى غزوة تبوك فى مجلس : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء ، فقال رجل كذبت، ولكنك منافق لأخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل القرآن ".
فقال عبد الله بن عمر :
وأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنبى - صلى الله عليه وسلم - يقول :
{(1/64)
قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } ( التوبة65 ) إلى قوله تعالى : {مجرمين }
فجعل استهزاءه بالمؤمنين استهزاءً بالله وآياته ورسوله .
41) ابتداء الغير مسلمات بالسلام وتبادل المودة والمحبة القلبية معهم :
- أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام , وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلي أضيقه . "
فكما أنه لا يجوز أن نبدأهن بالسلام كذلك لا يجوز تهنئتهن بعيد رأس السنة الميلادية وعيد القيامة وغيرهم فقال تعالى : { لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(1)
42) الذهاب إلي الكنائس فى المناسبات أو لفك السحر :
فهذا كله لا يجوز ...
فقد أخرج البيهقى بسند صحيح عن عطاء بن دينار عن عمر قال :
" لا تتعلموا رطانة العاجم ، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تتنزل عليهم "
هذا بجانب أن هناك من المسلمين من يذهبون إلى هناك بغرض فك السحر فيُعَزم عليهم بالصليب ويُقرأ عليهم باسم الرب والابن والروح القدس ، وهذا كله يصطدم صراحة مع الدين الحنيف ولن يكون شفاء الأمة فيما حُرِم عليها ، فكيف وأن المداواة تكون بالشرك ؟؟؟؟
43) شراء سجاد أو ستائر أو ملابس عليها تصاليب :
فيجب التحرز عند شراء مثل هذه الأشياء وأن يدقق النظر للتأكد من خُلوها من التصاليب أوفى نقوش الحائط ،
__________
(1) المجادلة22.(1/65)
وبالجملة يجب تطهير البيت من التصاليب لأنها شعار النصارى
أخرج البخارى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت :
" لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يترك فى بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه ." .
44) الاحتفال بأعياد غير المسلمين كعيد الميلاد أو عيد رأس السنة الميلادية أو عيد الأم ، أو شم النسيم :
من المعروف أن كلمة (عيد ) اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان فيه اجتماع ،وهو مأخوذ من المعاودة والاعتياد ، فإذا كان اسماًً لمكان : فهو المكان الذي يعقد الاجتماع فيه ، وإذا كان للزمان فهو الزمان الذي يجتمع عنده.
ـ ومن المعروف أن الاحتفال بعيد الميلاد أو عيد رأس السنة ليس من الشريعة في شىء ، فأعياد المسلمين معروفة محصورة ألا وهي : عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم الجمعة ، لكننا نجد في هذا الزمان من يحتفل بغير هذه الأعياد ، كأعياد الميلاد أو أعياد رأس السنة فتأخذ الأجازات ويتم إعداد الطعام والشراب وتعليق الأنوار والخروج إلى المتنزهات واللعب فيه على وجه يخالف ما قبله وما بعده من الأيام ، والضابط في مثل هذه الأيام أو الأعياد أنه لا يحدث فيه أمر أصلاً بل يجعل يوماً كسائر الأيام.
- فقد أخرج أبو داود عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال :
" قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان ؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر".(1/66)
فانظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما " والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه ، وعلى هذا لا يمكن أن نجمع بين أعياد المسلمين وأعياد غير المسلمين كعيد رأس السنة الميلادية ، ولتعلم الأخت المسلمة أن مشابهة غير المسلمين في أعيادهم تدخل السرور في قلوبهم ، فإنهم يرون بما هم عليه من الباطل ـ أن المسلمين قد صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم ، فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم.
يقول السيوطي ـ رحمه الله ـ كما في كتاب الأمر بالإتباع :
وما يفعله كثير من الناس في فصل الشتاء ويزعمون أنه ميلاد عيسى ـ عليه السلام ـ فجميع ما يصنع في هذه الليالي من المنكرات مثل إيقاد النيران وإحداث طعام وشراء وشمع .....وغير ذلك فإن اتخاذ هذه المواليد موسماً هو دين النصارى وليس بذلك أصلاً في دين الإسلام ، ولم يكن لهذا الميلاد ذكر في عهد السلف الماضيين بل أصله مأخوذ عن النصارى. أ هـ
ـ ولقد نهانا ديننا عن التشبه بأهل الكتاب اليهود والنصارى في أعيادهم ومدح ربنا ـ عز وجل ـ من لم يشهد أعيادهم ومواسمهم ولم يشاركهم فيها بقوله { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } ( الفرقان 72 )
قال مجاهد والضحاك والربيع ابن أنس : هو أعياد المشركين .
أما الاحتفال بعيد الميلاد :
فإننا من جهلنا بقيمة العمر والوقت نفرح بمغيب شمس كل يوم ونحن لا ندرك أن هذا نهاية يوم من أعمارنا لن يعود أبداً ، صحائف طويت وأعمال أحصيت وأنفاس توقفت كما قيل.
إن لنفرح بالأيام نقطعها ... ... وكل يوم مضى يدنى من الأجل
وعلى هذا فنقول لكل من يحتفل بعيد الميلاد ، أخي الحبيب أختي المسلمة بدلاً من إيقاد الشموع وسماع الأغاني والإسراف والتبذير والاختلاط وغير ذلك من ألوان المعاصي التي ترتكب في مثل هذا اليوم.
هلا جلست وتفكرت ماذا قدمت في هذا العام الذي مضى من عمري؟(1/67)
وعلى ما فرطت فيه وقصرت ، والذنوب التي عليها تجرأت ، وتبكي على هذا العام الذي مضى على ما فيه من التقصير والتفريط وتسأل الله حسن الخاتمة.
قيل لمحمد بن واسع كيف أصبحت؟ قال : ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة.
- أما الاحتفال بشم النسيم :
فهي عادة ابتدعها أهل الأوثان من الفراعنة الأقدمين وكانوا يسمونه يوم الزينة.
ـ وكان اليونان القدماء يحتفلون به معتقدين أن للأرض ربة حزنت لأن رب العالم السفلي خطف ابنتها ، فلما حزنت أجدبت ومنعت الزروع والثمار ، فضج البشر إلى آلهة الأولمب فحكموا على رب العالم السفلي أن يعيد تلك الابنة ستة أشهر من كل عام ، وكان موعد عودتها في الربيع حيث تخضر الأرض سعادة بعودة ابنتها ويحتفل الناس بشم النسيم.
- فها أنتي أختاه علمتي وسمعتي أن هذا الاحتفال مرتبط بالضلال والاعتقاد في آلهة شتى في الكون تتصارع وتحزن.
والله تعالى يقول: { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } ) ص 65 (
فكيف نتابع غيرنا في ضلالهم وغيهم والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ليس منا من تشبه بغيرنا "
( السلسلة الصحيحة 2194 )
وأما الاحتفال بعيد الأم تقليداً لغير المسلمين : فالإسلام يدعو إلى تكريم الأم في كل لحظة والإحسان إليها والشفقة بها.
لكن الغرب ليس لديه مالدنيا من التعاليم الربانية للإحسان للوالدين فيتجرءوا عليهما بالسب واللعن وأحياناً بالضرب ثم يأتوا في يوم العيد بالهدايا ، فهل هذا من الإحسان ؟؟
فما أحلى الرجوع إلى تعاليم ديننا.(1/68)
- والاحتفال بأعياد الميلاد وإقامتها وإعداد التورتة والزينات واجتماع الأهل والأصدقاء لإطفاء الشموع بعدد سنين صاحب الاحتفال ، فكل هذا مأخوذ من النصارى واليهود وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: كما عند البخاري ومسلم : " لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قالوا : اليهود والنصارى؟ قال فمن؟ " .
- فلا ينبغي للمسلم أن يقلد غيره وليعلم أن له شريعة تحكمه.
قال تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{18} ) الجاثية 18)
- وأخرج الطبراني وغيره وحسنه الألباني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس منا من عمل بسنة غيرنا ".
45) تولية القضاء :
- أخرج البخاري عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : " لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لن يفلح قوم " فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ،
ولا يحل لقوم توليتها ؛ لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب.
وقال في الفتح :
وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي ، إلا عن الحنفية واستثنوا الحدود
لكن يؤيد قول الجمهور أن القضاء يحتاج إلى الرأي ، ورأي المرأة ناقص لاسيما في محافل الرجال.
والمرأة ضعيفة رقيقة والقضاء يحتاج إلى حزم وقوة وشدة وحكمة.
وانظر إلى هذا الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وإني أحب إليك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم .(1/69)
- وعند مسلم أيضاً أن أبا ذر قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ،ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيه ".
- فهذان الحديثان يدلان على أن الضعيف لا يصلح للقضاء وهذا عند الرجال فكيف بحال النساء.
-ومما لا شك فيه أن المرأة تتحكم فيها العاطفة والقضاء مليء بالمشكلات التي تصيب الناس فيرتكب بسببها كثير من الناس مخالفات فتتدخل هذه العاطفة للحد من العقوبة فتحصل من ذلك المفاسد.
46) عدم القناعة والنظر إلى من فوقها من أهل الدنيا :
فى كثير من الأحيان تكون المرأة غير راضية عن معيشتها ، متطلعة إلى المزيد من المال والمتاع ، وهى تثقل كاهل زوجها بما تطلب ، تريد أن يكون عندها مثل ما عند الأخريات ، لاتنفك تنظر إليهن وتتمنى أن يكون لها حظهن .
وقد تدفع الزوج بذلك إلى جمع المال من طرق غير مشروعة ليكفى حاجتها ، فتأكل معه الحرام وتعيش فى سخط الله تعالى ـ عياذاً بالله ـ .
ولو أنها قنعت بما لديها من رزق ، وجنبت نفسها وزوجها مواطن التهلكة وأسباب الشقاء فى الدنيا والآخرة ؛ لكانت أحسن حالاً وأفضل مآلاً.
ولتنظر دائماً إلى من هو دونها ، فإن الكثيرات حرمن من نعمة الزوجية ، وكفى بها نعمة ، وأخريات لا يجدن ما تجده ، فلا يطعمن كطعامها ، ولا يكسون ككسوتها .
وقد يكون عندها من العافية والصحة ما يحرم غيرها منها.
فلتعرف الأخت طريقها إلى الحمد ، ولتشق سبيلها إلى القناعة والرضا ، ولتأخذ بنصيحة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
كما عند البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ : انظروا إلى من أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله .
47) ذهاب المرأة للطبيب دون ضرورة :
فالذهاب إلى الأطباء الرجال من غير ضرورة أو في وجود الطبيبات من النساء حرام شرعاً.(1/70)
وكان من قرارات المجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي الآتي:
- لعلاج المرأة : يجب أن يكون المعالج امرأة مسلمة إن أمكن ذلك ، وإلا فامرأة غير مسلمة ، وإلا فطبيب مسلم ثقة ، وإلا فغير مسلم بهذا الترتيب.
- ولا تجوز الخلوة بين المعالج و المرأة التي يعالجها إلا بحضور زوجها أو امرأة أخرى.
?قال الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ كما في مجموع الفتاوى (10/13) :
وعلى كل حال فالخلوة بين المعالج والمرأة التي يعالجها حرام لحديث :
" ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ".
فلابد من حضور أحد معها سواء كان زوجها أو أحد محارمها الرجال ، فإن لم يتهيأ فلو من أقاربها النساء ، فإن لم يوجد أحد مما ذكر وكان المرض خطيراً لا يمكن تأخيره ، فلا أقل من حضور ممرضة ونحوها تفادياً من الخلوة المنهي عنها . أ هـ(1/71)
ويحكي الشيخ / وحيد عبد السلام بالي ـ حفظه الله ـ : عن امرأة من العفيفات المنتقبات اللائي لا يذهبن إلى طبيب رجل طالما أن هناك طبيبات نساء فيقول الشيخ كانت هذه المرأة حاملاً ولما جاءها المخاض ذهبوا بها إلى مستشفى النساء والولادة حيث الطبيبات النساء فدخلت المرأة وأدخلتها الممرضات إلى غرفة خاصة بها وانتظرت المرأة قدوم الطبيبة الأنثى وبعد فترة إذ بالغرفة تفتح ليدخل عليها طبيب رجل فلما رأته المرأة صاحت وصرخت وضربت خمارها على وجهها سريعاً وقالت أخرجوه أخرجوه ، فاغتاظ الطبيب ـ وكان جاهلاً ـ غيظاً شديداً ولم يكن ملتزماً ، ومما زاد الموقف خطورة أن الجنين كان مقلوباً في بطنها فقال الطبيب للممرضات اتركوها وأغلقوا عليها الباب ودعوها حتى تموت هكذا ، وفعلاً تركوها وأغلقوا عليها الغرفة ، ولكنهم لم يتركوها وحدها بل تركوها لربها الذي خافته من أن تظهر وجهها لرجل أجنبي مخالفة أمره تعالى فتضرعت إليه وألحت في المسألة عليه وبينما هي كذلك إذ جاءتها طلقة فعدلت وضع الجنين في بطنها ثم أمهلها قليلاً حتى استراحت ثم أرسل إليها طلقة أخرى لتخرج الجنين إلى عالمنا بأمر خالقه جزاء ما خافته وراقبته سبحانه بينما الممرضات خارج الغرفة إذ بهن يسمعن صراخ المولود فيدخلنا في دهشة ويقمن بتنظيف المولد وعمل اللازم له ثم سألوها ما الذي حدث لكي فأخبرتهم بالقصة.
وعلى هذا لا يجوز ذهاب المرأة إلى طبيب رجل إلا بشروط :
أولاً: أن لا توجد في البلد كلها طبيبة أنثى ، فإن وجدت الطبيبة الأنثى ولو في بلد مجاور وتملك أجرة الانتقال إليها فلا يحل ساعتها الذهاب إلى طبيب رجل.
ثانياً: أن يكون المرض خطيراً لا يمكن السكوت عليه بحال ، وليس كلما اشتكت المرأة بصداع خفيف في رأسها أو سعلة ولو مرة أو مرتين جرت وصاحت أريد طبيباً.(1/72)
ثالثاً: إذا كان المرض خطيراً وليس هناك متسع للذهاب إلى طبيبة فتذهب إلى طبيب رجل على ألا يكشف الطبيب عن جسم المرأة إلا ما تدعو الحاجة إليه فقط
( فلا يكون الألم في ركبتها فيكشف حتى فخذها مثلاً ).
رابعاً: أن يكون ذلك بوجود محرم صالح بالغ عاقل.
48) بيع الذهب بالذهب مع أخذ أو دفع الفرق :
من البيوع الشائعة المحرمة في سوق الذهب : بيع الذهب القديم بذهب جديد ودفع فرق الوزن والصناعة ، وهذه صورة من صور الربا المحرم والمخرج من ذلك
هو بيع الذهب الأول ـ سواء كان قديماً أو مكسوراً ـ وقبض ثمنه في المجلس ثم شراء ما يحتجونه بعد ذلك من الذهب ودفع الثمن .
- فقد أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مِثلاً بمثل ولا تُشِفُّوا ـ لا تفضلوا ـ بَعْضها على بعض ".
- وأخرج الإمام مسلم عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ينهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُرِّ ـ القمح ـ بالبُرِّ والشعير بالشعير ، والتمرِ بالتمرِ ، والملح بالملح ،إلا سواءً بسواءٍ عيناً بعين ، فمن زادَ أو استزاد فقد أربى(1) ".
- وأخرج مسلم عن عبادة بن الصامت ـ رضى الله عنه ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواءٍ يداً بيدٍ ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ ".
قال الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ كما في شرح السنة (8/60) :
وفي الحديث دليل على أنه لو باع حُلياً من ذهب بذهب لا يجوز إلا متساويين في الوزن ولا يجوز طلبُ الفضل للصنعة لأنه يكون بيع ذهب بذهب مع الفضل.
49) السير فى وسط الطريق :
__________
(1) ـ قوله فقد أربى : فقد فعل الربا المحرم فدافع الزيادة وآخذها : مرابيان .(1/73)
جاء الإسلام ليحافظ على المرأة ويصونها من الابتذال والامتهان ويبعدها عن كل ريبة ويجعلها فى منأى عن السهام المسمومة ونظر الرجال إليها بالقرار فى البيت ، وإن خرجت لضرورة فتلتزم بالحجاب وعليها بجوانب الطريق حتى لا تخالط الرجال فتكون فى مأمن من النظرات والشهوات ...
- فقد أخرج أبو داود عن أبي أُسيد مالكُ بن ربيعة - رضي الله عنه - انه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء فى الطريق :" استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق(1) عليكن بحافات الطريق , فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى ان ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به . "
- ويؤيد هذا المعنى ما رواه ابن حبان من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس للنساء وسط الطريق ."
50) الدعاء على النفس بالموت لضر نزل بهن :
وهذا الأمر لا يجوز شرعاً
- فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لا يتمنين أحدكم الموت لضُرً نزل به ، فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياه خيراً لي ،وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ".
- وعند البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد وإما مسيئاً فلعله يستعتب ".
- وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه أنه إذا مات انقطع عمله ، وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً "
51) كشف العورة أمام النساء :
كثير من النساء لا يعرفن حدود العورة بالنسبة للمرأة مع المرأة وقد تتكشف المرأة على أختها أو زميلتها أو غير ذلك من النساء فيرون منها ما لا يجوز رؤيته.
__________
(1) ـ تحققن الطريق : أي تذهبن في وسط الطريق .(1/74)
فالجمهور ذهب : إلى أن عورة المرأة بالنسبة للمرأة المسلمة ما بين الركبة والسرة.
وعلى هذا فلا يجوز إبداء فخذها لزميلتها مثلاً أو للأم أو للأخت أو بناتها الكبار إلا في حالات الضرورة ولا يعتبر التزين من حالات الضرورة .
- فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ".
ولا تظهر المرأة شيئاً من جسمها أمام المرأة الكافرة أو المرأة الفاجرة أو الفاسقة ؛ لأنهن لا يتورعن عن وصف هذه المرأة للرجال.
أما المرأة المؤمنة فإنها تعلم حرمة ذلك .
- فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها ".
52) التساهل في إظهار الزينة للأقارب :
الأقارب بحكم صلة الرحم يكون بينهم صلات قوية وزيارات واجتماعات ، لكن هذه الأمور كلها لا تبيح للمرأة أن تبدي زينتها للأقارب من غير المحارم كابن العم وابن العمة وابن الخالة وابن الخال وغيرهم ، فهؤلاء ليسوا محارم لها ويجوز لها الزواج بأحدهم ولا يجوز الخلوة الشرعية بأحدهم .
- فقد أخرج البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت ".
فهذا الرجل كان يظن أن دخول الأقارب على المرأة لا شيء فيه لكن الرسول بيّن أن (الحمو) وهو قريب الزوج أو الزوجة في دخوله خطورة ومفاسد تشبه الموت .
وعلى هذا فلا ينبغي أن تظهر المرأة أمام أقاربها أو أقارب الزوج كما تظهر على إخوتها أو كما تجلس مع زوجها (مع مرعاة عدم الخلوة)
53) تقبيل اليد بعد الدعاء أو عند التسليم على الغير ، وتقبيل النقود ، وتقبيل الخبز بعد التقاطه من الأرض :
فهذه أفعال لا أصل لها في الشرع
فالله لم يشرع لنا تقبيل شيء من الجمادات سوى الحجر الأسود فقط .(1/75)
والرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا كما في صحيح مسلم حيث قال:
" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
54) عدم تغطية أواني الطعام والشراب :
- فقد أخرج الإمام مسلم بسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"غطوا الإناء وأوكئوا السقاء ، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء لم يغط أو سقاء لم يوكأ إلا وقع فيه من ذلك الوباء ".
- وفي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وأغلقوا الأبواب وأوكئوا الأسقية وخمروا الطعام والشراب "
55) ترك الذكر لله وخصوصا في هذه المواضع :
1. عند الطعام والشراب : فمن الخطأ أن نأكل أو نشرب دون ذكر الله تعالى
- فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه".
- وفي صحيح مسلم أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها ".
- وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أكل أحدكم طعاماً فليذكر الله عليه ، فإن نسى أن يذكر الله في أوله فليقل : بسم الله على أوله وآخره ".
وانظر إلى فضل الذكر بعد الانتهاء من الطعام .
فقد أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن عن معاذ بن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" من أكل طعاماً فقال : الحمد لله الذى أطعمنى هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة ، غفر له ما تقدم من ذنبه "
2. عند دخول المنزل والخروج منه :
- ففي مسند الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى حين يدخل وحين يطعم قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا ، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال :أدركتم المبيت والعشاء ".(1/76)
- وفي سنن الترمزي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" من قال إذا خرج من بيته : بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ،
يقال له : كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان ".
3. عند دخول الخلاء والخروج منه :
- ففي مسند الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إن هذه الحشوش محتضرة فإذ أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخُبُثِ والخبائث "
- وعند الطبراني بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضع أحدكم ثوبه أن يقول بسم الله ".
- وبعد الخروج يقول : (غفرانك ) ، كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسند الإمام أحمد.
4. عند العِطاس :
- ففي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله فإذا قال فليقل له أخوه : أو صاحبه يرحمك الله ، فإذا قال له : يرحمك الله فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم ".
56) استخدام ورق الجرائد في لف الأشياء أو الأكل عليها أو دخول الخلاء بها أو مسح القاذورات بها أو إلقائها على الأرض أو في سلة المهملات :
وكل هذا لا يجوز ؛ لأن ورق الجرائد لا يخلو من آية قرآنية أو حديث نبوي أو اسم من أسماء الله فكثير من الناس ما يسمون عبد الله أو عبد الرحمن أو عبد المجيد أو عبد الحميد وغيرذلك من الأسماء المعبدة لله
فينبغي علينا أن ننزه اسم الله من الامتهان أو الدخول به في الخلاء ، فمن النساء من تدخل الخلاء وفي يدها أو في السلسلة التي تلبسها آيات قرآنية ، وهذا كله لا يجوز
- أخرج أبو الشيخ عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" من رفع كتاباً عن الطريق فيه بسم الله إجلالاً له كُتب من الصديقين ".(1/77)
- ويروى أن إبراهيم بن أدهم دخل السوق في خراسان فوجد ورقة فيها اسم الله ملقاة على الأرض وهي تداس بالأقدام فقال : اسمك يارب يداس ، والله لأرفعن هذه الورقة ، ثم أخذها وطيبها ووضعها عنده في البيت فسمع قائل يقول : وهو في المنام يا من رفعت اسم الله وطيبته ليطيبن الله اسمك.
57) ترك الصلاة بالكلية :
فلتعلم المسلمة أن أول ما ستحاسب عليه من أعمالها الصلاة
- فقد أخرج الترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل : انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل منها ما انتقص من الفريضة ثم تكون سائر أعماله على هذا ".
ومن لم يحافظ على الصلاة ويتركها سيكون مع شرار الخلق يوم القيامة
- فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجا يوم القيامة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبيّ بن خلف ".
- فأين عقول الذين باعوا مرافقة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بمرافقة الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصير
كما قال تعالى { : كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) }
وقال تعالى : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }(1/78)
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في كتاب الصلاة وحكم تاركها صـ3 :
لا يختلف المسلمون عن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، وإن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال وأعظم من إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وإنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة .
فهيا أختاه إلى الصلح مع الله ، والصلاة من الآن ، وأحمل لكي هذه البشارة .
- فقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت الجنة من أي أبواب الجنة شاءت ".
- وعند الإمام أحمد بلفظ :
" صلت خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ ".
58) تأخير الصلاة عن وقتها وخصوصاً صلاة الفجر:
فكثيراً من النساء تنشغل عن الصلاة وتأخرها بسب أعمال المنزل من طبخ وغسيل .....وغير ذلك أو تتأخر في النوم حتى يخرج وقتها ،وخصوصاً صلاة الفجر ، ولقد توعد الله كل من يؤخر الصلاة عن وقتها بالويل والعذاب الشديد .
فقال تعالى : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } ( الماعون 4، 5 )
أي يؤخرونها عن وقتها أو يخرجوها عن وقتها بالكلية كما قال مسروق : وهذا من صفات المنافقين وانظر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن أخر صلاة العصر
- فقد أخرج الإمام مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً ".
ولئن يفقد الرجل أهله وماله خير له من أن يفوته وقت الصلاة
- فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت الصلاة " .(1/79)
?يقول ابن حزم رحمه الله كما في كتاب الكبائر للذهبي صـ26:
لا ذنب بعد الشرك أعظم من ترك الصلاة حتى يخرج وقتها وقتل مؤمن بغير حق .
فلنعلم جميعاً ولتعلم كل أخت مسلمة : أن أحب الأعمال عند الله - عز وجل - هي الصلاة في وقتها
- فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - قال :
" سئلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل ؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟
قال: بر الوالدين . قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ".
59) كشف العورة في الصلاة :
فبدن المرأة كله عورة يجب عليها ستره ، وإذا كانت في صلاة فإنها تُبدي الوجه والكفين
- أخرج أبو داود والترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" لا يقبل الله صلاة حائض(1) إلا بخمار ".
- وأخرج أبو داود عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ :
" أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أتصلي المرأة في درع(2) وخمار بغير إزار؟ قال : إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها ".
- وقد استهانت بعض المسلمات بحدود العورة في الصلاة ، فقد تصلي الواحدة منهن وبعض أجزاء من جسدها مكشوفة ، كأن ينكشف ذراعها أو أجزاء من ساقها أو شعرها أو غير ذلك ، وهذا كله حرام وقد يبطل الصلاة ، فلتراعي المرأة عدم إبداء العورة في الصلاة .
- وكذلك عدم لبس ملابس شفافة تبين لون الجسم أو كشف أجزائه ، ولتعلم أنها واقفة بين يدي الله تعالى في الصلاة تناجيه وتدعوه.
- كما أنه يكره أن تنتقب المرأة في الصلاة من غير ضرورة ( كالصلاة في وجود أجانب)
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ :
- وقد أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام أى : في الحج
ولكنها تغطى وجهها عن الأجانب من غير نقاب .
60) إذا ناب الإمام شيئاً في الصلاة وأرادت المرأة تنبيهه فإنها تصفق :
__________
(1) ـ حائض: بالغة.
(2) ـ الدرع: الجلباب(1/80)
لكن البعض تضرب بطن كف على بطن الكف الأخرى وهذا خطأ
فقد علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء
- فقال كما في صحيح مسلم : " التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء ".
- وفي حديث أخر عن مسلم من حديث سهل بن سعد ـ رضى الله عنه ـ قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفتُ إليه ، وإنما التصفيح(1) للنساء ".
لكن هناك بعض النساء تصفق في الصلاة بصورة غير صحيحة :
قال الإمام النووى ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم (4/145) :
وفي الحديث أن السنة لمن نابه شيء في صلاته كإعلان من يستأذن عليه وتنبيه الإمام وغير ذلك
أن يسبح إن كان رجلاً فيقول : ( سبحان الله ) وأن تصفق وهو : التصفيح إن كانت امرأة فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر ، ولا تضرب بطن كف على وجه اللعب واللهو
فإن فعلت هكذا على وجه اللعب بطلت صلاتها لمنافاته للصلاة.
61) ترك الخشوع والطمأنينة في الصلاة :
مما لا شك فيه أن الصلاة من أعظم أركان الدين بعد الشهادتين , وهى أمر رب العالمين ووصية الرسول الأمين حيث وصى بها في آخر رمق له فقال وهو يغرغر لسانه :الصلاة الصلاة .
ومع أهميتها نجد أن هناك من يتركها بالكلية ، وهناك فريق أخر يصلي لكن لا يتم ركوعها وسجودها فيصلي بلا خشوع ولا حضور قلب فيخرج من صلاته كما دخل فيها.
- فقد أخرج البخاري في صحيحة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:
" دخل المسجد رجل فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد وقال :ارجع فصلي فإنك لم تصل فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال :ارجع فصلى فإنك لم تصل ، فرجع يصلي كما صلي ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ارجع فصلي فإنك لم تصل ... ثلاثاً " .
__________
(1) ـ والتصفيح بمعنى التصفيق.(1/81)
فعلم من هذا الحديث أن الصلاة ليست بالحركات التي تؤدى بل لابد من الخشوع ، فصلاة بلا خشوع جسد لا روح فيه.
- وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" أسوء الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قالوا : يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته ؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ".
فالطمأنينة والخشوع ركن لا تصح الصلاة بدونهما ، وانظري إلى هذا الحديث ،
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" لا تجزي صلاة رجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود ".
فترك الخشوع في الصلاة منكر وأمر خطير يستحق صاحبه الزجر والوعيد.
فقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه من حديث أبي عبد الله الأشعري ـ رضى الله عنه ـ قال : " صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جلس في طائفة منهم فدخل رجل فقام يصلي فجعل يركع وينقر في سجوده ،فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أترون هذا؟ من مات على هذا مات على غير ملة محمد ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم ،إنما مثل الذي يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا التمرة والتمرتين فماذا تغنيان عنه".
- وأخرج البخاري عن زيد بن وهب قال :
" رأى حذيفة رجلاً لا يتم الركوع والسجود قال: ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمد - صلى الله عليه وسلم - " .
فيا أختاه عليكي بالخشوع في صلاتك حتى تدخلي تحت قوله تعالى :
{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) }
فتشعرين بلذة المناجاة وبالأنس بالله ويغفر ما تقدم من ذنبك.
- فقد أخرج أبو داود بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن ، كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ".(1/82)
- وأخرج البخاري بسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه ، في رواية : لا يحدث فيهما نفسه ، غفر له ما تقدم من ذنبه ، وفي رواية : إلا وجبت له الجنة ".
62) عدم تأدية زكاة المال والحلي التي تملكها المرأة :
مما لا خلاف فيه إن الرجل أو المرأة إذا كان عندهما مال بلغ النصاب وهو 85 جرام من الذهب عيار 24 وحال عليه الحول ، فينبغي إخراج الزكاة عليه ومن لم يخرج زكاة ماله توعده الله بالعذاب الشديد .
- فقد أخرج النسائي بإسناد حسن عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يخيل إليه ماله يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان فيلتزمه أو يطوقه ثم يقول أنا كنزك أنا كنزك ".
له زبيبتان أي : الزبيبتان في شدقيه ، وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه .
- وأخرج البخاري عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" من أتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول أنا كنزك أنا مالك ثم تلا هذه الآية:
{ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) } .
أما بالنسبة لزكاة الحلي التي تملكها المرأة ، فهل يخرج عنها زكاة أم لا ؟
من المعلوم أن هذا أمر خلافي بين العلماء ، لكن الراجح أنه تجب فيه زكاة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول سواء كان ملبوسا أو مدخرا أو معدا للتجارة ،
وهذا مذهب الحنفية ورواية عن أحمد وابن حزم ، وهو قول ابن مسعود وعمر وعبد الله بن عمر ورواية عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ وممن ذهب إلى ذلك أيضاً(1/83)
سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح والزهري وعبدالله بن شداد وسفيان الثوري وغيرهما ،
وحجة هذا الفريق ودليلهم :ــ
أولاً :- العمومات الواردة في الكتاب العزيز كقوله تعالى :
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{34} يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ{35}} ( التوبة 34 ، 35 )
والمراد بكنز الذهب والفضة : عدم إخراج ما يجب فيهما من زكاة وغيرها من الحقوق ،
قال عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ :
كل ما أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنزٍ ، وقل ما لا تؤدى زكاته فهو كنزُ وإن كان ظاهراً على وجه الأرض.
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ :
وقد روي هذا عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ مرفوعاً وموقوفاً أ هـ
والآية عامة في جميع الذهب والفضة لم تخصص شيئاً دون شيء ، فمن قال : بخروج الحلى المباح المعد للزينة من هذا العموم ... فعليه الدليل.
ثانياً : ـ الأحاديث العامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الآمرة بإخراج زكاة الذهب والفضة
- فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فُيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ".
ثالثاً: ـ الأحاديث الخاصة الواردة بخصوص إخراج زكاة الحلي والوعيد لمن لم يخرجها
ومن هذه الأحاديث :(1/84)
أ ـ ما أخرجه أبو داود والنسائي بسندٍ صحيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :
" أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهبٍ فقال لها : أتعطين زكاة هذا ، قالت : لا ، قال : أيسرك أن يُسوِّرك الله بهما يوم القيامة بسوارين من نار ؟ قال : فخلعتها فألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت : هما لله ورسوله ".
مسكتان : سواران من ذهب
ب ـ ما أخرجه أبو داود والدارقطني وغيرهما بسندٍ حسن عن عبد الله بن شداد قال :
" دخلنا على عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : دخل علىَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يدي فتخات من وَرِق . فقال : ما هذا يا عائشة ؟ فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله .
قال : أتؤدين زكاتهما ؟ ، قلت : لا ، أو ما شاء الله ، قال : هو حسبك من النار ".
قيل لسفيان : كيف تزكيه ؟ قال : تضمه إلى غيره .
جـ ـ ما أخرجه أحمد والطبراني في الكبير بسندٍ حسن عن أسماء بنت يزيد قالت :
" دخلت أنا وخالتي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليها أسورةٍ من ذهبٍ فقال لنا : أتعطيان زكاته ؟ قالت : قلنا لا ، قال : أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار ؟ أديا زكاته ".
رابعاً : ـ الآثار الواردة عن بعض الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ ومنها :
أ ـ ما أخرجه عبد الرزاق والطبراني بسندٍ صحيح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - :
" أن امرأة سألته عن زكاة الحلي؟ فقال : إذا بلغ مائتي درهم فزكيه. قالت: إن في حجري يتامى لي أفأدفعه إليهم ؟ قال نعم " .
ب ـ ما أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في التاريخ الكبير والبيهقي عن عمر - رضي الله عنه -
أنه كتب إلى أبي موسي الأشعري أن أؤمر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن
وفي رواية : أن يزكى الحلي ".(1/85)
جـ ـ ما أخرجه الدارقطني في سننه بسندٍ حسن عن عبد الله بن عمروـ رضى الله عنهما ـ : " أنه كان يكتب إلى خازنه سالم أي يخرج زكاة حلي بناته كل سنة ".
د ـ ما أخرجه الدارقطني في سننه والبيهقي بسندٍ حسن عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته ".
وبعد...فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
نسأل الله أن يكتب لها القبول وأن يتقبلها منا بقبول حسن ،
كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها ......
إنه ولي ذلك والقادر عليه .
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده ، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله منه براء وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب ، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق ، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي
وإن وجدت العيب فسد الخللا ... ... ... جل من لا عيب فيه وعلا
فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً ، ولا تجعل لأحد فيه نصيب
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
... هذا والله تعالى أعلى وأعلم .........
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك(1/86)