أحكام
الفقير والمسكين
في القرآن العظيم والسنة النبوية
إعداد
محمد بن عمر بن سالم بازمول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة أم القرى
----
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ( .
يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ
يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً
يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.
أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أمّا بعد: فهذا كتاب "أحكام الفقير والمسكين في القرآن العظيم والسنة النبوية"، تكلمت فيه عن حدهما ، وفضلهما، والأحكام المتعلقة بأصحاب هذين الوصفين، وقد قسمته إلى، تمهيد وثلاثة مقاصد وخاتمة.
أمّا التمهيد: ففي أن الفقر والغنى ابتلاء.
وأمّا المقصد الأوّل : ففي حد الفقر والمسكنة وفضلهما.
وأمّا المقصد الثاني : ففي الأحكام المتعلقة بالفقير والمسكين.
وأمّا المقصد الثالث: ففي مسائل منثورة حول الفقير والمسكين.
وأمّا الخاتمة: فتتضمن أهم النتائج .
هذا؛ وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني القبول في الدنيا والآخرة، ويجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وداعياً لسنة نبيه الرؤوف الرحيم، ويجعلني قائماً وداعياً إلى صراطه المستقيم، إنه سميع مجيب.
كتبه
محمد بن عمر بن سالم بازمول
مكة المكرمة ـ العوالي
ص.ب 7269
تمهيد:(1/1)
الفقر والغنى ابتلاء
الحياة ابتلاء.
الفقر ابتلاء.
الغنى ابتلاء.
قال اللّه تبارك وتعالى: {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} الملك: 1-2.
و [الفقر والغنى ابتلاء من الله لعبده، كما قال تعالى: {فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربّه فأكرمه ونعمه فيقول ربِّي أكرمن، وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربِّي أهانن} [الفجر:15-16] أي: ليس كل من وسعت عليه فأعطيته أكون قد أكرمته، ولا كل من ضيقت عليه وقترت أكون قد أهنته. فالإكرام أن يكرم الله العبد بطاعته، والإيمان به، ومحبته ومعرفته، والإهانة أن يسلب ذلك.
و لا يقع التفاضل بالغنى والفقر، بل بالتقوى؛ فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة](1) [ولاينبغي أن يعدل بالسلامة شيء](2)
والتقى زاد طريق الجنة.
"اللهم اجعل رزق آل محمد [[( قوتا" (3).
والكبر والفجور سبيل النار.
"فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم"(4).
و [ألا حبذا المكروهات: الموت والفقر! وأيم الله ما هو إلا الغنى والفقر، وما أبالي بأيهما ابتدئت؛ إن كان الغنى إن فيه للعطف. وإن كان الفقر إن فيه للصبر. وذلك بأن حق الله في كل واحد منهما واجب](5) .
في وقت تنافس فيه الناس - إلا من رحم ربك - على الدنيا وتنافسوها فألهتهم أو كادت، عن طلب زاد الآخرة ولباسها. ولباس الجنة من الدنيا التقى، وحليته الكفاف والعفاف.
"اللهم احيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" (6).
في هذا الوقت يأتي الحديث عن الفقر؛ حدِّه وفضله وأحكامه، حديث فيه العِبرة والعَبْرة، فيه مشاهدة النعمة، ودفع النقمة، فيه الرضا بالقضاء، وكراهة السخط والازدراء، حديث فيه بيان الحِكَم، ومعرفة النعم، وطلب الحُكم.
المقصد الأول
حد الفقر والمسكنة وفضلهما(1/2)
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حد الفقر والمسكنة.
المطلب الثاني: فضل الفقر والمسكنة.
المطلب الأول:
حد الفقر والمسكنة
وفيه المباحث التالية:
المبحث الأول: ورود مادة الفقر والمسكنة.
المبحث الثاني: معنى الفقر والمسكنة.
وإليك البيان:
المبحث الأول:
ورود مادة الفقر والمسكنة
أولاً : ورود مادة ( ف.ق.ر )
وردت هذه المادة في ثلاثة عشر موضعاً، بيانها فيما يلي:
لفظة: "فقر ،الفقر" جاءت في موضع واحد فقط، وهو قوله تبارك وتعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} البقرة:268، وهي آية مدنية(7).
لفظة: "فقير، الفقير" جاءت في خمسة مواضع، وهي: في سورة آل عمران:181، قوله تبارك وتعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء}، وهي مدنية. وفي سورة النساء:6، قوله تبارك وتعالى: {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف}، وهي مدنية. وفيها آية:135، قوله تبارك وتعالى: {إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما}، وهي مدنية. وفي سورة الحج:28، قوله تبارك وتعالى: {فكلوا منها واطعموا البائس الفقير}، وهي مدنية. وفي سورة القصص:24، قوله تبارك وتعالى: {فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير}، وهي مكية.
لفظة: "فقراء، الفقراء" جاءت في سبعة مواضع، وهي: في سورة البقرة:271، قوله تبارك وتعالى: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء}. وفيها آية:273، {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله} وهي مدنية. وفي سورة التوبة:60، قوله تبارك وتعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}، وهي مدنية. وفي سورة النور:32، قوله تبارك وتعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}، وهي مدنية. وفي سورة فاطر:15، قوله تبارك وتعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}، وهي مكية. وفي سورة محمد:38، قوله تبارك وتعالى: {والله الغني وأنتم الفقراء}، وهي مدنية. وفي سورة الحشر:8، قوله تبارك وتعالى: {للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم}، وهي مدنية.(1/3)
ويلاحظ حول ورود هذه المادة في القرآن الكريم، الأمور التالية:
ـ أن أوّل موضع بحسب ترتيب المصحف جاءت فيه مادة (ف.ق.ر )، جاءت فيه بالمصدر "الفقر" في سورة مدنية هي سورة البقرة الآية (268): {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}.
ـ أن هذه المادة جاءت في السور المدنية، إلا في موضعين اثنين:
الأول: في سورة القصص:24، قوله تبارك وتعالى: {فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير}، وهي مكية.
وهي في تقرير حاجة الإنسان لما يرزقه الله إياه من الطعام، فاللام في "لما" بمعنى "إلى" وتقدير الآية: ربِّ إني إلى ما أنزلت إلي من خير فقير. وأراد بالخير الطعام(8).
الثاني: في سورة فاطر:15، قوله تبارك وتعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}، وهي مكية.
وهذه الآية في تقرير حاجة الإنسان الضرورية للّه سبحانه وتعالى(9).
وهذا الموضعان - كما يظهر من تفسيرهما - في تقرير الفقر الضروري في الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يستطيع الخروج عن هذه الحاجة والعوز والافتقار إليه سبحانه وتعالى، فالفقر في الإنسان من هذه الجهة وصف ذاتي لاينفك عنه، والله هو الغني، والغنى له سبحانه وصف ذاتي.
والآيتان فيهما تقرير ربوبية الله سبحانه، واستحقاقه سبحانه بأن يفرد في العبادة؛ إذ من افتقر الإنسان إليه، في جميع شأنه وحاله، هو المستحق أن يفرد بالعبادة دون سواه، وهذا هو توحيد الألوهية.
ـ وهذا المعنى الذي قررته هاتان الآيتان المكيتان جاء في التنزيل المدني، في موضعين مقرونين بمعنى الحض على الصدقة والبذل:
أوّلهما: في سورة آل عمران:181، قوله تبارك وتعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء}.
ثانيهما: في سورة محمد:38، قوله تبارك وتعالى: {والله الغني وأنتم الفقراء}.
ـ أن جميع المواضع التي وردت فيها هذه المادة لم يتعلق بها حكم كفارة، وإنما جاءت في معنى الحض على الصدقة، أو تعليق حكم عليها، وبيان ذلك فيما يلي:(1/4)
1. في حكم الأكل من الهدي: في سورة الحج:28، قوله تبارك وتعالى: {فكلوا منها واطعموا البائس الفقير}، وهي مدنية.
2. في أكل وصي اليتيم من مال اليتيم: في سورة النساء:6، قوله تبارك وتعالى: {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف}، وهي مدنية.
3. في الشهادة للغني والفقير: في النساء آية:135، قوله تبارك وتعالى: {إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما}، وهي مدنية.
4. في مصارف الزكاة: في سورة التوبة:60، قوله تبارك وتعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}، وهي مدنية.
5. في بيان أن الفقر لا يمنع من انكاح الصالح المرضي: في سورة النور:32، قوله تبارك وتعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}، وهي مدنية.
6. في الفيء: في سورة الحشر:8، قوله تبارك وتعالى: {للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم}، وهي مدنية.
7. في صدقة السر: في سورة البقرة:271، قوله تبارك وتعالى: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء}.
8. في اعطاء الفقراء الذين احصروا في سبيل الله: في البقرة آية:273، {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله} وهي مدنية.
ـ أن لفظ "الفقير" و "الفقراء" لم يذكر في الآيات التي أمر فيها بإيتاء أولى القربى واليتامى.
ـ لم تقترن مادة (ف.ق.ر ) مع مادة (س.ك.ن ) إلا في موضع واحد فقط، في الآية التي فيها بيان مصارف الزكاة: في سورة التوبة:60، قوله تبارك وتعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}، وهي مدنية.
ـ جاءت لفظة "فقير" في موضع واحد مقرونة بلفظ: "البائس"، في سورة الحج:28، قوله تبارك وتعالى: {فكلوا منها واطعموا البائس الفقير}، وهي مدنية.
ـ في موضع واحد من المواضع التي وردت فيها لفظة: "الفقراء" جاءت موصوفة، في سورة البقرة:273، قوله تبارك وتعالى: {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس إلحافاً، وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم}.(1/5)
فوصف الفقراء بمايلي:
1. أنهم احصروا في سبيل الله.
2. أنهم لا يستطيعون ضرباً في الأرض.
3. أنهم يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.
4. أنهم يعرفون بسيماهم.
5. أنهم لا يسألون الناس إلحافاً.
قال ابن تيمية رحمه الله: "ولفظ "الفقر" في الشرع يراد به الفقر من المال. ويراد به فقر المخلوق إلى خالقه، كما قال تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} [التوبة:60]، وقال تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} [فاطر:15].
وقد مدح الله تعالى في القرآن صنفين من الفقراء: أهل الصدقات، وأهل الفيء. فقال في الصنف الأول: {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس إلحافاً} [البقرة:273]. وقال في الصنف الثاني: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون}[الحشر:8]
وهذه صفة المهاجرين الذين هجروا السيئات، وجاهدوا أعداء الله باطناً وظاهراً. كما قال النبي (: "المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر مانهى الله عنه، والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله"(10)."
اهـ(11).
وفي السنة النبوية المطهرة، جاءت هذه المادة بالألفاظ نفسها، وبمعانيها. وورد في السنة ذكر الفقر بمعنى: فقر النفس والقلب، وهو في حقيقته يعود إلى معنى الفقر الذاتي في الناس لله تعالى.
عن أبي ذر (، قال: قال رسول الله ( : "يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم يارسول الله. قال: فترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يارسول الله. قال: إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب"(12).
وفقر القلب: خلوه من دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وبعده عن مشاهدة فاقته التامة إلى الله تعالى من كل وجه(13).(1/6)
و[إنما يحصل غنى النفس بغنى القلب؛ بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره، فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه، ويفزع إليه في كشف ضرائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى](14).
وهذا المعنى يرجع إلى الفقر الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله في سورة فاطر:15، : {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}، وهي مكية.
والحاصل: أن الفقر ورد بالمعاني التالية(15):
الأوّل: يطلق بمعنى حاجة الإنسان إلى غيره. وبهذا الإطلاق كل الناس فقراء بالحقيقة. وهذا هو الفقر المطلق. وهو المذكور في قوله تعالى: {والله الغني وأنتم الفقراء} محمد:38.
وهذا الفقر لا ينافيه الجدة، والأملاك، فقد كان رسل الله وأنبياؤه صلوات الله وسلامه عليهم، في ذروته مع جدتهم وملكهم، كإبراهيم الخليل ( كان أبا الضيفان، وكانت له الأموال والمواشي، وكذلك كان سليمان وداود عليهما الصلاة والسلام، وكذلك كان نبينا ( كان كما قال تعالى: {ووجدك عائلاً فأغنى} الضحى:8، فكانوا أغنياء في فقرهم، فقراء في غناهم(16).
الثاني: ويطلق الفقر بمعنى فقر النفس والقلب، وهو خلو القلب من دوام الافتقار إلى الله في حال، وبعده عن مشاهدة فاقته التامة إلى الله تعالى من كل وجه(17).
وفقر القلب والنفس: فقد الرضى والقناعة.
فقد يجتمع في الرجل كثير العرض والمال فقر في القلب، فيكون غنياً بكثرة العرض، فقيراً بفقر نفسه وقلبه.
الثالث: ويطلق الفقر بمعنى قلّة المال، وهو على نوعين:
…النوع الأوّل: قليل المال مع وجود القوت والكفاف، سواء وجبت عليه الزكاة المفروضة أم لا. فهذا إنما سُمّي فقيراً لقلة ماله، مقابلة للغني، لكنه ليس من أهل الحاجة، ويُسمى غنياً مقابلة لقليل المال المحتاج.
…النوع الثاني: قلة المال مع فقد القوت والكفاف، فهو يحتاج الناس، فهم الفقراء الذين تصرف لهم الصدقات، وتحل لهم المسألة، و الله اعلم.
ثانيا: ورود مادة (س.ك.ن ).(1/7)
وردت هذه المادة، في خمسة وعشرين موضعاً من القرآن الكريم، بيانها هو التالي:
لفظة: "مسكنة، المسكنة" جاءت في موضعين هما: في سورة البقرة:61، قوله تبارك وتعالى: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة}، وهي مدنية، وفي سورة آل عمران:112، قوله تبارك وتعالى: {وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة}، وهي مدنية.
لفظة: "مسكين، المسكين" جاءت في أحد عشر موضعاً وهي: في سورة البقرة:184، قوله تبارك وتعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، وهي مدنية، وفي سورة الإسراء:26، قوله تبارك وتعالى: {وآت ذا القربى حقه والمسكين}، وهي مدنية، وفي سورة الروم:38، قوله تبارك وتعالى: {فآت ذا القربى حقه والمسكين}، وهي مكية، وفي سورة القلم:24، قوله تبارك وتعالى: {فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين}، وهي مدنية، وفي سورة الحاقة:34، قوله تعالى:{ولايحض على طعام المسكين}، وهي مكية، وفيها:40، قوله تعالى:{ولم نك نطعم المسكين}، وهي مكية، وفي سورة الفجر:18، قوله تعالى: {ولاتحاضون على طعام المسكين}، وهي مكية، وفي سورة الماعون:3، قوله تعالى: {ولايحض على طعام المسكين}، وهي مكية، وفي سورة المجادلة:4، قوله تعالى: {فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا}، وهي مدنية، وفي سورة الإنسان:8، قوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}، وهي مدنية، وفي سورة البلد:16، قوله تعالى: {يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا مترية}، وهي مكية.(1/8)
لفظة: "مساكين، المساكين"، جاءت في اثنى عشرة موضعاً، وهي: في سورة البقرة:83، قوله تبارك وتعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون}، وهي مدنية، وفيها:177، قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}، وهي مدنية، وفيها:215، قوله تعالى: {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين}، وهي مدنية، وفي سورة النساء:8، قوله تعالى: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين}، وهي مدنية، وفيها:36، قوله تعالى: {واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً}، وهي مدنية، وفي سورة المائدة:89، قوله تعالى: {لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون}، وهي مدنية، وفيها:95، قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وأنتم حُرُم، ومن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم، هدياً بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره، عفا الله عما سلف،(1/9)
ومن عاد فينتقم الله منه، والله عزيز ذو انتقام}، وهي مدنية، وفي سورة الأنفال:41، قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خُمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير}، وهي مدنية، وفي سورة التوبة:60، قوله تعالى: {إنما الصدقلت للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}، وهي مدنية، وفي سورة الكهف:79، قوله تعالى: {أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}، وهي مكية، وفي سورة النور:22، قوله تعالى: {ولايأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}، وهي مدنية، وفي سورة الحشر:7، قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}، وهي مدنية.
ويلاحظ حول ورود هذه المادة في القرآن الكريم الأمور التالية:
ـ أن أوّل موضع بحسب ترتيب المصحف جاءت فيه إنما هو باسم المصدر(18) "المسكنة"، في سورة البقرة:61، قوله تبارك وتعالى: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة}، وهي مدنية.(1/10)
ـ جاء في موضع ذكر "المساكين" وهو يحتمل أن يكون من المسكنة أو من الحاجة مع وجود المال. وذلك في سورة الكهف:79، قوله تعالى: {أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}، وهي مكية؛ أخبر فيها سبحانه أن لهؤلاء المساكين سفينة من سفن البحر، وربما ساوت جملة من المال، فوصف بالمسكنة من له سفينة تساوي مالا(19).
ـ أن الآيات التي أوجبت الصدقة للمسكين، جاءت في العهد التنزيل المكي، بالأساليب التالية:
1. ذم الكفار لاتصافهم بترك اطعام المسكين، قال الله تبارك وتعالى: {ولايحض على طعام المسكين} الحاقة:34، وقوله تبارك وتعالى: {ولايحض على طعام المسكين} الماعون:3.
2. ذكر أن ترك اطعام المسكين من أوصاف أهل النار، قال الله تبارك وتعالى: {ولم نك نطعم المسكين} الحاقة:44، وقوله تبارك وتعالى: {ولاتحاضون على طعام المسكين} الفجر:18.
3. ذكر تسليط عقوبة في الحياة الدنيا على من منع اعطاء المسكين، قال الله تبارك وتعالى: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرِمُنها مصبحين. ولايستثنون. فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون. فأصبحت كالصريم. فتنادوا مصبحين. أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين. فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين. وغدوا على حرث قادرين. فلما رأوها قالوا إنا لضالون. بل نحن محرومون} سورة ن:17-27.
4. بيان أن من أسباب المغفرة اعطاء المسكين، قال الله تبارك وتعالى: {فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فك رقبة. أو اطعام في يوم ذي مسغبة. يتيماً ذا مقربة. أو مسكيناً ذا متربة} البلد:11ـ16.
ـ جاء ذكر المسكين متعلقاً ببعض الكفارات، والأحكام، وذلك فيما يلي:
1. في الصوم، في سورة البقرة:184، قوله تبارك وتعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، وهي مدنية.(1/11)
2. في الظهار، في سورة المجادلة:4، قوله تعالى: {فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا}، وهي مدنية.
3. في قسمة المواريث، في سورة النساء:8، قوله تعالى: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين}، وهي مدنية.
4. في النفقات وترتيبها، في سورة البقرة:215، قوله تعالى: {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين}، وهي مدنية.
5. في كفارة اليمين، في سورة المائدة:89، قوله تعالى: {لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون}، وهي مدنية.
6. في الغنيمة، في سورة الأنفال:41، قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خُمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير}، وهي مدنية.
7. في مصارف الزكاة، في سورة التوبة:60، قوله تعالى: {إنما الصدقلت للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}، وهي مدنية.
8. في الفيء، في سورة الحشر:7، قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}.
ـ جاءت لفظة "مساكين" في موضع، وأبدل عنها بلفظ "الفقراء" على قول بعض أهل العلم.(1/12)
في سورة الحشر:7ـ 8، قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب. للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، ويتصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون}.
فقوله: {للفقراء المهاجرين..} بيان لقوله: {والمساكين وابن السبيل}؛ ويدل على ذلك: أن قوله تعالى: {...والمساكين} على تقدير: وللمساكين، ولابن السبيل، فجاء قوله: {للفقراء...} بتكرير لام الجر لما كانت الأولى مجرورة باللام ليبين أن البدل إنما هو منها(20).
وفي السنة النبوية وردت مادة (س.ك.ن ) بما وردت به في القرآن الكريم، وسيأتي ذكر جملة من الأحاديث في ذلك قريباً إن شاء الله تعالى.
المبحث الثاني
معنى الفقر والمسكنة
تعريف الفقر والفقير، والمسكنة والمسكين، والفرق بينهما، حديث طويل متشعب، لممت لك أطرافه وحررت لك مسائله، في هذا المبحث.
ولعل من أهم فوائد هذا المبحث بعد تحرير هذه المسائل؛ هو الرد على المستشرق الذي نبز فقهاء المسلمين بأنهم: "أن يفسروا التعريف بحيث يكونون هم أنفسهم في معظم الأحيان من إحدى الطائفتين"اهـ(21)؛ إذ يبين هذا المبحث أن لكل قول دليلاً، ومأخذاً، ونظراً، ووجهة هو موليها، بغض الطرف عن كونه راجحاً أو مرجوحاً، فليست المسألة إذاً تعسفاً و لاتحكماً بحسب الهوى والشهوة.
وسأبدأ بتعريف الفقر والمسكنة في اللغة، ثم أذكر تعريفهما في الشرع.
أولا: تعريفهما في اللغة.
الفقر :مادة الفاء والقاف والراء أصل واحد صحيح يدل على انفراج في شيء، من عضو أو غير ذلك. من ذلك: الفقار للظهر، الواحدة فقارة، سميت للحزوز والفصول التي بينها. والفقير المكسور فقار الظهر. وقال أهل اللغة: منه اشتق اسم الفقير وكأنه مكسور فقار الظهر من ذلته ومسكنته(22).(1/13)
والفقير : المحتاج(23).
المسكنة :السين والكاف والنون، تدل على أصل واحد مطّرد يدل على خلاف الاضطراب والحركة، يقال: سكن الشيء يسكن سكوناً فهو ساكن(24).
والمسكين : الذليل والضعيف(25).
ويلاحظ ما يلي:
ـ أن من لازم الحاجة؛ الضعف والذلة، فكل فقير ضعيف ذليل، ولكن ليس كل مسكين محتاج، لأن أسباب الضعف والذلة أعم من مجرد الحاجة والفاقة. فقد يوجد مسكين ليس بصاحب حاجة وعوز وفاقة.
ـ ومما سبق تعلم أن معنى المسكنة أعم من معنى الفقر، ولعل لهذا السبب استعاذ ( من الفقر، وسأل المسكنة؛ لأن الفقر الذي استعاذ منه غير المسكنة التي سألها(26).
ـ أن أهل اللغة تكلموا في الفرق بين الفقير والمسكين(27)، فمنهم من جعل الفقير من كان شديد الحاجة والعوز، والمسكين من وجد ما لا يكفي، ومنهم من عكس ذلك، ومنهم من ساوى بينهما. والواقع ـ حسب نظري والله اعلم ـ أن حكاية أهل اللغة هذا الخلاف لوحظ فيه ورود اللفظين في نصوص الشرع، بعبارة أخرى: لوحظ في حكاية هذا الخلاف، الحقيقة الشرعية لورود هذين اللفظين (الفقير، المسكين) في نصوص الشرع.
ومادام الحال كذلك، فننتقل إلى تعريف معناهما في الشرع.
ثانيا: الفرق بين الفقر والمسكنة، والفقير والمسكين:
جاءت كلمة "الفقر" في موضع واحد فقط، وهو قوله تبارك وتعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} البقرة:268، وهي آية مدنية.
والمعنى: يخوفكم الحاجة والعوز والفاقة.
ووردت كلمة "المسكنة" في موضعين، أوّلهما في سورة البقرة:61، قوله تبارك وتعالى: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة}، وهي مدنية، وثانيهما في سورة آل عمران:112، قوله تبارك وتعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ماثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حقٍ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}، وهي مدنية.
والمسكنة : هي الحاجة والخضوع(28).(1/14)
والمعنى:وضع عليهم الصغار، والهوان، شرعاً وقدراً، فلا يزالون مستذلين، من وجدهم استذلهم وأهانهم، وضرب عليهم الصغار، وهم مع ذلك في أنفسهم مستكينون(29).
وقيل: المسكنة هنا ما وضع عليهم من الجزية، كذا قيل!
وقال البخاري رحمه الله عند كلامة على الجزية، بعد ذكره لقوله تعالى: {قاتلوا الذين لايؤمنون بالله واليوم الآخر، ولايحرمون ماحرّم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} التوبة:29، قال: "يعني أذلاء.، والمسكنة مصدر المسكين، فلان أسكن من فلان: أحوج منه"اهـ(30).
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعليقاً على قول البخاري: "ووجه ذكر المسكنة هنا أنه لما فسّر الصغار بالذلة، وجاء في وصف أهل الكتاب أنهم {ضربت عليهم الذلة والمسكنة}، ناسب ذكر المسكنة، عند ذكر الذلة"اهـ(31).
قلت: والذي يظهر لي - والله اعلم - أن مراد البخاري الإشارة إلى أن الذلة التي ضربت عليهم هي الجزية، ومراده بيان أن تفسير من فسر المسكنة في الآية بالجزية مرجوح، لأن المسكنة من الحاجة، ولاتناسب معنى الجزية.
والمراد في الآيتين: الزموا بالجزية، وما فيها من الذل والصغار عليهم، ووضعت عليهم المسكنة والخضوع والحاجة لغيرهم، فهم [أذل الأمم، واشدهم مسكنة، وأكثرهم تصاغراً، لم ينتظم لهم جمع، و لاخفقت على رؤوسهم آية، ولاثبتت لهم ولاية، بل مازالوا عبيد العصى، في كل زمن، وطروقة كل فحل في كل عصر، ومن تمسك منهم بنصيب من المال - وإن بلغ في الكثرة أي مبلغ - فهو مرتدٍ بأثواب المسكنة](32).
كما جاء كذلك ذكر لفظ "الفقير" و "المسكين"، وقد اختلف في المراد بالفقير والمسكين على أقوال.
أرجحها: أن اسم الفقير إذا أطلق دخل فيه المسكين، وإذا أطلق لفظ المسكين تناول الفقير، وإذا قرن بينهما فأحدهما غير الآخر.(1/15)
فالأول كقوله تبارك وتعالى: {وإن تخفوها تؤتوها الفقراء فهو خير لكم} البقرة:271، وقوله: {فكفارته اطعام عشرة مساكين} المائدة:92.
والثاني كقوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} التوبة:60.
وذلك لأن الأسماء يتنوع مسمّاها بالإطلاق والتقييد(33).
فتارة يكون الاسمان إذا أفرد أحدهما أعم من الآخر.
وتارة يكونان متساويين في العموم والخصوص.
ولفظ الفقير والمسكين من الحال الثاني، الذي يكونان متساويين في العموم والخصوص، فأيهما أطلق تناول ما يتناوله الآخر(34).
فلفظ الفقير والمسكين، يدلان على أصحاب الحاجة والعوز، فإن اقترنا تغايرا في الوصف والمعنى.
فمعنى لفظ الفقير عند الاطلاق يتناول المسكين، وكذا العكس.
وكأن المراد أنهما أهل حاجة وعوز، غاية الوصف باللفظ إذا اقترنا أنه لوحظ في اسم الفقير معنى انكسار الفقار؛ لأن أصله في اللغة: المفقور الذي نزعت فقرة من فقر ظهره فكأنه انقطع ظهره من شدة الفقر، فصرف عن مفقور إلى فقير، كما قيل: مجروح وجريح، ومطبوخ وطبيخ.
ولوحظ في اسم المسكين معنى السكون والمسكنة والخشوع والذلة(35).
ويقرر هذا ابن حزم رحمه الله، بقوله: "الفقراء هم الذين لا شيء لهم أصلاً، والمساكين هم الذين لهم شيء لا يقوم بهم.
برهان ذلك: أنه ليس إلا موسر، أو غني، أو فقير، أو مسكين، في الأسماء.
ومن له فضل عن قوته.
ومن لا يحتاج إلى أحد وإن لم يفضل عنه شيء.
ومن له ما لا يقوم بنفسه منه.
ومن لا شيء له.
فهذه مراتب أربع معلومة بالحس؛ فالموسر بلا خلاف هو الذي يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة. والغني هو الذي لا يحتاج إلى احد وإن كان لا يفضل عنه شيء، لأنه في غنى عن غيره، وكل موسر غني، وليس كل غني موسراً.
فإن قيل: لم فرّقتم بين المسكين والفقير؟(1/16)
قلنا: لأن الله تعالى فرّق بينهما، و لايجوز أن يقال في شيئين فرّق الله تعالى بينهما: إنهما شيء واحد، إلا بنص أو إجماع أو ضرورة حس؛ فإذ ذلك كذلك، فإن الله تعالى يقول: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} فسمّاهم تعالى مساكين ولهم سفينة، ولو كانت تقوم بهم لكانوا أغنياء بلا خلاف، فصح اسم المسكين بالنص لمن هذه صفته، وبقي القسم الرابع، وهو من لا شيء له أصلاً، ولم يبق له من الأسماء إلا الفير، فوجب ضرورة أنه ذاك. ...
وقال تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} فصح أن الفقير الذي لا مال له أصلاً؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم، و لايجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم.
فإن قيل: قد قال الله تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}.
قلنا: صدق الله تعالى، وقد يلبس المرء في تلك البلاد إزاراً ورداءاً خلقين غسيلين لا يساويان درهماً، فمن رآه كذلك ظنه غنياً، و لا يُعد مالاً، ما لا بُدّ منه، مما يستر العورة، إذا لم تكن له قيمة"اهـ(36).
وكلام ابن حزم هذا محله عند اجتماع الاسمين (الفقير، و المسكين)، وأمّا إذا افترقا فيشمل أحدهما الآخر جرياً على القاعدة عند العلماء، من أن اللفظين المتساويان في العموم والخصوص عند الإطلاق يشمل أحدهما الآخر. وهنا اللفظان يدلان على أصحاب الحاجة والعوز، فعند الإطلاق يدلان عليهم، وعند اجتماعهما يتغايرا في الوصف والمعنى.
قال ابن رجب رحمه الله: "اعلم أن المسكين إذا أطلق يراد به غالباً من لا مال له يكفيه، فإن الحاجة توجب السكون والتواضع، بخلاف الغنى فإنه يوجب الطغيان، ولهذا ذم الفقير المختال(37)، وعظم وعيده؛ لأنه عصى بما ينافي فقره، وهو الاختيال والزهو والكبر.(1/17)
قال: وفرّق طائفة من العلماء بين الفقير والمسكين، فقالوا: من أظهر حاجته فهو مسكين، ومن كتمها فهو فقير. وفي كلام الإمام أحمد إيماء إلى ذلك، وإن كان المشهور عنه: أن التفريق بينهما بكثرة الحاجة وقلتها، كقول كثير من الفقهاء. وهذا حيث جمع بين ذكر الفقير والمسكين، كما في آية الصدقات، فأما إذا أفرد أحد الاسمين دخل فيه الآخر عند الأكثرين"اهـ(38).
وقال رحمه الله: "وقد يطلق اسم المسكين ويراد به من استكان قلبه لله عزوجل، وانكسر له، وتواضع لجلاله، وكبريائه، وعظمته، وخشيته، ومحبته، ومهابته.
وعلى هذا المعنى حمل بعضهم الحديث المروي عن النبي ( أنه قال: ""اللهم احيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" (39)، خرّجه الترمذي من حديث أنس، وخرّجه ابن ماجه من حديث ابن عباس(40).
وفي حمله على ذلك نظر؛ لأن في تمام حديثيهما ما يدل على أن المراد به المساكين من المال، لأنه ذكر سبقهم الأغنياء إلى الجنة(41)، مع أن في إسناد الحديثين ضعفاً"اهـ(42).
قلت: ما ذكره ابن رجب رحمه الله ـ من أن المسكنة التي سألها الرسول ( في هذا الدعاء هي المسكنة من المال ـ هو الظاهر، والمراد أن لا يجاوز به الكفاف، وقد جاء ما يشهد لهذا المعنى من حديث أبي هريرة ( قال رسول الله ( : "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً"(43).
ومعنى الحديث: أنه ( سأل ربه حالة الكفاف، وهي حالة سليمة من الغنى المطغي، والفقر المؤلم، وصاحبها معدود في الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا، بل يجاهد نفسه في الصبر عن القدر الزائد على الكفاف، فلم يفته من حال الفقر إلا السلامة من قهر الحاجة وذل المسألة(44).
قال الشنقيطي رحمه الله: "القاعدة عند علماء التفسير أن الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. وعلى قولهم؛ فالفقير هنا يشمل المسكين؛ لأنه غير مذكور معه هنا، وذلك هو مرادهم بأنهما إذا افترقا اجتمعا"اهـ(45).(1/18)
فإن قيل: العطف يقتضي التغاير، والله يقول: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} التوبة:60. فظاهر اللفظ يدل على أن المسكين غير الفقير!
فالجواب: نعم، هنا تغاير في الوصف كما سبق، إذا اجتمعا تغايرا، فالفقير لوحظ فيه انقطاع ظهره من شدة الفقر، والمسكين لوحظ فيه وصف السكون وقلة الحركة والمسكنة والذلة.
والفقير أشد حاجة من المسكين، عند اجتماعهما، ويؤكده أن الله عزوجل قدّم ذكره على المسكين في آية الصدقات(46).
واقتصر على ذكر اسم المسكين في الآيات التي تعلق بها كفارة لأنه الأعم.
وقد جاء في السنة إطلاق اسم المسكين على ماجاء في القرآن باسم الفقير.
قال الله تبارك وتعالى: {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافاً وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} البقرة:273.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله ( : "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان و لا اللقمة ولا اللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف، واقرءوا إن شئتم: (قال أحد رواة السند وهو ابن أبي مريم:) يعني قوله: {لا يسألون الناس الحافاً}"(47).
وفي رواية: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللفمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس"(48).
وفي رواية: "ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحي، أولا يسأل الناس الحافاً"(49).
وجاء في السنة ذكر الفقير مكان المسكين:(1/19)
عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ"(50).
قال هنا: "عامة من دخلها المساكين".
وفي حديث عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ"(51).
هنا قال: "فرأيت أكثر أهلها الفقراء".
وهذا يؤكد ماقرره أكثر أهل العلم من أن اللفظين إذا افترقا اجتمعا، وتناول أحدهما الآخر(52).
وقد أطلق لفظ المسكين على من عنده الشيء يطلب به الرزق، كما أطلق لفظ الفقير على من يملك شيئاً ويبيع.
أما الأول ففي قوله تعالى: {أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} الكهف:79، فأخبر سبحانه أن لهؤلاء المساكين سفينة من سفن البحر، وربما ساوت جملة من المال، فوصف بالمسكنة من له سفينة تساوي مالاً(53).(1/20)
وجاء في كلام الصحابة اطلاق اسم الفقير على من عنده شيء، ويبيع، جاء عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ: "كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ وَكُنْتُ أَسُوسُهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْخِدْمَةِ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ كُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُومُ عَلَيْهِ وَأَسُوسُهُ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهَا أَصَابَتْ خَادِمًا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا. قَالَتْ:كَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَأَلْقَتْ عَنِّي مَئُونَتَهُ فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ قَالَتْ: إِنِّي إِنْ رَخَّصْتُ لَكَ أَبَى ذَاكَ الزُّبَيْرُ فَتَعَالَ فَاطْلُبْ إِلَيَّ وَالزُّبَيْرُ شَاهِدٌ فَجَاءَ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ فَقَالَتْ: مَا لَكَ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا دَارِي. فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: مَا لَكِ أَنْ تَمْنَعِي رَجُلًا فَقِيرًا يَبِيعُ فَكَانَ يَبِيعُ إِلَى أَنْ كَسَبَ فَبِعْتُهُ الْجَارِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ وَثَمَنُهَا فِي حَجْرِي فَقَالَ: هَبِيهَا لِي! قَالَتْ: إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهَا"(54).
وهذا يؤكد ما سبق تقريره، من أن الاسمين (الفقير، المسكين) إذا افترقا اجتمعا.(1/21)
فإن قيل: نوقش الاستدلال بالآية التي في سورة الكهف، على أن المسكين قد يكون له مالاً، ولكن لا يكفيه؛ نوقش: بأنه يحتمل أن تكون السفينة مستأجرة لهم، كما يقال: هذه دار فلان، إذا كان ساكنها، وإن كانت لغيره، وقد قال تعالى في وصف أهل النار: {ولهم مقامع من حديد} سورةالحج:21، فأضافها إليهم، وقال تعالى: {ولاتؤتوا السفهاء أموالكم} سورة النساء:5، وهو كثير يضاف الشيء إليه وليس له، ومنه قولهم: باب الدار، وجل الدابة، وسرج الفرس، وشيهه.
ويجوز أن يسموا مساكين على جهة الرحمة والاستعطاف، كما يقال لمن امتحن بنكبة أو دفع إلى بلية: مسكين، وقال الشاعر:
عليها تراب الذل من بين المقابر(55)
مساكين أهل الحب حتى قبورهم
أو جعلهم مساكين بعد ذهاب سفينتهم.
أو لأن سفينتهم غير معتد بها في جنب ما كان لهم من المسكنة(56).
قلت: جميع هذه الاحتمالات - ماعدا الأخير منها - في وصف أصحاب السفينة بالمسكنة لا تتواءم مع سياق الآية؛ فإن الله ذكر أن السفينة كانت لهم، ومن أجل ذلك عابها العبد الصالح حتى لايأخذها الملك الظالم، فلو كانت السفينة مستأجرة أو يعملون عليها، لما كان تعليل الخضر إفساده هيئة السفينة في الظاهر مقبولا، لأنه بهذا إنما حمى السفينة لأصحابها لا لمستأجريها، أو من يعمل فيها، وهذا ظاهر لمن تأمله، ومنه تعلم أن سياق الآية يدل على أن السفينة كانت لهؤلاء المساكين، فوصفهم بالمسكنة مع أن لهم سفينة.
وكذا احتمال أنه إنما وصفهم بالمسكنة بعد ذهاب سفينتهم، فإنه يتنافر مع الآية، إذ ليس في الآية أن سفينتهم ذهبت، بل دل الحديث على أن العبد الصالح لما فعل ذلك سلموا من الملك الظالم، ثم الآية صريحة الدلالة في أن العبد الصالح إنما أراد حماية سفينتهم لما هم عليه من المسكنة، فكيف يقال: إنما وصفوا بالمسكنة بعد ذهاب سفينتهم؟!(1/22)
والاحتمال الأخير ينسجم مع دلالة السياق، وهو لا يمنع وصفهم بالمسكنة مع ملكهم للسفينة، وهو المراد! والله الموفق.
نعم ليس في الآية دليل على تخصيص المسكين بأنه أفضل حالا في الحاجة والعوز من الفقير، غاية ما في الآية صحة وصف من لديه شيء و لايكفيه بالمسكنة، كحال أصحاب السفينة هؤلاء؛ وذلك لما قدّمته لك من أن لفظ المسكين عند الاطلاق يأتي بمعنى الفقير والعكس صحيح. والله اعلم.
وهذا القول تجتمع به الأدلة التي استدل أصحاب الأقوال المختلفة في هذه المسألة، وبه يزول الاشكال بينها، وبالله التوفيق.
??E??I ??C - ?? OC? C??? E?C?? - ?? I?C? ??? EC?? C????C? ???C?OE?C? ??? C?EC??.
أقوال أهل العلم في صفة الفقير والمسكين:
[اختلفوا في صفة الفقير والمسكين، على تسعة أقوال:
أحدها: أن الفقير: المتعفف عن السؤال، أو الفقير المحتاج المتعفف، والمسكين: الذي يسأل وبه رَمَق. قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وجابر بن زيد، والزهري، والحكم، وابن زيد، ومقاتل. وقاله مالك في كتاب ابن سحنون، واختاره ابن شعبان.
والثاني: أن الفقير: المحتاج الذي به زمانة، والمسكين المحتاج الذي لا زمانة به، قاله قتادة.
والثالث: الفقير المهاجر، والمسكين: الذي لم يهاجر، قاله الضحاك بن مزاحم، والنخعي. وروي عن ابن عباس.
والرابع: الفقير: فقير المسلمين، والمسكين: من أهل الكتاب، قاله عكرمة.
والخامس: أن الفقير: من له البلغة من الشيء، أو هو الذي له بعض ما يقيمه ويكفيه، والمسكين: الذي ليس له شيء، قاله أبوحنيفة(57)، ويونس بن حبيب، ويعقوب بن السكيت، وابن قتيبة.(1/23)
والسادس: أن الفقير أمس حاجة من المسكين. وهذا مذهب أحمد؛ لأن الفقير مأخوذ من انكسار الفقار، والمسكنة مأخوذة من السكون، والخشوع، وذلك أبلغ. قال ابن الأنباري: ويروى عن الأصمعي(58) أنه قال: المسكين أحسن حالاً من الفقير. وقال أحمد بن عبيد: المسكين أحسن حالا من الفقير لأن الفقير أصله في اللغة: المفقور الذي نزعت فقرة من فقرات ظهره، فكأنه انقطع ظهره من شدّة الفقر، فصرف عن مفقور إلى فقير، كما قيل: مجروح جريح، ومطبوخ طبيخ، قال الشاعر:
رفع القوادم كالفقير الأعزل
لمّا رأى لبد النسور تطايرت
قال: ومن الحجة لهذا القول، قوله تعالى: {أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} [الكهف:79]، فوصف بالمسكنة من له سفينة تساوي مالاً. قال: وهو الصحيح عندنا](59).
وقال ابن عبدالبر النمري رحمه الله: "وممن ذهب إلى أن المسكين أحسن حالاً من الفقير: الأصمعي (!) وأبوجعفر أحمد بن عبيد، وهو قول الكوفيين من الفقهاء أبي حنيفة وأصحابه، ذكر ذلك عنهم الطحاوي، وهو أحد قولي الشافعي [وأكثر اصحابه]"اهـ(60).
القول السابع: أن الفقير والمسكين سواء، لا فرق بينهما في المعنى وإن افترقا في الاسم، وهو قول آخر للشافعي، وإليه ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك، وبه قال أبويوسف.
القول الثامن: الفقير الذي له المسكن والخادم، إلى من هو اسفل ذلك، والمسكين الذي لا مال له.
القول التاسع: أن المسكين الذي يخشع ويستكن وإن لم يسأل، والفقير الذي يتجمل ويقبل الشيء سراً ولايتخشع، قاله عبيدالله بن الحسن(61).
وبتأمل الأقوال التي فرقت بين الفقير والمسكين، يلاحظ ما يلي:
1. نجد أنها على قسمين: قسم فرق بينهما باعتبار الحاجة، وقسم فرق بينهما باعتبار الوصف. أما القسم الأول فيشمل القول الخامس والثامن، والثاني والسادس. أما القسم الثاني، فيشمل القول الأول والثالث، والرابع والتاسع.(1/24)
2. ويلاحظ أن القول الخامس قريب من القول الثامن فيمكن اعتبارهما قولاً واحداً. والقول الثاني قريب من القول السادس، فيمكن اعتبارهما قولا واحداً. وتؤول بهذا الأقوال الأربعة في القسم الأول إلى قولين، هما:
……القول الأول: الفقير الذي له بعض ما يكفيه، أو البلغة من العيش، والمسكين الذي لا شيء عنده. وهو يشمل القول الخامس، والثامن.
……القول الثاني: الفقير أشد حاجة من المسكين، لما في الفقير من زمانة. وهو يشمل القول الثاني والسادس.
3. أن القسم الثاني اعتمد الأوصاف التالية للتفريق بين الفقير والمسكين:
…وصف المسألة: فالفقير المتعفف عن السؤال، والمسكين الذي يسأل. في القول الأول.
…وصف الهجرة: فالفقير المهاجر. المسكين الذي لم يهاجر. في القول الثالث.
…وصف الإسلام: فالفقير من المسلمين. المسكين من أهل الكتاب. في القول الرابع.
…وصف المسكنة: فالفقير من يتجمل و لايخشع ويقبل في السر. والمسكين من خشع واستكن وإن لم يسأل. في القول التاسع.
…وصف الزمانة(62)، فالفقير المحتاج الذي به زمانة. والمسكين المحتاج الذي لا زمانة به.
وبعد عرض الأقوال أذكر هنا دليل كل قول ومناقشته:
أمّا القول بأن الفقير أحسن حالاً من المسكين، والمسكين لا شيء له، وهو يشمل القول الخامس والثامن، فقد احتج أصحابهما بما يلي:
1. بقوله تعالى: {مسكيناً ذا متربة} البلد:16.
…ووجه الدلالة: أن المراد أنه ملصق بالتراب لضره وعريه، وليس أحد أسوأ حالاً ممن هذه صفته، فدل على أن المسكين أسوأ حالاً من الفقير(63).
2. واستدلوا بقوله تعالى: {وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين} البقرة:177.
ووجه الدلالة: أنه قدّم ذكر المسكين على السائل فالسائل أحسن حالاً، فدل على أن المسكين أسوأ حالاً(64).(1/25)
3. واستدلوا بأن الله خصّ أموال الطهرة من ذوي الحاجات من القرب والكفارات على المساكين دون الفقراء، فدل تخصيصهم بالذكر على اختصاصهم بسؤ الحال(65).
4. وبقول الراعي:
وفق العيال فلم يترك له سَبَدُ(66)
أمّا الفقير الذي كانت حلوبته
فسمّاه فقيراً، وله حلوبة تكفيه وعياله.
5. وبقول يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله بل مسكين؟ يريد أنا أسوأ حالاً من الفقير(67).
ويناقش هذا الاستدلال بما يلي:
ـ أن اطلاق اسم الفقير لا يمنع اشتراكه مع المسكين، فهما (الفقير و المسكين) اسمان إذا اطلقا دون اقتران أحدهما بالآخر، تناول أحدهما معنى الآخر. فبيت الراعي لا يفيد أن الفقير هو من لا شيء له، والمسكين خلافه، إنما يفيد اطلاق اسم الفقير على من له شيء، دون منع اطلاق اسم المسكين أيضاً دون اقتران بينهما، فتأمل؛ إذ لفظ الفقير والمسكين كلفظ الإيمان، ولفظ البر، ولفظ التقوى، إذا اطلق أحدهما دخل فيه الآخر، وتناوله على السواء، وكذا لفظ الفقير إذا اطلق يشمل معنى المسكين(68).
ويؤيد ما ذكرته أنه جاء قول شاعر آخر وهو لبيد، اطلق فيه الفقير على من لا شيء عنده، عكس بيت الراعي؛ قال لبيد:
رفع القوادم كالفقير الأعزل
لما رأى لبد النسور تطايرت
يريد: أنه لم يطق الطيران، فصار بمنزلة من انقطع صلبه، ولصق بالأرض(69).
فهذان شاعران من أهل اللغة أحدهما اطلق لفظ الفقير على من عنده قدر كفايته بلا فضل، والآخر اطلق بفظ الفقير على من انقطع فهو أعزل لاشيء عنده.
أمّا ماجاء من النقل عن يونس أن بعض الأعراب قيل له: أفقير أنت؟ قال: لا والله بل مسكين؟. يريد أنه أسوأ حالاً من الفقير.
فالجواب عليه: أن هذا النقل وقع فيه اختلاف، فقد نقله الماوردي بلفظ: "حكي عن يونس قال: قلت: لأعرابي: أمسكين أنت؟ فقال: لا، والحمد لله، بل فقير"(70).(1/26)
وليس في هذا إلا تقرير أن الفقير غير المسكين، فيحتمل أن الفقير عنده أسوأ من الفقير، فهو يحمد الله شاكراً له مع شدّة ضره. ويحتمل أن المسكين عنده أسوأ من الفقير فهو يحمد الله على حسن حاله.
وتقدّم أن القول بأن المسكين أسوأ حالاً من الفقير، وأن الفقير الذي له المسكن والخادم، وإلى من هو أسفل من ذلك، والمسكين الذي لا مال له؛ تقدّم أنهما قولان متقاربان. وعليه فإنه متعقب أيضاً بأنه عكس ما ثبت عن الصحابة من أن من له الخادم ليس بفقير(71) عن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يَقُولُا: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: "أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ قَالَ: فَإِنَّ لِي خَادِمًا قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ"(72).
ـ أمّا استدلالهم بقوله تعالى: {مسكيناً ذا متربة} سورة البلد:16.
فالجواب عليه: أن كلامنا في لفظ "مسكين" على الاطلاق، أمّا في الآية فقد جاءت كلمة مسكين مقيّدة بوصف: {ذا متربة}، وهذا خارج محل البحث(73).
ومثله قوله تعالى: {واطعموا البائس الفقير} سورة الحج:28، لا يدل على أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين، لأن لفظ الفقير فيها جاء بياناً لـ {البائس}(74)، وهذا خارج محل البحث.
وجواب آخر: أن استدلالهم بالآية إنما يتم إذا كان قوله {ذا متربة}، وصفاً كاشفاً، لا مفهوم له، وهو خلاف الظاهر(75)، بل الظاهر أن له مفهوماً، ومفهومه: أنه قد يحصل مسكين خال عن وصف كونه {ذا متربة}، وإنما يكون كذلك بتقدير أن يملك شيئاً، فهذا يدل على أن كونه مسكيناً لا ينافي كونه مالكاً لبعض الأشياء(76).(1/27)
ـ وأمّا استدلالهم بقوله تعالى: {وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين} البقرة:177.
حيث قدّم ذكر المسكين على السائل فالسائل أحسن حالاً، فدل على أن المسكين أسوأ حالاً؛ فجوابه: أن السائل لا يكون أحسن حالاً من المتعفف؛ لأنه قد يسال فيحرم، وقد يتعفف فيعطى.
ـ وقولهم: إن الله خصّ أموال الطهرة من ذوي الحاجات من القرب والكفارات على المساكين دون الفقراء، فدل تخصيصهم بالذكر على اختصاصهم بسؤ الحال. ويتعقب: بأن ذكر اسم المساكين يتناول الفقراء، ولمّا كان المسكين أحسن حالاً من الفقير في حال الاقتران، كان في الاقتصار على ذكر اسم المسكين تنبيه على دخول الفقير بالأولى.
أما القول بالتفريق بين المسكين والفقير بوصف المسألة، فالفقيرهو المتعفف عن السؤال والمسكين الذي يسأل. وهو القول الأول.
فقد احتج أصحابه بقوله تعالى، في سورة البقرة:273: {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس الحافاً، وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم}.
ويناقش هذا الاستدلال بما يلي:
بأنه جاء في الحديث اطلاق اسم المسكين على الذي يتعفف عن المسألة، فدل على أن هذا الوصف لا يصلح للتفريق بين الفقير والمسكين، بل هذا يؤكد أن الفقير والمسكين لفظان إن اجتمعا افترقا وإن افترقا اجتمعا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ"(77).
فظاهر هذا الحديث أن المسكين هو من اتصف بالتعفف وعدم الالحاف في السؤال(78).(1/28)
وهذا يؤكد أن وصف الفقراء في الآية السابقة، بأنهم: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس الحافاً}، وصف على ظاهره، يفيد بالمفهوم أن من الفقراء من يسألون الناس إلحافاً، ومنهم من ليس كذلك، وغاية الآية مدح أصحاب الصفة المذكورة فيها من الفقراء؛ ولذلك قال العلماء: معنى الحديث : أن المسكين الكامل المسكنة هو المتعفف، الذي لا يطوف على الناس، ولا يسألهم، ولا يفطن لحاله، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطَّوّاف، وإنما معناه نفي كمالها، وهذا كقوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله ...} البقرة:177.
وكقوله (: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"(79).
وكقوله (: "مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكم؟ قَالَ قُلْنَا الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ قَالَ لَيْسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا قَالَ فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قَالَ قُلْنَا الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ لَيْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"(80).(1/29)
واستدل ابن عبدالبر النمري رحمه الله على اطلاق اسم المسكين على الطَّوَّاف بحديث أم بجيد، قال رسول الله (: "ردوا السائل ولو بظلف محرق" هذا لفظ النسائي، وفي رواية الموطأ: "ردوا المسكين ولو بظلف محرق"، ولفظ الترمذي: "عن أُمِّ بُجَيْدٍ وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بَابِي فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئًا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا تُعْطِينَهُ إِيَّاهُ إِلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ" قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أُمِّ بُجَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(81).
وقال ابن عبدالبر رحمه الله: "واجمعوا أن السائل الطَّوَّف المحتاج مسكين"اهـ(82).
وقال: "لا وجه له (أي: للحديث) غير ذلك؛ لأنه معلوم أن الطَّوّاف مسكين، وذلك موجود في الآثار وحروف اللغة"اهـ(83).
قلت: إذا تقرر عندك - وفقك الله - ما تقدّم من أن وصف التعفف عن المسألة، والطواف لها، يطلق على الفقير وعلى المسكين، وأنه وصف كمال، ظهر لك - إن شاء الله تعالى - أنه لا يصح اعتباره في التفريق بين الفقير والمسكين!
ومثله القول بـ التفريق بين الفقير والمسكين بوصف المسكنة، فالمسكين من خشع واستكن، وإن لم يسأل، والفقير من يتجمل و لايخشع، ويقبل في السر.
فهذا القول اعتماده على وصف دلّت الآية على أنه للكمال، وهو المستفاد من قوله تعالى في الآية السابقة: {تعرفهم بسيماهم}، فلا يصلح أن يجعل عمدة في التفريق، لما سبق من أن الحديث وصَفَ المسكين بالتجمل والتخشع والتعفف! فهذا القول خلاف الحديث.
أمّا القول: بأن الفقير والمسكين سواء لا فرق بينهما في المعنى، وإن افترقا في الاسم.(1/30)
يناقش هذا القول بأن يقال: إن أريد به في اطلاق لفظ الفقير والمسكين دون اقتران أحدهما بالآخر، فالجواب: نعم!
وإن أريد به في حال اقترانهما فهذا لايصح؛ إذ الله عزوجل غاير بينهما في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} التوبة:60، فالفقير غير المسكين.
فإن قيل: أسلوب الآية المذكورة من باب العطف لاختلاف اللفظ فقط، كقول الشاعر:
والفى قولها كذباً ومينا
.. .. .. .. .. .. ..
فالجواب: إن هذا إنما جاء في الشعر.
وقد قال ابن تيمية رحمه الله: "من الناس من يدّعي أن مثل هذا جاء في كتاب الله، كما يذكرونه في قوله: {شرعة ومنهاجاً} [المائدة:48]، وهذا غلط! مثل هذا لا يجيء في القرآن، و لا في كلام فصيح. وغاية ما يذكر الناس اختلاف معنى اللفظ، كما ادّعى بعضهم أن من هذا قوله:
وهند أتى من دونها النأي والبعد
ألا حبذا هند وأرض بها هند
فزعموا أنهما بمعنى واحد، واستشهدوا بذلك على ما ادّعوه من أن الشرعة: هي المنهاج. فقال لهم المخالفون لهم: النأي أعم من البعد، فإن النأي كلما قلّ بعده أو كثر كأنه مثل المفارقة. والبعد إنما يستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته، وقد قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} [الأنعام:26]، وهم مذمومون على مجانبته، والتنحي عنه، سواء كانوا قريبين أو بعيدين، وليس كلهم كان بعيداً عنه، لا سيما من يقول: نزلت في أبي طالب، وقد قال النابغة:
والنؤى كالحوض المطلوقة الجلد
.. .. .. .. .. .. . .. ..
والمراد به ما يحفر حول الخيمة لينزل فيه الماء، ولا يدخل الخيمة، أي صار كالحوض، فهو مجانب للخيمة ليس بعيداً منها"اهـ(84).
وأمّا القول بالتفريق بينهما بوصف الإسلام.
فقد قال القرطبي رحمه الله: "ومطلق لفظ الفقراء لا يقتضي الاختصاص بالمسلمين دون أهل الذمة، ولكن تظاهرت الأخبار في أن الصدقات تؤخذ من أغنياء المسلمين فترد في فقرائهم"اهـ(85).(1/31)
قلت: اتفقوا على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى أهل الذمة(86)، واختلفوا في دفع زكاة الفطر والكفارات إليهم(87).
واتفاقهم هذا دليل على أن وصف الإسلام لا يصلح للتفريق بين الفقير والمسكين، والله اعلم.
أما القول بالتفريق بينهما بوصف الزمانة.
فيقال فيه: إن أريد به بيان شدّة حاجة الفقير عن المسكين في حال اجتماع اللفظين؛ فهذا مسلم؛ إذ وصف الزمانة يلازمه غالباً - بحسب العادة - شدّة الحاجة، والعوز. وعليه يكون محصلة هذا القول التفريق بينهما بحسب الحاجة والعوز فالفقير أشد حاجة وعوزاً من المسكين، وهذا يؤيده أن الله قدّم ذكر الفقير على المسكين في آية مصارف الصدقات.
وإن أريد اعتبار وصف الزمانة مطلقاً في التفريق بينهما فهذا لا اعلم له دليلاً، غايته الاستدلال بقوله تعالى: {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس الحافاً، وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم}.
وهذا الاستدلال إنما يصح إذا اعتبرنا الوصف بـ {لايستطيعون ضرباً في الأرض} من باب الوصف الكاشف، الذي لا مفهوم له. وهذا غير ظاهر هنا، بل الظاهر أن له مفهوماً، وهو أن من الفقراء من يستطيع ضرباً في الأرض.
وعلى فرض التسليم بأن هذا وصف كاشف، فإن معنى الضرب في الأرض لا يلزم منه الزمانة، وبه تعلم أن هذا الوصف لا يصلح للتفريق بينهما.
أما القول بالتفريق بينهما بوصف الهجرة.
احتج أصحابه بقوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} الحشر:8.(1/32)
ويتعقب هذا الاستدلال بأنه إنما يسلم إذا كان وصفاً كاشفاً، والظاهر خلافه، إذ مفهوم الآية: أن من الفقراء من لم يهاجر، وخص من هاجر منهم اهتماماً به؛ وعليه فلا يكون في الآية دليل على اعتماد هذا الوصف في التفريق، "ولذلك لم يعتمد هذا الوصف في التفريق؛ إذ هو حكاية الحال وقت نزول الآية، وأمّا منذ زالت الهجرة، فقد استوى الناس، وتعطى الزكاة لكل متصف بالفقر(88).
? ? ?
وبعد هذا العرض والمناقشة للأقوال المذكورة في التفريق بين المسكين والفقير، يتضح لك ـ إن شاء الله تعالى ـ صواب ما رجحته فيهما، وقدّمته لك، من أن لفظ الفقير والمسكين، يدلان على أصحاب الحاجة والعوز، فإن افترقا تغايرا في الوصف والمعنى.
وكأن المراد أنهما أهل حاجة وعوز، غاية الوصف باللفظ إذا اقترنا أنه لوحظ في اسم الفقير انقطاع ظهره من شدة الفقر، والمسكين لوحظ فيه وصف السكون وقلة الحركة والمسكنة والذلة.
والفقير أشد حاجة من المسكين، عند اجتماعهما، ويؤكده أن الله عزوجل قدّم ذكره على المسكين في آية الصدقات.
تكميل:جاء في الشرع ألفاظ فيها معنى الفقر والحاجة، وهي التالية: المحروم، و القانع، و المعتر، و السائل .وهذه الألفاظ سيأتي الكلام عليها في محلها إن شاء الله تعالى.
ومن الألفاظ التي وردت بمعنى الفقر والحاجة والعوز: العائل: وهو لفظ بمعنى الفقير، ويدل عليه أنه ورد في القرآن مقابلاً بالغنى(89)، قال الله تبارك وتعالى: {ووجدك عائلاً فأغنى} الضحى:8. كما يدل عليه ماجاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ"(90).
فقال : "عائل مستكبر".(1/33)
وجاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أيضا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَرْبَعَةٌ يَبْغُضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ وَالشَّيْخُ الزَّانِي وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ"(91).
فقال هنا: "الفقير المختال"، وافضل ما فسر به الحديث بالحديث، فالعائل المستكبر: الفقير المختال.
وبهذا يتم المراد هنا، وللّه الحمد والمنة.
المطلب الثاني:
فضل الفقر والمسكنة وفوائد محبة المساكين
وفيه المباحث التالية:
المبحث الأول: فضل الفقر والمسكنة.
المبحث الثاني: فوائد محبة المساكين.
وإليك البيان:
المبحث الأول:
فضل الفقر والمسكنة
جاءت فضائل كثيرة في حق الفقير والمسكين، وذلك لما عليه حالهما من فضل في الشرع، فمن هذه الفضائل:
أنهم أكثر أهل الجنة:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ"(92).
عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ"(93).
في حديث عمران: "أكثر أهلها الفقراء".
وفي حديث اسامة: "فكان عامة من دخلها المساكين".
وقوله: "أصحاب الجد" بفتح الجيم، أي الغنى(94).(1/34)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا"(95).
قال ابن حجر رحمه الله: "قوله: "ضعفاء الناس وسقطهم" بفتحتين، أي المحتقرون بينهم، الساقطون من أعينهم. هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس، وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء، ورفعاء الدرجات، لكنهم بالنسبة إلى ما عند أنفسهم - لعظمة الله عندهم، وخضوعهم له - في غاية التواضع لله والذلة في عباده؛ فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح.
أو المراد بالحصر في قول الجنة: "إلا ضعفاء الناس" الأغلب"اهـ(96).
قلت: أهل الجنة هم الضعفاء، والسقط من الناس، والوصف الأول قد يلازمه الثاني، أو يؤدي إليه، فمن استكن واسْتَضعَف نفسه وتضاعف، فهو ضعيف، وقد يكون من سقط الناس أو لا يكون، فإن لم يكن من سقط الناس؛ فإن ضعفه قد يجره إلى أن يعده الناس كذلك، والله اعلم، وبه يتوجه أن قول الجنة: "إلا ضعفاء الناس" على ظاهره، ويؤيد ذلك الحديث التالي:(1/35)
عن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ"(97).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: "المراد بالضعيف من نفسه ضعيفه لتواضعه، وضعف حاله في الدنيا، والمستضعف المحتقر لخموله في الدنيا"اهـ(98).
ومن فضائل المساكين، أنهم أول الناس دخولاً الجنة:
عن أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحبلي قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالُوا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لَا نَفَقَةٍ وَلَا دَابَّةٍ وَلَا مَتَاعٍ فَقَالَ لَهُمْ: مَا شِئْتُمْ إِنْ شِئْتُمْ رَجَعْتُمْ إِلَيْنَا فَأَعْطَيْنَاكُمْ مَا يَسَّرَ اللَّهُ لَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ ذَكَرْنَا أَمْرَكُمْ لِلسُّلْطَانِ وَإِنْ شِئْتُمْ صَبَرْتُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا" قَالُوا: فَإِنَّا نَصْبِرُ لَا نَسْأَلُ شَيْئًا"(99).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ"(100).
قال ابن الأثير:" "خريفاً": الخريف الزمان المعروف بين الصيف والشتاء، وأراد به: كناية عن السنة جميعها؛ لأنه متى أتى عليه عشرون خريفاً مثلاً فقد أتى عليه عشرون سنة.(1/36)
وقد جاء في هذا الحديث: "اربعون خريفاً" وفي الحديث الآخر: "خمسمائة عام" ووجه الجمع بينهما: أن الأربعين أراد بها: تقدم الفقير الحريص على الغني الحريص، وأراد بخمسمائة عام: تقديم الفقير الزاهد على الغني الراغب، فكان الفقير الحريص على درجتين من خمس وعشرين درجة من الفقير الزاهد، وهذه نسبة الأربعين إلى الخمسمائة.
ولاتظنن هذا التقدير وأمثاله يجري على لسان رسول الله ( جزافاً، ولا بالاتفاق، بل لسر أدركه، ونسبة أحاط بها علمه؛ فإنه لا ينطق عن الهوى، وإن فطن أحد من العلماء إلى شيء من هذه المناسبات، وإلا فليس طعناً في صحتها، والله اعلم"اهـ(101).
ومن فضائلهم أنهم أوّل الناس وروداً على الحوض.
عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيِّ قَالَ: "بَعَثَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَحُمِلْتُ عَلَى الْبَرِيدِ قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ شَقَّ عَلَى مَرْكَبِي الْبَرِيدُ فَقَالَ: يَا أَبَا سَلَّامٍ مَا أَرَدْتُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ وَلَكِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ تُحَدِّثُهُ عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَوْضِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُشَافِهَنِي بِهِ! قَالَ أَبُو سَلَّامٍ: حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حَوْضِي مِنْ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ الْبَلْقَاءِ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَكَاوِيبُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الشُّعْثُ رُءُوسًا الدُّنْسُ ثِيَابًا الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ وَلَا تُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَدُ".(1/37)
قَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي نَكَحْتُ الْمُتَنَعِّمَاتِ وَفُتِحَ لِيَ السُّدَدُ وَنَكَحْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا جَرَمَ أَنِّي لَا أَغْسِلُ رَأْسِي حَتَّى يَشْعَثَ وَلَا أَغْسِلُ ثَوْبِي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حَتَّى يَتَّسِخ"(102).
[الشعث: بضم الشين المعجمة، جمع أشعث، وهو البعيد العهد بدهن الرأس، وغشل وتسريح شعره.
الدنس: بضم الدال والنون، جمع دنس، وهو الوسخ](103).
عن ابن عمر ( : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حَوْضِي كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّانَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ أَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا أَوَّلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وُرُودًا صَعَالِيكُ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ قَائِلٌ وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الشَّعِثَةُ رُءُوسُهُمُ الشَّحِبَةُ وُجُوهُهُمُ الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ لَا يُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَدُ وَلَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ الَّذِينَ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَلَا يَأْخُذُونَ الَّذِي لَهُمْ"(104).
ومن فضائل الفقراء أنهم أوّل الناس إجازة على الصراط:(1/38)
عن أَبي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ: أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ فَقُلْتُ: أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي! فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ. فَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ مَعَهُ فَقَالَ: سَلْ! فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [سورة إبراهيم:48]؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ قَالَ فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ: فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ...الحديث"(105).
ومن فضائل المساكين أنهم هم اتباع الرسل .
كما أخبر الله تبارك وتعالى عن نوح علي السلام أن قومه عيّروه باتباع الضعفاء له، قالوا: {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} الشعراء:111، وكذلك قال هرقل لأبي سفيان لمّا سأله عن النبي (: "وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمِ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ"(106).
ومن فضائلهم: أن منهم من لو اقسم على الله لأبره.(1/39)
عن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ"(107).
ومن فضائلهم أن حالهم من الفقر والسلامة لا يعْدِله شيء.
ترجم البخاري رحمه الله في كتاب الرقاق من صحيحه باب فضل الفقر، ثم ساق فيه أحاديث، منها:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا! وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا"(108).
وقد حصلت منازعة في صحة الاستدلال بهذا الحديث على فضيلة الفقر على الغنى! لكن دلالة الحديث على فضل الفقر وفضيلته مطلقاً ظاهرة(109).(1/40)
ومسألة تفضيل الفقر على الغنى؛ التحقيق فيها - كما يقول ابن حجر رحمه الله - عند أهل الحديث أن لا يجاب في ذلك بجواب كلي، بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والأحوال. نعم عند الاستواء من كل جهة وفرض رفع العوارض باسرها، فالفقير اسلم عاقبة في الدار الآخرة، و لا ينبغي أن يعدل بالسلامة شيء، والله اعلم(110).
ومن فضائل الفقر أنه لا يخشى على المسلم إنما يخشى عليه الغنى.
عن عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ"(111).
قوله: "ما الفقر أخشى عليكم" تقديره: ما أخشى عليكم الفقر!" فقدّم المفعول.(1/41)
قال الطيبي رحمه الله: "فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر، فإن الوالد المشفق إذا حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال، فأعلم ( أنه وإن كان لهم في الشفقة عليهم كالأب لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد. وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما يخشاه الوالد لولده، والمراد بالفقر العهدي، وهو ماكان عليه الصحابه من قلّة الشيء، ويحتمل الجنس. والأوّل أولى، ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى؛ لأن مضرة الفقر دنيوية غالباً، ومضرة الغنى دينية غالباً"اهـ(112).
وقال ابن حجر رحمه الله: "ويستدل به على أن الفقر أفضل من الغنى؛ لأن فتنة الدنيا مقرونة بالغنى، والغنى مظنة الوقوع في الفتنة التي قد تجر إلى هلاك النفس غالباً، والفقير آمن ذلك"اهـ(113).
ومن فضل الفقر أن النصر والرزق من الله إنما يكون بالضعفاء بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم .
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ"(114).
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ"(115).
المبحث الثاني:
فوائد محبة المساكين.
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ"(116).(1/42)
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ"(117).
قال ابن رجب رحمه الله: "قوله: "حب المساكين" هذا قد يقال: إنه من جملة فعل الخيرات، وإنما أفرده بالذكر لشرفه وقوة الاهتمام به، كما أفرد أيضاً ذكر حب الله تعالى، وحب من يحبه، وحب عمل يبلغه إلى حبه، وذلك أصل فعل الخيرات كلها.
وقد يقال: إنه طلب من الله عزوجل أن يرزقه أعمال الطاعات بالجوارح وترك المنكرات بالجوارح، وأن يرزقه ما يوجب له ذلك، وهو حبه وحب من يحبه وحب عمل يبلغه حبه.
فهذه المحبة بالقلب موجبة لفعل الخيرات بالجوارح، ولترك المنكرات بالجوارح، وسأل الله تعالى أن يرزقه المحبة فيه، فقد تضمن هذا الدعاء: سؤال حب الله عزوجل، وحب أحبابه، وحب الأعمال التي تقرب من حبه والحب فيه، وذلك مقتضى فعل الخيرات كلها. وتضمن ترك المنكرات والسلامة من الفتن وذلك يتضمن اجتناب الشر كله، فجمع هذا الدعاء طلب خير الدنيا والآخرة.
والمقصود أن حب المساكين اصل الحب في الله تعالى؛ لأن المساكين ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم لأجله، فلا يحبَّون إلا لله عزوجل. والحب في الله من أوثق عرى الإيمان(118)، ومن علامات ذوق حلاوة الإيمان(119)، وهو صريح الإيمان(120)، وهو أفضل الإيمان(121)، وهذا كله مروي عن النبي ( أنه وصف به الحب في الله تعالى"اهـ(122).(1/43)
وقال رحمه الله: "اعلم أن محبة المساكين لها فوائد كثيرة:
منها أنها توجب اخلاص العمل لله عزوجل؛ لأن الإحسان إليهم لمحبتهم لا يكون إلا لله عزوجل، لأن نفعهم في الدنيا لا يرجى غالباً، فأمّا من أحسن إليهم ليمدح بذلك فما أحسن إليهم حباً لهم بل حباً لأهل الدنيا وطلباً لمدحهم له بحب المساكين.
ومنها أنها تزيل الكبر؛ فإن المستكبر لا يرضى مجالسة المساكين، كما جاء عن رؤساء قريش والأعراب(123)، ومن حذا حذوهم من هذه الأمة ممن تشبه بهم حتى إن بعض علماء السؤ كان لا يشهد الصلاة في جماعة خشية أن تزاحمه المساكين في الصف، ويمنع بسبب هذا الكبر خيراً كثيراً جداً، فإن مجالس الذكر والعلم تقع فيها كثيراً مجالسة المساكين، فإنهم أكثر هذه المجالس، فيمتنع المستكبر من هذه المجالس بتكبره، وربما كان المسموع منه الذكر والعلم من جملة المساكين فيأنف أهل الكبر من التردد في مجلسه لذلك، فيفوتهم خير كثير.
ومنها أنه يوجب صلاح القلب وخشوعه، وفي المسند عن أبي هريرة ( أن رجلاً شكى إلى رسول الله ( قسوة قلبه، فقال له: إن أحببت أن يلين قلبك فاطعم المسكين، وامسح راس اليتيم"(124).
ومنها أن مجالسة المساكين توجب رضى من يجالسهم برزق الله، وتعظم عنده نعمة الله عزوجل عليه بنظره في الدنيا إلى من دونه، ومجالسة الأغنياء توجب التسخط بالرزق، ومد العين إلى زينتهم، وماهم فيه. وقد نهى الله عزوجل نبيه ( عن ذلك فقال تعالى: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه، ورزق ربك خير وأبقى} [سورة طه:131]، وقال النبي (: "انظروا إلى من دونكم و لاتنظروا إلى من فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"(125)."اهـ(126).
? ? ?
وبهذا المبحث تمام المقصد الأوّل، وللّه الحمد والمنة.
المقصد الثاني
الأحكام(127)المتعلقة بالفقر والمسكنة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الأحكام المتعلقة بالفقر.(1/44)
المطلب الثاني: الأحكام المتعلقة بالمسكنة.
المطلب الأول:
الأحكام المتعلقة بالفقر.
وفيه المباحث التالية:
المبحث الأول: الشيطان يعدكم الفقر.
المبحث الثاني: الله الغني والناس فقراء.
المبحث الثالث: الفقراء الذين أحصروا
المبحث الرابع الفقير المتعفف يحسبه الجاهل غنياً.
المبحث الخامس: إن تخفوا الصدقات وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم.
المبحث السادس: ولي اليتيم الفقير يأكل بالمعروف.
المبحث السابع: العدل مع الفقير والغني.
المبحث الثامن: الفقير من مصارف الزكاة.
المبحث التاسع: اطعام البائس الفقير جاء في شريعة إبراهيم (.
المبحث العاشر: الهدي يطعم منه البائس الفقير.
المبحث الحادي عشر: الأضحية يطعم منها القانع والمعتر.
المبحث الثاني عشر: انكحوا الأيامى والصالحين إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.
المبحث الثالث عشر: من دعي للنفقة فبخل يبخل عن نفسه.
المبحث الرابع عشر: الفقير في الفيء.
المبحث الخامس عشر: العاقلة الفقراء.
المبحث السادس عشر: الرسول ( يستعيذ بالله من الفقر.
المبحث السابع عشر: الفقير المختال.
المبحث الثامن عشر: فقر القلب.
وإليك البيان:
المبحث الأول
الشيطان يعدكم الفقر
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولاتيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، واعلموا أن الله غني حميد. الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مفغرة منه وفضلاً والله واسع عليم} البقرة:267-268.
في هذه الآية الوقفات، التالية:
الأولى: قوله: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} استئناف والتقدير: {انفقوا من طيبات ما كسبتم}؛ لأن الشيطان يصد الناس عن اعطاء خيار أموالهم ويغريهم بالشح، أو باعطاء الرديء الخبيث، ويخوفهم من الفقر إن اعطوا بعض مالهم(128).
والمعنى: إن الشيطان يحملكم على أن تنفقوا الرديء من أموالكم، يخوفكم الفقر باعطاء الجيد(129).(1/45)
والفحشاء: الخصلة الفحشاء، ومنها البخل وترك الصدقات.
وقيل: المراد: سائر المعاصي(130).
والفحشاء: اسم لفعل أو قول شديد السؤ، يستحق الذم عرفاً أو شرعاً. مشتق من الفحش بضم الفاء وسكون الحاء، وهو تجاوز الحد. وخصّه الاستعمال بالتجاوز في القبيح.
والمعنى في الآية: يأمركم الشيطان بفعل القبيح. وهو ارتقاء في التحذير من الخواطر الشيطانية التي تدعو إلى الأفعال الذميمة.
وليس المراد بالفحشاء البخل؛ لأن لفظ الفحشاء لا يطلق على البخل، وإن كان البخيل يسمى فاحشاً(131).
وقدّم الوعد بالفقر على الأمر بالفحشاء؛ لأنه بالوعد يحصل الاطمئنان إليه فإذا اطمأن إليه وخاف الفقر تسلط عليه بالأمر، إذ فيه استعلاء على المأمور(132).
الثانية: في الآية أن منع الصدقة والبذل إنما هو استجابة للشيطان، فهذا يشعر بضعف الإيمان، وأنه يجره - إلا أن يشاء الله تعالى - إلى التكذيب والوقوع في الفحشاء.
وفيها أن بذل الصدقة والعطاء طريق الجنة، قال تعالى: {فأمّا من اعطى واتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأمّا من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى} [سورة الليل:5-11].
وفيها التنبيه إلى لطيفة، وهي: أن الشيطان لا يستطيع أن يأمر بالفحشاء مباشرة، إنما يتوصل إلى ذلك بالتخويف من الفقر، وذلك لأن الفحشاء تجاوز الحد في القبيح، وهذا معلوم ذمة عند كل أحد، فالشيطان لا يمكنه تحسين الفحشاء إلا بتقديم تلك المقدمة(133).
الثالثة: قوله تعالى: {والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}، فيه أن البذل والعطاء على الوجه المرغّب فيه شرعاً من أسباب المغفرة، وقد قال (: "الصدقة تطفيء الخطيئة"(134).(1/46)
وفيه أن الله يعد من ينفق على الوجه المرغب فيه شرعاً، يعده بالرزق والخلف، وقد قال تعالى: {وما انفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} سبأ:39، و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(135).
وقدّم ذكر المغفرة من باب تقديم التخلية على التحلية، أو من باب تقديم منافع الآخرة؛ لأنها أهم عند المصدِّق بها(136).
والفرق بين "التكفير" و "المغفرة" عند اجتماعهما في سياق واحد: أن لفظ "المغفرة" أكمل من لفظ "التكفير"، ولهذا كان مع الكبائر والتكفير مع الصغائر، كما في قوله تعالى: {ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار} آل عمران:193، فالذنوب المراد بها الكبائر، والسيئات المراد بها الصغائر؛ فإن لفظ "المغفرة" يتضمن الوقاية والحفظ ولفظ "التكفير" يتضمن الستر والإزالة. أمّا عند الإفراد فإن أحدهما يتناول الآخر، كما في قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} النساء:31، والله اعلم(137).(1/47)
الرابعة: في الآية أن لمّات الشيطان على ابن آدم ايعاد بالشر، وتكذيب بالحق. وفي الحديث(138)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} الْآيَةَ"(139).
الخامسة: تضمنت الآية التنفير عن الانفاق من الخبيث الرديء، وعن ترك الانفاق خشية الفقر، بأساليب منها:
1ـ تصدير الآية باسم الشيطان، ليؤذن بذم الحكم الذي سيق له الكلام، وشؤمه لتحذير المسلمين منه، ولأن في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلى قوة الحكم وتحقيقه(140).
2ـ المقابلة بين وعد الشيطان ووعد الله تعالى(141).
3ـ تسمية اغراء الشيطان - على تيمم الخبيث منه للتصدق به - أمراً، والمعنى: يغريكم بها إغراء الآمر، فمن استجاب للشيطان استجاب لأمره، فهو قد رضي باستعلاء الشيطان عليه، وهذا فيه تنفير عن الاستجابة لإغراء الشيطان.
4ـ تسمية إغراء الشيطان: فحشاء. وهذا فيه تنفير عن متابعته.
المبحث الثاني
الله الغني وأنتم الفقراء.
قال الله تبارك وتعالى: {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال ربي إني لما أنزلت إليّ من خير فقير} القصص:24
قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} سورة فاطر:15.
وقال الله تبارك وتعالى: {ومن بخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء} سورة محمد:38.(1/48)
والفقر المذكور هنا هو الفقر الذاتي في الناس إلى الله تعالى، يستوي فيه الغني منهم لكثرة العرض، مع الفقير لقلة العرض.
قال السمرقندي (ت375هـ) رحمه الله: "أنتم الفقراء إلى الله في رزقه ومغفرته، {والله هو الغني الحميد} الغني عن عبادتكم، الحميد في فعاله وسلطانه، وهذا كما قال في آية أخرى: {والله الغني وأنتم الفقراء} [محمد:38]؛ لأن كل واحد يحتاج إليه، لأن أحداً لا يقدر أن يصلح أمره إلا بالأعوان. والأمير مالم يكن له خدم وأعوان لا يقدر على الإمارة، وكذلك التاجر يحتاج إلى المكارين، والله عزوجل غني عن الأعوان وغيره"اهـ (142).
قال الغزالي رحمه الله: "اعلم أن الفقر عبارة عن فقد ما هو محتاج إليه. أمّا فقد ما لا حاجة إليه فلا يسمّى فقراً. وإن كان المحتاج إليه موجوداً مقدوراً عليه لم يكن المحتاج فقيراً.
وإذا فهمت هذا لم تشك في أن كل موجود سوى الله تعالى فهو فقير؛ لأنه محتاج إلى دوام الوجود في ثاني الحال، ودوام وجوده مستفاد من فضل الله تعالى وجوده. فإن كان في الوجود موجود ليس وجوده مستفاد له من غيره فهو الغني المطلق. و لايتصوّر أن يكون مثل هذا الموجود إلا واحداً، فليس في الوجود إلا غني واحد، وكل ما عداه فإنهم محتاجون إليه ليمدوا وجودهم بالدوام، وإلى هذا الحصر الإشارة بقوله تعالى: {والله الغني وأنتم الفقراء} [محمد:38]، هذا معنى الفقر مطلقاً"اهـ(143).
وقال عبدالحق الأندلسي (ت546هـ) رحمه الله: "الإنسان فقير إلى الله تعالى في دقائق الأمور وجلائلها، لا يستغني عنه طرفة عين، وهو به مستغن عن كل واحد، والله تعالى غني عن الناس، وعن كل شيء من مخلوقاته غني على الإطلاق"اهـ(144).
وهذا المعنى يزيده بسطاً الشيخ ابن سعدي رحمه الله فيقول: "يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم، ووصفهم وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه:
فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم لم يوجدوا.(1/49)
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا اعداده إياهم بها لما استعدوا لأي عمل كان.
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور لما حصل لهم من الرزق والنعم شيء.
فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد، فلولا دفعه عنهم وتقريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية وأجناس التدبير.
فقراء إليه في تألههم له وحبهم له، وتعبدهم واخلاص العبادة له تعالى؛ فلو لم يوفقهم لذلك لهلكوا، وفسدت أرواحهم وقلوبهم وأحوالهم.
فقراء إليه في تعليمهم ما لايعلمون، وعلمهم بما يصلحهم؛ فلولا تعليمه لم يتعلموا ولولا توفيقه لم يصلحوا.
فهم فقراء بالذات إليه بكل معنى، وبكل اعتبار سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا؛ ولكن الموفق منهم الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، و يسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا حري بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم من الوالدة بولدها.
والله هو الغني الحميد أي الذي له الغنى التام، من جميع الوجوه فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، و لا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال صفاته وكونها كلها صفات كمال ونعوت جلال، ومن غناه تعالى أنه قد أغنى الخلق في الدنيا والآخرة، فهو الحميد في ذاته، واسمائه، وأنها حسنى، وأوصافه لكونها عليا، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي أوامره ونواهيه فهو الحميد على ما فيه من الصفات، وعلى ما منه من الفضل والإنعام وعلى الجزاء بالعدل وهو الحميد في غناه الغني في حمده"اهـ(145).
ومنزلة الفقر من منازل "العبادة لله سبحانه"، التي يدور فيها المسلم بين {إياك نعبد وإياك نستعين}.(1/50)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "وهذا الفقر الذي يشيرون إليه لا تنافيه الجدة، ولا الأملاك؛ فقد كان رسول الله وأنبياؤه في ذروته مع جدتهم وملكهم، كإبراهيم الخليل (، كان أبا الضيفان وكانت له الأموال والمواشي، وكذلك كان سليمان وداود عليهما السلام، وكذلك كان نبينا ( كان كما قال تعالى: {ووجدك عائلاً فأغنى} [الضحى:8]، فكانوا أغنياء في فقرهم، فقراء في غناهم.
فالفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى من كل وجه.
فالفقر ذاتي للعبد، وإنما يتجدد له لشهوده ووجوده حالاً، وإلا فهو حقيقة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله روحه:
كما الغنى أبداً وصف له ذاتي"(146)
"والفقر لي وصف ذات لازم أبدا
قلت: ولذلك أنبياء الله تعالى يستشعرون فقرهم إلى الله في كل حال، فهذا كليم الله موسى ( بعد أن سقى للمرأتين يقول، فيما جاء في قوله تعالى: {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال ربي إني لما أنزلت إليّ من خير فقير} القصص:24، أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليّ وتيسره لي(147)
فانظر إلى هذا، ثم انظر إلى سماجة ووقاحة وقلة أدب قول الذين غضب الله عليهم: {إن الله فقير ونحن أغنياء}، ثم تفكر وتدبر فيما طواه الله سبحانه وتعالى في قوله جواباً على كلامهم: {سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق، ونقول ذوقوا عذاب الحريق} آل عمران:181.(1/51)
وأخرج الترمذي من طريق لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقْكُمْوَكُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا زَادَ ذَلِك فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْكُمْ مَا سَأَلَ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي إِلَّا كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالْبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"(148).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله تعالى:
أنا المسكين في مجموع حالاتي
أنا الفقير إلى رب السموات
والخير إن جاءنا من عنده يأتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمة
ولاعن نفسي في دفع المضرات(1/52)
لا أستطيع لنفسي جلب منفعة
ولاشفيع إلى رب البريات
وليس لي دونه مولى يدبرني
رب السماء كما قد جاء في الآيات
إلا باذن من الرحمن خالقنا
ولاشريك أنا في بعض ذراتي
ولست أملك شيئا دونه أبداً
كما يكون لأرباب الولايات
ولاظهير له كيما أعاونه
كما الغنى أبداً وصف له ذاتي
والفقر لي وصف ذات لازم أبداً
وكلهم عنده عبد له آتي
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم
فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي
فمن بغى مطلباً من دون خالقه
ماكان منه وما من بعده يأتي
والحمد لله ملء الكون أجمعه
خير البرية من ماض ومن آتي(149)
ثم الصلاة على المختار من مضر
المبحث الثالث
الفقراء الذين احصروا في سبيل الله
يقول الله تبارك وتعالى: {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس الحافاً، وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} البقرة:273.
معنى الآية: انفقوا على الفقراء الذين هم لفقرهم وعجزهم وضعفهم لا يستطيعون ضرباً في الأرض، لطلب المعاش. ولكمال عفتهم، وصيانتهم، يحسبهم من لم يعرف حالهم أغنياء.
وذكر الفقراء الذين احصروا؛ لأن [فقراء المهاجرين كانوا نحو أربعمائة، لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر؛ وكانوا قد حبسوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله. فكانوا وقفاً على كل سرية يبعثها رسول الله ( وهم أهل الصفة هذا أحد الأقوال في إحصارهم في سبيل الله.
وقيل: هو حبسهم أنفسهم فبي سبيل الله تعالى.
وقيل: حبسهم الفقر والعدم عن الجهاد في سبيل الله.
وقيل: لما عادوا أعداء الله وجاهدوا في الله تعالى، احصروا عن الضرب في الأرض لطلب المعاش، فلايستطيعون ضرباً في الأرض.
والصحيح: أنهم لفقرهم وعجزهم وضعفهم لا يستطيعون ضرباً في الأرض، ولكمال عفتهم وصيانتهم يحسبهم من لم يعرف حالهم أغنياء](150).
وفي الآية حث وترغيب في النفقة على هؤلاء الفقراء المتصفين بهذا الوصف.(1/53)
وفيها أن وصف الفقر يلحق كل صاحب حاجة سواء أكان محتاجاً منعه عجزه وضعفه عن السعي في الأرض والكسب، أم لا، وسواء كان متعففاً عن السؤال أم لا! ووجه الدلالة مفهوم المخالفة في الآية.
وليس في الآيه أن من شرط الفقر الزمانة عن الضرب في الأرض،خلافاً لمن استدل بالآية على ذلك، ويتعقب هذا الاستدلال بأنه إنما يصح إذا اعتبرنا الوصف بـ {لايستطيعون ضرباً في الأرض} من باب الوصف الكاشف، الذي لا مفهوم له. وهذا غير ظاهر هنا، بل الظاهر أن له مفهوماً، وهو أن من الفقراء من يستطيع ضرباً في الأرض.
وعلى فرض التسليم بأن هذا وصف كاشف، فإن معنى الضرب في الأرض لا يلزم منه الزمانة، وبه تعلم أن هذا الوصف لادليل في الآية على اشتراطه في الوصف بالفقر.
المبحث الرابع
الفقير المتعفف يحسبه الجاهل غنياً
يقول الله تبارك وتعالى: {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس الحافاً، وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} البقرة:273.
في الآية الترغيب في التعفف عن المسألة، والحث على اعطاء هذا النوع من الفقراء من الصدقات.
والمعنى في الآية : الصدقات لهؤلاء المذكورين.
وفيها الحث على بذل الصدقة للفقراء الذين هذا وصفهم، و مفهومه أنه يوجد فقراء ليس هذا وصفهم.
وليس في الآية أن من شرط الفقر التعفف عن المسألة، خلافاً لمن استدل بالآية على ذلك، ويناقش هذا الاستدلال بما يلي:
بأنه جاء في الحديث اطلاق اسم المسكين على الذي يتعفف عن المسألة، فدل على أن هذا الوصف لا يصلح أن يكون شرطاً في الوصف بالفقر، بل هذا يؤكد أن الفقير والمسكين لفظان إن اجتمعا افترقا وإن افترقا اجتمعا.(1/54)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ"(151).
فظاهر هذا الحديث أن المسكين هو من اتصف بالتعفف وعدم الالحاف في السؤال(152).
وهذا يؤكد أن وصف الفقراء في الآية السابقة، بأنهم: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس الحافاً}، وصف على ظاهره، يفيد بالمفهوم أن من الفقراء من يسألون الناس إلحافاً، ومنهم من ليس كذلك، وغاية الآية مدح أصحاب الصفة المذكورة فيها من الفقراء؛ وأنهم أولى من غيرهم في أن يتحرّوا بالصدقة؛ ولذلك قال العلماء(153): معنى الحديث : أن المسكين الكامل المسكنة هو المتعفف، الذي لا يطوف على الناس، ولا يسألهم، ولا يفطن لحاله، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطَّوّاف، وإنما معناه نفي كمالها، وهذا كقوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله ...} البقرة:177.
وكقوله (: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"(154).(1/55)
وكقوله (: "مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ? قَالَ قُلْنَا الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ قَالَ لَيْسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا قَالَ فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قَالَ قُلْنَا الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ لَيْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"(155).
واستدل ابن عبدالبر النمري رحمه الله على اطلاق اسم المسكين على الطَّوَّاف بحديث أم بجيد، قال رسول الله (: "ردوا السائل ولو بظلف محرق" هذا لفظ النسائي، وفي رواية الموطأ: "ردوا المسكين ولو بظلف محرق"، ولفظ الترمذي: "عن أُمِّ بُجَيْدٍ وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بَابِي فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئًا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا تُعْطِينَهُ إِيَّاهُ إِلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ" قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أُمِّ بُجَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(156) .
وقال ابن عبدالبر رحمه الله: "واجمعوا أن السائل الطَّوَّف المحتاج مسكين"اهـ(157).
وقال: "لا وجه له (أي: للحديث) غير ذلك؛ لأنه معلوم أن الطَّوّاف مسكين، وذلك موجود في الآثار وحروف اللغة"اهـ(158).
قلت: إذا تقرر عندك - وفقك الله - ما تقدّم من أن وصف التعفف عن المسألة، والطواف لها، يطلق على الفقير وعلى المسكين، وأنه وصف كمال؛ ظهر لك - إن شاء الله تعالى - أنه لا يصح اعتباره شرطاً في الوصف بالفقر!
وكذا ليس في الآية أن من شرط الفقر التجمل وترك المسكنة والقبول في السر، بخلاف المسكين، فإنه من خشع واستكن، وإن لم يسأل.(1/56)
فهذا القول اعتماده على وصف دلّت الآية على أنه للكمال، وهو المستفاد من قوله تعالى في الآية السابقة: {تعرفهم بسيماهم}، فلا يصلح أن يجعل عمدة في ذلك، لما سبق من أن الحديث وصَفَ المسكين بالتجمل والتخشع والتعفف! فهذا القول خلاف الحديث.
المبحث الخامس
إن تخفوا الصدقات وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم
قال الله تبارك وتعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم من سيئاتكم، والله بما تعملون خبير} البقرة:271.
جمهور المفسرين على أن المراد بـ "الصدقات" في هذه الآية: التطوع لا الفرض؛ لأن الفرض اظهاره أفضل من كتمانه، والتطوع كتمانه أفضل...
وقال قتادة رحمه الله: كل مقبول، إذا كانت النية صالحة. وصدقة السر افضل(159).
وقدّم البغوي رحمه الله في تفسيره، تفسير الآية بالعموم. ثم قال: "وقيل: الآية في صدقة التطوع، أمّا الزكاة المفروضة فالاظهار فيها أفضل، حتى يقتدي به الناس كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل، والنافلة في البيت أفضل.
وقيل: الآية في الزكاة المفروضة، كان الاخفاء فيها خيراً على عهد رسول الله ( أمّا في زماننا فالاظهار أفضل حتى لا يُساء به الظن"اهـ(160).
قلت: وعلى القول الذي ذهب إليه الجمهور يكون ذكر {الفقراء} في الآية عنواناً على أهل الحاجة والفاقة مطلقاً، فيشمل المساكين.(1/57)
وعلى القول بعموم الآية للفرض والنفل من الصدقة، يكون قوله: {الفقراء} عنواناً على مصارف الزكاة لا حصراً، كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِي اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ".
فقوله: "أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ"، ليس المراد منه حصر مصارف الزكاة في الفقراء، إنما ذكرهم عنواناً عليها، تأمّل!
ومما جاء في الترغيب في اخفاء الصدقة:
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْه وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"(161).(1/58)
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ"(162).
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي رحمه الله بعد اخراجه لهذا الحديث: "وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي يُسِرُّ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنِ الَّذِي يَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ صَدَقَةِ الْعَلَانِيَةِ.
وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِكَيْ يَأْمَنَ الرَّجُلُ مِنَ الْعُجْبِ لِأَنَّ الَّذِي يُسِرُّ الْعَمَلَ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْعُجْبُ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَانِيَتِهِ"اهـ
وقد ذكر أهل العلم وجوهاً لاخفاء الصدقة وفضله، ووجوهاً لاظهار الصدقة(163)؛ فمن وجوه اخفاء الصدقة:
1. أنها تكون أبعد عن الرياء والسمعة.
2. أنه إذا أخفى صدقته لم يحصل له بين الناس شهرة ومدح وتعظيم؛ فكان ذلك يشق على النفس؛ فوجب أن يكون أكثر ثواباً.
3. ماجاء في القرآن العظيم من مدح من يخفي الصدقة ويسر بها، في قوله تعالى: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم من سيئاتكم} البقرة:271، وماجاء في الحديث من فضيلة صدقة السر، أن صاحبها من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
4. أن الاظهار يوجب الحاق الضرر بالآخذ، فيد المعطي هي العليا، ويد الآخذ هي السفلى.
ومن وجوه اظهار الصدقة:
1. أن الانسان إذا علم أنه إذا أظهرها صار ذلك سبباً لاقتداءالخلق به في اعطاء الصدقات فينتفع الفقراء بها، فلا يمتنع والحال هذه أن يكون الاظهار أفضل.
2. ومنها أن في اظهارها نفي للتهمة.(1/59)
3. ومنها أن اظهارها يتضمن المسارعة إلى أمر الله تعالى وتكليفه، واخفاءها قد يوهم ترك الالتفات إلى أداء الواجب، أو الابطاء فيه.
قلت: الذي يظهر لي أن محل الخلاف في ابداء الصدقة وتركه في الفرض والنفل، هو: إذا تساوى الاخفاء والاظهار فأيهما أفضل؟ أمّا إذا قام ما يرجح أو يُعيِّن أحدهما فهذا خارج محل البحث، كالموضع الذي جاء في الشرع اظهار الصدقة فيه، أو الحال التي يترجح أو يتعين على المسلم الاخفاء أو الابداء ومنها: حال اظهار فريضة الزكاة، أو حال شحذ الهمم في الاقتداء والمتابعة على فعل الخير، أو نفياً للتهمة.
وعليه يكون محل الخلاف محصوراً في حال تساوي الاظهار والاخفاء، وبهذا يترجح أن الاخفاء أفضل في هذه الحال كما ترى، والله اعلم(164).
تنبيه: ذُكر أن في الآية دلالة على جواز اعطاء الكافر من الصدقة، وسيأتي بحث هذه المسألة - إن شاء الله تعالى - في المقصد الثالث.
المبحث السادس
ولي اليتيم الفقير يأكل بالمعروف.
قال الله تبارك وتعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولاتأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف، فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً} النساء:6.
قال القرطبي رحمه الله: "بين الله تعالى ما يحل لهم من أموالهم، فأمر الغني بالإمساك وأباح للوصي الفقير أن يأكل من وليه بالمعروف.
يقال: عف الرجل عن الشيء واستعف إذا أمسك. والاستعفاف عن الشيء تركه، ومنه قوله تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً} [النور:33]. والعفة: الامتناع عما لا يحل، ولا يجب فعله"اهـ(165).(1/60)
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} "أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ"(166).
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:"أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتِيمٌ قَالَ: "كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَاذِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ"(167) .
قوله: "ولامبادر" بالدال المهملة، أي: و لامسارع ولامسابق بلوغ اليتيم بإنفاق ماله.
قوله: "ولامتأثل" أي: ولامتخذ منه أصل مال(168).
ومنطوق الحديث أيده مفهوم وقياس، وهو التالي:
1. قوله تعالى: {ولاتأكلوها اسرافاً} مشعر بأن له الأكل منه من غير اسراف بقدر الحاجة.
2. قوله تعالى: {من كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} المراد منه: نهي ولي اليتيم عن الانتفاع بمال اليتيم بلا استعفاف، و إذا كان كذلك؛ لزم أن يكون قوله: {ومن كان فقيراً...} إذناً للوصي في أن ينتفع بمال اليتيم بمقدار الحاجة.
3. قوله: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} يدل على أن مال اليتيم قد يؤكل ظلما، وقد يؤكل بغير ظلم، وهذا يدل على أن للوصي - إذا كان فقيراً - أن يأكل من مال اليتيم بغير ظلم.
4. أن الوصي لما تكفل باصلاح مهمات الصبي وجب أن يتمكن من أن يأكل من ماله بقدر عمله قياساً على الساعي في أخذ الصدقات وجمعها، فإنه يضرب له في تلك الصدقات بسهم، فكذا هنا(169).
المبحث السابع
العدل مع الغني والفقير(1/61)
قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً} النساء:13.
في الآية الوقفات التالية لتفسيرها:
الأولى: شهادتكم على أنفسكم. وشهادة المرء على نفسه: إقراره على نفسه بالحقوق عليها. ثم ذكر تعالى الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما، ثمّ ثنى بالأقربين إذ هم مظنة المودة والتعصب، فكان الأجنبي من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه، فجاء الكلام في السورة في حفظ حقوق الخلق في الأموال(170).
الثانية: قوله تعالى: {إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما} فيه اضمار وهو اسم كان، أي إن يكن الطالب أو المشهود عليه غنياً فلا يراعي لغناه ولايخاف منه، وإن يكن فقيراً فلا يراعى إشفاقاً عليه {فالله أولى بهما}، أي فيما اختار لهما من الغنى أو الفقر(171).
الثالثة: ويدخل في هذا أن لا يضيع حق الفقير، فلا يُشهد معه الشهادة في حقه، بسبب فقره، وقلة شأنه.
الرابعة: وقوله تعالى: {قوّامين} فيه طلب المداومة على العدل وطلب القسط، إذ قوّام من القيام للشيء، وهو المراعاة للشيء، والحفظ له(172).
المبحث الثامن
الفقير من مصارف الزكاة.
قال الله تبارك وتعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة:60.
في الآية وقفات لتفسيرها، وهي التالية:
الأولى: {إنما} تدل على الحصر(173)؛ فالآية تفيد حصر مصارف الزكاة في الأصناف المذكورة. وفيه دلالة على تحديد كل صنف، فلا يقال: {في سبيل الله} يشمل كل أوجه الخير والمصالح العامة، إذ هذا خلاف مفهوم الحصر المستفاد من (إنما)!(1/62)
قال في "الكشاف"(174): "{إنما الصدقات للفقراء} قصر لجنس الصدقات على الأصناف المعدودة، وأنها مختصة بها لا تتجاوزها إلى غيرها، كأنه قيل: إنما هي لهم لا لغيرهم... فيحتمل أن تصرف إلى الأصناف كلها، وأن تصرف إلى بعضها، وعليه مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، وعن حذيفة وابن عباس [(]، وغيرهما من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أنهم قالوا: في أي صنف منها وضعتها أجزأك. وعن سعيد بن جبير (: لو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعففين فجبرتهم بها كان أحب إليّ. وعند الشافعي ( لا بد من صرفها إلى الأصناف الثمانية. وعن عكرمة (: أنها تفرق في الأصناف الثمانية. وعن الزهري: إنه كتب لعمر بن عبدالعزيز تفريق الصدقات على الأصناف الثمانية"اهـ
الثانية: الأصناف المذكورة ثمانية، أربعة منها مذكورة بحرف اللام الذي يفيد الاختصاص والتملك والاستحقاق، وهي الأربعة الأولى، وأربعة منها مذكورة بحرف (في) الذي يفيد الظرفية والوعاء، دون إفادة معنى التملك.
الثالثة: ويفيد تقديم الفقير والمسكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم مع اقترانهم بحرف اللام، يفيد شدّة استحقاقهم للصدقة، مع تملكهم لها، بخلاف الأصناف الأربعة بعدهم فهم يستحقون الزكاة، ولكنهم لا يملكونها؛ إذ الرقاب تدفع الصدقة لفك رِقِّهم، والغارمين تدفع الصدقة لهم لسد عجزهم عن الدين الذي ركبهم، أو لسد ما اصابهم من نقص، وفي سبيل الله تدفع الصدقة لعدة الجهاد، وابن السبيل تدفع الصدقة في ارجاعه إلى وطنه وبلده(175).
الرابعة: وفي تغاير الحرفين المذكورين (اللام) و (في) بيان أن التقدير في الآية: "إنما الصدقات مصروفة..."؛ غذ هذا التقدير يكتفى به في الحرفين، تقول الصدقات مصروفة للفقراء... وفي الرقاب... .(1/63)
ولو قلت: التقدير: إنما الصدقات مملوكة للفقراء...؛ فإنه لا يلتئم مع قوله تعالى: {وفي الرقاب...} فتحتاج إلى تقدير "مصروفة". وهذا مما يرجح التقدير الأول: "إنما الصدقات مصروفة للفقراء... وفي الرقاب..."، إذ هو تقدير عام التعلق شامل الصحة متعين(176).
الخامسة: وليس في الآية ما يُعيِّن دفع الزكاة إلى جميع الأصناف المذكورة، فلو دفع المسلم زكاته إلى بعض هذه الأصناف؛ فقد برأت ذمته، ويقدّم الأولى فالأولى(177).
المبحث التاسع
إطعام البائس الفقير جاء في شريعة إبراهيم (.
قال الله تبارك وتعالى: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهِّر بيتي للطائفين والقائمين والرُّكّع السجود. وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، فكلوا منها واطعموا البائس الفقير} الحج:26-28.
قال في "التحرير والتنوير"(178): "الأمر بالأكل منها يحتمل أن يكون أمر وجوب في شريعة إبراهيم عليه السلام، فيكون الخطاب في قوله: {فكلوا} لإبراهيم ومن معه"اهـ
المبحث العاشر
الهدي يطعم منه البائس الفقير
قال الله تبارك وتعالى: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهِّر بيتي للطائفين والقائمين والرُّكّع السجود. وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، فكلوا منها واطعموا البائس الفقير} سورة الحج:26-28.
في تفسير الآية وقفات، وهي التالية:
الأولى: الآية ظاهرة في الهدي الذي يذبحه الحاج؛ لاجماع العلماء أن للمضحي أن يذبح أضحيته في أي مكان شاءه من أقطار الدنيا، و لايحتاج في التقرب بالأضحية إلى اتيانهم مشاة وركباناً، من كل فج عميق(179).(1/64)
الثانية: قوله : {فكلوا منها} الضمير في قوله: {منها} راجع إلى بهيمة الأنعام المذكورة قبلها في قوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}.
الثالثة: وهنا ذكر {بهيمة الأنعام} فعمم، وفي الآية التي ستأتي في السورة نفسها، ذكر البدن فأفردها بالذكر، قال الله تبارك وتعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الحج: 36، وهنا ذكر : {البائس الفقير} فعمم؛ إذ يشمل هذا كل محتاج، وفي الآية التي ستأتي في السورة نفسها، ذكر {القانع والمعتر} فأفردهما بالذكر، وهذا من باب ذكر بعض أفراد العام، للتصريح بدخوله في العام، وهو لا يفيد التخصيص(180).
الرابعة: في المراد من البائس الفقير(181).
قال في "المحرر الوجيز"(182): "البائس الذي قد مسه ضر الفاقة وبؤسها. يقال: باس الرجل يبؤس. وقد يستعمل فيمن نزلت به نازلة دهر، وإن لم تكن فقراً...، والمراد في هذه الآية أهل الحاجة"اهـ
قال ابن عاشور رحمه الله: "البائس الذي أصابه البؤس وهو ضيق المال وهو الفقير. هذا قول جمع من المفسرين. وفي الموطأ في [كتاب الصيد] باب مايكره من أكل الدواب: "قال مالك: سمعت أن البائس هو الفقير"اهـ
قلت [ابن عاشور]: من أجل ذلك لم يعطف أحد الوصفين على الآخر، كالبيان له، وإنما ذكر البائس مع أن الفقير مغن عنه؛ لترقيق أفئدة الناس على الفقير، بتذكيرهم أنه في بؤس؛ لأن عطف وصف فقير لشيوع تداوله على الألسن صار كاللقب، غير مشعر بمعنى الحاجة، وقد حصل من ذكر الوصفين التأكيد.
وعن ابن عباس [(]: البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير: الذي تكون ثيابه نقية، ووجهه وجه غني.
فعلى هذا التفسير يكون البائس هو المسكين، ويكون ذكر الوصفين لقصد استيعاب أحوال المحتاجين، والتنبيه إلى البحث عن موقع الامتناع"اهـ(183).(1/65)
قلت: هذا مبني على أساس أن الفقير عند الاطلاق لا يشمل المسكين، وأن الفرق بين الفقير و المسكين إنما في وصف العفة وإظهار المسكنة. وقد سبق في المقصد الأوّل بيان أن الصواب خلافه، وهو ما قرره الشنقيطي رحمه الله هنا في تفسير هذه الآية، حيث قال: "البائس: هو الذي اصابه البؤس، وهو الشدة، ... والفقير معروف، والقاعدة عند علماء التفسير: أن الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا، و إذا افترقا اجتمعا، وعلى قولهم: فالفقير هنا يشمل المسكين؛ لأنه غير مذكور معه هنا، وذلك هو مرادهم، بأنهما إذا افترقا اجتمعا"اهـ(184).
وهذا يقرر أن ذكر وصف البؤس لتأكيد تحري أصحاب الحاجة الشديدة، واعطاؤهم من الهدي.
الخامسة: واختلفوا في الأمر في قوله تعالى: {فكلوا منها واطعموا} هل هما على الوجوب أو الاستحباب؟
[قيل: واجبان. وقيل مستحبان. وقيل: الفرق بين الأكل والإطعام؛ فالأكل مستحب والإطعام واجب، وهو قول الشافعي](185).
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "قوله: {فكلوا منها} يقول: كلوا من بهائم الأنعام التي ذكرتم اسم الله عليها أيها الناس هنالك. وهذا الأمر من الله جل ثناؤه أمر إباحة، لا أمر إيجاب؛ وذلك أنه لا خلاف بين جميع الحجة أن ذابح هديه أو بدنه هنالك، إن لم يأكل من هديه أو بدنته، أنه لم يضيع له فرضاً كان واجباً عليه، فكان معلوماً بذلك أنه غير واجب. ...
وقوله: {وأطعموا البائس الفقير} يقول: وأطعموا مما تذبحون أو تنحرون هنالك من بهيمة الأنعام، من هديكم وبدنكم: البائس وهو الذي به ضر الجوع والزمانة والحاجة، و الفقير: الذي لا شيء له"اهـ(186).
وقال ابن عطية رحمه الله: "قوله: {فكلوا} ندب. استحب أهل العلم للرجل أن يأكل من هديه وأضحيته وأن يتصدق بأكثرها مع تجويزهم الصدقة بالكل وأكل الكل"اهـ(187).(1/66)
قال الرازي رحمه الله: "{فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} أمّا قوله {فكلوا منها} فمن الناس من قال إنه أمر وجوب؛ لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون منها ترفعاً على الفقراء، فأمر المسلمين بذلك لما فيه من مخالفة الكفار ومساواة الفقراء واستعمال التواضع.
وقال الأكثرون: إنه ليس على الوجوب"اهـ(188).
قلت: كذا حكى الرازي رحمه الله الخلاف، وما ذكره من سبب علل به القول بالوجوب، خلاف الظاهر؛ بل ما ذكره سبب وعلة دالة على أن الأمر في قوله: {فكلوا منها} ليس على حقيقته من الوجوب، فيكون الأمر على الاستحباب، بقرينة السبب نفسه الذي علل به الوجوب، وهذا هو ماجاء في المنقول عن النخعي، ومجاهد، وعطاء، وهشيم، بل القول بالوجوب قول غريب كما قال ابن كثير رحمه الله.
قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}، استدل بهذه الآية من ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي، وهو قول غريب. والذي عليه الأكثرون: أنه من باب الرخصة أو الاستحباب، كما ثبت أن رسول الله ( لمّا نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ فأكل من لحمها وحسا من مرقها.
قال عبدالله بن وهب: قال لي مالك: أحب أن يأكل من أضحيته لأن الله يقول: {فكلوا منها}.
قال ابن وهب: وسألت الليث فقال لي مثل ذلك.
وقال سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم: {فكلوا منها} قال: كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل.
وروي عن مجاهد وعطاء نحو ذلك.
قال هشيم بن حصين عن مجاهد في قوله: {فكلوا منها} قال: هي كقوله: {فإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة:2]{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة:10].
وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره"اهـ(189).
قلت: وهو ما جزم به القاسمي رحمه الله(190).(1/67)
وقال القرطبي رحمه الله: "{فكلوا منها} أمر معناه الندب عند الجمهور. ويستحب للرجل أن يأكل من هديه وأضحيته وأن يتصدق بالأكثر، مع تجويزهم الصدقة بالكل وأكل الكل. وشذت طائفة فأوجبت الأكل والإطعام بظاهر الآية، ولقوله عليه السلام: "فكلوا وادّخروا وتصدقوا"(191)."اهـ(192).
قلت: أمّا ظاهر الأمر في الآية فهو للاستحباب بالقرينة المتقدم ذكرها في كلام الطبري، وفي كلام ابن كثير رحمهما الله تعالى، بل والحديث الذي استدل به من ذهب إلى وجوب الأكل والإطعام من الهدي والأضحية، فيه ما يدل على أن الأمر ليس للوجوب فهو إنما كان في وقت شدة كانت بالصحابة ثم بعد ذلك أعاد الرسول ( الأمر إلى ماكان عليه قبل النهي، ويدل عليه أحاديث منها:
قال البخاري: "حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي قَالَ "كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا"(193).(1/68)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ" قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ فَقَالَتْ: صَدَقَ سَمِعْتُا عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا"(194).
والحديثان صريحان في أن قوله: "كلوا وادخروا وتصدقوا" ليس على الوجوب، إنما هو إعادة للحكم كما كان قبل(195).
وبالتقرير السابق تعرف ما في قول الرازي رحمه الله حيث قال: "أمّا قوله: {واطعموا البائس الفقير} فلا شبهة في أنه أمر إيجاب"اهـ(196)!!
السادسة: وهل يتصدق بنصفها، أو بثلثيها أو بماشاء؟
إذا أراد المسلم أن يتصدق بهديه وأضحيته فهل يتصدق بنصفها أو بثلثها أو بما شاء منها؟ محل خلاف(197).
قال الشنقيطي رحمه الله: "والأظهر أنه لا تحديد للقدر الذي يأكله والقدر الذي يتصدق به، فيأكل ماشاء ويتصدق بما شاء.(1/69)
وقد قال بعض أهل العلم : يتصدق بالنصف ويأكل النصف، واستدل لذلك بقوله تعالى: {فكلوا منها واطعموا البائس الفقير}، قال: فجزأها نصفين، نصف له، ونصف للفقراء. وقال بعضهم: يجعلها أثلاثة أجزاء، يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث، واستدل بقوله تعالى: {فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر} فجزأها ثلاثة أجزاء ثلث له، وثلث للقانع، وثلث للمعتر.
هكذا قالوا. وأظهرها الأول، والعلم عند اللّه تعالى"اهـ(198).
قلت: الآية التي استدلوا بها على أنها تجعل ثلاثة أجزاء، إنما يصح الاستدلال بها إذا فُسِّر (القانع) بمن هو من غير أهل الحاجة، كالجار الغني، أو فُسر (المعتر) بمن يعتر بالبدن من غني وفقير، كما نقل ذلك عن مجاهد ((199). فيكون المعتر صنف، والقانع صنف. أمّا من فسرهما بأنهم أصحاب الحاجة وجعل ذكر أصحاب الوصفين من باب ذكر بعض أفراد العام، لم يكن في الآية عنده الدلالة ـ بوضوح ـ على أنها تقسم إلى ثلاثة أجزاء، تأمل!
وما استظهره الشنقيطي رحمه الله، هو الظاهر والله اعلم.
السابعة: قال الألوسي رحمه الله: "تخصيص البائس الفقير بالإطعام لا ينفي جواز إطعام الغني، وقد يستدل على الجواز بالأمر الأوّل لإفادته جواز أكل الذابح، ومتى جاز أكله وهو غني، جاز أن يؤكله غنياً"اهـ(200).
المبحث الحادي عشر
الأضحية يطعم منها القانع والمعتر.
قال الله تبارك وتعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} الحج: 36ـ37.(1/70)
في تفسير الآية الوقفات التالية:
الأولى: قَالَ مُجَاهِدٌ: "سُمِّيَتِ الْبُدْنَ لِبُدْنِهَا. وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ. وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرُّ بِالْبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ. وَشَعَائِرُ: اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا. وَالْعَتِيقُ: عِتْقُهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ. وَيُقَالُ: وَجَبَتْ: سَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ، وَمِنْهُ وَجَبَتِ الشَّمْسُ"اهـ(201).
قال مالك رحمه اللّه: "وسمعت أن ... المعتر: هو الزائر. ... والقانع: هو الفقير أيضاً"اهـ(202).
قال في "المحرر الوجيز"(203): "القانع السائل. يقال: قنع الرجل يقنع قنوعاً، إذا سأل. بفتح النون في الماضي. وقنِع بكسر النون يقنع قناعة فهو قنع، إذا تعفف واستغنى. قاله الخليل، ومن الأول قول الشماخ:
مفاقره أعف من القنوع
لمال المرء يصلحه فيغني
فمحرروا القول من أهل العلم قالوا: (القانع) السائل. و (المعتر) المتعرض من غير سؤال، قاله محمد بن كعب القرظي، ومجاهد، وإبراهيم، والكلبي، والحسن بن أبي الحسن.
وعكست فرقة هذا القول. حكى الطبري عن ابن عباس أنه قال: (القانع): المستغني بما أعطيه. و (المعتر): المعترض.
وحكى عنه قال: (القانع) المتعفف. و (المعتر) السائل.
وحكى عن مجاهد أنه قال: (القانع): الجار وإن كان غنياً.
وقرأ أبورجاء: "القنع" فعلى هذا التأويل، معنى الآية: اطعموا المتعفف الذي لا يأتي متعرضاً والمتعرض"اهـ(1/71)
قلت: قراءة أبي رجاء تؤيد أن القانع هو الراضي بما عنده، وبما يعطى من غير مسألة. ووجه التأييد: أن قنعاً لم يرد بمعنى سائل، بخلاف قانع. فورود قراءة به (أعني: بـ "قنع") يدل على أنه هو المراد إذا قلنا بتوافق القراءات مطلقاً(204). أمّا إذا قلنا: بأنه لا مانع من تفسير الآية بالقراءاتين، توسيعاً لمعناها، ماداما غير متضادين، فيكون قوله تعالى: {قانع} له تفسيران: أحدهما: القانع بمعنى السائل مع خضوع وتذلل. والآخر: القانع بمعنى المتعفف عن السؤال. ويؤيد هذا أن كلام السلف رضي اللّه عنهم في تفسير هذه الكلمة (القانع) جاء بالمعنيين فيكون كل تفسير منهم على قراءة، والله اعلم.
والمقابلة بين (القانع) و (المعتر) في الآية على المعنيين ظاهرة(205).
الثانية: قوله: {فكلوا منها} ندب. وكل العلماء يستحب أن يأكل الانسان من هديه وفيه أجر وامتثال، إذ كان أهل الجاهلية لا يأكلون من هديهم. وقال مجاهد وإبراهيم والطبري(206) هي إباحة(207).
قال ابن عاشور رحمه الله: "الأمر في قوله: {فكلوا منها} مجمل يحتمل الوجوب، ويحتمل الإباحة، ويحتمل الندب. وقرينة عدم الوجوب ظاهرة؛ لأن المكلف لا يفرض عليه ما الداعي إلى فعله من طبعه، وإنما أراد اللّه ابطال ماكان عليه أهل الجاهلية من تحريم أكل المُهْدي من لحوم هديه، فبقي النظر في أنه مباح بحت، أو هو مندوب"اهـ(208).
الثالثة: [أمّا الأمر في قوله: {واطعموا القانع والمعتر} فقال الشافعي: للوجوب وهو الأصح. قال ابن العربي رحمه الله: وهو صريح قول مالك. قلت [ابن عاشور]: المعروف من قول مالك أنه لو اقتصر المهدي على نحر هديه ولم يتصدق منه ماكان آثماً](209).
وقال ابن سريج رحمه الله: الأكل والإطعام مستحبان، وله الاقتصار على أيهما شاء(210).
المبحث الثاني عشر
أنكحوا الأيامى والصالحين
إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله(1/72)
قال اللّه تبارك وتعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله، والله واسع عليم} النور:32.
في تفسير الآية الوقفات التالية:
الأولى: معنى الآية: زوجوا أيها المؤمنون من لازوج له من أحرار رجالكم ونسائكم(211)، ومن كان فيه صلاح من غلمانكم وجواريكم(212)، وهذا الأمر ندب واستحباب(213).
قال الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: وزوِّجوا أيها المؤمنون من لازوج له من أحرار رجالكم، ونسائكم، ومن أهل الصلاح من عبيدكم ومماليككم. ... {إن يكونوا فقراء} يقول: إن يكن هؤلاء الذين تنكحونهم من أيامى رجالكم ونسائكم وعبيدكم وإمائكم أهل فاقة وفقر فإن اللّه يغنيهم من فضله، فلا يمنعنكم فقرهم من انكاحهم.
ثم ساق بسنده عن ابن عباس ( قال في تفسير الآية: "أمر اللّه سبحانه بالنكاح ورغبهم فيه، وأمرهم أن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم ووعدهم في ذلك الغنى، فقال: {إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله}."(214).
وبسنده عن ابن مسعود ( قال: "التمسوا الغنى في النكاح يقول اللّه: {إن يكونوا فقرا ء يغنهم اللّه من فضله}."(215
)..
قال الطبري: وقوله: {والله واسع عليم} يقول جلّ ثناؤه: والله واسع الفضل جواد بعطاياه، فزوجوا إماءكم فإن اللّه واسع يوسع عليهم من فضله، وإن كانوا فقراء. {عليم} يقول: هو ذو علم بالفقير منهم والغني، لا يخفى عليه حال خلقه في شيء وتدبيرهم"اهـ(216).
الثانية: قال القرطبي رحمه الله: "{إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله} أي لا يمتنعوا عن التزويج بسبب فقر الرجل والمرأة، إن يكونوا فقرا ءيغنهم اللّه من فضله"اهـ(217).
وقد جاء في السنة ما يرشد إلى أن الفقر لا ينبغي أن يكون مانعاً من التزويج.(1/73)
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا"(218).
الثالثة: نبّه سبحانه إلى أن الفقر ليس بمانع من النكاح، كما نبه سبحانه في قوله تعالى: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء إن اللّه عليم حكيم} التوبة:28، نبّه على أن الفقر ليس بمانع للنكاح، وعلى أن الفقر ليس بسبب النكاح؛ إذ كل ذلك بمشيئة اللّه سبحانه، فكم من أعزب فقير! وكم من كثير الولد غني! وإنما يقدر الغنى والفقر مسبب الأسباب، غير موقوف ذلك إلا على مشيئته خاصة(219).
الرابعة: في الآية أن النكاح من اسباب نفي الفقر.
قال الزجاج رحمه الله: "فحث اللّه عزوجل على النكاح واعلم أنه سبب لنفي الفقر"اهـ(220).(1/74)
قال القرطبي رحمه: "هذه الآية دليل على تزويج الفقير، ولا يقول كيف أتزوّج وليس لي مال؛ فإن رزقه على الله. وقد زوّج النبي ( المرأة التي أتته تهب له نفسها لمن ليس له إلا إزار واحد، وليس لها بعد ذلك فسخ النكاح بالإعسار؛ لأنها دخلت عليه، وإنما يكون ذلك إذا دخلت على اليسار فخرج معسراً، أو طرأ الإعسار بعد ذلك؛ لأن الجوع لا صبر عليه، قاله علماؤنا"اهـ(221).
المبحث الثالث عشر
من دعي للنفقة فبخل فإنما يبخل عن نفسه
قال اللّه تبارك وتعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم. إن الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم و لايسألكم أموالكم. إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم. ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل اللّه فمنكم من يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} محمد:35-38.
في الآية الوقفات التالية(222):
الأولى: يذكر اللّه سبحانه وتعالى بالإيمان والتقوى، ليخلع المسلمون عن أنفسهم الوهن، لأنهم نهوا عنه، فكان الكف عن ذلك من التقوى.
وعطف عليه: أن اللّه لا يسألهم أموالهم إلا لفائدتهم واصلاح أمورهم ولذلك جاء بعده قوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل اللّه فمنكم من يبخل فإنما يبخل عن نفسه}.
والمعنى: إن تؤمنوا وتتقوا باتباع أوامره واجتناب نواهيه، يرضى اللّه منك بذلك، ويكتف به، و لايسألكم زيادة عليه من أموالكم، فلا يريد اللّه أن يكلفكم مايشق عليكم ويعنتكم من أخذ أموالكم وبقائكم بلا مال، أو ينقصكم نقصاً يضركم(223).
وقوله: {ولايسألكم أموالكم} أي لا يطالبكم بإنفاق جميع أموالكم. ويجوز أنه لا يطالبكم بإعطاء مال لذاته؛ فإنه غني عنكم، وإنما يأمركم بإنفاق المال لصالحكم.(1/75)
وهذا بالمعنيين توطئة لقوله بعده: {هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل اللّه فمنكم من يبخل فإنما يبخل عن نفسه} أي مايكون طلب بذل المال إلا لمصلحة الأمة، وأية مصلحة أعظم من دفعها العدو نفسها، لئلا يفسد فيها ويستعبدها.
الثانية: علل سبحانه نفي سؤال إنفاق جميع المال بقوله: {إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم}
الإحفاء: الإكثار وبلوغ الغاية في الفعل، والمعنى المراد: إن جاء أمر اللّه بإنفاق جميع أموالكم.
البخل: منع بذل المال لا يحق حبسه عنه.
الضغن: العداوة.
والمعنى في هذا التعليل: لأنه سبحانه وتعالى إن سألكم إعطاء جميع أموالكم، وقد علم أنكم تسمحوا بالمال ولا تبخلوا بالبذل، فيكون تكليفكم بذلك سببا لإظهار ضغنكم على الذين لا يعطون، فيكثر الارتداد والنفاق، وذلك يخالف مراد اللّه من تزكية نفوس الداخلين في الإيمان.
وهذا مراعاة لحال كثير يومئذ بالمدينة كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكانوا قد بذلوا من أموالهم للمهاجرين فيسّر اللّه عليهم بأن لم يسألهم زيادة على ذلك، و كان بينهم كثير من أهل النفاق يترصدون الفرص لفتنتهم، قال تعالى: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضوا} المنافقون:7، وقوله تعالى: {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} الحديد:24، وهذا يشير إليه عطف قوله تعالى: {ويخرج أضغانكم} أي تحدث فيكم أضغان، فيكون سؤاله أموالكم سبباً في ظهورها فكأنه أظهرها.
والمعنى في قوله: {تبخلوا ويخرج أضغانكم} يمنعوا المال ويظهروا العصيان والكراهية، فلطف اللّه بالكثير منهم، اقتضى أن لا يسألهم مالاً على وجه الإلزام زائداً على الزكاة المفروضة، وما يجب بغير حق المال، ثم زال ذلك شيئاً فشيئاً لمّا تمكن الإيمان من قلوبهم، فأوجب اللّه عليهم الإنفاق في الجهاد.
وهذه الآية أصل في سدّ ذريعة الفساد.
الثالثة: قوله: {تدعون لتنفقوا} يحتمل معنيين:
…الأول: تدعون أي تؤمرون أمر إيجاب.(1/76)
…الثاني: تدعون دعوة ترغيب، فتكون الآية تمهيداً للآيات المقتضية إيجاب الإنفاق في المستقبل، مثل قوله تعالى: {انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} التوبة:41، ونحوها.
الرابعة: قوله: {فمنكم من يبخل} إمّا مسوق مساق التوبيخ. أو مساق التنبيه على الخطأ في الشح ببذل المال في الجهاد، الذي هو محل السياق؛ لأن المرء قد يبخل بخلاً ليس عائداً بخله عن نفسه.
الخامسة: قوله: {فإنما يبخل عن نفسه} يحتمل معنيين:
…الأول: إذا كان قوله: {تدعون} أمر إيجاب، يكون المراد ببخله عن نفسه، بما يتمكن عدوه من التسلط عليه، فعاد بخله بالضر عليه.
…الثاني: إذا كان قوله: {تدعون} أمر ترغيب، يكون بخله عن نفسه بحرمانها من ثواب الانفاق.
السادسه: قوله: {واللّه الغني وأنتم الفقراء} تذييل للشيء قبلها، فالله الغني المطلق. والغني المطلق لا يسأل الناس مالاً في شيء، والمخاطبون فقراء، فلا يطمع منهم البذل، فتعين أن دعاءهم لينفقوا في سبيل اللّه دعاء بصرف أموالهم في منافعهم، كما اشار إلى ذلك قوله: {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه}.
و (ال) في {الغني} وفي {الفقراء} للجنس، فجنس الغنى وكماله في الله، وجنس الفقر وكماله في البشر.
وتعريف الخبرين أفاد قصر الصفة على الموصوف، فجنس الغنى الكامل محصور في اللّه تعالى، وجنس الفقر الكامل محصور في الناس(224).
السابعة: في الآية دلالة على أن البخيل فقير.
المبحث الرابع عشر
الفقير في الفيء
قال اللّه تبارك وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يبتغون فضلاً من اللّه ورضواناً وينصرون اللّه ورسوله أولئك هم الصادقون} الحشر:8.(1/77)
هذه الآية جاءت في سياق قوله تعالى: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير. ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا اللّه إن اللّه شديد العقاب. لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يبتغون فضلاً من اللّه ورضواناً وينصرون اللّه ورسوله أولئك هم الصادقون. والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم و لايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} الحشر:6ـ10.
لأهل العلم في موقع قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين...} أقوال:
القول الأول: {للفقراء...} بدل من قوله تعالى: {لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}. والذي منع الإبدال من اللّه وللرسول، والمعطوف عليهما - وإن كان المعنى: لرسول اللّه ( - أن اللّه عزوجل أخرج رسوله من الفقراء في قوله: {وينصرون اللّه ورسوله} في الآية نفسها، وأنه يترفع برسول اللّه عن التسمية بالفقير، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ خلاف الواجب في تعظيم اللّه عزوجل(225).
والمعنى على هذا القول: الفيء لله ولرسول اللّه (، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، و ابن السبيل، للفقراء منهم لا مطلقا، يدخل في ذلك المهاجرون والأنصار والذين آمنوا بعدهم(226).
قلت: يتعقب هذا القول بما يلي:(1/78)
…أ ـ ظاهر الآية يقتضي استحقاق ذوي القربى مطلقاً، ألا أن ترى أنه غاير بينهم وبين المساكين، فقال تعالى: {ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}. فذي القربى صنف. واليتامى صنف. والمساكين صنف. وابن السبيل صنف.
…ب ـ أن الإبدال لا يصلح من اليتامى وابن السبيل كذلك لأجل المغايرة المستفادة من ظاهر الآية أيضاً.
…ج ـ ولأنه لو جعل قوله: {للفقراء...} بدلاً من ذوي القربى مع ما بعده، لكان إبداله من ذوي القربى بدل بعض من كل، إذ ذوي القربى منقسمون إلى فقراء وأغنياء، فيلزم أن يكون هذا البدل محسوساً، فيصح أن نقول بدل ذي القربى: للفقراء المهاجرين ولليتامى إلى آخره، فيكون قولك للفقراء المهاجرين دالاً على ذوي القربى الفقراء، وذلك غير مطابق للواقع، وهو متعذر لما بين النوعين من الاختلاف والتباين، وكل منهما يقتضي ما يأباه الآخر(227).
…د ـ ولأن البدل يقتضي ظاهراً كون اليتامى مهاجرين، أخرجوا من ديارهم وأموالهم إلى آخر الصفات، وفي صدق ذلك عليهم بعد. وكذلك يقتضي كون ابن السبيل كذلك، وفيه بعد أيضاً كما لا يخفى(228).
القول الثاني: أن قوله تعالى: {للفقراء...} بيان لقوله: {والمساكين وابن السبيل} فكرر لام الجر في قوله: {للفقراء} لمّا كانت الأولى مجرورة باللام ليبين أن البدل إنما هو منها(229) .
قلت: وهذا القول متعقب بما يلي:
…أ ـ قال السمين رحمه اللّه بعد نقله لهذا القول عن ابن عطية رحمه اللّه: "وهي عبارة قلقة جداً"اهـ(230).
…ب ـ أن ظاهر لفظ الآية يقتضي المغايرة بين المسكين وابن السبيل، فلو كان قوله تعالى: {للفقراء..} بدلاً من {ابن السبيل} لما حصلت مغايرة.
القول الثالث: أن قوله: {للفقراء...} بيان من {المساكين} الذين لهم الحق، فقال: {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم}.(1/79)
والمعنى: ما أفاء اللّه على رسوله ( من أهل القرى فلله ولرسوله ولهؤلاء المسمين، والذين يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة، ما أقاموا على محبة أصحاب رسول اللّه (.
هذا قول الزجاج(231)، وافقه عليه الواحدي(232)، وابن المنير(233)، رحمهم اللّه.
وعلى هذا القول يكون المراد مزيد العناية بفقراء المهاجرين، الذين هم من المساكين.
القول الثالث: أن قوله تعالى: {للفقراء...} متعلق بقوله: {كيلا يكون دولة بين الأغنياء...}. والمعنى: كيلا يكون ما أفاء اللّه على رسوله دولة بين الأغنياء منكم، ولكن يكون للفقراء المهاجرين(234).
القول الرابع: أن قوله: {للفقراء..} متعلق بقوله: {ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء}، والمعنى: ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء للفقراء المهاجرين لكيلا يكون المال دولة للأغنياء من بني الدنيا(235).
القول الخامس: قوله: {للفقراء...} متعلق بـ {والله شديد العقاب}. والمعنى: والله شديد العقاب للفقراء المهاجرين، أي: شديد العقاب بسبب الفقراء المهاجرين ومن أجلهم.
القول السادس: قوله: {للفقراء...} على تقدير: اعجبوا للفقراء المهاجرين...(236).
ويؤيده مجيء قوله: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون...} الآيات مصدراً بـ {ألم} وهي كلمة تعجيب لكون ذكرهم جاء مقابلاً لذكر اضدادهم(237).
القول السابع: قوله: {للفقراء...} عطف على ما مضى، ولم يأت بواو العطف، كقولك: هذا المال لزيد لبكر لفلان لفلان وفلان(238).
ويتأيد هذا بما أخرجه ابن الأنباري في كتاب المصاحف عن الأعمش، قال: "ليس بين مصحف عبدالله وزيد بن ثابت خلاف في حلال وحرام، إلا في حرفين: في سورة الأنفال [آية:41]: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}، وفي سورة الحشر [آية:6] : {وما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والمهاجرين في سبيل الله}"(239).(1/80)
فيكون قوله: {للفقراء المهاجرين ...} على سبيل بيان الواقع من حال المهاجرين، واثباتاً لمزيد اختصاصهم، لا للقسمة(240).
قلت: اعلم أن قسمة الفيء من المسائل المشكلة حتى قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "لم يشكل على ولاة الأمور بعده [(] من أمر [الزكاوات والغنائم] ما أشكل عليهم من الفيء، ولم يقع فيها من النزاع ما وقع فيه، ولولا اشكال أمره عليهم لما طلبت فاطمة بنت رسول اللّه ( ميراثها من تركته، وظنت أنه يورث عنه ماكان ملكاً له كسائر المالكين، وخفي عليها رضي اللّه عنها حقيقة الملك الذي ليس مما يورث عنه، بل هو صدقة بعده، ولما علم ذلك خليفته الراشد البار: الصديق، ومن بعده من الخلفاء الراشدين لم يجعلوا ما خلّفه من الفيء ميراثاً يقسم بين ورثته، بل دفعوه إلى علي والعباس يعملان فيه عمل رسول اللّه ( حتى تنازعا فيه، وترافعا إلى أبي بكر الصديق، وعمر، ولم يقسم أحد منهما ذلك ميراثاً، و لامكنا منه عباساً وعلياً"اهـ(241).
قلت: يشير رحمه اللّه إلى الحديث التالي:(1/81)
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ ابْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قال: "بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ فَقَالَ: يَا مَالِ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي. قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ. فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَا يَسِيرًا ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا فَسَلَّمَا فَجَلَسَا. فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخَرِ. قَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" يُرِيدُ(1/82)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ ثُمَّ قَرَأَ {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {قَدِيرٌ} فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ قَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ حَيَاتَهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَكُنْتُ أَنَا(1/83)
وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ وَجَاءَنِي هَذَا يُرِيدُ عَلِيًّا يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا".(1/84)
ورواه النسائي من طريق عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، وفيه قَالَ: "... ثُمَّ وَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ ثُمَّ وُلِّيتُهَا بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ فَصَنَعْتَ فِيهَا الَّذِي كَانَ يَصْنَعُ ثُمَّ أَتَيَانِي فَسَأَلَانِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْهِمَا عَلَى أَنْ يَلِيَاهَا بِالَّذِي وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي وَلِيَهَا بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَالَّذِي وُلِّيتُهَا بِهِ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا وَأَخَذْتُ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَهُمَا ثُمَّ أَتَيَانِي يَقُولُ هَذَا اقْسِمْ لِي بِنَصِيبِي مِنِ ابْنِ أَخِي وَيَقُولُ هَذَا اقْسِمْ لِي بِنَصِيبِي مِنِ امْرَأَتِي وَإِنْ شَاءَا أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْهِمَا عَلَى أَنْ يَلِيَاهَا بِالَّذِي وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي وَلِيَهَا بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَالَّذِي وُلِّيتُهَا بِهِ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا وَإِنْ أَبَيَا كُفِيَا ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41]، هَذَا لِهَؤُلَاءِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60]، هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } [الحشر:6]، قَالَ الزُّهْرِيُّ (يعني: في روايته عن مالك بن أوس): هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. قُرًى عَرَبِيَّةً فَدْكُ كَذَا وَكَذَا فَـ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى(1/85)
رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وَ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ } {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فَاسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النَّاسَ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ أَوْ قَالَ حَظٌّ إِلَّا بَعْضَ مَنْ تَمْلِكُونَ مِنْ أَرِقَّائِكُمْ وَلَئِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقُّهُ أَوْ قَالَ حَظُّهُ"(242).
قال ابن القيم عليه من اللّه الرحمة والرضوان بعد سوقه للآيات من سورة الحشر: 6-10: "فأخبر سبحانه أن ما أفاء على رسوله بجملته لمن ذُكر في هذه الآيات، ولم يخص منه خمسه بالمذكورين، بل عمّمَ وأطلق واستوعب. ويصرف على المصارف الخاصة، وهم أهل الخمس، ثم على المصارف العامة، وهم المهاجرون والأنصار وأتباعهم إلى يوم الدين.
فالذي عمل به هو وخلفاؤه الراشدون هو المراد من هذه الآيات.
ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فيما رواه أحمد وغيره عنه: ما أحد أحقَّ بهذا المال من أحد، وما أنا أحق به من أحد، والله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب، إلا عبد مملوك، ولكنا على منازلنا من كتاب اللّه، وقسمنا من رسول اللّه (، فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقِدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته، ووالله لئن بقيت لهم ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال، وهو يرعى مكانه"(243).
فهؤلاء المسمون في آية الفييء هم المسمّون في آية الخمس، ولم يدخل المهاجرون والأنصار وأتباعهم في آية الخمس، لأنهم المستحقون لجملة الفيء.(1/86)
وأهل الخمس لهم استحقاقان: استحقاق خاص من الخمس، واستحقاق عام من جملة الفيء، فإنهم داخلون في النصيين.
وكما أن قسمته من جملة الفيء بين من جعل له ليس قسمة الأملاك التي يشترك فيها المالكون، كقسمة المواريث والوصايا والأملاك المطلقة، بل بحسب الحاجة والنفع والغناء في الإسلام والبلاء فيه، فكذلك قسمة الخمس في أهله، فإن مخرجهما واحد في كتاب الله، والتنصيص على الأصناف الخمسة يفيد تحقيق إدخالهم، وأنهم لا يخرجون من أهل الفيء بحال، وأن الخمس لا يعدوهم إلى غيرهم، كأصناف الزكاة لا تعدوهم إلى غيرهم، كما أن الفيء العام في آية الحشر للمذكورين فيها لا يتعداهم إلى غيرهم، ولهذا أفتى أئمة الإسلام، كمالك، والإمام أحمد وغيرهما، أن الرافضة لا حقّ لهم في الفيء لأنهم ليسوا من المهاجرين، و لا من الأنصار، ولامن الذين جاؤوا من بعدهم يقولون: ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وهذا مذهب أهل المدينة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه يدل القرآن، وفعل الرسول (، وخلفائه الراشدين.
وقد اختلف الناس في آية الزكاة وآية الخمس، فقال الشافعي: تجب قسمة الزكاة والخمس على الأصناف كلها، ويُعطى من كل صنف من يطلق عليه اسم الجمع.
وقال مالك رحمه اللّه وأهل المدينة: بل يعطي في الأصناف المذكورة فيهما، و لا يعدوهم إلى غيرهم، و لاتجب قسمة الزكاة و لا الفيء في جميعهم.
وقال الإمام أحمد وأبوحنيفة بقول مالك رحمهم اللّه في آية الزكاة، وبقول الشافعي رحمه اللّه في آية الخمس.(1/87)
ومن تأمل النصوص، وعمل رسول اللّه ( وخلفائه، وجده يدل على قول أهل المدينة، فإن اللّه سبحانه جعل أهل الخمس هم أهل الفيء، وعيّنهم اهتماماً بشأنهم، وتقديماً لهم، ولمّا كانت الغنائم خاصة بأهلها لا يشركهم فيها سواهم، نصّ على خمسها لأهل الخمس، ولمّا كان الفيء لا يختص بأحد دون أحد، جعل جملته لهم، وللمهاجرين والأنصار وتابعيهم، فسوّى بين الخمس وبين الفيء في المصرف، وكان رسول اللّه ( يصرف سهم اللّه وسهمه في مصالح الإسلام، وأربعة أخماس الخمس في أهلها مقدماً للأهم فالأهم، والأحوج فالأحوج، فيزوج منه عزابهم، ويقضي منه ديونهم، ويعين ذا الحاجة منهم، ويعطي عزبهم حظاً، ومتزوِّجهم حظين، ولم يكن هو ولا أحد من خلفائه يجمعون اليتامى والمساكين وأبناء السبيل وذوي القربى، ويقسمون أربعة أخماس الفيء بينهم على السوية، و لا على التفضيل، كما لم يكونوا يفعلون ذلك في الزكاة، فهذا هديه وسيرته، وهو فصل الخطاب، ومحض الصواب"اهـ(244).
المبحث الخامس عشر
العاقلة الفقراء
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ غُلَامًا لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ فَأَتَى أَهْلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أُنَاسٌ فُقَرَاءُ فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا(245).
( فأتى أهله ) : أي أهل الغلام القاطع.
( النبي صلى الله عليه وسلم ) : بالنصب.
( فلم يجعل عليه ) : وفي بعض النسخ عليهم .
قال الخطابي: "معنى هذا إن الغلام الجاني كان حراً وكانت, جنايته خطأ وكانت عاقلته فقراء وإنما تواسي العاقلة عن وجد وسعة ولا شيء على الفقير منهم.
ويشبه أن الغلام المجني عليه أيضا كان حرا لأنه لو كان عبدا لم يكن لاعتذار أهله بالفقر معنى لأن العاقلة لا تحمل عبدا كما لا تحمل عمدا ولا اعترافا. وذلك في قول أكثر أهل العلم.(1/88)
فأما الغلام المملوك إذا جنى على عبد أو حر فجنايته في رقبته في قول عامة أهل العلم" انتهى(246).
المبحث السادس عشر
الرسول ( يستعيذ بالله من الفقر
استعاذ ( من الفقر المقترن بقهر الحاجة وذل المسألة، وقد جاءت بذلك أحاديث منها:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ"(247).
محل الشاهد في الحديث قوله: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ... ... ... ... شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ"
قال البيهقي رحمه الله: "فيه دلالة على أنه [(] إنما استعاذ من فتنة الفقر، دون حال الفقر، ومن فتنة الغنى، دون حال الغنى"اهـ(248).
قال ابن حجر رحمه اللّه تعالى: "والتقييد في الغنى والفقر بـ "الشر" لا بد منه؛ لأن كلاً منهما فيه خير باعتبار، فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قلّ أم كثر. قال الغزالي: فتنة الغنى: الحرص على جمع المال وحبه حتى يكسبه من غير حله ويمنعه من واجبات انفاقه وحقوقه. وفتنة الفقر يراد به: الفقر المدقع الذي لا يصحبه خير ولا ورع، حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة، و لايبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب، ولا في أي حال تورط.(1/89)
وقيل: المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها"اهـ(249).
عن أَبُي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَنْ تَظْلِمَ أَوْ تُظْلَمَ"(250).
قال البيهقي رحمه اللّه بعد اشارته لأحاديث استعاذته ( من الفقر: "ووجه هذه الأحاديث عندي - والله اعلم - أنه استعاذ من فتنة الفقر والمسكنة الذين يرجع معناهما إلى القلة، كما استعاذ من فتنة الغنى"اهـ
عن مُسْلِمٌ ابْنَ أَبِي بَكْرَةَ ذكر: "أَنَّهُ كَانَ سَمِعَ وَالِدَهُ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ فَجَعَلْتُ أَدْعُو بِهِنَّ فَقَالَ يَا بُنَيَّ أَنَّى عُلِّمْتَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ قُلْتُ يَا أَبَتِ سَمِعْتُكَ تَدْعُو بِهِنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ فَأَخَذْتُهُنَّ عَنْكَ قَالَ فَالْزَمْهُنَّ يَا بُنَيَّ فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ"(251).
قلت: ومما سبق تعلم أن معنى المسكنة أعم من معنى الفقر، ولعل هذا السبب في استعاذته ( من الفقر، وسؤاله المسكنة؛ لأن الفقر الذي استعاذ منه غير المسكنة التي سألها.
عن أنس بن مالك ( قال: قال رسول اللّه (: "اللهم احيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" (252).
والفقر الذي استعاذ منه هو الفقر المقترن بالذلة والقلة، ومثله فقر النفس، ويدل على أن من معاني استعاذته ( من الفقر أي فقر النفس، ما جاء عن أبي ذر (، قال: قال رسول الله ( : "يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم يارسول الله. قال: فترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يارسول الله. قال: إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب"(253).(1/90)
وفقر القلب: خلوه من دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وبعده عن مشاهدة فاقته التامة إلى الله تعالى من كل وجه(254).
و[إنما يحصل غنى النفس بغنى القلب؛ بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره، فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه، ويفزع إليه في كشف ضرائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى](255).
وهذا المعنى يرجع إلى الفقر الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله في سورة فاطر:15، : {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}، وهي مكية.
وأمّا المسكنة التي سألها الرسول ( فهي تعود إلى حالين:
الأولى: المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع، فكأنه ( سأل اللّه تعالى أن لا يجعله من الجبارين المتكبرين وأن لا يحشر في زمرة الأغنياء المترفين، كما قال البيهقي رحمه الله.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في كلام له على حديث: "اللهم أحيني مسكينا...": "فالمساكين ضد المتكبرين، وهم الخاشعون لله، المتواضعون لعظمته، الذين لا يريدون علواً في الأرض، سواء كانوا أغنياء أو فقراء.
ومن هذا الباب أن الله خيره بين أن يكون عبداً رسولاً وبين أن يكون نبياً ملكاً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً؛ لأن العبد الرسول يتصرف بأمر سيده، لا لأجل حظه، وأما الملك فيتصرف لحظ نفسه، وإن كان مباحاً، كما قال لسليمان: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب( [سورة ص:39]، ففي هذه الأحاديث أنه اختار العبودية والتواضع"اهـ(256).
الثانية: المسكنة التي ترجع إلى حالة الكفاف، وهي حالة سليمة من الغنى المطغي، والفقر المؤلم، وصاحبها معدود في الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا، بل يجاهد نفسه في الصبر عن القدر الزائد على الكفاف، فلم يفته من حال الفقر إلا السلامة من قهر الحاجة وذل المسألة(257).(1/91)
قال الغزالي رحمه الله: "فقر المضطر هو الذي استعاذ منه (، والفقر الذي هو الاعتراف بالمسكنة والذلة والافتقار إلى الله تعالى هو الذي سأله في دعائه (."(258).
"وفقر المضطر هو أن يكون ما فقده من المال مضطراً إليه كالجائع الفاقد للخبز، والعاري الفاقد للثوب"(259).
قال ابن حجر رحمه الله: "إن قيل ما وجه استعاذته ( من الفقر؟ فالجواب: إن الذي استعاذ منه وكرهه فقر القلب والذي اختاره وارتضاه: طرح المال.
وقال ابن عبدالبر: الذي استعاذ منه هو الذي لا يدرك معه القوت والكفاف، ولا يستقر معه في النفس غنى؛ لأن الغنى عنده ( غنى النفس، وقد قال تعالى: {ووجدك عائلاً فأغنى} [الضحى:8]، ولم يكن غناه أكثر من ادخاره قوت سنة لنفسه وعياله، وكان الغنى محله في قلبه ثقة بربه، وكان يستعيذ بالله من فقر منسي، وغنى مطغي(260). وفيه دليل على أن للغنى والفقر طرفين مذمومين، وبهذا تجتمع الأخبار في هذا المعنى"اهـ(261).
المبحث السابع عشر
الفقير المختال
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَرْبَعَةٌ يَبْغُضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ وَالشَّيْخُ الزَّانِي وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ"(262).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ"(263).(1/92)
قوله: "عائل مستكبر": عائل: لفظ بمعنى الفقير، ويدل عليه أنه ورد في القرآن مقابلاً بالغنى(264)، قال الله تبارك وتعالى: {ووجدك عائلاً فأغنى} الضحى:8. كما يدل عليه ماجاء في الحديث هنا، فقال : "عائل مستكبر"، وفي الحديث الذي قبله قال: "الفقير المختال"، وافضل ما فسر به الحديث بالحديث، فالعائل: الفقير.
وذم الفقير المختال لانعدام الأسباب في اختياله، وتكبره؛ إذ حاله ليس فيه من دواعي ذلك شيء، فيكون ما ظهر عليه من اختيال وكبر إنما هو من نفسه، فهو يتعانى هذا كما تدل عليه صيغة "مستفعل" في "مستكبر".
و[سر ما تقرر في الحديث: أن الزنا في الشاب له فيه نوع عذر، فإن الطبيعة تنازعه وتتقضاه. وأما الشيخ فشهوته ضعفت وقوته انحطت فإذا كان زانياً فليس ذلك إلا لكونه مفسداً بالطبع، فهو مجبول على الفسادفذلك وصف ذاتي له، فيستلزم النتائج الرديئة. وأمّا العائل المسكبر فالعائل الفقير، والمستكبر الذي يتعانى الكبر، وهذا ينقسم ـ أعني التكبر - إلى قسمين: ذاتي، وصفاتي. فالتكبر الصفاتي محصور في موجبين: المال، والجاه. فالتكبر من الناس وإن كان قبيحاً شرعاً وعقلاً لكن لأصحاب الجاه والمال فيه صورة عذر، وأمّا عادمهما إذا تكبر فلا عذر له بوجه فالتكبر إذن صفة ذاتية له، فلا جرم ينتج نتيجة رديئة](265).
المبحث الثامن عشر
فقر القلب
عن أبي ذر (، قال: قال رسول الله ( : "يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم يارسول الله. قال: فترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يارسول الله. قال: إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب"(266).
وفقر القلب: خلوه من دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وبعده عن مشاهدة فاقته التامة إلى الله تعالى من كل وجه(267).(1/93)
و[إنما يحصل غنى النفس بغنى القلب؛ بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره، فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه، ويفزع إليه في كشف ضرائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى](268).
وهذا المعنى يرجع إلى الفقر الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله في سورة فاطر:15، : {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}، وهي مكية.
وفقر النفس يقابله غنى النفس.
ومن رضي بما قسم له فهو من أغنى الناس نفساً.
عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ"(269).
وقال الدارمي رحمه الله: "أَخْبَرَنَا عبداللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ مُوسَى يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَحْكَمُ قَالَ الَّذِي يَحْكُمُ لِلنَّاسِ كَمَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ قَالَ يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَغْنَى قَالَ أَرْضَاهُمْ بِمَا قَسَمْتُ لَهُ قَالَ يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَخْشَى لَكَ قَالَ أَعْلَمُهُمْ بِي"(270).
والرسول ( استعاذ من فقر النفس، وفقر القلة والذلة، وسأل اللّه تعالى المسكنة.
قال ابن حجر رحمه الله: "إن قيل ما وجه استعاذته ( من الفقر؟ فالجواب: إن الذي استعاذ منه وكرهه فقر القلب والذي اختاره وارتضاه: طرح المال.(1/94)
وقال ابن عبدالبر: الذي استعاذ منه هو الذي لا يدرك معه القوت والكفاف، ولا يستقر معه في النفس غنى؛ لأن الغنى عنده ( غنى النفس، وقد قال تعالى: {ووجدك عائلاً فأغنى} [الضحى:8]، ولم يكن غناه أكثر من ادخاره قوت سنة لنفسه وعياله، وكان الغنى محله في قلبه ثقة بربه، وكان يستعيذ بالله من فقر منسي، وغنى مطغي. وفيه دليل على أن للغنى والفقر طرفين مذمومين، وبهذا تجتمع الأخبار في هذا المعنى"اهـ(271).
المطلب الثاني:
الأحكام المتعلقة بالمسكنة.
وفيه المباحث التالية:
المبحث الأول: الإحسان إلى المسكين جاء في شرائع بني إسرائيل.
المبحث الثاني: يرزق المساكين من الميراث إذا حضروا القسمة.
المبحث الثالث: النفقة والإحسان أولى ما يكون للوالدين والأقربين واليتامى والمساكين.
المبحث الرابع: المسكين في كفارة اليمين.
المبحث الخامس: المسكين في كفارة قتل المحرم للصيد.
المبحث السادس: المسكين من مصارف الغنيمة.
المبحث السابع: يملك المسكين ما لا يغنيه.
المبحث الثامن: آت ذا القربى والمسكين وابن السبيل ولا تبذر.
المبحث التاسع: هل يملك المسكين مالا يغنيه؟
المبحث العاشر: المسكين في كفارة الظهار.
المبحث الحادي عشر: المسكين في مصارف الفيء.
المبحث الثاني عشر: إسقاط حق المسكين سبب للعقوبة.
المبحث الثالث عشر: من صفات المؤمنين أنهم يحفظون حق المسكين، ومن صفات أهل النار أنهم لا يطعمون المسكين.
المبحث الرابع عشر: إطعام المسكين عقبة (فيه مجاهدة للنفس).
المبحث الخامس عشر: الرسول ( يسأل اللّه المسكنة، ويحض على حب المساكين.
المبحث السادس عشر: زكاة الفطر طعمة للمساكين.
المبحث السابع عشر: المسكين في فدية الأذى.
وإليك البيان:
المبحث الأول
الإحسان إلى المسكين جاء في شرائع بني إسرائيل(1/95)
قال اللّه تبارك وتعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا اللّه وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا لله حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون} البقرة:83.
في تفسير الآية الوقفات التالية:
الأولى: قال البغوي رحمة اللّه عليه: "قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} في التوراة. والميثاق: العهد الشديد. ... {المساكين} يعني الفقراء"اهـ(272) .
وذكر عبد الحق أن الميثاق المذكور في الآية "إنما هو ميثاق أخذ على بني إسرائيل وهم عقلاء في حياتهم على لسان موسى عليه السلام، وغيره من أنبيائهم عليهم السلام(273).
وقال رحمه اللّه في قوله تعالى: {والمساكين}، قال: "جمع مسكين، وهو الذي لا شيء له؛ لأنه مشتق من السكون. وقد قيل: إن المسكين هو الذي له بلغة من العيش، وهو على هذا مشتق من السكن(274).
وهذا يتضمن الحض على الصدقة والمواساة وتفقد أحوال المساكين"اهـ(275).
قال ابن الجوزي رحمه الله: "{وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} هذا الميثاق مأخوذ عليهم في التوراة. ... {والمساكين} جمع مسكين، وهو مأخوذ من السكون كأن المسكين قد أسكنه الفقر"اهـ(276).
قال ابن عاشور رحمه الله: "والمعنى: أخذنا ميثاق الأمة الإسرائيلية على التوحيد، وأصول الإحسان، فكنتم ممن تولى عن ذلك وعصيتم شرعاً اتبعتموه ... والتولي: الإعراض، وإبطال ما التزمتموه...، أي توليتم عن جميع ما أخذ عليكم الميثاق به، أي أشركتم بالله، وعبدتم الأصنام، وعققتم الوالدين، وأسأتم لذوي القربى واليتامى والمساكين، وقلتم للناس أفحش القول، وتركتم الصلاة، ومنعتم الزكاة"اهـ(277).
قلت: تقدم في المقصد الأول تحرير القول في حد المسكين والفقير، وأن المسكين والفقير لفظان يدل أحدهما على الآخر عند افتراقهما، وأما عند اجتماعهما فالفقير من لا شيء عنده، والمسكين من له بلغة من العيش لا تكفيه.(1/96)
وعليه فالآية فيها الحض على الإحسان إلى الفقير والمسكين بالصدقة والمواساة، وتفقد أحواله، وأن ذلك من شرائع بني إسرائيل التي أخذ عليهم فيها العهد الشديد.
الثانية: هذه الآية أوّل آية على ترتيب المصحف فيها الحض على الإحسان إلى المساكين. وقد جاء في شرعنا الحض على الإحسان إلى المسكين مقروناً بالإحسان إلى اليتيم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ"(278).
الثالثة: قال أبوحيان الأندلسي رحمه الله: "هذه الآية مناسبة للآيات الواردة قبلها في ذكر توبيخ بني إسرائيل وتقريعهم وتبيين ما أخذ عليهم من ميثاق العبادة لله، وإفراده تعالى بالعبادة، وما أمرهم به من مكارم الأخلاق؛ من صلة الأرحام والإحسان إلى المساكين. والمواظبة على ركني الإسلام البدني والمالي، ثم ذكر توليهم عن ذلك ونقضهم لذلك الميثاق على عادتهم السابقة وطريقتهم المألوفة لهم"اهـ(279).(1/97)
الرابعة: وقال أيضاً رحمه الله: "قوله [تعالى]: {وذي القربى واليتامى والمساكين} معطوف على قوله: {وبالوالدين}، وكان تقديم الوالدين لأنهما آكد في البر والإحسان. وتقديم المجرور على العامل اعتناء بمتعلق الحرف، وهما الوالدان، واهتماماً بأمرهما. وجاء هذا الترتيب اعتناء بالأوكد، فبدأ بالوالدين؛ إذ لا يخفى تقدمهما على كل أحد في الإحسان إليهما. ثم بذي القربى لأن صلة الأرحام مؤكدة أيضاً، ولمشاركته الوالدين في القرابة، ثم باليتامى؛ لأنهم لا قدرة لهم تامة على الاكتساب، وقد [جاء]: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"(280)، وغير ذلك من الآثار. ثم بالمساكين لما في الإحسان إليهم من الثواب، وتأخرت درجة المساكين لأنه يمكنه أن يتعهد نفسه بالاستخدام، ويصلح معيشته بخلاف اليتامى؛ فإنهم لصغرهم لا ينتفع بهم، وهم محتاجون إلى من ينفعهم.
وأول هذه التكاليف (يعني: المذكورة في الآية) هو إفراد اللّه بالعبادة، ثم الإحسان إلى الوالدين، ثم إلى ذي القربى، ثم إلى اليتامى، ثم إلى المساكين. فهذه خمسة تكاليف تجمع عبادة الله، والحض على الإحسان للوالدين والمواساة لذي القربى واليتامى والمساكين. وأفرد ذي القربى لأنه أراد به الجنس، ولأن اضافته إلى المصدر يندرج فيه كل ذي قرابة"اهـ(281).
المبحث الثاني
يرزق المساكين من الميراث إذا حضروا القسمة
قال اللّه تبارك وتعالى: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً} النساء:8.
في تفسير الآية الوقفات التالية:
الأولى: اختلف في القسمة، المذكورة في الآية، على قولين:
…أحدهما: قسمة الميراث بعد موت الموروث، فعلى هذا يكون الخطاب في قوله تعالى: {فارزقوهم} للوارثين المالكين أمر أنفسهم، وبهذا قال الأكثرون.
…والثاني: أنها وصية الميت قبل موته، واجب عليه أن يجعل في وصيته شيئاً لمن يحضر وصيته ممن لا يوصى له(282).(1/98)
وعلى هذا فالأمر في الآية موجه إلى صاحب المال في الوصية أن يجعل في وصيته شيئاً لمن يحضر وصيته من أولى القربى واليتامى والمساكين، غير الذين يرثون أو أوصى لهم.
الثانية: الآية على التفسير الثاني للقسمة منسوخة بآية المواريث؛ إذ كان الحال في أوّل الأمر وجوب الوصية قبل أن تنزل آية المواريث.
وعلى التفسير الأوّل لاتكون الآية منسوخة، وهو المعتمد.
قال القرطبي رحمه الله: "بيّن اللّه تعالى أن من لم يستحق شيئاً إرثاً وحضر القسمة، وكان من الأقارب أو اليتامى والفقراء الذين لا يرثون أن يكرموا ولايحرموا، إن كان المال كثيراً، والاعتذار إليهم إن كان عقاراً أو قليلاً لا يقبل الرضخ (العطاء القليل). وإن كان عطاء من القليل ففيه أجر عظيم؛ درهم يسبق مائة ألف. فالآية على هذا القول محكمة"اهـ(283).
أخرج البخاري بسنده عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا: "{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ"(284).
الثالثة: اختلف من قال الآية محكمة، هل الأمر فيها للندب أو الوجوب؟
قال مجاهد وطائفة: هي على الوجوب، وهو قول ابن حزم: أن على الوارث أن يعطي هذه الأصناف ماطابت نفسه(285).
وحجتهم ظاهر الأمر، وأنه يقتضي الوجوب.
والأكثرون على الاستحباب(286).
وقال الرازي رحمه الله: "واحتجوا بأنه لو كان لهؤلاء حق معين لبين اللّه تعالى قدر ذلك الحق كما في سائر الحقوق، وحيث لم يبين علمنا أنه غير واجب؛ ولأن ذلك لو كان واجباً لتوفرت الدّواعي على نقله لشدة حرص الفقراء والمساكين على تقديره، ولو كان ذلك لنقل على سبيل التواتر، ولمّا لم يكن الأمر كذلك علمنا أنه غير واجب"اهـ(287).(1/99)
قال القرطبي رحمه الله: "والصحيح أن هذا على الندب؛ لأنه لو كان فرضاً لكان استحقاقاً في التركة، ومشاركة في الميراث، لأحد الجهتين معلوم وللآخر مجهول، وذلك مناقض للحكمة وسبب للتنازع والتقاطع"اهـ(288).
الرابعة: قوله تبارك وتعالى: {فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً}.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نُسِخَتْ وَلَا وَاللَّهِ مَا نُسِخَتْ وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ هُمَا وَالِيَانِ وَالٍ يَرِثُ وَذَاكَ الَّذِي يَرْزُقُ وَوَالٍ لَا يَرِثُ فَذَاكَ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ يَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ"(289).
والمعنى: إن الولي الذي ليس له حق في ميراث، ولم يوى له بشيء، يقال له قولاً معروفاً.
فإن أعطاه الوارث من عنده على سبيل الإحسان وفعل الخير فهو مستحب. وهذا أحد أقوال أهل العلم في الآية.
وقيل إذا كان الوارث صغيراً لا يتصرف في ماله، ولكن يقول وليه لمن حضر القسمة: ليس لي شيء من هذا المال، إنما هو لليتيم، فإذا بلغ عرفته حقكم. وهذا إذا لم يوصي له الميت بشيء، فإذا أوصى يصرف له ما أوصى(290).
وقيل: يعطي القليل إحساناً إذا كان في قسمة الأعيان، فإذا آل الأمر إلى قسمة الأراضين والرقيق وما اشبه، قال لهم قولاً معروفاً، كأن يقول: أرجعوا بارك اللّه فيكم.
الخامسة: المساكين هم أهل الحاجة والعوز، فهو يشمل الفقراء على ما تقدّم تحريره في معنى المسكين عند الإطلاق.
المبحث الثالث
النفقة والإحسان أولى ما يكون
للوالدين والأقربين واليتامى والمساكين
قال اللّه تبارك وتعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن اللّه به عليم} البقرة:215.(1/100)
وقال تبارك وتعالى: {واعبدوا اللّه ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين احسانً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن اللّه لا يحب من كان مختالاً فخوراً} النساء:36.
والآية الأولى دالة على الأمر بالانفاق على هؤلاء، والترغيب فيه، وهي في النفقة التي ليست من حق المال (أعني: الزكاة)، ولا هي من حق الذات من حيث إنها ذات كالزوجة، بل هذه النفقة التي هي من حق المسلمين بعضهم على بعض لكفاية الحاجة وللتوسعة، وأولى المسلمين بأن يقوم بها أشدهم قرابة بالمعوزين منهم، فمنها واجبة كنفقة الأبوين الفقيرين، والأولاد الصغار الذين لا مال لهم إلى أن يقدروا على التكسب، أو ينتقل حق الانفاق إلى غير الأبوين، وذلك كله بحسب حاجة أمثالهم. وفي تحديد القربى الموجبة للإنفاق خلاف بين الفقهاء.
فليست هاته الآية المنسوخة بآية الزكاة، إذ لا تعارض بينهما حتى تحتاج للنسخ، وليس في لفظ هاته الآية مايدل على الوجوب حتى يظن أنها نزلت في صدقة واجبة قبل فرض الزكاة(291).
ويلاحظ في الآية الثانية أنه عطف الإحسان على المساكين على الإحسان بالوالدين وبذي القربى واليتامى، وجميعها معطوفة على عبادة اللّه وحده لا شريك له؛ فالأمر بالإحسان إلى هؤلاء جاء في الآية مقترناً بالأمر بتوحيد اللّه تعالى.
المبحث الرابع
المسكين في كفارة اليمين
قال اللّه تبارك وتعالى: {لايؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان، فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين اللّه لكم آياته لعلكم تشكرون} المائدة:89.
في تفسير الآية الوقفات التالية:
الأولى: قوله: {إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم}.(1/101)
الآية تشمل الفقير مع المسكين، جرياً على القاعدة المتقررة من أن لفظ المسكين والفقير إذا أطلق أحدهما شمل الآخر.
قال ابن كثير رحمه الله: "يعني محاويج من الفقراء ومن لا يجد ما يكفيه"اهـ(292).
الثانية: ظاهر الآية أن المطلوب إطعام عشرة مساكين من الذكور أو الإناث أو منهما، فلا يجزيء إطعام مسكين واحد لمدة عشرة أيام(293).
قال ابن الجوزي رحمه الله: "ولايجوز صرف مدّين إلى مسكين واحد. ولا إخراج القيمة في الكفارة، وبه قال الشافعي، وقال أبوحنيفة: يجوز.
قال الزجاج: وإنما وقع لفظ التذكير في المساكين، ولو كانوا إناثاً لأجزأ؛ لأن المغلب في كلام العرب التذكير"اهـ(294).
قال جمال الدين القاسمي رحمه الله: "وظاهر الآية اشتراط العدد في المساكين. وقول بعضهم : إن المراد اطعام طعام يكفي العشرة مفرعاً عليه جواز اطعام مسكين واحد عشرة أيام؛ عدول عن الظاهر، لا يثبت إلا بنص"اهـ(295).
الثالثة: وله أن يملكه الطعام أو يمكنه من الطعام، قال تبارك وتعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} فبأي وجه أطعمه دخل في الآية(296).
قال ابن الجوزي رحمه الله: "ومن شرط صحة الكفارة تمليك الطعام للفقراء، فإن غدّاهم وعشاهم؛ لم يجزئه، وبه قال سعيد بن جبير، والحكم، والشافعي. وقال الثوري والأوزاعي: يجزئه، وبه قال أبوحنيفة ومالك"اهـ(297).
قلت: اشتراط التمليك غير ظاهر عندي، نعم هو للذمة أبرأ، فإن غداهم أو عشاهم فقد أجزأ، والله اعلم.
الرابعة: ويجزيء في الطعام أن يكون مما يأكل لا من خياره وأرفعه، ولا من أدناه وأحقره، إنما ما كان بين ذلك. ولكل بلد وزمن بحسبه(298).
قلت: واختلاف السلف في تحديد أوسط الطعام يحمل على هذا، والله اعلم.(1/102)
الخامسة: قال جمال الدين القاسمي رحمه الله: "إطلاق (المساكين) (يعني: في آية كفارة اليمين) يشمل المؤمن والكافر الذمي والفاسق. فبعضهم أخذ بعموم ذلك. ومذهب الشافعية والزيدية: خروج الكافر بالقياس على منع صرف الزكاة إليه. وأمّا الفاسق فيجوز الصرف إليه مهما لم يكن في ذلك إعانة له على المنكر. ولم يجوزه الهادي"اهـ(299).
السادسة: قوله تبارك وتعالى: {أو كسوتهم} أي: كسوة عشرة مساكين.
الكسوة في حق الرجال: الثوب الواحد الساتر لجميع الجسد. وفي حق النساء: أقل مايجزئهن في الصلاة(300).
وقال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: {أو كسوتهم} قال الشافعي رحمه الله: لو دفع إلى كل واحد من العشرة ما يصدق عليه اسم الكسوة من قميص أو سراويل أو إزار أو عمامة أو مقنعة أجزأه واختلف أصحابه في القلنسوة هل تجزيء أم لا على وجهين. ... وهكذا حكى الشيخ أبوحامد الاسفرايني في الخف وجهين أيضاً. والصحيح عدم الإجزاء. وقال مالك و أحمد بن حنبل: لابد أن يدفع إلى كل واحد منهم من الكسوة ما يصح أن يصلي فيه إن كان رجلاً أو امرأة كل بحسبه، والله اعلم"اهـ(301).
قلت: ظاهر الآية أن المراد بالكسوة هو ما تصح به الصلاة، وبيان ذلك أن لفظ (كسوة) جاء في الآية نكرة في سياق الأمر فهي للإطلاق، وعمومه بدلي، وهو أول ما يصدق على الفرد الكامل فيه، والكسوة المعتبرة في الشرع ما تصح به الصلاة، وهو مذهب مالك وأحمد رحمهما اللّه تعالى.
ويتعقب قول من قال: إن ما يصدق عليه اسم الكسوة من قميص أو سراويل أو إزار أو عمامة أو مقنعة يجزيء؛ بأنه مصير إلى المعنى اللغوي مع وجود الحقيقة الشرعية، وهذا خلاف القاعدة، والله اعلم.
السابعة: قال الرازي رحمه الله: "ولقائل أن يقول: أي فائدة لتقديم الإطعام على العتق، مع أن العتق أفضل لا محالة؟
قلنا: له وجوه:(1/103)
…أحدها: أن المقصود منه التنبيه على أن هذه الكفارة وجبت على التخيير لا على الترتيب؛ لأنها لو وجبت على الترتيب لوجبت البراءة بالأغلظ.
…وثانيها: قدم الإطعام لأنه أسهل لكون الطعام أعم وجوداً، والمقصود منه التنبيه على أنه تعالى يراعي التخفيف والتسهيل في التكاليف.
…وثالثها: أن الإطعام أفضل لأن الحر الفقير قد لا يجد الطعام ولا يكون هناك من يعطيه الطعام فيقع في الضر، أمّا العبد فإنه يجب على مولاه اطعامه وكسوته"اهـ(302).
المبحث الخامس
المسكين في كفارة قتل المحرم للصيد
قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره، عفا اللّه عما سلف ومن عاد فينتقم اللّه منه والله عزيز ذو انتقام} المائدة:95.
قرأ أبوجعفر ونافع وابن عامر {كفارة} بغير تنوين {طعام} بالخفض على الإضافة.
وقرأ الباقون {أو كفارة} بالتنوين {طعام} بالرفع.
واتفقوا على مساكين هنا بالجمع(303).
ومعنى القراءة بالتنوين في {كفارة}، والرفع في {طعام}: بيان الكفارة؛ لأن الطعام هو الكفارة، ولم يضف الكفارة إلى الطعام؛ لأن الكفارة لقتل الصيد لا للطعام.
ومعنى القراءة بغير تنوين في {كفارة} وبالخفض في {طعام}: أن الكفارة هنا هي كفارة طعام مساكين، لا كفارة هدي ولا صيام؛ وذلك لأنه خيّر المكفر بين الهدي والإطعام والصيام، وجازت الإضافة إلى أحدهما ليبين من أي جنس تكون الكفارة، فكأنه قال: كفارة طعام، لا كفارة هدي، ولا صيام(304).
وقوله تعالى: {أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً} فيه الوقفات التالية:
الأولى: هل الحكم هنا على التخيير أو على الترتيب؟
على قولين:(1/104)
…الأوّل: الحكم في الآية على التخيير بين الجزاء والإطعام والصيام. ووجه هذا القول: أن الآية جاءت بـ "أو" وهي تفييد التخيير والإباحة. وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأحد قولي الشافعي، والمشهور عن أحمد رحمهم اللّه.
عن ابن عباس ( في قوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل} قال: إذا أصاب المحرم الصيد فحكم عليه جزاؤه، فإن كان عنده جزاؤه ذبحه وتصدق بلحمه، وإن لم يكن عنده جزاؤه قوّم جزاؤه دراهم، ثم قوّمت الدراهم طعاماً فصام مكان كل نصف صاع يوماً، وإنما أريد بالطعام الصيام، وأنه إذا وجد الطعام وجد جزاؤه"(305).
الثاني: أن الحكم في الآية على الترتيب، فالواجب أولاً: الجزاء بالمثل. فإن لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم، أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال انتقل إلى الكفارة. ووجه هذا القول ـ فيما يظهر لي ـ : أن سباق الآية يشعر به، وهو الأصل في المعنى. ودلالة "أو" على الإباحة مرعية مع مراعاة الحكمة في التقديم والتأخير، وذلك فيما جاء في السياق القرآني، وهذا ملحوظ في الآية: {ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً} إذ رتّب جزاء مثل مقتل من النعم على قتل الصيد، ثم بعدها جاءت إباحة كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياماً؛ فدل ذلك على أن الحكم أولاً المثل، فإن لم يتيسر انتقل إلى الكفارة أو عدل ذلك. وهذا قول ابن سيرين رحمه الله، ومروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما(306).
قلت: الحكم بالاجزاء في التخيير هو الظاهر، والأفضل مراعاة الترتيب، فلا ينتقل إلى الكفارة أو عدلها إلا بعد تعذر المثل، والله اعلم.
الثانية: هل يعتبر في اخراج الطعام قيمة النظير أو قيمة الصيد؟
على قولين:
…الأوّل: يقوّم الصيد المقتول. عند مالك وأبي حنيفة، وأصحابه، وحمّاد وإبراهيم وقتادة.(1/105)
…الثاني: يقوّم مثله من النعم لو كان موجوداً، ثم يُشترى به طعاماً ويتصدق به. وهو قول عطاء والشافعي وأحمد(307).
الثالثة: ما مقدار ما يطعم به كل مسكين؟
فيها قولان:
…الأوّل: يصرف لكل مسكين مُد عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز واختاره ابن جرير.
…الثاني: يُطعم كل مسكين مُدّين، وبه قال ابن عباس( ومجاهد وأبوحنيفة رحمهم الله(308).
الرابعة: إذا لم يجد، أو قلنا بالتخيير مطلقاً؛ كيف يكون {عدل ذلك صياماً}؟
قيل: يصوم عن اطعام كل مسكين يوماً.
وقيل: يصوم مكان كل صاع يوماً. قاله الطبري كما في جزاء المترفه بالحلق، ونحوه.
قال أبوحنيفة رحمه الله: يصوم يوماً عن نصف صاع من الجميع (يعني: من البر أو الشعير أو التمر...).
قال مالك والشافعي رحمهما الله: يصوم يوماً عن كل مد من الجميع.
قال الحنابلة: يصوم عن كل مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير يوماً(309).
الخامسة: اختلفوا في مكان هذا الإطعام!
قال مالك رحمه الله: يطعم في المكان الذي اصاب فيه الصيد أو أقرب الأماكن إليه.
قال أبوحنيفة رحمه اللّه: إن شاء أطعم في الحرم، وإن شاء أطعم في غيره(310).
المبحث السادس
المسكين من مصارف الغنيمة
قال الله تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبده يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير} الأنفال:41.
في تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} الوقفات التالية:
الأولى: قال القرطبي رحمه الله: "إن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: {غنمتم من شيء} مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر.(1/106)
ولاتقتضي اللغة هذا التخصيص، لكن عُرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع، وسمّى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة وفيئاً؛ فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة. ولزم هذا لاسم هذا المعنى حتى صار عرفاً، والفيء مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف، كخراج الأرضين، وجزية الجماجم، وخمس الغنائم"اهـ(311).
الثانية: لم يختلف العلماء أن قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} ليس على عمومه، وأنه يدخله الخصوص، فمما خصصوه بجماع: سلب المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام. والأسارى الخيرة فيهم إلى الإمام بلاخلاف(312).
الثالثة: نص القرآن ظاهر بأن الغنيمة تقسم إلى أخماس. أربعة أخماس للمقاتلين، والخمس يقسم إلى خمسة بنص القرآن. وهل هذا التقسيم ملزم، أو إرشاد إلى أهم من يدفع إليه؟
الجمهور على الأوّل.
قال أبوعبدالرحمن النسائي رحمه الله: "أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ قَالَ أَنْبَأَنَا مَحْبُوبٌ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَقَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْخُمُسُ الَّذِي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَابَتِهِ لَا يَأْكُلُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ شَيْئًا فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسُ الْخُمُسِ وَلِذِي قَرَابَتِهِ خُمُسُ الْخُمُسِ وَلِلْيَتَامَى مِثْلُ ذَلِكَ وَلِلْمَسَاكِينِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِابْنِ السَّبِيلِ مِثْلُ ذَلِكَ .
قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}.(1/107)
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لِلَّهِ} ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلّ(313)وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا اسْتَفْتَحَ الْكَلَامَ فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ بِذِكْرِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْكَسْبِ وَلَمْ يَنْسِبِ الصَّدَقَةَ إِلَى نَفْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ قِيلَ: يُؤْخَذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ فَيُجْعَلُ فِي الْكَعْبَةِ وَهُوَ السَّهْمُ الَّذِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَسَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِمَامِ يَشْتَرِي الْكُرَاعَ مِنْهُ وَالسِّلَاحَ وَيُعْطِي مِنْهُ مَنْ رَأَى مِمَّنْ رَأَى فِيهِ غَنَاءً وَمَنْفَعَةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالْقُرْآنِ.(1/108)
وَسَهْمٌ لِذِي الْقُرْبَى وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بَيْنَهُمُ الْغَنِيُّ مِنْهُمْ وَالْفَقِيرُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لِلْفَقِيرِ مِنْهُمْ دُونَ الْغَنِيِّ كَالْيَتَامَى وَابْنِ السَّبِيلِ وَهُوَ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ وَقَسَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي رَجُلٍ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِبَنِي فُلَانٍ أَنَّهُ بَيْنَهُمْ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ إِذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ فَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ صُيِّرَ لِبَنِي فُلَانٍ أَنَّهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ الْآمِرُ بِهِ وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ سَهْمُ مِسْكِينٍ وَسَهْمُ ابْنِ السَّبِيلِ. وَقِيلَ لَهُ: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ.
وَالْأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ يَقْسِمُهَا الْإِمَامُ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ"(314).(1/109)
وقال مالك رحمه الله: هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ من غير تقدير، ويعطي منه القرابة باجتهاد، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين(315)، وبه قال الخلفاء الأربعة وبه عملوا، وعليه يدل ماجاء عن عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ الْبَعِيرِ ثُمَّ قَالَ: "وَلَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هَذَا إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ"(316).
ووجه الدلالة في الحديث: أنه ( لم يقسمه أخماساً و لاأثلاثاً، فدل ذلك على أن من ذكر في الآية إنما ذكر على وجه التنبيه على أهم من يدفع إليه.
فيكون ذكر القربى واليتامى والمساكين كمن ذكر في قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل} البقرة:215، حيث لم يلزم من ذكر هؤلاء في آية الحث على البر بالنفقة حصر البر بالنفقة فيهم، فللرجل أن ينفق في البر على هذه الأصناف وعلى صنف منها، وله أن يخرج عن هذه الأصناف، لا اختلاف بين الناس في ذلك. وآية الغنائم هذه مثلها، إنما ذكر من ذكر لبيان أهم من يدفع إليهم(317).
وذكر النسائي عن عطاء قال: خمس لله وخمس رسوله واحد، كان رسول اللّه ( يحمل منه، ويعطي منه ويضعه حيث يشاء ويصنع به ماشاء"(318).
قال ابن القيم رحمه اللّه تعالى: "وقد اختلف الناس في آية الزكاة وآية الخمس؛ فقال الشافعي: تجب قسمة الزكاة والخمس على الأصناف كلها، ويُعطى من كل صنف من يطلق عليه اسم الجمع.
وقال مالك رحمه اللّه وأهل المدينة: بل يعطي في الأصناف المذكورة فيهما، و لا يعدوهم إلى غيرهم، و لاتجب قسمة الزكاة و لا الفيء في جميعهم.
وقال الإمام أحمد وأبوحنيفة بقول مالك رحمهم اللّه في آية الزكاة، وبقول الشافعي رحمه اللّه في آية الخمس.(1/110)
ومن تأمل النصوص، وعمل رسول اللّه ( وخلفائه، وجده يدل على قول أهل المدينة، فإن اللّه سبحانه جعل أهل الخمس هم أهل الفيء، وعيّنهم اهتماماً بشأنهم، وتقديماً لهم، ولمّا كانت الغنائم خاصة بأهلها لا يشركهم فيها سواهم، نصّ على خمسها لأهل الخمس، ولمّا كان الفيء لا يختص بأحد دون أحد، جعل جملته لهم، وللمهاجرين والأنصار وتابعيهم، فسوّى بين الخمس وبين الفيء في المصرف، وكان رسول اللّه ( يصرف سهم اللّه وسهمه في مصالح الإسلام، وأربعة أخماس الخمس في أهلها مقدماً للأهم فالأهم، والأحوج فالأحوج، فيزوج منه عزابهم، ويقضي منه ديونهم، ويعين ذا الحاجة منهم، ويعطي عزبهم حظاً، ومتزوِّجهم حظين، ولم يكن هو ولا أحد من خلفائه يجمعون اليتامى والمساكين وأبناء السبيل وذوي القربى، ويقسمون أربعة أخماس الفيء بينهم على السوية، و لا على التفضيل، كما لم يكونوا يفعلون ذلك في الزكاة، فهذا هديه وسيرته، وهو فصل الخطاب، ومحض الصواب"اهـ(319).(1/111)
الرابعة: الخمس الذي لله ورسوله هو لمن يقوم من بعده ( لما جاء عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: "لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أَنْتَ وَرِثْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ أَهْلُهُ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا بَلْ أَهْلُهُ ! قَالَتْ: فَأَيْنَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً ثُمَّ قَبَضَهُ جَعَلَهُ لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ" فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَتْ: فَأَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ"(320).
الخامسة: على الراجح كما تقدم يكون ذكر المسكين من باب التنبيه على أهم من يدفع إليهم، واسم المسكين - على الراجح - عند الاطلاق يدخل فيه الفقير، إذ المراد أصحاب الحاجة والفاقة.
المبحث السابع
المسكين من مصارف الزكاة
قال اللّه تبارك وتعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السبيل فريضة من اللّه والله عليم حكيم" التوبة: 60.
تقدمت الوقفات المتعلقة بتفسير هذه الآية الكريمة.
والمغايرة هنا بين الفقير والمسكين ترجح قول من قال بأن بينهما عند اجتماعهما فرقاً. وتقديم الفقير على المسكين يدل على أنه أكثر حاجة وعوزاً من المسكين، وقد قدّمت لك في المقصد الأول الصواب - إن شاء اللّه تعالى - والله اعلم.
المبحث الثامن
آت ذا القربى والمسكين وابن السبيل ولا تبذر(1/112)
قال الله تبارك وتعالى: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولاتبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا من إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً. وإمّا تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك، ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً. ولاتجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً} الإسراء:26-29.
في تفسير الآية الوقفات التالية:
الأولى: َقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "{لَا تُبَذِّرْ}: لَا تُنْفِقْ فِي الْبَاطِلِ. {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ}: رِزْقٍ."اهـ(321).
قال أبومحمد عبدالحق رحمه الله: "لا يقال في المعصية {ولاتبذر}، وإنما يقال: ولاتنفق ولو باقتصاد وقوام. ولله درّ ابن عباس وابن مسعود فإنهما قالا: التبذير الانفاق في غير حق. فهذه عبارة تعم المعصية والسرف في المباح.
وإنما نهت هذه الآية عن استفراغ الوجد فيما يطرأ أوّلا من سؤال المؤمنين لئلا يبقى من يأتي بعد ذلك لاشيء له أو لئلا يضيِّع المنفق عيالاً أو نحوه.
ومن كلام الحكمة: ما رأيت قط سرفاً إلا ومعه حق مضيع.
وهذه من آيات فقه الحال، ولايبين حكمها إلا باعتبار شخص من الناس"اهـ(322).
الثانية: استدل بالآية من منع إعطاء المال كله في سبيل الخير. ومن منع الصدقة بكل ماله(323).
قلت: إطلاق القول بالمنع فيه نظر؛ إذ هو لا يتفق مع لحاق الآية في قوله: {فتقعد ملوماً محسوراً}، كما لا يتفق مع ما ثبت من خروج أبي بكر من جميع ماله في صدقة تطوع، وخروج عمر من نصف ماله، وإقرار الرسول ( لهما. ومحز القول في هذه القضية هو ما قرره ابن عطية رحمه اللّه في كلامه السابق.(1/113)
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:"أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ.
قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا"(324).(1/114)
ومن تراجم البخاري رحمه اللّه: "بَاب لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى. وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ". إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ آثَرَ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ"اهـ(325).
قال الخطابي رحمه الله: "لم ينكر [الرسول (] على أبي بكر الصديق ( خروجه من ماله أجمع؛ لما علمه من صحة نيته، وقوة يقينه، ولم يخف عليه الفتنة"اهـ(326).
قال ابن قدامة رحمه الله: "والأولى أن يتصدق من الفاضل عن كفايته، وكفاية من يمونه على الدوام؛ لقوله ( : "خير الصدقة ماكان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول" متفق عليه(327).
وإن تصدق بما ينقص عن كفاية من تلزمه مؤنته ولاكسب له أثم؛ لقوله (: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يمون"(328)؛ ولأن نفقة من يمونه واجبة والتطوع نافلة، وتقديم النفل على الفرض غير جائز.(1/115)
فإن كان الرجل وحده أو كان لمن يمون كفايتهم فأراد الصدقة بجميع ماله، وكان ذا مكسب أو كان واثقاً من نفسه بحسن التوكل والصبر على الفقر والتعفف عن المسألة فحسن؛ لأن النبي ( سئل عن أفضل الصدقة فقال: "جهد من مقل إلى فقير في السر"(329). ... وأورد حديث عمر بن الخطاب ( السابق قريباً وقال: فهذا كان فضيلة في حق أبي بكر الصديق ( لقوة يقينه وكمال إيمانه، وكان أيضاً تاجراً ذا مكسب فإنه قال حين ولي: قد علم الناس أن كسبي لم يكن ليعجز عن مؤنة عيالي، أو كما قال (.
فإن لم يوجد في المتصدق أحد هذين كره له لما روى أبوداود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [الْأَنْصَارِيِّ] قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا . فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْسَرِ فقال مثل ذلك فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَذَفَهُ بِهَا فَلَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ ويَقُولُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى"(330)؛ فقد نبه النبي ( على المعنى الذي كره من أجله الصدقة بجميع ماله، وهو أن يستكف الناس، أي: يتعرض لهم للصدقة، أي: يأخذها ببطن كفه، يقال تكفف واستكف إذا فعل ذلك.(1/116)
وروى النسائي أن النبي ( أعطى رجلاً ثوبين من الصدقة ثم حث على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه. فقال النبي ( : "ألم تروا إلى هذا دخل بهيئة بذة فأعطيته ثوبين ثم قلت تصدقوا فطرح أحد ثوبيه، خذ ثوبك. وانتهره"(331). ولأن الإنسان إذا أخرج جميع ماله لا يأمن من فتنة الفقر، وشدة نزاع النفس إلى ما خرج منه، فيندم فيذهب ماله ويبطل أجره، ويصير كلاً على الناس.
ويكره لمن لا صبر له على الإضاقة أن ينقص نفسه من الكفاية التامة، والله اعلم"اهـ(332).
الثالثة: إذا تصدّق الرجل بماله جميعه، وكان لا صبر له على الإضاقة، أو له عيال لا يصبرون على الإضاقة، فهل تجوز صدقته مع الكراهة، أو تُرَد؟
قال الطبري رحمه الله، وغيره: "قال الجمهور: من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله، حيث لا دين عليه، وكان صبوراً على الإضاقة، و لا عيال له، أو له عيال يصبرون فهو جائز، فإن فقد شيء من هذه الشروط كره.
وقال بعضهم: بل ترد عليه صدقته(333).
وقال آخرون: يجوز من الثلث، ويرد عليه الثلثان، وهو قول الأوزاعي ومكحول. وعن مكحول أيضاً: يرد ما زاد عن النصف.
قال الطبري رحمه الله: والصواب عندنا الأوّل من حيث الجواز، والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعاً بين قصة أبي بكر، وحديث كعب(334)، والله اعلم"اهـ(335).(1/117)
قلت: ما استصوبه الطبري رحمه الله، غير ظاهر لدي، فإن الرجل إذا تصدق بكل ماله وهو يعلم من حاله وحال عياله أنهم لا يصبرون، فقد اضاعهم، و"كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعيل"، فهل يجوز الاثم؟! أوَ يُخْتار؟!! بل الصواب - إن شاء اللّه تعالى - أنه لايجوز له أن يتصدّق بجميع ماله إذا كان محتاجاً أو لا يصبر، أو يعيل من لا يصبر، أو يضيعه، أو عليه ديْن. وصدقته ردٌّ عليه، كما هو ظاهر اختيار البخاري في ترجمة الباب التي أوردتها سابقاً حيث قال رحمه الله: "بَاب لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى. وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ"اهـ(336).
وقدّمت لك عبارة الموفق بن قدامة رحمه اللّه ومنها قوله: "وإن تصدق بما ينقص عن كفاية من تلزمه مؤنته ولاكسب له أثم؛ لقوله (: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يمون"(337)؛ ولأن نفقة من يمونه واجبة والتطوع نافلة، وتقديم النفل على الفرض غير جائز"اهـ(338).
وأمَّا حديث أبي بكر الصديق ( فهي خارج محل البحث، وكذا حديث كعب بن عجرة (، خاصة وأنه واقعة عين، والله اعلم.
الرابعة: على التقرير السابق يكون قوله تعالى: {ولاتبذر تبذيراً} من الآية الكريمة، متعلق بقوله تعالى: {وآت ذا القربى حقه ...}؛ إذ المعنى في {ولاتبذر تبذيراً} : ولاتنفق في غير حق ولو على ذي القربى واليتامى والمساكين، والنفقة بغير حق هي التي يحصل فيها إضاعة المُنْفِق عياله ومن يجب عليه نفقتهم.
وهذا التقرير خلاف ماذهب إليه بعض أهل العلم من أنه [ليس قوله: {ولاتبذر تبذيراً} متعلقاً بقوله {وآت ذا القربى حقه...} الخ؛ لأن التبذير لا يوصف به بذل المال في حقه، ولو كان أكثر من حاجة المُعْطَى (بالفتح).](339).(1/118)
قلت: التبذير انفاق المال في غير حقه، فلو أنفق المال في حقه، وكان أكثر من حاجة المُعْطَى لا يوصف بالتبذير، هذا صحيح مادام لا يحصل فيه اضاعة المنفق لمن يُعيل، أمّا إذا حصل ذلك فهذا تبذير؛ إذ صَرَفَ المال في غير حقه، فعدل إلى المستحب، وأضاع الواجب عليه. ومنه تعلم صحة تعلق جملة: {ولاتبذر تبذيراً} بجملة: {وآت ذا القربى حقه...}. ويتأكد هذا بما يلي:
ـ أن تمام الآية فيه تفسير التبذير وحد الإنفاق وهو المراد.
ـ أن هذا المعنى هو المراد بتفسير ابن عباس ( وابن مسعود ( للتبذير بأنه: "النفقة في غير حق".
المبحث التاسع
هل يملك المسكين ما لا يغنيه؟
قال الله تبارك وتعالى: { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فأردت أن أعيبها وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} الكهف:79.
احتج بهذه الآية من قال: المسكين أحسن حالاً من الفقير؛ إذ أخبر سبحانه وتعالى أن للمساكين سفينة من سفن البحر، وربما ساوت جملة من المال، فوصف سبحانه بالمسكنة من له سفينة تساوي مالاً(340).
ونوقش هذا الاستدلال بالأمور التالية:
أوّلاً: بأنه يحتمل أن تكون السفينة مستأجرة لهم، كما يقال: هذه دار فلان، إذا كان ساكنها، وإن كانت لغيره، وقد قال تعالى في وصف أهل النار: {ولهم مقامع من حديد} الحج:21، فأضاف المقامع إليهم. وقال تعالى: {ولاتؤتوا السفهاء أموالكم} النساء:5، وفي الحديث عن ابن عمر( عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"(341)، وهو كثير؛ يضاف الشيء إليه، وليس له. ومنه قولهم: مفتاح القفل، وباب الدار، وجل الدابة، وسرج الفرس، وشبهه.(1/119)
ثانياً: ويجوز أن يسموا مساكين على جهة الرحمة والاستعطاف. كما يقال فيمن امتحن بنكبة أو وقع في بلية: مسكين. وقال الشاعر:
عليها تراب الذل بين المقابر(342)
مساكين أهل الحب حتى قبورهم
ثالثاً: ويجوز أنه سبحانه وتعالى جعلهم مساكين بعد ذهاب سفينتهم، فهم مساكين لأن سفينتهم ذهب بها الملك.
رابعاً: ويجوز أنه وصفهم بالمسكنة لأن سفينتهم غير معتد بها في جنب ماكان لهم من المسكنة(343).
قلت: وجميع هذه المناقشات على خلاف ظاهر الآية، وسياقها. وبيان ذلك فيما يلي:
أمّا احتمال كونها مستأجرة، أو أنهم يعملون عليها لغيرهم؛ فالجواب عليه من وجوه: منها: أن ظاهر تصرّف العبد الصالح إنما كان لأنها لهم، إذ لو كانت لغيرهم لما لحقهم ضرر مباشر، ولما صح تعليل العبد الصالح فعله بكونه فعله لأن {السفينة كانت لمساكين يعملون في البحر}. ومنها: أن القول بأن السفينة مستأجرة لهم، لاينفي أن اللّه سبحانه وصفهم بالمسكنة مع كونهم يملكون ما لا يكفيهم، إذ يُقال حينئذ: هؤلاء يملكون ما يستأجرون به سفينه ومع ذلك وصفهم اللّه بأنهم مساكين. ومنها: أن القول بأنهم لا يملكون السفينة ولكنهم يعملون عليها، فيه أن اللّه وصفهم مع أن لهو عمل يدخل عليهم منه مال، ولكن لم يمنع ذلك من وصفهم بالمساكين.
فجميع ماورد في الأمر الأول من المناقشة فيه دليل على أنه يوصف بالمسكنة من يملك ما لايغنيه أو يكفيه.
أمّا احتمال أنهم وصفوا بالمسكنة من جهة الرحمة والاستعطاف؛ فالجواب عليه: بأن هذا وارد، وهو لا يمنع صحة الوصف بالمسكنة لمن يملك ما لا يكفيه؛ إذ الرحمة والاستعطاف في هذه الآية بسياقها هذا وجهها. إلا أن يقال: الوصف بالمسكنة استعطافاً ورحمة لوجه آخر، فعندها يقال: الأصل البقاء على الظاهر المتبادر حتى يبين خلافه.(1/120)
أما احتمال أنه جعلهم مساكين بعد ذهاب سفينتهم؛ فالجواب عليه: أنه هذا خلاف ظاهر السياق، وخلاف التعليل المذكور فيها؛ إذ علل العبد الصالح ما فعله في السفينة من عيب بكونها لهؤلاء المساكين! فكيف يقال: إنما وصفوا بالمساكين بعد ذهاب سفينتهم؟ ثم السفينة لم تذهب أصلاً بل نجت من الملك الذي كان يأخذ كل سفينة صالحة غصباً، لأنها لمّا عابت لم تعد صالحة، فلم يأخذها عليهم.
أمّا احتمال أن سفينتهم غير معتد بها في جنب ماكان لهم من المسكنة؛ فالجواب: هذا الاحتمال لا يخالف أن من يملك ما لايكفيه لا يمتنع وصفه بالمسكين، فالله عزوجل وصفهم بالمسكنة مع كونهم يملكون سفينة، إذ هي لا تكفيهم ولا يعتد بها في جنب ما كان لهم من المسكنة.
ومما يرشح أن المسكين يملك ما لا يكفيه، قوله تبارك وتعالى: {أو مسكيناً ذا متربة} البلد:16، إذ معناها: أو مسكيناً يصل حاله إلى أن يكون قد أفضى إلى التراب من شدة فاقته وعوزه.
قال الطبري رحمه اللّه في تفسير هذه الآية: "وأولى الأقوال في ذلك بالصحة: قول من قال: عني به: أو مسكيناً قد لصق بالتراب من الفقر والحاجة؛ لأن ذلك هو الظاهر من معانيه، وأن قوله: {متربة} إنما هو مفعلة من ترب الرجل: إذا اصابه التراب"اهـ(344).
ومفهوم هذا التقرير لمعنى الآية: أن من المساكين من يملك، ولكن لا يخرجه ذلك عن وصف المسكنة، فهو لم يصل حاله إلى اللصوق بالتراب من شدّة الفاقة والعوز(345)، والله اعلم واحكم.
المبحث العاشر
المسكين في كفارة الظهار(1/121)
قال الله تبارك وتعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن اللّه لعفو غفور. والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به، والله بما تعملون خبير. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود اللّه وللكافرين عذاب أليم} المجادلة:2ـ4.
في تفسير هذه الآية الوقفات التالية:
الأولى: [الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، إذا أراد أن يحرمها. وكان هذا طلاق الجاهلية، وكذلك الإيلاء، فجعل اللّه عزوجل له كفارة، ولم يعتد به طلاقاً.
وأصل هذه الكلمة: أنهم أرادوا: أنت علي كبطن أمي، يعني كجماعها، فكنّوا عن البطن بالظهر؛ لأنه عمود البطن، وللمجاورة. وقيل: إن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرماً عندهم، وكان أهل المدينة يقولون: إذا أُتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد الرجل المُطَلِّق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه شبهها بالظهر، ثم لم يقنع بذلك حتى جعلها كظهر أمه.
وإنما عُدِّي الظهار بـ "من"؛ لأنهم كانوا إذا ظاهروا من المرأة تجنبوها كما يتجنبون المطلقة، ويحترزون منها، فكأنما قوله: "ظاهر من امرأته" أي: احترز منها، واستوحش منها. ونظيره "آلى من امرأته" لمّا ضُمِّن معنى التباعد منها عُدِّي بـ "من".](346).
الثانية: سبب نزول حكم الظهار.(1/122)
عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: "ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكُو إِلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ: اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إِلَى الْفَرْضِ فَقَالَ: يُعْتِقُ رَقَبَةً
قَالَتْ: لَا يَجِدُ!
قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ!
قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ.
قَالَتْ: فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ!
قَالَ: قَدْ أَحْسَنْتِ اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ.
قال: والعرق ستون صاعاً"
قَالَ أَبُو دَاوُد: "فِي هَذَا إِنَّهَا كَفَّرَتْ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتَأْمِرَهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا [يعني: أوس بن الصامت] أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ."(347).(1/123)
الثالثة: في الآية والحديث سبب النزول أن الحكم في كفارة الظهار على الترتيب، وأن الكفارة واحدة في المظاهر يواقع قبل أن يكفر. ويؤكده ماجاء عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ: "قَالَ كُنْتُ امْرَأً أُصِيبُ مِنَ النِّسَاءِ مَا لَا يُصِيبُ غَيْرِي فَلَمَّا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ خِفْتُ أَنْ أُصِيبَ مِنِ امْرَأَتِي شَيْئًا يُتَايَعُ بِي حَتَّى أُصْبِحَ فَظَاهَرْتُ مِنْهَا حَتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَبَيْنَا هِيَ تَخْدُمُنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ نَزَوْتُ عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ خَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمُ الْخَبَرَ وَقُلْتُ: امْشُوا مَعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَالُوا: لَا وَاللَّهِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ؟
قُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - مَرَّتَيْنِ - وَأَنَا صَابِرٌ لِأَمْرِ اللَّهِ فَاحْكُمْ فِيَّ مَا أَرَاكَ اللَّهُ.
قَالَ: حَرِّرْ رَقَبَةً. قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَهَا وَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتِي. قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَ: وَهَلْ أَصَبْتُ الَّذِي أَصَبْتُ إِلَّا مِنَ الصِّيَامِ. قَالَ: فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا وَحْشَيْنِ مَا لَنَا طَعَامٌ(348).
قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيَّتَهَا.(1/124)
فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ: وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ وَوَجَدْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعَةَ وَحُسْنَ الرَّأْيِ وَقَدْ أَمَرَنِي أَوْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ"(349).
قال الترمذي رحمه اللّه: "باب في المظاهر يواقع قبل أن يكفر. ثم ساق حديث سلمة بن صخر مختصراً، ثم قال: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم. وهو قول سفيان الثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد وإسحاق. وقال بعضهم: إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان. وهو قول عبدالرحمن بن مهدي"اهـ(350).
قال ابن قيم الجوزية في معرض كلامه على الأحكام التي تضمكنتها أحاديث الظهار: "ومنها: أن الكفارة لا تسقط بالوطء قبل التكفير، و لا تتضاعف، بل هي بحالها كفارة واحدة، كما دلّ عليه حكم رسول الله ("اهـ(351).
الرابعة: في الآية والحديث جاء إطعام ستين مسكيناً.
واختلفت الروايات في ما يُطعمه كل مسكين، هل هو نصف صاع أو صاع؟. إذ جاء في حديث خويلة بنت مالك بن ثعلبة: أنه تصدّق بعرقين. والعرق خمسة عشر صاعاً. فيكون مقدار ما أطعم به ستين مسكيناً هو ثلاثين صاعاً، لكل مسكين نصف صاع.
وفي حديث سلمة بن صخر، أنه أمره ( أن يطعم ستين مسكيناً بوسق، والوسق ستون صاعاً. فيكون لكل مسكين صاعاً.
والظاهر بعد صحة الرواية جواز الأمرين، وأن المقصود اطعام ستين مسكينا.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن الله سبحانه وتعالى أطلق إطعام المساكين ولم يقيده بقدر، و لاتتابع، وذلك يقتضي أنه لو أطعمهم فغدّاهم وعشاهم من غير تمليك حب أو تمر؛ جاز، وكان ممتثلاً لأمر الله، وهذا قول الجمهور، ومالك وأبي حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وسواء أطعمهم جملة أو متفرقين"اهـ(352)، والله اعلم.
الخامسة: ذكر المسكين يشمل الفقير لأن لفظ الفقير ولفظ المسكين عند الإطلاق يشمل كل واحد منهما الآخر. كما بسط في المقصد الأول.(1/125)
قال ابن قدامة رحمه الله: "إن مستحق الكفارة هم المساكين، الذين يعطون من الزكاة لقوله تعالى: {فإطعام ستين مسكيناً}، والفقراء يدخلون فيهم لأن فيهم المسكنة وزيادة، ولا خلاف في هذا"اهـ(353).
وقال ابن القيم في معرض كلامه عن الأحكام التي تدل عليها الأحاديث في الظهار: "ومنها: أنه لا يجزئه دفع الكفارة إلا إلى المساكين، ويدخل فيهم الفقراء كما يدخل المساكين في لفظ الفقراء عند الإطلاق. وعمم أصحابنا وغيرهم الحكم في كل من يأخذ من الزكاة لحاجته، وهم أربعة: الفقراء والمساكين، وابن السبيل والغارم لمصلحته، والمكاتب. وظاهر القرآن اختصاصها بالمساكين فلا يتعداهم"اهـ(354).
السادسة: قال ابن القيم رحمه الله: "لابد من استيفاء عدد الستين، فلو أطعم واحداً ستين يوماً لم يجزه، إلا عن واحد، هذا قول الجمهور: مالك والشافعي، وأحمد، في إحدى الروايتين عنه. والثانية: أن الواجب إطعام ستين مسكيناً، ولو لواحد وهو مذهب أبي حنيفة. والثالثة: إن وجد غيره لم يجز، وإلا أجزأه، وهو ظاهر مذهبه، وهي أصح الأقوال"اهـ(355).
المبحث الحادي عشر
المسكين من مصارف الفيء
قال الله تبارك وتعالى: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا اللّه إن اللّه شديد العقاب} الحشر:7.
انظر ما يتعلق بتفسير الآية عند قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من اللّه ورضواناً وينصرون اللّه ورسوله أولئك هم الصادقون} الحشر:8.
المبحث الثاني عشر
إسقاط حق المسكين سبب للعقوبة(1/126)
قال الله تبارك وتعالى: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين. ولا يستثنون. فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون. فاصبحت كالصريم فتنادوا مصبحين. أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين. فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين. وغدوا على حرد قادرين. فلمّا رأوها قالوا إنا لضالون. بل نحن محرومون. قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون. قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين. فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون. قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين. عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنّا إلى ربنا راغبون} القلم: 17ـ32.
في تفسير هذه الآيات الوقفات التالية:
الأولى: قال البخاري رحمه الله: "قَالَ قَتَادَةُ: {حَرْدٍ}: جِدٍّ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَتَخَافَتُونَ}: يَنْتَجُونَ السِّرَارَ وَالْكَلَامَ الْخَفِيَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَضَالُّونَ}: أَضْلَلْنَا مَكَانَ جَنَّتِنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: {كَالصَّرِيمِ}: كَالصُّبْحِ انْصَرَمَ مِنَ اللَّيْلِ وَاللَّيْلِ انْصَرَمَ مِنَ النَّهَارِ وَهُوَ أَيْضًا كُلُّ رَمْلَةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ مُعْظَمِ الرَّمْلِ وَالصَّرِيمُ أَيْضًا الْمَصْرُومُ مِثْلُ قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ"اهـ(356).
الثانية: هؤلاء أصحاب الجنة قصدوا بقطع الثمار اسقاط حق المساكين فعاقبهم اللّه باتلاف ثمارهم(357).
الثالثة: في الحديث لمّا ذكر الأعمى والأبرص والأقرع، وما أنعم اللّه به عليهم من العافية، ثم ارسل إلى كل واحد منهم مسكيناً على هيئته الأولى؛ فالذي أكرم المسكين واعطاه حفظ اللّه عليه عافيته، وعقبه نعمته، والذي منع وبخل واستغنى واستكبر وادّعى أنه ورث ما هو فيه لكابرٍ عن كابر، صيّره اللّه إلى ما كان عليه من الحال الأول.(1/127)
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(358) أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الْأَبْرَصَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ . قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا. فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ. أَوْ قَالَ: الْبَقَرُ - هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِنَّ الْأَبْرَصَ وَالْأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا: الْإِبِلُ. وَقَالَ: الْآخَرُ الْبَقَرُ ـ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا.
وَأَتَى الْأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا.
وَأَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ. فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا.
فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ.(1/128)
ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي! فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ! فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟! فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي فَخُذْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ"(359).
قلت: من فوائد هذا الحديث: أن ترك الإحسان إلى الفقير، من أسباب العقوبة.(1/129)
قال ابن حجر رحمه اللّه عند ذكره لفوائد هذا الحديث: "وفي الحديث جواز ذكر ما اتفق لمن مضى ليتعظ به من سمعه ولايكون ذلك غيبة فيهم، ولعل هذا هو السر في ترك تسميتهم، ولم يفصح بما اتفق لهم بعد ذلك، والذي يظهر أن الأمر فيهم وقع كما قال الملك. وفيه التحذير من كفران النعم. والترغيب في شكرها والاعتراف بها وحمد اللّه عليها. وفيه فضل الصدقة والحث على الرفق بالضعفاء واكرامهم وتبليغهم مآربهم. وفيه الزجر عن البخل لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة اللّه تعالى"اهـ(360) .
المبحث الثالث عشر
من صفات المؤمنين أنهم يحفظون حق المسكين،
ومن صفات أهل النار أنهم لا يطعمون المسكين
قال الله تبارك وتعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} البقرة: 177.
وذكر اللّه تعالى من صفات المؤمنين أنهم ينفقون أموالهم بالليل سراً وعلانية.
قال الله تبارك وتعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة:274.
وبين أن إيتاء ذي القربى حقه، والمسكين حقه، وابن السبيل حقه، خير للذين يريدون وجه اللّه وأولئك هم المفلحون.
وقوله تبارك وتعالى: {فأت ذا القربى حقه، والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه اللّه وأولئك هم المفلحون} الروم:38.
وذكر من خصال أهل الجنة أنهم كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً لوجه الله.(1/130)
قال الله تبارك وتعالى: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً. عيناً يشرب بها عباد اللّه يفجرونها تفجيراً. يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً. ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً. إنما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً. إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً. فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً. وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً} الإنسان:5- 12.
و قال الله تبارك وتعالى: {إن المتقين في جنات وعيون. آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين. كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون. وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات: 15-19.
و قال الله تبارك وتعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم} المعارج: 24.
والآيات تقرر أن من صفات المؤمنين اطعام المسكين والحض عليه.
ففي قوله تبارك وتعالى: {إن المتقين في جنات وعيون. آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين. كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون. وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات: 15-19، تعليل لكون المؤمنين في جنات وعيون. فما هو سبب كونهم في هذه الجنات والعيون؟ الجواب: {إنهم كانوا قبل ذلك محسنين} ثم بيّن احسانهم في الدنيا: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون. وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}.
قال الطاهر بن عاشور: "جملة {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} بدل من جملة: {كانوا قبل ذلك محسنين} بدل بعض من كل؛ لأن هذه الخصال الثلاث هي بعض الإحسان في العمل.
وهذا كالمثال لأعظم إحسانهم، فإن ماذكر من أعمالهم دالٌ على شدّة طاعتهم لله، ابتغاء مرضاته، ببذل أشد ما يبذل على النفس، وهو شيئان:
أولهما: راحة النفس في وقت اشتداد حاجتها إلى الراحة، وهو الليل كله، وخاصة آخره، إذ يكون فيه قائم الليل قد تعب واشتد طلبه للراحة.(1/131)
وثانيهما: المال الذي تشح به النفوس غالباً.
وقد تضمنت هذه الأعمال الأربعة اصلي إصلاح النفوس، وإصلاح الناس. وذلك جماع ما يرمي إليه التكليف من الأعمال؛ فإن صلاح النفس تزكية الباطن والظاهر؛ ففي قيام الليل إشارة إلى تزكية النفس باستجلاب رضى اللّه تعالى.
وفي الاستغفار تزكية الظاهر بالأقوال الطيبة الجالبة لمرضاة اللّه عزوجل.
وفي جعلهم الحق في أموالهم للسائلين نفع ظاهر للمحتاج المظهر لحاجته.
وفي جعلهم الحق للمحروم نفع المحتاج المتعفف عن اظهار حاجته، الصابر على شدّة الاحتياج"اهـ(361).
قال رحمه اللّه: "وحق السائل والمحروم، هو النصيب الذي يعطونه إياهما. اطلق عليه لفظ الحق؛ إمّا لأن اللّه أوجب على المسلمين الصدقة بما تيسر قبل أن يفرض عليهم الزكاة، فإن الزكاة فرضت بعد الهجرة، فصارت الصدقة حقاً للسائل والمحروم. أو لأنهم الزموا بذلك أنفسهم حتى صار كالحق للسائل والمحروم.
وبذلك يُتأوّل قول من قال: إن هذا الحق هو الزكاة.
والسائل: الفقير المظهر فقره، فهو يسأل الناس.
والمحروم: الفقير الذي لا يُعطى من الصدقة لظن الناس أنه غير محتاج من تعففه عن اظهار الفقر. وهو الصنف الذي قال اللّه تعالى في شأنهم: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} [البقرة:273]. وقال النبي (: "ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى، ويستحي ولا يسأل الناس الحافاً"."اهـ(362).
قلت: الحديث الذي أشار إليه هو ما جاء عن أبي هريرة (، قال رسول الله ( : "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان و لا اللقمة ولا اللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف، واقرءوا إن شئتم: (قال أحد رواة السند وهو ابن أبي مريم:) يعني قوله: {لا يسألون الناس الحافاً}"(363).(1/132)
وفي رواية: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللفمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس"(364).
وفي رواية: "ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحي، أولا يسأل الناس الحافاً"(365).
وقد جاء في السنة مدح المسلم الذي يأخذ المال بحقه ويضعه في حقه، فيعطي منه المسكين واليتيم وابن السبيل.
عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ: "إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا.
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟(1/133)
فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُكَلِّمُكَ! فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَ: فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ فَقَالَ: "إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(366).(1/134)
وفي رواية: "إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ قِيلَ وَمَا بَرَكَاتُ الْأَرْضِ قَالَ زَهْرَةُ الدُّنْيَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ هَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ فَقَالَ أَيْنَ السَّائِلُ قَالَ أَنَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ قَالَ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلَّا بِالْخَيْرِ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرَةِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ"(367).
قلت: وظاهر الحديث فيه التمثيل لصنفين من الناس أمام المال وفتح الدنيا(368):
الصنف الأول: من يأخذ من هذا المال بغير حقه، ويضعه في غير حقه، فهذا يكون ماله سبباً في هلاكه، أو يقربه من الهلاك.
وهو المذكور في قوله ( : "إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ".
قوله: "يقتل حبطاً أو يلم" حبطاً: بفتح المهملة والموحدة والطاء المهملة أيضاً، والحبط انتفاخ البطن من كثرة الأكل، يقال: حبطت الدابة، تحبط حبطاً: إذا اصابت مرعى طيباً فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ فتموت. قوله: "يلم" بضم أوّله أي يقرب من الهلاك(369).(1/135)
فهذا الصنف هو المقصود بقوله ( "وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ"
وفي الرواية الأخرى: "وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
الصنف الثاني: من يأخذ المال بحقه ويضعه في حقه.
وهو المذكور في قوله: "إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرَةِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ".
ثلطت: أي ألقت ما في بطنها رقيقاً، لتعود فتأكله. وهذا يُسمى الاجترار.
والمعنى: أنها إذا شبعت فثقل عليها ما أكلت تحيلت في دفعه بأت تجتر فيزداد نعومة، ثم تستقبل الشمس فتحمى بها فيسهل خروجه؛ فإذا خرج زال الانتفاخ، فسلمت، وهذا بخلاف من لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعاً، وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رجيعها في بطنها.
وهذا الصنف هو المذكور في قوله (: "وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
وفي الرواية الأخرى: "وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ".
قال ابن حجر رحمه اللّه عند ذكره لفوائد هذا الحديث: "فيه الحض على إعطاء المسكين واليتيم وابن السبيل، وفيه أن المكتسب المال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل و لايشبع، وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنهم فيه. وأن اكتساب المال من غير حله وكذا إمساكه عن إخراج الحق منه سبب لمحقه، فيصير غير مبارك كما قال تعالى: {يمحق اللّه الربا ويربي الصدقات} [البقرة:276]."اهـ(370).(1/136)
مسألة: في قوله تبارك وتعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} الإنسان: 8، جواز اعطاء الأسير المشرك، من الصدقات، وهل يجوز اعطاء الكافر من الصدقات؟ سيأتي بحث هذه المسألة في المقصد الثالث إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر اللّه تعالى من صفات أصحاب الجحيم أنهم لا يطعمون المسكين، و لايحضون على ذلك.
قال الله تبارك وتعالى: {وأمّا من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. ياليتها كانت القاضية. ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانية. خذوه فغلوه. ثم الجحيم صلوه. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه. إنه كان لايؤمن بالله العظيم. ولايحض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا حميم} الحاقة:25-35.
و قال الله تبارك وتعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة. إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون. عن المجرمين. ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين} المدثر: 38-47.
و قال الله تبارك وتعالى: {فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن. وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن. كلا بل لا تكرمون اليتيم. ولا تحاضون على طعام المسكين. وتأكلون التراث أكلاً لمّا وتحبون المال حباً جمّاً} الفجر: 15-20.
و قال الله تبارك وتعالى: {أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدع اليتيم. و لايحض على طعام المسكين} الماعون:1-3.
والآيات تقرر أن من صفات أهل النار تركهم بذل أو إطعام المسكين، والحض عليه. وأزيده بياناً في الوقفات التالية:
الأولى : في قوله تعالى: {إنه كان لايؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام المسكين} الحاقة: 33-34؛ فإنه تعليل على طريق الاستئناف، وهو أبلغ، كأنه قيل: ماله يعذب هذا العذاب الشديد؟(371) فأجيب: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم. ولايحض على طعام المسكين.(1/137)
الثانية: قال في الكشاف(372): "في قوله: {ولايحض على طعام المسكين} دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين:
…أحدهما: عطفه على الكفر، وجعله قرينة له.
…والثاني: ذكر الحض دون الفعل؛ ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل.
ثم قال: وقيل: هو منع الكفار، وقولهم: أنطعم من لو يشأ اللّه أطعمه؟"اهـ.
الثالثة: وفي تخصيص هذه الخلة من خلال الكافر بالذكر تنبيه إلى أنها من أضر خلال البشر؛ إذا كثرت في قوم هلك مساكينهم(373).
قال البيضاوي رحمه الله: "ولعل تخصيص الأمرين بالذكر؛ لأن أقبح العقائد: الكفر بالله تعالى. وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب"اهـ(374).
قال الشهاب رحمه اللّه معلقاً على كلام البيضاوي: "قوله: "الكفر بالله": في قوله {لايؤمنون بالله العظيم}.
والبخل: في عدم بذل الطعام.
والقسوة: من منع المسكين الذي هو محل المرحمة.
يريد أنه جمع بهذين أقبح العقائد، وأقبح الأعمال، فدل على ما عداهما بطريق الأولى"اهـ(375).
قال ابن عاشور رحمه الله: "نفي حضه على طعام المسكين يقتضي بطريق الفحوى أنه لا يطعم المسكين من ماله، فالمعنى لا يطعم المسكين و لا يأمر باطعامه"اهـ(376).
وقال: "و إذ قد جعل عدم حضه على طعام المسكين جزء علّة لشدة عذابه؛ علمنا من ذلك موعظة للمؤمنين زاجرة عن منع المساكين حقهم في الأموال، وهو الحق المعروف في الزكاة والكفارات وغيرها"اهـ(377).
الرابعة: في قوله تعالى : {كل نفس بما كسبت رهينة. إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون. عن المجرمين. ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ...} المدثر: 38-47.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: "أجاب المجرمون بذكر اسباب الزج بهم في النار؛ لأنهم ماظنوا إلا ظاهر الاستفهام، فذكروا أربعة أسباب هي أصول الخطايا، وهي:
أنهم لم يكونوا من أهل الصلاة، فحرموا أنفسهم من التقرب إلى الله.(1/138)
وأنهم لم يكونوا من المطعمين المساكين، وذلك اعتداء على ضعفاء الناس، بمنعهم حقهم في المال.
وأنهم كانوا يخوضون خوضهم المعهود الذي لا يعدو عن تأييد الشرك، واذى الرسول ( والمؤمنين.
وأنهم كذبوا بالجزاء فلم يتطلبوا ما ينجيهم، وهذا كناية عن عدم إيمانهم، سلكوا بها طريق الاطناب المناسب لمقام التحسّر والتلهف على ما فات، فكأنهم قالوا: لأنا لم نكن من المؤمنين، لأن أهل الإيمان اشتهروا بأنهم أهل الصلاة، وبأنهم في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، وبأنهم يؤمنون بالآخرة، وبيوم الدين، ويصدقون الرسل. وقد جمعها قوله تعالى في سورة البقرة: {هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون}"اهـ(378).
قلت: وقد جاء في السنة الحث على اطعام الطعام، ويدخل فيه دخولاً أوّلياً الحث على اطعام المسكين.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ"(379).(1/139)
والحديث دليل بالمفهوم أن من لم يطعم الطعام - ويدخل فيه دخولاً أوّلياً اطعام المساكين - لم يدخل الجنة بسلام. وهذا المفهوم جاء صريحاً في منطوق بعض الآيات الكريمات السابقات.
المبحث الرابع عشر
إطعام المسكين عقبة (مجاهدة للنفس)
قال الله تبارك وتعالى: {فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة. أو مسكيناً ذا متربة} البلد:11ـ16.
المعنى: لم يقتحم هذا الإنسان الذي ينفق ماله في الشهوات والمعاصي العقبة، ولم يعبر عليها؛ لأنه متبع لهواه.
وهذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر هذه العقبة بقوله: {وما إدراك ما العقبة. فك رقبة} أي: فكاكها من الرق، بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار. {أو إطعام في يوم ذي مسغبة} أي: مجاعة شديدة، بأن يطعم وقت الحاجة أشد الناس حاجة. {يتيماً ذا مقربة} جامعاً بين كونه يتيماً وفقيراً ذا مقربة. {أو مسكيناً ذا متربة} أي: قد لزق بالتراب من الحاجة والضرورة(380).
فالعقبة هي أعمال البر المذكورة، وهي التالية:
ـ فك رقبة.
ـ أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيماً ذا مقربة.
ـ أو إطعام في يوم ذي مسغبة، مسكيناً ذا متربة.
قال الواحدي رحمه الله: "{فلا اقتحم العقبة} أي: لم يقتحمها و لا جاوزها.
والاقتحام: الدخول في الأمر الشديد.
وذكر العقبة ها هنا، مثل ضربه اللّه تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، يقول: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام"اهـ(381).
وقيل غير ذلك(382).
وكون أعمال البر المعنون لها في الآية بـ {فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة} عقبة فيها مجاهدة للنفس، جاء وصفه بالمكاره في الحديث النبوي، إذ طريق الجنة كله مكاره، تكرهه النفس.(1/140)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ"(383).
و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ"(384).
بل وذكرت المكاره في مواضع الوضوء.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ"(385).
وهذا يفيد أن أعمال البر المذكورة في الآية من باب تخصيص بعض أفراد العام بالذكر، اهتماماً بشأنه، وتعظيماً لقدره، لكونها أشد أعمال البر على النفس كرهاً أن تفعله: بذل المال من أجل فك الرقاب، أو بذله من أجل اطعام القريب اليتيم، أو المسكين الشديد الحاجة والضرورة، في وقت المسغبة والمجاعة.
المبحث الخامس عشر
الرسول ( يحث على حب المساكين ويسأل اللّه المسكنة(1/141)
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "احْتُبِسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ الشَّمْسِ فَخَرَجَ سَرِيعًا فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ فَقَالَ لَنَا: "عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ أَنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي فَاسْتَثْقَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ.
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ!
قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ!
قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟
قُلْتُ: لَا أَدْرِي رَبِّ! قَالَهَا ثَلَاثًا. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ؛ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ!
قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ!
قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟
قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ.
قَالَ: مَا هُنَّ؟
قُلْتُ: مَشْيُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ.
قَالَ: ثُمَّ فِيمَ؟
قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَلِينُ الْكَلَامِ وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ.(1/142)
قَالَ: سَلْ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا"(386).
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ"(387).
قال ابن رجب رحمه الله، في شرحه لحديث معاذ ( في اختصام الملأ الأعلى: "قوله: "حب المساكين" هذا قد يقال: إنه من جملة فعل الخيرات، وإنما أفرده بالذكر لشرفه وقوة الاهتمام به، كما أفرد أيضاً ذكر حب الله تعالى، وحب من يحبه، وحب عمل يبلغه إلى حبه، وذلك أصل فعل الخيرات كلها.
وقد يقال: إنه طلب من الله عزوجل أن يرزقه أعمال الطاعات بالجوارح وترك المنكرات بالجوارح، وأن يرزقه ما يوجب له ذلك، وهو حبه وحب من يحبه وحب عمل يبلغه حبه.(1/143)
فهذه المحبة بالقلب موجبة لفعل الخيرات بالجوارح، ولترك المنكرات بالجوارح، وسأل الله تعالى أن يرزقه المحبة فيه، فقد تضمن هذا الدعاء: سؤال حب الله عزوجل، وحب أحبابه، وحب الأعمال التي تقرب من حبه والحب فيه، وذلك مقتضى فعل الخيرات كلها. وتضمن ترك المنكرات والسلامة من الفتن وذلك يتضمن اتناب الشر كله، فجمع هذا الدعاء طلب خير الدنيا والآخرة.
والمقصود أن حب المساكين أصل الحب في الله تعالى؛ لأن المساكين ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم لأجله، فلا يحبَّون إلا لله عزوجل. والحب في الله من أوثق عرى الإيمان(388)، ومن علامات ذوق حلاوة الإيمان(389)، وهو صريح الإيمان(390)، وهو أفضل الإيمان(391)، وهذا كله مروي عن النبي ( أنه وصف به الحب في الله تعالى"اهـ(392).
وقد قدّمت لك ذكر فوائد محبة المساكين فانظرها في المقصد الأوّل.
والرسول ( حث على محبة المساكين، وسأل اللّه عزوجل أن يحيه مسكيناً.
عن أنس بن مالك ( قال: قال رسول اللّه (: "اللهم احيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" (393).
قال البيهقي رحمه اللّه تعالى: "الذي يدل عليه حاله ( عند وفاته أنه لم يسأل حال المسكنة التي يرجع معناها إلى القلة، وإنما سأل المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع، فكأنه ( سأل اللّه تعالى أن لا يجعله من الجبارين المتكبرين وأن لا يحشر في زمرة الأغنياء المترفين"اهـ(394).
فهو رحمه الله يقرر أن المسكنة التي سألها الرسول ( ترجع إلى معنى التواضع والاستكانة في القلب، وهذا المعنى صحيح، ولكن سياق الحديث يدل على أن المراد فيه المسكنة التي تعود إلى معنى الكفاف، دون غنى مطغي.
قال ابن رجب رحمه اللّه : "وقد يطلق اسم المسكين ويراد به من استكان قلبه للّه عزوجل، وانكسر له، وتواضع لجلاله، وكبريائه، وعظمته، وخشيته، ومحبته، ومهابته.(1/144)
وعلى هذا المعنى حمل بعضهم الحديث المروي عن النبي ( أنه قال: "اللهم احيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين"، خرّجه الترمذي من حديث أنس، وخرّجه ابن ماجه من حديث ابن عباس(395).
وفي حمله على ذلك نظر؛ لأن في تمام حديثيهما ما يدل على أن المراد به المساكين من المال، لأنه ذكر سبقهم الأغنياء إلى الجنة(396)، مع أن في إسناد الحديثين ضعفاً"اهـ(397).
قلت: ماذكره ابن رجب رحمه الله ـ من أن المسكنة التي سألها الرسول ( في هذا الدعاء هي المسكنة من المال ـ هو الظاهر، والمراد أن لا يجاوز به الكفاف، وقد جاء ما يشهد لهذا المعنى من حديث أبي هريرة ( قال رسول الله ( : "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً"(398).
ومعنى الحديث: أنه ( سأل ربه حالة الكفاف، وهي حالة سليمة من الغنى المطغي، والفقر المؤلم، وصاحبها معدود في الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا، بل يجاهد نفسه في الصبر عن القدر الزائد على الكفاف، فلم يفته من حال الفقر إلا السلامة من قهر الحاجة وذل المسألة(399).
فالمسكنة التي سألها الرسول ( تعود إلى حالين:
الأولى: المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع، فكأنه ( سأل اللّه تعالى أن لا يجعله من الجبارين المتكبرين وأن لا يحشر في زمرة الأغنياء المترفين، كما قال البيهقي رحمه الله.
الثانية: المسكنة التي ترجع إلى حالة الكفاف، وهي حالة سليمة من الغنى المطغي، والفقر المؤلم، وصاحبها معدود في الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا، بل يجاهد نفسه في الصبر عن القدر الزائد على الكفاف، فلم يفته من حال الفقر إلا السلامة من قهر الحاجة وذل المسألة(400).
وقال القرطبي رحمه الله: "معنى الحديث: أنه طلب الكفاف؛ فإن القوت ما يقوت البدن، ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعاً، والله اعلم"اهـ(401).(1/145)
وفي الحديث "دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك، رغبة في توفر نعيم الآخرة، وإيثاراً لما يبقى على ما يفنى؛ فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك"(402).
المبحث السادس عشر
زكاة الفطر طُعْمة للمساكين
قال الله تبارك وتعالى:{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة:61.
عموم هذه الآية الكريمة يشمل صدقة الفطر (زكاة الفطر) فكان مصرفها مصرف سائر الزكوات.
وهذا مذهب أبي حنيفة(403) ومالك(404) والشافعي(405) وأحمد(406) وابن حزم(407) من الظاهرية، رحم الله الجميع.
وعورض الاستدلال بعموم الآية السابقة بما يلي:
عورض بما جاء عن ابن عباس ( قال: فرض رسول الله ( زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرّفث، وطعمة للمساكين، من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" أخرجه أبوداود(408).
والحديث نص في أن زكاة الفطر حق للمساكين. وفيه دلالة على أن زكاة الفطر تجري مجري الكفارات؛ لأن سببها هو البدن لا المال: "طهرة للصائم من اللغو والرفث"، والكفارات لا تصرف للأصناف المذكورين في الآية: (إنما الصدقات...( إنما تصرف للمساكين فقط، ولهذا أوجبها الله طعاماً كما أوجب الكفارة طعاماً، وعلى هذا فلا يجزيء إطعام صدقة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة. وهم الآخذون لحاجة أنفسهم، فلا يعطى منها في المؤلفة و لا الرقاب، و لا غير ذلك(409) .
قال ابن تيمية رحمه الله: "وهذا القول أقوى في الدليل"اهـ(410).(1/146)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "كان من هديه ( تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، و لا أمر بذلك، ولا فعله أحد من الصحابة، ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا: أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة، وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية"اهـ(411).
أمّا الآية: (إنما الصدقات ...( [فلا دليل فيها على أن مصرف زكاة الفطر هو مصرف الزكاة المفروضة؛ لأن "ال" في الآية في "الصدقات" إنما هي "ال" للعهد الذكري، فقد سبق في سياق الآية ذكر صدقة الأموال في الآية قبلها، وذلك قوله تعالى: ( ومنهم من يلمزك في الصدقات؛ فإن أعطوا منها رضوا( وهذه الصدقات المذكورة هي صدقة الأموال، فلفظ "الصدقات" في الآية التي بعدها وهي: (إنما الصدقات...( إنما المراد به صدقة الأموال](412)؛ لأن القاعدة: أن اللفظ إذا تكرر في نص مرّتين معرفاً فالثاني هو الأول، حملاً له على العهد الذكري(413).
فهذا يقوي أن زكاة الفطر تصرف للفقراء والمساكين، دون سائر الأصناف المذكورين في الآية.
قلت: هذا مجمل ما عورض به الاستدلال بالآية على أن مصرف زكاة الفطر، هو مصرف الزكاة المفروضة، زكاة المال. والذي يترجّح - عندي والله اعلم -: أن مصرف زكاة الفطر هو مصرف الزكاة المفروضة، ولا يجب استيعاب الأصناف المذكورة في الآية، ولاتصرف للمؤلفة قلوبهم والعاملين عليها؛ لأن المسلم يصرفها بنفسه أو من يوكله، ولأن مصرف المؤلفة قلوبهم إلى الإمام(414).
ويترشح ذلك بالأمور التالية:(1/147)
1ـ لأن آية المصارف: (إنما الصدقات...( شاملة لصدقة الفطر، فهي داخلة في عمومها. ولا يقال: هي في الزكاة المفروضة بدلالة السياق؛ لأننا نقول: إن القول بأن "ال" في "الصدقات" للعهد الذكري، وهو يعود إلى صدقة الأموال، المتقدم ذكرها في سيباق الآية قبلها؛ لا يعني أن زكاة الفطر غير داخلة في عموم الآية، إذ ما تخرج منه زكاة الفطر هو من الأموال أيضاً، ويمكن القول: إن العهد اذكري يرجع إلى عموم الصدقات، لا إلى صدقة الأموال بعينها، إذ العبرة بعموم اللفظ.
2ـ ولأن حديث: "طُعمة للمساكين" لا يفيد التخصيص، لأنه من ذكر بعض أفراد العموم، وهو ىلا يفيد التخصيص، إنما يفيد مزيد الاهتمام والرعاية لهذا الصنف.
قال ابن الشوكاني رحمهما الله: "ومصرفها (أي: زكاة الفطر) مصرف الزكاة، إذ هي منها، ويقدّم الفقراء للأمر باغنائهم عن السؤال في ذلك اليوم"اهـ(415).
ويؤكده أنه قد ورد في الزكاة المفروضة: "تؤخذ من أغنيائهم وتعطى لفقرائهم"، ولم يلزم منه تخصيص الفقراء دون غيرهم بالمصرف، وإنما خرج مخرج الغالب، أو لمزيد الاعتناء.
3ـ ولأن البقاء على العموم وإعماله أولى من تركه لمجرد عدم نقل البقاء عليه عن الصحابة؛ لأن عدم النقل لايعني عدم الوجود في نفس الأمر.
4ـ ولأن القول بأن زكاة الفطر تجري مجرى الكفارات، فلا تُعطى إلا للفقراء والمساكين؛ هو اجتهاد في مقابلة عموم نص، فلا يلتفت إليه.
ويمكن أن يقال إن جريان زكاة الفطر مجرى الكفارات، إنما هو كجريان زكاة الأموال في ذلك، قال تبارك وتعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم( التوية:103؛ فكما لم يلزم من كون الزكاة المفروضة طهرة وزكاة لأصحابها أن يجرى بها مجرى الكفارات، فكذا زكاة الفطر، هي "طهرة للصائم من الرفث"، ولايلزم من ذلك أن يكون مصرفها كالكفارة.(1/148)
فمصارف زكاة الأموال تشمل بعمومها زكاة الأبدان، ويخرج منها مصرف العاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، لأن هذا مرجعه إلى الإمام، وزكاة الفطر يخرجها صاحبها بنفسه أو من يوكله فلا وجود لمصرف العاملين عليها فيها. وباب الكفارات غير باب الزكاة، والله اعلم.
المبحث السابع عشر
المسكين في فدية الأذى
عن مُجَاهِدٌ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا فَقَالَ: يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: فَاحْلِقْ رَأْسَكَ. أَوْ قَالَ: احْلِقْ.
قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (فمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ...( إِلَى آخِرِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ"
وفي رواية عَنه به، قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ. قَالَ: وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ فَجَعَلَتْ الْهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ("(416).
وهنا المسائل التالية:
الأولى: فيه أن فدية الأذى على التخيير، بين هذه المذكورات، وهي: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو أن ينسك بما تيسر.(1/149)
قال النووي رحمه الله: "روايات الباب كلها متفقة في المعنى، ومقصودها: أن من احتاج إلى حلق الرأس لضرر من قمل أو مرض أو نحوهما، فله حلقه في الإحرام وعليه الفدية. قال الله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو نسك( [البقرة: ]، وبيّن النبي ( أن الصيام ثلاثة أيام والصدقة ثلاثة آصع لستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، والنسك شاة، وهي شاة تجزيء في الأضحية. ثم إن الآية الكريمة والأحاديث متفقة على أنه مخير بين هذه الأنواع الثلاثة. وهكذا الحكم عند العلماء، أنه مخير بين الثلاثة. وأمّا قوله في رواية: "هل عندك نسك؟ قال: ما أقدر عليه! فأمره أن يصوم ثلاثة أيام" فليس المراد به أن الصوم لا يجزيء إلا لعادم الهدي، بل هو محمول على أنه سأل عن النسك، فإن وجده أخبره بأنه مخير بينه وبين الصيام، والإطعام، وإن عدمه فهو مخير بين الصيامك والإطعام"اهـ(417).
الثانية: أن الصدقة على المساكين في فدية الأذى تكون بثلاثة آصع، وهو الفرق، فيكون لكل مسكين نصف صاع. وظاهره أن هذا عام في كل شيء، سواء كان حنطة أو تمراً أو غيرهما.
وقد جاء في رواية عند مسلم: "أو إطعام ستة مساكين، نصف صاع طعام لكل مسكين". وفي رواية عنده أيضا: "أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين".
وفي هذه الروايات ردٌ على من قال: إن نصف نصف الصاع لكل مسكين إنما هو في الحنطة، فأمّا التمر والشعير وغيرهما فيجب صاع لكل مسكين. وكذا على من قال: أنه يجب اطعام عشرة مساكين، أو صوم عشرة أيام. وكذا على من قال: إن لكل مسكين مد من الحنطة، ونصف صاع من غيره(418).
الثالثة: أن إخراج هذه الفدية لا يشترط له الحرم، فله أن ينسك بما تيسر في المحل الذي احتاج فيه إلى حلق رأسه من حل أو حرم، و له أن يصوم في أي مكان، كما له أن يتصدق على الفقراء في المكان الذي احتاج إلى حلق شعر رأسه فيه، من حلّ أو حرم؛ فلا يطلب فيها خصوص فقرا ء الحرم.(1/150)
الرابعة: المراد بالمساكين أصحاب الحاجة، فيدخل فيهم الفقراء، لما سبق تقريره من أن لفظ "المسكين" ولفظ "الفقير"، إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا.
الخامسة: هذا الحديث من باب بيان السنة لمجل القرآن، فإن الآية الكريمة ليس فيها تحديد مدة الصوم، وليس فيها تحديد مقدار الصدقة للمساكين، وليس فيها تحديد النسيكة، فجاءت السنة وبينت ذلك.
المقصد الثالث
مسائل منثورة
حول الفقير والمسكين
مسائل متعلقة بالفقير والمسكين
في هذا المقصد أورد جملة من المسائل المتعلقة بالفقير والمسكين، والتي لم تورد في المقصدين السابقين، مع ملاحظة أن لفظ الفقير عند الإطلاق يدخل فيه المسكين، ولفظ المسكين عند الإطلاق يدخل فيه الفقير.
وهذه المسائل هي التالية:
المسألة الأولى : أحوال الفقر.
المسألة الثانية : أيهما أفضل الفقير الصابر أو الغني الشاكر؟
المسألة الثالثة : حد الفقر الذي تجوز معه المسألة وأخذ الصدقة.
المسألة الرابعة : إذا ادّعى الفقر من لم يعرف بالغنى.
المسألة الخامسة : هل تجب صدقة الفطر على الفقير؟
المسألة السادسة : يعطى أصحاب الحاجة مطلقاً.
المسألة السابعة : لا جزية على فقير عاجز.
المسألة الثامنة : تجوز صدقة التطوّع على الفقير الكافر.
المسألة التاسعة : طلب رفع وصف الفقر فرض بقدر الحاجة.
المسألة العاشرة : فقراء الحرم.
المسألة الحادية عشر : فقراء الصحابة.
وإليك البيان:
المسألة الأولى
أحوال الفقر
[اعلم أن الفقر عبارة عن فقد ما هو محتاج إليه. أمّا فقد مالا حاجة إليه فلا يسمى فقراً. وإن كان المحتاج إليه موجوداً مقدوراً عليه لم يكن المحتاج فقيراً.(1/151)
وإذا فهمت هذا لم تشك في أن كل موجود سوى الله تعالى فهو فقير؛ لأنه محتاج إلى دوام الوجود في ثاني الحال، ودوام وجوده مستفاد من فضل الله تعالى وجوده؛ فإن كان في الوجود موجود ليس وجوده مستفاد له من غيره فهو الغني المطلق. و ليتصور أن يكون مثل هذا الموجود إلا واحداً، فليس في الوجود إلا غني واحد، وكل من عداه فإنهم محتاجون إليه ليمدوا وجودهم بالدوام، وإلى هذا الحصر الإشارة بقوله تعالى: {والله الغني وأنتم الفقراء} [محمد:38].
وكل فاقد للمال فإنا نسميه فقيراً بالإضافة إلى المال الذي فقده إذا كان ذلك المفقود محتاجاً إليه في حقه. ثم يتصوّر أن يكون له خمسة أحوال عند الفقر، ونحن نميزها ونخصص كل حال باسم لنتوصل بالتمييز إلى ذكر أحكامها:
الحالة الأولى: وهي العليا: أن يكون بحيث لو أتاه المال لكرهه وتأذّى به، وهرب من أخذه مبغضاً له، ومحترزاً من شرّه، وشغله وهو الزهد، واسم صاحبه الزاهد.
الثانية: أن يكون بحيث لا يرغب فيه رغبة يفرح لحصوله و لا يكرهه كراهة يتأذى بها ويزهد فيه لو أتاه. وصاحب هذه الحال يسمّى راضياً.
الثالثة: أن يكون وجود المال أحب إليه من عدمه لرغبة له فيه، ولكن لم يبلغ من رغبته أن ينهض لطلبه بل إن أتاه صفواً عفواً أخذه وفرح به، وإن افتقر إلى تعب في طلبه لم يشتغل به، وصاحب هذه الحالة نسميه قانعاً، إذ قنّع نفسه بالموجود حتى ترك الطلب مع ما فيه من الرغبة الضعيفة.
الرابعة: أن تركه الطلب لعجزه، وإلا فهو راغب فيه رغبة لو وجد سبيلاً إلى طلبه، ولو بالتعب لطلبه، أو هو مشغول بالطلب، وصاحب هذه الحالة نسميه بالحريص.
الخامسة: أن يكون ما فقده من المال مضطراً إليه كالجائع الفاقد للخبز والعاري الفاقد للثوب، ويسمى صاحب هذه الحالة مضطراً، كيفما كانت رغبته في الطلب إمّا ضعيفة وإمّا قوية، وقلما تنفك هذه الحالة عن الرغبة.(1/152)
فهذه خمسة أحوال: أعلاها الزهد والاضطرار إن انضم إليه الزهد، وتصوّر ذلك فهو أقصى درجات الزهد.
ووراء هذه الأحوال الخمسة حالة هي أعلى من الزهد، وهي أن يستوي عنده وجود المال وفقده، فإن وجده لم يفرح به ولم يتأذ، وإن فقده فكذلك. فمن هذه حاله لو كانت الدنيا بحذافيرها في يده وخزائنه لم تضره، إذ هو يرى الأموال في خزانة الله تعالى، لا في يد نفسه، فلا يفرق بين أن تكون في يده أو يد غيره، وينبغي أن يسمى صاحب هذه الحالة المستغني لأنه غني عن فقد المال ووجوده جميعاً.
فقد عرفت إذن أن المراتب ست، وأعلاها رتبة المستغني ثم الزاهد ثم الراضي ثم القانع ثم الحريص.
وأمّا المضطر فيتصوّر في حقه أيضاً الزهد والرضا والقناعة، ودرجته تختلف بحسب اختلاف هذه الأحوال.
واسم الفقير يطلق على هذه الخمسة. أمّا تسمية المستغني فقيراً فلا وجه لها بهذا المعنى، بل إن سُمِّي فقيراً فبمعنى آخر، وهو معرفته بكونه محتاجاً إلى الله تعالى في جميع أموره عامة، وفي بقاء استغنائه عن المال خاصة؛ فيكون اسم الفقير له كاسم العبد لمن عرف نفسه بالعبودية، وأقر بها، فإنه أحق باسم العبد من الغافلين. وإن كان اسم العبد عامّاً للخلق فكذلك اسم الفقير عام، ومن عرف نفسه بالفقر إلى الله تعالى، فهو أحق باسم الفقير، فاسم الفقير مشترك بين هذين المعنيين](419)، والله اعلم.
المسألة الثانية
أيهما أفضل الفقير الصابر، أو الغني الشاكر؟(420).
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "تذاكروا هذه المسألة عند علي بن معاذ، فقال: لا يوزن غداً الفقر ولا الغنى، إنما يوزن الصبر والشكر.(1/153)
وقال غيره: هذه المسألة محال من وجه آخر، وهو أن كلا من الغني والفقير لا بد له من صبر وشكر؛ فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونص شكر. بل قد يكون نصيب الغني وقسطه من الفقر أوفر؛ لأنه يصبر عن قدرة، فصبره أتم من صبر من يصبر عن عجز. ويكون شكر الفقير أتم؛ لأن الشكر هو استفراغ الوسع في طاعة الله، والفقير أعظم فراغاً للشكر من الغني فكلاهما لا تقوم قائمة إيمانه إلا على ساقي الصبر والشكر.
نعم؛ الذي يحكي الناس من هذه المسألة: فرعاً من الشكر، وفرعاً من الصبر. وأخذوا في الترجيح بينهما، فجردوا غنياً متعففاً متصدقاً باذلاً ماله في وجوه القرب شاكراً الله عليه، وفقيراً متفرغاً لطاعة الله ولأوراد العبادات من الطاعات صابراً على فقره، فهل هو أكمل من ذلك الغني أم الغني أكمل منه؟
فالصواب في مثل هذا: أن أكملهما أطوعهما، فإن تساوت طاعتهما تساوت درجاتهما، والله اعلم"اهـ(421).
فإن قيل: ثبت في الحديث دخول الفقراء قبل الأغنياء إلى الجنة، وهذا يفيد فضيلة الفقر.
فالجواب: [إن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة لخفة الحساب ثم إذا دخل الأغنياء الجنة فكل واحد يكون في منزلته على قدر حسناته وأعماله](422).
قال ابن حجر رحمه الله: "التحقيق عند أهل الحذق: أن لا يجاب في ذلك بجواب كلي بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والأحوال(423).
نعم؛ عند الاستواء من كل جهة، وفرض رفع العوارض بأسرها فالفقير أسلم عاقبة في الدار الآخرة، ولاينبغي أن يعدل بالسلامة شيء، والله اعلم"اهـ(424).
ويتأيد هذا بأنه حال النبي ( ، وقد علم أن ما اختاره الله لنبيه ( هو الأفضل(425). بل هو الحال الذي سأله ( لنفسه، لمّا قال: "اللهم احيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" (426).
فإن قيل: استعاذ رسول الله ( من الفقر؟(1/154)
فالجواب: الذي تعوّذ منه رسول الله ( هو فقر النفس، أو الفقر المؤلم الذي يؤدي إلى قهر الحاجة، وذل المسألة. أمّا الفقر بمعنى الاقتصار على ما يسد ضرورة العيال، فهذه صورة الكفاف، وهي سالمة من الغنى المطغي، والفقر المؤلم، وصاحبها معدود من الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا، بل يجاهد نفسه في الصبر على القدر الزائد عن الكفاف، وقد قال (: "قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع"(427).
ولهذا قال ( : "اللهم اجعل رزق آل محمد [(] قوتا" (428).
المسألة الثالثة
?I C???? C??? E??? ??? C?????E ??I? C??I?E
للفقر إطلاقات ثلاثة وهي التالية:
الأول : الفقر بمعنى حاجة الإنسان إلى غيره، وهذا الفقر المطلق، ويقابله الغنى المطلق وهو لله، فالناس كلهم كثير المال منهم وقليله، القوي منهم والضعيف، صاحب النسب ومن لانسب له؛ كلهم فقير، محتاج إلى غيره، والله هو الغني المطلق الذي لا يحتاج إلى أحد مهما كان، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء.
وظاهر أن الفقر بهذا المعنى لا تجوز معه المسألة، ولا أخذ الصدقة.
الثاني: الفقر بمعنى فقر النفس والقلب، ويقابله غنى النفس.
و لايجوز لمن هذا حاله المسألة، ولا أخذ الصدقة.
الثالث: الفقر بمعنى قلّة المال، ويقابله الغنى بكثرة المال. وهو على نوعين:
…النوع الأوّل: قليل المال مع وجود القوت والكفاف، سواء وجبت عليه الزكاة المفروضة أم لا.
…النوع الثاني: قلة المال مع فقد القوت والكفاف.
والفقر بهذا الإطلاق على النوع الأوّل منه لا تجوز معه المسألة ولا أخذ الصدقة. وعلى النوع الثاني منه تجوز معه المسألة وأخذ الصدقة.
وهذا التقرير يفيد أن الراجح جواز المسألة وقبول الصدقة لمن لم يجد الكفاية، وهو مذهب مالك(429)والشافعي(430)ورواية عن أحمد(431)، ونحوه كلام ابن حزم(432)، رحم الله الجميع.(1/155)
ويدل عليه حديث قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا. فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا"(433).
[فدل نص هذا الخبر على أن الصدقة تحل بالحاجة وتحرم بإصابة القوام من العيش وهو الكفاية على الدوام من غير أن يعتبر النصاب](434).
وعليه؛ لا تحل الصدقة لغني، ويستثنى من ذلك من ورد فيهم الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ:
لِعَامِلٍ عَلَيْهَا.
أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ.
أَوْ غَارِمٍ.
أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِيٍّ"(435).(1/156)
أمّا الاستدلال بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ.
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ ؟
قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ"(436).
فقد قال الترمذي رحمه الله: "وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ [يعني: على رواية عنه] وَإِسْحَقُ قَالُوا إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الصَّدَقَةُ.
قَالَ: وَلَمْ يَذْهَبْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ [يعني: حديث ابن مسعود] وَوَسَّعُوا فِي هَذَا وَقَالُوا إِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ"اهـ(437).
قلت: حُمِل حديث ابن مسعود على وقت كانت الكفاية فيه بخمسين درهماً(438). ويدل عليه حديث قبيصة السابق، وحديث سهل بن الحنظلية ( وفيه: "إنه من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم. قال يارسول الله وما يغنيه؟ قال: ما يغديه ويعشيه"(439).
فلما تعدد جوابه في تحديد الحد الذي تجوز معه المسألة وأخذ الصدقة؛ دلّ على أنه ليس المراد بذكر الخمسين درهماً تحديد الغنى في جميع الناس، وإنما أراد من كانت كفايته خمسين درهماً(440). وكذا في قوله: "يغديه أو يعشيه"، [أراد به على دائم الأوقات، حتى يكون مستغنياً بما عنده عن الناس. وبيقين نعلم أن واجد الغداء أو العشاء ليس ممن استغنى عن غيره حتى تحرم عليه الصدقة](441).(1/157)
وحمل أبوعبيد حديث سهل بن الحنظلية ( على من سأل تكثراً، قال: "معناه ـ فيما نرى ـ على ما هو مبين في الحديث نفسه: "أنه من سأل مسألة ليستكثر بها" يقول: فإذا لم يكن شأن هذا من مسألته أن ينال منها قدر ما يكفيه ويعفه ويمسك، ولكنه يريد أن يجعلها إزادته وطعمته أبداً، فإنه يستكثر من جهنم، وإن كان معدماً لا يملك إلا قدر ما يغديه أو يعشيه. ألا تراه اشترط الاستكثار في المسألة!"اهـ(442).
وعليه؛ فليس في الحديث ذكر الحد الذي تجوز معه المسألة، وتقبل الصدقة.
فإن كان صاحب الحاجة قوياً قادراً على الكسب، فلا يجوز له أخذ الصدقة، ولا تجوز له المسألة(443).
عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ االْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَانِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَلَّبَ فِيهِمَا الْبَصَرَ فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتُمَا وَ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ"(444).
قال أبو عبيد رحمه الله: "فأراه ( قد سوّى بينهما في تحريم الصدقة عليهما، وجعل الغنى والقوة على الاكتساب عدلين، وإن لم يكن القوي ذا مال، فهما الآن سيان، إلا أن يكون هذا القوي مجدوداً عن الرزق محارفاً. وهو في ذلك مجتهد في السعي على عياله حتى يعجزه الطلب، فإذا كانت هذه حاله فإن له حينئذ حقاً في أموال المسلمين، لقول الله تبارك وتعالى: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات: 19]."اهـ(445).(1/158)
وقد نقل ابن تيمية رحمه الله الاتفاق على اعطاء أصحاب الحاجة مطلقاً، ولو كانوا أصحاب مهن وصناعات وتجارة، ولكن دخلها لا يكفيهم، حيث قال رحمه الله: "واتفقوا على أن من لا مال له وهو عاجز عن الكسب فإنه يعطى ما يكفيه سواء كان لبسه لبس الفقير الاصطلاحي، أو لباس الجند والمقاتلة، أو لبس الشهود أو لبس التجار أو الصناع أو الفلاحين، فالصدقة لا يختص بها صنف من هذه الأصناف؛ بل كل من ليس له كفاية تامة من هؤلاء: مثل الصانع الذي لا تقوم صنعته بكفايته، والتاجر الذي لا تقوم تجارته بكفايته، والجندي الذي لا يقوم اقطاعه بكفايته، والفقير الصوفي الذي لا يقوم ما يحصل له بكفايته، وكذلك من كان في رباط أو زاوية وهو عاجز عن كفايته، فكل هؤلاء مستحقون.
ومن كان من هؤلاء كلهم مؤمناً تقياً؛ كان لله ولياً، فإن أولياء الله: {الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس:63]، من أي صنف كانوا من أصناف القبلة."اهـ(446).
المسألة الرابعة
إذا ادّعى الفقر من لم يعرف بالغنى!
قال ابن تيمية رحمه الله: "إذا ادّعى الفقر من لم يعرف بالغنى وطلب الأخذ من الصدقات فإنه يجوز للإمام أن يعطيه بلا بينة، بعد أن يعلمه أنه لا حظ فيها لغني و لا لقوي مكتسب؛ فإن النبي ( سأله رجلان من الصدقة فلما رآهما جلدين صعّد فيهما النظر وصوّبه فقال: "إن شئتما أعطيتكما و لا حظ فيها لغني و لا لقوي مكتسب"(447).
وأمّا إذا ذكر أن له عيالاً فهل يفتقر إلى بينة؟ فيه قولان للعلماء مشهوران، هما قولان في مذهب الشافعي(448)وأحمد(449).(1/159)
وإذا رأى الإمام قول من يقول فيه: يفتقر إلى بينة؛ فلا نزاع بين العلماء أنه لا يجب أن تكون البينة من الشهود المعدّلين، بل يجب أنهم لم يرتزقوا على أداء الشهادة، فترد شهادتهم إذا أخذوا عليها رزقاً، لا سيما مع العلم بكثرة من يشهد بالزور، ولهذا كانت العادة أن الشهود في الشام المرتزقة بالشهادة لا يشهدون في الاجتهاديات، كالأعشار، والرشد، والعدالة، والأهلية، والاستحقاق، ونحو ذلك. بل يشهدون بالحسيات كالذي سمعوه ورأوه فإن الشهادة بالاجتهاديات يدخلها التأويل والتهم، فالجُعُل يسهِّل الشهادة فيها بغير تحر، بخلاف الحسيات؛ فإن الزيادة فيها كذب صريح، لا يقدم عليه إلا من يقدم صريح الزور، وهؤلاء أقل من غيرهم، بل إذا أتى الواحد من هؤلاء بمن يعرف صدقه من جيرانه ومعارفه وأهل الخبرة الباطنة به قبل ذلك منه"اهـ(450).
المسألة الخامسة
هل تجب صدقة الفطر على الفقير؟
صدقة الفطر واجبة على من قدر عليها، و لايعتبر في وجوبها نصاب. وهذا قول مالك(451)، والشافعي(452)، وأحمد(453).
وفي مذهب أبي حنيفة: لا تجب إلا على من يملك مائتي درهم، أو ما قيمته نصاب فاضل عن مسكنه لقول الرسول ( : "لا صدقة إلا عن ظهر غنى"(454)، والفقير لا غنى له فلا تجب عليه(455).
قلت: لا خلاف بين الجميع في اعتبار وصف وجود ما هو فاضل عن الحاجة، إنما اختلفوا في تحقيق المناط، فالحنفية اعتبروا ملك نصاب زكاة المال(456)، هو الحد وصاحبه غني، والجمهور اعتبروا ملك ما فضل عن الحاجة ولو لم يبلغ نصاب زكاة المال.
والمتأمل في الأدلة يجد فرقاً بين زكاة الفطر وزكاة المال، فلا قياس، والأحاديث في زكاة الفطر عممت ولم تخصص، فيبقى الأمر على عمومه، والله اعلم.
والواقع أن الغنى وصف له إطلاقات، ثلاثة وهي التالية:
الأول: الغنى بمعنى غنى النفس، والقلب. وهو بمعنى الرضا والقناعة.(1/160)
الثاني: ويطلق بمعنى وجود المال إلى حد الكفاية، والخروج عن حيز الفاقة والحاجة. وهذا الغنى لا تجب معه الزكاة، و تحرم معه المسألة و قبول الصدقة.
الثالث: ويطلق بمعنى وجود المال، وزيادته إلى حد وجوب الزكاة.
والأوّل خارج البحث هنا، ويبقى الثاني والثالث، وأصحابهما تجب عليهما زكاة الفطر، لخروجهما عن وصف الحاجة، فكل من ملك ما فضل عن قوت يومه وليلته وحاجته على الدوام وجبت عليه زكاة الفطر.
فائدة: جاء في حديث سهل بن الحنظلية ( عن رسول الله ( وفيه: "إنه من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم. قال يارسول الله وما يغنيه؟ قال: ما يغديه ويعشيه"(457).
قوله: "يغديه أو يعشيه"، قال ابن حبان: "أراد به على دائم الأوقات، حتى يكون مستغنياً بما عنده عن الناس، .... وبيقين نعلم أن واجد الغداء أو العشاء ليس ممن استغنى عن غيره حتى تحرم عليه الصدقة"اهـ(458).
وحمل أبوعبيد حديث سهل بن الحنظلية ( على من سأل تكثراً، قال: "معناه ـ فيما نرى ـ على ما هو مبين في الحديث نفسه: "أنه من سأل مسألة ليستكثر بها" يقول: فإذا لم يكن شأن هذا من مسألته أن ينال منها قدر ما يكفيه ويعفه ويمسك، ولكنه يريد أن يجعلها إزادته وطعمته أبداً، فإنه يستكثر من جهنم، وإن كان معدماً لا يملك إلا قدر ما يغديه أو يعشيه. ألا تراه اشترط الاستكثار في المسألة!"اهـ(459).
المسألة السادسة
يُعطى أهل الحاجة مطلقاً من الزكوات
والأموال المجهولة ومن ما فضل من الفيء
عن المصالح العامة التي لا بد منها
قال ابن تيمية رحمه الله: "من كان من ذوي الحاجات: كالفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل فهؤلاء يجوز بل يجب أن يعطوا من الفيء مما فضل عن المصالح العامة التي لابد منها عند أكثر العلماء؛ سواء كانوا مشتغلين بالعلم الواجب على الكفاية أو لم يكونوا، وسواء كانوا في زوايا أو ربط أو لم يكونوا، لكن من كان مميزاً بعلم أو دين كان مقدّماً على غيره.(1/161)
وأحق هذا الصنف من ذكرهم الله بقوله: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافاً} [البقرة:273]، فمن كان ما هو مشغول به من العلم والدِّين الذي أحصر به في سبيل الله قد منعه الكسب فهو أولى من غيره.
ويعطى قضاة المسلمين وعلماؤهم منه مايكفيهم، ويدفع منه أرزاق المقاتلة وذراريهم، لاسيما من بني هاشم، الطالبيين والعباسيين وغيرهم، فإن هؤلاء يتعين إعطاؤهم من الخمس والفيء والمصالح، لكون الزكاة محرمة عليهم.
والفقير الشرعي المذكور في الكتاب والسنة الذي يستحق من الزكاة والمصالح ونحوهما ليس هو الفقير الاصطلاحي الذي يتقيد بلبسة معينة وطريقة معينة، بل كل من ليس له كفاية تكفيه وتكفي عياله فهو من الفقراء والمساكين.
وقد تنازع العلماء هل الفقير أشد حاجة أو المسكين؟ أو الفقير من يتعفف والمسكين من يسأل؟ على ثلاثة أقوال لهم.
واتفقوا على أن من لا مال له وهو عاجز عن الكسب فإنه يعطى ما يكفيه سواء كان لبسه لبس الفقير الاصطلاحي، أو لباس الجند والمقاتلة، أو لبس الشهود أو لبس التجار أو الصناع أو الفلاحين، فالصدقة لا يختص بها صنف من هذه الأصناف؛ بل كل من ليس له كفاية تامة من هؤلاء: مثل الصانع الذي لا تقوم صنعته بكفايته، والتاجر الذي لا تقوم تجارته بكفايته، والجندي الذي لا يقوم اقطاعه بكفايته، والفقير الصوفي الذي لا يقوم ما يحصل له بكفايته، وكذلك من كان في رباط أو زاوية وهو عاجز عن كفايته، فكل هؤلاء مستحقون.
ومن كان من هؤلاء كلهم مؤمناً تقياً؛ كان لله ولياً، فإن أولياء الله: {الذين لا خوف عليهم و لاهم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس:63]، من أي صنف كانوا من اصناف القبلة.
ومن كان من هؤلاء منافقاً أو مظهراً لبدعة تخالف الكتاب والسنة من بدع الاعتقادات والعبادات فإنه مستحق للعقوبة، ومن عقوبته أن يحرم حتى يتوب.(1/162)
وأمّا من كان زنديقاً كالحلولية والمباحية ومن يفضل متبوعه على النبي ( ، ومن يعتقد أنه لا يجب عليه في الباطن اتباع شريعة رسول الله ( أو أنه إذا حصلت له المعرفة والتحقيق سقط عنه الأمر والنهي، أو أن العارف المحقق يجوز له التدين بدين اليهود والنصارى، و لايجب عليه الاعتصام بالكتاب والسنة، وأمثال هؤلاء؛ فإن هؤلاء منافقون زنادقة، وإذا ظهر على أحدهم فإنه يجب قتله باتفاق المسلمين وهم كثيرون في هذه الأزمنة.
وعلى ولاة الأمور مع إعطاء الفقراء بل والأغنياء، بأن يلزموا هؤلاء باتباع الكتاب والسنة، وطاعة الله ورسوله و لايمكنوا أحداً من الخروج من ذلك، ولو ادّعى من الدّعاوى ما أدّعاه، ولو زعم أنه يطير في الهواء ويمشي على الماء.
رمن كان من الفقراء الذين لم تشغلهم منفعة عامة للمسلمين عن الكسب، قادراً عليه، لم يجز أن يعطى من الزكاة عند الشافعي وأحمد. وجوّز ذلك أبوحنيفة.
وقد قال النبي ( : "لا تحل الصدقة لغني و لالقوي مكتسب"(460).
و لايجوز أن يعطي من الزكاة م يصنع بها دعوة وضيافة للفقراء، و لايقيم بها سماطاً لا لوارد و لا غير وارد، بل يجب أن يعطي ملكاً للفقير المحتاج، بحيث ينفقها على نفسه وعياله في بيته إن شاء ويقضي منها ديونه، ويصرفها في حاجاته.
وليس في المسلمين من ينكر صرف الصدقات وفاضل أموال المصالح إلى الفقراء والمساكين. ومن نُقل عنه ذلك فإمّا أن يكون من أجهل الناس بالعلم وإمّا أن يكون من أعظم الناس كفراً بالدين، بل بسائر الملل والشرائع، أو يكون النقل عنه كذباً أو محرفاً، فأمّا من هو متوسط في علم ودين فلا يخفى عليه ذلك و لا ينهى عن ذلك.(1/163)
ولكن قد اختلط في هذه الأموال المرتبة السلطانية الحق والباطل؛ فأقوام كثيرون من ذوي الحاجات والدين والعلم لا يُعطى أحدهم كفايته، ويتمزق جوعاً وهو لا يسأل، ومن يعرفه فليس عنده ما يعطيه، وأقوام كثيرون يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله، وقوم لهم رواتب أضعاف حاجاتهم، وقوم لهم رواتب مع غناهم وعدم حاجاتهم، وقوم ينالون جهات كمساجد وغيرها، فيأخذون معلومها ويستثنون من يعطون شيئاً يسيراً، وأقوام في الربط والزوايا يأخذون ما لايستحقون، ويأخذون فوق حقهم، ويمنعون من هو أحق منهم حقه، أو تمام حقه، وهذا موجود في مواضع كثيرة.
و لا يستريب مسلم أن السعي في تمييز المستحق من غيره، واعطاء الولايات والأرزاق من هو أحق بها. والعدل بين الناس في ذلك وفعله بحسب الإمكان؛ هو من أفضل أعمال ولاة الأمور، بل ومن أوجبها عليهم؛ فإن الله يأمر بالعدل والإحسان، والعدل واجب على كل أحد في كل شيء. وكما أن النظر في الجند المقاتلة والتعديل بينهم وزيادة من يستحق الزيادة ونقصان من يستحق النقصان، واعطاء العاجز عن الجهاد من جهة أخرى: هو من أحسن أفعال ولاة الأمور وأوجبها، فكذلك النظر في سائر المرتزقين من أموال الفيء والصدقات والمصالح والوقوف، والعدل بينهم في ذلك، واعطاء المستحق تمام كفايته، ومنع من دخل في المستحقين وليس منهم من أن يزاحمهم في أرزاقهم. ...(1/164)
وإطلاق القول بأن جميع من بالربط والزوايا غير مستحق باطل ظاهر البطلان! كما أن إطلاق القول بأن كل من فيهم مستحق لما يأخذه هو باطل أيضاً! فلا هذا ولا هذا!! بل فيهم المستحق الذي يأخذ حقه. وفيهم من يأخذ فوق حقه، وفيهم من لا يعطى إلا دون حقه، وفيهم غير المستحق، حتى إنهم الطعام الذي يشتركون فيه يعطى أحدهم أفضل مما يعطى الآخر وإن كان أغنى منه خلاف ما جرت عادة أهل العدل الذين يسوون في الطعام بالعدل كما يعمل في رباطات أهل العدل. وأمر ولي الأمر هؤلاء بجميع ما ذكر هو أفضل العبادات وأعظم الواجبات.(1/165)
وما ذكر عن بعض الحكام: من أنه لا يستحق من هؤلاء إلا الأعمى والمكسح والزّمن؛ قول لم يقله أحد من المسلمين، ولا يتصوّر أن يقول هذا حاكم ممن جرت العادة بأن يتولى الحكم. اللهم إلا أن يكون من أجهل الناس أو أفجرهم؛ فمعلوم أن ذلك يقدح في عدالته، وأنه يجب أن يستدل به على جرحه، كما أنه إن كان الناقل لهذا عن حاكم قد كذب عليه؛ فينبغي أن يعاقب على ذلك عقوبة تردعه، وأمثاله من المفترين على الناس. وعقوبة الإمام للكذاب على الناس والمتكلم فيهم وفي استحقاقهم لما يخالف دين الإسلام لا يحتاج إلى دعواهم، بل العقوبة في ذلك جائزة بدون دعوى أحد، كعقوبته لمن يتكلم في الدِّين بلا علم، فيحدِّث بلا علم، ويفتي بلا علم، وأمثال هؤلاء يعاقبون. فعقوبة كل هؤلاء جائزة بدون دعوى؛ فإن الكذب على الناس والتكلم في الدِّين وفي الناس بغير حق كثير في كثير من الناس. فمن قال: إنه لا يستحق إلا الأعمى والزّمن والمكسح؛ فقد أخطأ باتفاق المسلمين، وكذلك من قال: إن أموال بيت المال على اختلاف أصنافها مستحقة لأصناف منهم الفقراء، وأنه يجب على الإمام إطلاق كفايتهم من بيت المال، فقد أخطأ؛ بل يستحقون من الزكوات بلا ريب، وأمّا من الفيء والمصالح فلا يستحقون إلا ما فضل عن المصالح العامة. ولو قدِّر أنه لم يحصل لهم من الزكوات ما يكفيهم، وأموال بيت المال مستغرقة بالمصالح العامة، كان اعطاء العاجز منهم عن الكسب فرضاً على الكفاية.
فعلى المسلمين جميعاً أن يطعموا الجائع، ويكسوا العاري، ولا يدعوا بينهم محتاجاً، وعلى الإمام أن يصرف ذلك من المال المشترك الفاضل عن المصالح العامة التي لا بد منها.
وأمّا من يأخذ بمصلحة عامة؛ فإنه يأخذ مع حاجته باتفاق المسلمين، وهل له أن يأخذ مع الغنى كالقاضي والشاهد والمفتي والحاسب والمقري والمحدِّث وإن كان غنياً؟ فهل له أن يرتزق على ذلك من بيت المال مع غناه؟ قولان مشهوران للعلماء"اهـ(461).
المبحث السابع(1/166)
لا جزية على فقير عاجز
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "لا جزية على فقير عاجز عن أدائها، هذا قول الجمهور(462).
وللشافعي(463) ثلاثة أقوال هذا أحدها.
والثاني: يجب عليه.
وعلى هذا قولان:
أحدهما: أنه يخرج من بلاد الإسلام، أو لا سبيل إلى إقامته في دار الإسلام بغير جزية.
والثاني: تستقر في ذمته وتؤخذ منه إذا قدر عليها.
والصحيح أنها لا تجب على عاجز عنها؛ فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإنما فرضها عمر ( على الفقير المعتمل؛ لأنه يتمكن من أدائها بالكسب. وقواعد الشريعة كلها تقتضي ألا تجب على عاجز كالزكاة والدية والكفارة والخراج، {و لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها} و لا واجب مع عجز، و لا حرام مع ضرورة.
فإن قيل: نحن لا نكلفه بها في حال إعساره بل تستقر ديناً في ذمته، فمتى أيسر طولب بها لما مضى كسائر الديون. قيل: هذا معقول في دّيْن الآدميين، وأمّا حقوق الله تعالى فإنه إنما أوجبها على القادرين دون العاجزين.
فإن قيل: الجزية أجرة عن سكنى الدار، فتستقر في الذمة. قيل: انتفاء أحكام الإجارة عنها جميعها يدل على أنها ليست بأجرة، فلا يعرف حكم من أحكام الإجارة في الجزية، وقد أجرى عمر [(] على السائل الذِّمي رزقه من بيت المال، فكيف يكلف أداء الجزية، وهو يرزق من بيت مال المسلمين؟!"اهـ(464).
المسألة الثامنة
تجوز صدقة التطوع على الفقير الكافر.(1/167)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِي اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ"(465).
وهذا الحديث يدل على أن الزكاة المفروضة تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد في فقرائهم(466).
قال أبو عبيد رحمه الله تعليقاً على الحديث المتقدِّم: "فجعلها ( واجبة لهم دون سائر الملل، فهذا هو الأصل فيه وله"اهـ(467).
وعلى تحريم اعطاء الزكاة المفروضة للكافر غير المؤلف الحنفية(468) والمالكية(469) والشافعية(470) والحنابلة(471).
وهذا - والله اعلم - هو معنى الاجماع الذي حكاه ابن المنذر!
قال ابن المنذر رحمه الله: "وأجمعوا على أنه لا يعطى من زكاة المال أحد من أهل الذمة"اهـ(472).
فهذا في الزكاة المفروضة، فأمّا غير الفريضة فقد نزل الكتاب بالرخصة فيها(473)، من ذلك قوله تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وماتنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} البقرة:272.
وسبب نزول هذه الآية: أن المسلمين كرهوا أن يتصدقوا على أقربائهم من المشركين، يريدونهم على الاسلام، فنزلت هذه الآية(474).(1/168)
عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين، فسألوا فرضخ لهم، فنزلت هذه الآية: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، وما تنفقوا من خير يوفى إليكم وأنتم لاتظلمون}"(475).
عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( عن النبي ( أنه كان يأمر بأن لا يتصدّق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية: {ليس عليك هداهم} إلى آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين"(476).
قال ابن الجوزي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: "والآية محمولة على صدقة التطوع إذ لا يجوز أن يعطى الكافر من الصدقة المفروضة شيئاً"اهـ(477).
و قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} الممتحنة:8-9.
[قال المفسرون: وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين وجواز برهم، وإن كانت الموالاة منقطعة منهم](478).
قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} الإنسان:8.
قال ابن جريج رحمه الله: "لم يكن الأسير يومئذ إلا من المشركين"
قال أبوعبيد رحمه الله: "يريد أن الله تبارك وتعالى قد حمد على اطعام المشركين"اهـ(479).
قال الحسن البصري رحمه الله: "ليس لأهل الذمة في شيء من الواجب حق، ولكن إن شاء الرجل تصدّق عليهم من غير ذلك"(480).
وفي حكم زكاة الأموال زكاة الفطر، فلا تعطى للفقير الكافر، عند مالك والشافعي وأحمد(481).
وفي حكم زكاة الأموال : زكاة الفطر؛ فلا تعطى للفقير الكافر، عند مالك والشافعي وأحمد(482).(1/169)
بل جوّز ابن قيم الجوزية تمضية وقف الكفار على مساكينهم، بل ووقف المسلم على المعين من الكفار أو على أقاربه وبني فلان ونحوه، أو على مساكينهم أو فقرائهم، ولا يكون الكفر موجباً وشرطاً في الاستحقاق و لامانعاً منه.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "فإن قيل: فما تقولون: لو وقفوا [يعني: الكفار] على مساكين أهل الذمة، هل يستحقونه دون مساكين المسلمين، أو يستحقه مساكين المسلمين دونهم، أو يشتركون فيه؟
قيل: لا ريب أن الصدقة جائزة على مساكين أهل الذمة، والوقف صدقة. فههنا وصفان: وصف يُعْتبر وهو المسكنة، ووصف ملغي في الصدقة والوقف، وهو الكفر؛ فيجوز الدفع إليهم من الوقف بوصف المسكنة، لا بوصف الكفر؛ فوصف الكفر ليس بمانع من الدّفع إليهم، و لاهو شرط في الدفع، كما يظنه الغالط أقبح الغلط وأفحشه، وحينئذ فيجوز الدفع إليه بمسكنته، وإن أسلم فهو أولى بالاستحقاق.
[ففرق](483) بين أن يكون الكفر جهة وموجباً، وبين ألا يكون مانعاً؛ فجعل الكفر جهة وموجباً للاستحقاق مضاد لدين الله تعالى وحكمه، وكونه غير مانع موافق لقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} [الممتحنة:8-9].(1/170)
فإن الله سبحانه لمّا نهى في أوّل السورة عن اتخاذ المسلمين الكفار أولياء وقطع المودة بينهم وبينهم، توهّم بعضهم أن برهم والإحسان إليهم من الموالاة والمودة، فبيّن سبحانه أن ذلك ليس من الموالاة المنهي عنها، وأنه لم ينه عن ذلك. بل هو من الإحسان الذي يحبه ويرضاه، وكتبه على كل شيء، وإنما المنهي عنه تولي الكفار والإلقاء إليهم بالمودة. و لاريب أن جعل الكفر بالله وتكذيب رسوله موجباً وشرطاً في الاستحقاق، من أعظم موالاة الكفار المنهي عنها، فلا يصح من المسلم، و لايجوز للحاكم تنفيذه من أوقاف الكفار، فأمّا إذا وقفوا ذلك فيما بينهم، ولم يتحاكموا إلينا، و لااستفتونا عن حكمه؛ لم يُتعرض لهم فيه، وحكمه حكم عقودهم وأنكحتهم الفاسدة.
وكذلك وقف المسلم عليهم فإنه يصح منه ما وافق حكم الله ورسوله، فيجوز أن يقف على معيّن منهم أو على أقاربه وبني فلان ونحوه، و لايكون الكفر موجباً وشرطاً في الاستحقاق و لامانعاً منه، فلو وقف على ولده أو أبيه أو قرابته؛ استحقوا ذلك، وإن بقوا على كفرهم، فإن أسلموا فأولى بالاستحقاق، وكذلك إن وقف على مساكينهم وفقرائهم و زَمْناهم ونحو ذلك، استحقوا وإن بقوا على كفرهم، فإن أسلموا فأولى بالاستحقاق.
وأمّا الوقف على كنائسهم وبيَعهم ومواضع كفرهم التي يقيمون فيها شعار الكفر فلا يصح من كافر و لامسلم، فإن ذلك أعظم الإعانة لهم على الكفر والمساعدة والتقوية عليه، وذلك مناف لدين الله"اهـ(484).(1/171)
وقد استدل صاحب تفسير المنار بقول الله تبارك وتعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم من سيئاتكم، والله بما تعملون خبير} البقرة:271، على جواز الصدقة على الكافر، فقال: "اطلق في الآية لفظ الفقراء ولم يقل: فقراءكم، فدل على أن الصدقة تستحب على كل فقير، وإن كان كافراً، وسعت رحمته الكافر، فلم يحرمه لكفره من الرزق بسعيه، وكذلك لم يحرم عليه الصدقة عند عجزه عن الكسب الذي يكفيه"اهـ(485) .
قلت: وهذا الاستدلال إنما يكون على قول من جعل الآية في صدقة التطوع، أمّا من قال: هي في المفروضة أو فيهما، فإنه لا يجوز عنده دفع الزكاة المفروضة إلى الفقير الكافر.
والبحث في جواز إعطاء الفقير الكافر من الصدقة محلّه في الذمي، والمستأمن، والمعاهد، أمّا الكافر الحربي، فلا يعطى من الصدقة ما يتقوّى به على الحرب، أو ما فيه الدلالة على عورة المسلمين. فإن كان الكافر الحربي أسيراً جاز إعطاؤه، بدلالة قوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} الإنسان: 8، فإن الأسير لم يكن يومئذ إلا من المشركين - كما قال ابن جريج رحمه الله، فيما سبق نقله عنه -.(1/172)
و لايصح الاستدلال بحديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي قَالَ نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ"(486)، لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على جواز الصدقة مطلقاً على الكافر الحربي؛ لأن صلة أسماء لأمها المشركة الحربية إنما كانت في زمن العهد الذين بين قريش والرسول (، وهذا هو قولها رضي الله عنها: "وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"(487)؛ فلا دلالة في الحديث على جواز دفع الصدقة لأحد الوالدين إذا كان كافراً حربياً في غير زمن العهد؛ تأمّل.
نعم، الآية السابقة وهي قوله تبارك وتعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} الممتحنة:8-9، نص في جواز الإحسان إلى الذين لم يقاتلونا في الدين، ولم يظاهروا على أخراجنا، فإذا كان الحال كذلك، فإن الآية لم تنه عنه(488)؛ فيجوز إعطاء الكافر الحربي إذا كان حاله كذلك، والله اعلم.
المسألة التاسعة
طلب رفع وصف الفقر فرض بقدر الحاجة
المذهب عند جمهو ر الفقهاء رحمهم الله تعالى من أهل السنة والجماعة أن الكسب بقدر ما لابد منه فريضة(489).(1/173)
والحجة في هذا أن مسألة الناس، وقبول الصدقة الأصل فيها أن لا تحل لمن قدر على الكسب لحديث عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ االْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَانِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَلَّبَ فِيهِمَا الْبَصَرَ فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ"(490).
فمن قدر على الكسب لا حظ له في الصدقة، و لاتجوز له المسألة، والواجب عليه أن يعف نفسه بالعمل، فإن قصّر في ذلك، وتعرّض للمسألة وقع في الحرام. فالفرض عليه السعي لرفع وصف الفقر عنه.
ويتأكد السعي لطلب الكسب إذا تعلق به أمر بالإنفاق على العيال من الزوجات والأولاد ونحوهم، و لا يتمكن من الانفاق عليهم إلا بتحصيل المال بالكسب، وما يتوصل به إلى أداءالواجب يكون واجباً.
والمعقول يشهد له، فإن في الكسب نظام العالم، والله تعالى، حكم ببقاء العالم إلى حين فنائه، وجعل سبب البقاء والنظام: كسب العباد، وفي تركه تخريب نظامه وذلك ممنوع منه.
ومعنى الفرضية ما بينا من بقاء نظام العالم به، و لا يوجد ذلك في الاستكثار منه على قصد التكاثر والتفاخر، وإنما ذم الله تعالى الاستكثار إذا كان بهذه الصفة، فقال عزوجل: {وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} الحديد:20(491).
هذا وتجب المسألة عند الاضطرار، إذا كان عاجزاً عن الكسب حقيقة أو حكماً، ولكنه قادر على أن يخرج فيطوف على الأبواب، ويسأل، فإنه يفترض عليه ذلك، إذا لم يفعل ذلك حتى هلك كان آثماً عند أهل الفقه رحمهم الله.(1/174)
والحجة في ذلك أن السؤال يوصله إلى ما تقوم به نفسه، ويتقوى به على الطاعة، فيكون مستحقاً عليه، كالكسب سواءً، في حق من هو قادر على الكسب، ولأن ما يسد به رمقه حق مستحق له في أموال الناس، فليس في المطالبة بحق مستحق له من معنى الذل شيء، فعليه أن يسأل.
فأمّا إذا كان قادراً على الكسب فليس ذلك بحق مستحق له، وإنما حقه في كسبه، فعليه أن يكتسب و لايسأل أحداً من الناس، ولكن له أن يسأل ربه كما فعله موسى عليه الصلاة والسلام فقال: {رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير} القصص:24، وقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال تبارك وتعالى: {واسألوا الله من فضله} النساء:32(492).
المسألة العاشرة
فقراء الحرم
لفقراء الحرم خصوصية عند الشافعية والحنابلة، رحمهم الله.
والمراد بفقراء الحرم من كان فيه من الفقراء المستوطنين، والمقيمين، والواردين من الحاج وغيرهم.
قال ابن قدامة رحمه الله: "مساكين أهل الحرم من كان فيه من أهله أو وارد إليه من الحاج وغيرهم، وهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم"اهـ(493).
وقال النووي رحمه الله: "مساكين الحرم سواء الغرباء الطارئون والمستوطنين، لكن الصرف إلى المستوطنين أفضل. وله أن يخص أحد الصنفين"اهـ(494).
وقال ابن تيمية رحمه الله: "تفرق في الحرم للمساكين الذين به من المستوطنيت، والمقيمين، والواردين، وغيرهم، حتى لو جاء رجل من أهل الحل أخذ(495) في الحرم جاز"اهـ(496).(1/175)
فإن قيل: لماذا لم يقيدوا مساكين الحرم بأهله دون المقيمين والواردين من الحاج وغيرهم؟ فالجواب: أن الذي يتحرر من كلامهم - رحمهم الله - أن الملحوظ في الآيات تعيين المكان فقط، قال تعالى في جزاء الصيد: {هدياً بالغ الكعبة} المائدة:95، وقال تعالى في هدي التمتع والقران: { و لاتحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} البقرة:196، وقال تبارك وتعالى: {والهدي معكوفاً أن يبلغ محله} الفتح:25، فلمّا اقتصر على تعيين المحل المكاني فقط؛ دلّ على أن المقصود مَنْ بهذا المكان من فقراء، على سبيل الاطلاق، دون قيد، والله اعلم.
واتفقت المذاهب الأربعة على تعيين الحرم لهدي التمتع والقران، وهدي الصيد(497).
واختلفوا في هدي الإحصار، وفدية الأذى؛ فذهب الحنفية إلى أن هدي الإحصار يبعث المحصر به أو بثمنه ليشترى به هدياً فيذبح عنه في الحرم(498).
وكذا المحصر بمرض عند المالكية، عليه دم يذبحه إذا تحلل بمكة أو بمنى(499).
أمّا عند الشافعية والحنابلة، فإن المحصر يذبح ويفرق حيث أحصر(500).
وكذا المحصر بعدو عند المالكية(501).
فإن كان قادراً على أطراف الحرم ففيه وجهان عند الحنابلة(502).
وقد حرر هذه المسألة ابن قيم الجوزية، فقال: "وفي ذبحه ( بالحديبية وهي من الحل بالاتفاق، دليل على أن المحصر ينحر هديه حيث أحصر، من حل أو حرم. وهذا قول الجمهور وأحمد ومالك والشافعي. وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى: أنه ليس له نحر هديه إلا في الحرم، فيبعثه إلى الحرم، ويواطيء رجلاً على أن ينحره في وقت يتحلل فيه، وهذا يُروى عن ابن مسعود (، وجماعة من التابعين، وهو قول أبي حنيفة.(1/176)
وهذا إن صح عنهم فينبغي حمله على الحصر الخاص، وهو أن يتعرض ظالم لجماعة أو لواحد، وأما الحصر العام، فالسنة الثابتة عن رسول الله ( تدل على خلافه، والحديبية من الحل باتفاق الناس. وقد قال الشافعي: بعضها من الحل، وبعضها من الحرم. قلت (ابن القيم): ومراده أن أطرافها من الحرم، وإلا فهي من الحل باتفاقهم.
وقد اختلف أصحاب أحمد رحمه الله في المحصر إذا قدر على أطراف الحرم، هل يلزمه أن ينحر فيه؟ فيه وجهان لهم.
والصحيح: أنه لا يلزمه؛ لأن النبي ( نحر هديه في موضعه، مع قدرته على أطراف الحرم، وقد أخبر الله سبحانه أن الهدي كان محبوساً عن بلوغ محله، ونصب الهديَ بوقوع فعل الصد عليه، أي: صدوكم عن المسجد الحرام، وصدوا الهدي عن بلوغ محله، ومعلوم أن صدهم وصدَّ الهدي استمر ذلك العام ولم يزل، فلم يصلوا فيه إلى محل إحرامهم، ولم يصل الهدي إلى محل نحره، والله اعلم"اهـ(503).
يشير إلى قوله تبارك وتعالى: {الذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام، والهديَ معكوفاً أن يبلغ محله، ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرّة بغير علم، ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً} الفتح:25.
والآية ظاهرة في أن الهدي لم يبلغ محله، لمّا صدّ الكفار الرسول ( ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم، عن دخول الحرم، في الحديبية؛ فإذا كان كذلك، فإن الرسول ذبح هديه في محل إحصاره، من الحل؛ فدل ذلك أن هدي المحصر ليس له مكان مخصوص، يذبحه المسلم حيث أحصر، والله اعلم.
أمّا فدية الأذى؛ فذهب الحنفية إلى أنه لا يجزيء دم الفدية إلا في الحرم، أمّا الصدقة والصوم فإنهما يجزيان حيث شاء(504).
وذهب المالكية إلى أن الفدية ليس لشيء منها مكان مخصوص(505).(1/177)
وذهب الشافعية إلى أن دم الفدية لا يجزيء إلا في الحرم، وكذا الطعام قياساً على الهدي. وأمّا الصوم فيجوز في كل مكان لآية لأنه لا منفعة لأهل الحرم في صيامه(506).
وذهب الحنابلة إلى جواز إخراج الفدية حيث وجبت من حل أو حرم(507).
ومن تأمّل الآية في الفدية: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة:196، لا يجد فيها تعيين لمكان؛ فدل ذلك على أن الفدية تُخرج حيث وجبت، من حل أو حرم، كما هو قول مالك وأحمد، والله اعلم.
وتخلّص مما سبق: جواز ذبح هدي الاحصار، وفدية الأذى حيث وجبت في الحل أو الحرم.
ووجوب ذبح هدي القران والتمتع، وهدي الصيد بالحرم. وهل يختص تفرقة لحمه لمساكين الحرم؟
قال ابن قدامة رحمه الله: "ما وجب نحره بالحرم وجب تفرقة لحمه به، وبهذا قال الشافعي(508).
وقال مالك وأبوحنيفة: إذا ذبحها بالحرم جاز تفرقة لحمها في الحل(509).
ولنا: أنه أحد مقصودي النسك، فلم يجز في الحل كالذبح، ولأن المعقول من ذبحه بالحرم التوسعة على مساكينه، وهذا لا يحصل باعطاء غيرهم، ولأنه نسك يختص بالحرم فكان جميعه مختصاً به كالطواف وسائر المناسك"اهـ(510).
ومعنى هذا: أنه لا خصوصية لفقراء الحرم عند مالك وأبي حنيفة في هذا، خلافاً للشافعي وأحمد رحم الله الجميع(511).
وما ذهب إليه أبوحنيفة ومالك رحمهما الله له حظه من القبول، في هذه الأيام التي تذبح فيها الهدايا بمئات الآلاف و لاتجد من يأخذها من فقراء الحرم، حتى تفسد، فإن ذبح هذه الهدايا في الحرم ثم إرسالها إلى الفقراء بجوار الحرم إن وجدوا، وإلا إلى فقراء العالم الإسلامي يحقق المقصود الشرعي، إن شاء الله تعالى(512).
المسألة الحادية عشرة
فقراء الصحابة
كان في الصحابة رضوان الله عليهم فقراء، وكان فيهم أغنياء.(1/178)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ!
قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ"(513).
وكان من هؤلاء الفقراء من يكون في الصفة، في مسجد رسول الله (، فقد كان أهل الصفة فقراء لا يأوون على أهل و لامال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ"(514) .
وقال أبوقلابة عن أنس (: قدم رهط من عُكل على النبي ( فكانوا في الصفة(515) .
وقال عبدالرحمن بن أبي بكر: كان اصحاب الصفة الفقراء(516).
وقد ذكر جملة كبيرة من أهل الصفة، الحافظ أبو نعيم رحمه الله(517)، وتابعه السخاوي رحمه الله على ذكرهم، وأفرد أخبارهم وأحوالهم في كتاب سمّاه: "رجحان الكفة في بيان نبذة من أخبار أهل الصفة"(518) ، وبلغ عدد من ذكرهم تبعاً لأبي نعيم: أربعة ومئة صحابي، رضوان الله عليهم.
ومن فقراء الصحابة من غير أهل الصفة، جماعة، منهم:(1/179)
أوس بن الصامت ( ، وقصته مع زوجه خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، لمّا ظاهر منها تدل على فقره!
عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: وَاللَّهِ فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ صَامِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ.
قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ! قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا فَرَاجَعْتُهُ بِشَيْءٍ فَغَضِبَ؛ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي! قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي. قَالَتْ: فَقُلْتُ كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لَا تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ. قَالَتْ: فَوَاثَبَنِي وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي.(1/180)
قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابَهَا ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْهُ فَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا خُوَيْلَةُ ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ فَتَغَشَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ لِي: يَا خُوَيْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صَاحِبِكِ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً. قَالَتْ: فَقُلْتُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ!
قَالَ: فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ.(1/181)
قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ قَالَتْ قُلْتُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَاكَ عِنْدَهُ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قَالَتْ فَقُلْتُ وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ قَالَ قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا قَالَتْ فَفَعَلْتُ"(519).
ومن الصحابة الفقراء سلمة بن صخر البياضي (، وقصته في الظهار أيضاً، وفيها: "... فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا وَحْشَيْنِ مَا لَنَا طَعَامٌ(520).
قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيَّتَهَا.
فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ: وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ وَوَجَدْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعَةَ وَحُسْنَ الرَّأْيِ وَقَدْ أَمَرَنِي أَوْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ"(521).
ومن أغنياء الصحابة: عثمان بن عفان، و عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما.
لطيفة: وقفت على كتاب ترجمته: "الفلاكة والمفلوكون"(522) لأحمد بن علي الدلجي. والمفلوك - كما قال صاحب الكتاب في مقدمته - لفظة عجمية، يراد بها الرجل غير المحظوظ، المهمل في الناس لإملاقه وفقره. وقد ترجم فيه للعلماء الذين تقلصت عنهم دنياهم ولم يحظوا منها بطائل.
الخاتمة
وتتضمن أهم نتائج البحث، وهي التالية:
1ـ حرر البحث أن لفظ الفقير والمسكين لفظان يجتمعان ويفترقان، ويفردان فيجتمعان، فيدل الواحد منهما على الآخر.(1/182)
2ـ كما قرر البحث أن الفقير والمسكين لفظان يطلقان على أصحاب الحاجة، وأن الفرق بينهما في أن الفقير أشد حاجة من المسكين، وأن المسكين يجد ما لا يكفيه، والفقير لا يجد شيئاً.
3ـ الرد على المستشرق الذي كتب في دائرة المعارف الإسلامية، طاعناً ونابزاً على فقهاء المسلمين في اختلافهم في الفرق بين الفقير والمسكين، وبينت أن خلاف العلماء في ذلك مبني على اختلاف الأدلة بحسب فهم واطلاع كل واحد منهم.
4ـ بيان الأحكام المتعلقة بالفقير والمسكين، في القرآن الكريم، والسنة النبوية.
5ـ بيان المسائل المتعلقة بالفقير والمسكين، فيما جاء في كلام أهل العلم، منها:
…ـ بيان أن وصف الفقر والمسكنة وصفان لا يحكم عليهما بذاتهما، إنما بحسب حال متعلقهما، فلا يفضل الفقير الصابر، على الغني الشاكر، من جهة الفقر والغنى، إنما يفضلا بحسب التقوى، فإن قدر استواؤهما من كل وجه، فلا يعدل بالسلامة شيء.
…ـ بيان فقراء الحرم وما يستحقوه من دماء الحج.
…ـ بيان سماحة الإسلام ويسره في جواز اعطاء الفقير الكافر من صدقة التطوع، وأن الجزية لا تؤخذ من فقير عاجز.
…ـ بيان أن السعي لرفع وصف الفقر والحاجة، من الواجبات، وأن القوي المكتسب لا حظ له في الصدقة، فإن عجز عن الاكتساب، أو لم يجد كسباً جازت له المسألة، بل تجب عليه.
هذا؛ وأسأل الله تبارك وتعالى بأن له الحمد لا إله إلا هو الحنان المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام، أن يتقبل هذا العمل، وجميع عملي خالصاً لوجهه الكريم، وداعياً إلى سنة نبيه الرؤوف الرحيم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
فهرست المصادر والمراجع
- القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.
( أ )
- إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين/ لمحمد الحسيني الزبيدي (ت هـ)، دار الفكر.(1/183)
- الإجماع، لمحمد بن إبراهيم بن المنذر (ت318هـ)، تحقيق وتقديم وتخريج أبي حمّاد صغير أحمد بن محمد حنيف، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1402هـ.
- الأحاديث المختارة أو المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما/ لضياء الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي (ت643هـ)/ تحقيق د عبدالملك بن دهيش/ يطلب من مكتبة النهضة بمكة/ الطبعة الأولى 1410هـ.
- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان / لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت739هـ)/ تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1412هـ
- أحكام أهل الذمة، لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر (ابن قيم الجوزية)، حققه وعلق عليه وحواشيه د/ صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة 1983م.
- إحياء علوم الدين/ لمحمد بن محمد الغزالي (ت505هـ)/ وبذيله المغني عن حمل الأسفار في الأسفار/ لأبي الفضل العراقي (ت806هـ)/ دار المعرفة .
- الاختيار لتعليل المختار / عبدالله بن محمود الموصلي (ت683هـ)/ تعليق محمود أبو دقيقة/ دار المعرفة.
- اختيار الأولى في شرح اختصام الملأ الأعلى/ لأبي الفرج زين الدين عبدالرحمن (ابن رجب) (ت795هـ)/ تحقيق وتخريج محمد بشير العيون/ مكتبة المؤيد 1405هـ
- الآداب الشرعية، لأبي عبدالله محمد بن مفلح المقدسي (ت763هـ)، تحقيق عمر القيّام، وشعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1416هـ.
- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل / لمحمد بن ناصر الدين الألباني/ المكتب الإسلامي/ الطبعة الأولى 1399هـ.
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن / لمحمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي/ وفي آخره تتمة أضواء البيان لعطية سالم، ورسالة منع جواز المجاز، ورسالة دفع إيهام الاضطراب كلاهما للشيخ محمد الأمين الشنقيطي/ مطبعة المدني/ الطبعة الأولى1386هـ/ على نفقة محمد عوض بن لادن.(1/184)
- الإفصاح عن معاني الصحاح (الجزء المتعلق بشرح حديث : "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" ومسائل الإجماع في أبواب الدين)/ للوزير عون الدين أبي المظفر يحي بن محمد بن هبيرة (ت560هـ)/ المؤسسة السعيدية، الرياض.
- الإكليل في استنباط التنزيل / لجلال الدين السيوطي (ت911هـ)، دار الكتب العلمية.
- الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت224هـ)، تحقيق وتعليق/ محمد خليل هراس، دار الفكر، الطبعة الثانية 1395هـ.
- الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال / لناصر الدين أحمد ابن المنير الاسكندري (ت683هـ)/ بهامش "الكشاف" للزمخشري/ ويليه "الكافي الشاف"/ دار المعرفة.
- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل/ لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت885هـ)، تصحيح محمد حامد فقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406هـ.
- أنوار التنزيل وأسرار التأويل / لعبدالله الشيرازي البيضاوي (685هـ)/ دار الفكر 1402هـ.
- أنوار التنزيل وأسرار التأويل / لعبدالله الشيرازي البيضاوي (685هـ) = حاشية الشهاب الخفاجي على البيضاوي
- الإيمان، لأحمد بن عبدالحليم ابن تيمية (ت728هـ)، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1399هـ.
( ب )
- بحر العلوم (تفسير السمرقندي)/ لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت375هـ)/ تحقيق على محمد معوض/ دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1413هـ.
- البحر المحيط / لمحمد بن يوسف أبي حيان الأندلسي (ت754هـ)، دار الفكر، الطبعة الثانية 1403هـ
- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني (ت587هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1406هـ.
- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز/ لمجد الدين الفيروز آبادي (ت817هـ)/ تحقيق محمد علي النجار/ المكتبة العلمية، بيروت.(1/185)
- البعث والنشور/ لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي/ تحقيق عامر أحمد حيدر/ مركز الخدمات والأبحاث الثقافية/ مؤسسة الكتب الثقافية/ الطبعة الأولى 1416هـ.
- بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك/ لأحمد بن محمد الدردير الصاوي المالكي، على الشرح الصغير، لأحمد بن محمد بن أحمد الدردير، دار المعرفة 1398هـ.
( ت )
- تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي (ت1205هـ)، دار مكتبة الحياة.
- تاريخ جرجان/ للسهمي (ت 427هـ)/ عالم الكتب، الطبعة الثالثة 1401هـ.
- التاريخ الكبير / لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ)/ طبع المكتبة الإسلامية، ديار بكر - تركيا.
- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي/ لمحمد عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري/ الطبعة الحجرية، دار الكتاب العربي، بيروت.
- التحرير والتنويرمن التفسير / لمحمد الطاهر ابن عاشور، الدار التونسية للنشر، 1984م.
- الترغيب والترهيب / لأبي محمد زكي الدين عبدالعظيم المنذري (ت656هـ)، تعليق مصطفى محمد عمارة، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة 1388هـ.
- التعريفات / لعلي بن محمد الجرجاني (ت816هـ)، طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1403هـ.
- تفسير الألوسي = روح المعاني
- تفسير البغوي = معالم التنزيل.
- تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل.
- تفسير الخازن = لباب التأويل.
- تفسير الرازي = التفسير الكبير.
- تفسير الزجاج = معاني القرآن للزجاج.
- تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق التنزيل.
- تفسير السمرقندي = بحر العلوم
- تفسير الطبري = جامع البيان
- تفسير القاسمي = محاسن التأويل
- تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) لمحمد رشيد رضا، دار المعرفة، الطبعة الثانية، بالأوفست.
- تفسير القرآن العظيم / لإسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (774هـ)، دار الفكر.
- تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن.(1/186)
- التفسير الكبير / لفخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت606هـ)، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة.
- تقريب التهذيب / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ)/ تحقيق أبو الأشبال صغير أحمد شاغف/ دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى 1416هـ.
- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، المطبعة العربية باكستان، المكتبة الأثرية باكستان.
- التمام لما صح في الروايتين والثلاث والأربع عن الإمام/ لمحمد بن محمد بن الحسين (ابن أبي يعلى) (ت526هـ)/ تحقيق عبدالله الطيار، وزميله/ دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى 1414هـ.
- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد/ ليوسف بن عبدالله بن عبدالبر النمري (ت463هـ)/ تحقيق سعيد أحمد اعراب/ توزيع مكتبة الأوس، المدينة المنورة.
- تهذيب وترتيب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي/ لمحمد بن عمر بن سالم بازمول، دار الهجرة - الثقبة (الظهران)، 1412هـ.
- تهذيب التهذيب / لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، طبع مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر أباد - الدكن، الطبعة الأولى - نشر دار صادر.
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان / لعبدالرحمن بن ناصر السعدي/ تحقيق محمد زهري النجار/ المؤسسة السعيدية بالرياض.
( ج )
- جامع الأصول في أحاديث الرسول ( ، لمجد الدين أبي البركات ابن الأثير (ت606هـ)، تحقيق عبدالقادر الأرنؤوط، دار الفكر، الطبعة الثانية 1403هـ.
- جامع البيان عن تأويل القرآن / لمحمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، دار الفكر، بيروت، 1405هـ.
- الجامع الصحيح، لمحمد بن إسماعيل البخاري(ت256هـ) تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، مع شرحه فتح الباري، المطبعة السلفية.
- الجامع الصحيح، لمسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث.(1/187)
- الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبدالله محمد الأنصاري القرطبي، (ت671هـ)، تصحيح/ أحمد عبدالعليم البردوني، وزملائه، الطبعة الثانية 1372هـ.
- جواهر الإكليل شح مختصر خليل، في مذهب الإمام مالك، لصالح عبدالسميع الآبي الأزهري، دار الفكر بيروت.
( ح )
- حاشية السندي على سنن النسائي/ لأبي الحسن نور الدين بن عبدالهادي السندي (ت1138هـ) = سنن النسائي.
- حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي / لأحمد بن محمد الخفاجي (ت1069هـ)، وبهامشه تفسير البيضاوي/ المكتبة الإسلامية، أزدمير، ديار بكر، تركيا، دار صادر، بيروت.
- حاشية ابن عابدين (رد المحتار على الدر المختار)/ دار إحياء التراث العربي.
- حاشية ابن المنير على الكشاف = الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال
- الحاوي (شرح مختصر المزني)، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت450هـ)، تحقيق علي محمد معوّض وزميله، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1414هـ.
( د )
- دائرة المعارف الإسلامية / لجماعة من المستشرقين، ترجمها إلى العربية أحمد الشنتناوي، وزملاؤه، مراجعة محمد مهدي علام - دار المعرفة - بيروت.
- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون/ لشهاب الدين أبي العباس بن يوسف بن محمد (السمين) الحلبي/ تحقيق علي محمد معوض/ دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1414هـ
- دفع إيهام الاضطراب = أضواء البيان
- دليل السالك لمذهب الإمام مالك، لمحمد محمد سعد، وملحق بها رسالة المستثنيات بشرح العلامة أبي البركات سيدي لأحمد الدردير، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، الطبعة الخامسة.
- ديوان الراعي النميري/ جمعه وحققه راينهرت فايبرت/ ضمن نصوص ودراسات سلسلة يصدرها المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت/ يطلب من دار النشر فرانتس شتاينر بفيسبادن/ 1401هـ.
( ر )(1/188)
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني / لأبي الفضل شهاب الدين محمود الألوسي (ت1270هـ)، دار الفكر سنة 1498هـ.
- الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني/ لمحمد شكور محمد الحاج امرير/ المكتب الإسلامي، بيروت، دار عمّار، الطبعة الأولى 1405هـ.
( ز )
- زاد المسير في علم التفسير / لعبدالرحمن بن علي ابن الجوزي (ت597هـ)، تحقيق زهير الشاويش - المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة الثالثة 1404هـ.
- زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية (ت751هـ)، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعبدالقادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار، الطبعة السابعة 1405هـ.
( س )
- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها / لمحمد ناصر الدين الألباني، المجلد الأول والثاني المكتب الأسلامي، المجلد الثالث المكتبة الإسلامية.
- السموط الذهبية الحاوية للدررر البهية/ لأحمد بن محمد بن علي الشوكاني (ت1281هـ)، تحقيق إبراهيم باجس عبدالمجيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1410هـ.
- سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني، أبوداود، (ت275هـ)، إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس، دار الحديث الطبعة الأولى 1388هـ.
- سنن ابن ماجة، لمحمد بن يزيد القزويني، ابن ماجة، (ت273هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي 1395هـ.
- سنن البيهقي = السنن الكبير (الكبرى)
- سنن الترمذي، لمحمد بن عيسى الترمذي (ت279هـ)، تحقيق أحمد شاكر ج1،2، ومحمد فؤاد عبدالباقي ج3،وإبراهيم عطوة 4،5، وفي آخره العلل الصغير للترمذي أيضاً، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- سنن الدارمي، لعبدالله بن عبدالرحمن الدارمي (ت255هـ)، بعناية محمد أحمد طهمان، دار إحياء السنة النبوية.
- سنن النسائي، لأحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ)، وبهامشه زهر الربى على المجتبى، وحاشية السندي، دار إحياء التراث(523) كما رجعت لطبعة دار المعرفة.(1/189)
- السنن الكبير (الكبرى) / لأحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ)، وفي ذيله "الجوهر النقي"، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند 1344هـ.
( ش )
- شرح الزركشي على مختصر الخرقي، في الفقه على مذهب الإمام أحمد، لشمس الدين محمد بن عبدالله الزركشي (ت772هـ)، تحقيق وتخريج عبدالله بن عبدالرحمن آل جبرين، بدون معلومات نشر.
- شرح صحيح مسلم للنووي = المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج
- شرح الطحاوية = شرح العقيدة الطحاوية
- شرح العقيدة الطحاوية، لمحمد بن علي بن أبي العز الحنفي (ت792هـ)، خرّج أحاديثها محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة السادسة 1400هـ.
- شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية (728هـ)، تحقيق صالح بن محمد الحسن، نشر مكتبة الحرمين بالرياض، الطبعة الأولى 1409هـ.
- شرح كتاب الكسب = الكسب
( ص )
- صحيح ابن حبان = الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان.
- صحيح البخاري = الجامع الصحيح للبخاري
- صحيح سنن الترمذي باختصار السند / تصحيح الأحاديث لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، توزيع المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1408هـ.
- صحيح سنن أبي دود باختصار السند/ صحح أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني/ نشر مكتب التربية العربي/ المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1409هـ.
- صحيح سنن ابن ماجة باختصار السند / تصحيح الأحاديث لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، توزيع المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1408هـ.
- صحيح سنن النسائي باختصار السند / تصحيح الأحاديث لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، توزيع المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى1409هـ.
- صحيح مسلم = الجامع الصحيح لمسلم
( ض )
- ضعيف سنن أبي دود / ضعّف أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني/ المكتب الإسلامي الطبعة الأولى 1412هـ.
( ط )(1/190)
- طرح التثريب في شرح التقريب / لأبي الفضل عبدالرحيم العراقي (ت806هـ)، وولده أبي زرعة العراقي (ت862هـ)/ دار إحياء التراث العربي، بيروت.
( ع )
- العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية/ لمحمد بن أحمد بن عبدالهادي الحنبلي (ت744هـ)/ تقديم علي صبح المدني/ مطبعة المدني، القاهرة.
( غ )
- غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب / محمد السفاريني/ أمر بطبعه الملك فيصل بن عبدللعزيز آل سعود، غفر الله/ مطبعة الحكومة بمكة، 1393هـ
- الغاية القصوى في دراية الفتوى/ لعبدالله بن عمر البيضاوي (ت685هـ)/ تحقيق علي محي الدين القرة داغي/ دار الإصلاح، الدمام.
( ف )
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، تحقيق عبدالعزيز بن باز إلى كتاب الجنائز (ج1-3)، ترتيب وترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، المكتبة السلفية.
- فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، لأبي يحي زكريا الأنصاري (ت925هـ)، وفي الهامش منهج الطلاب للمؤلف، الرسائل المذهبية في المسائل الدقيقة المنهجية، للسيد مصطفى الذهبي الشافعي، نشر دار المعرفة، بيروت.
- الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية/ لسليمان بن عمر العجلي (ت1204هـ)/ وبهامشه تفسير الجلالين، وإملاء ما من به الرحمن للعكبري/ دار إحياء التراث العربي.
- الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، الطبعة الثالثة 1409هـ.
- فقه الزكاة، ليوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة.الطبعة الثانية 1405هـ.
- الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني/ لأحمد بن غنيم النفراوي (ت1120هـ)، دار المعرفة، بيروت.
- فيض القدير شرح الجامع الصغير، لمحمد عبدالرؤوف المناوي (ت1031هـ)، دار المعرفة بيروت، الطبعة الثانية 1391هـ.
( ق )
- القراءات وأثرها في التفسير والأحكام/ لمحمد بن عمر بازمول/ دار الهجرة، الطبعة الأولى 1417هـ.(1/191)
- قمع الحرص بالزهد والقناعة، ورد ذل السؤال بالكتب والشفاعة/ لأبي عبدالله القرطبي (ت671هـ)/ تحقيق مجدي فتحي السيد/ دار الصحابة للتراث بطنطا/ الطبعة الأولى 1409هـ
- القوانين الفقهية/ لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي (ابن جزي) (ت741هـ)، مكتبة أسامة بن زيد، بيروت.
( ك )
- الكافي (في فقه أهل المدينة المالكي)، لابن عبدالبر النمري (ت463هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1407هـ.
- الكسب / لمحمد بن الحسن الشيباني (ت189هـ)/ وشرحه لشمس الأئمة محمد بن أحمد السرخسي (ت483هـ)/ ويليه رسالة الحلال والحرام لابن تيمية (728هـ)/ اعتنى بهما عبدالفتاح أبوغدة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1417هـ.
- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل / لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت538هـ)/ ويليه "الكافي الشافي" لابن حجر/ دار المعرفة/ بيروت.
- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة / لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807هـ)/ تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي/ مؤسسة الرسالة/ الطبعة الأولى 1399هـ.
- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها/ لأبي محمد مكي بن أبي طالب (ت437هـ)/ تحقيق محي الدين رمضان/ مؤسسة الرسالةالطبعة الثالثة 1404هـ.
- كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار / لتقي الدين الحصني (من علماء القرن التاسع)/ دار المعرفة للطباعة والنشر./ الطبعة الثانية.
( ل )
- لباب التأويل في معاني التنزيل/ لعلاء الدين علي بن محمد البغدادي (ت725هـ)/ وبهامشه تفسير النسفي (مدارك التنزيل)/ دار المعرفة، بيروت.
( م )
- المبسوط في القراءات العشر / لأبي بكر ابن مهران (ت381هـ)/ تحقيق سبيع حمزة حاكمي/ دار القبلة للثقافة الإسلامية/ جدة/ مؤسسة علوم القرآن/ بيروت/ الطبعة الثانية 1408هـ.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ)/ دار الكتاب العربي/ الطبعة الثالثة 1402هـ.(1/192)
- المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا يحي بن شرف النووي (ت676هـ)، ويليه فتح العزيز شرح الوجيز، للرافعي، ويليه التلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني، دار افكر.
- مجموع الفتاوى، لأحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية (ت728هـ)، جمع عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، مطبعة الرسالة، سوريا، الطبعة الأولى 1398هـ.
- محاسن التأويل / لمحمد جمال الدين القاسمي (ت1332هـ)/ تصحيح وتعليق محمد فؤاد عبدالباقي/ دار الفكر/ الطبعة الثانية 1398هـ.
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ لأبي محمد عبدالحق بن عطية الأندلسي (ت546هـ)/ تحقيق عبدالسلام الشافعي / دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1413هـ.
- المحلى / لعلي بن حزم (456هـ)/ تحقيق أحمد شاكر/ دار الفكر.
- المختارة للضياء = الأحاديث المختارة
- مختصر اختلاف العلماء لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ)/ اختصار أبوبكر أحمد الجصاص الرازي (ت375هـ)/ تحقيق د عبدالله نذير أحمد/ دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1416هـ.
- مختصر الطحاوي لأبي جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي (331هـ)، حققه وعلّق عليه أبو الوفاء الأفغاني، دار إحياء العلوم، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ.
- مختصر فتاوى ابن تيمية/ لبدر الدين محمد بن علي البعلي (ت777هـ)، أشرف على تصحيحه عبدالمجيد سليم/ دار الكتب العلمية، 1405هـ.
- مختصر المستدرك للذهبي بهامش المستدرك = المستدرك على الصحيحين للحاكم.
- مدارج السالكين بين منازل "إياك نعبد وإياك نستعين"/ لابن قيم الجوزية (ت751هـ)/ تحقيق محمد حامد الفقي/ بدون معلومات نشر.
- المدونة الكبرى، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، رواية سحنون بن سعيد التنوخي، عن عبدالرحمن بن قاسم، ومعها مقدِّمات ابن رشد، لبيان ما اقتضته المدونة من الأحكام، دار الفكر.(1/193)
- المستدرك على الصحيحين، لأبي عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري (ت405هـ)، ومعهه مختصر المستدرك للذهبي بالهامش/ نشر دار الكتاب العربي، بيروت.
- مسند أحمد بن حنبل، لأحمد بن محمد بن حنبل (ت241هـ)، الطبعة الميمنية، وبهامشه المنتخب من كنز العمال، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1398هـ(524).
- مسند أبي بكر الصديق ( / لأبي بكر أحمد بن علي بن سعيد الأموي المروزي (ت252هـ)/ تحقيق وتخريج شعيب الأرنؤوط/ المكتب الإسلامي/ الطبعة الثالثة 1399هـ.
- مسند البزار = كشف الأستار
- مسند أبي داود الطيالسي/ لسليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (ت204هـ)/ دار المعرفة، بيروت.
- معالم التنزيل / لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت516هـ)/ تحقيق خالد العك/ وزميله/ دار المعرفة/ الطبعة الأولى 1406هـ.
- ??C?? C????? O?? ??? ?E? IC?I? ???I E? ???I C?I?CE? (E388?U)? ???? ?IE?? C???? ???????? ?E???E C???? ?CE? C????? E???? ???I ?C?I C????? ????I ???I OC??? IC? C?????E 1400?U.
- معاني القرآن وإعرابه / لأبي إسحاق الزجاج (ت311هـ)/ تحقيق عبدالجليل عبده شلبي/ عالم الكتب/ الطبعة الأولى 1408هـ.
- المعجم الصغير / لسليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) = الروض الداني
- معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذيل بالإملاء / لعبدالغني الدقر/ دار القلم/ دمشق/ الطبعة الأولى 1406هـ.
- المعجم الكبير / لسليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ)/ تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي/ الطبعة الثانية.
- معجم مقاييس اللغة = مقاييس اللغة
- C?????E (??? ???E ?C?? C??I??E)? ???C?? ?EIC???CE C?EUICI? (E422?U)? E???? ?I?C?E/ ???O ?EIC???? C???EEE C?E?C??E? ??E.
- معونة أولي النهى شرح المنتهى/ لمحمد بن أحمد (ابن النجار) (ت972هـ)/ تحقيق ودراسة د: عبدالملك بن دهيش.دار خضر بيروت، الطبعة الأولى 1416هـ.(1/194)
- المغني (شرح مختصر الخرقي)، لأبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (ت620هـ)، نشر مكتبة الجمهورية العربية، مكتبة الكليات الأزهرية، بتقديم محمد رشيد رضا.
- مفاتيح الغيب = التفسير الكبير
- مفردات الراغب = المفردات في غريب القرآن
- مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس (ت395هـ)، تحقيق عبدالسلام هارون، دار الكتب العلمية، إسماعيليان نجفي، إيران.
- المفردات في غريب القرآن، لحسين بن محمد الراغب الأصفهاني (ت502هـ)، تحقيق محمد سيد الكيلاني، دار المعرفة، بيروت.
- المقنع (في فقه الإمام أحمد بن حنبل)، لموفق الدين ابن قدامة المقدسي (ت620هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1399هـ.
- منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل / لجمال الدين أبي عمرو ابن الحاجب (ت646هـ)/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الأولى 1405هـ.
- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج / لمحي الدين يحي بن شرف النووي (ت676ه)/ بتصحيح محمد محمد عبداللطيف/ الطبعة الثانية 1392هـ/ دار إحياء التراث.
- المهذب في فقه الإمام الشافعي، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي (ت476)، وبهامشه "النظم المستعذب في شرح غريب المهذب" لمحمد بن أحمد الركابي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة 1396هـ.
- موطأ مالك / لمالك بن أنس الأصبحي (ت179هـ)/ تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبدالباقي/ دار إحياء التراث العربي 1406هـ.
( ن )
- النشر في القراءات العشر / لمحمد بن محمد ابن الجزري (ت833هـ)/ إشراف علي محمد الضباع/ دار الفكر للطباعة والنشر.
- نيل المرام من تفسير آيات الأحكام/ لمحمد صديق حسن خان/ دار المعرفة بيروت.
( و )
- الوسيط في تفسير القرآن المجيد/ لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي (ت468هـ)/ تحقيق علي محمد معوض وزملائه/ دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415هـ.
كشاف الآيات القرآنية(1/195)
{ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ 20، 31,21،38،42،199
{أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدع…208
{إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة…21, 197
{أنؤمن لك واتبعك الأرذلون…68
{أو مسكيناً ذا متربة… 18،46, 49، 201, 213
{إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً.…201
{إن الله فقير ونحن أغنياء…92
{إن المتقين في جنات وعيون …202
{إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي… 103, 305
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم…86
{انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا… 128
{انفقوا من طيبات …83
{إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما…9, 11, 107
{إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله…9, 12, 123, 124
{إنما الصدقات للفقراء 9, 11, 12, 13, 20،23،30, 36, 42, 54, 108, 137
{إنه كان لايؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام…208
{الذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام،…313
{الذين يبخلون ويأمرون الناس …127
{الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم إن…192
{الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية…201
{الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم 9, 10, 27, 83, 87
{تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير.…3
{رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير…9،10،309
{ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا…86
{شرعة ومنهاجا…55
{ضربت عليهم الذلة أين ماثقفوا إلا بحبل من الله…27
{فآت ذا القربى حقه والمسكين… 18،201
{فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول 3،208
{فأمّا من اعطى واتقى وصدّق …84, 85
{فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها 18
{فسقى لهما ثم تولى إلى الظل… 89, 92
{فكفارته اطعام عشرة مساكين… 30
{فكلوا منها واطعموا البائس الفقير…9, 11, 12, 114, 117
{فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة…22, 213
{فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله…126
{فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية…314(1/196)
{فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا…18, 22
{قاتلوا الذين لايؤمنون بالله واليوم الآخر…28
{قل ما أنفقتم من خير فللوالدين …19, 22
{كل نفس بما كسبت رهينة. إلا أصحاب اليمين …208, 210
{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم 303, 304, 307
{لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم…19, 22, 167
{لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير…9, 11
{للفقراء الذين احصروا في سبيل الله…9, 12, 13, 32، 36, 51, 56, 96, 98, 293
{للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم…10, 12, 13, 32،57, 130, 138, 196
{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق…19, 52, 99, 201
{ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء…302
{ما أفاء الله على رسوله من أهل20, 23, 138, 196
{هدياً بالغ الكعبة…311
{هم الذين يقولون لا تنفقوا على 127
{وآت ذا القربى حقه والمسكين 18, 188
{وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى…46, 50
{وأمّا من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت…208
{وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله…19, 156
{وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت 110, 111
{وإذا حضر القسمة أولوا القربى… 19, 22, 160
{وإن تخفوها تؤتوها الفقراء فهو خير لكم…30
{وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء… 9, 12
{وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم…105
{وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله…125
{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم…105
{واطعموا البائس الفقير… 49, 113, 117
{واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا…19, 165
{واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله…20, 22, 137, 172, 173
{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ…111, 119
{والله الغني وأنتم الفقراء…10, 11, 15, 89, 90, 128, 276
{والله يعدكم مغفرة منه وفضلا…85
{والهدي معكوفاً أن يبلغ محله…311
{وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم…123
{وباءوا بغضب من الله…18(1/197)
{وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد…309
{وضربت عليهم الذلة والمسكنة…18, 20, 27
{وعلى الذين يطيقونه فدية…18, 22
{ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به…79
{ولاتؤتوا السفهاء أموالكم…39, 199
{ولاتحاضون على طعام المسكين…18, 21
{ ولاتحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله…311
{ولايأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى…20
{ولايحض على طعام المسكين…18, 21, 209
{ولم نك نطعم المسكين…18, 21
{ولهم مقامع من حديد…39, 199
{وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً…105
{وما انفقتم من شيء فهو يخلفه …85
{ومن بخل فإنما يبخل عن نفسه… 89
{ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف…9, 11, 106
{وهم ينهون عنه وينأون عنه…55
{ووجدك عائلاً فأغنى…16, 58, 92, 146, 150, 154
{ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا…18, 168, 303
{يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم…83
{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو…107
{يا أيها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد…19, 171
{يا أيها الناس أنتم الفقراء …9, 10, 13, 15, 89, 129, 145, 153
{يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف،…52, 99
{يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين…165, 175
كشاف الأحاديث النبوية
"ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ… 71
"أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا…52, 99
"اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّك…193
"ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ 104, 301
"أَرْبَعَةٌ يَبْغُضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ… 33, 59, 150
"اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا…37, 61
"أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ…316
"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ…63, 68
"أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا…215(1/198)
"ألم تروا إلى هذا دخل بهيئة بذة فأعطيته 194
"أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي… 74، 267
"أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ؟…194
"إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً 177
"إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى…198
"إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً…86
"إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا تُعْطِينَهُ إِيَّاهُ إِلَّا ظِلْفًا…100
"إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا 72
"إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ…205
"إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي 204
"أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ: فُقَرَاءُ…68
"أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ…211
"تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ…61
"تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفَقْر…142
"ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ… 33, 58, 150
"الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ 104
"حَوْضِي كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّانَ …66
"حَوْضِي مِنْ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ الْبَلْقَاءِ 65
"حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَات…214
"حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِه…214
"ردوا السائل ولو بظلف محرق… 53, 100
"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ… 104
"السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ…158
"عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ…266
"فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا…194, 319
"فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى…4
"قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ 37
"قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ… 61
"كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يمون…191, 197(1/199)
"كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا…116
"كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ 106
"لا تحل الصدقة لغني و لالقوي مكتسب…295
"لا صدقة إلا عن ظهر غنى…290
"ليس المسكين الذي ترده… 36, 37, 203, 204
"لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ 283
"لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ…286،308
"اللهم اجعل رزق آل محمد [(] قوتا…3, 35،272،280
"اللهم احيني مسكيناً وأمتني مسكيناً 4, 34, 143, 270, 271, 279
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ 73
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ…141
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ…143
"لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ… 51, 98
"مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟…189
"مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ 70
"مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ… 52, 100
"مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا… 85
"مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ 199
"مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ …153
"المؤمن من أمنه الناس على دمائهم 13
"نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا…116
"هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا… 69 , 124
"وَلَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هَذَا إِلَّا الْخُمُسُ 175
"يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟…14, 144, 152
"يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ ويَقُولُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ…193
يَا خُوَيْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي… 318
"يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ…282
"يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ 64(1/200)
"يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ…93
(1) من كلام ابن تيمية رحمه الله، نقله في مدارج السالكين (3/442). وانظر مختصر الفتاوى المصرية ص572.
(2) من كلام ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (9/583).
(3) حديث صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي ( وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6460)، ومسلم في كتاب الزهد حديث رقم (1055)، واللفظ له، وانظر فتح الباري (11/293).
(4) حديث صحيح، عن عمرو بن عوف رضي الله عنه.
أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب ما يحذر من زهرة الدنيا، والتنافس فيها، حديث رقم (6425).
(2) من كلام عبدالله بن مسعود د ( . بإسناد حسن عنه.
أخرجه وكيع في كتاب الزهد (1/359) تحت رقم (132)، وأخرجه وابن المبارك في كتاب الزهد والرقاق ص199، و هناد في كتاب الزهد تحت رقم (605).
…والأثر حقق الشيخ الفريوائي جزاه الله خيراً، حُسن إسناده، بل وصحته لغيره، لوجود متابعات له، في تحقيقه لكتاب الزهد لوكيع، وذكر مصادر أخرى خرّجت هذا الأثر، فارجع إليه إن شئت التوسع، والله الموفق.
(6) حديث حسن لغيره.
…أخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب ماجاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، حديث رقم (2353)، وهو قطعة من حديث عن أنس رضي الله عنه، وقال عنه الترمذي: "حديث غريب"، وفي السند الحارث بن النعمان الليثي، ضعيف. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب مجالسة الفقراء، حديث رقم (4126)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي سنده أبو المبارك رجل مجهول.
…والحديث حسنه لغيره الألباني في إرواء الغليل (3/358-363).
(7) اعتمدت في تحديد الآيات المنية والمكية على ماجاء في المعجم المفهرس، ولم اعتمد على بحث خاص مني في ذلك.
(8) زاد المسير (6/213).
(9) مفردات الراغب ص383.
(10) حديث صحيح، عن فضالة بن عبيد (.(1/201)
…أخرجه أحمد في المسند (6/21،22)، وابن ماجة مختصراُ في كتاب الفتن، باب حرمة دم المسلم وماله، حديث رقم (3934). ولفظ أحمد: عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ مَنِ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"
…وجاء عن ابي هريرة ( بنحوه مختصراً، عند النسائي في كتاب الإيمان وشرائعه باب صفة المؤمن، والترمذي في كتاب الإيمان باب ما جاء في أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
…وعن أنس ( بنحوه وزاد: "ولايدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه"، أخرجه ابن حبان (الإحسان 2/264، حديث رقم 510)، والحاكم (1/11) وصحح اسناده محقق الإحسان عن أنس (.
…والحديث عن فضالة ( صححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 549.
(11) مجموع الفتاوى (11/196-197).
(12) حديث صحيح.
…أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان2/461، حديث رقم 685)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/327) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرجاه من طريق الأعمش عن زيد بن وهب عن أبي ذر مختصراً"اهـ، وأخرجه الطبراني في الكبير (2/154، تحت رقم 1643)، وقال في مجمع الزوائد (10/237): "رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه"اهـ.
…والحديث صححه محقق الإحسان على شرط مسلم، وصححه مجدي فتحي السيد في تحقيقه لكتاب "قمع الحرص بالزهد والقناعة" للقرطبي ص121.
(13) انظر مدراج السالكين (2/440).(1/202)
(14) من كلام ابن حجر رحمه الله، في فتح الباري (11/273). وانظر كلاماً للقرطبي في هذا المعنى فيه (11/272)، وقارن بـ قمع الحرص بالزهد والقناعة ص120.
(15) انظر مدارج السالكين (2/438)، فتح الباري (11/274).
(16) مدارج السالكين (2/440).
(17) مدارج السالكين (2/440).
(18) اسم المصدر "هو ماساوى المصدر في الدلالة على معناه، وخالفه بخلوه ـ لفظاً أو تقديراً دون عوض ـ من بعض ما في فعله" معجم القواعد العربية ص45.
(19) انظر زاد المسير (3/457) نقلاً عن ابن الأنباري، وتفسير القرطبي (8/169).
(20) انظر تفسير الواحدي الوسيط (4/272)، والمحرر الوجيز (5/286-287). وفي هذا التوجيه نظر، سيأتي عند تفسير آية الفيء هذه، إن شاء الله تعالى.
(21) دائرة المعارف الإسلامية (10/360).
(22) مقاييس اللغة (4/443).
(23) تاج العروس (3/473).
(24) مقاييس اللغة (3/88).
(25) تاج العروس (9/237).
(26) سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ ذكر الأحاديث في هذه المسألة.
(27) انظر تاج العروس (3/473).
(28) وهو من فقر النفس، انظر زاد المسير (1/91).
(29) انظر تفسير ابن كثير (1/102).
(30) الجامع الصحيح للبخاري، كتاب الجزية والموادعة باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب. انظر فتح الباري (6/257).
(31) فتح الباري (6/259).(1/203)
(32) من كلام جمال الدين القاسمي في محاسن التأويل (2/139) بتصرف يسير. وقال الشيخ الدراز رحمه الله في كتابه النبأ العظيم ص52-53، في تعليق له استطرد فيه إلى هاتين الآيتين: "ألا ترى اليهود منذ صدرت عليهم هذه الأحكام أشتاتاً في كل واد، أذلاء في كل ناد، لم تقم لهم في عصر من العصور دولة، ولم تجمعهم قط بلدة. وهم اليوم على الرغم من تضخم ثروتهم المالية إلى ما يقرب من نصف الثروة العالمية لا يزالون مشردين ممزقين عاجزين عن أن يقيموا لأنفسهم دويلة كأصغر الدويلات. بل تراهم في بلاد الغرب المسيحية يسامون أنواع الخسف والنكال، ثم تكون عاقبتهم الجلاء عنها مطرودين. وبلاد الإسلام - التي هي أرحب أرض الله صدراً - إنما تقبلهم رعية محكومين لا سادة حاكمين.
…وهل أتاك آخر أنبائهم؟
…لقد زينت لهم أحلامهم أن يتخذوا من "الأرض المقدسة" وطناً قومياً تأوي إليه جالياتهم من أقطار الأرض، حتى إذا ما تألف منهم هنالك شعب ملتئم الشمل وطال عليهم الأمد فلم يزعجهم أحد؟ سعوا إلى رفع هذا العار التاريخي عنهم باعادة ملكهم القديم في تلك البلاد. وعلى برق هذا الأمل أخذ أفواج منهم يهاجرون إليها زرافلات ووحدانا، وينزلون بها خفافاً أو ثاقلاً.. فهل استطاعوا أن يتقدموا هذه الخطوة الأولى - أو لعلها الأولى والأخيرة - مستندين إلى قوتهم الذاتية؟ كلا.. ولكن مستندين إلى {حبل من الناس} فماذا تقول؟ قل: صدق الله، ومن أصدق من الله حديثاً. أمّا ظنهم الذي يظنون وهو أنهم بمزاحمتهم للسكان في أرضهم وديارهم يمهدون لما يحلمون به من مزاحمتهم بعد في ملكهم وسلطانهم، فذلك ما دونه خرط القتاد. يريدون أن يبدلوا كلام الله، و لامبدل لكلماته {أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا} النساء:53. والله من ورائهم محيط"اهـ بتصرف يسير.
(33) انظر الحاوي للماوردي (8/487)، والإيمان لابن تيمية ص159.
(34) انظر الإيمان لابن تيمية ص159.(1/204)
(35) انظر زاد المسير (4/456).
(36) المحلى (6/148-149) باختصار.
(37) يشير رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في كتاب الزكاة، باب الفقير المختال، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَرْبَعَةٌ يَبْغُضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ وَالشَّيْخُ الزَّانِي وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ"، والحديث صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (363). وأخرج مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، و لاينظر إليهم، و لايزكيهم ولهم عذاب اليم، حديث رقم (107)، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ".
(38) اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى ص89-91 باختصار.
(39) حديث حسن لغيره.
…أخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب ماجاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، حديث رقم (2353)، وهو قطعة من حديث أنس رضي الله عنه، وقال عنه الترمذي: "حديث غريب"، وفي السند الحارث بن النعمان الليثي، ضعيف. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب مجالسة الفقراء، حديث رقم (4126)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي سنده أبو المبارك رجل مجهول.
…والحديث حسنه لغيره الألباني في إرواء الغليل (3/358-363).(1/205)
(40) كذا قال رحمه الله، ولم أجده عند ابن ماجه، وقد عزاه الألباني في إرواء الغليل (3/362) إلى الشيرازي في الألقاب من طريق طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً، قال: "لكن طلحة بن عمرو متروك"اهـ. قلت: والحديث عند ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري، كما رأيت في تخريجه آنفاً.
(41) سياق الحديث بتمامه : عن أنس بن مالك (: قال رسول الله (: "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة. فقالت عائشة: لم يارسول الله؟ قال: إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً. يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، ياعائشة أحبي المساكين وقربيهم، فإن الله يقربك يوم القيامة" . قلت: هذه الزيادة (التي تحتها الخط)، سندها ضعيف، ولم يأت ما يشهد لها في هذا السياق، نعم جاء ما يشهد لها في غير هذا السياق، فافهم. وانظر إرواء الغليل (3/359).…
(42) اختيار الأولى ص96-97.
(43) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي ( وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6460)، ومسلم في كتاب الزهد حديث رقم (1055)، واللفظ له، وانظر فتح الباري (11/293).
…وجاء في رواية: "كفافاً" مكان "قوتا". والكفاف: الذي لا يفضل عن الشيء. انظر جامع الأصول (4/671-672).
(44) انظر فتح الباري (11/274-275).
(45) أضواء البيان (5/605). وانظر دفع إيهام الاضطراب ص328.
(46) الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة (1/224)، تفسير الرازي (16/107).
(47) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب {لا يسألون الناس الحافاً}، حديث رقم (4539).
(48) أخرجها البخاري في كتاب الزكاة باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس الحافا}، وكم الغنى، حديث رقم (1479).
(49) أخرجها البخاري في الموضع السابق نفسه، تحت رقم (1476).
(50) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، حديث رقم (6547).
(51) حديث صحيح.(1/206)
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب فضل الفقر، حديث رقم (6449).
(52) انظر فتح الباري (11/420).
(53) انظر زاد المسير (3/457) نقلاً عن ابن الأنباري، وتفسير القرطبي (8/169).
(54) حديث صحيح.
…أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب جواز ارداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق، حديث رقم (2182).
(55) انظر تفسير القرطبي (8/170).
(56) مفردات الراغب ص237، بصائر ذوي التمييز (3/242).
(57) قال القرطبي في تفسيره (8/169): "ذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة والحديث منهم أبوحنيفة والقاضي عبدالوهاب"اهـ فأظنه يعني بأبي حنيفة الدينوري وليس الفقيه، والله اعلم، وقارن بـ "التمهيد" لابن عبدالبر (18/50)، و "المعونة" للقاضي عبدالوهاب (1/441).
(58) كذا، ووافقه في نقل هذا عن الأصمعي ابن عبدالبر النمري في التمهيد (18/51)، وستأتي عبارته قريباً، وفي "الفاخر" للمفضل بن سلمة ص119: "قال الأصمعي: الفقير الذي له بلغة من عيش، والمسكين الذي لا بلغة له. قال الله عزوجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}، وقال الراعي:
وفق العيال فلم يترك له سَبَدُ"اهـ
أمَّا الفقير الذي كانت حلوبته
…فإما أن يكون للأصمعي قولان، وإما أن أحدهما لا يصح عنه.
(59) حكاية هذه الأقوال مجموعة من التمهيد لابن عبدالبر (18/51)، زاد المسير (4/455-457)، تفسير القرطبي (8/169-171)، بإضافة مازاده كل واحد منهم إلى كلام الآخر.
(60) التمهيد (18/51). ومابين معقوفتين من كلام القرطبي في تفسيره (8/169).
(61) ذكر هذه الأقوال (السابع، والثامن والتاسع) القرطبي في تفسيره (8/171).
(62) سبق أن اعتبرت القول بالتفريق بالزمانة ضمن القسم الأول، وهو الأقوال التي اعتبرت الحاجة في التفريق بين المسكين والفقير، وسيأتي تحرير أن هذا هو الصواب.
(63) الحاوي للماوردي (8/477).
(64) الحاوي للماوردي (8/488).
(65) الحاوي للماوردي (8/488).(1/207)
(66) البيت من قصيدة له يمدح عبدالملك بن مروان ويشكو السعاة/ من بحر البسيط/ مطلعها:
………بان الأحبة بالعهد الذي عهدوا فلا تمالك عن أرض لها عمدوا
…………… ديوان الراعي النميري ص64.
(67) تفسير الرازي (16/109-110)، زاد المسير (4/455)، تفسير القرطبي (8/169).
(68) وجواب آخر على الاستدلال ببيت الراعي، ذكره في الحاوي (8/490)، والتمهيد (18/51)، والتفسير الكبير (16/110)، ومحصلته: أن يقال: إنما كانت حلوبته وفق عياله في حال، ثم أخذت منه فصار فقيراً، حيث لم يترك له سَبَدُ.
…وعلى هذا فالبيت شاهد على أن الفقير من لا شيء عنده، فهو أسوأ من المسكين. لكن هذا الاعتراض تعقبه في المحرر الوجيز (2/48)، بأن معنى القصيد ومقصد الشاعر، أنه إنما يصف سعاية أتت على مال الحي باجمعه، فقال: أمّا الفقير فاستؤصل ماله، فكيف بالغني مع هذا الحال. وسياق الأبيات التي جاء هذا البيت منها كما في ديوان الراعي النميري ص64-65:…
بالعدل فينا فما أبقوا و ما قصدوا
أزرى أموالنا قوم أمرتهم
حتى نضاعف أضعافاً لها غدّد
نعطي الزكاة فما يرضى خطيبهم
وفق العيال فلم يُترك له سَبَد
أمّا الفقير الذي كانت حلوبته
على التلاتل من أموالهم عقد
واختل ذو المال و المثرون قد بقيت
…قلت: فالجواب على الاستدلال بهذا البيت هو ما ذكرته أعلاه.
(69) تفسير القرطبي (8/169).
(70) الحاوي (8/488).
(71) انظر تفسير القرطبي (8/171).
(72) حديث صحيح.
…أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقاق، حديث رقم 2979.
(73) انظر الحاوي للماوردي (8/490).
(74) والبائس: هو الفقير، عطف عليه عطف بيان، وهذا على قول. انظر التحرير والتنوير (17/247-248).
(75) روح المعاني (10/121).
(76) تفسير الرازي (16/108).
(77) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {لايسألون الناس الحافا}، حديث رقم (1479).
(78) فتح الباري (3/343).
(79) حديث صحيح، عن أبي هريرة (.(1/208)
…أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، حديث رقم (2581).
(80) حديث صحيح، عن ابن مسعود (.
…أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، حديث رقم (2608).
(81) حديث صحيح.
…أخرجه مالك في الموطأ كتاب الجامع باب ماجاء في المساكين، أبوداود في كتاب الزكاة باب حق السائل، والترمذي في كتاب الزكاة باب ماجاء في حق السائل، حديث رقم (665)، والنسائي في كتاب الزكاة باب رد السائل.
(82) التمهيد لابن عبدالبر (18/50). وقارن بـ طرح التثريب (4/32-33).
(83) التمهيد لابن عبدالبر (18/49).
(84) الإيمان ص169.
(85) تفسير القرطبي (8/174).
(86) الاجماع لابن المنذر ص51، والإفصاح عن معاني الصحاح (1/228).
(87) الإفصاح عن معاني الصحاح (1/229).
(88) المحرر الوجيز (2/48).
(89) قد أشار إلى هذا المعنى ابن القيم في مدارج السالكين (2/440)، وابن حجر في فتح الباري (11/273).
(90) حديث صحيح.
…أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، و لاينظر إليهم، و لايزكيهم ولهم عذاب اليم، حديث رقم (107).
(91) حديث صحيح.
…أخرجه النسائي في كتاب الزكاة، باب الفقير المختال.
…والحديث صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (363).
(92) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب فضل الفقر، حديث رقم (6449).
(93) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، حديث رقم (6547).
(94) فتح الباري (11/420).
(95) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة ق، باب {وتقول هل من مزيد}، حديث رقم (4850).
(96) فتح الباري (8/597).
(97) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري، في كتاب التفسير، تفسير سورة ن، باب {عتل بعد ذلك زنيم}، حديث رقم (4918).
(98) فتح الباري (8/663).
(99) حديث صحيح.(1/209)
…أخرجه مسلم في كتاب الزهد حديث رقم (2979). وانظر جامع الأصول (4/674).
(100) حديث حسن.
…أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب ماجاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، حديث رقم (2354).
…والحديث قال عنه الترمذي: "حسن صحيح"، وحسنه محقق جامع الأصول (4/673).
(101) جامع الأصول (4/672-673)، وهو كلام الغزالي في إحياء علوم الدين (4/194)، وله تتمة، حيث قال رحمه الله: "وهذا كقوله : "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة" ... الخ كلامه، فانظر إذا شئت.
(102) حديث صحيح لغيره.
…أخرجه أبوداود الطيالسي في مسنده ص133، وأحمد في المسند (5/275-276 الميمنية)، والترمذي في كتاب صفة القيامة، باب صفة أواني الحوض، حديث رقم (2444)، واللفظ له، و ابن ماجة، في كتاب الزهد، باب ذكر الحوض، حديث رقم (4303)، والحاكم في المستدرك (4/184)، والبيهقي في البعث ص118-119، حديث رقم (135-136) من طريق الحاكم. وأخرجه مختصراً على المرفوع فقط الطبراني في الكبير من طريقين (2/99،100)، تحت رقم (1437، 1443).
…والحديث قال عنه الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سَلَّامٍ الْحَبَشِيُّ اسْمُهُ مَمْطُورٌ وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ"، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وصحح المرفوع منه الألباني في السلسلة الصحيحة تحت رقم (1082)، بسند الطبراني، ونبّه إلى أن في سند الحديث عند الترمذي وابن ماجة والحاكم انقطاعاً، وصحح الحديث محققو مسند أحمد (10/302) تحت تخريج الحديث رقم (6162).(1/210)
…تنبيه: قال في تهذيب التهذيب (10/296)، في ترجمة أبي سلام ممطور: "قال ابن معين وابن المديني: لم يسمع من ثوبان، وقال أحمد: ما أراه سمع منه، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: روى ممطور عن ثوبان وعمر بن عبسة والنعمان وأبي أمامة مرسل. فسألت أبي: هل سمع من ثوبان؟ فقال: لا أدري"اهـ قلت: وأنت ترى في هذا الحديث الذي أمامك تصريح أبي سلام بالسماع من ثوبان، وكذا هو في مسند أحمد، فيكون التصريح بالسماع وهم، وهذه علة، لكنها تنجبر بأمرين اثنين: أوّلهما: بأن للمتن شواهد، وستأتي إن شاء الله تعالى. وثانيهما: بأن أبا سلام لم ينفرد برواية الحديث عن ثوبان، فقد تابعه معدان بن أبي طلحة في الطريق الذي علقه الترمذي في كلامه السابق، وتابعه سليمان بن يسار في الطريق الثاني عند الطبراني في الكبير، المشار إليهما سابقاً.
(103) من كلام المنذري في الترغيب والترهيب (4/419-420).
(104) حديث صحيح لغيره.
…أخرجه أحمد في المسند (10/302 التركي) حديث رقم (6162).
…والحديث قال المنذري في الترغيب والترهيب (4/420): "رواه أحمد باسناد حسن"اهـ، وصحح الحديث لغيره محققو المسند في تحقيق ماتع جزاهم الله خيراً.
…ويشهد له ماجاء عن ثوبان الحديث السابق.
…وورد بمعنى الحديث ماجاء عن أبي أمامة الباهلي عند الطبراني في الكبير (8/140) حديث رقم (7546)، بسند قال عنه المنذري في الترغيب والترهيب (4/420): "إسناده حسن في المتابعات"اهـ، وقال محققو المسند (10/304 التركي): "في إسناده ضعف"اهـ، قلت: لكن لفظ محل الشاهد منه: "وإن ممن يرد عليه من أمتي الشعثة رؤوسهم.." فلم يقل: "أول من يرد عليّ الحوض.."، ولذلك لم أذكره في الصلب.
…تنبيه: وقع في سند الحديث عن أبي أمامة عند الطبراني: "عن عبدالله بن العلاء بن زيد" صوابه: "عبدالله بن العلاء بن زبر"، ويعرف بمراجعة تهذيب التهذيب (10/296) ترجمة أبي سلام ممطور.(1/211)
…فائدة: جاءت رواية شاذة للمتن عن عتبة السلمي مرفوعاً بلفظ: "أما الحوض فيزدحم عليه فقراء المهاجرين الذين يقتلون في سبيل الله، ويموتون في سبيل الله" أخرجها ابن حبان (الإحسان 14/361 حديث رقم 6450)، والطبراني في الكبير (17/127)، والبيهقي في البعث ص186، حديث رقم (274)، ومدار السند عندهم على عامر بن زيد البكالي عن عتبة بن عبد السلمي عن رسول الله (. وعامر البكالي لا يعرف بجرح ولا تعديل، ترجم له في الجرح والتعديل فلم يذكره بشيء، وقد خالف في روايته هنا رواية الثقات للحديث باللفظ المذكور في الصلب.
(105) حديث صحيح.
…أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة حديث رقم (315).
(106) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، حديث رقم (7).
(107) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري، في كتاب التفسير، تفسير سورة ن، باب {عتل بعد ذلك زنيم}، حديث رقم (4918).
(108) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب فضل الفقر، حديث رقم (6447).
(109) فتح الباري (11/278).
(110) فتح الباري (9/583).
(111) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب مايحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، حديث رقم (6425).
(112) نقله في فتح الباري (11/245).
(113) فتح الباري (11/245).
(114) حديث صحيح.
…أخرجه الترمذي في كتاب الجهاد باب الاستفتاح بصعاليك المسلمين حديث رقم (1702) واللفظ له، وأبوداود في كتاب الجهاد باب الانتصار برذل الخيل والضعفه، حديث رقم (2594)، والنسائي في كتاب الجهاد باب الاستنصار بالضعيف (3179 المعرفة).
…والحديث قال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم (779)، وفي صحيح سنن الترمذي (2/140 حديث رقم 1392)، وصححه محقق جامع الأصول (4/676).
(115) حديث صحيح.(1/212)
…أخرجه البخاري في كتاب الجهاد باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، مختصراً، ولفظه: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟" وأخرجه النسائي في كتاب الجهاد باب الاستنصار بالضعيف، (3178 المعرفة) واللفظ له. انظر جامع الأصول (4/677).
(116) هذا الدعاء ورد في حديث اختصام الملأ الأعلى عن معاذ (، وهو حديث صحيح لغيره.
…أخرجه أحمد في المسند (5/243)، والترمذي في كتاب التفسير، في تفسير سورة ص، حديث رقم (3235).
…والحديث قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/147).(1/213)
…في الباب عن ابن عباس عند أحمد في المسند (1/368)، والترمذي (3231)، وصححه عنه محقق جامع الأصول (9/548)!، وعن عبدالرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي ( عند أحمد في المسند (4/66)، وعن عبدالرحمن بن عائش عن رسول الله( عند الدارمي في كتاب الرؤيا، باب في رؤية الرب تعالى في النوم، من طريق الوليد بن مسلم، وهذا الطريق قال عنه البخاري بعد تصحيحه للحديث من طريق عبدالرحمن بن عائش عن مالك بن يخمر عن معاذ، فيما نقله عنه الترمذي في السنن في المواضع السابقة، أنه قال: "هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ اللَّجْلَاجِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَايِشٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَلِيدُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَايِشٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَايِشٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَصَحُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَايِشٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"اهـ.(1/214)
…وهذا الحديث قد أفرده ابن رجب بالشرح في جزء سمّاه "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى. ولفظ الحديث عند الترمذي: "عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ احْتُبِسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ الشَّمْسِ فَخَرَجَ سَرِيعًا فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ فَقَالَ لَنَا عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ أَنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي فَاسْتَثْقَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَبِّ قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى قُلْتُ لَا أَدْرِي رَبِّ قَالَهَا ثَلَاثًا قَالَ فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَبِّ قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى قُلْتُ فِي الْكَفَّارَاتِ قَالَ مَا هُنَّ قُلْتُ مَشْيُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ قَالَ ثُمَّ فِيمَ قُلْتُ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَلِينُ الْكَلَامِ وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ قَالَ سَلْ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي(1/215)
وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا"
(117) حديث حسن.
…أخرجه أحمد في المسند (5/159)، والطبراني في الصغير (2/48 حديث رقم 758 الروض الداني).
(118) يشير رحمه الله إلى حديث: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله"، وهو حديث حسن لغيره، عن البراء (. أخرجه أبوداود الطيالسي في مسنده ص101، وأحمد في مسنده (4/286) بلفظ: "أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله".
…والحديث حسنه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم (998)، و (1728).
(119) يشير إلى حديث صحيح عن أنس (.
…أخرجه البخاري في كتاب الإيمان حديث رقم (16)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، حديث رقم (43)، ولفظه عند مسلم: "عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَمَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ كَانَ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ"(1/216)
(120) جاء حديث رواه أحمد بإسناد ضعيف، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَحِقُّ الْعَبْدُ حَقَّ صَرِيحِ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُبْغِضَ لِلَّهِ فَإِذَا أَحَبَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَبْغَضَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَدِ اسْتَحَقَّ الْوَلَاءَ مِنَ اللَّهِ وَإِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ عِبَادِي وَأَحِبَّائِي مِنْ خَلْقِي الَّذِينَ يُذْكَرُونَ بِذِكْرِي وَأُذْكَرُ بِذِكْرِهِمْ". وفي السند: رشدين بن سعد، ضعفه في التقريب ص326، وعبدالله بن الوليد لين الحديث كما في التقريب ص556.
(121) جاء حديث عن معاذ (، أخرجه أحمد بإسناد ضعيف، فيه سهل بن معاذ قال في التقريب ص420: "لابأس به، إلا في روايات زبّان عنه"اهـ، وهذا الحديث أخرجه أحمد من طريقين كليهما عن زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ قَالَ أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا أَوْ تَصْمُتَ".
(122) اختيار الأولى ص74-75.
(123) يشير رحمه الله إلى قوله تعالى: {ولاتطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجه الله..} الأنعام:52، وقوله تعالى: {ولاتطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا} الكهف:28، وماجاء في سبب نزولهما.
(124) حديث ضعيف عن أبي هريرة (، بذكر المسكين.(1/217)
…أخرجه أحمد في المسند (2/263)، من طريق حَمَّادٌ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ:"إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ"، وهذا الطريق فيه الرجل المبهم، وبه يُعل الطريق الآخر الذي ساقه أحمد في المسند (2/387)، من طريق حماد عن أبي عمران عن أبي هريرة ( بلفظه غير أنه لم يقل: "إذا أردت أن تليين قلبك"، ولم يذكر الواسطة بين أبي عمران وأبي هريرة (.
…نعم ذكر اليتيم في الحديث جاء ما يشهد له، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (854).
(125) حديث صحيح عن أبي هريرة (.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب لينظر إلى من هو أسفل منه، حديث رقم (6490)، ومسلم في كتاب الزهد حديث رقم (2963).
(126) اختيار الأولى ص84-88 باختصار.
(127) المراد بالأحكام في هذا المقصد ما هو أعم من الحكم الشرعي، الذي هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو الوضع أو التخيير [انظر منتهى الوصول والأمل ص32]، ليشمل اسناد أمر إلى آخر بالإيجاب أو السلب [انظر التعريفات ص92].
…ويلاحظ أن الكلام على الفقير عند الإطلاق يشمل المسكين، والعكس صحيح، على ما سبق تحريره عند بيان الفرق بين لفظ الفقير والمسكين، فليكن على ذُكر منك، وفقك الله.
(128) التحرير والتنوير (3/59).
(129) تفسير الزجاج (1/350-351)، ونقله في زاد المسير (1/323).
(130) روح المعاني (3/40).
(131) التحرير والتنوير (3/60)، وانظر ما يساعده في البحر المحيط (2/319).
(132) روح المعاني (3/40).
(133) انظر تفسير الرازي (7/65)، وقارن بتفسير الخازن (1/198).
(134) حديث حسن لغيره. والجملة هذه من حديث عن معاذ بن جبل (.(1/218)
…أخرجه أحمد في المسند (5/231)، والترمذي في كتاب الإيمان باب حرمة الصلاة، حديث رقم (2619)، وابن ماجة في كتاب الفتنة، باب كف اللسان في الفتنة، حديث رقم (3973).
…والحديث أعله بالانقطاع الألباني في الإرواء (2/140-141) حديث رقم (413)، وصححه في صحيح سنن الترمذي (2/328)، وصحيح سنن ابن ماجة (2/359)، وصححه لغيره محقق جامع الأصول (9/534)، قلت: والمقطع المذكور من الحديث جاء ما يشهد له كذلك من حديث كعب بن عجرة (، انظر تخريجه في تعليقة محقق جامع الأصول (4/76)، وقد صحح حديث كعب بن عجرة الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/189).
(135) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {فأمّا من اعطى واتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأمّا من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى} اللهم اعط منفقا مالا خلفاً، حديث رقم (1442)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك، حديث رقم (1010).
(136) انظر روح المعاني (3/40).
(137) انظر مدارج السالكين (1/311-312).
(138) انظر المحرر الوجيز (1/264).
(139) حديث صحيح.
…أخرجه الترمذي في كتاب التفسير، باب ومن سورة البقرة، حديث رقم (2988)، واللفظ له، وابن حبان (الإحسان 3/278، حديث رقم 998).
…والحديث قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي الْأَحْوَصِ لَا نَعْلَمُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ"اهـ، وصححه ابن حبان، وفي السند عند الترمذي وابن حبان: عطاء بن السائب، اختلط بأخرة. قال محقق الإحسان ما خلاصته: للحديث طريق آخر عند الطبري في تفسيره بإسناد صحيح موقوف على ابن مسعود (، ومثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، فيكون متابعاً قاصراً لرواية عطاء.
(140) التحرير والتنوير (3/59).
(141) البحر المحيط (2/320).
(142) تفسير السمرقندي (3/84).
(143) إحياء علوم الدين (4/190).(1/219)
(144) المحرر الوجيز (4/434-435).
(145) تيسير الكريم الرحمن (6/309-311).
(146) مدارج السالكين (3/440).
(147) تيسير الكريم الرحمن (6/16).
(148) حديث ضعيف بهذا السياق.
…أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة، باب حدثنا هناد...، حديث رقم(2495) والسياق له، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، حديث رقم (4257).
…والحديث قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ"اهـ.
…وضعفه الألباني بهذا السياق في ضعيف سنن الترمذي 285، وفي ضعيف سنن ابن ماجة 348.(1/220)
…قلت: في السند عند الترمذي ليث بن أبي سُليم صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك. التقريب ص818. ومدار السند عندهما على شهر بن حوشب قال في التقريب ص441: "صدوق كثير الأوهام والإرسال"اهـ. وقد خالف في الفاظ رواية هذا الحديث رواية الثقات، وأكثر الفاظ الحديث عند مسلم في كتاب البر والصلة والأدب باب تحريم الظلم، حديث رقم (2577)، ولفظ مسلم: "عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا(1/221)
أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".
(149) ذكر هذه القصيدة ابن عبدالهادي في العقود الدرية ص391. ونقلها محقق كتاب اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى بهامش ص102. وقد نقل بيتين من هذه القصيدة ابن رجب في كتابه اختيار الأولى ص102، ونسبهما إليه، كما نقل منها ابن القيم بيتا في مدارج السالكين (3/440).
(150) من كلام ابن قيم الجوزية رحمة الله عليه في مدارج السالكين (2/438).
(151) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {لايسألون الناس الحافا}، حديث رقم (1479).
(152) فتح الباري (3/343).
(153) انظر التمهيد لابن عبدالبر (18/50). وقارن بـ طرح التثريب (4/32-33).
(154) حديث صحيح، عن أبي هريرة (.
…أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، حديث رقم (2581).
(155) حديث صحيح، عن ابن مسعود (.
…أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، حديث رقم (2608).
(156) حديث صحيح.
…أخرجه مالك في الموطأ كتاب الجامع باب ماجاء في المساكين، أبوداود في كتاب الزكاة باب حق السائل، والترمذي في كتاب الزكاة باب ماجاء في حق السائل، حديث رقم (665)، والنسائي في كتاب الزكاة باب رد السائل.
(157) التمهيد لابن عبدالبر (18/50). وقارن بـ طرح التثريب (4/32-33).
(158) التمهيد لابن عبدالبر (18/49).
(159) الوسيط للواحدي (1/385).
(160) تفسير البغوي (1/258).
(161) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب الصدقة باليمين حديث رقم (1423)، ومسلم في كتاب الزكاة باب فضل اخفاء الصدقة، حديث رقم (1031).
(162) حديث صحيح.(1/222)
…أخرجه أبوداود في كتاب الصلاة باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، حديث رقم (1333)، والترمذي في كتاب فضائل القرآن باب ماجاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ماله من الأجر، حديث رقم (2919)، والنسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب فضل السر على الجهر.
…والحديث قال الترمذي عنه: "حديث حسن غريب"، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/10).
(163) تفسير الرازي (7/73،74).
(164) انظر المحلى (6/156)، تفسير القرطبي (3/333)، وتفسير المنار (3/80).
(165) تفسير القرطبي (5/4).
(166) أثر صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف..}، حديث رقم (4575)، ومسلم في كتاب التفسير حديث رقم (3019).
(167) حديث حسن.
…أخرجه النسائي في كتاب الوصايا باب ماللوصي من مال اليتيم إذا قام عليه، وأبوداود في كتاب الوصايا، باب ماجاء فيما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم والنساء، حديث رقم (2872)، وابن ماجة في الوصايا، باب قوله: {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف}، حديث رقم (2718).
…والحديث حسنه محقق جامع الأصول (11/641)، ونقل تقويته عن ابن حجر في الفتح.
(168) انظر حاشية السندي على النسائي (6/257).
(169) انظر تفسير الرازي (9/190-191).
(170) تفسير القرطبي (5/410).
(171) انظر زاد المسير (2/222)، وتفسير القرطبي (5/413).
(172) المفردات ص416.
(173) دلالة (إنما) على الحصر أفاض في تقريرها الرازي رحمه الله في تفسيره (16/105).
(174) (2/158). وانظر المحرر الوجيز (2/47)، و تفسير الرازي (16/104).
(175) الكشاف (2/159)، حاشية ابن المنير على الكشاف (2/159).
(176) حاشية ابن المنير على الكشاف (2/159).
(177) تفسير الرازي (16/106).
(178) روح المعاني (17/407).
(179) أضواء البيان (5/630).
(180) انظر أضواء البيان (5/602).
(181) انظر الأموال لأبي عبيد ص719.
(182) (4/119).
(183) التحرير والتنوير (17/247-248).(1/223)
(1) أضواء البيان (5/604-605) باختصار.
(185) من كلام القرطبي رحمه الله في تفسيره (12/49).
(186) تفسير الطبري (دار الفكر) (17/148) باختصار.
(187) المحرر الوجيز (4/119).
(188) تفسير الرازي (23/29).
(189) تفسير ابن كثير (3/217).
(190) محاسن التأويل (12/20).
(191) سيأتي لفظه تاماً وتخريجه قريباً، من حديث عائشة عند مسلم.
(192) تفسير القرطبي (12/44).
(193) أخرجه البخاري كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها، حديث رقم (5569)، وهو من ثلاثيات البخاري، وقد أوردته بسنده لذلك، وأخرجه مسلم في كتاب الأضاحي باب بيان ماكان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أوّل الاسلام، وبيان نسخه، واباحته إلى متى شاء، حديث رقم (1974).
(194) حديث صحيح.
…أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي باب بيان ماكان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أوّل الاسلام، وبيان نسخه، واباحته إلى متى شاء، حديث رقم (1971).
(195) هذا مبني على مسألة أصولية، وهي: الأمر بعد النهي هل يقتضي الوجوب، أو الإباحة، أو يعيد الحكم إلى ماكان عليه قبل النهي؟ أقوال، أرجحها عند المحققين الثالث، والله اعلم.
(196) تفسير الرازي (23/29).
(197) انظر: تفسير الرازي (23/29)، وتفسير الطبري (12/49)، وتفسير ابن كثير (3/217، 223).
(198) أضواء البيان (5/604).
(199) انظر تفسير ابن كثير (3/223).
(200) (17/146).
(201) علّقه البخاري في الجامع الصحيح، في كتاب الحج، بَاب رُكُوبِ الْبُدْنِ لِقَوْلِهِ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ...}، وساق الآية إلى قوله: {وبشر المحسنين}، ثم علق قول مجاهد هذا.
(202) الموطأ، كتاب الصيد، باب مايكره من أكل الدواب.
(203) (4/123).(1/224)
(204) جرى الشهاب في حاشيته على البيضاوي (6/299)، على هذا هنا، فأيد بالقراءة تفسير (القانع) بالمتعفف الراضي بما عنده، وبما يعطى من غير مسألة، وذلك منه عملاً بأن الأصل توافق القراءات. قلت: وهذا الأصل متقرر، ومعناه أن القراءات لا تخالف تضاد أو تعارض بينها. وهذا الأصل بهذا المعنى لا يمنع أن تفسر كل قراءة بمعنى مادامت لا تؤدي إلى التضاد والتعارض في معنى الآية، وذلك توسيعاً لمعنى الآية بالقراءاتين، عملاً بقاعدة: إعمال الكلام أولى من اهماله، والتأسيس أولى من التأكيد. انظر القراءات وأثرها في التفسير والأحكام (1/396).
(205) فإذا فسرنا (القانع) بالمتعفف عن السؤال، يقابله (المعتر) وهو السائل. وإذا فسرنا (القانع) بالسائل مع ذلة، يقابله (المعتر) السائل بغير ذلة.
(206) انظر تفسير الطبري (17/166).
(207) انظر المحرر الوجيز (4/123)، وزاد المسير (5/426)، وتفسير القرطبي (12/64).
(208) التحرير والتنوير (17/264).
(209) من كلام صاحب التحرير والتنوير (17/264).
(210) نقله القرطبي في تفسيره (12/64).
(211) تفسير الواحدي (3/318)، تفسير البغوي (3/341).
(212) الكشاف (3/73)، زاد المسير (6/36).
(213) تفسير الواحدي (3/318)، تفسير البغوي (3/341).
(214) وقد أورد الألباني في السلسلة الصحيحة تحت رقم (2487) معناه مرفوعاً عن ابن عباس بلفظ: "التمسوا الرزق بالنكاح".
(215) في سند الطبري لهذا الأثر "حسن أبوالحسن" قال في لسان الميزان (6/364): "مجهول". انظر تخريج الأحاديث والآثار في تفسير ابن جزي الكلبي (2/992).
(216) تفسير الطبري (18/125-126) باختصار.
(217) تفسير القرطبي (12/241).
(218) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب فضل الفقر، حديث رقم (6447).
(219) حاشية ابن المنير على الكشاف (3/74).
(220) معاني القرآن للزجاج (4/40).
(221) تفسير القرطبي (12/242).(1/225)
(222) مجمل هذه الوقفات مستفادة من تفسير ابن عاشور رحمه اللّه "التحرير والتنوير" (26/135-138).
(223) تيسير الكريم الرحمن (7/89)، التحرير والتنوير (26/134-135).
(224) بسط معنى فقر الناس عند تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى اللّه والله هو الغني الحميد} فاطر:15.
(225) الكشاف (4/81-82).
(226) التحرير والتنوير (28/87-88).
(227) انظر حاشية ابن المنير على الكشاف (2/81-83).
(228) روح المعاني (28/56).
(229) المحرر الوجيز (5/286-287).
…تنبيه: ساق الألوسي رحمه اللّه في روح المعاني (28/51)، عبارة ابن عطية هكذا: "قال ابن عطية: للفقراء الخ، بيان لقوله تعالى: {اليتامى والمساكين وابن السبيل...}"اهـ كذا فزاد "اليتامى".
…قلت: وهذا خلاف ما في تفسير ابن عطية، فإنه لم يذكر اليتامى، وكذا نقل عبارة ابن عطية كما في تفسيره بدون ذكر اليتامى: أبوحيان في البحر المحيط (8/247)، والسمين في الدر المصون (6/295).
(230) الدر المصون (6/295).
(231) معاني القرآن للزجاج (5/146-147).
(232) الوسيط (4/272).
(233) حاشية ابن المنير على الكشاف (4/81-83).
(234) تفسير الطبري (28/40)، تفسير القرطبي (18/19).
(235) تفسير القرطبي (18/19).
(236) الدر المصون (6/295)، تفسير الجلالين مع الفتوحات الإلهية للجمل (4/315).
(237) الفتوحات الإلهية (4/315) نقلاً عن الكرخي.
(238) تفسير القرطبي (18/19)، الدر المصون (6/295).
(239) الدر المنثور (8/100-101).
(240) روح المعاني (28/51).
(241) زاد المعاد (5/84).
(242) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس، حديث رقم (3094)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، حديث رقم (1757)، والنسائي في كتاب قسم الفيء، آخر حديث فيه، (7/136).
(243) حديث حسن لغيره.(1/226)
…أخرجه أحمد في المسند تحت رقم (292) وفي سنده محمد بن ميسر ضعيف. وقد تابعه محمد بن مسلمة عند أبي داود في كتاب الخراج والإمارة باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية، حديث رقم (2950)، ومدار الطريق عندهما على محمد بن إسحاق وهو مدلس، وقد عنعن، ولكن الحديث السابق عن مالك بن أوس ( يشهد له، ومن طريق أبي داود أخرجه الضياء في المختارة (1/395).
…والحديث أورده الضياء في المختارة، كما رأيت، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/569).
(244) زاد المعاد (5/85-87). وهذا الذي ذكره ابن القيم رحمه اللّه تعالى، يقف مع ظاهر الآية، وسياقها، وهو أولى مما خطر في بال الألوسي رحمه اللّه (وذكره في روح المعاني 28/56)، مما لم ير من تعرض له.
(245) أخرجه أبوداود في كتاب الديات، باب في جناية العبد يكون للفقراء، حديث رقم (4590)، واللفظ له، والنسائي في كتاب القسامة، باب سقوط القود بين المماليك فيما دون النفس، حديث رقم (4751)، والدارمي في كتاب الديات باب القصاص بين العبيد حديث رقم (2368).
(246) معالم السنن (6/381-382).
(247) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الدعوات في مواضع منها باب التعوذ من فتنة الفقر، حديث رقم (6377)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر الفتن وغيرها، حديث رقم (589)، وأخرجه بنحوه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
(248) السنن الكبرى للبيهقي (7/12).
(249) فتح الباري (11/177).
(250) حديث صحيح.
…أخرجه أحمد في مسنده (2/540)، وأبوداود في سننه في كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، حديث رقم (1544)، وابن ماجة في كتاب الدعاء، باب ماتعوذ منه رسول اللّه ( ، حديث رقم (3842)، والنسائي في كتاب الاستعاذة باب الاستعاذة من الفقر حديث رقم (5479) واللفظ له، وابن حبان في صحيحه (الإحسان حديث رقم (1003)، (1030)، والحاكم في المستدرك (1/531)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/12) بمعناه.(1/227)
…والحديث صححه ابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، حديث رقم (1445)، وفي صحيح سنن أبي داود (1/287)، وصحح اسناده محقق الإحسان على شرط مسلم.
(251) حديث صحيح.
…أخرجه أحمد في مسنده (5/36،39،42،44)، والنسائي في كتاب السهو باب التعوذ في دبر الصلاة (1/290)، وفي كتاب الاستعاذة باب الاستعاذة من الفقر، وابن حبان (الإحسان 1/102).
…والحديث صححه ابن حبان، والألباني، وفي الإرواء حديث رقم (860)، وفي صحيح سنن النسائي (3/111).
(252) حديث حسن لغيره عن أنس (.
…أخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب ماجاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، حديث رقم (2353)، وهو قطعة من حديث أنس رضي الله عنه، وقال عنه الترمذي: "حديث غريب"، وفي السند الحارث بن النعمان الليثي، ضعيف. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب مجالسة الفقراء، حديث رقم (4126)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي سنده أبو المبارك رجل مجهول.
…والحديث حسنه لغيره الألباني في إرواء الغليل (3/358-363).
(253) حديث صحيح.
…أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان2/461، حديث رقم 685)، في قصة، هذا بعضها، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/327) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرجاه من طريق الأعمش عن زيد بن وهب عن أبي ذر مختصراً"اهـ، وأخرجه الطبراني في الكبير (2/154، تحت رقم 1643)، وقال في مجمع الزوائد (10/237): "رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه"اهـ.
…والحديث صححه محقق الإحسان على شرط مسلم، وصححه مجدي فتحي السيد في تحقيقه لكتاب "قمع الحرص بالزهد والقناعة" للقرطبي ص121.
(254) انظر مدراج السالكين (2/440).
(255) من كلام ابن حجر رحمه الله، في فتح الباري (11/273). وانظر كلاماً للقرطبي في هذا المعنى فيه (11/272)، وقارن بـ قمع الحرص بالزهد والقناعة ص120.
(256) مجموع الفتاوى (11/130-131).(1/228)
(257) انظر فتح الباري (11/274-275).
(258) إحياء علوم الدين (4/193).
(259) إحياء علوم الدين (4/191).
(260) أخرج الترمذي في كتاب الزهد باب ماجاء في المبادرة بالعمل، حديث رقم (2306)، من طريق مُحْرِزِ بْنِ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ".
… قَالَ الترمذي رحمه الله: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحْرِزِ بْنِ هَارُونَ وَقَدْ رَوَى بِشْرُ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحْرِزِ بْنِ هَارُونَ هَذَا وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَمَّنْ سَمِعَ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ وَقَالَ تَنْتَظِرُونَ"اهـ.
…قال في تقريب التهذيب ص923: "محرز بن هارون بن عبدالله التيمي متروك"اهـ. فالحديث بهذا السند ضعيف جداً.
…وأخرج البزار (كشف الأستار4/23) من طريق بكر بن خنيس عن أبي عمران الجوني عن الجعد عن أنس ( قال: "ما صلى بنا رسول اللّه ( صلاة مكتوبة قط إلا قال حين أقبل علينا بوجهه: اللهم إني أعوذ بك من كل عمل يخزيني وأعوذ بك من كل صاحب يرديني، وأعوذ بك من كل أمل يلهيني، وأعوذ بك من كل فقر ينسيني، وأعوذ بك من كل غنى يطغيني".(1/229)
…قال البزار: "لا نعلم رواه عن أنس إلا الجعد، ولا عنه إلا أبوعمران، ولم يسند أبوعمران عن الجعد إلا هذا، ولا حدّث به عن أبي عمران إلا بكر، وليس بالقوي، ولانعلم حدّث به غيره"اهـ
…قال في مجمع الزوائد: (10/110): "رواه البزار وفيه بكر بن خنيس وهو متروك، وقد وثق. ورواه أبويعلى وفيه عقبة عن عبدالله الأصم وهو ضعيف جداً"اهـ
(261) التلخيص الحبير (3/123)، وانظر منه (3/109)، وقارن بـ تحفة الأحوذي (3/271).
(262) حديث صحيح.
…أخرجه النسائي في كتاب الزكاة، باب الفقير المختال.
…والحديث صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (363).
…قلت: وفي الباب عن أبي ذر ( ، انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (8/137 حديث رقم 3349).
(263) حديث صحيح.
…أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، و لاينظر إليهم، و لايزكيهم ولهم عذاب اليم، حديث رقم (107).
(264) قد أشار إلى هذا المعنى ابن القيم في مدارج السالكين (2/440)، وابن حجر في فتح الباري (11/273).
(265) فيض القدير (3/332)، نقلا عن القونوي رحمه اللّه.
(266) حديث صحيح.
…أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان2/461، حديث رقم 685)، في قصة، هذا بعضها، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/327) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرجاه من طريق الأعمش عن زيد بن وهب عن أبي ذر مختصراً"اهـ، وأخرجه الطبراني في الكبير (2/154، تحت رقم 1643)، وقال في مجمع الزوائد (10/237): "رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه"اهـ.
…والحديث صححه محقق الإحسان على شرط مسلم، وصححه مجدي فتحي السيد في تحقيقه لكتاب "قمع الحرص بالزهد والقناعة" للقرطبي ص121.
(267) انظر مدراج السالكين (2/440).(1/230)
(268) من كلام ابن حجر رحمه الله، في فتح الباري (11/273). وانظر كلاماً للقرطبي في هذا المعنى فيه (11/272)، وقارن بـ قمع الحرص بالزهد والقناعة ص120.
(269) حديث صحيح.
…أخرجه أحمد في المسند بنحوه (2/410)، والترمذي في أوّل كتاب الزهد، حديث رقم (2305).
…والحديث قال عنه الترمذي رحمه الله: "قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالُوا لَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِيُّ عَنِ الْحَسَنِ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"اهـ.
…والحديث حسنه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم (930).
(270) سنن الدارمي المقدمة باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله، تحت رقم (362).
(271) التلخيص الحبير (3/123)، وانظر منه (3/109)، وقارن بـ تحفة الأحوذي (3/271).
(272) تفسير البغوي (1/90).
(273) المحرر الوجيز (1/172). ذكر هذا في معرض تضعيفه لقول بعضهم: إن هذا الميثاق أخذ على بني إسرائيل حين أخرجوا من صلب آدم عليه السلام كالذر.
(274) أي المسكنة والخضوع والذلة.
(275) المحرر الوجيز (1/172).
(276) زاد المسير (1/108-109).
(277) التحرير والتنوير (1/584).
(278) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، حديث رقم (5353)، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب فضل الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، حديث رقم (2982).
(279) البحر المحيط (1/282).
(280) حديث صحيح.(1/231)
…أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، حديث رقم (2983). ولفظ مسلم من طريق مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْغَيْثِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ". وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
(281) البحر المحيط (1/284)، وقارن بـ تفسير الرازي (3/165،166-167)، وتفسير الخازن (1/63).
(282) زاد المسير (2/91)، التحرير والتنوير (4/251).
(283) تفسير القرطبي (5/48-49).
(284) في كتاب التفسير، باب {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} الآية، تحت رقم (4576).
(285) فتح الباري (8/242)، نيل المرام ص106.
(286) زاد المسير (2/19)، التحرير والتنوير (4/251).
(287) تفسير الرازي (9/197).
(288) تفسير القرطبي (5/49).
(289) أثر صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، باب قول اللّه عزوجل: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فارزقوهم منه}، تحت رقم (2759).
(290) تفسير الرازي (9/196)، وتفسير القرطبي (3/50).
(291) التحرير والتنوير (2/318).
(292) تفسير ابن كثير (2/89).
(293) تفسير القرطبي (8/278).
(294) زاد المسير (2/413-414).
(295) محاسن التأويل (6/352).
(296) انظر تفسير القرطبي (6/276).
(297) زاد المسير (2/413).
(298) تفسير القرطبي (6/276-277).
(299) محاسن التأويل (6/352).
(300) تفسير القرطبي (6/279).
(301) تفسير ابن كثير (2/90).
(302) تفسير الرازي (12/77).
(303) المبسوط في القراءات العشر ص164، النشر في القراءات العشر (2/255).
(304) الكشف عن وجوه القراءات السبع (1/418-419)، زاد المسير (2/425).(1/232)
(305) أخرجه ابن منصور في سننه (4/1622)، تحت رقم (832)، ومن طريقه البيهقي (5/186)، وابن حزم في المحلى (7/221)، وأخرجه عبدالرزاق في المصنف (4/397)، تحت رقم (8198)، والطبري (11/12569،12572،12602،12609)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/1208). انظر تخريج الأحاديث والآثار في تفسير ابن جزي الكلبي .
(306) زاد المسير (2/425-426)، تفسير ابن كثير (2/100).
(307) زاد المسير (2/455)، وتفسير ابن كثير (2/100).
(308) زاد المسير (2/426)، تفسير ابن كثير (2/100).
(309) زاد المسير (2/426)، تفسير ابن كثير (2/100).
(310) تفسير ابن كثير (2/100).
(311) تفسير القرطبي (8/1-2).
(312) نيل المرام ص244.
(313) انظر معاني القرآن للزجاج (2/414).
(314) سنن النسائي (7/134-135).
(315) دليل السالك ص80.
(316) حديث صحيح.
…أخرجه أبوداود في كتاب الجهاد، باب في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه، حديث رقم (2755). وعن عبادة بن الصامت ( بنحوه أخرجه النسائي في كتاب قسم الفيء (7/131).
…والحديث صححه الألباني عن عمرو بن عبسة ( في إرواء الغليل (5/73) وصحيح سنن أبي داود (2/527)، وحسنه عن عبادة ( في الإرواء (5/74) وصحيح سنن النسائي (3/865)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (985).
(317) انظر معاني القرآن للزجاج (2/415-416).
(318) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (5/1703)، والنسائي في كتاب قسم الفيء (7/132).
(319) زاد المعاد (5/85-87). وهذا الذي ذكره ابن القيم رحمه اللّه تعالى، يقف مع ظاهر الآية، وسياقها، وهو أولى مما خطر في بال الألوسي رحمه اللّه (وذكره في روح المعاني 28/56)، مما لم ير من تعرض له.(1/233)
(320) حديث صحيح لغيره. إلا قوله: " أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أَنْتَ وَرِثْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ أَهْلُهُ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا بَلْ أَهْلُهُ!" ففيه عندي نكارة؛ لمخالفته ما ثبت من قوله (: "إنا معشر الأنبياء لا نورث".
…والحديث أخرجه أحمد في المسند حديث رقم (14)، وأبوبكر المروزي في مسند أبي بكر الصديق ( تحت رقم (78)، وأبوداود في كتاب الإمارة باب في صفايا رسول اللّه ( من الأموال، حديث رقم (2973).
…قلت: وإسناد الحديث حسن، ويترقى إلى الصحيح، بما أخرج البخاري في التاريخ الكبير (4/46) والسهمي في تاريخ جرجان ص493، من حديث سعد بن تميم السكوني - وكان من الصحابة - قال: قيل: يارسول اللّه ما للخليفة من بعدك؟ قال: مثل الذي لي ما عدل في الحكم وقسط في القسط ورحم ذا الرحم، فمن فعل غير ذلك فليس مني ولست منه" وصحح إسناده الأرنؤوط في تحقيقه لمسند أحمد (1/192).
…والحديث عن أبي بكر ( حسن إسناده الأرنؤوط في تحقيقه لمسند أبي بكر الصديق للمروزي ص121، وفي تحقيقه لمسند أحمد (1/192).
(321) علقه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة بني إسرائيل، بَاب قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. وانظر فتح الباري (8/394).
(322) المحرر الوجيز (3/451).
(323) انظر الإكليل ص143، محاسن التأويل (10/222).
(324) حديث حسن.
…أخرجه أبوداود في كتاب الزكاة باب الرخصة في ذلك (الإشارة إلى ترجمة الباب قبله: باب الرجل يخرج من ماله)، حديث رقم (1678)، واللفظ له، وأخرجه الترمذي في كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما كليهما، حديث رقم (3675)، والدارمي في كتاب الزكاة باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده، حديث رقم (1660).
…والحديث قال عنه الترمذي رحمه الله: "حسن صحيح"اهـ، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/315).(1/234)
(325) الجامع الصحيح للبخاري كتاب الزكاة. انظر فتح الباري (3/294-295).
(326) معالم السنن (2/254).
(327) من حديث حكيم بن حزام (، أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، حديث رقم (1428)، ومسلم في كتاب الزكاة باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، حديث رقم (1034) ولفظ مسلم: "عن حَكِيم بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".
(328) حديث صحيح، عن عبدالله بن عمرو (، بنحوه.
…أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك واثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم، حديث رقم (996)، ولفظه: "عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ قَالَ لَا قَالَ فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ"، وأخرجه أبوداود في كتاب الزكاة باب في صلة الرحم، حديث رقم (1692)، ولفظه: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول".
(329) حديث حسن لغيره، وهو جزء من حديث طويل لأبي ذر (.
…أخرجه أحمد في المسند في مسند أبي ذر ( (5/179)، وفي مسند أبي أمامة ( عن أبي ذر ( (5/265).(1/235)
…وفي السند الأول: أبوعمرو الشامي ضعيف ويقال أبوعمر، وهو دمشقي تقريب التهذيب ص1181، وعبيد بن الخشخاش لين تقريب التهذيب ص649، وفي السند الثاني: معان بن رفاعة لين الحديث كثير الإرسال تقريب التهذيب ص953، وعلي بن زيد ضعيف تقريب التهذيب ص696. والسندان يتقويان فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن لغيره، خاصة وأن لأكثر فقراته شواهد ثابتة. وسياقه تاماً كما أخرجه أحمد في الموضع الأول من طريق أَبِي عَمْرٍو الشَّامِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْخَشْخَاشِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: قُمْ فَصَلِّ! قَالَ: فَقُمْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ. فَقَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ اسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ! قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لِلْإِنْسِ مِنْ شَيَاطِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَبَا ذَرٍّ. أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قَالَ: قُلْتُ بَلَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ: قُلْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ.
… قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الصَّلَاةُ؟ قَالَ: خَيْرٌ مَوْضُوعٌ فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ.
… قَالَ: قُلْتُ فَمَا الصِّيَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَرْضٌ مُجْزِئٌ.
… قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الصَّدَقَةُ؟ قَالَ: أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ وَعِنْدَ اللَّهِ مَزِيدٌ.
… قَالَ: قُلْتُ أَيُّهَا أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟قَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيرٍ.(1/236)
…قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ.
… قُلْتُ: فَأَيُّ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّل؟ قالَ آدَمُ. قُلْتُ: أَوَنَبِيٌّ كَانَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ.
… قُلْتُ: فَكَمِ الْمُرْسَلُونَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: ثَلَاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا".
…وأخرج ابن حبان (الإحسان 14/69)، عن أبي أمامة أن رجلاً قال: يارسول الله أنبيّ كان آدم؟ قال: نعم، مكلم. قال فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون.
…وصحح إسناده محقق الإحسان.
…وأخرج ابن حبان (الإحسان 2/76-79)، حديث أبي ذر في سياق آخر طويل جداً، فيه زيادات منكرة، بسند ضعيف جداً.…
(330) حديث ضعيف بهذا السياق.
…أخرجه الدارمي في كتاب الزكاة باب النهي عن الصدقة بجميع ما عند الرجل، حديث رقم (1659) بنحوه، وأخرجه أبوداود في كتاب الزكاة باب الرجل يخرج من ماله، حديث رقم (1673)، واللفظ له.
…قلت: في السند عندهما ابن اسحاق مدلس، وقد عنعن، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص169، وقال إنما يصح منه جملة: "خير الصدقة..."."اهـ(1/237)
(331) يشير إلى حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قال: "جَاءَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّيْتَ قَالَ لَا قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَلْقَوْا ثِيَابًا فَأَعْطَاهُ مِنْهَا ثَوْبَيْنِ فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الثَّانِيَةُ جَاءَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ قَالَ فَأَلْقَى أَحَدَ ثَوْبَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ هَذَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرْتُ النَّاسَ بِالصَّدَقَةِ فَأَلْقَوْا ثِيَابًا فَأَمَرْتُ لَهُ مِنْهَا بِثَوْبَيْنِ ثُمَّ جَاءَ الْآنَ فَأَمَرْتُ النَّاسَ بِالصَّدَقَةِ فَأَلْقَى أَحَدَهُمَا فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ خُذْ ثَوْبَكَ"
…أخرجه النسائي في كتاب الجمعة باب حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته، حديث رقم (1407 دار المعرفة) واللفظ له، وأخرجه أبوداود في كتاب الزكاة باب الرجل يخرج من جميع ماله، حديث رقم (????) ولفظه: عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سَعْدٍ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرَحُوا ثِيَابًا فَطَرَحُوا فَأَمَرَ لَهُ بِثَوْبَيْنِ ثُمَّ حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ فَطَرَحَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَصَاحَ بِهِ وَقَالَ خُذْ ثَوْبَكَ".(1/238)
…وأخرجه الترمذي، في كتاب الصلاة باب ماجاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب حديث رقم (511)، وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ماجاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب، حديث رقم (1113) كلاهما بنحوه مختصراً دون ذكر قصة الصدقة.
…والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/305)، وفي صحيح سنن أبي داود (1/314).
(332) المغني لابن قدامة (3/83-84).
(333) كما ردّ الرسول ( صدقة الرجل في حديث أبي سعيد الخدري ( الذي سبق قريباً في كلام الموفق ابن قدامة رحمه الله.
(334) يشير إلى حديث كعب ( في قصة توبته، ومحل الشاهد فيه ذكره البخاري في ترجمته للباب السابق ذكره أعلاه، وهو : "وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ".
(335) نقله في فتح الباري (3/295).
(336) الجامع الصحيح للبخاري كتاب الزكاة. انظر فتح الباري (3/294-295).
(337) حديث صحيح، عن عبدالله بن عمرو (، بنحوه.
…أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك واثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم، حديث رقم (996)، ولفظه: "عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ قَالَ لَا قَالَ فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ"، وأخرجه أبوداود في كتاب الزكاة باب في صلة الرحم، حديث رقم (1692)، ولفظه: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول".(1/239)
(338) المغني (3/83).
(339) من كلام صاحب التحرير والتنوير (15/78).
(340) انظر: زاد المسير (3/457) نقلاً عن ابن الأنباري، تفسير الرازي (21/160)، تفسير القرطبي (8/169).
(341) حديث صحيح.
…أخرجه مسلم في كتاب البيوع باب من باع نخلاً عليها ثمر، حديث رقم (1543)، والنسائي في كتاب البيوع، باب العبد يباع ويستثني المشتري ماله، حديث رقم (4650) (7/297) واللفظ له.
(342) تفسير القرطبي (8/170)، استفدت منه ما جاء في أوّلآً وثانياً.
(343) مفردات الراغب ص237، بصائر ذوي التمييز (3/242).
(344) تفسير الطبري (30/206) دار الفكر.
(345) انظر مختصر اختلاف العلماء للطحاوي، اختصار الجصاص (5/30-31)، تفسير الرازي (16/108) (31/186).
(346) من كلام ابن الأثير في جامع الأصول (7/643-644).
(347) حديث حسن لغيره، دون قوله: "والعرق ستون صاعاً".
…أخرجه أحمد في المسند (6/410)، أبوداود في تفريع أبواب الطلاق، باب في الظهار، حديث رقم (2214)، واللفظ له وفي السند عند أبي داود عنعنة ابن إسحاق، لكنه صرّح بالتحديث عند أحمد، وذكر أبوداود للحديث روايات أخرى، واشار إلى أنها اختلفت في تحديد مقدار العرق.
…والحديث صححه لغيره الألباني في إرواء الغليل (7/173)، وحسنه في صحيح سنن أبي داود (2/417)، دون قوله: "والعرق ستون صاعاً"، لكنه صحح رواية: "يعني بالعرق: زنبيلاً يأخذ خمسة عشر صاعاً". كما حسن الحديث محقق جامع الأصول (7/652). وقد صرّح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد في المسند.
(348) قال ابن الأثير رحمه اللّه في جامع الأصول (7/650): "وحشين: رجل وحش: إذا لم يكن له طعام من قوم أو حاش. وأوحش الرجل: جاع، وتوحش الرجل، أي: خلا بطنه من الجوع"اهـ
(349) حديث حسن لغيره دون قوله: "وهل اصبت ما اصبت إلا من الصيام".(1/240)
…أخرجه أبوداود في تفريع أبواب الطلاق، باب في الظهار، حديث رقم (2213) واللفظ له، والترمذي في الطلاق باب ماجاء في كفارة الظهار، تحت رقم (1200) مختصراً، وفي التفسير باب ومن سورة المجادلة تحت رقم (3295) مطولاً بنحو سياق أبي داود، وابن ماجة في الطلاق، باب الظهار، حديث رقم (2062).
…والحديث صححه لغيره الألباني في إرواء الغليل (7/176،180) الحديث رقم (2091)، و(2094)، وحسنه في صحيح سنن أبي داود (2/416)، وكذا محقق جامع الأصول (7/650). وذكر في الإرواء (7/180) تحت رقم (2094) أن قوله في الرواية: "وهل اصبت ما اصبت إلا من الصيام" ضعيف، مع تصحيحه لأصل الحديث؛ لأنه ليس في شيء من طرقه أو شواهده ذكر هذه الكلمة.
(350) صحيح سنن الترمذي باختصار السند (1/352)
(351) زاد المعاد (5/343).
(352) زاد المعاد (5/339).
(353) المغني (7/375).
(354) زاد المعاد (5/340).
(355) زاد المعاد (5/340).
(356) الجامع الصحيح، كتاب التفسير، سورة ن والقلم. انظر فتح الباري (8/661).
(357) الإكليل ص215.
(358) قال ابن حجر العسقلاني رحمه اللّه في فتح الباري (6/502)، عند شرحه لهذه الكلمة: "بدا للّه": "بتخفيف الدال المهملة بغير همز، أي: سبق في علم اللّه فأراد اظهاره، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافياً؛ لأن ذلك محال في حق اللّه تعالى. وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ: "أراد اللّه أن يبتليهم" ... والمعنى: أظهر اللّه ذلك فيهم. ... والمراد: قضى اللّه أن يبتليهم، وأمّا البدء الذي يراد به تغير الأمر عما كان عليه فلا"اهـ
(359) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث أبرص وأعمى وأقرع، في بني إسرائيل، حديث رقم (3464) واللفظ له، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، حديث رقم (2964).
(360) فتح الباري (6/503).
(361) التحرير والتنوير (26/348-349).
(362) التحرير والتنوير (26/351).
(363) حديث صحيح.(1/241)
…أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب {لا يسألون الناس الحافاً}، حديث رقم (4539).
(364) أخرجها البخاري في كتاب الزكاة باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس الحافا}، وكم الغنى، حديث رقم (1479).
(365) أخرجها البخاري في الموضع السابق نفسه، تحت رقم (1476).
(366) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب الصدقة على اليتامى حديث رقم (1465)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، حديث رقم (1052).
(367) أخرجها البخاري في الرقاق باب ما يُحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، حديث رقم (6427).
(368) انظر فتح الباري (11/247، 248).
(369) فتح الباري (11/247).
(370) فتح الباري (11/249).
(371) الكشاف (4/136).
(372) الكشاف (4/136).
(373) المحرر الوجيز (5/361).
(374) تفسير البيضاوي مع حاشية الشهاب (8/240).
(375) حاشية الشهاب على البيضاوي (8/240).
(376) التحرير والتنوير (29/139).
(377) التحرير والتنوير (29/139).
(378) التحرير والتنوير (29/327).
(379) حديث صحيح.
…أخرجه الترمذي في كتاب القيامة وصفة الجنة، باب منه، حديث رقم (2485) واللفظ له، وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ماجاء في قيام الليل، حديث رقم (1334).
…والحديث قال الترمذي: "هذا حديث صحيح"، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/303).
(380) تفسير السعدي (7/630).
(381) تفسير الواحدي (الوسيط) (4/391).
(382) تفسير البغوي (5/489-490).
(383) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب حجبت النار بالشهوات، حديث رقم (6487)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث رقم (2823)، ولم يذكر لفظه، وذكر أنه مثل لفظ حديث أنس ( الذي ساقه قبله.
(384) حديث صحيح.
…أخرجه مسلم، في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث رقم (2823).
(385) حديث صحيح.(1/242)
…أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل اسباغ الوضؤ على المكاره، حديث رقم (251).
(386) حديث صحيح لغيره.
…أخرجه أحمد في المسند (5/243)، والترمذي في كتاب التفسير، في تفسير سورة ص، حديث رقم (3235)، واللفظ له.
…والحديث قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/147).
…في الباب عن ابن عباس عند أحمد في المسند (1/368)، والترمذي (3231)، وصححه عنه محقق جامع الأصول (9/548)!، وعن عبدالرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي ( عند أحمد في المسند (4/66)، وعن عبدالرحمن بن عائش عن رسول الله( عند الدارمي في كتاب الرؤيا، باب في رؤية الرب تعالى في النوم، من طريق الوليد بن مسلم، وهذا الطريق قال عنه البخاري بعد تصحيحه للحديث من طريق عبدالرحمن بن عائش عن مالك بن يخمر عن معاذ، قال: "هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ اللَّجْلَاجِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَايِشٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَلِيدُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَايِشٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَايِشٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَصَحُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَايِشٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"اهـ.(1/243)
…وهذا الحديث قد أفرده ابن رجب بالشرح في جزء سمّاه "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى.
(387) حديث حسن.
…أخرجه أحمد في المسند (5/159)، والطبراني في الصغير (2/48 حديث رقم 758 الروض الداني).
(388) يشير رحمه الله إلى حديث: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله"، وهو حديث حسن لغيره، عن البراء (. أخرجه أبوداود الطيالسي في مسنده ص101، وأحمد في مسنده (4/286) بلفظ: "أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله".
…والحديث حسنه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم (998)، و (1728).
(389) يشير إلى حديث صحيح عن أنس (.
…أخرجه البخاري في كتاب الإيمان حديث رقم (16)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، حديث رقم (43)، ولفظه عند مسلم: "عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَمَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ كَانَ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ"(1/244)
(390) جاء حديث رواه أحمد بإسناد ضعيف، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَحِقُّ الْعَبْدُ حَقَّ صَرِيحِ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُبْغِضَ لِلَّهِ فَإِذَا أَحَبَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَبْغَضَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَدِ اسْتَحَقَّ الْوَلَاءَ مِنَ اللَّهِ وَإِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ عِبَادِي وَأَحِبَّائِي مِنْ خَلْقِي الَّذِينَ يُذْكَرُونَ بِذِكْرِي وَأُذْكَرُ بِذِكْرِهِمْ". وفي السند: رشدين بن سعد، ضعفه في التقريب ص326، وعبدالله بن الوليد لين الحديث كما في التقريب ص556.
(391) جاء حديث عن معاذ (، أخرجه أحمد بإسناد ضعيف، فيه سهل بن معاذ قال في التقريب ص420: "لابأس به، إلا في روايات زبّان عنه"اهـ، وهذا الحديث أخرجه أحمد من طريقين كليهما عن زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ قَالَ أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا أَوْ تَصْمُتَ".
(392) اختيار الأولى ص74-75.
(393) حديث حسن لغيره عن أنس (.
…أخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب ماجاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، حديث رقم (2353)، وهو قطعة من حديث أنس رضي الله عنه، وقال عنه الترمذي: "حديث غريب"، وفي السند الحارث بن النعمان الليثي، ضعيف. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب مجالسة الفقراء، حديث رقم (4126)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي سنده أبو المبارك رجل مجهول.(1/245)
…والحديث حسنه لغيره الألباني في إرواء الغليل (3/358-363).
(394) السنن الكبرى للبيهقي (7/12) بتصرف يسير، وقارن بـ المجموع شرح المهذب (6/196)..
(395) كذا قال رحمه الله، ولم أجده عند ابن ماجه، وقد عزاه الألباني في إرواء الغليل (3/362) إلى الشيرازي في الألقاب من طريق طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً، قال: "لكن طلحة بن عمرو متروك"اهـ. قلت: والحديث عند ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري، كما رأيت في تخريجه آنفاً.
(396) سياق الحديث بتمامه : عن أنس بن مالك (: قال رسول الله (: "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة. فقالت عائشة: لم يارسول الله؟ قال: إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً. يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، ياعائشة أحبي المساكين وقربيهم، فإن الله يقربك يوم القيامة" . قلت: هذه الزيادة (التي تحتها الخط)، سندها ضعيف، ولم يأت ما يشهد لها في هذا السياق، نعم جاء ما يشهد لها في غير هذا السياق، فافهم. وانظر إرواء الغليل (3/359).…
(397) اختيار الأولى ص96-97.
(398) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي ( وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6460)، ومسلم في كتاب الزهد حديث رقم (1055)، واللفظ له، وانظر فتح الباري (11/293).
…وجاء في رواية: "كفافاً" مكان "قوتا". والكفاف: الذي لا يفضل عن الشيء. انظر جامع الأصول (4/671-672).
(399) انظر فتح الباري (11/274-275).
(400) انظر فتح الباري (11/274-275).
(401) نقله في فتح الباري (11/293).
(402) من كلام ابن بطال رحمه اللّه تعالى، نقله في فتح الباري (11/293) .
(403) حاشية ابن عابدين (2/79).
(404) القوانين الفقهية ص76، الفواكه الدواني (1/403)، بلغة السالك (1/239).
(405) المهذب (1/235).
(406) المغني (3/78)، الإنصاف (3/186).
(407) المحلى (6/143).
(408) حديث حسن.(1/246)
…أخرجه أبوداود في كتاب الزكاة باب زكاة الفطر، حديث رقم (1609)، وابن ماجة في كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر حديث رقم (1827).
…والحديث حسنه محقق جامع الأصول (4/644)، ووقع فيه : "عبدالله بن عمر" بدلاً من "عبدالله بن عباس" وهو خطأ مطبعي، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/303).
(409) انظر مجموع الفتاوى (25/73-75).
(410) مجموع الفتاوى (25/73).
(411) زاد المعاد (2/22).
(412) ما بين معقوفتين، من مجموع الفتاوى (25/75-76) بتصرف يسير.
(413) ذكر هذه القاعدة السيوطي رحمه الله، ونبّه إلى أنها قاعدة أغلبية، انظر تهذيب وترتيب الاتقان ص575.
(414) المحلى (6/145).
(415) السموط الذهبية ص114.
(416) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الحج باب قول الله تعالى: (أو صدقة ( وهي إطعام ستة مساكين، حديث رقم (1815)، وهي الرواية الأولى، والثانية أخرجها في كتاب المغازي باب غزوة الحديبية، حديث رقم (4191)، …وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم، إذا كان به أذى ووجوب الفدية، حديث رقم (1201).
(417) شرح صحيح مسلم للنووي (8/121) بتصرّف يسير.
(418) شرح صحيح مسلم للنووي (8/121) .
(419) مابين المعقوفتين من إحياء علوم الدين (4/190-193) باختصار.
(420) انظر في هذه المسألة غير المواضع المحال إليها في الهامش، ما يلي: التمام لما صح من الروايتين عن الإمام (2/302)، مجموع الفتاوى (11/20-22،119-121، 122-133)، الآداب الشرعية (3/487)، شرح الطحاوية لابن أبي العز ص406-407، غذاء الألباب للسفاريني (2/302).
(421) مدارج السالكين (3/442-443).
(422) من كلام ابن تيمية في مختصر الفتاوى ص572، وانظر مجموع الفتاوى (11/69).(1/247)
(423) يشير رحمه الله إلى أن الفقر والغنى وصفان لا يحكم عليهما بذاتهما، إنما يحكم عليهما بحسب حال من أتصف بهما، فمن ألهاه غناه عن الطاعة فالغنى في حقه مذموم، ومن شغله الفقر عن الطاعة فالفقر في حقه مذموم، فإن استوت الحال، فالسلامة لا يعدلها شيء!
(424) فتح الباري (9/583).
(425) مختصر الفتاوى ص300.
(426) حديث حسن لغيره.
…أخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب ماجاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، حديث رقم (2353)، وهو قطعة من حديث أنس رضي الله عنه، وقال عنه الترمذي: "حديث غريب"، وفي السند الحارث بن النعمان الليثي، ضعيف. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب مجالسة الفقراء، حديث رقم (4126)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي سنده أبو المبارك رجل مجهول.
…والحديث حسنه لغيره الألباني في إرواء الغليل (3/358-363).
(427) حديث صحيح، عن عبدالله بن عمرو بن العاص (.
…أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب في الكفاف والقناعة، حديث رقم (1054).
(428) حديث صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
…أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي ( وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، حديث رقم (6460)، ومسلم في كتاب الزهد حديث رقم (1055)، واللفظ له، وانظر فتح الباري (11/274-275، 293).
(429) الكافي لابن عبدالبر ص114،115، جواهر الإكليل (1/138).
(430) المهذب للشيرازي (1/231،232،236)، و الغاية القصوى للبيضاوي (1/390،391).
(431) المقنع ص60-61، المغني (2/622)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3/443)، معونة أولي النهى (2/759-761).
(432) المحلى (6/152).
(433) حديث صحيح.
…أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، حديث رقم (1044).
(434) الحاوي للماوردي (8/520).
(435) حديث صحيح.(1/248)
…أخرجه أحمد في المسند (3/56)، واللفظ له، وأخرجه أبوداود في كتاب الزكاة باب من يجوز له أخذ الصدقة، وهو غني حديث رقم (1635)، وابن ماجة في كتاب الزكاة باب من تحل له الصدقة، حديث رقم (1841).
…والحديث صححه الألباني في إرواء الغليل (3/377)، وصحيح سنن ابن ماجة (1/308).
(436) حديث صحيح.
…أخرجه الترمذي في كتاب الزكاة، باب ما جاء من تحل له الزكاة، حديث رقم (650) واللفظ له، وأبوداود في كتاب الزكاة باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى، حديث رقم (1626)، وابن ماجة في كتاب الزكاة، باب من سأل عن ظهر غنى، حديث رقم (1840)، والدارقطني (2/142)، كلهم من طريق حكيم بن جبير عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود ( مرفوعاً.
…والحديث قَالَ الترمذي رحمه الله عقب إيراده له: "حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ صَاحِبُ شُعْبَةَ: لَوْ غَيْرُ حَكِيمٍ حَدَّثَ بِهَذَا االْحَدِيثِ! فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: وَمَا لِحَكِيمٍ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ شُعْبَةُ؟! قَالَ: نَعَمْ! قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُ زُبَيْدًا يُحَدِّثُ بِهَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ"اهـ
…قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (499): "حكيم بن جبير ضعيف، لكن متابعة زبيد وهو ابن الحارث الكوفي تقوِّي الحديث؛ فإنه ثقة ثبت، وكذلك سائر الرواة ثقات، فالإسناد صحيح من طريق زبيد. وقال الترمذي (يعني: عن حديث ابن مسعود من طريق حكيم): "حديث حسن"."اهـ
(437) سنن الترمذي كتاب الزكاة باب ماجاء من تحل له الزكاة.(1/249)
(438) نقل هذا التوجيه عن المجد ابن تيمية. معونة أولي النهى (2/761). وانظر نحو هذا الجواب في الحاوي للماوردي (8/521).
(439) حديث صحيح.
…أخرجه أحمد (4/180، 181)، وأبوداود في كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة، حديث رقم (1629)، وابن حبان (الإحسان 2/304، 8/187، حديث رقم (545، 3395).
…والحديث صححه ابن حبان، والألباني في صحيح سنن أبي داود (1/306)، وصحح إسناده محقق الإحسان.
(440) الحاوي للماوردي (8/521).
(441) صحيح ابن حبان (الإحسان 8/188).
(442) الأموال لأبي عبيد ص662-663.
(443) الزكاة للقرضاوي ص556.
(444) حديث صحيح.
…أخرجه أحمد في المسند ( 4/224)، (5/362)، وأبوداود في كتاب الزكاة باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى، حديث رقم (1633)، والنسائي في كتاب الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب، حديث رقم (2598) واللفظ له، كلهم من طريق:"هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ االْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَانِهِ... الحديث.
…والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/307)، وصحح إسناده محقق الإحسان (8/85)، حيث ذكره شاهداً.
(445) الأموال ص667.
(446) مجموع الفتاوى (28/570).
(447) حديث صحيح.
…أخرجه أحمد في المسند ( 4/224)، (5/362)، وأبوداود في كتاب الزكاة باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى، حديث رقم (1633)، والنسائي في كتاب الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب، حديث رقم (2598) واللفظ له، كلهم من طريق:"هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ االْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَانِهِ... الحديث.(1/250)
…والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/307)، وصحح إسناده محقق الإحسان (8/85)، حيث ذكره شاهداً.
(448) انظر المهذب للشيرازي (1/232).
(449) انظر المقنع ص61-62، معونة أولي النهى (2/788-789).
(450) مجموع الفتاوى (28/573-574).
(451) جواهر الإكليل (1/142)، الكافي لابن عبدالبر ص111.
(452) المهذب للشيرازي (1/221)، الغاية القصوى للبيضاوي (1/397).
(453) المغني (3/73)، شرح الزركشي (2/544-555)، معونة أولي النهى (2/706).
(454) حديث صحيح لغيره.
…أخرجه أحمد في المسند (2/230)، بهذا اللفظ وتمامه: "...واليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول"، وأخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، حديث رقم (1426) ولفظه: "عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".
(455) مختصر الطحاوي ص51، الاختيار لتعليل المختار (1/123).
(456) بدائع الصنائع (2/69).
(457) حديث صحيح.
…أخرجه أحمد (4/180، 181)، وأبوداود في كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة، حديث رقم (1629)، وابن حبان (الإحسان 2/304، 8/187، حديث رقم (545، 3395).
…والحديث صححه ابن حبان، والألباني في صحيح سنن أبي داود (1/306)، وصحح إسناده محقق الإحسان.
(458) صحيح ابن حبان (الإحسان 8/188)، باختصار وتصرف يسير.
(459) الأموال لأبي عبيد ص662-663.(1/251)
(460) أخرج أحمد في المسند ( 4/224)، (5/362)، وأبوداود في كتاب الزكاة باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى، حديث رقم (1633)، والنسائي في كتاب الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب، حديث رقم (2598)، كلهم من طريق: " هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ االْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَانِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَلَّبَ فِيهِمَا الْبَصَرَ فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ" هذا لفظ النسائي.
…والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/307)، وصحح إسناده محقق الإحسان (8/85)، حيث ذكره شاهداً.
(461) مجموع الفتاوى (28/569- 576) باختصار
(462) انظر في مذهب أبي حنيفه: الاختيار لتعليل المختار (4/139)، وفي مذهب مالك الكافي لابن عبدالبر ص217، وفي مذهب أحمد المقنع ص94.
(463) المهذب للشيرازي (2/324).
(464) أحكام أهل الذمة (1/48).
(465) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، حديث رقم (1395). وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، حديث رقم (19)، عن ابن عباس (: "أن معاذاً قال له..."،
(466) انظر المغني (3/78-79).
(467) الأموال لأبي عبيد ص728.
(468) مختصر الطحاوي ص52، الاختيار لتعليل المختار (1/120).
(469) المعونة للقاضي عبدالوهاب (2/444)، الكافي لابن عبدالبر ص115.
(470) كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (1/124)، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (2/27).
(471) شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/433)، معونة أولي النهى شرح المنتهى (2/795).
(472) الاجماع لابن المنذر ص51.
(473) الأموال لأبي عبيد ص728.(1/252)
(474) انظر الأموال لأبي عبيد ص728، وقال ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير (1/327): "وهذا قول الجمهور"اهـ.
(475) حديث صحيح.
…أخرجه أبوعبيد في الأموال ص605، والبزار (كشف الأستار 3/42 تحت رقم 2193)، والنسائي في تفسيره (1/282)، والطبري (5/587)، والطبراني في المعجم الكبير (12/54) تحت رقم (12453)، والحاكم في المستدرك (2/285) (4/156)، والبيهقي في السنن (4/191).
(476) أخرجه ابن أبي حاتم (كما ذكره ابن كثير في تفسيره (1/596-567)، بإسناد حسن. وله متابع عند ابن أبي شيبة في المصنف (3/177). انظر تخريج أحاديث وآثار تفسير ابن جزي الكلبي (1/295).
(477) زاد المسير (1/327).
(478) من كلام ابن الجوزي رحمه الله في كتابه زاد المسير (8/237).
(479) ما سبق ص729.
(480) الأموال لأبي عبيد ص727-728.
(481) المغني (3/78).
(482) المغني (3/78).
(483) في الأصل المنقول عنه: "فالفرق".
(484) أحكام أهل الذمة (1/300-302).
(485) تفسير المنار (تفسير القرآن الحكيم) (3/81).
(486) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الهبة، باب الهدية للمشركين، حديث رقم (2620)، واللفظ له، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد، والوالدين، ولو كانوا مشركين، حديث رقم (1003).
(487) فتح الباري (5/234).
(488) انظر زاد المسير (8/236-237).
(489) الكسب ص96.
(490) حديث صحيح.
…أخرجه أحمد في المسند ( 4/224)، (5/362)، وأبوداود في كتاب الزكاة باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى، حديث رقم (1633)، والنسائي في كتاب الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب، حديث رقم (2598) واللفظ له، كلهم من طريق:"هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ االْخِيَارِ أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَانِهِ... الحديث.(1/253)
…والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/307)، وصحح إسناده محقق الإحسان (8/85)، حيث ذكره شاهداً.
(491) الكسب ص100ـ101.
(492) الكسب 190-193.
(493) المغني لابن قدامة (3/546).
(494) المجموع شرح المهذب (7/499).
(495) هذا هو الصواب في قراءة هذه الكلمة عندي، وقرأها محقق شرح العمدة (كتاب الحج) بالحاء المهملة: "أحد"، واستشكل اعرابها، وعلق عليها بقوله: "هكذا في النسختين، ولعل صحة العبارة: "إلى أحد في الحرم"."اهـ. والصواب ما ذكرته لك، لأن مراد ابن تيمية بيان أن كل فقير يكون بالحرم له يجزيء أخذه من لحم الهدي المفرق فيه، ولو جاء رجل من أهل الحل فأخذ، وبالله التوفيق.
(496) شرح عمدة الفقه (كتاب الحج) لابن تيمية (2/406).
(497) انظر في المذهب الحنفي بدائع الصنائع (2/174، 178)، وفي المذهب المالكي المعونة (1/546،565)، وفي المذهب الشافعي المهذب (1/294)، وفي المذهب الحنبلي المغني (3/545-546).
(498) بدائع الصنائع (2/178)، الاختيار (1/168).
(499) المعونة (1/591).
(500) المهذب (1/294)، شرح العمدة (كتاب الحج) لابن تيمية (2/370).
(501) المعونة (1/590).
(502) المغني (3/357-358).
(503) زاد المعاد (3/380-381).
(504) بدائع الصنائع (2/179)، الاختيار (1/164).
(505) المدونة (1/308)، المعونة (1/532)، دليل السالك ص67.
(506) المهذب (1/294).
(507) المغني (3/545)، شرح العمدة (كتاب الحج) لابن تيمية (2/278).
(508) انظر المهذب (1/294).
(509) انظر في مذهب أبي حنيفة بدائع الصنائع (2/179)، الاختيار (1/164)، وفي مذهب مالك المعونة (1/546، 565، 591) حيث اقتصر على أن المطلوب مجرد الذبح أو النحر في الحرم، فأفاد أن هذا هو الواجب فقط، والله اعلم.
(510) المغني (3/546).
(511) ولذلك - والله اعلم - لم أجد فيما وقفت عليه تعريفاً لفقراء الحرم إلا في كتب الشافعية والحنابلة، والله اعلم.(1/254)
(512) وانظر حجة النبي ( كما رواها جابر، للألباني ص 87، تعليق رقم (92).
(513) حديث صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، حديث رقم (843) واللفظ له، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، حديث رقم (595).
(514) أثر صحيح.
…أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب نوم الرجال في المسجد، تحت رقم (442).
(515) علقه البخاري في كتاب الصلاة، باب نوم الرجل في المسجد.
(516) علقه البخاري في كتاب الصلاة، باب نوم الرجل في المسجد.
(517) في كتابه حلية الأولياء (1/348-385)، (2/3-34).
(518) وهو مطبوع، بتحقيق مشهور بن حسن آل سلمان، وأحمد الشقيرات، مع رسالة أخرى في أهل الصفة وأحوالهم، لإسماعيل بن عبدالله الاسكداري، من مطبوعات دار السلف ـ الرياض الطبعة الأولى 1415هـ.
…فائدة: ولابن تيمية رحمه الله فصولاً ماتعة حول أعل الصفة في مجموع الفتاوى منها في (11/38-60).
(519) حديث حسن لغيره.
…أخرجه أحمد في المسند (6/410)، واللفظ له، وأبوداود في تفريع أبواب الطلاق باب في الظهار، حديث رقم (2214).
…وفي السند ابن إسحاق، وصرّح بالتحديث عند أحمد، وفي السند معمر بن عبدالله بن حنظلة، انفرد ابن حبان بتوثيقه، ولم يرو عنه إلا ابن إسحاق، فهو في حيز الجهالة، لكن جاء لحديثه شواهد، ترقيه إلى مرتبة الحسن لغيره، كما قرره الألباني في إرواء الغليل (7/173-175).
(520) قال ابن الأثير رحمه اللّه في جامع الأصول (7/650): "وحشين: رجل وحش: إذا لم يكن له طعام من قوم أو حاش. وأوحش الرجل: جاع، وتوحش الرجل، أي: خلا بطنه من الجوع"اهـ
(521) حديث حسن لغيره دون قوله فيه: "وهل أصبت ما أصبت إلا من الصيام".(1/255)
…أخرجه أبو داود في تفريع أبواب الطلاق، باب في الظهار، حديث رقم (2213) واللفظ له، والترمذي في الطلاق باب ماجاء في كفارة الظهار، تحت رقم (1200) مختصراً، وفي التفسير باب ومن سورة المجادلة تحت رقم (3295) مطولاً بنحو سياق أبي داود، وابن ماجة في الطلاق، باب الظهار، حديث رقم (2062).
…والحديث صححه لغيره الألباني في إرواء الغليل (7/176، 180) الحديث رقم (2091) و (2094)، وحسنه في صحيح سنن أبي داود (2/416)، وكذا محقق جامع الأصول (7/650). وذكر في الإرواء (7/180) تحت رقم (2094) أن قوله في الرواية: "وهل اصبت ما اصبت إلا من الصيام" ضعيف، مع تصحيحه لأصل الحديث؛ لأنه ليس في شيء من طرقه أو شواهده ذكر هذه الكلمة.
(522) وهو مطبوع، طبعته دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413هـ، توزيع دار الباز.
(523) كما رجعت إلى سنن النسائي طبع دار المعرفة، بتحقيق وترقيم مكتب تحقيق التراث الإسلامي، الطبعة الثالثة 1414هـ، وعند العزو إليها أشير إلى ذلك.
(524) وإذا رجعت إلى الطبعة التي حققها الشيخ أحمد شاكر، طبع دار المعارف، مصر 1377هـ، فإني أنبه على ذلك.
ـــــــــــــــــــ
____________________________
=
=
??
??
7
1
17
96
101
110
131
140
158
169
180
185
193
199
236
240
312
375(1/256)